خطابُ المرحلة المجلد 5

هوية الكتاب

اسم الكتاب: خطابُ المرحلة / الجزء الخامس

تأليف: توثيق لخطابات وبيانات سماحة

آية الله العظمى المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي

الطبعة : الثانية

السنة : 1437 ه- - 2016م

الناشر: دار الصادقين للطباعة والنشر والتوزيع

النجف الاشرف / شارع الرسول ص 07808289364

المطبعة:.........

ص: 1

اشارة

خطابُ المرحلة توثيق لخطابات وبيانات سماحة

آية الله العظمى المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي

ومواقفه وتوجيهاته منذ تصديه لقيادة الحركة الإسلامية في العراق بعد استشهاد استاذه

السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) عام 1999

الجزء الخامس

تشرين الأول 2006- تشرين الثاني 2008

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

خطاب المرحلة 135 :أسباب البلاء الذي يحل بالعراقيين ونتائجه

خطاب المرحلة 135 :أسباب البلاء الذي يحل بالعراقيين ونتائجه(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

[أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ] (العنكبوت2)

يوم العيد من أيام الله تعالى التي جاء فيها قوله تعالى [وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ] (إبراهيم:5) وهي من أيام قادة الإسلام العظام رسول الله (صلی الله علیه و آله) والأئمة الطاهرين (علیهم السلام)؛ لذا كان من أعمال الأعياد قراءة دعاء الندبة الذي يستذكر الأنبياء والرسل والأئمة ثم يكرّس الجزء الأكبر لإمام العصر بقية الله الأعظم (عجّل الله فرجه) ليذكرنا بأن العيد الحقيقي إنما هو حينما تملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً [وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ] (الروم:4-5).

وليذكرنا أيضاً أن لا فرح ولا سرور والمصائب تتوالى على أولياء الله تبارك وتعالى وأهل طاعته والمتمسكين بحبل الله المتين، وها نحن في العراق نعيش عنتاً وشدة وكوارث يندر أن يمر بها شعب آخر من قطع الرؤوس والتمثيل بالأجساد وقتل النساء والأطفال وتدمير دور العبادة والمدارس وتخريب البلاد وكل مظاهر الحياة المتحضرة.

ص: 5


1- خطبتا صلاة عيد الفطر المبارك لعام 1427 الموافق 24/ 10 /2006 وقد اعتاد سماحته إقامتها في داره.

لذا يحسن بالمؤمنين أن يستذكروا إمامهم المنتظر دوماً وخصوصاً بالعيد، ونتحدث اليوم عن واحدة من ألطافه ورعايته للأمة وهو دفع البلاء عنهم وتخفيف آلامهم وحمايتهم، روى أبو نصر الخادم قال: دخلت على صاحب الزمان وهو في المهد فقال: أتعرفني؟ قلت: نعم، أنت سيدي وابن سيدي. فقال: ليس عن هذا سألتك. فقلت: فسّر لي قال: أنا خاتم الأوصياء وبي يرفع الله البلاء عن أهلي وشيعتي(1).وورد في رسالته الشريفة إلى الشيخ المفيد (قدس سره): (نحن وإن كنا ناوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين، حسب الذي أرانا الله تعالى لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين، فإنا نحيط علماً بأنبائكم ولا يعزب عنا شيء من أخباركم) (إنا غيرُ مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء)(2).

السبب الأول للبلاء :

وحينما نتساءل عن سبب كل هذا البلاء الذي يحل بالشعب العراقي فسيكون بعضها عائداً إلى نفس الناس.

روي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال (أما أنه ليس من عِرقٍ يضرب ولا نكبة ولا صداع ولا مرضٍ إلا بذنب، وذلك قول الله عز وجل في كتابه [وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ] (الشورى:30) ثم قال: وما يعفو الله أكثر مما يأخذ به) وعن علي بن الحسين (علیه السلام) قال: (نِعمَ الوجع الحمى

ص: 6


1- الخرائج والجرائح: ج1/ ص458.
2- الاحتجاج للطبرسي: ج2/ص323

يعطي كل عضو قسطه من البلاء ولا خير فيمن لا يبتلى)(1).وقد يشاهد الناس صنوفاً من البلاءات لم يكن يعهدوها من قبل وهذا ما يشرحه الحديث المروي عن الإمام الرضا (علیه السلام) قال (كلما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعملون، أحدث لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون)(2).

وهذا الأمر يتطلب مراجعة مستمرة للذات ومراقبة للعمل وعرضاً متواصلاً للسلوك على الشريعة لتجنب الخطأ والزلل فنزيل أصل البلاء وسبب استحقاقه، وفي ذلك قال أمير المؤمنين (أن الله يبتلي عباده عند الأعمال السيئة بنقص الثمرات وحبس البركات وإغلاق خزائن الخيرات ليتوب تائب ويقلع مقلع ويتذكر متذكر ويزدجر مزدجر)

وليقدر الإنسان النعم الإلهية فيعرف قدرها حينما يفقدها ليحاول استغلالها في المستقبل فيما فيه رضا الله سبحانه، لكن الله يخبر عن غالب البشر أنهم حينما تعود إليهم حالة الرخاء والدعة فإنهم ينسون حالة الحاجة والاضطرار [فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ] (العنكبوت:65) وقال تعالى [وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ، فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ، فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ، أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلامُ الْغُيُوبِ] (التوبة:75-78).

ص: 7


1- مكارم الأخلاق: للطبرسي: ص357
2- الآمالي للشيخ الطوسي: ص228

وحينئذٍ إذا كانت النعمة سبباً لشقاء الإنسان سيكون من المناسب بحال الإنسان الرضا بحياة البلاء والمشقة وبهذا نفسر كلام الإمام الصادق (علیه السلام) (لن تكونوا مؤمنين حتى تكونوا مؤتمنين وحتى تعدوا نعمة الرخاء مصيبة، وذلك أن الصبر على البلاء أفضل من الغفلة عند الرخاء)(1) وورد (إذا رأيت ربك يوالي عليك البلاء فاشكره) وورد (إذا رأيت الله يتابع عليك البلاء فقد أيقظك) لكن الأحاديث الشريفة دعتنا إلى عدم تمني البلاء وأن نسال الله العافية ففي الحديث (سلوا الله العافية من جهد البلاء، فإن في جهد البلاء ذهاب الدين)(2).ويلفت الإمام المهدي (عجل الله فرجه) نظرنا إلى بعض هذه الأسباب، ويعطينا الوصفات العلاجية الدقيقة في رسالته إلى الشيخ المفيد (قدس سره) ومما جاء فيها عن سبب الذل والهوان (ولا يعزب عنا شيء من أخباركم، ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً، ونبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون) (ولو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم).

ومن الحلول التي وردت في كلام الإمام (علیه السلام) (فاتقوا الله جل جلاله وظاهرونا على انتياشكم من فتنة قد أنافت عليكم) (اعتصموا بالتقية من شب نار الجاهلية) ولا تعني التقية الانزواء والانكماش وترك العمل، وإنما تعني العمل .

ص: 8


1- صفات الشيعة: ص24
2- عيون الحكم والمواعظ: 135- 175.

بالممكن حتى تنفتح فرص الأزيد (فليعمل كل امرئ منكم بما يقرُبُ به من محبتنا، ويتجنب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا، فإن أمرنا بغتة فجأة حين لا تنفعه توبة ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة) (إنه من اتقى ربه من إخوانك في الدين واخرج مما عليه إلى مستحقيه، كان آمناً من الفتنة المبطلة ومحنها المظلمة المضلة، ومن بخل منهم بما أعاده الله من نعمته على من أمره الله بصلته، فإنه يكون خاسراً بذلك لأولاه وآخرته). ولولا لطف الإمام ورعايته لكانت المحنة اشد ولما بقيت لأتباع أهل البيت باقية قال (علیه السلام) (لأننا من وراء حفظهم بالدعاء الذي لا يحجب عن ملك الأرض والسماء، فليطمئن بذلك من أوليائنا القلوب، وليثقوا بالكفاية منه، وان راعتهم بهم الخطوب، والعاقبة بجميل صنع الله سبحانه تكون حميدة لهم ما اجتنبوا المنهي عنه من الذنوب)(1).

السبب الثاني للبلاء:

وهذا الجواب ليس كافياً طبعاً لمثل المعصومين (علیهم السلام) لذا فهناك سبب آخر للبلاء، روي عن حمران بن أعين انه قال للإمام الباقر (علیه السلام) (جُعلتُ فداك، قول الله عز وجل [وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ] أرأيت ما أصاب النبي (صلی الله علیه و آله) وأمير المؤمنين (علیه السلام) وأهل بيته من المصائب بذنب؟ قال: يا حمران أصابهم ما أصابهم من غير ذنب، ولكن يطول عليهم بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب)(2) وهذا النوع من البلاء يشمل شيعتهم أيضا روي

ص: 9


1- الاحتجاج : ج2/ ص323- 325.
2- مشكاة الأنوار للطبرسي: 509.

عن الإمام الصادق (علیه السلام) قوله (بنا يبدأ البلاء ثم بكم وبنا يبدأ الرخاء ثم بكم)(1) وعن النبي (صلی الله علیه و آله) (ما أكرم الله رجلاً إلا زاد عليه البلاء)(2).وعن الإمام الصادق (علیه السلام) قال (سئل رسول الله (صلی الله علیه و آله) من اشد الناس بلاءاً في الدنيا؟ فقال: النبيون ثم الأمثل فالأمثل، ويبتلى المؤمن بعد على قدر إيمانه وحسن أعماله فمن صحّ إيمانه وحسن عمله اشتد بلاؤه، ومن سخف إيمانه وضعف عمله قل بلاؤه)(3).

وهذا البلاء على أهل البيت سلام الله عليهم وشيعتهم منصبُّ عليهم منذ وفاة رسول الله (صلی الله علیه و آله) حيث جمع أهل بيته وقال لهم (أنتم المستضعفون بعدي) وازداد البلاء بعد استشهاد أمير المؤمنين (علیه السلام)، فتنقل كتب التاريخ أنه (اشتد البلاء في الأمصار كلها على شيعة علي وأهل بيته (ع) وكان أشد الناس بلية أهل الكوفة لكثرة من بها من الشيعة، واستعمل (معاوية) عليهم زياداً الذي ألحقه بنسبه وضم إليه البصرة والكوفة وجميع العراقَين، وكان يتتبع الشيعة وهو بهم عالم لأنه كان منهم فقتلهم تحت كل كوكب وحجر ومدر، وأجلاهم وأخافهم وقطّع الأيدي والأرجل منهم وصلبهم على جذوع النخل وسمل أعينهم وطردهم وشردهم حتى انتزعوا عن العراق، فلم يبق بالعراق أحد مشهور إلا مقتول أو مطلوب أو طريد أو هارب، وكتب معاوية إلى قضاته وولاته في جميع الأرضين والأمصار: (أن لا تجيزا لأحد من شيعة علي بن أبي طالب ولا

ص: 10


1- الآمالي للشيخ المفيد: 301.
2- النوادر لقطب الدين الراوندي: 165.
3- مشكاة الأنوار :515.

من أهل بيته ولا من أهل ولايته الذين يرون فضله ويتحدثون بمناقبه شهادةً)(1).ولما حبس المنصور بني الحسن (علیه السلام) وفيهم عبد الله المحض والد محمد النفس الزكية وإبراهيم الذين ثارا على المنصور العباسي في المدينة والعراق للضغط عليهم حتى يسلموهما حبسهم أبو جعفر في محبس ستين ليلة ما يدرون بالليل هم أم بالنهار ولا يعرفون وقت الصلاة إلا بتسبيح علي بن الحسن والد الحسين بن علي صاحب فخ، فضجر عبد الله ضجرةً فقال: يا علي ألا ترى ما نحن فيه من البلاء؟ ألا تطلب إلى ربك عز وجل أن يخرجنا من هذا الضيق والبلاء؟ فسكت عنه طويلاً ثم قال: يا عم إن لنا في الجنة درجة لم نكن لنبلغها إلا بهذه البلية أو بما هو أعظم منها، وإن لأبي جعفر (يقصد المنصور العباسي) في النار موضعاً لم يكن ليبلغه حتى ليبلغ منا مثل هذه البلية أو أعظم منها فإن تشأ أن تصبر فما أوشك فيما أصبنا أن نموت فنستريح من هذا الغم كأن لم يكن منه شيء وإن تشأ أن ندعوا ربنا عز وجل أن يخرجك من هذا الغم ويقصر بأبي جعفر غايته التي له في النار فعلنا؟ قال: لا بل أصبر)(2).

أيها الأحبة:

إن ولاية أمير المؤمنين مرتبة شريفة لا تنال إلا بالجهد والبلاء وضبط النفس وتطهير القلب، قال رجل للإمام الباقر (علیه السلام): (والله إني لأحبكم أهل البيت. قال (علیه السلام): فاتخذ للبلاء جلباباً فوالله إنه لأسرع إلينا وإلى شيعتنا من

ص: 11


1- كتاب سليم بن قيس: 316.
2- مقاتل الطالبيين:131.

السيل في الوادي)(1). وشرحها بعضهم فقال: جلباباً من العمل الصالح والتقوى تكون لك جُنة من الفقر يوم القيامة وقال آخرون-في معنى فليتخذ للبلاء جلبابا-: فليرفض الدنيا وليزهد فيها وليصبر على الفقر، ويدل عليه قول أمير المؤمنين: ومالي لا أرى منهم سيماء الشيعة! فقيل: وما سيماء الشيعة يا أمير المؤمنين؟ قال: خُمصُ البطون من الطوى، يُبسُ الشفاه من الظمأ، عُمشُ العيون من البكا.لأن شيعة علي ع أتقياء أنقياء بررة صالحون ولا بد من اختبارات لتنكشف معادنهم [أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ] (العنكبوت:2-3) فإذا اجتازوا هذه الامتحانات بنجاح استحقوا ما أعد الله تعالى لهم في دار الكرامة من فضله التي أشار إليها الله تبارك وتعالى بقوله سبحانه [إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ، جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ] (البينة:7-8) وروى جابر الأنصاري عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) (أن خير البرية هم علي وشيعته) بمعنى التشيع الذي نشير إليه وذكرته الآية في ذيلها.

قال رجل للحسن بن علي (علیه السلام) (إنني من شيعتكم، فقال الحسن بن علي (علیه السلام): يا عبد الله إن كنت لنا في أوامرنا وزواجرنا مطيعاً فقد صدقت، وإن كنت بخلاف ذلك فلا تزد في ذنوبك بدعواك مرتبة شريفة لست من أهلها، لا

ص: 12


1- الآمالي للشيخ الطوسي:154.

تقل أنا من شيعتكم ولكن قل أنا من مواليكم ومحبيكم ومعادي أعدائكم وأنت في خير والى خير)(1).وقال رجل للحسين بن علي (علیه السلام) : يا ابن رسول الله أنا من شيعتكم قال (علیه السلام): (اتقِ الله ولا تدّعيَنّ شيئاً يقول الله لك: كذبت وفجَرت في دعواك، إن شيعتنا من سلمت قلوبهم من كل غش ودغل، ولكن قل: أنا من مواليكم ومحبيكم)(2).

وقد عرف أصحاب الأئمة (علیهم السلام) هذه المرتبة الشريفة لولاية أمير المؤمنين (علیه السلام) فبذلوا جهدهم ليكونوا أهلاً لها وكانوا يبكون إذا نسبوا إلى التشيع خشية أن لا يكونوا من أهل هذا الشرف كما حصل لأبي كهمس وابن أبي يعفور وفضيل بن سكرة(3).

قيل للصادق (علیه السلام): إن عمار الدهني(4) شهد اليوم عند قاضي الكوفة بشهادة فقال له القاضي: قم يا عمار فقد عرفناك، لا تُقبل شهادتك لأنك رافضي، فقام عمار وقد ارتعدت فرائصه واستفرغه البكاء فقال ابن أبي ليلى (القاضي): أنت رجل من أهل العلم والحديث إن كان يسوؤك أن يقال لك رافضي فتبرأ من الرفض وأنت من إخواننا فقال له عمار: يا هذا ما ذهبت والله إلى حيث ذهبتَ، ولكني بكيت عليك وعليّ، أما بكائي على نفسي فنسبتني إلى

ص: 13


1- مجموعة ورّام:ج2/ص106.
2- مجموعة ورّام:ج2/ص106.
3- معجم رجال الحديث للسيد الخوئي:ج12 / ص276.
4- أبو معاوية بن عمار البجلي ، وُصف بأنه وجه إن كان ثقة في أي عند العامة (معجم رجال الحديث :ج12: ص274).

رتبة شريفة لستُ من أهلها، زعمتَ أني رافضي، ويحك حدثني الصادق (علیه السلام) أن أول من سمي الرافضة السحرة الذين لما شاهدوا آية موسى (علیه السلام) في عصاه آمنوا به واتبعوه ورفضوا أمر فرعون واستسلموا لكل ما نزل بهم فسماهم فرعون الرافضة لم-ّا رفضوا دينه، فالرافضي من رفض كل ما كرهه الله وفعل كل ما أمره الله، وأين في الزمان مثل هذا، فإنما بكيت على نفسي خشية أن يطّلع الله على قلبي وقد تقبلت هذا الاسم الشريف على نفسي فيعاتبني ربي عز وجل ويقول: يا عمار أكنت رافضاً للأباطيل عاملاً للطاعات كما قال لك فيكون ذلك مقصرا بي في الدرجات إن سامحني، موجباً لشديد العقاب علي أن ناقشني إلا أن يتداركني مواليّ بشفاعتهم، وأما بكائي عليك فلعظم كذبك في تسميتي بغير اسمي وشفقتي الشديدة عليك من عذاب الله: أن صرفتَ خير الأسماء الحسان وجعلته من أرذلها)(1).وفي ضوء هذا كان أهل المعرفة بحقيقة ولاية أمير المؤمنين ليس فقط يصبرون على البلاء وإنما يعتبرونه نعمة تستحق الشكر وقد تقدم في الحديث الشريف: (لن تكونوا مؤمنين حتى تعدوا البلاء نعمة والرخاء مصيبة وذلك أن الصبر عند البلاء أفضل من الغفلة عند الرخاء).

وورد فيما أوحى الله تعالى إلى موسى بن عمران (ع) : (يا موسى ما خلقتُ خلقاً أحب إلي من عبدي المؤمن، وإني إنما أبتليه لما هو خير له، وأعافيه لما هو خير له، وأزوي عنه لما هو خير له، وأعطيه لما هو خير له، وأنا أعلم بما يصلح عليه عبدي، فليصبر على بلائي وليشكر نعمائي، وليرض

ص: 14


1- مجموعة ورّام:ج2/ص106.

بقضائي، أكتبه في الصديقين عندي إذا عمل برضاي وأطاع أمري)(1).وروي أن عيسى (ع) مر برجل أعمى أبرص مقعد مضروب الجنبين بالفالج، وقد تناثر لحمه من الجذام وهو يقول: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيراً من خلقه، فقال له عيسى (ع): (يا هذا، وأي شيء من البلاء أراه مصروفاً عنك؟) فقال: يا روح الله، أنا خير ممن لم يجعل الله في قلبه من معرفته، فقال له (صدقت، هاتِ يدك) فناوله يده، فإذا هو أحسن الناس وجهاً، وأفضلهم هيئة، وقد أذهب الله عنه ما كان به، فصحب عيسى ع وتعبد معه(2).

ومما نسب إلى الإمام الصادق (علیه السلام): فمن صبر كرهاً ولم يشكُ إلى الخلق أو لم يجزع بهتك ستره فهو من العام ونصيبه ما قال الله عز وجل (وبشّر الصابرين) أي بالجنة والمغفرة ومن استقبل البلاء بالرحب وصبر على سكينة ووقار فهو من الخاص ونصيبه قال الله تعالى: [إنَّ اللهَ مَعَ الصَابِرِينَ](3).

السبب الثالث للبلاء:

وهذا الذي ذكرناه عام لكن هناك مناشئ للبلاء خاصة بالشعب العراقي ومنها أن هذا البلد سيكون قاعدة انطلاق الإمام المهدي (عجل الله فرجه) في حركته العالمية لنشر الحق والعدل وان أهله الكنوز التي هي ليست من الذهب والفضة كما ورد في الحديث، وهم الطليعة الذين سيفتح بهم العالم وهذا الدور العظيم لا يتأهلون له إلا باجتياز عدد من الصعوبات والشدائد ونجاحهم فيها

ص: 15


1- مشكاة الأنوار للطبرسي: 515
2- مسكن الفؤاد للشهيد الثاني :ص87.
3- مصباح الشريعة:ص185.

استعداد لأداء تلك الوظيفة الإلهية [أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ] (البقرة:214).السبب الرابع للبلاء:

إن ما شهده العراق من تحولات وتغيرات بعد سقوط الصنم الصدامي والانطلاقة المباركة للشيعة في هذا البلد وعلو صوت أهل البيت (علیهم السلام) بعد أن خنقه الطغاة طيلة أربعة عشر قرناً دفع الحاسدين والحاقدين على هذا البيت الطاهر إلى محاولة إسكاته من جديد [أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً] (النساء:54) وهؤلاء الطغاة يدركون عناصر القوة في صوت الحق إذا انطلق من العراق ويخشون تساقط عروشهم الزائفة.

ومما زاد في تخوفهم حياة الحرية وممارسة الأمة لدورها للتعبير عن آرائها في قياداتها واختيار من تشاء لحكمها مما يعصف بأنظمتهم المستبدة والدكتاتورية التي تصادر رأي الأمة وتفرض سلطتها بالحديد والنار، فاندفعت القوى الإقليمية لتصدير الإرهاب والسلاح والتكفير إلى هذا البلد الكريم ليخربوه وليكسروا إرادة الأمة ويثنوها عن ممارسة دورها الطليعي، ودعموا ذلك بإعلام مضلل يشوه الحقائق ويعرضها بشكل مزيف ليُفشلوا هذا النموذج الذي وإن كثرت تحفظاتنا على تفاصيله وعلى الناس الذين تصدوا لقيادته في هذه المرحلة، إلا أن المشروع سائر في الطريق الصحيح وكل ما يحتاجه شيء من الترميم وتصحيح الاعوجاج في السير وهمة المخلصين لممارسة دورهم في

ص: 16

إصلاح الخلل والفساد وإفشال مشاريع التخريب بإذن الله تعالى.لا أريد أن أطيل أكثر من هذا وان كان الموضوع يستحق لأن خطاباتي وكلماتي المستمرة تبين الكثير من تفاصيل هذا الحديث.

بارك الله لكم في عيدكم وجعلكم ممن رضي عنهم في شهر رمضان وأعتقه من النار وكتب لهم الفوز بالجنة انه ولي النعم.

ص: 17

خطاب المرحلة 136 :طوبى لمن أدى دوره في المواجهات الحضارية الجارية في العراق

خطاب المرحلة 136 :طوبى لمن أدى دوره في المواجهات الحضارية الجارية في العراق(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

أحب أن أفتتح كلامي بحديث شريف في الموعظة لحاجتنا جميعاً لها، لأن الانهماك في العمل –ليس السياسي فقط - حتى لو نوى صاحبه بالقيام به قربة إلى الله تعالى وكان مخلصاً فيه - كما هو المفروض بكل مسلم - فانه عبادة وطاعة يؤجر عليها لكن هذا الانهماك يوجب غفلة ورينا على القلب وجلاؤه وتطهيره يكون بالموعظة، وهذا ما أشرت إليه في كلمة سابقة بعنوان (العمل السياسي من الواجبات الشرعية) .

وقد اخترت الحديث الشريف المروي عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين ع فقد سئل (كيف أصبحت يا ابن رسول الله ؟ قال أصبحت مطلوباً بثمان خصال : الله تعالى يطلبني بالفرائض، والنبي (صلی الله علیه و آله) بالسنة، والعيال

ص: 18


1- عقدت الأمانة العامة لحزب الفضيلة الإسلامي اجتماعها الدوري ليوم الجمعة 11/شوال/1427 المصادف 3/ 11/ 2006 في النجف الأشرف برعاية سماحة الشيخ اليعقوبي؛ لخطورة الأوضاع التي يمر بها العراق الحبيب والتعقيدات البالغة التي تواجهها الأمة، وحضر اللقاء أعضاء كتلة الفضيلة في البرلمان وأعضاء المكتب السياسي ومسؤولو المكاتب في الأمانة العامة وأمناء فروع الحزب في بغداد والمحافظات. وهذا الخطاب هو تقرر للحديث الذي تفضل به سماحته.

بالقوت، والنفس بالشهوة، والشيطان بالمعصية، والحافظان بصدق العمل، وملك الموت بالروح ، والقبر بالجسد، فأنا بين هذه الخصال مطلوب)(1) ويستبطن الحديث كل معاني الشفقة والعطف على من يعيش هذه التجاذبات وعليه أن يؤدي هذه الاستحقاقات التي يعرف صعوبة الخروج من عهدتها بالشكل الكامل مثل الإمام السجاد (علیه السلام)، فما حال الناس الغافلين والمقصرين.وهذه الاستحقاقات الثمانية مطلوبة من كل أحد وعليه أن يؤدي لكل ذي حق حقه فهي تمثل الحد المشترك لكل الناس، وتضاف إلى هذه الوظائف، مسؤوليات أخرى حينما يتقدم الإنسان في تحّمل شغل المواقع والوظائف فمثلّا انتم مسؤولون في حزب له قواعد جماهيرية تنتظر منكم رعاية مصالحها وحقوقها وحمايتها ورفع المظالم عنها وتمثيلها بجدارة والوفاء لها بتطبيق البرنامج الذي أعلنه حزبكم فاقتنعوا به والتفّ-وا حولكم . وأنتم يا أعضاء البرلمان تحمّ-لّّ-ّتم مسؤولية إضافية؛ لأن جماهيركم انتخبتكم فأصبحتم ممثلين لها وللمدن التي أتيتم منها وهذا يعني إنكم مطالبون بعدة استحقاقات :

أولاً: وطنية كونكم ممثلي الشعب وعليكم تشريع القوانين التي تحفظ كيان البلد ووحدته وأمنه وسيادته وازدهاره فتعملون على جمع المعلومات والخبرات الكافية قبل المشاركة باتخاذ أو اقتراح أي قانون. كما أن وجودكم ضمن لجان برلمانية كلجنة الصحة والتربية والتعليم أو النزاهة أو الخدمات وغيرها يوجب عليكم تكريس جهودكم لإنجاح عمل هذه اللجان على أكمل وجه .

ثانياً: محلية أعني مشاكل وقضايا ومقترحات محافظاتكم التي تمثلونها

ص: 19


1- بحار الأنوار: 37/ 15.

حيث أرى خللاً واضحاً في هذا المجال فلم يقم لحد ألان أعضاء البرلمان بواجباتهم تجاه مطالب محافظاتهم التي انتخبتهم .ثالثاً : سياسية باعتباركم تمثلون أحزابا وكتلا ذات أجندات وبرامج محددة اختارتكم قواعدكم على أساسها.

والملحوظ أن المتصدين للعملية السياسية - إلا من عصم الله - اهتموا بقضايا أحزابهم ومصالحها أو مصالحهم الشخصية وتركوا الاستحقاقات الأخرى وهذا ما أدى بالبلاد إلى الخراب والدمار والمفروض بكم أن توازنوا بين كل هذه الالتزامات وتؤدوا حقها وتخرجوا من عهدتها .

قد تقولون أن هذا صعب أن يفي الإنسان بكل هذه الالتزامات مع الاستحقاقات الثمانية التي وردت في حديث الإمام السجاد ع وأنا أشاطركم هذا الشعور، لكن هذه الصعوبة تذوب بالإخلاص لله تبارك وتعالى وبالتسامي عن الأنانية الشخصية والفئوية وبالهمة العالية والتفاني في العمل ، واعلموا أن الألطاف الإلهية والنفحات المعنوية تختصر لكم الطريق وتطوي المسافة وتقرب البعيد وتذلل العسير قال تعالى [وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ] [وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً]. [وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً] (الطلاق: 2، 4-5).

وتوجد رواية تهديكم إلى الكثير من الحلول لمشاكلكم وتفتح لكم آفاق المخرج من التعقيدات التي تواجهكم، خصوصاً في الساحة العراقية التي غاصت في وحلها أرجل الكبار والصغار، فقد روي عن الإمام الصادق ع

ص: 20

قوله : (ما من أحد أحبِّنا وأخلص في معرفتنا وسُئِل عن مسألة إلا ونفثنا في روعه جواباً لتلك المسألة).وإذا عجز الإنسان عن القيام بالمسؤوليات الملقاة على عاتقه فليتجنب الموقع وليترك الفرصة لغيره، فإن حركة البشرية نحو التكامل لا تتوقف لموت أحد أو انسحابه من العمل ولا حاجة إلى أن يتمادى في جهله وظلمه لنفسه فيتقمص موقعاً ليس من أهله ويكفيه ما قال فيه خالقه: [إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً] (الأحزاب: 72).

وقد يجد الإنسان نفسه أحياناً ناجحاًُ في عمله ومؤدياً لواجباته عكس ما ينظر إليه الآخرون فلا يفهم سبب اعتراض الآخرين أو توبيخهم، وما ذلك - في بعض وجوهه - إلا لفقدانه القدرة على قياس درجة النجاح وضياع المعايير الصحيحة للتقييم عنده لأنه غافل عن ما يجب عليه الوفاء به من استحقاقات، ولو التفت إليها لعرف حجم تقصيره ولكنه ينظر إلى جهةٍ واحدة ويرى نفسه ناجحاً فيها و يعمم النتيجة .

أيها الإخوة والأخوات :

إن الله تعالى خلقكم في زمان يغبطكم عليه أهل الأجيال الأخرى كما نغبط نحن جيل الصحابة الذين عاشوا مع رسول الله (صلی الله علیه و آله) وبنوا بقيادته الحكيمة صرح الإسلام العظيم، فكان لهم بكل من اهتدى بنور الإسلام صدقة جارية توجب لهم المزيد من الأجر .

ونغبط أصحاب الإمام الحسين ع لأنهم صنعوا مستقبل الأمة إلى نهاية

ص: 21

التاريخ وأرجعوا مسيرة الأمة إلى اتجاهها الصحيح وصانوها من الانحراف والتزييف فلهم على كل مسلم فضل ومنّة بموقف وقفوه عدة ساعات من النهار.ومن قبل نشكر الله تعالى انه خلقنا في زمان الإسلام والهدى، هذه النعمة التي سجّلها الإمام الحسين ع في دعاءه يوم عرفة (لم تخرجني لرأفتك بي ولطفك لي وإحسانك إليّ في دولة أئمة الكفر الذين نقضوا عهدك وكذّبوا رسلك لكنك أخرجتني للذي سبق لي من الهدى الذي له يسرتني وفيه أنشأتني).

تصوّروا أن لو أن الله تعالى خلق احدنا في زمان الجاهلية فما هي فرصة الهداية في ذلك المجتمع الذي كان يعكف على عبادة الأصنام والزنا وشرب الخمر وقتل النفس المحترمة، بحيث أن جعفر بن أبي طالب يشار إليه انه حرّم على نفسه الخمر في الجاهلية لندرة هذه الحالة، ويوصف الإمام علي بن أبي طالب ع بأنه (كرم الله وجهه) لأنه لم يسجد لصنمٍ في الجاهلية ومن هذه الأمثلة النادرة تعلموا حال الآخرين .

أقول: ما فرصة هداية الإنسان في مثل ذلك المجتمع وكم واحدٍ يمكن أن يكون مثل سلمان الفارسي الذي ولد بأرض الفرس فلما بلغ عرف ضلال قومه فراح يجوب البلدان بحثاً عن الحقيقة في بلاد الفرس والروم وارض العرب حتى اهتدى إلى رسول الله (صلی الله علیه و آله).

فهذه النعمة التي نرفل بها تضاف إلى نعمة عظيمة أن الله تبارك وتعالى اختارنا بلطفه وعطائه الابتدائي من بين الأجيال لنكون من هذا الجيل الذي

ص: 22

كلّفه برسم معالم المستقبل، كما اختار من قبل أصحاب رسول الله ص وأصحاب الحسين (علیه السلام) [مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ] (فصلت:46)، [قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ] (الأنعام:104).فقد أصبح العراق اليوم ساحة لعدة مواجهات فاصلة في التاريخ تحدّد معالم حركة التاريخ في المستقبل :

الأولى : المواجهة الحضارية بين الغرب المادي الذي يريد أن (يعولم) الشعوب ويصبغها بلون ثقافته وسلوكه وعقيدته ونمط حياته وتوجهاته الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية .

وبين الشرق المسلم الذي يريد أن يحافظ على دينه وأخلاقه وأصالته وأعرافه.

الثانية : بين الأنظمة الدكتاتورية والمستبدة التي تسلّطت على شعوبها بالقوة وصادرت إرادتهم واستعبدتهم واستأثرت بخيراتهم وكرست الجهل والخنوع والاستسلام في نفوسهم، وبين حياة حرة كريمة تحترم إرادة الأمة وتجعل القيمة العليا للإنسان وتكون الدنيا وما فيها من اجله ويكون هو لله تبارك وتعالى، فلم تعد الشعوب آلات يحقق بها الحاكم شهواته ومطامعه ونزواته [مَا أُرِيكُم إلا مَا أرَى]،[أنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى] .

الثالثة : المواجهة بين أدعياء الإسلام زوراً والمتقمصين ظلماً وعدواناً لإمامة الأمة وقيادتها، وبين أتباع الإمامة الحقّة التي عيّنها الله تبارك وتعالى وبلغ بها رسوله الكريم وما زالوا منذ أربعة عشر قرناً يدفعون على هذا الطريق دماء زكية

ص: 23

قدسّها الله تعالى ورفع من شأنها.إنها مواجهات لإحقاق الحق والدفاع عن عزة الأمة وكرامتها وضمان سلامة مسيرتها [إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ] (الصافات:60)، [لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ] (الصافات:61)، [خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ] (المطففين:26).

ص: 24

خطاب المرحلة 137 :مسؤولية المرجعية عن المتصدين لإدارة الدولة

خطاب المرحلة 137 :مسؤولية المرجعية عن المتصدين لإدارة الدولة(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

تُحمِّل القواعد المؤمنة –التي أطاعت أوامر المرجعية الرشيدة و توجهت إلى صناديق الاقتراع لاختيار مرشحيها إلى البرلمان و من ثم الحكومة رغم تهديدات الإرهاب- مسؤولية الفشل على المرجعية نفسها.

و بغض النظر عما قلناه سابقا من أن الإدلاء بالصوت في صناديق الاقتراع هو حق قبل أن يكون واجبا ألزمت به المرجعية، و الحق يستوفى و أن غلت التضحيات إذا كان مقدسا كحق اختيار من يدير شؤون الأمة ويرعى مصالحها.

و بغض النظر عما قلناه أن المرجعية قد تحرّت المصلحة الشاملة للشعب حينما قالت كلمتها وحاولت هداية الأمة إلى ما فيه صلاحها و [مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيل] (التوبة:91) .

و لسنا بصدد بيان أسباب الفشل في أن يكونوا بالمستوى الذي نطمح إليه وكم منها يرجع إلى التقصير الذي يُسألون عنه، وكم منه يرجع إلى القصور الذي يعذرون فيه.

لكنني أريد أن أشير إلى أن كثيرا من المشاريع الإصلاحية للأنبياء و الرسل

ص: 25


1- من كلمة لسماحة الشيخ (دام ظله) مع وفد من مدينة الشعلة في بغداد وآخر من مدينة الناصرية ليلة الخميس 10 شوال 1427ه- المصادف 2/ 11/ 2006.

و الأئمة و العلماء و القادة إنما تفشل في بلوغ المراد بسبب القيادة الوسطية التي تدير مفاصل المشروع و تتعامل ميدانيا مع الجمهور، و لنأخذ مثالا من حياة رسول الله (صلی الله علیه و آله) فإن الحلقة القريبة منه و التي تصدَّت لقيادة المشروع الإسلامي من بعده رغم أنها واكبت مسيرته الطويلة خلال عشرين عاماً و تعرف أنه مسدد من الله تعالى [وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى] (النجم:4) لما دنت منه الوفاة و قال (صلی الله علیه و آله) (ائتوني بدواة لأكتب لكم كتاباً لن تضلوا من بعده أبداً) قال أحدهم (إن الرجل ليهجر) و اختلفوا عنده حتى زجرهم و أمرهم بالخروج من داره لأنهم علموا أن كتابه (صلی الله علیه و آله) يخالف مصالحهم و يحبط مخططاتهم .و أما توبيخ أمير المؤمنين لأصحابه الذين ملأوا قلبه قيحا فقد ملا بطون الكتب، وهي عين المشكلة التي يواجهها الإمام المنتظر في غيبته الطويلة فانه ينتظر وجود (313) رجلا يقود بهم مشروعه العالمي العظيم ولم يجدهم إلى الآن.

فالحالة التي تشكو منها الجماهير طبيعية وتاريخية و أن كانت سيئة في نفسها، وما دمنا ممهدين للظهور الميمون فعلينا أن نعمل لبناء هذه الحلقة الوسطية القادرة على إنجاح المشروع الإلهي، وأريد أن الفت نظر كثير من المعترضين إلى أن أي واحد منهم لو تصدى إلى موقع المسؤولية لما كان أفضل من صاحبه بدليل أن تغييرات كثيرة تجري و وجوها تتبدل ولم يتحسن الحال و ربما ساء في كثير من الحالات .

ص: 26

فعلى الجماهير أن تعي- كجزء من الحل- أن هذه المشكلة متأصلة و مهما بذلنا من جهد فإننا لا نستطيع استئصالها، و أتذكر إنني قلت للسيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) في أوائل تصديه للمرجعية بعد الانتفاضة الشعبانية المباركة عام 1991 أن أخطاء موروثة للمرجعية أوجبت نفور الناس فما هو تخطيطك لتجنبها ؟ قال (اعلم أن الأخطاء المحسوبة على المرجعية على قسمين : فبعضها هي مسؤولة عنها و يمكن إصلاحها وأخرى لا يمكن إصلاحها) .

و لكنني أكرر مسؤوليتي عن متابعة المتصدين و مواصلة نصحهم و توجيههم وتصحيح مسيرتهم، ولكنني لا أدعي العصمة لنفسي و لست فوق أن أخطئ، كما إنني لا أتوقع التطبيق الكامل لكل ما أقول قصورا أو تقصيراً، وهذه حالة لدى الجميع بمن فيهم المعترضون على المرجعية -.

وأُقِّربُ لهم الفكرة بمثال- فإنهم كلهم مكلفون من قبل الله تعالى على لسان نبيه العظيم (صلی الله علیه و آله) و الأئمة الطاهرين (علیهم السلام) بتعاليم وأحكام فما هي نسبة تطبيقهم لها؟ رغم أن المسؤولية أمام الله تبارك وتعالى ونبيه و الأئمة الطاهرين أعظم من المسؤولية أمام المرجعية!

ولذا قلت قبل قليل أن المشكلة متأصلة، فليخفف المؤمنون من شعورهم بالاحتقان و الامتعاض و الاعتراض (فإن الشكوك و الظنون لواقح الفتن ، ومكدرة لصفو المنائح و المنن)(1). وقد ورد في بعض الوجوه لتفسير قوله تعالى [لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ] (الفتح:2) إنها الأخطاء التي تحسب على رسول الله (صلی الله علیه و آله) بجريرة أصحابه كفعلة خالد بن الوليد في بني جذيمة.

ص: 27


1- من أدعية الصحيفة السجادية.

خطاب المرحلة 138 :خطوات على طريق إنضاج عمل مؤسسات المجتمع المدني

خطاب المرحلة 138 :خطوات على طريق إنضاج عمل مؤسسات المجتمع المدني(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد تجاوزتم بفضل الله تبارك وتعالى عدة مراحل من العمل و هي مرحلة تأسيس منظمات المجتمع المدني التي تكفلت تغطية نشاطات و احتياجات متنوعة، ثم مرحلة التلاقي والتعارف بينكم لتبادل الخبرات، ثم مرحلة المركزية والتجميع في الهيئة المركزية لمنظمات المجتمع المدني (همم) لتنظيم العمل و توزيع الأدوار و تنويع المهام، والآن تستطيعون التقدم بعدة اتجاهات :

الأول: إصدار كراس يُعرِّف بطبيعة عمل مؤسسات المجتمع المدني و الأدوار التي يؤديها في حياة الأمة و شرح معنى المجتمع المدني و إزالة الشبهة التي يصورها أذناب الغرب حين يجعلون المجتمع المدني مقابل المجتمع الديني فيسالون في استبياناتهم (هل تريدون مجتمعا مدنيا أم دينيا) و هذا ربما له وجه بالنسبة لهم للدور السيئ الذي مارسته الكنسية للعصور الوسطى حيث وقفت حائلا دون تقدم البشرية، أما الإسلام فانه كان عاملا مهما في النهضة الحضارية التي شهدتها الأمة و تحولت في ظرف سنين من حالة بدائية ممزقة

ص: 28


1- تقرير مختصر للكلمة التي تفضل بها سماحة الشيخ اليعقوبي لدى اجتماعه بمسؤولي المنظمات المنضوية تحت عنوان الهيئة المركزية لمنظمات المجتمع المدني (همم) يوم الأربعاء 16/شوال/1427 المصادف 8/ 11/ 2006. وحضر اللقاء أعضاء مكتب جماعة الفضلاء في بغداد.

مختلفة إلى دولة تقود العالم، ونضجت بسرعة و أخذت تبني مؤسسات المجتمع المدني و دولة القانون كبيت المال و ديوان القضاء و المظالم و ديوان الجند و دار الخلافة و بيت الحكمة و غيرها.و لكي يتعرف الناس على طبيعة عمل هذه المؤسسات و أهدافها لا بد من تدوين كل ذلك حتى يقتنعوا بدعمها و الانضمام إليها و المساهمة في إنجاح عملها و يمكن تلخيص الأهداف بما يلي:-

1- تغطية ساحات العمل و الأنشطة المطلوبة كلها فإن انشغال الجميع بالنشاط السياسي يترك فراغا في النواحي الأخرى التي لا تقل أهمية في حياة المجتمع كالأنشطة الثقافية و الاجتماعية و الدينية و الاقتصادية و الرياضية و غيرها

2- توفير الفرص لأكبر عدد من الراغبين في العمل الاجتماعي و خدمة الناس قربة إلى الله تبارك و تعالى، وهذا فرق الرسالي عن غيره فإن الأول لا يكتفي بهداية نفسه و يقف عند هذا الحد و إنما يسعى لهداية اكبر عدد من الناس و خلق فرص الطاعة لهم؛ لأن تشكيلات العمل السياسي كالأحزاب و الحركات لا تستوعب كل الذين لديهم الهمة و الحماس للعمل فالاقتصار على هذا اللون من العمل يوجب تزاحما و تدافعاً و تقاطعاً، فلتخفيف هذا الاحتقان نوجد منافذ أخرى من العمل مع الاحتفاظ بالحقوق السياسية لهؤلاء العاملين كحق الترشيح في الانتخابات أو المناصب و نحوها، وقد شرحنا تفصيله في خطاب المرحلة (103).

3- إننا قلنا في خطاب المرحلة (65) أن مما ينتظره الإمام من شيعته نضج

ص: 29

قابليتهم في إنشاء دولة المؤسسات و القانون القائمة على أسس حضارية، فأي خطوة في هذا المجال تندرج في التمهيد للظهور المبارك و سيقيم الإمام دولة تبهر البشر بعظمة مؤسساتها و تجعلهم يذعنون له كما سجد سحرة فرعون لما ألقى كليم الله موسى عصاه و راحت تلقف ما يأفكون. 4- ممارسة دور الرقابة على عمل المؤسسات الرسمية جميعا بعد أن تخلت الجهات المختصة بهذا المجال عن ممارسة دورها في حسابات المصالح و المحاصصات و التوافقات السياسية.

5- في ضوء ما تقوم به هذه المؤسسات من نشاط واسع و تفصيلي فستكون مصنعا منجبا للكفاءات التي يجرب إخلاصها و حماسها و حسن إدارتها للأمور و سيؤهلها لشغل الوظائف المناسبة.

6- إن الأحزاب السياسية قد فقدت مصداقيتها و ثقة الناس بها بسبب سوء تصرفاتها و اهتمامها بمصالحها دون مصالح الشعب الذي يتطلع إلى الجهات النظيفة الصادقة في القول و العمل و حينئذ ستكون هذه المؤسسات جهة موثوقة لدى الشعب لترشيح الشخصيات القادرة على نفع البلد و الشعب.

إن هذه الأهداف التي تحدد مسار العمل و طبيعته وبرامجه و أي غفلة عنها يوجب انحرافاً في المسيرة، لذلك أكد القران الكريم و المعصومون ع على أهمية ذكر الله و انه من أفضل الأعمال لان الله تعالى هو الهدف و المقصد و غاية المطلوب فذكره يعني التذكر المستمر للهدف الذي نعمل من اجله ولا نحيد عنه

الثاني:- أن تعمل الهيئة المركزية على تنظيم هيكلية إدارتها و عملها فتجعل

ص: 30

لها مكتبا تنفيذيا لمتابعة القضايا التي تضطلع بها مؤسساتها لدى دوائر الدولة و وزاراتها كوزارة العمل لتسجيل العوائل المتعففة في شبكة الرعاية الاجتماعية، و ديوان الوقف للمساعدة في تزويج الشباب، ووزارة الهجرة و المهجرين لمساعدة العوائل المهجرة، وسائر الوزارات لإيجاد فرص عمل لأبناء العوائل المتعففة و المحتاجة و ذوي الشهداء و السجناء و المضطهدين و المهجرين وغيرهم، وأن تنشئ (همم) مكتباً تنظيمياً لإعداد كشف بالمؤسسات التابعة لها و نوع نشاطها و دائرة عملها لكي توزع الأدوار بينها بدقة و حتى نحدد مناطق الفراغ لتملاها بالمنظمات المطلوبة، وإذا وجدت أكثر من مؤسسة تعمل باتجاه واحد في مكان واحد فتحول عمل إحداها على الأخرى و تفرغها لنشاط من نوع آخر وهكذا، كما توجد حاجة لقسم الإحصاء الذي ينظم قاعدة بيانات للأفراد الذين يحملون مؤهلات لشغل الوظائف كمقدمة للسعي إلى توظيفهم وهكذا. كما إنكم بحاجة إلى مركز أو لجنة للبحوث والدراسات و تشخيص الظواهر المرتبطة بعملكم كمشكلة العنوسة وعزوف الشباب عن الزواج، وازدياد عدد الأرامل و الأيتام لتحليل الأسباب و وضع البرامج الكفيلة لمعالجتها، وقد نقل أن عدد الأرامل في سن الزواج قاربت المليون أو زادت وبعضهن لا يليق بها وصف الأرملة لان عمرها لم يبلغ العشرين، وهذه مشكلة خطيرة تنذر بشر مستطير على المجتمع لولا بقية من دين و أخلاق وأعراف اجتماعية، فلا بد من المسارعة إلى معالجتها قبل استفحال خطرها بحملة توعوية أولا باتجاه قبول تعدد الزوجات باعتباره حلا شريفا يحل مشكلة النساء

ص: 31

قبل الرجال، وتشجيع مشاريع الاستثمار لبناء وحدات سكنية بأقساط مريحة طويلة الأمد و تسجل باسم الأرملة و تلغى بعض الأقساط بالإنجاب و نحوها من الحلول الميسرة بلطف الله تبارك وتعالى. و هذا يتطلب إجراء استبيانات متواصلة تغطي كل هموم و آلام و قضايا الأمة، وأن يستقبل موقعكم على شبكة الاتصالات و مقركم على الأرض كل المقترحات و المظالم و الشكاوى، ولا احتاج إلى تذكيركم بان من أعظم القربات إلى الله تبارك وتعالى الإحسان إلى الناس و إدخال السرور عليهم و قضاء حوائجهم و تخفيف آلامهم و التفريج عن كربهم، وأشرنا إلى شيء من ذلك في كتاب شكوى الإمام في موضوع (عناصر شخصية المسلم في المأثور عن أهل البيت (علیهم السلام)).

ص: 32

خطاب المرحلة 139 :الموقف الصحيح من صدور حكم الإعدام في حق صدام حسين

خطاب المرحلة 139 :الموقف الصحيح من صدور حكم الإعدام في حق صدام حسين(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

من حق الأمة أن تفرح بجريان سنة الله تبارك وتعالى في الطواغيت الذين اتخذوا مال الله دولا و عباده خولا و ملأوا الأرض شراً وفساداً و ضجت الجن و الإنس و الملائكة من جرائمهم البشعة [وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً] (الأحزاب:62).

وما أسرع ما أرانا الله نقمته من الظالمين في حين عاش الأئمة الطاهرون و السلف الصالح قرونا من ظلم العباسيين ومن قبلهم الأمويين ومن بعدهم من دون أن ينتصف المظلوم من الظالم ليشفي منه غليله.

وبغض النظر عن الظروف و الملابسات التي أحاطت وتحيط بمحاكمة المجرم صدام وزبانيته الأشرار سواء على صعيد صدور الحكم أو تنفيذه، فإن

ص: 33


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع بعض الوفود التي زارته يوم 17/شوال/1427 لتهنئته بصدور حكم الإعدام شنقاً حتى الموت بحق صدام حسين وعدد من أزلامه في قضية الدجيل، وكانت المحكمة الجنائية العليا قد أصدرت أحكامها في قضية الدجيل يوم 13/ شوال /1427 المصادف 5/ 11/ 2006.وحكمت على صدام وأخيه برزان وعواد البندر الذي كان رئيساً لا يعرف بمحكمة الثورة بالإعدام شنقاً حتى الموت وعلى آخرين بالسجن ونفذ الإعدام يوم 9/ذو الحجة/1427 المصادف 30/ 12/ 2006.

الذي ينبغي للمؤمنين أن يلتفتوا إليه هو عدم المبالغة في الأحلام الوردية، بأن العدالة قد قامت و أن الإنصاف أصبح سيد الموقف فإن صداماً ليس كل المشكلة ولا تنتهي معاناة الناس بنهايته و إنما هو جزء منها و مظهر من مظاهرها، ولا تقوم العدالة إلا بالانتصار على كل شياطين الجن والأنس و التطبيق الكامل لشريعة الله تبارك وتعالى على يد عباده الصالحين [وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ] (القصص:5) [وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُون وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُون] (الصافات: 171-173).نعم ينبغي للمؤمنين أن يستثمروا هذه الفرص الجزئية لإعلاء كلمة الله تبارك وتعالى ونشر مبادئ تعاليم ومدرسة أهل البيت المباركة من دون أن يعطوا مشروعية لأي تغيير لا يمتلك الشرعية الكاملة

وهذا ما تعلمناه من أئمتنا المعصومين فقد شهدت فترة الإمام الصادق (علیه السلام) قضاء العباسيين على الأمويين و أبدى قادة الجيوش العباسية رغبتهم في أن يتولى الإمام (علیه السلام) الأمور لكن جوابه لأبي مسلم الخراساني كان (لست من رجالي ولا الزمان زماني) و احرق كتاب أبي سلمة الخلال من دون أن يرد بكلمة و قال للرسول هذا جوابي فأبلغه أبا سلمة.

وفي حياة الإمام الرضا (علیه السلام) وقع الصراع الدامي بين الأخوين المأمون و الأمين و امتد عدة سنوات حتى دخل الأول بغداد و قضى على أخيه الأمين و خدع بعض الشيعة بهذه الحركة ولم يعوا موقف الإمام (علیه السلام) فشاركوا مع جيش المأمون في المعارك فابلغهم الإمام اعتراضه ورفضه.

ص: 34

فلا بد أن نعي كل تغيير و نستفيد منه بمقدار ما ينفع المشروع الإلهي العظيم من دون إعطاء المشروعية المبالغ فيها ، وقد تقولون أن تحديد مثل هذه المواقف وتحديد مدى الاستفادة من التغييرات صعب ودقيق فكيف نعرفه؟ و أنا اعترف بذلك، لكن الحل سهل بالنسبة إليكم و ذلك بإتباع المرجعية الرشيدة الواعية (فالمتقدم لهم مارق و المتخلف عنهم زاهق و اللازم لهم لاحق) أما من تأخذه العزة بالإثم و يستكبر عن النصيحة فانه لا يضر إلا نفسه.

ص: 35

خطاب المرحلة 140 :القيادة الحكيمة تضع أصابعها على العلة وتصف العلاج

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

تفضل سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله الشريف) بالإجابة(1)عن مجموعة أسئلة توجه بها مدير مكتب (صحيفة نيوزويك) الأمريكية في بغداد قدّم خلالها خطوطاً عريضة لكيفية تخليص الوضع في العراق من محنته ووعد بتقديم التفاصيل إن وُجدت إرادة حقيقية لدى الفرقاء والقوى المؤثرة في الساحة لإيجاد حل.

كما تناول سماحته جملة من القضايا المهمة في الشأن العراقي كالفدرالية ونظام الحكم المناسب بعد أن ابتدأ حديثه بموجز لسيرته الذاتية ووجّه في ختام حديثه رسالة إلى الشعب الأمريكي وهذا نصّ طلب مدير مكتب المجلة مع جواب سماحته.

ص: 36


1- تاريخ الاجابة الجمعة 2/ذق/1427 الموافق 24/ 11/ 2006

سماحة المرجع الديني آية الله الشيخ محمد اليعقوبي

السلام عليكم:

يود كادر مجلة نيوزويك في بغداد طرح الأسئلة أدناه على سماحتكم لتبينوا فيها آراءكم ولكم الحرية و المجال في بيان وجهة نظركم.

كيفن بيراينو

مدير مكتب نيوزويك -بغداد

بسم الله الرحمن الرحيم

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته:-

سأحاول الإجابة باختصار لعدم علمي بالمساحة المخصصة للأجوبة من المجلة و لوجود تفاصيل مهمة لما ترومون معرفته نشرتها في سلسلة (خطاب المرحلة) التي بدأت مع إرهاصات إسقاط النظام ألصدامي ووصل التسلسل الآن إلى (132) وهي و غيرها موجودة على موقعنا على الانترنت (www.yaqoobi.com)

خلاصة السيرة الذاتية لسماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي

نيوزويك:- ممكن أن تذكروا للمجلة شيئا عن سيرتكم الذاتية وأين نشأتم ومن هو مثلكم الأعلى وكيف تأثرتم به؟

سماحة الشيخ اليعقوبي: ولدت في النجف الأشرف عام 1960 يوم المولد النبوي الشريف وهي علامة فأل حسن لدى المسلمين، وانتقلت إلى بغداد عام

ص: 37

1968 مع والدي الذي كانت له مسؤوليات في العمل الاجتماعي الذي يديره المرحوم الشهيد السيد مهدي نجل المرجع الديني الأعلى السيد محسن الحكيم في الكرادة الشرقية، أكملت دراستي في بغداد حتى حصلت على البكالوريوس في الهندسة المدنية عام 1982 ولم ألتحق بالخدمة العسكرية الإجبارية يومئذ لأني رفضت أن أكون جزءاً من المنظومة الظالمة التي كانت تخوض حرباً عدوانية على إيران وان كان موقعي أميناً ومغرياً ومكثت في البيت متخفيا لا اخرج إلا لضرورة عكفت خلالها على الاستفادة من المكتبة الكبيرة التي تركها لنا والدي المتوفى في نفس السنة.و في عام 1985 أتيحت لي فرصة الاتصال بشكل سري عبر عدة وسائط بالشهيد السيد محمد الصدر (قدس سره) وبعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية عام 1988 خفت قبضة النظام نسبيا وصرت أتحرك بحرية وكذا بدأ السيد الشهيد الصدر الثاني تدريسه وبحثه وصرنا نلتقي مباشرة.

و في أحداث الانتفاضة الشعبانية عام 1991 جعلني رئيسا لإحدى اللجان الخمسة و هي السياسية و الإعلامية في اليوم الأخير قبل اقتحام قوات الحرس الجمهوري مدينة النجف و اعتقال السيد الشهيد.

وبعد الانتفاضة ارتديت الزي الديني مطلع عام 1992 والتحقت بالدراسة الدينية و قطعت أشواطها بسرعة حتى حضرت الدروس العليا عند كبار العلماء السيد الشهيد الصدر (خمس سنوات) و السيد السيستاني (خمس سنوات) و الشيخ محمد إسحاق الفياض (أربع سنوات) و الشهيد الشيخ ميرزا علي الغروي (سنتان).

ص: 38

وبعد استشهاد السيد الصدر عام 1999 و إغلاق مكتبه بحادثة مفتعلة أعدت النشاط الاجتماعي و التدريس و اللقاء بالناس في مسجد الرأس الشريف المجاور للصحن الحيدري حتى أصبح مركز إدارة وقيادة أتباع السيد الشهيد الصدر الثاني والحركة الإسلامية المتصاعدة مما أربك النظام وجعلني تحت المراقبة المكثفة.ولم أعلن اجتهادي إلا بعد سقوط النظام مباشرة حيث أقمت صلاة الجمعة في صحن الكاظمين في بغداد في 25/ 4/ 2003 بحضور عشرات الآلاف امتلأ بهم الصحن الشريف و المساحة المجاورة له و دعوت الناس إلى المشاركة في تظاهرة يوم 28/ 4/ 2003 للمطالبة بدور أساسي للمرجعية الدينية و الحوزة العلمية و عراقيي الداخل (كما يسمونهم) في العملية السياسية و كانت من اكبر التظاهرات التي شهدها العراق الحديث امتدت عدة كيلومترات ما بين ساحة المسرح الوطني و ساحة الفردوس، و تجدون تفاصيل أخرى في كتاب (الشهيد الصدر الثاني كما اعرفه) و كتاب (محمد اليعقوبي من الذات إلى المجتمع) وكتاب (الشيخ موسى اليعقوبي: حياته – شعره) وكتاب (قناديل العارفين) وغيرها.

ومثلي الأعلى هو قدوة كل البشر الذي جعله الله تعالى لنا أسوة حسنة حين قال تبارك وتعالى: [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ] (الأحزاب:21) وهو محمد رسول الله (صلی الله علیه و آله) وعلي بن أبي طالب أمير المؤمنين و الأئمة المعصومون من ذريتهم، وأراجع باستمرار سيرتهم وكلماتهم الشريفة لأستفيد منها وأتأسى بها وسجلت استفادتي من قيادتهم المباركة في عدة كتب وهي

ص: 39

(الأسوة الحسنة للقادة والمصلحين) و (دور الأئمة في الحياة الإسلامية) و (شكوى القران).

كان مشروع حزب الفضيلة الإسلامي في ذهني قبل سقوط صدام لعلمي بانهيار النظام

نيوزويك: ما هي الأهداف الاستراتيجية لحزب الفضيلة الإسلامي؟

سماحة الشيخ اليعقوبي: كان مشروع تأسيس الحزب في ذهني قبل السقوط لعلمي بانهيار النظام و سقوطه و عرضت أفكارا مجملة على الدكتور نديم الجابري و عدد محدود من الإخوة لقوة بطش النظام وفتكه بأي مشروع من هذا القبيل، وبعد السقوط مباشرة ذهبت إلى بغداد و اجتمعت بعدد من الكوادر و انطلقت مسيرة الحزب و كانت هذه الكوادر (ومنهم الدكتور نديم الجابري) في مقدمة التظاهرة التي أشرت إليها قبل قليل.

وكان الهدف من تشكيله بلورة المشروع السياسي الذي يحقق مطالب الجماهير التي كانت في داخل العراق، وخصوصاً من أتباع المرجع الشهيد السيد محمد الصدر الذين كانوا لا يحسنون الظن بأكثر قيادات الأحزاب القادمة من الخارج، و يرونهم بعيدين عن الواقع و يعيشون حالة انفصال عن تطور الأحداث في العراق خلال عشرين عاماً، ولا حاجة إلى تذويب شخصيتهم في أولئك القادمين من دون أن يكون بديلاً عنهم وإنما هو مكمل لدورهم وخيمة لضم هذه الشريحة لذا فإن المراقب يجد في مسيرة حزب الفضيلة الإسلامي خصوصيات غير موجودة في غيرهم (راجع كتيب بعنوان:

ص: 40

خصوصيات حزب الفضيلة الإسلامي كتبه الدكتور جاسم محمد)، وقد أشرت إلى الأهداف من تشكيله و المبادئ التي يستند إليها الحزب في عمله في عدة خطابات من سلسلة خطاب المرحلة ومنها خطاب (الأسس النظرية لحزب الفضيلة الإسلامي) و(العمل السياسي من الواجبات الشرعية) و(المبادئ الثابتة في السياسة) و(مبادئ الشفافية وعناصرها) وغيره، وألف الدكتور نديم الجابري كتاب (نظام الحكم المناسب في العراق) مؤيداً لهذا المشروع، وتستطيع أن تميز خط الحزب باختصار بأنه (عراقي- عربي- إسلامي- أنساني) بكل ما تعنيه هذه الكلمات من برامج واليات عمل وأهداف و مواقف و رؤى

كيف يمكن تفادي الحرب الأهلية

نيوزويك: هل يمكن تفادي الحرب الأهلية، وكيف؟

سماحة الشيخ اليعقوبي: نعم يمكن تفادي الحرب الأهلية بالقضاء على أسبابها ومناشئها وتجفيف منابع إثارتها و تأجيجها وإدامتها و ذلك من خلال عدة خطوات :

أ- توفر القناعة لدى المحرضين عليها و الداعمين لها من الإطراف الداخلية و الخارجية بعدم جدواها و إنها تعود بالضرر عليهم [وَلا يَحِيقُ المَكرُ السَيّئُ إلا بِأَهلِهِ]، وأن ما يريدون تحقيقه – إنْ كان حقا وعدلا – فإنهم سينالونه بالحوار والعملية السياسية والمطالبة المستندة إلى الحجة والدليل، فإذا توفرت هذه القناعة وحصلت الإرادة الجدية لحل المشكلة فإنها ستحل فوراً، أما الصيحات و الدعوات التي نسمعها هنا وهناك فإنها منافقة وغير صادقة ولا مبتنية على

ص: 41

أسس صحيحة و إنما يريد كل طرف تكريس مصالحه و التمدد على حساب الآخرين أزيد ما يمكن.ب- نبذ الخطاب الطائفي و القومي و الأناني و الفئوي و التحول إلى خطاب أنساني يتسامى عن هذه النظرات الضيقة و أن يتقوا الله في هذه الأمة فقد اهلكوا العباد وخربوا البلاد.

ج-- قيام الخطباء والعلماء والمثقفين و أئمة المساجد وصانعي الرأي العام من إعلاميين و كتاب بخلق حالة عامة من الوعي ضد التطرف والتشنج و التعصب والعنف والطائفية ونحوها من أسباب الفتنة.

د- إنهاء حالة الاحتلال و اقتصار الجهد الدولي على المساعدة بالمقدار الذي يحتاجه العراقيون من دول العالم، فإن العراق بحاجة أكيدة إلى المساعدة لكي يداوي جراحه ويعمر بيته و يبني مؤسساته وينهض من الكارثة التي حلت به منذ عقود ويقف على قدميه من جديد ويجاري الدول المتحضرة، وهو قادر على الوصول إلى هذه المرحلة بسرعة لتوفر عناصر القوة و الازدهار والتقدم والثروة عنده.

ه-- إجراء إصلاحات سياسية جذرية و إعادة النظر في جملة من القرارات الخاطئة التي اتخذت (ومن) هذه الإصلاحات:-

1- تفكيك الائتلافات(1) و التحالفات على أسس طائفية أو عرقية و السماح

ص: 42


1- حظيت هذه الفكرة باهتمام واسع من لدن الإعلاميين والمحللين والسياسيين وأثارت جدلاً وحوارات عبر الفضائيات استمرت عدة أسابيع بشكل لم يسبق لحدث أو فكرة أن ينال مثله وترك أثره الكبير حيث وجد حِراكاً سياسياً فاعلاً وانفصلت عدة كتل صغيرة من الكتل الكبيرة ومهدت للقضاء على الاقتتال الطائفي الناتج من التخندق الطائفي ، مما فضحت هذه الدعوة التي أعقبتها في شهر آذار انسحاب حزب الفضيلة الإسلامي من كتلة الائتلاف زيف المتسترين بلباس الطائفية السنية والشيعية لتحقق مآربهم الشخصية، حيث كشفت الخطوة أن الصراع سياسي على السلطة والثروة ويتلبس بالدين والطائفة للخداع. وهو ما قلناه في بيان عن وثيقة مكة، واستثمرت القوى المهيمنة على السلطة في العراق هذه الفكرة لتشكل تحالفاً رباعياً أو خماسياً يتجاوز الانتماء العرقي والطائفي ، وأعلن قيادي في المجلس الأعلى عن تشكيل جبهة تضمهم والحزب الإسلامي السني والتحالف الكردستاني، وفهم على أنه خطوة لإسقاط حكومة المالكي.

بتحالف الأحزاب و القوى السياسية على أساس البرامج السياسية لإنهاء حالة التخندق الطائفي.2- إجراء انتخابات برلمانية تكميلية أو تعديلية كل سنتين في هذه المرحلة الانتقالية من تاريخ العراق لتسارع التغيرات و التحولات فيكون من الضروري امتصاص احتقان الذين لم تتوفر لهم فرصة المشاركة في البرلمان لسبب أو لآخر، لأن جزءاً من التوجه لحمل السلاح بسبب هذا الابتعاد الذي كان قسريا في بعض الأحيان فتستثمر التحولات السياسية لإعادة الفرصة إليهم من جديد.

3- إعطاء دور للأحزاب و القوى التي تتبنى المعارضة الايجابية البناءة لا يقل عن دور المشاركين في الحكومة من خلال المؤسسات الرقابية كهيئة النزاهة و ديوان التفتيش العام و ديوان الرقابة المالية و نحوها وهي مؤسسات بدرجة وزارة يمكن أن تقنع هذه الأحزاب المعارضة و تسحبها من تبني المواجهة المسلحة، وقد ذكرت جدوى و مبررات هذا المقترح وآلياته التفصيلية في خطاب صدر أخيراً من سلسلة خطاب المرحلة وهو منشور وتوجد مقترحات أخرى سأبينها بأذن الله تعالى عندما تتحقق الإرادة الجدية للحل.

ص: 43

أنا أرفض حالة الاحتلال جملة وتفصيلاً ويشاركني في هذا الموقف كل حر شريف

نيوزويك: هل يساند سماحتكم جدولاً زمنياً لانسحاب القوات الأمريكية من العراق وهل لديكم أية مخاوف من ازدياد إراقة الدماء إذا هم رحلوا؟

سماحة الشيخ اليعقوبي: أنا أرفض حالة الاحتلال جملة وتفصيلاً، ويشاركني في هذا الموقف كل حر شريف، ورغم معاناتنا التي لا نظير لها من صدام و جلاوزته حيث كنا في داخل العراق وفي قلب أحداثه بمرافقتنا للسيد الشهيد الصدر الثاني طيلة أربعة عشر عاماً حتى استشهاده حيث كنت على رأس من تسلم جسده الشريف ونجليه من المستشفى و صليت عليهم و دفنتهم مع ثلة قليلة لا تتجاوز عدد الأصابع وواصلت مشروعه من بعده على مرأى ومسمع أولئك الأشرار.

أقول: رغم كل ذلك فإننا لم نكن نرحب بالقوات الغازية؛ لأننا و إن كنا نكره صداماً ونريد زواله إلا أن القلق ينتابنا من قدوم القوات الأجنبية وتواجدها على أراضينا، وقد بينت في بعض خطاباتي وجوه هذا القلق، وحينما أتت كنا نأمل أن يقتصر دورها على ما أعلنته من مساعدة الشعب العراقي في بناء دولة حرة كريمة مبنية على أسس العدالة و الازدهار، وكنت من المبادرين إلى تقديم مشروع الحكومة الانتقالية في العراق قبل تأسيس مجلس الحكم لإعادة السيادة إلى العراقيين (وهو منشور ضمن سلسلة خطاب المرحلة)(1)، ولكن أصواتنا لم تكن مسموعة وتراكمت أخطاء الاحتلال و المتصدين للعملية

ص: 44


1- وقد تقدم في المجلد السابق من هذا الكتاب.

السياسية حتى وصلت بنا الحال إلى ما نحن عليه الآن.ولم أتوقف عن تقديم المشاريع البناءة التي فيها إنقاذ لكل الأطراف المتورطة في القضية العراقية ولكن [يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون] (يس:30) ويدفع الثمن دائما الأبرياء المستضعفون فنعم الحكم الله و الخصيم محمد (وعند الله تجتمع الخصوم).

وكنتُ من المبادرين للمطالبة لتشكيل وزارة الدفاع في صلاة الجمعة التي دعونا إلى إقامتها في ساحة الفردوس وشارك فيها الآلاف في آذار /2004 عندما تأخر تشكيلها بغية الإسراع في بناء قوات مسلحة عراقية كفوءة ومجهزة لتستطيع حفظ امن البلاد و تنتهي ذرائع وجود الاحتلال.

لكن الخطوات بقيت متعثرة و الآليات غير فعالة و كل الأطراف تفكر في مصالحها أولا و قبل كل شيء، ولا أحد يفكر بمصير العراق و أهله ولا زلت أجد أن الحل فيما ذكرت من المطالب و إنهاء حالة الاحتلال بالشكل المدروس الذي ذكرناه و شرحناه في عدة خطابات.

على الإرهابيين أن يعلموا أنهم بجرائمهم البشعة يحققون عكس أهدافهم التي يدّعونها من طرد الاحتلال ورفض التقسيم

نيوزويك: ما هو موقفكم تجاه الفدرالية؟ وهل يدعم سماحتكم القانون الجديد لإنشاء الأقاليم؟

سماحة الشيخ اليعقوبي: أصدرت عدة خطابات لبيان موقفنا من الفيدرالية كما ورد في صحيفة الصادقين التي تنشر أحاديثي وكلماتي تفاصيل عن

ص: 45

القضية و بينتها لكبار المسؤولين الذين زاروني فراجعوها جميعا على موقعنا في شبكة الانترنت، وخلاصة الموقف أن الفيدرالية ليست مطلبا لنا فنحن نريد عراقاً موحداً وحكومة مركزية فاعلة في ممارسة الصلاحيات الموكولة إليها في الدستور، مع إعطاء إدارة لا مركزية بصلاحيات واضحة وواسعة في الدستور أيضا للحكومات المحلية في المحافظات، وأن تقدم الحكومة المركزية كل ما يساهم في إنجاح و تقوية الحكومات المحلية.وبنفس الوقت اعتقد أن الفيدرالية يمكن أن تكون حلا أخيرا لمشاكل البلاد إذا استعصت على الحل لا سامح الله، ولا أجد مشاكل البلاد مستعصية على الحل إلا إذا أوصل أعداء الأمة والجهلاء والمتحجرون والانتهازيون و الأنانيون الحالة إلى هذه النقطة، لذا فعلى الإرهابيين والقتلة أن يعلموا إنهم بجرائمهم التي يرتكبوها بحق الشعب وعلى رأسها المجزرة التي ارتكبت يوم أمس بحق أبناء مدينة الصدر البطلة المظلومة المحرومة(1) إنما يحققون عكس أهدافهم التي يزعمونها فأنهم يكرسّون الاحتلال الذي يزعمون أنهم يقاومونه؛ لأنهم يوفرون الذرائع له وإنهم يسدون كل باب للتعايش السلمي و التسامح والتواصل فينحصر الخيار بالفيدرالية والتقسيم ونحوها من الخيارات المرة وهم يزعمون إرادة وحدة العراق ومعارضة تقسيمه فليثوبوا إلى رشدهم ولينظروا إلى نتائج أعمالهم ببصيرة

ص: 46


1- وقعت عدة انفجارات متزامنة في مدينة الصدر يوم الخميس 1/ ذ . ق/ 1427 المصادف 23/ 11/ 2006 بينها ثلاث سيارات مفخخة وقذائف صاروخية في عدة مناطق من المدينة وناهز عدد الضحايا (202) والجرحى(250) وأدان الجمع هذه العملية واعتبرها إفرازاً طبيعياً للاحتقان السياسي والخطاب الطائفي المتشنّج، وأعقبتها أعمال انتقامية متبادلة في أحياء مختلفة من بغداد.

نظام الحكم الذي ينبغي أن يسود في العراق

نيوزويك: كيف ينبغي أن يحكم العراق؟ وهل يمكن أن يكون أي بلد كنموذج لهذا الحكم سلبا أم إيجاباً؟

سماحة الشيخ اليعقوبي: إن نظام الحكم الذي ينبغي أن يسود العراق هو النظام الذي يحترم إرادة الإنسان ويعطيه الحرية الكاملة لاختيار من يحكمه وشكل الدولة التي يريدها و الدستور الذي ينظم عمل مؤسساته و الحقوق و الواجبات للفرد والدولة، وان تحقق له الفرصة الكاملة للتغيير والتبديل لكل ما لا يصلح له في ضوء آليات يكفلها الدستور، وإن كثيراً من الأنظمة السائدة في (الدول الديمقراطية) مناسبة للعراق بعد التعديل في تفاصيلها بالشكل الذي يناسب ثقافة وأخلاق وتقاليد الشعب العراقي وليس من الضروري استنساخ تجربة أي بلد آخر؛ لأننا نمتلك من الأصالة والعمق في التاريخ ومصادر العلم والمعرفة والكفاءات المتميزة ما يغنينا عن التبعية لأحد من دون أن نستغني عن كل تجربة ايجابية فنستفيد منها.

التعديل الحكومي المرتقب إذا كان حقيقياً فسنساهم فيه

نيوزويك: ما هي المقترحات التي تدعمونها لرئيس الوزراء السيد نوري المالكي وعلى أي منها تعترضون؟

سماحة الشيخ اليعقوبي: لقد ولِدت حكومة الدكتور المالكي بعد مخاض عسير وطويل مما جعلها هزيلة وضعيفة وممزقة، وهذا ما تنبأنا به من خلال العقلية التي أدارت بها الكيانات السياسية مفاوضات تشكيل الحكومة إذ لم

ص: 47

يكونوا يتصرفون كإخوة أبناء بلد واحد يريدون أن يساهموا في بناء عراق جديد، وإنما كانوا فرقاء متخاصمين يحاول كل منهم أن ينتزع من الآخر أزيد من حقه لذا أمرت كتلة الفضيلة بالانسحاب من الحكومة إذ لا يشرِّف أحدا أن يكون جزءاً منها وهي بهذه العقلية، ورغم ذلك فقد دعوتُ أعضاء كتلة الفضيلة إلى التصويت ب- (نعم) في البرلمان لنيل الثقة بالحكومة من اجل إعطائها فرصة للعمل لعلها تنجح، واستمر موقفنا الساند للدكتور المالكي وهذه كلها مواقف نبيلة لا تشهد لها مثيلا في عالم السياسة، وعندما علمنا بسعي الأستاذ المالكي لتغيير وزاري طلبتُ من كتلة الفضيلة لقاءه وزعماء الكتل السياسية ليعلنوا له موقف الحزب بأن التغيير إذا كان حقيقياً ولمصلحة البلد والشعب فإن الحزب يشارك في التشكيلة الجديدة، أما إذا كان من باب ذر الرماد في العيون فإن الحزب يحافظ على كرامته وينأى بنفسه عن هذه العمليةنيوزويك: هل تؤيدون إنشاء حكومة دينية – تعتمد على حكم الشريعة – في العراق؟

سماحة الشيخ اليعقوبي: استند في كلامي إلى قول الإمام الرضا (علیه السلام) ثامن الأئمة المعصومين عندنا فقد روي قوله (إنما يحتاج الناس من الأمراء عدلهم) فنحن لا نهتم بالتسميات و الشعارات المرفوعة التي أضرت بنا كثيرا عبر التاريخ، وإنما المطلوب لنا إيجاد نظام حكم وفق الأسس التي ذكرناها إجمالا في جواب السؤال السابق و وضع تفاصيلها أمير المؤمنين (علیه السلام) في عهده الخالد الذي كتبه لصاحبه الوفي مالك الأشتر لما ولاه مصر ، أما هذه المصطلحات كالحكومة الدينية و نحوها فهي مستحدثة ولا أصل لها ونحن

ص: 48

إنما أمنا بالدين واتبعناه في حياتنا فلأننا رأيناه يحرر الإنسان من عبودية الإنسان و طاعة الشهوات والنزوات المهلكة ولأنه ينظم حياتنا بالشكل الذي يحقق لنا السعادة والأمن والاطمئنان وإعمار الحياة بكل ما هو مفيد ونحن مع أي نظام يحقق لنا هذه الأهداف بغض النظر عن التسميات.نيوزويك: فيما لو كنت قائدا للعراق هل ستكون حكومة العراق حكومة دينية؟

سماحة الشيخ اليعقوبي: إن القيادة ليست شيئا يُدّعى ولا ينال بالقهر والتسلط بالقوة وإنما هي علاقة تنشأ بين القائد والآخرين يحددها عاملان هما حاجة الآخرين إلى الشخص وإحسانه إلى الآخرين، قال أمير المؤمنين (علیه السلام) (أحسن إلى من شئت تكن أميره، واستغن عمن شئت تكن نظيره ، واحتج إلى من شئت تكن أسيره) وقيل لأحد العلماء ما هو الدليل على إمامة أمير المؤمنين (علیه السلام) فقال: (حاجة الناس إليه واستغناؤه عن الناس) فكلما كان الإنسان معطاء في حياته ومحسنا إلى الناس كل أشكال الإحسان فإن حاجة الناس إليه ستزداد وستختاره لقيادتها ، على إننا تعلمنا من أئمتنا المعصومين ع الزهد في المناصب واحتقار الدنيا التي تُنال بالظلم والعدوان والمكر والخديعة، ولا نرى المناصب إلا وسيلة للاحسان إلى الناس ورفع الظلم عنهم وإسعادهم وتوجد كلمات جليلة لأمير المؤمنين (علیه السلام) في هذا الصدد في نهج البلاغة لا ينبغي لأحد أن يغفل عنها.

ص: 49

يوجد عتب كبير لدى شعوب العالم على الشعب الأمريكي لأنه لا يؤثر على حكومته لتغيير سياساتها الظالمة

نيوزويك: هل هناك ما يثير إعجابك بأمريكا، وهل هناك من لفت أنظارك من القادة السياسيين الأمريكيين أو غيرهم؟

سماحة الشيخ اليعقوبي: يجب أن افرق في تقييمي بين الإدارة الأمريكية والشعب الأمريكي، فإن الشعب الأمريكي يساهم في بناء حضارة إنسانية راقية تحظي بإعجاب العالم كله ويحمل الكثير من الخصال الطيبة كاحترام الإنسان واعتباره أثمن شيء في هذه الدنيا مما يدعوهم إلى التفاعل مع قضايا الشعوب، ويعجبني فيهم تذويبهم لكل خصوصياتهم وانتماءاتهم الأصلية وتمسكهم بحب وطنهم ومصلحة شعبهم، كما أسمع كثيراً عن المصداقية في التعامل لدى شعوب الغرب المتحضرة، وهذه كلها وأزيد منها مما تعلمناه من الإسلام على لسان نبينا العظيم محمد (صلی الله علیه و آله)، لكن الفرق بيننا في المنطلقات والنوايا فإن كثيراً من الغربيين يطلبون الأهداف القريبة العاجلة، ونحن نطلب إضافة إليها الأهداف السامية أعني رضا الله تبارك وتعالى والفوز بالجنة، كما أن حضارة الغرب المادية تستبطن عوامل الفناء والخراب ونبهتّهم إليها في أكثر من خطاب منها (الأيدز: نذير انهيار الحضارة الغربية) ورسالتي إلى الرئيس الفرنسي جاك شيراك عندما اخذ بنصيحة مجلس حكمائه في منع الحجاب في المدارس الرسمية وغيرها.

ولا زلت أتذكر حين مطالعتي لكتاب (كيف تكسب الأصدقاء) ل-(ديل كارنيجي) الذي أحترمه كثيراً، أتذكر التطابق الكبير بين ما ورد فيه و التعاليم

ص: 50

التي نقلتها أحاديث أهل البيت (سلام الله عليهم) ولا اعتقد أن ما توصل إليه نتيجة خبرة إنسانية متراكمة وإنما استفاده بشكل مباشر أو غير مباشر من التعاليم الإلهية للأنبياء والرسل والأئمة عليهم صلوات الله فإن الإنسان عاجز لوحده عن الوصول إلى ابسط التصرفات الحياتية كدفن جسد الميت حتى بعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه في قضية قتل أحد ولدي نبي الله آدم للأخر فتعلم من الغراب ودفن جثة أخيه المقتول بحسب ما حكاه القران الكريم.أما الإدارة الأمريكية فإن الكراهية لها تزداد لدى شعوب العالم بسبب ما ترتكبه من سياسات ظالمة وجرائم بحق الشعوب وكيلها بمكيالين و يوجد عتب كبير لدى هذه الشعوب على الشعب الأمريكي انه لا يؤثر بشكل فاعل على سياسة إدارته المفروض انه انتخبها بكل حرية وهي تدعي تمثيله .

في الختام أأمل أن تُقرأ أجوبتي بعمق وتأمل لأن فيها خيراً كثيراً للجميع وبمقدار نجاحكم في إيصالها فإنها ستكون مثار فخر و اعتزاز ونبل لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ص: 51

خطاب المرحلة 141 :فقدان العلماء يدعونا إلى التخطيط الجدي لإعداد البدائل

خطاب المرحلة 141 :فقدان العلماء يدعونا إلى التخطيط الجدي لإعداد البدائل(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

اعتاد المحتفلون برحيل أحد العلماء أن يستشهدوا بالحديث الشريف (إذا مات العالم ثلم الإسلام ثلمةً لا يسُّدها شيء أبداً) وهو تعبير صادق عن عظم المصاب ونكبة الأمة بفقدان علمائها ، ولكن الحديث الشريف لم يقف عند هذا الحد و إنما بيّن للأمة كيفية سد هذه الثلمة بقوله (إلا عالمٌ مثله) ليعلّم الأمة أن عليها عدم الاكتفاء بالانفعالات العاطفية للتعبير عن شعورها إزاء هذه الخسارة وإنما عليها أن تعَّد وتهيئ البديل عن ذلك العالم الراحل ليقوم مقامه ويواصل مسيرته في تربية الأمة وقيادتها بحكمة نحو الكمال.

ولا يبدأ هذا الإعداد والتهيئة من حين وفاة العالم لان هذا الإعداد يتطلب ما لا يقلّ عن ثلاثين عاماً إلا لبعض الأفذاذ الذين توفرت لهم ظروف خاصة و قابليات نادرة ، ولا تستغرب من هذه المدة فإن درجة الاجتهاد الذي هو أحد

ص: 52


1- تقرير بتصرف لحديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع وفد مدينة الصويرة الذي زار سماحته يوم 7/ ذ.ق/1427معزياً بالذكرى الثامنة لاستشهاد السيد الصدر الثاني (قدس سره) ووفاة المرجع الديني في مدينة قم المقدسة الميرزا جواد التبريزي (قدس سره) الذي وافاه الأجل يوم 28/شوال/1427 المصادف20/ 11/ 2006 عن عمرٍ ناهز (83) عاماً، ومن حديث سماحته مع عدد من أعضاء أمانة حزب الفضيلة الإسلامي في محافظة بابل يوم 8/ ذ.ق/1427

شروط المرجعية وقيادة الأمة، وصفة العدالة التي تعني أعلى درجات السيطرة على أهواء النفس ونزغاتها والانضباط بتعاليم الشريعة حتى على مستوى المستحبات والمكروهات، وصفة الوعي والنضج والبصيرة بشؤون الأمة وتفاصيل الحياة وتجارب القادة وغيرها من الصفات والشروط مما يعُسُر إدراكه إلا بلطف الله تعالى وجهد طويل. ويمكن تقريبها على مهنة الطب فإن الطبيب يدرس ست سنوات في كلية الطب غير دراسته الابتدائية والإعدادية ثم يقيم سنة في المستشفيات و أخرى في القرى والأرياف ثم يعود إلى المستشفيات كمقيم أقدم ويمارس لوناً من ألوان الاختصاص مدة ثم يدرس عدة سنوات لنيل شهادة البورد في ذلك الاختصاص ويدرس ما بعد الاختصاص ومع ذلك فانه لا يشار إليه ضمن الرموز الطبية المرموقة حتى يمارس اختصاصه عدة سنوات ويثبت كفاءة ومهنية عالية ونزاهة وإخلاص ليكون في مصاف المرجعيات الطبية، وقد تستغرق هذه الرحلة أكثر من ثلاثين عاماً منذ بداية التحصيل ، هذا وهو يتعلق بطب الأبدان الذي مهما كان دقيقاً فانه يبقى محدوداً في تفاصيله ومساحة تأثيره فكيف بطب الأرواح ورعاية شؤون الأمة وقيادتها إلى الكمال والسعادة في الدارين.لذا فإن على الحوزات العلمية الشريفة أن تخطط باستمرار لمستقبلها وتحسب كل الاحتمالات فإن عدد المجتهدين اليوم الذي لا يتجاوز عدد الأصابع إنما هو حصيلة ألاف من طلبة العلوم الدينية كانوا قبل أربعين عاما في النجف الأشرف فكم سيكون لدينا يا ترى من المجتهدين بعد عشرة أو عشرين عاماً مع هذا الوضع البائس الذي تعيشه الحوزة العلمية اليوم؟ هذه هي

ص: 53

المسؤولية التي يجب أن نستشعرها ونتحملها باستمرار ويزداد الالتفات إليها والشعور بمرارتها في مثل هذه المناسبات حينما نجتمع لنتبادل التعازي بمناسبة رحيل العلماء العظماء.حينما استشهد أستاذنا السيد محمد الصدر (قدس سره) في 3/ذ.ق/1419 المصادف 19/ 2/ 1999 عشت ومعي كل المحبين والموالين عواطف جياشة أشرت إليها إجمالا في كتابي (الشهيد الصدر الثاني كما أعرفه)، ولكن ذلك لم يكن عائقاً عن التفكير في آليات العمل لما بعد ذلك الحادث الأليم حيث إن كثيرا من القنوات التي تحرك بها السيد الشهيد (قدس سره) وعلى رأسها صلاة الجمعة أصبحت متعذرة فقد ابلغنا جلاوزة النظام ونحن في مجلس العزاء بمنع إقامة صلاة الجمعة في الكوفة، وقد كان بعض الأخوة معنا في المكتب رغبوا إليَّ في إقامتها باعتباره (قدس سره) قد اختارنا لإمامة الصلاة في مسجد الكوفة في حياته ويكون هو (قدس سره) أحد المأمومين فيكون من الأولى إمامتها بعد استشهاده ، لكننا لم نجعل العواطف والانفعالات هي مصدر القرار و أمامنا تجربة الإمام السجاد (علیه السلام) حينما خطب في الكوفة بعد استشهاد أبيه الحسين (علیه السلام) ووبّخهم وعّرفهم بعاقبة فعلتهم الشنيعة فعرضوا عليه النصرة والثورة على ابن زياد ولكنه (علیه السلام) كان له دور طويل يؤديه خلال (34) عاما ورسالة عظيمة يؤديها للأمة لا تبتني على ردود الأفعال العاطفية.

وقد عشتُ مثل هذا الضغط الجماهيري الذي كان يطالبنا بالسير بنفس آليات السيد الشهيد (قدس سره) في تلك الأيام، إضافة إلى ضغط الطغاة والقتلة المجرمين الذين كانت سيوفهم تقطر دماً وتراقب الحركات و السكنات

ص: 54

وتتحسب لكل خطوة وحركة.إضافة إلى ضغط التقاليد والمعايير الحوزوية التي عانى منها السيد الشهيد الصدر (قدس سره) منها قبلي وحاصرته ومنعت جزءاً من عطائه.

ورغم كل ذلك فقد وضعت برنامجاً لعملي في تلك الأيام العصيبة على شكل نقاط ورؤوس أقلام تصل إلى العشرة ثم بعد أشهر وضعتُ تفصيلات هذه النقاط(1) وسرتٌ عليها بمقدار ما يسّره الله تبارك وتعالى بلطفه وكرمه وحسن توفيقه وتفاجأ العالم كله بعد السقوط بسعة و قوة الحركة الإسلامية المباركة في العراق وما كان لذلك أن يتحقق ويستمر لولا رعاية الله تبارك وتعالى وتوفيقه لثلّة من عباده الصالحين العاملين المخلصين.

ص: 55


1- طُبعت بعد سقوط النظام بكراس عنوانه (المعالم المستقبلية للحوزة العلمية) ويمكن ملاحظة تأريخ كتابتهِا في نهايتهِ وهو لا يتضمن طبعاً مشاريع ما بعد سقوط النظام.

خطاب المرحلة 142 :اسعوا لتكونوا قادة في المشروع الرسالي وليس فقط جزءاً منه

خطاب المرحلة 142 :اسعوا لتكونوا قادة في المشروع الرسالي وليس فقط جزءاً منه(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

مدح الله تبارك وتعالى عدة شرائح من الناس وصرّح بحبّه تبارك وتعالى لهم وهو شرف ما بعده شرف والإنسان يفخر بحب شخص ذي جاه أو منزلة اجتماعية أو دينية فكيف به إذا حظي بحب الخالق العظيم. فقال تعالى [إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ] (البقرة:222)، [فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ] (المائدة:54)، [قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ] (آل عمران:31).

ولم يكتف الرب الرحيم اللطيف بعباده بذكر العناوين وإنما ذكر خصائص هذه الشرائح ليفتح الطريق أمام من يريد أن يكون ممن يحظى بهذا الشرف أن يتصف بهذه الصفات، فمثلاً في بداية سورة المؤمنون [قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ،

ص: 56


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع أعضاء مكتب فضلاء النجف الأشرف يوم الثلاثاء 5 ذي الحجة 1427ه- المصادف 26/ 12/ 2006 ومع وفد ضم عدداً من أساتذة كلية الآداب في جامعة ذي قار وآخر ضم عدداً من طلبة الأقسام الداخلية في جامعة البصرة يوم 24 ذي القعدة 1427ه- المصادف 16/ 12/ 2006.

الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ ، وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ، وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ، وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ] (المؤمنون: 1-5).وبعد أن يعدّد صفاتهم وخصائصهم يقول تبارك وتعالى [أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ] (المؤمنون:10-11)، فمن أراد أن يكون من المؤمنين المفلحين الذين يرثون الفردوس فليحقق في نفسه وسلوكه هذه الخصائص .

وكذا حينما يمدح تبارك وتعالى (عباد الرحمن) فيقول عنهم [وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً] (الفرقان:63)، وفي نهايتها يذكر الرب الكريم جزاءهم [أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً، خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً] (الفرقان: 75-76).

ومن الصفات التي ذكرها في عباد الرحمن دعاؤهم [رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً] (الفرقان:74)، فهم لم يكتفوا بطلب أن يكونوا من المتقين الذين وصفهم أمير المؤمنين في خطبته المعروفة أمام همام بن غالب فصعق ومات وإنما يطلبون أن يكونوا من أئمة المتقين، وهذا يكشف عن هممهم العالية وعزائمهم القوية وانضباطهم الراسخ وهو على أي حال طموح مشروع بل محمود ومشكور لأن لطف الله تعالى وكرمه متاح للسائلين ولا يمنع منه إلا استحقاق العبد نفسه فلماذا لا يرنون بإبصارهم إلى كل مقام رفيع.

ومثل هذه المعاني ترد في الأدعية المأثورة كما في دعاء الافتتاح المشهور

ص: 57

والمروي عن الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وجاء فيه (اللهم إنّا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله وتذل بها النفاق وأهله وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة) فيعلمنا الإمام أن نسعى لان نكون قادة في دولته الكريمة لننال كرامة الدنيا والآخرة وان كان مجرد الكون جزءاً من تلك الدولة الكريمة هو شرف عظيم ومنزلة رفيعة.من هنا نواصل حثّنا للفضلاء والشباب الرساليين أن لا يقفوا عند كونهم جزءاً من المشروع الإسلامي الرسالي الذي يمهد لدولة الحق المباركة، وإنما يحسُن بهم أن يكونوا قادة فيه ولهم أدوار فاعلة وبنّاءة في مفاصله الأساسية.

إن كل مؤمن ملتزم بدينه هو جزءٌ من هذا المشروع المبارك وقد يتقدم فيه فيصبح من الدعاة إليه بالدعوة الصامتة (كونوا لنا دعاة صامتين) أي بعملكم الحسن وأخلاقكم الفاضلة وصمتكم الرافض للمنكر والفساد والانحراف ومثل هذا الأسلوب من الدعوة له ظروفه ومبرراته لذلك كان الطغاة وأئمة الجور يحمّلون الأئمة المعصومين (علیهم السلام) مسؤولية كل الحركات الرافضة للواقع الفاسد والظلم الذي كان يمارسه الحكّام المنحرفون رغم إنهم لم يجدوا أي وثيقة تثبت ذلك أو مال أو سلاح في بيت الإمام (علیه السلام) عندما يداهمونه لكنهم يعلمون أن الأئمة (علیهم السلام) بترفعهم عن الدنيا التي يتكالب عليها الطغاة وبسلوكهم الطاهر العفيف ومعايشتهم لألام الأمة وسعيهم الجاد لإنصاف المظلوم ومساعدة المحتاج كانوا يبينّون السيرة الصحيحة لقادة الأمة وأولياء أمورها ويكشفون زيف أولئك الطغاة في ادعائهم ولاية أمر الأمة.

ص: 58

وهكذا فعل أصحابهم البررة فحينما يرفض أبو ذر الغفاري هدية الخليفة عثمان التي أرسلها بواسطة أحد مواليه ووعده بالحرية إن قبلها أبو ذر فلما رفضها قال الرسول: اقبلها فإن فيها عتقي فقال أبو ذر: لكن فيها رِقّي.فمثل هذا الرفض للتصرف غير المشروع بالأموال العامة والإثراء عل حساب حقوق المحرومين ألفت نظر الأمة إلى انحراف من مات وخلف من ورائه من الذهب ما يكسر بالفؤوس وأمثاله، فتحركت الأمة وثارت لتغيير الواقع الفاسد الذي جسّدته بطانة الخليفة في ما وصفها سيد قطب صاحب تفسير (في ظلال القران) أول ثورة إسلامية حقيقية في التاريخ.

وإذا تيسرت الظروف للرسالي انتقل إلى الدعوة الناطقة (وهل بعث الأنبياء إلا بالنطق والكلام) وهو مضمون ما روي عن الإمام زين العابدين (ع) بالكلمة الصادقة والموعظة الحسنة والحكمة [فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى] (طه:44)، وهكذا يتدرج الرسالي حتى يصبح قائداً في المشروع الإلهي العظيم.

ولكن لما كان (أول الدين معرفته) كما ورد في كلمات أمير المؤمنين (علیه السلام) فإن الكون في هذه المواقع الشريفة يتطلب معرفة المعالم العامة للمشروع والأسس التي يستند إليها في حركته التي تكون بمثابة الدستور الذي تنطلق منه وتتفرع عنه القوانين التفصيلية المتغيرة في آلياتها وبرامجها لكن الأسس تبقى ثابتة.

وهذه الأسس يمكن تحصيلها وانتزاعها بالاستقراء والمقارنة وضم الأفكار بعضها إلى بعض، وقد حاولت تخفيفاً عنكم وطياً للمسافة أمامكم أن استخلص

ص: 59

لكم هذه الأسس المبادئ والتي هي لا تزال في دائرة العموميات وهي عشرة:1- الإخلاص لله تبارك وتعالى وان يكون رضا الله سبحانه وتعالى هو الهدف من كل حركة أو سكنة، وأساس نجاح العمل تذكر الهدف و برمجة العمل على أساسه و ضبط الحركة في إطاره .

2- التأسي برسول الله (صلی الله علیه و آله) والأئمة المعصومين من ذريته (ع) واعتماد القران و السنة الشريفة مصدراً للتشريع و السلوك ومنهجاً لقيادة الحياة.

3- تكريم الإنسان و جعله القيمة العليا و توظيف كل شي من اجل إسعاده وحفظ كرامته و ازدهار حياته.

4- الوحدة و التآلف و التنوع في أداء الأدوار و التسامي عن التقاطع و التشاحن و التزاحم المؤدي إلى الفرقة و التشتت0

5- الدقة في اختيار قيادة الأمة وفق المعايير الدقيقة لان إمامة الأمة وقيادتها هو المحور الذي تنتظم حوله الأمة.

6- تهذيب النفس بالأخلاق الفاضلة وتطهير القلب حتى يأتي الله بقلب سليم.

7- تخليص الأمة من الجهل والتخلف و سوء الظن وخلق حالة الوعي والتدين و الورع .

8- تعريف الإسلام الحقيقي و إبراز عناصر القوة و العظمة فيه و إقناع الناس بالالتزام به وإتباعه وألفات النظر إلى عيوب الحضارة المادية و ضعفها وقصور النظريات والنظم المادية عن توفير السعادة و الكمال للإنسان.

9- التنظيم و الدقة في العمل المؤسساتي بحيث ينصهر الجميع في خلية

ص: 60

عمل متكاملة .10 - مقاومة الفساد والانحراف والظلم والأنانية والاستئثار والتسلّط بغير حق وإنصاف المظلومين بكل الآليات المتاحة .

إن هذه الأسس العامة التي تبتني عليها حركة المشروع الرسالي تتطلب عمقا اكبر لتحليلها وتحويلها إلى مشاريع تفصيلية وتنفيذها على الأرض ومتابعة كل مشروع ليبقى محافظاً على الأساس الذي انطلق منه وتفرع عنه.

فمثلاً من تطبيقات النقطة العاشرة كان تشكيل كيان سياسي يجمع المخلصين الكفوئين النزيهين ليؤدي هذا الدور، فتأسيس هذا الكيان كان من نتائج تحليل هذه النقطة وعلى أعضائه أن يضعوا له البرامج والآليات التي تتكفل بتحقيق هذه النقطة ويراقبوا مسيرته ليبقى في إطارها.

وفي ضوء النقطة الرابعة نفهم أن تعدد الجهات العاملة في الساحة لا يُعُّد منافسة أو مزاحمة وبالتالي يؤدي إلى التنافر والتسقيط والتشهير وربما المواجهة المسلحة وكلها من الكبائر التي تسخط الباري عز وجل، وإنما نفهمها تنوعاً في الأداء يغني الحركة ويثريها؛ لأن جهة واحدة لا تستوعب كل نواحي العمل ولا تملا كل مساحات النشاط المطلوب، وقد لا تتناسب سعة مسؤولياتها مع القيام ببعض الأدوار، فمثلا في عصر الإمام الصادق (علیه السلام) اندلعت عدة ثورات للعلويين لمواجهة ظلم العباسيين وطغيانهم وكانت تستقطب الكثير من القواعد الموالية لأهل البيت (علیهم السلام) ولم يشعر الإمام (علیه السلام) بحساسية إزاءها لأنه يرى فيها تنوعاً للأدوار، وبالعكس فقد كان يبدي ارتياحه لمثل هذه الحركات وان كان لا يتبناها بنفسه بل يمنع خواصّه من الانخراط فيها بحسب ما أفادت

ص: 61

الروايات؛ لأنه لم يكن مؤمنا بصدق وإخلاص عدد منها لكنه (علیه السلام) كان يردد (لوددتُ أن الخارجي يخرج من آل محمد وعليَّ نفقة عياله) ويقول (ع) (مازلت أنا وشيعتي بخير ما خرج الخارجي من آل محمد) وقد شرحنا تفصيل هذا الموقف في كتاب (دور الأئمة في الحياة الإسلامية) وعليها تعليقات سيدنا الأستاذ الشهيد الصدر (قدس سره).ولتحقيق النقطة الثانية فقد ذكرنا الكثير من الدروس المستفادة من سيرة النبي (صلی الله علیه و آله) في بناء ألذات في كتاب (الأسوة الحسنة) وفي النشاطات الاجتماعية للمعصومين (علیهم السلام) من خلال كتاب (دور الأئمة في الحياة الإسلامية)، وذكرنا خصائص برنامج عمل الحركة الإلهية الإصلاحية في كتاب (شكوى القران) وهكذا.

ص: 62

خطاب المرحلة 143 :يوم عرفة .... اليوم العالمي للتوبة

خطاب المرحلة 143 :يوم عرفة .... اليوم العالمي للتوبة(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

توجد سيرة لدى المجتمع الدولي وهي جعل يوم عالمي لبعض القضايا التي تهم البشرية يكون محطة سنوية للمراجعة و التقييم لما بُذِلت من جهود ايجابية إزاء تلك القضايا ودراسة المعوقات وتشخيص المعالجات وإلفات نظر العالم إلى تلك القضايا ، فجعلوا يوماً عالمياً لمكافحة الإيدز و يوماً للعمال وآخر للمرأة وآخر لمكافحة التدخين وآخر للبيئة وهكذا.

وهذه آلية حسنة للمساهمة والتقدم في تخليص البشرية من المشاكل التي تعانيها وتفتك في كيانها، مع توفر إخلاص النية والسعي الجدي للمعالجة؛ و لكن العالم وانطلاقاً من أحادية النظرة عنده حيث يرى بعين المادة و الظاهر، فانه لا يرى الجانب الآخر وهي الحياة المعنوية لذا فانه لم يخصص يوماً لاكتساب المعنويات وتخليص البشرية من أمراضها الأخلاقية و أدرانها القلبية.

وها هم يعترفون في اليوم العالمي لمكافحة الإيدز إنهم ليس فقط فشلوا في القضاء عليه وإنما فشلوا حتى في الحد منه ومنعه من التوسع والانتشار حيث تجاوز ضحاياه (20) مليوناً، وتوصلوا إلى أن العلاج يكمن في تربية الإنسان

ص: 63


1- صدر هذا الخطاب يوم 28/ ذ.ق / 1427 المصادف 20 /12/ 2006 والحجيج يجتمعون بمكة استعداداً لأداء فريضة الحج المباركة ووُزّع الخطاب على الحجاج من الدول المختلفة ولاقت الفكرة استحساناً وقبولاً وأصبحت سُنة بفضل الله تعالى.

على القيم الروحية وتقوية الرادع الديني و تعزيز الإيمان بالله تبارك وتعالى.فلماذا إذن لا يخصصون يوماً عالمياً أسوة ببقية القضايا للتذكير بهذه القيم وتعريف الناس بها وإطلاعهم على ما تفعله هذه الجرعات الروحية من تأثير فاعل في القضاء على الأسباب الحقيقية الكامنة في النفس الإنسانية والتي تدفعه إلى الوقوع في تلك الرذائل ومن ثم تعجز كل الوسائل عن معالجتها. إنها إتباع الشهوات والانسياق وراء الغرائز من دون تهذيب وسيطرة وتقنين وضبط.

فهذه القضية –أي الارتقاء بالحالة المعنوية- أهم تلك القضايا وهي الأصل فيها؛ ففيها تكمن المشكلة ومنها ينطلق الحل.

وقد حث قادة الإسلام على أن يحاسب الإنسان نفسه كل ليلة حتى ورد في بعض أحاديث المعصومين (علیهم السلام) (ليس منّا من لم يحاسب نفسه كل ليلة) ولو التزم الناس بهذا لتمكنوا من تقليل ظلمهم و انحرافهم كثيراً، وعلى أي حال فلما لم يلتزموا بذلك فلنجعل المراجعة والتقييم ومحاسبة ألذات في السنة مرة على الأقل، أي بجعل يوم عالمي للتوبة والعودة إلى الله تبارك وتعالى ومحاسبة النفس- أي نفس- سواء كانت أفراداً أو مؤسسات أو جهات فهي أيضاً مطالبة بالمراجعة والمحاسبة والتأكد من سلامة الهدف والمسيرة نحوه.

وليكن ذلك اليوم هو يوم عرفة التاسع من ذي الحجة فهو اليوم الذي تحتشد فيه ملايين الناس على صعيد واحد من مختلف بلدان العالم لا فرق فيهم بين رئيس و مرؤوس أو غني و فقير أو اسود أو ابيض أو شرقي أو غربي فالكل سواسية متجهون إلى ربهم الواحد يتضرعون ويجأرون إليه بشتى الألسنة وصنوف اللغات معلنين أمامه التوبة و طالبين منه الصفح عما مضى وأن يفتح

ص: 64

لهم صحيفة بيضاء جديدة ويعينهم على ملئها بإعمال الخير والإحسان. ويحتشد جمٌّ غفير ممن لم يتيسّر لهم الحج إلى بيت الله الحرام يجتمعون عند أبي عبد الله الحسين (علیه السلام) ويتشرفون بلثم تربته المباركة لما في زيارته (ع) في يوم عرفة من الفضل والمنزلة الرفيعة حتى ورد أن الله تعالى يلتفت إلى زوار أبي عبد الله الحسين (علیه السلام) قبل أن ينظر إلى حجاج بيته المحرم.

و يشير الإمام الحسين (علیه السلام) إلى (عالمية) هذا اليوم في دعائه المبارك ليوم عرفة ومما جاء فيه (فإليك عجّت الأصوات بصنوف اللغات) فهو يوم عام لكل أصناف البشر لكي يتوبوا إلى الله تبارك وتعالى ويعودوا إليه والله غني عنهم وإنما ينفعون أنفسهم بهذه العودة ويخلّصوا أنفسهم من الشقاء والنكد وضيق المعيشة التي يعيشونها بسبب ابتعادهم عن الله تبارك وتعالى [وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فإن لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى] (طه: 124-126).

على جميع البشرية إذا أرادت الخير لنفسها أن توحّد صوتها مع أصوات الملايين عند جبل الرحمة في عرفات فقد جاء في الأحاديث الشريفة إن دعاء الواقفين في الموسم مستجاب. روي عن الإمام الباقر (علیه السلام) (ما يقف على تلك الجبال برٌّ ولا فاجر إلا استجاب الله له، فأما البّر فيستجاب له في آخرته ودنياه وأما الفاجر فيستجاب له في دنياه) فإذا ضممنا دعواتنا واستغاثتنا وطلباتنا إلى تلك الدعوات فإن الله تبارك وتعالى سيقبلها صفقة واحدة وحاشا لكرمه أن يبعّض الصفقة فيقبل بعضها ويردّ بعضاً.

ص: 65

إن شعوب العالم كلها بحاجة إلى الرجوع إلى هذا الركن الذي تتوحد عليه جميعاً وهو الله تبارك وتعالى لأنه خالقها وستجد عنده الرحمة و الحب والسمو والعفو والصفح و ستترفع حينئذٍ عن أهوائها المقيتة وأنانياتها الضيقة التي تتصارع وتتزاحم فتسبب للبشرية هذا العناء و الشقاء وليعبّر كل فرد أو جماعة عن هذه الحالة بطريقته الخاصة [قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا] (سبأ:46) ، [فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ] (يونس:98).أما نحن أتباع أهل بيت النبي (صلی الله علیه و آله) فلنا من البرامج ما يكفينا فعندنا دعاء الإمام الحسين (علیه السلام) ليوم عرفة الموجود في كتاب (مفاتيح الجنان) و (مصابيح الجنان) وأمثالهما ودعاء الإمام السجاد (علیه السلام) ليوم عرفة ودعاؤه (ع) لطلب التوبة ودعاؤه لطلب مكارم الأخلاق الموجودة في الصحيفة السجادية.

إن العرفاء الشامخين يدينون بالمعرفة لدعاء الإمام الحسين (علیه السلام) وكيف لا يكون كذلك وهو من إنشاء سيد العارفين وابن سيد العارفين وقد وصف بعض أصحابه هيئته الشريفة حين خرج للدعاء (كنّا مع الحسين بن علي (علیه السلام) عشية عرفة فخرج ع من فسطاطه متذللاً خاشعاً فجعل يمشي هوناً هوناً حتى وقف هو وجماعة من أهل بيته وولده ومواليه في ميسرة الجبل مستقبل القبلة. ثم رفع يديه تلقاء وجهه كاستطعام المسكين) ثم أخذ ينشئ الحمد لله تبارك وتعالى ويثني عليه إلى أن قال (علیه السلام) (اللهم اجعلني أخشاك كأني أراك ،

ص: 66

وأسعدني بتقواك ، ولا تُشقني بمعصيتك، وخِرْ لي في قضائك، وبارك لي في قدرك، حتى لا أُحِبَّ تعجيل ما أخّرت، ولا تأخير ما عجّلت). ولقد وجدت بعض الناس عصر يوم عرفة في الصحن الحسيني الشريف في كربلاء المقدسة بعد أن أدّى مناسك الزيارة المخصوصة لذلك اليوم وهو يكررّ هذا المقطع وقد أجهش بالبكاء و ابتلّت لحيته بدموع عينيه.

ومما ورد في ذلك الدعاء قوله (علیه السلام): (اللهم اجعلنا في هذا الوقت ممن سألك فأعطيته، وشكرك فزدته، وتاب إليك فقبلته، وتنصل إليك من ذنوبه كلها فغفرتها له، يا ذا الجلال والإكرام) ويخاطب ربّه (كيف يُستدَلُّ عليك بما هو في وجوده مفتقرٌ إليك؟ أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المُظهرَ لك؟ متى غبتَ حتى تحتاجَ إلى دليلٍ يدِلُّ عليك؟ ومتى بعُدتَ حتى تكون الآثارُ هي التي توصِلُ إليك؟ عَمِيت عينٌ لا تراك عليها رقيبا، وخسرت صفقةُ عبدٍ لم تجعل له من حبِّك نصيبا).

فلنتوجه إلى الله تبارك وتعالى بها بتأملٍ وإمعان فرادى وجماعات في المساجد و البيوت ومن على المآذن بمكبرات الصوت من المساجد ومن ليس قريباً للمسجد فلينصب مكبرة الصوت على سطح داره ويحيي هذه المناسبة الشريفة، لينظر الله تبارك وتعالى إلى جميع أصقاع الأرض تتعالى منها أصوات الحاجة و الافتقار إلى مزيد من رحمته ولطفه حتى ينقذ البشرية من جهلها وأنانيتها وضلالها وتخبّطها وعتوّها فيستغفر الإنسان عما مضى ويندم عليه ويعقد العزم على عدم تكراره ويسعى لتلافي كل الأخطاء والآثام التي ارتكبها بحق غيره ويزيد من الأعمال الصالحة التي تعيد التوازن وتصلح الخلل الذي أحدثته

ص: 67

الأعمال السيئة، وهذا هو المضمون الحقيقي للتوبة الذي تعلّمناه من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیهما السلام).ففي كتاب (نهج البلاغة) أن شخصاً قال بحضرته (ع) (أستغفر الله) فقال (علیه السلام) : (ثكلتك أمك ، أتدري ما الاستغفار؟ الاستغفار درجة العلِّييِّن ، وهو اسم واقع على ستة معان : أولهُّا الندمُ على ما مضى، والثاني العزم على ترك العود إليه أبدا ، و الثالث : أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله أملس ليس عليك تبعة ، والرابع أن تعمد إلى كل فريضة ضيّعتها فتؤدي حقَّها، والخامس أن تعمد إلى اللحم الذي نبتَ على السحت فتذيبه بالأحزان حتى تُلصِق الجلد بالعظم ، وينشأ بينهما لحم جديد ، و السادس أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية فعند ذلك تقول (استغفر الله)).

إن اجتماع الناس في كل بلاد الدنيا للدعاء والتوبة في يوم عرفة وعدم اختصاص الأمر بمن وُجدوا على صعيد عرفة، مما حَثَ عليه الشارع المقدّس وليس شيئاً نبتدعه نحن فقد روي عن الإمام الصادق (علیه السلام) انه قال (في يوم عرفة يجتمعون الناس بغير إمام في الأمصار يدعون الله عز وجل).

واجتهدوا في الدعاء لإخوانكم المنكوبين و المحرومين والمستضعفين والمحتاجين فقد روى أحد أصحاب الأئمة (علیهم السلام) قال: (رأيت عبد الله بن جندب بالموقف فلم أرَ موقفاً كان أحسن من موقفه ، وما زال ماداً يده إلى السماء ودموعه تسيل على خدّيه حتى تبلغ الأرض، فلما انصرف الناس قلت يا أبا محمد ما رأيت موقفاً قط أحسن من موقفك قال: والله ما دعوت إلا لإخواني، وذلك لأن أبا الحسن موسى بن جعفر (علیه السلام) أخبرني أنه من دعا

ص: 68

لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش: ولك مئة ألف ضعف مثله، فكرهت أن أدع مئة ألف ضعف مضمونة لواحدة لا أدري تستجاب أم لا).إن يوم عرفة يسبق يوم العيد و العيد معنى مأخوذ من العود حيث يمثل مناسبة لعودة الإنسان إلى ربه الكريم، وعودة الرب الكريم على العبد بمزيد من الخير والرحمة والعطاء الإلهي الذي لا ينفد، ومثل هذه المبادلة العظيمة بين الرب والعبد لا بد أن يسبقها تهيئة المقدمات لاستقبالها، كما أن من أراد زراعة أرضٍ فلا بد له أولاً من تنقيتها من الأدغال وتنظيفها من الأوساخ ومن ثم غرس النبات الطيب فيها، وهكذا قلب الإنسان ونفسه لابد من تطهيرها وتنقيتها من الرذائل والانغماس غير المشروع في الشهوات وإعلان الاستغفار و التوبة بالمعاني المتقدمة في يوم عرفة لتكون محلاً صالحاً يوم عيد الأضحى لتلقي النفحات الإلهية.

[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ] (الأنفال:24)، [قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ] (هود:88).

ص: 69

خطاب المرحلة 144 :إذا كانت الحكومة جادة في المصالحة الوطنية فلتتصالح مع الشعب أولاً

خطاب المرحلة 144 :إذا كانت الحكومة جادة في المصالحة الوطنية فلتتصالح مع الشعب أولاً(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

انطلاقاً من شعورنا بالمسؤولية والمرارة التي أوجعت قلوبنا لما يعانيه الشعب العراقي من وضع مأساوي يبقى وصمة عار على كل من يؤججّه وينفخ ناره ويمدّه من داخل العراق وخارجه ، فإننا لم نتوانى عن تلبية أي دعوة وحضور أي مؤتمر لإنقاذ العراق وأهله مهما تضاءلت فرص نجاحه بل كنّا السبّاقين لتقديم الرؤى والمشاريع التي تتكفل حل ألازمة .

ولكن هذه المحاولات تفشل في حل المشكلة وتنتهي إلى حيث بدأت بل إن الحالة تسوء بعد كل واحدة من هذه المحاولات، وكل ما نتج عنها تكريس حالة الاستسلام والذلة والخضوع لشروط الإرهابيين وقتلة الشعب وترسيخ ثقافة الابتزاز بقوة السلاح، وتشجيع كل صاحب مطلب سواء كان حقا أو باطلا إلى اللجوء للعنف واستعمال السلاح لتحقيق مطلبه، ويبقى الشعب المسالم البريء الأعزل الذي يمنعه دينه وأخلاقه وتقاليده عن ارتكاب الظلم والفساد يبقى محروماً من ابسط حقوقه ويعيش دون خط الفقر في مدنٍ تسبح على بحار

ص: 70


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع وفد كلية شط العرب الجامعة في البصرة وكلية الآداب في جامعة البصرة يوم 2/ذ.ح/ 1427 المصادف 23/ 12/ 2006 ومع وفد ناحية الحر في كربلاء يوم 27/ذ.ق ومع وفد يمثّل الائتلاف العراقي الموحد يوم 29/ذ. ق/ 1427

من النفط.إن الحكومة والأحزاب المتسلّطة إذا كانت جادة في (المصالحة الوطنية) فلتتصالح أولاً مع الشعب الذي تهدر ثرواته وتملا بها جيوب الزعماء المتنفذين فإن هذا الشعب يتميز غضباً وحنقاً وغيضاً عليهم.

كيف يرضى الشعب أن يكرَّم أزلام صدام المقبور(1) ويعطون الامتيازات الضخمة التي سيوظفونها حتماً في زيادة ولوغهم في دماء العراقيين وإنعاش الإرهاب، بينما تبقى عوائل الشهداء الأبرار والسجناء الذين ذاقوا صنوف العذاب وكل المحرومين الذين عانوا الأمرّين تحت وطأة ظلم صدام وبطشه وقسوته، يبقون في هذا الحال البائس التعيس من دون أن تكلّف الحكومة نفسها بتكريمهم بما يحفظ ماء وجوههم، بل حتى لم تتحرك بخطوات جدّية لإعادة أموالهم وممتلكاتهم التي صادرها صدام وأزلامه وبيعت بثمن بخس ولا يستطيعون استردادها فينظرون إليها بأعينهم وقلوبهم تحترق!!

وإذا يممّت وجهك شطر المهجرين وتساءلت كيف يواجهون البرد القارص والمطر في تلك الخيام البالية، ولقد رأيت بعيني الأم التي تنقل أطفالها من مكان إلى مكان في مأواهم الخاوي الذي سقفه من الحُصُر والبواري، وجدرانه من الصفيح، وكلما ابتل موضع من المطر نقلتهم إلى آخر وفي النهار تنشر الفراش والوسائد على الحبل لعل الشمس تجففها وغيرها من الصور

ص: 71


1- في كل مؤتمر مما يسمى بمؤتمرات المصالحة الوطنية تقدّم تنازلات ذليلة للإرهابيين والصداميين كقرار العفو عنهم وإعادة أزلام صدام من الفدائيين وجلاوزة الأمن ودفع رواتبهم بقرار رجعي ونحوها.

المأساوية.فأين المسؤولون عن هذه الكوارث وإذا منعتهم الحالة الأمنية عن تفقّدهم ميدانياً والإطلاع على حالهم أفلا يتابعون التقارير التلفزيونية وهو أضعف الأيمان ولكن قست القلوب فهي كالحجارة أو أشدّ قسوة.

ص: 72

خطاب المرحلة 145 :استئثار السلطة والعنف السياسي

خطاب المرحلة 145 :استئثار السلطة والعنف السياسي(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

توجد ظاهرتان في العلاقة بين السلطة والشعب هما السبب في حصول الفجوة والافتراق بينهما وتعمل عدة عوامل أخرى على توسيعها وتأجيجها، هما استئثار الحكام وعدم صبر المحكوم، فإذا التفت المتسلطون إلى أنانياتهم وكرّسوا جهدهم للتفرد بمغانم السلطة وجني المكاسب الشخصية مما يسبّب الحيف والظلم والجور على عامة الشعب الذين قد يصبرون على مستوى معين من الحرمان والتعسف لكن صبرهم لا يستمر إلى ما لا نهاية، وعندما يصل الحرمان من ابسط حقوق الحياة الإنسانية الكريمة إلى درجة لا تطاق فإن الصبر والتصبّر لا يجدي حينئذٍ وينفجر الوضع، وهذا ما عبر عنه الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري (عجبت لمن لا يجد القوت في بيته كيف لا يخرج شاهراً سيفه).

هاتان الظاهرتان جمعهما أمير المؤمنين(ع) حينما سُئِل عن قضية مقتل الخليفة عثمان فأجاب (ع) باختصار (استأثر فأساء الأثرة، وجزعتم فأسأتم الجزع ، ولله حكم واقع في المستأثر والجازع)

ص: 73


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع عدد من العلماء والأساتذة من السنة والشيعة الذين حضروا ندوة (واقعة الغدير... الدلالات والمعطيات) التي عقدتها المؤسسة الإسلامية للدعوة والتبليغ والإرشاد بالتعاون مع البيت الثقافي التابع لوزارة الثقافة في النجف الأشرف يوم 22/ذو الحجة/1427 المصادف 12/ 1/ 2007 بمناسبة ذكرى عيد الغدير المبارك.

فلو لم تستأثر بطانة الخليفة بعائدات الدولة الإسلامية ووزع-ت الحقوق على أصحابها بعدالة وإنصاف أو على الأقل كفلت للرعية الحد المعقول من مستوى المعيشة لما حصلت الفتنة ، ولو أنَّ الناس حين حرمت من بعض حقوقها التي يمكن التنازل عنها صبرت على الحال وكظمت غيظها لتجنبت ما هو أسوا حيث حصل ذلك الجرح العميق في جسد الأمة الذي ظل ينزف دماً إلى اليوم.وهو(ع) في الشق الثاني من جوابه يشير إلى إنهم لم يتأسوا به (علیه السلام) في كيفية تصرفه إزاء تلك الظاهرتين حيث ضرب (ع) لنا أسمى المُثل لمعالجتها، فحينما غصب حقه في خلافة رسول الله (صلی الله علیه و آله) الثابت له بالنص أولاً وبالاستحقاق ثانياً حيث كان من الواضح لدى جميع الصحابة أفضليته عليهم حتى اشتهر عن الخليفة الثاني عمر قوله (لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن) وقول عبد الله بن العباس حبر الأمة وترجمان القران كما يصفونه لما سئل عن مقارنة علمه بعلم علي(علیه السلام) قال (والله ما علمي وعلم كل أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله) في علم علي إلا كقطرة في بحر) وهم يروون عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) أقواله الشريفة (أعلمكم علي) (أقضاكم علي) (علي مع الحق والحق مع علي) وغيرها مما رواه الفريقان.

ومع هذا كله فقد صبر عليٌ (ع) وتحَّمل وكان ناصحاً للخلفاء ويسدد حركتهم بالمشورة الصائبة، كنصيحته للخليفة الثاني بأن لا يخرج بنفسه لقتال الفرس في القادسية حتى لا يستكلبوا عليه ويقولوا هذا رأس العرب إن قتلناه تخلصنا منهم واستمع الخليفة لنصيحته بعد أن أشار عليه الصحابة بالخروج

ص: 74

وهكذا مواقفه الأخرى، وبقي خمسة وعشرين عاماً مقصياً عن الحكم لكن دوره الايجابي العظيم في حفظ هيبة الدولة الإسلامية ووحدة الأمة وسموها وازدهارها بقي معطاء زاخراً ولو كان خرج بالسيف ودعا إلى نفسه والتّف حوله شطر من الأمة الوليدة لكان مصيرها الاندثار.ولما اجمع أهل الحل والعقد على استخلافه مع امتناعه الشديد أثار عليه الفتن والحروب من كانوا بالأمس مستأثرين بفيء الأمة وترك احدهم بعد وفاته من الذهب ما يكسر بالفؤوس، وخرجوا من المدينة وقد حملوا على الإبل صناديق جمعوا فيها تلك الأموال لما سمعوا علياً يصعد المنبر بعد توليه السلطة يقول (ألا وإن كل قطيعة أقطعها عثمان أو مال أعطاه من مال الله ، فهو مردود على المسلمين في بيت مالهم ، فإن الحق قديم لا يبطله شيء ، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، لو وجدته قد تزوج به النساء ومُلِكَ به الإماء وتفرق في البلدان لرددته على حاله فإن في الحق والعدل لَسِعةً، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق ، وأقول ما تسمعون ، وأستغفر الله لي ولكم).

وعلق عليه أحد المؤرخين(1) (وكانت هذه الخطبة مما سُرَّ به وسكن إليه المؤمنون المخلصون وأهل الحق والبصائر ، واستوحش منه المنافقون والذين في قلوبهم مرض ، وكل من تطاعم الأثرة أو كان في يده شيء منها لما تواعد به صلوات الله عليه من استرجاع ذلك من أيديهم ، ورده إلى بيت مال المسلمين).

وقال (علیه السلام) (وَوَاللهِ لأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِا جَوْرٌ

ص: 75


1- شرح الأخبار للقاضي النعماني المغربي 1/ 373

إِلاَّ عَلَيَّ خَاصَّةً).وكان مما يوصي به عمّاله على الولايات الابتعاد عن الاستئثار والاختصاص بشيء دون الرعية مما يفترض مساواتهم فيه، فقد جاء في عهده العظيم إلى مالك الأشتر لما ولاه مصر قوله (علیه السلام) (ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختباراً ولا تولَّهم محاباة وأثرة، فإنهما جماعٌ من شعب الجور والخيانة، وتوخَّ منهم أهل التجربة والحياء ، من أهل البيوتات الصالحة)(1) .

أي كلّفهم بالولاية والإدارة بعد امتحانهم وإثبات نجاحهم لا محاباة ومجاملة وميلاً منك لهم وأثرة أي استبداداً بلا مشورة ، فإن المحاباة والأثرة من مصاديق الجور والخيانة. ويقول (ع) له (وإياك و الاستئثار بما الناس فيه أسوة) أي لا تختص لنفسك بامتيازات ومنح يفترض أن الناس سواسية فيها.

وهذا ما وضّحه الإمام الحسين (علیه السلام) حينما حلّل الخلفية التاريخية لثورته المباركة في كتابه إلى رؤوس الأخماس في البصرة (أما بعدُ: فإن الله اصطفى محمداً (صلی الله علیه و آله) على خلقه ، وأكرمه بنّبوته واختاره لرسالته ، ثم قبضه الله إليه وقد نصح لعباده وبلغ ما أرسل به ص وكنّا أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته وأحقّ الناس بمقامه في الناس ، فاستأثر علينا قومنا بذلك فرضيناه وكرهنا الفرقة وأحببنا العافية، ونحن اعلم أنّا أحقُ بذلك الحق المستحق علينا)

وكان رسول الله (صلی الله علیه و آله) يحذّر أمته من استئثار الحكّام بعده فعندما ورد معاوية المدينة المنورة وخرج صحابة رسول الله (صلی الله علیه و آله) من الأنصار لاستقباله سألهم هل أخبركم النبي عن هذا الحال الذي انتم فيه قالوا نعم قال (صلی الله علیه و آله)

ص: 76


1- نهج البلاغة/ج3 ص583

(إنكم ستلقون بعدي أثرة قال معاوية: وبماذا أوصاكم؟ قالوا: أوصانا بالصبر قال معاوية –بتهكم- إذن فاصبروا) وشرحها ابن الأثير في النهاية فقال أي (يستأثر عليكم فيفضل غيركم في نصيبه من الفيء)وهاتان الظاهرتان تفسران الكثير من حالات العنف وانفصام العلاقة بين السلطة والشعب، وحينئذ ينزلق البلد إلى الهاوية وينشغل بصراعاته الداخلية وتبدأ الحكومة بصرف ثروات البلد على حماية نفسها من غضب الجماهير وتحيط نفسها بأسيجة عديدة من الجلاوزة والمأجورين وتصرف عليهم المال الكثير، بينما لو أنفقت بعضه القليل على مصالح الشعب لما احتاجت إلى كل هذا الهدر للأموال.

وهذه الحقيقة يتعامى عنها كل الساسة من الطواغيت والظلمة والمستبدين والمستأثرين. فمثلا الولايات المتحدة حينما مضت لوحدها في حساب مصالحها خسرت اقرب حلفائها وهم دول الاتحاد الأوربي التي ذهبت بعيداً إلى اتخاذ مواقف لا مبرر لها إلاّ معارضة سياسات الولايات المتحدة التي تحذّرها من التغريد خارج سربها(1).

ومثل الأزمة القلقة التي تعيشها لبنان بسبب هذه الظاهرة وكذا كل الدول التي لا تعيش الشراكة الحقيقية لكل مكونات الشعب في الحقوق والواجبات.

ومن أوضح أمثلتها ما يعيشه العراقيون اليوم من قتل وتدمير وتخريب للبلاد بسبب استئثار بعض الكيانات السياسية المهيمنة على القرار بثروات البلد

ص: 77


1- إشارة إلى تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية في لندن قبل أيام تلمح لقرار فرنسا بإرسال مبعوث لمناقشة الملف النووي الإيراني.

وخيراته وتوجيهها للقرارات بما يحلو لها وفق مصالحها من دون اكتراث لحقوق للآخرين من دون أن يصبر الآخرون ويعطوا للوسائل السلمية والسياسية حقها ولا يجعلون آخر الدواء الكي، فسقط العراق في هذا المستنقع الآسن لا لشيء إلا هذه المصالح المتعارضة وإن حاول كل فريق أن يلبس ثوباً ينفعه في تحشيد اكبر عدد من ورائه كثوب الطائفية أو القومية والحقيقة غير ذلك إذ إنهم لا يعرفون إلا مصالحهم الخاصة.لقد علّمت المرجعية الرشيدة هؤلاء المستأثرين درساً في السمو والنبل حين أمرتُ أبناء الفضيلة بالانسحاب من تشكيلة الحكومة لتريهم أن ما يتصارعون عليه هو وهم زائل وسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءاً ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تسفك الدماء و تخرب البلاد وتهجّر العوائل الآمنة ونعطل الحياة من أجلها.

ورغم انسحابهم فقد أمرتهم المرجعية بالتصويت ب- (نعم) في البرلمان عند التصويت على نيل الحكومة ثقة البرلمان لإعطائها الفرصة حتى تعمل كل ما يصلح حال الشعب ويبني البلد.

وهذا الموقف لا يفهمه هؤلاء المتسلطون الغارقون في أنانياتهم كما لم يفهم الكثيرون سمو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیهما السلام) وربما خطأوه في تصرفاته، ولا يستطيع أحد أن يجاهد نفسه ويتخذ هذه المواقف الحكيمة إلا إذا تربّى في مدرسة علي بن أبي طالب (علیهما السلام) ونهل من أدابة وعلومه ومعارفه.

فمتى يثوب السياسيون إلى رشدهم ليعوا هذه الحقيقة.

ص: 78

خطاب المرحلة 146 :رقابة المرجعية على ميزانية 2007 سلّطت الأضواء على فساد المتسلطين

بسم الله الرحمن الرحيم

لم تحظَ ميزانية قدمتها الحكومة في السنوات السابقة بمناقشات ومعالجات كالتي حظيت بها ميزانية 2007 حيث كانت تُسَّوق على علاّتها وتترك الباب واسعاً للفساد المالي وهدر المال العام حتى اعترف وزير المالية السابق إن سرقة المال العام بلغت خمسة مليارات دولار وهو رقم ضخم، ومع ذلك فهو أقل بكثير من تقديرات منظمات الشفافية العالمية، مما جعلت العراق بلد الحضارات يقف على قمة رأس قائمة الدول الأكثر فساداً في العالم ضمن الدول المتخلفة والجاهلة، ولو أن القادة السياسيين استعادوا للبلد عشر هذا المال الذي سُرِق لاستغنى عن قرض البنك الدولي الذي أضرَّ بشعبنا بشروطه المجحفة كقطع الدعم الحكومي لأسعار المشتقات النفطية والبطاقة التموينية وزيادة الضرائب والرسوم وقطع المعونات الاجتماعية فأضافت الحكومة بؤساً إلى بؤس الشعب.

وكانت ميزانية عام 2007 قد صيغت بنفس الأخطاء السابقة من الارتجالية والعبثية وكثرة منافذ الاختلاس وسرقة المال العام وخلّوها من المشاريع الإستراتيجية والإصلاحات الاقتصادية الحقيقية، لولا أن اندفعت المرجعية الرشيدة لتصدر بيانها (زيادة ميزانية عام 2007 خبر يؤلم العراقيين) وكان البيان

ص: 79

موضوعاً للخطبة الثانية من صلاة عيد الأضحى المبارك(1) إيماناً من المرجعية بأهمية الميزانية باعتبارها خطة عمل الحكومة خلال عام.وكانت هذه الحركة الشجاعة من المرجعية إيذاناً للخبراء والمحللين الاقتصاديين بتسليط الأضواء على الميزانية ودراستها ومعرفة الخلل فيها، وارتفعت الأصوات التي استفادت من زخم المرجعية لتطالب بتصحيح الأخطاء وسد الثغرات وملئ الفراغات التي شخّصتها المرجعية فعقدت المؤتمرات وأقيمت الندوات، وشعر زعماء الكيانات المهيمنة على القرار السياسي بالهزيمة والذل وخسرت صفقتها فتغيّبوا عن حضور جلسات البرلمان ليعطلوا مناقشتها لعدم اكتمال النصاب حتى يضيق الوقت ويصبح إقرارها أمراً واقعاً، ونحن نعلم أن تأخير المصادقة سوف لا يسدُّ عليهم أبواب سرقة ثروات الشعب لأنهم يعرفون كيف يستخرجون الأموال حتى من دون مصادقة، لكنهم سيجعلون عدم المصادقة مبرراً لمزيد من الإجحاف بحق المواطن، فمثلاً يتوقفون عن صرف رواتب ومخصصات الطلبة الجامعيين لسد احتياجاتهم الدراسية والمعيشية لان ميزانية 2007 لم تُطلق بعد، وهكذا الكثير من مصالح الشعب الذي عليه أن يعي ما يفكّر به السياسيون المتصدون لإدارة البلد وقيادة الشعب.

وإليكم نص البيان الذي أصدره سماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) بعنوان (زيادة ميزانية عام 2007خبر يؤلم العراقيين) ونقلت وسائل الإعلام فقرات منه:

ص: 80


1- الخطبة الثانية من صلاة عيد الاضحى التي أقامها سماحة الشيخ اليعقوبي في داره وحضرها مئات امتدت صفوفهم إلى خارج الدار والشارع وصادف العيد يوم 31/ 12/ 2006.

(قدّمت الحكومة ميزانيتها لعام 2007 وهي تزيد عن (40) مليار دولار لأول مرة في تاريخ العراق ووصفوها بأنها (انفجارية)، ومثل هذا الخبر يكون بشرى سارة في دول العالم لأنه يعني مزيداً من مشاريع البناء والأعمار وتحسين أوضاع المعيشة للمواطنين وتطوير القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم والخدمات.أما في العراق فإن مثل هذا الخبر يحمل مزيداً من الألم والمرارة والثورة والرفض لأنه يعني مزيداً من سرقة المال العام وامتلاء جيوب المتسلطين المهيمنين على مصادر القرار والإثراء غير المشروع على حساب الشعب البائس المحروم الذي يدفع وحده ثمن هذا التنافس المحموم على كعكة العراق التي يتسابقون على تقاسمها.

إن الشعب العراقي يتحدى حكومته أن تقدم له كشفاً بصرف عشر هذا المبلغ على مشاريع ستراتيجية يجدها على ارض الواقع وليست مشاريع وهمية على الورق فقط(1).

فها هو الخراب يدبُّ في مرافق الدولة ومنشأتها الحيوية وبنيتها التحتية ولا زالت المصانع الحكومية التي كانت تستوعب الآلاف من الفنيين والأيدي العاملة عاطلة عن العمل لأسباب يمكن إصلاحها بسهولة ، وقد انحسرت الأراضي المزروعة بعد أن هجرها أهلها لعدم كفاية الحاصل بتكاليف زراعتها ، ولا حاجة إلى الاستمرار في سرد الأمثلة فإن الخراب والانهيار ضارب بأطنابه

ص: 81


1- اعترف مجلس الإعمار الأمريكي وغيره من المؤسسات في نيسان 2008 بأن كثيراً من المشاريع التي قبضت أموالها وادعي إنجازها لم تنفذ على الأرض.

في كل نواحي الحياة.ألا يستحي المتصدّون لإدارة البلد من تصدّر العراق قائمة دول العالم في انتشار الفساد المالي في تقرير منظمة الشفافية العالمية وتقدّم على أكثر الدول تخلفاً وهو بلد الأصالة والحضارة والتاريخ والريادة في فنون الحياة؟.

والغريب أن تجتمع الحكومة في نهاية عام 2006(1) ليشرح كل وزير إنجازات وزارته ويظهر رئيس الحكومة في مؤتمر صحفي ليعبر عن قبوله ورضاه عن أداء الحكومة ويصفه بأنه أفضل من المتوقّع.

فيالله من هذه المصائب التي تدمي القلب وتدفع الشعب إلى ركوب الخيارات الصعبة.

ولا حول ولا قوة إلا بالله لعلي العظيم

ص: 82


1- كان ذلك يوم 29 /12

خطاب المرحلة 147 :المرجعية حصن يحمي عقائد الأمة ويصحح سلوكها من الفتن الضالّة

اشارة

خطاب المرحلة 147 :المرجعية حصن يحمي عقائد الأمة ويصحح سلوكها من الفتن الضالّة(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

تكاد الدعوات الضالّة رغم تباين مناهجها وتقاطعها في عملها تتحد على قاسم مشترك تجتمع عليه هو ضرب المرجعية وتسقيطها وتشويه صورتها وإلغاء دورها في المجتمع، يستوي في ذلك أدعياء المهدوية والسفارة والبابية والسلوكية وسائر العناوين المرتبطة بقضية الإمام المهدي (علیه السلام) وظهوره الميمون.

والسر في ذلك أن هؤلاء يراهنون في نجاح دعواتهم على سذاجة الناس وجهلهم وتخلّفهّم، ومع وجود مرجعية جامعة للشروط والتي من مهامها توعية الأمة وهدايتها إلى الحق فإن مثل تلك الدعوات الضالة لا تجد طريقها إلى إغواء الناس وإضلالهم، لان من أوصاف العلماء بحسب ما ورد في الروايات الشريفة أنهم (حصون الإسلام) فكما إن الحصون توضع على حدود الكيان لتحفظ ثغوره وتصد هجمات الأعداء، كذلك دور العلماء والمرجعية الرشيدة

ص: 83


1- من تعليقات سماحة الشيخ اليعقوبي على بعض الدعوات الضالة التي ظهرت مؤخراً والمقصود حركة (جند السماء) التي خاضت معركة ضارية مع القوات الحكومية والأمريكية في منطقة الزركة شمال النجف على طريق كربلاء وأسفرت عن قتل وجرح المئات يوم 8/محرم/1428 المصادف 28 /1/ 2007 .

فإن من وظائفهم حماية عقائد الناس وسلوكهم من الفساد والانحراف فهم مرابطون على هذه الثغور والفجوات العقائدية والفكرية ليردّوا الأعداء من الجن والإنس الذين يتسللون منها إلى عقول وقلوب ونفوس الناس .والمرجعية لا يصل إليها الشخص بين عشية وضحاها ولا يتقمصها مجهول لا يعرف من أين جاء كما يتسلل هؤلاء النكرات الدجالون، وإنما يعرف تاريخ الشخص الذي يتصدى للمرجعية بوضوح لسنين طويلة تكون كافية للاطمئنان إلى علمه الذي يصل إلى درجة الاجتهاد وحسن سيرته المعبّر عنها بالعدالة ونقاء أصله المعرف بطهارة المولد، ومثل هذا الطريق الطويل المليء بالجهد والمثابرة وتزكية النفس لا يروق لأولئك المغرورين الحالمين بالجاه والثروة، فيركبون موجة الدعوات المهدوية والمسالك العرفانية وغيرها من الدعوات الغيبية التي تنطلي على السذج للوصول إلى أهدافهم.

فإذا أطمأنّت الأمة إلى تحقق الصفات في مرجعية ما فعليها أن تؤدي وظيفتها تجاه مرجعيتها وقد حددّها الإمام الباقر (علیه السلام) بقوله (إنما كُلَّف الناس ثلاثاً: معرفة الأئمة، والتسليم لهم فيما ورد إليهم، والرد إليهم فيما اختلفوا فيه).

والمرجع هو نائب نوعي للإمام المعصوم وليس نائباً شخصياً أي انه محدد بالأوصاف والشروط من قبل المعصوم وليس بالاسم، وتوجد روايات عديدة عنهم (علیهم السلام) بهذا الصدد ومنها ما روي عن الإمام المهدي (علیه السلام) (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فأنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله).

وإذا كانت هذه وصية الإمام المهدي (علیه السلام) الذي يتاجر باسمه أصحاب

ص: 84

تلك الدعوات الضالة فكيف يسقطون من نصّبه الإمام المهدي حجة عليهم وأمرهم بإتباعِهم؟ ومع هذا الانفضاح لدعواتهم الضالّة كيف تنطلي خدعهم على الناس؟ وكيف يصدقونهم من دون أن يعرفوا لهم تاريخاً مشرفاً فهم إما نكرات أو مجهولون ولا تعرف لهم سابقة في علم ولا دين؟

ص: 85

ملتقى العلم والدين في رحاب الإمام الحسين

ملتقى العلم والدين في رحاب الإمام الحسين(1)

لقد حققت مواكب الوعي الحسيني لطلبة الجامعات التي تنطلق في كربلاء المقدسة ثمرات عديدة على طريق استلهام الأهداف المباركة لثورة الإمام الحسين (علیه السلام) وتجسيدها على أرض الواقع مما لا يخفى على كل متابع وكانت مثار فخر واعتزاز للأمة.

وها نحن على مشارف موسمها الرابع بأذن الله تعالى وانطلاقاً من الحديث الشريف الذي يريد للمؤمن أن يكون يومه أفضل من أمسه فإننا ندعو أساتذة وطلبة الجامعات العراقية المحروسين بعين الله تعالى إلى أن يتقدموا بهذا المشروع خطوة إلى الأمام ويحولوه إلى يوم سنوي للوحدة واللقاء بين الحوزة العلمية والجامعات وليكون (ملتقى العلم والدين في رحاب الحسين ع) الدين الذي تتصدى الحوزة العلمية لنشره وترسيخه والعلم الذي تحتضنه أروقة الجامعات وتغذي به شبابنا وشاباتنا ليعمروا الحياة ويبنوا المستقبل الزاهر.

لقد تعمد أعداء الإسلام والشعب الفصل بين الحوزة والدين وتنفير كل منهما من الأخر فتصّور الحوزة العلمية للجامعيين وكأنها كيان متخلف رجعي متحجر لا يفقه من المدنية شيئاً وتصور الجامعيين للحوزة العلمية وكأنهم شباب فارغون متميعون بعيدون عن الدين وأنهم لاهثون وراء شهواتهم ، وكان

ص: 86


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع وفد طلبة الكلية التقنية في البصرة يوم 17/ذو القعدة 1427 المصادف 9/ 12/ 2006 ومع اللجنة المنظمة للمواكب في كربلاء، ونشرت في العدد (52) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 18 ذو الحجة 1427 المصادف 18/ 1/ 2007..

على مدى الأجيال في الكيانين ثلة واعية رسالية استطاعت كسر هذا الإسفين وأزالت الحواجز فنريد من هذا الملتقى أن يثير لدى الجميع وحدة الهدف وان تنوعت الآليات وان يساهم كل منهما في رفد الأخر إذ إن كلاً منهما يزخر بالكفاءات وبالمناهج مما يساهم في تطوير الآخر بمفرداته العلمية ومناهج تفكيره وعمق نظرته للحياة وسمو أهدافه وحسن تعامله مع المعطيات على الأرض واستثماره لها.وما زال في الوقت سعة حتى يعد الجميع بحوثهم ودراساتهم لإغناء هذا الملتقى والمساهمة الجادة في فعالياته بالتنسيق مع اللجنة المنظمة المركزية في كربلاء أو فروعها في الجامعات والمحافظات.

من الجدير بالذكر أن اللجنة المنظمة أعلنت أن موعد انطلاق مواكب الوعي الحسيني سيكون بإذن الله تعالى بعد صلاة الظهر والعصر يوم التاسع من محرم الحرام من المعهد التقني في كربلاء الذي يقع على مشارف المدينة من جهة الحلة وان عمادة المعهد وإدارييه وطلبته ابدوا استعدادهم مشكورين لاستضافة إخوانهم من أساتذة وطلبة الجامعات العراقية كما قاموا بذلك فيما مضى جزاهم الله خير جزاء المحسنين.

ويمكن لأبناء المحافظات البعيدة الوصول مساء الثامن من محرم والمبيت في المعهد لتتسنى لهم المشاركة بيسر وتقام الفعاليات المنوعة من ندوات ومحاضرات ومسرحيات ومجالس تعزية ورثاء ليحيي الجميع ليلة عاشوراء إلى جوار الحسين ع ولينالوا بركة الحديث الشريف (من بات ليلة عاشوراء عند الحسين ع حُشِر ملطخاً بدمه).

ص: 87

السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين اللهم أدخلنا في شفاعتهم وابلغ بنا المقام المحمود عندك.

ص: 88

خطاب المرحلة 148 :مواكب طلبة الجامعات نافذة لإظهار المعالم الإنسانية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

خطاب المرحلة 148 :مواكب طلبة الجامعات نافذة لإظهار المعالم الإنسانية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

لم تكن قضية الإمام الحسين (علیه السلام) خاصة بطائفة دون أخرى أو بدين دون آخر بل كانت مبادئه السامية نبراساً ينير مسيرة الإنسانية كلها لنيل الحرية وتحقيق العدالة والسلام ومقاومة الظلم والاستبداد والاستئثار واستعباد الشعوب متأسياً بجده المصطفى (صلی الله علیه و آله) الذي خاطبه تبارك وتعالى [وَمَا أَرسَلْنَاكَ إلا رَحْمَةً لِلعَالَمِينَ] أي ليس فقط للمسلمين فضلاً عن طائفة معينة منهم، وهذا يفسّر لنا ما روي عن بكاء الإمام الحسين (علیه السلام) على الذين خرجوا لقتاله يوم عاشوراء لأنهم سيدخلون النار بسببه وهو يريد إنقاذهم من الهلاك.

ولإنسانية مبادئه فإن تأثيره المبارك سرى إلى غير المسلمين فقد تعلّم منه المهاتما غاندي كيف ينتصر بمظلوميته ويحررّ الهند، ونظم الشعراء المسيحيون غرراً من الشعر يتغنون فيها بعظمة الحسين (علیه السلام) وسمو مبادئه.

ص: 89


1- الخطاب الذي افتتح به سماحة الشيخ اليعقوبي (ملتقى الجامعات والحوزات العلمية في رحاب الإمام الحسين (عليه السلام)) ليلة التاسع من محرم /1428 المصادف 29/ 1/ 2007 ضمن فعاليات مواكب الوعي الحسيني لطلبة الجامعات والمعاهد العراقية ونقل بشكل مباشر عبر فضائية العراقية واحتشد آلاف الطلبة في مقر مبيتهم في المعهد التقني في كربلاء على عارضة تلفزيونية كبيرة منصتين إلى الخطاب.

حينما ثار أهل المدينة من صحابة رسول الله (صلی الله علیه و آله) والتابعين لهم بإحسان بقيادة عبد الله بن حنظلة –غسيل الملائكة في معركة أحد- في واقعة الحرة بعد حادثة كربلاء وقضى عليها جيش يزيد بكل قسوة ووحشية وانتهكوا كل المقدسات والحرمات، أخذ قائد الجيش الأموي البيعة من أهل المدينة على أن يكونوا عبيداً ليزيد واستباح أموالهم ونساءهم لجيشه.على مثل هذه السياسة الجائرة ثار الإمام الحسين (علیه السلام) ورفض الخضوع والخنوع لها وامتنع عن مبايعة يزيد لكيلا يعطيه مشروعية وإن كلفه ذلك حياته، لذلك كان جوابه (علیه السلام) حاسماً لوالي يزيد على المدينة لما طلب منه مبايعة يزيد (إنّا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح الله وبنا يختم ويزيد فاسق فاجر قاتل النفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله).

وظل (سلام الله عليه) يؤكد هذه الحقيقة ويلفت الأمة إلى هذا الخطر المحدق بهوّيتها وشخصيتها ومستقبلها على طول حركته المباركة من المدينة إلى مكة ومنها إلى كربلاء حيث استشهد ومنها قوله (إن رسول الله (صلی الله علیه و آله) قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله لسنة رسول الله ص ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول ، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله ، ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان ، وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد ، وعطّلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله ، وحرمّوا حلال الله ، وأنا أحقّ من غيري). وفي قولٍ آخر له (وأنا أولى من قام بنصرة دين الله وإعزاز شرعه والجهاد في سبيله ، لتكون كلمة الله هي العليا). وقوله (علیه السلام) (ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به ، والى الباطل لا يُتناهى عنه ،

ص: 90

ليرغب المؤمن في لقاء ربّه حقاً حقاً ، فأني لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برما ، وإن الناس عبيد الدنيا والدين لعقٌ على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معائشهم فإذا مُحصوا بالبلاء قلَّ الدّيانون). (إني ما خرجت أشِراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (صلی الله علیه و آله)).وكان (ع) ينشد:

سأمضي وما بالموت عارٌ على الفتى *** إذا ما نوى خيراً وجاهد مسلما

وواسى الرجال الصالحين بنفسه *** وفارق مذموماً وخالف مجرما

إن قضية الإمام الحسين (علیه السلام) لو عرضت بالطريقة التي تناسبها لأمكن تأصيل قيم الحرية والمحبة والسلام والعدالة والمساواة وكل القيم الإنسانية العليا لدى البشر جميعاً، واليوم حيث أصبحت أخبار العالم كله بين يدي الإنسان في نفس اللحظة وصار من في المشرق يسمع ويرى من في المغرب تصديقاً للروايات الشريفة الواردة في أخبار آخر الزمان ، ومثل هذا التقدم الهائل في تكنولوجيا الاتصالات وتبادل المعلومات كفيل بإيصال صوت الحق بعد أن بذل الطغاة عبر العصور كل ما في وسعهم لخنق هذا الصوت من لدن صدر الإسلام، حينما كان المشركون يصفقّون ويخلقون ضجيجاً ليغطّوا صوت رسول الله (صلی الله علیه و آله) حتى لا يسمعه أحد فيقتنع به، وعلى هذه الطريقة الجاهلية حاصروا أئمة أهل البيت وحبسوهم ثم قتلوهم ليحجبوا صوتهم لأنّ الطغاة يعلمون أن من يسمعه غير خاضع لضغوط فانه سيقتنع به وفي ذلك زوال سلطانهم الزائف.

أما اليوم فقد أذن الله تبارك وتعالى بان تتاح الفرصة لتطلع البشرية كلها

ص: 91

على الصورة الناصعة النقيّة الأصيلة للإسلام كما بلّغه رسول الله (صلی الله علیه و آله)، لا الصورة المشوّهة التي عكسها أدعياء الإسلام زوراً والمتقمصون لقيادة المسلمين من غير استحقاق، حتى نفرّوا الناس عن دين الله تعالى وأخذ خط الانحدار والانحراف عن الحق يذهب بعيداً ولولا لطف الله تبارك وتعالى وجهود وتضحيات الأئمة المعصومين (علیهم السلام) والثلة الصالحة التي عرفت الحق واتبعته ونصرته لما بقي من الإسلام إلا اسمه.إن قضية الإمام الحسين (علیه السلام) من أوسع النوافذ التي يمكن أن تطلّ البشرية من خلالها على مبادئ الإسلام العظيمة ولذا ورد في الحديث الشريف (كلنا سفن النجاة لكن سفينة الحسين أوسع) لأنها الأقدر والأكثر تأثيراً في اجتذاب الناس إلى طريق الهدى وما علينا إلا إيصالها بصورة حضارية تستثير عناصر الخير في البشرية.

وأنتم يا أساتذة وطلبة الجامعات خير من يؤدي هذه الرسالة لأنكم قلب الأمة النابض ومنكم يتدفق دم الحياة في جسد الأمة ومن دون الجامعات ومعاهد العلم تموت إنسانية الأمة وتعود إلى الحياة الهمجية الحيوانية.

ولما كان العلم وحده لا يكفي لبناء الحياة وإعمارها بل قد يكون شراً وسبباً لخرابها ما لم تنضّم إليه الأخلاق الفاضلة والخصال الحميدة والأهداف السامية التي يشيّدها الدين ويعمّقها في النفوس ويهذبها، كان هذا الملتقى السنوي المبارك في رحاب الإمام الحسين (علیه السلام) بين الجامعات والمعاهد الأكاديمية والحوزات العلمية الدينية التي تحملت بفخر واعتزاز تبليغ رسالة الله تعالى وحمايتها وصونها وقدّمت على هذا الطريق المبارك دماء زكية

ص: 92

وتضحيات باهظة، ولكنها لم تتوقف عن النهوض بمسؤولياتها وهي تردد ما قاله الإمام الحسين (علیه السلام) وهو يودّع الضحايا ويقدّم القرابين حتى الطفل الرضيع ويردّد (هوّن ما نزل بي انه بعين الله تعالى) وأمامهم قول الله تبارك وتعالى [ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ. وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ] (التوبة:120-121).أيها الأحبة:

إن بلدكم الجريح وشعبكم المحروم الذي تكالبت عليه قوى الشر والبغي وأعداء الإنسانية والحضارة يرنو ببصره إليكم ويعوّل آماله عليكم لتأخذوا بزمامه وتنقذوه من محنته كما شكا علّته إلى الإمام الحسين (علیه السلام) إذ لم يجد غيره منقذاً ومداوياً.

قد أصبح الدين منه(1) يشتكي سقَماً *** وما إلى أحد غير الحسين شكا

نعم قد تختلف الآليات وطرق العلاج لكن يبقى المعالج هو الإمام الحسين (علیه السلام) وأبوه وجدّه صلوات الله عليهما ومن سار على نهجهم ونهل من فيض معارفهم وتخرّج في مدرستهم.

لذا ينبغي أن يكون هذا الملتقى غنياً بما تجود به قرائحكم يا نُخَب الأمة وطليعتها بكل ما يرفد الأمة من حلول ومعالجات لكل قضاياها وأن تكونوا لسانها الصادق المعبّر عن مطالبها وهمومها وآمالها.

ص: 93


1- أي من يزيد بن معاوية.

ولا تغفلوا عن مناقشة وضع الجامعات والمعاهد ومتطلبات النهوض والارتقاء ورعاية الأساتذة والطلبة وحمايتهم وتوفير الدعم المادي والمعنوي لتأمين المسيرة العلمية المباركة، وتنزيه الجامعات من بعض ما يجري فيها فإنها فرصة لا تتيسر لاجتماع الأساتذة والطلبة من مختلف الجامعات والمعاهد العراقية، وتدارسوا برامج التكامل في العمل بين الجامعات والحوزات العلمية على صعيد المناهج التعليمية وتبادل الخبرات والبرامج التربوية وغيرها.إننا لا نملك غير الاعتراف بالعجز عن شكر الله تبارك وتعالى حق شكره على هذه النعم الجليلة وأساسها ومنبعها الإيمان بالله تبارك وتعالى وولاية أهل البيت (علیهم السلام).

تذكّروا أيها الأحبة وانتم على صعيد كربلاء وفي جوار سيد الشهداء وفي أجواء التضحية والفداء التي ينتشر أريجها في ذكرى عاشوراء، تذكروا إخوانكم الذين مضوا على هذا الطريق من أساتذة وطلبة لم تثن عزيمتهم كل وسائل الإغراء والتهديد حتى قضوا شهداء من أجل أن يصونوا الأمانة ويحفظوا لكم عزتكم وكرامتكم، وما فاجعة الجامعة المستنصرية(1) عنكم ببعيد.

وتذكّروا أيضاً ما أعدَّ الله تعالى من الكرامة لزوّار الإمام الحسين (علیه السلام) ومعظّمي شعائره، ويكفي أن انقل لكم حديثاً واحداً يغنيكم عن كل حديث ويدفعكم لبذل الغالي والنفيس من أجل إقامة هذه الشعائر المباركة وإدامتها

ص: 94


1- استهدف انتحاري لئيم وسيارة مفخخة تجمعاً كبيراً لطلبة الجامعة المستنصرية منتظرين الحافلات خارج الجامعة، والحصيلة الأولية عدد الضحايا (65) والجرحى (153) وقع الحادث يوم 26/ذ.ج/ 1427 المصادف 16/ 1/ 2007 وأوجب الحادث حزناً عميقاً لدى الشعب كافة.

فإنها تحفظ عزّكم وكرامتكم وشخصيتكم وتضمن لكم السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة (عن الثقة الجليل معاوية بن وهب البجلي الكوفي. قال: دخلت على الصادق صلوات الله وسلامه عليه وهو في مصلاه، فجلستُ حتى قضى صلاته، فسمعته وهو يناجي ربه ويدعو وهو ساجد ويقول: يا من خصَّنا بالكرامة، ووعدنا الشفاعة وحمّلنا الرسالة وجعلنا ورثة الأنبياء، وختم بنا الأمم السالفة، وخصَّنا بالوصية، وأعطانا علم ما مضى وعلم ما بقي، وجعل أفئدة الناس تهوي إلينا، اغفر لي ولإخواني وزوّار قبر أبي الحسين بن علي صلوات الله عليهما، الذين أنفقوا أموالهم وأشخصوا أبدانهم رغبةً في برَّنا، ورجاءاً لما عندك في وصلتنا، وسروراً أدخلوه على نبيك محمد ص, وإجابة منهم لأمرنا. وغيظاً ادخلوه على عدونا. أرادوا بذلك رضوانك. فكافهم عنّا بالرضوان واكلأهم بالليل والنهار. وأخلف على أهاليهم وأولادهم الذين خلّفوا بأحسن الخَلَف واصحبهم واكفهم شرَ كل جبار عنيد، وكل ضعيف من خلقك أو شديد، وشر شياطين الإنس والجن وأعطهم أفضل ما أمّلوا منك في غربتهم عن أوطانهم، وما آثرونا على أبنائهم وأهاليهم وقراباتهم. اللهم إن أعداءنا عابوا عليهم خروجهم فلم ينههم ذلك عن النهوض والشخوص إلينا خلافاً عليهم. فارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس. وارحم تلك الخُدود التي تقلَّب على قبر أبي عبد الله (علیه السلام) وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا اللهم إني استودعك تلك الأنفس وتلك الأبدان حتى ترويهم من الحوض يوم العطش).

ص: 95

(اللهم لك الحمد حمد الشاكرين لك على مصابهم ، الحمد لله على عظيم رزيّتي ، اللهم ارزقني شفاعة الحسين (علیه السلام) يوم الورود ، وثبّت لي قدم صدق عندك مع الحسين وأصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين (علیه السلام)).

ص: 96

خطاب المرحلة 149 :تجربة البصرة في المصالحة الوطنية والازدهار ...مراجعة وتقييم

خطاب المرحلة 149 :تجربة البصرة في المصالحة الوطنية والازدهار ...مراجعة وتقييم(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والحمد حقه كما يستحقه حمداً كثيراً وصلى الله على سيد خلقه القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين

جرت العادة في مثل هذه المناسبات أي الذكرى السنوية لتأسيس حزب أو ميلاد شخص أو توليه منصباً رفيعاً أو قيام دولة ونحوها على تبادل التهاني وهو تصرف سليم أن يُهَّنأ الإنسان على نعمة انعم الله تبارك وتعالى بها عليه.

ولا شك أن وجود الفرد ضمن مشروع رسالي نبيل يهدف إلى إنصاف المظلومين وإصلاح المجتمع واستنقاذ حقوق المستضعفين وأعمار الحياة وازدهارها لتحي البشرية سعادة الدارين ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ليس فقط جزءاً من المشروع وإنما يتأهل ليكون قائداً فيه كما ذكرنا في خطاب سابق هو نعمة تستحق التهنئة مادام سعيه مخلصاً نحو تحقيق هذه الأهداف.

إن الأحزاب والتنظيمات هي بمثابة القلب الذي ينبض بالحياة في جسد

ص: 97


1- تقرير بتصرف للكلمة التي تحدث بها سماحة الشيخ اليعقوبي بمناسبة احتفال أمانة حزب الفضيلة الإسلامي في البصرة بالذكرى السنوية الثالثة لتأسيسها يوم 15/محرم/1428 المصادف4/ 2/ 2007.

الأمة ويحركها وينظم هذه الحركة وإذا توقفت عن العمل خمدت حركة الأمة وماتت، أما المرجعية الرسالية الرشيدة والعلماء المرتبطون بها فهم بمثابة العقل الذي يوجّه حركة الأمة ويرّشد مسيرتها.والأحزاب قد لا تستطيع تنظيم ما يزيد عن واحد بالألف من الشعب وهذا أمر طبيعي لان عموم الناس منشغلون بأعمالهم وشؤونهم الحياتية الأخرى ولا نتوقع أن النجاح في العمل الحزبي يقاس بمقدار عدد المنتمين إليه من الناس وإنما تقاس فاعلية الأحزاب وسعة قاعدتها بقدرتها على تعبئة الأمة وتحشيدها إزاء قضية معينة، وهذه القدرة مرتبطة بتوفر عناصر النجاح في عمل الحزب ومدى مصداقيته في تحقيق الأهداف المعلنة للجماهير والتي تزيد من قناعتها به.

ومن المظاهر المهمة في مثل هذه الذكريات إجراء المراجعة والتقييم ومحاسبة الذات فإن الحديث الشريف (ليس منا من لم يحاسب نفسه كل ليلة) لا ينحصر تطبيقه بمحاسبة الشخص لنفسه ومراجعة أعماله وإنما يتعدى إلى محاسبة الكيان كالحزب والجماعة والتنظيم لنفسه وإجراء تقييم موضوعي ومراجعة منصفة لمسيرته وليكن ذلك في كل عام مرة على الأقل إذا تعذر بأقل من ذلك.

وإذا عجزت الأحزاب عن ضبط مسيرتها وفق الأهداف السليمة فإنها عن ضبط مسيرة الأمة اعجز لذا تبتلى الأمة حينئذ بما وصفه أمير المؤمنين (بخبط وشماس وتلّون واعتراض) يؤدي إلى تشتتها وتمزقها وانهيارها، وهاهم المسلمون اليوم يبلغ عددهم أكثر من مليار ومائتي مليون شخص وهم في

ص: 98

أضعف حال وبؤس وشقاء يتحكم فيهم أراذل الناس رغم اكتنازها لكل مقومات القوة والغلبة والتقدم، وهذا ما سيثيره الإمام المهدي (أرواحنا له الفداء) فإنه بالثلّة الصالحة المخلصة المنظمة القادرة على توحيد الأمة وضبط حركتها وتفجير طاقاتها سيقود حركة عالمية تبدأ بعدد لا يتجاوز الثلاثمائة بقليل وسيعبئ هذه الأعداد الضخمة كلها في حركته المباركة.إننا حين نستعيد أعمال الحزب خلال عام لا يعني إننا نركز على الانجازات والايجابيات مهما كانت مهمة لأن هذا واجبهم وهو العمل المطلوب من أعضائه فإذا أداها فأحسن ما يقال فيه انه لم يقصر بواجبه وأنه حفظ الأمانة التي تحملها وهو مقتضى الأدب المستفاد من الحديث الشريف (اذكر اثنين وانس اثنين، اذكر إساءتك إلى الآخرين وإحسان الآخرين لك، وانس اثنين: إحسانك إلى الآخرين وإساءة الآخرين لك).

فلا بد أن تتذكر وتركز على ما صدر منك من أخطاء وتقصيرات لتعمل على إصلاحها وتلافيها وتذكر إحسان الآخرين إليك كإعطاء أصواتهم في الانتخابات ليجلسوك في هذه المواقع الكبيرة فإن هذا يدفعك إلى بذل المزيد من العطاء والجهد لرد الجميل إليهم، قال تعالى [هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ] (الرحمن:60).

ومهما قدمت لهم فانك عاجز عن مجازاتهم لأنهم المبتدئون بالفضل .

وبالمقابل عليك أن تنسى إحسانك إلى الآخرين لأنك لم تفعله ليشاد بك وإنما قربة إلى الله تعالى وابتغاء رضوانه، ولأنك إذا ركزت على انجازاتك فسيؤدي بك إلى الغرور والعجب والرضا عن النفس وهذا يؤدي إلى الوهن

ص: 99

والعطب والكسل ولما ذكرناه قبل قليل من أن هذه الانجازات ليس فيها شيء زائد لأنها مما تقتضيه طبيعة عملك.ولا بد أن تنسى إساءة الآخرين إليك لأنك مأمور بالصفح والعفو والتسامح ليقابلك الله تعالى على أخطائك بنفس الكرم وأكثر منه [وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ] (النور:22).

إنني حينما أتحدث إليكم فهذا لا يعني إنني لكم فقط وان خطابي منغلق عليكم لان المرجعية الرسالية هي رحمة وخير حتى لأعدائها وخصومها، ولكن تحجيم دورها إنما يكون بلحاظ المتلقي الذي يصمُّ إذنه عن سماع ما ينفعه كما أن رسول الله (صلی الله علیه و آله) هو رحمة للعالمين جميعاً وليس فقط للبشر ومع ذلك لم يتبعه إلا القليل وهذا لا يعني تضييقاً في رسالته أو انغلاقاً على فئته لكننا لا ننكر رعايته الخاصة للفئة المؤمنة به مع سعة رحمته ورعايته للآخرين، كما أن أئمتنا (ع) كانت أعمالهم المباركة تشمل الجميع لكن لهم مزيد عناية بشيعتهم باعتبارهم الشريحة المؤمنة بمشروعهم الرسالي والمطيعة لهم .

هذا مع خصوصيات أخرى في حزب الفضيلة الإسلامي كونه ولد من رحم معاناة الذين تحملّوا بطش صدام وقسوته ولم يغادروا بلدهم العراق وبقوا مرابطين فيه ليحافظوا على جذوة الإيمان وولاية أهل البيت (علیهم السلام) وإدامتها ولذا فهم مستقلون عن أي تدخل من الشرق ولا من الغرب، بينما ولد الآخرون في أحضان جهة ما كدولة أو فئة معينة تدعمهم وتخطط لهم، لذا كان على المرجعية أن تحتضنهم وتوفر لهم أسباب الحياة والنمو والازدهار بلطف الله تبارك وتعالى، وهذه الخصوصية جعلت مسيرتهم معتدلة متوازنة لم يخوضوا

ص: 100

في الفتنة ولا كانوا جسراً يعبر عليه الآخرون ليحققوا مآربهم ويدفع العراقيون الثمن فكان العراق والعراقيون ضحية هذه السياسات الخاطئة.وها هي تجربة إدارة محافظة البصرة تثبت نجاحاً عجز عن تحقيقه الآخرون في محافظات لا تقاس بالبصرة من حيث تعقيد الحالة وكثرة التدخلات والتنوع الطائفي والديني والعرقي وكثرة المنافذ والثغور وشدة الأطماع من الداخل والخارج، وقد حاول الآخرون أن يشوهوا هذه التجربة ويفتروا عليها وسخّروا الإعلام لقلب الحقائق لكنهم باؤوا بالفشل وعاد الجميع ليعترف بنجاح التجربة في البصرة وقدرتها على أن تكون نموذجاً صالحاً للتعايش السلمي والتصالح الوطني والرقي والازدهار والانفتاح على العالم كله وهو ما توقعناه حينما أطلقنا مبادرة المصالحة الوطنية من البصرة لتعلِّم العاجزين الفاشلين في مراكز القرار كيف يتصرفون ليخرجوا العراق من أزمته الخانقة إذا كانت لهم إرادة حقيقية في الصلاح والإصلاح.

لكنني أحذركم من أن تشغلكم بعض النجاحات التي تحققوها عن التفكير في تلافي التقصيرات وإصلاح الأخطاء ورفع المظالم عن الناس وتوفير كل أسباب الحياة الحرة الكريمة، فإن التقصير في ذلك مما لا يغفره الله تبارك وتعالى ولا رسوله أو المؤمنون ولا تسكت عنه المرجعية الرشيدة حتى لو سكت الناس عن حقوقهم لطيبتهم وكرم أخلاقهم لكن الله أخذ على العلماء عهداً (أن لا يقارّوا على كِظّةِ ظالم ولا سغب مظلوم) كما قال أمير المؤمنين (علیه السلام).

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهر

ص: 101

خطاب المرحلة 150 :الجامعيون وقيادة المشروع الوطني

خطاب المرحلة 150 :الجامعيون وقيادة المشروع الوطني(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

إن كل مشروع يبدأ بمستوى معين من الأداء ثم ينضج شيئا فشيئاً من خلال ترسيخ ما هو ايجابي وبإصلاح الأخطاء وتدارك التقصيرات، هذا طبعاً مع توفر صدق النية والإخلاص والشعور بالمسؤولية والهمّة في العمل، ولم يتخلّف عن هذه السنة الجارية في حركة البشرية مشروع مواكب الوعي الحسيني لطلبة الجامعات وكان التحسن في أداء اللجنة المنظمة وعلى رأسها عمادة وإدارة وأساتذة المعهد التقني في كربلاء المقدسة هذا العام ملحوظاً، وهذا ما دعا المرجعية الرشيدة إلى أن تعلن هذه المناسبة ملتقى سنوياً للجامعات والحوزات العلمية في (ملتقى العلم والدين في رحاب الإمام الحسين (علیه السلام)).

وللتعرف على حجم الانجاز الذي حققه منظمو هذه المواكب نقارن عملهم بعمل الهيئة العليا التي أشرفت على تنظيم موسم الحج بإمكانيات ضخمة رصدتها الحكومة بلغت (85) مليون دولار، ودفع كل حاج تسعمائة دولار ومع ذلك فقد كان وضع الحجاج العراقيين مذلاً ومهيناً وبقي عدد كبير منهم بلا

ص: 102


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع السادة عميد المعهد التقني في كربلاء ومعاونه وعدد من أساتذته وإدارييه يوم الخميس 4/صفر/1428المصادف22 /2/ 2007 بعد استضافتهم لفعاليات مواكب الوعي الحسيني لأساتذة وطلبة الجامعات العراقية ومع نخبة من أساتذة وطلبة جامعيين من البصرة وذي قار وواسط يوم 29/محرم/1428.

مأوى يفترشون أرصفة الشوارع أياماً، ثم أنزلوا بفنادق تحت الإنشاء وتفتقد الخدمات، أما هذه المواكب الجامعية فقد شهدت مستوى جيداً من توفير الطعام والخدمات والمخيمات والفرش والأغطية ووسائط النقل من والى مدنهم ولجان للمحافظة على الأمن والتنظيم والخدمات الطبية، وكل ذلك تبرعاً وتطوعاً.ولا ندّعي خلّو الفعالية من الخلل والتقصير وقد شُخصت عدة نقاط بهذا الصدد في تقارير مقدّمة من عدة جهات مشاركة نسأل الله تعالى أن يعيننا على إصلاحها وتلافيها.

وقد تضّمن الخطاب الذي وجهّه سماحة المرجع الشيخ اليعقوبي إلى أخوته وأبنائه من أساتذة وطلبة الجامعات عدة محاور ينبغي لهذا الملتقى أن يناقشها ويقدّم التوصيات وآليات العمل التي تتكفل تحقيق النتائج المرجّوة في جميع هذه المحاور.

وكان منها قيادة مشروع وطني يوحّد العراقيين ويأخذ بأيديهم نحو عراق مزدهر حر كريم يأخذ موقعه الرائد بين الأمم المتحضرة ويؤهل هذه الأرض المباركة لاحتضان دولة الحق والعدل الإلهي، ولدى أساتذة وطلبة الجامعات ما يؤهلهم لتأسيس هذا المشروع وقيادته لما يحظى به هذا الكيان من ثقة وحب واحترام لدى كل مكونات الشعب العراقي، ولأنه يحتضن في أروقته الكفاءات والنخب التي يعقد الشعب أماله عليها لبناء العراق في مختلف الاختصاصات في الوقت الذي فقد فيه الشعب ثقته بأكثر الكيانات السياسية وصار يرى فيها سبب المشكلة واصلها فلا يجدهم قادرين على الحل، كما أن لهذا الكيان (أساتذة

ص: 103

وطلاباً وإداريين وفنيين) مطالب مشروعة وحقوقاً لا يمكن غض الطرف عن عدم تحقيقها.فالمطلوب استثمار هذه الفعالية وغيرها للضغط من أجل انتزاع الحقوق إذ السائد في عراق اليوم قانون القوة وليس قوة القانون، فبينما يستأثر الانتهازيون والذين يمتلكون وسائل الابتزاز والقهر بثروات الشعب والمواقع المتقدمة في إدارة البلد يتعرض الأساتذة الجامعيون والمفكرون والمثقفون إلى القتل والتشريد والإقصاء وفي هذا خطر كبير على مستقبل الأمة إذ تضيع فيه موازين التقييم الصحيح وهو ما حذّر منه رسول الله (صلی الله علیه و آله) أمته حينما قال لهم (كيف بكم إذا تركتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وهي حالة خطيرة أن تتخلى الأمة عن هذه الوظيفة المقدسة التي بها يقام القانون والعدل والنظام ويقضي على الفساد والانحراف فقال أصحابه (أو كائن ذلك يا رسول الله) قال (صلی الله علیه و آله) (نعم وأشد من ذلك فكيف بكم إذا فعلتم المنكر وتركتم المعروف)، وهذه اخطر حيث لم يكتفوا بترك صاحب المعروف على معروفه وفاعل المنكر على منكره بل تحولوا إلى فعل المنكر وترك المعروف ولكنه (صلی الله علیه و آله) يبيّن لهم المرحلة الأخطر بعد أن سألوه (أو كائن ذلك يا رسول الله (صلی الله علیه و آله) قال (صلی الله علیه و آله) (نعم واشد من ذلك، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً) حينئذ تفقد الأمة الرؤية الصحيحة لتشخيص المعروف والمنكر فترى الخطأ صحيحاً والصحيح خطأً فتصعب حينئذ عملية الإصلاح، إذ إن المصلح سيجد إن عليه ليس فقط البدء من الصفر وإنما الرجوع إلى ما تحت الصفر ليصحح الرؤية والمفاهيم في ذهن الناس حتى ينطلق إلى هدايتهم إلى المعروف وتجنيبهم المنكر.

ص: 104

ولكي نحقق هذه النتائج وننتزع هذه الحقوق لابد من أنشاء (كيان عراقي للجامعيين)(1) أساتذة وطلاباً وإداريين وفنيين تكون باكورة فعالياته والمظهر الرئيسي لنشاطاته تنظيم مواكب الوعي الحسيني لأساتذة وطلبة الجامعات وملتقى العلم والدين، وهذه الفعالية تكون هيئتها المركزية في كربلاء ولها هيئات فرعية في كل الجامعات والمعاهد الفنية والكليات المستقلة في عموم محافظات القطر.أما الفعاليات الأخرى فيمكن أن تكون هيئتها المركزية في بغداد لأنها عاصمة القرار السياسي أو في البصرة كبديل مؤقت بسبب ما تعانيه بغداد من ظروف قاهرة، ويمثل كل جامعة أو معهد أو كلية عدد من الأساتذة والطلبة في الاجتماعات العامة التي تقيمها الهيئة المركزية.

وينبغي أن يهتم هذا الاتحاد برعاية كل الأنشطة سواء كانت ثقافية أو علمية أو سياحية أو رياضية كاحتضان بطولة لفرق تمثل جامعات العراق لأننا نعتقد إن الرياضة استطاعت توحيد ما فرقته السياسة في عدد من المناسبات الأخيرة.

وتعلن المرجعية الرشيدة استعدادها لاحتضان اللقاء التأسيسي لممثلي الجامعات والمعاهد في النجف الأشرف لوضع النظام الداخلي وبرامج العمل وسوف لا تقصر بلطف الله تبارك وتعالى عن دعم هذا الكيان المبارك الذي قد يتحول إلى قوة جماهيرية واعية ضاغطة على السياسيين لينصاعوا إلى مطالبها المشروعة.

ص: 105


1- عقدت عدة لقاءات لإنضاج المشروع حتى أعلن عن تأسيس كيان (جامعيون) في الموسم اللاحق وعرض على أنه كيان علمي اجتماعي قريب من مؤسسات المجتمع المدني.

خطاب المرحلة 151 :إحياء اللغة العربية وآدابها

اشارة

خطاب المرحلة 151 :إحياء اللغة العربية وآدابها(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

يجد المراقب للمشهد الثقافي والإعلامي العراقي ضعف الاهتمام باللغة العربية وعلومها وآدابها ويصاب المتابع بالذهول حينما يستمع إلى المتحدثين وهم يخالفون أوضح قواعد اللغة العربية وأيسرها، وأصبحت الصياغات الأدبية للمقالات والكتب والنشرات ركيكة لا يتذوّقها الأديب، أما الشعر فعادت بضاعته كاسدة ولا يتعاطاه إنشاءً وإنشاداً إلا النادر والمجالس الأدبية لا تنال إقبالاً ولا تفاعلاً.

إن حاجتنا إلى ثورة أدبية لغوية ليس فقط لان اللغة العربية لغتنا ونعتز بها والقاسم المشترك لأبناء امتنا العربية لان الاهتمام بهذا المقدار شيء تشترك فيه كل الشعوب، ولكن الأهم من ذلك أنها لغة القران الكريم والسنة الشريفة للنبي وآله المعصومين (صلوات الله عليهم) فالابتعاد عنها وقلة الاهتمام بها يعني الانفصال عن هذا المعين الصافي للعلم والمعرفة والمنهج السليم للحياة.

إني أتحسس منذ مدة المؤامرات التي تستهدف اللغة العربية عن قصد وبدون قصد ولكل هدفه من ذلك ولا استثني منها حتى أروقة الدراسة في

ص: 106


1- نشر الخطاب في صحيفة الصادقين العدد 54 الصادر بتاريخ 10/صفر/1428 المصادف 28/ 2/ 2007.

الحوزة العلمية الشريفة (وتلك شقشقة يعرفها من أخرم) ومن تلك المؤامرات ما أثير من ضجّة ساندها أدباء كبار كطه حسين في ثلاثينيات القرن الماضي حينما دعوا إلى جعل لغة التداول والمخاطبات اللهجة العامية وليست اللغة الفصحى ولو قدّر لهذه المؤامرة أن تنجح لما وجدت اليوم من يحسن اللغة العربية ويفهم كتاب الله وسنة رسوله. ناهيك عن التمزق الذي سيصيب الأمة لان كل فئة في المجتمع ستنغلق على لهجتها العامية وتضّيع اللغة الأم المشتركة كما فعل أتاتورك حينما نشر اللغة التركية ذات الحروف اللاتينية وهجر اللغة القريبة إلى العربية فانفصلت الأمة التركية عن أسلامها وقرآنها. وها نحن اليوم نلمس الحواجز التي تنشأ بين العراقيين في شمال العراق من الأكراد وغيرهم وبين بقية أخوانهم من العراقيين بسبب الانفصال منذ عام 1991 وعدم تداول اللغة العربية بينهم فنشأ عندهم جيل لا يفهم العربية ولم يعُد يجد قاسماً مشتركاً بينه وبين أخوته العراقيين. بينما كانت اللحمة وثيقة حينما كانوا يدرسون في جامعاتنا ويعملون في مؤسساتنا ويختلطون بمجتمعنا العربي.

ما أعظم اللغة العربية وأدق أسرارها حينما اختارها الله تبارك وتعالى لتكون وعاءً للمعاني العظيمة التي يريد أن يبلّغ بها عباده من خلال القرآن الكريم الذي لا تنقضي عجائبه ولا تنتهي علومه حتى وصف في أحاديث المعصومين (سلام الله عليهم) بأن له سبعين بطناً من المعاني فأي لغة يمكنها أن تعبّر بجملة ما يفيد كل هذه المستويات من الفهم.

نقل سيدنا الأستاذ الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) أن ثلاثة من العلماء دخلوا في الليلة الأولى من شهر رمضان على أحد العلماء العارفين لزيارته فشرح لهم

ص: 107

آية شريفة بمعنى غير المعنى الظاهر المتداول فاعترفوا بوضوح إفادة الآية لهذا المعنى وعجبوا من غفلتهم عنه ثم دخلوا الليلة التالية فشرح لهم نفس الآية بتفسير آخر واعترفوا بوضوحه وتعجبوا أيضاً من عدم التفاتهم له وهكذا إلى نهاية الشهر، فما هذه الأسرار والعجائب التي استوعبتها هذه اللغة المباركة وأية جناية تلك التي ترتكبها الأمة حينما تذهل عن لغتها وتضيّعها بانسياقها وراء أهداف وغايات متدنية.إن أثر لغتنا العربية وآدابها في خلق المجتمع العراقي الجديد يظهر جلياً من جهة كونها عاملاً مهماً لتوحيد المجتمع، وصهره في بوتقة واحدة يتسامى خلالها عن التشتت بسبب تنوعيه القومي والديني والطائفي والاجتماعي.

وكونها وسيلة التواصل مع تراثنا المعرفي الضخم وأنها أساس بنيته الأخلاقية والدينية باعتبارها لغة القرآن الكريم والسنة الشريفة.

وأنها وسيلة الإبداع والارتقاء بنا تتصف به من قدرة متميزة على تحقيق ذلك.

في ضوء ما تقدم تبرز الحاجة الفعلية إلى عدة خطوات:

(منها) إحياء من هنا برزت الحاجة إلى إحياء (مجمع اللغة العربية) الذي كان قبل عقود يضّم عباقرة الفن ممن نذروا أنفسهم لصيانة اللسان العربي ونشر علوم اللغة وآدابها فأسدوا للأمة خدمات جليلة.

(ومنها) إقامة الفعاليات الأدبية وتشجيع الأدباء والشعراء وتكريمهم ودعم الآثار الأدبية ونشرها وتكريم المبدعين والمساهمة في كتابة مناهج تعليمية مثمرة وتحسين أداء مدرّسي اللغة العربية ونحوها من الآليات كفيلة بإحداث هذه الحركة المباركة)

[وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ] (التوبة:105)

ص: 108

مجمع اللغة العربية في العراق

مجمع اللغة العربية في العراق(1)

تنادى عدد من الأدباء والباحثين في مجال اللغة العربية إلى تلبية دعوة سماحة المرجع الديني آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) إلى تأسيس (مجمع اللغة العربية في العراق) وقدّموا مشروعاً يؤسس للاهتمام بالبحث اللغوي ((النحوي ، والصرفي ، والمعجمي ، والدلالي ، والصوتي ، وغيرها من فروع دراسة اللغة))

وذكرت الدراسة المقدمة أهداف المجمع ومنها

1- إنشاء معجم للمؤلفين في هذه المجالات منذ بدء القرن الميلادي العشرين والى يومنا هذا ، على غرار طبقات اللغويين والنحاة ، ليكون مرجعاً للدراسات اللاحقة التي تهتم بحيوات اللغويين ودراساتهم.

2- تحقيق المخطوطات اللغوية القديمة أو المخطوطات التي قام بها اللغويون المحدثون الذين توفاهم الله ولم يتسنَ لهم طبعها أو نشرها.

3- نشر بحوث الترقيات العليمة للأساتذة المتوفين والأحياء ، وإعادة نشر البحوث التي نشرت في المجلات المتنوعة والجرائد والمقالات والأعمدة اللغوية وكل ما يتعلق بالبحث اللغوي لدى الأساتذة وأعضاء المجمع وطبعها في مجلدات وضمها إلى مكتبة المجمع.

4- ضم الكتب اللغوية إلى مكتبة المجمع ، وإعادة طباعة الكتب النادرة منها ، وطبع الكتب الجديدة.

5- توثيق الرسائل الجامعية والأطاريح التي قام أعضاء المجمع والأساتذة

ص: 109


1- نُشر في العدد (55) من صحيفة الصادقين بتأريخ 15 ربيع الأول 1428 المصادف 4/4/ 2007.

المتوفون كتابتها في أثناء درسهم للفاضلية (الماجستير) والاجتهاد (الدكتوراه).6- الإفادة من خبرات المجمع العلمي العراقي والمجامع اللغوية العربية في مجالات البحث اللغوي ، وتوثيق ما يمكن توثيقه من تلك المجامع.

7- إنشاء معجم للألفاظ المعربة ، والدخيلة ، والمستحدثة ، والمتطورة دلالياً والتراكيب الشائعة ويشمل هذا الهدف الألفاظ والتراكيب التي أقرتها المجامع اللغوية ، التي يقرها المجمع ، فضلا عن إنشاء معجم شامل للأغلاط اللغوية وجمع كل الكتب التي تناولت هذه المواضيع في كتاب واحد ليكون جامعاً شاملاً.

8- نشر البحوث العلمية الجديدة في مجلة علمية متخصصة على أن تكون محكمة .

9- تشجيع بحوث ودراسات طلبة الدراسات العليا في أقسام اللغة العربية في العراق على الإفادة مما موجود في المجمع.

ص: 110

خطاب المرحلة 152 :إحياء الشعائر الحسينية سبيل للهداية

خطاب المرحلة 152 :إحياء الشعائر الحسينية سبيل للهداية(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والحمد حقه كما يستحقه حمداً كثيراً وصلى الله على أكرم خلقه عليه وأحبّهم إليه محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.

إنه لمن الألطاف الإلهية والتأييد الرباني هذه المسيرة المليونية الكبيرة بما تتضمنه من مشاهد إعجازية؛ حيث يشارك فيها الشيخ المسنّ والمرأة الضعيفة والأطفال الصغار حتى الرُضّع الذين تضنُّ بهم أمهاتُهم عن أبسط أشكال الأذى والإيلام وإذا بها تعرّضه للشمس الحارّة نهاراً والبرد ليلاً وتسير به في العراء مئات الكيلومترات مشياً على الأقدام دون اصطحاب العدة المناسبة لرعاية الأطفال.

ولا تحسُّ من أحد منهم وهم ملايين أي شعور بالضجر والسأم والملل بل الكل مندفعون متحمسون تكاد أرجلُهم لا تحملهم من الفرح ونشوة الانتماء لحصن ولاية أهل البيت (علیهم السلام) المنيع.

ص: 111


1- الخطاب الذي ألقاه سماحة الشيخ اليعقوبي وهو يشارك السائرين مشياً على الأقدام لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) بين النجف الأشرف وكربلاء ضمن موكب طلبة جامعة الصدر الدينية في النجف الأشرف وفروعها في المحافظات وبمشهد من حشود الزائرين يوم الخميس 18/صفر/1428 المصادف 8/ 3/ 2007 تعظيماً لهذه الشعائر المباركة ورداً على العمل الإجرامي الذي استهدف مواكب الزوار في الحلة في اليوم السابق واستشهد فيه العشرات.

إن أي جيش في العالم يجنّد مئات طائرات النقل وآلاف العربات والشاحنات لتموين وتجهيز قطعاته المنتشرة في مساحة معينة؛ ومع ذلك يحصل عنده العجز والخلل، وهو أقل عدداً من هذه الملايين الزاحفة ولا يغطي مساحة بسعة المدن والمناطق التي انطلقت منها هذه الحشود الزاحفة إلى قبر أبي عبد الله (علیه السلام).فما هذه المحركية الهائلة التي تجنّد الجميع في إقامة الشعيرة المقدسة بين من يمشي على قدميه وآخر يقدّم الطعام والشراب وثالث يقوم بالخدمات الطبية ورابع يسعف الزائرين ويتبرك بغسل أقدامهم؟

إنه الإخلاص والصدق في ولاء النبي وآله الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) الذي ألقاه الله تبارك وتعالى في قلوب المؤمنين ليكون أجر النبي (صلی الله علیه و آله) على تبليغ الرسالة [قُلْ لا أسألُكُم عَلَيهِ أجراً إلا الموَدَّةَ في القُربَى] (الشورى:23).

هذه المشاهد التي تنقلها وسائل الإعلام تجعل العالم كله يقف إجلالاً وهيبة لهذه الروح الكبيرة، وتثير حقد وغضب من نصبوا العداوة لأهل البيت (علیهم السلام) الذين قال فيهم الله تبارك وتعالى [أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً] (النساء:54) ويفسرها الإمام الباقر(ع) بقوله: (نحنُ الناس المحسودون).

ولإظهار عجزهم عن إيقاف هذا المد الإلهي الهادر لجأوا إلى الأساليب الخسيسة في استهداف الزوار بالرصاص والأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة والعالم كله يشهد أن الزوار أناسٌ أبرياء يسيرون عُزَّلاً من كل شيء، وهذا

ص: 112

الانحطاط منهم ورثوه من أسلافهم الذين لم يتورعوا حتى عن قتل الرضيع ضمآناً وإحراق البيوت وسبي النساء ورضِّ الأجساد الطاهرة بحوافر الخيل وقطع الرؤوس.أيها الأحبة..

أن ردّكم الحاسم الذي تجيبون به أولئك الأراذل هو بهذا التواجد العظيم في الشعائر المقدسة [وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ] (الحج:32) لتُدخلوا اليأس عليهم بمواصلة السير بإصرار على نهج الأئمة الأطهار وان لا تحيدوا عنه قيد أنملة.

إن هذه الشعائر مظهر من مظاهر العزة والكرامة والشرف والفضيلة لأهل البيت النبوي الطاهر (صلوات الله عليهم أجمعين) تبهر الناس وتجعلهم يفكّرون ملياً في الالتحاق بهذه المدرسة الشريفة التي أرسى النبي (صلی الله علیه و آله) أسسها وشاد أركانها الأئمة الطاهرون بدمائهم وجهودهم وجهادهم وهي أمانة في أعناقكم أن تحافظوا عليها.

إنكم بإحيائكم هذه الشعائر تنالون أجراً فوق أجوركم باهتداء الكثيرين إلى نهج أهل البيت (سلام الله عليهم) واستبصارهم وتكونون مصداقاً لقول النبي (صلی الله علیه و آله) لأمير المؤمنين (علیه السلام) (يا علي لئن يهدي الله بك رجلاً خيرٌ مما طلعت عليه الشمس وما غربت) وقد نقل لي أحد الفضلاء ممن شارك في إرشاد الحجاج إلى مناسكهم في الموسم الأخير أن (63) شخصاً من أهل مكة وحدها استبصروا واهتدوا إلى ولاية أهل البيت النبوي الطاهر وهم يمارسون دعوة أهلهم وأقربائهم إلى هذا الشرف العظيم، وكل ذلك ببركة هذا الصوت

ص: 113

المبارك الذي انطلق من رحاب أرض علي والحسين (علیه السلام) والكاظمين والعسكريين (ع) التي ستكون عاصمة الإمام المنتظر الموعود (أرواحنا له الفداء) ومنطلق حركته العالمية المباركة.يا إخوة الإيمان..

تذكروا وانتم متوجهون لزيارة أبي عبد الله الحسين (علیه السلام) في هذه المناسبة الشريفة فضل زيارته عموماً وزيارة الأربعين خصوصاً حتى جُعلت من علامات المؤمن، وتذكروا فضل من قصد قبره الشريف مشياً على الأقدام ففي كتاب مفاتيح الجنان عن الإمام الصادق (علیه السلام) قوله (من أتى قبر الحسين (علیه السلام) ماشياً، كتب الله له بكل خطوة ألف حسنة ومحا عنه ألف سيئة، ورفع له ألف درجة).

وحافظوا أيها الأخوة على آداب الزيارة ومنها ما رواه الثقة الجليل محمد بن مسلم عن الإمام الباقر (علیه السلام) (يلزمك حسن الصحبة لمن يصحبك ويلزمك قلة الكلام إلا بخير، ويلزمك كثرة ذكر الله، ويلزمك الخشوع وكثرة الصلاة، والصلاة على محمد وآل محمد، ويلزمك التحفظ عما لا ينبغي لك، ويلزمك أن تُغضي بصرك من المحرمات والمشتبهات، ويلزمك أن تعود على أهل الحاجة من إخوانك إذا رأيت منقطعاً، والمواساة، والورع عما نهيت عنه، وترك الخصومة وكثرة الأيمان والجدال الذي فيه الأيمان).

وزيدوا من ربح تجارتكم مع الله تعالى باستثمار مسافة الطريق بكلمة هداية وموعظة ونصيحة وتعليم أحكام الشريعة لكثير من أبناء العشائر والقرى والأرياف الذين لم يصلهم صوت الإرشاد والتوجيه الديني وأوصلوا إليهم

ص: 114

صوت الحق والهدى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.سدد الله خطاكم وضاعف لكم الأجر ورزقكم شفاعة الإمام الحسين (علیه السلام) يوم الورود.

ص: 115

خطاب المرحلة 153 :المرجعية الشاهدة تدين ردود أفعال كتلة الائتلاف

خطاب المرحلة 153 :المرجعية الشاهدة تدين ردود أفعال كتلة الائتلاف(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

أثار استغرابنا ما صدر من ردود أفعال من كتلة الائتلاف الموحّد إزاء قرار حزب الفضيلة الإسلامي بالانسحاب من الائتلاف.

وقد صدرت هذه المواقف منهم في نفس اليوم من دون أن يستمعوا إلى وجهات نظر أبناء الفضيلة وأسباب انسحابهم لاستيعابها وإجراء مراجعة للذات والأداء خلال المرحلة السابقة لإصلاح الوضع وتلافي ما هو أسوأ

ص: 116


1- صدر هذا البيان بتاريخ 9/ ربيع الأول/ 1428 المصادف 29/ 3/ 2007 لإدانة التصرفات العدوانية التي صدرت من كتلة الائتلاف العراقي الموحد وعصاباته ضد أبناء المرجعية الرشيدة وحزب الفضيلة الإسلامي إثر انسحابه من الكتلة ببيان أعلنه أعضاء الحزب في مؤتمر صحفي يوم 17/صفر/1428 المصادف 7/ 3/ 2007 ورد عليه رموز الائتلاف بعبارات حقودة ولئيمة كما هوجمت مقرات للحزب في السماوة والصويرة وغيرها وقد كتب سماحة الشيخ اليعقوبي بيده بيان الانسحاب ليكون دقيقاً وواضحاً في بيان الأهداف وليتجنب المهاترات الكلامية وهذا هو نص البيان. بسم الله الرحمن الرحيم إننا في حزب الفضيلة الإسلامي حينما ساهمنا في تشكيل كتلة الائتلاف وشكل إخواننا كتلة التوافق والتحالف الكردستاني كنّا نعتقد أنها خطوة أولى لتوحيد كل مكون من مكونات النسيج العراقي ومن ثم السعي لتوحيد العراقيين جميعا وبناء عراق حر مزدهر كريم. لكن الذي حصل أن كل كتلة انغلقت على نفسها وجعلت سوء الظن هو معيار كل تحرك للكتلة الأخرى وبدأت الكتل تتصرف وكأنهم خصوم يريد كل منهم أن يقضم من استحقاق الأخر ولم يعملوا كإخوة أبناء بلد واحد هو كالسفينة إن نجت نجا الجميع وان غرقت غرق الجميع لا سامح الله وقد تنبأنا للنهاية القاتمة التي سيصل إليها العراق في ظل هذه السياسات الخاطئة وعبرنا عن رفضنا لهذه السياسات بالانسحاب من الحكومة. لذا فإننا في حزب الفضيلة الإسلامي نرى أن الخطوة الأولى على طريق إنقاذ العراق من أزمته الخانقة هذه تبدأ من تفكيك هذه الكتل وعدم فسح المجال أمام تشكيل كتل على أساس طائفي أو عرقي لأنه أدى إلى تخندق الشعب العراقي وانقسامه على نفسه، وان تشكل الكتل على أساس المشاريع الوطنية التي تجعل مصلحة العراق والعراقيين هي المعيار وتتسامى عن المصالح الشخصية والفئوية وفي ضوء هذا المشروع الوطني تعلن كتلة الفضيلة في البرلمان المكونة من (15) عضوا عن انسحابها من كتلة الائتلاف العراقي الموحد وتتصرف في البرلمان ككتلة منفردة في انتظار توفر القناعات الكاملة لدى الأحزاب والكيانات السياسية لإطلاق مشروع وطني يقوم على أساس وحدة العراق وسيادته واحترام المبادئ التي يؤمن بها شعبه وضمان حقوق الحياة الحرة الكريمة للعراق. 17/صفر/1428 7/ 3/ 2007

ولأخذ العبرة من كلام أمير المؤمنين (علیه السلام): (مَنْ ضَيَّعَهُ الأقرَبُ أُتِيحَ لَهُ الأبْعَدُ).والأكثر غرابة أن بعضها جاء على لسان السيد رئيس الوزراء الذي يفترض في موقعه أنه مسؤول عن كل العراقيين ويكون بمسافة واحدة عنهم جميعاً وليس منحازاً لفريق دون آخر، مما يجعلنا نشكّك في مصداقية المصالحة الوطنية التي تبنّتها الحكومة ودعمنا ما هو صالحٌ منها.

ص: 117

إن هذه التصرفات تثبت صدق دعاوى حزب الفضيلة الإسلامي بان القوى المتنفذة في الائتلاف مارست معهم أسوا حالات الظلم والإقصاء ومصادرة الحقوق والإلغاء التام والإهانة والازدراء، فهل هذا جزاؤهم وقد كانوا أشد الناس حماساً لنصرة الائتلاف والحشد له والتضحية من أجل وحدته وعزته وكانت لمرجعيتهم الرشيدة أقوى موقف لحّث الناس على انتخابهم؟ ورغم كل ذلك فقد كان بيان انسحاب الحزب مهذّباً وواعياً وبعيداً عن إثارة كل هذه التظلمات والشكاوى، حرصاً على سمعة الائتلاف وكرامته وركز على مبرّره الرئيسي وهو تأسيس مشروع وطني لإنقاذ العراق وشعبه وإخراجه من أزمته ، وإبراز خصوصيات الحزب ومن حق حزب الفضيلة الإسلامي أن يُبرز خصوصيته سواء على الصعيد المرجعي أو على الصعيد السياسي التي غيّبها الآخرون وتعّمدوا إخفاءها فما الذي أغاظهم من كل ذلك؟إن إجراء مراجعة لنصائحنا وتوجيهاتنا التي قدمّناها لرموز الائتلاف منذ أكثر من عام حينما بدأ الصراع على منصب رئاسة الحكومة بحيث وصلت إلى تآمر بعضهم على بعض، ووجّهت لهم بسبب ذلك إهانة عظيمة حينما اُجبروا على تغيير مرشحهم لرئاسة الوزراء الذي انتخبوه داخل الكتلة بالآليات التي آمنوا بها(1)، وتابعنا معهم تشخيص كل هذه الحالات وطالبناهم بتحسين أدائهم

ص: 118


1- انقسمت الكتل داخل الائتلاف العراقي الموحد بين مرشح الدعوة د.إبراهيم الجعفري ومرشح المجلس الأعلى د.عادل عبد المهدي، وأحالوا الأمر إلى التصويت ففاز الأول ب-(64) ائباً مقابل (63) نائباً، لكن الطرف الثاني لم يتحمس للنتيجة فحفّز بعض الكتل خارج الائتلاف كالتحالف الكردستاني إلى رفض ترشيخ د.الجعفري وبقيت الأمور معطلة حتى تنازل الجعفري ووقع التوافق على اختيار بديل له من الدعوة وهو الأستاذ نوري كامل المالكي.

وحماية المسيرة من الانحراف عن الأهداف التي توخّتها المرجعية الرشيدة من تشكيل هذه الكتلة. إن إجراء هذه المراجعة ستشخّص العلل وتعين العلاج الناجح لها. إن من خصائص المرجعية الرشيدة الوارثة والنائبة عن الأئمة المعصومين ع أنها شاهدة على الأمة [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً] (البقرة:143).

ولا يمكن أن تكون شاهد زور، لذا فإنها لا تستطيع أن تبارك أي انحراف أو تسكت عنه أو تعطي الشرعية له ولابد أن تعلن للأمة عدم إمضائها لمثله خصوصاً في الأيام الأخيرة حيث ساهمت كتلة الائتلاف في اتخاذ قرارات معادية لمصلحة العراق وشعبه ومستقبله.

وفي نفس الوقت أن المرجعية الرشيدة لا يضّرها هذا الخذلان والعداء لأنها قوية بحقها وبمظلوميتها وصبرها وحكمتها ووعي وإخلاص أبنائها بلطف الله تبارك وتعالى، ولذا فإنها ليست عاجزة بفضل الله تبارك وتعالى عن إيجاد البديل الصالح عند توفّر مقوماته إن شاء الله تعالى.

إن ما صدر من (أخوة يوسف) من أقوال وأفعال تجاه المرجعية الرشيدة وأبناء الفضيلة ينعش الآمال أن يمّن الله تبارك وتعالى على ابن يعقوب هذا كما منّ على ابن يعقوب الصديّق النبي (صلوات الله عليهم) رغم مكائد وغدر إخوته لكنهم جاؤوه في النهاية وقالوا له: [تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا

ص: 119

لَخَاطِئِينَ] (يوسف:91).ولان سنن الله تعالى واحدة في خلقه [فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً] (فاطر:43).

وسوف لا يكون الجواب عندئذ بلطف الله تبارك وتعالى إلا جواب النبي الكريم يوسف الصديق (ع) [قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ] (يوسف:92).

إن مما يثير الأسى والألم أن لا يتعّظ الإنسان من التجارب ولا يستمع إلى كلمة الحق ويصّر على المضي في ارتكاب الأخطاء [يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون] (يس:30).

وكفى بأبناء الفضيلة سمواً أن يعمل إخوتهم فيهم كل هذا ويحرمونهم من كل حقوقهم وهم يترفّعون عن الرد ويزدادون عزيمة في السير على بصيرةٍ من أمرهم [وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ] (يوسف:6).

ص: 120

خطاب المرحلة 154 :شكوى الإمام (عليه السلام) من قلة المخلصين

خطاب المرحلة 154 :شكوى الإمام (عليه السلام) من قلة المخلصين(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

ورد في الروايات أن أصحاب الإمام المهدي الموعود (أرواحنا له الفداء) الذين يبدأ بهم حركته المباركة هم ثلاثمائة وثلاثة عشر كما روى الشيخ الطوسي عن أبي جعفر الباقر (علیه السلام) قال: (يبايع القائم بين الركن والمقام ثلاثمائة ونيف عدة أهل بدر، فيهم النجباء من أهل مصر، والأبدال من أهل الشام والأخيار من أهل العراق، فيقيم ما شاء الله أن يقيم) (2).

وفي حديث عن أمير المؤمنين ع جاء فيه (... وبقي المؤمنون، وقليل ما يكونون ثلاث مائة أو يزيدون)(3).

ومثل هذه الروايات تدفعنا إلى السؤال بتعجب: ألا يوجد في هذه الملايين من الموالين لأهل البيت (سلام الله عليهم) ثلاثمائة وثلاثة عشر ممن يقتنع بهم الإمام (علیه السلام) لينطلق بحركته المباركة خصوصاً وإنهم يمتلكون السلطة والنفوذ في أكثر من دولة ويرفعون فيها شعار طاعة المرجعية الدينية وولاية الفقيه

ص: 121


1- من حديث سماحة الشيخ مع وفد من مدينة الحلة يوم 16/ع1 ووفود من الناصرية وطلبة مدينة تلعفر المهجرين إلى جامعة الكوفة وكلية الهندسة في جامعة البصرة يوم 18/ع1/ 1428المصادف 7/ 4/ 2007 *** .
2- الغيبة للطوسي: 477، ح502.
3- بحار الأنوار للمجلسي: 52/ 137.

النائب عن الإمام (علیه السلام)؟! فأين المشكلة؟والجواب توضّحه الروايات فقد روى جابر الجعفي قال: (قلت لأبي جعفر ع متى يكون فرجكم؟ فقال: هيهات هيهات لا يكون فرجنا حتى تغربلوا ثم تغربلوا يقولها ثلاثاً حتى يذهب الكدر ويبقى الصفو) (1).

وعن أبي عبد الله (علیه السلام) قال (كيف أنتم إذا بقيتم بلا إمام هدى، ولا علم، يبرأ بعضكم من بعض فعند ذلك تمي-َّزون وتمحص-َّون وتغربلون إلخ) (2).

وشبّه الإمام الباقر (علیه السلام) هذه الصفوة المنتجبة بطعام في بيت (فأصابه آكل – أي تسوّس- فنقّي ثم أصابه آكل فنُقّي حتى بقي منه ما لا يضرُّه الآكل، وكذلك شيعتنا يُميَّزون ويُمحصَّون حتى يبقى منهم عصابة لا تضُّرها الفتنة) (3).

فلا زالت سنة التمحيص والغربلة جارية حتى يثبت المخلصون وقليلٌ ما هم، من لدن رسول الله (صلی الله علیه و آله) إلى اليوم والشواهد كثيرة، فرسول الله (صلی الله علیه و آله) الذي عاش بين أظهرهم (23) سنة يبلغهم رسالات ربهم ويخبرهم بما في خلجات أنفسهم وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى من لدن ربهم الذي هو أقرب إليهم من حبل الوريد ويعلم ما توسوس به أنفسهم، ولم يردعهم ذلك عن قول (إن الرجل ليهجر) حينما طلب منهم قرطاساً ودواة ليكتب لهم كتاباً لن يضلَّوا من بعده أبداً، وانقلبوا على الأعقاب ولم يستجب لدعوة أمير المؤمنين (علیه السلام) لنصرته واسترداد حقه إلا عدد الأصابع.

ص: 122


1- الغيبة للطوسي: 339، ح278.
2- كمال الدين: 348 ، ح 36.
3- غيبة النعماني: 211، باب 12 ، ح 18.

والإمام الحسن (علیه السلام) اضطر إلى مهادنة معاوية بعد فشل أصحابه في الثبات على الحق والإمام الحسين (علیه السلام) لم يثبت معه إلا سبعون من هذه الدنيا الواسعة، ورغم أنه عبّأ لحركته بمختلف الوسائل حيث أقام عدة أشهر في مكة والتقى بوفود مختلف المدن وبعث بالرسائل إلى الوجوه وكانت حركته معلنة وواضحة حتى قال (علیه السلام): (الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون).ولقي عباد البصري علي بن الحسين (علیه السلام) في طريق مكة فقال له: يا علي بن الحسين تركت الجهاد وصعوبته، وأقبلت على الحج ولينه، وإن الله عز وجل يقول: [إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً] فقال الإمام (علیه السلام) : أتم الآية ، فقال: [التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ] إلى قوله تعالى [وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ] فقال الإمام ع (إذا رأينا هؤلاء الذين هذه صفتهم فالجهاد معهم أفضل من الحج) (1).

هذه اللوعة وهذا الألم من قلة المخلصين عبّر عنه الإمام الصادق (علیه السلام) في كلامه مع سدير الصيرفي حين دخل على الإمام (علیه السلام) (فقال: يا أبا عبد الله ما يسُعُك القعود، فقال ع: ولِمَ يا سدير، فقال: لكثرة مواليك وشيعتك وأنصارك، فقال (علیه السلام) : يا سدير وكم عسى أن يكونوا؟ قال: مائة ألف فقال الإمام (علیه السلام) مستغرباً: مائة ألف، قال: نعم ومائتي ألف، فقال (علیه السلام) له : لو

ص: 123


1- وسائل الشيعة كتاب الجهاد باب 12، ح3.

كان عندي عدد أصحاب النبي ص في بدر لنهضت) (1).وهكذا تستمر الشواهد إلى أن نصل إلى عصرنا الحاضر وقد ذكرنا في حديث سابق ألم وأسف الشهيد الصدر الأول (قدس سره) قبيل استشهاده والشهيد الصدر الثاني (قدس سره) بعد الانتفاضة الشعبانية عام 1991.

والذي يراقب عمل المتصدين اليوم في الحكومات التي ترفع لواء التشيع والولاء للإمام (علیه السلام) (فضلا عن غيرهم) يصل إلى نفس النتيجة، فقد طغى حب الدنيا وقست القلوب [وَأُحْضِرَتِ الأنْفُسُ الشُحَّ] وشيئاً فشيئاً سقطوا في الفتنة، وتخلّوا عّما تعلمّوه من أهل البيت (سلام الله عليهم)، ولم يتورعوا عن ارتكاب المحرمات حتى ولغوا في الدماء التي شدّد الله تبارك وتعالى في حرمتها حتى جعلها اشد من حرمة الكعبة! ومن أجل ماذا؟ من أجل دنيا زائفة سمّوها مصالح عليا.

ولا زال دم العراقيين الأبرياء ينزف لأنه أريد له أن يكون كبش فداء لهذه المصالح العليا لمن يرفعون لافتات الإسلام في العراق ودول الجوار، ولا أعلم شيئا عند الله أكرم من الإنسان الذي خلق كل ما في الدنيا من أجل كماله ورقيه وسعادته.

إن الإمام المهدي (سلام الله عليه) بمرأى وبمسمع من كل هذه الأفعال بنص الآية الشريفة [وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ] (التوبة105) حيث تعرض أعمال العباد عليه لأنه حجة الله على خلقه.

قد يقال أن هذا الكلام يزرع اليأس في قلوب الناس وأنا أقول العكس فإنه:

ص: 124


1- دور الأئمة في الحياة الإسلامية: 329.

يزرع الأمل ويدفعنا للعمل لنكون من تلك القلّة التي حماها الله تبارك وتعالى من الوقوع في الفتنة حتى تشملها ألطاف صاحب العصر (ع) وتحظى برضاه ونكون ممن يمهّد لدولته المباركة، ونزداد بذلك شكراً الله تبارك وتعالى.وإنه يحذّر الأمة من الوقوع في شراك الشعارات البراقة فيجعلها الآخرون وقوداً يحترق لتستمر ماكنة مصالح أولئك الآخرين بالعمل فينالون بذلك خزي الدنيا وعذاب الآخرة ويكونون من أشد الناس حسرة وندامة يوم القيامة الذين باعوا دينهم لدنيا غيرهم كما في الحديث الشريف.

وإنه يخفّف عن الرساليين العاملين حين يطمأنون بأن ما يجري خاضع لسنة الله في خلقه [فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً] (فاطر43) وليتيقنوا أن المعيار الحقيقي هو بناء الإنسان الصالح المخلص وليس ما يلهث وراءه الآخرون من دنيا زائلة وإن رفعوا شعارات برّاقة.

إن الاحتلال والإرهاب وغيرهما أعداء حقيقيون لكنهم واضحون، والأخطر منهم عدو خفي يكمن في النفوس الأمارة بالسوء ولذا سمّى النبي (صلی الله علیه و آله) مواجهته بالجهاد الأكبر، فلا يحق لإنسان يطمح إلى الكمال أن ينشغل بذاك عن هذا.

وليعلم السبب الحقيقي الذي يعطّل حركة الأئمة نحو بناء المجتمع الذي يقوم على أساس الحق والعدل، أما الأعداء الآخرون فهم كما وصفهم الله تبارك وتعالى [مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ] (العنكبوت41).

ص: 125

خطاب المرحلة 155 :المشروع الوطني للإصلاح السياسي

بسم الله الرحمن الرحيم

استقبل سماحة المرجع الديني آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) السيد نائب رئيس الوزراء الدكتور برهم صالح(1) وعبر سماحة المرجع اليعقوبي عن حبّه وجميع العراقيين للشعب الكردي حيث وحّدتهم المظلومية والبطش الذي تعرضوا له من صدام وجلاوزته ، وأن الكرد مكون رئيسي من الشعب العراقي، ومن الأفضل له أن يبقى جزءاً من عراقٍ مزدهر أمن يتساوى فيه أبناءه أمام القانون ويشترك الجميع في الحقوق والواجبات.

وأكد سماحة المرجع محمد اليعقوبي على استيائه وجميع الشعب من أداء الحكومة وفشلها الذريع في كل المجالات، حتى وصل بنا الحال أن تدمّر جسور التواصل وتبنى الجدران العازلة بين أحياء بغداد.

وقال سماحته: إن العمليات العسكرية لا تكفي وحدها لحل مشاكل البلاد بل لا بد من حل سياسي يضمن للجميع حقوقهم ويؤسس لشراكة حقيقية في إدارة البلاد واقتسام ثرواته.

وقد تحدث سماحته بكلمات من الموعظة عن الأحاديث الشريفة التي وردت في من تولّى عرافة –أي رئاسة- قوم ولو كانوا عدد الأصابع ولم يُحسِن

ص: 126


1- تاريخ الزيارة 8/ع2 /1428 المصادف 26/ 4/ 2007 .

رعايتهم حيث توعّدته بسوء المنقلب والمصير.وتطابقت رؤية سماحة المرجع اليعقوبي مع الدكتور الضيف في أن العراق لو كان بأيدي كفوءة وأمينة لأصبح (يابان الشرق الأوسط) في ظرف زمني قصير ولكن!

وصحّح سماحته مفهوم الطائفية أو القومية بأنها لا تعني أن يكون للشخص خصوصية عرقية أو دينية فهذا أمر طبيعي ولا ضير بأن يضّم كيان أبناء طائفة معينة أو قومية محددة، وإنما تنشأ المشكلة من انغلاق كل مكّون على نفسه ومحاولة التمدد على حساب الأخر وإقصائه واستلاب حقوقه.

وانطلاقاً من شعور المرجعية الرشيدة بمسؤوليتها عن رعاية الأمة وحل مشاكلها، وفي ضوء اقتراب موعد انعقاد مؤتمر شرم الشيخ(1) فقد قدّم سماحة المرجع اليعقوبي مشروعاً وطنياً للإصلاح السياسي ضمّ جملة نقاط بعضها فوري الانجاز وبعضها ينجز حين الاتفاق عليه لإخراج البلد من النفق المظلم الذي أدخل فيه بسبب السياسات الخرقاء والأفكار المتحجرة ، وخوّل المرجع اليعقوبي الضيف الكريم في أن يعرض المشروع على زعماء البلد والمشاركين في المؤتمر من دون نسبته إلى المرجعية، لكنّ الدكتور صالح أكّد أن أهمية المشروع تتأتى من الجهة التي أصدرته.

ص: 127


1- عقد مؤتمر العهد الدولي في شرم الشيخ يوم 15/ ربيع الثاني/1428 المصادف 3/ 5/ 2007 بحضور (50) دولة ومنظمة دولية ووقعوا تعهداً بخطة خمسية لإعمار العراق وإطفاء ديونه ومطالبة الحكومة العراقية بإصلاحات سياسية ووصف برهم صالح بأنه أنجح رجل في الوفد العراقي حتى من رئيس الوزراء وقد تضمنت رؤاه السياسية التي عرضها بعض فقرات مشروع المرجعية.

وأكّد سماحته على أن أي مشروع سياسي وأي حل لمشاكل البلاد يتوقف على وجود إرادة صادقة وجدّية للحل من قبل السياسيين المهيمنين على القرار وإدارة البلاد وهو يتطلب التخلي بمقدار ما عن الأنانية والمصالح الشخصية رعاية للصالح العام وإرضاءً لله تعالى وتخفيفاً عن هذا الشعب المضطهد المحروم .وفي ختام اللقاء شكر الدكتور برهم صالح سماحة المرجع اليعقوبي على حسن استقباله ووجّه دعوة إلى سماحته لزيارة منطقة كردستان وقبل سماحته الدعوة على أن يحدد لها موعد مناسب بأذن الله تعالى.

وهذا هو نص المشروع:

انطلاقاً من وظيفة المرجعية الدينية في حماية مصالح الأمة وتحصيل حقوقها وحل مشاكلها نقّدم مجموعة من الخطوات العملية التي نعتقد أنها تساعد على تخفيف الاحتقان السياسي الذي هو السبب الرئيسي للعنف.

1- تعهّد كل القوى السياسية بالالتزام بوثيقة مكة التي ألزمت الجميع بالثوابت الوطنية كوحدة العراق وسيادته وتساوي أبنائه أمام القانون ونبذ العنف والطائفية وغيرها.

2- أن يكون رئيس الحكومة شجاعاً حازماً لا يخضع لابتزاز الكتل السياسية ويقف على مسافة واحدة من الجميع وأن يعتمد الكفاءة والنزاهة والوطنية والإخلاص في اختيار الوزراء بمعونة الكتل السياسية المكونة للبرلمان والممثلة للنسيج العراقي.

3- أعطاء دور فاعل للمعارضة الايجابية باعتبارها جزءاً مقوماً من العملية

ص: 128

الديمقراطية من خلال عقد مؤتمر للقوى السياسية الخارجة عن الحكومة والبرلمان لكنها تؤمن بالعملية الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة ونبذ العنف، ويهدف المؤتمر إلى تشكيل مجلس مصغّر يمثل هذه القوى يقوم بالتالي:- أ - توحيد مواقف المعارضة للاستماع إلى وجهات نظرها.

ب- إشراك الراغبين منهم في العملية السياسية من خلال

أولاً:- ترشيح (13) عضواً للبرلمان ليكون العدد (288) حيث إن تعداد سكان العراق 28 مليون و (800) ألف بحسب إحصاء وزارة التخطيط لعام 2006.

ثانيا:- الإشراف على عمل الأجهزة الرقابية وترشيح المستقلين الكفوئين لها ونقصد بها (ديوان الرقابة المالية _ هيئة النزاهة _ ديوان التفتيش العام الذي يضمّ المفتشين العامين في الوزارات)0

وبذلك نضمن توسيع المشاركة في العملية السياسية وتقليل دائرة المعارضين لها وتفعيل دور المؤسسات الرقابية للقضاء على الفساد.

4- أن تجري الانتخابات التشريعية كل سنتين في هذه المرحلة الانتقالية باعتبار تسارع الأحداث والتغير في ميزان القوى وسوء الإدارة.

وإصلاح قانون الانتخابات باعتماد القوائم المفتوحة وترشيح الأفراد وتعدّد الدوائر وغيرها من التفاصيل.

5- تأجيل العمل بالفقرات المثيرة للجدل من الدستور إلى حين إعادة الانتخابات ويتولى البرلمان الجديد النظر في الدستور وإجراء التعديلات عليه

ص: 129

لان البرلمان الحالي لا تتوفر فيه القناعة لانجاز هذه المهمة باعتبار الدستور من إفرازاته ويُحمَّل عيوبه.6- تفكيك الائتلافات والتحالفات على أساس طائفي أو عرقي و السماح بأن تكون على أساس البرامج والمشاريع السياسية الوطنية.

7- معالجة القرارات الخاطئة التي صدرت في المرحلة السابقة وسوء تطبيقها كالكيانات المنحلّة أو الذين شملهم قانون الاجتثاث ظلماً.

8- البدء الفوري بمشاريع تحسين الخدمات وإيجاد فرص العمل والاستثمار وتحريك القطاع الصناعي والزراعي ودعمها لان الفقر سبب للعنف.

9- تحّمل الحكومة مسؤوليتها الكاملة واتخاذ التدابير اللازمة لمعالجة القضايا الخطيرة التي يواجهها المجتمع العراقي كوضع المهجّرين داخل وخارج العراق فإنها قنابل موقوتة وليس من المعقول أن تهبَّ دول العالم للاهتمام بهذه القضية في حين لا تعيرها الحكومة الاهتمام الكافي.

10- والأهم من كل ذلك وجود إرادة صادقة لدى القوى السياسية لإيجاد حل وإنقاذ العراق من محنته والتسامي عن المصالح الفئوية وتحمل المسؤوليات التاريخية في هذه المرحلة العصيبة والتقدّم نحو الآخر حتى يصل الجميع إلى حل مشترك.

11- تنظيم وجود قوات الاحتلال على ارض العراق بما لا يتنافى مع السيادة والاستقلال متزامناً مع بناء قوات مسلحة عراقية كفوءة ومهنية ووطنية لتتسلم زمام الأمن في البلد.

ص: 130

خطاب المرحلة 156 :ندرة المواقف النبيلة في عالم اليوم

بسم الله الرحمن الرحيم

أشاد سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) بالموقف النبيل لمدرّسي ثانوية غماس المسائية في ناحية غماس(1) بمحافظة الديوانية حين دفعوا من جيوبهم الخاصة أكثر من نصف تكاليف الدراسة لفتح مرحلة دراسية حيث لم يتمكن الطلبة الراغبون بالدراسة المسائية إلا من تأمين اقل من نصف تكاليف فتح صف جديد، هذا مع أن رواتب المعلمين والمدرسين لا تكاد تذكر من تدنّيها وربما يذهب أكثرها إلى أجور النقل.

وقال سماحة المرجع اليعقوبي: إن هذه المواقف السامية ت-ُعدَّ شيئاً مثالياً في عالم اليوم لندرتها ولابتعاد الناس خصوصاً السياسيين عن القيم الإسلامية النبيلة التي لم تقف عند حدود المطالبة بالمساواة والعدالة للجميع وإنما دعت إلى الإيثار، قال تعالى: [وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ] (الحشر:9)، وحادثة معركة القادسية التي خاضها المسلمون الأوائل ماثلة أمامكم حينما طلب جريح ينزف شارف على الهلاك ماءاً فجاء الساقي ليسقيه فسمع جريحاً آخر يطلب ماءً فامتنع الأول عن الشرب وقال اسقِِ أخاك فلما جاءه سمع جريحاً ثالثاً يطلب ماءً فلما جاءه مات ولم

ص: 131


1- التقاهم سماحته يوم 13/ع2/ 1428 المصادف 1/ 5 /2007.

يدركه فرجع إلى الثاني فوجده قد مات ورجع إلى الأول فوجده قد مات.على هذه المثل الإنسانية العليا ربّى النبي والأئمة الطاهرون من بنيه (صلوات الله عليهم أجمعين) أتباعهم وأمتهم ، لكن حبّ الدنيا والابتعاد عن القيم الروحية والمعنوية أدّى إلى قساوة القلب والانهماك في حب الذات والأنانية وهذا ما تنبّأ به رسول الله (صلی الله علیه و آله) لامته حينما قال لهم (كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً) وقد تعجّبوا من وقوعه لكن هذا ما وقع مع شديد الأسف.

والذي ينعكس بشكل مثير للاشمئزاز على تصرفات السياسيين الذين اندفعوا بنهم للاستئثار بثروات الشعب مما أدى تضارب المصالح وتقاطعها وبالتالي استعمال السلاح لتأمين تلك الهيمنة والاستبداد، وراح العراق وشعبه ينزفان دماً وخراباً نتيجة احترابهم هذا ولو تجردوا شيئا يسيراً عن أنانيتهم وعملوا بقانون العدالة والشراكة الحقيقية ولا أقول الإيثار لجن-ّبوا شعبهم وبلدهم هذه الكوارث.

إن موقفكم النبيل هذا سوف يعترض عليه أكثر الناس وربما يقابلونه بالسخرية لا لأنهم لا يفهمون عظمته وإنما لأنهم يحسدونكم على مثله ويفشلون في الانتصار على أنفسهم والارتقاء إليه فيحاولون هزيمتكم وثني عزيمتكم حتى تنزلوا إلى مستواهم، وهذا موقف أبناء الدنيا من كل القمم السامية، قال تعالى [أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ] (النساء:54)، وروي عن الإمام الباقر (علیه السلام) في تفسيرها (نحن الناس المحسودون) وهذا هو سر محاربة ملل الكفر للإسلام مع يقينهم بأن في تعاليمه

ص: 132

سعادة الفرد والمجتمع، قال تعالى: [وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء] (النساء:89).فلا تهنوا ولا تحزنوا ولا تكلُّوا ولا تملّوا وامضوا في مشاريع الخير ف- [إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ] (النحل:128)، ولا يغرنّكم فعل هؤلاء المتصدين لحكم البلاد فإن الطواغيت من قبلهم جمعوا أكثر مما جمعوا وكانوا أكثر أموالا وأعزَّ نفيرا ثم ماذا كانت عاقبتهم؟

قال تعالى مؤدّباً نبيه الكريم (صلی الله علیه و آله) : [وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى] (طه:131).

ص: 133

خطاب المرحلة 157 :كيان (جامعيون)....... الأهداف والآمال

بسم الله الرحمن الرحيم

استقبل سماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) خلال الأسابيع الماضية منذ دعوته لإنشاء كيان (جامعيون) وفوداً من أساتذة وإداريي وطلبة الجامعات والمعاهد الفنية في العراق زاروا سماحته (1) لإظهار قناعتهم بجدوى المشروع واستعدادهم للانخراط فيه ولخّص سماحته أهداف المشروع على محورين:

الأول: الوطني: لأن إنقاذ البلد اليوم يكون من خلال مشروع وطني ليس فيه مكان للطائفية والعرقية وأي انتماءات أخرى، والجامعيون محط إجماع وطني حيث يذوب داخل أسوار الجامعات والمعاهد كل الانتماءات وتلتقي كل القوميات والأديان والمذاهب ويتلاحم الجميع في بوتقة واحدة ولم تُبتلى إلى ألان بالتخندق الطائفي والعرقي إلا بعض الخروقات البسيطة.

ولأن العراق بحاجة إلى أعمار وبناء وتخطيط وتنفيذ بعد أن أنهكه القتل والخراب، وهذا الجهد إنما يقوم به الجامعيون حيث تحتضن الجامعات الخبرات والكفاءات والعقول المبدعة والمخلصة، وإن أي بلد يريد التقدم والازدهار لابد أن يعطي لهذه النخبة من التكنوقراط وغيرهم دورها الفاعل في

ص: 134


1- منهم مجموعة من الأساتذة والطلبة الجامعيين المؤسسين للكيان في جامعة البصرة زاروا سماحته يوم 16/ ع2/ 1428 المصادف 4/ 5/ 2007 واللجنة المسؤولة عن العمل الجامعي في النجف الأشرف

التخطيط ورسم الاستراتيجيات والتنفيذ، وإن من الأسباب المهمة لما يعانيه البلد اليوم إهمال هذه الشريحة وعدم الاعتناء بدورها.الثاني: الجامعي: لأن لأساتذة الجامعات وإدارييها ومهنييها وطلبتها مطالب واستحقاقات أكثروا المطالبة بها ولم يصغِ إليهم أحد ولو كان لهم حضور فاعل في الأروقة السياسية لانتزعوا هذه الحقوق من دون منّةِ لأحد ومن هذه الاستحقاقات:

1- تحسين وضع الأساتذة والإداريين وحمايتهم وإيجاد الأجواء المناسبة لإبداعهم.

2- مساعدة الطلبة مادياً ومعنوياً لإعانتهم على الاستمرار بالدراسة والنجاح بتفوق ومنها تخصيص منحة شهرية لهم وتحسين وضع الأقسام الداخلية وتوفير سبل الاتصال والاطلاع على احدث النظريات والمناهج العلمية والوسائل التعليمية.

3- توفير وظائف للخريجين فور إنهائهم الدراسة تناسب التخصصات التي درسوها.

4- التعاون مع مؤسسات الدولة المختلفة لاستثمار العطلة الصيفية بما ينفع الطلبة كتأسيس دور الرعاية العلمية وإبرام عقود عمل مؤقتة معهم وإقامة المخيمات والملتقيات والأنشطة المنوعة.

وقد بيّن سماحته الخطوات العملية لإعلان المشروع والتي تتلخص فيما يلي:-

بعد إعلان أهداف المشروع تجري تهيئة نخبة من المتحمسين له من

ص: 135

الأساتذة والطلبة الذين يمثلون الجامعات والمعاهد العراقية. تقوم هذه النخبة بانجاز أعمال على الأرض لإثبات وجودهم وإقناع الآخرين بهم وتحفيزهم على الانضمام إليهم ومن هذه الأعمال:

1- التعاقد مع بعض المؤسسات والوزارات لإبرام عقود عمل مع الطلبة خلال العطلة الصيفية.

2- تكريم المتفوقين في مختلف الاختصاصات في الجامعات والمعاهد العراقية.

3- إقامة دورة كروية لفرق رمزية تمثل الجامعات العراقية لتوثيق الصلة بينهم وإظهار الروح الوطنية وتكريم الفائزين.

4- طبع رسائل الماجستير والدكتوراه ذات النفع العام والمبدعة في اختصاصاتها.

5- متابعة مشروع تخصيص المنحة الشهرية للطلبة الذي نوقش في البرلمان مناقشة أولية حتى انجاز المطلب.

6- مراجعة الجهات المعنية لإيجاد وظائف للخريجين.

7- التواصل مع الجامعات العالمية والجهات المانحة لتحصيل المساعدات والكتب والبعثات الدراسية والسفرات العلمية ونحوها.

8- عقد مؤتمر تداولي في النجف الأشرف للنخب المؤسسة للمشروع لوضع المعالم العامة للنظام الداخلي للكيان ويحظى بمباركة المرجعية.

9- اتخاذ مقر لإدارة المشروع ويمكن اختيار البصرة الآن حتى يفرّج الله تعالى عن بغداد وأهلها وجامعاتها ويعقد فيها المؤتمر التأسيسي للإعلان عن

ص: 136

الكيان وإقرار نظامه الداخلي ومناقشة فقراته واختيار هيكليته الإدارية.وشدّد سماحته في أحاديثه على عدة نقاط منها:-

1- أن يكون عمل الكيان خارج أسوار الجامعات لكي نقطع الطريق على من يريد تسييس الجامعات وإغراقها في الفتن والتحزّبات.

2- أن الكيان كما هو واضح اقرب في عمله إلى مؤسسات المجتمع المدني لكنه لا يمنع من أن يكون له نشاط سياسي عندما تتوفر الفرصة له ليعزّز وجوده ويتمكن من تحقيق أهدافه.

3- الكيان منفتح على كل الانتماءات ومعاييره المعتمدة هي الكفاءة – النزاهة – الإخلاص - الوطنية.

ص: 137

خطاب المرحلة 158 :تخبّط قوى الاحتلال والسياسيين بسبب إهمال دور العشائر وعراقيي الداخل

خطاب المرحلة 158 :تخبّط قوى الاحتلال والسياسيين بسبب إهمال دور العشائر وعراقيي الداخل(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

كان من الأخطاء الفادحة التي ارتكبها الأمريكان والساسة الذين تقاسموا الأدوار معهم في مؤتمرات لندن وصلاح الدين وغيرها إقصاء الشعب العراقي الذي بقي داخل العراق ولم يغادره تحت أي ضغط وأي ترغيب، وخصوصاً أبناء العشائر الغيارى الذين حفظوا الهوية الثقافية والأخلاقية والاجتماعية لهذا الشعب الكريم وتكسّرت عند إرادتهم الصلبة كل مؤامرات تغيير معالم الهوية، وكان منها فتح أبواب العراق على مصراعيها في الثمانينات لملايين المصريين وغيرهم وزجّ أبناء العراق الشرفاء في أتون الحروب الصبيانية وبقي الشعب صامداً. وجاءت الانتفاضة الشعبانية المباركة عام 1991 لتكسر قيود الخوف والرعب ولتنطلق الحركة الإسلامية المباركة وتتعاظم، وكان للسيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) الأثر الكبير في هذه الحركة.

كل هذا تناساه أو تجاهله العراقيون الذين غادروا العراق لأي سبب كان

ص: 138


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع وفد حاشد ضم حوالي (150) من زعماء عشائر الأوس والخزرج الذين زاروا سماحته لإظهار تأييدهم لمشروعه الوطني يوم السبت 3/ع2/ 1428 المصادف 21/ 4/ 2007 وورد بعضه في حديث سماحته مع وفد أطباء ومدّرسي الكوت يوم 24/رجب/1427 ومع وفد قلعة سكر يوم 24/ع2/ 1428.

(ولا أريد أن احكم على وطنيتهم وصدق انتمائهم) وأوهموا قوى الاحتلال أن العراق هم وتقاسموا المناصب بينهم واستغلوا طيبة الشعب العراقي وحسن ظنّه السابق بهم واستظلّوا برداء المرجعية ليواصلوا تهميشهم لهذا الشعب المظلوم بكل ما يزخر به من كفاءات وطنية مخلصة تضاهي ما في أكثر دول العالم تقدماً، ويكفي شاهدٌ واحد على ذلك وهي وقفتهم الشجاعة بعد انتهاء قصف الحلفاء عام 1991 ليعيدوا البنية التحتية من جسور وطرق ومحطات توليد الطاقة الكهربائية وتصفية الماء في ظرف أربعة أشهر رغم الحصار الجائر ورغم كرههم للنظام الصدامي الحاكم لكن حبّهم لبلدهم وشعبهم كان رائدهم في هذا المضمار بينما عجز ساسة اليوم ومن ورائهم القوى التي تسمي نفسها (عظمى) ومليارات الدولارات من ثروة الشعب المحروم عن الحفاظ على المتبقي من البلد فضلاً عن الأعمار والتجديد.ولما انتخت عشائر الأنبار لتأسيس (مجلس إنقاذ الأنبار) اضطر هؤلاء الساسة للاعتراف بدور العشائر في الذود عن كرامة الوطن وحرماته والقضاء على أعدائه وتبعته مجالس إنقاذ في ديالى وكركوك وجنوب بغداد.

في يومٍ ما كان عندي وفد من رموز الحزب الحاكم اليوم وشكوت لهم سوء الأوضاع الصحية والأمنية في منطقة المعامل على طريق بغداد – بعقوبة القديم وطالبتهم بالوفاء لأزيد من نصف مليون إنسان أعطوا أصواتهم لهم في الانتخابات فالتفت احدهم إلى الأخر وقال: أين تقع المعامل؟!

فكيف تتوقع الخير من أمثال هؤلاء الذين لا يعرفون موقع منطقة يسكنها هذا الجمع الهائل؟

ص: 139

لقد أصبح مصطلح (عراقيي الخارج والداخل) متداولاً وجزءاً من الثقافة المعاصرة ولابد من التعاطي معه ولكن لا بسذاجة خشية الوقوع في الأهداف التي أراد الانتهازيون توظيف المصطلح لتحقيقها وإنما علينا أن نتعاطى معه بعد تهذيبه، إذ من عراقيي الداخل الصداميون وقتلة الشعب، كما لا نريد بعراقيي الخارج كل من هاجر إلى هناك بسبب ظلم صدام وبطشه وعاد إلى بلده بعد أن فرّج الله عنه وعايش هموم شعبه وآلامه وشاركهم في السراء والضراء، وإنما نريد بهم مجموعة القدرين من الخارج الذين امتازوا بالخصائص التالية:1- أن أحدهم يراعي الانتماء للدولة التي قدم منها وتقيم عائلته فيها إلى الآن ويتمتع بحقوق اللجوء فيها وربما يحمل جنسيتها أكثر مما يراعي الانتماء للعراق بحيث لو تعارضت مصلحة العراق مع مصلحة تلك الدولة فانه يقدم مصلحة الآخرون حتى وان كان في أعلى مواقع السلطة في العراق.

2- إنه يرى السلطة مغنماً له ولمتعلقيه فيسعى بنهم وشراهة لملء جيوبه وزيادة أرصدته ولا يرى في السلطة وسيلة لإحقاق الحق ورفع الظلم وخدمة الناس وإعمار البلد.

3- التقوقع في المنطقة الخضراء أو المؤسسة التي غنمها ولا يندمج بالشعب ويعيش معاناته.

4- النظرة الفوقية والاستعلاء عند التعامل مع إخوانه العراقيين الذين رابطوا في أرض العراق ووقفوا في وجه الطاغية حتى ملأ بهم المقابر الجماعية وغياهب السجون.

وهم- أي ما يسمونهم بعراقيي الخارج – يقعون في مفارقة إذ بينما يفخرون

ص: 140

بصمود الشعب العراقي وشجاعته في الوقوف في وجه صدام وصبره حتى جعلوا منه كياناً منخوراً سقط بأول ضربة من قوات الاحتلال ويمجّدون الانتفاضة الشعبانية 1991 التي كسرت شوكة النظام ويجوبون الدول طلباً للمساعدات لشعب المقابر الجماعية والسجون والمعتقلات ينسون أن هذه المآثر إنما سطرها من يسمّونهم عراقيي الداخل وعملوا على إقصائهم وحرمانهم من حقوقهم.وقد بدا واضحاً خلال الفترة السابقة للقاصي والداني تعمّدهم الواضح لإقصاء هؤلاء المرابطين، وتحمّل البلد بسبب هذا الإقصاء عدة نتائج منها:-

1- الفشل في إدارة البلد لأنهم غرباء على الشعب والبلد ولا يعرفون التغيرات التي طرأت عليه خصوصا في التسعينات.

2- الاعتماد على أناس مفسدين وغير كفوئين بعد أن أقصوا أبناء البلد الوطنيين المخلصين الكفوئين.

3- استمرار العنف لان الاستئثار والاستبداد الذي مارسه القادمون من الخارج استفّز جزءا كبيراً ودفعهم إلى المواجهة ولا يشمل هذا التفسير التكفيريين والصداميين أعداء الشعب والحياة، فالسياسيون شركاء المجرمين القتلة في المسؤولية عن دماء العراقيين الأبرياء وخراب البلد وتبديد ثرواته.

لقد دفعت الولايات المتحدة ثمناً كبيرا من سمعتها بسبب إصغائها للتقارير المضلّلة التي أغفلت دور الوطنيين الأحرار المخلصين لبلدهم وشعبهم ممن يسمونهم ب-(عراقيي الداخل) ويطلقون عليهم أوصاف الاستصغار والإهانة،

ص: 141

وسوف لا يخرجون من مأزقهم إلا بإعطاء دور ريادي لهؤلاء(1)، وإن لم يعطوه اختياراً فسوف يُجبرون عليه، فإن الشعب وعى الحقيقة وعرف المدافعين بصدق وإخلاص عن حقوقه، وأن حل مشكلة العراق يكمن في السير بمشروع وطني يتسامى عن الانتماءات الطائفية أو العرقية ونحوها ويكون لأبنائه الأوفياء الدور القيادي فيه.قبل أيام صدرت دراسة لأحد الخبراء في الولايات المتحدة امتدت لثلاث سنوات عن مدى افتخار العراقي بانتمائه الوطني فكانت النسبة في العراق 75 بينما يؤكد التقرير أن النسبة في عمان والقاهرة والرياض تتراوح بين 12– 18.

إن دوركم يا أبناء العشائر الغيارى محفوظ لا يمكن أن يلغيه أحد وإن تمكنوا لفترة محدودة حين أعمتهم الدنيا وشغلهم الصراع على الكراسي، وسأكون بأذن الله تعالى وفياً لكم كما كان رسول الله (صلی الله علیه و آله) وفيّاً للاوس والخزرج حينما وزّع غنائم معركة حنين على الذين اسلموا في فتح مكة من قريش وغيرهم ولم يعطِ للأنصار شيئاً فتأثروا في أنفسهم ظناً منهم أن رسول الله (صلی الله علیه و آله) فضّل قومه عليهم وانه (صلی الله علیه و آله) سيتركهم ويعود إلى قومه فقال (صلی الله علیه و آله) مخاطبا الأنصار (أما ترضون أن يعود غيركم بالناقة والبعير وترجعون برسول الله ص) وعاد معهم إلى المدينة، وانتم أبناء العشائر وعموم الوطنيين الأحرار تعودون بالمرجعية الرشيدة حين فرح غيركم بسلطة زائفة زائلة.

ص: 142


1- وعى الأمريكان أهمية هذا الدور وبدأوا تفاهمات مع العشائر لتكوين مجالس الصحوة بينما بقيت القيادات السياسية بحاجة إلى (صحوة) لتدرك أهمية هذا الدور.

خطاب المرحلة 159 :الزهراء العارفة بالسر المكنون تدلّنا على سبيل توحيد المسلمين

اشارة

خطاب المرحلة 159 :الزهراء العارفة بالسر المكنون تدلّنا على سبيل توحيد المسلمين(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

ليس بدعاً من الأمم أن تحتفل أمتنا بذكرى الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، فإنها سنّة عقلائية جارية أن تحتفل الأمم بعظمائها وبناة حضارتها وتشيد بمآثرهم وفاءاً لحقهم واستنهاضاً لهمم الأجيال اللاحقة لكي يسيروا على هداهم ، ولا يتخلف عن هذه السُنة إلا الأمم المتخلّفة المتوحشة لأنها لا حضارة لها ولا تاريخ حتى تهتم به وتجدده.

والزهراء فاطمة (علیها السلام) من القمم الشامخة التي يتضاءل أمامها كل العظماء وتفخر بها البشرية جمعاء ، يكفي أنها من أهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا بنصّ الآية الشريفة [إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً] (الأحزاب:33).

وخصّ النبي (صلی الله علیه و آله) أهل البيت بنفسه الشريفة وعلي وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله عليهم أجمعين) وعندما سألته أم المؤمنين أم مسلمة أن تكون منهم قال (صلی الله علیه و آله) : لستِ من أهل البيت ولكنك على خير لجلالة قدرها

ص: 143


1- تقرير للحوار الذي أجرته فضائية (العراقية) مع سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) وعُرِض بمناسبة ذكرى استشهاد الصديقة الزهراء (عليها السلام) يوم 3/ج2/ 1428 المصادف 19/ 6/ 2007.

وعظم شأنها.ومن خصائص أهل البيت (علیهم السلام) المعرفة الكاملة بالحقائق الإلهية التي أودعها الله بارك وتعالى في كتابه الكريم وجعل ألفاظه كالأمثال التي لها تأويل وحقائق قال تعالى: [وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ] (العنكبوت:43).

وقد وصف الله تبارك وتعالى هذه الحقائق والمعارف بأنها [فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ] (الواقعة:78-79).

فهذه المعارف الإلهية لا يمسّها ولا يصلها ويعرف كنهها إلا المطهرون من الرجس والدنس والدرن وهم من عرفّتهم الآية الشريفة المتقدمة في آهل البيت (علیهم السلام) [وَيُطَهِّرَكُم تَطْهِيراً].

فكفى بفاطمة شرفاً وعظمة أنها ممن عنتهم الآية وأعطتهم هذه المنزلة الرفيعة ، لذلك لا نستغرب من وجود حديث قدسي عن الله تبارك وتعالى مضمونه (إنني ما خلقت الكون إلا لأجل هذه الأنوار الخمسة) لان الله تبارك وتعالى خلق الكون وما فيه لكي يُعرف ويعبد قال تعالى: [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ] (الذاريات:56)، وفسرها الإمام (علیه السلام) ب-(ليعرفوه) ولم يتحقق هذا الهدف كاملاً إلا عند هؤلاء الخمسة، وتحقق بدرجات متفاوتة عند الآخرين من كرام الخلق وعلى رأسهم الأنبياء والرسل ثم العلماء والصالحين وهكذا، لذا ورد في الحديث الشريف إن درجات الخلق في الجنة تتفاوت بحسب معرفتهم فأكمل الخلق أكملهم معرفة وهو رسول الله (صلی الله علیه و آله) ومعه أهل بيته.

ص: 144

وأُقرّب هذه الفكرة بمثال لدفع الاستغراب ، فمثلا تحتاج الدولة ضمن خطّتها إلى ألف من الأطباء والمهندسين وهي تعلم أن ليس كل من ينتمي إلى المدارس يصل إلى هذه النتيجة فتقبل مئة ألف طالب في الدراسة الابتدائية وباستمرار الدراسة يتناقص العدد حتى يتحقق في النهاية العدد المطلوب فيصّح عندئذٍ أن تقول الدولة أنني ما أسست تلك المدارس وأنفقت تلك الأموال الطائلة إلا من أجل هؤلاء الألف لأنهم حققوا الهدف النهائي.فعظمة فاطمة في ذاتها وصفاتها وليس لأنها البنت الوحيدة لرسول الله (صلی الله علیه و آله) بدليل قولها سلام الله عليها في خطبتها على أصحاب أبيها صلوات الله عليه (أيها الناس اعلموا: أني فاطمة وأبي محمد ص إلى أن قالت (فإن تعزوه وتعرفوه: تجدوه أبي دون نسائكم) وليس لأنها الزوجة المثالية لأمير المؤمنين (علیه السلام) وليس لأنها أم السبطين الحسن والحسين عليهم الإسلام والأئمة المعصومين وإن كان كل ذلك شرفاً ما بعده شرف.

وهذا يفسّر لنا سر اهتمام رسول الله (صلی الله علیه و آله) بفاطمة والإشادة بفضائلها على المنبر وأمام الملأ لأجل هذا الكمال المتجسد فيها وليس لأنها ابنته فقط.

والاحتفال بذكرى الزهراء (علیها السلام) سبب لنزول البركات ونيل الألطاف الإلهية امتثالاً لقوله تعالى: [وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الوسيلة] (المائدة:35)، ومن أعظم من الزهراء وسيلة وهي التي (يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها) حسب ما نصّ عليه الحديث الشريف حتى رسول الله (صلی الله علیه و آله) يقصد فاطمة كما في حديث الكساء المعروف الذي يُروى عن الزهراء (علیها السلام) حين اشتكى رسول الله (صلی الله علیه و آله) ضعفاً في بدنه فقصدها وطلب أن تغطيه بالكساء اليماني إلى آخر الحديث

ص: 145

الشريف.وما أحوجنا اليوم للتوسل إلى الله تبارك وتعالى بأحب الخلق إليه ليكشف ما بنا من ضرّ ومحن ولا كاشف له إلا هو تبارك وتعالى.

وسأكتفي هنا بالإشارة إلى درسين نأخذهما من معين الزهراء الذي لا ينضب لمعالجة ما نعانيه من مشاكل:

الأول: يتعرض الإسلام لحملة تشويه واسعة من أعدائه مستغلين بعض الممارسات الشائنة لمنتحلي اسم الإسلام فخلطوا الأوراق على الناس ليضّلوهم ويبعدوهم عن الإسلام ويكون الرد عليهم في بعض أشكاله(1) ببيان الصورة الناصعة للإسلام التي جسدها المصطفون الأخيار وببيان فلسفة أحكام الإسلام وأسرار تشريعاته ليتميز الخبيث من الطيب، وقد أشارت الزهراء (علیها السلام) في خطبتها في مسجد رسول الله (صلی الله علیه و آله) إلى مفاتيح هذه الأسرار ، ومما قالت (علیها السلام) (فجعل الله الإيمان: تطهيراً لكم من الشرك ، والصلاة: تنزيها لكم عن الكبر ، والزكاة: تزكية للنفس ونماء في الرزق ، والصيام: تثبيتاً للإخلاص).

ثم عدّدت الكثير من أحكام الإسلام وتشريعاته واعتقد إننا لو استطعنا تقديم نموذج الزهراء (علیها السلام) في مسلسل تلفزيوني أو فيلم يعرض سيرة الزهراء لتأثر بها ليس فقط نساء العالمين بل الرجال أيضاً ولاعترف الجميع بأنها سيدة نساء العالمين حقاً.

الثاني: إن دعوات –لا أتهم إخلاصها وصدق نواياها- انطلقت في العالم

ص: 146


1- ذكرنا في بيان مستقل الأسباب التي تدفع الغرب إلى شن هذه الحملة المسعورة للإساءة إلى شخص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأشرنا إلى الخطوات العملية المتكاملة للرد عليهم.

الإسلامي منذ ثلاثينيات القرن الماضي تدعوا إلى توحيد المسلمين ونبذ الخلاف وأسسوا في الأربعينات داراً للتقريب بين المذاهب الإسلامية سعت بمقدار ما تتيسر له لتحقيق هذا الهدف السامي ولا زالت المساعي مستمرة، ولكن يؤسفني أن أقول أنها لم تحقق الثمرة المنشودة وأحياناً يحصل العكس فحينما تثار نقاط الخلاف من أجل تسويتها وردم الهوة بينها يتم التركيز على هذا الخلاف وتفشل الحلول في التقريب بينها حتى صرنا نرجو أحياناً أن لا تنعقد مثل هذه اللقاءات والندوات والمؤتمرات حتى لا نستثير كوامن الاختلاف.وتعل-ّمنا الزهراء (سلام الله عليها) العلاج الصحيح للفرقة بين المسلمين والسبيل إلى لم شملهم وتوحيد كلمتهم كما أراد الله تعالى لهم ذلك ، قال تبارك وتعالى: [وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ] (آل عمران:103)، فقالت سلام الله عليها (فجعل الله طاعتنا نظاماً للملة، وإمامتنا أماناً للفرقة) فالوحدة والاجتماع يتحقق بالرجوع إلى مصادر الإسلام الأصلية كتاب الله وسنة رسول الله (صلی الله علیه و آله) الثابتة عنه غير المكذوبة عليه والمأخوذة عن طريق الثقات من أهل بيته وأصحابه النجباء.

كنت قبل أيام في اتصال هاتفي مطول مع أحد علماء فلسطين(1) من المهتمين بالتقريب بين المسلمين وتوحيد كلمتهم حتى يتمكنوا من إعزاز دينهم ودحر الأعداء المتكالبين عليه وناقشنا ما تقدم من عدم تحقق الثمرة من مؤتمرات التقريب وقلت له أن على إخواننا أبناء أهل السنة أن يتخذوا خطوتين

ص: 147


1- هو الشيخ محمود عبد العزيز جودة المقيم في غزة.

على الطريق الصحيح:الأولى: فتح باب الاجتهاد لاستخراج الأحكام الشرعية من مصادرها الأصلية وهي الكتاب والسنة الشريفة لأنهما المصدران للتشريع أما كلمات الفقهاء فمع إجلالنا إلا أنها تمثل فهمهم وما بلغه نظرهم في الدليل الشرعي وان الأدوات المتوفرة لدى الأجيال اللاحقة أعظم من السابقين تبعاً لتطور العلوم وتعميقها ثم أن الحوادث متجددة ومتنوعة وان كثيراً منها لم يتعرض لها السلف الصالح.

فالانغلاق على مذاهب عمرها أزيد من ألف عام يجمّد الفكر ويفتح الباب واسعاً أمام كل من يشتهي أن يطبق ما يشاء من الفتاوى والنصوص على الحادثة المعينة ليحقق مبتغاه لذا نرى التضارب والتشتت وعدم الانضباط في إصدار الفتاوى التي لا تتورع عن سفك الدم الحرام فلابد من ضبط الحالة وفق مقاييس علمية دقيقة ومؤهلات وهذا ما يتوفر لدى مراجع شيعة أهل البيت (علیهم السلام) حيث لا يحق لأحد إصدار الفتوى إلا بعد بلوغه هذه المرتبة العلمية السامية ونضج علمي وعملي لا يتيسر إلا للأفذاذ.

الثاني: عدم تسييس الدين وامتناع الفقهاء من السير في ركاب السلطة وإضفاء الشرعية على تصرفاتها المبنية على المصالح الدنيوية الضيقة وهي متقاطعة بين متسلط وآخر مما يولد نفوراً من الدين وتعارضاً بين مواقف العلماء وتصل إلى التشاجر والقتال، ولو تسامى الفقهاء عن حب الدنيا وعملوا مخلصين لله تبارك وتعالى وتكون علاقتهم بالحكام من أجل التوجيه والإرشاد والموعظة وتصحيح المسيرة وإصلاح الخط والفساد وتقديم المشورة وهذا

ص: 148

الشرط أساسي في مراجع الشيعة وسموه (بالعدالة) .ولتحقيق هاتين الخطوتين يتطلب الأمر إجراء تعديلات في مناهج دراسة العلوم الدينية لتنتج مجتهدين، وأن تؤسس هذه الحواضن للدراسات الدينية بعيداً عن تدخل السلطات الحاكمة كالحوزات العلمية الشيعية المستقلة عبر أكثر من ألف عام عن تدخل الحكومات، و أأمل أن يمنّ الله تبارك وتعالى على بغداد الحبيبة بالأمن والاستقرار والاستقلال والحرية لتكون هي الحاضنة لهذا الصرح العلمي العظيم كما كانت في عصورها المزدهرة، فقد كانت للشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي كما كانت لأبي حنيفة والشيباني والغزالي والكيلاني.

وكان طلاب العلم في كل من المدرستين يأخذ علوم المدرسة الأخرى وقد يكون بارعاً فيها فلا يعرف انتماؤه لأي منهما وأل-ّف الشيخ الطوسي كتاب الخلاف الذي يستعرض فيه أراء علماء المسلمين من جميع المذاهب ويذكر أدلتهم ثم يختار ما هو الصحيح.

وحينئذ سيجد الباحث (كما وجدت أنا من خلال البحث الذي القيه في الحوزة العلمية في النجف الأشرف واخترت له المسائل الخلافية) أن المصدر واحد وان كثيراً من الأحاديث التي نستند إليها متطابقة بحيث لا تشعر عندئذ بوجود فرق وإنما هو بحث علمي مستند إلى أدلة معتمدة وتستغرب حينئذ من هذا التباعد والاختلاف بين طوائف المسلمين.

ص: 149

الاستعداد لإحياء ذكرى استشهاد الصديقة الزهراء

الاستعداد لإحياء ذكرى استشهاد الصديقة الزهراء(1)

يفصلنا أسبوعان أو ثلاثة عن ذكرى استشهاد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء في (13-15) جمادى الأولى على رواية (75 يوماً) وهي المشهورة لدى عامة الناس وبعدها بعشرين يوماً تحل ذكرى استشهادها يوم (3) جمادى الثانية على رواية (95) وهي المعتمدة لدى المحققين والتي أحياها المؤمنون في العام الماضي عند مرقد أمير المؤمنين. لقد وصف الله تبارك وتعالى يوم بدر بأنه يوم الفرقان لأنه الفيصل بين الحق والباطل على صعيد التنزيل وكان يوم فاطمة الزهراء يوم الفرقان على صعيد التأويل حيث أوضحت معالم الجماعتين ونحن نروي أن رسول الله (صلی الله علیه و آله) قال لعلي (أنا قاتلت على التنزيل وستقاتل أنت على التأويل) لان الحق على مستوى التنزيل أصبح واضحاً على يد رسول الله ص) وإنما دخلت الشبهة والتضليل والانحراف على مستوى التأويل أي داخل هذا الحق, قال تعالى: [فَمَا اخْتَلَفُوا إِلا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ] (الجاثية:17). ولترسيخ هذا الحق في حياة الأمة لا بد من الاهتمام بقضية فاطمة الزهراء وإحياء شعائرها بالمقدار الذي ييسره الله تبارك وتعالى. لقد كانت المناسبة التي أحياها المؤمنون في العام الماضي في النجف الأشرف ناجحة بكل المقاييس ولكن هذا لا يكفي لتثبيت هذه الشعيرة المقدسة في أذهان الأمة لطول الغفلة عنها ولعدم الشعور بأهميتها حتى تتحول إلى مصاف الشعائر

ص: 150


1- من حديث سماحة الشيخ مع هيئة الفرقان في مدينة ببغداد يوم 22/ربيع الثاني/1428 الموافق 10/ 5/ 2007 ونشر في العدد (56) من صحيفة الصادقين.

الكبرى لشيعة أهل البيت فلا بد من بذل أقصى الجهود لتحقيق هذه النتائج بإذن الله تعالى ولتثبيت هذه ألسُنة الشريفة وينال المؤسسون لها فضيلة الحديث الشريف (من سنَ سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة). ولأجل إعطاء زخم للمناسبة وإيجاد فرصة لأبناء المحافظات لإحيائها في مدنهم والاستعداد للذكرى الأخيرة فنحن ندعوهم إلى استغلال مناسبة الاستشهاد القريبة (13-15 جمادى الأولى) لإقامة الشعائر في مدنهم بشتى أنواع الفعاليات وليتذكر أحبتي المؤمنون إن المناسبة هي ذكرى استشهاد ومصيبة وعزاء فليكثروا من مظاهرها وليشارك الشعراء بقصائدهم وأهازيجهم والمواكب بطرقهم العزائية المعروفة فقد رأيت أكثر المشاركين في العام الماضي وكأنهم في مسيرة أو مظاهرة لهدف سياسي ونحوه والأمر مختلف خصوصاً في ذكرى استشهاد الصديقة الطاهرة المظلومة صرخة الحق المدَوية فاطمة الزهراء (سلام الله عليها).

ص: 151

خطاب المرحلة 160 :يوم الزهراء (عليها السلام) يوم الفرقان

خطاب المرحلة 160 :يوم الزهراء (عليها السلام) يوم الفرقان(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين حمداً لا ينقطع أبداً، ولا يحصي له الخلائق عدداً، حمداً هو أهله وكما يستحقه حمداً كثيراً. والصلاة والسلام على أشرف خلقه وأحبّهم إليه محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

(السلام على الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء وعلى أبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها).

وصف الله تبارك وتعالى يوم بدر بالفرقان في قوله تعالى: [وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ] (الأنفال:41)؛ لأن النصر الذي منّ الله به تبارك وتعالى على عباده المؤمنين في معركة بدر كان فيصلاً فرّق بين الحق والباطل: الحق المتمثل بعقيدة الإسلام والانقياد لله تبارك وتعالى فيما يأمر وينهى وإقامة نظام الحياة على أساس شريعته المباركة، والباطل المتمثل بعبادة الأهواء وطاعة الطواغيت والانسياق وراء الشهوات واتخاذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله تبارك وتعالى. فأعزّ الله تبارك وتعالى الحق وجنده ونصرهم وأخزى الباطل وجنده وخذلهم.

ص: 152


1- المقطع الأول من الخطاب الذي ألقاه سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) على عشرات الآلاف من المؤمنين الذين تجمّعوا لإحياء ذكرى استشهاد الزهراء (عليها السلام) في النجف الأشرف يوم 3/ج2/ 1428 المصادف 19/ 6/ 2007.

ليس ذلك فحسب وإنما كان يوم بدر فرقاناً في تاريخ الإسلام والمسلمين فانتقلوا من مرحلة الخوف والاستضعاف والتشتت إلى مرحلة القوة والعزّة والمنعة والدولة وانطلق المسلمون بعدها ليبنوا حضارة البشرية كلها.وكان فرقاناً ميّز أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله) بين من حمل الإيمان في قلبه واطمأنت به جوانحه وثبتت عليه جوارحه فصدقوا ما عاهدوا الله عليه، وبين من كان الإيمان عنده لقلقة لسان وطقوس سطحية يؤديها فإذا محّصوا بالبلاء قل الديانون.

وكان فرقاناً بين فهمين للعوامل الحقيقية للنصر فبعد أن كان الاعتقاد بان الفوز حليف الكثرة العددية و القوى المادية المتنوعة حتى قال قائلهم [إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَ-ؤُلاء دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فإن اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] (الأنفال:49)، أصبح معيار النصر هو الإيمان والصبر والثبات على الحق فتهاوى جبروت قريش وعددها وعدتها بين إقدام المسلمين المعدمين إلا من النزر اليسير قال تعالى: [وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ] (آل عمران:123).

هكذا كان يوم بدر يوم فرقان على جميع الصُعُد في معركة العقيدة، معركة تنزيل القران أي على مستوى الإيمان به والتصديق بما انزل الله تبارك وتعالى على نبيه (صلی الله علیه و آله) وكان الرسول الأكرم (صلی الله علیه و آله) هو قائد هذه المعركة.

ثم كانت حاجة لمعركة أخرى تلتها على مستوى السلوك والتطبيق لهذه التعاليم هي معركة التأويل أي الالتزام بحقيقة ما انُزِل على رسول الله (صلی الله علیه و آله) وعدم تحريفه عن حدوده والتصرف في الشريعة تبعاً للأهواء والمصالح

ص: 153

والاستحسانات، وكان قائد هذه المعركة أمير المؤمنين (علیه السلام) إذ قال فيه رسول الله (صلی الله علیه و آله) (وإنه المقاتل على التأويل إذا تركت سنتي ونُبِذت، وحُرِّف كتاب الله، وتكلم في الدين من ليس له ذلك، فيقاتلهم علي ع على إحياء دين الله عز وجل) (1) وروي عن أبي جعفر الباقر (علیه السلام) أنه ذكر الذين حاربهم علي (علیه السلام) فقال: (أما إنهم أعظم جرماً ممن حارب رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، قيل له: وكيف ذلك يا ابن رسول الله؟ قال: أولئك كانوا جاهلية وهؤلاء قرأوا القرآن، وعرفوا أهل الفضل فأتوا ما أتوا بعد البصيرة) (2) ولما سأل علي(علیه السلام) (فقال: يا رسول الله على ما أقاتل القوم؟ قال: على الإحداث في الدين).فلم تكن هذه المعركة تنّفك عن تلك بل أن علياً لو لم يقاتل على التأويل لما بقي التنزيل ولحُرّف الدين وانتهى كل شيء كما كانت نتيجة الديانات السابقة لان كلمات التنزيل تبقى مجملة وعرضة للتلاعب والتحريف إذا لم توضع النقاط على الحروف فكان عليٌّ (ع) تلك النقطة التي تحركت على حروف كلمات التنزيل فأوضحت معانيها وثبتت حدودها وصانتها من عبث وتحريف أهل الأهواء والمصالح، لذا قال أمير المؤمنين في حرب صفين (والله ما وجدت من القتال بُداً أو الكفر بما أنزل على محمد (صلی الله علیه و آله))(3).

وكان في حرب التأويل يوم فرقان كيوم بدر ذلك هو يوم الزهراء (سلام الله عليها) حيث وقفت (سلام الله عليها) في مسجد أبيها (صلی الله علیه و آله)، وأصحابه

ص: 154


1- الإرشاد للمفيد: 1/ 124.
2- مناقب آل أبي طالب: 3/ 19.
3- مناقب آل أبي طالب: 3/ 18.

منصتون وهي تثبّت الحق وتعيده إلى نصابه بحجج بالغة وتدفع عنه التأويل والالتفاف على النصوص المباركة.كان يوم الزهراء فرقاناً أوضح معالم وصفات الإمام الحقّ وميّزته عن المتقمص لها ومن كلماتها سلام الله عليها (وما الذي نقموا من أبي الحسن ع؟! نقموا والله نكير سيفه، وقله مبالاته لحتفه، وشدة وطأته، ونكال وقعته، وتنمّره (أي غضبه) في ذات الله، والله لو ما لوا عن المحجة اللائحة، وزالوا عن قبول الحجة الواضحة لردّهم إليها، وحملهم عليها، ولسار بهم سيراً سُجُحا (أي سهلاً) لا يكلم حشاشه، ولا يكِلُّ سائره، ولا يملّ راكبه، ولأوردهم منهلاً نميرا، صافياً، روياً، تطفح ضفتاه ولا يترنّق جانباه ولأصدرهم بطاناً، ونصح لهم سراً وإعلاناً، ولم يكن يتحلى من الدنيا بطائل، ولا يحظى منها بنائل، غير ريّ الناهل، وشبعة الكافل، ولبان لهم: الزاهد من الراغب والصادق من الكاذب [وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَ-كِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ] (الأعراف:96). [فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاء سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ] (الزمر:51).

وكان يوم الزهراء (علیها السلام) فرقاناً لتمييز المنقلبين على الرسالة من الثابتين عليها الشاكرين من أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله) [وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ] (آل عمران:144).

ومن ذلك اليوم تميّز في تاريخ الإسلام خطان الأول مستقيم [فَاسْتَقِمْ كَمَا

ص: 155

أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ] (هود:112)، يمثل نقاوة الإسلام وأصالته، وخط انحرف عن جادة الصواب، وكلما طال الزمن ازداد الانحراف والابتعاد عن الخط الأصيل حتى صار خلفاء المسلمين كما يسمّونهم يشربون الخمر على منابرهم هذا ولا زال أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله) أحياء.وكانت فاطمة فرقاناً يميّز الحق عن الباطل إذ قال فيها رسول الله (صلی الله علیه و آله) (فاطمة يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها) فما رضيت عنه فاطمة فهو حق وما غضبت عليه فهو باطل لأنها معصومة وممن عرفت الله تبارك وتعالى فعرفت ما يرضيه وما يسخطه وما يصدر منها إلا ما يوافق رضا الله تبارك وتعالى.

وما أحوجنا اليوم إلى هذا الفرقان ليميّز لنا الحق من الباطل، والهدى من الضلال في كل عقيدة أو دعوة أو فكرة.

وما أحوجنا إلى هذا الفرقان ليفرّق لنا بين الصحيح والخطأ في آرائنا وتصوراتنا.

وما أحوجنا إلى هذا الفرقان ليميز لنا السلوك والتصرف الذي يرضي الله تبارك وتعالى من الذي يسخطه حيث اختلطت الأوراق وكثر المدّعون واشتبهت الأمور.

فاجعلوا الزهراء (علیها السلام) نصب أعينكم فيما يصدر منكم من فعل أو قول أو موقف أو فكرة تعتقدونها في عقولكم أو ضميمة تضمرونها في قلوبكم، واسألوا أنفسكم عن كل ذلك فحينما لا تلتزم المرأة بحجابها أو لا يؤدي الشاب الصلاة لربه أو لا يدفع التاجر خمس أمواله، أو يقصّر المسؤولون في خدمة شعبهم أو يقوم أحد بتصرف من دون الرجوع إلى المرجعية الرشيدة،

ص: 156

فاجعلوا الزهراء (علیها السلام) حكما عليكم في خلواتكم هل ترضى بذلك أم تسخط فإن رضاها رضا الله تبارك وتعالى وسخطها سخط الله تبارك وتعالى.وإذا سألتم كيف ندرك ذلك؟ وكيف ينبلج نور الفرقان هذا في قلوبنا حتى نستطيع به هذا التمييز، فإن الله تبارك وتعالى يجيبكم من قبل أن تسألوه تفضّلا منه وكرما، قال تبارك وتعالى: [يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ] (الأنفال:29)، إنها تقوى الله تبارك وتعالى التي تفجّر ينابيع المعرفة في القلب، لأن التقوى تزيل تأثير الهوى الذي يصدّ عن الحق ويحجب القلب عن رؤيته بما يجعل من الحجب فتعمى القلوب التي في الصدور، قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) (إن أخوف ما أخاف على أمتي الهوى وطول الأمل، أما الهوى فانه يصدُّ عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة، وهذه الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وهذه الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فإن استطعتم أن تكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فافعلوا، فإنكم اليوم في دار عمل ولا حساب وانتم غداً في دار حساب ولا عمل).

إن القلب ما لم يعمر بالتقوى وينفض عنه غبار الهوى وأغلال الشهوات لا يمكن أن يهتدي إلى الحق ولو أقمت له ألف دليل [وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ] (البقرة:145)؛ لأن الدليل مهما كان مفحماً ومسكتاً فانه لا يكون مؤثراً إذا لم تسكن إليه النفس ويطمئن به القلب.

إن من لا يمتلك هذا الفرقان يتخبط ويسير على غير هدى ويضلّ نفسه والآخرين ولا يميّز بين ما يضرُّه وما ينفعه ولا بين العدو وغيره كالثور

ص: 157

المستعمل في حلبات مصارعة الثيران يجعل همّه في نطح قطعة القماش الحمراء غافلاً عن عدوّه المصارع الذي يطعنه بالخناجر حتى يصيب مقتله.

ص: 158

خطاب المرحلة 161 :أعداء الشعب ثلاثة الاحتلال ، الإرهاب ، فساد الحكومة

خطاب المرحلة 161 :أعداء الشعب ثلاثة الاحتلال ، الإرهاب ، فساد الحكومة(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

قبل أيام قام المجرمون المتواطئون مع أجهزة متنفذة في الحكومة بتفجير ما تبقى من الروضة العسكرية الشريفة في سامراء وقد استنكر الجميع هذا الفعل الآثم، واكتفى بهذا الاستنكار العجزة المشلولون القابعون في سجونهم الاختيارية التي حاصروا بها أنفسهم وانعزلوا عن الشعب المظلوم.

فما قيمة هذا الاستنكار وقد مرّت سنة وأربعة أشهر على تفجير القبة الشريفة ولم تفلح الحكومة حتى في تشكيل لواء العسكريين(2) لتأمين الطريق إلى سامراء وحماية الزائرين والروضة العسكرية الشريفة علماً بأن وسائل الإعلام المحلية تنقل لنا باستمرار طيلة هذه المدة عن تشكيل ألوية وأفواج وتجهيزها وتخريج دفعات من الضباط وعودة الآلاف من الضباط السابقين فلماذا لم يتشكل لواء العسكريين؟! مع إعلان آلاف الشباب الرسالي

ص: 159


1- المقطع الثاني من الخطاب الذي ألقاه سماحة المرجع الديني آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) على عشرات الآلاف من المؤمنين الذين تجمّعوا لإحياء ذكرى استشهاد الزهراء (عليها السلام) في النجف الأشرف يوم 3/ج2/ 1428 وأفرزناه لأهمية القضية التي يتناولها.
2- شكّل اللواء لاحقاً وساهم في بسط الأمن من بغداد حتى سامراء مما أتاح للمؤمنين التوجه إلى زيارة الإمامين العسكريين تدريجياً.

المتحمسين للدفاع عن مقدساتهم والتطوع في مثل هذا اللواء ومع تعاون أهالي سامراء الكرام أول المفجوعين بهذا المصاب الجلل حين انطلقوا في مظاهرات استنكارية حاشدة.وكيف لا نتوقع منهم هذا الاستخفاف بحماية العتبات المقدّسة ونحن نرى انتهاك أقدس المقدسات وهو الإنسان الذي كرّمه الله تبارك وتعالى فجعله خليفته على أرضه [وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً] (الإسراء:70).

حيث جعلوا دم الإنسان العراقي المضطهد المحروم ورزقه وتاريخه وحضارته وعزّته وكرامته ثمناً لصفقاتهم ولصراعهم على الغنائم وعلى المصالح وتقاسم النفوذ والهيمنة. وإن كل واحد من المشاركين في ظلم الشعب العراقي بأي درجة من الدرجات سيلاقي عاقبة بغيه فإن ظلم العباد بعضهم لبعض من الذنوب التي لا يتركها الله سبحانه، ولو بغى جبل على جبل لتدكدك.

ففي كل يوم تسفك دماء بريئة من التي وصفها الحديث الشريف (إن دم المؤمن أشد حرمة عند الله من الكعبة)، وفي كل يوم يُضاف عدد جديد إلى الملايين الأربعة من المهجرين في داخل العراق وخارجه الذين أجبروا على التخلي عن وطنهم ومساكنهم وحصيلة جهود السنين المتطاولة، وفي كل يوم تنضمّ أعداد جديدة إلى جيوش العاطلين عن العمل حيث تتعطل المصانع وتتوقف الزراعة والتجارة والأعمال.

وكم رأينا وسمعنا عن جسر يُدمّر أو بناية تُخرَّب أو مشروع خدمي يتعطل

ص: 160

من دون أن تقوم الحكومة بإصلاح شيء منها فها هي أنقاض تفجير الروضة العسكرية لم ترفع منذ سنة وأربعة أشهر فضلاً عن إعماره، وها هو جسر الصرافية(1) على حاله يحكي قصة القطيعة التي يريدون فرضها على أبناء الشعب، وها هو شارع المتنبي(2) يندب الثقافة والأدب والعلم والفكر، وفي كل مرة نسمع بتشكيل لجان تحقيقية من دون أن نعرف نتيجة واحد منها رغم وضوح أسباب بعض الجرائم كاستشهاد ألف من المؤمنين المعزين بذكرى استشهاد الإمام الكاظم (علیه السلام) على جسر الأئمة قبل سنتين ولم تظهر النتائج إلى الآن.نعم كل الذي نسمعه فضائح سرقة أموال الشعب حتى تصدّر العراق بلدُ الحضارة والأئمة والعلماء قائمةَ الدول التي استشرى فيها الفساد في تقرير منظمة الشفافية العالمية، وها هي سنة 2007 ينتهي نصفها ولم نرَ من ميزانيتها الانفجارية البالغة (41) مليار دولار شيئاً على ارض الواقع ولا من الأحد عشر مليار دولار التي خصصت للمشاريع الاستثمارية لتشغيل العاطلين، بلى وجدنا العكس حيث رأى العالم كله على شاشات التلفزيون تلكم النسوة والأطفال

ص: 161


1- كان جسر الصرافية هو المنفذ للتنقل بين الكرخ والرصافة خصوصاً لمحبي أهل البيت (علیهم السلام) الذين يتوجهون من شرق بغداد لزيارة الإمامين الكاظمين بعد تعذر المرور عبر الجسور الأخرى بسبب اشتداد الفتنة الطائفية، فكان تفجيره وسقوط قطعة كبيرة منه في نهر دجلة ذا بعد معنوي إن قطع هذا التواصل بين طرفي بغداد ورسّخ القطيعة إضافة إلى ما يختزن من ذكريات لأهل بغداد حيث ناهز عمره (60) عاماً.
2- استهدف تفجير شارع المتنبي في بغداد الذي يمثل نافذة بغداد الثقافية والتأريخية وأحرقت العديد من المكتبات والمعالم الأثرية وأزهقت الأرواح.

الذين يبحثون في حاويات القمامة عن طعام يسدّ رمقهم من دون أن يرفّ لهؤلاء جفن أو تحركوا لإنقاذ هؤلاء البائسين المحرومين، وبين أيديهم نهج البلاغة وفيه يقول أمير المؤمنين (علیه السلام) عقب غارة لجند معاوية على الأنبار فقاموا بسلب النساء المسلمات وغير المسلمات ما تمتنع منهم إلا بالاسترجاع والاسترحام فقال (علیه السلام) (فلو أن امرأ مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً بل كان به عندي جديراً) (1) .أيها الشعب العراقي النبيل: إن الاحتلال والإرهاب خطران عظيمان يواجهان العراق وشعبه وسببان للمصائب والويلات التي حلّت بهما لكنهما لا يفسران كل ما حصل في العراق من كوارث؛ لأن الأخطر منهما حاضراً ومستقبلاً والذي يوفر لهما عناصر البقاء والنمو هو العنف السياسي الناشئ من الصراع على السلطة، والاستئثار بثروات الشعب، والاستبداد بالقرار، ونظر الكتل السياسية بعضها إلى بعضها على أنهم خصوم وليسوا شركاء في بلد واحد وركاب سفينة واحدة، والتسابق إلى حيازة المغانم على حساب حرمان الشعب من ابسط حقوقه، واعتبار السلطة على أنها وسيلة للإثراء غير المشروع وليست وسيلة لخدمة المواطن وإعمار البلد، وتوزيع المناصب على أساس الولاء للكيان لا على أساس الكفاءة والنزاهة والإخلاص للوطن والشعب، وهذا هو الذي مزّق الشعب وخرّب الدولة وجعل الكتل السياسية منشغلة عن الشعب وهمومه بعقد الصفقات والتسابق على قضم اكبر مقدار ممكن مما يسمونه بالكعكة وسحق الخصوم حتى لو احتاج الأمر إلى التواطؤ مع الجهات

ص: 162


1- نهج البلاغة: ج1 الخطبة 27 ص58.

الخارجية.إن الشرعيةَ المكتسبةَ من صناديق الاقتراع مشروطةٌ بالوفاء بالبرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي وعدوا بها الناخبين فإذا لم يفوا بها ويخدموا الشعب ويوفروا له حقوق الحياة الحرة الكريمة فعليهم التنحي طوعاً أو كرهاً [وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ] (محمد:38).

أيها الأحبة:إن أبا ذر (رضوان الله عليه) من القلة الذين تشرفوا بتشييع الطاهرة الزهراء مع أمير المؤمنين ع ليلاً، كان يقول وقد رأى اقل مما رأيتم (عجبت لمن لا يجد القوت في بيته كيف لا يخرج شاهراً سيفه) وهو نداءٌ إليكم والى كل المحرومين عبر الأجيال.

وإنكم أيها الموالون للزهراء (علیها السلام) العارفون بقدرها المجتمعون على مودّتها وتعظيم شأنها أكثر الناس استحقاقاً لنور الفرقان في قلوبكم ومعرفة الحق فطوبى لكم وحسن مآب.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ص: 163

خطاب المرحلة 162 :كفارة العمل في السلطة الإحسان إلى الشعب

خطاب المرحلة 162 :كفارة العمل في السلطة الإحسان إلى الشعب(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

إن أمراً واضحاً يلزمكم بالإحسان إلى الشعب وخدمته وهو الوفاء بالعقد معه حين أجلسكم في هذه المواقع سواء مباشرة بانتخابكم أو بصورة غير مباشرة حين انتخب مسئوليكم وهم عيّّنوكم والنتيجة واحدة وهي إنكم ملزمون بأداء الأمانة إلى أهلها والوفاء للشعب. وقد شرحنا ذلك في الخطاب الأخير (يوم الزهراء يوم الفرقان).

وهناك أمرٌ آخر يلزمكم بنفس الشيء قد يخفى على كثير منكم وهو إن من وليّ شيئاً من أمور السلطة يترتب عليه اثر لا يزيله إلا الإحسان إلى الناس وهو مستفاد من الحديث الشريف عن الإمام الصادق (علیه السلام): (كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الإخوان) وفي رواية أخرى أن الإمام (علیه السلام) قال لعلي بن يقطين: (كفارة عمل السلطان الإحسان إلى الإخوان) والكفّارة لفظ معناه الستر والتغطية لذلك جعل الشارع المقدس الكفارات لمعالجة أمور تحتاج آثارها وتداعياتها إزالةً وستراً وتطهيراً، ككفارة القتل والإفطار في نهار شهر رمضان والحنث باليمين والنذر والعهد وغيرها.

ص: 164


1- من حديث سماحة آية الله العظمى الشيخ اليعقوبي مع وفد ضّم مسؤولين وموظفين في مديرية توزيع المشتقات النفطية في بابل يوم السبت 15/ج2/ 1428ه- المصادف 30/ 6/ 2007م

ومن المعلوم أيضاً أن التوبة والندم والاستغفار والقيام بأعمال صالحة كفارة للذنوب [إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّ-يِّئَاتِ] (هود:114) [وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ] (الأنفال:33).ولكن هناك ذنوباً لا يزيل أثرها الاستغفار وإنما لها كفارة خاصة فقد ورد في الحديث (إن من الذنوب ما لا يكفرها إلا الهم بطلب المعيشة) فيبيّن الله تعالى عظمة السعي لطلب الرزق للعيال ورعايتهم وتوفير احتياجاتهم بجعله كفارة لذنوب لا تغفر إلا به.

ومن هذا القبيل الحديث الذي ذكرناه فإن العمل في أي موقع من مواقع السلطة (عمل السلطان) أي العمل في إطار السلطة يوجب آثاراً وضعية لا يمكن إزالتها والنجاة منها إلا بالإحسان إلى الناس.

حينما ولي علي بن يقطين الوزارة لهارون العباسي قال له الإمام الكاظم (اضمِن لي خصلة أضمن لك ثلاث فقال علي : جُعِلتُ فداك وما الخصلة التي اضمنها لك، وما الثلاث اللواتي تضمنهنَ لي ؟ ، قال: فقال أبو الحسن (علیه السلام) الثلاث اللواتي أضمنهنَ لك أن لا يصيبك حر الحديد أبدا بقتل، ولا فاقة، ولا سقف سجن، فقال علي: وما الخصلة التي اضمنها لك ؟ قال : فقال : يا علي ، وأما الخصلة التي تضمن لي أن لا يأتيك ولي أبدا إلا أكرمته ، قال : فضمن له علي الخصلة وضمن له أبو الحسن الثلاث) وقال فيه الإمام الكاظم (ضمنت لعلي بن يقطين الجنة وألا تمسه النار أبداً).

وقد يبدو أن هذا الأمر –أعني عدم التقصير في حوائج الناس وخدمتهم وإدخال السرور عليهم- صعب لكن النتيجة العظيمة المترتبة عليه تستحق بذل

ص: 165

الوسع فيه.لما قدم الإمام موسى بن جعفر ع العراق، قال علي بن يقطين : أما ترى حالي وما أنا فيه (يعني وزارته للظالم هارون)؟ فقال: يا علي إن لله تعالى أولياء مع أولياء الظلمة ليدفع بهم عن أوليائه وأنت منهم يا علي.

وعن أمير المؤمنين (علیه السلام) أنه قال: (ما أودع أحد قلباً سروراً إلا خلق الله من ذلك السرور لطفاً، فإذا نزلت به نائبة جرى عليها كالماء في انحداره، حتى يطردها عنه كما تطرد الغريبة من الإبل) وروي عن الإمام الصادق (علیه السلام) قال: (إن السرور الذي يدخله المؤمن على أخيه المؤمن يخلق الله تعالى منه مثالاً ، فإذا خرج من قبره، خرج معه هذا المثال يقدمه أمامه. فكلما رأى المؤمن هولاً من أهوال يوم القيامة قال له المثال : لا تفزع ولا تحزن، وأبشر بالسرور والكرامة من الله .فما زال يبشره بالسرور والكرامة من الله عز وجل حتى يقف بين يدي الله جل جلاله فيحاسبه حساباً يسيراً ويؤمر به إلى الجنة والمثال أمامه.

وعن الإمام الصادق (علیه السلام) : (من تولّى أمراً من أمور الناس فعدل وفتح بابه ورفع ستره ونظر في أمور الناس كان حقاً على الله عز وجل أن يؤمن روعته يوم القيامة ويدخله الجنة).

لكن الواقع المر الذي نعيشه اليوم مخالف لهذه التوصيات الكريمة ، وما حادثة دار الحنان لشديدي العوق(1) عنكم ببعيد حيث أبكت حالتهم الأجانب

ص: 166


1- داهمت القوات الأمريكية هذه الدار بعد وصول شكوى إليهم من ذوي الأطفال النزلاء فيها وعجز الجهات المختصة عن اتخاذ الإجراءات المناسبة وكشفت القوات الأمريكية عن إهمال

أما السيد وزير العمل والشؤون الاجتماعية (وهو محمود الشيخ راضي) الذي تتبع الدار وزارته (وهو من أسرة دينية في النجف الأشرف وأنجبت جملة من العلماء) فيريد مقاضاة القوات الأمريكية لاكتشافها هذه الكارثة الإنسانية ويعتبرها تشهيراً بوزارته، رغم إن ذوي المعاقين لم يرفعوا شكواهم إلى الأمريكان والجيش العراقي إلا بعد يأسهم من معالجة الحال لكثرة الشكاوى التي رفعوها إلى كل المستويات في الوزارة .لكن السيد الوزير وأمثاله من المحميين بالكتل السياسية المهيمنة سلم من المسائلة فضلاً عن اتخاذ الإجراءات الرادعة للمسؤولين ، وهذا –والعياذ بالله- سبب نزول البلاء على الأمم الذي ورد في الحديث الشريف (إنما هلك الذين من قبلكم أنهم إذا سرق الشريف تركوه ، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد) وهو (صلی الله علیه و آله) إنما يسمي السارق الأول شريفاً بلحاظ المعايير الاجتماعية التي تعتبر مثل أبي جهل وأبي لهب وأبي سفيان شريفاً في قومه لا بلحاظ الواقع لأن السارق ليس شريفاً.

وهذا الذي حذر منه رسول الله (صلی الله علیه و آله) نعيشه في العراق حرفياً حيث أبلغ السيد رئيس الوزراء هيئة النزاهة(1) بعدم جواز محاسبة أي وزير من حكومته أو الحكومة السابقة إلا بعد مراجعته ليرى إن كان من الكتل السياسية التي يخشى

ص: 167


1- أصدر رئيس الوزراء المالكي قراراً بذلك رغم ما يقال من استقلال الهيئة العامة للنزاهة والقضاء .

سطوتها وله مصالح معها فإنه يحميه أو من غيرها فيقيم عليه الحد.فإلى الله المشتكى وعليه المعول في الشدة والرخاء [وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ] (الرعد:31).

ص: 168

خطاب المرحلة 163 :العجز عن حل مشاكل العراق بسبب عدم وجود رمز كبير يفرض الحل على السياسيين

خطاب المرحلة 163 :العجز عن حل مشاكل العراق بسبب عدم وجود رمز كبير يفرض الحل على السياسيين(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

في إحدى المرات التي أصيب البلد بوباء الجراد إبان العهد الملكي والجراد الذي يكتسح أرضاً زراعية فإنه يذرها قاعاً صفصفاً، فاهتمت الحكومة يومئذٍ بمكافحته، وكان جدي الشيخ محمد علي اليعقوبي (رحمه الله) معروفاً بانتقاداته اللاذعة للحكومة وسوء إدارتها وبعض الظواهر المنحرفة في المجتمع ويعبر عن نقده ببيتين من الشعر تعرف ب-(الدوبيت) وكانت دوبيتات اليعقوبي تأخذ صداها في أوساط المجتمع وتتناقلها الألسن لما فيها من سلاسة ودقة انطباق على الحالة، ومن دوبيتاته التي تناول فيها الحالة المذكورة وهي مكافحة الجراد قوله (رحمه الله) :

ألا قل للوزارة وهي تبغي *** مكافحة الجراد عن البلادِ

فهلا كافحتْ في الحكم قوماً *** أضرُّ على البلاد من الجرادِ

ترحّمتُ عليه وعلى كل المخلصين من أبناء البلد وأنا أرى دقة انطباق وصفه على الموجودين في السلطة اليوم رغم مرور أكثر من نصف قرن على

ص: 169


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع وفد من ناحية غماس ضم أطباء وقضاة ومحامين ووجوه عشائرية يوم الثلاثاء 18/ج2/ 1428 المصادف 3/ 7/ 2007.

نظمه البيتين، فقد جاء هؤلاء المتسلطون من خارج البلاد كوباء الجراد وراحوا يقضمون ب-ِنَ-همٍ كل ما في هذا البلد من خيرات ومن حضارة ومن وجود، فهم كما وصف أمير المؤمنين (علیه السلام) بني أمية حينما ولي الخليفة الثالث الخلافة وسلّطهم على الرقاب في غفلة من الزمن وسبات من الأمة (وقام معهُ بنو أبيهِ يَخضمون مال الله خضمةَ الإبلِ نبتةَ الربيع)(1).وهي نتيجة طبيعية تحصل للأمة حينما ترجع في أمورها إلى من هو ليس بأهل وتختار عن غير بصيرة وتستسلم للظلم والانحراف، وقد حذّرت الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء في خطبتها من هذه النتيجة فقالت (علیها السلام) : (ويحهم أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدّي إلا أن يهدى فمالكم كيف تحكمون؟! أما لعمري لقد لقحت، فَنَظِرةٌ ريثما تنتج) إلى أن قالت (علیها السلام) : (وأبشروا بسيف صارمٍ، وسطوة معتدٍ غاشم واستبداد من الظالمين: يدَعْ فيئكم زهيداً، وجمعكم حصيداً، فيا حسرة لكم! وأنى بكم وقد عميت عليكم، أنُلزِمكموها وأنتم لها كارهون)(2).

قبل أيام قرر مجلس الأمن حل اللجنة المكلفة للبحث عن أسلحة الدمار الشامل وانتهاء عملها ولما سأل مُقَدِّمُ النشرة الأخبارية مراسلَ القناة هناك عن مقدار الأموال المتبقية في رصيد اللجنة ومصيرها؟ قال إنها (60) مليون دولار وستبقى تحت تصرف بعثة العراق في الأمم المتحدة لتحسين بنايتها!!

ص: 170


1- نهج البلاغة، ج1، الخطبة رقم (3) وهي المعروفة بالشقشقية.
2- الاحتجاج، ج1، ص148. وشرحنا الفكرة بالتفصيل في بحث (ماذا خسرت الأمة حينما ولت أمرها من لا يستحق) المنشور في كتاب (الأسوة الحسنة).

تصوروا أن هذا المبلغ الضخم عندهم هو مجرد (تفاليس) لا يستحق أن يعاد إلى الخزينة العراقية ويصرف على الجياع والمحرومين والمهجرين الذين تعقد دول العالم المؤتمرات لدراسة كيفية مساعدتهم وتجمع التبرعات. بينما تهدر هذه الثروات الضخمة على أيدي المستأثرين والمستبدين.هذا مع العلم أن بعثة العراق هناك تافهة ولا تقدم أي عمل لخدمة العراق ونصرة شعبه وكل همها إقامة الولائم وحضور الحفلات.

وبدلاً من أن تساهم الحكومة العراقية في معالجة أسباب التهجير وتضمن العودة السريعة للمهجرين إلى منازلهم تدعو دول العالم لاستقبالهم وكأن مشروعاً خفياً يجري لتغيير ديموغرافية العراق وتركيبته السكانية بإفراغه من أهله والمجيء بناس من دول أخرى لا نعلمهم سوى أنهم منسجمون مع مصالح أصحاب هذه الخطة.

إن المهجرين يغادرون منازلهم وعيونهم عليها وقلوبهم معها وآمالهم مشدودة إلى اليوم الذي يعودون فيه إليها حتى وهم في أقصى نقاط العالم، لذا لا تجد أحداً منهم يبيع بيته أو أثاثه أو يصفي أملاكه إلا النادر وهذا يعني أنهم غير عازمين على هجر بلدهم وتركه، فانتبِ-هوا إلى هذه المؤامرة الخطيرة على الشعب العراقي التي تشترك فيها دول عدة ويديرها عملاء هذه الدول الذين ينفذون أجنداتهم.

ولاكتمال المؤامرة فإنهم يحاربون أبناء البلد الوطنيين الأحرار الشرفاء وإذا

ص: 171

برز فيهم(1) من يمكن أن يكون خطراً على المصالح اللامشروعة لأولئك العملاء فإنهم يعملون بكل ما أتوا من ماكنة إعلامية وأموال قارونية وقداسة مزيفة على تسقيط تلك الرموز، والافتراء عليهم لكي تخلو الساحة لأولئك العملاء وحتى إذا جاءت الانتخابات المقبلة ونحوها فسوف لا يجد الشعب إلا إعادة انتخاب سارقي ثروات الشعب أنفسهم بمباركة من وُعّاظ السلاطين الذين كل همّهم مداراة مصالح الخاصة ولو سَخطَ عامة الشعب، على عكس ما أوصى به أمير المؤمنين (علیه السلام) مالك الأشتر حينما ولاه مصر (فإن سخط العامة يجحف برضا الخاصة، وان سخط الخاصة يُغتفر مع رضا العامة).إن العجز عن حل مشكلة العراق اليوم يرجع في بعض أسبابه المهمة إلى عدم وجود رمز وطني أو ديني كبير له هيبة وانقياد يستطيع فرض الحل على السياسيين وإرغامهم على الرضوخ إلى الحق.

وهنا يكون واجب النخبة كبيراً فعليهم تحمل مسؤولياتهم لتوعية الشعب وتوجيهه نحو قيادته الحقيقية والتصدي لتحمل المسؤولية وتقديم البديل الصالح ليأخذ محل الفاسدين والظالمين.

ص: 172


1- يشير سماحته بذلك إلى نفسه، وقسوة المؤامرات التي حاكها أولئك المجتمعون على تسقيط مرجعية سماحة الشيخ ومحاصرته وتشويه صورته.

خطاب المرحلة 164 :لا بد من إصلاح فوري في العملية السياسية

بسم الله الرحمن الرحيم

أجرى الدكتور طالب ألرماحي مدير مركز العراق الجديد للإعلام والدراسات في لندن لقاءً مع المرجع الديني سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) في مكتبه في النجف الأشراف (1) تحدّث فيه عن تقييم أداء المرجعية ووظيفة المبلّغ الإسلامي وتداعيات العملية السياسية وكيفية إخراجها من عنق الزجاجة ونحن نقتطف منه ما يتعلق بالمحور الأخير:

د.الرماحي: هناك حديث عن تشكيل حكومة إنقاذ وطني وهناك مساعي تبذل من قبل أطراف داخل العملية السياسية لإنشاء تحالفات فما هو موقف سماحتكم.

سماحة الشيخ: إن كل حركة يجب أن تكون ضمن الدستور لأنه أُقرّ من قبل أغلبية الشعب فيجب أن يحترم ويُصان، وإذا وُجد من يعترض على فقرات فيه فإن فرصة التعديل موجودة والمهم أن تنضبط الحركة بقواعد محترمة ومقبولة لدى الشعب، ونحن نرحّب بأي حراك سياسي ضمن هذا الإطار، فإذا كان ما تتحدث عنه من حكومة الإنقاذ الوطني كذلك فنحن أول من دعونا إليها لان الوضع السياسي بحاجة إلى عملية جراحية لاستئصال كل العقد

ص: 173


1- تاريخ اللقاء 22/ج1/ 1428 المصادف 8/ 6/ 2007.

الخبيثة التي أوصلت بلدنا وشعبنا إلى هذا الحال المزري وقدّمنا المعالم العامة لمشروع الإنقاذ الوطني من خلال عدة نقاط سلمناها إلى الدكتور برهم صالح عندما زارنا قبل سفره إلى مؤتمر شرم الشيخ(1) الأخير، ولا زلنا نواصل تقديم النصائح والمشورة ونساعد في إيجاد حل.أما إذا قُصِد بحكومة الإنقاذ الوطني الانقلاب العسكري وإلغاء العملية السياسية من أساسها فهذا ليس إنقاذاً بل انه يزيد الوضع تدهوراً وسوءاً.

د.الرماحي: هناك توقعات بسقوط حكومة المالكي خلال الأشهر القادمة نتيجة لفشلها في مهامها الأمنية والخدمية فهل توافقون على هذا.

سماحة الشيخ: لا استطيع أن أرجم بالغيب وأحدد تاريخاً لسقوط الحكومة ولكنها فعلاً لا تستحق البقاء لأنها فشلت في كل شيء، وبقاؤها إلى الآن ليس لنجاحها في إعمار البلد وتوفير الحقوق الأساسية للمواطن وأدائها لواجباتها، وإنما يحافظ عليها من بيدهم القرار لأنها ما زالت تحفظ مصالحهم وتدرّ عليهم المغانم أما الشعب فلا أحد يفكّر فيه ولذا فنحن بحاجة أكيدة إلى التغيير لمنع المزيد من التردي والانهيار وحفظ سمعة وكرامة العراق بلد الحضارات أمام العالم حيث أصبحنا سخرية ومثلاً سيئاً.

تصوّر أن رئيس الوزراء عاجز منذ أشهر عن إجراء تعديل وزاري(2) ويفشل في تحقيق الأغلبية المطلقة في البرلمان أي نصف عدد الأصوات مع أنهم

ص: 174


1- تقدمت الإشارة إليه (صفحة 110) من هذا المجلد.
2- بقيت الشواغر الوزارية أكثر من عام دون أن يستطيع رئيس الوزراء نيل الثقة على مرشحيه لهذه المقاعد.

يسمونها حكومة وحدة وطنية ويدّعي أحد رموز الحزب الذي ينتمي إليه السيد رئيس الوزراء أنها تمثل قاعدة برلمانية عريضة تصل إلى 94 فلماذا تفشل في تحقيق نسبة النصف.إن التغيير المرجو يجب أن لا يكون من باب ذر الرماد في العيون وتغيير الأقنعة التي تلبسها الكتل المهيمنة على العملية السياسية كالذي سمعناه من تشكيل تكتل رباعي(1) يضمّهم بل لابد من تغيير حقيقي شامل يصاحبه الكثير من الشجاعة ونكران الذات والشعور الوطني المخلص والتسامي عن الانتماءات الضيّقة.

د.الرماحي: ما هي مقترحاتكم شيخنا لإخراج العراق من أزمته الحالية.

سماحة الشيخ: توجد جملة تصوّرات ذكرت بعضها في المشروع الذي أشرت إليه آنفاً وذكرت البعض الآخر في خطاباتي وأحاديثي وهي منشورة.

ويمكن تلخيصها بأننا بحاجة إلى نوعين من العلاج.

الأول: آني وفوري وهو استقالة الحكومة وبقاء عملها على نحو تصريف الأعمال وإعادة تشكيلها من وزراء أكفاء وطنيين نزيهين مخلصين بالتشاور مع كل الكتل السياسية الممثلة في البرلمان والقوى الوطنية التي ليس لها حضور في البرلمان لسبب أو آخر، وأن يرأسها شخص شجاع حازم يعمل للعراق والعراقيين وأن يكون على مسافة واحدة من الجميع ولا يخضع لابتزاز الكتل السياسية ولا لهيمنتها، ويتحقق ذلك بعرض المرشحين مباشرة على البرلمان

ص: 175


1- شكل المجلس الأعلى وحزب الدعوة والمنضمون إليهما مع الحزبين الكرديين تحالفاً رباعياً للمحافظة على بقاء الحكومة.

لنيل الثقة بالاقتراع السري وبذلك سوف لا يقع المرشح تحت هيمنة الكتل وابتزاز الصفقات، كما يتيح الفرصة لتفكيك مواقف أعضاء الكتل وتحقيق امتزاج بينها لأن كل عضو سيمثل نفسه وليس من الضروري أن تصوّت الكتلة كلها لمرشح واحد.ولا مانع من أن يعود السيد المالكي نفسه إلى رئاسة الحكومة إذا اجتمعت هذه الصفات فيه بعد أن يتحرر من حاشيته الأنانية ومن خوفه من تهديدات الكتل المهيمنة بإسقاطه.

الثاني: الدعوة إلى انتخابات مبكرة لا يتجاوز موعدها حزيران من العام المقبل تتيح الفرصة لرسم خارطة سياسية جديدة وتوسيع قاعدة المشاركة بعد أن ازداد وعي الشعب العراقي بالعملية الديمقراطية وأن يُهيّأ لها بإصلاح قانون الانتخابات فتُعتمد الدوائر الانتخابية المتعددة وترشيح الأفراد بحسب المناطق وليس على نظام القوائم وبذلك سنحصل على ممثلين حقيقيين للشعب وليس ممثلين للكتل والقوائم السياسية كما هو حاصل الآن.

وان يعطى دور فاعل للمعارضة الايجابية والأجهزة الرقابية على عمل السلطة لان هذه أجزاء مهمة من العملية الديمقراطية وقد وضعنا آليات تفصيلية لتحقيق ذلك في كلمات متفرقة يمكن مراجعتها.

د.الرماحي: هناك تذمر شعبي واضح من أداء الائتلاف نتيجة تورط الكثير من الحكومة وأعضاء مجلس النواب في عمليات فساد مالي و إداري إضافة إلى عدم الكفاءة والإخلاص من قبل البعض، ما هو تعليقكم على ذلك؟

سماحة الشيخ: نعم، هذا الاستياء موجود لكن ليس فقط الائتلاف مسؤول

ص: 176

عنه وإنما كل المتنفذين في الحكومة، وأنا في بياناتي وأحاديثي أعمم انتقادي للفساد والتقصير الصادر من كل المتنفذين في الكتل السياسية لأنها في الحقيقة حكومة كتل سياسية متنفذة وليست حكومة شعب. د.الرماحي: يتذرع البعض بغياب الأمن في انعدام الخدمات أو تلكؤها لكن المحافظات الآمنة منها كالنجف مازالت تعاني ما تعانيه المناطق الساخنة، هل هذا مؤشر على فشل الحكومة أم ماذا؟

سماحة الشيخ: هذا الإشكال صحيح وهذه الهالة الضخمة التي يعطونها للإرهاب إنما يريدون أن يبرروا بها فشلهم وتماديهم في سرقة أموال الشعب وتقصيرهم في أداء وظائفهم وهم بذلك يشبهون المقبور صدام حسين الذي كان في التسعينيات يعلّق كل ظلمه وتقصيره وتجويعه للشعب على شماعة الحصار بينما تجاوزت أرصدته هو وأفراد أسرته في البنوك العالمية ستين مليار دولار، وهؤلاء اليوم اتخذوا شماعة الإرهاب للوصول إلى نفس النتيجة فإن الإرهاب على بطشه وقسوته ليس مسؤولاً عن كل المشاكل، فهل يعقل أن الدولة التي خُربّت في كل جوانبها هي بسبب سيارة أو سيارتين تنفجران هنا وهناك؟ إن الدمار الكبير هو ما لحقنا جراء صراع السياسيين وأنانيتهم واستئثارهم وعدم تورعهم عن ارتكاب كل الوسائل الدنيئة بما فيها سفك الدم الحرام وهتك المقدسات والحرمات للوصول إلى مآربهم.

ص: 177

خطاب المرحلة 165 :كيف ينجح إمام الجمعة في أداء وظيفته

خطاب المرحلة 165 :كيف ينجح إمام الجمعة في أداء وظيفته(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

يشعر أئمة الجمعة المباركة أن إقبال الناس على الشعيرة المباركة قد ضعُف ولم يعودوا يتحمسون لها كما كانوا في زمان السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) وأنها فقدت الكثير من قوة التأثير.

وقد تحدّثنا عن هذه الحالة في أكثر من مناسبة سابقة وشخصّنا جملة من أسبابها، ونشير هنا إلى عدد من العوامل التي تنجح أداء إمام الجمعة بلطف الله تبارك وتعالى وبعضها يعود إلى الناس وبعضها يعود إليه.ومنها

1- التذكير بين فترة وأخرى بالأحاديث الشريفة الدالة على فضل صلاة الجمعة وثواب من يحضر إليها بحيث يقال لمؤديها ارجع مغفوراً لك، وأنّه ما من قدمٍ سعت إلى الجمعة إلا وحرّمها الله تبارك وتعالى على النار وغيرها كثير مع ما دل على وجوب الحضور إليها، وأنها ليست نزهة أو سفرة اختيارية حتى يتخلف عنها المسلم برغبته، وإنما هي فريضة يعاقب تاركها بالنار ولا يعذر المكلف بهذه الأعذار الواهية التي نسمعها كعدم حسن إلقاء الخطيب أو عدم

ص: 178


1- من حديث سماحة الشيخ مع ثلة من أئمة الجمعات بمناسبة الذكرى العاشرة لإقامة أول صلاة جمعة في زمن السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) والتي تزامنت مع ذكرى ميلاد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء في العشرين من جمادي الثاني عام 1428 المصادف 6/ 7/ 2007.

ثورية خطابه ونحوها.2- أن يكون إمام الجمعة قريباً من الجميع على مسافة واحدة فلا ينحاز إلى أحد أو فئة وليشعر الجميع أنهم سواء عنده وإذا أحسَّ من أحد أنه يشعر بداّلةٍ عليه فليبعده وليعّرفه انه ليس اقرب من غيره ويمنع وجود الحواشي المقربين حوله فإنهم حجاب بينه وبين الناس وينفّرون الآخرين منه.

3- أن يترفع إمام الجمعة عن الخوض في الدنيا حتى المحلل منها إذا كان منافياً للمروءة كما عبّرت الكتب الفقهية فإن الخوض مع الخائضين يذهب بهيبته وانقياد الناس إليه. وعليه أن يعرف قدسية الموقع الذي تصدى إليه بحيث يصفه الإمام السجاد (علیه السلام) في دعائه (اللهم إن هذا مقام خلفائك وأصفيائك ومواضع أمنائك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها).

4- أن يتابع شؤون المجتمع ومجمل القضايا التي تحيط به ويناقشها ويوجّه الأمة بالاتجاه الصحيح إزائها حتى يشعر الناس بالحاجة إلى منبره لأنه سيكون البلسم الذي يشفي جراحهم والأمل الذي يمدّهم بالحياة والنور الذي يضيء لهم درب الهداية والإصلاح، وهذا يتطلب منه التواصل مع مرجعيته وفهم خطاباتها وأحاديثها ويتعلم منها متابعتها للأحداث وبيان المواقف منها، وبذلك يعطي لمنبر الجمعة حيوية وديناميكية تشد المستمعين إليه وتجعلهم لا يستطيعون التخلف عنه.

5- أن يتميز خطاب الجمعة بالتنوع لان أذواق الحاضرين شتى وتوجهاتهم مختلفة ورغباتهم متنوعة فلا يجعل نفسه حبيساً لمنهج واحد ومضمون ثابت، فإذا تنوعت المادة التي يضّمنها خطبه فانه سيلبّي حاجة الجميع ولا يشعر

ص: 179

أحدهم بالملل والرتابة، بل يحس الحاضرون أنهم يحصلون على بغيتهم وعلى الجديد في كل خطبة.6- إذا تطرقتم للنقد وبيان الاستياء من حالة معينة فاجعلوا حديثكم منصباً على تلك الحالة لا على الأشخاص لكي لا يُصَّور النقد على انه مشكلة شخصية ونحن لا مشكلة لنا مع الأشخاص بل مع الحالات السيئة فننتقدها وندعو إلى إصلاحها، أما الايجابية فنشيد بها وندعهما ونكرّمها، أما توجيه النقد مباشرة إلى الأشخاص فانه يعطي فرصة لخلط الأوراق على الناس وتقليل تأثير النقد بتحويلها إلى عداء شخصي.

7- أن يقرن الواعظ العلم بالعمل فيطبق ما يدعو إليه ويجتنب عما نهى عنه ويعكس في سلوكه التعاليم السامية للإسلام العظيم بكل ما يزخر به من مبادئ إنسانية عليا، وفي هذا الصدد ورد عن أمير المؤمنين (ما أمرتكم بطاعة إلا كنت أول من يقوم بها، ولا نهيتكم عن معصية إلا كنت أول من يجتنبها).

8- أن تتوفر في الإمام كل الصفات والملكات التي ينبغي توفّرها فيه وقد أشرنا إليها في كتاب (وصايا ونصائح إلى الخطباء وطلبة الحوزة العلمية) وغيره.

ص: 180

خطاب المرحلة 166 :أيها الشباب الرسالي اثبتوا على الخير فإن الأمور بخواتيمها

خطاب المرحلة 166 :أيها الشباب الرسالي اثبتوا على الخير فإن الأمور بخواتيمها(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

في الحديث الشريف (إن الله يباهي الملائكة بالشاب المؤمن الذي ينشأ في طاعة الله تعالى) فمن حقنا أن نفخر بكم أيها الشباب الرساليون، إذا كان الله تعالى يفخر بكم ويباهي بكم ملائكته، لان الملائكة مجبولون على الطاعة وخلقوا مفطورين عليها ويتحركون نحوها تلقائيا، أما انتم فقد خلق فيكم نوازع الخير والشر ووجودكم محاط بالشهوات الجاذبة والأهواء الصارفة، فحينما تنجحون في هذا الصراع المرير والدقيق والمستمر الذي لا هوادة فيه فأنكم أفضل من الملائكة بالتأكيد وأعلى منهم منزلة.

وما كان لذلك أن يتحقق لولا لطف الله تبارك تعالى وحسن توفيقه إذ وفّر لكم أسباب الهداية وأوّلها أن قدّر لكم أن تخلقوا في هذا المجتمع المؤمن الموالي لأهل البيت وبذلك فقد اختصر عليكم المسافة للوصول إلى الهداية، فتصوروا لو أن أحدكم ولد في بعض المجتمعات المنهمكة في الحيوانية والبعيدة عن الإسلام في أمريكا أو في مجاهل أفريقيا فما هو احتمال هدايتكم

ص: 181


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع وفد رابطة الطالب الرسالي في الناصرية يوم الخميس 27/جمادي الثاني/1428 ه- المصادف 12/ 7/ 2007.

إلى هذا الخير الذي انتم فيه.والمهم يا أحبتي أن تثبتوا على هذا الخير وتعضّوا عليه بالنواجذ فإن الأمور بخواتيمها كما ورد في الحديث الشريف، واذكر لكم شاهدين على الحديث

أولهما: الزبير بن العوام ابن عمة رسول الله (صلی الله علیه و آله) وأمير المؤمنين (علیه السلام) ابن أخ خديجة الكبرى ومن السابقين للإسلام في أوائل الدعوة الإسلامية في مكة حيث تحمّل آذى قريش ثم هاجر إلى المدينة وشارك في بدر وأحد وأبلى بلاء حسناً وله في معركة الخندق موقف جليل حين انبرى إلى الفارس من قريش الذي وقع في الخندق حينما حاول مع عمرو بن عبد ود العامري عبوره وطلب من يبارزه في الخندق فنزل إليه الزبير وقتله.

ثم بعد وفاة رسول الله (صلی الله علیه و آله) كان من المدافعين عن بيت علي وفاطمة (صلوات الله عليهما) حتى كسر سيفه، وكان من الستة أهل الشورى وأعطى صوته لعلي بن أبي طالب (علیهما السلام)، هذا التاريخ المشرف الذي لا يرقى إليه الكثيرون انهار حين بايعت الأمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وانصرفت عنه الخلافة التي كان يحلم أن تصير إليه بعد مقتل الخليفة الثالث، حيث كان يحرّض هو وزميلاه على الخليفة، وقد أفسدت الدنيا التي انفتحت على المسلمين قلوب الكثير من أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله) (حب الدنيا رأس كل خطيئة) حتى ترك أحدهم من الذهب ما يُكسَر بالفؤوس.

الزبير صاحب هذا التاريخ وهذه المواقف الجليلة يقود حرباً على أمير المؤمنين الإمام الحق والزبير يعرفه أكثر من غيره، وأزهقت أرواح الآلاف من المسلمين، وذكّره أمير المؤمنين بكلمات سمعاها من رسول الله (صلی الله علیه و آله) في حق

ص: 182

أمير المؤمنين فرجع عن القتال ولكن بعد أن أنشبت المنية أظفارها، ثم اغتيل من قبل أحد الجنود في جيش أمير المؤمنين (علیه السلام) ولما جاءه قاتله بسيفه قبّله أمير المؤمنين وقال: سيف طالما كشف الكرب عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) وقال (علیه السلام) لقاتله: بشر قاتل ابن صفية – وهو الزبير – بالنار.ثانيهما: الحر الرياحي الذي كان من كبار قادة جيش الأمويين وأرسله عبيد الله بن زياد على رأس ألف مقاتل حينما علم بتوجه الإمام الحسين (علیه السلام) إلى الكوفة ليأتي به أسيراً، وحصل ما حصل بينه وبين الإمام الحسين (علیه السلام) في الطريق حتى صار القرار أن يتخذ الإمام طريقاً لا يرجعه إلى المدينة ولا يذهب به إلى الكوفة فسار باتجاه كربلاء ووقعت الواقعة.

لكن الحر هذا حينما اصطف الجيشان للقتال يوم عاشوراء أدركته ألطاف الهداية فحكّم عقله في الموقف الذي يتخذه وكانت لحظات عصيبة ومهولة فأخذ يرتعد وقال له زميله: لو سئلت من أشجع من في المصر لما عدوتك فما هذا الخوف ، قال الحر: ويلك إنني أُخيّر نفسي بين الجنة والنار ولا أختار على الجنة شيئاً والتحق بصف الإمام الحسين خجلاً معتذراً عمّا سبق منه، ولما استشهد قال له الإمام (علیه السلام): حرٌ كما سمّتك أمّك حرّ، حرٌّ في الدنيا والآخرة وسعيد في الآخرة.

هذان مثالان لفريقين من الناس فكونوا ممن لا يختار على الجنة شيئاً ولا يكون ذلك إلا بأن تعملوا العمل الذي يؤدي بكم إليها وتثبتوا عليه [مَن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً ، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم

ص: 183

مَّشْكُوراً ، كُلاًّ نُّمِدُّ هَ-ؤُلاء وَهَ-ؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً] (الإسراء 18-20).تناقلت وسائل الإعلام صور الكارثة التي حلّت بالأطفال شديدي العوق في دار الحنان في بغداد، وبدلاً من أن يعلن وزير العمل والشؤون الاجتماعية مسؤوليته الأدبية والأخلاقية عن الكارثة ويستقيل حفظاً لكرامته وتسعى الجهات المختصة لمحاسبة المقصرين، يظهر السيد الوزير المدعوم من قبل المرجعية والذي ينتمي إلى أسرة علمية جليلة في النجف الأشرف على وسائل الإعلام ويندّد بالمغرضين الذين اظهروا الحالة على وسائل الإعلام، وأنه سيقاضي القوات الأمريكية والعراقية التي داهمت المقر بتهمة الإساءة إلى سمعة وزارته، علماً بأن هذه القوات لم تفعل ذلك إلا بعد أن استنجد ذوو الأطفال بها لأنهم قدّموا بلاغات إلى كل الجهات المعنية في الوزارة على مدى عدة أشهر لإيقاف الانتهاكات في الدار ولم يجدوا أذاناً صاغية.

هذا نموذج من كثيرين من المتصدين للعملية السياسية الذين يتشدقون بتاريخ طويل من الجهاد والنضال ضد الدكتاتورية وأنهم انتموا إلى الحركة الإسلامية منذ عشرات السنين وتراهم يسقطون بسبب حب الدنيا في بئر عميقة من الظلم وسرقة أموال الشعب واللامبالاة والانغماس في الأنانية وترك الشعب يحترق والبلد يُدمّر ، فما قيمة ذلك التاريخ وماذا سينفعهم؟

أيها الشباب الأحبّة الأنقياء كلكم قادرون على أن تنخرطوا في تيارات وجهات تحقق لكم الثروة والتسلط على رقاب الناس، ولكنكم زهدتم فيها وآثرتم التمسك بمنهج الهدى والصلاح فطوبى لكم وحسن مآب وحقاً إن الله

ص: 184

تبارك وتعالى يباهي بكم الملائكة ونحن نتقرب إلى الله تعالى بمحبتكم ومواددتكم والسعي الحثيث لخدمتكم بما نستطيع والله ولي التوفيق.

ص: 185

خطاب المرحلة 167 :في ذكرى استشهاد الإمام الهادي(عليه السلام): تجمع مؤسسات المجتمع المدني في بغداد للمطالبة بحكومة جديدة

خطاب المرحلة 167 :في ذكرى استشهاد الإمام الهادي(عليه السلام): تجمع مؤسسات المجتمع المدني في بغداد للمطالبة بحكومة جديدة(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

نحن مجموعة من مؤسسات المجتمع المدني في بغداد الذين نقدم الخدمات الطوعية للشعب لذا فهو يُحبُنا ونحنُ نحبُه اجتمعنا اليوم الذي تتجدد فيه الأحزان بذكرى استشهاد الإمام العاشر من أئمة أهل بيت النبي

(صلوات الله عليهم أجمعين) الإمام علي الهادي (علیه السلام) وتزداد فجيعتنا حينما نرى روضته الشريفة في سامراء مهدّمة ، ومحبوه و عارفو فضله في مختلف أنحاء العالم ممنوعون من الوصول إليها للثم ثراه الطاهر .

اجتمعنا لنطالب الحكومة بصحوة ضمير وانتفاضة على أنانيتها وانشغالها بمصالحها الذاتية لتلتفت إلى هذا البلد الجريح المدّمر وهذا الشعب المضطهد المحروم من ابسط حقوق الإنسان .

إن الشعب العراقي الأبي والتوّاق إلى الحرية والحياة الكريمة صبر بما فيه

ص: 186


1- بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام الهادي (عليه السلام) في الثالث من رجب سنة 1428 المصادف 18/ 7/ 2007 دعا سماحة الشيخ اليعقوبي إلى إحياء فاعل للمناسبة ومن فعالياتها إقامة مؤسسات المجتمع المدني في بغداد تجمعاً في ساحة الفردوس قدر عددهم ببضعة آلاف نجحت هذه المؤسسات في تحشيدهم، وقد كتب سماحته بيان المظاهرة لمطالبها وقد غطّته وسائل الإعلام وتلي البيان باللغتين العربية والانكليزية.

الكفاية على فشل الحكومة وتخبّطها واستئثارها بثروات الشعب وتفشي الفساد وعجزها عن خدمة المواطن العراقي في كل المجالات فلا أمن ولا كهرباء ولا ماء ولا وقود ، ولا خدمات صحية ، وفي كل يوم تزداد أعداد المهجّرين والشهداء والأيتام والأرامل والعاطلين عن العمل حتى بلغت الملايين، ولا نعلم أين ذهبت الميزانية الانفجارية التي وعد بها السيد رئيس الوزراء مطلع العام وخصّص منها أحد عشر مليار دولار للمشاريع الاستثمارية وتشغيل العاطلين، وها نحن قد تجاوزنا نصف العام ولم نر من كل ذلك شيئاً على أرض الواقع .إن كارثة واحدة من الكوارث الكبرى التي تحل بالشعب العراقي كافية لدى الشعوب المتحضرة لاستقالة الحكومة واعترافها بفشلها وإعطاء الفرصة للآخرين لينجزوا شيئاً ، لذا نحن نطالب البرلمان الذي انتخبناه متحدين الإرهاب وكل المصاعب أن يسحب الثقة من الحكومة الحالية ويشكل حكومة من أبناء الشعب الكفوئين النزيهين المخلصين لبلدهم وشعبهم من الكتل البرلمانية وخارجها.

حكومة(1) لا استبداد فيها ولا استئثار وتكون على مسافة واحدة من الجميع وتعمل للعراق والعراقيين

حكومة حازمة قوية تعيد هيبة الدولة وسلطة القانون وتلم الشمل وتمنع التفرق والتنازع

حكومة لا تخضع للابتزاز ولا تتنازل عن أي جزء من الأرض أو أي ثروة من أجل تحقيق مكاسب سياسية أو البقاء مدة أطول في السلطة.

ص: 187


1- هذه الفقرات تتضمن تعريضاً لما تتصف به الحكومة القائمة.

حكومة تقضي على الفساد المالي والإداري وتصون ثروات الشعب وتصرفها فيما فيه مصلحة البلد ورفاهية الشعب.حكومة تضع الخطط والإستراتيجيات للتنمية والإعمار ولا تكون تصرفاتها ارتجالية وعبارة عن ردود أفعال

حكومة منسجمة تسودها روح المواطنة والأخوة و الشراكة وليس الصراع والتقاتل والمهاترات .

حكومة تحل مشاكل البلد الكبرى التي جعلت العراق يتصدّر قوائم الدول في كل ما هو سيء كسرقة المال العام وعدد المهجّرين واغتيال الكفاءات وقتل الصحفيين والفوضى وفقدان سيطرة الدولة .

حكومة تحفظ كرامة المواطن العراقي وترفع رأسه أمام شعوب العالم ولا تتركه يبحث عن طعام يسد رمقه في حاويات القمامة أو يتسكع على الأرصفة في دول العالم .

أيها البرلمانيون إن شهداء آمر لي(1) والصدرية والجثث المجهولة الهوية على قارعة الطريق وفي الأنهار وملايين المهجّرين والأرامل واليتامى والمحرومين والجياع يستصرخونكم لإيجاد حلّ ولا يعذرونكم إذا سكتّم على

ص: 188


1- ناحية تابعة لقضاء طوز خورماتو سكانها من التركمان الشيعة شهدت انفجار شاحنة في سوقها فقتلت (105) وجرح (250) واتهمت قيادات تركمانية القيادات الكردية باستئجار مرتزقة لتنفيذ مثل هذه العمليات لتهجير التركمان وتغيير ديموغرافية المنطقة وقع الانفجار يوم 22/ج2/ 1428 المصادف 7/ 7/ 2007 أما الصدرية فهي منطقة شعبية تجارية وذات كثافة سكانية عالية في مركز بغداد شهدت أكثر من انفجار مروّع وكارثي ذهب ضحيتها المئات.

هذه الكوارث ولا يقبل منكم حلول ذر الرماد في العيون وتبديل الأقنعة مع بقاء الوجوه السوداء نفسها.[وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ] (محمد:38)

ص: 189

خطاب المرحلة 168 :(رجب وشعبان ورمضان تعجّل حصول نور الفرقان)

خطاب المرحلة 168 :(رجب وشعبان ورمضان تعجّل حصول نور الفرقان)(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

من السنن الجارية في الأمم مرورها بحالة التيه والضلال عند غياب أنبيائها، قال تعالى: [وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ] (آل عمران:144)، ولكن كم هم الشاكرون الذين يثبتون على المسار الصحيح، قال تعالى (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)سبأ13، أما الأكثر فهم المنقلبون والمنحرفون عن طريق الحق والهدى، ومثل هؤلاء لا يضرّون إلا أنفسهم فإن الله تعالى غنيٌ عنهم.

وإنما تحصل هذه الحالة لأن غياب النبي والقائد يمثل مفترق طرق يجلس عنده شياطين الجن والإنس وأئمة الضلال وطلاّب الدنيا ويضيّعون العلامات الصحيحة التي تدل على الطريق وسط علامات مزيفة ينصبونها ويحيطونها بهالات قدسية فيتيه أكثر الناس كما فعل السامري ببني إسرائيل وما حصل بعد وفاة رسول الله (صلی الله علیه و آله).

ومادام الشاكرون قليلين فلا نأسى على قلّتهم [إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أحببت]

ص: 190


1- من حديث سماحة الشيخ محمد اليعقوبي مع وفد مؤسسة الرحمن الإسلامية في حي المنصور ببغداد يوم الثلاثاء 9/ رجب/ 1428ه- المصادف 24/ 7/ 2007.

(القصص:56)، [وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ] (النحل:9)، ولكننا يجب أن نسعى ونعمل بجدّ لنكون من هؤلاء القلّة، وتقع الكارثة علينا حينما نفشل في ذلك والعياذ بالله، فإن هذه سنة جارية في كل الأجيال من الأمة كلما غاب عنها قادتها الكبار الذين تلتف حولهم وتذوب فيهم، والنجاة في مثل هذه المفترقات من الطرق إنما تكون بنور الفرقان الذي يضيء في قلب المؤمن وينير له الدرب ويفرّق له بين الاتجاه الصحيح والمنحرف. وفي ضوء هذا كانت الحاجة ملحة لكل من يرجو الفلاح والنجاة أن يعمر قلبه بهذا النور لئلا يتخبّط ويتيه ويضيع، وقد بيّن لنا ربنا كيف ينبلج هذا النور في القلب، قال تعالى: [يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً] (الأنفال:29)، فالتقوى هي منشأ هذا الفرقان والمنتج له، قال تعالى: [وَتَزَوَّدُواْ فإن خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ] (البقرة:197).

وقد تحتاج إلى مزيد من البيان والتفسير لهذه الآيات الكريمة نستقيها من السنة الشريفة التي وظيفتها شرح آيات القران وتفسيرها.

وحينئذ سنجد فيها حديثاً شريفاً يجعل قوام هداية المؤمن وسيره على بصيرة وحصول نور الفرقان في قلبه بعناصر ثلاثة(1):

(أولها) لطف من الله تبارك وتعالى واللطف هو كل ما يقرب إلى الطاعة ويحببها ويزيّنها ويبعّد عن المعصية وينفّر منها.

ص: 191


1- لم نجد نص الحديث ولكن وجدنا حديثاً قريباً منه عن الإمام الجواد (عليه السلام) قال (المؤمن يحتاج إلى ثلاث خصال: توفيق من الله، وواعظ من نفسه، وقبول ممن ينصحه) وسائل الشيعة، ج12، ص25، حديث 15548.

(ثانيها) ورع وتقوى يحركّه نحو ما يحب الله تبارك وتعالى ويبعده عمّا يسخطه عز وجل. (ثالثها) أخ ناصح شفيق يدلّه على عيوبه ويعينه على الطاعة ويشير عليه بالخير.

فالعملية تحتاج إلى عناصر تنبع من داخل الإنسان وأخرى تفاض عليه من الخارج، وعلى الإنسان أن يسعى لتحصيلها بلطف الله تبارك وتعالى وتوفيقه.

ومن لطفه تعالى أنه جعل لنا محطات لتسريع عملية نيل هذه الألطاف ومنها هذه الأشهر الشريفة (رجب، شعبان، رمضان) حيث إن هذه الأشهر الثلاثة تساهم أكثر من غيرها في إيجاد وتحقيق هذه العناصر الثلاثة.

فلطف الله تعالى بعباده يزداد، حيث تحسّ وجدانا في هذه الأشهر إقبالا على الطاعة أكثر من غيرها، فمثلاً لا يؤدي أكثر المؤمنين السنة الشريفة التي تعدل صوم الدهر وهي صوم ثلاثة أيام في الشهر أول خميس وأخر خميس وأربعاء في الوسط رغم أنها سهلة الأداء في الشتاء، لكن كثيرين من المؤمنين يصومون أكثر من ثلاثة أيام من شهر رجب رغم أنه حلّ علينا هذه السنة في تموز حيث الحر الشديد والحاجة البالغة للماء، ومثال آخر هو زيارة المعصومين أو تلاوة القرآن أو إطعام الطعام فإن الهمة تزداد في هذه الأشهر للإتيان بها وهذه كلها شواهد على زيادة اللطف الإلهي بعباده.

وأما العنصر الثاني فتحقيقه أسرع في هذه الأشهر من عدة جهات نشير إلى احدها وهو حصول الصوم في هذه الأشهر بشكل مكثف، وهدف تشريع الصوم هو حصول التقوى كما ورد في الآية الشريفة [يَا

ص: 192

أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] (البقرة:183).وقد ورد في فضل الصوم في هذه الأشهر أحاديث كثيرة راجعها في كتاب مفاتيح الجنان، ومنها هذه الرواية عن ابن بابويه بسند معتبر عن سالم قال : دخلت على الصّادق (ع) في رجب وقد بقيت منه أيّام، فلمّا نظر إليّ قال لي: يا سالم هل صمت في هذا الشّهر شيئاً قلت: لا والله يا ابن رسول الله، فقال لي: فقد فاتك من الثّواب ما لم يعلم مبلغه إلا الله عز وجل، إن هذا شهر قد فضّله الله وعظّم حرمته وأوجب الصّائمين فيه كرامته ، قال : فقلت له : يا ابن رسول الله فإن صمت ممّا بقي منه شيئاً هل أنال فوزاً ببعض ثواب الصّائمين فيه، فقال : يا سالم من صام يوماً من آخر هذا الشهر كان ذلك أماناً من شدّة سكرات الموت وأماناً له من هول المطّلع وعذاب القبر، ومن صام يومين من آخر هذا الشّهر كان له بذلك جوازاً على الصّراط، ومن صام ثلاثة أيّام من آخر هذا الشّهر أمن يوم الفزع الأكبر من أهواله وشدائده وأعطى براءة من النّار.

وأما العنصر الثالث فإن هذه الأشهر تشهد أكثر من غيرها فرصاً لاستفادة مثل هؤلاء الإخوة الناصحين لما تشهده من عبادات جماعية في المساجد وزيارات وإقامة للشعائر ومجالس لإحياء ذكر أهل البيت (علیهم السلام) ومناسباتهم.

ص: 193

وألفت نظر أحبتي المؤمنين إلى عبادة جامعة لكل خصال الخير هذه عزف عنها الناس رغم ما ورد فيها من حث أكيد عن المعصومين سلام الله عليهم في هذه الأشهر الشريفة وخصوصاً في العشر الأواخر من شهر رمضان وهي الاعتكاف في المساجد الجامعة فلا يغفل عنها من تتيسر ظروفه لأدائها، ولها أحكام وآداب مذكورة في كتب الفقه والرسائل العملية.

ص: 194

خطاب المرحلة 169 :حوارات في الفكر الإسلامي

اشارة

خطاب المرحلة 169 :حوارات في الفكر الإسلامي(1)

الحوزة العلمية والتيارات الوافدة

بسم الله الرحمن الرحيم

س1: سماحة الشيخ هنالك رياح كثيرة عالية التيار تسللت ودخلت الغرف والبيوت مثل الليبرالية والعلمانية والعولمة والحداثة وحتى ما بعد الحداثة وبدأت تتخطف الشباب المسلم، كيف يتأتى لرجال الدين أن يجعلوا من الدين الإسلامي أو الفكر الإسلامي أنموذجاً يحتذى به.

سماحة الشيخ: [بسم الله الرحمن الرحيم. رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي. وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي. وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي. يَفْقَهُوا قَوْلِي] (طه: 25-28).

حينما نريد تحديد موقفنا من هذه التيارات وغيرها فلا يجوز لنا أن نقف عند حدود الأسماء والعناوين ونتعامل معها بمسبقات ذهنية صنعتها مصالح قوم موافقين أو مخالفين لهذا التيار أو ذاك، وإنما يجب استيضاح المضمون أولاً والتعرف عليه ثم الحكم سلباً أو إيجاباً.

فالعلمانية مثلاً صوّرها خصومها الذين يتاجرون بالدين ويتخذونه وسيلة

ص: 195


1- تقرير لبعض ما ورد في الحوار الذي أجرته (إذاعة القران الكريم) التابعة لشبكة الإعلام العراقي مع سماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) وبثّته بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف لهذا العام 1428الذي صادف 6/ 4/ 2007 .

لتحقيق مصالحهم على أنها محاربة الدين ومعاداته وحينئذ سيكون رد الفعل السريع هو الرفض والمواجهة، لكن البعض يعرّفها على أنها إلغاء سلطة رجال الدين الذين يسيئون استخدام الفتوى الدينية والقداسة لتحقيق مصالحهم اللامشروعة بدفعٍ من المستفيدين منهم، فهم – أي العلمانيون – لا صراع لهم مع الدين كتعاليم سامية تتكفل بإسعاد الإنسان وضمان حقوقه في حياة حرةٍ كريمة. وهم بذلك يصلون إلى نصف الحقيقة وعليهم السعي لتحصيل النصف الآخر لأننا جميعاً نرفض استغلال الدين للدنيا وجعله جسراً يعبرون عليه لتحقيق نزواتهم وأهوائهم الشخصية، بل إن أئمتنا المعصومين (سلام الله عليهم) قادوا حملة توعية واسعة لفضح المتسترين بلباس الدين والذين يرفعون اللافتات الإسلامية نفاقاً وقد وصفهم الإمام الحسين (علیه السلام) (عبيد الدنيا، يحوطونه ما درّت معائشهم، فإذا مُحِصّوا بالبلاء قلَّ الديانون) وحذّروا الأمة من اتباع رجال الدين المزيفين (إذا رأيتم العالم مكبّاً على دنياه فاتهموه في دينه).

والذي يراجع تاريخ نشوء العلمانية التي انطلقت من أوربا قبل قرون يجد أكثر من شاهد على أنها كانت تمرداً على دكتاتورية رجال الدين وتخلّفهم واستعباد الناس وسرقة أموالهم بسلطان الفتوى والتحالف مع الملوك الظالمين المستبدين لكنهم في خضمّ صراعهم مع التطبيقات السيئة للدين تخلّوا عن الدين نفسه وخسروا المبادئ السامية التي تركزها عقيدة التوحيد لأنهم لم يستطيعوا التفكيك بين الدين – كتعاليم وشريعة وعقيدة – والمتلبسين به من طلاب الدنيا.

ص: 196

ونحن اليوم نطالب العلمانيين في معاقلهم في أوربا وحيثما امتدت دعوتهم إلى أن يعيدوا النظر في تقييمهم لدور الدين في الحياة بعد أن هدأت ثورتهم ولم يبق ما يخافون منه لأنهم في كثير من المبادئ التي يؤمنون بها كحقوق الإنسان بل الحيوان وسائر معاهداتهم الإنسانية كالحد من أسلحة الدمار الشامل أو الحفاظ على البيئة سيجدونها في الدين الإسلامي العظيم فمثلاً توجد روايات عن أئمة أهل البيت تمنع من إلقاء السم في مياه المشركين المحاربين فضلاً عن غير المحاربين وهو معنى مطابق لما يطالبون به اليوم من منع استعمال الأسلحة الكيمياوية، ولو أجروا هذه المراجعة اليوم مع عرضٍ مقنع منّا وحوار شفاف سنجد إقبالاً واسعاً على الدين من دون تخوّف صنعه التجّار بالدين والذين أساؤوا استعماله والذين خلطوا الأوراق ولبّدوا الأجواء لتأييد جهة أو تسقيط جهة أخرى. وسوف يجد العلمانيون المنصفون أن الدين هو وصفة جاهزة متكاملة ينقذ البشرية مما هي فيه من كوارث ولا يجعل الناس حقل تجارب للنظم والقوانين الأرضية ثم تثبت فشلها بعد ثمن باهظ من أرواح الناس وممتلكاتهم.وبهذه النظرة في التعاطي مع التيارات الوافدة اعني النظر إلى المضمون بعمق وإنصاف وموضوعية وليس بالانفعالات التي تثيرها العناوين ستكون مسيرتنا إصلاحية تأخذ الجيد وتترك الرديء، وقد بينا في حديث سابق رأينا في الحداثة وما بعد الحداثة بما ينسجم مع هذه النظرة.

ص: 197

الفكر الإسلامي وعلم الانثروبولوجي

س2: هنالك نظريات تشير بعلم جديد يسمى (الانثروبولوجي) يختص هذا العلم برسم سياسة الإنسان وإنسانيته، دعى الكثير من المفكرين الإسلاميين الغربيين أمثال الدكتور محمد أركون إلى هذا العلم، هل خلت أجندة الفكر الإسلامي من هذا العلم أم دعت له؟

سماحة الشيخ: لم تخلُ مصادر التشريع الإسلامي من جزئيات هذا العلم، ولكنها الغفلة عن هذا التراث الضخم وعقلية الانبهار بما يردنا من الغرب، وعقدة الحقارة - بحسب تعبير كتب علم النفس – وثقافة الهزيمة التي يعيشها المسلمون منذ عدة قرون ولم يستعيدوا إلى الآن ثقتهم بأنفسهم عدا محاولات في العقود الأخيرة لا يمكن إغفال تأثيرها، ونحن نسعى بجدّ إلى استعادة هذه الثقة والانطلاق بالمشروع الإسلامي الإصلاحي الكبير.

ولو تأملنا في ما وردنا عن أئمتنا سلام الله عليهم لوجدنا أصول ما توصل إليه أهل هذا العلم بجزئيات وتفاصيل لم يلتفتوا إليها وهذه مسؤولية شبابنا الواعي المتعلم أن يقدّم ما عندنا إلى البشرية كلها، وسيجدون حينئذ إن الإنسان هو أكرم المخلوقات وقد خلق الله تبارك وتعالى كل ما في الكون له لأنه خليفته في أرضه [وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً] (البقرة:30)، وإن حرمته عند الله تبارك وتعالى أشد من الكعبة التي يعتبرها المسلمون أقدس مقدساتهم [وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً] (الإسراء:70)، وعندنا في روايات أهل البيت (علیهم السلام) أن الإنسان إذا عاش إنسانيته ولم ينزل

ص: 198

إلى مستوى الحيوانية في إتباع الشهوات والنزوات كان عند الله أفضل من الملائكة.

كيف يدرك المسلم معاني القرآن

س3: كما يقال أن القرآن حمّال أوجه وكل فرقة فسّرته كما ترى وكل فرقة فسرته لصالح أفكارها متمنطقة ببراهين متعددة، كيف يتسنى للمسلم البسيط أن يدرك حقيقة قراءة النصوص القرآنية وتفسيرها؟

سماحة الشيخ: يتحقق ذلك بالرجوع إلى أهله العارفين بأسراره وهم أئمة آهل البيت (علیهم السلام) ومن وعى تراثهم قال تعالى: [هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ] (آل عمران:7).

وقال تعالى: [وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً] (النساء:83).

فتوجد إذن في القرآن آيات محكمات غير قابلة للتأويل لذا اتفق عليها المسلمون كالتي أوجبت الصلاة والصوم والتي حرّمت الميتة والزنا، أما الآيات القابلة للتأويل أي تحتاج إلى إرجاع إلى حقيقة معناها ولا يكفي فيها النظر الظاهري من (أول) وهو العودة والرجوع فلابد من إحالتها إلى أهلها العارفين

ص: 199

بأسرار القرآن، وقد أوضحنا أوصافهم في حديثنا السابق عن الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (علیها السلام). وهم أهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا.أما من يبتعد عن هذا المعين الصافي فأنه سيضلّ ويتخبط وتتقاذفه أمواج الضلال والابتعاد عن الحقيقة، وإذا كان له أتباع فسيضلُّ غيره كما فعل الخوارج ضلّوا وأضلوا.

وقد وقع في نفس الضلال خوارج اليوم كالتكفيريين حيث راحوا يتأولون آيات القرآن ويفسرونها بحسب هواهم فسفكوا الدماء المحرمة واهلكوا الحرث والنسل وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. ولذا نصحنا أخواننا أهل السنة بفتح باب الاجتهاد لتنضبط عندهم حركة الإفتاء وتنحصر بمن له الأهلية وتنسدّ باب التأويلات في النصوص إلا لمن بلغ هذه المرتبة السامية.

تعدد المرجعية حالة إيجابية

س4: هل سماحتكم مع وجود المرجعية الواحدة أم أنكم مع تعدد المرجعيات؟

سماحة الشيخ: إن تعدد المجتهدين حاله ايجابية لان معناها وجود حياة فكرية وإبداع علمي في الأمة، كما يقاس الآن نبوغ المجتمعات بنسبة ما فيه من الكفاءات العلمية، وكلما ازدادت النسبة فهذه نقطة مضيئة في تاريخ الأمة.

وهؤلاء المجتهدون يتحولون بالخبرة والممارسة وسعة النشاط الذي يقدمونه على صعيد الحوزة العلمية والمجتمع عموماً إلى مراجع ترجع إليهم

ص: 200

الناس لمعرفة أمور دينهم ودنياهم، وكل واحد من الناس يتبع من يراه جامعاً أكثر من غيره لشروط الرجوع إليه التي دوّنها الفقهاء في كتبهم، وقد تتنوع القناعات فيتعدد المراجع. وليس في ذلك ضير لأنها مسألة طبيعية ليست على صعيد عالم الفقه فقط. بل الأمر أكثر في سائر حقول الحاجة البشرية، فهناك عدة مراجع طبية من الاختصاصيين مثلا ولكل واحد شهرته والشريحة المقتنعة به التي تراجعه وهذا شيء حسن. نعم على صعيد القيادة وولاية أمر الأمة لا يوجد تعدد ففي المجتمع الواحد والبلد الواحد يكون وليُّ أمرٍ واحد ويكون التعدد منتفياً أصلاً لان اختيار القائد وولي الأمر لا يكون بيد الناس وإنما بيد أهل الحل والعقد من علماء وفضلاء وأساتذة الحوزة العلمية إذا وجدت ضرورة اجتماعية لإعلان ولي أمر وقد لا توجد حاجة أصلاً، ولما كان من صفات ولي الأمر الخبرة بشؤون الحياة والمجتمع فلا ينجح ولي الأمر إلا إذا كان من أبناء ذلك المجتمع وعايش الناس في آلامهم ومعاناتهم وعرف مشاكلهم وتفاصيل حياتهم ولا يفرض عليهم بالقوة أو بالادعاء.

اختلاف الفقهاء في الفتوى أمر طبيعي

س5: قرأنا في الرسائل العملية للمرجعيات هنالك خلاف في أمر واحد وفي فتوى واحدة وكل واحد يفتي خلاف الآخر وهنالك من يفتي بالأحوط وجوباً والآخر يفتي بغير ذلك؟ وما هو معنى الأحوط وجوباً في الإفتاء الشرعي؟

ص: 201

سماحة الشيخ: إذا كان سؤالكم يستبطن معنى الاعتراض على هذه الحالة فانه في غير محله لأنها حالة طبيعية مادام باب الاجتهاد مفتوحاً وحرية التفكير والبحث عن الحقيقة مكفولة تماماً، كما أن حالة مرضية معينة تعرض على عدد من الاختصاصيين فليس من الضروري أن يتفقوا جميعاً على تشخيص واحد وإنما قد يختلفون وتختلف رؤاهم، ولا يمكن للإنسان أن يخالف قناعته وما اطمأن إليه قلبه وعقله.واختلاف المجتهدين له مناشئ متعددة بعضها راجع إلى اختلاف قابلياتهم وقدراتهم على ممارسة عملية استنباط الحكم الشرعي كأي عملية فنية وعلمية وبعضها راجع إلى المقدمات التي يستند إليها المجتهد للوصول إلى النتيجة، وقد مرّت مدونات مصادر التشريع بصعوبات كثيرة خلال التاريخ فأتلف جزء كبير منها كما ينقل التاريخ عما حصل عند احتلال المغول بغداد وبذلك ضاعت على المتأخرين جملة من الأدلة التي كانت متوفرة لدى المتقدمين، وإن نسخ الكتب كان بطريقة بدائية ويكتبون في الليل على ضوء القمر وآلات الإضاءة القديمة وعلى أيدي نُسّاخ غير متخصصين وإنما يُستأجرون لنسخ الكتب، وبسبب ذلك كله قد يغفل عن أمور بسيطة لكنها مهمة، مثلاً يقول الإمام (علیه السلام) (إذا فعلت كذا فعليك كذا أو كذا) فينسخها (كذا وكذا) فمن أطلع على النص الأول يفتي بأن الشخص مخيّر بين أحد الأمرين لان (أو) تدل على التخيير، ومن وصل إليه النص الثاني يفتي بوجوب الجمع بين الأمرين لان الواو تدل على الجمع ، فلاحظ أن حرف الألف كيف أثّر في النتيجة، ومن شاهد الكتب القديمة وطريقة كتابتها يتوقع الكثير من هذه التغييرات

ص: 202

والاشتباهات وأمثالها.فالاستنباط يتطلب جهداً كبيراً في تقليب المصادر ومقارنتها والتأمل فيها ودراستها ولأن الفقيه يتعامل مباشرة مع النصوص التي مرّ على تدوينها مئات السنين. ووظيفة المجتهد هو بذل الوسع للوصول إلى الحكم الواقعي فإن أصاب فذلك لطف من الله تعالى به وبمن يتبعه وإن اخطأ فله اجرٌ على ما بذل من جهود مخلصة للوصول إلى الحقيقة.

كما أن قناعة الفقيه بما توصل إليه قد تكون تامة وقطعية فيجزم بالحكم، وقد تكون اقل من ذلك فيعبّر بالأقوى أي أن ما أفتى به هو أقوى المحتملات في المسألة وقد يتردد فيضطر إلى أن يفتي بالاحتياط لإبراء ذمته وذمة من يقلده، باعتبار أن الاحتياط يتحرى العمل بكل المحتملات التي تحرز إصابة الواقع.

تعريف (المشهور لدى الفقهاء) وتأثيره على عملية الاستنباط

س6: هنالك منهجية تسمى عند الفقهاء (بالمشهور لدى الفقهاء) كيف يكون تأثير هذا المشهور على سماحتكم عند استنباط الحكم الشرعي من الدليل ومواكبة العصر الحديث؟

سماحة الشيخ: إذا كان الحكم موضع اتفاق جميع العلماء من الأولين والآخرين فهو حكم مجمع عليه، والإجماع دليل على اعتبار هذا الحكم والاعتماد عليه لأنه كاشف عن أن هذا الحكم مأخوذ من مصادر التشريع الأولى، وهذه سيرة موجودة لدى العقلاء فانك إذا رأيت جماعة ذات أيدلوجية

ص: 203

متفقة على موقف معين فتستكشف أن هذا هو موقف رئيس تلك الجماعة وإلا كيف يفسر هذا الإجماع؟وأحيانا يكون الحكم غير مجمع عليه لكن يتبناه الأكثر فيسمى (مشهوراً) ولا تكون الشهرة حجة ودليلاً ولا تملك التأثير على الفقيه عند الاستنباط ، خصوصاً إذا كان شجاعاً وحازماً ومقتنعاً بما توصل إليه من نتيجة، وهذا هو موقف الفقهاء من كل المؤثرات النفسية والاجتماعية وغيرها التي يتعرض لها لأنه أمام مسؤولية كبرى أمام الله تعالى ورسول الله (صلی الله علیه و آله) والأئمة الطاهرين (صلوات الله عليهم).

وأنقل لك حادثة عن الفقيه الكبير صاحب الجواهر المتوفى سنة 1266 هجرية، فقد نقل عنه انه لما كان يبحث في مسألة نجاسة ماء البئر إذا وقعت فيه نجاسة وكمية ما ينزح منه حتى يطهر، أغلق بئراً كان في بيته حتى يفكر بحرّية من دون الضغط النفسي الذي يوجهه لعدم القول بنجاسة البئر لأنها مصدره لاستقاء الماء داخل البيت فلما أنهى البحث عاد وفتحها.

وكذا لا يخضعون للضغوط السياسية رغم شدة ما عانوه من الطواغيت ولا للضغوط الاقتصادية رغم شظف العيش الذي لازم أكثرهم، وهذه النزاهة والأمانة والسمو والدقة في ضبط النفس شروط في مرجع التقليد.

نعم بالنسبة للمشهورين من الفقهاء يوجد لآرائهم احترام لدى البعض لأنهم أساطين الفن خصوصاً مع اقتراب عصره من المعصومين سلام الله عليهم، وربما وصل إليهم من الأدلة ما خفي علينا، وهم غير متهمين فيما أفتوا به بل العكس نتهم أنفسنا بالقصور والتقصير والغفلة عما التفتوا إليه، من أجل ذلك يتجنب

ص: 204

الفقيه أحياناً مخالفتهم فيفتي بالاحتياط ونحوه مما يعزز عنده حالة الاطمئنان ببراءة الذمة.

لا يمكن للفرد أن يستغني عن التقليد

س7: هل يمكن للإنسان أن يستغني عن التقليد ويعمل بما يمليه عليه عقله.

سماحة الشيخ: توجد مساحة واسعة من الأفعال والأنشطة الحياتية تسمى (المباحات) ترك فيها الشارع المقدس حرية اختيار القرار المناسب فيها للإنسان نفسه وتوجد مساحة أخرى وضع لها الشارع المقدس حوافز لفعلها وهي (المستحبات) وحوافز لتركها وهي (المكروهات) وتوجد مساحة ضيقة جدا بالنسبة لسابقاتها قد لا تشكل نسبة 1 مما تقدم هي دائرة الأحكام الإلزامية بالفعل وهي (الواجبات) أو الترك وهي (المحرمات)، فلا تستحق هذه النسبة الضئيلة أن يتضايق منها الإنسان.

ثم أن كل تلك التشريعات التي غطت كل تفاصيل حياة الإنسان والمجتمع ولم تقتصر على العبادات فقط بل أن العبادات تمثل الجانب الأقل من أحكام الشريعة إنما أريد بها هدفان: دنيوي وهي سعادته واطمئنانه وخلق حياة بين أفراد البشرية يسودها السلام والأمن والرفاهية والحب والتآلف (وأخروي) لضمان نجاته في الآخرة وفوزه برضوان الله تبارك وتعالى وجنات النعيم خالدين فيها لا يرون فيها ألماً ولا معاناة ولا ظلماً ولا نكدا.

فالنتائج تعود كلها بالخير عليه والله غني عنه لأنه لما خلقه لم يتركه سدى

ص: 205

وإنما علّمه ما ينفعه في حياته ودلّه على ما يصلحه، فإذا اعرض الإنسان عن هذه الوصفة الإلهية فقد ظلم نفسه.وإنما نأخذ هذا النظام الإلهي للحياة من الأنبياء والرسل الذين بعثهم ومن أوصيائهم (صلوات الله عليهم أجمعين) ثم من العلماء العارفين بهذه الأحكام والتشريعات.

ومن طبيعة البشر أن يعود في كل مجال إلى المختصين فيه فلو أصيب بمرض لا سامح الله فانه يراجع الطبيب ولا يسمح لنفسه أن يأخذ كتابا طبياً من المكتبة ويستخرج منه علاجه، لان التفاصيل والمداخلات والاستنتاجات لا يدركها إلا ذوو الاختصاص.

فالإنسان الحريص على حاضره ومستقبله وحياته الأخروية يرجع إلى علماء الدين ليأخذ منهم ما يضمن له النجاة حتى لو كان احتمال وجود عالم الآخرة والحساب والعقاب ضعيفاً فإن خطورة المحتمل تدفعه إلى الأخذ به، لاحظ مثلاً الهوس الذي أصيب به العالم بسبب سماعه بأن شخصاً قد مات بأنفلونزا الطيور في بلدٍ ما فأتلفت ملايين الطيور وبيعت ملايين الأمصال وصرفت المبالغ الطائلة على الإجراءات الوقائية مع أن احتمال إصابة الشخص بالمرض تقل عن واحد من عشرات الملايين، ومع ذلك فانه يجد هذه الإجراءات مبررة لخطورة المحتمل وهو الموت، وان الآخرة أهم من ذلك لأنها الحياة الباقية [وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ] (العنكبوت:64)، ونحن لسنا نحتمل بل نقطع ونجزم بوجودها بالتفاصيل التي نقلها لنا مئة وأربعة وعشرون ألف نبي صادق.

ص: 206

إضافة إلى الحياة المطمئنة التي يحياها المؤمن ويفتقدها غيره، نقل لي أحد الإخوة عن طالب يدرس في الصين أن الصينيين قالوا له أن من لا يتناول الخمر ويجتنب الزنا وكذا نسميه الإنسان النموذجي، فماذا يسمون يا ترى الإنسان المسلم الذي يجتنب كل الخبائث ويتحلى بالصفات الحميدة السامية.وأختصر الجواب بقولي أن الرجوع إلى ذوي الاختصاص في اختصاصهم طريقة عقلائية جارية في كل المجالات، والحقل الديني من أهم ما يجب أن نراعيه لأنه يتعلق بسعادتنا في الدنيا وحياتنا الدائمة في الأخرى فلا نستغني عن الرجوع إلى علماء الدين للأخذ منهم لأنهم أهل الاختصاص، وان العقل يعجز عن فهم أسرار التشريع وإنما تؤخذ من أنبياء الله ورسله.

ص: 207

خطاب المرحلة 170 :قيمة العمل الفردي والجماعي للرساليين وطلبة الحوزة العلمية الشريفة

خطاب المرحلة 170 :قيمة العمل الفردي والجماعي للرساليين وطلبة الحوزة العلمية الشريفة(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

يوجد دور للإنسان يؤديه كفرد وله دور آخر كجزء من المجتمع، ومن وظائفه على الصعيد الأول تهذيب نفسه وتربية أولاده وتحصيل الكسب للإنفاق على عائلته وغيرها ومن الثاني مشاركته في بناء الدولة والعمل الجماعي الذي تؤديه الأمة.

وما يقال إن جهود الأمة هي مجموع الجهود الفردية لأبنائها وان كل فرد لو أصلح نفسه فانه سينصلح المجتمع، إذا أريد بجهد الفرد وإصلاح نفسه على الصعيد الأول فقط فإن هذه المقولة غير كافية؛ لأنه لو تصورنا أن كل فرد أصبح صالحاً في نفسه فهذا لا يكفي لإقامة دولة صالحة ما لم يؤدوا وظيفتهم الثانية وهي دورهم في العمل الجماعي وأداء وظيفتهم في العمل المؤسساتي.

واضرب لكم مثلاً فيما لو وُجِد كتاب من عدة أجزاء وعرض عليك الكتاب بكامل أجزائه فانك تدفع فيه ثمناً معيناً، بينما لو عرضت أجزاء متفرقة منه وناقصة فانك لا تدفع في كل جزء منه مبلغاً مساوياً لنسبة ذلك الجزء من

ص: 208


1- من حديث سماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع إدارة وطلبة جامعة الصدر الدينية فرع كربلاء المقدسة يوم السبت 20/رجب/1428 المصادف 4/ 8/ 2007 وحديثه مع عدد من أعضاء مكتب جماعة الفضلاء في النجف الأشرف يوم 22/رجب/1428.

مجموع الأجزاء، لنقصان قيمته حينما يكون منفرداً وتزداد فيما لو انضمّ إلى المجموع، وقد تنعدم قيمة الجزء إذا كان منفرداً كأحد مصراعي الباب فانه لا ينفع بإزائه شيء ولكنه إذا انضمّ إلى جزئه الآخر دفعت فيه قيمة معتبرة.ولما كان الحديث الشريف يقول (قيمة كل امرئ ما يحسنه) فإن الإنسان الهادف يسعى لإيجاد أكبر قيمة له، فلا يتوقف عند قيمته كفرد مهما غلت وازدادت بما حوى من محاسن ذاتية وإنما يسعى لاكتساب القيمة الأخرى التي يحصل عليها من الانخراط في العمل المؤسساتي الجماعي، وهذه القيمة يخسرها الإنسان حينما ينعزل وينكمش ويبتعد عن أداء دوره ضمن المؤسسات النافعة.

وكما هو واضح فإن أحد الدورين لا يغني عن الآخر فالأول أساس للثاني والثاني كمال للأول، وهذا ما يميّز عمل المؤمن الرسالي عن غيره فإن المؤمن غير الرسالي يقف عند حدود تربية ذاته وإصلاح نفسه وأداء دوره الأول، وهو خير ويثاب عليه ولكنه ليس كالثاني الذي يتحرك في الأمة ويبذل كل ما في وسعه لإصلاح الآخرين وهدايتهم وإقامة الحق والعدل في البلاد.

ولما كانت الحوزة العلمية الشريفة في طليعة المؤسسات الرسالية فلا ينبغي لها أن تغفل عن تحصيل كلتا القيمتين، وللحوزوي دوره الفردي التقليدي من إمامة الجماعة والجمعة وتبليغ الأحكام ووعظ الناس وإرشادهم والتوسط بين المرجعية وأتباعها وأي نشاطات أخرى، وهذا ما لا يمكن التخلي عنه وإنما تتنوع آليات تحقيقه بحسب ما يتيسر بلطف الله تبارك وتعالى.

وعليهم أيضاً أن لا يغفلوا عن دورهم الثاني ونحن ما أسسنا (جماعة

ص: 209

الفضلاء) إلا لتكون الإطار التنظيمي لعمل الحوزويين بشكل جماعي ليقيموا المجتمع الصالح سعياً لإقامة دولة الحق والعدل.وفي ضوء هذا فإن من ينغمس في العمل المؤسساتي ويترك وظائفه الفردية يكون مضيعاً لأساس عمله، ومن يطالب بإلغاء العمل المؤسساتي ويطالب بالاكتفاء بالطريقة التقليدية من أداء وكلاء المراجع فإنه يكون مضيعاً للكمال [وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى] (النساء:95)، إذ لا يوجد تنافي بين الدورين والدور الفردي محفوظ ويستطيع وكلاء المرجعية الرشيدة أن يقوموا به ويقتصروا عليه إذا لم يكن عندهم انسجام مع العمل الجماعي.

ويستطيعون التوسع بعملهم بحيث يصبح كل فرد منهم مؤسسة [إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً] (النحل:120)، فيقيمون الدورات الحوزوية الصيفية، ودورات تعليم القرآن الكريم، ورعاية الفرق الرياضية، وتكريم المتفوقين في الدراسات الأكاديمية، وإقامة الشعائر الدينية والحفلات الاجتماعية، ومساعدة المحتاجين وتزويج الشباب، وإيجاد فرص عمل للعاطلين وغيرها كثير مما يقرّب إلى الله تبارك وتعالى.

ولا يقعده عن أداء هذا الدور المبارك عدم وجود مسجد ينطلق منه في حركته، فيمكن أن يكون داره أو دار أحد ممن يتعاون معه مسجداً ومجمعاً للناس ومحلاً لإقامة الشعائر المباركة، ويضع على سطح الدار مكبرة صوت يرفع منها الأذان المبارك في أوقات الصلاة ليضيء داره في الأرض كالكوكب الدري كما يبدو لأهل السماء، ولا يُنال ذلك إلا بفضل الله تبارك وتعالى.

ص: 210

خطاب المرحلة 171 :السياسيون يفتقدون الإرادة الجدّية للحل

خطاب المرحلة 171 :السياسيون يفتقدون الإرادة الجدّية للحل(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

عُرِضت وتعرض على الطاولة السياسية حلول عديدة لإخراج العراق من محنته ولا يزداد الوضع إلا سوءاً فما السبب!

إن المشكلة في كون السياسيين المستأثرين بالحكم لا يريدون حلاً، أو قل يريدون حلاً يحافظ على مغانمهم ومصالحهم الاستبدادية وهذا يعني اللا حل، لان أي صراع وتقاطع بين طرفين أو أكثر يتطلب تنازلات وتضحيات فالمتسلطون يفتقدون الإرادة الجدية للحل.

يعلمنا القرآن الكريم أن أي عملية إصلاح وحل للمشاكل تتطلب وجود مثل هذه الإرادة بين الطرفين حتى في ابسط صورها بين الزوجين وهما فردان فقط، قال تعالى: [وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً] (النساء:35)، فإذا أراد الزوجان –بناءً على عودة ضمير التثنية عليهما لا على الحكمين- الإصلاح فإن الله تعالى يوفق لذلك الإصلاح وإلا فسيكون المحل غير قابل لنزول التوفيق عليه.

ص: 211


1- من حديث سماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع الأمانة العامة لمنظمة المستقبل الإنسانية الثقافية في محافظة كربلاء يوم الخميس 9/شعبان/1428 المصادف 23/ 8/ 2007.

سياسيو العالم كله والمراقبون والمحللون والخبراء يجمعون على أن الحكومة فاشلة وعاجزة ولم تقدّم أي شيء مما يجب عليها تجاه شعبها فعليها الاستقالة، إلا المنتفعون من هذه الحكومة المستأثرون بمغانمها يصرّون على البقاء وهذا يعني أنهم لا يشعرون بالمسؤولية الأدبية والأخلاقية أمام الشعب وكل العالم المتحضّر.قبل أيام استقال وزيرَا الصحة والمياه الأردنيان على خلفية إصابة ألف أردني بسبب عدم تصفية المياه بشكل كافٍ ورغم عدم مسؤوليتهما المباشرة عن الحادث الذي لم يمت فيه أحد، وأنهما بذلا جهوداً –بحسب رئيس حكومتهم- في تجاوز الأزمة لكنهما انطلاقاً من مسؤوليتهما الأخلاقية عن الحادث قدّما استقالتهما، ونحن في العراق نعيش في كوارث لم يشهد أي بلدٍ مثلها ويصرّ الحكام على البقاء ويصمّون آذانهم ويغلقون أعينهم لكي يقنعوا أنفسهم بعدم وجود مشكلة.

فالجميع يعلم أن الحل بانخراط الجميع في مشروع وطني يتسامى عن الانتماءات الطائفية والعرقية مع احتفاظ كل مكون اجتماعي بخصوصياته، ويكون هذا المشروع كفيلاً ببناء مؤسسات دولة قوية مستندة إلى هيبة القانون، لكن المتسلطين الذين تلفعوا بعباءة دينية أو قومية ووصلوا إلى الحكم لا يريدون لهذا الحل أن يمضي لأنه يكلّفهم التنازل عن بعض ما حصلوا عليه.

ولكنني متفائل لأنني أجد المشاعر الوطنية تتأجج والوعي بخطورة تسلط الأجانب وتبعية السياسيين لأجندات غير عراقية يزداد، وان عمر هؤلاء الأذناب لن يدوم طويلاً، وعلى النخب المثقفة الواعية أن تسعى بجد في هذا الاتجاه

ص: 212

لتزول الحواجز بين مكوّنات الشعب العراقي ويذوب الجميع في حب العراق بلد الأنبياء والأئمة (سلام الله عليهم) ومهد الحضارات، فمن العيب أن يفشل السياسيون والمفكرون والمثقفون والخطباء في إيجاد هذه اللحمة الوطنية وتنجح كرة جلدية تتقاذفها الأقدام في صنع فرحة غامرة لشعب كامل(1) تناسى الجميع في تلك اللحظة الفروق والانتماءات والتقوا كلهم على تلك الفرحة من الخارج والداخل.إن الشعب إذا لم يتحرك ويُعلي صوته للمطالبة بحقوقه فإن أحداً سوف لا يهتم به أو يفكّر في إنقاذه من محنته، وأنت ترى حلولاً تُطرح من قبل الكتل السياسية المتنفذة ومن الخارج وكلها تراعي مصالحها وتبحث عن الحلول الكفيلة بديمومة تلك المصالح، ويتضح ذلك من تفاصيل وأهداف المشاريع التي يقدمونها فإنها جميعاً لا تتضمن تحسين الخدمات أو رفع مستوى معيشة المواطن العراقي أو إعادة المهجرين إلى ديارهم أو توفير الأمن والسلام، وغاية أهدافهم البقاء مدة أطول في الحكم وتمرير القوانين التي تصب في مصالحهم الشخصية، ولا يلوم الشعب إلا نفسه لأنه لا يُسمِع العالم صوته وكأنه لا يعاني من مشكلة، فإذا غيّب نفسه فهل سيلتفت إليه الآخرون؟.

ص: 213


1- إشارة إلى حصول المنتخب العراقي لكرة القدم على بطولة كأس آسيا لأول مرة في تأريخه بعد تغلبه على المنتخب السعودي في المباراة النهائية 1/ صفر يوم 14/ رجب/ 1428 المصادف 29/ 7/ 2007 وغطت الاحتفالات الشعبية على إحياء الذكرى الأليمة بوفاة العقيلة زينب (عليها السلام).

خطاب المرحلة 172 :مشاعر يوم العيد بين الخوف والرجاء

خطاب المرحلة 172 :مشاعر يوم العيد بين الخوف والرجاء(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والحمد حقه كما يستحقه حمداً كثيراً، وأعوذ به من شرِّ نفسي إن النفس لأمّارةٌ بالسوء إلا ما رحمَ ربّي، وأعوذُ من شرِّ الشيطان الذي يزيدني ذنباً إلى ذنبي، وأحترزُ به من كلِّ جبارٍ فاجرٍ وسلطانٍ جائرٍ، وعدو قاهر.

اللهم صلِّ على محمدٍ خاتمِ النبيين وتمام عدة المرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه المنتجبين.

يقوم أكثر المسلمين باحتفالات صاخبة في العيد لا تنمُّ عن تحقق النتائج المرجوّة من صيام شهر رمضان وكأنهم يريدون أن يطلقوا لأهوائهم وشهواتهم العنان بعد أن كانت محبوسة طيلة الشهر، وفي الحقيقة فإن أمثال هؤلاء كانوا حتى خلال الشهر منساقين وراء شهواتهم وكل الذي يتغير هو التوقيت فهم يصومون في النهار ثم يعوِّضون في الليل ما فاتهم من لذيذ الأطعمة وإحياء الليالي الرمضانية بسفاسف الأمور.

لكن الأئمة المعصومين (سلام الله عليهم) يعلموننا ما ينبغي أن تكون مشاعرنا في يوم العيد، فقد روى جابر عن الإمام الباقر (علیه السلام) عن جدّه النبي

ص: 214


1- الخطبة الأولى بعد صلاة عيد الفطر السعيد لسنة 1428ه- التي أقامها سماحة الشيخ اليعقوبي في داره وقد وافق 13/ 10/ 2007.

(صلی الله علیه و آله) أنه قال (إذا كان أول يوم من شوال نادى منادٍ: أيها المؤمنون اغدوا إلى جوائزكم، ثم قال: يا جابر جوائز الله ليست بجوائز هؤلاء الملوك، ثم قال: هو يوم الجوائز)(1).وروى الشيخ الصدوق (رضوان الله عليه): (نظر الحسين بن علي ع إلى أناس في يوم فطرٍ يلعبون ويضحكون، فقال لأصحابه والتفت إليهم: إن الله عز وجلّ جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى رضوانه، فسبق فيه قوم ففازوا وتخلّف آخرون فخابوا، فالعجب كل العجب من الضاحك اللاعب في اليوم الذي يثاب فيه المحسنون، ويخيب فيه المقصّرون، وأيم الله لو كشف الغطاء لشُغِلَ محسنٌ بإحسانه ومسيءٌ بإساءته)(2).

وإنما يكون الإنسان فائزاً ومحسناً ويستحق الجائزة إذا أتى بالعمل المطلوب كما أراده منه ربُّه وتحقق لديه الهدف من التشريع، وما هو هذا الهدف؟

قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] (البقرة: 183).

فالهدف هو تربية الإنسان لتحصيل ملكة التقوى وهي حالة تحصل في قلب الإنسان تحرّكه نحو كل ما يرضي الله تبارك وتعالى سواء كان واجباً أو مستحباً وتمنعه عن اقتحام كل ما يوجب سخط الله تبارك وتعالى أو تقلل من مرتبة القرب إليه سبحانه سواء كان محرماً أو مكروهاً أو مباحاً، ويكون الإنسان هو الرقيب على نفسه في كل تلك الحركات والسكنات حتى في خلواته حينما لا يطّلع عليه أحد فإنه يُرَوِّضُ نفسه بالتقوى، قال تعالى في التمييز بين الفريقين

ص: 215


1- و (2) وسائل الشيعة: كتاب الصلاة، ج5، أبواب صلاة العيد، الباب37، ح1، 3.

[فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى، يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى ، وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى، فَأَمَّا مَن طَغَى، وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، فإن الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى، وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، فإن الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى] (النازعات: 34-41).فالمتقي هو من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى مطلق الهوى سواء كان محرّما أو مكروهاً أو مباحاً لا يليق بمقام ربّه. ولذا كانت التقوى خير الزاد ليوم المعاد [وَتَزَوَّدُواْ فإن خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ] (البقرة: 197) [وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ] (الحشر:9) [وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ] (النور:52).

وتكرر الحث على التقوى في آيات كثيرة في القرآن الكريم وربما تكررت في الآية الواحدة كالتي مرّت آنفاً، وقوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ] (الحشر:18) [بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فإن اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ] (آل عمران:76).

وإضافة إلى تلك الآثار الأخروية للتقوى فإن القرآن الكريم يلفت نظرنا إلى آثار مباركة عظيمة للتقوى في الدنيا والآخرة:-

(منها) تكفير السيئات؛ قال تعالى: [وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ] (المائدة:65) [وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً] (الطلاق:5).

(ومنها) البركات المادية والمعنوية؛ قال تعالى: [وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَ-كِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا

ص: 216

كَانُواْ يَكْسِبُونَ] (الأعراف :96).(ومنها) إيجاد الفرج والمخرج والرزق بدون احتساب؛ قال تعالى: [مَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ] (الطلاق:2-4).

(ومنها) إلهام العلم؛ قال تعالى: [وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ] (البقرة:282).

(ومنها) قذف البصيرة ونور الفرقان في القلب؛ قال تعالى: [يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ] (الأنفال:29).

وغيرها كثير مما لا يسعه المقام وتستحق إفرادها بكتاب مستقل.

وقد اختُصر تعريف التقوى (بأن لا يفتقدك الله حيث أمرك ولا يجدك الله حيث نهاك) والأمر أعم من الواجب والمستحب، والنهي أعم من الحرام والمكروه.

وتتحدث الروايات الشريفة عن كيفية إنتاج الصوم الحقيقي بدرجة من درجات التقوى تتكامل بانضمامها إلى نتائج العبادات الأخرى، فيقول أمير المؤمنين (علیه السلام): [وإِنَّمَا هِيَ نَفسِي أَرُوْضُها بِالتَقوَى لِتَأْتِي آمِنَةً يومَ الفَزَعِ] وعن الإمام الرضا (علیه السلام) أنه قال: (إنما أُمروا بالصوم لكي يعرفوا ألم الجوع والعطش فيستدلوا على فقر الآخرة، وليكون الصائم خاشعاً ذليلاً مستكيناً مأجوراً محتسباً عارفاً صابراً على ما أصابه من الجوع والعطش فيستوجب الثواب مع ما فيه من الإمساك عن الشهوات ويكون ذلك واعظاً لهم في العاجل ورائضاً لهم على أداء ما كلّفهم، ودليلاً لهم في الآجل، وليعرفوا شدة مبلغ ذلك على أهل الفقر

ص: 217

والمسكنة في الدنيا فيؤدوا إليهم ما افترض الله لهم في أموالهم)(1).وهذه بعض معالم التقوى وهي كثيرة وقد بيّن أمير المؤمنين صفات المتقين في خطبته المعروفة فليقم كل راغب في أن يكون من المتقين بتحقيق تلك الصفات في نفسه وفي سلوكه مستمداً العون من الله تبارك وتعالى.

فقيمة العمل إنما تعرف من مقدار مطابقة نتائجه مع الهدف المطلوب من العمل كما سئل الإمام الصادق (علیه السلام) عن كيفية معرفة أن الصلاة مقبولة أم لا؟ قال (علیه السلام): أنظر إلى مقدار نهيها لصاحبها عن الفحشاء والمنكر. تطبيقاً للآية الشريفة [إنَّ الصَلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ] فكذلك الصوم الذي لا يربي في الإنسان ملكة التقوى ولا يمنعه من ارتكاب المحرمات لا قيمة له في ميزان التكامل، روى السيد ابن طاووس عن الإمام الباقر (علیه السلام) قوله: (إن الكذبة لتفطر الصائم، والنظرة بعد النظرة والظلم قليله وكثيره)(2).

فالصوم المنتج للتقوى لا بد أن يشمل القلب وجميع الجوارح، فقد روي عن الإمام الباقر (علیه السلام) أنه قال: (قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) لجابر بن عبد الله: يا جابر هذا شهر رمضان من صام نهاره وقام ورداً من ليله وعفَّ بطنه وفرجه وكفّ لسانه خرج من ذنوبه كخروجه من الشهر، فقال جابر: يا رسول الله ما أحسن هذا الحديث! فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله):

ص: 218


1- وسائل الشيعة: ج7، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم ونيته، باب1، ح5.
2- المصدر، أبواب آداب الصائم، باب11، ح9.

يا جابر ما أشدَّ هذه الشروط!)(1).فالشعور الحقيقي للإنسان يوم العيد أن يكون متردداً بين الخوف والرجاء.

ومن المشاعر التي يلفت المعصومون (علیهم السلام) نظرنا إليها يوم العيد: المقارنة بينه وبين يوم النشور؛ فعن الإمام الصادق (علیه السلام) عن آبائه (سلام الله عليهم) قال: (خطب أمير المؤمنين يوم الفطر فقال: أيها الناس إن يومكم هذا يوم يثاب فيه المحسنون ويخسر فيه المسيئون، وهو أشبه يوم بقيامتكم، فاذكروا الله بخروجكم من منازلكم إلى مصلاكم خروجكم من الأجداث إلى ربكم، واذكروا بوقوفكم في مصلاكم وقوفكم بين يدي ربكم، واذكروا برجوعكم إلى منازلكم رجوعكم الى منازلكم في الجنة والنار. واعلموا عباد الله إن أدنى ما للصائمين والصائمات أن يناديهم ملك في آخر يوم من شهر رمضان: أبشروا عباد الله فقد غفر لكم ما سلف من ذنوبكم فانظروا كيف تكونون فيما تستأنفون)(2).

ومن مشاعرنا يوم العيد تجديد الحزن لاغتصاب آل محمد (صلی الله علیه و آله) حقهم، فعن عبد الله بن ذبيان عن أبي جعفر الباقر (علیه السلام) أنه قال: (يا عبد الله ما من يوم عيد للمسلمين أضحى ولا فطر إلا وهو يجدد الله لآل محمد ع فيه حزناً، قال: قلت: لمَ؟ قال: إنهم يرون حقهم في أيدي

ص: 219


1- نفس المصدر، أبواب آداب الصائم، باب11، ح2.
2- وسائل الشيعة: كتاب الصلاة، ج5، أبواب صلاة العيد، باب38، ح1.

غيرهم)(1). لذا كان من مستحبات يوم العيد قراءة دعاء الندبة المليء بالتأسف والألم لما أصاب أهل البيت (علیهم السلام) وبنفس الوقت فإن الدعاء يحيي الآمال بتعجيل الظهور الميمون المبارك جعلنا الله تعالى من أنصاره وكبراء قادته. انه نعم المولى ونعم النصير.

بسم الله الرحمن الرحيم

[إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ، إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ]

ص: 220


1- نفس المصدر، باب31، ح1.

خطاب المرحلة 173 :العيد والمصالحة الحقيقية

اشارة

خطاب المرحلة 173 :العيد والمصالحة الحقيقية(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على سيد خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين.

مرَّ عامٌ كامل على توقيع وثيقة مكة المكرمة التي وصفناها في كلمتنا إلى المؤتمرين وعبر وسائل الإعلام بأن الآمال معلّقة عليها، ولم نكن نتوقع أن مثل هذه الخطوة تقضي على كل أشكال العنف الجاري على الأرض العراقية؛ لأن بعضه يرجع إلى دوافع إرهابية كالذي يقوم به التكفيريون، وبعضه ناشئ من أغراض إجرامية كالسرقة والقتل لعداوات شخصية والخطف للابتزاز ونحوها، ومثل هذه الأصناف لها حلولها الخاصة كتجفيف المنابع اللوجستية للإرهاب وإصلاح المنطلقات الفكرية التي يستند إليها وتقوية الأجهزة الأمنية والعسكرية لمحاربته وفرض سلطة الدولة والقانون لمكافحة الجريمة وغيرها.

وإنما كنّا نأمل بتلك الخطوة أن تعالج العنف السياسي الذي يوفّر المناخ المناسب لنشوء كل الأشكال الأخرى من العنف والكوارث، وأن تعالج جانباً من الإرهاب عُزِّز به فجاءت الوثيقة لتصحح مستنده العقائدي، وقد تحققت تلك الآمال في الأسابيع الأولى من عمر الوثيقة حيث أفادت التقارير الأمنية في

ص: 221


1- الخطبة الثانية لصلاة عيد الفطر السعيد لعام 1428ه-.

حينها أن انخفاضاً ملحوظاً في مستوى العنف قد تحقق قدّره بعض الخبراء في حينه بعشرين بالمئة وهو رقم طيّب يمكن تحقيقه خلال أسبوعين، ولكن ما لبثت تلك الآمال أن تلاشت وعادت دوّامة العنف تلفّ البلد وتزهق آلاف الأرواح البريئة وتهجّر مئات الآلاف وتخرِّب الممتلكات، فلماذا حصل هذا التراجع؟ولست الآن بصدد تعداد كل الأسباب وتأثير الاحتلال والأجندات الإقليمية والدولية لأن هذه كلها على خطورتها يمكن تحجيم أثرها إذا توفرت لدى ساسة العراق الإرادة الصادقة لحل المشاكل وإنقاذ البلد وأهله؛ قال تعالى [إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا] (النساء:35)، ولكنني أريد أن أُنبِّه إلى سبب مهم أشرتُ إليه في نفس رسالتي إلى المؤتمر ويمثّل الخطوة الثانية من بناء عملية مصالحة حقيقية بعد الخطوة الأولى وهي التوقيع والتعهد بالالتزام ببنود الوثيقة فقلت في حينها ((إن العنف الذي يشهده العراق ليس طائفياً فقد عشنا في كل الأزمنة السابقة وحتى الآن سُنَّةً وشيعةً متآخينَ متحابِّينَ وإنما هو في الغالب سياسي ويتولى كِبْرَهُ سياسيون طامعون في السلطة والإثراء بغير حق [لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً] (التوبة:8)، وإنما يلبسونه ثوب الطائفية ليعبّئوا لمعركتهم هذه مَن يسير على غير هدى، لذا لا بد من الشروع فور البدء بالالتزام بوثيقة مكة المكرمة بإصلاحات سياسية جذرية، وقد تداولت مع عدد من الأخوة المسؤولين بأفكار مهمة في هذا المجال تجعل كل شيء قابلاً للنقاش إلا ما حرَّمَ حلالاً أو أحلَّ حراماً في شريعة سيّد المرسلين)).

هذه هي الخطوة الثانية التي لم يقم بها السياسيون، وبقي الجميع متمسّكين

ص: 222

بمواقعهم ومواقفهم.وربما تدل أفعال المهيمنين على السلطة على شعورهم بعدم وجود مشكلة أو أزمة من قبلهم وان على الآخرين أن يأتوا إليهم مذعنين، وأحد الشواهد على ذلك قيامهم بتشكيل تكتّل(1) يضمّ عدداً محدوداً من نفس المهيمنين على السلطة، فبدلاً من توسيع دائرة المشاركة السياسية لتشمل جميع القوى وممثلي الشعب حتى من هم خارج البرلمان، قام هؤلاء بتضييق دائرة الاستئثار بالسلطة والقرار ليقتصر عليهم وما على الآخرين مهما كان حجمهم وثقلهم إلا أن يتبعوهم ويذوبوا فيهم، فكان الرد الطبيعي للآخرين مقاطعة هذا التكتل والمطالبة بإصلاحات حقيقية فلم يحقق هذا التكتل شيئاً وكأنه وُلِد ميتاً بل زاد الشرخ والفرقة والتباعد حتى جرَّأَ أعضاء الكونغرس الأمريكي ليسنّوا قراراً يقضي بتقسيم العراق إلى ثلاث فيدراليات: شيعية وسنية وكردية، وهذا ما توقّعناه في نفس بياننا إلى المؤتمر حيث قلنا فيه ((إنكم بالتزامكم جميعاً بهذه الوثيقة ستسحبون الذرائع من قوات الاحتلال التي تبرر وجودها بتردي الوضع الأمني وتُفشِلون مشاريع تقسيم العراق التي تجعل العنف الطائفي سبباً لها، وتصوّر التقسيم وكأنه الحل الوحيد لإنهاء هذه الحالة.)).

وما كان لهم أن يتطاولوا على مقدسات بلدنا وينتهكوا حرمة إرادة الشعب العراقي لو كان قادة هذا الشعب متوحدين في مشروع وطني يحافظ على وحدة العراق شعباً وأرضاً وعلى حرّيته واستقلاله وكرامته، لكنهم مع الأسف ظلّوا

ص: 223


1- إشارة إلى ما يعرف بالتكتل الرباعي الذي شكله المجلس الأعلى وحزب الدعوة والحزبان الكرديان.

يدورون في فلك مصالحهم الشخصية والفئوية الضيّقة.إن مشكلة العراق لا يحلّها إلا العراقيون أنفسهم ولا تُحَلُّ بأن يستضيفوا على أرضهم مؤتمرات(1) لمن يتدخلون في شؤون البلاد ويتصارعون على هذه الأرض المباركة الشريفة ليصفّي كل منهم حساباته مع الآخر ويكون الثمن من دم العراقيين أنفسهم، أما الساسة العراقيون فدورهم التفرّج وانتظار النتائج التي سوف لا تكون بصالحه حتماً لأنها تُرتَّب وفق مصالح الآخرين.

إن التذرع بالدستور وصناديق الاقتراع وحده لا يكفي في بلد جديد العهد بالتجربة الديمقراطية ويعاني من موروثات معقدة ومخلّفات عهود طويلة مظلمة، وتتشكل فيه الكتل السياسية على أساس المكونات الاجتماعية وليس البرامج السياسية الوطنية، وهذا أحد أسباب دعوتنا الكتل السياسية لتغيير اصطفافاتها والخروج من تخندقها الطائفي والقومي. فلا بد في المرحلة الحالية من بناء العملية السياسية على التوافقات التي تعتمد الشراكة الحقيقية والثقة المتبادلة.

ومن المفارقات أنك تجد هؤلاء المتذرعين بالدستور والديمقراطية يغضّون الطرف ويتجاوزن على الدستور وشرعية الانتخابات حينما تقتضي مصالحهم ذلك مما يُضعِف الثقة بقدرتهم على بناء دولة القانون والمؤسسات، مثلاً تراهم يطالبون بالعمل بفقرات مختلف فيها قبل إقرار التعديلات الدستورية التي حُدِّدت لإجرائها مدة بضعة أشهر وقد مرَّ ما يقارب السنتين دون تحقيق أي

ص: 224


1- إشارة إلى مؤتمرات دول جوار العراق والدول المؤثرة عليه وأمثالها، حيث يتركز نقاشهم على عقد الصفقات بينهم على حسابالعراق.

اتفاق حولها، ومع أن فقرة إجراء التعديلات حاكمة على الفقرات الأخرى ما دامت مشروطة بالتعديل وسن قانون لتفاصيلها ولا يجوز العمل بفقرة قبل إقرار التعديلات النهائية.إن مشكلة بعض المتمسكين بالسلطة اليوم أنهم لا يرون وجود أزمة يعاني منها البلد ما دامت مصالحهم قائمة ووضعهم في السلطة مستقراً فليبق الحال على ما هو عليه، وعلى الجميع أن ينصاع لهذا الوضع أما عشرات آلاف الضحايا، وملايين المهجّرين، وشلل الخدمات، وتفشي الفساد المالي والإداري، وتعطيل الاقتصاد والزراعة والصناعة، وهجرة الكفاءات خشية الاغتيال، وملايين العاطلين، وهدر المال العام وسرقته، وغيرها من المعضلات التي دفعت بالأمين العام للأمم المتحدة أن يصف القضية العراقية بأنها مشكلة العالم كله؛ أقول: أما هذا كله فليس مشكلة في نظر البعض حتى يقدّموا تنازلات أو أفكار أو مشاريع لحلّها وحتى لو كانت هناك مشكلة فليسوا هم المسؤولين عنها وإنما هي مشكلة الآخرين.

ويبدو أنهم بحاجة إلى تذكيرهم بكلمة أمير المؤمنين (علیه السلام) لمّا سئل عن تفسير الأحداث التي انتهت بمقتل الخليفة عثمان، قال ع (استَأثرَ فَأساءَ الأثَرَةَ، وَجَزَعْتُم فَأسَأتمُ الجزع، وللهِ حُكمٌ واقِِعٌ في المُستَأثِرِ والجَازِعِ) فالسلطة تتقاسم المسؤولية عما يحدث في البلاد مع المنفّذين المباشرين من خلال استئثارهم مما يستفزّ الآخر ويدفعه إلى الوقوع في الخطأ بل الخطيئة حين يفقد الصبر من أجل حفظ المصالح العليا للبلاد والعباد.

ص: 225

فشل اطروحة تشكيل حكومة اغلبية:

ثم أغرقوا في الاستئثار وقالوا: لقد آن لنا أن نعمل بنظام الأغلبية وليس التوافق ولا حاجة إلى حكومة وحدة وطنية ويكفي أن نشكل حكومة أغلبية برلمانية، وأنا ألفت نظر السادة المحترمين إلى جملة من الأمور قد تكون غابت عليهم وهي ضرورية لتصحيح رؤيتهم في إدارة العملية السياسية:-

1- إن نظام الأغلبية لا يمكن اعتماده في اتخاذ القرارات المصيرية في مثل العملية السياسية الجارية في العراق لأنها بُنيت على أساس التمثيل الطائفي والعرقي فاعتماد الأغلبية يعني إلغاء دور نصف مكونات الشعب العراقي تقريباً فكيف سيكون رد الفعل إذن؟

إن الأغلبية إنما تُعتمد حينما يكون تشكيل الأحزاب والكتل على أساس البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تلتزم بها الأحزاب ويكون التفاضل بين هذه البرامج أما في العراق فإن الأحزاب والكتل أُسست على أساس تمثيل الطائفة والعرق وحينئذٍ سيكون التفاضل والتمييز بين مكونات الشعب وإن إبعاد شريحة يعني استعداءها ودفعها باتجاه الأعمال الشريرة.

2- إن فهم الديمقراطية على أنها تحكيم رأي الأغلبية هو نظر بعين واحدة إليها، أما العين الأخرى فيجب أن تنظر إلى حفظ حقوق الأقلية وهذا غير موجود؛ لأن من لا يكون ضمن دائرة السلطة والنفوذ فإنه يحرم من حقوقه بل يُستأصل ويُنهى وجوده مع أنه جزء من الدولة العراقية وله حقوقه التي تقتضيها المواطنة حتى وإن لم يكن جزءاً من الحكومة أما جعل الدولة هي

ص: 226

الحكومة والحكومة هي الدولة بحيث تكون مؤسسات الدولة ملكاً للأحزاب الحاكمة فهذه من مخلفات عصور الديكتاتورية فإن الحكومات تنتهي والدولة تبقى.3- إن طول عهد الأنظمة الطاغوتية التي حكمت العراق بأشد البطش والقسوة وطول حرمان الشعب من ممارسة حقه في المشاركة في الحكم ولّد رغبة جامحة لدى الجميع في المشاركة، وإذا حُرِمَ منها فإنه لا يسكت عن المطالبة بحقه، فاعتماد نظام الأغلبية يحتاج إلى زمن طويل من التثقيف والترويض والثقة بالشركاء إلى أن يتم تجاوز تلك العقد الموروثة من الزمن الماضي.

4- ليتصور هؤلاء السادة الذين يريدون الاكتفاء بحكومة الأغلبية أنه لو جمّع الآخرون أغلبية واكتفوا بما عندهم ولم يشركوا هؤلاء في الحكم فهل سيقتنعون بهذه النتيجة [مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ] (الصافات:154).

5- إذا كان الموجودون في الحكم قد امتلكوا الأغلبية البرلمانية في بداية تشكيل الحكومة فلا بد لهم أن يحافظوا عليها بالوفاء بالتعهدات والمواثيق التي اتفقوا عليها مع كل شركائهم وليس لهم أن ينفردوا بعدئذٍ لأنهم لم يصلوا إلى مواقع الرئاسات إلا بهذه التوافقات السياسية وبعضها تم التصويت عليها بالثلثين فلا يحقُّ لهم النكول بها وهذه حقيقة يغفل عنها البعض مع الأسف. حتى لم يعودوا يمتلكون الأغلبية البرلمانية فضلاً عن كونها حكومة وطنية، والشاهد على ذلك فشلهم في تحقيق هذه الأغلبية لنيل الثقة بالوزراء الذين أُريد لهم ملئ المقاعد الشاغرة منذ عدة أشهر؟! فهذا دليل على أنهم لا

ص: 227

يمتلكون هذه الأغلبية، ولذا أصبح البرلمان مشلولاً منقسماً على نفسه بين موالٍ للأحزاب الموجودة في الحكومة ويبرّر لها كل ما تقوم به مهما كانت النتائج، وبين معارضٍ يدأب على وضع العصي في العجلات لإعاقة العمل، وبين هذا وذاك ضاع العراق الجريح والشعب المضطهد المحروم الذي لا يجد ناصراً ولا معيناً إلا الله تبارك وتعالى وثلّة مخلصة لا تُسمن ولا تُغني من جوع.وفي ضوء هذه الحقائق أُوجِّهُ كلامي إلى الموجودين في السلطة وأقول لهم: إنني ما قلت لهم هذه الكلمات إلا بدافع النصيحة فأنا [أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ] (الأعراف:68)، [أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ] (الأعراف:62)، [قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ] (سبأ:46)، وإن الله تعالى مُسائلكم عن هذه المواقع التي أنتم فيها [وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ، مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ] (الصافات: 24-25) والدنيا مهما طالت فإنها تنتهي بالموت وسوف لا ينفع يومئذٍ مال ولا بنون ولا جاه ولا موقع ولا حمايات ولا ينجو إلا من أتى الله بقلبٍ سليمٍ خالٍ من الغشّ والحقد والأنانية وحبّ الدنيا وظلم الآخرين وحرمان الناس من حقوقهم والاستئثار دونهم بالامتيازات، وإنما يفوز يوم القيامة من جاء ربّه بقلبٍ مليءٍ بالرحمة والحب والصفح والتسامح وإرادة الخير للناس جميعاً كما يريده لنفسه بل أن يؤْثِر الآخرين على نفسه ويضحّي من أجلهم.

فعلى جميع الأطراف أن تبذل كل ما في وسعها وتقدم كل التنازلات الضرورية ليحصل الوئام والانسجام والاشتراك في إنقاذ البلد من محنته وترفيه

ص: 228

الشعب وإسعاده.وليعلم كل طرف أن ما يقدمه من تنازلات ليس هو للطرف الآخر حتى يشعر بالهزيمة، وأن هناك طرف رابح وآخر خاسر وإنما هو تنازل لله تبارك وتعالى وللشعب ولمستقبل هذا البلد وهذا كله ربح لا خسارة فيه.

أيها المؤمنون: إن من أعظم شعائر العيد هو التواصل بين المؤمنين وإنهاء كل الخلافات بينهم وإسقاط كل التبعات التي لبعضهم على البعض الآخر، والتنازل عن أي شيء ممكن من أجل أن يلتقي مع الآخر، ولنستفد من بعض الأحاديث الشريفة الواردة بهذا الصدد، فعن الإمام الصادق (علیه السلام) أنه قال: (يحق على المسلمين الاجتهاد في التواصل، والتعاون على التعاطف، والمواساة لأهل الحاجة، وتعاطف بعضهم على بعض حتى تكونوا كما أمركم الله عز وجلّ رحماء بينهم متراحمين مغتمّين لما غاب عنهم من أمرهم، على ما مضى عليه معشر الأنصار على عهد رسول الله (صلی الله علیه و آله))(1) ومن وصية للإمام الصادق (علیه السلام) قال: (تواصلوا وتبارّوا وتراحموا وكونوا إخوة أبراراً كما أمركم الله عز وجل)(2) وفي فضل الوساطة بين المختلفين لتقريب وجهات النظر قال الإمام الباقر (علیه السلام): (رحم الله امرءاً ألّف بين وليّين لنا، يا معشر المؤمنين تآلفوا وتعاطفوا)(3).

وفي الحث على قبول العذر من المخطئ تمهيداً لتحقيق الوئام والانسجام نقل الإمام الصادق (علیه السلام) عن آبائه ع أن رسول الله (صلی الله علیه و آله) أوصى علياً (ع) فقال: (يا عليّ من لم يقبل العذر من متنصّلٍ عذراً صادقاً أو

ص: 229


1- و(2) و(3) وسائل الشيعة: كتاب الحج، أبواب أحكام العشرة، باب 124، ح2، 3، 5.

كاذباً لم ينل شفاعتي) (1).وفي استحباب التلاقي والمصافحة قال الإمام الباقر (علیه السلام) إن المؤمنين إذا التقيا فتصافحا أدخل الله يده بين أيديهما، وأقبل بوجهه على أشدّهما حباً لصاحبه فإذا أقبل الله بوجهه عليهما تحاتّت عنهما الذنوب كما يتحاتّ الورق من الشجر)(2).

ويتعاظم هذا الفضل والأجر الكريم حينما تكون العلاقة هكذا بين القادة والسياسيين الذين تتوقف على تلاقيهم وتآلفهم وتواددهم نجاة ثلاثين مليون إنسان من محنتهم فكونوا كما أرادكم الله تبارك وتعالى ورسوله الكريم محمد ص.

بسم الله الرحمن الرحيم

[إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً]

ص: 230


1- نفس المصدر، الباب125، ح1.
2- نفس المصدر، الباب 126، ح7.

خطاب المرحلة 174 :تذكير للمشغولين بالعمل الرسالي

خطاب المرحلة 174 :تذكير للمشغولين بالعمل الرسالي(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

عرّفنا المؤمن الرسالي بأنه من لا يتوقف عند حدود إصلاح نفسه وإرادة الخير له وإن كان في هذا كفاية لمن يروم النجاة، ولكنه بما يحمل من حب ورحمة بالآخرين يتحرك بعمل دؤوب لإصلاح مجتمعه وتحقيق السعادة لهم ، وهذا هو ديدن الرسل والعلماء الصادقين مع الله تبارك وتعالى [الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً] (الأحزاب:39)، [لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً] (الجن:28).

وهذه النية الصادقة والعمل المخلص لهداية الآخرين وإصلاحهم هي من أعظم القربات إلى الله تبارك وتعالى وقد وردت أحاديث كثيرة في تفضيل العالم العامل على العابد الزاهد المنزوي والمنكفئ على ذاته. فالعمل الرسالي يمثل مرحلة متقدمة على مرحلة إصلاح النفس وتهذيبها .

وهنا أريد أن اذكَر العاملين الرساليين بأنهم أحيانا ينهمكون في العمل الاجتماعي بكل حماس وهمّة ويغفلون في خضّم ذلك عن أمور يفترض فيهم

ص: 231


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع حشد كبير من طلبة الدراسة الإعدادية المنضوين في رابطة الطالب الرسالي في الناصرية يوم 4/شوال /1428 المصادف 16/ 10 /2007.

أنهم حققوها في المرحلة السابقة أي مرحلة إصلاح النفس وتهذيبها، وهذا نقصٌ بالتأكيد. ومادمتم شباباً في مقتبل العمر فإنني أذكر لكم مثالاً لتلك الغفلة ، إذ لا يخفى عليكم اهتمام الشارع المقدس ببر الوالدين وحرمة إيذائهما حتى على مستوى قول (أُفٍ) لهما، ففي الحديث عن الإمام الصادق (علیه السلام) أنه قال: (لو يعلم الله شيئاً أدنى من أفٍ لنهى عنه ، وهو من أدنى العقوق ، ومن العقوق أن ينظر الرجل إلى والديه فيحدَ النظر إليهما) وفي حديث آخر عن أمير المؤمنين (علیه السلام) قال: (قال رسول الله ص: من أحزن والديه فقد عقّهما) وعن أمير المؤمنين (علیه السلام) قال: (قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : ثلاثة من الذنوب تعجّل عقوبتها ولا تؤخَر إلى الآخرة: عقوق الوالدين والبغي على الناس وكفر الإحسان) وعن النبي (صلی الله علیه و آله) أنه قال: (من أسخط والديه فقد أسخط الله، ومن أغضبهم فقد أغضب الله، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فأخرج ولا تحزنهما) وعن الإمام الصادق (علیه السلام) (عقوق الوالدين من الكبائر لأن الله عز وجل جعل العاقَ عصياً شقياً) وعنه (علیه السلام) (من نظر إلى والديه نظر ماقت –وهما ظالمان له- لم تقبل له صلاة)(1).

وقد عايشت الكثيرين ممن عملوا بحماس في الحركة الإسلامية منذ أكثر من ثلاثين عاماً فوجدت منهم تفريطاً في هذه الخصلة الكريمة ((بر الوالدين)) التي قرنها الله تبارك وتعالى بتوحيده وعبادته في قوله عزَ من قال: [وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً] (الإسراء: 23) طبعاً نحن لا

ص: 232


1- الأحاديث موجودة في كتاب وسائل الشيعة ومستدركه.

نتحدث عن مستوى فيما لو أمر الوالدان بمعصية الله تعالى كشرب الخمر أو نزع الحجاب ولا فيما إذا نهيا عن طاعة كالصلاة المفروضة وصوم رمضان فإن حقوقهما تقف عند هذه الحدود كما ورد (لا طاعة لمخلوق بمعصية الخالق).ولكننا نتحدث عما هو دون ذلك إذ إن الإباء قد يقدّمون نصائح وتوجيهات إلى أبنائهم انطلاقاً من طول تجربتهم بالحياة وخبرتهم بأحداثها والوضع الاجتماعي العام والولد لا يقتنع بذلك فيخالفهما ويعاندهما فيتورط في هذه الكبيرة وهي إيذاء الوالدين، وهذا مضرٌ بعلاقته مع ربّه وبعاقبته.

وإذا أردت أن أتحدث عن مثال في تلك الفترة فهو أن الظرف الذي عشناه كان قاسياً من جهة بطش جلاوزة صدام وأمثاله، وكما عبّر هو نفسه –يقتل عشرة ألاف دون أن يرفَ له جفن-، وكان الشباب مندفعين بأعمال يراها الآباء لا تستحق الاصطدام مع ذلك النظام الجائر، وإنهم يمكن أن يحافظوا على دينهم وحياتهم من دون إعلان، لكن بعض الشباب كان يعارض أباه وينتقده على هذا الخنوع من وجهة نظره الحماسية، بينما ينطلق الأب من خبرته بقسوة وبطش هؤلاء الطواغيت منذ أن حكموا عام 1963 ثم عادوا إلى الحكم عام 1968 فلم يتورعوا عن التذويب بأحواض التيزاب والقتل بثرامة اللحم والدفن أحياء واغتصاب الحرائر وجلد الأطفال الرضّع بالأرض حتى يتناثر دماغهم، وعلى أي حال فقد حصل الذي حصل ولله عاقبة الأمور.

وأتذكر أنني سألت السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) –وهذا مثبّت في كتاب قناديل العارفين- عن سبب عدم ممارسته لدورٍ ميداني في حركة السيد الشهيد الصدر الأول (قدس سره) وانعزاله في الأيام الأخيرة فقال: لسببين، أحدهما

ص: 233

إن أبي (وهو العلامة السيد محمد صادق الصدر الذي صلى على جثمان السيد الشهيد الأول) كان يمنعني من ذلك وكانت له هيبة وطاعة عليّ وعلى السيد الشهيد الأول نفسه ، فانظر إلى عاقبته حيث أطاع أباه كيف قيّض الله تباك وتعالى له الدور الكبير في بعث روح الإسلام والعودة إلى الله تبارك وتعالى حينما حانت له الفرصة بعد انتفاضة العام 1991 .كان سعد بن معاذ من سادة الأنصار الذين بايعوا رسول الله (صلی الله علیه و آله) في العقبة قبل الهجرة وعاهدوه على النصرة والفداء وطلبوا منه الهجرة إليه، وكان بيته مقراً للحركة الإسلامية ودعوة الناس إلى الإسلام في يثرب قبل الهجرة، وخاض مع رسول الله ص معارك الإسلام الكبرى بدراً و أحداً والأحزاب وأصيب بسهم في معركة الخندق

وبقي جريحاً إلى أن توفي وشيّعه رسول الله (صلی الله علیه و آله) وأصحابه وحدّثهم رسول (صلی الله علیه و آله) إن آلاف الملائكة كانوا يشيعونه حتى لم يبقَ موطئ قدم خلف جنازته إلا وفيه أحد من الملائكة ونزل معه رسول الله (صلی الله علیه و آله) إلى قبره ووسّده في ملحودته فقالت أمه: هنيئاً لك يا سعد الجنة ، فقال لها رسول الله (صلی الله علیه و آله): مه يا أم سعد فلعله كان سيء الخلق مع أهله فيعذّب في قبره.

وأقول لكم إن كل الذين لم ينتبهوا إلى إصلاح أنفسهم وتطهير قلوبهم وتهذيب أخلاقهم فإن عملهم منقوص وبائس مهما تصدّروا الواجهات الإسلامية وحملوا من ألقاب دينية أو اجتماعية ، وربما أدى بهم خبثهم الباطني إلى الهلاك بعد العمر الطويل ، وكل الذين لم يلتفتوا إلى هذه التربية فأنهم ذاقوا بدرجة من الدرجات ألواناً من العذاب عاجلاً أم آجلاً وفضحوا .

ص: 234

وأنت ترى اليوم الكثيرين ممن كانوا في عمركم قبل ثلاثين أو أربعين عاماً ويزعمون أنهم انخرطوا في العمل الإسلامي منذ ذلك الزمان تراهم اليوم قد تخلّوا عما امنوا به وراحوا يتصارعون بقسوة الحيوانات المفترسة على الدنيا وينتهكون من اجل تحقيق مأربهم الأنانية ما حرمه الله تبارك وتعالى، ولو كانت أسس بنائهم سليمة لبقوا مستقيمين.فانتبهوا أيها الأحبة لإصلاح أنفسكم وتحليتها بالأخلاق الفاضلة ولا تغفلوا عن هذا (الجهاد الأكبر) مهما انهمكتم في العمل الرسالي وخدمة المجتمع فإنه يبقى (جهاداً اصغر) وان الله تعالى يعينكم ما دمتم في طاعته، واعلموا أن النفس بعيدة الأغوار معقدة التأثيرات والتجاذبات ولا يفلح في ترويضها وكبح جماحها وتوجيهها إلى الله تبارك وتعالى إلا من أدركه الله سبحانه بلطفه وتولاه برعايته لتجتازوا الامتحان الصعب، كما اجتازه الحر الرياحي حينما وقف يوم عاشوراء وكان قائداً كبيراً في جيش الخليفة الأموي يخيّر نفسه بين الجنة التي هي مع الحسين وأصحابه وان كان ثمنها الصبر على الموت ساعة، وبين النار التي هي مع جيش يزيد وكانت مزخرفة بالشهوات والسلطة والنفوذ والدنيا الواسعة فاختار الجنة ومضى شهيدا ووقف الإمام الحسين على مصرعه وقال له (حرٌ كما سمتك أمك حر،حرٌ في الدنيا وسعيدٌ في الآخرة) فكانت هذه الشهادة وساماً قلّده إياه سيده ومولاه ليأخذ الجائزة فوراً من رب العزة والجلال.

وهكذا بقي الحر الرياحي رمزاً لكل من انتصر على نفسه حينما يتعرض لمثل هذا الامتحان الصعب ، كما بقي في تاريخنا المعاصر الشهيد الشيخ عارف

ص: 235

البصري رمزاً لكل العاملين الرساليين الذين ترفّعوا عن الدنيا واخلصوا لله تبارك وتعالى وتفانوا في إعلاء كلمته ونصرة المحرومين والمستضعفين فمضى شهيدا وهو في ريعان الشباب وخلف هذا الذكر الخالد.

ص: 236

خطاب المرحلة 175 :أبناء المرجعية الرشيدة ليسوا كالذين لا يفرّقون بين الناقة والجمل ويفضّلونهما على المبادئ

خطاب المرحلة 175 :أبناء المرجعية الرشيدة ليسوا كالذين لا يفرّقون بين الناقة والجمل ويفضّلونهما على المبادئ(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

ورد في أهازيجكم و حديثكم إنكم لا تبتغون الناقة والبعير وإنما تريدون رضا الله تبارك وتعالى من خلال طاعة المرجعية الرشيدة. وهذه الفقرة تذكّرني بحادثتين تاريخيتين نذكرهما لنأخذ منها الدروس والعبر، فإن التاريخ إنما يكتسب قيمته بمقدار ما ينفعنا في حاضرنا ومستقبلنا وإلا فانه يعود مجرد قصص وحكايات كقصص عنترة بن شداد.

الأولى: إن النبي (صلی الله علیه و آله) لما هزم الكافرين في معركة حنين بعد فتح مكة وانهزموا ووقعت غنائم وفيرة بيد المسلمين وزّعها رسول الله (صلی الله علیه و آله) على قريش وخصّ المؤلفة قلوبهم الذين هم حديثو عهد بالإسلام بعطايا جزيلة فكانت حصة بعضهم مئة من الإبل ولم يعطِ للأنصار شيئاً فأثيرت تساؤلات بأن هذا التصرف هل كان عن موجدة لرسول الله(صلی الله علیه و آله) على الأنصار وهل إنه (صلی الله علیه و آله) حنَّ لمكّة ولبني عمومته، فجمع رسول الله(صلی الله علیه و آله) الأنصار وخطبهم لتطييب قلوبهم و إزالة هذه الظنون عنهم إلى أن قال (أما ترضون أن يرجع

ص: 237


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع وفد مواكب عشائر البدور في الناصرية الذين زاروا سماحته يوم السبت 15/شوال/1428 المصادف 27/ 10/ 2007.

الناس بالناقة والبعير وتعودون برسول الله (صلی الله علیه و آله)) فصاحوا بأجمعهم رضينا بالله وبرسوله (صلی الله علیه و آله).الثانية: إن معركة صفين التي استمرت حوالي سنة ونصف كانت تشهد فترات هدنة وإيقاف للقتال يزور فيها الشامي العراق والعراقي الشام، وذات مرة ذهب عراقي إلى الشام، فتعلق به شامي وقال له إن هذه الناقة التي تركبها هي لي، قال العراقي إنه جمل وليس ناقة فدعواك باطلة فرفع أمره إلى معاوية الذي حكم بالجمل لصالح الشامي من دون نظر ثم همس في إذن العراقي وقال له انقل هذه الرسالة إلى علي بن أبي طالب وقل له: إن معاوية يقاتلك بناس لا يميزون بين الناقة والجمل.

بمثل هذه النماذج الساذجة والمتخلفة والحريصة على فُتات الدنيا الزائلة ابتلي قادة المشروع الإلهي العظيم رسول الله (صلی الله علیه و آله) والأئمة الطاهرين من أهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين وكان أعداء أهل البيت (سلام الله عليهم) يراهنون في صراعهم العسكري والسياسي والعقائدي على جهل الناس وسذاجتهم فيسوقونهم إلى غاياتهم الشيطانية بالتزوير بالخداع والأباطيل، والشواهد التاريخية على ذلك كثيرة لا نحتاج إلى بيانها بحيث استطاع مثل معاوية في موبقاته وتاريخه الأسود أن يقود الناس لقتال علي بن أبي طالب المثل الكامل للإنسانية بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله) والذي استحق خلافة المسلمين –رغم زهده فيها- بجميع المقاييس، إذ لو كانت الخلافة بالنص فقد نصّ عليه رسول الله (صلی الله علیه و آله) في يوم الغدير وغيره، ولو كانت بالاستحقاق فهو أعلم الصحابة و أقضاهم و أشجعهم وأفضلهم و اسبقهم إلى الإيمان والجهاد بشهادة

ص: 238

رسول الله (صلی الله علیه و آله) والصحابة أنفسهم، وإن كانت بالانتخاب فقد أجمعت الأمة عليه وانهالت عليه في بيعة جماهيرية لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، وإن كانت بالقرابة من رسول الله (صلی الله علیه و آله) كما احتجت قريش على الأنصار بأنهم شجرة رسول الله (صلی الله علیه و آله) فهو ثمرة تلك الشجرة وهو أخو رسول الله (صلی الله علیه و آله) وزوج ابنته الطاهرة الزهراء وربّاه رسول الله وتولى رعايته، أفبعد كل هذا يستطيع مثل معاوية وغيره أن يعبئوا الجيوش لقتاله وتشويه صورته والافتراء عليه. لكننا اليوم نلمس فيكم وعياً وطاعة لمرجعيتكم الرشيدة وإخلاصاً للأهداف الإلهية العظيمة وهذا أمر طبيعي بلطف الله تبارك وتعالى وبجهود ودماء قادة الإسلام العظام ابتداءً من الأئمة الطاهرين وحتى المراجع المتأخرين كالشهيدين الصدرين (قدس الله سريهما) وعلى مدى ألف وأربعمائة عام أثمرت هذا الوعي والقدرة على التمييز بين القيادة الحقّة التي تدعوهم لما يحييهم [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ] (الأنفال:24) وبين القيادات الحريصة على الدنيا والتي تترك رسول الله (صلی الله علیه و آله) وأمير المؤمنين والمبادئ الحقّة خلف ظهورها لتتصارع مع من وصفهم أمير المؤمنين بالكلاب المتصارعة على جيفة وهي الدنيا.

فتمسكوا أيها الأحبّة بالحق و بالذين يوصلونكم إلى الله تبارك وتعالى فهذا هو النصر الحقيقي والعاقبة الحسنة وهذا هو المغنم الذي يستحق الفرح بتحقيقه [وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ] (المطففين:26).

إن رسول الله (صلی الله علیه و آله) حينما أعطى أبا سفيان مئة من الإبل وأعطى فلاناً

ص: 239

غيرها فلأنه (صلی الله علیه و آله) كان يعرف قيمة إسلام هؤلاء وأهدافهم التي جاؤوا من أجلها، ولذا فإنهم ما إن مات رسول الله (صلی الله علیه و آله) حتى ظهرت حقائقهم وانقلبوا على الأعقاب كما أخبر رسول الله (صلی الله علیه و آله)، وقد روي أنه لما وصلت الخلافة إلى الثالث وهو ابن عم أبي سفيان، قال هذا الأخير: (تلاقفوها يا بني أمية، فو الذي يحلف به أبو سفيان لا جنة ولا نار) ولم ندر بم يحلف أبو سفيان؟ ولماذا لم يحلف بالله تبارك وتعالى؟ وقد روي أنه حلف باللات والعزّى.واليوم نرى الكثيرين ممن تقمّصوا الإسلام ورفعوا لافتاته مدة طويلة ولما وُضعوا على المحك ونزلوا إلى ميدان التجربة والاختبار ظهر زيف دعاواهم وحرصهم على الدنيا وانسياقهم وراء أنانياتهم وأطماعهم وتركوا الشعب جائعاً والبلد مخرباً حتى أصبحت صورة العراق مخزية أمام العالم الذي يتملكه العجب من عدم وجود رجال في العراق يستطيعون إخراج البلد من محنته و تخليص الشعب من معاناته بحيث يتهكم الرئيس الأمريكي بوش حينما يحلّل سبب تأخر إيجاد حل للمشكلة العراقية بأنه لا يوجد في العراق مثل كرزاي رئيس أفغانستان.

فهل هذا هو واقع العراق المنجب للعلماء والمفكرين والأدباء والمبدعين؟ وهل من المعقول أن تتوفر لأحد يحبّ الله ورسوله كل هذه الإمكانيات للوصول إلى رضا الله سبحانه فيؤثر عليه دنيا الجمل والناقة؟

فعليكم أيها المخلصون الواعون القادرون على نفع الناس وإعمار الحياة أن تعملوا ما بوسعكم لتقودوا البلد انتم بدل الأنانيين الفاشلين ويتحقق ذلك بوحدتكم وعملكم الدؤوب بفضل الله تبارك و تعالى، [إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ] (محمد:7).

ص: 240

خطاب المرحلة 176 :دور المرجعية في الحياة السياسية في العراق

خطاب المرحلة 176 :دور المرجعية في الحياة السياسية في العراق(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

قبل الحديث عن العنوان لابد أن نتحدث عن موقع المرجعية في قلوب وعقول الأمة، إذ يعتقد المسلمون الذين تلقوا تعاليم الإسلام عن طريق أهل بيته المعصومين (صلوات الله عليهم) أجمعين إن الذي يمثل قمة الهرم في قيادة الدولة الإسلامية هو رسول الله (صلی الله علیه و آله) ومن بعده الأئمة المعصومون الاثنا عشر الذين عينهم رسول الله (صلی الله علیه و آله) بأسمائهم جيلاً واحداً بعد الآخر.

وقد سنحت الفرصة لممارسة هذا الدور لرسول الله (صلی الله علیه و آله) في المدينة المنورة ولأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیهما السلام) مدة خمس سنين بعد مقتل الخليفة الثالث ولولده الحسن بن علي سنة واحدة بعده، أما الأئمة المعصومون الآخرون (سلام الله عليهم) فلم تتوفر لهم هذه الفرصة .

وهم –بحسب ما تتمتع به قيادتهم من خصائص- لا يكرهون الناس على اتباعهم بالقوة بل يقنعون الأمة بمشروعهم فإذا اقتنعت الأمة بقيادتهم مارسوها، وإلا مارسوا دورهم الإيجابي المبني على الحوار و الإقناع .

ص: 241


1- خلاصة كتبها سماحة الشيخ اليعقوبي بناءً على طلب أحد الفضلاء المدعو لحضور مؤتمر في عمان يعقد خلال الأيام المقبلة ، موضوعه هذا العنوان وكتبه سماحته بتأريخ 21/شوال/1428 المصادف 2/ 11/ 2007 .

ولما اقتضت المشيئة الإلهية خفاء الإمام الثاني عشر بعنوانه لا بشخصه وإلا فإنه موجود بين الناس ويعيش كما يعيشون لكن الناس لا تعرفه بشخصه خصوصاً بعد مرور هذه المدة الطويلة على وجوده، وقد ادخره الله سبحانه ليؤسس دولة الحق والعدل حينما تفشل كل النظم التي يبتدعها البشر ويقتنعون بها وسيتطلّعون تلقائياً إلى المنقذ العظيم. ولأن حاله غياب القائد عن الاتصال المباشر بأتباعه غريبة عن الناس فلذا مهّد لها الأئمة الذي سبقوا الإمام الثاني عشر بالتثقيف والتوعية وبيان المبررات وبالممارسات العملية أحياناً كانقطاع الإمام عن جماهيره مدة ونصب وكلاء له حتى أصبحت الأمة قادرة على التعايش مع هذه الحالة، فوقعت غيبة الإمام الثاني عشر ووضّح لأتباعه معالم طريقهم فلم يعيّن له خلفاء محدّدين بالاسم وإنما وضع شروطاً فمن انطبقت فيه هذه الشروط كان هو النائب عن الإمام وعلى الأمة أن تتبعه كما تتبع الإمام المعصوم حيث قرنت الأحاديث الشريفة طاعة المرجعية الدينية الجامعة للشروط الآتية بطاعة الإمام (عجل الله فرجه الشريف).

ومن هذه الشروط بلوغ أعلى الدرجات العلمية المعروفة ب- (الاجتهاد) وحصول القدرة على التوصل إلى الحكم الشرعي من مصادر التشريع الأصلية ولا يتلقاه تقليداً من الفقهاء السابقين مهما بلغوا من الرقي العلمي وهذا الشرط يتطلب اتقاناً وعمقاً في علوم عديدة.

والشرط الآخر: هو الدرجة العالية من ضبط جماح النفس وكبح شهواتها والعمل الجاد على تحليتها بفضائل الأخلاق وتهذيبها من الرذائل الخلقية التي

ص: 242

تنافي إنسانية الإنسان ونهت عنها الشرائع الإلهية المقدسة .والشرط الآخر: الخبرة بشؤون الحياة وتفاصيلها وما يكتنف الأمة من أحداث وتحديات. ويستعين بالخبراء في مختلف الاختصاصات إذا لم يكن محيطاً بها بالمقدار المطلوب.

وتقوم هيأة من العلماء القادرين على التحقق من توفر هذه الشروط في المجتهد لتعترف له بالمرجعية وتدعو الناس إلى تقليده والرجوع إليه في الأحكام الشرعية.

فالدور الذي تؤديه المرجعية الدينية في حياة الأمة هو امتداد لدور الأئمة المعصومين سلام الله عليهم الذي هو امتداد لدور النبي (صلی الله علیه و آله)، وقد عرضنا العشرات من محاور هذا الدور ووقائع تفصيلية كتطبيقات لها في كتاب (دور الأئمة في الحياة الإسلامية).

كما إننا شرحنا الخصائص النفسية والملكات الفاضلة التي ينبغي توفرها في شخصية القيادة الإسلامية من خلال دراسة سيرة رسول الله (صلی الله علیه و آله) في كتاب (الأسوة الحسنة للقادة والمصلحين).

ثم لخّصنا الخطوط العامة لدور المرجعية الدينية في حياة الأمة في مقدمة كتابنا (سبل السلام) الذي يتكفل ببيان الأحكام الشرعية وحلول المشاكل التي يمكن أن يواجهها المسلم في حياته ابتداءً من الطقوس العبادية التي يؤديها لربّه كالطهارة والصلاة والصوم ومروراً بعلاقاته الاجتماعية كالزواج والمعاملات الاقتصادية وانتهاء بالأحكام العامة كالقضاء وفضّ النزاعات.

وهذا كله مستند إلى نصوص وقواعد مأخوذة من مصادر التشريع الإسلامي

ص: 243

التي ثبتت بطريق صحيح. وهو يؤكد مصداقية الشريعة المقدسة في ادعائها القدرة على استيعاب كل تفاصيل الحياة وشؤون الناس ولذا قلنا في تلك المقدمة أن وظيفة الفقيه لا تنحصر بالفتوى وبيان الأحكام الشرعية وإنما له وظيفتان أخريان وهما:

1- القضاء بين الناس وفض الخصومات.

2- تدبير شؤون الأمة وولاية أمرها.

ثم ذكرنا ضمن النقطة الثانية الخطوط العريضة لهذه الوظيفة.

ومن خصائص رسالة المرجعية الدينية.

1-اعتماد سياسة الحوار لإقناع الآخرين (راجع المسألة 30 والمسألة 31 ص28 من الجزء الأول من سبل السلام) وهذا هو مبدأ قرآني أصيل [لا إكْرَاهَ في الدِينِ] [ادعُ إلى سَبيلِ رَبِّكَ بالحِكْمَةِ والمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وجَادِلْهُم بالَّتي هِيَ أحْسَن] (النحل:125) [ادْفَعْ بِالَتِي هِيَ أحسَنُ فَإذَا الذِي بَينَكَ وَبَينَهُ عَدَاوَةٌ كَأنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ] (فصلت: 34).

2- العالمية: فهي تحس بآلام وهموم البشر جميعاً لأن قلبها مملوء بالرحمة وحب الخير لكل الناس تأسياً بالنبي (صلی الله علیه و آله) الذي خاطبه الله تبارك وتعالى: [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ] (الأنبياء:107) ومن كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى مالك الأشتر لما ولاّه مصر (وأشعِر قلبك الرحمة للرعية فإنهم صنفان، أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق) فتجد مرجعية النجف حاضرة بتعليقاتها ومواقفها في إعصار تسونامي في جنوب شرق آسيا(1)

ص: 244


1- راجع المجلد الثالث من هذا الكتاب (صفحة 579) .

وإعصار كاترينا في الولايات المتحدة(1) والاضطرابات في فرنسا(2) ويَهنئ الحبر الأعظم بابا الفاتيكان بأعياد ميلاد السيد المسيح (ع) ويذكر القيمة المشتركة بين الديانتين الإسلامية والمسيحية(3).أما حضورها في قضايا المسلمين خاصة فمشهود ومن أمثلة ذلك رسالة المرجعية إلى الرئيس الفرنسي جاك شيراك حينما كان بصدد تشريع منع ارتداء الحجاب في المدارس الرسمية(4).

ورسالة أخرى إلى الشعب الفلسطيني المظلوم(5) ويناقش بشفافية العلمانية(6) ويتحدث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان(7)، وغيرها.

3-الشمولية: أي شعورها بالمسؤولية إزاء كل القضايا التي تمر بها الإنسانية لأنها تمثل الشريعة والقانون ونحن نعتقد أن الشريعة الإسلامية غطّت كل شؤون الحياة بالنصوص المباشرة أو وضعت القواعد التي يُستنبط منها الحكم والحل والموقف إزاء مختلف القضايا، ولذا فإن الشريعة حينما أعطت هذا الدور الواسع للفقيه فإنها لم تعط له كشخص حتى يستكثر عليه وإنما أعطته للقانون الذي يمثله كالقاضي في النظم المتحضرة المعاصرة حيث لا

ص: 245


1- راجع المجلد الرابع كذلك (صفحة 459).
2- المجلد الرابع أيضاً (صفحة 474).
3- المجلد الرابع (صفحة 494) كذلك.
4- المجلد الثالث (صفحة 243).
5- المجلد الثالث من هذا الكتاب (صفحة 221).
6- المجلد الثالث (صفحة 183).
7- المجلد الرابع (صفحة 47).

سلطة للحكومة ولا لغيرها عليه وينفذ قراره على الجميع وهذه الهيمنة ليست له كشخص وإنما للقانون الذي يحكم به. وانطلاقاً من هذه المسؤولية تجد المرجعية تشخص بدقة أسباب العجز عن مكافحة مرض الإيدز ونتائجه الوخيمة ثم تدل على العلاج في بيان بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الإيدز(1)وكذا في اليوم العالمي لمكافحة التدخين(2).

4- المبدأية ونظافة الأساليب: والأهداف، فهي لا تؤمن بأن (الغاية تبرر الوسيلة) ولا تجعل القيمة العليا في أعمالها ومشاريعها وسياستها للمصالح بل للمبادئ وكل مصلحة تتعارض مع المبادئ فهي مفسدة وللمرجعية خطاب تفصيلي ردّت فيه على عقيدة السياسيين بأنه لا توجد صداقات ثابتة ولا عداوات ثابتة وإنما توجد مصالح ثابتة فكان الرد بأنه توجد مبادئ ثابتة(3).

5- الشفافية في التعاطي مع الجماهير وعدم اتباع سياسة الخداع والتجهيل والتضليل لأنها قوية بحقها فلا تخشى أحداً ولأنها لا تريد مكسباً لنفسها وإنما تريد الخير للآخرين(4).

6- الحرص على إعمار الحياة وإقامة النظام المتحضر للمجتمع والمحافظة على الدولة والمؤسسات التي تحفظ النظام الاجتماعي العام ونعتقد أن الشريعة هي الأصل والسابق لبناء المجتمع المدني المتحضر ومؤسساته ومنظماته (لاحظ

ص: 246


1- المجلد الثالث (صفحة 510).
2- المجلد الرابع (صفحة 64).
3- المجلد الرابع (صفحة 55).
4- خطاب المرحلة (90) مبادئ الشفافية ومظاهرها، المجلد الرابع (صفحة 140).

مجموعة الخطابات عن ضرورة تأسيس منظمات المجتمع المدني)، والمرجعية تضحي بكل حقوقها وامتيازاتها من أجل هذا الهدف حتى لو لم يكن النظام السياسي مبنياً على الإسلام (المسألة 29 من سبل السلام).وتأسيساً على هذه النقاط فقد كان للمرجعية الدينية في العراق الدور الإيجابي والبناء في منع انهيار المجتمع وانزلاقه إلى دوامة العنف والاقتتال رغم شراسة المؤامرات التي استهدفته وحافظت المرجعية على ممتلكات الدولة ومؤسساتها ومنعت من الأخذ بالثأر الانفعالي في بيان وتوجيهات إلى الأمة صدرت يوم 6/ 4/ 2003 أي قبل سقوط النظام لما تعلمه وتتوقعه من حصول هذه التداعيات(1).

وفي ضوء ما تقدم يظهر أن عنوان هذا البحث يتحدث عن مفردة جزئية من حركة المرجعية الدينية ومسؤوليتها فإن وظيفتها أوسع من العمل السياسي، وهمومها تتجاوز حدود العراق .

برز الدور السياسي للمرجعية الدينية بعد سقوط النظام السابق عام 2003 وهذا لا يعني عدم وجود دور لها في التاريخ السابق ولكن الفرصة اتسعت بعد السقوط وحظيت حركة المرجعية بتسليط وسائل الإعلام.

وقد بادرت المرجعية إلى ممارسة دورها قبل 9/ 4 حينما بدأت إرهاصات الغزو والاحتلال وقبيل السقوط عندما بدأ النظام يترنح أصدرت توجيهاتها للشعب ركّزت فيها على وحدة الصف والحفاظ على الممتلكات العامة وحمايتها وتشكيل اللجان المحلية لمليء الفراغ بعد غياب الدولة وتحريم

ص: 247


1- المجلد الثالث (صفحة 20).

تصفية الحسابات بسبب ممارسات النظام السابق الإجرامية بحق الشعب وكان ذلك يوم 6/ 4/ 2003(1)، وقد نجحت المرجعية بما سمّاه الدكتور محسن عبد الحميد الأمين العام للحزب الإسلامي بالمعجزة في زيارته للمرجعية في النجف عندما كان رئيساَ لمجلس الحكم المؤقت .ودعت في وقت مبكر إلى ضرورة إجراء انتخابات حرة نزيهة لاختيار ممثلين حقيقيين للشعب ولإنهاء ذرائع وجود الاحتلال بإقامة حكومة وطنية تقوم على أساس إرادة الشعب وقدّمت مشروعاَ متكاملاً لإدارة المرحلة الانتقالية في العراق إلى حين تهيئة الظروف لأجراء الانتخابات(2).

وقد أخذت به سلطات الاحتلال بعد عام تقريباً حينما اضطرت إليه وهكذا فإن السلطات الحاكمة (احتلالية أو عراقية) لا تأخذ بالنصائح والتوجيهات حتى تجد نفسها مضطرة إليها بعد أن يكون الشعب والبلد قد خسر الكثير، لعدم وجود إرادة حقيقية وصادقة للحل (راجع خطاباً بهذا العنوان وخطاب بعنوان إذا لم تحترق مصالح السياسيين بالنار فإنهم لا يفكرون في الحل).

وشجعت الكفاءات الوطنية النزيهة القادرة على ممارسة العمل السياسي إلى تأسيس الأحزاب للنهوض بمشروع وطني خالص لا يخضع للأجندات الأجنبية وقنّنت عمل الأحزاب وفق الشريعة الإسلامية وخوض العملية الديمقراطية

ص: 248


1- المجلد الثالث (صفحة 31).
2- نص المشروع تجده في المجلد الثالث (صفحة 132).

باعتبارها النظام الأفضل الذي توصلت إليه المجتمعات البشرية(1) .وبقيت مواكبة للعملية السياسية تؤدي الوظائف التالية

1- تقديم الأفكار والمشاريع والرؤى التي فيها صلاح للعملية السياسية ونجاحها وإعطائها دفعة للأمام كمشروع إدارة العراق للمرحلة الانتقالية المتقدم ومشروع الإصلاح الوطني وإنقاذ العراق(2)، ومشروع تفعيل دور المعارضة الإيجابية كجزء مقوّم للعملية الديمقراطية(3).

2-بيان الموقف الشرعي والوطني للجماهير إزاء مختلف الأحداث والقضايا التي تواجهه كالانتخابات وتفجير سامراء(4)، وفي قمة تأجيج العواطف واشتعال الفتنة بعد هذا التفجير المروّع تتحدث المرجعية عن أن الأمة بحاجة إلى مشاريع إعمار الآن أكثر من حاجتها إلى مشاريع استشهاد(5).

3- تقويم العملية السياسية والتنبيه إلى الأخطاء لتصحيحها وتشخيص الخلل والإشادة بالمحسنين وتوبيخ المقصّرين ومساعدتهم في علاج التقصير وتجاوزه.

4- المساعدة في اختيار العناصر الكفوءة النزيهة القادرة على خدمة الشعب وترشيحها إلى مواقع المسؤولية مستندة في ذلك إلى معرفتها التفصيلية بكثير

ص: 249


1- راجع المجلد الثالث (صفحة 339) : الأسس النظرية لحزب الفضيلة الإسلامي. خطاب المرحلة (43).
2- المجلد الثالث (صفحة 132).
3- المجلد الرابع صفحة (395).
4- المجلد الرابع (صفحة 256).
5- المجلد الرابع (صفحة 288).

من هؤلاء بسبب الاحتكاك المباشر والعمل المشترك .5- حشد الرأي العام وتثقيفه لدعم الخطوات الايجابية في العملية السياسية التي تصب في مصلحته وغيرها كثير

وفي موازاة ذلك فإن المرجعية لا تغفل عن تربية الأمة على الأخلاق الفاضلة والتمسك بالتعاليم السامية وكل خصال الخير لأنها تعتقد أن (كل إناء ينضح بالذي فيه) فإذا كانت النفوس صالحة أفرزت مجتمعاَ صالحاَ وحكومة صالحة والعكس بالعكس.

ص: 250

خطاب المرحلة 177 :نوازع الخير والشر كامنة في داخل النفس وتستثيرها العوامل الخارجية

خطاب المرحلة 177 :نوازع الخير والشر كامنة في داخل النفس وتستثيرها العوامل الخارجية(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

إن وجود القيادة والزعامة الجامعة للشروط في الأمة لا يكفي وحده لإحداث التغيير والإصلاح وبلوغ الأهداف المنشودة ما لم تتحرك وتتحفز نوازع ودوافع الخير لدى الإنسان بداخله، وبالمقابل فإن عوامل الفساد والتخريب الخارجية لا يمكن أن تؤثر إذا لم تجد استجابةً لها من قبل بعض النفوس المريضة المنحرفة.

وهي سُنّة ثابتة في هذه الخليقة ويضرب القرآن الكريم أمثلة لها فامرأتا النبيين العظيمين نوح ولوط (صلوات الله عليهما وعلى نبينا الكريم وعلى جميع

ص: 251


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع وفد مدينة الدغارة التابعة لمحافظة القادسية معزين سماحته باستشهاد الشيخ ناظم البديري مدير مكتب جماعة الفضلاء في الديوانية، جرى اللقاء يوم 25/شعبان/1428 المصادف 8/ 9/ 2007، والشيخ الشهيد من مواليد عام 1977، حصل على شهادة البكالوريوس من كلية الآداب/ قسم اللغة العربية عام 2000 وعمل مدرساً في الإعدادية. التحق بجامعة الصدر الدينية في الديوانية وأنهى السنوات الثلاث المقررة للدراسة فيها وعُيّن مديراً لمكتب جماعة الفضلاء فيها لنشاطه الاجتماعي البارز في الخطابة وإلقاء المحاضرات والكتابة ومشاركاته في الندوات والمؤتمرات الفكرية، أمّ صلاة الجمعة في مدينة الديوانية، استشهد بوابل من رصاص الغدرة الذين باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم وكان صائماً قبيل الإفطار يوم الأربعاء 1 شعبان 1428 المصادف 15/ 8/ 2007 وقد كتبنا هذه الخلاصة لسيرته إحياءً لذكراه العطرة.

الأنبياء) أتيحت لهما أعظم فرصة للهداية والاستقامة [ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ] ولكنهما لم تستثمرا هذه الفرصة ولم تستفيدا منها [فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ] (التحريم: 10) وبالمقابل امرأة فرعون التي عاشت في بيت الطاغية فرعون الذي يريد أن ينازع الله تبارك وتعالى في الربوبية لكنها استثارت عوامل الصلاح ونوازع الخير في داخلها فأصبحت مثلاً للنجاح [وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ](التحريم: 11) وعناصر كلا الاتجاهين موجودةٌ في داخل النفس [وَهَدَينَاهُ النَجْدَينِ] (البلد:10) وهو الذي يغلّب بعضها على بعض بإرادته ونوع استجابته للمؤثرات الخارجية قال تبارك وتعالى في الزوجين المتخاصمين [وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا] أي الزوجان [إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً] (النساء: 35) فالإنسان بإرادته يستطيع أن يمنح النصر في هذا الصراع الداخلي لأحد المعسكرين. بالأمس القريب شهدت كربلاء المقدسة إلى جوار الحضرة الحسينية المطهرة وفي أشرف ليلة بعد ليلة القدر هي ليلة النصف من شعبان، وأعظم مناسبة هي ذكرى ولادة أمل البشرية الموعود المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) أحداثاً(1) دامية ذهب ضحيتها (52) شهيداً ومئات الجرحى

ص: 252


1- كانت مجاميع من الشباب الأحداث تدخل كربلاء قادمة من بغداد بأهازيج تمجّد قائدها مما دفع قوة الحماية قرب الحرمين الموالية لجهة أخرى إلى استفزازهم وقال مراقبون أنها عملية مدبرة لاستدراجهم فحصل إطلاق نار من قوة الحماية فقتل (6) على الأقل وجرح العشرات وأكثرهم من الزوار المحتشدين استعدادا لزيارة النصف من شعبان، وقع هذا الحادث بعد ظهر 13/شعبان/1428 المصادف 27/ 8/ 2007 وانقطعت الاصطدامات مساءً وظن الزوار انتهائها فعادوا إلى نسكهم ولكنها اندلعت نهار اليوم التالي بشكل أعنف وأوسع حيث استعد الطرفان لها وانتشرت مجاميع المتمردين بين الحرمين وأحرقت عدة فنادق وسيارات شرطة وكان القنّاصون يستهدفونهم من أعلى أسطح البنايات والروضة الحسينية الشريفة التي أغلقت أبوابها واحترقت جدرانها مما يلي باب القبلة وكانت حصيلة المواجهات في كربلاء المقدسة)(52) قتيلاً و(200) جريحاً ، وامتدت العمليات الانتقامية بين الطرفين إلى عدة مدن من العراق.

ستبقى وصمة عار في جبين كل الأطراف الذين خططوا ونفذوا وشاركوا في تلك الأعمال المشينة التي ستقف أمامها الأجيال الآتية مدهوشة عاجزةً عن استيعاب ما حصل.ومهما قيل من أسباب خارجية كالاحتلال وتدخل دول الجوار والصداميين فإنها لا تبرر ما حصل لأن الذين جرت على أيديهم الأحداث هم ممن ينتسبون للتشيع ويدينون بالولاء للإمام الحسين (علیه السلام) والإمام المهدي (عجل الله فرجه) وهذه العوامل الخارجية مهما بالغنا في وصف تأثيرها فإنها لا تكون فاعلة إذا لم تجد استجابةًً من النفوس المتبعة للهوى وحب الدنيا والسائرة على غير هدى من الله تبارك وتعالى.

وحتى حينما تقدم مشاريع لمعالجة المشاكل التي تعصف بالبشرية وتفتك بها فإنها لا تمس شغاف الحقيقة لأنها لا تهتم ببناء النفوس الصالحة والنوايا الخيرة والضمائر الحيّة، ولا ينفع ألف حلٍ من الخارج إذا لم يستند إلى عملية تغيير من داخل النفس وهذا ما وجدناه في سيرة

ص: 253

الأئمة الأطهار (سلام الله عليهم) فإنهم لم يسعوا إلى تسلم الحكم بالانقلابات والثورات وغيرها، وحتى حينما وصلت إليهم في فترات نادرة لم يعبئوا بها لأن المهم عندهم (ع) بناء الإنسان الصالح ومن ثم المجتمع الصالح، أما تسلم الحكم من دون إنشاء هذه القاعدة الرصينة فسيحول الحالة إلى صراع على الدنيا والنفوذ والاستئثار بالثروات وهذا ما نشهده على الساحة السياسية اليوم ويفسر أحداث كربلاء الأليمة.ولا أجد جهة اليوم تهتم بهذه الركيزة الأساسية لذا فالمعوَّل عليكم أنتم أتباع المرجعية الرشيدة أن تلتفتوا إلى هذا النقص الخطير وتقودوا حركة بناء المجتمع الصالح تأسياً بما قام به الأنبياء والمرسلون والأئمة المعصومون (سلام الله عليهم) وقد حظي هذا الخط الشريف بنخبة المجتمع من المثقفين والأكاديميين والمتدينين الواعين المخلصين واعترف الخصم قبل الصديق بهذه الحقيقة والآمال معقودةٌ عليكم.

صحيحٌ أن هذا العلاج طويل الأمل ولا يؤتى ثمره في الزمن القريب لكنه هو الطريق الصحيح للوصول إلى السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة (وإنما يعجلُ من يخاف الفوت) ولا يخاف الفوت من سار بهذا الطريق على هدى الصالحين ، وان تسبب في تحمل التضحيات والحرمان والإقصاء الذي يمارسه الحاسدون المستأثرون، فإن العاقبة لعباد الله المخلِصين [وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ] (القصص:5).

ص: 254

خطاب المرحلة 178 :في ذكرى استشهاد الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)مسؤولية المرجعية عن بيان خصائص أتباعها

خطاب المرحلة 178 :في ذكرى استشهاد الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)مسؤولية المرجعية عن بيان خصائص أتباعها(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

تسمى الشيعة الأمامية الاثنا عشرية ب-(الجعفرية) نسبة إلى الإمام الصادق جعفر بن محمد (صلوات الله عليهما وعلى آبائهما) وهو شرف عظيم في الدنيا والآخرة [يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَ-ئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً، وَمَن كَانَ فِي هَ-ذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً] (الإسراء: 71-72).

فيُدعى الشيعة بأئمتهم من أهل بيت النبي (صلی الله علیه و آله) الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ويدعى الآخرون بأئمتهم الذين أطاعوهم واتبعوهم من شياطين الإنس والجن ونعم الحكم الله تبارك وتعالى.

والسؤال هو أنه لماذا اختص الإمام الصادق (علیه السلام) بالانتساب إليه والشيعة أتباع جدّه رسول الله (صلی الله علیه و آله) وأمير المؤمنين (علیه السلام) وبقية الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم.

ص: 255


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع وفد مؤسسة أهل البيت (علیهم السلام) في مدينة الفضيلية ببغداد يوم 26/شوال/1428 المصادف 7/ 11/ 2007 بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام الصادق (عليه السلام).

وقد أجيب هذا السؤال بأن فقه الأمامية وأحكامهم وتفاصيل عقائدهم أخذت بشكل رئيسي من الإمام الصادق (علیه السلام) فيُعدّ هو مشيد أركان هذه الطائفة المباركة.وهو جواب يشهد له الواقع فإن أكثر الأحكام الفقهية المروية عنه سلام الله عليه، باعتبار الفسحة الواسعة التي سنحت له أبان الدولة الأموية وانهيارها وبداية تأسيس الدولة العباسية وازدهار الحياة العلمية في تلك الفترة.

وذكر سيدنا الأستاذ الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) في إحدى خطبه وجهاً آخر وهو أن تشكل المذاهب الإسلامية والطوائف بدأ في زمان الإمام الصادق وما بعده ومن الطبيعي أن تنسب كل طائفة إلى زعيمها المعاصر فنسبت الشيعة إلى الإمام الصادق (علیه السلام).

وهو وجه مقبول أيضا وبدأت هذه النسبة بالانتشار في نفس زمان الإمام (علیه السلام) بحيث يقال هذا جعفري وقد نشأت من هذه الحالة مسؤولية على الإمام (علیه السلام) أن يبين معالم مدرسته وخصوصياتها وصفات من ينتسب إليها؛ لأن أي حسنة تصدر من أصحابه تحسب له وأي سيئة -والعياذ بالله- تحسب عليه بشكل من الأشكال ويتحمل مسؤوليتها من وجهة نظر البعض، لذا ورد في تفسير قوله تعالى مخاطباً نبيه الكريم (صلی الله علیه و آله) [لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ] (الفتح:2)، عدة وجوه احدها أن الله تعالى يزيل عنه أثار التبعات التي تحسب عليه بسبب تصرفات أتباعه وهو برئ عنها ورافض لها.

وقد سبقه جدّه إبراهيم خليل الرحمن (صلوات الله عليه) بقوله: [رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ]

ص: 256

(إبراهيم:36).وفي هذا الصدد وردت روايات عديدة عن الإمام الصادق (علیه السلام):

منها: عن زيد الشحام قال: قال لي أبو عبد الله (علیه السلام) (اقرأ على من ترى أنه يطيعني منهم ويأخذوا بقولي السلام، وأوصيكم بتقوى الله عز وجل، والورع في دينكم والاجتهاد لله، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وطول السجود، وحسن الجوار، فبهذا جاء محمد (صلی الله علیه و آله)، وأدوا الأمانة إلى من ائتمنكم عليها براً أو فاجراً، فإن رسول الله (صلی الله علیه و آله) كان يأمر بأداء الخيط والمخيط، صلوا عشائركم، واشهدوا جنائزهم، وعودوا مرضاهم، وأدوا حقوقهم، فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدى الأمانة وحسن خلقه مع الناس، قيل هذا جعفري، فيسرّني ذلك ويدخل عليّ منه السرور، وقيل هذا أدب جعفر، وإذا كان على غير ذلك دخل علي بلاؤه وعاره، وقيل هذا أدب جعفر)(1) الحديث.

وقال (علیه السلام): (إنما شيعة جعفر من عف بطنه وفرجه، واشتد جهاده وعمل لخالقه ورجا ثوابه، وخاف عقابه، فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر)(2).

ومن خلال هذا الحديث بيّن الأئمة سلام الله عليهم ما يجب أن تتوفر في المسلم من صفات ليكون شيعياً وألّف الشيح الصدوق (رضوان الله عليه) كتاباً في ذلك سماه (صفات الشيعة) وليقيموا الحجّة على المدّعين لهذا الشرف العظيم.

وكانت الحالة تقتضي أحياناً أن يصدر الإمام (علیه السلام) براءة ولعناً صريحين

ص: 257


1- وسائل الشيعة: كتاب الحج، أبواب أحكام العشرة في السفر، الباب1، ح2.
2- وسائل الشيعة: كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، باب 22، ح13.

في بعض الأشخاص لعزلهم عن الأمة كالمغيرة بن سعيد الذي قال فيه الإمام الصادق (علیه السلام) (لعن الله المغيرة بن سعيد انه كان يكذب على أبي فأذاقه الله حر الحديد).وفي الحقيقة فإن الإمام (علیه السلام) حينما يبين صفات شيعته بهذا الوضوح إنما يوجه رسائل لعدة فئات:-

1- شيعته ليبيّن لهم واجباتهم.

2- الذين يدّعون الانتساب إليه نفاقا لتحقيق مآربهم وخداع الأمة لفضحهم وكشف زيفهم حينما يقارن الناس بين أفعالهم وبين ما يريده الإمام (علیه السلام) منهم.

3- الفئات الأخرى من غير أتباعه ليدعوهم إلى هذا الحق الصريح ويقيم الحجة عليهم وليقول لهم أن منهجاً بهذه التفاصيل أحق أن يتّبع.

4- أعدائه الذين يسعون إلى قتله معنويا ومحاربته وتصفيته جسدياً بأن من كان على هذا الهدى هل يستحق منكم ما تفعلون به؟

وهذه مسؤولية لا تختص بالإمام الصادق لان هذه النسبة يمكن أن تحصل باستمرار لكثير من القادة والمرجعيات، فعلى المراجع الذين يُنظر إليهم كامتداد للائمة المعصومين (سلام الله عليهم) أن يعوا هذه المسؤولية ويتحمّلوها أمام الأمة فيوضحوا لهم ما يجب أن يتصفوا به ويتبرأوا ممن لا يلتزم بتلك الأوصاف، وإلا فإن الأخطاء والمظالم والذنوب ستحسب عليهم، كما ترون اليوم أن الذين تلفّعوا بعباءة المرجعية وتصدّوا للحكم فإن الناس لا تقتصر باللوم عليهم لسوء تصرفاتهم وإنما تنتقد المرجعية التي دعت الناس لانتخابهم

ص: 258

ثم تخلت عن مسؤولياتها في تقويم المسيرة وردع المسيء وإنصاف المظلوم.إن الذين يدّعون الانتساب إلى فئة شريفة ولا يلتزمون بتعاليمها هم اشد خطراً عليها من أعدائها الخارجيين لأنهم ينخرون بناءها من داخلها فلابد من فضحهم والبراءة منهم لدفع خطرهم.

ص: 259

خطاب المرحلة 179 :الشهادة المتبادلة بين المرجعية والأمة

خطاب المرحلة 179 :الشهادة المتبادلة بين المرجعية والأمة(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

من مسؤوليات المرجعية ووظائفها الشهادة على الأمة لأنها امتداد للإمامة التي هي وارثة الرسالة والنبوة وقد وصف رسول الله (صلی الله علیه و آله) في القرآن الكريم بأنه (شاهد) بكل ما تعني الشهادة من هداية إلى الحق وإصلاح للخطأ والفساد وتقويم للاعوجاج وتشخيص للخلل وغيرها، ولكن المرجعية باعتبارها غير معصومة فهي لا ترث كل وظائف الإمامة وامتيازاتها فشهادة القيادة المعصومة لا تقابلها شهادة من الأمة عليها بينما الأمة شاهدة على المرجعية بمعنى أنها تراقب حركة المرجعية وتتأكد على الدوام من قيامها بوظائفها، لأن المرجع لم يعيَّن بالاسم وإنما بالشروط والأوصاف فمن انطبقت عليه رجعت إليه الأمة ولو تجرد عنها تخلّت عنه.

ومن المفارقة أن الرسائل العملية للمرجعيات التقليدية تتضمن آلاف المسائل التي تعلّم أتباعها تكاليفهم ولكنها لم تذكر مسؤوليات المرجعية في أول كتاب تبدأ به الرسالة العملية وهو (الاجتهاد والتقليد) وحينئذ كيف

ص: 260


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع وفد الهندية في محافظة كربلاء يوم 2/ ذو القعدة/1428 المصادف 13/ 11/ 2007 و من لقاء سماحته مع وفود من حي العامل ومنطقة المعامل ببغداد وغيرهما يوم 13/ذو القعدة/1428.

سيتسنى للأمة تدقيق قيام المرجعية بوظائفها. ونحن بفضل الله تبارك وتعالى لم نغفل عن هذه النقطة وسجلناها في (سبل السلام) وكذا المرجعيات الواعية الحركية وضعت هذه المعالم في الرسائل العملية أو في كتبها الأخرى.

كما أننا ذكرنا العشرات من النقاط في (دور الأئمة في الحياة الإسلامية) والتي تمثل حركة المرجعية امتداداً لها وكذا في كتاب (الأسوة الحسنة)، وقد تضمّن كتاب نهج البلاغة جملة منها كقول أمير المؤمنين (ولولا ما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كِظةِ ظالم ولا سغب مظلوم) والحياة من حولنا مملوءة بالمظالم التي تعرضها وسائل الإعلام بشكل يومي فهل استجابت المرجعية لما أخذ الله تعالى عليها من عدم المقارّة عليها؟.

ونحن نعيش الذكرى التاسعة لاستشهاد سيدنا الأستاذ الشهيد السيد محمد الصدر (قدس) نتذكر انه كان يركّز على صفات في المرجعية يجدها –بعد تحقق الشروط العامة- هي الفيصل في الاختيار وهي الإخلاص وطيبة القلب حيث ذكرهما في خطبه ولقاءاته وفي مقدمة كتاب المشتق حينما سأل الله تبارك وتعالى لكاتبه أن يكون من (المراجع الطيبين والقادة المخلصين) لأن الإخلاص يسدد العمل ويبارك فيه وينميه ويثمره، وطيبة القلب تعني نكران الذات والتجرد عن الأنا والتفاني في خدمة الناس وقضاء حوائجهم وإيصال الحقوق إلى أهلها من غير استئثار أو منع. وكان (قدس سره) يحذّر من دفع الأموال إلى الجهات التي تضيّعها في (فيافي بني سعد) .

والخطاب موجّه إلى الجميع سواء استجابوا له أم لم يستجيبوا ولا تختص

ص: 261

بالمقلدين [إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا] (الإسراء: 7) كما أن رسول الله (صلی الله علیه و آله) رحمة للعالمين وولاية أمير المؤمنين فرض على الجميع لكن كم عدد الذين تمسكوا بها ففازوا؟ ولا يُعذر المعرضون.ومن صفات المرجعية الحركية الواعية التي تمثل الامتداد الحقيقي للأئمة (سلام الله عليهم) الصراحة والشفافية في التعامل مع الأمة والعمل على رفع مستوى الوعي والمعرفة والبصيرة لديها بعكس المتقمصين لهذا الموقع الشريف فإنهم يرون استمرار وجودهم بإبقاء الأمة على حالة السذاجة والجهل والتخلف ليستطيعوا تضليلها وخداعها بالهالة المقدسة التي يصطنعونها.

يذكر التاريخ أن أمير المؤمنين حينما كان يأتيه رسول من معاوية كان يأمر الرسول أن يصعد المنبر ويقرأ الرسالة علناً على الناس لأنه كان واضحاً وشفافاً معهم ولم يخف عليهم شيئاً من الحقيقة ولا كان خائفاً من شيء أخفاه على الناس بينما كان معاوية حينما يأتيه الرسول من أمير المؤمنين كان يأخذ الرسالة منه ولا يسمح لأحد أن يطلّع عليها إلا شريكه في المكر والخديعة عمرو بن العاص.

لذا فإن المرجعية الناطقة الصادقة الشاهدة تتحدث إلى الناس وتبيّن لهم ما لها وما عليها وتسمع منهم وتشرح لهم برنامجها ومشروعها [لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ] (الانفال:42) من دون تدليس أو خداع أو تضليل لأنها مطمئنة إلى الحق الذي هي عليه.

ص: 262

خطاب المرحلة 180 :حوارات سياسية (الحلقة الخامسة)موعظة للإعلاميين

اشارة

التقى سماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) بعدد من مراسلي الفضائيات ووكالات الأنباء(1) وافتتح كلامه بالحديث الشريف (طالبان منهومان لا يشبعان طالب العلم وطالب المال) وقال إن الصحفيين نهمون أيضاً في اقتناص الأخبار وتغطية الأحداث وتحقيق السبق الصحفي، فمن أي الفريقين هم؟

وأجاب سماحته: أنهم يمكن أن يكونوا من الأول ويمكن أن يكونوا من الثاني فإذا عملوا بمهنية وموضوعية وحيادية وإنصاف في كشف الحقائق وإيصال المعلومة الصحيحة كانوا من الأول لان العلم هو انكشاف الحقيقة كما هي في الواقع، وإن خضعوا للإغراءات وباعوا أمانتهم وشرف مهنتهم بثمن بخس فأصبحوا أبواقاً تردد ما تطلبه منهم الجهة التي تدفع لهم كانوا من الثاني، والأول هو الإعلامي الناجح الذي يحظى بالرضا والقبول.

وإني أقول بصدق: إنني استفيد كثيراً مما يعرضه المراسلون من خفايا وخبايا عن وضع الناس ومعاناتهم ومشاكلهم مما لا نستطيع الوصول إليه، وأتحرك منطلقاً من مسؤوليتي بما استطيع لحل تلك المشاكل ورفع المعاناة،

ص: 263


1- بينهم مراسل الحرة والمنار والعراقية والرأي العام ووكالة الصحافة الفرنسية... وكان اللقاء يوم 2/ذو الحجة /1428 المصادف 13/ 12/ 2007.

وأنا مدين لهم بهذه الخدمات التي يؤدونها، وأخصص جزءاً من وقتي لمتابعة نشرات الأخبار واعتبرها جزءاً من الاهتمام بأمور المسلمين التي أمرنا بها.وفي نفس الوقت فاني أتعجّب من الحكومة وعموم المتصدين لإدارة البلاد لهذا الصمم الذي أصيبت به آذانهم والعمى الذي أصيبت به أعينهم والقساوة التي طبعت على قلوبهم، فإننا إن عذرناهم عن النزول إلى الميدان والتجول بين الناس وتفقّد أحوالهم، فإننا لا نعذرهم من متابعة ما تظهره وسائل الإعلام ولا نعفيهم من واجب بثّ العيون من الأمناء المخلصين في كل زوايا البلاد لينقلوا لهم كل صغيرة وكبيرة من أحوال الشعب فيكافئوا المحسن ويعاقبوا المسيء ويصلحوا الفساد ويعمروا البلاد ويرفعوا المعاناة.

أنا أعلم أنه ليس بمقدورهم حل كل مشاكل البلاد فإن بعضها خارج عن حدود الطاقة، لكنني أتحدّث عمّا يمكنهم فعله لو توفرت الإرادة الجادة والصادقة، مثلاً حينما قرّرت الحكومة تشجيع العوائل المهجّرة في سوريا على العودة إلى العراق بسبب تحسّن الوضع الأمني وقررت توفير وسائط النقل مجاناً ومنح مبلغ لكل عائلة عائدة فإنهم نفذوا فوراً وبدون معوقات وتم تسليم المبالغ نقداً بمجرد وصول العوائل إلى بغداد وهذا شيء جيد ويستحق العائدون أن نعينهم على تجاوز المحنة، ولكن لماذا هذا الروتين القاتل والمماطلة والتسويف في مساعدة العوائل المهجرة بحيث تمرّ الأشهر دون تنفيذ قرار الحكومة بمنح مساعدة مالية لهم رغم صيحات المحرومين والمنظمات الدولية والإنسانية والكوارث المحيطة بهم. ألا يستحق هؤلاء المبادرة إلى مساعدتهم مباشرة وبنفس الفورية التي تعاملوا بها مع العائدين؟ إن مثل هذه المفارقة

ص: 264

تجعلنا نعتقد بعدم الإخلاص والمصداقية في العمل إلا بمقدار ما ينفع مصالحهم الشخصية ويلمّع صورتهم وإبراز قضية عودة المهاجرين كمؤشر على نجاح الحكومة.والمثال الآخر: امتيازات أعضاء مجلس النواب فانه نال المصادقة بدون تأخير مع ما يتميزون به أصلاً من امتيازات بينما يمر عام ونصف العام على قرار منح الطلبة الجامعيين مساعدات شهرية تعينهم على مواصلة دراستهم من دون نيل المصادقة.

والأدهى من ذلك أن أربع سنين عجاف مرّت على الشعب وهو يفقد الآلاف من أبنائه وتُخرّب ممتلكاته في حوادث العنف المريعة، وحينما أرادوا إنهاء ذلك بعد عقد صفقات وجني مصالح وأرباح توقفت تلك الأعمال بدرجة كبيرة بجرّة قلم فمن الذي يتحمل مسؤولية تلك الدماء والضحايا الذين خلفوا ملايين الأيتام والأرامل. وعاد الأمن إلى بغداد بنسبة 60-65 بحسب التقديرات بعد أن أصبحت مدينة أشباح يعلو فيها أزيز الرصاص والمتفجرات على كل صوت.

إن هذه النتائج تفرحنا لكننا نطالب أن تكون إرادة الخير ومراعاة القيم الإنسانية هي الحاكمة والبوصلة التي توجّه حركة الجميع لا المصالح الشخصية والأنانية.

ثم أجاب سماحته على بعض أسئلة الإعلاميين وهي:

ص: 265

الامتيازات الإضافية للبرلمانيين

س1: كيف يرى سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي الزيادة الكبيرة التي حصل عليها النواب والوزراء العراقيون والشعب العراقي يَئِنُّ من صعوبات العيش، خاصة خلال هذه الفترة الحرجة؟

الجواب: أعتقد أن المناقشة لا تكون الآن في أصل القرار فقد اتُخذ وانتهى الأمر ولم تنفع بعض الاعتراضات خصوصاً وأننا نعتقد أن ثروات البلد لو وزعت بشكل عادل وتوفرت عند الحكومة حسن إدارة للأموال فإن نصيب المواطن العراقي سيكون وفيراً خصوصاً لمن هم في مواقع المسؤولية ولهم وضع خاص في المجتمع.

ولكننا نطالبهم أولاً بأن يقدّموا للأمة عطاءً مساوياً للامتيازات التي يحصلون عليها وينجزون القرارات والمشاريع التي ترفع المعاناة عن الشعب وتوفر لهم حقوقهم بأسرع مما يقررّون لأنفسهم وليس العكس كما هو حاصل.

لذا أنا أمرت من يطيعني من أعضاء البرلمان وأنصح غيرهم أيضاً بدفع هذه الزيادات إلى صندوق خيري ينفق منه على تشغيل العاطلين ومساعدة المهجّرين والمحتاجين ليساهموا ولو بدرجة يسيرة وبحدود ما يستطيعون في رفع معاناة الناس، وقد سمعت أن كثيراً من المهجّرين في خيام متهرئة لا تصمد أمام أمطار وعواصف الشتاء فما مصير هذه العوائل حينئذ؟ وهل يعسر على البرلمانيين والحكومة توفير كرفانات لإسكان المهجرين؟!

ص: 266

الحكومة الحالية لا تناسب الوضع السياسي والاجتماعي، والممارسة الديمقراطية عوراء

س2: كيف تقرأون واقع تشكيلة الحكومة الحالية؟

الجواب: لا يمكن بناء العملية السياسية في هذه المرحلة على الأقل على أساس حكم الأغلبية وإنما تجب العودة إلى حكومة الشراكة الوطنية مع مراعاة الاستحقاقات وأن تتخذ القرارات الستراتيجية وفق مبدأ التوافق لأكثر من سبب:

لأن تركيبة الأحزاب الحاكمة اليوم مبنية على أساس المكونات الاجتماعية والانتماء الطائفي والعرقي فاعتماد نظام حكم الأغلبية يعني عزّل بعض مكونات المجتمع وبالتالي استعداءهم لأنه يُنظر إليه على انه إقصاء لهذا المكون أو ذاك، نعم إذا تحققت القناعة بما دعونا إليه من تغيير خارطة التحالفات وبنائها على أساس البرامج والمشاريع التي تقدّمها الأحزاب فسيكون من الممكن حينئذ حكم الكيانات ذات البرامج التي تحظى بالأغلبية ولا يكون فيه عزل أو إقصاء لمكوّن من النسيج الاجتماعي العراقي وهذا ما يحتاج إلى مدة لاستيعابه ومن ثم العمل به لوجود كتل ترى من مصلحتها إبقاء هذه التخندقات.

إن ممارسات المهيمنين على السلطة تقدّم لنا نموذجاً للديمقراطية العوراء التي ترى بعين واحدة وهي حكم الأغلبية هذا إذا افترضنا أنها تتمتع بأغلبية برلمانية وهذا غير صحيح بدليل فشل رئيس الوزراء في نيل ثقة الأغلبية على الوزراء الذين يقدّمهم لشغل المقاعد الفارغة ولا تنظر بالعين الأخرى وهي حفظ حقوق الأقلية، وهذا ما لا يتوفر في سياسة الحكومة إذ أن من لا ينتمي إلى الأحزاب المستأثرة بالسلطة يتعذّر عليه أن يحصل على فرصة عمل يكسب

ص: 267

بها قوتاً لعائلته، فهل هذا من الديمقراطية! ولنفترض أن كياناً أو فرداً ليس جزءاً من التشكيلة الحكومية لكن أليس هو جزءاً من الدولة ويساهم في بنائها وانه مواطن عراقي له كامل الحقوق المكفولة لكل مواطن؟ والنتيجة أن الحكومة الحالية لا تناسب الوضع السياسي والاجتماعي في العراق اليوم ولابد من العودة إلى حكومة الشراكة والوحدة الوطنية فإن الاستئثار والتفرد هو الذي يؤدي إلى العنف ويقود إلى الخراب.

حل مشكلة كركوك، والفدرالية والدكتاتورية

س3: كيف ترون الحل في مشكلة كركوك؟

الجواب: حل مشكلة كركوك وكل محافظات العراق بجعل نظام الحكم في العراق مبنياً على أساس الإدارة اللامركزية تتوفر فيه حكومة مركزية قوية قادرة على إعادة بناء البلد وإعماره والدفاع عنه وحفظ وحدته ولحمة نسيجه الاجتماعي وتقسّم ثروات البلد بعدالة، مع إدارة لا مركزية للمحافظات تمنح فيه السلطات المحلية صلاحيات تمكّنها من مراعاة خصوصيات المحافظات وأولويات حاجاتها لوجود تباين بين مستوى المحافظات ودرجة تعرضها للخراب والدمار والإهمال وتنوع ثقافاتها ومصالحها، ثم إن إعطاء مثل هذه الصلاحيات يساهم في بروز قيادات في المحافظات تؤهلها لمشاريع أوسع كالفدرالية ونحوها عندما تكون الظروف مناسبة.

وقد اكتشف حتى الإخوة الأكراد في الأيام الأخيرة عندما تصاعدت التهديدات التركية حاجتهم إلى وقفة قوية من الحكومة المركزية، واكتشفوا

ص: 268

أن ليس من مصلحة العراق وشعبه إضعاف الحكومة المركزية كما إنكم تلاحظون أن كثيراً من المشاكل يستعصي حلها على الحكومات المحلية ولا تُحلَّ إلا بتدخل الحكومة المركزية.أما المبررات التي تذكر اليوم للمسارعة في تطبيق الفدرالية فهي غير واقعية كما يقال أنها لمنع الديكتاتورية في المركز. وهذا كلام غير صحيح، لان الذي يمنع الديكتاتورية وجود عملية سياسية صحيحة مبنية على التنافس الشريف واحترام إرادة الشعب والعمل بالدستور وحينئذ ينال كل واحد حقه من غير استئثار ولا عدوان، أما الفدرالية فقد تعمل على إنشاء ديكتاتوريات متعددة في الأقاليم والمحافظات ويتحول إلى ممالك وكانتونات عشائرية وطائفية وغيرها من الانتماءات فلنعمل جميعاً على إقامة عملية سياسية سليمة قائمة على أسس صحيحة فهي الحل الأمثل للجميع. أما الدعوات الأخرى فلا أستطيع أن أحسن الظن بها. والوقائع على الأرض والأحداث شاهدة على ذلك.

ص: 269

خطاب المرحلة 181 :{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} المسؤوليات الثابتة والمتغيرة

خطاب المرحلة 181 :

{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ}(1)

المسؤوليات الثابتة والمتغيرة (2)

(اللَهُمّ هَذا يَومٌ مُبارَكٌ مَيمونٌ، وَالمُسلِمونَ فِيهِ مُجتَمعونَ في أَقطارِ أَرضِكَ، يَشهَدُ السائِلُ مِنهم، والطَالبُ والراغِبُ والراهِبُ، وأنتَ الناظِرُ في حَوائِجهم، فأسأَلُكَ بِجُودِكَ وكَرَمِكَ، وهَوانِ مَا سألتُكَ عَليكَ أَنْ تُصَلِّيَ على مُحمّدٍ وآلهِ، وأَسأَلُكَ اللهُمّ ربَّنا بأنَّ لَكَ المُلكَ ولَكَ الحَمدَ، لا إلهَ إلا أنتَ الحَليمُ الكَريمُ، الحَنَّانُ المَنَّانُ، ذُو الجَلالِ والإِكرامِ، بديعُ السَماواتِ والأرضِ، مَهما قَسَمتَ بينَ عبادِكَ المُؤمنينَ مِن خَيرٍ أو عافيةٍ، أو برَكةٍ، أو هُدىً، أو عَملٍ بِطاعَتِكَ، أو خَيرٍ تَمُنُّ بهِ عليهِم، تهدِيهِم بهِ إِليكَ، أو تَرفَعُ لهُم عِندَكَ درجةً، أو تُعطِيهِم بهِ خَيراً منْ خَيرِ الدُنيا والآخِرةِ، أنْ تُوَفِّرَ حَظِّي ونَصِيبِي مِنهُ، وأسألُكَ اللُهمَّ ربَّنا بأَنَّ لكَ المُلكَ ولكَ الحمدَ، لا إلهَ إلا أنتَ أنْ تُصَلِّيَ على مُحمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ عبدِكَ ورَسُولِكَ، وحَبيبِكَ وصَفوَتِكَ، وخِيَرَتِكَ مِن خَلقِكَ، وعلى آلِ محمّدٍ الأَبرارِ الطاهِرينَ الأَخيارِ، صَلاةً لا يَقوَى عَلى إحْصَائِها إلا أنتَ، وَأَنْ تُشرِكَنا في صالِحِ

ص: 270


1- [الصافات : 24]
2- خطبتا صلاة عيد الأضحى المبارك لسنة 1428ه- التي أقامها سماحة الشيخ اليعقوبي في داره يوم 21/ 12/ 2007 .

مَن دَعاكَ في هذا اليومِ مِن عبادِكَ المُؤمنينَ، يا رَبَّ العالَمِينَ، وأنْ تَغفِرَ لنَا ولَهُم، إنَّكَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ)(1).قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم [وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ] (الصافات: 24)؛ فمسؤولية الإنسان إذن لا تنتهي بالموت، بل لا بد من وقوفه في يومٍ للسؤال عن كل ما صدر منه صغيراً كان أو كبيراً [فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى] (طه: 52) وسيقف الإنسان يومئذٍ مبهوتاً متعجباً مستسلماً [وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً] (الكهف: 49).

ولو أنا إذا مِتنا تُركنا *** لكان الموتُ غايةَ كل حيِّ

ولكنّا إذا متنا بُعثنا *** ونسألُ بعدها عن كلّ شيِّ

فعلى الإنسان أن يستعد ليوم السؤال وأن يحضّر أجوبته عن كل أفعاله ومعتقداته لكي لا يُفاجأ بصحائف أعماله ويجد فيها ما جنت يداه ولا يستطيع التدارك فلا ينفعه الندم [وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ] (ص: 3) وأن يعي مسؤولياته أي ما سيُسألُ عنه -لأن المسؤولية اسم شيء مشتق مما يُسألُ عنه- لكي يؤديها بالشكل الصحيح.

والمسؤوليات على صنفين: ثابتة ومتغيرة؛ ولا نعني بالمتغيرة: أن حكمها يتغير لأن (حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة) وإنما نعني حصول التغيّر في الموضوع والعناوين فيتغير الحكم تبعاً لها،

ص: 271


1- الصحيفة السجّادية، الدعاء (50) في يوم الأضحى ويوم الجمعة.

فالخمر حرام لكن إذا عولجت وانقلبت خلاً صارت حلالاً لتغير الموضوع، والميتة حرام ولكن لمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ تكون حلالاً لطروّ عنوان ثانوي عليها وهو الاضطرار، فالتغير ليس في أصل الأحكام وإنما في تطبيقاتها.والتكاليف الثابتة معلومة على مستوى العقائد كالإيمان بوجود الله تبارك وتعالى ووحدانيته وصفاته الحسنى والأنبياء والرسل والأئمة سلام الله عليهم، وعلى مستوى الأحكام كوجوب الصلاة والصوم والخمس وحرمة شرب الخمر والزنا والغيبة وغيرها أو على مستوى الأخلاق كمحبوبية الصدق والكرم والحلم ومبغوضية الحسد والأنانية والتهور وغيرها.

أما المتغيرة فيمكن أن تتأثر بعناصر عديدة:-

منها: الموقع؛ فإن الإنسان العادي مسؤول عن نفسه وأهله وما يرتبط به، وحينما يكون وزيراً مثلاً فإنه مسؤول عن مؤسسات كاملة وإدارة كل الشؤون المرتبطة بوزارته ورعاية مصالح جميع الناس بما يرتبط بوظيفته، وحينما يكون إماماً في مسجد فإنه يكون مسؤولاً عن أبناء تلك المنطقة فيتفقدهم ويصلهم ويقضي حوائجهم ويساعدهم ويهديهم ويصلح شأنهم، فإذا أصبح قائداً أو مرجعاً دينياً شملت مسؤوليته الملايين من الناس في شرق الأرض وغربها؛ ولذا نجد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیهما السلام) يقول وهو بالكوفة (ولعلَّ بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع)، ويروي التأريخ أن المعتصم العباسي وصلته استغاثة امرأة في عمورية من بلاد الروم نادت: وامعتصماه؛ فقاد جيشاً كبيراً وخرج بنفسه لتأديب الروم وإغاثة المرأة.

وقد ورد في الحديث عن الإمام الصادق (علیه السلام) (من أصبح لا يهتم بأمور

ص: 272

المسلمين فليس منهم ومن سمع رجلاً ينادي: يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم)(1).وكم من فقير وجائع ومكروب ومهجّر ومريض ومسجون بغير حقٍّ ينادي اليوم: يا للمسلمين، يا للحكومات، يا لعلماء الدين، يا للمرجعيات.

فليعلم كل واحدٍ مسؤوليته وإذا عجز عن حل المشكلة وقضاء الحاجة فلا أقل من التفاعل مع القضايا ونصرة أصحابها بالكلمة والموقف؛ عن الإمام الباقر (علیه السلام) قال: (إن المؤمن لترد عليه الحاجة لأخيه فلا تكون عنده فيهتمّ بها قلبُه فيدخله الله تبارك وتعالى بهمِّه الجنة)(2)، أما الذين في موقع يسعهم قضاء حوائج الناس ويقدرون عليها فلا يهتمون ويقصرون في إنجازها فقد خرجوا من ولاية الله تبارك وتعالى، ففي الحديث عن موسى بن جعفر (علیه السلام) (من قصد إليه رجل من إخوانه مستجيراً به في بعض أحواله فلم يُجره بعد أن يقدر عليه فقد قطع ولاية الله عز وجل)(3)، وعن الإمام الصادق ع قال: (لم يَدَعْ رجلٌ معونةَ أخيه المسلم حتى يسعى فيها ويواسيه إلا ابتلي بمعونة من يأثم ولا يؤجر)(4).

ومنها: الظروف المحيطة به؛ فنحن في العراق نعيش حالة احتلال وصراع

ص: 273


1- وسائل الشيعة: كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أبواب فعل المعروف، باب18، ح3.
2- المصدر السابق، ح4.
3- المصدر السابق، باب 37، ح4.
4- المصدر السابق: ح5.

سياسي وفقر وحرمان وقتل وتهجير واختطاف وفساد إداري وسرقة للمال العام واعتقال للأبرياء وغيرها من القضايا التي تحتم اتخاذ مواقف بإزائها لم نكن مكلفين بها قبل وجودها، ولا يعذر الإنسان حين يصمّ آذانه عن كل هذه القضايا من دون أن يقوم بواجبه تجاهها، كما لا تعذر الحكومة حين تصمُّ آذانها عن مطالبة عوائل الأبرياء المعتقلين للإفراج عنهم أو تصمّ آذانها عن سماع الشعب العراقي المحروم الذي يطالب بتوفير مفردات البطاقة التموينية وتحسينها فتَفعل الحكومة العكس وتعلن عزمها على تقليل المفردات إلى النصف.ومنها: البلد الذي يؤثر في نوع المسؤولية، فالشخص الذي يسكن العراق له تكاليف تختلف عن الذي يسكن في بلاد الغرب مثلاً فهذا تبرز عنده وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنه يعيش في وسط مجتمع مسلم فوظيفته تقويم الانحراف داخل المجتمع المسلم بهذه الوظيفة، أما المقيم في الغرب فتبرز عنده وظيفة الدعوة إلى الإسلام لأنه يحاور غير المسلمين.

ويؤثّر في حجم المسؤولية ومقدارها وجرّبتم لو أن مجموعة من الطلبة الجامعيين ينتمون إلى محافظات متعددة صدر منهم تصرف معين فإن الطالب النجفي يحاسب أكثر من غيره، ومعذّريته أقل.

ومنها: العلم؛ فكلما ازداد الإنسان علماً ازدادت مسؤوليته بكلا شقّيها أي من حيث الثواب على الإحسان والعقاب على الإساءة لذا ورد في الحديث أن الجاهل يغفر له سبعون ذنباً قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد.

ومنها: المعرفة بالله تبارك وتعالى؛ فكلما ازدادت معرفته ازدادت مسؤوليته،

ص: 274

فقد تكون حالة مباحة وليست في دائرة المسؤولية ضمن مستوى معين ولكنها تكون ضمن دائرة المسؤولية في المستوى الآخر، لذا ورد في الحديث الشريف (حسنات الأبرار سيئات المقرّبين) فهي ليست سيئات بالمعنى المتعارف وإلا لما أصبحت حسنات بالنسبة للأبرار، فهي سيئات بالمعنى المناسب للمقربين.مثلاً يستغفر البعض لأنه غفل فلبس الحذاء الأيسر قبل الأيمن على خلاف الاستحباب، وروي عن بعض العلماء أنه كان يبكي لما دنت منه الوفاة رغم أنه أنفق كل ما عنده لقضاء حوائج الناس لكنه يبكي لأنه كان يستطيع أن يستعمل جاهه لخدمة مزيد من الناس.

روى سيدنا الشهيد الصدر (قدس سره) أنه صلى ركعتي استغفار ذات مرة لأنه التقى بشخص لم يره منذ مدة فقال له: مشتاقين. ولما عاد إلى نفسه خشي أن لا يكون صادقاً.

ومستويات الناس من هذه الناحية متباينة جداً ومتفاوتة بدرجات لا تنتهي لأن الكمال لا ينتهي، وقد ورد ما يدلّ على ذلك في حديث عن الأمام علي بن الحسين (علیه السلام) أنه جاء إليه رجل فسأله (فقال له: ما الزهد؟ فقال: الزهد عشرة أجزاء فأعلى درجات الزهد أدنى درجات الورع، وأعلى درجات الورع أدنى درجات اليقين، وأعلى درجات اليقين أدنى درجات الرضا، وإن الزهد في آية من كتاب الله عز وجلّ [لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ])(1).

وقد ورد عن المعصومين (علیهم السلام) عدم جواز استعلاء صاحب الدرجة الأرقى على من هو دونه والاستخفاف به أو عدم مراعاة حاله، ففي كتاب الخصال

ص: 275


1- الخصال للشيخ الصدوق، باب العشرة، ص 437.

للشيخ الصدوق (رضوان الله عليه) عن الإمام الصادق (علیه السلام) قوله لأحد أصحابه واسمه عبد العزيز: (يا عبد العزيز الإيمان عشر درجات بمنزلة السُلّم له عشر مراقي وترتقي منه مرقاة بعد مرقاة فلا يقولن صاحب الواحدة لصاحب الثانية لست على شيء، ولا يقولن صاحب الثانية لصاحب الثالثة لست على شيء ... حتى انتهى إلى العاشرة، قال: وكان سلمان في العاشرة، وأبو ذر في التاسعة، والمقداد في الثامنة، يا عبد العزيز لا تسقط من هو دونك فيسقطك من هو فوقك، إذا رأيت الذي هو دونك فقدرت أن ترفعه إلى درجتك رفعاً رفيقاً فافعل، ولا تحملنَّ عليه ما لا يطيقه فتكسره فإنه من كسر مؤمناً فعليه جبره)(1).وروى السيد الصدر (قدس سره) أن جدي اليعقوبي كان يقيم مجالس العزاء الحسيني في دار الميرزا النائيني (قدس سره) المرجع الديني في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي فإذا أنهى المجلس قال الناس: أحسنت وأمثالها إلا النائيني فكان يقول: غفر الله لك، فسأله الشيخ اليعقوبي عن سرّ ذلك فقال له النائيني (قدس سره): لأنك تأتي في كلامك بروايات لم تثبت صحتها فأطلب لك المغفرة لذلك، فالتزم الشيخ اليعقوبي (قدس سره) في اليوم التالي بالتحقيق في سند الروايات وعدم ذكر إلا ما يصحّ منها فلم يؤثر في الجالسين ولم تتحرك عواطفهم ولم يتفاعلوا مع المصيبة فأذن له الشيخ النائيني (قدس سره) بالعودة إلى طريقة التسامح في الروايات أي ما يسمى بقاعدة التسامح في أدلة السنن والمستحبات، وعلّق السيد الصدر (قدس سره) بأن (حال) اليعقوبي أو درجته هي (من بكى أو أبكى أو تباكى كان له كذا من الأجر) وحال الشيخ النائيني

ص: 276


1- الخصال للشيخ الصدوق، أبواب العشرة، ص 448.

(قدس سره) [مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ] فتكليفهما مختلف.ومنها: الانتماء؛ فالذي يوالي أمير المؤمنين (علیه السلام) وأهل البيت (علیهم السلام) عليه مسؤوليات أكثر من غيره من المسلمين والذي ينتمي إلى المرجعية الناطقة الحركية يشعر بالمسؤولية عن دينه ومجتمعه أكثر ممن ينتمي إلى المرجعيات التقليدية الساكنة لذا تجد الحيوية والاندفاع والسبق إلى تنفيذ المشاريع التي تعلي كلمة الله تبارك وتعالى وترفع راية الإسلام في أتباع المرجعية الأولى أكثر.

ولعل من أهم المسؤوليات التي يتحملها من ينتمي إلى مدرسة أهل البيت (سلام الله عليهم) هو الإيمان بالإمام المهدي (عجل الله فرجه) والتفاعل مع قضيته واستشعار مراقبته ورعايته واطلاعه على أعمال العباد والعمل على تعجيل ظهوره الشريف وإقامة دولته المباركة.

وأشير هنا إلى واحدة من تلك المسؤوليات وهي ما ورد في الدعاء الشريف (اللهمّ كُنْ لِوليِّكَ الحجةِ بن الحسنِ صَلواتُكَ عَليهِ وعلى آبائِهِ) إلى أن يقول (حتى تُسكِنهُ أرضك طوعاً) أي طواعية وسلماً من دون قتال أو صعوبات أو معوقات. والدعاء عند أهل البيت ليس فقط كلمات تتلى للثواب وإنما هو وسيلة لإلقاء العلوم والمعارف إلى شيعتهم.

ويمكن أن نفهم هذه الفقرة بعدة أشكال:

1-الطلب من الله تبارك وتعالى أن يذلل للإمام (سلام الله عليه) السماوات والأرض والبحار فتكون في أوضاع مناسبة لحركته المباركة وأن توظف

ص: 277

لخدمته وتكون عوامل مساعدة لعمله المبارك كما نصر الله تبارك وتعالى رسول الله (صلی الله علیه و آله) في معركة بدر بألفٍ من الملائكة والنعاس والمطر والرعب في قلوب الكفّار؛ قال تعالى [إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ، وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ، إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ] (الأنفال: 9-12) وكيف أرسل الله تبارك وتعالى الرياح العاتية على الأحزاب فقلّعت خيامهم وهزمتهم حتى انسحبوا [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً] (الأحزاب: 9).2-أن يمكّن المؤمنين من الوصول إلى مواقع النفوذ والسلطة والحكم في البلاد التي ينطلق منها الإمام (عجل الله فرجه) لتأسيس دولته الكريمة وهؤلاء يهيئون تسليم الحكم للإمام (عجل الله فرجه) بكل طاعة وولاء أما إذا كانت بأيدي المنافقين والكفار والمعادين فإن الإمام سيبذل كثيراً من الجهد والتضحيات لفتح هذه البلاد، وقد وردت روايات تسمي فيها بعض القيادات الصالحة التي تلتحق بالإمام (علیه السلام) مع قواتها سلماً وتسلّم له القيادة في العراق في حين تحاربه جيوش من بعض الدول المجاورة وبعض المنافقين في هذه البلاد.

ص: 278

3-إن البشرية ستكون قريباً من الظهور مستعدة لاستقبال المصلح الموعود بسبب الأزمات الخانقة التي تعجز عن حلها سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو بيئية أو صحية أو عسكرية وغيرها فحينما تبلغهم دعوة الإمام (عجل الله فرجه) لإقامة الحق والعدل وسعادة البشرية وإنصاف المظلومين والمحرومين واجتثاث أصول الفساد فسينقادون إليه ويؤمنون به، ويساهم السيد المسيح (ع) بدور فاعل في إذعان الأمم المسيحية للإمام المهدي (عجل الله فرجه)، بحسب ما ورد في الروايات.

فكلّ من هذه المحاور يوجب تكليفاً بإزائه، فالشكل الأول يدعو إلى ديمومة الدعاء للإمام (عجل الله فرجه)، والشكل الثاني يدعو شيعة الإمام (عجل الله فرجه) التواقين لظهوره الميمون أن يزيدوا من خبرتهم في الإدارة والحكم وينظموا صفوفهم ويعبئوا طاقاتهم للوصول إلى هذه المواقع وبذل الوسع في النجاح في أداء مهامهم حتى يتمكنوا في الأرض وينجحوا ثم يسلّموا مقاليد الأمور إلى بقية الله الأعظم (عجل الله فرجه).

والشكل الثالث يقضي بأن لا يقصّر المؤمنون في عرض الإسلام النقي الأصيل كما ورد عن النبي (صلی الله علیه و آله) وآله الطاهرين (علیهم السلام) على شعوب العالم وأن يبينوا لهم محاسنه ويرغبوهم بالدخول فيه ويشوّقونهم إلى اليوم الذي تسود فيه مبادئ الإسلام -التي هي مبادئ الإنسانية- الأرضَ كلها مستفيدين من وسائل الإعلام والاتصالات التي بلغت حداً عظيماً، ويشرحون لهم الحال المزرية التي أوصلتهم إليها أنظمتهم التي وضعها البشر بجهله وغروره من أمراض فتاكة كالآيدز ومن قلق ورعب ومستقبل مجهول وتفكك اجتماعي

ص: 279

وضياع وأزمات اقتصادية وتلوث بيئة وغيرها من المشاكل المستعصية.إن كل العناصر السابقة كولاية أهل البيت (علیهم السلام) أو الكون في موقع مهم يمكن أن تكون سبباً لامتيازات يحصل عليها الإنسان في الدنيا والآخرة، ومقتضى العدالة والإنصاف أن يفي بالمسؤوليات التي تقابلها وإلا كان من المطففين الذين يأخذون أكثر مما يعطون فهدّدهم الله تبارك وتعالى بالويل [بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ، الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ، وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ، أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ، لِيَوْمٍ عَظِيمٍ، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ] (المطففين: 1-6).

روي أن الإمام الحسين (علیه السلام) كان يذهب إلى مكة ماشياً على قدميه وإن النجائب المعدّة للركوب تُقاد بين يديه تعظيماً لله تبارك وتعالى، ولكنه كان يتنكب عن الطريق العام فقيل له في ذلك، فقال (علیه السلام): (أخشى أن أأخذ من رسول الله أكثر مما أعطيه) فالحسين (علیه السلام) صاحب أعظم عطاء في البشرية يستقلّ ما يقدم إزاء ما يأخذ من امتيازات كالتقديس والحب والتبرك وغيرها.

أيها الأحبة:

أمام هذه المديات الواسعة والتنوع الكبير والتباين الهائل في المسؤوليات والاستحقاقات والامتيازات ينبغي للإنسان أن يراجع نفسه ويقيّم أعماله ويجري محاسبة يومية انطلاقاً من الأحاديث الشريفة كقول الإمام الكاظم (علیه السلام): (ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فإن عمل سيئاً استغفر الله منه وتاب إليه)(1) وقول الإمام الصادق (علیه السلام) (فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا عليها،

ص: 280


1- وسائل الشيعة: ج11، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، باب69، ح1، 2.

فإن للقيامة خمسين موقفاً كل موقف مقداره ألف سنة، ثم تلا قوله تعالى [فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ])(1)، ولا أقل من استغلال الأيام الشريفة لهذه المراجعة والتأمل فيما قدّم وأخّر كيوم عرفة يوم التوبة العالمي والاستغفار والإنابة إلى الله تعالى وفي يوم العيد الذي يعني العود والرجوع إلى الله تبارك وتعالى، وكان من المعالم البارزة لإحياء هذه الشعائر الحشد الكبير الذي غصّ بهم الصحن الحسيني المطهّر أمس لتلاوة دعاء الإمام الحسين (علیه السلام) يوم عرفة وهم يبكون ويتضرّعون ونقلته لنا بعض الفضائيات، ومثل هذا الاجتماع المبارك سبب مهم لرفع البلاء عن هذه الأمة.إن الشعور بهذه المسؤوليات والالتفات إليها يقتضي عملين:

الأول: رفع التقصير عما لم يقم به الإنسان والندم عليه وتداركه.

الثاني: شحذ الهمّة والعزيمة ورفع مستوى الطموح ليبلغ أعلى هذه الدرجات ويستوعب أكبر مساحة من المسؤوليات ليحظى بأعلى الامتيازات عند الله تبارك وتعالى [وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ] (التوبة: 72) [قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ، الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ] (آل عمران: 15-17).

كان بودّي –لو سمح الوقت- أن أتحدث بمناسبة مرور عام على صدور

ص: 281


1- وسائل الشيعة: ج11، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، باب69، ح1، 2.

تقرير بيكر – هاملتون- يوم 6/ 12/ 2006 الذي ضمّ (79) توصية سميت ب-(الطريق إلى الأمام) لنرى كم من هذه التوصيات نُفّذت خلال هذا العام ليأخذ الساسة العراقيون وفي عموم المنطقة هذه التوصيات على محمل الجد وعدم النظر إليها على أنها مقترحات غير ملزمة.كما أشير باختصار إلى أن جملة من الوقائع على الأرض تشير إلى قرب حصول حدث سياسي كبير(1) وقد بنيت توقعاتي هذه على عدة معطيات ابتداءً من تشكيل التكتل الرباعي الذي لم يعرف له المحللون وجهاً إذ من غير المعقول أن ينفصل الحزبان الشيعيان عن كتلة برلمانية هي الأكبر –أي الائتلاف العراقي الموحد- ويضيّعا فرصة قيادة العملية السياسية ويشكلا بالمناصفة مع الحزبين الكرديين هذا التكتل، حتى الإدارة الأمريكية علّقت في حينه بأن لا جديد في هذا التكتل لأنه ضمّ نفس المتحالفين في السلطة، لكن

ص: 282


1- كان استقراء الأحداث يشير إلى قرب انقضاض المجلس الأعلى على المالكي ليسقط حكومته ويشكل حكومة جديدة برئاسة مرشحه عادل عبد المهدي مدعوماً من الحزبين الكرديين والحزب الإسلامي وأخذوا الضوء الأخضر من وزير الدفاع الأمريكي وبعث التحالف الكردستاني برسالة شديدة وقاسية إلى المالكي هددوه فيها فأصيب المالكي بانهيار عصبي ومشاكل في القلب نقل على وأثرها إلى لندن بطائرة خاصة يوم 18/ذ.ح، لكن وزيرة الخارجية الأمريكية أفشلت هذه المحاولة حينما انفصلت من وفد رئيسها الذي كان يزور دولا ًفي المنطقة ووصلت بغداد من المملكة السعودية في زيارة سريعة يوم 6/محرم/ 1429 المصادف 15/ 1/ 2008 لتوقف هذه التداعيات ويبدو أن إعلان سماحة الشيخ عن هذه التوقعات أوجبت قلق بعض كبار زعماء الائتلاف من انكشاف خطتهم وفشلها فسارع أحدهم== ==إلى زيارة سماحة الشيخ في اليوم التالي من عيد الأضحى (11/ذ.ح) بعنوان التهنئة بالعيد ليفهم بماذا تفكر المرجعية ؟!

يبدو أن أهداف الذين سعوا إلى تشكيل هذا التكتل قد وضحت لوزيرة الخارجية الأمريكية أو أنها كانت واضحة لديها لكن حصلت القناعة الآن بها حيث قالت في زيارتها قبل أيام للعراق إن التكتل الرباعي يمثل خارطة طريق لعملية سياسية صحيحة. ولم يهتدِ أحد إلى هدف تشكيل التكتل، ويمكن أن نضع ضمن هذه المعطيات ما أعلنه مصدر مقرب من رئيس جمهورية العراق قبل يومين أن رئيس الجمهورية سيطلق بعد العيد مبادرة لإصلاحات سياسية (1) تتضمن تشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية (على تعبيره) وعلى أنها على أي حال فلا يتسع الوقت لبيان تفاصل هذه المعطيات والله العالم وهو مدبّر الأمور ولا رادَّ لقضائه.

ص: 283


1- أعلن الحزبان الكرديان والحزب الإسلامي تحالفاً ثلاثياً يوم 13/ذ.ح ووصفوا الخطوة بأنها تمهد لإعادة تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة ورددوا عبارة سماحته ب- ((توقّع حدوث تغيير سياسي كبير قريباً وتغيير في خارطة التحالفات)) وهكذا توالت الأحداث مما لا يناسب ذكرها جميعاً لتكمل الصورة التي توقعها سماحة الشيخ في خطبة العيد.

خطاب المرحلة 182 :تأييد مطلب العشائر بتأسيس مكاتب إسناد القانون وحماية مؤسسات الدولة في عموم العراق

خطاب المرحلة 182 :تأييد مطلب العشائر بتأسيس مكاتب إسناد القانون وحماية مؤسسات الدولة في عموم العراق(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

كنّا من أوائل من نبّه إلى ضرورة أن تعطى العشائر دورها الذي تستحقه في بناء العراق الجديد وحفظ الأمن والاستقرار فيه، ولكن المتصدين لإدارة البلاد اعرضوا عن سماع هذا الصوت المخلص لأنه لا ينسجم مع الأجندات التي يعملون من أجل تحقيقها، مما أدى إلى تمزّق البلاد بهذا الشكل المريع.

ولم تبخل العشائر في منحهم أصواتها في الانتخابات ليتسلقوا إلى مناصب الدولة المختلفة حتى إذا شغلوها جميعاً بخلوا على تلك العشائر حتى بتعيين أبنائها في أدنى وظائف الدولة حيث حصرت تلك الأحزاب الوفية! التعيينات بمن يأتي عن طريقها لتستعبده وتسخّره لخدمة أغراضها الأنانية.

وبقيت الحكومة تتخبط ويزداد الحال سوءاً بسبب إقصائهم لأهل هذا البلد الذين عاشوا معاناته بكل فصولها وصمدوا على هذه الأرض الطيبة في وجه كل مؤامرات تغيير الهوية وحافظوا على خصوصيات هذا البلد وأهله، حتى التفت المحللون والخبراء واللجان التي أرسلتهم الإدارة الأمريكية إلى فداحة

ص: 284


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع عدد من شيوخ ووجهاء عشيرة بني تميم في التاجي يوم 29/ذ.ح/1428 المصادف 9/ 1/ 2008 ومع عدد كبير من شيوخ عشائر البصرة في اليوم التالي

خطر هذا الإقصاء وارتكابهم لهذا الخطأ الجسيم فبدأوا بمشاريع لاستيعاب العشائر في مجالس الصحوات ومجالس الإسناد ونحوها، وكان لعدد منها دور مخلص في القضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه والقضاء على حواضنه وهو ما دعوناهم إلى القيام به خصوصاً عشائر الأنبار في خطاب بعد التفجير الإجرامي الأول الذي استهدف الروضة العسكرية الشريفة في شهر شباط/2006 كما كان لعشائر الوسط والجنوب دور بارز في تأمين الطرق والمحافظة على مؤسسات الدولة وملاحقة العصابات الإجرامية وحماية الأنابيب الناقلة للنفط وغيرها.وقد لمس جميع المراقبين آثار هذه الانطلاقة الايجابية البناءة لعشائر العراق، ثم كان لها الدور البارز في وقف الفتنة الطائفية التي جاء بها عملاء الأجانب فأعادوا اللحمة الوطنية وتلاقوا على حب هذا الوطن ونبذ الإرهاب أياً كان مصدره وتوجّهه ورفض تقسيم البلد وحفظ وحدة أرضه وشعبه فتبادلوا الزيارات واللقاءات.

لكن الذي يؤسف له أن الإدارة الأمريكية البعيدة عن هذا الشعب ثقافياً ودينياً واجتماعياً وجغرافياً تلتفت إلى أهمية هذا المشروع بينما يغفل عنه المحسوبون على العراق ظاهراً، ومادام الحل يأتي أمريكياً فانه حتماً سوف لا يتطابق مع الرؤية العراقية من بعض الجهات على الأقل لذا نرى كيف ظهرت خلافات عميقة عن مصير مجالس الصحوة والأعمال المناطة بها وأهداف تشكيلها وغيرها بعد أن تعارضت المصالح وهذه نتيجة طبيعية لسياسة خاطئة لا تعتمد المصالح الوطنية العليا وتتلاعب بها مصالح الدول المتدخّلة في الشأن العراقي.

ص: 285

إن هذا الخلاف لا يمكن أن يلغي دور العشائر وضرورة إشراكهم في إدارة البلد من خلال تحمّلهم المسؤوليات التي تناسب وضعهم، وهذا الدور لا يقتصر على مواجهة القاعدة والمجاميع الإرهابية حتى يقول البعض إننا لسنا بحاجة إلى مجالس إسناد العشائر في وسط وجنوب العراق لخلوّها من القاعدة وأمثالها، فهذه إن كانت كلمة حق فانه يراد بها باطل وهو الاستمرار في سياسة إقصاء أبناء هذا البلد الغيارى والوطنيين الأحرار الذين لا يركعون للأجانب، لان دور العشائر لا يقتصر على مواجهة الإرهاب بل إن لهم القدرة على المساهمة في بناء البلد وفرض سلطة القانون وحماية مؤسسات الدولة وهذه مطلوبة في كل أنحاء العراق. وإن هذه العشائر تأبى حياة الضيم والذل فكيف ترضى بأن يبلغ بها الحال أن تطرق أبواب الأحزاب وتستجدي موافقتها على تعيين أبنائها الأصلاء في سلك الجيش والشرطة ولا يجدون أذاناً صاغية وهذا ابسط حق لهم على تلك الأحزاب التي تسللّت إلى المناصب بأصوات العشائر، فلماذا تحصر التعيينات بالأحزاب وتحرم منها العشائر مع وضوح بؤس هذه السياسة الحمقاء التي حولت مؤسسات الدولة إلى مكاتب للأحزاب ترعى مصالحها؟

إن العشائر العربية الأصيلة تتصف بالكثير من خصال الخير يجب على كل قائد أو مربي أو مصلح أو سياسي أن يستثمرها للإصلاح والأعمار كما فعل رسول الله (صلی الله علیه و آله) حينما استثار هذه الخصال وانطلق بالإسلام المبارك من أحضان الجزيرة العربية حتى ملأ بنوره الشرق والغرب.

ص: 286

خطاب المرحلة 183 :يوم الغدير أساس وحدة المسلمين

خطاب المرحلة 183 :يوم الغدير أساس وحدة المسلمين(1)

السلام عليكم أيها الحفل الكريم ورحمة الله وبركاته..

يتحدث المسلمون بجميع طوائفهم عن ضرورة الوحدة ونبذ الخلاف ويعقدون المؤتمرات و الندوات والحوارات تحت هذا العنوان وتصرف الأموال الضخمة في هذا السبيل دون أن يتحقق تقدّم يذكر وربما ازدادوا بعداً عن بعضهم، فأين الخلل ولماذا هذا العجز عن الوصول إلى الحل؟

يدلّنا القرآن الكريم على ما تتحقق به الوحدة بين المسلمين فان الله تعالى يقول: [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ] (آل عمران:103).

وقد وردت الروايات في تفسير الآية بأن حبل الله هو القرآن الكريم وولاية علي بن أبي طالب والأئمة المعصومين (سلام الله عليهم) من ذريته، فقد روي

ص: 287


1- كلمة سماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) التي ألقاها فضيلة السيد محمد الغريفي في الحفل الذي أقامته ممثلية المرجعية الرشيدة في العاصمة الألمانية برلين بمناسبة عيد الغدير الأغر لسنة 1428المصادف 29/ 12/ 2007، وألقاها سماحته مع زيادة عليها في كلمة متلفزة الى قناة النعيم الفضائية و ارسلها عبر البريد الالكتروني الى احتفال يقام بهذه المناسبة عام 1433 في مدينة موركنتاون التابعة لولاية ويست فرجينيا الامريكية بطلب من المؤمنين القائمين على هذا الاحتفال

عنه (عليه الصلاة والسلام) قوله : (القرآن حبل الله المتين) وفي تفسير القمي (الحبل : هو التوحيد والولاية) وفي تفسير العياشي عن الباقر (علیه السلام) (آل محمد صلوات الله عليهم : هم حبل الله المتين الذي امر بالاعتصام به) .وتشهد نفس الآية على هذا التفسير، لأنها ذكرت أن العرب كانوا أعداء متباغضين فوحدّهم الله تبارك وتعالى وجمع كلمتهم بنعمة الإسلام، وقد أشارت آية أخرى إلى أن تمام هذه النعمة ونظام عقدها ولاية أمير المؤمنين (علیه السلام)، قال تعالى: [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً] (المائدة:3) وقد روى المفسرون من الطائفتين أنها نزلت بعد تنصيب رسول الله (صلی الله علیه و آله) لأخيه وابن عمه علي بن أبي طالب (علیهما السلام) خليفة وولياً وهادياً للأمة بعده يوم الغدير بعد حجة الوداع.

فنعمة الله التي توّحد المسلمين وتؤّلف بين قلوبهم هي الاسلام وتمامها وكمالها ولاية علي ابن ابي طالب (علیهما السلام)

وإلى هذا أشارت الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء في خطبتها في مسجد أبيها قالت : (علیها السلام) (صلی الله علیه و آله) (فجعل إمامتنا نظاماً للملة، وطاعتنا أماناً من الفرقة).

وولاية أمير المؤمنين (علیه السلام) ليست قضية عاطفية تجاه شخصيته العظيمة حتى نكتفي بالمحبة والموّدة، ولا هي قضية تاريخية حتى يقال مالكم تعيدون الماضي وتثيرون الخلافات القديمة، ولا هي عقيدة نظرية نكتفي بالأيمان بها من دون اثر عملي وإنما هي باب ينفتح منه ألف باب من الاعتقادات والأحكام والآداب تكون برنامجاً كاملاً في المعتقد والسلوك على صعيد الفرد والأمة.

والأمة لم تقع فيما وقعت فيه من التخبّط والصراع والفتن المضلّة التي

ص: 288

تسببت في إزهاق أرواح الأجيال بعد الأجيال من الأبرياء وخراب البلاد وانهيار الحضارة وعدم الاهتداء إلى الحق إلا بسبب عدم تمسكها بحبل الله المتين وصراطه المستقيم وعروته الوثقى التي لا انفصام لها. وهذا ما دعا عبد الله بن العباس وغيره من الصحابة العارفين يتأوه إلى نهاية عمره مما حصل في رزية يوم الخميس – بحسب تسميته - التي سبقت وفاة رسول الله (صلی الله علیه و آله) بأيام حينما طلب رسول الله (صلی الله علیه و آله) أن يأتوه بدواة وقرطاس ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده ابدا، فردوا عليه بالكلمة المعروفة. ويقول ابن عباس عن مسألة (العول)(1) أي النقص في فرائض الميراث التي قال بها من لم يأخذ العلم من نميره الصافي وفندّها أمير المؤمنين (علیه السلام) والأئمة من بعده (سلام الله عليهم) وفيها يقول عبد الله بن العباس بعد أن اثبت بطلان القول بالعول في رواية طويلة: قال (وأيمُ الله لو قدَّم من قدَّم الله وآُخّر من آخّر الله ما عالت فريضة))(2) وهو يقصد بحسب الظاهر التقديم والتأخير في استحقاق الميراث، لكنه كان يريد معنى أعمق من ذلك بأن الأمة لو قدّمت لولاية أمرها من قدّمه الله تبارك وتعالى واختاره لخلافة رسول الله (صلی الله علیه و آله) لما

ص: 289


1- مثالها لو مات شخص وترك ابوين وزوجة وبنتين، فللأبوين السدسان وللزوجة الثمن وللبنتين الثلثان بحسب الفرض فاصبح المجموع فالسهام اكبر من الفريضة فقالوا ان الفريضة تعول هنا اي تنقص ولا تفي بالسهام فوزعوا النقص على الجميع بالنسبة، والصحيح المأثور عن اهل البيت (علیهم السلام) ان بعض الورثة لهم سهام لا ينزلون عنها كالأبوين عن السدس والزوجة عن الثمن ، اما البنتان فينزل سهماهما عن الثلثين بمقدار النقص .
2- وسائل الشيعة، كتاب الميراث، أبواب موجبات الإرث باب 17ح6.

نقصت فريضة أو عُطّلت سُنّة.وهذا المعنى صرّح به امير المؤمنين (علیه السلام) في بعض خطبه، قال: (ع) الحمد لله الذي لا مقدم لما أخر، ولا مؤخر لما قدم، ثم ضرب (ع) بإحدى يديه على الاخرى ثم قال: (يا أيتها الامة المتحيرة بعد نبيها لو كنتم قدمتم من قدّم الله، وأخرّتم من أخّر الله، وجعلتم الولاية والوراثة حيث جعلها الله، ما عال وليّ الله، ولا عال سهم من فرائض الله ولا اختلف اثنان في حكم الله، ولا تنازعت الامة في شيء من أمر الله، الا وعندنا علمه من كتاب الله، فذوقوا وبال أمركم وما فرطتم في ما قدمت أيديكم وما الله بظلام للعبيد، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون(1)

إن استحقاق أمير المؤمنين (علیه السلام) للخلافة بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله) كان سابقاً على يوم الغدير، أما الاحتفال الذي أقامه رسول الله (صلی الله علیه و آله) في غدير خم في طريق عودته إلى المدينة بعد حجة الوداع ودعا المسلمين إلى مبايعة علي بن أبي طالب (علیهما السلام) بالولاية والإمامة بعده (صلی الله علیه و آله) تلبية لأمر الجليل تبارك وتعالى حيث انزل الآية الكريمة [يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ]، أقول أما هذا الاحتفال فكان كاشفاً عن هذا الاستحقاق وإعلاناً رسمياً للتنصيب، وقد كان الكثير من الصحابة الأجلاء (رضوان الله تعالى عليهم) يعلمون أحقية أمير المؤمنين (علیه السلام) ويقرّون بولايته وعرفوا بتشيعهم له في وقتٍ مبكر من حياة رسول الله (صلی الله علیه و آله) قبل حديث الغدير .

ص: 290


1- وسائل الشيعة: ابواب موجبات الارث، باب 7ح5

فالنقاش إذن في دلالة قول النبي (صلی الله علیه و آله) يوم الغدير (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) أو المناقشة في نزول الآية في قضية الغدير لا يقدّم ولا يؤخر وهي شبهة مقابل البديهة –كما يقول العلماء- لأن حق أمير المؤمنين في خلافة رسول الله (صلی الله علیه و آله) لم يكتسبه من ذلك اليوم بل استحقه بما يحمل من صفات تؤهله لهذا المقام الشريف. وقد أعلن رسول الله (صلی الله علیه و آله) هذا الاستحقاق في مناسبات عديدة سبقت قضية الغدير بسنين وكان بعضها-كحديث الدار- في وقت مبكر من البعثة في مكة المكرمة وفي حياة أبيه أبي طالب (رضي الله عنه) حتى تهكم بعض مشركي قريش من أبي طالب وقال له أن محمداً يدعوك إلى طاعة ولدك الصغير عليّ.

أيها الأحبة من كل طوائف المسلمين.

إنني أريد بهذا الكلام أن أقول أن الوحدة بين المسلمين تتحقق بالعودة إلى كتاب الله تبارك وتعالى وسنّته الشريفة الصحيحة بعد تنقيحها من التلاعب والتزوير والدس الذي قام به المنافقون، وحينئذ سيلتقي جميع المسلمين عند الحقائق التي يعلمها الله تبارك وتعالى.

لقد كان ائمة اهل البيت (علیهم السلام) دوماً رسل محبة وسلام وألفّه وهداية وصلاح وكانوا حريصين على وحدة المسلمين وحفظ كيانهم قوياً عزيزاً كريما وضحوا بحياتهم الشريفة من اجل ذلك، خذ مثلاً امير المؤمنين (علیه السلام) فقد كان يشعر بالمرارة والاسى لتضييع الامة لحقه ولكنه بقي خمساً وعشرين سنة صابراً محتسباً لم يدّخر جهداً في نصيحة المتصدين وتقويم عملهم ونصرة الاسلام

ص: 291

والتضحية من اجل اعلاء كلمة الله تعالى، ولكنه ما ان تصدى للخلافة حتى اثاروا عليه حروباً شعواء ازهقت ارواح الالاف من المسلمين واضعفت شوكة الاسلام.والزم شيعتهم بنهجهم (ع) فمنذ الف واربعمائة عام يقتلون ويعتقلون ويهجرّون ويعذبّون ويسجنّون وهم لم يرّدوا بقتل الابرياء او تفجيرهم او تقطيع اعضائهم وما ان وصل بعض الشيعة الى السلطة في العراق حتى انهالت على اهل العراق المفخخات والاحزمة الناسفة وقطع الرؤوس والايدي والارجل وتهجر العوائل وغيرها من الجرائم الكبرى .

ان الوصول إلى الحقيقة وكشفها وبيانها للناس وظيفة العلماء الأجلاء والمفكرين والكتّاب وصنّاع الثقافة والرأي العام، ولا نصل إلى الحقيقة إلا بتحرير العقول من التقليد والتعصب والتحجّر وذلك بفتح باب الاجتهاد ودعوة العلماء الذين حصّلوا العلوم التي تؤهل لممارسة عملية استنباط الحكم الشرعي من مصادره الأصلية إلى عدم الوقوف على المذاهب المعروفة وتطبيق فتاوى أئمة المذاهب على الحالات التي تعرض عليهم وإنما يرتقون بمداركهم إلى استنباط الحكم الشرعي من الكتاب والسنة، وسيجد علماء المسلمين جميعاً أنفسهم عند تلك القمة السامقة متفقين متوحدين ينهلون من معين واحد ولا يختلفون إلا بالمقدار الطبيعي الذي يحصل بين علماء أي حقل من حقول العلم والمعرفة.

وقد وجدتُ خلال بحثي الفقهي الاستدلالي أن كثيراً من الروايات التي يستند إليها الفقهاء السنة والشيعة في استنباط الحكم الشرعي متطابقة الألفاظ

ص: 292

فضلاً عن المعاني، ويعود الفضل في ذلك إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) والأئمة من بنيه الطاهرين حيث بثوا عدداً ممن حملوا جملة من أحكامهم ومعارفهم ولا يجد المسلمون من غير أتباع أهل البيت حزازة في الأخذ عنهم كعبد الله بن العباس ونقل هؤلاء إلى عموم المسلمين علوم الشريعة من معدنها الصافي، وهذا نابع من رحمتهم وحبّهم للناس جميعاً حتى وإن أعرضت الأمة عن إعطائهم المكانة التي يستحقونها.أرجو أن يساهم السادة الحضور وكل من يسمع هذا النداء المخلص لتفعيل هذه الدعوة المباركة في أروقة حواضر العلم صانها الله تبارك وتعالى في بلاد المسلمين وان يعوا مسؤولياتهم في هذه الظروف العصيبة التي يمُّر بها المسلمون والتي ستؤثر في بناء مستقبلهم بحسب طريقة تعاطيهم مع هذه القضايا الحساسة.

وأسأل الله تعالى أن يأخذ بأيديكم لما فيه الصلاح والإصلاح وأن يثبت لكم قدم صدق عند مليك مقتدر، إنه ولي النعم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

ص: 293

خطاب المرحلة 184 :الرياضة المهذَّبة في الإسلام

خطاب المرحلة 184 :الرياضة المهذَّبة في الإسلام(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

يتصور البعض أن موقف الشارع المقدس من الرياضة سلبي مطلقاً، وهذا التصور خاطئ ولعل منشأه سوء فهم هذا الموقف من الألعاب الرياضية وقد قلنا مراراً أن جوهر الكثير من مشاكلنا هو ثقافي أي في فهم الأفكار والمعاني بالشكل الصحيح ، فإذا خُلطت الأوراق وحُرِّفت الكلمات عن معانيها الحقيقية حصلت الشبهات والفتن والضلالات وسيق الناس للوقوع فيها ، كالعنف والإرهاب الذي يساق إليه الجهلة والغوغاء والمتحجرون بتحريف كلمات القرآن وأحكام الشريعة عن معانيها.

فالشارع المقدس هذّب حالة الرياضة ونقّاها من الممارسات المنافية لمبادئه العامة وهذا لا يعني رفض الحالة كلياً ، كما انه هذّب حالة تناول الطعام أو العلاقة الزوجية أو حالة التخلي فجعل لها محرمات و مكروهات وهذا لا يعني إلغاءها بالمرّة وهي حاجات حياتية وإنما هو تهذيب للحالة وتنظيمها لتقع في طريق التكامل وتنتج السعادة والفلاح للإنسان في الدنيا والآخرة.

وهكذا فقد وُضعِت في الإسلام حدودٌ للرياضة المنتجة والمثمرة ومنها :

ص: 294


1- تقرير بتصرف لكلمة سماحة الشيخ اليعقوبي مع مجموعة من رياضيي مدينة الصدر ببغداد زاروا سماحته يوم 13/ذي الحجة/1428ه- المصادف 24/ 12/ 2007م.

1.أن تكون عقلائية أي تساهم في تحقيق الأهداف الإنسانية التي تطلب من ممارسة الرياضة ولذا تحرم رياضة الملاكمة الضّارة بالإنسان وقيادة السيارات الموجبة للهلاك ومصارعة الثيران ونحوها وإن مجرد تحقيق الإثارة للمشاهدين لا يُعدُّ مبرراً كافياً لممارستها.

2.أن لا تتضمن محرمات مخالفة لأحكام الشريعة كظهور النساء بوضع غير محتشم أو مثير للفتنة.

3.أن لا تؤدي إلى تفويت الواجبات سواء كانت فردية كالصلاة أو اجتماعية كأعمار البلاد و إصلاح الفساد وإقامة العدل وإنصاف المظلومين ، فلا يصح أن تنشغل الشعوب بأهداف كرة القدم عن أهدافها الحقيقية ، وقد سمعنا في حينها أن سبب نكسة حزيران عام 1967 كانت انشغال الشعب المصري بكرة القدم وأم كلثوم.

4.أن لا تسبب في إحداث أمور نهى الشارع المقدس عنها كإزهاق الأرواح وهدر الأموال وحصول التفرقة والتناحر بين أبناء المجتمع بسبب التعنصر لهذا الفريق أو ذاك والوقوع في محرمات كالغيبة والمهاترات الكلامية وغيرها.

وإنما جعلت هذه الضوابط لأن الله تبارك وتعالى كرّم الإنسان وفضلّه على كثير ممن خلق وجعله خليفته في الأرض وطلب منه إعمار الحياة لذا فإن الله تبارك وتعالى يريد أن ينزّه الإنسان عن كل ما لا يناسب هذا التكريم فضلاً عمّا يؤدي إلى عرقلة حركته نحو الكمال ،قال تعالى: [وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ

ص: 295

خَلَقْنَا تَفْضِيلاً] (الإسراء:70)، وقال تعالى [وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً] (البقرة:30)، وقال تعالى: [هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ] (هود:61).أما إذا كانت ممارسة الألعاب الرياضية ضمن الأطر العامة التي وضعها الشارع المقدس فلا بأس بها بل حثّ على جملة منها كالسباحة وركوب الخيل والعدو والرماية باعتبارها أنواعاً متداولة يومئذٍ ويشمل الاستحباب كل أنواع الألعاب التي تساعد على بناء جسم صحيح الذي يكون خير معين على طاعة الله تبارك وتعالى والسعي لمرضاته كما ورد في الدعاء (اللهم أجعل قوتي في طاعتك ،ونشاطي في عبادتك) ومن طرق تحصيل القوة والنشاط ممارسة الألعاب الرياضية النافعة.

هذا إضافة إلى ما توفره الألعاب الرياضية من فوائد روحية واجتماعية وتدريب على العمل الجماعي وتحقيق الانسجام والوحدة والتكاتف وتذويب الخلافات والشفافية في التعامل حتى ضرب المثل لمن يكون شفافاً وعلاقته طيبه مع الآخرين أنه يمتلك روحا رياضيه.

إننا نفهم أن المنهمكين في الحياة المادية والساعين وراء إشباع شهواتهم ونزواتهم والنهمين في جمع المال يتفننون في ابتكار رياضات وفعاليات أخرى لا قيمة لها سوى شد الناس وجذبهم للاستمرار في استدرار أموالهم فما إن يأفل نجم رياضة ويعزف عنها الناس حتى يبتكروا غيرها وربما كان بعضها يشبه أفعال المجانين لا العقلاء.

وتوجد خلفهم مؤسسات تخدم مصالح استكبارية تريد للشعوب أن تبقى

ص: 296

غافلة لاهية مشغولة عن قضاياها المصيرية وأهدافها الحقيقية ولا يلتفتون إلى مكائد المستكبرين ونهبهم لثروات الشعوب فعلى هذه الشعوب أن لا تنخدع بهم.وعلى أي حال فعليكم أن توجهوا ممارسة الألعاب الرياضة في الاتجاه الصحيح وتستثمروها لتحقيق الفوائد التي ذكرناها ، وقد جعلت المرجعية جزءاً من مشروعها لدعم هذا الاتجاه ، لان فيه إضافة إلى ما ذكرنا احتضانا للشباب وتصريفا لطاقاتهم الكامنة الوثّابة التي يجب أن يفكّر المسؤولون والمربّون في إيجاد المنافذ المفيدة لاستيعابها.

ص: 297

خطاب المرحلة 185 :لا يقرّ للمسؤول المخلص قرار حتى يكون جواب كل واحد من الناس:أنا سعيد

خطاب المرحلة 185 :لا يقرّ للمسؤول المخلص قرار حتى يكون جواب كل واحد من الناس:أنا سعيد(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

من كلمات الإمام الحسين (علیه السلام) مع الجيش الأموي الذي زحف لقتاله وقتله (إن الله ابتلانا بكم وابتلاكم بنا) ومفردة الابتلاء وإن استعملها الإمام (علیه السلام) نفسها في كلا الاتجاهين إلا أن مضمونها ومعناها واستحقاقها مختلف بين ابتلاء الإمام والقائد بالأمة عن ابتلاء الأمة بإمامها.

فمن وظائف القائد اتجاه أمته الإخلاص في رعايتهم وإصلاح شأنهم وهدايتهم من دون أن ينتظر من أحد جزاءاً ولا شكوراً، هذه الكلمة التي قالها الإمام الحسين (علیه السلام) مع أبيه أمير المؤمنين وأمه الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (علیها السلام) وأخيه الحسن (علیه السلام) في حياة جدّهما رسول الله (صلی الله علیه و آله) وعمرهْا بضع سنوات [وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ،إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُوراً] (الإنسان8-9)، فهم يفعلون الخير حباً لله تبارك وتعالى الذي يحب الخير ولوجه الله تعالى.

ص: 298


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع وفد منطقة المعامل ببغداد يوم 23/ذ.ح/1428 المصادف 3/ 1/ 2008 ومع وفود معلمي الحلة والشعلة ببغداد وطلبة معهد التدريب النفطي في البصرة وطلبة كليتي العلوم والهندسة في جامعة البصرة ونقابة ذوي المهن الهندسية فروع واسط يوم 25/ذ.ح/1428 المصادف 5/ 1/ 2008.

هذا الإحسان الخالص لله تعالى له مشهد آخر بعد أكثر من خمسين عاماً حينما كان الإمام الحسين (علیه السلام) متوجهاً بأصحابه وعياله من مكة إلى العراق، لاقاه الحر الرياحي على رأس ألف فارس من أتباع الأمويين وهم مأمورون باعتقال الإمام (علیه السلام) ومن معه وجلبهم إلى عبيد الله بن زياد والي يزيد على الكوفة وقد بلغ بهم العطش أشده وأشرفوا على الهلاك فسقاهم الإمام (علیه السلام) بيده الشريفة عن آخرهم وسقى خيولهم، والتقى بهم الإمام (علیه السلام) يوم عاشوراء وقد حبسوا عنه الماء وطلب منهم شربة ماء لرضيعه واحتجّ عليهم أنواع الحجج، ولكنه لم يذكر أبداً إنني ألم أسقكم في الطريق وكدتم تهلكون فقابلوا ذلك الإحسان بسقي هذا الطفل الرضيع؟...لم يقل الإمام (علیه السلام) شيئاً من هذا لأنه فعل ما فعل لوجه الله لا نريد منكم جزاءاً ولا شكورا وهي الكلمة التي قالها قبل أكثر من خمسين عاماً.فالأئمة (علیهم السلام) أخلصوا للأمة ولم يدخروا عنها جهداً، فهل قابلتهم الأمة بأن أعطت كل ما عندها في طاعة الإمام (علیه السلام) يقول الإمام الباقر (علیه السلام) (بليتنا في شيعتنا عظيمة، إن أمرناهم لم يطيعونا، وان تركناهم لم يهتدوا بغيرنا).

هذا الابتلاء هو سنة إلهية جرت في عباده، [لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ] (الأنفال:42)، ولو لم يكن هناك ابتلاء وامتحان واختبار كيف سيثبت إحسان المحسن وإساءة المسيء وسوف يجادل المسيء في استحقاقه العقوبة ويجادل المحسن بطلب أكثر من استحقاقه [وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً] (الكهف:54)، وهو لا يكتفي بأن يحتج عليه ربّه بعلمه المسبق بحاله واستحقاقه ما لم يختبره في دار الدنيا ليكتشف الإنسان أمام نفسه مقدار

ص: 299

استحقاقه.والابتلاء يتنوع بحسب تفاوت المسؤوليات والدرجات الذي اشرنا إليه في خطبتي عيد الأضحى، وما دامت الحاجة موجودة فالابتلاء بها متحقق لمن هو قادر على قضائها أو الاهتمام بها والتفاعل معها، فإذا وجد فقير فهو ابتلاء للآخرين وإذا وجد مريض أو سجين أو مخطوف أو مظلوم أو مسلوب الحقوق العامة كحقه في الصحة والتعليم والخدمات والرفاهية والحياة الكريمة فهو ابتلاء للمسؤول المتصدي.

ومجتمعنا –أعانه الله وسلّمه من كل مكروه- يعاني من كل هذه الأنواع من الابتلاءات، ومنطقتكم منطقة المعامل ببغداد واحدة من النماذج التي تعاني من كل هذه المظالم والتقصيرات والاحتياجات فانتم ابتلاء لكل من هو قادر بحكم موقعه أو مسؤوليته أو بما منّ عليه الله تعالى من فضله أن يؤدي ما عليه لأداء واجبه، وأنتم حجة عليه سواء كان مسؤولاً حكومياً أو جهة دينية أو إنسانية أو أفراد أو أحزاباً ومنظمات.

وينبغي الالتفات إلى أن الابتلاء لا يتضمن معنى السلبية والأذى والمحنة بل يمكن أن يكون له معنى ايجابياً بأن يكون فرصة لطاعة الله تبارك وتعالى ونيل رضوانه وذلك هو الفوز العظيم، فلو لم يوجد فقير كيف سنحصل على ثواب الصدقة عليه، وإذا لم يوجد محتاج فستنسدُّ فرصة نيل ثواب مساعدة المحتاج وإدخال السرور عليه.

فالإنسان بإرادته واختياره هو الذي يجعل من الابتلاء سبباً للنجاح والفلاح والفوز بعلّو الدرجات أو يكون سبباً للوقوع في الهاوية بالتقصير والإهمال

ص: 300

واللامبالاة والعياذ بالله تعالى [الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً] (الملك:2)، [أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ] (العنكبوت:2-3).إن مشاكلنا في العراق كثيرة ومعاناتنا كبيرة، ويحاول المسؤولون الحكوميون أن يعلّقوها على شماعة الإرهاب وتَرِكة النظام السابق والديون وغيرها، وهي أعذار واهية تعجز عن تفسير كل ما يحصل بالبلد من قتل وخراب، وكل الدول تمر بأخطار وحروب ولا يوقفها ذلك عن مواصلة الأعمار وتوفير الخدمات وفرض هيبة القانون والنظام فالحكومة تتوزع مسؤولياتها على أكثر من عشرين وزارة ومكافحة الإرهاب تختص به وزارتا الدفاع والداخلية والأجهزة الساندة الأخرى.

فما وظيفة الوزارات الأخرى وأين هي انجازاتها وماذا قدمت خلال هذه السنين؟

إن جوهر مشاكلنا هو فقدان الإخلاص لله تبارك وتعالى ولهذا الشعب المظلوم وللبلد الجريح وهو الذي ينتج الأخطار التي أحدقت بنا وعلى رأسها الفساد المالي والإداري الذي ينخر بكيان الدولة ويضيف يومياً المزيد من الفقراء والمحرومين والمظلومين.

ونحن نرى يومياً المظاهرات والاعتصامات وغيرها من الفعاليات وكلها شاهدة على وجود حاجات ومطالب مشروعة وما خفي أعظم، والله تبارك وتعالى يطالبنا بالتحرك بكل ما أوتينا لتحمل هذه المسؤولية [وَمَا لَكُمْ لاَ

ص: 301

تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَ-ذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً] (النساء:75).ولا نقتصر في فهم القتال على المواجهة بالسيف فهناك جهاد أكبر وأصغر وكل من سعى للإصلاح وإقامة مشاريع الخير وإنصاف المظلومين فهو مجاهد في سبيل الله تعالى كما ورد عن الإمام الصادق (علیه السلام): (الجهاد على أربعة أوجه...) إلى أن قال (علیه السلام): (وأما الجهاد الذي هو سنة فكل سنة أقامها الرجل وجاهد في أقامتها وبلوغها وإحيائها فالعمل والسعي فيها من أفضل الأعمال)(1).

فلا نتصور أن واجباتنا تقف عند حدود الصلوات الخمس وصوم رمضان وأداء الخمس ونحوها. الم يكن الإمام الحسين (علیه السلام) يؤدي كل تلك الواجبات؟ فما هذا الابتلاء الإضافي الذي يتحدث عنه الإمام(ع) بقوله (إن الله ابتلانا بكم)، انه هذا الابتلاء بحاجات الناس ووجوب بذل الوسع في قضائها ولا يقرّ للمسؤول قرار حتى يكون جواب كل واحد من الشعب إذا سألناه: هل أنت سعيد؟ بقول: نعم أنا سعيد.

ولا ينال ذلك إلا بعون الله تبارك وتعالى وتسديده ولطفه ورعايته.

ص: 302


1- وسائل الشيعة، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدو، باب 5ح1.

خطاب المرحلة 186 :إلى مواكب الوعي الحسيني للجامعات والمعاهد العراقية وملتقى العلم والدين

خطاب المرحلة 186 :إلى مواكب الوعي الحسيني للجامعات والمعاهد العراقية وملتقى العلم والدين(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده كما هو أهله وكما يستحقه حمداً كثيراً وصلى الله على أفضل خلقه وأحبهم إليه محمد وآله الطيبين الطاهرين.

السلام عليك يا سيدي و يا مولاي أبا محمد الحسن السبط الزكي المجتبى.

السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين، الذين بذلوا مهجهم دون الحسين ع.

تضمّنت واقعة كربلاء فصولاً مأساوية عديدة تركت جمرة في قلوب المؤمنين ، و ذوي الضمائر الحية لا تنطفئ أبداً، وستظل تنبض في عروقهم بروح الثورة ضد الطغاة والمستبدين و اللئام و منتهكي حقوق الإنسان في أن

ص: 303


1- الخطاب الذي وجّهه سماحة الشيخ اليعقوبي مباشرة عبر شاشات التلفزيون إلى مواكب الوعي الحسيني للجامعات والمعاهد العراقية مساء يوم الجمعة 7صفر1429 المصادف 15/ 2/ 2008، وقد شارك فيها أكثر من (600) من أساتذة الجامعات وحوالي (15) ألف طالب توافدوا من مختلف الجامعات والمعاهد ومنها جامعتا ديالى و كركوك واكتمل توافدهم يوم الجمعة، وعقدوا الملتقى الثاني للعلم والدين في رحاب الحسين وأعلنوا عن تأسيس كيان (جامعيون) الذي دعا إلى تأسيسه سماحة الشيخ اليعقوبي في العام الماضي، ثم انطلقت مسيرتهم المباركة صباح اليوم التالي إلى الحرم الحسيني المطهر والروضة العباسية الشريفة.

يعيش حياة حرة كريمة، و ستبقى هذه الجذور المباركة وتزداد اتقاداً حتى يأذن الله تبارك وتعالى بإقامة دولة الحق والعدل والمثل العليا [وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ] (القصص: 5،6).ولكن أكثر فصول تلك الواقعة إيلاماً وأشدّها تأثيراً في نفوس أهل البيت (علیهم السلام) كانت بحسب بعض المرويات قضية سبي بنات رسول الله (صلی الله علیه و آله) وفي مقدمتهن عقيلة الهاشميين زينب بنت علي أمير المؤمنين (علیه السلام) وبنت فاطمة الزهراء (علیها السلام)، ونقلهن بعنف وإيذاء من بلد إلى بلد والتشفي بآل الحسين (علیه السلام) وإخراج الناس للتفرج عليهم حيث خلّفت هذه القضية حزناً عميقاً في قلوب أهل البيت (علیهم السلام).

وحينئذٍ قد يسأل البعض عن سرّ اصطحاب الإمام الحسين (علیه السلام) لنسائه وأهل بيته من بني هاشم وأصحابه وأطفالهن بحيث كان مجموع النسوة والأطفال على بعض الروايات (83) وهو يعلم أن مصيره القتل وأعلن ذلك بوضوح في مكة المكرمة قبل خروجه إلى العراق؟

والجواب يمكن أن يُحال إلى أمرٍ غيبي بأن الحسين (علیه السلام) إمام معصوم ويعرف تكليفه جيداً ولا يحتاج إلى من يعلِّمه.

ويمكن أن يقال أن الإمام الحسين (علیه السلام) أراد بذلك أن يبعث برسالة إلى الأمة جميعاً حتى للأجيال القادمة أنه رجل سلام وإصلاح وليس رجل حرب ويسعى لانقلاب عسكري على السلطة طمعاً في الحكم لأنه لو كان كذلك

ص: 304

لاصطحب جيشاً وليس نساءً وأطفالاً بهذا العدد الكبير.ويمكن ان يقال ان الامام (ع) اراد ان يفّوت الفرصة على بني امية في اعتقال النسوة واخذهن رهائن لمساومة الامام الحسين (علیه السلام) وابتزازه واجباره على البيعة ليزيد.

ويمكن أن يقال أنه أراد أن يتصرف كجدّه رسول الله (صلی الله علیه و آله) حين خرج لمباهلة نصارى نجران بأهل بيته خاصة علي وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله عليهم) ليثبت للآخر أنه متيقن من صحة موقفه ومطمئن إلى أنه صاحب الحق ولو كان عنده أدنى شك لخاف على عائلته من نتائج المباهلة ولذا انسحب الخصم المباهل خشية اللعنة.

هذا كله وارد وصحيح لكن الذي كشفت عنه الأحداث التي تلت الواقعة أن اصطحاب النسوة وتعريضهن لتلك الأخطار الجسيمة كان لهدف سامٍ يستحق تلك التضحيات، وهو قيامهّن بمسؤولية بيان حقيقة أهداف الإمام الحسين (علیه السلام) من حركته المباركة وكشف زيف ادعاءات السلطات الجائرة في ظرف كممت فيه أفواه الناس وكان جزاء كل من يقول الحقيقة أن يقتل بأشنع الأساليب وينكّل به كما حدث لرسول كنيسة الروم ولعبد الله بن عفيف الأزدي وغيرهما.

فلم يكن بمقدور أحد أن يؤدي هذا الدور إلا عقائل النبوة وهو دور لا يقل أهمية عما أدّاه الرجال، ولولا هذا النصف الثاني من أحداث الواقعة لاستطاع الإعلام الأموي تزييف الحقيقة وتضليل الناس، وقد خُدعت الأمة فعلاً حيث صوّر الإعلام الحكومي يومئذٍ الحسين (علیه السلام) وأهل بيته بأنهم خوارج

ص: 305

ومتمردون على القانون وقد نالوا جزاءهم؛ ولذهبت تضحيات أهل البيت (علیهم السلام) أدراج الرياح بل وانقلبت إلى نتيجة معاكسة.إن دوراً بهذه الأهمية لا يقف عند حدود ما أدّته العقيلة زينب والهاشميات ومعهن الإمام السجّاد (ع) وإن وفوا بما عليهم وإنما يستمر في تحريك المصلحين وطلاب الحقيقة والتواقين للكمال ولإقامة الحق والعدل والسلام والحرية وكل المثل الإنسانية العليا في كل جيل ما دامت الأهداف لم يكتمل تحقيقها وما دامت الانتهاكات التي قام بها يزيد بن معاوية موجودة والتي خرج الإمام الحسين (علیه السلام) للاحتجاج عليها والمطالبة بإصلاحها وهي كثيرة كالاستبداد والاستئثار وإهدار المال العام و تسلط الفاسدين وقتل الأبرياء وخنق الحريات وتعطيل العمل بالقانون والتجاهر بالشذوذ الجنسي مع المحارم والحيوانات الى اخر القائمة الطويلة .

نعم قد تتنوع آليات العمل وشكل الخطاب بحسب اختلاف الزمان والمكان وتباين مستويات المجتمع البشري، لكن الهدف يبقى واحداً وهو السعي لتحقيق أغراض الثورة الحسينية المباركة والتي بيّنها الإمام بنفسه، فمن وصيته لأخيه محمد بن الحنفية (وإني لم أخرج أشِراً، ولا بطِراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (صلی الله علیه و آله). وأريد أن أأمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق، فالله أولى بالحق، ومن ردّ علي هذا، أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين).

ومن رسالته إلى أشراف البصرة (وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيه

ص: 306

(صلی الله علیه و آله) فإن السنة قد أُميتت وإن البدعة قد أحييت، وإن تسمعوا قولي وتطيعوا قولي أهدكم سبيل الرشاد).ومن خطبته (ع) أمام كتيبة الحر الرياحي التي عارضته في الطريق ورافقته إلى كربلاء (أيها الناس: إن رسول الله (صلی الله علیه و آله) قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله (صلی الله علیه و آله) يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله، ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله، وحرّموا حلاله وأنا أحق من غيري).

ومن خطبته في أصحابه لما وصلوا كربلاء (ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به، وإلى الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً، فإني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برماً).

ومن خطبته قبل بدء المعركة: (ألا وإن الدعي بن الدعي، قد ركز بين اثنتين، بين السَلّة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حميّة، ونفوس أبية من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام) إلى غيرها من الكلمات الشريفة التي تبقى نبراسا هاديا للمصلحين .

أيها الأحبة:

هذا ما يجب أن نوصله إلى جميع الناس من خلال شعائرنا ومجالسنا ومحاضراتنا، إذ لم يعد مقنعاً للآخرين خصوصاً الذين يعرفون المنزلة الرفيعة

ص: 307

لأهل البيت (علیهم السلام) أن نفسّر لهم ثورتنا وغضبنا ولطمنا وعزاءنا وتفجُّرَ عواطفنا هو لأجل أن رجالاً قتلت أو نساءً سبيت أو أطفالاً ذبحت أو شباباً أزهقت أرواحهم قبل أن يتهنوا بالعرس أو لأنهم حرموا من الماء المباح حتى قضوا عطاشى، وإنما لم يعد مقنعاً لأنهم يرون هذه الكوارث تحل بالعراقيين يومياً فيقتل الأبرياء وتلقى الجثث في العراء حتى تأكلها الوحوش وتقطع الرؤوس ويحرم الشاب من كل حقوقه في الحياة وليس الزواج فقط وتهجر مئات آلاف العوائل وتمارس كل أنواع الجرائم وتسرق أموال الشعب الذي يموت جوعاً ويعاني من تردي الأمن وخدمات الصحة والتعليم والغذاء وانتهاك للكرامة والحقوق والحريات فالأولى - من وجهة نظر الآخرين - أن نبكي ونثور ونغضب لحالنا وليس فقط لما جرى على الحسين وآله في كربلاء.أيها الجامعيون أساتذة وطلاباً وخريجين وإداريين وفنيين:

مَن أولى منكم بتفعيل هذه الحركة المباركة لتحرير الإنسان من أغلال الذل والهوان والحرمان، فاستلهموا من الحسين (علیه السلام) كل تلك القيم النبيلة وأنتم تجتمعون في حضرته الشريفة على تربة كربلاء المقدسة وتظلكم شآبيب رحمة الله تبارك وتعالى وألطاف إمامكم العظيم.

وتذكروا أيها الأحبة أن دوركم لا يقتصر على الساحة العلمية فقط رغم جلالة قدرها وعظم شأنها وإنما ترنوا إليكم الأنظار لكثير من المسؤوليات الجسيمة.

فأنتم رواد البناء والإعمار وإصلاح ما خرّبته الأنظمة الطاغوتية في هذا الوقت الذي تشتد الحاجة أكثر ما يكون إلى الإعمار والخدمات .

ص: 308

وأنتم من تستحقون قيادة البلد نحو الازدهار وليكون في مصاف الدول المتقدمة والمتحضرة وهو له أهل فمن المعيب على أي بلد أن يقوم أساتذة الجامعات أو المهندسون أو الأطباء وغيرهم من الكفاءات باحتجاجات واعتصامات مطالبين بحقوقهم من مسؤولي البلاد وهم أحقّ منهم في هذه المواقع .وأنتم منطلق الوحدة الوطنية لتنفخوا في جسد العراق حب الوطن وروح المواطنة بعد أن مزّقته الطائفية والقومية والأنانية والحزبية والفئوية والأجندات التخريبية، وقد بقيت جامعات العراق ومعاهده عصيّة على هذه الفتن فلا تزال ترى فيها التنوع الطائفي والعرقي والآيديولوجي متعايشاً جنباً إلى جنب فلتغطي الجامعات بإشعاعها هذا كل ربوع الوطن.

ومنكم النخب والكوادر المتقدمة التي تستحق قيادة المجتمع وإدارة البلاد، ولكم بعد ذلك مطالب وحقوق واحتياجات فاغتنموا هذه الفرصة لإعلاء صوتكم بالمطالبة بتحقيقها، تبدأ من تكريم الأساتذة وحمايتهم وتوفير أسباب الحياة الكريمة اللائقة بهم إلى تطوير الجامعات وتحديث الوسائل التعليمية والمختبرات لتواكب الجامعات العالمية المرموقة مروراً بدعم الطلبة بمخصصات شهرية تعينهم على مواصلة الدراسة ولا تنتهي عند تحسين أوضاع الأقسام الداخلية وغيرها فليقم كيانكم الشريف بكل هذه الأعمال وليسع لتحقيق الطموحات.

ومن حسنات هذا التجمع المبارك انعقاد الملتقى الثاني للعلم والدين والذي ينعقد اليوم في ظل ظرف صعب حيث يشهد مجتمعنا خصوصاً شريحة الشباب

ص: 309

عملاً دؤوباً لمشاريع وأجندات سياسية وعقائدية واجتماعية من أجل غسل أدمغتهم وتسخيرهم لتحقيق أغراض تلك المشاريع .وما الحركات المدّعية للارتباط بالإمام المهدي الموعود (علیه السلام) زوراً وبهتاناً إلا واحدة من تلك المشاريع التي ما كانت لتنمو وتجد لها أتباعاً يقتنعون بآرائها الضحلة والمتناقضة لولا الجهل وفقر الثقافة والوعي والسذاجة المتفشي لدى أوساط عديدة من المجتمع مما يوجب على المفكرين والخطباء والأساتذة والعاملين الرساليين أن يقودوا حركة علمية فكرية واسعة لانتشال شبابنا من الضياع والضلال والخسران المبين باتباع تلك الأجندات الشريرة، فليس صحيحاً أن يبقى أهل الحل والعقد يتفرجون على سقوط هؤلاء الشباب ثم ينقضّون عليهم بكل بطش وقسوة ويصفونهم بأشنع الأوصاف مع أن بعضاً منهم - يمتلك نيّة حسنة لكنه- مخدوع ومضلَّل ومأخوذ بسذاجة، ولو قُدِّر لأيدي أمينة أن ترعاه وتحتضنه وتوجهه لما سقط في هذه الهاوية وأفقد الأمة عدداً لا يستهان به من الشباب الذين هم البنية التحتية الحقيقية للبلد.

كما أن الأداء السيئ للحكومة وفشلها في توفير أبسط حقوق الحياة الكريمة للإنسان ساهم في نشوء هذه الحركات من جهتين:-

الأولى: إنه أوجد حالة من الاستياء والنقمة في النفوس مما هيأ مناخاً ملائماً للتفاعل مع أي دعوة للتمرد والانقضاض على مؤسسات الدولة بحجة الإصلاح واستعادة الحقوق.

الثانية: إنه أعطى الفرصة لرؤوس الضلال أن يفرقوا بين الناس والمرجعية لأنها دعمت العملية السياسية التي أفرزت الحكومة فكان من اليسير تنفير الناس

ص: 310

من المرجعية بتحميلها مسؤولية فشل المتصدين لإدارة البلد، ومع أن المرجعية لم تؤدِ هذا الدور مع ما فيه من تضحيات إلا لأن فيه مصلحة البلاد والعباد وليس لها مطمع في شيء وبذلت قصارى جهودها في توجيه الناس لما ينفعهم. لكن أصحاب تلك الدعوات الضالة يعلمون أن العلماء حصون الأمة والمدافعة عن العقائد والسلوكيات السليمة وأنهم لا يستطيعون غواية الناس واستدراجهم إلا بتهديم تلك الحصون.

فلذلك تجد تلك الدعوات الضالة مع تباين مناهجها وأهدافها وتقاطعها في عملها أحياناً فإنها تتحد على قاسمٍ مشترك واحد هو تسقيط المرجعية وإبعاد الناس عنها وإلغاء دورها في حياة الأمة.

إذن أيها الأحبة:

علينا أن نهبّ جميعاً لتنوير أفكار الناس خصوصاً الشباب وتعميق إيمانهم بالله تعالى وملء عقولهم بالثقافة السليمة وقلوبهم بالمعرفة الإلهية وتوثيق صلتهم بالمرجعية الدينية فإن العلماء هم حبل النجاة والعروة الوثقى وهم وصية نبيّكم وأئمتكم المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين) فعن الإمام الباقر (علیه السلام) (إنما كُلِّفَ الناس ثلاثاً: معرفة الأئمة، والتسليم لهم فيما ورد إليهم، والرد إليهم فيما اختلفوا فيه).

وأرشدَ الإمام المهدي (علیه السلام) شيعته إلى الرجوع إلى الفقهاء المخلصين الذين اتصفوا بالاجتهاد والعدالة والورع والترفّع عن الدنيا والعمل بإخلاص لنفع الناس، فقال (علیه السلام) (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله).

ص: 311

وحذّر الأئمة (علیهم السلام) من العمل بغير علم فعن الإمام الصادق (علیه السلام) أنه قال: (العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق لا يزيده سرعةُ السير إلا بعداً)، وعن رسول الله (صلی الله علیه و آله): (من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح) وعن الإمام الباقر (علیه السلام) (من أفتى الناس بغير علم ولا هدى لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، ولحقه وزر من عمل بفتياه).وإذا حصلت عند أحدكم شبهة أو شك فارجعوا إلى العلماء لمعرفة الرأي الصحيح كما هو ديدن العقلاء في كل نواحي الحياة إذ أنهم يلجأون إلى الطبيب إذا اشتكوا ألماً وإلى القاضي إذا حصلت منازعة، فارجعوا أيضاً إلى العلماء إذا وُجِد مدعي لعقيدة أو دعوى دينية، قال الإمام الباقر (علیه السلام) (الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة، وتركك حديثاً لم تروِه خيرٌ من روايتك حديثاً لم تُحصِه).

فإذا طلب أحد السلامة لدينه ودنياه فليتمسك بخطى المرجعية الرشيدة ولا يلتفت إلى المرجفين والمشككين والخارجين عن تعاليم أئمتهم (ع) [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ] (آل عمران: 118).

نسأل الله تعالى أن يأخذ بأيديكم في طريق العلم والعمل الصالح ويرزقكم شفاعة الحسين (علیه السلام) يوم الورود في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ملاحظة: نظم فضيلة الشيخ حسنين قفطان نشيداً لمواكب طلبة الجامعات

ص: 312

أطلقه من وفد جامعة الكوفة الذي كان برفقته، جاء فيه:

أيّها الطالبُ حقّاً علوياً بالشهادهْ *** ومُجيرَ الدينِ مما نابه فيما أرادهْ

يا مُجيرَ العدلِ لمّا عصفَ الظلمُ بهِ *** ومُذلَّ اللاهدىً ما حادَ عن مذهبهِ

نازعوهُ القومُ حقاً نالهُ من ربِّه *** لم يكنْ يطلِبُ بالباطل حكماً أو سيادهْ

أنتَ لم تخرج فيهم أشراً أو مفسدا *** أو لمكتوبٍ أتى يُضمرُ خُبثاً لا هُدى

أنت للإصلاح مُذ جائكَ يسعى موفدا *** ثرت إذ لَبّيت داعيه وأكرمت الوفاده

أنت يا مَنْ شَقّ للثورةِ بالحقِ سبيلاً *** أنت عبّدت لنا بالدمِّ درباً مستحيلا

وعلى نهجك جيلٌ قد مضى يتبعُ جيلا *** وهو إذ خطّك نهجاً حقق الله مرادهْ

أنت مَنْ علّمنا أن الدِما تغلب سيفا *** أنت من علّمنا أن الفتى يرفُضُ حيفا

والذي يرفُضُ حيفاً معهُ يرفُضُ زيفا *** وبأنَّ الموتَ كي لا يَحكُمُ الزيف وِلادهْ

أنت يا مَنْ سَنَّ في ثورتهِ خيرَ الفضائلْ *** كلَّ مَنْ جَئتَ بهِ في كربلا صار مقاتلْ

ويتاماكَ غدوا قاداتَ صدقٍ والأراملْ *** صِرْنَ درساً فليعشْ شعبٌ له درسٌ وقادهْ

سيدي يا ابن عليٍّ أيّها السبطُ الذبيحْ *** يا فَدى سبطِ خليلِ اللهِ في الدهرِ الفسيحْ

يا كليمَ الطورِ موساهُ ويا جُرحَ المسيحْ *** أيّها الأحمدُ فكراً وسلوكاً وقيادهْ

نحن جئناك رجالَ العلمِ من كلِّ مكانْ *** يا وسامَ اللهِ قد خط على صدر الزمان

إن يكُنْ رأسُك قد وَسّدهَ هامُ السنانْ *** فلأنَ الرأسَ لا يقبلُ بالارضِ وسادهْ

نحن جئناك مِن الارضَ التي ضمَّت أباك *** لك قد حملنا منه سلاما لدماك

ولقد قال لنا قولوا له نحن فداك *** فلقد مات غريباً ولدي حر الإرادهْ

نحن جئناك نعزيك بفقد المجتبى *** سبطِ طه المصطفى رابعِ أصحاب العبا

شبهٌ منك بهِ في القتلِ مِن غيرِ السِبا *** إنما القتلُ لكم يبن رسولِ اللهِ عادهْ

ص: 313

يا رجال اليوم كونوا كحسينٍ في الإبا *** ولتكن كلُّ نساءِ العصرِ فينا زينبا

حينها لن يجدَ الغرب بشعبٍ مطلبا *** ويَعُمَّ الخيرُ والأمن بأرضٍ والسعادهْ

أيّها الشعبُ أفق مِن ذلك النوم البليدْ *** والتمسْ للحقِ درباً لتعشْ حرا سعيد

إن مَنْ يهوى حسيناً فليَثر ضد يزيدٍ *** وليْكنْ فكرَ حسينٍ في خطى الثورةِ زادهْ

ص: 314

خطاب المرحلة 187 :نصرة الحسين (عليه السلام) باستنقاذ عباد الله من الجهالة وحيرة الضلالة

خطاب المرحلة 187 :نصرة الحسين (عليه السلام) باستنقاذ عباد الله من الجهالة وحيرة الضلالة(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

تبقى صرخة الإمام الحسين (علیه السلام) واستغاثته: (هل من ناصر) التي أطلقها يوم عاشوراء تستنهض الأجيال حتى تقوم دولة الحق الكريمة، وليست هي موجهة إلى الموجودين في ساحة المعركة يومئذ عليهم، فقط لإقامة الحجة فإنه (علیه السلام) كان يعلم بأن الشهادة قد حان موعدها، ولا يغني عنه الناصر، وهو القائل لابن أخيه القاسم ابن الحسن لما صرع (عز على عمك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك فلا يغني عنك).

فالصرخة والدعوة للنصرة هي لكل الأجيال، وإنما تكون نصرته (ع) بإدامة العمل حتى تحقيق أهداف حركته المباركة التي أعلنها في العديد من كلماته الشريفة، واختصرها الإمام الصادق (علیه السلام) في زيارته لجده الحسين (علیه السلام) التي رويت في مناسبة العشرين من صفر التي تتوجهون لإحيائها وورد في زيارة العيدين، فقال (علیه السلام): (وقد بذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من

ص: 315


1- تقرير مختصر لكلمة سماحة الشيخ اليعقوبي التي تحدث بها إلى موكب طلبة فروع جامعة الصدر الدينية بعد صلاة الصبح يوم 18 صفر 1429 المصادف 26/ 2/ 2008 قبل انطلاقهم مشياً على الأقدام إلى حرم الإمام الحسين (عليه السلام). وقد تجمعوا في مدرسة البغدادي في مدينة النجف الأشرف.

الجهالة وحيرة الضلالة) فضحى (ع) ليستنقذ العباد من الجهالة والضلالة. فما دام هذان الداءان الوبيلان يفتكان بالأمة فيجب أن يستمر العمل الدؤوب في سبيل الله تعالى لاستنقاذ الأمة منهما وإلا فإنهما سيؤديان إلى هلاكها وموتها المعنوي وستدخل في تيه الضلالة وتبتعد عن المنهج السليم، وان كانت بحسب الظاهر تعيش حياتها المادية ولكن [إنْ هُمْ إلا كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً] (الفرقان:44).

والجهالة أوسع من المصطلح المعروف في مقابل العلم، واستقراء الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة يكشف عن أنها تعني فعل الشيء بخلاف ما حقّه أن يُفعل فيمكن أن تكون في الاعتقادات [وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ] (آل عمران: 145).

ويمكن أن تكون في القوانين والتشريعات [أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُون] (المائدة:50) .

ويمكن أن تكون في التصرفات وأنماط السلوك [إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى] (الفتح:26).

ولم يُمدح العلم بما هو علم وإنما يُقدّس بمقدار ما يؤدي إلى الحق من الإيمان والعمل الصالح، وقد ذم الله تبارك وتعالى علماء أهل الكتاب وغيرهم لأنهم لم يستثمروا علمهم للاهتداء إلى الحق فكان علمهم وبالاً عليهم [وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ. وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَ-كِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ] (الأعراف:175-176).

ص: 316

أما المفردة المستعملة في الموارد المحمودة فهي (المعرفة) التي تعني سكون النفس واطمئنانها إلى الحق لأنها تعرفه ولا تنكره، فقد ورد في تفسير قوله تعالى [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ] (الذاريات:56) أي (ليعرفون) وقال أمير المؤمنين (علیه السلام): (أول الدين معرفته) أما العلم بالحقيقة فإنه وحده لا يكفي، فكم من عالم بالحق ولكنه يعانده [وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ] (النمل:14).وحينما وصفت الأمم قبل الإسلام بالجاهلية فليس لعدم وجود العلم فيها، فانها بلغت مرتبة فائقة فيه كالطب عند الرومان والإعمار عند الفراعنة وفي اليمن وبلاد الرافدين [أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ] (الأنعام:6) [أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا] (الروم:9) وإنما كانت جاهلية لعدم المعرفة بالله تعالى والاهتداء إلى الحق.

أما الداء الثاني فهي الضلالة وهي التيه والعدول عن الطريق المستقيم فهي تقابل الهداية إلى الحق، قال تعالى: [فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا] (يونس:108).

وللضلال مقدمات تؤدي إليه منها اتباع الهوى [ولا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ] (ص:26) ومنها الانسياق وراء الشهوات التي يزينها الشيطان والنفس الإمارة بالسوء [وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ] (النساء:119) [وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلاً كَثِيراً] (يس:62) [وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن

ص: 317

يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً] (النساء:60) وارتكاب الظلم والكفر والفسق [وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ] (البقرة: 26) [كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ] (غافر:74) [وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ] (إبراهيم:27). ولذا ورد التأكيد من الله تبارك وتعالى لنبيه الكريم (صلی الله علیه و آله): [فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ] (هود:112)؛ لأنه ليس بعد الاستقامة إلا الضلالة وان اختلفت درجاتها ومراتبها.

ولأن الإمام (علیه السلام) سبب إنقاذ الأمة من الجهالة وحيرة الضلالة فقد ورد في وصفه(ع) انه (مصباح الهدى وسفينة النجاة) بلحاظ إنقاذه الأمة من المرضين.

فالنجاة من الفتن والجهالة والضلالة يتحقق باتباع أهل البيت ومن أوصوا باتباعه من العلماء المجتهدين المخلصين لله ولرسوله والمتفانين في إنقاذ الناس وإصلاح حالهم.

وتقع عليكم- يا طلبة الحوزة العلمية الشريفة والمثقفين الرساليين- أكثر من غيركم مسؤولية مواصلة نهج الإمام الحسين (علیه السلام) وتحقيق أهداف ثورته المباركة، أما عامة الناس فجزاهم الله خير جزاء المحسنين بإحيائهم للشعائر الحسينية وتفانيهم في تقديم الخدمات رغم ما هم عليه من فقر وحرمان ومحن.

فاغتنموا هذا الموقع الشريف الذي من الله تعالى به عليكم من دون الناس وجعلكم محلاً لألطافه الخاصة وابذلوا كل ما بوسعكم وعُضّوا عليه بالنواجذ ولا تفرّطوا فيه.

ص: 318

خطاب المرحلة 188 :المشروع السياسي للسيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره)

اشارة

خطاب المرحلة 188 :المشروع السياسي للسيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره)(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

تعريف المشروع السياسي

س1: ونحن نعيش ذكرى استشهاد السيد محمد محمد صادق الصدر (قدس سره) نود أن نتحدث عن موضوع المشروع السياسي للسيد الشهيد الصدر الذي هو خافٍ عن الكثيرين نسأل هل كان للسيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) مشروع سياسي باعتباركم كنتم قريبين من سماحته منذ منتصف الثمانينات؟

ج:- بسم الله الرحمن الرحيم، من الواضح أن للسيد الشهيد الصدر (قدس سره) مشروعاً سياسياً أو على الأقل له عمل سياسي وهذا ليس خافياً على أحد، نعم قد تكون معالمه أو تفاصيله خفية، أما أصل الموضوع فهو ثابت وقد دفع حياته الشريفة وحياة ولديه ثمناً لهذا النشاط وقد أثمر مشروعه المبارك في نخر كيان صدام وزمرته بحيث عاد خاوياً متهالكاً سقط في أول صفعة وُجهت له 2003.

ص: 319


1- تقرير بتصرف للحوار الذي أجرته قناة العراقية الفضائية مع سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) يوم الجمعة 2/محرم/1429 المصادف 11/ 1/ 2008 وعُرض في الذكرى التاسعة لاستشهاد السيد الصدر الثاني (قدس سره) يوم 19/ 2/ 2008.

ولكي نفهم مشروعه السياسي علينا أن نعرف معنى هاتين المفردتين (المشروع والسياسة) فأنني اسمع أنهم يعرّفون السياسة بأنها فن الممكن وهذا التعريف غير دقيق فان الإنسان لا يستطيع أن يأتي إلا بالممكن في جميع حقول الحياة وليس في الحقل السياسي فقط، لذا فأنني اعرّف السياسة بأنها (فنّ رعاية المصالح العامة) وهذا التعريف ينطبق على معنى السياسة في الإسلام باعتبار أننا نخاطب الأئمة المعصومين (علیهم السلام) بأنهم (ساسة العباد) أي أنهم الراعي الأول لمصالح العباد، وينطبق على معنى السياسة عند العلمانيين الذين يقولون (لا توجد صداقات ثابتة ولا عداوات ثابتة وإنما توجد مصالح ثابتة).نعم يختلف هذا التعريف بين المعسكرين في تفاصيله ومتعلقاته فالمصالح التي ترعاها السياسة الإسلامية هي مصالح العباد والبلاد من دون تفريق بين أحد وآخر مهما كان دينه وقوميته ولونه وجنسه بينما المصالح عند السياسة غير الإسلامية هي المصالح الشخصية والفئوية.

ويختلفان مثلاً من حيث الأُطر المحددّة لآليات العمل والبرامج فالسياسي الإسلامي يؤمن بمبادئ ثابتة لا يتجاوزها مهما كانت النتائج لأنه يعتقد بوجود الآخرة والحساب على الأعمال بين يدي الله تبارك وتعالى، ولا يمكن أن يفرّط بآخرته من اجل دنيا زائلة، وقد شرحنا هذه المبادئ في خطاب (المبادئ الثابتة في السياسة)، بينما السياسي الآخر لا يتحدد بمبادئ وإنما يؤمن بالميكيافيلية وان الغاية تبرر الوسيلة والوقائع الكثيرة تشهد على أنهم لم يتورعوا عن إزهاق ملايين الأرواح وتدمير الحياة من اجل إشباع نزواتهم وإتباع أهوائهم وشهواتهم.

ص: 320

أما (المشروع) فيعني البرنامج الذي يضع لنفسه أهدافاً يسعى لتحقيقها وآليات يتبعها للوصول إلى ذلك الهدف فلا مكان فيه للعقوبة والارتجالية والتصرفات غير المحسوبة.وحينئذ أقول في الجواب أن السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) لم يكن يصرّح أو يستطيع التصريح بأن له مشروعاً منتظماً للوصول إلى أهداف محددة وكان يكتفي بالعموميات ويخفي مراده أحياناً ما بين السطور، لان السلطة المعروفة ببطشها وقسوتها ستقضي على مشروعه وهو في المهد لان أي عمل منظم تشعر بأن فيه تهديداً لكيانها ولو كان باحتمال ضئيل جداً فأنها تفتك به حيث كان صدام يقول (إنني اقتل عشرة ألاف من دون أن يرفّ لي جفن) وإنما صَبَرت السلطة زمناً ما على حركة السيد الشهيد (قدس سره) لأنها تعتقد فيها أنها حركة عفوية عاطفية غير منتظمة في مشروع، وقد تعمّد السيد الشهيد (قدس سره) إيقاعها في هذا التصور حينما سُئل في بعض لقاءاته المسجّلة عن خطوته اللاحقة قال (أنني لا اعلم ماذا أفعل غداً، وكل ما في الأمر انه عندما يأتي الغد أجد نفسي مقتنعاً بأن أقوم بفعل ما) وهو (قدس سره) يعلم ان هذه الكلمات تصل إلى السلطة لأنها تتابع بدقّة ما يصدر عنه من كلمات وخطب ومنشورات وتحللها.

قيادة الحركة الإسلامية في ظل البطش الصدامي

س2: هنا يتبادر الى الذهن سؤال كيف استطاع سماحة السيد الشهيد أن يبدأ بمشروعه السياسي حتى وإن كان بشكل غير مباشر في ظل

ص: 321

وجود سلطة ونظام قمعي سيما وان سماحته كان معتقلاً عند الأجهزة القمعية حيث كان مراقباً ومحاصراً؟.ج: أظنّك تقصد اعتقاله في الانتفاضة الشعبانية في آذار/1991 وهو ليس اعتقاله الوحيد فقد اعتقل عام 1974 في مديرية امن الديوانية ضمن حملة شملت الكثير من طلبة السيد الشهيد الصدر الأول (قدس سره) ومكث فيها حوالي أسبوعين وقد تحدث لي في بعض رسائله عمّا جرى له، هذا مضافاً إلى الإقامة الجبرية التي فرضت عليه عدة سنوات في الثمانينات، وهذا كله لتأكيد كلامك عن قساوة الظروف المحيطة بالسيد الشهيد (قدس سره) ومعرفته الجيدة بها لطول معاناته منها لذا فقد تطلبت حركته الكثير من الحكمة حتى يكسب اكبر مدة زمنية تمكّنه من تحقيق أفضل النتائج.

ولا شك ان لطف الله تبارك وتعالى كان يرعاه ويحفظه وسلّمه من تلك المحن إذ لم يتبق في داخل العراق من طلبة السيد الشهيد الصدر الأول (قدس سره) المعروفين والمؤهلين لمواصلة مسيرته المباركة إلا هو، وما دام قد ادّخره الله تبارك وتعالى لهذا الدور فلابد أنه سيحظى بلطف ورعاية إلهية خاصة.

وقد استطاع (قدس سره) بحكمته ونظرته الثاقبة أن يتعرف على واقع السلطة القائمة وما تفكر به والأساليب التي يمكن اتباعها من دون استفزازها، وعرف الكثير منها أيضاً خلال استجوابه في معتقل الرضوانية بعد الانتفاضة وحقق معه عدد من كبار الضباط. كما نقل لي (قدس سره) وعرف من خلالها السياسة الجديدة التي سيتبعها النظام مع المرجعية والحركة الإسلامية وعموم علاقته بالشعب العراقي، والتي بدت واضحة على تصرفات النظام مع المرجعية والحوزة العلمية

ص: 322

والشباب المؤمنين خلال التسعينات. لذا استطاع (قدس سره) أن يسحب البساط بهدوء من تحت النظام ويفقده قدرته على السيطرة على ضبط الجماهير إلى أن تفاجأ النظام بحركته وقرر قراره المشؤوم، وقد جمعني به (قدس سره) لقاء خاص بعد أيام من الزيارة الشعبانية التي دعا الجماهير فيها إلى السير مشياً إلى كربلاء واندفع المؤمنون بحماس بالغ مما دعا النظام إلى تهديده بالقتل، فسحب الأمر عشية اليوم الذي كانت مدينة الصدر ومناطق أخرى من بغداد قد عقدت العزم على التوجه فيه بشكل مواكب بالآلاف إلى كربلاء وهو يوم الثلاثاء 11/شعبان/1419، وقلت له في ذلك اللقاء أن هذه الحركة رافقتها فعاليات تصعيدية في مواجهة النظام مما يستفزّه ويدفعه إلى اتخاذ قرارات قاسية، والأجدى الاستمرار بالطريقة الهادئة في سحب البساط من تحتها، وأن منبر الجمعة وحده كافٍ لتقويض أركان النظام، قال (قدس سره): ((نعم وقد سحب البساط من تحته بنسبة 75، ولكنني لست مسؤولاً عن هذه التصعيدات فإنني لم أأمر بها)) وكان مقترحي أن لا يخرج أبناء بغداد على شكل تجمعات ضخمة لأن ذلك يقلق النظام ويفشل المشروع فلو خرجوا على شكل مجاميع صغيرة وقد شرح (قدس سره) مبرر خروجهم في مواكب ضخمة وبصراحة فقد كنت أعتقد أن النسبة التي قالها (قدس سره) مبالغٌ فيها.

استثمار نتائج الانتفاضة الشعبانية المباركة

س3:- هل افهم من كلام سماحتكم ان السيد الشهيد (قدس سره) استثمر التغيير الحاصل في سياسة النظام أبان الانتفاضة الشعبانية؟

ص: 323

ج:- نعم فقد أفرزت الانتفاضة عدة نتائج مهمة من كسر حاجز الخوف والرعب الذي كان يملك بها النظام نفوس الناس أكثر من مؤسساته ورجاله، وأثمرت الانتفاضة شجاعة كبيرة لدى الشعب، وازدهر التوجّه الديني وأصبحت النجف الأشرف والحوزة العلمية ومكاتب المرجعية تشهد إقبالاً واسعاً من الناس، وتصاعد الوعي الإسلامي وتداول الكتب والنشرات بما فيها الممنوعة التي كانت تستنسخ سراً، وهذه العوامل وغيرها دفعت النظام إلى ان يغيّر سياسته مع الحركة الدينية على الصورة التي تعامل بها مع الحركة إبان مواجهتها للسيد الشهيد الصدر الأول (قدس سره) فتغيّر سياسة النظام ليس لأنه تغيّر في نفسه وإنما اضطر لمجاراة الوضع الجديد الذي تميّز بانطلاقة قوية وواسعة للحركة الدينية.

المرجعية والعمل السياسي

س4: المعروف إجمالاً في الأوساط الحوزوية عدم تدخل المرجعية في الشؤون السياسية وعادة ما تنأى الحوزة العلمية نفسها عن الأوساط السياسية، فما الذي دفع السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) لممارسة دور سياسي والخروج عن هذا التقليد المتعارف.

ج:- أفهم من كلامك أنك تجعل القاعدة في تصرف المرجعية والحوزة العلمية هو الابتعاد عن السياسة والشؤون العامة بحيث تكون ممارستها استثناءاً، والصحيح هو العكس فان الأصل في الشريعة الإسلامية أن يتصدى العلماء لرعاية شؤون الأمة وعلى رأسها ممارسة الدور السياسي، وأن الاستثناء هو

ص: 324

التخلي عن هذا الواجب فقد كان النبي (صلی الله علیه و آله) وأمير المؤمنين (علیه السلام) أكمل القادة والسياسيين، ونَصِفُ المعصومين (علیهم السلام) في زيارة الجامعة الكبيرة بأنهم (ساسة العباد) وفي الروايات (المتقون سادة والفقهاء قادة) وفي الأحاديث الشريفة أيضاً ورد عن الإمام الصادق (علیه السلام): (من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم ومن سمع رجلاً ينادي: يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم).وقال السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) في بعض خطبه التي أثنى فيها على (الحوزة الناطقة) ويعني بها الحوزة المتحركة والتي لها شعور واسع بالمسؤولية تجاه كل شؤون المجتمع، قال فيها أن النبي (صلی الله علیه و آله) والأئمة المعصومين (علیهم السلام) هم من الحوزة الناطقة، وقد تميّز في تاريخ المرجعية الدينية خطابان: أحدهما يمثل الحوزة الناطقة التي انهمكت في العمل السياسي النقي الصالح إضافة إلى مسؤوليتها العلمية والدينية والاجتماعية وثانيها الذي انغلق على نفسه واكتفى بالشؤون العلمية والفتوى، وكان السيد الشهيد يعلن انتماءه إلى الخط الأول كأستاذه الشهيد الصدر الأول (قدس سره) والسيد محسن الحكيم والميرزا النائيني الذي آزر أستاذه الآخوند الخراساني في حركة الدستور المعروفة بالمشروطة أوائل القرن الماضي.

وقال لي مرة في بعض رسائله انه قال لأستاذه الشهيد الصدر الأول (قدس سره) أن المحقق الحلي (وهو من أعاظم فقهاء الشيعة كان في القرن السابع الهجري في مدينة الحلة ويُدَّرس كتابه شرائع الإسلام في الفقه إلى الآن) كان من العلماء الواعين –وهو تعبيره السابق عن الحوزة الناطقة- فأيّده الشهيد الصدر

ص: 325

(قدس سره) في ذلك.فحينما تسأل عن دوافع الشهيد الصدر لممارسة هذا الدور فلأنه من صميم مسؤولياته التي يؤمن بها ويرى لزوم القيام بها قال أمير المؤمنين (علیه السلام) ((لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم أو سغب مظلوم)) إلى آخر الكلام.

فالقيام بهذا الدور أمانة في أعناق العلماء، مضافاً إلى عوامل أخرى أثّرت في شخصيته ودفعته في هذا الاتجاه ومنها

1- تأثره بأستاذه الشهيد الصدر (قدس سره) واهتمامه باقتفاء أثره في كل شيء.

2- إن الإصلاح الواسع الذي كان يريد إحداثه في حياة الأمة لم يكن ممكن التحقيق والتأثير في الأمة إلا بالانخراط في العمل السياسي وتحدي السلطة وتنبيهها إلى المظالم التي ترتكبها.

3- طيبة قلبه وحبّه الخير لجميع الناس وقوة قلبه في نفس الوقت مما جعله لا يقرّ له قرار حتى يبذل كل ما في وسعه لإنصاف المظلومين ومساعدة المحتاجين ونصرة المحرومين.

وكان يدعو الناس إلى التأكيد على صفة طيبة القلب وقضاء حوائج المؤمنين وإنفاق الأموال على مستحقيها لا (فيافي بني سعد) في المرجعية التي يتّبعونها بعد إحراز الاجتهاد والعدالة طبعاً وكان يركّز على هذه الصفات في البديل الذي يخلّفه.

ولرحمته الكبيرة فقد خاطب جميع شرائح المجتمع حتى الغجر في خطبته الأخيرة في الجمعة التي استشهد فيها.

ص: 326

ما الذي دفع الناس إلى اتباع السيد الشهيد الصدر (قدس سره)

س5:- عذراً للمقاطعة سماحة الشيخ ، هل أن ما تفضلتم به من البساطة في المعيشة والتعامل مع الجماهير هو الذي دفع الكثير من الجماهير أن تؤمن بفكر السيد الشهيد الصدر (قدس سره) حيث التفّت الأوساط الشعبية حول مرجعيته وبدأت تتفقه في الدين؟

ج:- هذا أحد الدوافع؛ لأن الشرائح التي آمنت بحركة السيد الشهيد (قدس سره) واتبعته متنوعة وكلٌ منها ينطلق من فهمه الخاص له (قدس سره) فالحوزة العلمية رأت فيه العالم المبدع وكان درسه في الأصول مما يحتج (قدس سره) به لإثبات أعلميته ورسالته العملية في الفقه، والمثقفون والمفكرون اتبعوه لما لمسوا فيه من فكر خلاّق وقدرة على الدراسة والتحليل والموسوعية، والطبقة العامة أمنت به لمواساته لهم ودفاعه عنهم وسعيه المخلص لإصلاح حالهم في الدنيا والآخرة، والسياسيون عقدوا عليه الآمال لأنهم وجدوا فيه المشروع الحقيقي لإزالة الطاغوت.

معالم المشروع السياسي للسيد الشهيد الصدر

س6:- ما هي معالم المشروع السياسي الذي تبناه السيد الشهيد الصدر (قدس سره) ؟

ج:- يمكن أن نذكر على نحو الاختصار جملة من المعالم العامة لمشروعه السياسي

1- إنه مشروع إسلامي يستند إلى الإسلام في قراراته وآليات عمله

ص: 327

والمبادئ التي تؤطر حركته فلا مجال فيه للبراغماتيه المحضة المتجردة من المبادئ.2- إنه وطني فلم يقتصر في خطابه على أتباعه ولا على الشيعة فقط. بل وجّه خطابه إلى أبناء السنة وأمر بإقامة صلوات الجمعة الموحّدة وخاطب كل شرائح المجتمع بغضّ النظر عن انتمائهم والمتابع لخطبه يجد الكثير منها مخصصّة لشرائح معينة وكان آخرهم الغجر الذين وجّه لهم خطاب الإصلاح والهداية في الجمعة التي استشهد في مسائها وفي تلك الخطبة عدّد الشرائح التي خاطبها.

وحينما نقول إن مشروعه وطني فهذا لا يعني الانغلاق على بلده العراق فقط لأن رسالة الإسلام عالمية ولكن المتاح له كان ذلك مضافاً إلى أن المشروع الإسلامي العالمي لابد له من حاضنة وقاعدة يستند إليها وينطلق منها كما كانت المدينة المنورة قاعدة انطلاق رسول الله (صلی الله علیه و آله) وستكون الكوفة عاصمة الدولة العالمية المباركة التي يقيمها الإمام الموعود (عجل الله فرجه).

3- الجماهيرية وإشراك عامة طبقات الشعب في الحركة فلم يقتصر في خطابه ومشروعه على النخب بل تحدّث إلى جميع الناس مباشرة خصوصاً بعد إقامة صلاة الجمعة.

4- أصالة المرجعية الدينية وهذه نقطة مهمة إذ يوجد خلاف بين السياسيين الإسلاميين حاصله أنه من هو الأصل ولمن مرجعية القرار هل للمرجعية الدينية ويكون دور الحزب التنفيذ والعمل ضمن توجيهات المرجعية أم أن الأصل هو الحزب فهو الذي يقرر وينفذ ويكون دور المرجعية تقديم النصائح غير

ص: 328

الملزمة. وكان (قدس سره) يعيش تجربة مرة من بعض الأحزاب الإسلامية الشيعية التي تأسست برعاية المرجعية ثم خلفتها وراء ظهرها وأعطت لنفسها الحق في القيمومة على آراء المرجعية.

ولإعادة العمل السياسي الإسلامي الى مساره الصحيح فقد أصّل (قدس سره) للرجوع الإلزامي إلى المرجعية الدينية ورسّخ هذه الثقافة وكانت كلمته المشهورة (لا تقولوا قولاً ولا تفعلوا فعلاً إلا بالرجوع إلى الحوزة العلمية) وهو (قدس سره) لا يقصد بالحوزة كل من وضع العمامة على رأسه ودرس بعض العلوم وإنما يريد بها المرجعية الدينية المتمثلة بالمجتهد العادل العارف بشؤون زمانه لذا وصف في بعض كلماته الشخص الذي يقود الناس وهو ليس بمجتهد ب-(الكحف) وهو قشر الفاكهة الذي يرمى مع الفضلات.

وقد بنى تأصيله هذا على ما نؤمن به من الآخرة والحساب ومسؤوليتنا أمام الله تعالى والتي لا يحق لأحد النظر فيها واستنباط أحكام الحالات المختلفة من مصادر التشريع الإسلامي الأصلية والإنسان قبل أن يكون سياسيا هو شخص مكلّف أمام الله تبارك وتعالى بواجبات وعليه حقوق.

وحتى على المقاييس الطبيعية فان المرجعية هي أولى الناس بالقيادة لاكتمال صفاتها فيها، فمن حيث العلم بالقانون المنظم للحياة تمثل المرجعية أرقى درجاته بحصول ملكة الاجتهاد وقضاء عشرات السنين في البحث والتدريس والتأليف والحوارات العلمية، ومن حيث النزاهة فهي في أعلى درجات ضبط النفس وكبح شهواتها وملك زمامها والورع والزهد الذي نسميه

ص: 329

ب-(شرط العدالة)، ومن حيث الخبرة فان المرجعية تمضي عشرات السنين في التحرك في أوساط المجتمع والاتصال بكل طبقاته وتلقي أنواع المشاكل والمقترحات والمشاريع والأفكار، فما الذي يمنع السياسيين من أعطاء المرجعية دورها الذي تستحقه؟ولكي يطمئن السياسيون ونزيل مخاوفهم من تدخّل المرجعية في تفاصيل عملهم نقول: إن المرجعية تعرف المساحة التي تتحرك فيها والمساحة التي تتركها للآخرين لأنها لا تدعي المعرفة بكل شيء ولا أنها محيطة بكل التفاصيل كما ورد في الحديث (رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه حتى لا يوردها موارد الهلكة).

النشاطات السياسية للسيد الشهيد الصدر (قدس سره)

س7:- ما هي أبرز النشاطات والفعاليات التي قام بها سماحة السيد الشهيد (قدس سره) لتكون مصاديق لمشروعه السياسي؟

ج:- إذا أردنا أن يكون الجواب أكثر فائدة فتقسم هذه الفعاليات إلى مراحل:

الأولى: في حياة أستاذه الشهيد الصدر الأول (قدس سره) وقد اختصرها (قدس سره) في بعض رسائله لي بأن عمله هو أتباع السيد الشهيد الصدر الأول (قدس سره) فيما يقول ويفعل ويوجّه، واعتقل خلال هذه المرحلة عام 1974 في مديرية أمن الديوانية حوالي أسبوعين، لكنه لم ينتمِ إلى (حزب الدعوة) وقال (قدس سره) في سبب ذلك: أنني وجدت الحياة التي يجسدها المتحزبون فيها (أنانية حزبية) فما

ص: 330

الذي جنيناه أذن حين نخرج من أنانية الفرد ونقع في أنانية الحزب.وحينما سألته في بعض الرسائل عن عدم قيامه بدور قيادي بارز عند تصاعد حركة السيد الشهيد الصدر الأول (قدس سره) في نهاية السبعينات فأرجعه إلى أمرين

أ- تأثير والده المرحوم السيد محمد صادق الصدر (قدس سره) عليه والذي كان له تأثيره حتى على الأول (قدس سره).

ب- انصرافه يومئذ إلى تهذيب نفسه وأتباع منهج أهل العرفان فابتعد عن الانهماك في العمل الاجتماعي الواسع.

الثانية: عقد الثمانينات: حيث انزوى في بيته بعد استشهاد أستاذه الصدر (قدس سره) ولم يكن يخرج إلا لضرورة وبعد أن شنت حملة جائرة لاعتقال السادة آل الحكيم عام 1983 وكان جاره واحداً منهم واستشهد لاحقاً وضع جلاوزة الأمن نقطة مراقبة عند باب داره فتكثَّف عمله بالتقية حتى وصفها في بعض رسائله بأنها اشد من التقية التي عاشها الإمام الحسن السبط (ع) وبقي في الإقامة الجبرية حتى حصل انفراج نسبي عام 1987 ثم كان الفرج أوسع بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية عام 1988 وعاد إلى نشاطه العلمي وبدأ بالتدريس في جامعة النجف الدينية.

الثالثة: دوره في الانتفاضة الشعبانية عام 1991 وقد شرحته مفصلاً في كتابي (الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) كما اعرفه) حين بايعته قيادة الانتفاضة مرشداً للثورة الإسلامية المباركة (بحسب وصفه (قدس سره) في خطابه الذي وجهه للجماهير في الصحن الحيدري الشريف) في اليوم الأخير قبل بدء هجوم قوات الحرس الجمهوري على المدينة واعتقل على أثرها في معتقل الرضوانية ببغداد

ص: 331

ثم أفرج عنه. وقد خرج من هذه التجربة بنتيجة مؤلمة وهي أن الأمة ما زالت بحاجة كبيرة إلى تربية روحية حتى عبّر بأنه لم يكن معي من المخلصين إلا اثنان.وأنه (قدس سره) بحاجة إلى البدء بمشروع إصلاحي يهدف إلى بناء المجتمع الصالح وبدونه يكون السعي لإسقاط النظام عبثاً ومن كلماته في بعض الرسائل ((إن الجهاد الأصغر_أي حمل السلاح في مواجهة الطواغيت –لا يكون منتجاً إلا إذا اقترن بالجهاد الأكبر- أي مجاهدة النفس وإصلاحها)).

ومثل هذه النتيجة خرج بها السيد الشهيد الصدر الأول (قدس سره) في نهاية حياته حينما قال: - بحسب رواية السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره)- ((إننا استطعنا أن نربي الناس إلى نصف الطريق ولم نكمل النصف الآخر)) ويفسرها الثاني (النصف الأول بتربية عقولهم بالعلوم المعمقة من دون تربية نفوسهم وتطهير قلوبهم من حب الدنيا واستهداف ما سوى الله تبارك وتعالى.

الرابعة: مرحلة تصّديه للمرجعية بعد الانتفاضة والتي نفّذ فيها مشروعه الإصلاحي المشار إليه وتصاعد فيه حتى بلغ الذروة في مواجهة النظام من خلال منبر الجمعة وأدت إلى استشهاده يوم 19/ 2/ 1999، وكان خلاله يأخذ بيد المجتمع ليرتقي به في سلم الكمال، وفي جوابه عن إحدى رسائلي وصفت فيها تقنين الفقهاء لمسألة أخذ الفوائد المصرفية بأنها حيلة شرعية منافية لروح الإسلام وان كانت بحسب الظاهر على طبق القواعد والمفروض بالفقهاء أن ينشئوا البديل وهو المصرف الإسلامي الذي لا يتعامل بالربا وغيرها من المعاملات المحرمة فكان مما قال في جوابه مؤيداً (إننا يجب أن نرفع مستوى

ص: 332

الواقع إلى مستوى الشرعية وليس بأن ننزل مستوى الشريعة إلى مستوى الواقع وتكييفها معه.

الطعنات من الخلف

س8:- هل كان سماحة السيد يحظى بتأييد من أوساط دينية أو سياسية داخل الحوزة وخارجها؟

ج:- استطيع أن أقول بكل أسف: لا فقد كان موقفهم سلبياً ومعادياً واتخذ أشكالاً متعددة من الأساليب الخبيثة

س: السبب ؟

ج:- ليست الأسباب إلهية صحيحة طبعاً، ولو كان هدف الجميع مخلصاً لله تبارك وتعالى لاتحدوا واجتمعوا على طاعته، أما الجهات الدينية فلأنها ترى في مرجعيته الصاعدة والآخذة بالاتساع مزاحماً لسلطتها التي تعتقد أنه حق خالص لها، وبهذا الصدد قال بعض ذيول أحدى المرجعيات ((مالهم ينازعون الناس سلطانهم)) أي ما للسيد الصدر (قدس سره) ينازع الناس الذوات الذين يجب أن تبقى المرجعية منحصرة فيهم هذا السلطان؟

وهذه نظرة أنانية جاهلية استعلائية قديمة، فقد كان الأمويون المحدقون بالخليفة الثالث يرون فيء المسلمين حقاً خالصاً لهم وأنّه بستان قريش لا يجوز لأحد منازعتهم فيه، وأن السلطة قميص ألبسهم الله تبارك وتعالى إياه وغيرها، أما نظرة الشريعة فان المرجعية مرتبة شريفة لها شروط فمن توفّرت فيه كان أهلاً لها مهما كان جنسه وقومه.

ص: 333

وأما الجهات السياسية فلانكشاف زيفها وإنها تتاجر بمظلومية الشعب العراقي وما يتعرض له من بطش من جلاوزة صدام فقد سحب البساط من تحت أرجلهم ولاح لكل مراقب ان السيد الصدر (قدس سره) هو الذي يقود المعارضة الحقيقية للنظام وجها لوجه داخل العراق وأنه يقوّض أركان النظام تدريجياً، فبدأت القوى المخلصة في إحداث التغيير تلتف حوله وتعرض عليه الاشتراك معه أما أصحاب الدكاكين البائسة فقد كسدت بضاعتهم وكانوا يرون في السيد الصدر كابوساً يجثم على صدورهم فوجهوا سهام غدرهم إليه وكشفوا ظهره للنظام وطوقوه وحاصروه وتركوه وحيداً في مواجهة النظام.وحينما أحس السيد الصدر (قدس سره) بعزم النظام على تصفيته فكّر بحماية نفسه من خلال توسيع مرجعيته خارج العراق وجعلها عالمية لإحراج النظام ومنعه من الإقدام على الجريمة فأرسل وفداً فيه المرحومان الشيخ علي صادق والشيخ محمد النعماني إلى عدد من الدول الإسلامية القريبة والمجاورة لكن الوفد جوبه بامتعاض شديد ورفض إهانة، وافتتح له مكتباً في الجمهورية الإسلامية ووجه في حفل الافتتاح خطاب صداقة وتأييد إلى القيادة والشعب الإيراني ولكن مكتبه أغلق بعد ثلاثة أيام فقط بسعي نفس الجهات.

وكان (قدس سره) شديد التألم من الحرب التي شُنّت عليه بهدف تسقيطه وإنهاء شرعيته بالكذب والافتراء وتوظيف الأبواق المأجورة وكان يقول عن تلك الفترة ((تحملتها بأعصابي)) ويقول ((إن الوحيد الذي نصرني أيام الشدة الشيخ محمد اليعقوبي)) وفي آخر أيامه كان يقول عن تلك الفترة (إنني لا أستطيع أن أثبت براءتي إلا بدمي)) وكان يصف حرب الزعامات بأنها حرب قذرة لأنهم

ص: 334

لا يقولون ما هو فيك بل يقولون ما ليس فيك.وقد ألفت عدة كتب في أرشفة تلك الحرب وتدوين فصولها والله المستعان على ما يصفون.

لماذا أجّل السيد الشهيد تصعيد المواجهة مع النظام؟

س9:- تحدثتم قبل قليل أنه (قدس سره) آجل المواجهة مع النظام في بداية مشروعه السياسي وفي بداية ظهوره وتصديه للمرجعية.

السؤال الذي يطرح نفسه لماذا آجل سماحته (قدس سره) المواجهة مع النظام فلما ظهر كانت إستراتيجيته أن لا يواجه النظام بشكل مباشر لكن بعد صلاة الجمعة التي أقيمت في معظم مناطق العراق يعني هكذا يفهم البعض انه سماحة السيد (قدس سره) أصبح في مواجه مباشرة مع النظام السابق من خلال مطالبته بالخدمات العامة من خلال مطالبته بإطلاق سراح المعتقلين ومن خلال مناداته ومن خلال توجيهاته إلى جميع شرائح المجتمع حتى أنه في الخطبة الأخيرة يعني وجه كلامه إلى الغجر. فلماذا انتقل من إستراتيجية عدم المواجهة مع النظام إلى إستراتيجية المواجهة بعد صلاة الجمعة؟

ج:- قلنا إنه (قدس سره) واجه النظام بأعلى صور المواجهة فقد قاد الانتفاضة، اعني أنهم بايعوه على قيادتها لكنه لم يمهل إلا يوماً واحداً، فهو (قدس سره) خاض هذا المستوى من الاصطدام إلا أنه خرج بالنتيجة التي ذكرناها وغيّر تكتيكاته في العمل وبدأ بنمط جديد من العمل لكن الأهداف بقيت واحدة.

وربما كان وراء هذا التريث هدف آخر يفهمه كل قائد وصاحب مشروع

ص: 335

إصلاحي، فإنه ما لم يطمئن إلى وجود البديل القادر على مواصلة المشروع وإتمامه بأحسن وجه لا يصعّد مسيرته ويعرّض نفسه للهلاك خوفاً على مشروعه أن يفشل وليس خوفاً على حياته وإن كانت الأعمار بيد الله تبارك وتعالى يقيناً، وهذا ما ورد عن المعصومين (علیهم السلام) في تفسير خوف كليم الله موسى (علیه السلام) في قوله تعالى: [قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ. وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ. وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ] (الشعراء:12-14).وقوله تعالى: [قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ. وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ] (القصص:33-34).

فقد ورد بأن خوفه (ع) كان من قتله مباشرة قبل أن يقوم بالتبليغ ويطمأن إلى وجود الخليفة الذي يواصل حمل الرسالة فاستجاب له تبارك وتعالى وشدّ عضده بأخيه هارون [وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي.هَارُونَ أَخِي.اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي.وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي] (طه:29-32).

وفي رسالة الإسلام كان إكمال الدين وإتمام النعمة وإقرار عين النبي محمد (صلی الله علیه و آله) بنصب أمير المؤمنين ع إماما وهادياً وخليفة من بعده.

لذا تحدث السيد الشهيد الصدر (قدس سره) في أكثر من مناسبة عن (البديل المماثل) الذي يُعِدّه، ولما صرّح باسمه في لقائه بطلبة جامعة الصدر الدينية يوم 5/جمادي الثانية/1419 أي قبل استشهاده بخمسة أشهر (الآن أستطيع أن أقول إن المرشح الوحيد من حوزتنا هو جناب الشيخ محمد اليعقوبي إذا كان الله أمد

ص: 336

لي في العمر إلى وقت شُهد باجتهاده، فانا لا أعدو عنه هو الذي ينبغي ان يمسك الحوزة بعدي) صعّد من حركته في الزيارة الشعبانية وما بعدها ومضى سعيداً إلى الشهادة التي اختارها الله تبارك وتعالى.

التصدي للمرجعية أساس الانطلاق في المشروع الإسلامي

س10:- كيف هيّأ السيد الشهيد (قدس سره) لمشروعه السياسي اجتماعياً؟

ج:- كانت الركيزة الأساسية لمشروعه والتي انطلق منها هي عرض مرجعيته لأنه يعتقد –وهو الصحيح- بأن قمة هرم المشروع يجب أن يكون مجتهداً جامعاً لشروط المرجعية، وأي طرح غير مرجعي لا يمكن أن يكون صحيحاً، ومن بعد ذلك يمكن التفكير بالآليات المناسبة للعمل السياسي من تأسيس حزب أو حركة شعبية أو مؤسسات ونحوها.

وتصديه للمرجعية لم يكن بدوافع دنيوية كحب الجاه والقداسة والاستعلاء على الناس وجمع الثروة وغيرها وإنما كان لتأصيل الحركة وتثبيت شرعيتها، وإلا فانه لم يكن يفكّر قبل ذلك في المرجعية، ومن الشواهد على ذلك انني عرضت عليه في إحدى مراسلاتي بتأليف ما سميته (الفقه الشامل) وتحديث كتب الفتاوى للفقهاء لتكون شاملة لشؤون الحياة، فكان ردّه الاعتذار والسبب كما قال (قدس سره) لأنني لا أحتمل بقائي حياً إلى حين تحقق الفرصة للمرجعية ورجوع الناس إليَّ. مع أهليته لذلك فإنه كان يعتقد ببلوغه درجة الاجتهاد ومنذ العام 1977 في حياة أستاذه الشهيد الصدر الأول (قدس سره).

ص: 337

خطاب المرحلة 189 :أعمال غسل العار بين الشريعة والقانون

بسم الله الرحمن الرحيم

تلقى سماحة الشيخ اليعقوبي رسالة من إحدى أعضاء البرلمان العلمانيات تطلب رأي سماحته في مادتين في (قانون العقوبات) العراقي ضمن سعيهم (للحد من مظاهر العنف في المجتمع) بحسب ما ورد في الرسالة.

والمادتين هما:

المادة (409): يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات من فاجأ زوجته أو إحدى محارمه في حالة تلبس بالزنا أو وجودها في فراش واحد مع شريكها فقتلهما في الحال أو قتل أحدهما أو اعتدى على أحدهما اعتداءً أفضى إلى الموت أو إلى عاهة مستديمة.

المادة (41/ 1): تأديب الزوج زوجته وتأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم الأولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعاً وقانوناً أو عرفاً.

فكتب سماحته الجواب التفصيلي التالي الغني بالفوائد :

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد أحيطت التشريعات الإسلامية المتعلقة بالمرأة بكثير من التشويش والخلط وسوء الفهم، ولذا انبرى عدد من العلماء والمفكرين لإزالة هذا اللبس والغموض , ومن ضمن تلك الجهود دعوتنا لكتابة (الأربعون حديثاً في قضايا

ص: 338

المرأة) وكتبنا ملخص تلك القضايا، ومنها (فلسفة التشريعات المتعلقة بالمرأة) لأنه كما قيل (إذا عُرف السبب بطل العجب) وقد استجاب أحد الإخوة وألّف كتاباً بهذا العنوان و طبع هذا الكتاب بفضل الله تبارك وتعالى وسأرفق لكم نسخة من دعوة الكتابة وكتاب (فلسفة تشريعات المرأة) للاطلاع على مزيد من التفاصيل.وأسجل ملاحظتين قبل أن أعلق على مورد السؤال:

1- أقدّر كل الجهود المخلصة لتكريم المرأة ورفع الحيف والظلم الذي لحق بها عبر الأجيال.

2- إن الشريعة الإسلامية هي أفضل القوانين التي كرمت المرأة ونظرت إليها بتوازن وعرّفت حقوقها وواجباتها في ضوء المسؤوليات المناطة بها، ولا غرابة في ذلك فان هذه الشريعة من وضع الله تبارك وتعالى صانع الإنسان وخالقه والخبير بما يصلحه ويوازن بين عوالمه (عالم الروح والنفس والعقل والقلب والجسد) فليس فيها إفراط الحضارات المادية التي ألقت حبل المرأة على غاربها فحولتها إلى سلعة بيد الرجال فامتهنوا شرفها وكرامتها ثم يرمونها على قارعة الطريق بعد قضاء وطرهم أو بوار سلعتها.

وليس فيها تفريط الجهلة والمتعصبين الذين ينظرون إليها بتعالي وقهر وكأنها مملوكة لهم إلى حد استعمال الأساليب الوحشية.

أما فيما يتعلق بالمادة (409) المشار إليها:

1- إن فرض عقوبات في حالات انتهاك القانون شيء مهم وضروري لاستقامة الحياة وردع المتجاوزين، وبدون وجود عقوبات فستحصل حالات

ص: 339

التمرد وانتهاك حقوق الآخرين, قال الله تبارك وتعالى: [وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] (البقرة: 179) وفي المثل السائر (من أمن العقوبة أساء الأدب).2- لكن هذه العقوبات يجب أن تتناسب مع المخالفة فلا إفراط ولا تفريط وهو مقتضى العدالة .

3- إن الشريعة المقدسة فرضت قيوداً شديدة لإثبات حالة الزنا ومنها شهادة أربعة من الرجال المنزهين عن أي دوافع شخصية غير الشهادة بالحق ويشهدون على رؤيتهم نفس الحالة المعروفة وليس أنهم رأوا مقدماتها أو ملابستها.

وهذه الشروط لا تحقق إلا نادراً للسرية التي تحاط بها العملية فكان هدف الإسلام هو الستر على من يمر بحالة ضعف أمام شهوته الجنسية ويرتكب هذا الفعل الشنيع الذي وصفه القرآن بأنه [كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً] (الإسراء: 32) وقد توصل العلم الحديث إلى معنى سوء السبيل هذا حيث يتسبب الزنا وكل الممارسات الجنسية غير المشروعة في كوارث صحية واجتماعية على رأسها مرض الأيدز الفتاك.

4- بما أن الزوجة حالة خاصة إذ لا يمكن للزوج تحقيق هذه الحالة من الشهادة فقد أذن الشرع المقدس للزوج أن يقيم الحد الشرعي على زوجته إذا رأى نفس حالة الزنا وليس مقدماتها او مستلزماتها كالنوم في فراش واحد مع رجل غريب ونحوها, والحد الشرعي على المرأة المحصنة (أي التي لها زوج يلبي حاجتها الجنسية والاقتصادية) هو القتل؛ لأن هذا الفعل المقزّز وفي ظل عدم وجود مبرر مشروع لها بعد توفير الزوج لاحتياجاتها المذكورة تكون

ص: 340

انتهاكاً صارخاً للنظام الاجتماعي العام الذي تحفظ به الحقوق والواجبات.5- من النقطة أعلاه يتبين أن هذا الحق خاص بالزوج مع زوجته ولا يشمل أي امرأة من محارمه كالأخت والبنت ولو فعل ذلك فيعتبر قاتلاً متعمداً ويُقتص منه.

6- إن ممارسة هذا الحق من قبل الزوج هو نوع من رد الاعتبار لشرفه وهو لا يعفيه من مسؤوليته أمام القانون لو رفع ذوو الزوجة دعوى ضدّه بأنه قتل زوجته لأغراض لا تتعلق بالشرف فعليه أن يدافع عن نفسه.

أما بالنسبة للمادة 41/الفقرة 1 فنسجل الملاحظات التالية:

1- إن التأديب والزجر جزء من حالة الإصلاح التي يُقوَّم بها الفساد من أي جهة صدرت ولا خصوصية للزوجة أو الطفل أو أي شخص آخر.

نعم، قد تختلف الجهة التي تقوم بعملية الإصلاح فالأب يقوّم أبناءه والمعلم طلبته والقضاء والحكومة تقوم الشعب والبرلمان يقوّم عمل الحكومة وهكذا.

2- إن التأديب والإصلاح له مراتب دنيا وعليا ولا يجوز شرعاً الالتجاء إلى الدرجة العليا إذا كان من الممكن تحقيق الغرض بالمرتبة الدنيا فالمرتبة الأولى هي التوجيه والإرشاد والنصيحة والموعظة، والمرتبة الثانية هي الزجر والتوبيخ والتحذير من العقاب والمرتبة الثالثة: هي الضرب الذي لا يؤدي إلى جرح أو كسر وهكذا فإذا أمكن الإصلاح بالموعظة والتوجيه فلا يجوز الضرب وهكذا ومن فعل ذلك فهو معتدي آثم ويستحق العقوبة.

3- إن المؤدِّب لا بد أن تكون له صلاحية القيام بهذه الوظيفة لذا ذكَر

ص: 341

الفقهاء شروطاً للقيام بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحسب ما استفادوه من القرآن الكريم والسنة الشريفة.4- في ضوء ما ذكرناه تكون عملية التأديب إحساناً إلى المؤدَّب وإصلاحاً له وتقويماً لسلوكه وليس اعتداءً عليه وقد قال تعالى: [مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ] فلا يؤاخذ من أحسن إلى غيره وإن كان التصرف يُنظر إليه على انه إساءة إلى الطرف الآخر.

لذا نوصي بما يلي:

أولاً: بالنسبة للمادة 409:

1- رفع عبارة (إحدى محارمه) وإبقاء الزوجة فقط وإذا قتل غيرها بهذه الصورة فيعتبر قاتلاً متعمداً وتطبق عليه أحكامه.

2- إذا أقام ذوو الزوجة دعوى على الزوج فعليه إقامة البينة بأنه رأى زوجته ترتكب الجريمة على فراشه ولا تكفي مقدمات حالة الزنا أو ملابساتها وبدونها يعتبر قاتلاً متعمداً وبذلك نستطيع إيقاف الجرائم التي ترتكب بعنوان غسل العار.

ثانياً: بالنسبة للمادة 41/الفقرة 1:

1- التأديب حق لمن له الولاية على المؤدَّب.

2- يجب أن يتناسب شكل التأديب مع حجم الإساءة.

3- لا بد أن يلاحظ في التأديب التدرج في الآليات وأولها التوجيه والنصح ثم الزجر التوبيخ ثم الضرب غير المبرَح الذي لا يؤدي الى جرح أو كسر أو عاهة.

ص: 342

4- من أدَّب بدرجة متقدمة مع تحقيق الغرض بدرجة أدنى فهو معتد ومسيء ويعاقب على ذلك ومن حق المعتدى عليه الرد.

محمد اليعقوبي – النجف الأشرف

7 صفر 1429- 15/ 2/ 2008

ص: 343

خطاب المرحلة 190 :حل مشاكل العراق بيد العراقيين أنفسهم ولكن تحتاج إلى عامل مساعد وآخر ضاغط

بسم الله الرحمن الرحيم

قال المرجع الديني آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) (إن حل مشكلة العراقيين بيد العراقيين أنفسهم، وإن اعترفنا بوجود تأثير كبير للدول الإقليمية والكبرى في أحداث الساحة العراقية، إلا أن ذلك التأثير إنما هو من خلال واجهات عراقية، فالخروج من المأزق في النهاية بيد العراقيين بشرط وجود إرادة حقيقية وجادة للحل بالتسامي عن المصالح الشخصية والفئوية والسعي لتحقيق المصالح الوطنية العليا).

وأضاف سماحته لدى استقباله السيد (دي مستورا) (1) رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق وعدد من مستشاريه (إن هذه الإرادة الجادة لم تتحقق إلى الآن مع الأسف بسبب الأنانية وفقدان الثقة بين المكونات السياسية واذكر لكم مثالاً على ذلك هي مجالس الصحوات ومكاتب الإسناد التي كان لها الدور الكبير في مكافحة الإرهاب وبسط الأمن في مناطق كانت تحت سيطرة الإرهابيين. حيث التفت الأمريكان إلى دور العشائر ولم يكن الراتب الشهري لعنصر الصحوة يزيد على ثلاثمائة دولار وربما يمر الشهران أو الثلاثة دون أن

ص: 344


1- كان تاريخ اللقاء في 3 ربيع الأول 1429ه- المصادف 11/ 3/ 2008.

يستلموا أي راتب وقاموا بهذا العمل الكبير، فهل يعسر على القوى المهيمنة على السلطة أن توفر لأبناء الشعب مثل هذه الفرص التي تكلف مبالغ يسيره وتجنّب البلد هذه الكوارث. لذا فإنّ الحل يتطلّب عاملين: عامل مساعد وآخر ضاغط:

فالعامل المساعد لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء وتعزيز الثقة ورفع الحواجز والوصول إلى مشروع وطني مشترك وهذا ما تقوم به بعثة الامم المتحدة وتنضمّ إليها جهود الجامعة العربية.

لكن هذا وحده لا يكفي لأن الكتل السياسية المستأثرة بالحكم والمهيمنة على السلطة تتصرّف باللامبالاة إزاء الكارثة التي يعاني منها العراق بحيث تصدّرت قضيته الاهتمام العالمي كله ولا تريد هذه الكتل أن تتقدم نحو الحل وتريد من الآخرين الانصياع والرضوخ، لذا تبرز الحاجة إلى عامل ضاغط لدفع هذه القوى نحو طاولة الحوار سعياً وراء إيجاد حل حقيقي ، ولا أعني بهذا العامل الولايات المتحدة وإنما أعني خلق أوضاع سياسية وتحالفات واصطفافات وطنية تدفع الجميع للرضوخ لقبول الحل الوطني الشامل، وهذا ممكن لولا ما يقال من معارضة الولايات المتحدة لحسابات خاصة بها لكونها مقبلة على انتخابات رئاسية، وهذا منطق غير مقبول لأن ما يعانيه الشعب العراقي يلزم الجميع ببذل الوسع لتخليصه من معاناته).

وأضاف سماحته (إنكم و كل إنسان حريص على أن يكون ناجحاً في حياته خصوصاً نحن المؤمنين بالله تبارك وتعالى من المسلمين ومسيحيين لأننا نعتقد أن الله تبارك وتعالى سيثيب الإنسان الناجح والمحسن في عمله وتوجد

ص: 345

آية في القرآن تقول [إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً]. إن نجاحكم في عملكم يحتاج إلى صفتين رئيسيتين وهما:

أولاً: الموضوعية والحيادية والمهنية.

وثانياً: الشجاعة والحزم في تنفيذ ما تقتضيه المهنة وأشاد سماحته بشجاعة السيد (دي مستورا) في إصراره على إمضاء الوضع القانوني للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات ووضع آلية متوازنة ومنصفة لتشكيل بقية مكاتب المفوضية في المحافظات وعدم الانسياق وراء إرادة الكتل المهيمنة التي تريد تشكيل المفوضية بما يؤدي إلى بقاء استئثارها بالسلطة وإقصاء الآخرين.

وأكد سماحة الشيخ اليعقوبي على أن انتخاب مجالس المحافظات له دور كبير في تخفيف الاحتقان وتوسيع قاعدة المشاركة وعلّل ذلك ب- : (إن الحكومات المحلية لا تمثل اليوم حقيقة الخارطة السياسية والديموغرافية في المحافظات سواء في محافظات شمال العراق أو وسطه وجنوبه؛ لأن كثيراً من القوى السياسية والشرائح الاجتماعية منعت من دخول الانتخابات بفتاوى مضللة أو بسبب تهديد الإرهابيين ، فإلى متى يستمر حرمانهم من حقّهم في أن يمارسوا الدور السياسي المناسب لحجمهم ، وأنتم ترون كيف تسعى بعض الكتل لإبقاء هذا الوضع من خلال التشكيك بالمفوضية الحالية تارةً ومحاولة إعادتها إلى المربع الأول أو من خلال عرقلة تنفيذ قانون مجالس المحافظات وعدم المصادقة عليه بحجة أنه حق دستوري مخالفين بذلك التوافق الذي

ص: 346

حصل بين الكتل السياسية لتمرير القوانين الثلاث(1) صفقة واحدة وغض النظر عن تحفظات كل الأطراف فما معنى إثارتها من جديد ونقض القرار مما يعني تعطيله لأنه – كقانون الميزانية- لم يحصل على الأغلبية البسيطة فكيف يحصل على الأغلبية المطلقة فضلاً عن أكثر من ذلك).وأكد سماحة الشيخ اليعقوبي على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها المقرر وتذليل كل الصعوبات وأن يسبقها إصلاح قانون الانتخابات وضمان سيرها بنزاهة وان يتحقق التمثيل العادل لمكونات الشعب.

ص: 347


1- قانون ميزانية عام 2008 التي يطالب الأكراد فيها بحصة 17 وقانون مجالس المحافظات وقانون العفو العام، ولم يتمكن البرلمان من المصادقة على أي منها لوجود اعتراضات وعدم الثقة بأن تصوّت بعض الكتل للبعض الآخر في كل قانون على انفراد ،فاتفقت الكتل على التصويت عليها حزمة واحدة فمُررت في جلسة البرلمان يوم 5 صفر 1429 المصادف 13/ 2/ 2008 ولكن بعض الكتل نكثت بوعودها حيث صادق مجلس الرئاسة على قانوني موازنة عام 2008 والعفو العام يوم 19 صفر وأعاد قانون مجالس المحافظات إلى البرلمان مبدياً عدداً من التحفظات.

خطاب المرحلة 191 :على أعتاب البلوغ

خطاب المرحلة 191 :على أعتاب البلوغ(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

لما أُسري برسول الله (صلی الله علیه و آله) إلى الملأ الأعلى رأى فيما رأى ملكاً من الملائكة عظيم الخلقة فتعجب منه رسول الله (صلی الله علیه و آله) وسأله عن وظيفته وقدراته. فقال الملك: إنني أستطيع أن أحسب قطرات المطر النازلة وعدد حبات الرمل وكل شيء. فسأله رسول الله (صلی الله علیه و آله) هل يعجزك حساب شيء؟ فقال، نعم، إنني أعجز عن حساب حسنات من يرفع صوته بالصلاة على النبي وآله في جمع الناس. لأن فيها إعزازاً للمؤمنين وتأييداً للدين وأهله وتدخل الرعب على المنافقين وتذلهم وتحبط مؤامراتهم لذلك كانت تقض مضاجع الطواغيت واعتقلت المؤمنين بسببها.

أيها الأحبة:

قبل أن تبلغوا سن التشريف لم يكن سجل التكليف بالأعمال قد فُتح

ص: 348


1- بدأ فضيلة الشيخ سامي المسعودي إمام جمعة وحسينية الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) في حي الإعلام ببغداد وبمباركة المرجعية الرشيدة مشروعاً لاحتضان الأطفال الذين قاربوا سن البلوغ بالتربية والتعليم ثم الاحتفال ببلوغهم سن التكليف وأن يعلنوا تقليدهم ويؤدوا أول صلاة مفروضة مع المرجعية مباشرة، وبحضور حوالي مائة من هؤلاء الصبيان تحدث سماحة الشيخ (دام ظله الشريف) بلغة مناسبة وذكر فيها شيئاً من طفولته، وهذا تقرير بتصرف لبعض ما جاء فيها. وكان تأريخ اللقاء 10/ صفر/1429 المصادف 18/ 2/ 2008.

لكم وبالتالي فإن مثل هذا الأجر العظيم كان يكتب لوالديكم ولمن علمكم وتعطون انتم منازل على براءتكم ونقائكم وطيب فطرتكم من دون هذا التنافس الشريف في نيل الدرجات الرفيعة، أما الآن وبعد أن دخلتم سن التشريف وأمثاله يُسجل لكم وترفعون به رؤوسكم يوم القيامة وتتفوقون به على غيركم ممن لم يناله هذا التوفيق الإلهي العظيم.لذا فنحن بدلنا تسميته من سن التكليف إلى سن التشريف لأن الإنسان يتشرف عند بلوغه بحمل الأمانة الإلهية وخلافة الله تبارك وتعالى في أرضه، وأضرب لكم مثالاً لتقريب الفكرة: لو أن أحد أقربائكم أو جيرانكم عمل وليمة فإنه يدعو الأب ولا يدعو الأطفال دعوة مستقلة وإنما يأتون تبعاً لآبائهم أما بعد أن يبلغوا فتُوجه لهم دعوات مستقلة عن آبائهم فيشعرون حينئذ بزهو الرجولة والشخصية المعنوية الكاملة. فالإنسان بعد بلوغه يكون مدعواً بشكل مستقل إلى موائد الكريم الرحيم رب العزة حيث يغدق عليهم ربهم بما لا عين رأت ولا إذن سمعت.

ومن نعم الله عليكم احتضانكم في هذه المرحلة من العمر من قبل أيدي أمينة تنصحكم فهم آباء لكم بعد آبائكم وأمهاتكم، وأن التربية والعلم الذي تتلقونه في الصغر يبقى راسخاً ومتجذراً في شخصيتكم كما قيل (التعلم في الصغر كالنقش في الحجر) لثباته، وأمامكم فرص عظيمة لعمل الخير كالبر بالوالدين وصلة أرحامكم ومساعدة الضعفاء والمحتاجين ودفع الأذى عن طريق المسلمين ونقل ما تتعلمونه من أحكام وأخلاق وآداب إلى أقرانكم الذين لم تسنح الفرصة لهم ليحضوا بهذه الأجواء الشريفة.

ص: 349

خطاب المرحلة 192 :رسالة المرجعية الدينية في النجف الأشرف إلى النساء الرساليات الأوربيات

خطاب المرحلة 192 :رسالة المرجعية الدينية في النجف الأشرف إلى النساء الرساليات الأوربيات(1)

الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله، لقد جاءت رسل ربّنا بالحق.

والصلاة والسلام على جميع أنبياء الله ورسله والأئمة الهادين ومن تبعهم بإحسان.

توجد كلمة قصيرة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیهما السلام) تختصر كتاباً في معناها، وهكذا كل كلماته (ع)، ولا عجب في ذلك فهو تلميذ مدرسة

ص: 350


1- عزمت ثلة من المسلمات الألمانيات اللواتي وُفّقنَ للعمل الرسالي على عقد مؤتمر نسوي يوم 24/ 4/ 2008 تشارك فيه الأخوات المؤمنات المنتشرات في أقاليم ألمانيا وهنّ من جنسيات أوربية وعربية وإسلامية لمناقشة عدة قضايا ترتبط بتوحيد عملهن وتوزيع المسؤوليات بينهن ومواجهة التيه العقائدي وخصوصاً المنهج التكفيري، ومناقشة وضع المسلمين في ألمانيا والدفاع عن الإسلام وإظهار صورته المشرقة وحوار الأديان وإنشاء المدارس الخاصة بالشباب والأطفال ومناهج التعليم كما يبرز المؤتمر أهمية المرجعية الدينية ودورها في حياة الأمة، وما ينتظره المسلمون في ألمانيا وعموم الغرب من مرجعيتهم في النجف الأشرف. وقد أبدى بعض منظمي المؤتمر الرغبة في مشاركة المرجعية بكلمة تعبر فيها عن استعدادها لاحتضان هذا العمل المبارك والتواصل مع العاملين فكانت هذه الرسالة من سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) التي ترجمت إلى الألمانية وألقتها في المؤتمر الذي عقد في التاريخ المذكور أختٌ ألمانية مؤمنة هي زوجة أحد الإخوة المؤمنين العراقيين المقيمين في ألمانيا.

القران الكريم، قال فيها (ع) (قيمة كل امرئ ما يحسنه) فكلما زاد الإنسان من أعمال الخير والبر والإحسان زادت قيمته عند الله تبارك وتعالى فازداد قرباً من ربّه وقد قال الله تبارك وتعالى: [إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً] (الكهف: 30).ومساحة الإحسان واسعة تبدأ من داخل النفس الإنسانية بتهذيبها وتنقيتها من الصفات الرذيلة كالحقد والحسد والجبن والبخل والكراهية والأنانية والجهل واتباع الأهواء والشهوات ثم تبدأ النفس الكريمة الطاهرة العفيفة بالإشعاع على الآخرين والإحسان إليهم.

وأتذكّر أنني كنت مرة في الحرم العلوي المطهّر لزيارة أمير المؤمنين (علیه السلام) ودار في ذهني معنى لكلمته السابقة حاصله أن قيمة كل امرئ هي بمقدار ما يحمل من صفات الأسماء الحسنى لله تبارك وتعالى كالكريم والرحيم والعليم والغفّار والحليم وغيرها فتزداد قيمة الإنسان كلما ازدادت نسبة ما يتحلى به من هذه الصفات.

ولا شك أن الإنسان مهما تكن له من قيمة كفرد فان قيمته تزداد إذا انضمّ إلى غيره لان العمل الجماعي والمؤسساتي يكسب الفرد قيمة إضافية، فعمل مجموعة أفراد أكثر قيمة من مجموع قيم هؤلاء الأفراد متفرقين اضرب لكم مثالاً لو أن دورة كتب معينة تتألف من عشرة مجلدات فان قيمة الدورة الكاملة أثمن من مجموع قيم كل جزء على حدة لو وُجِد منفرداً لأن الانضمام بحد ذاته له قيمة إضافية.

فالانخراط في العمل الجماعي زيادة في الإحسان وقد وعد الله تبارك

ص: 351

وتعالى في الآية المتقدمة انه لا يضيع أجر من أحسن عملاً، ونحن في هذه الدنيا نطمح إلى تحقيق اكبر مقدار ممكن من الأعمال الصالحة لنزداد قرباً من الله تبارك وتعالى ونزداد قيمة عنده، فالدنيا مزرعة الآخرة ومتجر الأعمال الصالحة.والعمل الجماعي لكي يكون مثمراً لابد أن يكون منظماً وتوزَّع فيه المسؤوليات بدقّة ويوضع له برنامج عمل يسير عليه وفق الإمكانيات المتاحة والظروف المتيسرة.

أيتها الأخوات الفاضلات المجتمعات في المؤتمر النسوي المنعقد في ألمانيا:

إننا في النجف الأشرف عاصمة العلم والفكر نتطلّع إليكنّ في نشر مبادئ الإسلام النقي لتنقذوه من التصرفات المشينة التي ارتكبت باسمه ظلماً وزوراً، ونعرض قدراتنا العلمية والفكرية في خدمتكم جميعاًً لتؤدوا هذه الرسالة العظيمة التي اختاركنّ الله بفضله لأدائها، وستجدون أنفسكم حينئذ قادرين على إنقاذ شبابنا وشاباتنا الأوربيين من الانخداع ببعض الأفكار الضالة التي تؤدي إلى خسران الدنيا والآخرة، كتلك الفتاة البلجيكية التي أسلمت ثم غذوها بالأفكار التكفيرية فجاءت إلى العراق وفجّرت نفسها لتقتل الأبرياء من النساء والأطفال، ولو قُدَّر لهذه الفتاة أن تقع بين أيدي أمينة تخاف الله تبارك وتعالى كحضراتكن فإنها لم تكن لتقع في هذه الجريمة الشنيعة.

إن إحدى مسؤوليات المرجعية الدينية التي هي امتداد لدور الائمة المعصومين (علیهم السلام) في حياة الأمة رعاية الناس وهدايتهم وإرشادهم لما فيه

ص: 352

صلاح الدين والدنيا، لكنها وحدها لا تستطيع أن تقوم بهذه المهمة الواسعة مالم يتعاون معها العاملون الرساليون المخلصون الذين وصفهم الله تبارك وتعالى بقوله [الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلا اللَّهَ] (الأحزاب: 39). وتتوسم المرجعية في النجف الأشرف فيكّن أن تكونوا ممن عناهم الله تبارك وتعالى في هذه الآية الشريفة، وتتحقق أفضل النتائج حينماً نتحرك جميعاً بعمل مشترك وحينئذ ستجدون الألطاف الإلهية ترعاكم وتنمي عملكم بشكل لا تتوقعونه، وسوف يمتد إحسانكم ليغطي غير المسلمين أيضاً ويتجاوز الحدود الألمانية إلى العالم كله خصوصاً إذا استثمرتم تكنولوجيا الاتصالات المتطورة اليوم وانفتحتم على أكبر عدد من الزملاء والأخوان.

وسوف تعترض عملكم عقبات وأشواك والذي يهوّن الخطب عليكم أنها حالة طبيعية واجهها كل الأنبياء والرسل والمصلحين وتستطيعون التغلب عليها بإخلاصكم لله تبارك وتعالى وبالصبر وبالحفاظ على وحدتكم وإلفتكم وعدم السماح لاختلاف وجهات النظر بينكم في أن تكون سبباً للخلاف بينكم.

وأرشدكم إلى ثلاثة كتب تنفعكم في عملكم الرسالي ألفتها وأودعت فيها خلاصة فهمي للمسيرة الإصلاحية لنبيّنا الكريم محمد (صلی الله علیه و آله) والأئمة المعصومين (علیهم السلام) من بعده وهي (الأسوة الحسنة للقادة والمصلحين) و(دور الأئمة في الحياة الإسلامية) و(شكوى القرآن) والتي سنسعى إلى ترجمتها إلى اللغة الألمانية ليتيسر لكم الاستفادة منها باذن الله تعالى.

أيتها الأخوات الفاضلات:

ص: 353

أنا أعلم أن رسالة مختصرة كهذه لا تكفي لشرح كل تفاصيل العمل، لكن عذري الذي أقدمه لكم هو رعاية وقت المؤتمر والبرنامج المكثّف للمشاركات فيه، ولأني أأمل أن أتواصل معكن عبر موقعنا على الانترنت، وسأكون شاكراً لكنَّ كلما استطعت أن أقدّم خدمة أكبر. والسلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته

[وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ].

محمد اليعقوبي - النجف الأشرف

6 ربيع الأول 1429

14/ 3/ 2008

ص: 354

خطاب المرحلة 193 :حوارات سياسية في الذكرى الخامسة لسقوط صدام المقبور

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

أجرت قناة الحرة لقاءً مع سماحة الشيخ اليعقوبي في الذكرى الخامسة لسقوط صدام، وقام بالحوار مقدّم البرامج المعروف فيها سالم مشكور.(1)

المطلوب تغيير الظلم وليس الظالم فقط.

مشكور: ماذا شكل 9 نيسان 2003 بالنسبة للأوساط العلمائية والمرجعية والحوزة الدينية؟

سماحة الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم: من وظائف العلماء رفض الظلم والسعي لتغييره وقد كان صدام يمثل حالة سيئة بل ربما النموذج الأسوأ من الظلم، وقد سعى العلماء بمقدار ما يستطيعون لإزالة هذه الحالة وقدّموا شهداء كراماً وتضحيات جليلة على هذا الطريق وهم طبعاً لهم آلياتهم ووسائلهم وأهدافهم المناسبة لهم والتي تختلف في تفاصيلها مع من غيَّر، وإن اشتركوا في أصل فكرة التغيير، ومن نقاط الاختلاف أن العلماء يريدون تغيير الظلم إلى العدل والإنصاف والمساواة وحرية وكرامة الإنسان، أما الآخرون فيكتفون

ص: 355


1- أجري اللقاء بتاريخ 27 ع1 1429 المصادف 4/ 4/ 2008 وعرض مساء 2 ع2 الموافق 1/ 5/ 2008.

بتغيير الظالم وهذا غير مجدٍ من وجهة نظرنا، فإذا أردنا أن نقيّم التغيير الذي حصل في 9/ 4 فلا بد أن ننظر إليه من هذا المعيار وهل أنه حصل تغيير للظالم إلى ظالم آخر أم أنه تغيير للظلم.

الشيء الذي تحقق هو الأمل لغدٍ أفضل

مشكور: على أساس هذا المعيار هل تعتبرون أنّ ما حدث هو تغيير للظلم ونهايته أم حلّ ظلم جديد؟

سماحة الشيخ: أنا هنا أتحدث كمواطن عراقي، والعراقيون لا يشعرون بأن شيئاً من الظلم قد تغيّر بدرجة ملحوظة، وأن كثيراً من المظالم والتقصيرات التي أوجبت رفض نظام صدام والوقوف في وجهه كُرِّست في النظام الحالي، مثل تقريب العشيرة وأبناء المدينة والحزب وإعطائهم المناصب العليا على حساب الكفاءة والنزاهة والوطنية ومثل الاستئثار بثروات الشعب وحرمانه من حقوقه في حياة حرة كريمة ومثل اعتقال الأبرياء(1) وقتل الآمنين بجريرة غيرهم.

نعم، الشيء الحسن الذي تحقق هو الأمل بغدٍ أفضل أما في عهد صدام فلم يكن هناك أمل وكان المصير مظلماً.

ص: 356


1- أعلن القاضي عبد الستار البيرقدار من مجلس القضاء الأعلى يوم 29/ 4/ 2008 إن عدد المستفيدين من قرار العفو العام إلى الآن بلغ (50535) ونتساءل هنا إن كانوا هؤلاء أبرياء فما وجه اعتقال هذا العدد الكبير وقد أمضى عدد منهم سنتين أو أكثر، وإن كانوا مجرمين وإرهابيين فكيف جاز إطلاق هذا العدد الضخم من القتلة ليفسدوا في الأرض وهل إن الصفقات السياسية مبرر كاف لهذا الفعل؟

موقف المرجعية إبان الغزو عام 2003

مشكور: ما هو شعور الأوساط المرجعية والعلمائية عندما أطيح بالنظام السابق.

سماحة الشيخ: كانت الفرحة الكبيرة بزوال الطاغوت مشوبة بالقلق من احتمال أن تكون الفوضى هي البديل عن صدام، والمعروف عند العقلاء أن وجود حكومة تؤدي وظائفها وإن كانت ظالمة أفضل من الفوضى أما الظلم فيتم التعاطي معه بشكل من الأشكال وهذا القلق حصل عندي من خلال متابعتي لنشرات الأخبار والتحليلات السياسية من الإذاعات المهمة خصوصاً BBC ولم أجد عند الأحزاب والشخصيات العراقية المعارضة حينئذٍ أي برامج أو خطط لبناء عراق ما بعد صدام وكان كل نقاشاتهم عن المحاصصة وتقاسم السلطة والثروات مما يعني الكثير من الصراع والعنف والتقاتل وتغليب منطق القوة، وهذا ما نشهده اليوم تحت اسم الديمقراطية، ولكن هذا القلق لم يكن مبرراً للوقوف في وجه التغيير، لأن الوقوف في وجه الغزو والاحتلال يصبّ في مصلحة صدام وإطالة عمره وهذا ما لا يرضاه منصف، إضافة إلى أننا لا نملك الوسائل الكافية للوقوف في وجه الغزو وتحويل المعادلة إلى صالحنا وتجربتنا في الانتفاضة الشعبانية عام 1991 مؤلمة وقاسية حينما غدرت قوات الحلفاء بالشعب العراقي.

لذا كان الموقف الذي تبنيناه ووجهنا به من يرجعون إلينا هو الوقوف على الحياد في تلك المعركة لعدم وجود مصلحة في التخندق مع أي من الطرفين المتصارعين. فالأحجى هو حفظ المسلمين ومصالحهم وعدم زجّهم في مثل

ص: 357

هذه المعركة. في مقابل ذلك كان هناك موقفان:

الأول: هو استثمار الاندفاع الأمريكي نحو التغيير وهذا موقف الأحزاب والشخصيات التي كانت في خارج العراق وذهب بعضهم إلى الانضمام إلى المشروع الأمريكي بدعوى إمكان التوسل بالشيطان لإزالة صدام من باب الفاسد والأفسد.

الثاني: هو مواجهة قوات الاحتلال لأنها تستهدف بلداً مسلماً فيجب الدفاع عن بلاد الإسلام وان كان هذا البلد فريسة في يد صدام، وهذا الموقف كانت تريده حكومة صدام من الشعب وأقامت مؤتمرات للعلماء والمرجعيات الدينية لإصدار فتاوى بهذا المضمون، وقد تلى عدد من ممثلي المراجع بياناً بهذا المعنى في احد المؤتمرات الذي أقيم في إحدى قاعات الروضة الحيدرية الشريفة في النجف الأشرف قبيل الغزو وقد امتنعتُ عن التجاوب مع مطلب الحكومة رغم أن من أصدر مثل هذا الموقف بررّه بالإكراه، لكنني اعتقد أن هذا الإكراه غير واضح لكل الناس وبالتالي سيندفع قسم منهم-مهما قل عدده- لمواجهة الغزو وخصوصاً مع الثقافة المتركزة في أذهان المسلمين التي تقضي بالدفاع ضد أي غزو كافر لبلاد المسلمين وحينئذ نتحمل مسؤولية دماء هؤلاء الناس.

لكن الذي هوّن الخطب أن أكثر المتدينين كانوا يرجعون إلينا يومئذ في المواقف الاجتماعية العامة ويأخذون بتوجيهاتنا وان كان تقليدهم في الفتاوى لمراجع آخرين وتصاعدت الثقة بيننا منذ أن تعيَّنت قيادة الحركة الإسلامية في

ص: 358

داخل العراق بنا بعد استشهاد أستاذنا السيد محمد الصدر (قدس سره) في شباط 1999 ولما لمسوه من النشاط الواسع والشجاعة في اتخاذ المواقف والإخلاص في العمل. لذا فقد عمّ هذا الموقف كل طبقات الشعب والتزموا به ورجع إليه بعض العلماء الذين تبنّوا جهاد الغزاة أولاً كالسيد كاظم الحائري (دام ظله الشريف) على ما تناهى إلى سمعي يومئذ ويمكن مراجعة بياناته.ويبدو أن قوات الحلفاء اكتشفت أن هذا الموقف الموحّد لم يأتِ جزافاً فقد نقل لي بعض الفضلاء الذين أقاموا في مدرسة البغدادي التي هي مقر جامعة الصدر الدينية طيلة أيام المعارك للحفاظ عليها أنّ الأمريكان لما دخلوا النجف سألوهم عن كيفية تحقيق مثل هذا الموقف الموحّد للعراقيين الذي ساهم بشكل أكيد في التعجيل بنهاية صدام من دون مؤونة تذكر، وبنفس الوقت لم ننصر الغزاة أو نؤيد مشروعهم.

واكشف هنا لأول مرة أن الحلفاء طلبوا مني مثل هذا التعاون قبل بدء العمليات بشهرين تقريباً فقد جاءني أحد الفضلاء ومعه شخص من أهل العمارة كان له ارتباط مع زعيم إحدى الجماعات المسلحة التي تقاتل النظام في الأهوار وأصبح عضواً في مجلس الحكم ونقل رسالة بهذا المعنى من الجنرال جون أبي زيد الذي عرفت فيما بعد أنه قائد القوات الأمريكية في المنطقة الوسطى التي تشمل العراق وأفغانستان وغيرها من دول المنطقة، لكنني أغلقت الموضوع معهما للموقف الذي أتبنّاه وهو الحياد ولأن النظام كان قاسياً في التعاطي مع من يعلم بمثل هذه الأمور ولا يخبر عنها بتهمة (التستّر) فضلاً عمن يشارك فيها، وأنا كنت بحكم موقعي الاجتماعي ونشاطي مرصوداً بشكل

ص: 359

مكثف من جلاوزة النظام.

توجهات المرجعية قبل بدء الحرب وأثناءها.

مشكور: المعروف عن الكثير من الشعب العراقي أنهم متدينون وشديدو الارتباط بتعليمات وتوجيهات المرجعيات الدينية، فهل كان لها دور في ذلك الوقت لمنع الفوضى. أم أنها بقيت محتاطة بانتظار ما ستنجلي عنه؟

سماحة الشيخ: أنا أتحدث عن موقفي وأنا بفضل الله تبارك وتعالى انتمي إلى الاتجاه الحركي العامل من الحوزة العلمية ومن وظائفها عدم التقاعس عن أي قول أو فعل فيه حفظ الدين وعزتّه وصلاح العباد والبلاد، وبعد استشهاد السيد الصدر الثاني (قدس سره) فقد تحملنا أعباء توجيه الحركة الإسلامية في داخل العراق، فكان لزاما علينا النزول بشجاعة وبحكمة إلى ساحة العمل الميداني، ومنذ أن بدأت إرهاصات غزو الحلفاء للعراق بدأتُ بإصدار التوجيهات ومنها بيان مفصل بعنوان (الاستماع إلى نشرات الأخبار في أوقات الأزمات) حيث أوضحت فيه كيفية التصرف إزاء الحشد الإعلامي عن العراق ومحاولة وسائل الإعلام صناعة الآراء لدى العراقيين بالشكل الذي تريده الجهات التي تقف وراءها، وتعرضت فيه أيضا إلى كيفية التعاطي مع شحة المواد الغذائية والتكافل الاجتماعي وغيره. وهذه التوجيهات كانت قبل بدء الهجوم بشهرين تقريباً وصدر بيان(1) من عشر نقاط يوم 6/ 4 / 2003 عندما بدأ صدام يترنح تحت ضربات قوات الاحتلال فيه توجيهات عامة حول ضرورة الحفاظ على

ص: 360


1- هذا البيان وسابقه منشوران في الجزء الثالث من كتاب (خطاب المرحلة).

مؤسسات الدولة والمال العام لأنها ملك للشعب لا لصدام وحرمة العمليات الانتقامية وتصفية الحسابات وتصدّي الخطباء والمثقفين لتوعية المجتمع ونصحهم بعدم الانسياق وراء الشعارات البراقة والمشاريع التي كانت تطلقها الأحزاب والشخصيات السياسية القادمة من الخارج لأنهم فارقونا منذ أكثر من عشرين عاماً ولا نعلم بالدقة وضعهم الحالي حتى يحصل الاطمئنان بأجنداتهم.

العلاقة التكاملية بين عراقيي الداخل والخارج

مشكور: تطرقتم إلى موضوع الكيانات القادمة من الخارج وهو ما يؤشره البعض على سماحة الشيخ اليعقوبي من أنه يميّز بين عراقيي الداخل والخارج ويرى أن عراقيي الداخل هم الأفضل وان القادمين من الخارج لا دراية لهم بحيث تركوا أثراً سلبياً فهل هذا صحيح.

سماحة الشيخ: سمعت كثيراً من الكلمات التي حاولت تحريف كلامي وعرضه بالشكل الذي يستفز إخواننا الذين عاشوا معاناة الغربة والتهجير، وهذا ضمن حملة بعض الحاسدين والمنافقين لتشويه صورتي، وانطلت الكلمات على البعض ممن لم يقرأوا خطابي وكلامي حتى يعرفوا حقيقته، وبالمناسبة فإن المصطلح لم أصنعه أنا وإنما هو متداول على وسائل الإعلام منذ وقت وأراد به بعض المغرضين أهدافاً سياسية معينة كالتحريض على الكيانات المهيمنة على السلطة، فأردت تهذيب المصطلح وفضح هذه النوايا السيئة ووضع إصبع التشخيص على حالة خطيرة في المجتمع كانت احد أسباب العنف والفجوة بين الحكومة والشعب وهي : أن السياسيين القادمين من الخارج يرون الذين بقوا

ص: 361

في داخل العراق جهلة ومتخلفين حرمهم صدام من كل أسباب التقدم والتحضّر وأنهم بعثيون صداميون بدليل بقائهم أحياء لم يملأ بهم صدام المقابر الجماعية، وهم يعلمون أن هذا افتراء باطل ولكنهم يريدون أن يبرروا لأنفسهم الاستئثار بالسلطة وحرمان الشعب من حقوقه وان ينفردوا هم بخيرات البلاد،فأردت أن أقول إن العراق لا يستقر ولا يتقدم إلا بالعمل التكاملي بين من قدموا من الخارج ومن عاشوا المحنة في الداخل وصبروا وقدموا التضحيات من أجل أن يحفظوا هوية العراق وخصائص شعبه وإدامة الجهاد ضد الطاغوت، وإن لدى عراقيي الداخل الكثير من الخبرات والمهارات التي لا يمكن التفريط بها وهم أعرف بالأحوال التي مرّت على شعبهم والتغيرات التي طرأت عليهم، أما السياسيون الذين قدموا من الخارج فإنهم عاشوا انفصالاً امتد أكثر من عقدين.

وإلى الآن - وهذا ما أقوله بمرارة- لا يحس الشعب من أغلبهم انتماءً إلى بلدهم واصطفافاً مع معاناة شعبهم وكل الذي يفهمونه من العراق أنه بقرة حلوب يتسابقون على استلاب خيراته.

دور المرجعية في منع الفوضى وسرقة المال العام

مشكور: هل كان دور للعلماء في منع عمليات السلب والنهب التي حدثت؟ ولماذا حصلت هذه الممارسات الشعبية؟

سماحة الشيخ: ليس كل عمليات السلب والتخريب كانت ممارسات شعبية بل إن بعضها كان عبارة عن عملية منظمة لتخريب حضارة العراق وسرقة

ص: 362

ممتلكاته الثمينة قامت بها جهات مدرّبة كانت تتربص اللحظة المناسبة.أما ما قام به العامة فله أكثر من سبب:

1- ثقافة متركزة في أذهانهم أن الأموال العامة هي ملك السلطة الحاكمة وبالتالي فهم يرون أن شكلاً من أشكال الصراع مع الحكومة يكون بسرقة المال العام أو تخريبه ولم يشعر المواطن يوماً أن المال العام هو للدولة وليس للحكومة والدولة بكل مؤسساتها ملك الشعب، وشعوره هذا ناشئ من طول حرمانه من حقوقه المستمر مع الأسف إلى الآن.

2- تخلي صنّاع القرار في الأمة عن دورهم في توجيه الناس وردعهم عن الممارسات السيئة، لذا لما صدرت توجيهات من المرجعية الدينية بحرمة سرقة المال العام أظهر الشعب طاعة تامة و أعادوا ما أخذوه إلى مؤسسات الدولة أما الذين لم يطيعوا المرجعية فهم السياسيون الذين استمروا بفسادهم وسرقة أموال الشعب رغم أن بعضهم يتاجر باسم المرجعية.

مسؤوليات ما بعد السقوط:

مشكور: بعد 9/ 4 هل أصبح على الحوزة العلمية وعلى المرجعيات الدينية مسؤولية جديدة أو دور آخر يمكن أن يؤدوه؟

سماحة الشيخ: العلماء لا يتخلّون عن وظائفهم بأي حال من الأحوال، نعم قد تتسع وقد تضيق فرص ممارسة دورهم في حياة الأمة، ومنها العمل السياسي الذي نفهمه على أنه رعاية المصالح العامة للأمة والبلاد وليس الصراع على السلطة بأي ثمن، وهذه الوظيفة قام بها النبي والأئمة (صلوات الله عليهم)

ص: 363

والعلماء على اختلافٍ في المساحة المتاحة، وبالنسبة للمرجعية في النجف فقد أتيحت لها فرصة أوسع للتأثير في العملية السياسية بعد سقوط صدام لزوال المانع.

العلماء والعمل السياسي:

مشكور ما هي حدود تدخل عالم الدين في المواضيع السياسية.

سماحة الشيخ: الدين الإسلامي يغطي كل شؤون الحياة حيث ورد في السنة الشريفة (ما من واقعة إلا ولله فيها حكم) والمجتهد هو القادر على أن يستخرج أحكام الوقائع من الأدلة الشرعية، فليس غريباً أن ترجع إليه كل شرائح المجتمع لمعرفة حكم الشريعة في مجمل القضايا ومنها المواضيع السياسية بل إن المجتمع لا يعذره إذا سكت عن بيان رأيه في قضية معينة لأنه يتوقع من المرجعية حضورها في كل ما يتعرض له، خصوصاً في العراق فإن الشعب متدين ويضبط بوصلة تحركاته على أحكام الشريعة، لكن هذا لا يعني انخراط العلماء في تفاصيل العمل السياسي لأن في هذا تحجيماً لدورهم و ما العمل السياسي إلا لونٌ من ألوانه، فالانهماك في العمل السياسي يعني تقصيره في وظائفه الأخرى التي هي أهم منه، إضافة إلى أنه يجعله جزءاً من حالة محددة والمفروض أن يكون أباً وراعياً للجميع.

ولا يعني هذا أيضاً الاكتفاء بالمواقف النادرة والعموميات التي لا تسمن ولا تغني من جوع فلا بد من المساهمة الفاعلة في تقديم التوجيهات والرؤى والتأثير على السياسيين لتقويم مسيرتهم وتصحيح عملية الانحراف ورفع الظلم

ص: 364

والمطالبة بحقوق الشعب.وإذا اعتقدنا بأن المرجعية موقع شريف محاط بالألطاف الإلهية بالإخلاص والهمة العالية والعمل الصالح الدؤوب فلا شك أنها ستهتدي إلى ما لا يهتدي إليه أكثر السياسيين حنكه وخبرة.

وعلى أي حال فالعمل السياسي للمرجعية هو بين هذين الحدين اللذين هما الإفراط التفريط.

التوظيف السيئ للدين

مشكور: ما ذكرتم يتعلق بالمرجعيات وكبار علماء الدين، فماذا عن رجال الدين عموماً وممارستهم للعمل السياسي؟

سماحة الشيخ: بالنسبة لي فأنا أخيّر من يرغب بالتفرغ للعمل السياسي بينه وبين الاستمرار بوظائفه الدينية لعدم التمكن من القيام بهما معاً فسيقصّر في أحدهما حتماً، ولسريان الآثار السلبية للعمل السياسي على الوظيفة الدينية المقدسة وسيوظّف الدّين لخدمة مصالحه وهذا ما نجده مع الأسف عند بعض السياسيين الذين يؤمّون صلاة الجمعة فإنهم يتخذون منبرها المقدس وسيلة للمهاترات وتصفية الحسابات وجرّ النار إلى قرصه كما يقولون وهذه خسارة كبرى.

فإذا شاء أن يصبح سياسياً فليتفرغ للعمل السياسي حتى وإن بقي على زيّه الديني فإنه سيصبح كبقية الأزياء المتنوعة.

مشكور: إن الأعراف جرت على تقديس رجل الدين الذي يلبس الزي

ص: 365

الديني حتى لو تخلّى عن وظائفه الدينية فكيف سنحقق الفرز المذكور؟ سماحة الشيخ: هذا الفرز سيتم تدريجياً، وإنما يحصل الخلط بسبب كون ممارسة رجال الدين للعمل السياسي حاله جديدة على مجتمعنا، وأعتقد أن وعي هذه الحالة قد تقدّم في المجتمع ما بين عام 2003 والآن.

القداسة المزيفة لبعض رجال الدين

مشكور: هل القدسية التي يمنحها البعض لنفسه ويطالب الآخرين بمراعاتها هل لها من أساس ديني؟

سماحة الشيخ: لا أساس لهذه الحالة في الدين بل الموجود هو العكس فقد كان رسول الله (صلی الله علیه و آله) والأئمة الطاهرون (ع) يجالسون الفقراء والضعفاء والعبيد ويؤاكلونهم، وكان الإعرابي يدخل المسجد فيسأل أيّكم محمد؟ لأن النبي (صلی الله علیه و آله) لم يكن يتميز بين أصحابه بمجلس أو ملبس.

لكن بعض رجال الدين يصنعون حولهم هالة وقدسية انسياقاً وراء أهوائهم وأنانيتهم في الغرور والتكبر والاستعلاء واستدرار ما في أيدي الناس كالذي كان يفعله سدنة الأصنام والكهنة وغيرهم وأنا أرفض هذه المظاهر وأحاربها، وهكذا كان السيد الشهيد الصدر (قدس سره) فقد استنكر بشدة قضية تقبيل اليد ونحوها من المظاهر الزائفة، والمرجع وغيره من العلماء ورجال الدين ليسوا معصومين فليس لهم موقع أعلى من الناس، قال الله تبارك وتعالى [إنَّ أكْرَمَكُم عِندَ اللهِ أتقَاكُمْ] وأنا أواصل صنع ثقافة لدى المجتمع وهي شهادة الأمة على المرجعية في موازاة شهادة المرجعية على الأمة لأن المرجع ليس معيناً بالنص

ص: 366

من السماء وإنما وضع المشرّع شروطاً وصفات لمن يستحق هذا الموقع الشريف فمن توفرت فيه رجعت إليه الأمة وإلا تركته إلى غيره ممن يجمعها.ولكن تبقى في المجتمع طبقة ساذجة جاهلة تنطلي عليها الألاعيب وهذه الحالة مزمنة عبر التاريخ، وقد كان أحد أهداف الأنبياء والرسل والمصلحين فضح المتاجرين باسم الدين والذين يمارسون القيمومة على عقول الناس وحرياتهم ويستغلون أسوأ استغلال طاعة الناس للمرجعية.

مشكور: هل يمكن القول أن الناس لم تعد تسمع إلى المراجع ولا تتبع توجيهاتهم؟

سماحة الشيخ: لا أتوقع هذا فشعبنا متدين ومن لوازم تدّينه اتباع مرجعيته بحسب ما أمر به الأئمة المعصومون (سلام الله عليهم) لأن اتباع غير المجتهد الجامع لشروط الإفتاء والولاية لا يزيد الإنسان إلا ضلالاً وبعداً عن الحق.

نعم الذي نتوقعه زيادة الوعي لدى المجتمع خصوصاً المثقفين والمفكرين والشباب الواعين فيحسنون اختيارهم للمرجعية وفق المعايير الصحيحة والله الهادي إلى الحق.

ص: 367

خطاب المرحلة 194 :احذروا عرض أعمالكم على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) (صلى الله عليه وآله وسلم)

خطاب المرحلة 194 :احذروا عرض أعمالكم على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)(1) (صلى الله عليه وآله وسلم)

بسم الله الرحمن الرحيم

ورد في رواية معتبرة عن الإمام الصادق أنه قال: (ما لكم تسوؤن رسول الله (صلی الله علیه و آله)؟ فقال رجل : كيف نسوؤه؟ فقال : أما تعلمون أن أعمالكم تعرض عليه، فإذا رأى معصية ساءه ذلك، فلا تسوؤا رسول الله وسروه).

وفي رواية أخرى عنه قال : (تُعرض الأعمال على رسول الله (صلی الله علیه و آله) أعمال العباد كلَ صباح أبرارها وفجارها فاحذروها وهو قول الله تعالى: [اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ] وسكت)(2).

أقول مادام الأمر كذلك وتعرض أعمالنا أولا بأول على رسول الله والأئمة الطاهرين (صلوات الله عليهم)، فماذا سيجدون في أعمال أمتهم اليوم؟ وكم يكون الالتفات إلى هذه الحقيقة مؤثراً على مراقبتنا لأنفسنا والمحاسبة على ما يصدر منها؟ لا شك إن أعمال الأمة اليوم سيئة تؤذي رسول الله (صلی الله علیه و آله) وهو يطلع عليها ويرى فيها كيف غلب حب الدنيا على أمته حتى انتهكت

ص: 368


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع ثلة من طلبة جامعة الصدر الدينية / فرع بغداد الجديدة الذين ارتدوا الزى الديني يوم 22 ع2 1429 المصادف 29/ 4/ 2008.
2- أصول الكافي /ج1 / كتاب الحجة / باب عرض الأعمال على الله والأئمة (صلوات الله عليهم).

المقدسات وارتكبت المحرمات، وهذه مدينة الصدر ببغداد أحد الشواهد حيث بلغ عدد ضحايا المواجهات(1) المستمرة منذ أكثر من شهر أكثر من ألف قتيل وثلاثة آلاف جريح وشرِدت آلاف الأسر ويعاني مليونا إنسان الأمرّين.يقول أمير المؤمنين في أحدى مواعظه (عِبَادَ اللَّهِ إِنَّكُمْ وَ مَا تَأْمُلُونَ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا أَثْوِيَاءُ مُؤَجَّلُونَ وَ مَدِينُونَ مُقْتَضَوْنَ أَجَلٌ مَنْقُوصٌ وَ عَمَلٌ مَحْفُوظٌ فَرُبَّ دَائِبٍ مُضَيَّعٌ وَ رُبَّ كَادِحٍ خَاسِرٌ وَ قَدْ أَصْبَحْتُمْ فِي زَمَنٍ لا يَزْدَادُ الْخَيْرُ فِيهِ إلا إِدْبَاراً وَلا الشَّرُّ فِيهِ إلا إِقْبَالا وَ لا الشَّيْطَانُ فِي هَلَاكِ النَّاسِ إلا طَمَعاً فَهَذَا أَوَانٌ قَوِيَتْ عُدَّتُهُ وَ عَمَّتْ مَكِيدَتُهُ وَ أَمْكَنَتْ فَرِيسَتُهُ).

ثم يصنف الناس إلى عدة أصناف فيقول (اضْرِبْ بِطَرْفِكَ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ النَّاسِ فَهَلْ تُبْصِرُ إلا فَقِيراً يُكَابِدُ فَقْراً أَوْ غَنِيّاً بَدَّلَ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً أَوْ بَخِيلا اتَّخَذَ الْبُخْلَ بِحَقِّ اللَّهِ وَفْراً أَوْ مُتَمَرِّداً كَأَنَّ بِأُذُنِهِ عَنْ سَمْعِ الْمَوَاعِظِ وَقْراً).

ثم يتأسف لندرة الصالحين في الأمة ويهزأ بمن يمنّي نفسه بالجنة من دون

ص: 369


1- إشارة إلى المعركة التي قادها رئيس الوزراء نوري المالكي وبمساعدة الأمريكان للقضاء على الجماعات المسلحة المنتمية إلى بعض التيارات السياسية وأطلق عليها اسم (صولة الفرسان) وقد بدأت من البصرة يوم الثلاثاء 17 ربيع الأول 1429 المصادف 25/ 3/ 2008 وكان مع رئيس الوزراء في قيادة العمليات وزراء الدفاع والداخلية والأمن الوطني والعدل وكالة والقادة العسكريون، وامتدت المعارك مباشرة إلى العديد من المدن العراقية وحصلت مواجهات عنيفة بين المسلحين والقوات الأمنية دفع فيها الأبرياء من المدنيين ثمناً باهظاً من الأرواح والممتلكات وكانت الأعنف والأطول في مدينة الصدر ببغداد ولم تتوقف إلا في يوم 12 جمادى الأولى 1429 المصادف 18/ 5/ 2008 بعد اتفاق من عدة نقاط بين ممثلي كتلة الائتلاف العراقي الحاكم والتيار الصدري.

عمل صالح فيقول ع (أَيْنَ أَخْيَارُكُمْ وَ صُلَحَاؤُكُمْ وَ أَيْنَ أَحْرَارُكُمْ وَ سُمَحَاؤُكُمْ وَ أَيْنَ الْمُتَوَرِّعُونَ فِي مَكَاسِبِهِمْ وَ الْمُتَنَزِّهُونَ فِي مَذَاهِبِهِمْ أَ لَيْسَ قَدْ ظَعَنُوا جَمِيعاً عَنْ هَذِهِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ وَ الْعَاجِلَةِ الْمُنَغِّصَةِ وَ هَلْ خُلِقْتُمْ إلا فِي حُثَالَةٍ لا تَلْتَقِي إلا بِذَمِّهِمُ الشَّفَتَانِ اسْتِصْغَاراً لِقَدْرِهِمْ وَ ذَهَاباً عَنْ ذِكْرِهِمْ فَ إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ظَهَرَ الْفَسَادُ فلا مُنْكِرٌ مُغَيِّرٌ وَلا زَاجِرٌ مُزْدَجِرٌ أَ فَبِهَذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُجَاوِرُوا اللَّهَ فِي دَارِ قُدْسِهِ وَ تَكُونُوا أَعَزَّ أَوْلِيَائِهِ عِنْدَهُ هَيْهَاتَ لا يُخْدَعُ اللَّهُ عَنْ جَنَّتِهِ وَلا تُنَالُ مَرْضَاتُهُ إلا بِطَاعَتِهِ لَعَنَ اللَّهُ الآمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ التَّارِكِينَ لَهُ وَ النَّاهِينَ عَنِ الْمُنْكَرِ الْعَامِلِينَ بِهِ).ونجد كلمات أمير المؤمنين ع صادقة على المجتمع اليوم والناس هم الناس والتصنيف منطبق عليهم. فنسمع أن في البصرة بعد أن منَّ الله عليهم بالخلاص من سطوة العصابات المسلحة وجرائمها انتشرت الخمور على أرصفة الشوارع وأصبحت علامة النصر المزعوم المجاهرة بمعصية الله تبارك وتعالى وسبّ العلماء والمباهاة بفعل المحرمات فهذا نموذج لمن بدّلو نعمة الله كفراً، قال تعالى: [أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَار، جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ] (إبراهيم: 28-29).

أيها الأحبة:

إنكم بارتدائكم الزي الديني يعني إنكم تقدمتم خطوة كبيرة في العمل الرسالي والدعوة إلى الله تبارك وتعالى وإصلاح المجتمع وهدايته وقد وصفت هذه الخطوة في بعض كلماتي بأنها اكبر منعطف في حياتكم المعنوية حيث ستنظرون للحياة بمنظار أكمل وأوسع وأسمى وستكونون أكثر تعرضا للألطاف

ص: 370

الإلهية كلما تكونون أكثر استعداداً لتلقيها وأكثر شعوراً بالمسؤولية. ووجودكم في بغداد وفي بغداد الجديدة بالذات يعني أن التحديات أمامكم كبيرة والفتن المحيطة بكم كثيرة ومتنوعة.قبل أيام اطلعت على خبر في إحدى شبكات الانترنيت أن أمانة العاصمة وافقت على تخصيص قطعة أرض تبلغ مساحتها عدة هكتارات قرب المنطقة الخضراء لإقامة مدينة لهو وتسلية وترفيه لمستثمر أمريكي هو صاحب مدينة (ديزني لاند) للتسلية وسيستثمر (500) مليون دولار في المشروع وقد عبر المستثمر عن فرحه بهذه الفرصة الجيدة للاستثمار في العراق. تُرى كم تمثل هذه المدينة من تحدٍ للأخلاق والبنية الاجتماعية وللاقتصاد حيث تستنزف ملايين الدولارات يومياً على اللعب واللهو كالذي نسمعه عن مدن اللهو في دول الخليج والأردن ومصر والمغرب العربي وغيرها؟ وكم تسبب من انهيار للأخلاق والتفكك الأسري بسبب الممارسات اللامشروعة وغيرها، والغريب أن يخرج الناطق باسم الحكومة ليرحّب بإقامة المشروع للحاجة إلى لهو وتسلية ! وكأنه لا توجد حاجة لاستغلال هذه الأرض الواسعة لبناء وحدات سكنية لذوي الشهداء وضحايا الإرهاب والفقراء والمحرومين الذين تغص بهم دور ضيقة متهالكة تفتقد أبسط الخدمات ! !

أيها الشجعان:

إن إصراركم على طلب العلم والوصول إلى هذه المرتبة الشريفة أوجب استحقاقكم الانتماء لهذا المسلك المبارك الذي لا ينهض بمسؤولياته إلا ذو حظ عظيم:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم *** وتأتي على قدر الكرام المكارم

ص: 371

خطاب المرحلة 195 :يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ

خطاب المرحلة 195 :يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ(1)

إن نجاح أي دعوة مرتبط بجهتين: الداعي والمدعو، فقد يمتلك الداعي أرقى وسائل الإقناع ومنهجاً متكاملاً يدعو إليه لكنه لا يستطيع هداية كل الناس وإصلاحهم مهما بذل من جهود مضنية كالذي قام به رسول الله (صلی الله علیه و آله) حتى خاطبه ربُّه [فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً] (الكهف:6) ومع ذلك لم يهتدِ به عمه أبو لهب لا لتقصير في أداء رسول الله (صلی الله علیه و آله) - معاذ الله- ولكن لقصور في قابلية أبي لهب، ويُسمّى العامل الأول (فاعلية الفاعل) والثاني (قابلية القابل) ولا بد من انسجام العاملين لنجاح الدعوة.

وفي ضوء هذين العاملين نستطيع تشخيص سبب حصول درجة من درجات الفشل في أداء المرجعيات لوظائفها المتمثلة بتفعيل مشروع الإسلام في هداية الناس وإصلاحهم وإسعادهم في الدنيا و الآخرة.

قال تعالى [يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ] (الأنفال:24) والدعوة متحققة من الرسول (صلی الله علیه و آله) أكيداً لأنه لا يتصور أنه يقصر في أداء الرسالة فلا

ص: 372


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع وفد من أساتذة وطلبة من جامعتي بابل والقادسية يوم 4 ج1 1429 المصادف 10/ 5/ 2008.

بد أن تقابلها استجابة من الناس لما يحييهم. ويكون سبباً لسعادتهم في حياتهم المادية والمعنوية.وقد قلنا في أكثر من مناسبة إن استعمال وصف (الرسول) يعني أن هذا التوجيه مرتبط بالموقع وليس بالشخص أما لو كان عنوان الخطاب (النبي) أو اسمه الشريف كقوله تعالى [مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ] أو قوله [يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ...] فهذا خاص بشخصه الشريف (صلی الله علیه و آله) وهذا يعني أن الأمر متوجه لجميع الأجيال أن تستجيب لقادتها العظام إذا دعوهم لما يحييهم والمفروض أن هؤلاء القادة يؤدون ما عليهم في دعوة الأمة إلى الهداية والصلاح ورفع الظلم وفتح كل الفرص الممكنة التي توصل إلى رضا الله تبارك وتعالى وسعادة الإنسان. وعلى كل من الطرفين أن يعي مسؤوليته ويحاسب نفسه على القيام بها.

ص: 373

خطاب المرحلة 196 :فاطمة (عليها السلام) الكوثر

اشارة

خطاب المرحلة 196 :فاطمة (عليها السلام) الكوثر(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين

السلام عليك يا سيدي ومولاي يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته..

السلام عليكم أيها المؤمنون المفجوعون باستشهاد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء ورحمة الله وبركاته..

فاطمة الزهراء (عليها السلام) عطاءٌ متنوع

ثمانية عشر عاماً هو العمر الذي قضته الزهراء فاطمة بنت رسول الله (صلوات الله عليهما) في هذه الدنيا، وهو قصير في عمر الزمن، إلا أنه كان حافلاً بالعطاء والسمو والكمال.

ص: 374


1- نص الخطاب الذي وجهه سماحة الشيخ اليعقوبي إلى عشرات الآلاف من المؤمنين المجتمعين في ساحة ثورة العشرين في النجف الأشرف قدِموا إليها من مختلف المحافظات بما فيها صلاح الدين وكركوك قبل انطلاقهم في مواكب العزاء إلى الحرم العلوي المطهّر بمناسبة ذكرى استشهاد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في 3 جمادى الثانية 1429 هج-، المصادف 7/ 6/ 2008 م. وألقاها بالنيابة عنه فضيلة الشيخ محمد الهنداوي، وقد قاطعته الحشود في عدة مواضع بهتافات (نعم نعم للإسلام، نعم نعم يا ربي، هيهات منا الذلة، لبيك لبيك يا علي، لبيك يا زهراء، الله أكبر لا إله إلا الله، نِعمَ الحكم الله ونعم الخصيم محمد).

منذ بداية وجودها وتكوّنها وهي تؤدي وظيفتها الرسالية بمؤانسة أمها خديجة الكبرى وردّ الوحشة عنها حيث عاشت عزلة ومقاطعة من نساء قريش بسبب إيمانها بما جاء به زوجها الكريم محمد (صلی الله علیه و آله) فكانت خديجة تفرح بذلك وتذكره لرسول الله (صلی الله علیه و آله) فيفرح أيضاً ويخبر زوجته بعظمة شأن هذه الوليدة.وتحمّلت مع أبيها (صلوات الله عليهما) وهي في السنين الأولى من عمرها أذى قريش فكانت تواسيه وتسلّيه وترفع عنه الأذى وتحمّلت معه (صلی الله علیه و آله) المعاناة والألم والجوع في شِعب أبي طالب ثلاث سنين حين فرضت قريش على بني هاشم ومن آمن برسول الله (صلی الله علیه و آله) مقاطعةً اقتصادية واجتماعية وعزلتهم في الشعب، وما انتهت هذه السنوات العجاف إلا بوفاة عضدي رسول الله (صلی الله علیه و آله) وركنيه عمّه أبي طالب وزوجته خديجة فسمي عام الحزن فعاشت الزهراء (علیها السلام) اليتم وفقدان هذه الأم العظيمة وهي لم تكمل ثمان سنين.

ولم يفتّ ذلك في عزيمتها وإرادتها في نصرة أبيها رسول الله (صلی الله علیه و آله) ومؤازرته بل أغدقت عليه من العواطف والحنان والرحمة ما عوّضه عن أمه وزوجته حتى سمّاها رسول الله (صلی الله علیه و آله) ب-(أم أبيها) فكان (صلی الله علیه و آله) يجد عندها قلب الوالدة الرحيمة ودفء عواطف الزوجة الودودة وأنس الخليل المؤالف.

وعندما عزمت قريش على استئصال وجود رسول الله (صلی الله علیه و آله) في مكة وأمره ربه بالهجرة إلى المدينة فخرج (صلی الله علیه و آله) وخلّف علياً (ع) في فراشه للتمويه على الأعداء ثم لحقه بالفواطم نهاراً على مرأى ومسمع من طواغيت قريش الذين شعروا بالذل والهوان من هذا التحدي فأخرجت مجموعة مقاتلة

ص: 375

لإعادة علي والنساء إلى مكة فواجههم أمير المؤمنين (علیه السلام) وقتل مقدمتهم فولّوا منهزمين وكانت الزهراء (علیها السلام) في ذلك الركب وتلك الرحلة الشاقة المحفوفة بالمخاطر.وفي المدينة المنوّرة توسّعت المسؤولية وتنوعت أكثر فقد بدأ الجهاد من أجل بناء الدولة الإسلامية وبناء الأمة الإسلامية وبناء الأسرة الصالحة والمواجهة المسلحة مع أعداء الرسالة والدولة الفتية، وكانت الزهراء في قلب هذه المسؤوليات وقطب الرحى منها:

فهي المجاهدة التي تخرج مع أبيها رسول الله (صلی الله علیه و آله) وزوجها أمير المؤمنين في المعركة لتداوي الجرح وتخفف الألم وتقدم المساعدة وتجهّز عدة القتال.

وهي الأم التي تعين ولديها سبطي رسول الله (صلی الله علیه و آله) وسيدي شباب أهل الجنة وتيسّر لهم سبل الكمال، ففي كتاب مفاتيح الجنان أنها كانت توفّر لهما قسطاً من الراحة في النهار ليتقويا على إحياء الليل بالعبادة خصوصاً في ليالي العشر الأواخر من شهر رمضان بالعبادة.

وهي الزوجة الصالحة المتكاملة وقد شهد لها بذلك أمير المؤمنين (علیه السلام) حين سألته وهي توصي في ساعاتها الأخيرة: (يا ابن العم هل عهدتني كاذبة أو خائنة أو خالفتك منذ عاشرتني) فكان جوابه (علیه السلام): (معاذ الله أنت أبرّ وأوفى وأتقى من أن أوبّخك بمخالفتي) وقد لفتت (سلام الله عليها) بسؤالها أذهاننا إلى أصل كل أسباب الخلافات التي تحصل بين الزوجين وتؤدي إلى انهيار بيت الزوجية.

ص: 376

وهي المتابعة لتعاليم أبيها رسول الله (صلی الله علیه و آله) وتوجيهاته وهمومه أولاً بأول فكانت كلما يعود ولداها الحسن والحسين (علیه السلام) من مسجد جدهما رسول الله (صلی الله علیه و آله) تسألهما عما حدث من نزول وحي أو صدور أمر أو جواب مسألة وغيرها.وهي العابدة التي تزهر في محرابها أنساً بلقاء ربها؛ قال الإمام الحسن (علیه السلام): (رأيت أمي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسمّيهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أماه لمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني الجار ثم الدار)(1).

وهي المبادِرة لعمل كل ما يرضي الله ورسوله ويريده الله ورسوله وإن لم يصدر به أمر وإنما تندفع إلى العمل بمجرد علمها بإرادة الرسول (صلی الله علیه و آله) له؛ (دخل عليها رسول الله (صلی الله علیه و آله) للسلام عليها بعد قدومه من سفرٍ له وفي عنقها قلادة من ذهب كان اشتراها لها علي بن أبي طالب من فيء وغنيمة أصابها فقال لها رسول الله (صلی الله علیه و آله): يا فاطمة لا يقول الناس إن فاطمة بنت محمد تلبس لباس الجبابرة فقطعتها وباعتها واشترت بها رقبة فأعتقتها فسُرَّ بذلك رسول الله (صلی الله علیه و آله))(2).

وهي المصونة العفيفة، روى الإمام الباقر (علیه السلام) قال: (تقاضى علي وفاطمة إلى رسول الله (صلی الله علیه و آله) في الخدمة فقضى على فاطمة بخدمة ما دون الباب

ص: 377


1- علل الشرائع، ص182، الباب 145، ح1.
2- عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، ج2، ص44، باب31، ح161.

وقضى على عليٍ بما خلفه، قال: فقالت فاطمة فلا يعلم ما داخلني من السرور إلا الله بإكفائي رسول الله (صلی الله علیه و آله) تحمّل رقاب الرجال)(1).وكان التحدي الأكبر ينتظرها بعد رحيل أبيها (صلی الله علیه و آله) وقد أعدّها (صلی الله علیه و آله) لمواجهته وأنبأها بما سيحصل ولخّصه (صلی الله علیه و آله) لأهل بيته وخاصته بقوله: (أنتم المستضعفون بعدي).

فمن جهة كان عليها أن تدافع عن الإمامة الحقّة المتمثلة بأمير المؤمنين (علیه السلام) وتثبت حقه بخلافة رسول الله (صلی الله علیه و آله) وتدمغهم بالحجج الواضحة.

ومن جهة ثانية تنوّر بصائر الأمة وترفع عنهم الغشاوة وتبين الازدواجية في المعايير التي يتبعها القوم إذ ترث الأزواج من رسول الله (صلی الله علیه و آله) وتحرم البنت بحجة أنهم سمعوه (صلی الله علیه و آله) يقول: (إنا معاشر الأنبياء لا نورّث) ويحتجّون على الأنصار وغيرهم بأنهم أحق بالخلافة لأنهم شجرة رسول الله (صلی الله علیه و آله) ويتركون ثمرته وهم أهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

ومن جهة ثالثة عليها أن تديم الثورة والرفض لكل ظلم وانحراف بالوسائل المتيسرة فألقت الخطب التي كانت تنزل كالصواعق على أصحاب أبيها في المسجد الشريف وعلى نساء الأنصار اللواتي نقلن كلامها إلى رجالهن، ومن خلال حزنها وبكائها المتواصل الذي انتشر وذاع في أرجاء المدينة مما سبب حرجاً لظالميها فطلبوا من علي (علیه السلام) أن ينشئ لها بيتاً خارج المدينة تبثّ فيه حزنها وشكواها إلى الله تبارك وتعالى.

وبقي عطاؤها (علیها السلام) مستمراً لا ينفد بعد استشهادها إلى قيام يوم الساعة

ص: 378


1- بحار الأنوار للمجلسي: ج43، ص81، عن قرب الإسناد، ص52، ح170.

حينما أوصت بدفنها سراً ليلاً وأن يُعفى موضع قبرها، ولا يحضر تشييعها من ظلموها لتهدي البشرية إلى الحق ولتحميه من الاندراس والضياع وتميّزه عن الباطل.أيها الأحبة..

هكذا باختصار تنوّع عطاء الزهراء (علیها السلام) وهكذا نهضت بمسؤولياتها العظيمة التي تناسب عظمة شخصيتها:

على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ *** وتأتي على قدر الكرام المكارمُ

وتعظُم في عين الصغير صغارها *** وتصغرُ في عين العظيم العظائمُ

والزهراء (علیها السلام) أسوة حسنة للرجال قبل النساء فلنستلهم من الصديقة الطاهرة الهمّة والعزيمة في الوفاء بما عاهدنا الله تبارك وتعالى من الإيمان به وبما جاءت به رسله ونزلت به كتبه والعمل بما يحبّ ويرضى مما فيه صلاح الأمة وخيرها فإننا مساءلون غداً عن كل شيء قال تعالى: [وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ] ويأتيهم التوبيخ والازدراء [مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ، بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ] (الصافات: 24-26) وهذا ما ذكّرتنا به الزهراء (علیها السلام): (فنعم الحكم الله ونعم الخصيم محمد) الحكم هو الله تبارك وتعالى الذي [لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ ولا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ] (سبأ: 3) والخصيم الذي يرفع دعوى الظلامة هو الذي لا تُرجى النجاة إلا بشفاعته فكيف ينجو من كان شفعاؤه خصماءه.

ص: 379

الشعب يصرخ في وجه قادته الدينيين والسياسيين:

ليجعل كل واحد منّا هذه التحذيرات نصب عينيه خصوصاً الذين يتولون أمر الأمة وشؤون البلاد وبيدهم مقدّرات الشعب سواء كانوا قيادات دينية أو سياسية أو اجتماعية فإن كل واحد من هذا الشعب المضطهد المحروم يصرخ في وجوههم بلوعة وأسى ويردد ما قالته الزهراء (علیها السلام): (فنعم الحكم الله ونعم الخصيم محمد) على كل حرمان من حقوق الحياة الكريمة في المأكل والملبس والمسكن والزواج.

وعلى كل سوء في الخدمات كالماء والكهرباء بلغ حد الانهيار.

وعلى كل فقير جائع حتى بلغت نسبة العراقيين تحت خط الفقر 40 أي حوالي 12 مليون إنسان.

وعلى كل مريض يعاني الألم حتى يفقد حياته ولا يجد في المستشفيات وسائل الرعاية اللازمة والدواء الكافي.

وعلى كل مهجّر على رغم إرادته في داخل العراق وخارجه حتى بلغوا الملايين وأصبحوا مشكلة عالمية.

وعلى كل يتيم لا يجد من يمسح رأسه بعد أن فقد أبويه بسبب الصراع الدموي المحموم على السلطة بين الفرقاء السياسيين.

وعلى كل دمٍ بريء سفك من غير حقّ ولا شأن له بما يجري غير أن المتخاصمين جعلوا بيوت الأبرياء ساحة لمعركتهم الظالمة.

هذه هي المعايير المزدوجة التي فضحتها الصديقة الطاهرة الزهراء (علیها السلام) والتي نعيشها اليوم وتعاني منها الأمم وعلى مرّ الأجيال فكيف يحاكِم مجرماً ما

ص: 380

على فعلِه من يرتكب نفس الجريمة ففي الحديث الشريف: (لا يقيم الحد من لله عليه حد)، وهذه هي الازدواجية في المعايير والنظر بعين واحدة التي حذّر منها رسول الله (صلی الله علیه و آله) وجعلها سبباً لهلاك الأمم فقال (صلی الله علیه و آله): (إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد)(1).

تنوع التحديات التي نواجهها:

أيها الأحبة..

هذا أول التحديات التي نواجهها ويستمر معنا ما دمنا في هذه الدنيا إنه الصراع مع أهواء النفس وأنانيتها والسعي الحثيث لضبط شهواتها ونزواتها وإنصاف الآخرين منها وأن نحب للناس ما نحب لها ونكره لهم ما نكره لها إن لم نرتقِ أكثر ونؤثر الآخرين على أنفسنا تأسّياً بالزهراء (علیها السلام) التي أطعمت المسكين واليتيم والأسير وبقيت هي وبعلها أمير المؤمنين وولداها الحسن والحسين (علیه السلام) طاوين بلا طعام ثلاثة أيام فنزلت سورة (هل أتى) لتسجيل هذه المكرمة لهم وبيان فضلهم وكرامتهم.

وأمامنا تحديات أخلاقية واجتماعية، فإنكم ترون أنه كلما استقر الوضع وحصل شيء من الدعة والاسترخاء انتشرت المعاصي والموبقات وحينما تقرر بعض الإدارات المحلية(2) منع تجارة الخمور والتداول العلني لها استناداً إلى

ص: 381


1- سنن ابن ماجة والنسائي وأبي داوود وابن حجر في فتح الباري.
2- في إشارة إلى قرار المنع الذي اتخذته الحكومة المحلية في البصرة يومئذ.

الدستور الذي منع إقرار أي مخالفة لثوابت الإسلام تنتفض وسائل الإعلام وتعقد الندوات لهذا الاعتداء السافر على الحريات الشخصية - بحسب ما يزعمون- بشكل يثير العجب أن تنال قضية محلية جزئية كل هذا الضجيج ويكشف عما وراء ذلك من أهداف. أوَليس من حق الحكومات أن تحمي شعوبها من كل المخاطر والأضرار؟ وتمنع التدخين في الأماكن العامة وتحرم المخدرات وتعتبرها جريمة يعاقب عليها القانون وتمنع الدول الغربية تناول الخمور ممن هم دون (18) سنة أو أثناء قيادة السيارات، فلماذا هذا الضجيج على قرار تلك الحكومة المحلية وما الفرق بين هذه القرارات، أوَليست الخمر (أم الخبائث) كما ورد في الحديث الشريف؟ فما لكم كيف تحكمون.إنهم يريدون بذلك أن يهزموا إسلامنا العظيم ويريدون أن تتخلوا عن الإسلام وتشعرون بالحياء والحرج من إعلان انتمائكم لدينكم.

وأمامنا أيها الأخوة تحديات اقتصادية فيوشك أن تفتح الأسواق العراقية للاستثمارات الأجنبية فتغزوه الشركات العملاقة العابرة للقارات وسوف لا يجد أبناء هذا البلد فرصة للتنافس معهم بل قد لا يجدون فرصة للعمل كأُجراء في مشاريع هذه الشركات على أرضهم لوجود أيدي عاملة أرخص تأتي بهم هذه الشركات من دول العالم المتخمة بالموارد البشرية(1) أو تفرض تلك الشركات على من يعمل فيها أن يترك صلاته أو المرأة حجابها أو أن يلتزموا بسياقات

ص: 382


1- وقد وقعت كل هذه الأمور التي حذر منها سماحته حيث أغرقت السوق بعد ذلك بالعمالة الأجنبية خصوصاً من دول جنوب شرق آسيا بينما يفترش العراقيون العاطلون الأرصفة حتى تعالت صيحات الاحتجاج والرفض.

العمل التي تفرض عليها أشياء محرمة فيكون العامل بين خيارين (أحلاهما مرّ) إما أن يتخلى عن دينه أو عن عمله ومصدر رزقه، والحكومة ماضية في تقليل الدعم للبطاقة التموينية والمشتقات النفطية وخصخصة الشركات العامة والمؤسسات الصناعية استجابة لشروط البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية.وأما الفتن السياسية(1) التي تعصف بنا فإنها أهلكت الحرث والنسل وخرّبت البلاد وأهدرت المليارات وصارت أرواح الناس الأبرياء وممتلكاتهم مرهونة بجرّة قلم تشعل المواجهة أو جرّة قلم توقفها ولا رأي للشعب المغلوب على أمره، هذا غير الاتفاقيات(2) والصفقات التي تُنَظَّم في الظلام من دون إطلاع الشعب وقادته المخلصين ولا يعلم مخاطرها إلا الله تبارك وتعالى.

العراق ساحة لمواجهات فاصلة في التاريخ ترسم معالم المستقبل:

أيها الأحبة..

لقد تنوع عطاء الزهراء بتنوع المسؤوليات التي تحمّلتها والتحديات التي واجهتها فصدر منها هذا الخير الكثير حتى فُسّر قوله تعالى: [إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ] (الكوثر:1) بالزهراء فاطمة (علیها السلام) لأن الكوثر هو الخير الكثير وقد كانت الزهراء كذلك فتركت للأجيال ما يغنيهم في طريق السمو والكمال

ص: 383


1- في إشارة إلى ما حل بالبلاد نتيجة المغامرات العبثية التي أدت إلى معارك (صولة الفرسان) وأمثالها.
2- يشير سماحته إلى الاتفاقية الإستراتيجية آلت كانت تجري مناقشة بنودها بين الأمريكان والقوى السياسية الحاكمة التي تدعمهم.

ويرسّخ عقائدهم ويثبّت أقدامهم في مواجهة الفتن والتحديات المتنوعة فلا مشكلة إلا وحلّها عند الصديقة الطاهرة وأبيها وبعلها وبنيها صلوات الله عليهم أجمعين.لقد اختاركم الله تعالى أيها الشعب الكريم: يا أحباب الزهراء ويا شيعة الزهراء أيها السائرون على درب الزهراء (علیها السلام) يا من اجتمعتم اليوم لزيارة أمير المؤمنين (علیه السلام) وتعزيته بانهداد ركنه بضعة النبي المصطفى (صلی الله علیه و آله) فتكتب لكم بذلك زيارتها لقول النبي (صلی الله علیه و آله): (ومن زار علي بن أبي طالب فكأنما زار فاطمة)(1) لتعويضكم عما فقده غيركم من نعمة زيارة قبرها، اختاركم واختار هذه الأرض الطيبة المعطاء لتكون ساحة لعدة مواجهات فاصلة في التأريخ تحدد معالم حركة التأريخ في المستقبل:

الأولى: المواجهة الحضارية بين الغرب المادي الذي يريد أن (يعولم) الشعوب ويصبغها بلون ثقافته وسلوكه وعقيدته ونمط حياته وتوجهاته الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية، وبين الشرق المسلم الذي يريد أن يحافظ على دينه وأخلاقه وأصالته وأعرافه.

الثانية: بين الأنظمة الدكتاتورية والمستبدة الحاكمة في المنطقة التي تسلّطت على شعوبها بالقوة وصادرت إرادتهم واستعبدتهم واستأثرت بخيراتهم وكرّست الجهل والخنوع والاستسلام في نفوسهم، وبين حياة حرّة كريمة تحترم إرادة الأمة وتجعل القيمة العليا للإنسان وتكون الدنيا وما فيها من أجله ويكون هو لله تبارك وتعالى فلم تعد الشعوب آلات يحقق بها الحاكم شهواته

ص: 384


1- بحار الأنوار للمجلسي، ج43، ص58، عن كتاب بشارة المصطفى، ص 137.

ومطامعه ونزواته [مَا أُرِيكُمْ إلا مَا أَرَى] (غافر:29) [أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى] (النازعات:24).الثالثة: المواجهة بين أدعياء الإسلام زوراً الذين شوّهوا صورة الإسلام والمسلمين بما ارتكبوا من جرائم مشينة باسم الجهاد والتكفير والمقاومة وليس السبب في الحقيقة إلا الاختلاف في الرأي فسوّدوا صحائف التأريخ، والمتقمصين ظلماً وعدواناً لإمامة الأمة وقيادتها وبين أتباع الإمامة الحقة التي عيّنها الله تبارك وتعالى وبلّغ بها رسوله الكريم وما زالوا منذ أربعة عشر قرناً يدفعون على هذا الطريق دماءً زكية قدّسها الله تعالى ورفع من شأنها.

إنها مواجهات لإحقاق الحق والدفاع عن عزة الأمة وكرامتها وضمان سلامة مسيرتها، [إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ] (الصافات:60-61) [خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ](المطففين:26).

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 385

خطاب المرحلة 197 :القرآن الكريم يخفف آلام العاملين الرساليين

خطاب المرحلة 197 :القرآن الكريم يخفف آلام العاملين الرساليين(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

من السنن الجارية في الأمم عبر التاريخ تعرّض المصلحين والعاملين الرساليين وعلى رأسهم الأنبياء والرسل والأئمة المعصومون (صلوات الله عليهم أجمعين) إلى الإيذاء المادي والمعنوي من قبل المتسلطين والطواغيت وأصحاب النفوذ (الذين يسميهم القران بالملأ) وأتباعهم من الجهلة والمنتفعين والغوغاء [مَا يُقَالُ لَكَ إِلا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قبلك)فصلت43 (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كثيراً] (آل عمران: 186)، ويبدي الله تبارك وتعالى على لسان أوليائه الحسرة والألم والتفجّع لهذا الموقف السلبي [يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون] (يس:30).

ويحكي القران الكريم فصولاً عديدة من هذه المواجهة تضمنت أقسى ألوان البطش والقسوة والانحطاط من قبل المعسكر الآخر وأسمى ألوان الصبر والمصابرة والجهاد والرحمة والشفقة من أولياء الله وعباده الصالحين، ورغم أن

ص: 386


1- من حديث سماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع وفد مؤسسة الأنوار الثقافية في منطقة المعامل ببغداد يوم 15 ربيع الثاني 1428 المصادف 3/ 5/ 2007 جواباً على شكواهم مما يتعرضون له من عدوان وتسقيط وحرمان من أبسط الحقوق من قبل إخوانهم المتسلطين في كتلة الائتلاف العراقي الموحد.

الإيذاء المادي المشتمل على القتل والتشريد والتعذيب الجسدي والسجن والتجويع وغيرها كان قاسيا إلا أن ما يؤلم الصالحين أكثر هو الإيذاء المعنوي بالإعراض عن الاستماع إلى الحق وإتباعه وخلط الأوراق على الناس بالافتراء والكذب وقتل الشخصية بالتسقيط والتشويه لان الثاني هو الذي يحول دون نجاح مشروعهم الرسالي ويضع الحواجز بينهم _أي المصلحين_ وبين الناس فيؤلمهم ابتعاد الناس وعدم اهتدائهم إلى الحق وتنعّمهم بالرحمة التي جاؤوهم بها من ربهم [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ] (الأنبياء:107)، أما الأول فإنه يؤدي إلى التعاطف معه والالتفاف إليه واعتناق مبادئه ولو بعد حين للشعور بمظلوميته. ومما يزيد في شدة وطأة الإيذاء المعنوي أن أتباع نفس الرسل والمصلحين يساهمون فيه عن علم وعمد أو عن جهل وغرور وأنانية بسوء تصرفهم وبعصيانهم وعدم الالتزام بتعاليم قادتهم وبضعفهم وتشتتهم والخلافات بينهم ونحوها، بينما لا يتوقع صدور النوع الأول من الأتباع والموالين.

وكان الإيذاء المعنوي أشد على قلب رسول الله (صلی الله علیه و آله) الذي وصفه الله تبارك وتعالى [لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ] (التوبة:128)، لذا كان ربّه الكريم الرحيم يسلّي قلبه ويخفف عن آلامه ويطيّب خاطره [وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ] (النحل:127)، [وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ] (الحجر: 97-99).

ص: 387

بل إن سوراً كاملة نزلت لهذا الغرض كسورتي القصص ويوسف (علیه السلام)، فالأولى تصف حالة الاستضعاف التي كان عليها قوم موسى (علیه السلام) حيث كان فرعون يقتل أبناءهم ويستحيي نساءهم وفي ذلك البلاء العظيم ولد موسى (علیه السلام) فكان من لطف الله به وتدبيره له أن يأخذه فرعون الطاغية نفسه ويرعاه حتى أصبح رجلاً رافضاً لما عليه فرعون وقومه ثم غادر مصر خوفاً من القتل حتى ورد ماء مدين وتزوج هناك ثم عاد نبياً رسولاً كليماً لله تبارك وتعالى بمعجزة عظيمة يدعو فرعون إلى عبادة الله تبارك وتعالى واستطاع أن يهدي بمعاجزه سحرة فرعون وآمن به من آمن حتى عبّأ له فرعون من الجيوش ما لا قبل لموسى والمؤمنين بهم ففلق الله تبارك وتعالى لموسى البحر وأنجاه ومن معه وأغرق فرعون وجنوده لينتصر موسى (علیه السلام) ويقيم الحق والعدل وقد عبّر الله تبارك وتعالى عن هذا التدبير بتعبير رقيق [وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي] (طه:39)، أي لتُصنع هذه القيادة الفذة برعاية وتدبير مباشرين من الله تبارك وتعالى، وفي نهايتها تصل السورة إلى الهدف وهو تطييب قلب رسول الله (صلی الله علیه و آله) والتخفيف عن آلامه التي اشتدت في السنين الأخيرة من وجوده المبارك في مكة حيث حوصر ثلاث سنين في الشعب حتى فقد ناصريه خديجة وأبا طالب ثم أُمِر بالهجرة ومغادرة مكة التي تعلق بها قلبه فوعده الله تبارك وتعالى بأنه عائدٌ إليها [إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ] (القصص:85)، وما مرت إلا ثمان سنوات - وهي ليست كثيرة في عمر الزمن- حتى تحقق الوعد الإلهي بفتح مكة.وتتحدث سورة يوسف عن ذلك الغلام الصغير الذي حسده أخوته فالقوه

ص: 388

في الجب ليهلك ولم يكن هناك أمل بنجاته لكن التدبير الإلهي أتاه بقافلة لتستقي فخرج مع الدلو وباعوه في مصر إلى عزيزها الذي رباه واعتنى به ثم قرّبه لما وجد عنده علماً وحكمة وتدبيراً وأمانة وصار بيد النبي الكريم مقاليد أمور الولاية بعد وفاة عزيزها وجاء نفس أخوته الذين كادوا له معترفين بجريمتهم طالبين العفو والصفح فتعامل معهم بسمو الأخلاق.هكذا يلطف الله تعالى بعباده وهكذا يصنع أولياءه ويدبّر شؤونهم، وهكذا يخيب كيد الباغين والحاسدين والمنافقين والكافرين [وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ] (فاطر:43).

إن ما يمرّ بنا اليوم من بلاء وما مرّ بنا أيام صدام وغيره من الطواغيت لا يستحق أن يذكر في جنب ما أصاب أولياء الله الصالحين في الأمم السالفة حيث ورد في الروايات أنهم نشروا بالمناشير وقرضوا بالمقاريض وحفرت لهم أخاديد النار والقوا فيها فقضوا حرقاً (سورة البروج) والمتوقع من المتهالكين على السلطة وحب الدنيا أن يفعلوا ما هو أسوا لولا لطف الله تبارك وتعالى، فخير ما يسليكم ويطمئن قلوبكم وينوّر بصائركم ويثبت أقدامكم هو القران الكريم فاتخذوه قائداً وهادياً. وقد عشت مثل هذه التجربة مع القرآن ولا زلت أعيش لذة الأيام التي قضيتها في كنفه في ثمانينات القرن الماضي حينما كنت حبيساً في الدار لا ادري في أي لحظة يقبض عليَّ الطغاة ويعدمونني الحياة.

وإن(1) مما يخفّف الآلام والمصاعب ويدفعنا إلى بذل المزيد من الجهود

ص: 389


1- من هنا إلى نهاية الخطاب ورد في حديث سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع وفد جامعة الصدر الدينية فرع كربلاء في تلك الفترة.

هو أن نلتفت إلى النعمة التي منحنا الله تبارك وتعالى إياها في هذا الزمن حيث تتوفر أعظم فرصة لبناء المستقبل الزاهر لامتنا وننفض غبار السبات الذي أصابها منذ أكثر من ألف عام، ونمهّد لدولة الحق والعدل ببناء أنفسنا ومجتمعنا ومؤسساتنا على أسس الإخلاص والتقوى والعمل الصالح بعيداً عن المتصارعين على الدنيا الفانية الزائلة. لقد كان أصحاب الإمام الحسين (علیه السلام) يتسابقون إلى الموت فرحين مسرورين لان الإمام (علیه السلام) كشف لهم عن بصائرهم فرأوا منازلهم في الجنة أي رأوا نتائج تضحياتهم والمستقبل العظيم لما يقومون به فصغُر في أعينهم ما يلاقون من ألم الجراح وهذا التفسير منسجم مع ما نعتقده من تجسّم الأعمال.وإذا كانت تلك التضحيات لإبقاء الحياة وجذوة الضمير في جسد الأمة فإن تضحيات اليوم ستؤدي إلى بعثها من جديد وحركتها نحو بناء دولة الحق والعدل.

ص: 390

خطاب المرحلة 198 :الشعب غير معذور إذا لم يختر الكفوئين المخلصين

خطاب المرحلة 198 :الشعب غير معذور إذا لم يختر الكفوئين المخلصين(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

تعمل الأحزاب السياسية المهيمنة على السلطة في المحافظات والحكومة المركزية أن لا تجري انتخابات مجالس المحافظات في موعدها المقرّر من خلال تأخير إقرار قانون الانتخابات أو عرقلة عمل المفوضية العليا للانتخابات وهي تتظاهر بحرصها على إجرائها في الموعد المحدّد الذي لم تقبل به أصلاً لولا إقراراه ضمن حزمة القوانين الثلاث في البرلمان فاضطرت لقبوله.

وعلى أي حال فإن الانتخابات ستجري بإذن الله تعالى في موعدها أو في غير موعدها وحينئذٍ سيقول الشعب كلمته في من يمثله وإذا كان معذوراً في المرة السابقة بسبب قلة الخبرة والمعرفة بالأشخاص وحداثة التجربة والمزايدات الطائفية والقومية والمتاجرة ببعض الرموز الدينية وغيرها من المؤثرات فاختار أشخاصاً لم يكونوا أمناء على المسؤولية ولم يعملوا لمصلحة شعبهم فانه هذه المرة غير معذور في عدم اختيار أبنائه الكفوئين النزيهين الوطنيين الذين يتفانون في حب وطنهم وخدمة شعبهم، بعد أن ذاقوا الأمرّين

ص: 391


1- من حديث سماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع وفد من مدينة الكوفة المقدسة ضمّ شيوخ عشائر ووجهاء ومسؤولي منظمات مجتمع مدني يوم السبت 24 ج2 1429 المصادف 28/ 6/ 2008.

من الموجودين وحرموهم من ابسط حقوقهم في الحياة الحرة الكريمة.تتحدث الروايات الشريفة عن حالات لا يُعذر فيها الناس ولا يُسمع لهم دعاء برفع البلاء لأنهم مسؤولون عن الظلم الذي وقع بهم ومنها رواية صحيحة عن الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: (كنت عنده وعنده جفنة من رطب فجاء سائل فأعطاه ثم جاء سائل آخر فأعطاه، ثم جاء آخر فأعطاه، ثم جاء آخر فقال: وسَّع الله عليك، ثم قال: إن رجلاً لو كان له مال يبلغ ثلاثين أو أربعين ألفاً، ثم شاء أن لا يبقى منه شيء إلا قسّمه في حقٍ فعل فيبقى لا مال له، فيكون من الثلاثة الذين يُردّ دعاؤهم عليهم، قال: قلت: جُعِلت فداك من هم؟ قال: رجل رزقه الله عز وجل مالاً فأنفقه في وجوهه ثم قال: يا رب ارزقني فيقول الله عز وجل أولم أرزقك، ورجل دعا على امرأته وهي ظالمة له فيقال له: ألم أجعل أمرها بيدك، ورجل جلس في بيته وترك الطلب، ثم يقول: يا رب ارزقني فيقول الله عز وجل: ألم أجعل لك السبيل إلى طلب الرزق)(1).

ويفهم الفقيه العارف بالروايات ومن مناسبات الحكم والموضوع -كما يصطلحون عليها- أن القضية غير مقتصرة على هؤلاء الثلاثة، لذا ذكر حديث آخر مثله خمسة عناوين(2) وإنما يترتب هذا الأثر - وهو عدم استجابة الدعاء برفع الظلم وعدم المعذورية- لكل من رضي بالظلم وخنع له وهو ممن شارك في جلب هذا الظلم وإقامته.

فإذا أعطيتم أصواتكم في الانتخابات المقبلة سواء كانت المحلية أو العامة

ص: 392


1- كتاب (الخصال) للشيخ الصدوق، أبواب الثلاثة، الحديث 208 ص160.
2- حديث معتبر في باب الخمسة، ح71 ص299.

للذين لا تعرفون منهم مؤهلات التصدي للمسؤولية فلا تلوموا إلا أنفسكم إذا جوّعوكم وأعطوكم مواداً غذائية مسرطنة(1) وغير صالحة للاستهلاك البشري، أو إذا حرموكم من خدمات الماء والكهرباء والنفط والغاز وغيرها، أو إذا اعتقلوا أبناءكم لا لذنب إلا لأنهم يخالفون رؤاهم، أو إذا قسّموا الوطن الواحد وجعلوا أهله شيعاً، أو إذا أطلقوا يد ميليشياتهم وجماعاتهم المسلحة لينشروا القتل والدمار والخطف والسرقة، أو إذا وزّعوا على المرضى أدوية ملوثة بفيروسات الايدز وغيرها من الأمراض الفتاكة، أو إذا حرموا أبناءكم من فرصةٍ للعمل يكسبون منها قوتهم مادمت لا تنتمي إلى أحزابهم، أو إذا باعوا الوطن إلى الأجنبي بصفقات بخسة، أو إذا جعلوكم ضحية ووقوداً لتنفيذ أجندات إقليمية ودولية وغيرها من المآسي التي فاقت التصور والحصر.وسوف لا يسمع الله تعالى لكم دعاءاً لأنكم قادرون على رفع كل هذه المظالم بوعي وإدراك أهمية أصواتكم التي تلقونها في صناديق الاقتراع وأتعبتم أنفسكم في التعرف على من يخدمكم ويخلص لكم.

إن الله تبارك وتعالى يبيّن لنا صفات أولياء الأمور من خلال التعريف بصفات رسول الله (صلی الله علیه و آله) فقال تعالى [لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ] (التوبة:128)، فهو ليس قادماً من خارج مجتمعكم وإنما هو ابنكم وعاش محنتكم ومعاناتكم وعرف همومكم ومشاكلكم ولم يعزل نفسه عنكم في قصر

ص: 393


1- هذه الأمور المذكورة بعض مظاهر الفساد والظلم في عمل الحكومة يومئذٍ وكلها مثبتة بوثائق.

الخضراء(1)، ولا المنطقة الخضراء [عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ]، فهو يعزّ عليه ويصعب عليه أن يصيبكم عنت ومشقة وألم وصعوبة وحرمان لحبّه لكم ولأنه [حَرِيصٌ عَلَيكُمْ] فيحميكم من كل سوء ويبذل وسعه لجلب الخير لكم [بِالمُؤمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ] قد مُلئ قلبه بالرحمة والرأفة بل إنه ما أرسل إلا رحمة للعالمين. يُروى عن أحد المراجع قبل مائتي عام يعرف ب-(صاحب الفصول) لشهرة كتابه الفصول في الحوزات العلمية أنه سأله احد تلامذته النابهين العارفين بقيمة الحياة ومنزلة العلماء: (لو أخبرك ملك الموت أنك ستموت بعد ساعة فبأي عمل ستقضيها) ليعرف ما هي أولويات الأعمال وترتبها بالأهمية فقال (أضع لي كرسياً على باب الدار لأقضي حوائج الناس مهما كانت الحاجة بسيطة).

هذه وغيرها هي صفات المسؤولين الذين يتولون شؤون الأمة ومن لم يتصف بها فهو خارج عن أخلاق رسول الله (صلی الله علیه و آله) وفيها تنبيه لكم أن لا تختاروا إلا من توفرت فيه هذه الصفات وإلا فإنكم تجنون على أنفسكم، لأنكم كما ترون أن كل تفاصيل حياتكم من الأمن والغذاء والخدمات والصحة والتعليم والعمل والاقتصاد وغيرها كلها مرتبطة بمن تختارونه لمواقع السلطة، فالأمر لكم والخيار بأيديكم، أقول هذا وأنا اعلم أن صناديق الاقتراع سوف لا تكون وحدها القول الفصل، لان المتسلطين سيمارسون عملية التزوير بمقدار ما يستطيعون، ولكن مع ذلك علينا أن نبذل ما بوسعنا لكي تكون إرادة الأمة هي الحكم.

ص: 394


1- القصر الملكي لمعاوية في دمشق بينما كان أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب يلتقي بعامة الناس ويجلس معهم ويتفقدهم.

نسأل الله تعالى أن ينوّر بصائرنا ويزيد من رشدنا وحكمتنا ويوفقنا لاختيار الشخص المناسب بمعونة المخلصين العارفين، ففي الدعاء (اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه) أي أننا نسأل الله تعالى أولاً أن يعرّفنا الحق لان أهل الدنيا يخلطون الأوراق فتشتبه الأمور ثم نطلب ثانياً أن يرزقنا إتباعه، لأنه ليس كل من عرف الحق اتبعه فإن قوماً وصفهم الله تبارك وتعالى بقوله [وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاًً] (النمل:14).

ص: 395

خطاب المرحلة 199 :حتى لا نظلم عليّ بن أبي طالب ون-ُحرم من عطائه

خطاب المرحلة 199 :حتى لا نظلم عليّ بن أبي طالب ون-ُحرم من عطائه(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

يظهر من كلمات أمير المؤمنين (علیه السلام) وخطبه أنه عاش غربة بين قومه، لجهلهم بمقامه الشريف ونزوعهم إلى حب الدنيا التي تزيّنت وتزخرفت بسبب اتساع رقعة الدولة الإسلامية وكثرة وارداتها فانساقوا وراء الشهوات فكان (ع) يوبخ أصحابه ويستعمل كل الوسائل لإيقاظهم واستنهاض هممهم ووعي مسؤولياتهم في طاعته (ع) واتباع أوامره، قال (علیه السلام) (أيها الناس إني قد بثثت لكم المواعظ التي وعظ الأنبياء بها أممهم، وأديتُ إليكم ما أدّتِ الأوصياء إلى من بعدهم، وأدَّبتكم بسوطي فلم تستقيموا، وحدوتكم بالزواجر فلم تستوثقوا، لله أنتم! أتتوقّعون إماماً غيري يطأ بكم الطريق ويرشدكم إلى السبيل؟

ألا إنه قد أدبر من الدنيا ما كان مقبلاً، وأقبل منها ما كان مدبرا، وأزمعَ الرجالَ عبادُ الله الأخيار، وباعوا قليلاً من الدنيا لا يبقى، بكثيرٍ من الآخرة لا

ص: 396


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع وفد من القرية العصرية في مدينة الناصرية يوم 8 رجب 1429 المصادف 12/ 7/ 2008 ومن حديث سماحته مع حشد من مسؤولي منظمات المجتمع المدني المنصوبة تحت هيئة (همم) في محافظة ذي قار يوم 15 رجب 1429 وضيوف آخرين في ذكرى ميلاد أمير المؤمنين (عليه السلام)

يفنى)(1) .وازدادت غربته حينما فَقَد خُلّص أصحابه العارفين بفضله وسابقته إلى كل كمال حيث استشهد كثير منهم في صفين فكان (ع) يرتقي منبر مسجد الكوفة ويندبهم أشجى ندبة ويصفهم أجمل وصف فيقول (ع): (ما ضرّ إخواننا الذي سُفكت دماؤهم - وهم بصفين- ألاّ يكونوا اليوم أحياءً؟ يسيغون الغصص ويشربون الرنق! قد - والله- لقوا الله فوفّاهم أجورهم، وأحلّهم دار الأمن بعد خوفهم أين إخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحق؟ أين عمار؟ وأين ابن التيهان؟ وأين ذو الشهادتين؟ وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا على المنية وابرد برؤوسهم إلى الفجرة (ثم ضرب بيده على لحيته الكريمة فأطال البكاء ثم قال) أوّهِ على إخواني الذين تلوا القرآن فأحكموه، وتدبّروا الفرض فأقاموه، احيوا السنة وأماتوا البدعة، دُعُوا للجهاد فأجابوا، ووثقوا بالقائد فاتبعوه)(2).

وكان (ع) كثيراًَ ما يتمنى الموت للتخلص من مجاورة اللئام والذهاب إلى صحبة الكرام الأحبة محمد وأهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين) وأصحابه المنتجبين، ومن كلماته في ذلك (ولوَددتُ أن الله فرّق بيني وبينكم، وألحقني بمن هو أحقّ بي منكم)(3) لأنه يرى نفسه يعيش وسط حثالة لا يذكرون إلا بالذم قال (علیه السلام) (أين أخياركم وصلحاؤكم وأين أحراركم

ص: 397


1- نهج البلاغة من الخطبة (182).
2- نهج البلاغة، نفس الموضع.
3- نهج البلاغة الخطبة (116).

وسمحاؤكم! وأين المتورعون في مكاسبهم. والمتنزّهون في مذاهبهم؛ أليس قد ظعنوا جميعاً عن هذه الدنيا الدنية، والعاجلة المنغصّة، وهل خُلفتم إلا في حثالة، لا تلتقي إلا بذمِّهم الشفتان، استصغاراً لقدرهم، وذهابا عن ذكر هم؛ فإنّا لله وإنا إليه راجعون.)(1).وكان يأسف (ع) أن ينفضَّ الناس عن الهدى المتمثل به ولا تبقى تحت سيطرته من رقعة الدولة الإسلامية الكبيرة إلا الكوفة فيقول (ع) (ما هي إلا الكوفة، أقبضها وابسطها، إن لم تكوني إلا أنتِ، تُهبُّ أعاصيرك فقبّحكِ الله)(2).

ويستغرب منهم حين يعصونه وهو الحق بينما يتفانى أصحاب معاوية في طاعته وهو إمامهم إلى الضلال فيقول (ع) (صاحبكم يطيع الله وانتم تعصونه، وصاحب أهل الشام يعصي الله وهم يطيعونه لَوَددتُ والله أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم، فاخذ مني عشرة منكم وأعطاني رجلاً منهم.واني لعلى بينةٍ من ربي ومنهاج من نبيي، وإلي لعلى الطريق الواضح ألقُطُه لقطا) (3).

ويسبب ذلك فقد تنبأ بضياع دولتهم ونجاح دولة معاوية فقال (علیه السلام) (وإني والله لأظنُّ أن هؤلاء القوم سيدالون منكم باجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم، وبمعصيتكم إمامكم في الحق، وطاعتهم إمامهم في الباطل، وبأدائهم الأمانة إلى صاحبهم وخيانتكم، وبصلاحهم في بلادهم وفسادكم.)(4)

ص: 398


1- نهج البلاغة، الخطبة (129).
2- نهج البلاغة، الخطبة (25).
3- نهج البلاغة، من الخطبة (97).
4- نهج البلاغة من الخطبة (25).

وقال (علیه السلام) (أما والذي نفسي بيده، ليظهرنّ هؤلاء القوم عليكم، ليس لأنهم أولى بالحق منكم، ولكن لإسراعهم إلى باطل صاحبهم،وإبطائكم عن حقي، ولقد أصبحت الأمم تخاف ظلم رعاتها، وأصبحتُ أخاف ظلم رعيّتي)(1)وكان كل أسفه (ع) لأنه يعلم بحقائق الأمور وعواقبها ومصير كل فريقٍ وهو القائل (لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً) ولكن أنى لتلك القلوب القاسية والعقول المغلوبة بالهوى أن تبصر بعين الحقيقة قال (علیه السلام) (ولو تعلمون ما أعلم مما طوي عنكم غيبه، إذاً لخرجتم إلى الصُعُدات تبكون على أعمالكم، وتلتدمون - ضرب الصدر للنياحة- على أنفسكم، ولتركتم أموالكم لا حارس لها، ولا خالف عليها- ولهمّت كلَّ امرئٍ نفسُه، لا يلتفت إلى غيرها، ولكنكم نسيتم ما ذكِّرتم، وأمِنتم ما حُذِّرتُم، فتاه عنكم رأيُكم، وتشتّت عليكم أمركم.)(2) فأسفه وحسرته كانت امتداداً لقول الله تبارك وتعالى [يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون](يس:30).

هذه بعض كلمات أمير المؤمنين نقلناها لنحسَّ بمشاعره (ع) في غربته حتى كان يقول وهو يشير إلى صدره المبارك (إن هاهنا علماً جماً لو أصبت له حملة) لكن أصحابه ضيّعوه ولم يعرفوا قدره ولم يستفيدوا منه فظلموا أنفسهم وظلموه إذ حرموه من أن يقدّم ما عنده قال (علیه السلام) (ولقد أصبحت الأمم تخاف

ص: 399


1- نهج البلاغة، من الخطبة (97).
2- نهج البلاغة، من الخطبة (116).

ظلم رعاتها، وأصبحت أخاف ظلم رعيّتي)(1).وعلينا - نحن شيعة علي (علیه السلام)- اليوم أن لا نظلمه كما ظلمه أصحابه وان لا نحرم أنفسنا من عطائه كما فعل أصحابه، فانه وان غاب بشخصه الشريف عنا، إلا انه حاضر بيننا بكلماته ومواعظه وخطبه وسلوكه وسيرته وعلمه وجهاده وإخلاصه وإيثاره وفنائه في الله تبارك وتعالى وغيرها من الكمالات.

ولنستفد من كل ذلك وكأنه (علیه السلام) يتحدث إلينا مباشرة ويجسّد تلك الفضائل والكمالات التي نقلتها الروايات وكأنه يعيش بيننا. وهذا يحتاج إلى صحوة وانتفاضة على واقعنا المر بابتعادنا عن (نهج البلاغة) وكل الآثار الشريفة التي سجلت مآثر وآثار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیهما السلام) ويكون ذلك من خلال عدة خطوات عملية حتى لو حصلت تدريجياً بحسب الاستطاعة.

1- اهتمام الخطباء والمبلغين والوعّاظ بنصوص نهج البلاغة فيفتتحون بها مجالسهم ويعتنون بشرحها واستخلاص الدروس منها وبيان ما تضمنته من حقائق ومعارف وعلوم، وهذا ما كنّا نعهده من السلف الصالح وقد ذكر جدّي لأبي الشيخ محمد علي اليعقوبي (رحمه الله تعالى) في ترجمة أخيه الشيخ مهدي (رحمه الله تعالى) وهو جدي لأمي في كتاب البابليات أنه (لا أبالغ إذا قلت أنه كان يحفظ ثلاثة أرباع نهج البلاغة عن ظهر قلب).

2- أن يلتزم كلٌ منا بإمعان النظر في نهج البلاغة وغيره من الآثار التي سجلّت كلمات أمير المؤمنين ك- (غرر الحكم) للآمدي و(تحف العقول) وغيرها كلما سنحت له الفرصة من دون إهمال أو تضييع ويستذكر تلك

ص: 400


1- نهج البلاغة، من الخطبة (97).

المعاني الجليلة ليحيي بها قلبه وينوّر بصيرته ويصحّح طريقة حياته وهو القائل (ع) (إنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورعٍ واجتهاد وعفّةٍ وسداد)(1).3- تشجيع الكتاب والمثقفين على استلهام جوانب العظمة التي أودعها أمير المؤمنين في كلماته وسيرته وتصنيف المواضيع التي تعرّض لها أمير المؤمنين (علیه السلام) فقد تضمن نهج البلاغة معالجة قضايا عقائدية واجتماعية وأخلاقية وفلسفية وإنسانية واقتصادية وله (ع) السبق في السياسة والحكم وولاية أمر الناس والقضاء والفتوى وغيرها من المواضيع التي لو عكف عليها الباحثون والمتخصصون لا تحفوا البشرية بانجازات رائعة ونذكر منها كتاب (الإمام علي (علیه السلام) وحقوق الإنسان) الذي نال به الباحث درجة الدكتوراه بامتياز في كلية العلوم السياسية وطبعناه تكريماً له، وهذا غيضٌ من فيض ما ترشح عن أمير المؤمنين (علیه السلام) وكذا كتاب (الراعي والرعية) في شرح عهده (ع) لمالك الأشتر لما ولاّه مصر و (علي بن أبي طالب: صوت العدالة الإنسانية) وغيرها.

4- إنشاء مكتبة متخصصة بآثار أمير المؤمنين (علیه السلام) وما كُتب عنه والدراسات والبحوث التي تناولته وتجهّز بأحدث الوسائل في تقنية تبادل المعلومات والاتصالات.

5- إنشاء فضائية خاصة بعلي بن أبي طالب (علیهما السلام) تبيّن فضائله ونشر علومه ومعارفه وتصوِّر مراحل حياته الشريفة وما أُثِرَ عنه وتعقد الندوات والحوارات

ص: 401


1- نهج البلاغة، رسائل الإمام، من كتاب له (عليه السلام) إلى عثمان بن حنيف الأنصاري وكان عامله على البصرة وقد بلغه أنه دُعي إلى ولية قومٍ من أهلها فمضى إليها.

عنه (علیه السلام) وإجابة الأسئلة وغيرها.6- السعي الجدي لدى إحدى الجامعات العالمية الرصينة لتخصيص كرسي للدراسات عن علي بن أبي طالب تحتضن الباحثين والدارسين وتمنح الشهادات الجامعية العليا وتستقبل البعثات الدراسية من الطلبة المتميزين من أنحاء العالم للتخصص في هذا المجال.

إنني لا ابتغي بوضع هذه الخطوات العملية مجرد تسطير الكلمات وحشو الصفحات وإنما لنسعى جميعاً وبكل جدّية ومصداقية وهمّة عالية لانجازها حتى نشهد نهضة عالمية تخرجنا من حد التقصير في حق أمير المؤمنين (علیه السلام) ولا نكون كالذين ظلموه وحرموا أنفسهم من عطائه المبارك. كما وعى المسلمون غربة القرآن وهجرانه وشكواه وحرمانهم بتضييعه فعادوا إليه وانشئوا الجامعات والمحافل لتلاوته ودراسته والاستفادة منه والتخصص في علومه وغيرها، حيث شهدت السنوات الأخيرة حركة مباركة في هذا المجال.

إن إقامة المواليد وفعاليات الفرح في مثل هذه الذكريات العطرة اعني ذكرى ولادة أمير المؤمنين (علیه السلام) غير كافٍ للتعبير عن الاحتفال الواعي الرسالي بهذه المناسبات، نعم هي تمثل تعبيراً عن مستوى من المجتمع فالاكتفاء بها غير صحيح ما لم يقترن ببعض الخطوات التي ذكرناها، واقل ما يجزي فيها أن نتصفح كتاب نهج البلاغة ونستلهم منه ما يقدّر الله تبارك وتعالى لنا من رزق؛ كما إنني تصفحته في ذكرى الميلاد الميمون وخرجت بالنصوص التي افتتحت بها كلمتي هذه.

وتأتي بعد ذلك الخطوة التي مرت بالرقم (2) لأن من يسمع بأنك من شيعة

ص: 402

علي (علیه السلام) فانه يتوقع أن يرى فيك أخلاقه وسيرته وسموّه، وبهذا الصدد نقل لي صديق مهندس كان مقيماً في ألمانيا انه وعائلته زار صديقاً عراقياً اسمه (علي) كان متزوجاً من ألمانية لغرض الحصول على الجنسية الألمانية بحسب قوانينهم، وكان يتوقع أن لا يجد المرأة الألمانية بالصفات المرغوبة لأن هذا الرجل لم يتزوجها إلا للغرض المذكور ولكنه رآها فوق ما يتصور وسألها عن سر قبولها بهذا الفتى مع عدم وجود المرغّبات الكافية فأجابت أنها تزوجته لأنها تريد أن تعرف الإسلام من خلاله.هكذا ينظر الآخرون إلى المسلمين والى شيعة علي (علیه السلام) خاصة وهذا يلزم كل واحدٍ منا بمسؤولية مضاعفة أن نكون عند حسن ظن نبينا وإمامنا (صلوات الله عليهما) وعند حسن ظن من أحسن بنا الظن.

إن إحداث مثل هذه الصحوة العالمية لنشر فضائل أمير المؤمنين (علیه السلام) وآثاره وعلومه ومعارفه كفيلة بإصلاح البشرية وإعادة مسيرتها إلى الطريق الصحيح وستساعدها على حلّ عقدها المستعصية ومشاكلها التي قادتها إلى اليأس والانتحار وستفتح أمامها آفاق حياة سعيدة بإذن الله تعالى.

ص: 403

خطاب المرحلة 200 :حكم التعامل مع شركات التسويق الشبكي

خطاب المرحلة 200 :حكم التعامل مع شركات التسويق الشبكي(1)

المرجع الديني سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ظهرت في الشارع بعد سقوط النظام عدة شركات تعمل وفق مفهوم (التنظيم الهرمي Pyramid Scheme) ويسمى أحياناً التسويق الشبكي (Network Marketing) أو التسويق متعدد الطبقات (Multi-layer Marketing)

ومن هذه الشركات

1- كولد كويست Goldquest - أو كويست نت Quest.net

2- شركة بيزناس

ص: 404


1- صدر هذا الاستفتاء يوم 27 رجب 1429 المصادف 31/ 7/ 2008 بعد أن انتشرت فروع مثل هذه الشركات في العراق، وقد لقي الاستفتاء ترحيباً وتأييداً من الجهات الحكومية والاقتصادية والقانونية والشعبية، وعمّم البنك المركزي العراقي على اثر هذه الفتوى من خلال وسائل الإعلام والفضائيات تحذيراً إلى المواطنين بالامتناع عن التعامل مع هذه الشركات الوهمية غير المجازة قانونياً، وحاولت تلك الشركات بشتى الطرق إنقاذ وضعهم باستصدار فتاوى تجيز عملهم من بعض المرجعيات في النجف لكنها لم تنفعهم، وانهارت هذه الشركات وانتهى عملها في العراق والتفت المتعاملون معها بعدئذٍ إلى فضائحها ورفعوا الدعاوى ضدها، وأنقذ المجتمع من هذا الداء الفتاك.

3- شركة في ماكس V-max

4- شركة موناكو Monacofunds

5- شركة أكوام.كوم

فما حكم التعامل مع هذه الشركات؟ وإذا كان الحكم هو الحرمة فكيف يتصرف من تعامل مع هذه الشركات قبل علمه بالحكم؟

بسمه تعالى:

نحن نحرّم التعامل مع كل الشركات التي تتعامل بطريقة التسويق الشبكي أو التنظيم الهرمي مهما تنوّعت ادعاءاتها وعروضها فإنها جميعاً تشترك بفكرة واحدة وهي جمع الأموال تحت عنوان الاستثمار وإعطاء الربح لمن يجلب الزبائن وفي الحقيقة فإنه لا يوجد استثمار للأموال وإنما جمعٌ لها بدون مقابل ولا يوجد ربح وإنما يُعطى المشترك السابق جزءاً من المال الذي جلبه من المشترك اللاحق، فعمل هذه الشركات لا يعدو أن يكون قرصنة ينكشف زيفها بعد فترة وحينئذٍ سيجد المشتركون أنهم كانوا في أوهام وان الشركة لم تقدّم لهم شيئاً وغاية ما تفعل هو جمع الأموال منهم وإعطاء بعضهم جزءاً من أموال البعض الآخر وتسحب العملة إلى خارج العراق ويتحقق بذلك الضرر على الأفراد وعلى الدولة كلها، وهذا الحكم بالحرمة شامل لأمثال شركات (كولد كويست وموناكو وبيزنس و في - ماكس وأكوام-كوم) وأمثالها.

إن كل الشركات التي عملت في هذا النوع من التسويق انهارت بعد

ص: 405

أن أكلت أموال الناس بالباطل وجعلت بعضهم يأكل مال أخيه ثم انهارت وخلّفت وراءها آلاف الناس المتحسرين على أموالهم التي ذهبت أدراج الرياح.إن خبراء الاقتصاد من المسلمين ومن غير المسلمين أفتوا بخطورة هذه المعاملات على الاقتصاد القومي، لأنها تبيع الوهم مهما كانت هناك سلعة أو جهازا أو برامج أو غيرها فكل ذلك للتحايل فقط، وقد صدرت القوانين في أمريكا وأوربا بتجريم هذه المعاملات بعد أن عرفوا مخاطرها وأضرارها فنقلها القراصنة إلى بلادنا مستغلين حداثة التجربة عندنا وتوقف فرص الاستثمار الطبيعي الايجابي ووجود فائض نقدي لدى الناس لا يتسنى لأصحابه الاستفادة منه.

إن الوضع المريب لمن يدّعون أنهم ممثلو هذه الشركات وتصرفاتهم السرية والمشبوهة تغني عن شرح المخاطر في طبيعة عملهم.

وإن عجبي لا ينقضي من تقاعس الحكومات المحلية والمركزية عن اتخاذ الإجراءات الصارمة لقطع دابر هؤلاء القراصنة مصاصي ثروات البلاد، وأما الحلول فتبدأ من قيام الحكومة بتوفير فرص الاستثمار لأصحاب رؤوس الأموال البسيطة بنسب ربحية معقولة لحمايتهم من الوقوع بأيدي الشركات الوهمية. كما أن الواجب الأخلاقي والإنساني يحتّم على القطاع الخاص ممن يستطيع توفير مثل هذه الفرصة لتشغيل رؤوس الأموال أن يؤسس شركات استثمارية

ص: 406

مساهمة للمواطنين. وليس عسيراً على خبراء المال والاقتصاد أن يضعوا الحلول الصحيحة لاستيعاب الأموال الفائضة لدى الناس وقطع الطريق أمام المتحايلين وحفظ الثروة الوطنية وحماية الاقتصاد.وأما من تورّط بالتعامل مع هذه الشركات فعليه أن يتوقف عن كسب أي أحد وليحاول استنقاذ ماله بشتى الوسائل، وليتذكّر قول الإمام الحسين (علیه السلام) (من حاول أمراً بمعصية الله كان أفوت لما يرجو وأقرب لما يحذر).

ص: 407

خطاب المرحلة 201 :حوارات سياسية (الحلقة السابعة)

اشارة

استقبل المرجع الديني سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) في مكتبه في النجف الأشرف المحلل السياسي والإعلامي السيد صادق الموسوي مدير المركز الوطني للإعلام العراقي في لندن(1) ورافقه رئيس تحرير وكالة الأنباء العراقية (أصوات) ومراسل صحيفة الحياة اللندنية الأستاذ فاضل رشاد، وطلب السيد الموسوي الاستئناس برأي المرجعية الدينية في النجف الأشرف في جملة من القضايا السياسية وجرى الحوار التالي: ***

الشعب يطالب بالتغيير

سؤال : هل تتوقعون تغييراً في الخارطة السياسية في ضوء نتائج انتخابات مجالس المحافظات المقبلة والانتخابات العامة في نهاية السنة القادمة؟

سماحة الشيخ : الشعب يريد التغيير بعد أن نفض يده من الحاكمين، لكن فرصة التغيير ضعيفة لان الأحزاب الحاكمة تمتلك كل عناصر التأثير على

ص: 408


1- تاريخ اللقاء 22 شعبان 1429 المصادف 24/ 8/ 2008.

الناخبين أو المرشحين بالترهيب والترغيب، فبأيديهم السلطة، ويحتكرون وظائف الدولة، ولديهم المال الذي هو ثروة الشعب، ويسيطرون على القوى الأمنية التي تُوَظََّف في كثير من الأحيان لتنفيذ أجندات الأحزاب لتصبح مليشيات بلباس رسمي, ويستطيعون أيضا استغلال الدين واسم المرجعية الدينية أو القومية أو الطائفية، فالتعويل على تداول حقيقي للسلطة احتمال ضعيف، والديمقراطية التي يتحدثون عنها وصفتُها بالعوراء، لأنهم يتمسكون بها بمقدار ما يقوي سلطتهم ويحقق مصالحهم ويتركون الجانب الآخر منها. نعم قد يحصل تغيير بطيء على المدى الطويل إذا لم تستغل الكتل المهيمنة على السلطة هذا الوقت لإحكام قبضتها وسد الفرصة على الآخرين، وقد يحصل قبل ذلك (حتى أقرب من الانتخابات) حينما تعي الكتل السياسية مسؤولياتها أمام الله تعالى والشعب والتاريخ وتسعى بجد لإصلاح الحال، ويقترن ذلك بأن تترك الولايات المتحدة القوى السياسية تمارس العملية الديمقراطية بشكل صحيح من دون أن تمارس ضغطاً لإبقاء الوضع الذي يلائم مصالحها ولا يربك أوضاعها الداخلية ويساهم انسحاب القوات الأمريكية في إجبار السياسيين المتصارعين على الجلوس إلى مائدة الحل خوفاً من انفراط عقد مصالحهم كلياً, أما وجود قوة كبيرة تؤمّن لهم بقاء الوضع فإنه يشجعهم على الاستمرار في الصراع.

ص: 409

أغراض أمريكا من عدم تغيير الخارطة السياسية

سؤال : من المعلوم أن بعض الكتل الحاكمة - وأعني الإسلامية منها- لا ترغب الولايات المتحدة في بقاء نفوذها، ولها أجندات سياسية تعارض التوجهات الأمريكية فلماذا لا تسعى أمريكا للتغيير والحد من نفوذها؟ وهل هي عاجزة عن ذلك؟

سماحة الشيخ : هذا مرتبط بحسابات داخلية وخارجية تخصُّها، ولا اعتقد أن هذه القوى تعارض الإرادة الأمريكية إلا بمقدار الاستهلاك الإعلامي وذّر الرماد في العيون فهي تتميز ببراغماتية مدهشة - على حد تعبير احد مراكز الدراسات في أمريكا- ومستعدة للتخلي عن كل ما تؤمن به إذا شعرت بأن ذلك يستفز أمريكا ويدفعها إلى إبعاد هذه القوى عن السلطة فماذا تريد أمريكا أكثر من تحقيق مصالحها على أيدي الإسلاميين !! وبالتالي سقوطهم في أعين الناس وفشل مشروعهم.

بل إننا نرى كيف تتسابق الجهات الإسلامية الحاكمة لإعلان البراءة من المشروع الإسلامي وتبنيها لما يخالف الدين، حيث جعلوا علامة التحسن الأمني وقضائهم على الجماعات المسلحة، إشاعة الفسق والفجور(1) وتجارة الخمور التي تباع علناً على قارعة الطريق التي يسلكها زعماء الائتلاف في الكرادة والجادرية وبمقربة من مقراتهم وتحت حماية القوى الأمنية مما لا يوجد نظيره حتى في أكثر الدول تحرراً من الدين، ولا ادري ما هي الملازمة بين الأمرين! وهل هو نصرٌ على الإسلام أم على الجماعات المسلحة والقوى الإرهابية التي تحمل اسم الإسلام زوراً.

ص: 410


1- إشارة إلى ما حصلت من ظواهر في البصرة ومدينة الصدر ببغداد بعد انتهاء عملية (صولة الفرسان).

الشك في نزاهة الانتخابات

سؤال : هل تشككون بإمكان إجراء انتخابات نزيهة وشفافة؟

سماحة الشيخ : يوجد لدينا ولدى كل المراقبين أكثر من الشك، وخيار التزوير في الانتخابات قائم، والمراقب لتصرفات الأحزاب المتسلطة واستخدامها مختلف الوسائل حتى غير المشروعة لإحكام قبضتها على السلطة وتصفية الخصوم لا يبقى لديه شك في أنهم لا يتخلون عن السلطة بهذه الطريقة السلمية الشفافة عبر صناديق الاقتراع وكمثال على ذلك لاحظ العراقيل التي وضعوها لكي لا تجري الانتخابات في وقتها، فاستعملوا النقض الرئاسي ضد قانون مجالس المحافظات الذي لم يُمرَّر إلا ضمن صفقة القوانين الثلاثة(1)، ولم يتراجعوا عن نقضهم إلا بضغط أمريكي عندما زار (ديك تشيني) نائب الرئيس الأمريكي بغداد، ثم شككوا في آلية تشكيل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ومكاتبها الفرعية لإعادة العملية إلى نقطة الصفر رغم أن الآلية اقرّها البرلمان وساروا عليها، ثم الملابسات التي رافقت إقرار قانون انتخابات مجالس المحافظات.

ص: 411


1- استمر صراع المصالح بين الكتل السياسية عدة أشهر وشهد ضغطاً خارجياً ومن المفوضية العليا للانتخابات لعجزها عن إجراء الانتخابات في موعدها إذا تأخر== ==إقرار القانون، وقد صوت البرلمان يوم 18 رجب الموافق 22/ 7 على صيغة القانون وبضمنه المادة (24) التي أغضبت الأكراد فنقضه رئيس الجمهورية الطالباني وأعيد إلى البرلمان واستمر الصراع حتى اقره البرلمان يوم 23 رمضان 1429 المصادف 24/ 9/ 2010 وستأتي بعض الإشارة إليه في لقاء رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق (صفحة 356) من هذا المجلد.

خطاب المرحلة 202 :العمل الإسلامي والأمة الوسط

خطاب المرحلة 202 :العمل الإسلامي والأمة الوسط(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

لو أردنا -كمراقبين- أن نقيم العمل الاجتماعي للإسلاميين سواء كانوا من الحوزة العلمية أو الأحزاب الإسلامية أو المفكرين والمثقفين الإسلاميين لوجدنا فيهم خطين بارزين.

الأول: من انهمك في العمل الاجتماعي واندفع فيه غافلاً عن بناء نفسه وتهذيبها وتكاملها فنسي الهدف الذي بدأ العمل من اجله وانقلبت عنده المعايير فأصبح يرى الحق باطلاً والباطل حقاً (كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً) وتحول عمله إلى صراع على الدنيا وتحولت مشكلته مع الطاغوت إلى الفوز بكرسي السلطة وليس تغيير الظلم وإقامة العدل والإصلاح والحياة الكريمة وابتعد شيئاً فشيئاً عن مبادئه دون أن يشعر، لأن تأثير السلطة على نفسية الشخص المتسلط سيكولوجي [نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ] (الحشر:19) ومن النادر أن يشعر به الإنسان ويثوب إلى رشده إلا إذا حظي بلطف من الله تبارك وتعالى أو كان له ناصحٌ أمين أو توجد في قلبه

ص: 412


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع وفد أمانة الرصافة الثانية في بغداد لحزب الفضيلة الإسلامي يوم 21 شعبان 1429 المصادف 23/ 8/ 2008 بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد عضو الأمانة المهندس أبي عبد الله عباس ومع وفد مكتب حزب الفضيلة الإسلامي في مدينة علي الغربي.

وضميره بقية حياة ينبض بها أما إذا لم تتوفر له هذه العوامل الثلاثة فانه سينحدر إلى الهاوية [وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ] (ص:3) حيث لا ينفعهم ندم والعياذ بالله تبارك وتعالى، وأوضح مثال على هذا الصنف الأحزاب المتسلطة التي ترفع شعار الإسلام.الثاني: من آثر الانعزال والانكفاء على الذات وأصيب بالخمول وفقَدَ همته وحماسه للعمل، وجعل أقصى همه شؤونه الخاصة، أما بسبب فشل تجربة الفريق الأول فانعكس سلباً عليه حيث لحق به عاره أو لعجزه عن أداء رسالته أو ليأسه من الإصلاح والتغيير فحصل عنده شعور بالإحباط فكان رد فعله التخلي عن العمل الاجتماعي، وهذا الخط واضح في عدد كبير من طلبة وفضلاء الحوزة العلمية في النجف الأشرف وغيرها، فهاهي النجف رغم احتضانها لآلاف طلبة العلم لكن أهلها - فضلاً عن المدن الأخرى- المبتلون بالجهل والغفلة وقسوة القلب لا يجدون من يمد إليهم يد الإرشاد والتوجيه والهداية ويعالج الانحراف والجهل بأحكام الدين وآدابه.

ولا شك أن كلا الخطين قد ابتعد عن الصراط المستقيم الذي تسير عليه الأمة الوسط [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً] (البقرة:143) ولا يستحق أي منهما أن يكون شاهداً على الناس بمقتضى هذه الآية الشريفة لنقصانه.

أما الأول فابتعاده عن الشريعة واضح بل إنه في الحقيقة يتورط في كثير من الكبائر والموبقات المهلكة وأولها التقصير في شؤون من ولي أمورهم فإن من تولى رئاسة قوم والمسؤولية عنهم - ولو كانوا عدد الأصابع- فإنه مسؤول عن

ص: 413

كل صغيرة وكبيرة من شؤونهم لذا فإن موقفه سيطول بين يدي الله تبارك وتعالى.كنت أقرأ في سورة القصص حتى وصلت في نهايتها إلى ذكر قارون الذي آتاه الله تبارك وتعالى [مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ] وكان وضعه مغرياً لكثيرين أن يكونوا في موقعه [فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ] لكن المؤمنون لم ينخدعوا بهذه الزينة الزائفة [وَقَالَ الذِينَ أوتُوا العِلمَ وَيلَكُم ثَوَابُ اللهِ خَيرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إلا الصَابِرُونَ] فماذا كانت نتيجة غروره بالدنيا [فَخَسَفنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ] وهنا صحا المخدوعون به واللاهثون وراءه من غفلتهم [وَأصبَحَ الذِينَ تَمَنَّوا مَكَانَهُ بِالأَمسِ يَقُولُونَ وَيكَأَنَّ الله يَبسُطُ الرِزقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ وَيَقدِرُ لَولا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَينَا لَخَسَفَ بِنَا وَيكَأنَّهُ لا يُفلِحُ الكَافِرُونَ] (القصص: 79 -82).

فليست الدنيا حتى مثل دنيا قارون وهارون تستحق أن يتخلى الإنسان عن هدفه من اجلها وسيكتشف من يتمنى أن يكون بدل فلان وفلان في مواقع السلطة أن الله تبارك وتعالى أراد به خيراً حين حماه من الوقوع في شراكها.

وأما الخط الثاني فانه قد تخلى عن هموم أمته وقد ورد في الحديث (من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم) وتخلى عن مسؤوليته في إعلاء كلمة الله تعالى ونشر تعاليم دينه لأن لديه العلم والمعرفة ومن تحمل العلم كانت عليه مسؤولية تبليغه وإيصاله إلى الآخرين، خصوصاً مع توفر الفرصة

ص: 414

اليوم بأوسع أبوابها للعمل الإسلامي المبارك، وإذا فشل شخص أو جهة ممن يحمل لافتة إسلامية في عمله فهذا لا يعني التراجع والنكوص مهما كانت العوائق والأشواك كما نقرأ في زيارة أبي الفضل العباس (ع) (أشهد انك لم تهن ولم تنكل) وهذه هي الأمة الوسط التي أرادنا الله تبارك وتعالى أن نكون منها ولا يخلو أي زمان من هذه الأمة مهما غلت التضحيات وعظمت العقبات والضغوط والتشكيكات والإحباطات [مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً] (الأحزاب:23).ورد في كتاب الأمالي للشيخ الصدوق (قدس الله نفسه) عن الإمام الصادق (علیه السلام) لما سُئل عن تفسير قوله تعالى [قُلْ فَللهِ الحُجّةُ البَالِغَةُ فَلَو شَاءَ لَهَدَاكُم أجمَعِينَ] (الأنعام:149) أنه (علیه السلام) قال: (إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: عبدي أكنت عالماً، فإن قال: نعم، قال له: أفلا عملتَ بما علمت؟ وان قال: كنت جاهلاً، قال له: أفلا تعلمت حتى تعمل؟ فيخصمه، فتلك الحجة البالغة).

ص: 415

خطاب المرحلة 203 : الحل الجذري لأزمة قانون الانتخابات وغيرها بإصلاح مجمل العملية السياسية

بسم الله الرحمن الرحيم

زار السيد ستيفان دي مستورا ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق المرجع الديني سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) في مكتبه بالنجف الأشرف(1) حيث طلب السيد دي مستورا الاستئناس برأي المرجعية فيما يخص موضوع انتخابات مجالس المحافظات، وقال سماحة الشيخ (دام ظله): إنني لا أؤمن بالحلول الجزئية لهذه المشكلة أو تلك لأنها تبقى ترقيعات مؤقتة لا تلبث أن تنفجر مشاكل غيرها وإنما نريد حلا جذريا لمجمل الوضع الخانق والمزري الذي تمر به البلاد.

إن الخلاف الذي شهده البرلمان حول قانون انتخابات مجالس المحافظات يبين عمق الشرخ بين الكتل الحاكمة المستبدة بالسلطة وبين الكتل المقصاة إلى حد التصفية وان هذه الأزمة ليست هي المشكلة الوحيدة التي تعاني منها العملية السياسية بل الملاحظ وجود عدة مشاكل تطفو على السطح بين فترة وأخرى وهذا يدفعنا إلى التفكير في إيجاد حل جذري لمجمل هذه المشاكل والحل كما نراه هو بتطبيق الشعار المرفوع والذي نسمع به ولا نلمس له أثراً وهو

ص: 416


1- تاريخ الزيارة السبت 5 رمضان 1429ه- الموافق 6/ 9/ 2008.

(المصالحة الوطنية) أي أن تجلس الكتل السياسية جلسة مصارحة وشفافية وتتناقش فيما بينها لحل هذه المشاكل التي لن تنتهي من دون ذلك، والشاهد على عمق هذا الشرخ وانه هو السبب الحقيقي لهذه الأزمات أن بعض الكتل التي صوتت على المادة (24)(1) ليس لها قرار أو موقف من هذه المادة بالذات أو من الفريق العارض لها وإنما الذي دفعهم إلى ذلك هو شعورهم بالإقصاء ووجودهم في غير خندق الحكومة، فتجد هذه الكتل انه من الطبيعي أن لا تصوت على مشاريع الحكومة التي لا تنظر فيها الأحزاب الحاكمة إلا إلى مصالحها.وهذه من وجهة نظري مظاهر وتداعيات للمشكلة التي أشرنا إليها.

وفي معرض إجابته على سؤال توجه بها السفير دي مستورا عن توقعات سماحة الشيخ اليعقوبي للفصل التشريعي القادم لمجلس النواب والاحتمالات الواردة، قال سماحته (دام ظله): إن المبادرة بيد الأحزاب الحاكمة التي عليها أن تجلس مع الكتل المعارضة وتتفاهم معها فإن عدد النواب الذين لم يصوتوا على مشاريع الحكومة بدأ بالتزايد إلى أن شكلوا أغلبية(2) في يوم 22 تموز، ولا بد أن تتفهم وجهات نظرهم والاستماع لهم فإن العملية السياسية الناجحة تُبنى على الشراكة , ومع شديد الأسف إن الواقع لا يشير إلى وجود هذه التوجهات لدى أحزاب السلطة، وقد أسلفنا في لقاء سابق معكم أن العملية السياسية برمتها تحتاج إلى عاملين، عامل مساعد وهو وجود الأمم المتحدة ووساطتها الايجابية في حل المشاكل وتقريب وجهات النظر وعامل ضاغط وهو التغيير المستمر في

ص: 417


1- و (2) راجع الهامش رقم (2) (صفحة 358).

اصطفافات الكتل السياسية لتجبر الخارج عن الإرادة الوطنية على الرجوع إلى الصف الوطني وإلا فإنه يهدد بالتغيير، لكن هذه الطريقة المتبعة لدى كل الديمقراطيات المتحضرة في العالم لإجبار الحاكم على العودة إلى المسار الصحيح غير موجودة بسبب الإرادة الأمريكية التي ترى من مصلحتها أن يبقى الوضع السياسي كما هو عليه (ربما لحسابات انتخابية أو غيرها) فهي تحول دون تشكيل أي تحالف أو تكتل سياسي يعمل على تغيير الوضع الحالي وإصلاحه.إن هذه المبادرة وكل ما يساعد على إصلاح الوضع يجب أن ينفذ سريعا لكي تتمكن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات من إجرائها هذا العام؛ لأن التغيير أصبح مطلباً عاما للشعب، وأن الجميع يرغبون أن يشاركوا في العملية السياسية ويأخذوا دورهم الطبيعي وليظهر كل كيان بحجمه، والوقت ضيق وان أي تأخير يخدم مصالح الكتل المهيمنة التي تريد استمرار هيمنتها غير المشروعة وتجعل هذه المشاكل وسيلة للتغطية على مرادها الحقيقي.

وفي نهاية اللقاء طلب السفير دي مستورا نصيحة من سماحة الشيخ، فقال سماحته: أوصيكم بما قلته في لقاءنا السابق وهو التعامل بموضوعية وحيادية والابتعاد عن المجاملات، وان تكون شجاعا باتخاذ القرار التي تعتقد بأنها صحيحة لأن التاريخ سوف يسجل هذه المرحلة المهمة من تاريخ العراق، ونرجوا أن لا يسجل إلا شيئاً ايجابياً عن السيد دي مستورا.

ص: 418

خطاب المرحلة 204 : الخطبة الأولى المعنى الإيجابي لانتظار الإمام (عليه السلام)

اشارة

خطاب المرحلة 204 : الخطبة الأولى المعنى الإيجابي لانتظار الإمام (عليه السلام)(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده، والحمد حقه كما يستحقه حمداً كثيراً، وأعوذ به من شر نفسي إن النفس لأمّارة بالسوء إلا ما رحم ربي.

والصلاة والسلام على أشرف خلق الله تبارك وتعالى وأحبِّهم إليه وأكرمهم عليه أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين.

قال الله تبارك وتعالى: [وَتَزَوَّدُوا فإن خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ] (البقرة:197) وقد كان شهر رمضان محطة مباركة للتزود بخير الزاد ليوم المعاد وهي التقوى، بل أن تحصيل التقوى هي الحكمة من تشريع الصوم؛ قال تبارك وتعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] (البقرة:183) نسأل الله تبارك وتعالى أن يكون ما أمدّنا به من الزاد كافياً لاستقامتنا على الحق في مستقبل أيامنا.

وردت أحاديث كثيرة(2) في فضل انتظار الفرج منها ما روي عن النبي

ص: 419


1- خطبتا صلاة عيد الفطر السعيد عام 1429 المصادف 1/ 10/ 2008. وقد دأب سماحته على إقامتها في داره حيث يحتشد المئات وتمتد صفوفهم إلى الشارع والساحة المتصلة به.
2- جُمعت من مصادرها في كتاب المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، الفصل 15، صفحة 413 وما بعدها.

(صلی الله علیه و آله): (أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج) وروي عنه (صلی الله علیه و آله): (أفضل العبادة انتظار الفرج) وعن أمير المؤمنين (علیه السلام): (انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله فإن أحب الأعمال إلى الله عز وجل انتظار الفرج ما دام عليه العبد المؤمن، والمنتظر لأمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل الله).وقد فهم الكثيرون من هذه الأحاديث معنىً سلبياً هو الانكماش والعزلة وعدم التحرك لإزالة الظلم والانحراف وتذرّعوا لذلك بفهم غير ناضج لبعض المفاهيم كالتقية ولبعض الأحاديث الشريفة كروايات (كل راية قبل ظهور القائم فهي راية ضلالة)، فعطّلوا فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مما أوجب اتهام الشيعة بالخنوع والاستسلام والركون للظلم والذل، مع أن واقع مدرسة أهل البيت (علیهم السلام) على عكس ذلك تماماً فهي التي تتصف بالحركية والنطق بالحق والتفاعل مع قضايا الأمة ابتداءً من زمن المعصومين (علیهم السلام) حتى عصرنا الحاضر ولم تتخلف عن ذلك إلا فترات بسيطة لسبب أو لآخر. بينما كان الآخرون منساقين وراء رغبات الحكّام سائرين في ركابهم حتى بدأ عندهم الوعي الإسلامي منذ أقل من قرنين من الزمان وسمّوه بالصحوة الإسلامية، ولا يخلو التعبير بالصحوة من إشارة إلى حالة سابقة من الخمول والركود.

إن الانتظار حالة إيجابية وهو يستبطن عملياً معنى الاستعداد ولو لم يكن كذلك لما حظي بالمنزلة الرفيعة في الأحاديث المتقدمة. ولنأخذ أمثلة من حياتنا على هذا المعنى.

فحينما نقول أننا ننتظر الامتحانات العامة فإن هذا يعني أن يكون الطلبة في

ص: 420

ذروة الاستعداد لها فيجدّون ويجتهدون ويوفّر لهم ذووهم كل الظروف التي تساعدهم على تحقيق أفضل النتائج، وتنهمك إدارات المدارس في إعداد القاعات والأسئلة والمشرفين وغيرها، وهكذا تجد كل من له علاقة بالموضوع منهمكاً في أداء عمله وما تقتضيه وظيفته.وحينما تنتظر دولة إقامة فعالية ضخمة كدورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت قبل أسابيع في الصين فتجد الدولة كلها مستنفرة في الاستعداد لإقامتها بأحسن حال وتنفق الحكومة المليارات في بناء الملاعب والفنادق وتهيئة المدن وغيرها، وهذا كله مع أن كثيراً من هذه الألعاب عبارة عن سراب يحسبه الظمآن ماءً أو أوهام صنعها الإنسان ليخدع بها نفسه وتتضمن كثيراً من المعاصي زيّنها لهم الشيطان: [وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ..] (الأنفال:48) [وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ] (إبراهيم:22).

أقول: إذا كانت الأوهام الباطلة تستحق كل هذا الاستعداد وتحشيد الطاقات وإنفاق الأموال الطائلة، فماذا يعني انتظار اليوم الموعود وأمل الإنسانية الذي لا يعني فقط انتظار إمام عظيم هو بقية الله في أرضه وحجته على عباده – وهذا بحد ذاته يتطلب استعدادات ضخمة-، بل يعني إضافة إلى ذلك انتظار مشروع عظيم مبارك يتوّج جهود الأنبياء والرسل والأئمة والصالحين ويحقق الوعد

ص: 421

الإلهي بإقامة دولة الحق والعدل ومحق الفساد والانحراف والظلم.لا شك أن استقبال قائد عظيم كالإمام (أرواحنا له الفداء) ومشروع خالد كدولته المباركة يستحق منا شيعته التوّاقين لرؤية طلعته المباركة ونصرته والكون في طليعة جنده أن نستعد بحسب ما تقتضيه وظيفتنا وموقعنا.

فالحوزة العلمية والفضلاء والمبلغون ينتشرون في كل ناحية لنشر تعاليم الدين والأخلاق الفاضلة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. يساعدهم في ذلك الشباب الواعي الرسالي مستفيدين من وسائل الاتصال المتقدمة وشبكات الإنترنت لإيصال صوت أهل البيت (علیهم السلام) إلى كل مكان في العالم.

والمتصدّون للحكم يبذلون قصارى جهودهم في بناء دولة المؤسسات المزدهرة المتحضرة التي تسودها العدالة والإنصاف والرحمة وبذل الوسع في خدمة الناس وإسعادهم.

والطلبة يجدّون ويجتهدون لبناء مجتمع يمتلك الطاقات المبدعة القادرة على الإعمار والبناء في كل نواحي الحياة ويُغَطّون مختلف الاحتياجات.

والأغنياء والمتمولون ورجال الأعمال يكثّفون جهودهم في الاستثمار لإعمار الحياة وتهيئة أسباب السعادة للناس وخلق فرص العمل وتفجير الطاقات وتشغيل العاطلين ويساهمون في دعم هذه الحركة المباركة، وهكذا.

الأغلال الفكرية:

إن الفهم الخاطئ لفكرة الانتظار والتقية والعزلة وغيرها تُعدُّ من الأغلال الفكرية التي تقيّد حركة الإسلام المباركة مضافاً إلى القصور والتقصير

ص: 422

الذاتيين، وما لم نحطّم الأغلال ونكسر القيود فإننا لا نستطيع أن نتحرك، وما بِعثة الأنبياء والرسل (صلوات الله عيهم أجمعين) إلا لكسر هذه القيود وتحرير الإنسان من الأغلال الفكرية والنفسية والاجتماعية التي تعيق حركته(1)، قال تعالى: [الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ] (الأعراف: 157).تصور لو أن إنساناً مكبلاً بالحديد في يديه ورجليه وهو في سجن محكم وأننا نطلب منه النهوض والحركة والتخلص من سجنه والإفلات من سجّانه، أترى يستطيع ذلك من دون أن يكسر هذه القيود ويفكّ هذه الأغلاق ولو بمساعدة الآخرين؟ والتأريخ يروي لنا عن أشخاص -كأحد زعماء مشركي قريش- طُلب منه - حين الاحتضار- أن يقول كلمتين ما أيسرهما (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) فلم يقدر وقال: إنهما أثقل من الجبال على صدري. لأنه مكبّل بالموروثات الاجتماعية التي تمنعه من مخالفة طريقة الآباء.

هكذا الإنسان لا يستطيع أن يرتقي سلم الكمال ويستجيب لدعوة الله تبارك وتعالى ورسوله إلا عندما يتحرر من هذه الأغلال قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ

ص: 423


1- صدر تحت إشراف سماحة الشيخ إبان الحكم الصدامي المقبور كتاب ضمن سلسة (نحو مجتمع نظيف) عنوانه (كونوا أحراراً) يتضمن دراسة تحليلية لهذه الأغلال وكيفية التخلص منها.

الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ] (الأنفال: 24).فما هي هذه الحياة التي يدعونا الله تبارك وتعالى إليها؟ وما هي صفتها؟ قال تعالى: [مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ] (النحل:97).

أيها الأحبة:

إذن أساس الحياة الطيبة والانتظار والاستعداد لليوم الموعود الذي يؤسس هذه الحياة الطيبة ركنان: الإيمان المبني على العلم والمعرفة، والعمل الصالح المبني على التقوى؛ ففي الكافي عن أبي بصير قال: (قلت لأبي عبد الله (علیه السلام): جُعلت فداك متى الفرج؟ فقال: يا أبا بصير وأنت ممن يريد الدنيا؟ من عرف هذا الأمر فقد فُرِّج عنه لانتظاره).

ولا يخفى ما في جواب الإمام (علیه السلام) من توبيخ لمن ينتظر الفرج طلباً للدنيا مثلاً لكي يكون الحكم لأتباع أهل البيت (سلام الله عليهم) فتكون له حصة من (الكعكة) كما يقولون فيكون الوصول إلى الحكم غاية وهدفاً وليس وسيلة لإحقاق الحق وإقامة العدل فيقع أمثال هؤلاء في الظلم والانحراف ولا يحققون الهدف المنشود، وهذا أحد وجوه معنى الرواية الشريفة (كل راية قبل المهدي فهي راية ضلالة) لأنها تتحرك لتغيير الظالم وأخذ موقعه والتمتع بالجاه والسلطة والثروة وليس لتغيير الظلم وخدمة الناس وإصلاح أحوالهم وتأسيس الدولة الكريمة التي تضمن الحياة السعيدة لكل إنسان.

لقد قلنا في خطاب سابق أن الفرج والظهور يبدآن بالإشراق من داخل النفس كلما ازدادت تهذيباً وكمالاً ومن دون انبلاج فجر حقيقة الإيمان في القلب وطهارة النفس فإن الشخص سوف لا يتنعم بالظهور الميمون وقيام الدولة المباركة والعياذ بالله.

ص: 424

خطاب المرحلة 205 : الخطبة الثانية ظاهرة الإفطار العلني: الأسباب والعلاج

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

شهد شهر رمضان الذي فارقناه أمس ظاهرة تستحق الدراسة والتأمل، وهي كثرة المفطرين والتجاهر بالإفطار من دون رادع أو عقوبة في حالة غير مسبوقة حتى في أيام الطاغية المقبور صدام على ما قيل.

ونحن حينما نقول هذا لا نتوقع أن يكون جميع الناس ملتزمين بالدين في حياتهم [أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً] (الرعد: 31) [قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ] (الأنعام:149) [وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ] (النحل:9).

ولا نقصد الناس الذين كانوا يلتزمون بالدين تحت ضغط الجماعات الدينية وخوفاً من بطشها، لأن التزاماً مثل هذا لا يتوقع له الدوام والاستمرار.

ولا نقصد الناس المعذورين الذين لم يتمكنوا من الصيام لأسباب صحية وغيرها.

وإنما نتحدث عن أسباب هذا التراجع في الالتزام الديني. الذي يعتبر تمرداً على الحكم الشرعي وعصياناً له.

ص: 425

فبعضهم يراه ردّة فعل على العنف والبطش الذي مارسته الجماعات المسلحة باسم الإسلام، والإسلام بريء منهم فلما ضعفت شوكتها(1) أظهر البعض رفضهم لها بترك الالتزام بالدين كما ينقل عن بعض القوات الأمنية أنها تجعل علامات انتصارها رفع مكبرات الصوت بالأغاني أثناء تجولها في الشوارع، وهم واهمون بذلك ويضرون أنفسهم ويحوّلون نعمة الله كفراً به [أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ] (إبراهيم:28) إذ أن رفض الجماعات المتلبسة بالدين لا يعني رفض الدين نفسه فإن الدين كله خير ولا ذنب له إذا أساء المتلبسون به.وبعضهم يرجع سبب الظاهرة إلى فشل الأحزاب الحاكمة والتي تصف نفسها بالإسلامية لكن سوء استخدامها للسلطة والجفاء الذي تعاملت به مع الشعب أوجب نفور بعض الناس من الواجهات التي تدعي الإسلام وسرى هذا النفور عند البعض إلى المرجعية الدينية وتحول داخل نفوسهم إلى سلوك معاكس بإظهار التمرد على الأحكام الشرعية كتعبير عن التمرد على تلك الواجهات، وهذا الفريق يضر نفسه قبل أن يضر الآخرين لأن تلك الجهات إذا تسلقت باسم الدين لتحقيق مغانم شخصية كما وصفهم الإمام الحسين (علیه السلام): (الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قلّ الديّانون) فهذا لا يكون مبرراً لمخالفة الدين والخروج عن

ص: 426


1- إشارة إلى تخلّص الناس من مليشيات القتل والخطف والابتزاز وسرقة الأموال العامة التي زالت سطوتها عن الشارع العام بعد عمليات (صولة الفرسان) وكانت تحمل شعارات الإسلام والتشيّع.

تعاليمه وهو الطريق إلى سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، ولا يجد الخير في مخالفته [وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فإن لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى] (طه:124-126) [وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ، وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ] (الزخرف:36-37).وقد وصف أمير المؤمنين أمثال هؤلاء بأنهم (كالطاعن نفسه ليقتل رِدفه) وهو يطعن نفسه ويسبب لها الهلاك ليصل إلى ردفه الذي يريد قتله ولعله لا يحقق ذلك. والمعالجة الصحيحة لهذه المشكلة بعدم انتخاب مرشحي تلك الجهات الظالمة وعدم تمكينهم مرة أخرى من التسلط على رقاب وثروات الشعب.

وأفطر البعض معتذرين بعدم وجود ما يعينهم على القيام بهذه الطاعة الكريمة فالصائم يحتاج إلى تغذية وإلى ظروف مريحة وهو ما افتقدوه حيث لا يجدون التيار الكهربائي ليستريحوا قليلاً ولا الماء ليغتسلوا ويتبرّدوا ولا فرصة العمل ليوفّروا الغذاء المناسب فأصبح الصوم شاقاً بالنسبة لهم خصوصاً في أوائل الشهر حيث كان الحرّ شديداً جداً. وهذا السبب مرتبط بضعف الأداء الحكومي والفساد المستشري وذكرنا رد الفعل الصحيح.

ص: 427

الخطاب الديني وتأثير الإعلام المعاصر:

الخطاب الديني وتأثير الإعلام المعاصر:(1)

ويضاف إلى هذه الأسباب جميعاً عدم ارتقاء مستوى التبليغ والتوعية بأمور الدين إلى ما يناسب التحديات المتصاعدة والقوية والمنوعة لا من حيث الخطاب ولا من حيث الآليات ولا من حيث القدرات الذاتية والمؤسساتية.

وهذا الكلام ليس موجّهاً إلى الحوزة العلمية فقط بل إلى كل المؤمنين خصوصاً الشباب الرساليين، لأن وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شاملة للجميع، ولقد كان الخطاب الديني –بغض النظر عن مستواه- هو المصدر الأساسي لثقافة الناس والمؤثر في توجيههم بلا منافسة تذكر من أحد وكانت المساجد والمنابر والكتب والاستفتاءات هي القنوات التي يستقي منها الناس معارفهم وهي كلها منافذ تطل منها الحوزة العلمية على الأمة، لذا لم تكن صناعة الرأي العام تحتاج إلا إلى سطر واحد بل نصف سطر لخلق موقف موحد تجاه قضية معينة كتحريم السيد الشيرازي لاستعمال التبغ في نهاية القرن التاسع عشر أو فتوى الشيخ الشيرازي بوجوب الجهاد ضد الاحتلال الإنكليزي في ثورة العشرين أو فتوى المرجعية بوجوب المشاركة في الانتخابات عام 2005 لبناء عملية سياسية صحيحة في العراق.

أما اليوم فقد تنوعت مصادر الثقافة المؤثرة على صناعة الرأي فأصبحت الفضائيات وشبكة الإنترنت والمجلات ونحوها من وسائل الإعلام تنافس الخطاب الديني وتزاحمه وتحاول القضم من مساحة تأثيره. مما يوجب على

ص: 428


1- ورد هذا المقطع قبل ذلك في حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع العاملين في إذاعة سبل السلام التي تبث برامجها من مدينة الناصرية يوم 2 شعبان 1429 المصادف 4/ 8/ 2008.

الحوزة العلمية وجميع أبناء الحركة الإسلامية أن يحدّثوا في خطابهم وآليات عملهم ليحافظوا على قوة تأثيرهم لهداية الناس وإرشادهم إلى ما يصلحهم في دنياهم وآخرتهم [إِنْ أُرِيدُ إِلا الإصلاح مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا باللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ] (هود: 88).

تحديث آليات العمل الإسلامي:

وأذكر مثالين لتنويع الآليات للإشادة بهما:

1- المسرح الجوّال: حيث قام نخبة من العاملين بإنشاء مسرح ينقلونه من مكان لآخر يعرضون من خلاله مسرحيات تصوّر السيرة العطرة لأهل البيت (سلام الله عليهم أجمعين) وأخرى تجسد الأخلاق الفاضلة أو تحذّر من حالة سيئة وتبيّن آثارها الخطيرة بأساليب قصصية جذّابة مما يؤثر في تلقي وقبول المشاهدين أكثر من التأثّر بسماعها في المحاضرات، وتنشر الأعمال الناجحة منها على الجمهور من خلال الأقراص، وقد بلغني الرواج الذي لاقاه قرص [رَبّ ارجِعُونِ].

2- قدّم أحد الفضلاء في مدينة العمارة مقترحاً بتنظيم درس فقهي لرؤساء العشائر يشرح فيها المسائل الابتلائية التي يتعرضون لها من خلال إدارتهم لشؤون عشائرهم كالفصل والنهوة وغيرها، وشجّعته على المشروع، وأن تعقد الدروس في مضايف رؤساء العشائر أنفسهم تكريماً لهم وإعزازاً لشأنهم بشكل دوري وتُعرض فتاوى جميع العلماء الذين يرجع إليهم هؤلاء الرؤساء بالتقليد فلاقت الفكرة استحساناً وتأييداً لدى أكثرهم واستمرت الدروس طيلة شهر

ص: 429

رمضان المبارك بهمّة ورغبة مما شجّع غيرهم على الانضمام إليها وطالبوا بمواصلة هذه الدروس لما وجدوا فيها من النفع والعزة والكرامة.وأنا أحيي من هذا المنبر كل الذين ساهموا في إنجاح هذه المشاريع المباركة، وغيرها مما لم أذكر وهي لا تقل إبداعاً وهمّة عن هذين المشروعين.

أيها الأحبة:

روى أبو الصلت الهروي عن الإمام الرضا (علیه السلام) أنه قال: (رحم الله عبداً أحيى أمرنا، قلت: كيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلم علومنا، ويعلمها الناس، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا)(1). فما علينا إلا أن نحسن كيفية إيصال صوت الحق والهداية والصلاح إلى الناس، ونشعرهم بالحاجة إلينا، فما داموا مستغنين عنّا ولا يحتاجوننا فإنهم يعرضون عنّا ولا يلتفتون إلينا، ومتى يحتاجون إلينا؟ عندما يجدون عندنا ما لا يجدونه عند غيرنا، يقول أمير المؤمنين (علیه السلام): (أحسِنْ إلى من شئت تكن أميره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره) وهما معنيان متقابلان فالحاجة إليك هي أن يجد عندك القدرة على الإحسان إليه عندئذٍ ستصلح أن تكون إماماً وأميراً له. فعلى المبلّغ الرسالي أن يوفّر للناس ما يحتاجونه ولا يجدونه عند غيره من العلم والمعرفة وفضائل الأخلاق والسير على نهج أهل البيت (سلام الله عليهم)، لاحظ مثلاً أن خطيباً يرتقي المنبر ويدخل في مهاترات سياسية وتصفية حسابات شخصية أو حزبية مع آخرين، وآخر يتحدث في الموعظة ونشر أحكام الدين ويجعل بعض الأحداث السياسية شواهد وموارد لأخذ العظة والعبرة، فإن الناس لا تتفاعل مع الأول لأن

ص: 430


1- وسائل الشيعة: كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، باب 8، ح52.

هذا الكلام تجده مبذولاً ومملولاً لكثرة السياسيين الذين يتعاطونه، أما الثاني فيصغون إليه لأنهم يحصلون منه على شيء لا يجدونه عند غيره وهو الفقه والموعظة والأخلاق والعقائد ونحوها.

وصايا لإنجاح العمل الرسالي:

وصايا لإنجاح العمل الرسالي:(1)

ولكي تنجح في عملك الرسالي فإليك جملة وصاياً مضافاً إلى ما سبق:

حبب نفسك إلى الناس بالكلمة الطيبة والمواقف النبيلة وشاركهم في أفراحهم وأحزانهم واهتم بما يهتمون به لا فرق بين صغير أو كبير، غني أو فقير، وجيه معرّف أم مجهول من عامة الناس، واسعَ في قضاء حوائجهم بمقدار ما تستطيع، وإن لم تستطع فتعاطف معه وتفاعل مع قضيته.

وتنزّه عما في أيدي الناس واستغنِ عنهم ولا تنتظر منهم جزاءً ولا شكوراً.

وترفّع عن التحزب والتعنصر لجهة سياسية أو دينية أو عشائرية أو اجتماعية.

وادعُ إلى الحق والعدل، واجعل هدفك رضا الله تبارك وتعالى.

والاهتداء بسنة الرسول الأكرم (صلی الله علیه و آله) وآله الأطهار (ع).

ص: 431


1- ورد هذا المقطع قبل ذلك في حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع عدد من فضلاء مدينة النجف الأشرف يوم 30 شعبان 1429.

خطاب المرحلة 206 :الاتفاقية الأمنية :حولت الانسحاب المحتوم إلى نصرٍ استراتيجي

بسم الله الرحمن الرحیم

[وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ، مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ] (الصافات24-25)

الاتفاقية الأمنية :حولت الانسحاب المحتوم إلى نصرٍ استراتيجي(1)

نعبّر عن خيبة أملنا لإصرار عدد من الكتل البرلمانية على المضيّ قدماً حتى التوقيع على المعاهدة الإستراتيجية والاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية دون الأخذ بنظر الاعتبار وجهات النظر الوطنية المخلصة التي قُدّمت لهم، ولم تلتزم بكل الشروط التي وضعتها المرجعية الدينية في النجف الأشرف للتوقيع عليها وهي:

أولاً: عدم الإخلال بالسيادة العراقية والتفريط بمصالح أجياله. فقد تضمنت الاتفاقية انتهاكات خطيرة للسيادة من حيث إقامة القواعد وحصانة الجنود الأجانب وعدم ولاية القضاء العراقي على الجرائم التي ترتكب على أرضه وضد شعبه، وعدم تفتيش الخارج والداخل إلى القوات الأجنبية والسيطرة على الأجواء العراقية، والإذن بالقيام بما يلزمه الدفاع عن النفس وهو عنوان مطاط

ص: 432


1- صدر هذا البيان تعليقاً على مصادقة البرلمان على الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة يوم الخميس 28 ذ ق 1429ه- المصادف 27/ 11/ 2008 وكانت كتلة (الفضيلة) من الرافضين للمصادقة على الاتفاقية رغم الترغيب والترهيب الذي مارسه السفير الأمريكي والمسؤولون الذين كانوا يزورون البلد.

يمكن أن يبرر الكثير من الجرائم. بل قد يدخلنا في مشاكل مع دول الجوار بضرب عمقها تحت هذا العنوان.ثانياً: تحقق الإجماع الوطني، وهو ما لم يتحقق في جلسة التصويت إذ لم يوافق إلا أكثر من نصف أعضاء البرلمان بقليل وهي أغلبية لا تحقق توافقاً وطنياً في مثل هذه القضايا المصيرية التي ترهن مستقبل الأجيال، وأود هنا تصحيح معنى الإجماع الوطني، فانه لا يكفي في تحقيقه توافق عدد من الكتل الكبيرة التي تنتسب إلى مكونات الشعب العراقي الرئيسية، بل لا بد لتحقق معنى الإجماع الوطني أن يكون هذا التوافق مستندا إلى المصالح الوطنية العليا وليس إلى الصفقات المتبادلة والمصالح الحزبية والفئوية. وقد اتضح للقاصي والداني أن التوافق بُني على مثل هذه الصفقات قبل التصويت.

ثالثاً: الشفافية، وقد كانت غائبة عن مجريات المفاوضات حيث لم يعلم أعضاء البرلمان فضلاً عن الشعب بنص الاتفاقية إلا قبل التصويت بأيام وأُعلموا بأن النص نهائي ولا يمكن التغيير فيه، ولقد أخفيت النسخة الانكليزية التي قال عنها خبراء أمريكيون إن فقراتها تفرّغ الأجزاء المهمة من الاتفاقية من محتواها وأظهروها مباشرة بعد مصادقة البرلمان وقالوا في سبب الإخفاء (لأنها تعقّد حوار الكتل السياسية).

رابعاً: تهيئة الظروف الموضوعية والمناخات السياسية الملائمة للدخول في مثل هذه المفاوضات المعقدة مع دولة كبرى مثل الولايات المتحدة، بأن تتوفر عملية سياسية رصينة مستندة إلى قاعدة شعبية واسعة ليكون المفاوض العراقي في وضع قوي يمكنه من تضمين الاتفاقية كل ما ينسجم مع مصالحه، لكن

ص: 433

الذي حصل أن الأيام التي سبقت التصويت على الاتفاقية شهدت تشظياً وتشتتاً بين أطراف العملية السياسية بلغ الذروة، ووصلت الاتهامات المتبادلة بين الأحزاب الحاكمة إلى حد الجرائم الكبرى كاتخاذ مكاتب الأحزاب مقرات للقتل والتعذيب وانتهاك الدستور ومقاتلة قوات الحكومة وتشكيل الميلشيات والدكتاتورية وصرف المال العام للدعاية الانتخابية ووصلت إلى التهديد بالانقلاب وانقسمت المؤسسات الدستورية على نفسها حيث وصل التخندق إلى ما بين مجلس رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة.وقد استغل الطرف الآخر هذه الانقسامات ليرمي إليهم النسخة التي يريد ويغلق باب التعديل ويطلب منهم المصادقة وإلا فالتهديد بالويل والثبور.

لقد أصرّ البعض على توقيع الاتفاقية لا لقناعة بها وإنما لحرصه على التمسك بالمغانم التي حصل عليها ولم يستطيعوا إقناع المواطن بايجابيات فيها إلا قضية جدولة الانسحاب، وهو كما يعلم الجميع مطلب أمريكي قبل أن يكون عراقياً للضغط الداخلي الذي يواجهونه بسبب الصعوبات والخسائر التي أصابتهم ولحاجتهم لنقل القوات المقاتلة إلى منطقة أخرى , وبذلك فقد حولت الاتفاقية انسحاب المهزوم والمضغوط عليه إلى نصر استراتيجي.وقد منحتهم الاتفاقية مدة (36) شهراً وهي أطول مما وعد به الرئيس الأمريكي الجديد(1)، مضافاً إلى عدم كون هذه المدة ملزمة لهم لان قادتهم السياسيين والعسكريين صرحوا بأن الانسحاب مرهون بالوضع على الأرض.

ص: 434


1- وعد الرئيس الأمريكي أوباما شعبه في حملته الانتخابية لعام 2008 التي فاز بها أنه سيسحب قوات بلاده من العراق في غضون (16) شهراً.

ومع ذلك فقد حاول هذا البعض تسويقها بخلط الأوراق وإخفاء الحقائق وأجروا تعديلات لذر الرماد في العيون كتبديل اسمها من (الاتفاقية الأمنية) إلى (اتفاقية الانسحاب) وهو ليس انسحاباً بل إعادة انتشار وتحوّل من الاحتلال العسكري الظاهر إلى الهيمنة على مقدّرات الأمور، وإن الانسحاب لا يحتاج إلى اتفاقية بل يحصل تلقائياً بمجرد انتهاء التفويض الأممي نهاية هذا العام(1) وحينئذٍ يفترض حصول الانسحاب فيه بلا قيد ولا شرط سوى ما تتطلبه العملية لوجستياً ويمكن حينئذ أي بعد الانسحاب قيام حكومة وطنية حرة بتوقيع أي اتفاقية تراعي مصالح الدولتين. ومما حاولوه ضمن عملية التسويق حصر الكتل السياسية بين خيارين: أما توقيع الاتفاقية أو تمديد الاحتلال ولا أحد شريف حر يرضى بوجود الاحتلال فيكون ملزماً بالخيار الأول.

لكن هذا الانحصار شيء فعلوه هم بتضييق الوقت وتضييعه وقد أفهمناهم بوجود خيار ثالث وهو تصحيح العملية السياسية وتحقيق شراكة حقيقية لتقف الكتل السياسية صفاً واحداً ومن خلفهم المرجعية الدينية والشعب كافة أمام الطرف الآخر - أي الأمريكان- وتقول بلسان واحد هذه مطالبنا وهذه شروطنا وسوف لا يجد الطرف الآخر بُداً من الإذعان. لكنهم لم يصغوا لهذه النصائح ومضوا منفردين فاستضعفهم الآخر.

ثم هددوا بان البرلمان إذا لم يوافق فأنهم سوف لا يطلبون تمديد وجود القوات الأمريكية وسيتوجه العراق نحو المجهول وهو خيار خطير وهذا الكلام

ص: 435


1- لذلك كانت الولايات المتحدة تضغط لانجاز المصادقة عليها قبل نهاية العام.

منهم فيه تضليل كبير لأن القوات الأمريكية تحتاج لوجستياً إلى ما لا يقل عن (16) شهراً لكي تنسحب لو طلب منها الانسحاب فوراً، فقد احتاجت سنة للانسحاب عام1991 مع أنها كانت تحتفظ بأقل مما تمتلكه اليوم على ارض العراق بكثير.على السياسيين أن يتذكروا أنهم لم يتبوؤا هذه المواقع إلا بدعم المرجعية الدينية للانتخابات ومجمل العملية السياسية وان الشعب لم ينتخبهم بأشخاصهم لان القوائم كانت مغلقة وإنما أعطى صوته لقضية ائتمنهم عليها فإذا لم يفوا للمرجعية وللشعب فإنهم يصبحون فاقدين للشرعية، ولينتظروا الانتخابات المقبلة لينتخبهم الشعب بأسمائهم في قوائم مفتوحة.

إن كلمتنا هذه سواء أدّت إلى نتيجة ايجابية أو لم تؤدِ فإنها شهادة ندلي بها أمام الله تبارك وتعالى وأمام شعبنا الكريم وأمام التاريخ. وان الفرصة لم تفت إذ يمكن للكتل السياسية أن تصحح المسيرة وتطالب بصوت واحد بتعديل الاتفاقية بما ينسجم مع المصالح الوطنية العليا.

ص: 436

مختارات من أحاديث سماحة الشيخ التي نُشرت في صحيفة الصادقين ((الأعداد 50 - 75))

اشارة

ص: 437

ص: 438

نشر معاهد القرآن في مختلف المحافظات

استقبل(1) سماحة الشيخ اليعقوبي سماحة السيد عبد السلام زين العابدين (أبي مالك الموسوي) الأستاذ المتخصص في علوم القرآن في الحوزة العلمية في قم المقدسة وتدارس معه أساليب اجتذاب الأمة وخصوصاً الشباب والأطفال من الجنسين لعلوم القرآن الكريم وحفظه وتلاوته.

وأثنى سماحته على النشاطات التي يقوم بها مجمع القرآن الكريم في البصرة ودعا إلى تعميم هذه التجربة إلى كل المحافظات بعد أن يقوم منتسبو المجمع بفعاليات قرآنية في تلك المدن لاستثارة رغبتهم وانشدادهم وحماسهم لفتح هذه المشاريع المباركة، وأرى أن الأرضية مؤهلة لاحتضانها وإنجاحها والرغبة الأكيدة موجودة وعلى المؤمنين الواعين المساهمة الفاعلة في ذلك ليكون لهم القرآن (شافعاً مشفعاً) كما ورد في إحدى أوصافه الشريفة.

معنى عدم تدخل المرجعية في الجزئيات

معنى عدم تدخل المرجعية في الجزئيات(2)

أرسل أحد مراكز الدراسات في خارج العراق دليلاً ستراتيجياً أو خارطة طريق استراتيجية حول الوضع في العراق يتضمن فقرة تتعلق بسماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله الشريف) و مشروعه الإصلاحي ألتغييري و اقّر بأنه (لا بد أن

ص: 439


1- تأريخ اللقاء 3/شوال/1427 المصادف 26/ 10/ 2006ونُشر في العدد (50) من صحيفة الصادقين الصادر في 29/شوال/1427 المصادف 21/ 11/ 2006.
2- نُشر في العدد (51) من صحيفة الصادقين الصادر في 12/ذو القعدة/1427 المصادف 5/ 12/ 2006.

يأتي اليوم الذي نرى فيه تحقق هذه الطموحات والآمال التي طال انتظارها).ووردت في التقرير مؤاخذة على سماحة الشيخ (دام ظله الشريف) بأن (المرجع عادة لا يتدخل في جزئيات وتفاصيل الحياة السياسية مثلما حصل في رسالة كركوك(1) شديدة اللحن والتي أثارت ردود فعل عنيفة وعدوانية).

وكتب سماحته بصدد الإجابة عن هذا الإشكال بأن (جزئيات وتفاصيل الحياة السياسية) إذا أريد بها التفاصيل الإدارية والسياقات القانونية التي توضع لحفظ النظام الاجتماعي العام ورعاية مصالح الناس وتنظيم شؤونها وحقوقها وواجباتها فهذا مما لا تتدخل فيه المرجعية بل تلزم الناس بمراعاته والانضباط به وتطبيقه وتحرّم كل ما يخلّ بالنظام العام ولا تقفز على السياقات المعمول بها.

أما إذا أريد بهذه الجزئيات تفاصيل المظالم التي يتعرض لها الناس وغمط حقوقهم و التجاوز عليهم فإن المرجعية لا تُعذر في إهمالها مهما عدّها البعض بسيطة انطلاقاً من الحديث الشريف (من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم) ولم يختص الحديث بالأمور الجليلة وان أمير المؤمنين (علیه السلام) يهتم وهو بالكوفة باحتمال وجود شخص في الحجاز أو اليمامة لا عهد له بالشبع ولا طمع بالقرص ويصعد (ع) على المنبر متمنياً الموت ويبكي ويقول لو أن المؤمن مات أسفاً لكان عندي به جديراً لأن امرأة غير مسلمة لكنها تعيش في ذمة الدولة الإسلامية وأغار أصحاب معاوية على قومها وسلبوا حليّها الذهبية.

ويسجّل التاريخ العربي بافتخار أن المعتصم العباسي أجاب استغاثة امرأة في عمورية من بلاد الروم قالت (وامعتصماه) فخرج بنفسه على رأس جيش كبير

ص: 440


1- راجع خطاب المرحلة (124) في (صفحة 312) من المجلد السابق.

لتأديب الروم و الانتصار لهذه المرأة المظلومة ولم يقل أحد منهم أن هذه تفاصيل جزئية لا أتدخل فيها.فهل هذه الحوادث أهم مما يعانيه شعبنا بمختلف طوائفه و أعراقه في كركوك و الموصل وغيرها من التسلط الغاشم لبعض القوى التي استغلت انهيار الدولة والفراغ الحاصل في المؤسسات و أمّن لهم جيش الاحتلال غطاءً كافياً ليتلاعبوا بمقدرات الناس وحقوقهم وتاريخهم ويتسلطوا عليهم بغير حق وقد أعطتهم تلك الرسالة التي كانت غضبة لله ولعباده المستضعفين قوة في المطالبة بحقوقهم ورفع أصواتهم ضد الظلم والطغيان.

ولو تحدث السياسيون وتحركوا لرفع الظلامة لاكتفينا بهم ولكن الجميع أسكتهم حبّهم للدنيا وانسياقهم وراء الأطماع والمصالح.

الدعوة إلى تأسيس تجمع للإعلاميين والكتّاب العراقيين في الخارج

الدعوة إلى تأسيس تجمع للإعلاميين والكتّاب العراقيين في الخارج(1)

دعا سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله الشريف) الإعلاميين والمحللين السياسيين والكتّاب العراقيين في الخارج خصوصاً الذين يظهرون على الفضائيات وأصبح لهم متلقّون لآرائهم إلى أن يشكلوا تجمعاً (عابراً للقارات) يضمّهم للتنسيق بينهم وإنضاج الرؤى التي يقدمونها ليساهموا بفعالية في إيصال صوت الشعب العراقي المظلوم وعرض الصورة الحقيقة للقضية العراقية والتمييز الدقيق بين الأعداء والأصدقاء مهما كانت مسمّياتهم.

ص: 441


1- نُشر في العدد (51) من صحيفة الصادقين.

وقال سماحته خلال استقباله الدكتور طالب الرماحي مدير مركز العراق الجديد للإعلام والدراسات في لندن يوم 8/ ذو القعدة إن من مهام هذا التجمع حضور المؤتمرات والندوات وإعداد الدراسات وتشكيل الوفود لزيارة الدول المؤثرة على قرار القوى السياسية الفاعلة على الساحة العراقية وشرح وجهات النظر و إزالة الغموض وشرح المواقف. وأبدى سماحته دعمه المادي والمعنوي لهذا التجمع وحثّهم على المسارعة في إنضاجه لأن الوقت ليس في صالحنا إن ضيعناه كما أعلن دعمه لنشر البحوث والدراسات والوثائق والصور التي عرضت في الندوة التي عقدها المركز المذكور في لندن في أيلول الماضي عن جرائم المقابر الجماعية لتوثيق هذه الحقبة المظلمة من تاريخ البشرية.

8/ذو القعدة/1427 

ص: 442

كيف يتقبل الله حجَّ أعضاء البرلمان ومسؤولي البلاد

كيف يتقبل الله حجَّ أعضاء البرلمان ومسؤولي البلاد(1)

منذ عدة أسابيع والبرلمان يفشل في عقد جلسة لان النصاب لا يكتمل أي أن أكثر من نصف أعضائه غائبون رغم إن البلد يمر بأخطر مرحلة من تأريخه وتفوق حالة الطوارئ التي تتجاوز فيها كثير من البلدان حالة الروتين والسياقات المتعارفة لإدارة الأمور للحاجة إلى السرعة والحزم في اتخاذ القرارات، فمثلا عندما ضرب إعصار كاترينا الولايات المتحدة قبل أشهر وحصلت فوضى وانفلات وغياب للقانون وانتشرت عصابات الجريمة والقتل منحت السلطات صلاحيات للقوات المسحلة للتعامل مباشرة مع الحوادث لتجاوز الازمة قبل استفحالها.

أما نحن في العراق فإن قيادات البلد عجزت حتى عن إتباع الطرق الرتيبة البالية في اتخاذ القرار وأصيبت بالشلل التام رغم إن البلد والشعب في بؤس وشقاء ويتركه قادته المزعومون ليؤدوا مناسك الحج ، ألم يقرأوا قوله تعالى: [إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ] (المائدة:27)، وهل من المتقين من يترك شعبه وبلده بهذه المعاناة ويذهب لأداء مناسك الحج، ولو كانوا طالبين رضا الله حقاً لطلبوه بالتخفيف عن معاناة الناس وباتخاذ القرارات الصعبة لإنقاذ البلد من محنته وليتأسوا بالإمام الحسين ع الذي أحلّ من إحرامه ليوم التروية والناس تستعد للخروج إلى الموقف في عرفة ملبّياً نداء واجبه الشرعي والإنساني

ص: 443


1- ورد هذا الكلام ضمن خطبة عيد الأضحى المبارك التي أمّ صلاتها سماحة المرجع الشيخ اليعقوبي (دام ظله الشريف) في داره يوم العاشر من ذي الحجة 1427ه- ، ونشر في صحيفة الصادقين العدد (52).

وليتذكر هؤلاء [أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ، لِيَوْمٍ عَظِيمٍ،يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ] (المطففين:4-6).وعند الله تجتمع الخصوم ، فنعم الحكم الله والخصيم (محمد ص) واقل ما ينطبق عليهم من عنوان (وهو عظيم) إنهم من (المطففّين) الذين قال فيهم الله تبارك وتعالى [وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ، الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ، وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ] (المطففين:1-3).

وهؤلاء يتمتعون بالامتيازات والغنائم وكل ما فيه مصلحة لأنفسهم وأحزابهم ولا يعطون الشعب حقه ولا ينصفون الناس من أنفسهم فبئست الصفقة.

لنحوّل الذكرى السنوية الأولى لتفجير سامراء فرصة لوحدة العراقيين

لنحوّل الذكرى السنوية الأولى لتفجير سامراء فرصة لوحدة العراقيين(1)

تطلّ علينا بعد أقلّ من شهر الذكرى السنوية الأولى للفاجعة الأليمة التي قصمت ظهر العراق وشتّتت شمل العراقيين وضاعفت عليهم المحنة حيث ازدادت وتيرة القتل والتهجير القسري وحوادث العنف الطائفي، تلك هي فاجعة انتهاك حرمة الروضة العسكرية المطهرّة في سامراء الحبيبة، حيث استيقظ العالم صباح الأربعاء 23/محرم/1427 ليجد إن يد الحقد والأنانية والعداء قد امتدّت لوحدة العراق ونموذجه الراقي في التعايش المذهبي والعرقي لتحدث فيه هذا الشرخ العظيم.

ص: 444


1- نُشر في العدد (53) من صحيفة الصادقين الصادر في 9/محرم/1428 المصادف 29/ 1/ 2007.

أيها العراقيون الأماجد:إن النبي الأكرم محمداً (صلی الله علیه و آله) جمع المسلمين في حجة الوداع وأستنشدهم عن حرمة بيت الله الحرام فأجابوه بكل تعظيم وتبجيل وحينئذ أقسم بالله تبارك وتعالى إن حرمة المؤمن عند الله تعالى اشد من حرمة الكعبة، فاتقوا الله أيها الناس والتزموا بوصايا نبيكم في صون حرمة دمائكم وأعراضكم وبلدكم ومستقبل أبنائكم وإياكم أن ترتكبوا ما يُسخط الله تعالى ونبيه الكريم (صلی الله علیه و آله) فإن كل شي يمكن تعويضه إلا دم البريء فإنه إذا سفك فإنه لا يعوّضه شيء [وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً] (النساء:93).

فلنجعل من فعاليات هذه المناسبة الأليمة فرصة لتوحيد كلمة العراقيين ولمّ شملهم ونبذ العنف الطائفي والوقوف صفاً واحداً لمواجهة كل من تسبَّب في هذه الفتنة وأحدث في بلدنا ما لم نكن نعرفه طيلة المدة السابقة فإن أئمتنا (سلام الله عليهم أجمعين) كانوا حريصين على وحدة الأمة وضحّوا بالغالي والنفيس وغضّوا النظر عن غمط حقوقهم المقدسة ليصونوا وحدة الأمة وكرامتها ويحفظوا هيبة الدولة.

وينبغي للحكومة أن تُسرع بتقديم بعض المبادرات التي تطيّب النفوس وتخفّف الاحتقان وتُساهم في إطفاء الفتنة وسنقف جميعاً في دعم كل حركة مخلصة صادقة توصل إلى حرية العراقيين وازدهار بلدهم.

أيها الأحبّة:

إن العراق ومستقبل أبنائه أمانة في أعناقكم وسيسجّل التاريخ مواقف

ص: 445

الجميع في هذا المفصل التاريخي من حياة الأمة فكونوا أوفياء بررة [وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ] (التوبة:105).محمد اليعقوبي - النجف الأشرف

1 محرم الحرام 1428 الموافق 21/ 1/ 2007

ص: 446

بيان بمناسبة فجيعة الجامعة المستنصرية واستشهاد الأستاذ الدكتور ضياء آل مكوطر

بيان بمناسبة فجيعة الجامعة المستنصرية واستشهاد الأستاذ الدكتور ضياء آل مكوطر(1)

بينما نعيش الآلام التي تجرعّناها بفجيعة الجامعة المستنصرية وغيرها التي هزّت الضمير العراقي بل الإنساني من الأعماق لأنها اغتالت الآمال المعلقة على هذه الطليعة المعطاء من أبناء الأمة والمستقبل الزاهر الذي نحلم ببنائه بجهودهم المباركة، بينما نعيش كل ذلك يطلّ علينا الإرهاب من جديد ليغتال(2) واحداً من أساتذة هذه الجامعة العريقة والخبير الاقتصادي الدكتور (ضياء آل مكوطر) الذي عُرف بمواقفه الوطنية ودفاعه عن المواطن العراقي الذي يدفع وحده ثمن السياسات الخاطئة للمتسلطين.

وكانت آخر مواقفه الشجاعة نقاشه الموضوعي والعلمي للثغرات التي تضمنتها ميزانية عام 2007 وضرورة إصلاحها فتكالب عليه أعداء الوطن والمستقبل والحضارة والإنسانية والتقدم ليقتلوه كما قتلوا قبله نخبة طيبة من أساتذة الجامعات والمفكرين والنخب التي يُعَّول عليها في بناء العراق المزدهر.

إن الفقيد الغالي ينتمي لأسرة علوية جليلة عرفت بمواقفها الوطنية ضد الاحتلال الانكليزي في عشرينيات القرن الماضي وثورة عام 1941 وغيرها وكانت لأعيانها هيبة وجلالة لدى جميع الأوساط الدينية والرسمية والشعبية فلا غرو أن يعمّ الحزن والأسى كل الذين عرفوا فضل الفقيد وانتماءه الأصيل فإنا لله وإنّا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ص: 447


1- نُشر في العدد (53) من صحيفة الصادقين.
2- وقع الحادث يوم 3/محرم/1428 المصادف 23/ 1/ 2007.

إن المرجعية تؤيد مطالب طلبة الجامعة المستنصرية التي أعلنوها اليوم الثلاثاء في اعتصامهم في الجامعة وتعتبرها دون الحد الأدنى من الحقوق ولا يمكن التغاضي عن إهمال الحكومة لمطالبهم وفي الوقت نفسه ندعوا أحباءنا الطلبة إلى مواصلة الدراسة وترك الاستمرار بالإضراب(1) لأنه يضّر بمستقبلهم وهم على أبواب امتحانات نصف السنة وأن يضغطوا على الحكومة بوسائل مقبولة لتحقيق مطالبهم التي هي مطالب الشعب كله وليس لأحد منّة في تحقيقها.محمد اليعقوبي

الثلاثاء3/محرم الحرام/1428

على أبناء المرجعية الرشيدة أن يبرزوا معالم المشروع الرسالي

على أبناء المرجعية الرشيدة أن يبرزوا معالم المشروع الرسالي(2)

من سنن الله تعالى في نصر المؤمنين الرساليين وإنجاح مشروعهم هو تمايزهم عن الآخرين مهما رفع الآخرون من لافتات وعناوين حتى لو تلبسوا بالدين، بل إن استقراء قصص الأنبياء في القران الكريم يوحي بأن هذا التمايز والانفصال في الرؤية والسلوك ومنهج الحياة شرط لتحقيق النصر كانفصال النبي نوح ع ومن معه في السفينة وموسى ع وبني إسرائيل عن فرعون

ص: 448


1- كان الطلبة ينوون الإضراب عن الدوام حتى تستجيب الحكومة لمطالبهم فوجّه سماحته إليهم هذه النصيحة واستمر الطلبة بدوامهم واتخذت الحكومة بعض الإجراءات استجابة لهم.
2- مختصر حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع مسؤول وأعضاء مكتب حزب الفضيلة الإسلامي في مدينة الحرية ببغداد يوم 3/ محرم الحرام/1428 ، ونُشر في العدد (53) من صحيفة الصادقين.

وقومه وهجرة النبي محمد (صلی الله علیه و آله) ومن آمن برسالته إلى المدينة.أما تذويب الرسالي لخصوصياته مجاملة أو خوفاً أو طمعاً فانه يمنع عنه اللطف الإلهي وتفسيره واضح من وجهة نظر طبيعية لأن المشروع الرسالي ما لم يتميز وتظهر معالمه على مستوى النظرية والتطبيق فكيف سيطلّع عليه الآخرون ليقتنعوا به فالتقصير في إيصال رؤى المرجعية الرشيدة غير مغتفر وسيحرم الأمة الكثير من الحلول والمعالجات لأزماتها ومشاكلها وما أكثرها في عالم اليوم.

ولذلك نحن نحثّ أبناء الفضيلة المؤمنين بمشروع المرجعية الرشيدة على أن يبرزوا هذا المشروع ويفعلوه ويعلنوا عن مشروعهم الخاص الذي ظهرت الكثير من معالمه بحيث أصبح من الواضح لدى المراقبين ومن اليسير عليهم تحديد الخصوصيات التي يتميز بها هذا الكيان عن غيره.

ومن التقصير أن يتلاقف الآخرون مشاريع المرجعية الرشيدة وأفكارها ويتبنوها ويعقدوا الندوات والمؤتمرات(1) لمناقشتها من دون أن يكون لإتباع المرجعية دور فاعل في ذلك والشواهد على ما نقول كثيرة. وخفي بسبب ذلك الكثير من المواقف النبيلة والشجاعة للمرجعية.

ص: 449


1- في إشارة إلى الحركة التي أخذتها تعليقات سماحة الشيخ اليعقوبي على ميزانية علم 2007 فعقدت الكيانات والشخصيات السياسية والخبراء الاقتصاديون والماليون مؤتمرات ولقاءات وندوات كان محورها الملاحظات التي أبداها سماحته.

دور السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) في الانتفاضة الشعبانية

دور السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) في الانتفاضة الشعبانية(1)

أدلى سماحة المرجع الديني آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) بحديث مفصّل إلى إذاعة البلاد عن دور السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) في الانتفاضة الشعبانية المباركة في ذكرى اعتقاله خلالها يوم 14/ 3/ 1991 وعتب في بداية حديثه على المؤرخّين والكتّاب لعدم تسجيل أحداث هذه الانتفاضة الواسعة وتخليد مآثرها وهي التي كسرت شوكة صدام وأزالت دولة الرعب التي صنعها في نفوس الناس وجعلت منه كياناً خاوياً سهّل لاحقا على قوات الاحتلال أن تسقطه بلا قتال.

كما ساهمت هذه الحركة المباركة التي كان يحركها رفض الظلم ورفع الكبت والحصار عن الوعي الإسلامي ونشر تعاليم أهل البيت ع وإقامة شعائرهم ساهمت في الانتشار الواسع للعودة إلى الله تبارك وتعالى الذي تفاجأ به القادمون من الخارج ولم يحسبوا له حساباً.

فهي في نتائجها أكبر من ثورة العشرين التي خلدّتها كتب عديدة رغم أنها لم تحقق الأهداف المرجّوة التي توازي التضحيات الجسيمة التي تكبّدها الثوار، لذا قال جدّي الشيخ محمد علي اليعقوبي (رحمه الله تعالى) وهو من رجالها:

سل ثورة العشرين أين رجالها فجهادهم وجهودهم ذهبت سدى

ص: 450


1- نُشر في العدد (55) من صحيفة الصادقين الصادر في 15/ربيع الأول/1428 المصادف 4/ 4/ 2007.

إن أحد أسباب إهمال تاريخ الانتفاضة الشعبانية - الآذارية ومرور ذكراها وذكريات رجالها من دون اهتمام أن المتصدّين اليوم لإدارة الدولة والمتاجرين بمواقف الأبطال لم يكن لهم فضل ولا سابقة في تلك الانتفاضة ولا في الحركة الإسلامية الواسعة التي تلتها في التسعينات فهم يخافون من إحياءها لأنه سيكشف عن أحقية قوم قد أبعدهم هؤلاء المتصدّون وأخروهم وحاربوهم وحرموهم من حقوقهم وجعلوا لأنفسهم حق الوصاية عليهم. لذا ينبغي للكتّاب والباحثين أن يولوا اهتماما لهذه الحقبة المهمة من تاريخ العراق والحركة الإسلامية واخصّ بالذكر طلبة الدراسات العليا ليجعلوها مادة لأطاريحهم.

قد وردت جملة من تفاصيل الانتفاضة في فصل خاص من كتاب (الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) كما أعرفه).

وأضاف سماحته: إن الله تبارك وتعالى حثّ في القران الكريم على دراسة التاريخ والاعتبار به وأخذ الدروس والمواعظ من أحداثه لان سنن الله تعالى في خلقه لن تجد لها تبديلا ولن تجد عنها تحويلا فلا ينبغي لعاقل أن يبدأ من حيث بدأ الآخرون من دون أن يستفيد من تجاربهم ، فهل من الصدفة أن يصل السيدان الشهيدان الصدران الأول والثاني (قدس الله سريهما) في ذروة المواجهة مع النظام الطاغوتي إلى نتيجة واحدة وهي قلة الواعين المخلصين؟ فمثل هذه التجارب سواء كانت مرجعية أو سياسية أو اجتماعية أو عسكرية لا بد أن تمحّص ويستفاد منها.

ص: 451

إحياء الوعي الإسلامي

إحياء الوعي الإسلامي(1)

كشفت تجربة الذين يرفعون اللافتات الإسلامية من أحزاب وحركات ومؤسسات عن نقص مريع في فهم الإسلام الناصع الأصيل لذا فنحن بحاجة إلى إحياء حالة الوعي الإسلامي وإعادة التذكير بحقائقه ومفاهيمه وتعاليمه ولما كان المعروض من نتاج المعاصرين غير مستوعب للتحدّيات الواسعة ووفاءً للمفكرين والمصلحين العظماء الذين أثروا الفكر الإسلامي بعطائهم الغزير والعميق فإن المكتب الثقافي والإعلامي لسماحة المرجع اليعقوبي سيبدأ بنشر وإعادة طبع تلك الآثار الجليلة وستكون البداية مع كتاب (المدرسة القرآنية) للسيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره) راجين من المراكز واللجان الثقافية التفاعل مع هذه الحركة المباركة بالنشر والتوزيع والتلخيص والتداول والشرح ونحوها.

دعوة الكتل السياسية للتوحد في الفعاليات والمشاريع الوطنية

استقبل(2) سماحة المرجع الديني آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) وفداً من رموز التيار الصدري ضمّ كلاً من السيد حازم الأعرجي والشيخ صلاح العبيدي والشيخ احمد الشيباني والسيد حيدر الجابري.

وتذاكر معهم في بداية حديثه الأعمال الفكرية والاجتماعية التي أنجزها

ص: 452


1- نُشر في العدد (55) من صحيفة الصادقين.
2- تأريخ اللقاء 8 ربيع الثاني/1428 الموافق 26/ 4/ 2007 ونُشر في العدد (56) من صحيفة الصادقين الصادر في 5/ج1/ 1428 المصادف 22/ 5/ 2007.

بعضهم برعاية سماحة الشيخ اليعقوبي إبان الحكم ألصدامي بعد استشهاد السيد الصدر الثاني (قدس سره).ودعا سماحة المرجع اليعقوبي في حديثه أبناء التيار الصدري وأبناء الفضيلة للتوحّد في مواقفهم الوطنية سواء على مستوى الفعاليات الجماهيرية (كالمظاهرة الأخيرة التي أقيمت في مدينة الصدر للاحتجاج على إقامة جدار الأعظمية) أو القرارات السياسية كالانخراط في مشروع سياسي وطني لإنقاذ العراق من الكارثة التي حلّت به بسبب التخندق الطائفي.

المرجعية الرشيدة تؤكد على العناية الكاملة بالحجاج الكرام

المرجعية الرشيدة تؤكد على العناية الكاملة بالحجاج الكرام(1)

استقبل(2) المرجع الديني سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) سماحة الشيخ محمد تقي المولى رئيس هيئة الحج والوفد المرافق له وقدم الشيخ المولى إيجازاً للاستعدادات الجارية للتهيئة لموسم الحج المقبل والجهود التي تبذل (ومن وقت مبكر) تلافيا للأخطاء التي حصلت في الموسم الماضي وتذليلاً للعقبات المتوقعة، وقد علق سماحة الشيخ (دام ظله) على ذلك بقوله:

إن من ألطاف الله تعالى بعبده أن يضعه في هذه المواقع من المسؤولية حيث تنفتح له فرص واسعة لطاعة الله تعالى، فبعد أن كانت طاعته مقتصرة على

ص: 453


1- نُشر في العدد (58) من صحيفة الصادقين الصادر في 2/رجب/1428 المصادف 17/ 7/ 2007.
2- تأريخ اللقاء 20/ج2/ 1428 المصادف 5/ 7/ 2007.

عبادات فردية يؤديها أصبح الآن أمام كمٌ هائل من العبادات بقدر من يقضي حوائجهم ويسهّل أمورهم ويذلّل لهم الصعاب ويدخل السرور عليهم، وتوجد كلمة لأمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه تبين واحدة من ثمرات إدخال السرور على المؤمنين بقوله ع (من ادخل السرور على أخيه صنع الله من ذلك السرور لطفاً فما من نائبةٍ تنزل على ذلك الشخص إلا دفعه الله بذلك اللطف) فاستثمروا وجودكم في هذه المواقع لخدمة أخوانكم وقضاء حوائجهم حتى يدفع الله عنكم البلاء وما أحوجنا إلى مثل هذا اللطف في أجواء البلاد التي تحيط بنا كبلد وكشعب وكطائفة وكمنطقة.لقد كان ضرورياً أن تبدأوا من وقت مبكر بالإعداد لموسم الحج لتلافي المشاكل التي حصلت في العام الماضي ووضعت الحجاج العراقيين في حال مأساوي، فلابد من تنظيم إداريات الهيئة وتسهيل مراجعة الحجاج للحصول على وثائق السفر وأن يتولى الإدارة عناصر كفوءة مخلصة ونزيهة وتكثير المسافرين عن طريق البر بعد أن نكلت عدة شركات طيران العام الماضي بوعودها وسببت تأخير الحجاج وضياع الفرصة عليها.

ولابد من المبادرة لإنشاء أبنية خدمية ومرافق صحية ومستلزمات ضرورية في معبر عرعر الحدودي وضمان سلامة وأمن الحجاج على طول الطريق وضرورة معالجة إقامة الحجاج العراقيين في منى ليكون داخل حدود المشعر، واختيار الفنادق المناسبة لإقامة الحجاج في مكة المكرمة والمدينة المنورة بما يحفظ لهم حسن الإقامة.

وقد أخبر سماحة الشيخ محمد تقي المولى انه تحرك على كل الوزارات

ص: 454

والجهات المعنية لتحقيق النجاح في إدارة موسم الحج وانه بصدد الاستفادة من الخبرات في هذا المجال.

بيان بمناسبة ما تتعرض له الكرادة الشرقية من تفجيرات وإهمال حكومي

بيان بمناسبة ما تتعرض له الكرادة الشرقية من تفجيرات وإهمال حكومي(1)

لا زالت منطقة الكرادة الشرقية تستهدف من قبل القتلة والمجرمين بأساليب متنوعة كانت آخرها الشاحنة الكبيرة التي انفجرت وسط منطقة سكنية مكتظة قرب حسينية آل مباركة، ونقلت لنا وسائل الإعلام صوراً مروعة من هذا الحادث الجلل الذي أصابنا بالذهول وملأنا بالأسى العميق حيث دمرت شقق وبيوت ومحلات بمن يسكنها بالكامل، وهناك عوائل كاملة قضت عن آخرها واستمرت عملية إزالة أنقاض الأبنية المتراكمة يومين وتحتها الشهداء والمظلومون.

إن استهداف الكرادة بهذا الشكل المتواصل ليس اعتباطياً وإنما لأنها الوجه الحضاري المشرق في بغداد والمنجبة للعلماء والمفكرين والشباب الرساليين وهي مفخرة بغداد التي تباهي بها وتتجلى فيها وحدة الشعب العراقي وانسجام

ص: 455


1- كتب على أثر التفجير المروّع الذي وقع قرب عمارة الأنباري في الكرادة الشرقية يوم الخميس 11/رجب/1428ه- المصادف 26/ 7/ 2007م وبلغ عدد الضحايا المنتشلين من تحت الأنقاض (98) إلى حد يوم الثلاثاء ويوجد غيرهم والجرحى (113) وبقيت مئات العوائل بلا مأوى حيث انهارت الشقق السكنية والبيوت، وقد سبقت هذا الانفجار وتلاه بأيام انفجارات كبيرة في مناطق متفرقة من الكرادة، ونُشر في العدد (59) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 30 رجب/1428 المصادف 14/ 8/ 2007.

مكوناته من مختلف الطوائف والأعراق.وقد درجتُ في شوارعها صغيراً حيث كنا نستأجر بيتاً لامرأة مسيحية، ودرست في مدارسها ومنها الإعدادية الشرقية العريقة ونهلنا الكثير من العلم والأخلاق ونحن صبية في منتدياتها ومساجدها ومجالسها العلمية والأدبية وكانت زاهرة ومزدانة بالنجوم الذين حلقوا في ميادين العلم والعمل الصالح.

ويشدُّك انسجام أهلها على تنوع طوائفهم وأعراقهم فالمسجد والكنيسة مزدهران ومتآلفان في هذه المدينة الحبيبة، وجاء الإرهاب الأعمى ليستهدفهما معاً اليوم ويضرب في الصميم هذه المظاهر الإنسانية النبيلة.

ومما زاد في لوعة المصاب عندنا وعند أهلها إهمال المسؤولين الحكوميين حيث لم يتفقدها أحد منهم وهم على بعد أمتار منها ويسكنون المناطق الجميلة الراقية فيها فهل هذا جزاء هذه الضاحية المشرقة الوادعة غرة جبين بغداد؟ وما حال أهلنا في بقية المناطق البائسة المحرومة إذا كان نصيب الكرادة الزاهرة مثل هذا الإهمال والتغاضي.

إن آلامنا وحسراتنا لا تنقضي حتى يمنّ الله تبارك وتعالى على هذا الشعب الأبّي الأصيل ذي المكرمات بزوال كوابيس الاحتلال والإرهاب القادم من الداخل والخارج وبوجود حكومة نزيهة أمينة على مقدرات الشعب وكفوءة تعمل بإخلاص من أجل إعمار البلد والأمن والازدهار لأهله والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه أحد سواه.

ص: 456

دراسة العلوم الدينية خارج الحوزة العلمية

دراسة العلوم الدينية خارج الحوزة العلمية(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

بالرغم من اعتقادي إن الانتماء إلى الحوزة العلمية وجوداً ووظيفة لا يمكن تحقيقه من خلال الدراسة على الكومبيوتر لجملة أمور ذكرتها في نصيحة بعنوان (الانتماء إلى الحوزة الشريفة). إلا أن الواقع الذي تعيشه الحوزة العلمية في النجف الأشرف الذي يعاني من عدة أزمات وتحديات، وبسبب ما يراد للحوزة النجفية من تسطيح وإضعاف وتهميش بأفعالٍ متعمدة أو غير متعمدة من داخل الحوزة الشريفة ومن خارجها، حتى بلغت أيام التحصيل في العام الماضي أربعة أشهر على ما قيل(2) وفي ذلك هدرٌ وتضييع لجهود وأعمار الطلبة خصوصاً النابهين منهم، لذلك فقد رأينا أن أحد الردود العملية على هذا التقصير بفتح الدراسة الخارجية حيث يقوم طالب العلوم الدينية بتعويض التأخير والنقص بتلقي علومه على جهاز الكومبيوتر، وتُقَّنن العملية بالتوجيهات التالية

1- استناداً إلى المادة (57) من النظام الأساسي لجامعة الصدر الدينية: تتولى إدارة جامعة الصدر الدينية في النجف الأشرف تنظيم الدراسة الخارجية والإشراف عليها.

ص: 457


1- نُشر في صحيفة الصادقين العدد (61) بتأريخ 9/شوال/1428 المصادف 21/ 10/ 2007.
2- حَسبتُ فترة التحصيل في السنة الأولى من إلقائي البحث الخارج من شعبان/1427 حتى شعبان/1428 فكانت (33) أسبوعاً أي حوالي ثمانية أشهر وهو معدل نادر حتى في الدراسات الأكاديمية المنتظمة.

2- تختص الدراسة الخارجية بالطلبة الذين أكملوا المرحلة الثالثة في جامعة الصدر الدينية في النجف أو فروعها في المحافظات.

3- يجب توفر الشروط التالية في الطالب قبل قبوله في هذه الدراسة

أ- أن يكون من المتفوقين والمجدّين في تحصيله للمراحل السابقة.

ب- تعهّده بالوفاء بكافة الالتزامات التي تطلبها منه إدارة الجامعة.

ج-- تُجرى له مقابلة مع لجنة متخصصة للتعرف على أهليته وتوفّر الظروف المناسبة له.

4- بعد نجاح الطالب في المقابلة تحدد إدارة الجامعة الأستاذ المشرف للطالب بالتشاور معه ليتابع معه الاستحقاقات المطلوبة منه.

5- يمنح الطالب كافة الامتيازات التي تُمنح لطالب العلم في الحوزة العلمية إذا وفى بما يلي:

أ- استيفاء كل المواد العلمية المطلوبة منه بتلقيها عند أحد الأساتذة المعروفين.

ب- تدوين الشرح الذي يستمع إليه من الأستاذ من خلال الجهاز في سائر الدروس الأساسية لان جودة التقرير جزء من تقييم درجة الطالب ولان هذا الشرح ينفعه لاحقاً عند تدريس المادة.

ج-- الحضور لأداء الامتحانات في السنة مرتين بالمادة التي يقررها الأستاذ المشرف.

د- ارتداء الزي الديني في المحافل الاجتماعية والفعاليات الدينية في النجف أو في غيرها.

ص: 458

ه-- الحضور في درس واحد على الأقل في الحوزة العلمية للمواصلة مع أجوائها.و- تدريس المراحل الدنيا حينما يكلَّف بذلك أو توجد ضرورة له في جامعة الصدر أو خارجها.

ز- إنجاز ما يُكلَّف به من بحوث ودراسات وملخصات ومنها ما يغطى العلوم التكميلية التي تطلب منه

6- لا تشمل الدراسة الخارجية بأي حالٍ من الأحوال مرحلة البحث الخارج

إحياء سنة الاعتكاف في العشر الأواخر من شهر رمضان

إحياء سنة الاعتكاف في العشر الأواخر من شهر رمضان(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

ورد عن المعصومين (سلام الله عليهم) حثّ أكيد على الاعتكاف في المساجد خصوصاً في العشر الأواخر من شهر رمضان ففي حديث صحيح عن الإمام الصادق (علیه السلام) قال: (كان رسول الله (صلی الله علیه و آله) إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد وضربت له قبة من شعر، وشمّر المئزر وطوى فراشه).

وروى الشيخ الصدوق (رضوان الله تعالى عليه) عن الإمام الصادق (علیه السلام) عن أبائه (ع) قال: (قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): اعتكاف عشر في شهر رمضان تعدل حجتين وعمرتين) وقد نال هذا الفضل جملة من المؤمنين هذا العام فقد اعتكف حوالي مئة وخمسين ممن شملهم الله تعالى بلطفه في مسجد الرحمن

ص: 459


1- نُشر في العدد (61) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 9/شوال/1428 المصادف 21/ 10/ 2007.

في حي المنصور ببغداد على دفعتين وقامت إدارة المسجد بجهود مشكورة في توفير الطعام والشراب وسائر الخدمات اللائقة بهم ونظمت للمعتكفين برامج منوعة من العبادات والذكر واللقاءات والمسابقات القرآنية وأحسوا بأجواء روحية لم يشهدوها من قبل وشعر البعض وكأنه في أجواء مناسك الحج في مكة المكرمة.ووجّه سماحة الشيخ اليعقوبي كلمات حفاوة وثناء وتبجيل لهذه المبادرة التي يُرجى لها الدوام لإحياء القلوب وتطهير النفوس ورجوع الناس إلى الله تبارك وتعالى في زمن قاتم ملبّد بحب الدنيا والصراع على السلطة حتى انتهكت كل المقدسات.

وشكر للإدارة جهودها المخلصة في توفير كل أسباب الراحة والتفرغ للعبادة وإصرارها على المواظبة على هذه الشعيرة وإنجاحها في السنوات المقبلة بإذن الله تعالى حتى تعمّ بركاتها المجتمع كله.

وكان سماحته قد بادر إلى طبع كتاب الاعتكاف من رسالته العملية (سبل السلام) قبل شهر رمضان المبارك ليتفقّه المؤمنون بأحكام وآداب هذه الشعيرة المباركة.

وقد بعث المؤمنون الذين أحيوا هذه السنة المباركة برسالة إلى سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) نشرت في العدد (62) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 24/شوال/1428 المصادف 5/ 11/ 2007 وهذا نصها:

ص: 460

كلمة المعتكفين

بسم الله الرحمن الرحيم

[ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ] (الحج : 32)

عن داود بن الحصين، عن أبي العباس، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: اعتكف رسول الله ص في شهر رمضان في العشر الأولى، ثم اعتكف في الثانية في العشر الوسطى، ثم اعتكف في الثالثة في العشر الأواخر، ثم لم يزل (صلی الله علیه و آله) يعتكف في العشر الأواخر.

نشكر الله تبارك وتعالى أولا ورسوله والأئمة الأطهار(صلوات الله عليه وعليهم) لهذه النعمة العظيمة وهذه الفيوضات والألطاف الكريمة التي من بها علينا تبارك وتعالى برحمته وببركة رسوله (صلی الله علیه و آله) والأئمة الطاهرين أئمتنا وسبل نجاتنا في الدنيا والآخرة.

ولا يفوتنا هنا أن نتقدم بأسمى آيات الشكر والتقدير والامتنان للمقام السامي للمرجعية الشاهدة المتمثلة بسماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) لهذه الالتفاتة العظيمة والمبادرة الكريمة –والتي عبر عنها سماحته بأنها أدخلت السرور على قلب الإمام المهدي (عجل الله فرجه)- بكل ما تحمل من آثار عظيمة وانعكاسات مهمة على واقع شعبنا الجريح وما يمر به من ماس ومحن والتي اثبت الواقع انه لا سبيل للخروج منها إلا بالهروب إلى الله عز وجل والتماس المخرج منه تبارك وتعالى ، ونسأله تعالى أن يجعل مبادرة المرجعية الشاهدة حافزاً للآخرين على الدعوة إلى الله وإقامة شعائره العظيمة التي هي من تقوى القلوب خالصةً له وحده وخالية من أي عناوين وشعارات

ص: 461

دنيوية ضيقة . ونتمنى عليه أدام الله بقائه أن يشمل إخواننا المؤمنين بالدعوة إلى إقامة هذه الشعيرة المباركة في كافة محافظاتنا العزيزة للتوفر على النعمة التي رزقناها وهم أن شاء الله يمتلكون من الإمكانات والمؤهلات أكثر مما نمتلك .

وهنا نتوجه بنية صادقة إلى إخواننا متولي المساجد والجوامع والجهات القائمة على المقامات الشريفة والمراقد الطاهرة والمساجد المشهورة بالتوجه إلى إقامة هذه السنة المباركة في مناطقهم لما فيها من خير وبركة وتقارب للنفوس وانقطاع عن الدنيا .

ولا بد أن نسجل هنا تثميننا وتقديرنا للجهود الخيرة والمساعي الكبيرة التي قامت بها مؤسسة الرحمن الإسلامية والتي سخرت كل ما تملك من إمكانيات في سبيل إنجاح هذه التجربة المباركة وكذلك نشكر جميع الإخوة المؤمنين المتبرعين اللذين لم يقصروا في توفير الكثير من الاحتياجات سائلين المولى عز وجل أن يخلف عليهم بالخير والبركة والرزق الحلال الطيب .

ونهمس هنا في آذان إخواننا السياسيين عامة وكل المتصدين للعمل الاجتماعي وخصوصاً الإسلاميين منهم وندعوهم إلى ممارسة هذه الشعيرة المباركة لكي يغرفوا منها ما يعينهم على تأدية دورهم الخطير في رسم طريق النجاة لهذا الشعب المظلوم الذي ينتظر منهم الكثير ، وليخرجوا من جو السياسة والمادة الضيق إلى حيز الروح وفضاء التقرب إلى البارئ عز وجل .

وأخيراً ننتظر من ونتمنى على جميع مؤسسات المرجعية الرشيدة دعم هذه التجربة المعطاءة بكل الإمكانيات المادية والمعنوية وخصوصا في الجانب

ص: 462

الإعلامي .[فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ، رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ، لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ] (النور: 36 – 38) .

أبناء المرجعية المعتكفون في جامع الرحمن

بغداد / يوم القدر 23 من شهر الصيام / 1428 ه-

جامعة كربلاء : الجندي المجهول

جامعة كربلاء : الجندي المجهول(1)

وصف سماحة الشيخ اليعقوبي إدارة جامعة كربلاء بالجنود المجهولين الذين يفنون حياتهم في سبيل الدفاع عن أوطانهم ومقدساتهم وتشيد لهم الدول صروحاَ لتخليد جهودهم.

وجاء توصيف سماحته بعد أن استمع إلى تقرير قدّمه السيد رئيس الجامعة والسادة عمداء الكليات فيها عن التطور الذي شهدته الجامعة رغم قصر عمرها الذي ناهز خمس سنوات من حيث العناية بالطلبة ورفع المستوى لهم وتجهيز المختبرات بأحدث الوسائل العلمية التي تضاهي ما في الجامعات العالمية والاعتناء بوضع الأقسام الداخلية المعدة لسكن الطلبة وتوفير كل أسباب الراحة لهم والالتزام بالدوام الرسمي كاملاَ.

ص: 463


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع وفد ضم رئيس جامعة كربلاء والسادة عمداء الكليات فيها يوم الجمعة 21/شوال /1428 المصادف 2/ 11/ 2007.

وقيام السادة عمداء الكليات بتفقد الطلبة وأقسامهم المختلفة ومحل سكناهم وقد يقتضي ذلك المبيت أحيانا في الجامعة وبعد أن أشاد سماحته بهذه الجهود المباركة أبدى استغرابه من عدم تسليط الأضواء عليها خلافاَ لما قاله أمير المؤمنين (علیه السلام) (عاقب المسيء بمكافأة المحسن) فتكريم المبدعين والمحسنين في عملهم فيه وفاءٌ لحقهم وتوبيخ للمقصرين الذين يجدون أنفسهم بعيدين عن التكريم والإشادة فيندفعون إلى إصلاح حالهم .وأرجع سماحة الشيخ اليعقوبي أسباب هذا النجاح في مسيرة جامعة كربلاء إلى مجاورتها للمرقد الطاهر لأبي عبد الله الحسين وأخيه أبى الفضل العباس والشهداء من أصحابه ووجودهم على هذه البقعة المباركة المقدسة مما يجعلهم محلاَ لنزول الألطاف الإلهية .

وإلى إخلاص رئاسة الجامعة والسادة العمداء والإداريين وتفانيهم ووحدتهم وأُلفتهم والى ابتعاد الجامعة عن الانزلاق وراء الولاءات للأحزاب والجهات الدينية والسياسية والاجتماعية والى علاقتها الطيبة مع الجهات المعنية في الحكومة المركزية والحكومة المحلية مما أدى إلى تضافر جميع الجهود لإنجاح هذا المشروع الضخم .

ودعا سماحته إلى إنشاء المراكز التخصصية الاستشارية التابعة للجامعة لتقديم التوصيات والنصائح والإرشادات والخدمات للمستفيدين من الجهات كافة .

وتنبّأ سماحته للجامعة فيما إذا سارت على هذا المنوال وتحسنت ظروف البلد أن تكون الجامعة محط رغبة الجامعات العالمية والمؤسسات الثقافية وهي

ص: 464

جديرة بأن تمارس هذا الدور .كما أوصى سماحته بأن يهتم الأساتذة بتحسين أخلاق طلبتهم وتوجيههم وتصحيح أفكارهم وسلوكياتهم فأنها جزء من مهمتهم وهم يمتلكون قوة التأثير على طلبتهم الذين يؤثرون بدورهم على شريحة واسعة من المجتمع وقال سماحته أن الثقافة يمكن أن تكون أساس المشكلة ويمكن أن تكون أساس الحل فإذا سادت ثقافة العنف والاحتراب والصراع في المجتمع تحول أبناءه إلى العنف وإذا نُشرت ثقافة الحب والتسامح والأخوة نزع المجتمع إلى هذه الخصال .

مستقبل العراق يصنعه أبناؤه

مستقبل العراق يصنعه أبناؤه(1)

قال المرجع الديني سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) أن حاضر العراق ومستقبله يصنعه أبناؤه من كل الأديان والطوائف والقوميات إذا اتحدوا واشتركوا في تحمل المسؤولية واستشعروا الروح الوطنية وعملوا بإخلاص لشعبهم وبلدهم وتساموا عن المصالح الشخصية والحزبية، وهذا واجب شرعي ووطني على كل من بيدهم أزّمة الأمور في الحكومة أو الكتل السياسية المهيمنة أو زعماء العشائر فالجميع مطالبون بصحوة ضمير وشعور بالمسؤولية وليست فقط عشائر الأنبار أو غيرها .

وقال سماحته خلال استقباله(2) وفد جماعة علماء العراق يتقدمهم رئيس

ص: 465


1- نٌشر في العدد (63) من صحيفة الصادقين الصادر بتاريخ 28/ذ.ق. 1428 المصادف 9/ 12/ 2007.
2- جرى اللقاء يوم 17/ذق/1428 المصادف 28/ 11/ 2007.

الجماعة في الجنوب: إننا مطمئنون لرسوخ حالة الولاء للوطن عند العراقيين مهما عمل النفعيون والطائفيون والمتحجرون من اجل تفتيت وحدة الشعب ،والدليل على ذلك محافظتهم على هويتهم وخصوصياتهم عندما يهاجروا إلى البلاد الأخرى وعدم ذوبانهم في ثقافة وأعراف تلك البلاد.ولكن الذي علينا أن نفعله هو أن نعمل على استثارة هذه الروح وصهرها في بوتقة واحدة تذيب الحواجز المصطنعة سواء كانت طائفية أو قومية أو دينية أو جغرافية أو غيرها .

إن الذين يرفعون لواء الدفاع عن قوميتهم أو مذهبهم أو طائفتهم لو كانوا صادقين في دعواهم لعملوا على إحياء مشروع وطني ينضّم إليه الجميع ويعتمد الشراكة الحقيقية وتقديم الأكفأ وإعطاء كل ذي حق حقه لان الوطن حاضنه الدين والطائفة والقومية فإذا كان الوطن سليما معافى ومزدهراُ مستقراُ كانت خصوصيات جميع مكوناته محفوفة بخير والعكس بالعكس .

إننا نعلم أن تفعيل هذا المشروع وإنجاحه يتطلب الكثير من التنازلات والتضحيات وهي ليست تنازلات للطرف الآخر حتى يستنكف هذا الطرف من تقديمها وإنما هي لله تبارك وتعالى ولرسوله ولثلاثين مليون عراقي ينتظرون الأيادي الرحيمة التي تنقذهم من الكارثة التي تكتنفهم .

روي أن الصحابي الجليل أبا ذر الغفاري قال لشخص: يا ابن السوداء، فقال له رسول الله (صلی الله علیه و آله): أدركتك عصبية الجاهلية يا أبا ذر، فمضى هذا المسلم العظيم إلى ذلك الشخص فطلب منه أن يضع قدميه على خدّه الذي وضعه أبو

ص: 466

ذر على الأرض فرضي عنه رسول الله (صلی الله علیه و آله) لأنه انتصر على نفسه، ولم يكن تنازله هذا لذلك الشخص وإنما كان للمبادئ التي آمن بها وتعلمها من رسول الله (صلی الله علیه و آله) .وجدّد سماحته دعوة علماء أهل السنة لفتح باب الاجتهاد كواحد من آليات تحقيق الوحدة بين المسلمين؛ لأن ممارسة عملية استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها الأصلية أعني القران الكريم والسنة الشريفة سيكشف للعلماء أن النصوص التي تستند إليها كلا المدرستين متطابقة وإنما نشأت الخلافات من تراكم التأويلات والتأثيرات السياسية وغيرها ؛ وقد وجدت لدى مراجعتي لأقوال أئمة المذاهب وأدلتهم أن نسبة كبيرة من النصوص موجودة بنفسها لدى الفريقين ، واعتقد بوجود ثلة من كبار العلماء المؤهلين لممارسة هذا الدور كالأستاذ الدكتور وهبه الزحيلي الذي أعرفه من خلال كتابه (الفقه الإسلامي وأدلته) ، ويكون التأسيس بأن يمنح مجتهدو الشيعة إجازة الاجتهاد للمؤهلين لها من علماء السنة، وبعد هذه الخطوة التأسيسية يكون العلماء المجتهدون من أهل السنة هم الذين يمنحونها لمن يستحقها.

قرب حلول يوم التوبة العالمي

قرب حلول يوم التوبة العالمي(1)

في مثل هذه الأيام من العام الماضي دعا سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله الشريف) إلى اعتبار يوم عرفة يوماً عالمياً للتوبة، وأصدر بياناً شرح فيه دواعي هذا المشروع وأهميته، وقد قام المؤمنون بما تيسر لهم من أعمال

ص: 467


1- نُشر في العدد (63) من صحيفة الصادقين.

مباركة في هذا البلد الحبيب ونشروا البيان بكل همةٍ بين حجاج مختلف الدول في الديار المقدسة ونال صدى طيباً. وقد ترجمَ البيان هذا العام إلى لغات عديدة (الفارسية، الإنجليزية، الأوردية، الفرنسية، الألمانية) ليوصل الفكرة إلى أكبر عدد ممكن.

فنهيب بإخواننا أن لا يقصروا في إحياء هذه الشعيرة المباركة إذ لا ينبغي للإنسان أن يغفل عن محاسبة نفسه و الرجوع إلى ربه مرةً واحدة في السنة على الأقل [إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ] (البقرة: 222) فكونوا منهم لتفوزوا بمحبة الله تبارك وتعالى لكم [وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ] (النساء: 13).

دور وسائل الإعلام في صناعة الرأي العام

دور وسائل الإعلام في صناعة الرأي العام(1)

من وظائف وسائل الإعلام صناعة الرأي العام ليتخذ موقفاً إزاء مختلف القضايا السياسية والاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية والدينية وغيرها فإنها تساهم مع الكتّاب والخطباء وأئمة المساجد وغيرهم في صنع هذا الموقف العام. ونحن نعاني من أزمات على كل هذه الأصعدة ويتطلب الحل نشر ثقافةٍ خاصة للتمهيد له.

فمثلاً هذه (الصحوة) التي حصلت لكثير من العشائر وأبناء الوطن الغيارى

ص: 468


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع مدير وموظفي إذاعة البلاد التي تبث برامجها من بغداد، يوم الخميس 18 ذي القعدة 1428 المصادف 29/ 11/ 2007، ونشرت في العدد (63) من الصادقين.

لم تولد بين عشية و ضحاها وإنما جاءت حصيلة تحشيد وتثقيف باتجاه حب الوطن والناس جميعاً والتسامي عن الأنانية والخروج عن التخندقات الطائفية واستشعار العواقب الوخيمة التي يولدها العنف والاقتتال. ومثلما حصل في الحركة المباركة لسيدنا الأستاذ الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) حينما استطاع بفضل الله تبارك وتعالى أن يقضي على كثير من الظواهر المنحرفة والموبقات التي تفشت في المجتمع عن طريق تعبئة الرأي العام وحشده ضد هذه المفاسد من خلال الخطب الجمعة المباركة فحوصر الفساد والانحراف و اضطر فاعلوا المنكر لتركه إما اقتناعاً وانسياقاً مع التوجه العام أو حياءً من الآخرين بحيث اعترف مسؤولو النظام بأن الجرائم قلت بدرجة 90 وهي نسبة عالية جداً عجزت كل الوسائل التنفيذية للقضاء على الجريمة عن تحقيقها.

وهذه الطريقة مستفادة من سيرة المعصومين (سلام الله عليهم) فإنهم لم يستعملوا العنف للقضاء على المنكر وإنما عملوا على إشاعة الفضائل وخصال الخير وإقناع الناس بطريق الصواب بحيث غدا المنكر مفضوحاً وعاراً على صاحبه.

ولكي تنجح وسائل الإعلام في أداء هذه الوظيفة لا بد لها أن تنشئ قسماً يقوم بتشخيص القضايا التي تتطلب حشد الرأي العام باتجاهها ودراستها ووضع الحلول لها وآليات إقناع الرأي العام بالأخذ بهذه الحلول.

وقد التفت قادة العالم إلى أهمية هذه الوظيفة فجعلوا لقضايا البشرية المهمة كمكافحة الآيدز وتلوث البيئة وقضايا المرأة والفقر والتعليم يوماً مخصصاً في

ص: 469

السنة يقومون فيه بمختلف الفعاليات لشد الانتباه لهذه القضايا وتحفيز الهمم للمشاركة في معالجتها.

المرجع اليعقوبي ينقذ رمزاً من رموز الصناعة الوطنية العراقية من الاندثار

المرجع اليعقوبي ينقذ رمزاً من رموز الصناعة الوطنية العراقية من الاندثار(1)

ورد في النشرة الإخبارية المسائية الخاصة بإخبار العراق من قناة الحرة الفضائية يوم السبت 17/ 11/ 2007 خبر مفاده أن وزارة الصناعة قررت إغلاق الشركة العامة لصناعة البتروكمياويات في البصرة لعدم الجدوى.

وقد أسف سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) لهذا القرار من أكثر من جهة :

الأولى: الإنسانية؛ لأن هذا القرار يضر بمدخولات آلاف المنتسبين إلى الشركة ومن ورائهم آلاف العوائل الذين سيكونون ضحية الفقر والحاجة والحرمان مما يهدد مصيرهم ومستقبل أبنائهم .

والثانية: اقتصادية وطنية؛ لأن المعمل يعد من رموز الصناعة الوطنية والبنى التحتية، ويسد احتياجات البلد من مواد كيمياوية صناعية كثيرة، وان مثل هذا القرار سيفرط بهذا الإنتاج الوطني وبالكوادر الفنية والخبرات الهندسية التي تراكمت عبر ثلاث عقود تقريباً.

ورأى سماحته (دام ظله) أن هذا القرار لا ينسجم مع ما أعلنته الحكومة من تخصيص ميزانية ضخمة للمشاريع الاستثمارية والبنى التحتية وتشغيل العاطلين، وهي تفرط بما هو موجود وقائم لأننا نعلم أن عدم الجدوى المذكورة كمبرر

ص: 470


1- نُشرت في العدد (63) من صحيفة الصادقين.

لغلق المعمل يعود بشكل رئيسي إلى تقصير الجهات المعنية بتوفير الغاز الذي يشغل المعمل وعدم المساعدة في إصلاح المكائن وتوفير قطع الغيار لها وتزويده بالكمية الكافية من الطاقة الكهربائية وهي لا تكلف إلا نسباً ضئيلة من المبالغ الضخمة التي سيتحملها البلد نتيجة استيراد ما كان يوفره المعمل أو إنشاء بنى تحتية جديدة.ولذا بادر سماحته (دام ظله) في اليوم التالي إلى إرسال وفد ضم النائبين الحاج جابر خليفة ود. عمار طعمة إلى السيد نائب رئيس الوزراء د.برهم صالح لينقل له طلب سماحته بإعادة النظر في القرار وإيجاد حل للمشكلة في ضوء الجهتين المذكورتين أعلاه، وقد تجاوب السيد صالح مع الطلب وتفاعل معه ورتب على الفور لقاءاً مع وزير الصناعة السيد فوزي الحريري الذي احضر في اللقاء وكلائه ومستشاريه وسعى إلى حل المشاكل وإزالة المعوّقات بكل نبل وإنسانية ومهنية عالية وانتهت بقرارات تحفظ حقوق جميع المنتسبين كاملةً لعدة أشهر وتشغيل الوحدات الفاعلة من المعمل على أن تتضمن ميزانية الوزارة في السنة المقبلة مبالغ مجزية لإصلاح المعمل وإعادة تشغيله.

ومن الجدير بالذكر أن سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) طلب من الوفد تناول قضية معمل البتروكيمياويات كمفردةٍ من عدة معامل تابعة للدولة أو القطاع المختلط في بغداد والمحافظات تعاني من نفس المشكلة وقد تناولتها تلك الحلول بشكلٍ أو بآخر .

نحن نسجل هنا شكر المرجعية الرشيدة العميق للموقف الإنساني النبيل والروح الوطنية العالية التي أظهرها السيد نائب رئيس الوزراء والسيد وزير

ص: 471

الصناعة وكل الذين ساهموا ويساهمون في التخفيف عن معاناة الشعب وإعمار البلد وازدهاره.

البيت العراقي لرعاية الأيتام

البيت العراقي لرعاية الأيتام(1)

لا يتابع الكثيرون نشرات الأخبار ولا يولونها الاهتمام الكافي، وإذا تابعها بعضُ فللاطلاع والتعرف، أما الرسالي المخلص الحريص على وطنه وشعبه فيسمعها و يتابعها ليتحمل مسؤوليتها ويقوم بما يمليه عليه واجبه الشرعي والوطني والإنساني وكأنه هو دون غيره المخاطب به.

أذكر هذه المقدمة بعد أن شدَّ انتباهي التقرير الذي عرضته فضائية (الحرة - عراق) في ساعتها الإخبارية عن العراق يوم الثلاثاء 25/شوال/1428 المصادف 6/ 11/ 2007 وتحدث فيه مراسلها عن (البيت العراقي الآمن لرعاية الأيتام) في مدينة الصدر الذي تكفل برعاية حوالي (30) يتيماً من مختلف مدن العراق فقدوا آباءهم وأمهاتهم وذويهم في عمليات الإرهاب الأعمى ومنهم من شاهد مصرع أبويه وهو أبن بضع سنوات، وقيّض الله تبارك وتعالى لهم هذه الأيدي الرحيمة التي تولّت رعايتهم تطوعاً قربة إلى الله تبارك وتعالى، ولم يقف هؤلاء الشرفاء عند حدود الرعاية والتربية وتوفير الاحتياجات بمقدار المتيَّسر لهؤلاء الأيتام، بل نجحوا في تفجير طاقاتهم وإبداعهم حيث ظهرت مواهبهم في مَجالات عديدة، وأنا إذ أسجل شكري واحترامي وإجلالي للقائمين على هذا المشروع، ولكل من يساهم في دعمهم وإنجاح عملهم،

ص: 472


1- نُشر في العدد (63) من صحيفة الصادقين.

فإنني أشيد بجهاد وجهود كل المراسلين الذين يبحثون عن هؤلاء الجنود المجهولين ويشخصون مواطن الشكر كما يسجلَّون مواطن التقصير والخلل لا للانتقاص من أصحابها بل لتصحيح المسار وإصلاح الخلل، ولكن الذي راعني في وسط كل هذه المشاعر الإنسانية النبيلة هو ما قاله احد المشرفين لما سُئِل عن المعوقات في عملهم فأجاب إنه حرمان هؤلاء المبدعين من الوثائق الرسمية بما فيها هوية الأحوال المدنية وقد طرقوا أبواب كل الجهات المعنية ولم ينجحوا بسبب الروتين الإداري القاتل، خصوصاً حينما يحرم هؤلاء –الذين يجب على الجميع تكريمهم- من أبسط حقوقهم وهو الانتماء إلى هذا الوطن الحبيب، وفاتهم بسبب ذلك عدد من السفرات إلى عدة دول لتكريمهم بعدما اطلعوا على وضعهم لسبب بسيط أنهم لا يمتلكون الأوليات المطلوبة!فمن أين يأتي هؤلاء الذين فجعوا بذويهم وهم بعمر أربع سنوات أو ستة ولم يبق لهم أحد ورُموا على قوارع الطريق حتى بعث الله تعالى لهم هذه الأيدي الحانية لتعوّضهم عن بعض ما فقدوه؟

وعلى أثر اطلاعي على التقرير كلّفت عدداً من المؤسسات الخيرية المرتبطة بنا بعمل المستحيل من أجل إجراء استرجاع هوية وكرامة هؤلاء الأيتام.

ثم اغتنمت الاتصال الهاتفي للسيد وزير الداخلية بي في مساء اليوم التالي لتفقد صحتي وأحوالي فعبّرت له عن اهتمامي بهذا الأمر ولعلاقة الموضوع به وذكرت له الحديث النبوي الشريف (أنا وكافل اليتيم كهاتين) ثم قرن بأصبعين من أصابعه الشريفة، ولا أشك أن إعادة الاعتبار لليتيم ومنحه استحقاقه من

ص: 473

أعلى أنواع الكفالة، فهذه فرصة عظيمة لنيل رضا الله تبارك وتعالى.وقد تفاعل السيد الوزير مشكوراً مع الطلب ووعد بأن يبعث صباح اليوم التالي مفرزة من الوزارة إلى هذه الدار لانجاز المطلوب(1).

وإنني إذ أسأل الله تعالى أن يرفع المحنة والبلاء عن كل المظلومين والمحرومين حتى يسود الحق والعدل والكرامة الانسانية أرجاء الأرض فأنني اصدر هذا البيان لأخلد النبل والشهامة والرحمة التي جسدّها كل من ساهم في إقامة هذا المشروع المبارك او دعمه مادياً ومعنوياً او دلّ على الخير فأن (الدال على الخير كفاعله).

ص: 474


1- وفى السيد الوزير بوعده في اليوم التالي وأرسل مجموعة من كبار المسؤولين لتثبيت المعلومات عن الأيتام وإنجاز معاملاتهم وقامت وسائل الإعلام بتغطية الزيارة، وسالت دموع الفرح من عيون الأيتام بعد أن كانوا يائسين من حصولهم على هذه الوثائق، وقد قام المشرفون على الدار باصطحاب الأيتام لزيارة سماحة الشيخ اليعقوبي يوم 4/ذ.ق/1428 المصادف 15/ 11/ 2007 وتقديم الشكر له على هذا العمل الإنساني، وتحدث معهم سماحة الشيخ بكلمات دعا فيها كل المسؤولين إلى اتخاذ مثل هذه المواقف النبيلة خصوصاً الوزارات المعنية بخدمة الشرائح المحرومة كوزارة العمل والصحة وأثنى سماحته على جهود القائمين على هذه الدار الذين يتفانون بكل إخلاص ومن دون مقابل للاعتناء بالأيتام وشاركت عوائلهم ببعض الخدمات كطهي الطعام لهم ونحوها وقال سماحته: ((لقد كنا نسمع عن مثل هذه المآثر في عصر صدر الإسلام ونعدّها من النوادر أما اليوم فأنتم مصداق حي لذلك، فلا بد من تكريم هذه المواقف النبيلة التي جسدتموها على أرض الواقع بدلاً من التركيز على تكريم الشخصيات التاريخية مع كل اعتزازنا بهم، فلماذا هذا الاستخفاف بما لدينا من عناصر القوة في وقتنا الحاضر)). وفي يوم السبت 6/ذ.ق أقام وزير الداخلية حفلاً وزع فيه هويات الأحوال المدنية وشهادات الجنسية على الأيتام.

المطالب المشروعة للمعلمين

المطالب المشروعة للمعلمين(1)

إن هذا الاعتصام يحظى بمباركة المرجعية لأنه نافذة للمطالبة بأدنى الحقوق المشروعة لشريحة المدرّسين والمعلمين التي تمثل البنية التحتية الإستراتيجية للشعوب والحضارات، وبعد أن استنفدوا كل الوسائل لإسماع الحكومة. فإن رواتبهم لا تكفي أحياناً لتغطية أجور النقل فكيف يستطيعون تأمين متطلبات المعيشة الأخرى.

وأرجو أن تعبّأ لهذه الفعالية كل ما يساهم في إنجاحها وتأثيرها لتحقيق أهدافها.

وحسناً فعلتم حينما جعلتموه قصيراً محدوداً لكي يؤدي الغرض منه من دون أن يؤثر على مستوى أحبائنا الطلبة.

والمأمول بالجهات المعنية في البرلمان والحكومة أن تنظر بعين الإنصاف والجدّية لهذه المطالب المشروعة ليكونوا أوفياء لشعبهم الذي تحدّى الإرهاب وخرج لانتخابهم. وأن تنال كل مكوّنات الشعب حقوقها.

الجمعة 3/ذو الحجة/1428 -14/ 12/ 2007

ص: 475


1- صدر البيان تأييداً لقرار معلمي ومدرسي العراق بالاعتصام ساعة يوم الأحد 16/ 12/ 2007 للمطالبة بزيادة رواتبهم ومخصصاتهم لتكون مساوية لما يُدفع إلى أقرانهم في كردستان العراق. وقد نفذ المعلمون اعتصامهم واصدر مكتب رئيس الوزراء بيانا صحفياً أكّد فيه الدور الريادي والقيادي للمعلمين ووعد بتحقيق مطالبهم خلال أيام وشُكلت لجنة برئاسة وزير التخطيط لتنفيذ ذلك، ونُشر هذا البيان في العدد (64) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 12 ذ.ح.1428 الموافق 23/ 12/ 2007.

بعثة المرجعية الرشيدة إلى الديار المقدسة

بعثة المرجعية الرشيدة إلى الديار المقدسة(1)

بعد إلحاح متزايد من المؤمنين داخل العراق وخارجه افتتح مقر بعثة سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) في مكة المكرمة لموسم الحج الحالي وهو أمرٌ جرت عليه سيرة المرجعيات الدينية والعلماء أسوةً بأئمة أهل البيت (علیهم السلام)، حيث كانوا يقيمون في مواسم الحج عدة أيام للّقاء بمواليهم من شتى المدن حيث كانوا (ع) يلقون الخطب والمواعظ في أفواج الحجاج لتكون هذه الخطب ثورة بيضاء ضد أئمة الجور في زمانهم.

وقد لاقى افتتاح البعثة ترحيباً كبيراً واهتماماً واسعاً من قبل عامة المسلمين وعدد من المرجعيات الدينية والشخصيات العلمائية والسياسية وقد تجسد ذلك بزيارتهم لمقر البعثة حيث ازدحم المقر بالمئات من ضيوف الرحمن العراقيين على مدار اليوم فضلاً عن عراقيي المهجر وسائر البلاد الإسلامية.

وكانت البعثة التي ترأسها لهذا الموسم سماحة الشيخ محمد الهنداوي (دامت تأييداته) قد باشرت العديد من الفعاليات والنشاطات منها استقبال الوفود الزائرة والإجابة عن مئات الاستفتاءات وتوزيع خطابات سماحة الشيخ (دام ظله) كان منها الخطاب الموسوم ب-(يوم عرفة اليوم العالمي للتوبة)(2) (بعدة لغات) وكلمة سماحته (دام ظله) إلى حجاج بيت الله الحرام لهذا الموسم التي عنوانها (المسؤوليات الثابتة والمتغيرة).

ص: 476


1- نُشر هذا البيان في العدد (64) من صحيفة الصادقين.
2- خطاب المرحلة 143 والذي دعا فيه سماحته (دام ظله) إلى جعل يوم عرفة من كل عام يوماً عالميا للتوبة.

كما سيّرت البعثة وفوداً لزيارة بعثات المراجع الكرام والعلماء الأعلام والبعثات الرسمية للدول الإسلامية وشارك كادرها أيضاً في المؤتمرات والندوات التي أقيمت في مكة المكرمة كما ساهمت في تفقد الحجاج العراقيين ومساعدتهم وحل مشاكلهم وشاركتهم في أحزانهم حيث أصدرت بياناً لشجب التفجيرات التي حصلت في محافظة ميسان وواست القائمين على العزاء وألقت خطاباً في جموعهم. وكان للمرأة نصيب في الحضور حيث زار مقر البعثة وفودٌ طبية نسائية وعدد من العضوات في مجلس النواب العراقي.

وقد كان لفتوى سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) بإجزاء الوقوف يوم عرفة مع قضاة الديار المقدسة مهما كان الفرق مع الحساب الشرعي صدىً طيباً في نفوس المؤمنين الذين سادهم الإرباك والقلق حيث يفتي عدد من المراجع بعدم الإجزاء(1)، وقد دعم سماحة الشيخ (دام ظله) الفتوى باستدلال على هذا الرأي وردّ فيه على القائلين بعدم الإجزاء وكان الاستدلال مختصراً إلا أنه متين مما أوجب إذعان الآخرين والأخذ به.

قبل أن يناقش أعضاء البرلمان الموازنة المالية لعام 2008

قبل أن يناقش أعضاء البرلمان الموازنة المالية لعام 2008(2)

أعلنت مصادر برلمانية أن المجلس سيستأنف جلساته يوم الثلاثين من هذا الشهر بعد عطلة غير شرعية وغير دستورية بسبب سفر الكثير من أعضائه لأداء

ص: 477


1- فقد كان الفرق في هذا الموسم يومين.
2- نُشر هذا البيان في العدد (65) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 7 محرم 1428 الموافق 16/ 1/ 2008.

مناسك الحج أو غيرها من الأغراض، وستكون أول فقرة يناقشها الأعضاء الموازنة المالية لعام 2008.نحن نريد أن نلفت نظر السادة أعضاء البرلمان إلى ضرورة مراجعة وتقييم موازنة 2007 قبل النظر في موازنة 2008 لمعرفة نسبة النجاح في تنفيذها، فهم ممثلو الشعب، والشعب يريد أن يسأل الحكومة أو المتبقي منها: الميزانية الانفجارية التي وُعِدنا بها؟ وأين صرفت الواحد وأربعون من مليارات الدولارات؟

وأين ذهبت المليارات الأخرى التي تحققت من زيادة سعر برميل النفط من (50) دولاراً الذي حُسبت الإرادات بموجبه إلى أن قاربت المائة؟ وأين المشاريع الاستثمارية التي خصص لها (11) مليار دولار من ميزانية 2007؟ وغيرها من التساؤلات.

نعم الذي تحقق للشعب زيادة التضخم، وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، ورفع الدعم الحكومي عن المشتقات النفطية وعدم حصول المواطن على العديد من فقرات البطاقة التموينية التي تسدّ بالكاد رمق حياته، وتخريب المؤسسة الصناعية وانهيار النشاط الزراعي حتى أصبح العراق يستورد ذرات الملح وحبّات البصل والطماطة، هذا غير الكوارث الإنسانية والاجتماعية والأمنية المحدقة به.

إن الموازنة المالية لا تعني جداول أرقام كيفية يراد منها إخراج نتائج متساوية أو غير متساوية بين الإرادات والمصروفات، بل إنها تعني الكثير، لأن أهل الاختصاص يكتشفون من خلال تفاصيل الموازنة: أولويات الحكومة

ص: 478

وسياستها الاقتصادية وقدرتها على إدارة الأموال وصرفها في مواضعها بحسب الأهمية، وخطط الحكومة في الارتقاء باقتصاد البلد ومستقبل أبنائه وتحسين أوضاعهم المعاشية ويكتشفون من خلالها عناصر القوة في بنية البلد وغيرها من المعاني.لكننا لا نجد كل ذلك في الموازنات المتتالية للحكومة لا على مستوى التنظير والتخطيط ولا على مستوى التطبيق والتنفيذ، بل نجد العكس من ذلك حيث تتناقض آليات عمل السياسة المالية (التي تشرف عليها وزارة المالية) والسياسة النقدية (التي يشرف عليها البنك المركزي) فالأولى أدّت إلى ارتفاع التضخم والثانية أدّت إلى قوة العملة وزيادة سعر صرف الدينار مقابل الدولار وشهد سوق صرف العملات تقلباً غير طبيعي وأدّى إلى خسارة فادحة لعديد من أبناء الشعب.

إن الشعب يتساءل: إلى متى يستمر هذا الانحدار المريع الذي يفرز يومياً قوافل جديدة تنضّم إلى مستوى دون خط الفقر؟ وهل يُعقل أن يعيش الشعب العراقي هذا الوضع البائس الذي ألحقه بأفقر شعوب العالم وأرضه تضمُ ثاني اكبر احتياطي في العالم وتصدر موانئه أكثر من مليوني برميل من النفط يومياً.

السادة أعضاء البرلمان:

لقد حمّلكم الشعب حين انتخبكم مسؤولية الدفاع عن حقوقه وأنصافه ورفع الظلم عنه وقد قبلتم تحمّل هذه الأمانة، والله تبارك وتعالى يقول: [لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ] (الأنفال:27) فأوفوا بعهودكم مع الشعب وأدّوا الأمانة إلى من ائتمنكم [وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ

ص: 479

إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ، مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ] (إبراهيم: 42-43).16/ذي الحجة/1428 الموافق 27/ 12/ 2007

احتفالات استقبال شهر محرم الحرام

احتفالات استقبال شهر محرم الحرام(1)

عمّم سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) توجيهاً إلى مكاتب جماعة الفضلاء في المحافظات وأذرع المرجعية الأخرى يقضي بإقامة فعاليات مع إطلالة كل شهر محرم الحرام تبرز المعاني التي أثمرتها حركة الإمام الحسين (علیه السلام) يوم عاشوراء.

إن بقاء مدرسة أهل البيت بهذا الشموخ والعزة والأصالة مدين إلى تضحيات أبي عبد الله (علیه السلام) وللشعائر الحسينية المباركة، وهي تنطلق اليوم من ارض العراق المعطاء لتؤدي دور أكبر وهو نشر الإسلام المحمدي العلوي الأصيل إلى كل ربوع العالم تمهيداً للظهور الميمون لإمامنا المهدي (أرواحنا له الفداء).

إن شعائر الإمام الحسين (علیه السلام) يجب أن تكشف بوضوح عن المعاني التي جسدها ع في مواقفه من الشجاعة والإنسانية والإخلاص لله تبارك وتعالى والسمو والتحرر من عبادة الذات والطواغيت ومن الحب والرحمة ورفض الباطل والفساد بكل أشكاله ولنجعل من شهر محرم الحرام –كما هو كذلك- مظهراً لكل تلك المعاني النبيلة.

ص: 480


1- نُشر هذا البيان في العدد (65) من صحيفة الصادقين.

وما اصطحابه (علیه السلام) لعقائل النبوة والإمامة وتعريضهن للسبي إلا لإعلان تلك المبادئ الإنسانية والإسلامية العليا بعد أن كمّمت السلطات القمعية أفواه الرجال عن الكلام.

المرأة والاجتهاد

المرأة والاجتهاد(1)

سماحة المرجع الديني آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله الوارف)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد.

سمعنا من بعض أخواتنا المؤمنات في جامعة الزهراء أنكم تجعلون الغاية من تأسيس جامعة الزهراء (علیها السلام) هو وصول النساء إلى مستوى مبلغات فقط وعلى هذا فلا داعي لدراسة الكثير من الكتب الحوزوية التي يدرسها من يريد الوصول إلى الاجتهاد وهذا الفهم أدى إلى انسحاب الكثير من الطالبات المتميزات من الجامعة قبل إكمال المرحلة الثالثة بحجة أنهّن أخذن ما فيه الكفاية ولا غاية لجامعة الزهراء في إيصالنا إلى الاجتهاد فنرجو تفضلكم ببيان القول الفصل في هذه المسألة ونصيحتكم للنساء مع دعائي لكم.

بسمه تعالى:

لا صحة لهذا الكلام على إطلاقه فقد قلت إن أحد غايات تأسيس جامعة الزهراء (علیها السلام) توفير مبلّغات واعيات مخلصات، وتوجد أهداف أخرى منها تحصيل نساء مجتهدات ولو واحدة على الأقل بالآليات التي نضعها لهنّ بإذن

ص: 481


1- نُشر هذا البيان في العدد (65) من صحيفة الصادقين.

الله تعالى. وأنا أتوقع وصول أكثر من واحدة إلى هذه الدرجة من الأخوات الفاضلات في فروع جامعة الزهراء (علیها السلام) وقد قلت في بعض كلماتي إن النساء أخبر بقضايا النساء وأدعو الله تبارك وتعالى أن أرى في القريب العاجل من تقرّ عيون المؤمنين والمؤمنات بالوصول إلى هذه المرتبة الشريفة وتكون مرجعاً للنساء وقد أجزتُ ذلك في رسالتي العملية (سُبُل السلام) والله الهادي إلى سواء السبيل، فعلى الأخوات الفاضلات أن يبذلن قصارى جهودهن ويواصلن المسيرة بهمّةٍ أكبر لنيل هذا الهدف المبارك.

ويوجد لدى الإدارة المركزية لفروع جامعة الزهراء الآلية المناسبة لمواصلة الطالبات دراستهن بما يناسب وضعهن الاجتماعي.

غرة محرم الحرام 1429

على المسؤولين أن يتصفوا بالأبوية

بسم الله الرحمن الرحيم

استقبل(1) المرجع الديني استقبل المرجع الديني سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) فخامة السيد جلال الطالباني رئيس الجمهورية في مكتبه في النجف الأشرف...

وقال سماحته (دام ظله) خلال اللقاء: إن كثيراً من الأنبياء اشتغلوا بالرعي

ص: 482


1- في يوم السبت 1/صفر/1429 الموافق 9/ 2/ 2008، ونُشر التقرير في العدد (66) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 12 صفر الموافق 20/ 2/ 2008.

وفي ذلك درس لنا بأنّ من يتولى أمور المجتمع وسياسة الأمة لا بد أن يتدرب على رعاية الناس وحفظ مصالحهم والقيام على شؤونهم، فكما أن راعي الأغنام يطعمها ويسقيها ويتفقد الضائع منها ولا ينام الليل حتى يطمأن إلى حسن إيواء جميع القطيع في الحظيرة، هذا مع الحيوان فكيف بمن يتولى شؤون الناس؟وقال سماحته (دام ظله) لقد استمعتُ إلى مؤتمركم الصحفي الذي عقدتموه اليوم بعد زيارتكم للمراجع العظام وتحدثتم فيه عن كل ما أريد أن أقوله، وهو: إن كل اهتما م المرجعية بأن ترى حال الناس.. كل الناس بخير، وأن تقوم دولة القانون والمؤسسات التي يتساوى فيها الجميع، وأن يكون المسؤول أباً لجميع العراقيين، وأن يوفر الأمن والخدمات للناس .

وعبّر سماحته (دام ظله)عن سروره حينما يجد كل الشعب ومكوناته السياسية الممثلة له تشعر بان السيد رئيس الجمهورية قريب منها فتقصده في مطالبها وحل مشاكلها .

وقال فخامة الرئيس إنه عازم أن يكون كذلك، وهو سائر في هذا الطريق، ونتمنى على سماحة الشيخ أن يكون سنداً للعملية السياسية وداعماً لها.

وتضمن اللقاء أحاديث أدبية وتأريخية، كما تحدث سماحة الشيخ عن ذكرياته في مدينة السليمانية خلال السبعينات من القرن الماضي، وأبدى فخامة السيد الرئيس رغبته في أن يقوم سماحة الشيخ (دام ظله) بزيارة إلى مدينة السليمانية اليوم ليجد الفرق بين الحالين.

ص: 483

وظيفة المؤسسات الإسلامية في الخارج

بسم الله الرحمن الرحيم

استقبل(1) المرجع الديني استقبل المرجع الديني سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) فضيلة السيد جواد الخوئي حفيد مرجع الطائفة الراحل السيد أبي القاسم الموسوي الخوئي (قدس الله سره)، وترحّم سماحته في بداية الحديث على السيد العظيم وعلى ولده المرحوم أبي الجواد السيد محمد تقي الخوئي وأعلام الأسرة، واستعاد ذكرى تتويجه بالعمامة على يد المرجع الأعلى السيد الخوئي (قدس سره)، وأشار (دام ظله) إلى ضرورة أن تقدم المؤسسات الإسلامية التي تنهل من معارف وسيرة أهل البيت (سلام الله عليهم) التي تعمل في الخارج وعلى رأسها مؤسسة الخوئي الخيرية بدور فاعل في نشر الإسلام النقي الأصيل والاستفادة من الآليات المعاصرة المتاحة.

وقد عبر سماحته عن أسفه لعدم وجود المبادرة الذاتية المخلصة لدى السياسيين لإصلاح الوضع القائم المزري ولا يتحركون إلا إذا تعرضوا للضغط أو شعروا بأن مصالحهم مهددة.

ص: 484


1- في يوم الجمعة 30/محرم/1429 الموافق 8/ 2/ 2008، ونُشر في العدد (66) من صحيفة الصادقين.

مدينة الدجيل أسوأ حالاً مما كانت عليه في زمن الطاغية صدام

مدينة الدجيل أسوأ حالاً مما كانت عليه في زمن الطاغية صدام(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

قال أبناء مدينة الدجيل: إن وضع المدينة أسوأ بكثير مما كانوا عليه في زمن الطاغية المقبور صدام حيث انقطعت عنهم المواد الغذائية والمشتقات النفطية وتفتقر مدينتهم إلى مستشفى يعالجون فيه أطفالهم وضحايا الإرهاب والنساء التي تشكو من عسر الولادة لذا مات الكثير منهم وإذا حاولوا نقلهم إلى أقرب مستشفى في قضاء بلد تخطّفهم الإرهاب وقتلهم .

وقالوا في كلماتهم التي ألقوها في حضرة سماحة الشيخ اليعقوبي إن حالهم ازداد سوءاً بعد إعدام الطاغية صدام بقضية أبناء الدجيل حيث انتقمت منهم العشائر المحيطة بالمدينة، وأن شهداء المدينة في مجموع حكم صدام ناهز (250) لكن شهداءهم في فترة ما بعد السقوط بلغ ضعف هذا العدد، والحكومة التي تحملّوا بسبب موالاتها وانتخابها كل تلك التضحيات معرضة عنهم وتقابلهم بالصدود ولا تسمح بلقاء ممثليهم .

وتحدث أهل قضاء بلد عن معاناتهم من الإرهاب حيث أنهم محاطون بحواضنه التي تنطلق منها الصواريخ والهاونات والسيارات المفخخة لتقتل الأبرياء وتخرّب المنازل وتعطّل الحياة واستولوا على البساتين المحيطة التي تعد مصدر رزق أبناء المدينة، وشهدت المدينة حوادث مرّوعة ، آخرها يوم عاشوراء الماضي والتفجير الذي استهدف أحدى القرى التابعة لناحية يثرب في

ص: 485


1- نُشر في العدد (66) من صحيفة الصادقين.

قضاء بلد.ومما زاد المعاناة أن قضائي بلد والدجيل تابعان لمحافظة صلاح الدين ولا يتمكن أبناؤهما من مراجعة مدينة تكريت لانجاز معاملاتهم أو أي شيء آخر لأن الإرهاب لهم بالمرصاد.

وقال سماحة الشيخ اليعقوبي: إننا متابعون لقضاياكم ومهتمون بها ونبذل وسعنا من اجل تخفيف معاناتكم وحل مشاكلكم، ونعجب كل العجب لإهمال الحكومة لأمركم وهم تسلقوا المناصب بدماء شهدائكم ومعاناتكم وملأوا العالم ضجيجا بالمآسي التي لحقتكم ولكنهم اكتفوا بتحقيق أهدافهم الشخصية وتركوكم فريسة للإرهاب.

وأضاف سماحته لدى استقباله وفدا كبيرا من أبناء المدينتين يوم السبت 16/ 2/ 2008م: إننا نقدر صمودكم في وجه الإرهاب الذي يحيط بكم من كل الجهات فمن الشمال يتصل بسامراء والدور ومن الغرب بالثرثار إلى الفلوجة ومن الشرق بديالى إلى العظيم ومن الجنوب بالمشاهدة والتاجي والطارمية حتى انقطعت بكم السبل .

وكان يمكن للحكومة أن تحوِّل الكثير ممن انخرطوا في سلك الإرهاب إلى موالين يحمون السلطة والقانون لأنهم ما انضموا إلى الجماعات المسلحة اقتناعاً بها وإنما تحت ضغط الحاجة والفقر والحرمان ورأوا أنهم لا بد أن يتخندقوا مع أحد ليبقوا أحياء فلما لم تحتضنهم الحكومة ولم توفر لهم فرص العمل ولو البسيطة التحقوا بالإرهابيين الذين دفعوا لهم أثماناً بخسة فقد قيل إن الإرهابي الذي نفذ تفجير الروضة العسكرية وأشعل الفتنة كان ثمنه خمسة

ص: 486

آلاف دولار، وأن رواتب رجال الصحوة الذين هزموا الإرهاب هي ثلاثمائة دولار ولا تصلهم كل شهر، فهل تعجز الحكومة عن كسب رعاياها بمثل هذه المبالغ لتجنّب البلاد والعباد هذه الكوارث، وهم مواطنون عراقيون لهم الحق في العيش بكرامة.وأهاب سماحته بالمسؤولين في محافظة صلاح الدين أن لا يحمّلوا أبناء هاتين المدينتين جريرة غيرهم فإنهم إخوانهم ولا شيء أفضل من أن يعيشوا بمحبة وسلام.

موقع المرجعية الرشيدة باللغتين الألمانية والإنكليزية

موقع المرجعية الرشيدة باللغتين الألمانية والإنكليزية(1)

أنشأ بعض العاملين الرساليين من الإخوة والأخوات المقيمين في ألمانيا من العراقيين المهاجرين والألمان الذين أسلموا واتبعوا مذهب أهل البيت (علیهم السلام) موقعاً الكترونياً للمرجعية الرشيدة لينشر تعاليم الإسلام السامية وتعريفها إلى الغرب وقد طلبوا كلمةً مباركةً من سماحته فكتب إليهم:

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عظم الله أجورنا وأجوركم بمصاب أبي عبد الله السبط الشهيد صلوات الله وسلامه عليه وجعلنا الله وإياكم من السائرين على نهجه في طلب الإصلاح وأن نكون من الآخذين بثأره مع الإمام المهدي المنتظر الموعود (أرواحنا له الفداء).

أبارك لكم افتتاح هذا الموقع الشريف الذي أرجو أن يكون بلطف الله

ص: 487


1- نُشر في العدد (66) من صحيفة الصادقين.

تبارك وتعالى نافذة للألمان وعموم الغرب على الإسلام العظيم ليسعدوا في الدنيا والآخرة باتباع تعاليمه السامية والتي تمثل المبادئ الإنسانية العليا.والإمام (علیه السلام) يقول: (إن الناس لو علموا بمحاسن كلامنا لاتبعونا) فما علينا إلا إيصال هذا الصوت المبارك إلى الناس كل الناس وليس المسلمين فقط، وسيفتح الله تبارك وتعالى قلوبهم له ولا يحتاج إلى مؤونة إضافية وستكون هدايتهم جميعاً من خلالكم بما ييسّره الله تبارك وتعالى.

وأنا وكل غيور ومحب للإصلاح شاكرون لكم على فتح هذه النافذة لنطّل من خلالها على إخوانٍ لنا في الدين أو نظراءٍ لنا في الإنسانية أن لم يكونوا مسلمين، لعلّ الله تعالى يجري الخير على أيدينا وأيديكم للناس فيهتدون وهو خيرٌ مما طلعت عليه الشمس وما غربت كما ورد في الحديث الشريف فيحُسُ بالذي يريد المتاجرة الرابحة مع الله تبارك وتعالى أن لا يقصّر في بذل كل ما بوسعه في هذا الطريق اللاحب الطويل الذي سار عليه أكرم خلق الله تبارك وتعالى الرسل والأنبياء والأئمة (صلات الله عليهم جميعاً) والعلماء الصالحون والعاملون الرساليون.

ولمن أحب الاطلاع على الموقع الألماني يمكنه الدخول إليه على العنوان التالية www.yaqoobi.de .

ص: 488

الحركات المدعية المهدوية ... أسباب نشوئها وعلاجها

الحركات المدعية المهدوية ... أسباب نشوئها وعلاجها(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحركات المهدوية التي تدعي الارتباط بقضية الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) بحسب العنوان لا بحسب الحقيقة ليست جديدة وإنما تمتد عبر التاريخ إلى زمان الأئمة المعصومين (سلام الله عليهم) فقد سمّى المنصور العباسي ولده محمداً ولقّبه بالمهدي ليغرّر به الناس ويصرفهم عن الأئمة الحقيقيين ويوهمهم انه المهدي الموعود وقد صار خليفة من بعده.

ووجود مثل هذه الحركات ليست حالةً غريبة لأن حب الجاه والتسلط على الناس ونيل المغانم من النزعات النفسية المتأصلة ولا تنزع إلا بلطف وعصمة من الله تبارك وتعالى، وهؤلاء الطامحون إلى السلطة تتنوع آلياتهم للوصول إليها فبعضهم بالانقالابات العسكرية وبعضهم بانتخابات مزيفة وآخرون بفتاوى وعّاظ السلاطين وهكذا ومن لا يمتلك هذه العناصر قد يلجأ إلى ادعاءات غيبية كسفارة الإمام المهدي (عجل الله فرجه) والباب إليه والعرفان ونحوها، والهدف واحد.

فهذه إذن حالات ليست غريبة ولا جديدة ولكن الغريب والجديد أن يشهد بلدنا في سنة واحدة عدة منها وارتقى بها الحال إلى المواجهات المسلحة الدامية التي خلفت مئات القتلى والجرحى.

وإذا كان رؤوس هذه الدعوات وقادتها من الضالين المضلين الطامعين في

ص: 489


1- من حديث سماحة الشيخ (دام ظله) مع رابطة نور الله الطلابية وجمع من مثقفي مدينة المسيب يوم 4 صفر 1429 المصادف 12/ 2/ 2008 ونُشر في العدد (66) من صحيفة الصادقين.

الجاه والسلطان فإن كثيراً من المخدوعين بهم ليسوا كذلك وإنما انطلت عليهم تلك الدعاوى بسذاجتهم وجهلهم وضعف وعيهم. لذا فيجب التفكيك في التعامل بين رؤوس تلك الدعوات والقواعد المتبعة لهم حتى نقلل الخسائر إلى أقل حدٍ كافٍ.ولمعالجة هذه الحركات لا بد من تشخيص أسباب نشوئها ليكون وصف العلاج بلحاظ تلك الأسباب وحتى تتحمل الجهات الدينية والسياسية والفكرية مسؤولياتها في هذه الحركة. لأن علاج بعض الحالات الضارة يكون أحياناً بتجفيف منابعها وقطع أسباب الحياة عنها كما لو أن كائنات ضارة تعيش في وسطٍ مائي ولا يمكن الوصول إليها لمكافحتها فيكون العلاج بتجفيف ذلك الماء لتموت تلقائياً.

وقد أوضحنا جملة من الأسباب وطرق العلاج في أحاديث أخرى ويتلخصّ الموقف الصحيح للمجتمع إزاء هذه الدعوات بنصف سطر وهو الرجوع إلى العلماء لأنهم أهل الاختصاص والعارفون بالأمور والقادرون على التمييز بين الصادق والكاذب ولذا أوصى الأئمة المعصومون ع باتباعهم والرجوع إليهم.

ص: 490

تحقيق المصالحة الوطنية يكون من خلال التغيير الشامل للحكومة

بسم الله الرحمن الرحيم

استقبل سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) السيد نائب رئيس الجمهورية الدكتور عادل عبد المهدي(1) وقال في حديثه:

إن الطريقة الطبيعية لإصلاح أوضاع البلاد أن تبدأ العملية من القاعدة وتتدرج لتفرز في النهاية حكومة صالحة خادمة للشعب، لكن الذي حصل في العراق هو العكس فأقيمت الحكومة من دون بناء قواعد صحيحة ورصينة لاختيار عناصرها ومن دون بناء ثقافة الإصلاح والعمل من أجل الناس.

وكان يمكن لهذه الحكومة أن تؤسس لخلق تلك الثقافة في المجتمع بأن تسير سيرة صالحة عادلة ليتأسى بها الشعب ويشعر الجميع بواجبه اتجاه دولة القانون، لكن الذي حصل أن الأحزاب الحاكمة كرسّت حالة الاستئثار والاستبداد والأنانية والتنازع والصراع وتبعاً لها فقد انقسم الشعب وتخندق وتمزّق وتفّشت فيه الصراعات ودفع ثمناً غالياً من أرواح الناس وتدمير الاقتصاد وتخريب المؤسسات.

ولذا باءت كل محاولات الإصلاح السياسي والمصالحة الوطنية بالفشل لأن طريقة الأحزاب الحاكمة في إدارة البلاد لا تساعد على نجاح الإصلاح المصالحة ولا تؤدي إليها، لذا فإن التغيير لا بد أن يبدأ من الحكومة فإصلاح

ص: 491


1- من حديث سماحة الشيخ (دام ظله) مع رابطة نور الله الطلابية وجمع من مثقفي مدينة المسيب يوم 4 صفر 1429 المصادف 12/ 2/ 2008 ونُشر في العدد (66) من صحيفة الصادقين.

العملية السياسية وتحقيق المصالحة الوطنية يكون عبر إجراء تغيير شامل في الحكومة وبنائها على أسس الشراكة واعتماد الكفاءة والمهنية والوطنية.ولا تجوز مجاملة المعترضين على إجراء هذا التغيير ما دام هو رغبة الأكثرية وتتحقق به مصلحة الشعب.

إن التغيير وتحقيق المصالحة قد يبدو أمراً معقداً وبعيد المنال ولكنه في نفس الوقت سهل التحقيق لأنه لا يحتاج إلى أكثر من إرادة صادقة ونكران للذات. فعلى الكتل السياسية الفاعلة أن تقدم مصلحة الشعب على مصالحها الفئوية التي ستحقق هي أيضاً عندما يكون العراق وشعبه بخير فإن جميع المكونات ستكون بخير.

معنى (تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر)

معنى (تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر)(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

كثيراً ما يتردد قول غاندي (تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فانتصر) على السنة المتحدثين دليلاً على عالمية وإنسانية أهداف الإمام الحسين (علیه السلام).

والظاهر من مرادهم أحياناً و مقصودهم من الكلمة هو أنه تعلم من الحسين كيف يسعى ليكون مظلوماً حتى ينتصر، وهو معنى سلبي ينافي أهداف الإمام

ص: 492


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع حشد من أساتذة جامعة البصرة زاروا سماحته وهم متوجهون إلى زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) يوم 19 صفر 1429 المصادف 27/ 2/ 2008 ونُشر الخبر في العدد (67) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 26/صفر المصادف 5/ 3/ 2008.

الحسين (علیه السلام) فإنه القائل: (يأبى الله لنا و رسوله أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام) وورد في الدعاء (اللهم كرِّه إليَّ أن أكون مظلوماً كما كرّهت إليَّ أن أكون ظالماً)، والمظلوم الذي يستكين إلى الظلم ويستسلم إليه ولا يتحرك لرفعه لا ينتصر.أما المعنى الصحيح للعبارة فهو إنني تعلمت من الحسين (علیه السلام) كيف أحوّل مظلوميتي إلى انتصار، تلك المظلومية التي يريد الطغاة والمستكبرون بما أوتوا من أموال قارونية وسلاح فتاك و ألوف مؤلفة من الجنود وإعلام مضلل أن يفرضوها على المستضعفين المحرومين العُزّل من أسباب القوة المادية.

لكن هؤلاء المحرومين يمتلكون الإرادة الحرة وإباء الضيم ورفض الذل ويتحلون بالصبر والمصابرة والشجاعة، ويحسنون التصرف بحكمه فيحوّلون تلك الهزيمة التي يريد الطغاة أن يلحقوها بالشعوب إلى نصر، وهذا ما أثمرته تضحيات الإمام الحسين (علیه السلام) حيث انتصرت إرادته الحرة على الماكنة العسكرية الضخمة ليزيد وجلاوزته.

العاملون المخلصون في العراق كالسائرين في حقول الألغام

بسم الله الرحمن الرحيم

زار(1) السيد جون كير اليخاندرو مسؤول بعثة الصليب الأحمر في العراق المرجع الديني سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) في

ص: 493


1- كان تأريخ الزيارة في 4 ربيع الأول 1429 المصادف 12/ 3/ 2008 ونُشر الخبر في العدد (68) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 24 ع1 1429 الموافق 1/ 4/ 2008.

مكتبه في النجف الأشرف حيث قال الضيف أنه جاء للعراق للقاء المسؤولين وأصحاب القرار للاطلاع عن قرب على آراءهم تجاه ما تقدم المنظمات الإنسانية وبعثة الصليب الأحمر.وقال سماحة المرجع اليعقوبي: إن الجهد الإنساني مهم ولكنه لا يكفي وحده ما لم ينظم معه جهد سياسي ليكون مؤثراً وفاعلاً فلا بد من التركيز على حل العقد وإزالة التوتر السياسي لأن المشاكل الموجودة هي مظاهر وإفرازات للحالة السياسية الراهنة والعلاج يجب أن يوجه تجاه العلة الرئيسية ولا يكتفى بمعالجة الأعراض، وإن البلد اليوم بأمس الحاجة إلى إصلاح جذري في مسار العملية السياسية.

وأضاف سماحته: إن المشكلة الرئيسية في عمل المنظمات الإنسانية في إيجاد الوسائل والقنوات السليمة لإيصال المساعدات الإنسانية لمحتاجيها فما نسمعه ونلمسه من الفساد المستشري في دوائر ومؤسسات الدولة المرتبطة بالجوانب الخدمية والصحية يزلزل الثقة بوصول المساعدات إلى مستحقيها، ونصح سماحته (دام ظله) الضيف بالتفقد المباشر (وعدم الاكتفاء بالتقارير) لمعسكرات المهجرين والمجمعات السكنية التي تعيش أقصى حالات الفقر والبؤس والحرمان من ابسط حقوق الحياة الكريمة للوقوف على مواطن الاحتياج الحقيقي والاطمئنان إلى وصولها إلى مستحقيها فهذا يساهم في استعادة جزء من المصداقية في العمل.

ووصف سماحته (دام ظله) العمل الإنساني في العراق كالسير في حقل من الألغام بدون وجود خارطة تشير إلى موضع الألغام بسبب احتدام الصراع في

ص: 494

الساحة العراقية وكثرة المتآمرين على العراق من داخله وخارجه وخلط الأوراق، إلا مَن نَوّر الله قلبه بالبصيرة وألهمه الحكمة.ونصح سماحته الضيف بالاعتماد في عمله على العراقيين المخلصين الحريصين على مصلحة بلدهم لأنهم ألفوا السير في حقول الألغام وواصلوا الطريق بشجاعة متناهية همهم في ذلك هو إنقاذ بلدهم وتقليل معاناة أبنائه.

وقال سماحته في تعليقه على طلب الضيف بضرورة ممارسة الضغط من قبل الجهات الدينية على السياسيين والمتصدين: إننا ماضون بهذا الاتجاه ونمارس وظيفتنا في الإرشاد والتسديد والتدخل لتصحيح المسار وسنستمر في أداء واجبنا من دون يأس لأن الناس تأخذ حيويتها وطاقتها من المرجعية وستصاب بالعجز إذا شعرت بان المرجعية يائسة أو عاجزة عن فعل شيء ولكن الجهد الفردي لا يثمر ما لم تتضافر معه بقية الجهود من جهات متعددة ليكون الضغط مؤثراً.

وحضر اللقاء: السياسي د. حسن سلمان والسيد مؤيد كولابي مستشار رئيس البعثة والنائب كريم محسن عضو المكتب السياسي في حزب الفضيلة الإسلامي ولجنة الزراعة في مجلس النواب العراقي.

ص: 495

الشيخ اليعقوبي يزور سماحة المرجع الديني الشيخ الكرامي

الشيخ اليعقوبي يزور سماحة المرجع الديني الشيخ الكرامي(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

قام سماحة الشيخ اليعقوبي بزيارة المرجع الديني سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد علي الكَرامي في مقر إقامته إلى جوار حرم أمير المؤمنين ورحّب بقدومه لزيارة العتبات المقدسة في العراق.

وأثنى سماحته على التاريخ الجهادي والجهد العلمي الذي حفلت به حياة الشيخ الكَرامي منذ أكثر من خمسين عاماً فقد بدأ بتأليف عدة كتب في حياة أستاذه سيد الطائفة في عصره السيد حسين البروجردي (الذي توفي عام 1961) وحضر عنه الشريف وهو لم يتجاوز العشرين مدة سنتين أو ثلاث.

وكان سماحة الشيخ الكَرامي من العلماء السابقين للمشاركة الفاعلة في الثورة الإسلامية في إيران منذ تفجّرها على يد الإمام الراحل السيد الخميني (قدس سره) في عام 1963 وحظي بمرتبة قريبة منه (قدس سره) وللإمام الراحل عدة رسائل ثناء وتبجيل في سماحة الشيخ الكَرامي، وبسبب جهاده المشرف فقد اعتقل وعُذِّب في سجون الشاه المقبور.

وبدوره فقد أشاد سماحة الشيخ الكَرامي بالمرتبة العلمية السامية للشيخ اليعقوبي وبعطائه العلمي والفكري الغزير وبنشاطه في العمل الإسلامي المبارك وجدّد وصفه لسماحته بأنه ضلع من أضلاع الإسلام وتعجّب من فعل من يحاول كسر هذا الضلع.

ص: 496


1- كانت الزيارة عصر الأربعاء 11 ربيع الأول 1429 المصادف 19/ 3/ 2008 ونُشر الخبر في العدد (68) من صحيفة الصادقين.

ودار الحديث بين المرجعين عن أهمية قيام الحوزة العلمية بدورها في التبليغ الإسلامي وإرشاد المجتمع وضرورة وحدة العلماء والحوزات العلمية في مواجهة التحديات والمؤامرات التي تحيط بالمسلمين من جميع الجهات، وأكّد على ضرورة البناء المعنوي لشخصية طالب العلم والجد والاجتهاد في تحصيل العلوم والكمالات المعنوية والابتعاد عن مغريات الدنيا والترفع عنها، وتذكّر سماحة الشيخ الكَرامي الروح المعنوية العالية التي كانت تتصف بها الحوزة العلمية في زمان السيد البروجردي (قدس سره) هذا وقد جرت لسماحة الشيخ الكَرامي احتفالات ترحيب ألقيت فيها بعض القصائد و الكلمات في النجف وكربلاء والكاظمية المقدسة، وشكر سماحته هذه العواطف النبيلة الصادقة وحسن الضيافة.

ص: 497

المرجعية الرشيدة والأحداث الجارية في العراق

المرجعية الرشيدة والأحداث الجارية في العراق(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

يتابع سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) بمرارة وألم الكارثة الإنسانية التي حلّت بمدينة البصرة خصوصاً ومدن العراق عموماً بحيث افتقدت بعض العوائل لقطرة ماء تسقي رضعانها وكسرة خبز يقتاتون عليها، وقضى عدد من الجرحى الأبرياء بالرصاص والقذائف التي لا يعلمون مصدرها ولا سبب استهدافهم بها، قضوا نزفاً لعدم إمكان نقلهم إلى المستشفى، ونحوها من المصائب.

وقد أوقف سماحته جملة من نشاطاته للتفرّغ لمعالجة هذه الأزمة، وهو يتحرك من خلال كل القنوات والواجهات المتاحة لذلك، وإنه لا يتوانى عن اتخاذ أي خطوة تساهم في الحل.

وإن سماحته لا يعتمد لغة البيانات التي تتميز غالباً في مثل هذه الظروف العصبية التي نمرّ بها بالتملق لهذه الجهة أو تلك، أو ركوب الموجة للقفز إلى موقعٍ ما، أو لتصفية الحسابات مع الآخرين، أو الوصول إلى مصلحة ما.

ص: 498


1- صدر هذا البيان من سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) يوم 21 ع1 1429 المصادف 29/ 3/ 2008 تعليقاً على العمليات العسكرية التي بدأتها الحكومة بمعاونة قوات الاحتلال وغطائها الجوي في البصرة ضد الجماعات المسلحة التي كانت تمارس القتل والاختطاف والابتزاز والتأثير على عمل مؤسسات الحكومة، وأُطلق عليها اسم (صولة الفرسان) وقد بدأت العمليات يوم 17 ع1 /1429 الموافق 25/ 3/ 2008 وتوصل الطرفان إلى اتفاق في اليوم التالي من صدور هذا البيان وتوقفت العمليات وكان لمحافظ البصرة –وهو من أتباع المرجعية الرشيدة- دور فاعل في إبرام الاتفاق وحماية المدينة وأهلها من المزيد من الخراب وسفك الدماء، ونُشر البيان في العدد (69) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 18 ع2/ 1429 المصادف 25/ 4/ 2008.

وإنما ينهض ومن تبعه بمسؤوليته الجسيمة في حقن الدماء وإزالة أسباب الاحتقان وإطفاء الفتنة وحماية أرواح الناس وممتلكاتهم ومصالحهم وأفكارهم، وإن سماحته لم يتوقف يوماً ما عن إبداء توجيهاته إلى الأمة وما يجب على جميع الشرائح فعله، ويشخّص أسباب المشاكل والفتن قبل وقوعها ويضع إزاءها العلاجات المناسبة ولا يحتاج إلى وقوع الكارثة لكي تحرّكه لقولٍ أو فعلٍ ما، لأن المصيبة تكون حينئذٍ قد حلّت، والعاقل هو من يتجنّب الخسائر قبل وقوعها.ومن يتابع خطابات وكلمات المرجعية الرشيدة فإنه سيكون على بصيرةٍ من أمره.

إعمار الروضة العسكرية لا بد أن يقترن بإعمار مدينة سامراء

إعمار الروضة العسكرية لا بد أن يقترن بإعمار مدينة سامراء(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

استقبل سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) بعض أفراد الموكب الذي تجمع من عدة مدن عراقية في كربلاء وانطلق في ذكرى استشهاد الإمام الحسن العسكري (علیه السلام) في 8/ربيع الأول/1429 إلى مرقد السيد محمد ابن الإمام الهادي (علیه السلام) في بلد ثم توجهوا إلى سامراء لزيارة الإمامين العسكريين (ع)، كما تلقّى سماحته تقريراً من مجموعة الفضلاء الذين توجّهوا من بغداد إلى سامراء في نفس الذكرى وأقاموا المآتم ومجالس العزاء وحضرها عدد من المسؤولين وعناصر القوات الأمنية المسلّحة وضجّت الروضة العسكرية بالبكاء

ص: 499


1- نُشر الخبر في العدد (69) من صحيفة الصادقين.

والعويل حزناً على مصائب الإمامين الهمامين ويزيد الأسى واللوعة منظر قبتهما المهدومة.واطّلعوا على سير عملية الإعمار التي لا يمكن اعتبارها عملاً حقيقياً وفق البرنامج الذي تسير فيه والعدد المحدود الذي لا يتجاوز عدد الأصابع من العمال ومهندس مصري من قبل منظمة اليونسكو، وقد لا تعدو العملية أن تكون ذرّاً للرماد في العيون وللاستهلاك الإعلامي فقط، وخضوعها لحسابات سياسية ومصالح ضيّقة ولا يوجد أي مبرّر للتقصير في أداء هذا الواجب العظيم فالوضع الأمني مستتب والطريق إلى سامراء آمن ووصفه بعضهم بأنه أأمن من العاصمة بغداد، وصادف وجود محافظ صلاح الدين وأهالي سامراء الذين أبدوا الاستعداد الكامل للمساهمة في هذا العمل الجليل.

وقال سماحته لبعض المعنيين إن إعمار الروضة العسكرية الشريفة يجب إن يقترن مع خطة شاملة لأعمار مدينة سامراء وتحسين الخدمات والوضع المعاشي لأهلها فان الحياة الاقتصادية تكاد تكون مشلولة والخدمات متردية، وقد عانت المدينة إهمالاً من لدن حكم صدام المقبور لاعتبارات شخصية ولا يمكن أن تزدهر زيارة الإمامين العسكريين إذا لم يكن أبناء سامراء الغيارى بخير ويستعيدوا عزّتهم وكرامتهم وحرّيتهم.

وكل ذلك متوقف على إرادة صادقة للبناء والازدهار تتسامى الأنانيات من جميع الأطراف وسيجدون عندئذ في معونتهم الملايين من عشّاق أهل البيت (سلام الله عليهم) والتواقين لزيارة الروضة العسكرية (سعياً على الرأس لا سعياً على القدمِ) لتكتحل عيونهم وتشفى قلوبهم وتسموا أرواحهم بالحضور في تلك المشاهد التي أذِن الله تعالى لها أن ترفع ويُذكر فيها اسمه.

ص: 500

بشيء من الحكمة نستطيع معالجة المشاكل بدون خسائر

بشيء من الحكمة نستطيع معالجة المشاكل بدون خسائر(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

أستطيع أن ألخّص وظائفكم بمحورين:

الأول: خدمة الناس.

الثاني: مواجهة الفتن.

وكل من العنوانين باب ينفتح منه ألف باب فإن خدمة الناس لها مجالات واسعة بسعة الاحتياجات والمشاكل والمصائب والكوارث التي تصيبهم، وما أكثر ما يعاني مجتمعنا اليوم من مشاكل اجتماعية واقتصادية وصحية وتعليمية وخدماتية وغيرها.

عندما يأتيني المسؤولون وهم يشعرون بأن للمرجعية فضلاً عليهم بشكل من الأشكال ويعرضون أي خدمة نطلبها منهم ليردوا بها الجميل، فيكون جوابي لهم إنني حينما أخدمكم لا أطلب منكم جزاءً ولا شكوراً وجزائي هو أن تخدموا الناس، كما قال تعالى على لسان نبيه الكريم (صلی الله علیه و آله): [قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى] (الشورى:23) وقرباي أنا ليس أخي وابن عمي وإنما هم المؤمنون وعموم الناس، ودائماً أذكّرهم بالحديث الشريف (كفارة

(1) من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع وفد من السادة الحسينيين والوجهاء في مدينتي كربلاء والهندية يوم 1 ع2 1429 المصادف 8/ 4/ 2008 ومع وفد من مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام) الثقافية في الكوت يوم 9 ع2 1429 المصادف 16/ 4/ 2008، ونُشر في العدد (69) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 18 ع2 المصادف 25/ 4/ 2008.

ص: 501

عمل السلطان الإحسان إلى الأخوان)(1). وأما الفتن التي يجب علينا جميعاً التصدّي لها فإنها متنوعة أيضاً إذ تعصف ببلدنا اليوم فتن عقائدية وفكرية وأخلاقية وسياسية، فتجد من أوساطنا من يكتب في التشكيك في عقائدنا ويشوش أفكار شبابنا بعد أن يخلط الحق بالباطل بعناوين براقة كالحداثة والتنوير والتجديد ونحوها، ونواجه فتناً أخلاقية فما إن يستقر الوضع الأمني وتعود الحياة إلى طبيعتها في مدينة ما حتى تبدأ مظاهر الفساد والانحلال وأتباع الشهوات(2) [أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ، جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ] (إبراهيم: 28-29).

وأما الفتن السياسية فقد جرّت الويلات على شعبنا واستنزفت الأرواح والأموال ونشرت الخراب لا لشيء إلا حب التسلّط والرئاسة، ولو أن الأمور عولجت بشيء من الحكمة لما وصلنا إلى هذا الحال الذي يؤلم الصديق ويفرح العدو.

لذا على الحكماء من علماء الدين ورؤساء العشائر والوجهاء أن يمارسوا دورهم الإصلاحي الحكيم في وأد الفتن وجمع الشمل ومعالجة المشاكل والاختلافات كما استطاع عدد منهم فعلاً في إنقاذ مدن عديدة من الكوارث(3).

ص: 502


1- ويوجد خطاب سابق بهذا العنوان.
2- إشارة إلى ما قيل من انتشار بيع الخمور على كورنيش البصرة وارتفاع أصوات الأغاني الصاخبة في الشوارع العامة في البصرة بعد عملية (صولة الفرسان).
3- اتهم التيار الصدري المجلس الأعلى وحزب الدعوة بأنهما يستهدفان تصفيته من خلال عملية صولة الفرسان وأمثالها فقاموا بإحراق مقراتهم وتدميرها وقتل عناصر تابعة لهما في عدة مدن، بينما استطاع العقلاء تجنيب مدن أخرى كالنجف والهندية بعقد اتفاقات بينهم.

في ذكرى أربعينية المصارع الدولي العراقي الشهيد إبراهيم حسن

في ذكرى أربعينية المصارع الدولي العراقي الشهيد إبراهيم حسن(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تبارك وتعالى: [مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً، لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً] (الأحزاب :23-24).

هذه الآية وإن نزلت – كما في الروايات الشريفة – في الحمزة بن عبد المطلب وجعفر بن أبي طالب وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب –حيث قضى الأول والثاني نحبهما في معركتي أُحُد ومؤتة شهيدين سعيدين وبقي أمير المؤمنين ينتظر الشهادة حتى فاز بها في محراب مسجد الكوفة- إلا أن معناها جارٍ في كل الأزمنة، ففي كل جيل يوجد من يصدق مع الله تبارك وتعالى ويفي بعهده معه سبحانه حتى يختم له ربه بالحسنى ثابتاً على ما عاهد الله عليه من دون أن يغير أو يبدل، والآية وإن ذكرت الرجال إلا أنها شاملة للنساء أيضاً

ص: 503


1- تقرير الكلمة التي تفضل بها سماحة الشيخ اليعقوبي لتأبين الشهيد إبراهيم حسن البطل الدولي في المصارعة الذي مات غرقاً بعد انقلاب الزورق به وبمن معه من الزوار وهم يعبرون دجلة وكان يحاول إنقاذ بعض أصحابه، وهو متوجه مشياً على الأقدام إلى زيارة أبي عبد الله (عليه السلام) من مدينة الكوت في نهر دجلة قرب النعمانية يوم 15/صفر/1429 المصادف 23/ 2/ 2008 وقد حصل تألم شعبي عام للحادثة لما يتمتع به الفقيد من محبوبية، وقد تحدّث بها سماحته أمام والد الشهيد وعمه وإخوانه وزملائه في ذكرى أربعينته يوم 26/ربيع الأول/1429 ونُشرت في العدد (69) من صحيفة الصادقين.

وذكر الرجال لوجه بلاغي ، قال تعالى: [وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَ-ئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً] (النساء :124).هذا العهد الذي أخذه الله تبارك وتعالى على عباده قبل خروجهم إلى الدنيا ليقروا له بالربوبية والالتزام بوظائف العبودية ليحظوا بالمنن والمنح الإلهية [وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا] (الأعراف: 172) وكانت استجابتهم متفاوتة وبها تفاضل الخلق وأول السابقين رسول الله (صلی الله علیه و آله) فكان أكمل الخلق وأشرفهم، وكان قبول العهد مع الله تبارك وتعالى باختيار الإنسان وإرادته فقد عرضت عليه خلافة الله تعالى في الأرض كما عرضت على غيره من المخلوقات لكن الجميع لم يتصد لحمل الأمانة لثقلها إلا الإنسان الذي ظلم نفسه حين حمّلها ما لا يجد في نفسه عزما وإرادة صادقة للوفاء بها وكان جهولا بعظمة هذه الأمانة واستحقاقاتها وامتيازاتها [إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً] (الأحزاب : 72).

ثم تجدد العهد حينما خرج الإنسان إلى هذه الدنيا وبلغ سن المسؤولية والرشد حيث تواترت الأنبياء والرسل والأئمة (سلام الله عليهم) ليذكروا الناس بذلك الميثاق والعهد فاستجاب [ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ، وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ] (الواقعة :13-14) .

ولست ممن أُوكل إليه حساب الخلق وتحديد مراتبهم ودرجاتهم، لكن فقيدنا الراحل الشهيد إبراهيم حسن كان من القليل الذين أطاعوا ربهم وتولوا

ص: 504

أئمتهم الطاهرين (سلام الله عليهم) فقد ملأ حياته بإحياء شعائرهم وختمها وهو يخدم زوار أبي عبد الله الحسين (علیه السلام) ولما فرغ من خدمتهم توجه إلى زيارة سيد الشهداء فاستشهد في الطريق إلى كربلاء حين انقلب بهم الزورق الذي ينقل الزوار عبر ضفتي دجلة قرب النعمانية وأنقذ أثنين من الزوار لكنه قدم حياته قرباناً في سبيل الله تعالى ونجا رفاقه . ومن فرط حبه لأئمته فقد كان يحمل أسماء المعصومين (سلام الله عليهم) على قميصه أثناء مشاركاته في البطولات العالمية. وكان ملتزماً بتوجيهات مرجعيته الرسالية الناطقة من لدن السيد الشهيد الصدر (قدس سره) شجاعاً بطلاً في الدفاع عنها حتى ختم الله له بالحسنى، مما يغبطه عليه المؤمنون، وله أن يفخر بشهادة والديه له بأعلى درجات البر بهما، وهذه درجة عظيمة عند الله تبارك وتعالى وقد ترك صدقة جارية له ولوالديه بتربيته لعدد غفير من الشباب خصوصا من زملائه الرياضيين حيث بذل جهوداً كبيرة في تهذيبهم وتوجيههم وكان يصطحبهم إلى مصلى الجمعة ويقيم معهم مجالس الدعاء والذكر. ولذا ودِّع الشهيد الراحل بعواطف جيّاشة من قبل الكثيرين من ذويه وأقرانه وعارفي فضله وأقيمت له مجالس عزاء عديدة .

ولا ننسى حبه لوطنه وجهوده الكبيرة في رفع اسم بلده عالياً من خلال إنجازاته الدولية في لعبة المصارعة وكان آخر ما حصل عليه الوسام الفضي في الدورة الرياضية العربية، لذا نستغرب إهمال السلطات المعنية للاحتفاء بهذه الرموز المبدعة وتكريمها والوفاء بحقها فإنها مصيبة لا تقل ألماً عن فجيعتنا بالشهيد الراحل، ولئن كان الموت خارجاً عن الإرادة ولا يمكن دفعه فإن

ص: 505

التقصير المذكور غير مبرر وغير مقبول لأنه يقتل روح الإبداع ويضعف الهمة في كل المجالات الإنسانية.رحم الله فقيدنا الراحل وألحقه بأئمته الطاهرين وألهم والديه وذويه ومحبيه الصبر والسلوان وعوض الله تعالى الأمة بأمثاله وإنا لله إنا إليه راجعون .

دار جامعة الصدر للطباعة والنشر

دار جامعة الصدر للطباعة والنشر(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

التقى سماحه الشيخ اليعقوبي مراراً بإدارة (دار جامعه الصدر الدينية للطباعه والنشر) ومعرض كتابها الدائم في مدرسه البغدادي الدينية في النجف الأشرف وشرح لهم أهداف إنشاء هذا المشروع والتي منها:

1-توفير الكتاب الديني والفكري والتربوي في أوساط المجتمع لبناء الشخصية كما يريدها أهل البيت (سلام الله عليهم).

2-دعم طلبه العلوم الدينية لاقتناء مصادر الدراسة والبحث والتأليف بأسعار مدعومة وبتقسيط مناسب.

3-طبع ونشر الرسائل الجامعية التي تندرج ضمن العناوين المذكورة في الهدف الأول دعما للباحثين الأكاديميين وتوثيقا للأواصر بين الجامعات والحوزة العلمية.

4-أن يكون المعرض بحكم موقعه المهم أشبه ب-(مكتب استعلامات) للحوزة العلمية في النجف الأشرف يتلقى الاستفتاءات ويرشد السائلين ويعرّف

ص: 506


1- نُشر الخبر في العدد (69) من صحيفة الصادقين.

الباحثين.ووضع لهم سماحته آليات لتحقيق هذه الأهداف منها:-

1-أقامة معارض مستمرة للكتب في مختلف المدن.

2-التواصل مع دور النشر والمكتبات الكبرى في العراق وخارجه لجلب كل ما هو مفيد لطالبي العلم والمعرفة.

3- تزويد الفضلاء وطلبه العلوم الدينية بقوائم فيها أسماء الكتب الموجودة وأسعارها ليعرضوها على إخوانهم كل في مدينته ويتوسط بإيصال هذه الكتب إلى طالبيها عند عودته إلى أهله من النجف.

وأكد سماحته على اهتمامه بهذا المشروع وحرصه على النجاح في تحقيق الأهداف المرجوة منه , وحث جميع أطراف هذه الحركة المباركة وهم (إدارة المعرض، طلبة الحوزة العلمية، الشباب الرسالي) على إيصال الكتاب النافع إلى كل فرد لبناء المجتمع الصالح وتحصينه من الانحراف والضلال.

ضرورة وجود هيئات استشارية ومراكز دراسات ترفد الأحزاب السياسية

ضرورة وجود هيئات استشارية ومراكز دراسات ترفد الأحزاب السياسية(1)

أكّد سماحة الشيخ اليعقوبي على ضرورة وجود هيئات تضم متخصصين في مختلف شؤون الحياة وقضايا الأمة إلى جنب الكيانات السياسية لرفد عملها بعدة اتجاهات.

1- تحديد المصالح العليا والأهداف التي يجب العمل من أجل تحقيقها.

ص: 507


1- صحيفة الصادقين العدد 70 الصادر بتاريخ 9 ج1/1429 المصادف 15/ 5/ 2008.

2- تشخيص المشاكل الموجودة ووضع الآليات لمعالجتها.

3- صقل المواهب وصنع الكفاءات وتأهيلها لتكون قادرة على إدارة البلاد وتحمّل المسؤوليات.

4- تقييم عمل الكيانات السياسية وتقويم مسيرتها.

جاء ذلك خلال لقاء سماحته بعدد من أعضاء الهيئة الاستشارية لحزب الفضيلة الإسلامي.

كما أكّد سماحته على ضرورة وجود مراكز بحوث ودراسات تقدّم للسياسيين كل ما يرتبط بعملهم، فالذي يراقب مجريات العملية السياسية يجد الجهل والتخبط والارتجال وعدم التخطيط واضحاً فيها بسبب عدم الإلمام الكافي بالقضايا التي يناقشونها والقرارات التي تعرض على البرلمان وغيره من مؤسسات القرار، وهي متنوعة ففيها الاقتصاد والسياسة والاجتماع والتنمية والتخطيط والمشاريع الفنية وغيرها كثير مما لا يعقل خوض شخص واحد فيها من دون إحاطته الجيدة بالموضوع من خلال رفد المؤسسات البحثية والاستشارية له.

وبارك سماحته المؤتمر الذي عقدته الجامعة المستنصرية بالاشتراك مع جامعة بغداد وعدد من السياسيين لوضع آلية لاستفادة السياسيين من الأكاديميين.

وأثنى سماحته في هذا المجال على مركز أضواء للبحوث والدراسات الإستراتيجية الذي يقدّم الكثير مما ينفع رغم حداثة تأسيسه، وشملت دراسات مهمة في الدين والأخلاق والاقتصاد والإدارة والسياسة والاجتماع والأمن والدفاع مما لا يستغني عنه المهتمون بقضايا البلد والشعب.

ص: 508

فقدان ثقة الشعب بالأجهزة القضائية والرقابية في تحقيق العدالة والنزاهة

فقدان ثقة الشعب بالأجهزة القضائية والرقابية في تحقيق العدالة والنزاهة(1)

أثنى سماحة الشيخ اليعقوبي على شجاعة القاضي السيد جعفر الموسوي رئيس هيئة الادعاء العام في محكمة الجنايات الكبرى لمواجهته طاغية العصر المقبور صدام أثناء محاكمته كما أشاد بمهنيته العالية لإتقانه جمع الأدلة والوثائق وترتيبها وحسن عرضها.

وعبّر سماحته خلال استقباله(2) السيد الموسوي عن فقدان ثقته وثقة الشعب بقدرة الأجهزة القضائية والرقابية على مكافحة الفساد الذي نخر بكيان الدولة لعدم استقلاليتها ووقوعها في قبضة الحكومة والأحزاب المهيمنة على السلطة وهم مضطرون للانسياق وراء رغبات وقرارات السلطة التنفيذية لأن أمر نصبهم وعزلهم بيد الحكومة، وبمجرد أن يلوّح أحد من هيئة النزاهة أو المفتشين العموميين أو أي سلطة رقابية أو محاسبية أو تفتيشية بشيء من الفساد فإنه يُعزل ويهان إن لم تتم تصفيته..

ولا زال الخلل في الهيكلية الإدارية للمفتشين العموميين قائماً فإن المفتش العام للوزارة مرتبط بالوزير فلا يستطيع محاسبته و حاشيته ولا زال رئيس هيئة النزاهة بالوكالة حتى يكون وضعه غير مستقر ومهدد لذا فانه يعجز عن فعل أي شيء.

ص: 509


1- صحيفة الصادقين، العدد 71 الصادر بتاريخ 7 جمادى الآخرة 1429 المصادف 11 حزيران 2008.
2- جرت المقابلة في مكتب سماحته في النجف الأشرف يوم الأربعاء 4/ 6/ 2008.

لذا فقد قدّمنا مشروعاً لإصلاح نظام المراقبة والتفتيش والمحاسبة وهيئة النزاهة وتضمن عدة نقاط.منها: تأسيس ديوان للتفتيش العام يكون رئيسه بدرجة وزير يرتبط به المفتشون العموميون في الوزارات ويُعيّن بمصادقة البرلمان..

ومنها: أن يكون المسؤولون في هذه الأجهزة مستقلين حقاً عن السلطة التنفيذية ويكون ترشيحهم من قبل الكتل البرلمانية غير المشاركة في الحكومة وبذلك نضمن استقلالهم عنها ونساهم في خلق ديمقراطية حقيقية ونمكنهم من أداء دورهم في محاسبة المسؤولين وتدقيق عملهم ومكافحة الفساد.

وأشار سماحته إلى الوضع المحرج لقضاة محكمة الجنايات الكبرى بسبب أداء السياسيين والقادة العسكريين وهم يشاهدونهم يرتكبون نفس أفعال هؤلاء الجناة الموجودين في قفص الاتهام كالاعتقال العشوائي وتصفية المعارضين السياسيين وهدر أو سرقة المال العام وانتهاك حقوق الإنسان وتخريب مؤسسات الدولة واستباحة المدن وقتل الأبرياء الآمنين لوجود عناصر خارجة عن القانون في تلك المدن وهي نفس الأعذار التي يردّدها الجناة، لذا أصبح العمل في هذه المحكمة لا يشرّف أحداً لأن عليه أن يعمل بازدواجية وهذه خيانة لشرف المهنة.

وتفاءل سماحته بأننا يحدونا الأمل الكبير بوصول الكفوئين المخلصين الوطنيين الأحرار من أبناء هذا الشعب المنجب إلى مواقع الإدارة والسلطة في البلاد لنبني عراقاً حراً كريماً مزدهراً..

ص: 510

إحياء الذكرى الفاطمية (عليها السلام)

إحياء الذكرى الفاطمية (عليها السلام)(1)

أقيمت في النجف الأشرف يوم السبت 3/جمادى الثانية/1429 المصادف 7/ 6/ 2008 مراسم إحياء ذكرى استشهاد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (علیها السلام).

ومنذ ظهر يوم الجمعة فقد بدأت مواكب المحافظات تتوافد إلى النجف الأشرف إلى المخيمات التي أُعدت لضيافتهم، حيث بدأت عصر نفس اليوم فعاليات فنية تضمنت عدة عروض مسرحية ومهرجانات شعرية للإشادة بفضل الصديقة الطاهرة (علیها السلام) ودورها في حفظ العقائد والآداب الإسلامية وللتذكير بمظلوميتها التي تركت لوعة وأسى في قلوب محبيها لم تبرد حرارتها بمرور الزمن.

وفي الصباح الباكر توجّه عشرات الآلاف من الزوار إلى ساحة ثورة العشرين والتحق بهم آلاف آخرون قدموا صباحاً حيث استمعت الحشود إلى خطاب سماحة الشيخ اليعقوبي بالمناسبة وقد ألقاه فضيلة الشيخ محمد الهنداوي، وكانت الجماهير تؤيد فقراته بالشعارات والهتافات الإيمانية والموالية لأهل البيت (علیهم السلام) وبعد أن انتهى الخطاب اُخرج من مقر جامعة الصدر الدينية نعش رمزي للصديقة الزهراء (علیها السلام) وسارت خلفه مواكب العزاء يتقدمها موكب مهيب ضمّ المئات من فضلاء وأساتذة وطلبة الحوزة العلمية في النجف الأشرف والمحافظات، وتبعته مواكب المعزّين المفجوعين متتالية بحسب تسلسل المحافظات وكان لمحافظات ديالى وصلاح الدين وكركوك

ص: 511


1- نُشرت في العدد (71) من صحيفة الصادقين.

حضور لافت إلى جانب محافظات الوسط والجنوب ثم تجمع المشاركون إلى جوار مرقد أمير المؤمنين (علیه السلام) حيث أقيم مجلس العزاء ورُدِّدت فيه المراثي الحزينة للطاهرة الزهراء وقد أثنى وجهاء وأهالي مدينة النجف الأشرف الذين استضافت مواكبهم الزوار بدقّة التنظيم والانضباط العالي والوعي والحكمة وإخلاص العمل لله تبارك وتعالى وحب المعصومين (علیهم السلام) إذ لم تُرفع على طول المسيرة التي امتدت عدة كيلومترات أي صور أو عنوان لجهة دينية او سياسية نسأل الله تعالى أن يتقبل عمل الجميع ويدخلهم في شفاعة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (علیها السلام) وأن يوفقهم للعمل الصالح ولما يحبّ ويرضى..

المغتربون بين معاناة الغربة وضغط الحكومة لإعادتهم

المغتربون بين معاناة الغربة وضغط الحكومة لإعادتهم(1)

التقى سماحة الشيخ اليعقوبي خلال الفترة السابقة بعدد من المغتربين والمهجرين العراقيين في دول مختلفة كفرنسا والسويد وألمانيا والولايات المتحدة وإيران وسوريا، وتعاطف مع معاناتهم بسبب فراق الوطن والأهل والأحبة وتفاعل مع همومهم في بلاد الغربة، وتفهّم شكواهم من سوء تعامل الحكومة مع هذا الملف الذي يشهد انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.

وقالوا أنهم لم يعودوا يرجون خيراً من هذه الحكومة العاجزة وغاية ما يأملون أن تكفَّ شرها عنهم بضغطها المتواصل على تلك الدول حتى تعيد العراقيين المقيمين فيها إلى بلدهم بحجة تحسّن الوضع الأمني وحاجة البلد إلى خبراتهم وكفاءاتهم، ويعلم الجميع أنها مزايدات سياسية وللاستهلاك

ص: 512


1- صحيفة الصادقين العدد 73 الصادر بتاريخ 25 رجب 1429 المصادف 29 تموز 2008.

الإعلامي ولا يصدق أحد بهذه الدعاوى للحكومة لأنهم يرون الوضع البائس للشعب في داخل العراق واستهداف الكفاءات وتصفيتهم فكيف يقتنع المقيمون في الخارج ويعودون.وقالوا أنه كلما يصل وفد حكومي رفيع المستوى إلى أحد البلدان ويمارس هذه الضغوط فإنهم يلمسون تشديداً عليهم فصاروا يتظاهرون للتنديد بزيارة مثل هذه الوفود إلى تلك البلدان.

وقال سماحته إننا نأمل فعلاً بعودة كل المهجّرين والمغتربين إلى بلدهم الذي أحبّهم وأحبوّه فإنه بحاجة ماسة إلى جهودهم لإعماره والنهوض بواقعه لكن يجب أن يسبق ذلك تخطيط وخطوات جديّة وحقيقية على الأرض لتوفير العيش اللائق بهم وبكل العراقيين وتوفير ظروف الحياة الآمنة القابلة للإنتاج والتقدم.

وإلا فلا معنى لعودتهم ما دامت الأسباب التي دعتهم إلى الهجرة موجودة.

وقدّم سماحته التوجيهات لتفعيل العمل الإسلامي المبارك في أرض الغربة وأنه (رُب ضارة نافعة) وإن الإنسان الرسالي يستطيع أن يحّول معاناته إلى إبداع فإن الهجرة على قساوتها كانت فرصة لإيصال صوت الإسلام الحقيقي وصورته الناصعة إلى أراضٍ لم تسمع اسم الإسلام من قبل فانتشرت بذلك رقعة الإسلام العزيز وازداد معتنقوه بعد قناعتهم به.

ص: 513

ولله المثل الأعلى

ولله المثل الأعلى(1)

يُروى أن السيد رضي الدين ابن طاووس (قدس الله نفسه) - وهو من العلماء العارفين في القرن السابع الهجري - قال لولده يوماً (ماذا تريد أن تصير في المستقبل) فقال الولد الممتلئ فخراً وزهواً بأبيه الجامع للفضائل (أريد أن أصبح السيد ابن طاووس) فقال أبوه (إذن سوف لا تصير كذلك، لأنني في بداية حياتي عزمت على أن أصبح مثل الإمام جعفر الصادق (علیه السلام) فأصبحت ابن طاووس فماذا ستكون إذا جعلت هدفك أن تكون ابن طاووس).

وهي حقيقة مجرّبة في أرض الواقع فإن الطالب الذي يجد ويجتهد في الدراسة حتى ينال مئة من مئة فإنه ربما يحصل على تسعين، فإذا تكاسل ولم يقرأ دروسه معوّلاً على الاكتفاء بستين أو خمسين فإنه قد لا يحصل على درجة النجاح.

وأنا اسمع كثيرين يتحدثون حينما يُسأل من هو مثلُك الأعلى الذي تطمح أن تصير مثله فإنه قد يسيء فيختار فناناً أو رياضياً أو سياسياً ممن لا قيمة لهم في عالم السمو والكمال، وهذا خارج عن حديثنا أصلاً، وقد يختار عالماً أو مصلحاً ويحاول السير على خطاه ليلحق به، وهذا شيء جيد، لكنه إذا أراد الأكمل فعليه أن يجعل مثله وأسوته وقدوته النبي (صلی الله علیه و آله) وآله المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين) فيسعى بجد للسير على منهجهم والاهتداء بتعاليمهم والاقتداء بسنّتهم التي تحكيها الكتب والروايات، وحينئذٍ سيكون له

ص: 514


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع وفد من المثقفين والشباب الرساليين من ناحية قلعة سكر في محافظة ذي قار يوم 6 رجب 1429 المصادف 10/ 7/ 2008.

شأن يذكر.أما المعصومون (صلوات الله عليهم) فقد جعلوا الله تبارك وتعالى مثلاً أعلى - بالمصطلح- لهم فإن له الأسماء الحسنى والصفات الإلهية هي المثل الأعلى وأوصونا بذلك فقالوا (تخلقوا بأخلاق الله) وهذا هو الكمال الحقيقي ، فيتحرك الإنسان أولاً نحو التعرف على هذه الأسماء ودراسة مضامينها وآثارها العملية وكيفية الاتصاف بها، قال تعالى [لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ] (النحل:60) وقال تعالى [وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ] (الروم:27) والله ولي التوفيق وهو نعم المولى ونعم النصير.

مسؤولية المرجعية عن منع الانتهازيين من التسلق باسمها

مسؤولية المرجعية عن منع الانتهازيين من التسلق باسمها(1)

أكد المرجع الديني سماحة الشيخ محمد اليعقوبي، انه لا توجد مرجعيات دينية وأخرى سياسية في ضوء الشريعة المقدسة، حيث قال: ((لا توجد في مذهب أهل البيت (علیهم السلام) مرجعيات دينية وأخرى سياسية ومحاولة الفصل بينهما يعد مصادرة للدور المهم الذي تؤديه المرجعية في حياة الأمة امتداداً لدور المعصومين (سلام الله عليهم)، فالمرجعية واحدة وتقوم بكِلا الدورين عبر التاريخ بحسب ما تقتضيه الظروف الموضوعية)).

جاء ذلك في لقاء سماحته مع سماحة الشيخ الذاكري مدير مكتب المرجع الديني سماحة السيد صادق الشيرازي في النجف الأشرف والوفد المرافق له

ص: 515


1- صحيفة الصادقين العدد (73) الصادر بتاريخ 25 رجب 1429 المصادف 29 تموز 2008.

في مكتبه بمدينة النجف الأشرف.و بيّن سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) المقدار الذي تتدخل به المرجعية في الأمور السياسية ((إن تدخل المرجعية الدينية في العملية السياسية هو من باب اهتمامها بأمور الناس ورعاية شؤونهم وجلب المصلحة لهم ورفع المظلومية عنهم ومعالجة الفساد والانحراف فهذا جزء من وظيفتها فقد أصبح اليوم كل شيء مرتبطاً بالسياسة كالخدمات والأمن وقوت الشعب وغيرها، نعم هي لا تتدخل في تفاصيل شؤون الدولة وعمل مؤسساتها، لأنها من وظائف المسؤولين الحكوميين، لكنها لا تجد نفسها معذورة إذا قصرت في مقاومة الظلم والفساد والانحراف بالوسائل المتيسرة ولم تقدّم النصائح والتوجيهات التي تسدّد عمل المتصدين لإدارة البلاد وفيها صلاح العباد والبلاد)).

كما ذكّر سماحته المراجع العظام (أدام الله وجودهم الشريف) بمسؤولياتهم في منع استخدام السياسيين الانتهازيين والوصوليين لكيانها الشريف للتسلق إلى مطامعهم، مؤكداَ على وجوب حماية الدين والمرجعية من السياسيين من دون تخلي المرجعية عن دورها في رعاية شؤون الأمة وتحري المصلحة لها.

فحماية الدين وعلمائه من انحراف السياسيين شيء وفصل الدين عن السياسة الإسلامية النقية شيء آخر.

وأشار المرجع اليعقوبي إلى خطورة التحديات التي تحملها المرحلة القادمة بالقول (إن المرحلة القادمة تختزن الكثير من التحديات المتنوعة التي ستنزل بقوة إلى الشارع ، فماذا اعددنا لمواجهة هذه التحديات ونحن بهذا الحال

ص: 516

البائس من التقاطع والخصام؟).وفي نهاية اللقاء قدم الشيخ الذاكري شكر المرجع السيد صادق الشيرازي (دام ظله) وأسرة آل الشيرازي لسماحة المرجع اليعقوبي على الوقفة المشرفة لأتباع المرجعية في استقبال جثمان الفقيد آية الله السيد محمد رضا الشيرازي (قدس سره) وتشييعه في المحافظات وصولاً إلى كربلاء المقدسة حيث ووري الثرى، وعلى إقامة مجالس التأبين في عدد من المدن العراقية.

الحاجة إلى الاستثمار وأولوياته وضوابطه

الحاجة إلى الاستثمار وأولوياته وضوابطه(1)

أكّد سماحة الشيخ اليعقوبي على ضرورة فتح باب الاستثمار في العراق وسن القوانين الكفيلة بطمأنة المستثمر وتوفير البيئة المناسبة لتشجيعه على العمل لأن الدمار والخراب الذي لحق بكل مرافق الدولة ونواحي الحياة فيها بسبب السياسات الطائشة للحكومات المتتالية خلال عقود والفساد الكبير ولعدم وجود خطط رصينة لإعمار البلد والنهوض باقتصاده والحروب العبثية التي أنهكت البلد وأهلكته.

وإن المستثمر العراقي هو من ينبغي أن يبادر، لان المستثمر الأجنبي سوف يبقى متردداً عن الإقدام ما دام يرى ابن البلد عازفاً عن ذلك فيتوجس خيفة.

وقال سماحته لدى استقباله رئيس وأعضاء هيأة الاستثمار في النجف الأشرف(2) ورئيس هيئة الاستثمار في البصرة في لقائين منفصلين: نظراً لسعة

ص: 517


1- نُشر في العدد (73) من صحيفة الصادقين.
2- تاريخ اللقاء 8 جمادى الثانية 1429 المصادف 12/ 6/ 2008.

الحاجات والمجالات التي يراد الاستثمار فيها مما يتطلب سنين طويلة فلا بد من مراعاة الأولويات وتقديم الأهم كبناء الوحدات السكنية لحل أزمة السكن وتخفيف الاحتقانات الاجتماعية وتشجيع الشباب على الزواج بعد توفير السكن اللائق.وكإقامة المشاريع الصناعية لتحقيق الاكتفاء الذاتي الذي يساعد على استقلال البلد وسيادته وتشغيل العاطلين واستيعاب البالة التي تُعدَّ واحدة من أكثر المشاكل تعقيداً في المجتمع.

وكقطاع الخدمات الأساسية من الماء والمجاري والطرق والصحة والتعليم والمشتقات النفطية هذا على صعيد البلد ككل، وهناك أولويات يجب مراعاتها في كل محافظة بخصوصها فالنجف الأشرف لها وضع ديني خاص وتشهد إقبالاً من المسلمين في العالم للتشرف بزيارة أمير المؤمنين (علیه السلام) واللقاء بالمرجعيات الدينية أو الانضمام إلى الحوزات العلمية وغيرها مما يتطلب استثمارات في المرافق السياحية ومجمعات سكنية للطلبة الوافدين ومؤسسات علمية وثقافية ودينية وغيرها.

كما أن الاستثمار في البصرة يعني الاهتمام بالموانئ والصناعة النفطية والمناطق الحرة للتبادل التجاري.

وأضاف سماحته إن مشروعاً واحداً -كميناء الفاو الكبير- يتضمن إنشاء نصف مليون وحدة سكنية وتوفير مليوني فرصة عمل والكثير من الانجازات ويكون مفتاحاً لتواصل عالمي جديد بين شرق أسيا وجنوبها والخليج العربي مع أوربا عن طريق العراق وتركيا، لكن هذا المشروع مع أهميته العظيمة لا زال

ص: 518

يراوح في مكانه بسبب عناصر عميلة في الحكومة تعمل بأجندات خارجية فتفرط بمصلحة العراق من أجل مصالح تلك الدول التي اشترت ولاءهم بثمن بخس.ودعا سماحته إلى وضع ضوابط تنظم حركة الاستثمار حتى لا تؤثر على هوية العراق وخصوصياته الدينية والثقافية والاجتماعية، فإننا نسمع عن ذوبان الكثير من شرائح المجتمع الخليجي في الممارسات الوافدة وزاد عدد الأجانب في بعضها أضعافاً على عدد السكان الأصليين الذين أصبحوا كالغرباء المعزولين في بلادهم، وقد يأتي اليوم الذي لا تجد فيه من يتحدث العربية في شوارعهم. لذا فقد اعتبر سماحته القلق من هذه الاحتمالات مبرراً ومشروعاً لان التدفق الواسع للاستثمارات والمستثمرين من دون ضوابط يؤدي إلى هذه النتائج في عالم اليوم الذي يصفونه بالقرية الواحدة.

ورأى سماحته أن دخول الدولة كمستثمر الآن ضروري لعزوف القطاع الخاص بسبب الوضع الأمني والفساد الإداري والروتين القاتل، خصوصاً وان الميزانية الاستثمارية التي تخصص في موازنة الحكومة لا يُستفاد منها إلا بمقدار ضئيل فيكون من المجدي تقسيم هذه التخصيصات إلى مصاريف سنوية وأخرى ستراتيجية لتنفيذ خطط خمسية أو أكثر من ذلك، لان بعض المشاريع المهمة لا تكفيها سنة لانجازها مع أن عدة أشهر تضيع بسبب تأخر المصادقة على الميزانية والتعقيدات السياسية.

ص: 519

القرآن يُنعش الروح

القرآن يُنعش الروح(1)

أقام مجمع القرآن الكريم في البصرة محفلاً قرآنياً في مكتب سماحة الشيخ اليعقوبي ليلة الرابع عشر من شعبان تيمناً بذكرى الولادة المباركة لمنقذ البشرية شارك في الحفل عدد من مقرئي القرآن وتُليت فيه المدائح بحق أهل البيت (سلام الله عليهم) واختتمت بالدعاء لبقية الله الأعظم (أرواحنا له الفداء).

وقد حضر سماحته وجمع من المؤمنين الحفل وأشاد بإبداعات المشاركين ودعا إلى تكرار مثل هذه الفعاليات في المدن كافة وقال سماحته (إن هذه المحافل القرآنية تغذي الروح وتديم جذوة الإيمان وهي كالجنة اليانعة وسط هذا العالم الذي يبدو كالصحراء القاحلة المجدبة الخالية من المعاني الروحية حيث غلب على أهله حب الدنيا والانسياق وراء الشهوات.

إن من يحيا في ظل القرآن يعود بالخير والبركة على نفسه وعلى أمته، أما على نفسه فلأنه سيخالط لحمه ودمه كما ورد في الحديث الشريف، ولأن القرآن سيكون شفيعاً له وقد ورد في الحديث إن القرآن (شافع مشفع) أي شفيع تقبل شفاعته ولا ترد، وبنفس الوقت فإن القرآن (ماحل مصدّق) أي خصم يصدّق في دعواه على من هجره ولم يعمل به، والعاقل لا يتردد في أن تكون علاقته مع القرآن من الشكل الأول إلى الثاني.

وأما بركات حامل القرآن على أمته فهي كثيرة ومنها أنه سيفيض على الأمة بهذه النفحات العرفانية ويحيي القلوب الميتة ويبعث فيها المعاني الروحية، ففي

ص: 520


1- صحيفة الصادقين العدد 74 الصادر بتاريخ 26 شعبان 1429 المصادف 28 آب 2008.

الحديث النبوي الشريف (إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد) قيل وما جلاؤها يا رسول الله قال (صلی الله علیه و آله) (ذكر الموت وتلاوة القرآن).والقرآن الكريم وصف نفسه - وهو كلام الله تبارك وتعالى- بأوصاف عديدة منها أثره المبارك في تحصيل هذه الكمالات واستثارة المعاني الروحية [اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ] (الزمر:23) وفي آية أخرى يعاتب المؤمنين برفق على عدم استفادتهم من هذه المعاني [أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ] (الحديد:16) ويعقب ذلك بقوله تعالى [اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ] (الحديد:17) تشبيها للقلوب القاسية بالأرض الميتة فيحييها الله تبارك وتعالى بماء المعرفة.

خدمه الناس وحسن الأداء هما معيار نجاح المسؤول

خدمه الناس وحسن الأداء هما معيار نجاح المسؤول(1)

استقبل المرجع الديني سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي رئيس الوزراء السابق د.إبراهيم الجعفري والوفد المرافق له في مكتبه في

ص: 521


1- نُشر في العدد (75) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 5/شوال/1429 المصادف 5/ 10/ 2008.

النجف الأشرف(1).حيث بارك الدكتور الجعفري حلول الشهر الفضيل وتحدث عن حساسية المرحلة الراهنة المهمة في حياة الأمة وعن أهمية اتخاذ القرارات الوطنية و الشجاعة والعادلة فيها لما لها من تلقي ايجابي من الجميع حتى من يختلف معنا في الدين والطائفة والقومية.

من جانبه أكد المرجع اليعقوبي على ضرورة أن يكون المتصدون بمستوى مسؤولياتهم وأضاف قائلا : (إن المرجعية التي جازفت بسمعتها من خلال دعم العملية السياسية والحث على الانتخابات ليصل إلى موقع المسؤولية الحريصون على مصلحة البلاد وإسعاد الناس لذا فهي تتوقع من المسؤولين أن يبذلوا كل ما بوسعهم لإنصاف الناس فيكفي ما عاناه الشعب في الماضي والحاضر).

وأشار سماحته إلى ما يمكن أن يقدمه قادة البلد ومن هم في مواقع المسؤولية معتبرا نجاحهم نجاحا للشعب ، حيث قال سماحته (إننا ندعو للمسؤولين بالتوفيق والسداد في أداء مهماتهم حتى أولئك الذين أحرجوا المرجعية بسبب سوء أدائهم الحكومي وذلك لاقتران نجاحهم بتحقيق الرفاهية والسعادة والاستقرار للشعب العراقي).

ص: 522


1- حصل اللقاء مساء الخميس 17 رمضان 1429 المصادف 18/ 9/ 2008.

إظهار عظمة مسجد الكوفة الدينية والتاريخية

إظهار عظمة مسجد الكوفة الدينية والتاريخية(1)

دعا سماحة الشيخ اليعقوبي الجهات المعنية إلى الاهتمام بمسجد الكوفة المعظم بما يناسب عظمته الدينية والتاريخية، فهو من المساجد الأربعة التي ورد فيها الحكم بتخيير المسافر بين الصلاة قصراً أو تماماً إلى جانب المسجد الحرام والمسجد النبوي وبيت المقدس، وفيه مشاهد للأنبياء العظام، وكان دار خلافة أمير المؤمنين ومحل قضائه بين الناس وولايته لشؤون الأمة , وفيه ألقى خطبه ومواعظه الخالدة حتى قضى نحبه شهيداً في محرابه.

وهو المسجد الذي شهد بيعة الإمام الحسن (علیه السلام) بعد أبيه أمير المؤمنين (علیه السلام), وزاره الأئمة الطاهرون (صلوات الله عليهم أجمعين), وفيه ربّى الإمام الصادق (علیه السلام) آلاف العلماء ومنه انتشروا في أصقاع الأرض لينشروا علوم ومعارف أهل البيت (علیهم السلام) , والى جانبه ثوى الشهيد سفير الحسين(ع) مسلم بن عقيل والشهداء الآخرون.

وسيكون في مستقبل الأيام مركز قيادة المهدي الموعود (أرواحنا له الفداء) لدولة الحق والعدل العالمية , ونرتبط به نحن الذين نصرنا السيد الشهيد الصدر (قدس سره) واتبعناه وشاركنا في حركته المباركة بأحلى الذكريات و ألذّها لأنها تضمنت معاني الجهاد وتحدّي الباطل والوقوف في وجه طاغوت العصر صدام.

وعلى أي حال فلا بد أن يحظى مسجد الكوفة من الاهتمام والرعاية بما لا يقل عما تحظى بها المساجد الثلاثة الأخرى ليأخذ مكانته العالمية، لأن الاهتمام

ص: 523


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع عدد من إداريي أمانة مسجد الكوفة المعظم مساء يوم الأحد 27 رمضان 1429 المصادف 28/ 9/ 2008، وقد نشر في العدد (75) من صحيفة الصادقين.

به وإظهاره بالشكل اللائق وتعريفه للعالم يعني إحياء عظمة كل هذه الآثار التي أشرنا إليها وغيرها. وأولى الخطوات العملية أن تكون له أمانة عامة تقوم بشؤونه أسوة بالروضات الشريفة والعتبات المقدسة ولها صلاحياتها المباشرة لتتمكن من إنجاز وتنفيذ المشاريع والمقترحات من دون المرور بالروتين الذين يشلّ كل إبداع.

أبيات السيد عبد الستار الحسني

أبيات السيد عبد الستار الحسني(1)

كان جناب المؤرخ النسابة السيد عبد الستار الحسني حاضراً في مجلس سماحة الشيخ اليعقوبي (دامت تأييداته) عندما جاء وفد الفضيلة في مدينة الشعلة واستمع إلى كلمة توجيهية ألقاها فيهم فجادت قريحته على البديهة بهذه الأبيات :

نهج الهداية يزدهي بمحمد *** من آل يعقوب الفقيه الأوحدي

وإذا امرؤ رامَ النجاة فحسبه *** أن يقتفي في السير نهج محمدِ

وأردفها قائلاً :

لئن حزب الفضيلة قد تسامت *** مفاخره وباسمك قد تجسَّد

فإن إليك معنى الفضل يُعزى *** وهل في الخلق أفضل من (محمد)

وفي عيد الفطر المبارك جاء السيد الحسني مهنئاً لسماحة الشيخ (دامت

ص: 524


1- نشرت في العدد (8) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 23 شوال 1425 المصادف 6 كانون الأول 2004 .

تأييداته) فوجده يلقي كلمة في مجموعة ضمت العشرات من طلبة جامعة البصرة وغيرهم من أبناء الفضيلة وكان محور الحديث عن الانتخابات فقال مرتجلاً :

شمس الهدى فوق البسيطة أشرقت *** من بعدما قد آذنت بغروبِ

وتألقت دنيا الفضيلة من سنا *** علم الهداية شيخنا اليعقوبي

ثم أتبعها بقوله :

قصَدَت لمجلسك المعظم نخبة *** للانتخاب تروم ونهج صوابها

فمدينة العلم الشريف محمدٌ *** ولقد أتوها خلّصاً من بابها

ص: 525

أبيات شعرية للأديب حسن ثويني قفطان

في تأريخ وفاة المرحومة والدة سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله)

*** كي تقرَّ عينُها ولا تحزن(1)

مفقودةٌ حلّتْ بدارَ الهَنا *** وأصبحَ الخلدُ لها مسكنا

هُناكَ عند اللهِ قد شيّدتْ *** وليسَ مِن دارٍ لها هاهنا

وقد حباها اللهُ من فضلهِ *** وزادَها من خيرهِ بالمُنى

لأنها مؤمنةٌ أنجبتْ *** شيخاً تقيّاً صالحاً مؤمنا

محمدَ الخير فأبشرْ بها *** أُمّاً بكَ اللهُ لها أَحسنا

رُدّت لموسى وهي مسرورةٌ *** وكان موسى بالقضا مُوقنا

فاشفعْ وأرّخ (يا إلهيَ كيْ *** تقرَّ عينُها ولا تحزنا)

1426 ه-

ص: 526


1- أبيات نظمها الأستاذ الأديب حسن ثويني مؤرخاً وفاة المرحومة والدة سماحة الشيخ محمد اليعقوبي مساء الجمعة 16/محرم/1426 الموافق 25/ 2/ 2005، وقد كان مجلس الفاتحة الذي أقامه سماحته في داره مزدحماً بالعلماء وممثلي مراجع الدين والقادة السياسيين والوجهاء وعامة المؤمنين والمحبين.

أبيات شعرية للحاج محمد علي محمود المجيد

أبيات شعرية للحاج محمد علي محمود المجيد(1)

كان الحاج محمد علي نجل المرحوم الشهيد الحاج محمود المجيد أحد قادة العملية البطولية التي استهدفت طاغية العصر صدام حسين عام 1981 في الدجيل وكادت أن تفتك به وعلى أثرها تعرضت المدينة لحملة إبادة شملت الحرث والنسل غيرت معالم المدينة واعتقل الحاج محمود المجيد وأولاده وعائلته واستشهد الحاج محمود الذي كان يتمتع بنفوذ اجتماعي واسع يمتد حتى مدينة تكريت مما كان يثير حفيظة المقبور خير الله طلفاح واستشهد بعض أولاده ونجا الحاج محمد على بأعجوبة ثم غادر العراق وهو يدير الآن مركزاً إسلامياً في أستراليا وقد زار النجف الأشرف مؤخراً والتقى سماحة الشيخ (دامت تأييداته) ثم بعث بهذه الأبيات التي نذكرها للإشادة بهذه الأسرة المنجبة.

سِرْ في جهادكَ إنّكَ المعطاءُ *** والناسُ حولكَ قبضةٌ ولواءُ

واَمضِ على عهدِ الرجالِ فإنما *** عَهدُ الرجالِ تواصلٌ وعطاءُ

واصدعْ بأمرِكَ إننا لكَ فتيةٌ *** ولنا العقيدةُ صَرخةٌ ونداءُ

أقلامُنا وسيوفنا هي طوعُكم *** فأمُرْ فكلُ قلوبِنا إصغاءُ

أوَ لستَ مِنْ قومٍ تألقَ مجدُهُمْ *** لهمُ الفضائِلُ عِمةٌ ورداءُ

أملٌ وكلُّ نفوسنا توّاقةٌ *** أنْ تبتني بجهادِكم أرجاءُ

ص: 527


1- نشرت في صحيفة الصادقين العدد (20) الصادر بتأريخ 5/ربيع الأول 1426 المصادف 14/نيسان/2005.

في ذكرى عيد الغدير الأعظم توافدَ الخير

في ذكرى عيد الغدير الأعظم(1) توافدَ الخير

توافد الخيرُ بالبشرى يوافينا *** وانزاح عنا ظلامٌ من مآسينا

وأشرقت بابتهاج في مرابعنا *** شمسُ الهداية في تتويج والينا

وأينعت من ثمار الحب في شغفٍ *** غصونُ أشجارنا من فضلِ بارينا

وسامرت بابتهاج زانهُ فََ-رحٌ *** بالتهنئاتِ قلوبٌ للمحبينا

أوصى العليُ إلى طه بمحكمِه *** بَلغ (لحيدرة) بالنصِ تبيينا

بموقفٍ أعلن الإيحاء مكتملاً *** لحيدرٍ صارَ من ذي العرش تعيينا

وصوت (جبريلٌ) قد نادى بهِ عَلَنا *** يوم الغدير بحشدٍ للموافينا

فقام مرتقياً أعواد منبره *** ورافعاً (حيدراً) بالبِرِ تثمينا

ونور وجهيهما قد بانَ في وضحٍ *** كالنور شعَ على الآفاق تزيينا

وقال من كنت مولاه وسيده *** فذا (عليٌ) له من آل ياسينا

فبايعَ القومُ حتى قال قائلُهم *** بخٍ بخٍ أنت مولانا وهادينا

ص: 528


1- قصيدة ألقاها الأستاذ الفاضل الشيخ عبد الحسن الشيخ عبد الرسول الكرعاوي النجفي مهنئاً سماحة الشيخ اليعقوبي بذكرى عيد الغدير الأغر يوم 18/ ذو الحجة/1426 بمحضر من وفود الزائرين المؤمنين وقد وصفها سماحته بأنها واعية وتنطق بالحكمة، نُشرت في العدد (37) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 3/محرم 1427 المصادف 2/ 6/ 2006.

عيدُ الغدير سما بالفضل مرتبةً *** من الإله و عزّاً في نوادينا

عيدُ به اُكتمل الإسلامُ وارتفعت *** راياتهُ بافتخار للموالينا

قد فاحَ عطرُ شذاهُ في تَنسمهُ *** للمؤمنين به ورداً ونسرينا

به ولاءُ (عليٍ) زانَ بهجتهُ *** فاختال يزهو على الأعياد يهنينا

نهفوا له كُل عام في محافلنا *** هو الرصيدُ لنا في الحشر ينجينا

وفي الدنى دائما في كل معضلةٍ *** على العدو برغم الدهر يُعلينا

إذا وقفنا أُباةً في مطالبنا *** دُعاة صدقٍ وعزٍ في تصافينا

وصافحت باتفاق الرأي أيدينا *** أيدي مراجعنا فالنصرُ يأتينا

هم الدعاة لدين الله منهجُهم *** نهجُ الهُدى وهُمُ كبحُ أعادينا

ولا نرى غيرهم يسعى بمجمعنا *** نحو الصلاح إذ الأعداء تغرينا

نقول قولُهمُ هُم فرعُ قائمِنا *** تسمو فتاواهم بالشرع ترصينا

لا سيما شيخنا المفضال في ورعٍ *** (محمدٌ) قد سما بالعلم مقرونا

جئنا نهنئهُ والقلب في مرحٍ *** يوم الغدير فيهنيهِ ويهنينا

والله نسألُ أن يبقيه منتهجاً *** نهجُ الهدى بعلومٍ منهُ يروينا

ما زال ينطقُ بالإصلاح من زمنٍ *** لم يخشَ من أحد حتى الشياطينا

ولا يزال بحمدِ الله متّسماً *** بما يُزان به من لطف هادينا

ص: 529

فهكذا موقف الأعلام كُلهِم *** أبدوا جهاداً ونبذاً للمضلينا

فيا دُعاة الهُدى صونوا بوحدتكم *** دين الهدُى من أباطيل المعادينا

وسارعوا قبلَ أن تنزاح فرصتُكم *** إلى التوحد بالإسلام تقنينا

وإن أبيتم بأقوالٍ مُفرغة *** من كُل خيرٍ فلا الأقوال تغنيناً

فالله أسألُ بالتسديد ينقذنا *** من كُل سوءٍ وللإصلاح يهدينا

فَدُم بعز (أبا إبراهيم) معتصماً *** دوماً بنهج الهُدى رغم المرائينا

فبالفضيلة ساد الفخر في نسقٍ *** سامٍ لمن قد حوى في فضلهِ الدنيا

فالمرء قيمته ذكرى محاسنه *** وقد أجدت بما أسست تحسينا

ص: 530

في حضرة الشيخ اليعقوبي (دام ظله)

د. كريم ثامر الكعبي (1)

أعذر قصيدي فلست الناظم الذربا *** لكنه الحرف مبهور بما نُدبا

أعيذ مجدك أن تحويه قافية *** أو يحتويه فم الدنيا بما رحِبا

أو أن يذال وذي أركانه شمخت *** حد الكواكب نوراً زاحم الشُهبا

لأنك الشمس لا تخفى لذي بصرٍ *** وأنك البدر في الظلماء ما احتجبا

وأنك الفكر معطاءٌ لمنتهل *** و باذل الفضل نبعاً صافياً عذبا

يا واهب الصبحَ بعضاً من تألقه *** وقاطع الليل في المحراب مُحتسبا

وحامل الهمَّ عن جيلٍ بأكمله *** غير (الفضيلة) والإصلاح ما طلبا

حسب القوافي إذا تاهت بحضرتكم *** إنَّ الفضيلة فيما بيننا سببا

إني أتيت وخلفي أمة بقيت *** ترنوا إليك وتشكي الهون والعطبا

فامضِ فدتك نفوس مالها أمل إلا بشخصك وأسعف بيتنا الخرِبا

ص: 531


1- دكتوراه في الطب الباطني وأمراض القلب وعلم الجراثيم وأستاذ مساعد في كلية الطب في جامعة الكوفة، وإضافة إلى اختصاصه العلمي الكبير فإنه أديب وشاعر وله عدة قصائد شعرية منشورة أكثرها في حق أهل البيت ع، وقد أنشد هذه الأبيات في حضرة الشيخ اليعقوبي يوم السبت 6/ج1/ 1427 المصادف 3/ 6/ 2006 ننشرها تثمينا لعبقريته في جمع هذه الفضائل. ونشرت في صحيفة الصادقين العدد (43) الصادر بتأريخ 18 ج1 1427 المصادف 15/حزيران/2006.

شيخ الفضيلة

شيخ الفضيلة(1)

شعر: السيد عبد الأمير جمال الدين (2)

قصيدة مهداة لمقام سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله المبارك).

أغدق عليَّ بعطرك المسكوبِ *** لأرُشَ بالتقوى جميعَ دُروبي

فأنا أسيرُ الحب من زمنِ الصِبا *** ويظلُّ شخصُكَ في الورى محبوبي

فاسألْ فؤادك عن جوابٍ صادقٍ *** فَبهِ ستلقى غاية المطلوبِ

ما انفكَّ حبلُ الود يربطُ بيننا *** مِن يوسفٍ ذكرى إلى يعقوبِ

يا أيها القديسُ يا شيخ النُهى *** أدريكَ تسمعُ آهة المكروبِ

أدريكَ عنوانَ الشهامةِ والوفا *** مثلاًً لهُ ينقادُ كلُ لبيبِ

فذٌّ تفيضُ مهابة وجلالة *** تسمو برأيٍ ثاقبٍ وأريبِ

ص: 532


1- نشرت في العدد (55) من صحيفة الصادقين الصادرة بتاريخ 15/ربيع الأول/1428 المصادف 4/نيسان/2007.
2- من شعراء النجف المجيدين ، ناهز الستين من العمر، ممن والى السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) في وقت مبكر ، وعانى من ظلم النظام الصدامي وكان آخر ما انشد بين يدي السيد الشهيد الصدر)قدس سره) يوم الجمعة الحزينة التي استشهد فيها حيث ألقى قصيدة بعد انتهائه (قدس سره) من إلقاء درسه في تفسير القرآن في مسجد الرأس الشريف، وهو من عارفي فضل سماحة الشيخ اليعقوبي وتاريخ أسرته المجيدة وقد عبّر –جزاه الله خير الجزاء- عن عواطفه ومعرفته من خلال هذه القصيدة التي تعتبر امتداداً للأدب النجفي الرفيع. وقد ألقاها في مكتب سماحة المرجع الديني آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) وكان قد زاره يوم 11/صفر/1428 . بلاد التي تبث برامجها من بغداد.

أنا إن مدحتكَ يا ابن ودّي عارفاً *** ما فيكَ من علمٍ وفضلِ أديبِ

ويظلُّ شعري عاجزاً عن وصفكم *** وإن احتوى قولي لسان خطيب

يا باعثا مجد الغري مجددا *** كالشمس لا يدنو لأي غروبِ

هذا هو النجف الشريف أصالةً *** يزهو بظل محمد اليعقوبي

وبظل أعلامٍ أجلُ مَقامَهُمْ *** إمّا ذكرتهمُ بشعرِ نسيبِ

ستظلُّ بابُ الاجتهادِ منيعةً *** تَسمو بفكرٍ نَيّرٍ وَمُصيبِ

*-*-*-*-*-*-*

يا شَيخنا يا أيها الألقُُ الذي *** يُُدْنيهِ مِنْ روحي دعاءُ مُنيبِ

لا زالَ روحُ (الصدر) يُلهمك الهدى *** ويقيكَ من همزاتِ كلَ مريبِ

فهوَ الذي ألفاك فذَّاً نابغاً *** مُتَوَحَّداً فيهِ بغيرِ ذنوبِ

وغدا يَخصُك بالمحبةِ والثنا *** وَتخصُهُ بالحب والتعقيبِ

يا فخرَ كل المسلمينَ إذا هُمُ *** هتفوا معاً لمحمدٍ بقلوبِ

وَتََوحَّدوا لا يطلبون زعامةًً *** راحتْ تضجُّ بحقّها المغصوبِ

من يوم قامَ الحقُ يندبُ أهلهُ *** مَنْ خَصَّمهم ذو العرشِ بالتنصيبِ

لا طائفية بعدما قد أُزهِقتْ *** هذي النفوس بحقدها المشبوبِ

إنّا عرفناها لمنْ هي تنتمي *** مِنْ سالف الأيام بالترهيبِ

يبقى صراعُ الخير في دنيا الورى *** والشر مُحْتدِماً وما بعجيبِ

هي شنشناتٌ بات يُعرف سِرها *** جَلَبْت على الأوطان شَر خطوبِ

هذا العراق تقطَّعت أوصالهُ *** وأراك يا ذا الفضل خيرَ طبيبِ

ص: 533

حسبُ (البلادِ)(1) بأن تَبث محبةً *** وتَعُمَ كُلَ مُبعدٍ وقريبِ

هي صوتُ داعي الحق في هذا الحمى *** تسمو بفكر مثقفٍ وأديبِ

يا (مُنجد الفصحى)(2) وكُل فضيلةٍ *** تنمى إليك بغيثها المسكوبِ

أنت ابنُ بجدتها فإن هي أمحلتْ *** لجأت لظلٍّ من نَداكَ رطيبِ

ولأنتَ عنوانُ الفضائلِ كُلَّها *** لا زلت تحرسُها بعينِ رقيبِ

يكفيكَ هذا المجدُ يا شيخَ التقى *** يَعلو بدنيانا بغير عُيوبِ

يا أيها البدرُ المتوَّجُ بالسنا *** ما كُنتَ عَن عَيني بالمحجوبِ

بحرُ الندى والمكرماتُ شعارهُ *** تَزهو بروضٍ مِن يديكَ قشيبِ

هو ملجأ العافينَ إمّا مَسَّهُمْ *** ضَيمٌ يُلاقي الكل بالترحيبِ

يا شيخنا يا رمز كل فضيلةٍ *** حَصَّنْتها بالواجب المندوبِ

الدينُ أخلاقٌ وأنت جمعتها *** هو ربُنا أعطاك خيرَ نصيبِ

والآيةُ العظمى تليقُ بشخصكم *** ما كنتُ فيما أدّعي بكذوبِ

عِلمٌ وإيمانٌ وزهدٌ في الدنا *** ما كنتَ تطلبها لملءِ جُيوبِ

حاشاك يا نبعاً مِن الصدر الذي *** أصبحت ناصِرَهُ وخيرَ ربيبِ

ولكل هذا قد غدوت مُكرَّماً *** تهفو القلوبُ لشخصك المحبوبِ

ص: 534


1- إشارة إلى إذاعة البلاد التي تبث برامجها من بغداد.
2- جاء هذا النداء متزامنا من باب توارد الخواطر مع دعوة سماحة المرجع الديني آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) لتأسيس (مجمع اللغة العربية في بغداد) لتوسيع الاهتمام باللغة العربية وآدابها

فاسلم رعاك اللهُ يا علم الهدى *** مِن كل سوء يُختشى وكروبِ

ولتقبلن عواطفاً مَن شاعرٍ *** نُسِبت إليك بروعةِ الأسلوبِ

هي مِن (جمال الدين) جاءتْ حُرَّةً *** تُهديك يا ذا الفضل نفحة طيبِ

ص: 535

أكبرت فيك مكارم الأخلاق

أكبرت فيك مكارم الأخلاق(1)

الشيخ حسن طراد العاملي(2)

أكبرت فيك مكارم الأخلاق *** وسمو فكر مبدع خلاق

أطلقت خير فريضة من بعد ما *** حجبت بلا عمد عن الإشراق

وكذا طرحت رياضة فقهية *** ترقى بوضيح عن الإغلاق

ومنحت للأجيال علماً نافعاً *** رحب الوانب واسع الآفاق

لازالت للعرفان منهل حكمةِ *** تروي النهى بنميره الدفاق

ما أشرقت شمس الرشاد وبددت *** ليل الضلال بنورها البراق

ص: 536


1- نشرت في العدد (41) من صحيفة الصادقين الصادرة بتأريخ 2/ربيع الثاني 1427 الموافق 30/ 4/ 2006.
2- سماحة العلامة الشيخ حسن طراد العاملي من كبار علماء لبنان، ولد في بلدة معركة التابعة لقضاء صور في جنوب لبنان عام 1931، درس هناك في المدارس العصرية، ثم درس مقدمات العلوم الدينية والسطوح الأولى هناك ثم هاجر إلى النجف الأشرف عام 1954 وأكمل السطوح المتوسطة والعليا عند كبار العلماء كالسيد إسماعيل الصدر والشيخ محمد تقي الجواهري، ثم حضر البحث الخارج عند السيد الخوئي والسيد الشهيد الصدر الأول (قدس الله أسرارهم جميعاً)، وقد وصفت علاقته بالشهيد الصدر الأول –حسب تعبير أحد أقرانه- بقوله: (وقد كان من المقربين منه وكان يدوّن الدرس أثناء التدريس ويواظب على الحضور في أول الوقت وكان ممن يرعاه ويهتم به سيدنا الأستاذ (قدس سره)). زاره مدير مكتب سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) في بيروت السيد علي الياسري وقدّم له كتابي الرياضيات للفقيه والفريضة المعطلة، فحركت فيه مشاعر النبل والشهامة والإنصاف والموضوعية وكتب بتواضعه المعروف رسالة إلى سماحة الشيخ وضمنها الأبيات المذكورة.

نصير العلم

نصير العلم(1)

السيد علاء حسين الموسوي

سلاماً آية الله *** سلاماً شيخنا الأكبرْ

ويا من للتقى أضحى *** كمثل الكوكب الأزهر

على نهج الهدى دوماً *** صروح الدين قد عمر

فمذ نحن عرفناه *** لدينا ناغداً مشعر

نصير العلم بُهلول *** له الإسلام قد كبر

تصون الدين فتواه *** كمثل الشمس إذ تظهر

أبيت اللعن والسوأى *** وقاك الله كل الشر

بدرب الصدر إذ تمضي *** من الأشرار لا تحذر

ودرب الصدر عنوان *** فطوبى من به استأثر

على الإخلاص بايعنا *** له حتى نرى الكوثر

هنالك حين نلقاه *** من الطاغوت نشكو الضر

فبعد البعث أمريكا *** لذاك الله قد قدر

أجزني سيدي شعري *** فقلبى كاد أن يُصهر

سنين نحن عانينا *** وقدمنا ولم نضجر

فقال يا من فداك الروح *** مطاع كلما تأمر

فأبناء الشهيد الصدر *** أبناء أبي جعفر

ص: 537


1- نشرة في الصادقين العدد (27) الصادر بتأريخ 7 جمادى الآخرة 1426 المصادف 14/ 7/ 2005.

لفتواكم غدت عطشى *** فيا يعقوبها كبر

وأعلنْ باجتهاد الفقه *** فداك النفس فلتجهر

أجر يا شيخنا (الحوزه) *** وكن ربانها وانصر

ومهد للذي يأتي *** على اسم الله لا تحذر

الست بشأنه موسى *** إلى ما سيدي تصبر

فأعلنها ولا تخشَ *** بنصر الله فلتبشر

وخذ يا سيدي عهداً *** به طول المدى تفخر

وقد أجابه مسؤول اللجنة الثقافية في مكتب سماحة الشيخ اليعقوبي الحاج عماد الهلالي بأبيات على نفس الوزن والقافية:

سقاك السيد الأكبرْ *** بكأس من ندى الكوثر

بما أبديت من حب *** ومن شعر ومن جوهر

وما أوليتَ من واليت *** من منظومة ثنشر

وما أعلنت من عزم *** على الميثاق أن تصبر

وما عانيت من هم *** على البلوى ولم تضجر

وجازاك الذي وفقك *** اليوم غداً أكثر

فشكرا لك في الدنيا *** وشكراً لك في المحشر

ص: 538

شيخ الفضيلة

شيخ الفضيلة(1)

أبيات نظمها الأديب السيد عبد الأمير جمال الدين على البديهة عندما زار سماحة الشيخ اليعقوبي وصادفت أيام الاحتفال بذكرى ولادة الإمام الرضا (علیه السلام) في ذي القعدة/1428.

بميلاد الرضا أُسجي التهاني *** لمن في شخصه نيلُ الأماني

فتى يعقوب من أضحى مناراً *** وساريةً حوت أسمى المعاني

فقيهٌ زاهدٌ ورِعٌ تقيٌ *** أبيٌ لا يُقِرُّ على هوانِ

تجمعت الفضائلُ فيه حتى *** لتحسب أنه فخر الزمانِ

يبدد وجههُ الظلماء إما *** بدا يزهو على خضرِ المغاني

ومن آياتِ ربّي أن حباهُ *** بعلمٍ حازهُ دون افتتانِ

ليغدو الآية العظمى بحقٍ *** يفيضُ بهديهِ في كلِ آنِ

فيا شيخ الفضيلة دمتَ فخراً *** وذخراً يستظلُ بهِ جناني

ص: 539


1- نشرت في العدد (63) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 28 ذو الحجة 1428 المصادف 9/ 12/ 2007.

عيد بأفضل حال عُدتَ يا عيدُ

عيد بأفضل حال عُدتَ يا عيدُ(1)

قصيدة ألقاها الشاعر حسنين حسن ثويني أحد طلبة جامعة الصدر الدينية بين يدي سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) في أيام عيد الفطر المبارك.

سما بفكري إيمانٌ وتأكيدُ *** بأن حبّ عليّ المرتضى عيدُ

وأن قلباً خليّاً من محبته *** أحرى به أن يوارى وهو مكمودُ

لا يُعرف الله إلا في مودته *** والسعي دهراً بغير الحب مردودُ

وأن طاعة رب العيد من سقرٍ *** منجى وعاقبة العصيان تنديدُ

فالعيد أن لا ترى للنفس معصية *** يوماً وفي ذاك توفيقٌ وتسديدُ

وأن يوماً به تزكو عبادتنا *** لذاك من أعظم الأيام معدودُ

والعيد يوم به توحيد موقفنا *** ضد السعاة بأن يفتض توحيدُ

والعيد يوم ظهور المرتجى لقيا.. *** م العدل في الأرض حيث العدل مفقودُ

بذاك هنِّيت يا بدر الوئام ويا *** شمس الأنام إذا أرخت بهم سودُ

يا مصدر الرعب للأعداء حيث همُ *** السيف يرعب حتى وهو مغمودُ

وقائد النفس للأخلاق بعد هدى *** ومرشد الجمع إن ألوت بهم جيدُ

أتوا إليك على مرأى ومسمع إذ *** ناديتهم فاستقاموا حينما نودوا

يستبشرون بوجهٍ فألُ طالعه *** يُربي الحياة وبالآمال معقودُ

وجه به قال خيرُ الأنبياء أبو ال- *** زهراء يرعى بذاك الوجه معبودُ

فاشرعْ بمنهجك السامي فنهجك ذا *** تأييده هدف في العيش منشودُ

ص: 540


1- نُشرت في العدد (7) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 10/شوال/1425 المصادف 23/ 11/ 2004.

ومهّد الأمر في المسعى لقائمنا *** لأن سعيك للمهديِّ تمهيدُ

وإن سعيك إيذان بأن هدى ال- *** -قرآن لا زال لم يغمرْه تبديدُ

وإن سعيك تبشير بأن طري- *** -ق الخير باقٍ ودرب الشر موءودُ

ما وحّدت شعبنا إلا أبوّتكم *** ولم يوحِّدْهمُ فقهٌ وتقليدُ

ولم تجد بك يا مولاي مجتهداً *** إلا لأنك للإصلاح مشدودُ

ولو وعى الناس ما تبغي إليه هدوا *** وما اشرأبت بهم تلك التقاليدُ

يا فخرَ يعقوب عند الله نحسبه *** خذلان قومٍ لديها الغدر تعويدُ

أولاء من مردوا قبلاً على إحَنٍ *** وكل بغيٍّ على باغيه مردودُ

(سيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا) *** بأن مجدك دون المجد مورودُ

وأن بابك مفتوح لقاصده *** وباب غيرك عند الطرق مسدودُ

وأن دارك للوفَّاد مدرسةٌ *** وذاك رفد لمن يرجوه مرفودُ

وأن جودك لم يُلحظ بذي سعةٍ *** والجود عند كرام الناس موجودُ

وحبل ودّك موثوق بأبعدنا *** وحبل ذلك للقاصين ممدودُ

لقد مدحناك لا جهلاً ولا ملقاً *** لكنَّ مهبط علم الله محمودُ

وأن قائمنا المهدي إن صلحت *** منا النفوس حباها منه تأييدُ

وأن إصلاحنا بالمصلحين أولي ال- *** -رأي السديد ولاة الأمر معقودُ

(عيد بأيةٍ حالٍ عدتَ) أطلقها *** (أبو محسّد) وهو اليوم محسودُ

ونحن إذ أنت ترعانا نرددها: *** عيدٌ بأفضل حالٍ عُدتَ يا عيدُ

ص: 541

شاء الإله بأن يراك مقدما

شاء الإله بأن يراك مقدما(1)

سر للخلود وإن بذلتَ له الدما *** وازرعْ على جسد الظلام الأنجما

فلأنت يا شيخ الفضائل أُسوةٌ *** لمن اصطفى درب الجهاد وصمما

في عالم كالذئب يمرح عابثاً *** وتراه يأكل كل آنٍ مسلما

في عالم ما عاد فيه سوى الخنا *** فلطالما سلخ التقيّ الأعلما

ولطالما جلد الهداة بسوطه *** ولطالما جهل الهمام الأحكما

سر ما حييت وقد خبرتك في الدجى *** قمراً إذا الوطن المعذب أظلما

لا تَعْبأَنَّ بمارق ذي نزوةٍ *** قد طاف من أجل الفتاتِ وأحرما

يعدو لنيل المغريات مشمراً *** وبساحة التمحيص فرَّ وأحجما

وإذا خلا يوماً تراه بلا رِدا *** ومع الورى ذئباً تراه معمَّما

لا والذي هطل الدماء بكربلا *** ما فاز جِبتٌ للعقيدة هدَّما

كلا ولا بلغ الذرى ذو شهوة *** يوماً وإن ظن الزمان به سما

يا شيخُ قد مرض العراق فداوِه *** فلأنت تعطي للمريضِ المرهما

ترجو رضى آل الرسول فقم لها *** فسواك يرجو أن يصيب المغنما

ولقد مدحتك إذ مدحتك صادقاً *** وجعلت شعري للحقيقة سلّما

أنا لست ممن يُستَفزُّ بدرهمٍ *** ويرى ثواب القافيات الدرهما

ص: 542


1- قصيدة للشاعر الأديب عباس العجيلي الذي طالما أنشد السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) حتى لُقّب ب-(فرزدق الصدر) وقد ألقى هذه القصيدة في مجلس الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) بمناسبة عيد الغدير الأغر لعام 1428. نشرت في العدد(65) من صحيفة الصادقين بتأريخ 7/محرم/1429 الموافق 16/ 1/ 2008.

ولقد حباني الصدر تاجَ كرامةٍ *** حتى ملكتُ من القناعةِ منجما

كم قد رُمِيتَ وقد رُمِيتُ بمثلها *** ولقد جنى وأصاب نفسه من رمى

فإذا نصَحتَ له أتاك مقاتلاً *** وإذا ذكرت الباقيات تهكَّما

سر أيها الجبل الأشمُّ فإنما *** بلغ العلاءَ حصيفُ قومٍ قدّما

إنّ الهمامَ اللوذعيَّ مؤهَّبٌ *** حتى إذا حمي الوطيس تقدَّما

لا تعجبنّ إذا المرجَّحُ قد بدا *** فرداً يصول وذو الجهالة عُظِمّا

هي من رمت صدر العراق وبايعت *** ذئب العراق وكم أباد وأجرما

تالله يا شيخَ الفضائلِ إننا *** سيفٌ أبى يومَ الوغى أن يُثلَما

قل ما تشاء تجْد خميساً ثائراً *** صلب الفؤاد معاندا لن يهزما

لا يَرجوَنّ سوى الشهادةِ غايةً *** يستلُّ إن نأتِ السيوفُ الأعظما

هو جيش ذاك الصدر أنعِم بالذي *** رأسُ الطغاةِ على يديه تحطَّما

جيش إذا دنت البغاة حدوده *** جلد بأرواح البغاة تحكما

هو في يديك الآن رهن إشارة *** طيراً أبابيلاً يصيب من السما

يرمي الحصاة على الرؤوس مسبحاً *** ومياه موت من غمام قد همى

سر فوق ألغام الحياة مكبراً *** شاء الإله بأن يراك مقدما

دَع من تقنّع غارقاً في وحله *** فلسوف يجثو ذو الجهالة مرغما

شتانَ بين من اصطفى متيقناً *** نهجاً ومن سلك الطريق مُنجِّما

إن المنافق لو حميت ذماره *** طول المدى من قوسه لن تسلما

نفسي فدى شيخ يفيض محبة *** حتى بوجه الكاشحين تبسَّما

فبمذهب الحق اعتلى متفرداً *** وبسحر آيات الكتاب ترنما

ص: 543

كم من دَعيٍّ إذ بسمتَ تجهَّما *** كم من طويل إذ نَطَقْتَ تقزما

يكفيك حين حملت سارية الهدى *** هُبَلُ العراق على يديك تهشما

تالله لو أصغى لقولك مشرك *** لأتى الشهادة ملء فيه وأسلما

حيث اجتمعن بك الخصال وكلها *** رغم امتداد سنينها لن تهرما

فبمثلك الإسلام يرفع رأسه *** ولمثلك اشتاق التواضع وانتمى

ولمثلك المهديّ رشّح نائباً *** في بحر جور بالضلالة قد طمى

ما جرد الشر الوخيم حسامه *** إلاّ وصرتَ لكلِ خيرٍ معلما

كلا وما انتفضت سيول جهالة *** إلاّ وقد قاومت سدّاً محكما

أسِراجَ هذا العصر عذراً إنني *** ما زلت أعيا أن أقول وأنظِما

لكنّ في القلب المشوق سحابةً *** رعدت فمنها القلب حسّ فدمدما

خفف لظاك بخافقي أخشى على *** قلبي بما حمّلته أن يضرما

فإذا سلمت فلن أميل لحيلة *** إن كنتُ من نبل العدى لن أسلما

وإذا حُفظت من الشتيمة لم أزل *** أرضى بكل دقيقة أن أشتما

ص: 544

خواطر وخلجات

خواطر وخلجات(1)

أحييكَ صدر الدين يا من له الفضلُ *** ويا من تساوي عنده القولُ والفعلُ

أحييكَ من ميسان ثكلى حزينة *** تُكابِد أهوالاً يَشيب لها الطفلُ

أحييك يا رمز الوفاء وأهله *** ويا من له في كلِ ناحيةٍ أهلُ

أحييك والأيام تمضي ثقيلةً *** تكاثرت البلوى وحار بها العقلُ

أحييك والأيام تأبى سماحة *** وعُقْدتُها مما يضيق بها الحلُ

تراءت لنا الجنات قلنا رغادة *** يعيش ويهنا في لذائِذها الكلُ

وهبّت من الأطماع ريحٌ كريهة *** فضاق بها المخلوقُ والزرعُ والنخلُ

وقد مرَّ حرمانٌ على الناس جائرٌ *** به عمَّتْ البلوى فجلَّ الذي يبلو

وذلك ميزانٌ به يُكشَفُ الورى *** فهذا به صَعْبٌ وذاك به سهلٌ

عجيبٌ غريبٌ! كُلُّنا ندَّعي التُّقى *** ونرضى بما يأباهُ في بعضهِ الرذلُ

وتأبى نفوسُ السوءِ إلا تلوّناً *** فتلبس أثواباً يُزخرِفها الظلُ

تميلُ مع الأهواءِ في كل ساعةٍ *** وتأتي بما يأباهُ في جهلهِ الطفلُ

يسيل لعابُ اللاهثينَ لمغنمٍ *** وتُرفَعُ راياتٌ بها نُقِشَ العدلُ

ص: 545


1- قصيدة أهداها إلى سماحة الشيخ اليعقوبي فضيلة الدكتور عباس عبد الرسول الشمري أستاذ علوم القرآن في جامعة الإمام الصادق (عليه السلام) في مدينة العمارة وأنشدها في مجلسه العام، والدكتور الشمري ممن حضر مجالس الشيخ موسى والد الشيخ محمد اليعقوبي قبل أربعين عاماً في مدينة العمارة، وتحدّث عن أنسه واستفادته بتلك المجالس العامرة، وهو من مواليد عام 1941، وكان يعمل خبيراً في مديرية المناهج في وزارة التربية، من شعراء أهل البيت (علیهم السلام) وله ديوان ومسرحيات شعرية مخطوطة، طورد سابقاً من قبل النظام وهُجّر اليوم بسبب الإرهاب.

وما هي إلا للمغانم سُلَّمٌ *** لتقطف أثماراً لمن جُهُده بذلُ

ويبقى على المحرومِ أن يَنزف الدِّما *** ويعرى ويفنى والعذابُ له أكَلُ

وليتكَ صدرَ الدين تنظر حالةً *** فجائعها ما لا يقومُ بها النقلُ

أجبني فدتك الروحُ عن أمرنا الذي *** يُذيقك أهوالاً وهم في الهوى ضلوا

أحييك صدرَ الدين يا من له الفضلُ *** ويا مَنْ تساوى عنده القولُ والفعلُ

أهنيك بالنهجِ القويمِ وبالتُّقى *** وبالعلم والآداب في شخصكم تعلوا

رأيتك صدرَ الدين فضلاً على الورى *** وأنتم بألطاف السماء لنا فضلُ

لكم في ثنايا العمرِ خطٌ ومنهجٌ *** حباكم به الرحمنُ يشهده الكلُ

لقد كنت في كل الميادين حاضراً *** وفارسَها المِقدامَ في النُّصحِ لا تألو

صبرت على مر السنينِ مجاهداً *** تصارع هولَ الدهرِ من غيمهِ تجلو

وضحيتَ بالغالي النفيسِ مصابراً *** لتنقذ أرواحاً أضرَّ بها الجهل

وضحيتَ بالعمر الثمينِ مكافحاً *** شرورَ دعاةِ الشر ممن به يغلو

حديثك معسولٌ ونصحك نافعٌ أحييك *** وقولك مسموعٌ وآياته تعلوا

صدر الدين يا خيرَ صاحبٍ *** بإحسانك المحزونُ عن همهِ يسلو

ص: 546

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.