خطابُ المرحلة المجلد 4

هوية الكتاب

اسم الكتاب: خطابُ المرحلة / الجزء الرابع

تأليف: توثيق لخطابات وبيانات سماحة

آية الله العظمى المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي

الطبعة : الثانية

السنة : 1437 ه- - 2016م

الناشر: دار الصادقين للطباعة والنشر والتوزيع

النجف الاشرف / شارع الرسول ص 07808289364

المطبعة:.........

ص: 1

اشارة

خطابُ المرحلة توثيق لخطابات وبيانات سماحة

آية الله العظمى المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي

ومواقفه وتوجيهاته منذ تصديه لقيادة الحركة الإسلامية في العراق بعد استشهاد استاذه

السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) عام 1999

الجزء الرابع

شباط 2005- تشرين الأول 2006

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

خطاب المرحلة 72 :مواكب طلبة الجامعات مشياً على الأقدام إلى كربلاء المقدسة

بسمه تعالى

الحمد لله وحده وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين.

من أجل تعزيز الانتصار العظيم الذي حققه الشعب العراقي الحر الكريم في يوم الانتخابات على قوى الإرهاب والشر والحقد.

ومن أجل إدامة الحضور الفاعل في الساحة والذي أثمر عن انتزاع الحقوق رغم إرادة المستكبرين والطغاة.

ومن أجل الرد على الأشقاء الأعداء من دول الجوار الذين يقيمون (عرس الشهيد) على روح المجرم الذي قتل وجرح المئات من الأبرياء في مدينة الحلة الفيحاء(1) في الوقت الذي يتسابقون إلى إرضاء الكيان الصهيوني الغاصب وحمايته والتملق له.

ومن أجل إثبات هوية جامعاتنا العراقية وانتمائها إلى الإسلام ومدرسة أهل البيت رغم محاولات الإفساد والإغواء:

ص: 5


1- في يوم الخميس 19 محرم 1426 المصادف 28/ 2/ 2005 قام مجرم أردني بتفجير نفسه في تجمع من الناس في مركز مدينة الحلة فقتل (125) بريئاً وجرح أكثر منهم وقد أقام ذووه حفلاً بهذه المناسبة وتقبلوا التهاني من أمثالهم من ذراري الخوارج ونقلته صحيفة (الغد) الأردنية التي زارها ملك الأردنيين على غير عادته فتفجرت أزمة بين البلدين.

تدعو(1) الحوزة العلمية الشريفة طلبة الجامعات المؤمنين الرساليين إلى إحياء ذكرى زيارة الأربعين التي تصادف يوم الخميس العشرين من صفر بالمشي سيراً على الأقدام إلى كربلاء المقدسة بإذن الله تعالى وفق الملاحظات التالية:

1- أن تكون المسيرة الراجلة من جامعة بابل إلى كربلاء، ويتوجه طلبة الجامعات بالحافلات من مدنهم إلى مواقع التجمع في جامعة بابل.

2- أن يرتدي أحباؤنا الطلبة الزي الجامعي الموحد لإظهار هويتهم وأن يعلّقوا على صدورهم شارات الحزن السوداء.

3- أن ينتظموا في مواكب الوعي الحسيني بالأسماء والترتيب الذي ذكرناه في بيان مواكب الوعي الطلابي.

4- أن تساهم الاتحادات والروابط واللجان الطلابية في تنظيم هذه الفعالية والتنسيق بين هذه الجامعات ولجنة الشعائر الدينية في رئاسة جامعة كربلاء الموقرة من أجل إنجاحها وتوفير الخدمات لأعزائنا الطلبة.

5- يحدد موعد انطلاق المسيرات بعد المشاورات مع رئاسة جامعة كربلاء وبملاحظة الوقت الذي تستغرقه المسيرة لقطع المسافة.

ص: 6


1- لبى الدعوة ما قُدِّر ب-(35) ألف طالب جامعي مع أساتذتهم من مختلف الجامعات العراقية، توافدوا على جامعة بابل يوم 18/صفر حتى المساء وأقاموا فيها فعاليات متنوعة، وقد سهر على خدمتهم وضيافتهم حشدٌ كبير من زملائهم، وانطلقوا في مسيرة ضخمة بعد فجر اليوم التالي حيث مرّوا بشوارع الحلة وتوجهوا إلى كربلاء مشياً على الأقدام لمسافة (42 كيلو متراً) ووصلوا مساءً إلى محل استراحتهم في المعهد التقني في كربلاء وأقاموا فعاليات أخرى، وانطلقوا صباح اليوم التالي إلى الحرمين الشريفين.

6- عدم رفع أي صورة أو اسم لجهة أو كيان أو شخصية لأنه منافٍ للإخلاص والاكتفاء بالشعارات الحسينية والوطنية.

7- الأولى أن تكون أبيات الرثاء التي يرددها المشاركون بالشعر القريض وتتضمن معاني دينية واعية ووطنية مخلصة.

8- يؤذن للمؤمنين بصرف سهم الإمام من الخمس والجهات الخيرية الأخرى في تمويل هذا العمل المبارك وإطعام المشاركين وتأجير سيارات النقل وخط اللافتات ونحوها.

9- تصوير جوانب الفعالية وإيصال هذا الصوت المبارك إلى وسائل الإعلام.

ندعوا رؤساء الجامعات وإداراتها إلى الإذن أو على الأقل عدم الممانعة في مشاركة الطلبة في هذه المسيرات ليشاركوهم في الأجر، فإن من رضي بفعل قوم أشرك في عملهم وخصوصاً رئاسة جامعة كربلاء لاستقبال الزائرين من مختلف المحافظات وضيافتهم بالشكل اللائق بهم.

وندعوا المتمولين ومن في ذممهم حقوق شرعية إلى دعم هذه الفعالية المباركة، كما نأمل أن لا تقصر الحوزة العلمية في تغطية النفقات بما يتيسر.

وندعوا الشعراء والأدباء الواعين بكلا النوعين من الشعر إلى المساهمة بنظم الأبيات التي يرددها المشاركون ليحصلوا على اجر خدمة الثورة الحسينية ونشر أهدافها المباركة، وان تتضمن القصائد الافتخار برقي جامعاتنا في العلم والأخلاق والفكر والدعوة إلى بناء المستقبل الزاهر تمهيداً للظهور الميمون.

وندعوا الكيانات الدينية والسياسية والشعبية للمساهمة الفعّالة في تنظيم هذه

ص: 7

الشعيرة المقدسة والدعوة الجادة للمشاركة فيها وتقديم الخدمات والإمدادات. وندعوا مالكي حافلات نقل الركاب إلى التواجد في كربلاء المقدسة يوم الزيارة لإعادة الزائرين إلى مدنهم.

نوجه هذه الدعوة ونحن على ثقة بان الجميع سيؤدون ما عليهم تجاه أئمتهم وأمتهم ووطنهم وان لا يفوتوا هذه الفرصة العظيمة لإطاعة الله تبارك وتعالى.

محمد اليعقوبي

4 صفر 1426

ص: 8

خطاب المرحلة 73 :حضور الملايين وطلبة الجامعات في زيارة الأربعين أفضل رد على عرقلة العملية السياسية

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على إكمال الدين وإتمام النعمة بولاية النبي وآله الأطهار صلى الله عليهم أجمعين.

مرَّ الشعب العراقي بتجربتين لتشكيل الحكومة خلال أقل من عام:

الأولى: في حزيران عام 2004 وترأسها الدكتور أياد علاوي وهي التي تعرف بالحكومة المؤقتة.

الثانية: أفرزتها نتائج الانتخابات العامة التي جرت في الثلاثين من كانون الثاني عام 2005 وهي التي تعرف بالحكومة الانتقالية.

وبالرغم من أن الأولى لم تكن شرعية وفرضتها قوات الاحتلال تحت غطاء مجلس الحكم المعيَّن، إلا أنها مرّت بكل انسيابية ومن دون أي مشكلة وبأسرع وقت.

أما التجربة الثانية، فقد كانت شرعية –في النظام الديمقراطي- لأنها استندت إلى اختيار الشعب الذي هبَّ بشكل منقطع النظير وتحدى الإرهاب

ص: 9

الذي أعلن الحرب العامة ضد من يشارك فيها، وانتزعها بجهاده ودمه من المتسلطين الذين لهم مشروعهم المعد سلفاً، وبالرغم من هذه الشرعية إلا أن شهرين مرا ولم تحقق هذه الخطوة الأولى اعني اختيار رئيس للجمعية الوطنية المنتخبة !!ألا يوحي ذلك إلى أن مؤامرة كبيرة تحاك ضد هذا الشعب، وأن صراعاً بين قوى دولية وإقليمية تتخذ من هذه الأرض المباركة مسرحاً لها من أجل تحقيق مصالحها ومآربها على يد أتباعهم ودماهم المتحركة الذين يستجدون أرزاقهم منهم، وعليهم أن ينفذوا بدقة ما يأمرهم به أسيادهم، أما الشعب المضطهد المحروم الذي يريد أن ينهض من جديد فلا أحد يفكر به ويعمل من اجله إلا أن يلتفت هو إلى عناصر قوته فيستثيرها ويستجمعها ويوظفها لقول كلمته الفاصلة ووقفته الشجاعة.

إنهم حينما أطالوا أمد المفاوضات والمشاركات لتشكيل الحكومة إنما أرادوا أن يهزموا هذه الأمة ويسلبوا منها انتصارها ويلووا ذراعها حتى تشعر باليأس والإحباط والاستسلام، فحذارِ أن تحقق الأمة لهم أهدافهم وقد نبههم الله تعالى إلى قوتهم وسمو مبدأهم فقال عز من قائل [وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ] (آل عمران: 139) وإنما تكونون اعلون:

أولاً: بإخلاصكم لله تعالى وتطبيقكم الكامل للشريعة قال تعالى [وَلَوْ أَنَّ أهل الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ] (الأعراف:96).

وثانياً: بوحدتكم وتآلفكم وتعاونكم قال تعالى [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً

ص: 10

وَلا تَفَرَّقُوا] (آل عمران: 103).وثالثاً: بتنظيمكم لأموركم وحشد طاقاتكم قال تعالى [وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ] (الأنفال: 60) وقال تعالى [وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ] (آل عمران: 104)، والأمة هي الجماعة المنظمة التي تتوحد على هدفٍ معين ومصلحة مشتركة وقال أمير المؤمنين (أوصيكم عباد الله بتقوى الله ونظم أموركم).

ورابعاً: بالتفافكم حول قيادتكم الرشيدة وطاعتكم لها قال تعالى [إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا] (المائدة: 55) والعلماء الفقهاء العدول هم ورثة المعصومين (علیهم السلام).

وخامساً: بوعيكم وبصيرتكم وحكمتكم قال تعالى [وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ](الحاقة: 12).

وسادساً: بحضوركم الفاعل والمستمر في الساحة بلا كلل أو ملل قال تعالى [يَا أَيُّهَا الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ] (الانشقاق:6) وقال الإمام (علیه السلام) (أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا).

إنها مواجهة ذات محاور عديدة وخنادق متعددة، والعملية السياسية واحدة من تلك المواجهات التي تحتاج إلى وعي عميق وحكمة دقيقة وحضور فاعل ومستمر في الساحة، إنهم يشعرون بالخيبة والخسران حين عجزوا عن اختراق الأمة وتغيير معالم شخصيتها، ويحاولون بشتى الطرق أن يعيقوا انبعاثها وانطلاقها نحو الحرية والكمال.

ومن هنا كانت الحشود المليونية التي زحفت سيراً على الأقدام إلى كربلاء

ص: 11

المقدسة وقطع بعضهم مئات الكيلومترات لم يصحب أحدهم طعاماً ولا فراشاً ومع ذلك فلم يحتج إلى شيء؛ لأن الشعب بكل فئاته هبَّ لإنجاح هذه الفعالية المباركة، وحتى أن بعض الإخوة المسيحيين شاركوا في تلك المسيرات لأنهم يعلمون أن الإمام الحسين (علیه السلام) ليس رمزاً وأسوة للمسلمين فقط وإنما للإنسانية جمعاء، وسيظل الإمام الحسين مدرسة للأجيال ما دام هناك ظلم قائم وفئة مستأثرة وحق مهتضم وتسلط بغير حق وإقصاء لأولياء أمر الأمة الحقيقيين.إن هذه المشاركة أفضل ردٍ توجهه الأمة لهؤلاء الذين يريدون سرقة انتصارها في يوم الانتخابات وليكسروا إرادتها حتى تستسلم لما يريدون، ولكنها أثبتت أن إرادتها لا تلين وأنها مستعدة لكل التحديات، كما واجهت من قبل بطش صدام الذي لم يشهد مثله شعب عبر التأريخ والجغرافيا وأنها تبقى تطالب بحقوقها بلا كلل أو ملل.

وكان من أروع ما تضمنته هذه المناسبة الموكب الحاشد المهيب لطلبة الجامعات والمعاهد العراقية الذي قدرت اللجنة المكلفة من رئاسة جامعة بابل بتنظيم المناسبة عددهم بخمسة وثلاثين ألفاً، تجمعوا في مدينة الحلة قبل أن يسيروا مشياً على الأقدام إلى كربلاء(1) ليواسوا أهلها، وكل الشعب العراقي المفجوع بالأبرياء الذين سقطوا شهداء وجرحى نتيجة جرائم الطائفية الحاقدة والتكفير الأعمى وطمع عباد الهوى والشيطان، وليوجهوا رسالة إلى الأشقاء من دول الجوار الذين

ص: 12


1- المسافة بين الحلة وكربلاء هي (42) كيلو متراً قطعها الطلبة يوم التاسع عشر من صفر ابتداءً من بعد صلاة الفجر.

يغذون الإرهاب ويوجهونه ويمدونه، وليثبتوا انتماءهم إلى الإسلام والى مدرسة أهل البيت (علیهم السلام) بعد أن حاول الأعداء النفخ في حادثة السفرة الطلابية لكلية الهندسة في جامعة البصرة(1) والتي استدرج فيها الطرفان لتصرفات سيئة كان الهدف منها تسقيط سمعة الإسلام والتنفير من نظامه السامي والإيحاء بأنه غير حضاري ويستخدم العنف لتطبيق برامجه. فجاءت هذه الجموع الهائلة من كل جامعات العراق لتبرز هويتها الإسلامية الأصيلة، ولتثبت أن الشعائر الحسينية ليست انفعالات وردود فعل عاطفية هوجاء لا معنى لها، وإنما هي مدرسة يستلهم منها العلماء والمفكرون وطالبوا الفضيلة كل معاني السمو والكمال، وبهذا وغيره من عناصر القوة اكتسب موكب طلبة الجامعات أهميته لأنه منظم أولاً وذو أهداف محددة وواضحة ثانياً ولأنه يمثل شريحة علمية ثقافية مهمة في المجتمع ثالثاً، وهذه الأمور حينما تصدر من مجموعة ولو قليلة فإنها أكثر تأثيراً في قلوب الأعداء من عملية غير منظمة مهما كثر عدد أفرادها.

ص: 13


1- في يوم الثلاثاء 4 صفر 1426 المصادف 15/ 3/ 2005 خرج مئات من طلبة وطالبات كلية الهندسة في جامعة البصرة في سفرة طلابية إلى حدائق الأندلس في المدينة وقام عشرات منهم بالغناء والمرح مما استفز مشاعر الناس لمنافاتها للدين والأخلاق وللحزن الذي يسود المجتمع في شهري محرم وصفر، لكن إحدى الجهات المنتسبة للدين هاجمتهم بقسوة ب-(العصي والكيبلات) والإطلاقات النارية فأصابت عدداً منهم وتلاقفت وسائل الإعلام الحادثة بسرعة وكأن الأمر قد خُطط له.

فحق لنا أن نفتخر بكل الذين احيوا زيارة الأربعين وساهموا في إظهارها بهذه العظمة والعزة التي تليق بريحانة رسول الله (صلی الله علیه و آله) وسبطه وسيد شباب أهل الجنة وموقفه الإنساني النبيل.محمد اليعقوبي

النجف الأشرف / 20 صفر 1426

ص: 14

تهنئة زوار الحسين (عليه السلام) بالألطاف الإلهية

تهنئة زوار الحسين (عليه السلام) بالألطاف الإلهية(1)

استقبل سماحة الشيخ (دامت تأييداته) يوم الجمعة 21 صفر وفوداً ضمت عددا من المؤمنين الذين أدوا مراسيم زيارة الأربعين في كربلاء المقدسة، وتحدث سماحته عن الآثار المعنوية التي يتزود بها من يؤدي هذه الشعائر بإخلاص، والألطاف الإلهية التي تغمره سواء أحسّ بها أو لم يحس لكنه ينعم ببركاتها، وغبطهم على هذه النعمة التي يتحسر على فواتها الملايين في مختلف أصقاع الأرض.

ولو قسنا المعاناة والجهد الذي يبذله الزائر - مهما كان عظيماً - فإنه يسير بجنب ما أعد الله تبارك وتعالى، حيث أن أحد بركات هذه الزيارة أن تكتب لك حسنة وتمحى عنك سيئة بكل قدم ترفعها وتضعها، ولك شفاعة رسول الله (صلی الله علیه و آله) وأمير المؤمنين (علیه السلام) وفاطمة الزهراء (علیها السلام) بمواساتك إياهم، ولك أجر إعزاز الدين وحفظ ملة سيد المرسلين وإعلاء كلمة الله رب العالمين ومواصلة الرسالة للأجيال.

وقارن سماحته بين الطاعة التي يذهب عناءها ويثبت أجرها، والمعصية التي تذهب لذتها وتبقى تبعتها، وهي مقارنة كافية للدلالة على الطريق لكل ذي بصيرة.

ص: 15


1- نشرت هذه التهنئة في الصفحة الثالثة من العدد (19) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 25 صفر 1426 الموافق 5 نيسان 2005.

ثم أجاب عن سؤال لماذا موكب طلبة الجامعات فقال: لعدة أمور:أولها: لإثبات انتماء جامعاتنا للإسلام وعدم تخلي شبابنا عن عقيدتهم وأخلاقهم رغم محاولات الإغراء والإفساد، ورداً على ما حاولوا تضخيمه خلال الأيام السابقة من استدراج عدد من الطلبة في جامعة البصرة للرقص والغناء واستدراج فئة معينة لضربهم وإهانتهم، وابتغوا بذلك هدفين: الأول الإيحاء بان طلبة الجامعات متحللون بعيدون عن الدين لا يراعون الحرمات الأخلاقية والاجتماعية، والثاني هو إظهار الذين يحملون واجهات إسلامية بصورة التخلف والهمجية ومصادرة الحريات وإكراه الآخرين بالعنف على معتقداتهم.

ولكن الحقيقة غير ذلك فإن من خالفوا الآداب الإسلامية في تلك السفرة لا يتجاوزون (52) طالباً من (385) شاركوا في السفرة من أصل (2850) طالباً في كلية الهندسة من حوالي (23) ألف طالب في جامعة البصرة فهم لا يمثلون صورة كلية الهندسة ولا جامعة البصرة ولا سائر الجامعات العراقية فجاءت هذه المسيرة لتؤكد الهوية الإسلامية لطلبة الجامعات العراقية، حيث شارك أكثر من عشرين ألف طالب في مسيرة ضخمة قطعت أكثر من (42) كيلومتراً بين الحلة وكربلاء سيرا على الأقدام.

ثانيها: للرد على من يصور شعائر الحسين (علیه السلام) وكأنها انفعالات عاطفية للعامة، ولا دور فيها للمثقفين والواعين، فتأتي هذه المسيرة لتؤكد أن الحسين (علیه السلام) مدرسة ينهل منها كل فرد بحسب استحقاقه ولا يستطيع أحد الاستغناء عنها سواء كان من القادة أو المصلحين أو الأحرار أو الرساليين أو العلماء أو

ص: 16

المفكرين أو المثقفين وحتى العامة والبسطاء.وثالثها: إبراز ضرورة تنظيم المشاركين في زيارة العتبات المقدسة في مسيرات موحدة منتظمة ذات شعارات ومطالب واعية ومحددة فإنها حينئذٍ ستكون فاعلة وقادرة على تحقيق مطالبها، ولما كانت شريحة طلبة الجامعات أكثر الشرائح انتظاماً ومركزية كان التفكير بالبدء بها، إذ كان يمكن لهذه العشرات الآلاف أن تذوب ضمن ملايين الزوار من دون صدى ولا تأثير ولكن انتظامهم بهذا الموكب المهيب أحدث دوياً في الأوساط الاجتماعية ونحن نتطلع إلى اليوم الذي تستطيع كل محافظة أن تشكل لجان تنظيمية تمثل أهل الحل والعقد فيها من مكاتب العلماء والخطباء والأحزاب السياسية والعشائر والوجهاء والنخب لتنظم زائري كل محافظة بمواكب موحدة تضم مائة ألف أو مائتي ألف، وتكون شعاراتهم ومطالبهم واضحة ومحددة فإنها حينئذ ستقلب الموازين وتغير المعادلات ولنجعل من مواسم الزيارات الرئيسية (الأربعين، الشعبانية، الغدير) منطلقاً لهذا العمل المنظم الفعال.

ص: 17

المسيرات الراجلة وسيلة حضارية تستنقذ الأمة بها حقوقها

المسيرات الراجلة وسيلة حضارية تستنقذ الأمة بها حقوقها(1)

التقى سماحة الشيخ (دامت تأييداته) يوم السبت 15 صفر بوفد ضم العشرات من أبناء موكب فاطمة بنت أسد في مدينة سوق الشيوخ بمحافظة الناصرية القادمين سيراً على الأقدام متوجهين إلى زيارة الإمام الحسين (علیه السلام)، وبعد أن رحب بهم سماحة الشيخ وأثنى على نشاطات الموكب التي لا تقتصر على إحياء الشعائر الدينية بل له نتاجات فكرية واعية وأعمال اجتماعية، تحدث سماحته عن كيفية استثمار حركة هذه المواكب بأفضل صورة فإن العمل الواحد يمكن أن يكون أكثر ثواباً إذا حمل عدة وجوه وأهداف وهذه تحتاج إلى وعي ومعرفة؛ لذا كانت المعرفة أساس الدين وورد الحث الأكيد على طلب العلم والعمل به.

وأكد سماحته على ضرورة التطوير والتحديث والتنويع في أنماط العمل الإسلامي لتبقى حالة تفاعل الأمة معها والاستجابة لها لأن الأعداء ينوعون في أساليبهم ويسبغون عليه الكثير من الإثارة والجاذبية، فلكي نحافظ على شبابنا لابد من تنويع أساليب العمل بما يناسب توجهاتهم، وقد نجده يستهجن غدا بعض الآليات لإحياء الشعائر التي يعملها الآن فنحن بحاجة إلى إصلاح في هذا

ص: 18


1- نشر في الصفحة الثالثة من صحيفة الصادقين في عددها ال-(19) الصادر بتأريخ 25 صفر 1426 الموافق 5 نيسان 2005.

الاتجاه.وعلينا أن نفرق بين الإصلاح الذي يبقي على الحسن ويزيل القبيح والضار، وبين الثورة التي تستأصل كل شيء وإن كان نافعاً، فالطبيب الحاذق هو الذي يتفحص جسد المريض عضواً عضواً ولا يزيل إلاّ ما كان فاسداً، وإن كثيراً من الثورات أضرت أممها بسبب هذا الاندفاع غير الواعي، وحينما تفتقد القيادة الإصلاحية الحكيمة كالثورة الفرنسية التي سلخت الأمة من قيم ومبادئ صحيحة وأولها الالتزام بالدين في خضم هيجان الجماهير.

وأردف سماحته قائلاً انه تبقى شعيرة الذهاب إلى كربلاء سيراً على الأقدام أهم الوسائل الحضارية التي تعبر الأمة من خلالها عن مطالبها وأهدافها، وهو أسلوب اثبت نجاحه عبر التأريخ واستفاد منه القادة العظماء وأولهم رسول الله (صلی الله علیه و آله) الذي أمر المسلمين بالتوجه إلى مكة في عمرة القضاء في السنة السابعة للهجرة والسيوف في أغمادها، مما اضطر قريش إلى الاستسلام وسحب المبررات من اتخاذ أي أجرا مسلح وانهزمت بعدها قريش ودخل رسول الله (صلی الله علیه و آله) مكة فاتحاً.

وقد حرر المهاتما غاندي الهند من البريطانيين بهذه المسيرات السلمية، وكذا انتصرت الثورة الإسلامية في إيران فقد كانت الجماهير الثائرة تقدم الزهور إلى الجيش والحرس الذين كانوا يطلقون النار ويحصدون أرواح آلاف المؤمنين حتى استسلم الجيش وانهزم.

وفي تجربة تحرير الجنوب اللبناني حيث قام أبناء قرى ومدن الجنوب حينما رأى انهيار معنويات الجيش الإسرائيلي وتفكيره الجدي في الهزيمة

ص: 19

بالتجمع نساءً ورجالاً وأطفالاً، والتوجه بمسيرات سلمية نحو مدنهم وقراهم فلم يستطع الإسرائيليون فعل شيء واستمروا في تراجعهم حتى لم يستطيعوا البقاء إلى الموعد المحدد للانسحاب.وفي ختام حديث سماحة الشيخ (قدس سره) هنأهم على هذا الحماس وهذه الشجاعة والهمة حيث قطعوا مئات الكيلومترات خلال تسعة أيام، وقال لهم أن في زيارة الإمام الحسين (علیه السلام) فضلاً عظيماً لا يحصيه إلاّ الله تعالى كما نطقت به الروايات الشريفة، وفي زيارة الأربعين خصوصية إضافية وفي السير على الأقدام فضل إضافي، وهذا كله قد كتب لكم بفضل الله تبارك وتعالى، فانقلوا هذه المعاني والروايات إلى الزائرين لترفعوا من هممهم وحماسهم.

ص: 20

خطاب المرحلة 74 :تقييم العمل النسوي خلال عامين

خطاب المرحلة 74 :تقييم العمل النسوي خلال عامين(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي نصر عبده وهزم الأحزاب وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وآله الطيبين الطاهرين.

يملؤني الفخر والاعتزاز وأنا أتشرف بخدمة هذه الثلة الرسالية وأطلّع على جهودهن -التي لم تغب عني- في نشر الوعي الإسلامي والعمل الاجتماعي المبارك.

إنكن حقاً الجنود المجهولون الذين يتحملون الحصة الأكبر من العناء والتضحية في هذه المواجهة الحضارية الشاملة مع أعداء الإسلام.

فإننا حينما نقيّم العمل الإسلامي خلال السنتين الماضيتين سنجد أن الأمة تجاوزت الكثير من الصعاب والمغريات ووسائل هدم الأخلاق ومسخ الهوية الإسلامية مما كنا نتخوف عليها منها، فكانت أولى محاضراتنا حينما وطأت

ص: 21


1- تقرير الكلمة التي تحدث بها سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) خلال لقائه بوفد مشترك ضم العشرات من أعضاء رابطة فدك النسوية في حي المعارف ببغداد ورابطة الإمام الجواد النسوية في حي الرئاسة ببغداد يوم الأربعاء 4 ربيع الأول 1426 المصادف 13/ 4/ 2005 مع بعض الفقرات التي ذكرها في لقائه بالعشرات من المؤمنات الرساليات في رابطة بنات المصطفى وجامعة الزهراء في السماوة يوم السبت 7 ربيع الأول 1426.

أقدام المحتل أرض بلادنا الطيبة تتحدث عن أخطار جهاز (الستلايت) الذي كان أول هدية قدمها الغرب لشعبنا مستغلاً تشوقه لكل جديد بعد أن عاش الحرمان الطويل خلال الحكم المقبور، وبينّتُ في تلك المحاضرة الآثار السلبية الكثيرة المترتبة على سوء استخدام هذا الجهاز واستوعبت الأمة هذا التحذير ووعته، وها هو جهاز (الستلايت) يدخل إلى بيوت العراقيين وتمر على استعماله سنتان دون أن يؤثر على أخلاق الأمة والتزامها بدينها، بل إن الحالة الإسلامية تتصاعد وتزدهر والشواهد على ذلك كثيرة، كما ظهرت بوضوح في يوم الانتخابات والمسيرة المليونية الراجلة إلى كربلاء في ذكرى زيارة الأربعين. وتجلى هذا الصمود والثبات على المبدأ أيضاً في مشاركة أكثر من عشرين ألف طالب جامعي في مسيرة مهيبة قطعت مسافة (42)كم من الحلة إلى كربلاء مشياً على الأقدام، لتظهر للأعداء قبل الأصدقاء أن تربية الأمة بشبابها ونسائها قد قطعت شوطاً كبيراً، بحيث لم تعد تؤثر فيهم وسائل الفساد والانحراف والضلال الذي راهنوا عليه في أوساط الجامعات، فهؤلاء الشباب والشابات الذين قبضوا على دينهم هم مصداق للحديث الشريف: (إن الله يباهي ملائكته بالشاب الذي ينشأ في طاعة الله تبارك وتعالى)، وسوف يذكرون بكل خير كما خلد الله تبارك وتعالى ذكر نبيه يوسف الصديق (ع) الذي عصم نفسه من الوقوع في الفاحشة رغم تهيؤ ظروفها.

إن صمود الأمة هذا وثباتها وحفاظها على توازنها والتزامها بثوابتها الأخلاقية والدينية لم يحصل جزافاً ولم يحدث على نحو المعجزة وان كان مؤيداً بلطف

ص: 22

الله تبارك وتعالى، ولكنه كان حصيلة جهود جبارة مضنية قامت بها طليعة الأمة من العلماء والفضلاء والمثقفين والعاملين الرساليين من الرجال والنساء، وقليل منهم الذي عرفت الأمة اسمه وثمنت جهده، أما الأكثر فكانوا مجهولين في الأرض لكنهم معروفون في السماء بما ترفع الملائكة لهم من أعمال صالحة وأهداف سامية ونوايا مخلصة وانتنّ من هؤلاء الجنود المجهولين.وأستطيع القول أن حماس النساء وهمتهن في العمل كانت أكثر من الرجال، ولا اعتقد أن الرسالي يضره عدم التفات الناس إلى ما يبذله من جهود لأنه لا يبتغي من أحد جزاءً ولا شكوراً، وغاية ما يستهدف رضا الله تبارك وتعالى وهو أقرب إلينا من حبل الوريد ويحول بين المرء وقلبه ومطلع على ما تخفي الصدور فلا ضير إذن، وقد وصفت الأحاديث الشريفة المؤمن بأنه (مجهول في الأرض معروف في السماء).

ولعل من سوء توفيق شرائح كبيرة من المجتمع أنها لا تلتفت إلى العاملين ولا تعرفهم فتحرم من الانتفاع منهم ودعمهم ومساندتهم، وفي ذلك ما لا يخفى من ثواب الله تبارك وتعالى والدرجات الرفيعة.

نعم، قد يتعرض العاملون الرساليون إلى ضغط اجتماعي ونفسي بسبب هذا التجاهل والإهمال من المجتمع الذي قد يصل إلى الممانعة والاعتراض وخلق العقبات، وحينئذ يحتاج العامل إلى ما يطيب خاطره ويمسح على آلامه وهمومه، وهو ما نجده كثيراً في القرآن الكريم حينما كانت تشتد المحنة على رسول الله (صلی الله علیه و آله) من قريش في مكة فيسليه ربه ويزيل عنه بعض همومه كقوله تعالى [وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ

ص: 23

السَّاجِدِينَ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ] (الحجر: 97-99) وقوله تعالى [وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ، إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ] (النحل:128).وحينما نلفت نظر الأمة إلى هذا الانجاز الكبير الذي حققته، نحذرها من الوقوع في آفة العجب والرضا عن النفس، وأننا قد أدينا ما علينا وتجاوزنا مرحلة الخطر ونستطيع أن نطمئن على مستقبل الأمة ! لكن هذا العجب هو بداية الانهيار والفشل والهزيمة، وهو ناتج من الجهل بان المواجهة مفتوحة ومستمرة وقائمة على الجبهتين الداخلية والخارجية، ونقصد بالداخلية الصراع داخل النفس مع الشهوات والأطماع والأهواء التي يسوق أتباعها إلى الردى [أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ] (الجاثية:23) [فَأَمَّا مَنْ طَغَى، وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، فإن الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى، وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، فإن الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى] (النازعات: 37-41).

وتبقى النفس الأمارة بالسوء تدعو صاحبها إلى العصيان والتمرد على الخالق العظيم، ويزين الشيطان أوامرها ما دام الدم يجري في عروق الإنسان وحتى في لحظاته الأخيرة يمكن أن تزل قدمه ويتردى في الشقاء، كما يروي الأئمة الهداة عن ناسٍ أريد تلقينهم الشهادتين ساعة الاحتضار فلم يفعلوا وقالوا كلمة الكفر حيث يستغل إبليس الظروف الصعبة التي يمر الإنسان بها في تلك اللحظات وحاجته الماسة إلى المساعدة فيريه كأساً من الماء البارد ويقول له هذا لك إن فعلت كذا وكذا فيسقط البعض في هذه اللحظات الحاسمة.

ص: 24

قد يقول بعضكم إذن ما هو مصيرنا حينئذٍ ومن الذي يضمن أننا سنثبت على الهدى والاستقامة ونحن على ذلك الحال؟ والجواب إن ذلك التصرف لا يقوم به الإنسان بمعزل عن معتقده وطريقة حياته الطويلة، بل هو نتاج تلك الحياة فإن كان عاملاً بما يرضي الله تبارك وتعالى متجنباً لما يسخطه فهو آمن من الزلل وسيحضره المعصومون (علیهم السلام) في تلك اللحظات ويبشرونه بمقعد صدقٍ عند مليك مقتدر قبل أن تفارق روحه الدنيا، كما يروي المؤرخون أن الشهيد علي بن الحسين الأكبر نادى أباه الحسين (علیه السلام) بعد أن قطعه الأعداء بسيوفهم (عليك مني السلام يا أبه، هذا جدي رسول الله (صلی الله علیه و آله) يسقيني بيده شربة من الماء لا أظمأ بعدها أبدا). بعكس الذين قضوا حياتهم في المعاصي والبعد عن الله تعالى، فإنهم سيتركون لما كسبت أيديهم من ظلمات ولتسويلات الشيطان.

وينقل القرآن الكريم بعض حواراتهم مع المؤمنين الذين ابيضت وجوههم بالأعمال الصالحة فأخذوا يشعون نوراً [يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِإيمانهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ، يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أمر اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ، فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ] (الحديد: 12-15).

ص: 25

وحينما نجد في كتب الأدعية والمستحبات دعاءاً باسم (العديلة) يقرأ للأمن من العدول عن الحق ساعة الاحتضار، فإنه لا يعني أن نفس قراءة الدعاء تحقق تلك النتيجة وإنما التدبر في معانيه والالتزام بمقتضياته واستحقاقاته ينظم حياة الإنسان بالشكل الذي ينتج نهاية طيبة له يؤمن عليه معها من العديلة.وأما الحرب على الجبهة الخارجية واقصد بها مواجهة المشروع الغربي بكل أشكاله، والتي استطاعت الأمة الوقوف في وجهه وإحباطه سواء على الصعيد السياسي أو الأخلاقي أو الفكري أو الاجتماعي أو العقائدي، فعلى الصعيد السياسي كان الاحتلال قد اعدَّ خطة لعملية سياسية تدريجية تنسجم مع خططه الستراتيجية، لكن المرجعية الرشيدة وقفت بحزم من أول يوم وعبئت الجماهير للمطالبة باحترام إرادتها واستقلالها وحريتها في اختيار من يديرون شؤون البلاد، وأفلحت في انتزاع هذا الحق وانتصرت في يوم الثلاثين من كانون الثاني الماضي، ولا زالت ماضية في انتزاع حقوقها بالتدريج وسيعينها الله تبارك وتعالى في مسيرتها ما دامت مخلصة له ومحبة للخير ومتجردة عن الأنانية وحب الدنيا.

وأما على الصعيد الأخلاقي والديني فقد أشرنا إليه في بداية حديثنا هذا واللقاءات والبيانات المتعددة، لكن الأعداء لا يكلّون ولا يملّون وهم طويلو الأمل ويضعون خططاً ستراتيجية لا يهمهم معها فشلها وتأخر تحقيقها سنة وسنتين بل يتربصون بنا الدوائر وينتظرون الانقضاض على حين غرةٍ من علماء الأمة ومفكريها ومثقفيها وعيونها المخلصة، فعلينا أن لا نتعب ولا نكل ولا تفتر عزائمنا، ونبقى متواجدين في ساحة العمل بوعي وبصيرة وعيون مفتوحة على

ص: 26

رغم الصعاب وقلة الإمكانيات التي تفي بهذه المواجهة الواسعة.وقد شاء التخطيط الإلهي أن يعرض الأمة لهذه الهجمة الغربية الكافرة بالتدريج، حيث كانوا قد اعدوا لتغلغل سريع وقوي وبمختلف وسائل التأثير كالمال والوظائف وتلبية الغرائز تحت أسماء عديدة كمنظمات إنسانية أو مؤسسات التدريب على الديمقراطية أو بناء المجتمع المدني أو مراكز التعليم والصحة، وكان يمكن لمثل هذا الهجوم الواسع أن يفعل فعلته في تخريب كيان الأمة لمفاجأتها به وعدم استعدادها بما يناسبه، ولكن تدهور الأوضاع وعدم الاستقرار في الساحة العراقية أرجع تلك المجاميع الضالة إلى حيث أتت، وبقي اختراق محدود استطاعت الأمة باستعدادها البسيط أن تقف في وجهه وهكذا شاء التخطيط الإلهي من باب [وَعَسَى أنْ تَكرَهُوا شَيئاً وَهُوَ خَيرٌ لَكُمْ] أن يأخذ بيد الأمة برفق وبالتدريج حيث إن الأوضاع كلما ازدادت استقراراً كانت فرصة هؤلاء الأعداء للقدوم أكبر ويزداد البلاء شدة، فلا بد من العمل الدؤوب السريع والواسع لكي نكون حذرين واعين مستعدين.

وإن أساس الهزيمة في كلا المواجهتين (مع النفس والأعداء الخارجيين) هي الغفلة لأن الإنسان لو كان حذراً واعياً مستعداً لما تمكن منه عدوه.

أي واحد منا لا يفعل المنكر إذا كان بمحضر الآخرين والتفاتهم أو أن كاميرا تلفزيونية تصوره لأنه يستحي منهم فكيف يفعله وهو يستنكره؟ ألا يعلم أن الله مطلع عليه وان أعماله مسجلة ومحفوظة وتعرض في لوح يصور حتى التفاصيل الدقيقة كخائنة الأعين وما تخفي الصدور [وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً

ص: 27

وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً] (الكهف:49) وأن سجلات أعمالنا ترفع أسبوعياً إلى الإمام صاحب العصر باعتباره الإمام الفعلي لينظر فيها ويختمها ثم تحفظ إلى يوم العرض قال تعالى [وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إلى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ] (التوبة:105).فأي غفلة وظلمات الجهل التي تعيشها هذه النساء الممسوخات المتجردات من كل معاني الفضيلة والإنسانية والأخلاق اللواتي يظهرن على شاشات التلفزيون وفي الإذاعة وهن يدعون إلى ما تستقبحه وتتنزه عنه حتى الحيوانات(1)؟

فالحذر الحذر من الغفلة والكسل والاتكالية والاسترخاء وحب الدعة والراحة، ولذا تجد الله تبارك وتعالى كثيراً ما يدعونا إلى التأمل والتفكير والتذكر والاتعاظ والتدبر والتعلم لأنها أساس الهداية والصلاح.

وبعد وضوح سعة المواجهة على المستوى النظري نشير باختصار إلى آليات العمل للنهوض بهذه المسؤولية الكبرى على صعيد العمل النسوي، وقد تضمن مشروعنا ذراعين رئيسيين للعمل النسوي:

أحدهما: جامعة الزهراء للعلوم الإسلامية بفروعها المنتشرة في المحافظات التي تتكفل بتدريس من تنطبق عليها شروط القبول، العلوم الحوزوية ببرنامج منتظم ومتطور وحديث على غرار جامعة الصدر الدينية، مع ملاحظة بعض

ص: 28


1- دعت إحداهن إلى إباحة تعدد الأزواج للمرأة أسوة بالرجل الذي يجوز له التزوج بأكثر من واحدة !! ودعت إلى إباحة العلاقات الجنسية خارج رباط الزوجية؟!

الخصوصيات التي تنسجم مع طبيعة المرأة وظروفها، ويوجد كتاب باسم (جامعة الصدر الدينية: الهوية والانجازات) يشرح هذا النظام، ونأمل أن تصل من خلاله بعض النساء إلى درجة الاجتهاد لتتخصص في فقه المرأة فإنها اعرف بشؤون بنات جنسها وأقدر على فهم النصوص المتعلقة بها، وهو جزء من مشروع (الفقه المتخصص) الذي دعونا إليه. وعندي كل الثقة بالقدرات العقلية لنسائنا وهمتهن وحماسهن وشعورهن الكبير بالمسؤولية، فقد نقلت بعض الإحصائيات أن عدد المهندسات في العراق يساوي عدد المهندسات في الولايات المتحدة مع أن سكان الولايات المتحدة عشرة أضعاف عدد سكان العراق، وهذا أحد الشواهد التي يؤخذ بها لمعرفة رقي الشعوب.

ولا أحتاج أن أؤكد أن العلم وحده لا يكفي بل لا بد أن ينضم إليه العمل الصالح وتهذيب النفس وتطهير القلب، ويضرب لنا القرآن مثلاً لرجل بلغ أعلى درجات العلم لكنه لم يستفد منها [وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إلى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أو تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ] (الأعراف: 175-176).

ثانيهما: رابطة بنات المصطفى بفروعها المتعددة وأسمائها المختلفة كرابطة فدك ورابطة الإمام الجواد التي أتشرف الآن بلقائها وخدمتها، والمهم هو المضمون وليس العنوان وهذه الروابط تتكفل بالعمل الاجتماعي بأنشطته

ص: 29

المختلفة وقد وضعت لهم برنامج عمل بعنوان (ورقة عمل رابطة بنات المصطفى) وقد جمعت عدة كلمات وبيانات موجهة إلى المرأة في كتاب بعنوان (دور المرأة في بناء العراق الجديد).أسأل الله تعالى أن يؤيدكن بنصره ويجمعكن مع خيرة النساء فاطمة الزهراء وخديجة الكبرى أم المؤمنين وزينب العقيلة ومريم المقدسة وحسن أولئك رفيقاً.

محمد اليعقوبي

4 ربيع الأول 1426

ص: 30

خطاب المرحلة 75 :الصدق في الدعوة إلى الوحدة والمؤاخاة

خطاب المرحلة 75 :الصدق في الدعوة إلى الوحدة والمؤاخاة(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله كما يستحقه وكما هو أهله وصلى الله على سيد خلقه وحبيبه محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين.

أبارك لكم انعقاد هذا الشمل الميمون الذي اكتسب هيبته وجلاله وأهميته من زمان انعقاده المرتبط بصاحب الذكرى الرسول الأكرم محمد (صلی الله علیه و آله)، ومن مكان انعقاده وهي ارض الجمهورية الإسلامية المباركة في إيران، ومن الحاضرين الذين يمثلون قادة الأمة وأهل الحل والعقد فيها، ومن الظروف التي تعيشها الأمة بكل تحدياتها ومخاطرها ومشاكلها وتعقيداتها ومن الهدف الذي يتمحور حوله المؤتمر وهو تحقيق الوحدة بين طوائف المسلمين ومذاهبهم.

أيها الأحبّة:

لقد حثنا الله تبارك وتعالى على التأسي برسول الله (صلی الله علیه و آله) فقال عظمت آلاؤه [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ

ص: 31


1- نص الكلمة التي وجهها سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) إلى مؤتمر الوحدة الإسلامية الذي عقد في طهران برعاية المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية للفترة 15-17 ربيع الأول 1426 المصادف 26/ 4/ 2005، وقد قرأ سماحة الشيخ التسخيري رئيس المؤتمر ورئيس المجمع مقاطع منها في الجلسة الأخيرة.

الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً] وهذا التأسّي لا يقتصر على حياته الشخصية الشريفة وإن كان في ذلك غنى وكفاية، وإنما تدعو الآية الشريفة إلى الاستفادة من طريقة معالجته لقضايا الأمة وحلّ مشاكلها ووضع الخطط الكفيلة لإصلاحها وقيادتها نحو سعادة الدارين وكمالها المنشود وتنظيم علاقة أمته ودولته داخل كيانها ومع الأمم والدول الأخرى، وحينئذ سنجد في حياته الشريفة كل ما نحتاج.أليس هو صنو القرآن بل هو القرآن الناطق؟! فكلُّ ما وصف القرآن نفسه من خصائص شريفة فهي لرسول الله (صلی الله علیه و آله) ومنها قوله تعالى [وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ] ومنها قوله تعالى [مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ]، فسيرته (صلی الله علیه و آله) في أقواله وأفعاله سفر خالد فيه تبيان لكل شيء ولكن حقائقه الواقعية كحقائق القرآن الكريم [فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ، لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ] الذين طهرت قلوبهم من الرين وصفت أنفسهم من التعلق إلا بالله تبارك وتعالى [إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهل الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً]، وبمقدار طهارة قلب الإنسان وصفاء نفسه يستحق من الفيوضات الإلهية ونور المعرفة بالله تبارك وتعالى [أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا].

ومما نستفيده من حياته (صلی الله علیه و آله) كقائد حكيم وباني حضارة خالدة ومؤسس أمة ومنقذها من الضلال والضياع والتشتت والجاهلية، انه (صلی الله علیه و آله) أول ما فعل قبل أن يؤسس دولته المباركة حينما وطأت قدماه مدينته المنورة، إنه آخى بين المهاجرين والأنصار ودعا كل واحد من الأنصار إلى أن يؤاخي واحداً من

ص: 32

المهاجرين ويقاسمه كل شيء حتى أن أحدهم إذا كانت له زوجتان وليس للمهاجر زوجة طلق إحداهما وزوجها الآخر، وعلى هذا الأساس الرصين انطلق ليفتح العالم كله ولو لم يكن وراءه مجتمع موحد لانشغل بمشاكله الداخلية وما يستتبعها من تداعيات التناحر والتقاطع والتباعد وعجز عن تنفيذ مشروعه الرسالي العظيم.من هنا كانت المساعي المباركة لتوحيد الأمة وتآخيها ركناً أساسياً في إعادة هيبة الأمة الإسلامية وقوتها وممارستها لدورها الحضاري الرائد.

ومؤتمركم الميمون هذا خطوة على هذا الطريق اللاحب الطويل، ولكنه رغم معاناته لذيذ يفيض على القلب بالسعادة وعلى الروح بالسمو.

والذي أريد أن أثيره في هذا اللقاء المبارك هو تقييم نتائج هذه المؤتمرات التي تواصلت عقوداً من الزمان وهل إنها حققت نتائجها المنشودة؟ يؤسفني أن أقول لا على الأقل من الزاوية التي انظر إليها وأعيش همومها وقضاياها.

وحينئذ يتحتم علينا كنخبة واعية هادفة ان نتعامل مع الأمور بجدية، ولا مكان للهو والعبث وإزجاء الوقت في فراغ، أن نقيّم هذا المشروع الإصلاحي العظيم واعني به تحقيق وحدة الأمة ومؤاخاة أبنائها، وأن نحدّد أسباب التلكؤ والتعثر ومعوقات العمل، فنحن لا نريد أن نخدع أنفسنا وننظر إلى الأمور بعين واحدة وهي عين الرضا عن النفس فإنها من المهلكات [لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ] وأعيذ نفسي وأخواني أن نكون من أهل هذه الآية وأخواتها المباركات.

ص: 33

فقد كنا من المبادرين لإعلان الأيام المتخللة بين الثاني عشر والسابع عشر من ربيع الأول المتشرفة بذكرى ولادة الرسول الأكرم (صلی الله علیه و آله) أسبوعا للمؤاخاة تأسياً بسيرته الشريفة (صلی الله علیه و آله)، ولكنكم تسمعون وتشاهدون الجرائم الفظيعة التي ترتكب في حق أتباع أهل البيت (علیهم السلام) في الحلة والموصل وبغداد واللطيفية والمدائن والحصوة واليوسفية وحديثة، وانتهكت حرمات أهل البيت (علیهم السلام) في النجف وكربلاء والكاظمية وراح ضحيتها الأبرياء من نساء وأطفال وشيوخ وشباب لا ذنب لهم إلا أنهم التزموا بقوله تعالى [قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى].وهؤلاء المجرمون لا يمثلون أنفسهم، وإنما وراءهم أمة من الناس تؤويهم وتقدّم لهم الدعم والخدمات وتخفيهم عند الاضطرار وتحتفظ برهائنهم ومخطوفيهم، وتقدّم لهم المعلومات الاستخباراتية الدقيقة عن ضحاياهم، كما أن وراءهم من يبرر أفعالهم من علماء السوء ويعطيهم المشروعية ويبارك لهم سفك الدم الحرام في البلد الحرام في الشهر الحرام، ويجعلها من أقرب الطاعات لله تبارك وتعالى وأقصر الطرق إلى الجنة؟

فهي إذن منظومة كاملة تعبئ للجريمة وتدفع إليها وتحتضنها وتدعمها وتشترك فيها وتتقاسم غنائمها من السحت الذي يغلي في بطون آكليه ناراً وسيصلون سعيراً، ولو لم يكونوا شركاء في الجريمة فلماذا لم تحصل مثل هذه الشبكات المنظمة للفساد في الأرض في المدن الملتزمة بتعاليم أهل البيت (علیهم السلام) وتتبع مرجعيتها الرشيدة؟

هذا كله ما يجري في المناطق التي يكثر فيها المنتسبون إلى أهل السنة

ص: 34

والجماعة وهم برءاء منهم إلا أنهم يخافون سطوتهم، ويتبجحون بهذه الأفعال ويفخرون بها ويسمونه (مثلث الموت) هل سألوا أنفسهم لمن هذا الموت؟ إن من يقتل من المحتلين لا تعدو نسبته واحد بالمئة فالموت إذن للأبرياء والإخوان في الدين والوطن الذين لهم رب واحد ودين واحد وكتاب واحد ونبي واحد وقبلة واحدة ويتربص بهم عدو واحد لا يفرق بين سني وشيعي ولم يستهدف السني لسنيته ولا الشيعي لشيعيته وإنما استهدفهما معاً لإسلامهما !هل من المصادفة أن يتعرض الشهيد السيد محمد باقر الحكيم في النجف الأشرف والشهيد الشيخ أحمد ياسين في فلسطين المحتلة لحادثي اغتيال في أسبوع واحد(1)فاستشهد الأول ونجا الثاني ثم استشهد في محاولة أخرى؟ وهل من المصادفة أن تنتهك المقدسات في القدس الشريف والنجف وكربلاء المقدستين في آن واحد؟ إلا يكفي هذا رادعاً لإخواننا لكي يكفوا عن الغدر والطعن من الخلف ولا يكونوا إلباً لأعدائهم على إخوانهم.

إن كلمات الاستنكار الخجولة التي تصدر لذر الرماد في العيون لم تعد تنطلي على أحد ولا قيمة لها ما دام تسميم الأجواء مستمراً والتعبئة والتثقيف نحو الجريمة يوظف كل وسيلة إعلامية من الفضائيات إلى الإذاعات والصحف والمجلات ومنابر الجمعة والجماعة غير الجلسات الخاصة وما دام التضليل ودفع الهمج الرعاع والمتحجرين والقساة الذين قست قلوبهم [فَهِيَ

ص: 35


1- استهدفت سيارة مفخخة موكب السيد الحكيم يوم الجمعة 1 رجب 1424 المصادف 29/ 8/ 2003 واستهدفت غارة إسرائيلية منزل الشيخ أحمد ياسين والقيادي في حركة حماس إسماعيل هنية يوم 9 رجب فجرح الأول ونجا الثاني.

كَالْحِجَارَةِ أو أَشَدُّ قَسْوَةً].لقد حذر الله تبارك وتعالى من المكر السيئ فقال عز من قائل [وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّتَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً]؛ ولذا حذّرت في عدة بيانات الإخوة الذين يغذون الفساد في الأرض من داخل العراق وخارجه، أن عاقبة البغي وخيمة و(من سل سيف البغي قتل به) وانه (لو بغى جبل على جبل لتدكدك)، فهذا الفساد في الأرض الذي يفتون به ويدعمونه لإهلاك الحرث والنسل في هذا البلد الكريم سيعود عليهم قريباً جرياً مع سنة الله تبارك وتعالى التي لا تقبل التحويل والتبديل وسينوؤن بثقله وسيكتوون بنار الفساد، أو ما يسمونه بالإرهاب الذي صنعوه بأيديهم بغياً على شعب العراق المسلم الأبي.

لماذا يكون الفعل الواحد جريمة تندى لها الإنسانية إذا وقع في بلادهم ضد العدو الذي يتحكم في سياستهم واقتصادهم وثقافتهم ويكون (مقاومة) و(جهاداً) إذا وقع ضد المدنيين الأبرياء في أرض العراق؟ إن أهداف هؤلاء المستندة إلى عصبية جاهلية ومصالح أنانية ونظرة ضيقة لم تعد خافية على احد.

إن رفض الاحتلال وكل أشكال التبعية والتحرر منه والعبودية الخالصة لله تبارك وتعالى واجب إنساني لا يناقش فيه أحد، وهو حق للعراقيين قبل غيرهم وهم من أوائل الشعوب التي سعت إلى الحرية وضحت من أجل نيلها.

وهذا الرفض له آلياته وأشكاله وظروفه وللمقاومة ثقافة ولها أخلاق فنقرأ في سيرة رسول الله (صلی الله علیه و آله) أنه كان كلما بعث سرية أو جيشاً حملهم مع السلاح توجيهات ونصائح وأخلاق بأن لا يقتلوا امرأة ولا طفلاً ولا شيخاً ولا يقطعوا

ص: 36

شجرة وأن يقبلوا إسلام من أعلن الشهادتين وأن لا يجهزوا على جريح ونحوها مما حوته جوامع الحديث، ولما ارتكب أحد أمراء جيشه خطأ تبرأ رسول الله (صلی الله علیه و آله) من فعله وأرسل علياً أمير المؤمنين (علیه السلام) إلى المتضررين فوداهم حتى ميلغة الكلب ثم فرق فيهم مالاً إضافياً احتياطاً لرسول الله (صلی الله علیه و آله) الذي سُرَّ بما قام به علي (علیه السلام) فأين أدعياء المقاومة من هذه الأخلاق النبوية الشريفة؟!أيها السادة المحترمون:

علينا أن نكون صادقين مع الله تبارك وتعالى ومع أنفسنا فإننا حينما تحملّنا العلم ووضعنا أنفسنا في هذا الموقع المقدس، رضينا بأن نحمل الأمانة التي عرضها الله تبارك وتعالى [عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسان إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً] إذا لم يؤدِّها ولم يكن أمينا عليها والعلماء أمناء الرسل وورثتهم ليس فقط في الامتيازات والجاه والتقديس والحقوق وإنما ورثتهم في تحمل مسؤولية الرسالة من جميع جوانبها وقد قال تبارك وتعالى عن أنبيائه الكرام [وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً، لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً] ثم أمر عباده باتباع الرسل والكون معهم على خطهم ونهجهم فقال عظمت آلاؤه [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ].

فإن كنا حقاً علماء وقادة للأمة فلنكن صادقين في الدعوة إلى الوحدة والتآخي بخلق ثقافة المحبة والأخوة واحترام الرأي الآخر والشراكة معه، ولا تتحقق هذه الثقافة إلا بقيام صناع الرأي في الأمة من علماء ومفكرين وكتاب

ص: 37

وخطباء وأدباء وصحفيين وإعلاميين في إشاعة هذه الأجواء الايجابية وحينئذ ستتوجه الأمة كلها بهذا الاتجاه، أما أن تكون اللغة السائدة هي التكفير والإلغاء والاتهام والحقد فلا معنى للحديث عن الوحدة والمؤاخاة، ويكون مثل هذا الحديث لغواً بل نفاقاً وقد حذركم الله نفسه والله بصير بالعباد ويقول لكم [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ].أيها الأحبة:

أرجو أن تقبلوا هذه الشقشقة التي هي نصيحة وتذكار وتحذير من اللعب بالنار التي لا تبقي ولا تذر [وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ] وإنما شكوت إليكم بثي وحزني فلأنكم إخواني في الله ومن شكا إلى أخيه المؤمن فقد شكى إلى الله عز وجل.

أسأل الله أن يمدكم بنصره ويأخذ بأيديكم لما فيه صلاح الأمة ورضا الله تبارك وتعالى [وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أكبر ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ] [وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ] ويغفر الله لي ولكم وهو أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

النجف الأشرف – محمد اليعقوبي

13 ربيع الأول 1426 الموافق 22/ 4/ 2005

ص: 38

خطاب المرحلة 76 :الوضع الأمني السيئ مصداق لقوله تعالى:

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)(1)

إن كل إنسان نبيل وعراقي شريف يتوجع قلبه ألماً ويعتصر مرارة لما يرتكبه العتاة المجرمون من مستكبرين طغاة وطائفيين وتكفيريين ومرتزقة وجهلة في حق الشعب العراقي من جرائم يندى لها جبين الإنسانية ويتبرأ منها ويستنكرها حتى مرتكبوها والممهدون لها؛ لأنها أفعال قبيحة بكل المقاييس ولا يمكن تبريرها بأي حالٍ من الأحوال. فما معنى تفجير مسجد على رؤوس أهله المصلين المتعبدين؟ وما معنى اقتحام مجلس عزاء وقتل من فيه؟ وما معنى اقتياد صيادين يكسبون القوت لأهلهم وقتلهم صبراً؟ وما معنى تفجير السيارات المفخخة والألغام في تجمعات الناس الأبرياء من غير تفريق بين رجل وامرأة وشيخ وطفل.

إنّ هذه الجرائم ليست جديدة ولم يرتكبها فاعلوها اليوم وإنما هي امتداد لجرائم أصولهم الخبيثة، والجديد هو تنوّع الأساليب والآليات فبعد أن كانوا

ص: 39


1- تقرير الكلمة التي ألقاها سماحة الشيخ على حشد كبير من طلبة جامعة بغداد والمستنصرية والتكنولوجية وكلية التقنيات الميكانيكية والمعهد التقني في بغداد يوم السبت 28 ربيع الأول 1426 المصادف 7/ 5/ 2005.

يمسكون بالسلطة ويظنّون أن بأيديهم مصائر العباد، فدفن المنصور العباسي آل البيت (علیهم السلام) وهم أحياء وقتل هارون العباسي ستين علوياً في يوم واحد ومن قبل ما جرى على سيد شباب أهل الجنة حتى قتلوا الرضيع وسبوا النساء وأحرقوا البيوت وملأوا بهم السجون. فهل ناقش أحد لماذا توفيت الزهراء (علیها السلام) وهي في الثامنة عشرة من العمر، والإمام محمد الجواد (علیه السلام) في الخامسة والعشرين، والإمام الحسن العسكري (علیه السلام) في الثامنة والعشرين والإمام الهادي (علیه السلام) في الثانية والأربعين وحرموا الأمة بل الإنسانية من عطائهم الثرّ؟وبالأمس القريب قتل صدام وجلاوزته المراجع العظام والعلماء الكرام والشباب الرسالي وطلائع الأمة التوّاقة إلى الحرية بأحواض التيزاب والمقابر الجماعية والأسلحة الكيمياوية والصعقات الكهربائية، وفي السجون والمعتقلات ويجدون لذتهم ومتعتهم في سفك هذه الدماء الطاهرة.

واليوم عادوا بعد أن جنّدوا مجموعة من المتحجرين والمضلّلين والحاقدين على أهل البيت (علیهم السلام) وأتباعهم ووفروا لهم الإمكانيات والمعلومات واستجلبوهم من الآفاق(1) وضلّلوهم بعناوين (الجهاد) و(المقاومة) و(إنقاذ عاصمة الخلافة الإسلامية) و(التكفير) ليقضوا بهم مآربهم، ووظفوا لذلك عدداً من علماء السوء الذين يصدرون الفتاوى لتبرير هذه الأفعال الشنيعة والحث عليها والدعوة إليها فانطبق عليهم قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ

ص: 40


1- نقلت التقارير بالأرقام وجود عشرات المكاتب والخلايا لتجنيد هؤلاء المضللين في الدول العربية والإسلامية والأوربية وبعثهم إلى العراق.

آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إلى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أو تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (الأعراف: 175 - 176).وهم يهدفون من كل ذلك إرعاب الأمة وزرع اليأس والإحباط في نفوسها حتى تنزوي وتترك الساحة لهم ليعودوا من جديد يتخذون أموال الله دولاً وعباد الله خولاً ويهلكون الحرث والنسل ويخضمون ثروات الأمة خضم الإبل نبتة الربيع.

فمسؤولية الأمة حينئذٍ وردّها الحاسم هو التواجد المكثف والفاعل في الساحة وملأ مفاصل الدولة والحياة كما وقفت بشجاعة ووعي يثيران الفخر والاعتزاز يوم الانتخابات وفي المسيرات المليونية في ذكرى زيارة الأربعين، وأن لا تكترث بإرهاصات هؤلاء المجرمين ولا يقلل من عزيمتها ما نفقده من دماء عزيزة علينا وخسائر جسيمة فإن هذا النزيف مستمر منذ أن خلق الله البشر فانساق بعضهم وراء شهواته ونزواته وأطاع هوى نفسه الأمارة بالسوء {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إذ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ، لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ، فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (المائدة: 27 - 30).

فعلى أمتنا الحرة الكريمة أن لا تضعف وأن لا تشعر بالإحباط من وقوع

ص: 41

الجرائم التي تكشف عن هزيمة مرتكبيها وإفلاسهم ويأسهم وفشل أطروحاتهم، حتى أنهم لا يستطيعون تبنّي أي عملية منها ولا تستطيع جهة أن تتحدث باسمهم وتعلن مطاليبهم ليتسنى للجهات المعنية النظر فيها وتحقيق ما هو مشروع منها كما هو دأب كل العقلاء الذي لهم أهداف من أفعالهم، أما هؤلاء فلا هدف لهم إلاّ الدمار والخراب ونشر الرعب ليهزموا إرادة الأمة، وهم بأفعالهم الخسيسة هذه أهون من أن ينالوا من عزيمة الأمة إذا امتلكت قوة الإرادة لمواصلة الحياة وتأسيس مستقبل جديد، وتغيير معادلة استمرت ألف وأربعمائة عام كانت إرادة الأمة فيها مصادرة ولا مكان للأحرار إلاّ في السجون ومقاصل الإعدام، ولا يمكن لكلمة الحق أن تتنفس. ومثل هذا التغيير التأريخي العظيم لابد له من ثمن وهو مهما كان عظيماً فإن الغاية منه أعظم ويهون دونه، فليست دماؤنا أغلى من دماء رسول الله (صلی الله علیه و آله) والأئمة الطاهرين (علیهم السلام) وقد وهبوها بكرم وسخاء طاعة لله تبارك وتعالى.

لقد التفت العالم الآن إلى الوجه القبيح لهؤلاء وأخذ يصدّق أن أسلاف هؤلاء قتلوا الرضيع وأحرقوا بيوت عقائل النبوة ودفنوا الصلحاء وهم أحياء وقطعوا رؤوس الشهداء ومثّلوا بجثثهم الزواكي ورضّوها بحوافر الخيل، وليست هذه الأخبار حكايات مصطنعة ليستدرّوا بها عواطف السذّج والجهلة كما كانوا يصوّرون.

وبدأ العالم يقرأ التأريخ من جديد ويقيّم حوادثه وفق الرؤية التي حصلت لديه ليجد أن الإسلام لا يمثله هؤلاء الطواغيت المتسلطون بغير حق الذين ملأوا صحائف الكتب عاراً وشناراً بجرائمهم، ولا أذنابهم الذين يعيشون على

ص: 42

فتات موائدهم ولا الهمج الرعاع الذين يتبعوهم وينعقون مع كل ناعق. وإنما يمثل الإسلام ثلة آمنت بربها فزادها هدى وآتاها تقواها جسدّت المعاني الإنسانية النبيلة بأسمى صورها، لكنها أقصيت وغُيّبت ولم يُعطَ لها حق الحياة ومع ذلك فقد ملأت بمآثرها ومكارمها الخافقين، فبدأ العالم بكل أديانه وطوائفه يعيد قراءة التأريخ ويتلقى بنهم كل ما يُعرّفه بأهل البيت (علیهم السلام) وتعاليمهم وأصولهم والمرجعية الدينية وخصائصها وطريقة حياتها التي جعلت لهم هذه الهيبة والقداسة وقوة التأثير في أتباعها.ولقد قلت قبل زيارة الأربعين أن هذه الحشود الهائلة وبهذه الشجاعة والتضحية الجسيمة ستجبر الأعداء قبل الأصدقاء على إعادة قراءة الخارطة السياسية والاجتماعية والديمغرافية والفكرية للعراقيين، وأول من صدق ظني عليه هو الرئيس الأمريكي بوش، فقد نقل أحد أخواننا المقيمين في واشنطن أن بوش تابع المشاركة المليونية والشعائر المهيبة التي أدوها وهم يسيرون مئات الكيلومترات مشياً على الأقدام إلى كربلاء، فأبدى إعجابه وطلب من مستشاريه تقديم تحقيق مفصل عن هذه الشخصية التي استشهدت منذ ألف وأربعمائة عام ولا زالت تحرك ملايين البشر بهذا الحماس والعاطفة الجيّاشة.

بهذه الأفكار استطعنا أن نلتفت إلى أكثر من أمر يعيننا على تجاوز المحنة ورباطة الجأش وتثبيت القلوب والنظر بأمل وتفاؤل إلى المستقبل وخلاصتها:

1- إنها ليست حالة جديدة حتى نحنّ إلى الماضي، بل هي على أي حال أقل خسائر في الأرواح والممتلكات مما كنا ندفعه من قبل فإن الحرب مع إيران وحدها التهمت مليون إنسان ومئات المليارات من الدولارات وغزو

ص: 43

الكويت أدى إلى قتل ربع مليون إنسان وتدمير البنى الأساسية للبلد وغيرها.2- إن هذا الدم العزيز الغالي لم يذهب هدراً وإنما هو ثمن لتغيير معادلة عمرها ألف وأربعمائة عام كانت إرادة الأمة فيها مسحوقة ويتسلط عليها أراذلها.

3- إنها كشفت عن الوجوه القبيحة لمدّعي إمارة المؤمنين وتمثيل الإسلام وسلّطت الأضواء على الأخلاق السامية والتعاليم المباركة لمدرسة أهل البيت (علیهم السلام).

ومع إيماني العميق بأن الأمن والخبز هما من الحقوق الأساسية للإنسان ولا نستطيع مطالبته بأي استحقاقات إلاّ بعد توفيرها وأن الله تبارك وتعالى لم يطالب الناس بعبادته إلاّ بعد أن منّ عليهم بهما، قال تعالى: [فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ] (قريش: 3-4)، إلا أنه لا ينبغي للأمة أن تبالغ في تقييم الأمور وتضيّع الأهداف العليا التي يجب أن يعيشوا من أجلها ويملأ هذا الهاجس كيانهم وكأنه لا همّ لهم ولا هدف إلاّ التخلص من السيارات المفخخة والألغام.

والثمرة الأخرى التي تحققت نتيجة فعل هؤلاء المجرمين والتي هي مصداق لقوله تعالى: [فَعَسَى أنْ تَكرَهُوا شَيئاً وَيجعَلَ اللهُ فِيهِ خَيراً كَثِيراً] (النساء:19)، [وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ] (البقرة: 216)، أنه بعد أن وطأت أقدام المحتل هذه الأرض المباركة كان هذا الغزو العسكري وسيلة لغزو فكري وأخلاقي وعقائدي واجتماعي يريدون به مسخ الهوية الإسلامية لهذا الشعب وتغيير ثقافته وتقاليده وأنماط

ص: 44

سلوكه وإلحاقه بالركب الغربي، ويجري كل ذلك على أيدي منظمات ومؤسسات بعناوين مختلفة كحقوق الإنسان وأطباء بلا حدود والتدريب على الديمقراطية وتأهيل الاقتصاد ومواكبة تكنولوجيا العصر وتحرير المرأة وتطوير المهارات وغيرها، وكانت هذه المنظمات تمثل جيشاً جراراً لا يقلّ عدداً ولا عدة عن تجهيزات الغزو العسكري، ويمتلك عناصر القوة والتأثير من مبالغ مغرية ووسائل إثارة وتكنولوجيا متطورة يقدّمها بالمجان من أجل أهدافه الخبيثة. وبصراحة أقول: إن شعبنا لم يكن مستعداً لهذا الغزو الكاسح والواسع، وكان يمكن أن يذوب ويضمحل لأنه يعاني الفقر والحرمان والاضطهاد والتخلف والتجهيل، فهو يسارع إلى تلقي أي مساعدة تنعش وضعه ولا يفكر في عواقبها برويّة، فجرى التخطيط الإلهي في توظيف عمل هؤلاء المجرمين لمصلحة الدين (كما كان لجريمة قتل الحسين (علیه السلام) التي هي أفظع جريمة شهدتها البشرية الأثر البالغ في حفظ الرسالة الإسلامية عبر التأريخ)، حيث فرّت تلك المنظمات وردّت على أعقابها ولم يبق منها إلاّ القليل وتأثيرها محدود بحيث يستطيع الشعب بتربيته التي حصل عليها أن يحصّن نفسه لمواجهتها حتى يؤهّل نفسه لمواجهة أعلى عند قدوم المزيد منها وهكذا تتصاعد حصانته وتربيته وتكامله تدريجياً ليستوعب تصاعد الخطر الذي يزداد مع استقرار الوضع لذلك سمعتم قبل أسبوعين تقريباً تصريحات بعض المسؤولين الأكراد التي تتحدث عن نشاطات واسعة لمنظمات تبشيرية في شمال العراق تهدد عقيدة إخواننا هناك إن لم يتداركوا أنفسهم.

ص: 45

أسأل الله تعالى أن يشّد على قلوبكم ويزيدكم هدى وبصيرة ويثبتكم على صراطه المستقيم.محمد اليعقوبي

28 ربيع الأول 1426 المصادف 7/ 5/ 2005

ص: 46

خطاب المرحلة 77 :الإسلام والديمقراطية وحقوق الإنسان

خطاب المرحلة 77 :الإسلام والديمقراطية وحقوق الإنسان(1)

س1: ما هو تعريفكم للديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان وهل هي من مبتكرات الحضارة الغربية أم أن الشريعة الإسلامية سبقت في طرحها وتأصيلها لهذه المفاهيم.

الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم: يوكل تعريف الديمقراطية إلى الذين وضعوا المصطلح، ونحن مسؤولون عن مفاهيمنا وشرح مصطلحاتنا، ولكن باعتبار أن تجارب الشعوب تتلاقح والحضارات تتكامل ويمكن لأمة أن تستفيد من معطيات الأمم الأخرى فنتعامل مع المصطلح من هذه الجهة ونقول:

إن للديمقراطية معنيين أو مساحتين للعمل واحدة مرفوضة وأخرى مقبولة.

فتارة يراد بالديمقراطية حاكمية الشعب أو كما يعبرون (الشعب مصدر السلطات) وان الأغلبية إذا شرعت شيئاً كزواج المثليين أو جواز الموت الرحيم - كما يسمونه - أو إباحة العلاقات الجنسية للمرأة خارج إطار الزوجية أو مساواة الرجل والمرأة في الميراث فيسري العمل بهذا القانون ويكون نافذاً.

وهذا شيء مرفوض في الإسلام لأن الحاكمية لله تبارك وتعالى [أَفَحُكْمَ

ص: 47


1- من لقاء أجرته إحدى المؤسسات الثقافية في كربلاء المقدسة مع سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله).

الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ] (المائدة:50)، [وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (المائدة:45)، [وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ] (المائدة: 47)، [وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ] (المائدة: 44)، [فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً]، (النساء: 65)، فلا يحق لأي شخص أن يسنّ تشريعاً مخالفاً لشريعة الله تبارك وتعالى، وفي ضوء هذا المبدأ على السلطات الثلاث (التشريعية والقضائية والتنفيذية) أن تفهم صلاحياتها وحدودها.وتارة يراد بالديمقراطية الآلية التي يختار بها الشعب قادته وحاكميه ومدبري شؤونه، وهذا مما لا بأس به فإن الله تبارك وتعالى أوكل تصريف شؤون العباد إليهم أنفسهم فينظمون الآلية التي يتوافقون عليها قال تعالى: [وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ] (الشورى: 38)، فاستعمل ضمير (هم) أي أن الأمور العائدة إليهم في تدابير شؤونهم الحياتية فهذا موكول لهم وترك تفاصيلها إليهم مما سماها بعض الفقهاء (قدس الله أسرارهم) منطقة الفراغ، وهي ليست فراغاً في الحقيقة وإنما بمعنى أن المشرع وضع لها حدودها وأطرها العامة وترك التفاصيل إلى الأمة لتختار الأسلوب المناسب.

فمثلاً: المطلوب من باب حفظ النظام الاجتماعي العام تأمين الطرق للناس بين النجف وبغداد ولكن هل يمر الطريق عبر الحلة أو كربلاء، وكم عدد ممرات الشارع وغيرها من التفاصيل فهذه مما يقررها من تختارهم الأمة وتفوضهم النظر في شؤونها وتوكلهم في تدبير أمورها.

ص: 48

وبهذا المعنى من الديمقراطية أي احترام إرادة الشعب والرجوع إليه في تقرير مصيره فإن الإسلام أول من وضع أصوله ومبادئه وسار عليه قادة الإسلام بمنتهى الصراحة والشفافية، فتجد في سيرة رسول الله (صلی الله علیه و آله) أنه حينما خرج مع المسلمين على غير استعداد للقتال لاعتراض قافلة قريش التجارية، ولما أفلتت القافلة وأصبح المسلمون في مواجهة قريش، استشارهم رسول الله (صلی الله علیه و آله) في المضي نحو القتال أو الرجوع، وقبل معركة أحد استشارهم (صلی الله علیه و آله) في التصدي لقريش داخل شوارع المدينة وأزقتها أو خارج المدينة، واستشارهم في كيفية مواجهة الأحزاب حتى أشار سلمان الفارسي بحفر الخندق.وحتى في ممارسة قيادة الأمة، فبالرغم من أن النبي (صلی الله علیه و آله) هو سيد الخلق والمبعوث رحمة للعالمين وأولى بالناس من أنفسهم، فإنه لم يؤسس دولته المباركة في المدينة ويمارس صلاحياته كقائد حتى طالبه أهل المدينة بالهجرة إليهم، واشترط عليهم النصرة والدفاع عنه كما يدافعون عن نسائهم وأموالهم، وكذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیهما السلام) المنصوب خليفة على الأمة من بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله) بنص إلهي، لم يمارس قيادته للأمة إلاّ بعد أن انثالت عليه تبايعه وهو (ع) يردهم، حتى أجمعوا أمرهم على إمامته، وهو الذي لا يحتاج إلى ذلك وإنما لإلقاء الحجة عليهم ومطالبتهم باستحقاقات هذا الموقف؛ لذا قال (علیه السلام): (لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر لألقيت حبلها على غاربها …).

وفي ضوء هذا نفهم أن ولاية شؤون الأمة لا تكون بالادعاء ولا بالتسلط ولا

ص: 49

بالقهر، وإنما بإرادة الأمة وبالآلية التي تضعها لنفسها، فولي أمر المسلمين يختاره أهل الخبرة من المجتهدين ومن قاربهم في العلم والفضيلة والورع والترفع عن الدنيا، وهكذا بقية مواقع المسؤولية في الأمة. وأما حقوق الإنسان فإن الإسلام هو رائدها ومؤسسها والتزم بها قادة الإسلام ورسموا لها أنبل الصور التزاماً بقوله تعالى: [وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ … وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً]، (الإسراء: 70)، وجوامع الحديث مليئة بهذه التعاليم. راجع كتاب آداب العشرة في المجلد الثامن من وسائل الشيعة ورسالة الحقوق للإمام السجاد (علیه السلام)، وعهد الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) إلى مالك الأشتر لما ولاّه مصر ومما جاء فيه: (واستشعر الرحمة للرعية فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق).

فمَنْ مِنْ زعماء الدول التي تدّعي الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان يقف كرسول الله (صلی الله علیه و آله) حينما جمع أصحابه وقال لهم: (يوشك أن ادعى فأجيب فمن كانت له قبلي مظلمة فليقتصها مني قبل أن يأتي يوم القصاص الإلهي العادل)، فيقوم له أحد أصحابه ويقول له: إنك في يوم كان ازدحام الناس حولك شديداً ورفعت قضيبك الممشوق لتضرب ناقتك فوقع عليّ خطأ، فدعا رسول الله (صلی الله علیه و آله) بالقضيب وكشف عن موضع القصاص من جسده الشريف ودعا الصحابي للاقتصاص، ورأى أحد أصحابه يعبث بصيد العصافير فقال (صلی الله علیه و آله) له: استعد لمساءلته يوم القيامة فإنه يخاصمك أمام رب العزة والجلال ويقول: ربّ اسأله لماذا قتلني وهو لا ينتفع بلحمي.

ومَنْ من هؤلاء الزعماء (الديمقراطيين) المدعين لحقوق الإنسان الذين

ص: 50

تسمع يومياً بسوء تصرفهم بالمال العام والاستفادة منه بطرق غير مشروعة يقف كأمير المؤمنين (علیه السلام) على منبر مسجد الكوفة بعد أربع سنوات من توليه شؤون الأمة وتصرفه بدولة مترامية الأطراف يقول للناس: (إن خرجت منكم بغير القطيفة التي جئتكم بها من المدينة فأنا خائن).والحديث في هذا المجال واسع أتركه لمناسبات أخرى وللكتاب والمفكرين.

س2: ما هو ردكم على من يدعي أن لا ديمقراطية في الإسلام باعتبار الآية الشريفة [وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا] (الحشر : 7)، تذوّب إرادة الفرد في إطار عام من الضوابط والواجبات ولا نلمس حرية الفرد؟

الجواب: إن هذه النظرة مبتورة للنظام الإسلامي وينطبق عليها قوله تعالى: [أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ]، (البقرة : 85)، فإنه كما توجد هذه الآية توجد الآية المتقدمة [وَأمرُهُم شُورَى بَينَهُم] وقوله تعالى: [وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فإذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ] (آل عمران : 159)، فحرية الفرد ووجوده ورأيه محترم لكن ضمن الإطار العام الذي تنظمه الشريعة، وهي حالة عقلائية يتفق عليها كل البشر المتحضر من ضرورة وجود دستور يضم المبادئ العامة التي تتوافق عليها الأمة، ويمثل مرجعية القوانين التي يعمل بها، ولا يجد أي واحد غضاضة في الالتزام بها لأنها تعود بالنفع عليه، وبدونها تحكم الأمة شريعة الغاب.

والفرق بين النظام الإسلامي والنظم الوضعية أن الدستور الإسلامي مأخوذ

ص: 51

من الشريعة التي انزلها الله تبارك وتعالى خالق البشر العدل المطلق الكامل الرحيم بعباده العليم البصير لإسعاد البشر وضمان فلاحهم وفوزهم. أما النظم الوضعية فهي من صنع البشر القاصر المحكوم لأهوائه ونزعاته الذي يجهل حقيقة نفسه فضلاً عن حقيقة الكون الذي يحيط به.

س3: هل ترون أن مقتضى الديمقراطية وحرية الرأي أن يعتقد المواطن العراقي ما يشاء من عقائد ومفاهيم وعادات وتقاليد أم هو مؤطر بجملة خيارات لا تتعدى السائد على ساحة الوطن.

الجواب: كل إنسان له حرية الاعتقاد وقال تعالى: [فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ] (الكهف: 29)، [إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً] (الإنسان:3)، [لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ] (الأنفال: 42)، فالإنسان مخير في عقيدته ونمط حياته التي يسير عليها، ولولا هذا التخيير والحرية لبطل الثواب والعقاب ولما استحق المحسن الثواب على إحسانه ولا المسيء يستحق العقاب على إساءته ما داموا مكرهين على هذا الشيء، فحرية الاختيار هو الأساس في استحقاق الثواب والعقاب، فلا يحق لولي الأمر أن يكره الناس على أن يكونوا مؤمنين، وإنما وظيفته تقريب الناس إلى طاعة الله تبارك وتعالى بتكثير فرصها وتيسيرها وبيان حقيقة الأمور في النشأتين، وتجنيبهم معصية الله بسدّ منافذها.

وقد كان الإمام علي بن أبي طالب (علیهما السلام) رئيساً للدولة ويوجد بين رعاياه ناس على غير دينه ومع ذلك فإنه كان يتكفل بشؤونهم، وقد امتنع عددٌ من أهل

ص: 52

المدينة عن بيعته كعبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص ولم يجبرهم على ذلك رغم أن إمرته صحيحة وملزمة بكل المقاييس، وغاية ما اشترط عليهم أن لا يحدثوا فساداً وفتنة في الأمة وحينما حمل قادة الإسلام السيف فإنهم حملوه ليقضوا على هذه الفتن وليزيلوا العقبات التي تمنع الناس من اختيار العقيدة الصحيحة لا لكي يكرهوا أحداً على الإيمان.س4: ما هو ردكم على من يقول: إن في الإسلام انتهاكاً لحقوق المرأة وعدم مساواتها مع الرجل؟ وما هي حدود تولي المرأة للوظائف العامة وهل يجوز لها تولي القضاء؟

الجواب: هذه شبهة وَفِرْية يرددها أعداء الإسلام لخلط الأوراق وتضليل الناس بإثارة هذه الأمور لينفّروا المرأة من الإسلام من خلال إيهامها بوجود ظلم لها في الشريعة، وقد استعر هذا الهجوم بعد مجيء قوات الاحتلال وانفتاح الساحة على جميع الاتجاهات حتى الإباحية؛ لذا بادرنا ووجهنا إلى تأليف كتاب يشرح فلسفة تشريعات المرأة ليجد فيها المساواة في الحقوق والواجبات بين المرأة والرجل قال تعالى: [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أو أُنْثَى] (آل عمران: 195)، [إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً] (الكهف: 30).

فالمساواة موجودة. نعم، لا توجد مماثلة في الوظائف بينهما لمراعاة التركيبة النفسية والفسيولوجية والاجتماعية لكل منهما، ولتقريب الفكرة ننقل المثال التالي لو أن شخصاً أراد أن يوزع أمواله على أولاده الثلاثة وكان يملك نقداً بمقدار مليون دينار ومصنعاً بقيمة مليون ومزرعة بقيمة مليون وكان أحد

ص: 53

أولاده يحسن التجارة والآخر يجيد الحرفة والصناعة والآخر يجيد الزراعة فأعطى الثلاثة للثلاثة على الترتيب فالأب هنا ساوى بين أولاده لكنه لم يماثل بينهم مراعياً ما يناسب كل واحد منهم، وهكذا الرجل والمرأة فإنهم متساوون من حيث المسؤولية والاستحقاقات ولكن توزيعها عليهما روعيت فيه المناسبة، فالقيمومة للرجل والحضانة للمرأة والنفقة على الرجل وإن كانت المرأة موسرة مقابل زيادة حصته في الميراث وهكذا، ولا تعني المساواة أبدا إعطاءهم نفس الوظائف وتستطيع أن تكتشف أن هؤلاء المتحمسين للدفاع عن مساواة المرأة في دول الغرب لا تشغل المرأة نسبة خمسة بالمائة من رؤساء الحكومات والوزراء والقادة العسكريين ورؤساء الجامعات والمتحكمين في الأسواق والبورصات ومدراء الشركات الكبرى وغيرها مما لا تناسب طبيعة المرأة، فإذن هم سائرون عملياً على هذا التوزيع الطبيعي للأمور وإنما يثيرون هذه الفقاعات لاستدراج الضحلين والغوغاء لإبعاد الأمة عن عقيدتها وأخلاقها.وهذا هو ما درج عليه الإسلام في تشريعاته فإن القضاء بما يتطلبه من احتكاك واسع بالناس والتعرض لمماحكات طويلة لا يناسب طبيعة المرأة وكذا ولاية أمر الأمة ويدعوها إلى التصدي للوظائف التي تناسبها كالتعليم والتمريض ورعاية الأسرة وتربية الجيل وصناعة الإنسان.

محمد اليعقوبي

2 ربيع الثاني 1426 ، 11/ 5/ 2005

ص: 54

خطاب المرحلة 78 :المبادئ الثابتة في السياسة

خطاب المرحلة 78 :المبادئ الثابتة في السياسة(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

لا شك أن انشغالكم بالمسؤوليات العظيمة في هذه الفترة العصيبة من حياة الأمة توجب على الجميع مؤازرتكم ومساعدتكم بحسب ما نحسنه وما يرتبط بوظيفتنا، لذا رأيت من المناسب أن أقدم بين أيديكم هذه الأفكار التي تنجح عملكم بإذن الله تعالى.

اشتهر بين السياسيين قولهم (لا توجد عداوات ثابتة ولا صداقات ثابتة وإنما توجد مصالح ثابتة)، ونحن نقول توجد (مبادئ ثابتة)، والمصالح الحقيقية ليست هي التي نقررّها نحن وإنما التي تنسجم مع هذه المبادئ، وفي الحقيقة فإن الابتعاد عن هذه المبادئ هو الذي أدى بعلمائنا إلى الابتعاد عن العمل

ص: 55


1- تقرير الكلمة التي تحدث بها سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) في اجتماع الأمانة العامة لحزب الفضيلة الإسلامي في داره يوم الجمعة 4 ربيع الثاني 1426 المصادف 13/ 5/ 2005، وحضر الاجتماع الدكتور نديم الجابري الأمين العام للحزب والأستاذ القاضي محمد عبد الساعدي نائب الأمين العام وممثلي الحزب في الجمعية الوطنية وأعضاء المكتب السياسي وأمناء الفروع في المحافظات، وقد نقح سماحة الشيخ الكلمة وبعثها برسالة إلى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس الجمعية الوطنية ونوابهم والوزراء وأعضاء الجمعية الوطنية المنتخبين.

السياسي وإنشاء الأحزاب التي تعمل لإقناع الأمة بالإسلام فكراً ومنهج حياة، وإلا فإن مشروع تكوين الأحزاب والجماعات والتنظيمات ورد في القرآن الكريم [أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ] (المجادلة: 22) [وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ] (آل عمران: 104).وقد أسس أمير المؤمنون (ع) أول حزب بالمعنى المتعارف وسمى أعضاءه (شرطة الخميس) وانضم إليه عيون أصحابه وعظمائهم.

فالمشكلة إذن ليست في أصل تشكيل الأحزاب ولا ممارسة العمل السياسي بل هي من صميم العمل الإسلامي، وإنما المشكلة في التطبيق الذي ينحرف عن المبادئ الثابتة للعمل والأطر العامة التي تحدده.

فما هي المبادئ التي يجب أن يراعيها الساسة؟

أولاً: سمو الهدف بأن يكون هدفه ابتغاء رضوان الله تعالى في كل جزئيات عمله فلا شيء يستحق أن يعمل من أجله إلا الله تبارك وتعالى، وما عداه فهو زخرف وسراب لأنه زائل فلا قيمة له حيث تذهب لذته وتبقى تبعته

ألا كل شيء ما خلا الله باطلُ وكل نعيم لا محالة زائلُ

وحينما يعيش الإنسان هدفاً كبيراً فإنه تزداد همته وتقوى عزيمته وتذوب عنده الكثير من الأمراض المعنوية كالحسد والتنافس على شيء من الأمور الدنيوية وسيترفع عن الكثير من الأفعال التي يبتلى بها غيره، وقد وضع علماء الأخلاق امتحانات للنفس الإنسانية ليروا صدقها ونجاحها، فمثلاً لكي يختبر الإنسان إخلاصه لينظر انه لو نافسه أحد على موقع وكان الآخر أولى منه هل يتنازل عنه بكل رحابة صدر؟ وإذا قدّم أعمالا جبارة ولم يذكره أحد وإنما بقي

ص: 56

مجهولاً معتّماً عليه لا تذكره وسائل الإعلام فهل يتأذى من ذلك؟ إن المخلص يعلم أن عمله بعين الله تبارك وتعالى فلا يضيره أن يجهله أهل الأرض عكس الذي يستهدف حب الظهور والجاه والثناء والموقع ونحوها فإنه يسعى إليها [لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ] (آل عمران:188) [قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً] (الكهف:103-104).

وتوجد عدة عوامل تساهم في تحقيق الإخلاص لله تبارك وتعالى عند الإنسان:

1- قوة القلب والشجاعة والإرادة الصلبة في اتخاذ الموقف وعدم الضعف أمام المغريات؛ لأن كثيراً ممن يطلبون غير الله ويعملون لغير الله يعلمون بعدم جدوى ذلك، إلا أنهم يضعفون أمام أهوائهم ونزواتهم ولو كانوا ذوي عزم لما خيروا بين أمرين إلا اختاروا أرضاهما لله تبارك وتعالى ومن هنا أشار القرآن الكريم إلى العزم في عدة موارد [فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ] (الأحقاف: 35) [فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً] (طه: 115).

2- العلم والمعرفة فإن الإنسان كلما ازداد علماً ومعرفة بمصالح الأفعال -في الدنيا- كان أكثر اندفاعاً للقيام بها، وكلما كان اعرف بمفاسدها كان أكثر اجتناباً لها وكذا على صعيد الآخرة أي العلم بالثواب والعقاب، فكل من العلمين يساهم في الدفع بالاتجاه الصحيح، فمثلاً نجد أن ملايين في الغرب اجتنبوا الخمر والتدخين اقتناعاً بإضرارهما ومفاسدهما فكيف إذا انضم إليها معرفة

ص: 57

المصير في الآخرة.3- المستشار الناصح الذي لا يبخل بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة التي تزيد في الهدى وترد عن الردى وتسوق نحو الصلاح والسعادة، فجعل الله تبارك وتعالى أثمن هدية للأخ المؤمن هي النصيحة.

4- لطف وتوفيق من الله تبارك وتعالى وهذا حاصل ابتداء لكن الإنسان بإخلاصه يستنزل المزيد ومن مظاهر هذا اللطف قوله تعالى [وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمان وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ] (الحجرات: 7) بعكس الشيطان والنفس الأمارة بالسوء اللذين يزينان المعصية [وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً] (النساء: 60) [أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ] (الجاثية: 23) [إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ] (يوسف: 53).

وبهذه البصيرة التي يكشف بها الله لعبده حقائق الأمور يزداد المؤمنون إيماناً وتسليماً وتثبيتاً فينفر من حب الدنيا لأنه يرى حقيقتها عبارة عن جيفة تتنافس عليها الكلاب، ويرى المرأة التي تدعوا إلى المعصية على صورتها الباطنية الشوهاء فيبتعد عنها بلا تكلف كما حصل لنبي الله يوسف (علیه السلام).

ثانياً: نظافة الوسائل: فنحن نرفض ما يقال (الغاية تبرر الوسيلة) ولا نكتفي بكون الهدف نبيلاً وإنما يجب أن تكون وسيلة الوصول إلى الهدف نظيفة، ولا قيمة للنتائج التي تحقق بوسائل لا إنسانية كما يفعل السياسيون عدا من التزم بالشريعة الإلهية، ولذا كان رسول الله (صلی الله علیه و آله) كلما بعث أميرا أو قائداً عسكرياً أوصاه بجملة وصايا رغم أنهم كانوا من الصحابة الذين عايشوه واستمعوا إلى

ص: 58

الوحي والتنزيل فيقول لهم (لا تقتلوا امرأة ولا طفلاً ولا شيخاً ولا تقطعوا شجرة ولا تجففّوا مصدراً مائياً ولا تلقوا السم في مأكل ومشرب الخصوم ولا تجهزوا على جريح ولا تبتدأوهم بقتال واعرضوا عليهم الإسلام أولاً [وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا] (الأنفال: 61) وغيرها من الوصايا، وكان يبادر إلى معالجة أي خطأ يقع فيه قادته ويبرأ إلى الله مما يفعلون، كما تبرأ علناً من فعل أحد أمراء جيشه حينما قتل شخصاً تشهد الشهادتين فاعتقد الأمير أن إسلامه ليس حقيقياً وإنما كان خوفاً من السيف.ثالثاً: الترفع عن حب الدنيا بكل أشكالها التي جمعتها الآية الشريفة [زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ] (آل عمران: 14) وهي مصاديق ذكرها القرآن ويمكن أن تنطبق العناوين على غيرها، ولعل أشدها فتكاً بدين الإنسان حب الجاه والموقع الذي يدفع بصاحبه إلى ارتكاب أقبح الجرائم من أجل نيله وهو أكثر المظاهر الدنيوية تشبثاً بقلب الإنسان حتى ورد في الحديث (آخر ما ينزع من قلوب الصديقين حب الجاه)، وقد نقل التأريخ جرائم كبرى بحق الإنسانية جمعاء كان دافعها هذا الداء الوبيل، لذا حذرنا الله تعالى والأنبياء والأئمة والصالحون من حب الدنيا ووصفوه بأنه رأس كل خطيئة ومنشأ كل رذيلة، وطريق معالجة هذا الداء نظرياً بالاستزادة من الموعظة والتذكير بالعاقبة والتعرف على النتائج القبيحة لمن آثر حب الدنيا [وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، فإن الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى] (النازعات:40-41)

وعلاجها عملياً بعدم الانسياق وراء بهرجة الدنيا وزخرفها مهما تجملت

ص: 59

وأبدت محاسنها ومفاتنها، وشيئاً فشيئاً يستطيع الإنسان أن يبني نفساً قوية لا تميل إلى شيء من هذا كله، يقول أمير المؤمنين (علیه السلام) (وإنما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الفزع الأكبر).رابعاً: تذويب الأنانيات سواء كانت الشخصية أي جعل المصلحة الشخصية فوق كل اعتبار أو الحزبية أو الطائفية أو العرقية أو أي شيء آخر، ولا يعني هذا أنك لا تعمل لقومك ولجماعتك فهذا مطلوب منك ولكن المرفوض هو التعصب الذي هو من سمات الجاهلية بحيث ترى شر قومك أفضل من خير الآخرين، فيستأثر المتعصب بالأمور له ولعصبته من حزب أو قبيلة أو قومية، ويقرب من ينتمي إليه وإن كان سيئاً فاسداً، ويقصي من لا ينتمي إليه وإن كان كفوءاً مخلصاً.

وهذه الأنانية هي التي توجب التشاجر والتقاطع والتنافس غير المحمود وتؤدي إلى القتال، فلا بد أن يكون الانتماء –الذي لا يخلو منه إنسان- للحزب أو المدينة أو الطائفة أو القومية ذا دور بنّاء من دون الاعتداء على الآخرين أو غمط حقوقهم [وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ] (هود: 85).

خامساً: حب الناس والرحمة بهم والعمل من اجلهم وإفشاء العدل والسلام بينهم وإيصال حقوقهم، وهو الهدف الأسمى من بعثة الأنبياء وإنزال الشرائع السماوية [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ] (الأنبياء:107) وفي عهد الإمام علي (علیه السلام) إلى مالك الأشتر (واستشعر قلبك الرحمة للرعية فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق).

وقد ضمت جوامع الحديث توصيات جمة بهذا المجال حتى جعلت هذه

ص: 60

الأعمال الإنسانية من قضاء حوائج الناس وإدخال السرور عليهم ورد لهفتهم والتفريج عن مكروبهم والتخفيف عن آلامهم وتحقيق أمانيهم أفضل القربات إلى الله تبارك وتعالى وأكثر أجرا من العبادات الفردية كالصلاة والصوم، وفي بعض الروايات أن امرأة معروفة بالفسق والفجور دخلت الجنة في قطة عطشى سقتها ماءً.فيجب أن يتحلى السياسي بقلب مملوء بالرحمة والعطف ويفيض بالعواطف الجياشة كما كان قلب رسول الله (صلی الله علیه و آله) وقادة الإسلام العظماء، أما قاسي القلب فلا نتوقع منه خيراً للرعية فلتجعل ضمن اختبارات الساسة والقادة هذا الحس المرهف والعاطفة الجياشة، كما نقل عن بعض القادة التأريخيين أنه عاقب أحد مساعديه لأنه سحق برجله وردة، والآخر حذرّ ممن لا يحب الموسيقى لأنها تعني أن عواطفه وأحاسيسه جامدة وإن كنا لا نحتاج إلى هذه الأمثلة لأننا في غنى عنها بما ورد في سيرة نبي الإسلام (صلی الله علیه و آله) والأئمة الهداة، فقد وبخ النبي (صلی الله علیه و آله) أحد أصحابه لأنه اصطاد عصفوراً لهواً وقال له: استعد للمساءلة يوم القيامة فإن العصفور سيخاصمك ويقول يا رب سل هذا لماذا قتلني وهو غير محتاج للحمي، وغيرها كثير مما لا يسعها هذا البيان المختصر.

سادساً: الحوار والعمل المشترك مع كل من ترتبط به بقواسم مشتركة سواء أكانت دينية أو وطنية أو إنسانية فإنه ادعى لتحقيق الرفاه والسعادة وتجنب المشاكل والأخطار وحماية الأمة من الكوارث والويلات، والالتزام بهذا الأسلوب ما وجد إليه سبيلا فإنه يريح البال ويوفر الدعة والأمان والسلام للرعية ويوفر الفرصة للإعمار والبناء عكس لغة العنف والمواجهة والاحتراب.

ص: 61

سابعاً: الصراحة مع الأمة فقد تعود الساسة التضليل والدجل وخلط الأوراق والتعتيم على الحقيقة والتظاهر بغير ما هو الواقع، وهذا يولد انفصالاً بين القيادة والأمة وينزع الثقة منها، ويؤدي إلى تقاعس الأمة عن التفاعل مع مشاريعها وحركتها، بعكس الصراحة والشفافية فإن لها عدة ثمرات: زيادة الرابطة بين القيادة والأمة، عذر القيادة في حالة قصورها عن تحقيق كل أماني الأمة، زيادة وعي الناس السياسي، مشاركة الأمة في تحمل مسؤولية القرار، وغيرها. وتجد هذا واضحاً في سيرة قادة الإسلام فإن النبي (صلی الله علیه و آله) صارح الذين خرجوا معه لاعتراض قافلة قريش أنها قد أفلتت وقد تعين عليهم خوض الحرب معهم، وصارح الحسين (علیه السلام) الخارجين معه من مكة إلى كربلاء انه ليس ذاهباً لتسلم ملك أو سلطة بل انه قادم على الموت، وغيرها من الشواهد.

وقد شهدت جماهيرنا حالة من التعتيم خلال الأشهر الثلاثة التي تلت الانتخابات(1) فتولد لها امتعاض شديد على الذين جازفت بحياتها من أجل انتخابهم، وهذه حالة سلبية يجب على القادة تجنبها مع الاحتفاظ طبعاً بالأسرار التي لا يمكن إذاعتها.

ثامناً: أن القيمة العليا تعطى للإنسان ولحقوقه المشروعة ولا يجوز انتهاك حرمته لأي مبرر مهما كان مهماً عند أصحابه، قال تعالى [وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً] (الإسراء:70) وما أنزلت الشرائع وبعث الأنبياء إلا لتنظيم حياة

ص: 62


1- هي المدة التي استغرقتها تقريباً مفاوضات تشكيل الحكومة الانتقالية برئاسة الدكتور الجعفري.

هذا الإنسان وتوفير السعادة له، وعلى هذا فيجب احترام إرادة الإنسان وحقوقه، ولا يجوز سوقه كرهاً باتجاه إشباع نزوات الحاكم وأهوائه وأطماعه الجنونية، لذا اتجهت الدول المتحضرة إلى كتابة الدساتير التي تضمن حقوق الإنسان وتبين صلاحيات السلطة لتحدَّ من الطموحات غير المشروعة للحكام.تاسعاً: المصداقية ومطابقة القول للفعل، قال تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ،كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ] (الصف: 2-3) فلا بد لكل إنسان وخصوصاً السياسي الذي يتصدى لقيادة الأمة، أن يكون صادقاً مع نفسه وصادقاً مع ربه وصادقاً مع الآخرين، وأسوأ الخيانة خيانة الأمة وأفظع الغش غش الأئمة إلى درجة يقول أمير المؤمنين بعد أربع سنوات قضاها في الكوفة رئيساً لدولة مترامية الأطراف (لو خرجت منكم بغير القطيفة التي جئتكم بها من المدينة لكنت لكم خائناً).

هذه إشارة مختصرة بمقدار ما تتسع له المناسبة وتوجد تفاصيل كثيرة لهذه النقاط في كتاب (دور الأئمة في الحياة الإسلامية) المطبوع وسلسلة محاضرات (الأسوة الحسنة في بناء الذات وإصلاح المجتمع) وهي دراسة تحليلية في أعظم وأغنى قيادة إنسانية وهي قيادة رسول الله (صلی الله علیه و آله).

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سادة خلقة الأنبياء العظام والأئمة الهداة.

محمد اليعقوبي

النجف الأشرف

6 ربيع الثاني 1426 ، 15/ 5/ 2005

ص: 63

خطاب المرحلة 79 :الشريعة والتدخين

اشارة

خطاب المرحلة 79 :الشريعة والتدخين(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله كما هو أهله وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين.

إنه لمن الأعراف الإنسانية النبيلة تعيين يوم عالمي لقضايا البشرية المهمة يجتمع فيه المسؤولون وصنّاع القرار وأهل الحل والعقد لمناقشة تلك القضايا. فللعمال يوم، وللمرأة يوم، ولمكافحة الإيدز آخر، ولمكافحة التدخين يوم، هو هذا الذي نجتمع فيه، والموضوع الذي نختاره هو (الشريعة والتدخين) حيث يتساءل الكثيرون عن حكم التدخين في الشريعة ويستغرب الكثيرون من عدم اتخاذ الفقهاء موقفاً حازماً ضد هذه الظاهرة السيئة.

ولتحديد موقف الشريعة من التدخين نقول:

إن معرفة الحكم الشرعي لأي موضوع - كالتدخين - يكون بأحد صيغ

ص: 64


1- الكلمة التي أعدها سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) وألقاها ممثله في الندوة التي أقامتها مديرية صحة النجف على قاعة رئاسة جامعة الكوفة يوم 22 /4/ 1426 المصادف 31 /5/ 2005 بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة التدخين، وقد اختار هذا الموضوع بناءً على رغبة المنظمين للندوة، واتخذها سماحته فرصة لإطلاق فتواه المباركة بحرمة بيع وشراء وتناول السكائر الأمريكية والبريطانية والفرنسية لأنها دول معادية للإسلام والمسلمين وأخذت الفتوى صداها الواسع في الشارع.

ثلاث:الأولى: أن يرد نص صريح في حكم ذلك الموضوع بعنوانه الخاص كحرمة الزنا وحلّية البيع ووجوب الصلاة، حيث وردت نصوص مباشرة فيها.

الثانية: أن يرد نص بالحكم على الموضوع بعنوانه العام ويكون هذا الموضوع الخاص أحد مصاديقه وتطبيقاته كحرمة كل مسكر مهما قلّ مقداره مادام الكثير منه حرام.

ومنه نعرف حرمة تناول البيرة لانطباق عنوان المسكر عليها رغم عدم وجود نص بعنوانها.

الثالثة: أن يطرأ على الموضوع عنوان ثانوي له حكم معين فيشمل ذلك الموضوع بواسطة طروّ هذا العنوان عليه كالتصرف في مال الغير بدون إذنه فهو محرم لكن إذا توقف إنقاذه من حريق على التصرف في ملكه بدون إذنه فإنه يصبح واجباً لوجوب إنقاذ الإنسان من الهلاك.

وحينما نريد معرفة حكم التدخين في الشريعة فإننا لا نجد حكماً بالصيغة الأولى فينحصر البحث في الصيغتين الأخريين وحينئذٍ سنجد على صعيد الصيغة الثانية الحكم بالحلّية لأن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يثبت الحظر والمنع والمفروض عدم ثبوت مثله.

أما على صعيد الصيغة الثالثة فإن هناك عدة عناوين يمكن أن تكون منشأً للمنع والقول بالحرمة، كالإضرار بالنفس وتلويث البيئة والخسائر الاقتصادية الفادحة، وقد تكفّل كمٌ هائل من الدراسات والإحصائيات بيان حجم هذه الأضرار والخسائر.

ص: 65

وأضيف إليها النقص الأخلاقي على صعيد جهاد النفس الذي سمّاه رسول الله (صلی الله علیه و آله) الجهاد الأكبر، فإن غاية ما يطمح إليه الأخلاقيون والعرفانيون المشتغلون بتهذيب النفس وتطهير القلب هو تحرير الإنسان من سلطة وطاعة أي شيء سوى الله تعالى والتخلّص من التعلق بأي شيء غيره تبارك وتعالى، فمن هذه الناحية يكون المدخن أسيراً لسيكارته لا يستطيع مقاومة هذه الرغبة الجامحة، وهذا نقص وتعويق في طريق الكمال. وأتذكر أننا حينما سألنا أستاذنا الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) أنك بنعمة الله متخلص من داء التدخين قال (قدس سره): أما يكفيني أني عبدٌ للشاي حتى أكون عبداً للسيكارة وكان (قدس سره) مواظباً على شرب الشاي.ومحل الشاهد أن هذه المخاطر الصحية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية إذا بلغت درجة تقنع الفقيه بالحرمة فإنه سيحرم التدخين بهذا العنوان الثانوي وإلاّ فلا، ومن هنا اختلفت فتاوى الفقهاء بسبب تفاوت قناعاتهم.

ومما يجدر ذكره أن نتيجة الصيغتين الثانية والثالثة لو تعارضتا فإن المرجح هي الثالثة كما في المقام.

وقد لا تحصل للفقيه القناعة بالتحريم العام للتدخين وإنما يحرّمه في حالات خاصة، كما لو كان الإنسان مصاباً بحالة يضرّه فيها التدخين ضرراً بالغاً ومباشراً فإنه يحرم على هذا الشخص خاصة.

ومن الحالات الخاصة للتحريم ما أفتيتُ به عام 2002 بعد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) حيث أعلن عدد من قادة الدول الغربية بصراحة وبوضوح الحرب الصليبية على الإسلام فحرّمت التعامل بالسكاير الأمريكية

ص: 66

لأنها من موارد التمويل الضخمة للشركات التي تدعم الجهد المعادي للإسلام وقد استجاب للفتوى عدد كبير من تجّار السكاير بالجملة والمفرد مما أضرّ بهذه الشركات. وأنقل لكم هذه الفقرة من مذكراتي: (في يوم 10 - 6 - 2002) جاءني إلى مسجد الرأس الشريف المجاور لحرم أمير المؤمنين (علیه السلام) الذي كنت ألقي فيه محاضراتي العلمية وأدير منه نشاطاتي الفكرية والاجتماعية جاءني ممثّل شركة الخير لإنتاج السكاير ومنها (ميركوري) وأنواع أخرى في الأردن بعد أن طلبت منه شركته باعتباره الجعفري الوحيد في وكلائها حسبما قال للاستفسار من الحوزة العلمية حول صحة صدور فتوى بتحريم السكاير، وقال إن الشركة أبلغته بتكدس آلاف الكارتونات من السكاير ويكلف كل كارتون (8) دولارات من الرسوم الكمركية، وفهمت منه إمكان تقديم جزء من هذا المبلغ الكبير مقابل سحب الفتوى، ولما لم يفلح تحوّل إلى التهديد فقال أن مقر فرع الشركة في العراق في تكريت وأن الرسوم تدفع إلى عدي صدام حسين وأصررت على الفتوى وقلت له: أن هذا الموقف متفق عليه لدى العلماء بحرمة تقوية أعداء الإسلام وأثنيت أمامه على طاعة الأمة لفتاوى (الحوزة العلمية الشريفة).

وأكرر الآن ما قلته يومذاك من حرمة التعامل بالسكاير الأمريكية والبريطانية والفرنسية بيعاً وشراءً وتناولاً.

بقي عليّ أن أقدم باختصار بعض الخطوات العملية التي تساعد على ترك التدخين:

ص: 67

1- زيادة العلم والمعرفة بسوء هذه الحالة وأضرارها من جميع الجهات التي أشرنا إليها آنفاً، وأشرفنا على كتاب لبيانها عنوانه (حتى متى التدخين) ضمن سلسلة (نحو مجتمع نظيف) وقد ساهم في إقناع كثيرين بتركه، وكلما ازداد العلم ازدادت القناعة والاندفاع نحو العمل بمقتضى هذا العلم فإن المعرفة أساس العمل ويكتسب قيمته منها، قال أمير المؤمنين (علیه السلام): (أول الدين معرفته) وهذه وظيفة المؤسسات الصحية والفكرية والاجتماعية والبيئية من خلال حملة إعلامية موسعة.

2- تقوية العزم والإرادة وقهر النفس والانتصار عليها وعدم الانسياق وراء أهوائها إلاّ ما كان صحيحاً ومحقاً، قال تعالى في مدح من يملك زمام نفسه ويحاسبها: [وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، فإن الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى]، وذمّ من يتبع هواه من دون رويّة وتأمّل في عاقبة الأمور: [أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ]، لذلك كان من أهم الصفات في الأنبياء العظام والرسل الكرام التي أشار إليها الله تعالى في كتابه العزيز هو العزم وقوة الإرادة فقال عز من قائل فيما أوصى به خاتم الأنبياء والرسل (صلی الله علیه و آله): [فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ].

يروى أن هارون العباسي كان مبتلى بعادة سيئة مدمناً عليها فطلب من مستشاريه إقناعه والتأثير عليه لتركها فحاول هؤلاء بحسب اختصاصاتهم. فالأطباء من الناحية الصحية والتجّار من الناحية الاقتصادية والفقهاء من الناحية الشرعية، فلم يفلحوا ثم التجأ إلى الإمام الكاظم (علیه السلام) الذي عرف بنور الله

ص: 68

تعالى أن مشكلة هارون تكمن في ضعف إرادته لتنفيذ القناعة وليس في أصل الاقتناع فاستثار فيه هذه الهمّة وقال (علیه السلام): (أين عزم الملوك)، فتحركت عزيمته واستجمع قوته وترك ما كان مبتلى به.3- اتخاذ خطوات عملية تدريجية - وأركزّ على التدريجية - من خلال سن قوانين ملزمة كالمنع من التدخين في المدن المقدسة وحافلات النقل العام والدوائر الرسمية أو في أزمنة معينة. والتدريجية في اقتلاع الظواهر السيئة في المجتمع من الدروس المستفادة من سيرة القرآن الكريم في إصلاح البشرية. فمثلاً: بالنسبة للخمر حيث كان من العسير على العرب تحريم الخمر دفعة واحدة لتفشي هذا الداء فيهم بحيث يُشار بالبنان إلى جعفر بن أبي طالب أنه واحد من أربعة حرموا على أنفسهم شرب الخمر في الجاهلية. فتدرج القرآن في بيان الحرمة كما أشرنا إليه في كتاب (شكوى القرآن).

هذا الأسلوب سلكه الشارع المقدس بالنسبة للتدخين حيث منع منه في نهار شهر رمضان، ولاشك أن نجاح الإنسان في ترك التدخين نهاراً كاملاً على مدى شهر كامل يعين المبتلى بالتدخين على تركه وما عليه إلاّ مواصلة هذا الانتصار على نفسه، ويمكن أن يتدرج الإنسان بتحدي نفسه بتقليل التدخين إلى خمس سيكارات في اليوم مثلا ثم إلى اثنين وهكذا، والتحدي يساعد على تفجير طاقة الصبر والصمود والمقاومة، وسيشعر عند الالتزام بلذة الانتصار ونشوته وهي من أعظم اللذائذ التي يستشعرها الإنسان.

إن هذه الخطوات العملية الثلاث متكاملة مع بعضها فالإعلام المكثف لأخطار التدخين على النفس والمجتمع والبيئة والاقتصاد يؤدي إلى ترسخ

ص: 69

القناعة، فإذا انضم إليها العزم والإرادة القوية للترك واتخذت خطوات تدريجية للحدّ من هذه الظاهرة فإن النتيجة ستكون حتماً النجاح في القضاء على هذه الحالة السيئة.محمد اليعقوبي

النجف الأشرف

22 ربيع الثاني 1426 ، 31 آيار 2005

ص: 70

مراعاة الانتماءات والخصوصيات لمكونات الشعب العراقي ليست من الطائفية المقيتة

مراعاة الانتماءات والخصوصيات لمكونات الشعب العراقي ليست من الطائفية المقيتة(1)

يتحسس البعض حينما يذكر عنوان السني والشيعي والكردي والعربي والتركماني ونحوها، وقد يكون بعض هؤلاء حسن النية لأنه يريد أن يرى الجميع في بوتقة واحدة لا تفرّقهم الانتماءات، ولكني وجدتُ عند الكثيرين خبثاً ومكراً فيصورون هذه الانتماءات على أنها طائفية وعرقية ونحوها، وهم بذلك يريدون إلغاء هذه الانتماءات وإلغاء أهلها وبقاءه وحده؛ لأنه يرى نفسه وطائفته وأهله كل شيء أما الآخرون فلا مكان لهم على وجه الأرض، وإلا فإن لكل إنسان خصوصياته وانتماءاته التي تميزه عن الآخرين وتعرفه للآخرين ولا يمكن إلغاؤها، وقد عدّ الله تبارك وتعالى هذا التنوع في الانتماء نعمة على عباده فقال تعالى [وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا] (الحجرات:13) أي ليتميز بعضكم عن بعضكم وتكون لكل واحد منكم انتماءات يتعرف بها عليه الآخرون.

ص: 71


1- من حديث سماحة الشيخ (حفظه الله) مع وفد ضمّ وجهاء عشائر الدليم في الرمادي والفلوجة وشمّ-ر من الموصل وعشائر أخرى سنيّة وشيعية من صلاح الدين وديالى وطويريج والنجف ورافقهم بعض زعماء التيارات السياسية يوم 21 ج الأولى 1426 وقد نشر في الصادقين على الصفحة الأولى من عددها ال-(27) الصادر بتأريخ 7 جمادى الآخرة 1426 الموافق 14 تموز 2005.

إن اعتزاز الإنسان بهويته وخصوصياته والعمل من أجلها من دون التجاوز على حقوق الآخرين ليست طائفية مقيتة كما يصورون، وإنما الطائفية تعني أن يتعصب الشخص لنفسه أو لانتمائه ويقتصر عليه ويلغي الآخر ويحرمه حقوقه، وهذا ما لا يرتضيه عاقل لأنه عين الظلم والعدوان، أما أن نراعي مكونات الشعب العراقي ونلحظ خصوصياته ونوزع الاستحقاقات عليها فليست طائفية وإنما هي عين العدالة، والذي يزعم خلاف ذلك إما ساذج انطلت عليه الحيلة أو خبيث يخلط السم بالعسل.إننا اليوم بحاجة إلى مشروع وطني يوحد العراقيين ويحفظ لهم حقوقهم ويشترك فيه الجميع من أجل إعادة بناء بلدهم وازدهاره.

ص: 72

خطاب المرحلة 80 :توسيع مؤسسات المجتمع المدني ضرورة حضارية

خطاب المرحلة 80 :توسيع مؤسسات المجتمع المدني ضرورة حضارية(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

حينما يجري الحديث عن هيكلية الدولة فإنهم يقسمونها إلى سلطات ثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية ويتكفل الدستور والقوانين المنبثقة عنه بيان صلاحيات كل منها ومسؤولياتها ونظامها الداخلي حيث تنتظم حياة الأمة بتكامل عمل هذه السلطات فيما بينها.

وبعد تنامي قوة الإعلام وتأثيره في حياة المجتمع البشري بوسائله المتقدمة وذات التقنيات العالية والمتنوعة سمي السلطة الرابعة أي مكملاً لدور تلك السلطات الثلاث في توجيه الأمة نحو الأهداف المرسومة لها.

لكن البشرية اكتشفت أن هذه السلطات الثلاث يمكن أن تنحرف بعيداً عن إرادتها بل تصبح معادية لها حيث تتعامل مع عامة الناس بالتسلط والاستئثار والتكبّر والاستبداد وعدم المبالاة والظلم والعدوان والفساد، وأن السلطة الرابعة يمكن أن تبيع ضميرها وقلمها وإرادتها لمن يشتريها بعيداً عن الإنصاف

ص: 73


1- من حديث سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع وفد من أبناء الفضيلة في محافظة بابل يوم 23 ج1 1426 المصادف 30/ 6/ 2005.

والموضوعية والمصداقية، فتتجه إلى التضليل والتشويه والتزوير والكذب والتهويل والتسقيط والدجل و…ومن هنا توجهت الأمم إلى إنشاء مؤسسات ومنظمات تمثل إرادتها ورؤاها وتتحرك وفق مصالحها وتساهم جدياً في تحقيق الرفاه والسعادة للمجتمع، وتعمل على استنقاذ حقوقها وتوجيهها نحو ما ينفعها لتتخذ قراراتها بشجاعة ووعي، وهي بالتالي تعمل على بناء مجتمع متحضر يقوم على أساس حق الإنسان في حياة حرة كريمة وقد سميت (مؤسسات المجتمع المدني).

إن دور هذه المؤسسات في حياة الأمة يتلخص في أمور:

1- توجيه رأي الأمة نحو ما ينفعها ويصلح حالها ومساعدتها في اتخاذ القرار الصائب في مختلف القضايا.

2- استنقاذ حقوق الأمة والمطالبة بها.

3- مساعدتها في معالجة المشاكل والأزمات وتجاوز المحن والصعوبات ومد يد العون لها والتخفيف من آلامها.

4- تطوير حالها وتأهيل أبناء الأمة لممارسة دورهم الحضاري والارتقاء بحالها إلى مستوى الدول المتحضرة.

5- مراقبة السلطات الرسمية وتقييم أدائها وتشخيص مواطن الضعف والخلل والفساد والضغط عليها لتجاوزها.

6- قيادة الفعاليات الجماهيرية وتنظيمها بعد إقناع الأمة بمبرراتها.

وبمقدار التزام مؤسسات المجتمع المدني بهذه الأدوار المهمة والواسعة بموضوعية واتزان وإنصاف وحيادية في حياة الأمة فإنها تحظى بثقتها ودعمها

ص: 74

واستجابة الجماهير لها، وبالتالي تظهر قدرتها على صناعة قرار الأمة والتأثير فيه وإن مما يزيد ثقة الأمة بهذه المؤسسات جملة أمور:1- استقلاليتها وعدم انزلاقها في الصراعات المحتدمة على السلطة والمهاترات الجارية بين الأجنحة المتنافسة.

2- إخلاصها في عملها وتفانيها في خدمة المصلحة العامة.

3- وعيها وقدرتها على تشخيص العلل ومكامن الضعف في حركة الأمة وحكمتها في وضع الخطط والبرامج الناجحة لإنهاض الأمة وتحريكها نحو صلاحها وعزّتها وكرامتها.

4- نزاهتها وعدم تورطها في منافع شخصية وفئوية.

إن الثقافة الإسلامية التي صنعها القرآن الكريم والسنة الشريفة عززت في الأمة هذه التوجهات ودفعتها إلى تحمل هذه المسؤولية، قال تعالى: [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً] (البقرة: 143)، فأبناء الأمة كلهم - وليس فقط الموجودون في السلطة - مسؤولون عن ضبط مسيرة الأمة بالاتجاه الصحيح والحديث الشريف المشهور: (كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيته) واضح في ترسيخ هذه الثقافة.

وتزخر المصادر الإسلامية بهذه الشواهد، ولعل أعظم ما وردنا في هذا المجال، عهد الإمام علي (علیه السلام) إلى الصحابي الجليل مالك الأشتر لما ولاّه مصر، ومما جاء فيه كأول وثيقة تؤسس الفصل بين السلطات: (واجعل لرأس كل أمر من أمورك - أي السلطات المتعددة - رأساً منهم - أي الصالحين - لا يقهره كبيرها ولا يتشتت عليه كثيرها)، ويدعو إلى تأسيس مشاريع الخير

ص: 75

والصلاح للأمة فيقول (ع): (ولا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة واجتمعت بها الألفة وصلحت عليها الرعية، ولا تحدثنّ سنة تضرُّ بشيءٍ من ماضي تلك السنن فيكون الأجر لمن سنّها، والوزر عليك بما نقضت منها، وأكثر مدارسة العلماء ومناقشة الحكماء في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك وإقامة ما استقام به الناس قبلك) وهو (ع) يدعو إلى أن تتبنى الدولة لا الحكومة رعاية المؤسسات المنبثقة من عامة الشعب والمعبّرة عن إرادته وتحكيم رأيها في عمل مؤسسات الحكومة فقال (علیه السلام): (وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق وأعمها في العدل وأجمعها لرضا الرعية، فإن سخط العامة يجحف برضا الخاصة، وان سخط الخاصة يغتفر مع رضا العامة، وليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مؤونة في الرخاء واقل معونة في البلاء وأكره للإنصاف وأسأل بالإلحاف، وأقلّ شكراً عند الإعطاء وأبطأ عذراً عند المنع، وأضعف صبراً عند ملمات الدهر من أهل الخاصة، وإنما عمود الدين وجماع المسلمين والعدة للأعداء العامة من الأمة فليكن صفوك لهم وميلك معهم)(1) .ولرسوخ هذه الثقافة الحضارية الراقية في أذهان شعبنا المسلم الواعي استطاع بسرعة بعد زوال الطاغوت أن يتكيف مع متطلبات الرقي والكمال، ولم يحتج إلى تأهيل واستطاع أن يخطف الأضواء ويثير إعجاب العالم بتصرفاته الحكيمة ومشاريعه الرائدة ونجح في الالتحاق بركب الحضارة العالمية، رغم العقود الطويلة التي عاشها في ظل القهر والحرمان والتجهيل والاستبداد، وانتشرت مؤسسات المجتمع المدني لتملأ كل أنشطة الحياة الثقافية والإنسانية

ص: 76


1- راجع كتاب (الراعي والرعية) للمرحوم القانوني توفيق الفكيكي.

والاقتصادية والعلمية والدينية والاجتماعية والأخلاقية، وكانت المرأة سبّاقة في هذه الحركة رغم أنها الأكثر حرماناً واضطهاداً وإقصاءً، وأنشأت على أرض الواقع مؤسسات تثير بنشاطاتها الواسعة الفخر والاعتزاز ولم تثنِ من عزائمهم جرائم المتحجرين والجهلة والمستبدين وأعداء الشعب والإنسانية.أفبعد هذا يأتي أعداء الإسلام ويجعلون مصطلح المجتمع المدني مقابل المجتمع الديني، ويقارنون بينهما ثم يعملون الاستبيانات لمعرفة آراء الناس في اختيار أيهما وكأنهما ضدان لا يجتمعان؟ وهل عرفت البشرية الحضارة والسمو والرقي والمدنية إلاّ في قيادة الدين ويكفي مراجعة النقلة العظيمة التي أحدثها الإسلام في حياة العرب حين نقلهم من حياة الجاهلية والبداوة والضياع والتشتت وممارسة الموبقات وكل ما يدمر الإنسانية إلى أمة كريمة حرة صنعت أعظم حضارة في التأريخ.

إننا نجد اليوم أن من ضرورات التلاقح الحضاري الذي يخوضه الإسلام ولتفعيل مبدأ (الإسلام محتاج إلى جميع أبنائه) أن نسعى إلى ملأ كل جوانب الحياة بمؤسسات المجتمع المدني، ضمن خطة مركزية تضعها المرجعية الرشيدة ويملؤها الأمل والتفاؤل في قدرة الأمة على إنجاح هذه الحركة من خلال انجازاتها العظيمة خلال السنتين الماضيتين التي تحتاج إلى ملأ كتاب كامل لشرح تفاصيلها لكنني أشير إلى مثالين منها:

أولهما: معهد التطوير الاجتماعي الذي تأسس في بغداد لتطوير مهارات شبابنا في العمل الاجتماعي والسياسي وما تفرع عنه من مركز الشهيد مؤيد الكعبي للإحصاء الذي قدّم عدة تحليلات لبيانات تتعلق بقضايا مهمة، والشبكة

ص: 77

الوطنية للمنظمات العراقية (شموع) التي ضمّت أكثر من ثمانين كياناً من مؤسسات المجتمع المدني وساهمت في مراقبة الانتخابات حيث نشرت أكثر من ثلاثة آلاف مراقب على مراكز الانتخابات في عدة محافظات وصادقت المفوضية العليا للانتخابات على اعتماد نتائجها، وأخذت مكانها إلى جنب الشبكات الدولية في هذا المجال، رغم أن عمرها لم يتجاوز شهراً واحداً وبإمكانات تكاد تقرب من العدم وتقوم بنشر الثقافة السياسية وتدعم مؤسسات المجتمع المدني في محافظات القطر كافة.ثانيهما: رابطة بنات المصطفى التي أسستها ثلة من المؤمنات الرساليات وانتشرت فروعها وازدهرت ومن نشاطاتها مركز اليتيم الذي يتكفل برعاية مئات الأيتام كما أنها ترعى الأرامل وتؤهل النساء لحياة كريمة وتثقفهنّ وتعلمهنّ.

محمد اليعقوبي

23 ج1 1426 الموافق 30/ 6/ 2005

ص: 78

خطاب المرحلة 81 :حوارات في الفكر السياسي الإسلامي

الحلقة الثالثة : قضايا سياسية واجتماعية

بسمه تعالى

أجرت قناة (العراقية) الفضائية يوم الأحد 12 ج1 1426 المصادف 19/ 6/ 2005 حواراً مطولاً مع سماحة آية الله الشيخ اليعقوبي (دام ظله) تعرّض فيه إلى عدة قضايا سياسية واجتماعية ونحاول هنا تلخيص بعض ما جاء فيه:

عراق ما بعد صدام حسين

س1: لو أجرينا مقارنة بين عهدين: عهد مظلم صودرت فيه إنسانية الإنسان بما في الكلمة من معنى وبين عهد جديد مشرق … كيف يمكننا المقارنة؟

سماحة الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم لا توجد مقاربة ومقارنة بين العهدين فقد عاش الناس آنذاك حالة من اليأس والقنوط إلاّ ما رحم ربي ولم يكن أمامهم مصير إلاّ القتل والتشريد والاعتقال والتجويع والتجهيل والحرمان، أما اليوم فبالرغم من الصعوبات والأزمات

ص: 79

الخانقة التي يعيشها شعبنا، إلاّ أن أقل ما تحقق له - وهو ليس بقليل - عودة الأمل بغدٍ أفضل مهما طال انتظاره، والحرية في ممارسة شعائره والتعبير عن رأيه ومعتقده وإنشاء مشاريعه، وتكافؤ الفرص لجميع مكوّنات الشعب في الوصول إلى المواقع التي يطمحون إليها، وهذه أمور كلها كانت معدومة في الزمن البائد، أما الآن فقد تحققت وهي تستحق التضحية من أجل ديمومتها وتعزيزها.

المرجعية وولادة العراق الجديد

س2: يشهد العراق اليوم ولادة حقيقية لأفكار ورؤى طوائفه المختلفة ضمن إطار واحد هل تدعمون هذا الرأي أم أن لكم رأياً آخر؟

سماحة الشيخ: لا أقول ندعمه فقط بل نحن جزء منه ضمن الحدود التي تناسب وظيفتنا ودورنا في الأمة لأننا جزء من الشعب والشعب كله مطالب بأن يساهم في بناء مستقبله الزاهر وليست هي مسؤولية أحد دون آخر فضبط الأمن والاستقرار والنظام في البلد وإن كان رسمياً من مسؤولية وزارتي الداخلية والدفاع إلاّ أن كل واحد من الأمة مسؤول عن دعم هذا الجهد والمشاركة فيه بالمقدار الذي يقدر عليه وقد شرحناه في بيان (فقه الشرطة والأجهزة الأمنية).

الشعب والدستور

س3: نحن على أعتاب مرحلة مهمة وخطيرة في تأريخ العراق المعاصر ألا وهي مرحلة صياغة الدستور فهل الشعب العراقي مهيأ لهذه

ص: 80

التجربة الجديدة؟سماحة الشيخ: التهيؤ وعدمه شيء يصنعه قادة الأمة وصنّاع القرار فيها من مرجعيات دينية وقادة سياسيين ومثقفين وإعلاميين وأساتذة جامعات ومفكرين وكتّاب وأدباء فبمقدار ما يعمل هؤلاء بهمّة وإخلاص وسعة في تثقيف الأمة وتوجيهها وتوعيتها تكون الأمة مهيأة.

وإنني أعتقد أن الشعب العراقي يستطيع التكيّف بسرعة مع متطلبات الحضارة الإنسانية بمجرد رفع القيود عنه وإفساح المجال له، فمثلاً قبل الانتخابات كان كثيرون يتحدثون عن انعدام الوعي الانتخابي لعدم وجود تجربة ديمقراطية سابقة فيحتاج الشعب إلى تأهيل طويل قبل الدخول في مثل هذه التجارب، إلاّ أن الذي حصل من الاستجابة الواسعة والانضباط والنزاهة والوعي شيء فاق ما في الدول التي قضت قروناً في الممارسة الديمقراطية.

والشاهد الآخر هي الحركة الواسعة لإنشاء مؤسسات المجتمع المدني التي غطت مختلف الأنشطة الثقافية والسياسية والإنسانية والاجتماعية والدينية والاقتصادية، في حين كانوا يتصورون أن الشعب بحاجة إلى مدة طويلة لكي يفهم معنى المجتمع المدني.

فالقدرة إذن لدى الشعب العراقي على الاستجابة لاستحقاقات التطور والازدهار عالية وعلى المسؤولين وصانعي القرار توجيه الأمة ومساعدتها.

وبصراحة فإنني إلى الآن غير مقتنع بالجهود المبذولة في مجال توعية الأمة باتجاه فقرات الدستور فكيف سنطالب الأمة بالتصويت على مواده وهو لا يعرف عنها شيئاً؟ فعلينا أن نبين له ما معنى النظام البرلماني والرئاسي وخصائص

ص: 81

كل منهما قبل أن نطالبه باختيار أحدهما وعلينا أن نشرح له معنى الفدرالية وأقسامها ونتائجها ومردوداتها ليختار عن قناعة إقرارها أو عدمها، وحينما نسأل المواطن هل تريد مجلساً (كالجمعية الوطنية) أم مجلسين (كالكونغرس والشيوخ في الولايات المتحدة) فلابد أن يكون مسبوقاً بفكرة واضحة تفصيلية عن كل منهما لأننا لا نريد أن نستنسخ تجارب الآخرين مهما كانت كبيرة، وإنما نستفيد منهم لأن الحضارة توجد عبر تكامل جهود إنسانية تشارك فيها كل شعوب الأرض وليس من الصحيح الإعراض عن تجارب الآخرين.فوجود مجلس آخر في نظام الولايات المتحدة أو بريطانيا لا يعني أنها الحالة الأصلح في العراق وهكذا بالنسبة للقضايا الأخرى كالإدارة اللامركزية والمرجعية التي تستند إليها التشريعات وغيرها.

التجربة العراقية أسوة لشعوب المنطقة

س4: بعد النجاح الذي حققته العملية السياسية في إجراء الانتخابات واعتبارها أنموذجاً فريداً في المنطقة العربية هل تستطيع القول أن النموذج الديمقراطي سيستمر في العراق رغم تبدل الآراء والمواقف لبعض القوى السياسية؟

سماحة الشيخ: إن شاء الله تعالى ستستمر هذه التجربة في العراق وتنضج وتتكامل بجهود أبنائه لأنهم أحرص الناس على إنجاح تجربتهم ولا نتوقع من الآخرين خيراً، انظر إلى مواقف الدول العربية لازالت ضد مصلحة الشعب العراقي وتدعم أعداءه وترفض الاعتراف بتجربته الرائدة وتعمل بكل وسعها

ص: 82

على إفشالها بدلاً من أن تقف إلى جنبه في محنته ومساندته لاجتياز هذه التحولات الجذرية التي يعيشها، فإذن لا نستطيع أن نعول على أحد إلاّ الله تبارك وتعالى ووعي الشعب بأن إنجاح تجربته هي قضيته ولا تعني أحداً سواه وهو الذي يصنع مستقبله بيده، وعليه أن يحفظ هذه الانجازات ويديمها ويطورها وان كلفته تضحيات جسيمة فإنه كان قبل اليوم يدفع أكثر من هذه الخسائر وفقد الملايين من علمائه وقادته ومفكريه وشبابه لمجرد إشباع نزوات الطاغوت وأهوائه ومصالحه وجنونه، وحان الآن وقت قطاف الثمرة وهي حريته وبناء مستقبله الزاهر، فالتضحيات إذن ليست بلا ثمن كما في السابق حين قتل مليون إنسان في الحرب مع إيران وربع مليون في غزو الكويت وما تلاه، وعلى الشعب أن يبقى ممسكاً بزمام المبادرة ويسير بثقة في هذا الطريق الذي وضع قدمه عليه طريق الحرية وإحقاق الحق وتمكين الأمة من تحكيم إرادتها في تسيير شؤون حياتها …إن كل الشعوب التي مرّت بمثل هذه التحولات التأريخية عانت مثل هذه المحن والمصاعب وفقدوا الكثير من رموزهم وقادتهم، ولكن في النهاية لا يصحّ إلاّ الصحيح كما يقال وتتحقق النتيجة التي قالها الله تبارك وتعالى: [وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ] (الأنبياء:105)، [وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ] (القصص: 5 - 6).

ص: 83

الحوار لإزالة التوترات السياسية

س5: الخطوات التي تقوم بها الحكومة المنتخبة لتقريب وجهات النظر وحل بعض التوترات بشفافية، هل هذه الخطوات هي فعلاً لخدمة الشعب أم أنها محاولة لزيادة الرصيد السياسي القائم عليها؟

سماحة الشيخ: إذا كان العمل صحيحاً ويصبّ في مصلحة الأمة فليس علينا أن تكون نية القائم ما هي فهذا شيء يعود إليه فإن أراد نفع نفسه حقاً فليكن مخلصاً في نيته، كما أن كثيراً ممن تسلطوا على رقاب المسلمين بغير حق وسموا أنفسهم أمراء المؤمنين ووسّعوا رقعة الدولة الإسلامية من أجل زيادة نفوذهم وامتلاء خزائنهم، لكنها في النتيجة ساهمت في إيصال صوت الإسلام إلى بلاد كثيرة، ففتح باب الحوار مع من يوجد عنده صدق في إرادة الحل والارتقاء بمستوى الأمة وحل مشاكلها عملية إيجابية وصحيحة، والذين يعارضون الدولة لا يجوز وضعهم في صف واحد ويجب فرز الأوراق وتقييمها بدقة، فبعض الفئات يمكن أن تدخل الحكومة معهم في حوار وتجلبهم إلى صف الشعب والوطن، وبعضهم احترف الجريمة وامتهنها وجعلها وسيلة لتحقيق أهدافه وفرض مشروعه - أن كان له مشروع - ظلماً وعدواناً ولا وسيلة إلى تغيير أفكاره فلا دواء لهم إلاّ الكيّ.

الدول الإقليمية والفتنة الطائفية

س6: الفتنة الطائفية حالة لا يتقبلها المواطن العراقي وذلك لأواصر القربى والمودة التي تجمع كل الطوائف العراقية المختلفة ومع ذلك

ص: 84

يوجد من يتبنى هذا المشروع من الدول الإقليمية فهل تتوقعون لهذا المشروع صداه في العراق؟سماحة الشيخ: لا أتوقع لهم النجاح وفق المعطيات الحالية ولو كان هناك مجال للفتنة الطائفية لوقعت - والعياذ بالله - بأقلّ من هذا الذي يفعلونه فإنهم فعلوا أخسّ وأنذل الأفعال في حق أتباع أهل البيت (علیهم السلام) فقتلوا الأبرياء وذبحوا زائري الأئمة المعصومين (علیهم السلام)، وفجّروا المساجد والحسينيات ودمّروا الأسواق والممتلكات ولم يفلحوا لأن شعبنا بفضل الله تبارك وتعالى على درجة من البصيرة والوعي والطاعة لمرجعيته الحكيمة.

وعلى الدولة أن تساهم في ضبط هذه الحالة بأن لا تقوم باستفزاز ناس هم لا يريدون الفتنة ولا الوقوف في وجهها، ولكن ربما تصدر بعض التصرفات تجرّ أقدام هؤلاء إلى هذا الخندق، وهذا ما يعمل عليه أعداء الشعب حيث يحاولون توسيع رقعة المواجهة باستدراج من هو غير مقتنع بها، فعلينا أن نقطع الطريق أمامهم بإبقاء باب الحوار مفتوحاً والتعامل بحذر وضبط نفس وحكمة مع الفئات التي يمكن تفّهم اعتراضاتها ومواقفها حتى لا يستطيع الآخر أن يجذبها إلى صفّه وحينئذٍ ربما تتسع المسألة - والعياذ بالله - وتستعصي على الحل؛ لأن أهم ما يستعمله العدو الآن هو خلط الأوراق وتضليل البعض بعناوين برّاقة كالجهاد والمقاومة والدفاع عن عاصمة الخلافة الإسلامية وعن أهل السنة ويرتكبون الجرائم ضد أهل السنة والشيعة على حد سواء تحت هذه الذرائع، فعلينا أن نفرز أوراق هذه الفئات ونتعامل مع كل واحدة بما يناسبها.

ص: 85

دور العشائر في بناء العراق الجديد

س7: من المعلوم أن المجتمع العراقي مجتمع عشائري، كيف يمكن تفعيل دور العشائر في إصلاح المجتمع بشكل عام؟

سماحة الشيخ: إن أي عمل منظم هو شيء مفيد، قال أمير المؤمنين (علیه السلام): (أوصيكم بتقوى الله ونظم أمركم) يعني أن تنظيم الأمور في كيانات وتجمعات شيء مفيد، وهذا التنظيم يمكن أن يكون على شكل حزب سياسي أو عشيرة، قال أمير المؤمنين (علیه السلام): (صل عشيرتك فإنهم جناحك الذي به تطير)، فإذن العشائر كتنظيم وتكتل شيء إيجابي ومشمول بقوله تعالى: [وَأعِدُّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِنْ قُوَّةٍ] والتنظيم قوة ولكن يجب أن يتأطر بالمبادئ الصحيحة للعمل وإلاّ فإنه سينقلب إلى الضد ويكون عبئاً على الأمة.

وقد كشفت الانتخابات الأخيرة عن ضعف الحضور العشائري حيث لم يفز كيان عشائري بمقعد حيث ذابت العشائر في الكيانات الأخرى وهذا من بعض الجهات فيه ضعف لنا؛ لأن العشائر فيها الكثير من الخصال الحميدة وعناصر القوة للأمة فضعفها يعني ضعفاً للأمة جميعاً، فمثلاً، كانت هناك مناطق متمردة فيها قطاع طرق وقتلة وسراق ومخربون بين البصرة والقرنة وبين البصرة والناصرية وحول مدينة الحمزة الشرقي وكانت الدولة عاجزة عن حماية المواطنين هناك، لكن المرجعية الدينية تحركت على العشائر واستنهضت فيهم عناصر الخير فانضموا إلى جهد المرجعية في ضبط الأمن والنظام في تلك المناطق، ولم نعد نسمع عن الجرائم شيئاً بعدما كان يضرب المثل بشناعتها واستعصائها عن الحل، فما دامت العشائر موالية لمرجعيتها وقيادتها فهي قوة

ص: 86

للأمة وتشكيلات معبأة وجاهزة وما علينا إلاّ أن نوجهها بالاتجاه الصحيح.

دور المرأة

س8: ودور المرأة في ظل العراق الجديد؟

سماحة الشيخ: لقد كنت أول من طالب بتشكيل وزارة خاصة تعنى بشؤون المرأة قبل سنتين بالتزامن مع تأسيس مجلس الحكم المنحل وأعددت بياناً لتسيير مظاهرات نسوية لتأييد المطلب لكنني لم أنفذ، وقد تحفظ بعض الأخوة على الأمر وقال أن الأمريكان موجودون هنا وهم لا يرضون بإعطاء الوزارة لامرأة إسلامية وإذا أعطوها لامرأة متحللة فستكون وبالاً علينا فقلت لهم لن أخاف من هذا المطلب لأني واثق من شجاعة ووعي أخواتنا الرساليات وقدرتهن على تحريك العمل بالاتجاه الإسلامي النظيف.

إن رفع المعاناة والظلم والجهل والتخلف الذي لحق بالمرأة لا تنهض به إلاّ وزارة مستقلة، وتوجد الآن وزارة للمرأة لكنها غير فاعلة ولم تقدم شيئاً كبقية الوزارات ودائماً أعبّر عن امتعاضي وألمي من سوء عمل المسؤولين وأنقل لهم خيبة أمل الأمة من أدائهم و…

النظرة إلى المستقبل

س9: كيف تجدون الأفق العام لمستقبل العراق الجديد؟

سماحة الشيخ: أنا متفاءل جداً بالرغم من هذه الصعوبات والرزايا التي تمر بالشعب، واعتقد أن هذه الصعوبات ستزول وبسرعة كلما كنا أكثر قوة وثباتاً

ص: 87

وأكثر شجاعة وتماسكاً وحينئذٍ ستنكسر هجمات الأعداء ويرحلون وسيندحرون، والعالم كله التفت إلى هذه الجرائم وهذا يساعد في التسريع بالحلّ لأنه يضيّق الخناق على أعداء الشعب ويطوّق عملهم حتى الذين يباركون هذه الأفعال بدأوا يحرجون ولا يستطيعون دعمها ظاهراً وأنا متفاءل جداً … يكفي أننا تحررنا … لا أقول بفضل القوات المحتلة فهذا اعتقاد خاطئ تماماً. إنّ الذي فتّ في عضد النظام الصدامي ونخر كيانه هي تضحيات العراقيين ووقفتهم الشجاعة وعدم خضوعهم للطاغوت ووعيهم لظلمه فأوصلوا نظامه إلى كيان هزيل ومنخور بحيث أن صفعة صغيرة من القوات المحتلة أطاحت به وانهار بلا قتال فكانوا (القشة التي قصمت ظهر الجمل). فنحن الذين غيّرنا النظام لأننا رفضنا الباطل وفارقناه وأصلحنا أنفسنا فتحقق وعد الله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) والأمل بالله تعالى كبير أن يتم نعمته علينا ويزيل هذه الغمامة الكئيبة وما نقدمه من تضحيات جليلة وعزيزة فإنها بعين الله تبارك وتعالى وسيوفّي الله الصابرين أجورهم بغير حساب.

ص: 88

خطاب المرحلة 82 :كيف نرفع عنا التقصير في العمل

خطاب المرحلة 82 :كيف نرفع عنا التقصير في العمل(1)

كثيراً ما نتحدث عن كوننا مقصرين في أداء دورنا في العمل الإسلامي المبارك وإنجاح المشروع الإسلامي في المواجهة الحضارية التي أعلنها الغرب على الإسلام، والاعتراف بالتقصير وإن كان في نفسه فضيلة إلاّ انه لا ينبغي الوقوف عند هذا الحد بل علينا التفكير في كيفية رفع هذا التقصير وخلق المحفزات والبواعث لبذل المزيد من الجهد لإنجاح المشروع.

ويحضرني هنا عدد من العوامل اذكرها كإثارات أولية لتكون منطلقات فكرية وعملية في هذا الطريق وعليكم التأمل والتفكير لاستنباط المزيد، وهذه العوامل استطيع أن أصنفها إلى قسمين: عوامل ذاتية راجعة إلى الشخص العامل وأخرى موضوعية ترجع إلى طبيعة العمل والآليات المتبعة والظروف المحيطة به.

وعلى صعيد القسم الأول اذكر عاملين:

الأول: وعي المشروع فإن العامل حينما يجد نفسه جزءاً من مشروع واسع

ص: 89


1- تقرير ملخص لحديث سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي في الملتقى المشترك لأمانة حزب الفضيلة ومكتب جماعة الفضلاء ورابطة بنات المصطفى في النجف الأشرف يوم السبت 11 جمادى الأولى 1426 المصادف 18/ 6/ 2005.

وخالد يمتد تأثيره إلى المستقبل البعيد، وينتمي فيه إلى سلسلة كريمة يقف على رأسها الأنبياء والرسل والصالحون والعلماء والمراجع والرساليون فإنه سيندفع إلى العمل فرحاً مسروراً شاكراً لله على نعمته إذ جعله جزءاً من هذا المشروع العظيم. وهذا ما عاشه أصحاب الحسين (علیه السلام) حينما كان أحدهم يقدم على الموت فرحاً مسروراً وهو واحد أمام سبعين ألفا شحذوا أسلحتهم لتقطيع أوصاله، حيث تنقل الروايات إن الإمام الحسين (علیه السلام) مسح على عيونهم وأراهم مقاعدهم في الجنة، ويمكن فهم هذه الرواية على معناها الظاهري وهو أنهم رأوا منازلهم في جنة الآخرة، ويمكن أن تفهم على معنى آخر لأن الجنة والنار عالمان يعيشهما الإنسان في هذه الحياة الدنيا، حيث أن الجنة هي آثار أعماله الصالحة والنار عكس ذلك ويستدل عليه بقوله تعالى: [وَإنَّ جَهَنّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالكَافِرِينَ] أي الآن وليس في المستقبل، وبالرواية الواردة عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) أنه كان بين أصحابه يوماً فأصابه ذعر شديد وفزع ولم يعرف أصحابه السبب فقال (صلی الله علیه و آله) لهم أن هذا الفزع أصابني نتيجة هدة عظيمة حصلت بسبب ارتطام حجر مضى عليه سبعون سنة وهو يهوي في نار جنهم حتى وصل إلى قعرها الآن، ويقصد به رجلاً قضى عمره البالغ سبعين سنة وهو يتسافل في المعاصي والموبقات ويحيط نفسه بنار آثامه ويهوي بها حتى وصل عند الموت إلى قمة الانحطاط والتعاسة.

ومحل الشاهد أن أصحاب الحسين (علیه السلام) كشف لهم عن المستقبل ورأوا بركات وقفتهم تلك التي مهما احتوت على آلام وتضحيات فإنها لا تدوم إلاّ

ص: 90

سويعات وتعقّب خلود الرسالة وتنعّم الأجيال كلها على مدى آلاف السنين ببركة الإسلام وولاية أهل البيت (علیهم السلام)، وربما رأوا ما ستؤول إليه تلك البقعة الطاهرة في كربلاء وتوافد الملايين من شتى بقاع الأرض سيراً على الأقدام فمقاعدهم في الجنة هي دورهم وتأثيرهم في صنع هذا المستقبل الزاهر مما أثار فيهم الهمة والحماس والإقدام والشجاعة التي لا نظير لها.وأنتم أيها الإخوة والأخوات اختاركم الله تعالى لتكونوا طليعة الأمة الممهدين لدولة الحق المباركة، ولتكونوا رأس الحربة في هذه المواجهة الحضارية التي نستطيع أن نصفها كما قاله النبي (صلی الله علیه و آله) يوم الخندق حيث برز أمير المؤمنين (علیه السلام) لعمرو بن عبد ود العامري بأنه (اليوم برز الإيمان كله إلى الشرك كله)، فعلينا أن نجسد الإيمان كله برعاية وألطاف وتسديدات صاحب الأمر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) فحينما تلتفتون إلى توفيق الله تعالى لكم إذ اختار لكم هذا المقام الرفيع فسوف تندفعون إلى بذل كل وسعكم لتكونوا أهلاً لهذا الاختيار الحسن.

الثاني: تذكر الهدف فإن الهدف كلما كان سامياً وكبيراً هانت في طريق الوصول إليه الصعوبات وتعلو الهمة وتتضاعف وتستعد لتحمل اعلي المسؤوليات، وأنتم معاشر العاملين الرساليين تبتغون رضا الله تبارك وتعالى [وَرِضْوَانٍ مِنَ اللهِ أكْبَرِ ذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمِ] وفي تجارة لن تبور، وتطمعون أن تنالوا المقام الكريم في مقعد صدق عند مليك مقتدر حيث لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وتجاورون الأحبة سادة الخلق وكرامهم محمداً وآله الطيبين الطاهرين وحسن أولئك رفيقاً، وحينئذٍ نستقل ونستصغر

ص: 91

كل ما نقوم به مهما كان كبيراً مادام الثمن هذه الكرامات، وما قيمة ما تبذل أمام هذه المنن وهل من المعقول أن عملنا هذا يورثنا كل تلك الكرامة، إنها تجارة رابحة تنفق درهما ليعود عليك بسبعمائة درهم والله يضاعف لمن يشاء ولا تجد مثل ذلك إلاّ في كرم الله العزيز الكريم.وأما على صعيد القسم الثاني فهي ضرورة لقاء كل أجنحة المشروع في اجتماع أسبوعي يجمع مكتب جماعة الفضلاء وأمانة حزب الفضيلة ورابطة بنات المصطفى وجامعة الصدر وجامعة الزهراء وسائر المراكز والروابط والمؤسسات التابعة للمشروع ليقدم صاحب كل ملف تقريراً عن عمله فيطلع عليه الآخرون ويوصل بعضهم إلى بعض مقترحاته ومشاكله وشكاواه فيتكامل عمل هذه الأجنحة ويتناسق وتصب الجهود كلها في بوتقة واحدة هو المشروع الإسلامي الحضاري المبارك حتى يرث الأرض ومن عليها عباد الله الصالحون ونتجنب بذلك التقاطع في العمل والضعف في الأداء والتقصير والقصور.

ص: 92

خطاب المرحلة 83 :فروع جامعة الصدر الدينية الأهداف والاستحقاقات

خطاب المرحلة 83 :فروع جامعة الصدر الدينية الأهداف والاستحقاقات(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

(جامعة الصدر الدينية) مشروع طموح ولد قبل عشر سنين تقريباً استجابة للشعور بالحاجة إلى تطوير مناهج وأداء وتنظيم الحوزة العلمية الشريفة والى معالجة عدة نقاط ضعف في الجوانب الإدارية والمالية والعلمية والأخلاقية والفكرية والاجتماعية وقد اشرنا بشيء من التفصيل إلى ذلك في كتاب (المعالم المستقبلية للحوزة الشريفة) الذي يمثل الصورة النظرية للمشكلة وعلاجها وكتاب (جامعة الصدر الدينية: الهوية والانجازات) الذي يمثل التطبيق لتلك الأفكار.

وزادت الحاجة إلى هذا المشروع بعد أن أعلن الغرب صراعه الحضاري ضد الإسلام. ولا ينهض بهذه المواجهة الواسعة الشاملة المفتوحة على كل الجبهات إلا مشروع متكامل يشخص ببصيرة هذه الجبهات والثغرات وينشئ بإزائها المؤسسات التي تتكفل بإدارة الصراع.

ص: 93


1- من حديث سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع مدراء فروع جامعة الصدر الدينية في النجف الأشرف والمحافظات يوم 28 ج1 1426 المصادف 5/ 7/ 2005.

وتمثل جامعة الصدر القلب الذي يدير هذا المشروع ويمدّه بالحركة والدماء المتدفقة فجميع أذرع المشروع الإسلامي من حزب الفضيلة الإسلامي الذي يمثل الواجهة السياسية، ورابطة بنات المصطفى التي تمثل تنظيم العمل الاجتماعي للنساء، وجامعة الزهراء التي تتكفل بنشر الحوزات العلمية للنساء إلى سائر المؤسسات الأخرى تستند في عملها وتستمد وجودها ورصيدها الجماهيري من (جماعة الفضلاء) وهذه تزود بالعناصر القادرة على حمل الرسالة من مصنع الفضلاء الرئيسي وهي جامعة الصدر الدينية.وقد بقي هذا المشروع حبيس النجف الأشرف مهد العلم والولاية حتى زوال الصنم، حيث أتيحت الفرصة لتمدد الجامعة المباركة ونشر فروعها في المحافظات حيثما توفرت مقومات نجاح المشروع وديمومة عمله، حتى بلغت اليوم ثمانية عشر فرعاً تضم حوالي (1500) طالب وتوجد طلبات عديدة بعد سنتين من البدء بتأسيس الفروع لفتح فروع من مدن أخرى داخل العراق وخارجه نلبّيها عند توفر المقدرة بلطف الله تبارك وتعالى.

أن دواعي إنشاء هذه الفروع عديدة ويتولد من كل منها استحقاق على مديري الفروع أن يقوموا به

الأول: توفير الفرصة لأكبر عدد من أبناء الإسلام ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون تطبيقاً للآية الشريفة، إذ لا يتسنى لكثير من الراغبين في تحصيل العلوم الدينية القدوم والمكث في النجف الأشرف، والمستفاد الشريفة أن يتصدى واحد من كل ألف لدراسة العلوم الدينية هذا بلحاظ حاجة المجتمع نفسه أما إذا نظرنا إلى الحاجة الإضافية

ص: 94

الناتجة من مسؤولية الحوزة العلمية في النجف الأشرف عن نشر المبلغين والهداة إلى الله تبارك وتعالى في سائر أرجاء العالم لما للنجف من خصوصيات في قلوب الناس فسيكون العدد المطلوب أكبر.الثاني: تخفيف العبء عن النجف الأشرف فإنها غير قادرة على استيعاب كل القادمين إليها خصوصاً إذا تحسنت الأوضاع في العراق، وحينئذٍ سيزداد إقبال الراغبين من مختلف الدول للمجيء إلى النجف الأشرف، فلا داعي إلى تحميل الحوزة النجفية دروس المقدمات والسطوح الأولية، كما أن كثيراً من الذين ينهُون هذه المراحل الأولية يكتفون بها وينطلقون إلى مدنهم للتوجيه والإرشاد وإمامة الجماعة والجمعة وحينئذٍ يمكن تأمين ذلك لهم في محافظاتهم وتبقى النجف للراغبين في مواصلة الدروس العالية.

الثالث: أن الحوزة العلمية حيثما تحل وتبسط وجودها فإن الهداية تنتشر معها ويتّسع الالتزام الديني ويتحرك العمل الإسلامي ويكفي مجرد وجودها وإن لم تتحدث بمشروعها، وحينما يحدث انفصال بين المجتمع والحوزة العلمية تحصل حالة استرخاء وابتعاد عن الأجواء الدينية وحينئذٍ يجب علينا نشر الحوزات العلمية في كل مكان لتأمين منطلقات للعمل الإسلامي المبارك.

وتترتب على هذه الدواعي استحقاقات

1- مراعاة التوزيع الجغرافي في قبول الطلبة بحيث يكون التنوع مستوعباً لمركز المحافظة والأقضية والنواحي والأرياف والعشائر المحيطة بها، ويتحقق ذلك بالإعلام الواسع عن فتح باب القبول والتأكيد على حث القرآن الكريم والأحاديث الشريفة على تحصيل العلوم الدينية للترغيب في الانضمام وتوفير

ص: 95

مستلزمات النقل والخدمات الأخرى.2- أن يتصف الطلبة بالشروط المطلوبة للقبول من حيث المستوى العلمي والفكري والأخلاقي.

3- اكتشاف قابليات الطلبة وتوجهاتهم ورغباتهم، فالمتفوق علمياً يرسل إلى النجف الأشرف لمواصلة الدروس العالية، والذي له قدرة على الكتابة والتأليف تُنمى فيه هذه القابلية، والمؤهل للوعظ والإرشاد وارتقاء المنبر الحسيني أو إمامة الجمعة والجماعة توفّر له هذه الفرصة ليستفاد منه وهكذا. وعلى مدير الفرع أن يضع الآليات لتفجير الطاقات واكتشافها، كتكليف الطلبة بكتابة بحث عن موضوع معين للتعرف على قدراتهم على التأليف، كما أن نتائج الامتحانات كفيلة بإبراز الطاقات العلمية الجيدة وهكذا.

4- وضع خطة لاستيعاب الخريجين من فروع الجامعة وتوزيعهم بحسب المسؤوليات المناسبة لهم، والتي اشرنا إليها في النقطة السابقة إذ لا يعقل أن تصرف هذه الجهود والأموال على الفروع ثم تذوب وتضمحل بعد تخرجهم.

5- أن يعي الطلبة في الفروع هذه الأهداف لأني ألمس في الكثير من المنتمين إليها شعوراً بأن هدف وجودهم هو نفع نفسه بالتفقه في الدين، وهو هدف جيد في ذاته إلا أنه غير كافٍ ولا نرضى بالوقوف عليه، وإنما عليه أن يعي أن الجامعة تريد منه أن ينفع المجتمع بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة والعمل الصالح من أجل الأمة وان يعي موقع جامعة الصدر من المشروع الإسلامي الحضاري الذي أشرنا إليه، وقد قلنا في كلمة سابقة أن وعي المشروع من العوامل التي تحفز العاملين الرساليين وتستثير فيهم الهمة

ص: 96

والحماس.6- اهتمام الفروع بالنشاط الثقافي والاجتماعي من خلال إصدار النشرات والبيانات وعقد الندوات واستضافة الشخصيات والمشاركة في الفعاليات الفكرية والاجتماعية والدينية.

أن فروع الجامعة حالياً تتمكن بإمكانياتها المتوفرة من الوصول بالطالب إلى نهاية المرحلة الثالثة ويمكن لها عند توفر القدرات المؤهلة أن تستمر حتى إكمال السطوح العالية واقتصار الدراسة في النجف الأشرف على البحث الخارج.

محمد اليعقوبي

28 جمادى الأولى 1426

ص: 97

خطاب المرحلة 84 :النقد الذاتي فيما يتعلق بعمل الحكومة

خطاب المرحلة 84 :النقد الذاتي فيما يتعلق بعمل الحكومة(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

يشعر الكثير من أبناء الشعب بالامتعاض من أداء جملة من السياسيين سواء على صعيد الحكومة المركزية أو الحكومات المحلية، ويعبرون عن خيبة أملهم بهؤلاء الذين انتخبوهم وتحملوا الأخطار في سبيل إيصالهم إلى هذا الموقع ومعهم حق في الشعور وهو دليل وعيهم ومتابعتهم للعملية السياسية، وقد نصحنا هؤلاء المتصدين في عدة بيانات وخطب ومنها الرسالة الموجهة إليهم بعنوان (المبادئ الثابتة في السياسة) أن يصارحوا الأمة ويكونوا واضحين معها في بيان أسباب هذا الضعف وهذا التلكؤ والإهمال، وهل هو قصور بسبب ظروف خارجة عن إرادتهم، أم تقصير يسعون لتلافيه ومعالجته لتعذرهم الأمة وتتفاعل مع حركتهم وتسندهم، ولتشعر بالأمل بغدٍ أفضل، ولا يمكن تبرير إهمال هذه المشاعر والسكوت عنها ومقابلتها باللامبالاة والإعراض وكأن شيئاً لم يحصل. أما تكليف الأمة تجاه هذه الحالة فيتمثل في أمور:

الأول: وعي هذه الحالة والالتفات إليها ومراقبتها فإن الشعب الذي يُظلم

ص: 98


1- ملخصات من حديث سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع عدد من الوفود التي زارته يوم 26 جمادى الأولى 1426 المصادف 3/ 7/ 2005.

وتصادر حقوقه وهو ساذج وسادر في غفلته لا يتمكن من النهوض ولا يتقدم.الثاني: استشعار الرفض والغضب داخل النفس إزاء هذه المظالم والتقصيرات مهما كان مصدرها؛ لأن هذا الشعور هو الحافز والدافع للتغيير والإصلاح ومن دون حصول هذه المقدمة لا تحصل تلك النتيجة، ولكن يجب التحكم في هذا الغضب ليبقى في دائرة الايجابية والسيطرة على ردود الفعل وعدم خروجها عن دائرة التكليف الشرعي وأوامر القيادة الصالحة.

الثالث: تعبئة الطاقات القادرة على الإصلاح والتغيير وزجها في العملية السياسية لتحل محل المقصر وغير الكفوء.

فليس الحل بالانكفاء والانزواء والشعور باليأس والإحباط والسخط من المرجعية التي أحسنت الظن بالمتصدين ولا يلزم منه فشل المشروع كلياً لأن الفشل هو فشل هؤلاء فقط ولا يمكن تعميمه، فهل يمكن أن نعترض على أمير المؤمنين (علیه السلام) أو نحكم على مشروعه بالفشل لمجرد أن واليه على بلاد فارس سرق بيت المال وهرب إلى معاوية؟!

وإن العامل المتحرك يقع في الأخطاء أما المتقاعس المستسلم إلى الدعة والراحة في الظل فإنه لا يعمل حتى يخطئ، وليس من المروءة والإنصاف أن يكتفي القاعد في الظل بتوجيه اللوم والتقريع والتوبيخ والنقد إلى المتصدي لحمل المسؤولية والمتحرك وسط هذه الحالة المعقدة المحفوفة بالأخطاء والضغوط.

فهذا الذي نسمعه من عدد من الناس من الاعتراض على دعم المرجعية للعملية السياسية وانه ماذا جنينا منها وأننا سوف لا نشارك فيها حتى لو دعتنا

ص: 99

المرجعية إلى المشاركة ليس رداً صحيحاً ولا يمكن تعميم فشل بعض المتصدين إلى فشل المشروع كله، بل علينا أن نعين المرجعية-بعد أن تحرينا فيها شروط القيادة الصالحة-وندعم جهودها في رفد العملية السياسية بالأصلح والأكفأ ولتشترك الأمة مع مرجعيتها في تحمل هذه الأمانة الثقيلة.وخذوا درساً من سيرة الرسول الكريم موسى بن عمران (ع) إذ انه سمح لسحرة فرعون أن يلقوا هم أولا ما هم ملقون لأنه لا يخشى ما عندهم وهو واثق من نفسه ونصر الله تبارك وتعالى له فلما ألقوا عصيّهم سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم، ولكن الرسول الكريم ألقى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون وهناك خر السحرة ساجدين لرب موسى وهارون.

وأنتم أيها الرساليون دعوا الآخرين يلقون بمشاريعهم وإيديولوجياتهم وأعطوهم الفرصة الكاملة لممارسة دورهم، ولا تخشوا ولا تخافوا فوت الفرصة فإن عندكم مشروعاً عظيماً متكاملاً ستقتنع الأمة به وتتبعه بمجرد أن تعرضوه عليها، بعد أن تجرب بنفسها ضعف وخواء وسوء تلك المشاريع والتجارب، وإنما يتحقق لكم ذلك باتباعكم المرجعية الرشيدة التي تتصف بالشروط التي وضعها الأئمة المعصومون ع.

محمد اليعقوبي

26 جمادى الأولى 1426

ص: 100

خطاب المرحلة 85 :شُ-ق-ّوا أمواج الفتن بسفن النجاة

خطاب المرحلة 85 :شُ-ق-ّوا أمواج الفتن بسفن النجاة(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تبارك وتعالى في بداية سورة العنكبوت [أحَسِبَ الناسُ أنْ يُترَكُوا أنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنّا الذِينَ مِنْ قَبلِهِمْ فلَ-يعلَم-َنَّ اللهُ الذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعلَمَنَّ الكَاذِبِينَ] (العتكبوت: 2-3). فسُنة الامتحان والابتلاء والاختبار جارية في عباد الله لتظهر استحقاقاتهم وهو مقتضى العدالة وبدونها لا يمكن تكريم محسنٍ ولا معاقبة مسيء ويكون من الظلم تقديم أحد على أحد كتقييم الطلبة في المدارس والجامعات.

وتتفاوت الامتحانات شدةً وضعفاً بحسب استعداد الشخص وقابليته ليستحق النتائج بجدارة، وقد مرّت الأمم السابقة ببلاءات عسيرة كانت فيها قلوب الصفوة من المؤمنين تتزلزل فضلاً عن عامة الناس، قال تعالى [أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ

ص: 101


1- هذه خلاصات لبعض الأفكار التي وردت في أحاديث سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع تجمعات الوفود التي زارته من عدة مدن عراقية من بينها الديوانية وناحية الإمام في الحلة وناحية الفجر في الناصرية وناحية العزيزية في الكوت يومي 29-30 ج1 1426 المصادف 6-7/7/ 2005.

قَرِيبٌ] (البقرة:214) وليس من الضروري أن يكون هذا النصر القريب هو بانفتاح الدنيا عليه وتنعّمه بالخيرات وتسلّمه لمواقع السلطة؛ لأن النصر الحقيقي والأكبر هو على النفس الأمارة بالسوء والتحرر من الانصياع لأهوائها ومطامعها والنصر على غواية الشيطان وعدم الاستجابة لإغراءاته، فهذا هو الميدان الأول للنصر والهزيمة وعليه يتفرع النصر والهزيمة في الميدان الخارجي، وما هذه المظالم التي تحصل بين البشر إلا نتيجة الهزيمة في ذلك الصراع، كما أن البشرية لا تنعم بالسلام والخير والسعادة إلا إذا انتصرت على أهوائها ونزعاتها وملكت زمامها وضبطتها بميزان العدل والحكمة.إذن فهذه البلاءات والفتن التي تمر بها امتنا اليوم ليست حالة فريدة ولا شاذة، بل هو امتداد طبيعي لتلك السنة الإلهية العادلة، ولم يغفل التخطيط الإلهي للبشرية هذه الحالة بل وضع لهم معالم طريق النجاة من الفتن بالتمسك بحبل الله الممدود لإنقاذ البشر من التخبط والانحراف والضلال والضياع والتمزق.

ويتمثل حبل الإنقاذ هذا بكتاب الله وعترة نبيّه (صلی الله علیه و آله) الذين ينقلون بأمانة وتفصيل سنة جدّهم الكريم (صلی الله علیه و آله) حيث قال (صلی الله علیه و آله) "إني تاركٌ فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً.

ونبّه (صلی الله علیه و آله) أمته في بعض خطبه بأن الفتن جاءتكم كقطع الليل المظلم وحذرهم من الوقوع فيها كما قال الله تعالى من قبل [وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أو قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ] (آل عمران:144)، وأرشد الأمة إلى أن نجاتها تكون باتباع قادتها الحقيقيين فهم سفن النجاة (شقوا أمواج

ص: 102

الفتن بسفن النجاة)، فهي ليست فتنة واحدة وإنما فتن كثيرة وهي كالأمواج متلاحقة لا تنتهي واحدة حتى تلحقها أخرى ولا تتخلص من واحدة حتى تأتي أكبر منها كما هي طبيعة الأمواج. وقد أدى الأئمة دورهم في هداية الأمة وصيانة عقيدتها وأخلاقها من الانحراف، ودافعوا عن دولة الإسلام وضحوا في سبيل الله والمستضعفين من الناس وأرشدوهم إلى ما يصلح حالهم.

وبعد انتهاء عصر القيادة الظاهرة للأئمة جاء دور العلماء المجتهدين الجامعين لصفات وخصائص هذا الموقع الشريف، ليكونوا سفن النجاة بأمر من الأئمة حيث وصفوا العلماء بأنهم (أمناء الرسل وحصون الإسلام) فهم الأمناء على مسؤوليات الرسل، والأولى باستحقاقاتهم وجعلوا قولهم حجة على الناس جميعاً (هؤلاء حجتي عليكم وأنا حجة الله والرادّ عليهم كالراد علينا).

وقد ورد تسمية مثل هؤلاء الفقهاء الأمناء سفن نجاة في الرواية التالية، فقد كان زرارة بن أعين من أعظم الفقهاء الذين رباهم الإمامان الباقر والصادق (علیها السلام) وأوسع الأوعية لحمل علمهما، ومع ذلك فقد صدرت من الإمام الصادق (علیه السلام) كلمات ذم في حق زرارة لم يفهم فلسفتها الكثيرون، وقد شرح الإمام الصادق (علیه السلام) ذلك بما روي عن عبد الله بن زرارة قال: قال لي أبو عبد الله (الصادق) ع: اقرأ مني على والدك السلام وقل له: إني إنما أعيبك دفاعاً مني عنك فإن الناس والعدو يسارعون إلى كل من قربناه وحمدنا مكانه لإدخال الأذى في من نحبُّ-ُه ونقرّب-ُه ويرمونه لمحبتنا له وقربه ودنوه منا، ويرون إدخال الأذى عليه وقتله، ويحمدون كلَّ من عبناه نحن فإنما أعيبك لأنك رجلٌ

ص: 103

اشتهرت بنا وبميلك إلينا وأنت في ذلك مذموم عند الناس غير محمود الأثر بمودّتك لنا ولميلك إلينا، فأحببت أن أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك ونقصك ويكون بذلك منا دافع شرهم عنك. يقول الله عز وجل [أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً] (الكهف:79) هذا التنزيل من عند الله صالحة لا والله ما عابها إلا لكي تسلم من الملك، ولا تعطب على يديه ولقد كانت صالحة ليس للعيب فيها مساغ والحمد لله، فافهم المثل يرحمك الله، فإنك والله أحبُّ الناس إليَّ وأحب أصحاب أبي حياً وميتاً. فإنك أفضل سفن ذلك البحر القمقام الزاخر، وإن من ورائك ملكاً ظلوماً غصوباً يرقب عبور كل سفينةٍ صالحة ترد من بحر الهدى ليأخذها غصباً ثم يغصبها وأهلها ورحمة الله عليك حياً ورحمته ورضوانه عليك ميتاً)(1). فإذا تاهت الأمة واضطربت وتخبطت وتمزقت فبسبب تخلّفها عن تعاليم قيادتها الرشيدة، وإلا فإن التخطيط الإلهي لم يغفل معالم طريق النجاة وقد تحصّل أن على الأمة مرحلتين من التكاليف أمام قيادتها:

الأولى: الفحص عن القائد الذي تجتمع فيه الصفات والخصائص التي اشترطها المعصومون (علیهم السلام) من الاجتهاد، والعدالة، والترفّع عن الدنيا والأنانية والاستئثار، وأن يستشعر حب الناس جميعاً والشفقة عليهم، وأن يكون واعياً ومحيطاً بقضايا الأمة وبصيراً بما يكتنفها، وقادراً على تشخيص العلل ووضع الحلول والعلاجات المناسبة لها، وقد أشرنا إلى ذلك في كلمات سابقة أكثر

ص: 104


1- معجم رجال الحديث: 7/ 227.

تفصيلاً، فإذا وجدت الأمة مثل هذا الشخص عليها أن تبقى مراقبة له لئلا يزلَّ وينحرف والعياذ بالله.الثانية: وهي الطاعة والتسليم والنصيحة وبذل النصرة وعدم التقصير.

وهذا هو ما نقصده بالتقليد الواعي أي عدم الارتباط بالأشخاص وتقديسهم وإنما الذوبان في المبدأ ونرتبط بالشخص بمقدار تجسيده لتلك المبادئ مهما كان أصله وانتماؤه، ولا نقصد بالتقليد الواعي ما أسميه بالانتقائية أي الالتزام بما يعجبه من أوامر قيادته ومخالفة ما لا يعجبه، فهذا عين الانحراف والضياع وإذا كان عنده شيء يريد أن يقدّمه فإن أعظم هدية هي النصيحة، أما أن يجعل نفسه قيّماً على مواقف المرجعية فيحكم على بعضها بالصحة وعلى بعضها الآخر بالبطلان فهذا من خطل التفكير؛ لأن أي فرد لا يملك قدرة المرجع على استنباط الحكم من مصادر الشريعة وهي الكتاب والسنة، وتجتمع لدى المرجع خبرات عديدة ومستشارون متنوعون وعيون ترصد جميع مساحة العمل أما هذا الفرد وذاك فهو محدود من هذه الجهات.

فالشذوذ عن خط المرجعية هو الخطأ الأكبر حتى لو تصورنا أن موقف المرجعية كان غير صائب لعدم ادّعاء العصمة، وعلى هذا ربّانا الأئمة المعصومون (علیهم السلام)، فلا يجوز لأي فرد من الأمة أن يحكّم مزاجه وأهواءه ويخضع لإسقاطاته النفسية.

فالمسؤوليات والحقوق والواجبات متبادلة بين القيادة والأمة، ويوجد تلازم بينها ولا تأخذ إلا بمقدار ما تعطي ونرفض أن تركّز القيادة على جانب الامتيازات فتتحدث عن وجوب الطاعة والانقياد وتترك جانب الواجبات

ص: 105

والاستحقاقات والعطاء للأمة مما تقدم ذكره، فإن هذا عين التطفيف في المعايير الذي قال عنه تعالى [وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ، الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ، وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ] (المطففين: 1-3)، فإن هذه الحالة غير مختصة بميزان البيع والشراء بل تشمل كل التعاملات، فالأب الذي لا يقوم بواجباته تجاه أسرته ويطالبهم باستحقاقات الأبوّة هو من المطففين، والمسؤول الذي يتنعم بامتيازات موقعه ولا يقدم الخدمات المطلوبة منه للمجتمع هو من المطففين، والدول التي تتعامل بمكيالين في علاقاتها مع الدول الأخرى هي من المطففين.وبالأمس سمعتم بالضجّ-ة التي قامت ولم تقعد بسبب ما أعلن عن قتل الإرهابيين للسفير المصري المختطف(1) فالقيادات السياسية تندد وتستنكر والمراجع الدينية تحرّم وتدعو بالويل والثبور على القتلة، ونحن نتفق معهم أن سفك الدم الحرام من أعظم الجرائم، لكن لماذا لا يحصل مثل هذا الاستنكار والتحريم عندما يسفك الدم العراقي البريء يومياً بالعشرات، فهذا من التطفيف المذموم عند الله تبارك وتعالى وعند العقلاء.

وعوداً على بدء نكرر أن سفن النجاة من الفتن هم العلماء المجتهدون الجامعون لصفات ومميزات القيادة، والتي قسمناها في بعض كلماتنا إلى ثابتة

ص: 106


1- اختطف السفير المصري في بغداد يوم 29 ج1 وأعلن تنظيم القاعدة انه سيقتله لارتداده حيث كان سفير مصر لدى الكيان الصهيوني ونفذّ حكم الإعدام فيه فقوبل باستنكار عربي واسع وصدرت فتاوى من العلماء وبينهم الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية تحرم قتل المسلمين ويدافع عن عمله لدى الكيان الصهيوني بأنه يمثل بلده وليس ارتداداً.

ومتحركة وأشرنا باختصار إليها أعلاه، وهم الذين يحددون للأمة المواقف والتصرفات الصحيحة إزاء الفتن والقضايا التي تتعرض لها، فقد يكون تكليف البعض الانزواء والسكون، وقد يكون تكليف البعض الاقتحام والمواجهة بكل أشكال المواجهة أو بعضها. وفي ضوء هذا يجب أن نفهم الأحاديث الشريفة مثل قول الإمام (كن في الفتنة كابن اللبون لا ظهر فيركب ولا ضرع فيحلب) لأنه لو كان تكليف الجميع هو الانزواء والانعزال فمن الذي سيرد على هذه الشبهات ويرد كيد المضلّين ويحمي الأمة من الضياع والتخبط، وهي وظيفة العلماء والرساليين الذين حصّنوا أنفسهم وسلحوا عقولهم بالعلم وقلوبهم بالمعرفة، أما من لا يمتلك الحصانة الكافية فإن عليه أن يحفظ نفسه ودينه بالسكون والانعزال إزاء الفتن.

فلا يوجد تعميم في مثل هذه الأحاديث الشريفة وإنما نفهم منها تكاليف لحالات خاصة، كما عرضنا وجهاً من عدة وجوه لفهم كلمات أمير المؤمنين (علیه السلام) في المرأة، بأنه (علیه السلام) تعرض من بعض النساء لمواقف مذمومة مزقت الأمة وأزهقت أرواح الآلاف من المسلمين فصدرت منه كلمات منسوبة إليه في حق المرأة وقلنا في ذلك الوجه أننا لا نفهم من (ال-) التعريف إنها للجنس ليشمل الذم كل النساء، وإنما هي (ال-) العهدية أي التي تشير إلى امرأة معهودة معروفة لدى المتكلم والسامع.

ص: 107

خطاب المرحلة 86 :قصم ظهري رجلان

اشارة

خطاب المرحلة 86 :قصم ظهري رجلان(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

بالرغم من أن أمير المؤمنين (علیه السلام) تعرض لمحن وكوارث عديدة كان منها خروج الرموز الاجتماعية الكبيرة المنتسبة إلى رسول الله (صلی الله علیه و آله) في معركة الجمل، واستطاعوا بذلك اقتطاع شريحة كبيرة من الأمة، ثم تمرد معاوية وممارسته للتظليل بخبث ومكر، ثم فتنة التشكيك التي وقع فيها الخوارج وارتكبوا أفظع الجرائم حيث قتلوا عبد الله ابن الصحابي الجليل خبّاب بن الأرت وقتلوا زوجته الحامل وبقروا بطنها واستخرجوا جنينها فقتلوه.

وكل ذلك كلف الأمة عشرات الآلاف من الضحايا الذين كانوا يمكن أن يكونوا قوة عظيمة للإسلام، ولمشروع أمير المؤمنين الإصلاحي وقد تفتّت لذلك قلبه الشريف وذاب، حتى صار يتمنى الموت ومع ذلك لم يعبّر عن شيء منها كما عبّر في حديثه الشريف: (قصم ظهري رجلان عالم متهتك وجاهل متنسك)، وهو (ع) حينما يقول (رجلان) يقصد تيارين في المجتمع يمثلهما هذان العنوانان، وهما العلم الذي يكون خاضعاً للنفس الأمارة بالسوء وعدم

ص: 108


1- من حديث سماحة الشيخ مع وفد ناحية الإصلاح وأور في محافظة ذي قار ومنطقة معمل الورق في البصرة يوم 8 / ج2 / 1426 المصادف 15/ 7/ 2005.

تربيتها التربية الصالحة والانسياق وراء شهواتها والثاني هو الجهل والسذاجة والتخلف المتلبس بلباس الدين فتنعدم عند كليهما القدرة على اتخاذ الموقف الصحيح لأنهما يفتقدان البصيرة التي تدلهما على الهدى، فيضِلان، ويُضلان معهما أمة كبيرة تُخدَع بعلم الأول الذي يراد به غير الله تعالى، وبتنسك الثاني الممزوج بالجهل والحماقة.وهاتان الظاهرتان هما سبب ضعف الأمة وتمزقها وتمكن الأعداء الخارجيين وسيطرتهم على الأمة، ويساهم هذان الرجلان في إبعاد الأمة عن مسيرتها الصحيحة وقيادتها الحقيقية ويضللان الناس.

أما الأول فبعمله الذي لم يوظفه للهدى والصلاح، والثاني بنسكه الظاهر وتقدسه الفارغ من الوعي والبصيرة والحكمة، وشواهد هذين التيارين كثيرة عبر التأريخ. وهذا ما تعيشه الأمة إلى اليوم، فكيف سنستطيع مواجهة الأعداء الخارجيين ونحن نختزن هذين المرضين اللذين ينخران في جسد الأمة حتى يقضيا عليها ويجعلاها فريسة للطامعين.

وقد نبّه الله تبارك وتعالى عباده إلى هذين الخطرين ووضع لهما العلاجات التفصيلية، فحثّ على التعلم والتدبر والتفكر والحوار والجدال بالتي هي أحسن، واتباع العلماء ونبذ الجهل والتقليد الأعمى للآباء والموروثات الاجتماعية والتعصب للرأي، وكذا فعل الأئمة المعصومون (علیهم السلام) في المئات من الأحاديث الشريفة.

ودعا الله تبارك وتعالى كثيراً إلى مخالفة النفس والهوى وعدم الانصياع لغوايتها وتزيين الشيطان، ومنها قوله تعالى: [فَأمَّا مَنْ طَغَى، وَآثَرَ الحَيَاةَ الدُنّيَا،

ص: 109

فَإنَّ الجَحِيمَ هِيَ المَأوَى، وَأمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَفْسَ عَنِ الهَوَى، فِإنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأوَى] (النازعات: 37-41). وقد فهم الأخلاقيون من الآية الشريفة عدم اتباع هوى النفس وما تشتهيه حتى في الأمور المحللة إذا وجد شيئاً أفضل منها، فمثلاً حينما يريد الإنسان أن يستريح من حرّ الصيف والانقطاع الطويل للكهرباء وصعوبة الحياة فيسافر إلى أوربا أو الدول المجاورة لقضاء فصل الصيف، فإنه لم يفعل محرماً ولكن ألم يكن الأجدر به أن يواسي أهله وإخوانه ويشاركهم صعوبة الحياة وينفق هذه الملايين في قضاء حاجة مؤمن أو تزويج شباب يعانون من الكبت الجنسي، أو يعالج مريضا يشكو من حالة مستعصية ولا يجد ثمناً للعلاج، فهذه مرحلة أرقى من درجات نهي النفس عن الهوى تزيد العبد قرباً إلى الله تبارك وتعالى.

يروي لنا التأريخ عن عبد الله بن المبارك أنه كان يحج سنة ويتصدق سنة، وفي السنة التي قرر فيها الحج المستحب طبعا وأخذ بالاستعداد له كان يسير في إحدى الطرقات، فرأى امرأة رثّة الثياب جالسة قرب موضع رمي النفايات وهي تنتف ريش دجاجة ميتة فاستوقفه الحال وسألها عن السبب فأعرضت عن الجواب وقالت: أمضِ لسبيلك يا رجل، فإن أمرنا لا يهمّك وأصرّ على استماع جوابها فقالت: اعلم يا رجل أنني امرأة علوية ولي بنات علويات لا نجد قوتاً من أيام، وقد حلّ لنا أكل الميتة فاهتز قلب ابن المبارك ألماً، وشفقة ورحمة وأعطاها المال الذي ادخره للحج ولم يذهب، وبعد انتهاء الموسم ومجيء الحجاج كان الناس يفدون عليه للتهنئة بالسلامة والدعاء بقبول الأعمال والمناسك، ولم ينفع معهم إقامة الشواهد على أنه لم يكن في الموسم؛ لأنهم

ص: 110

أجمعوا على رؤيته هناك في جميع المشاعر المقدسة، فأفادت الروايات أن الله تبارك وتعالى بعث ملكاً على صورة ابن المبارك ليؤدي المناسك ويهب ثوابها إلى ذلك الرجل الذي تنازل عن رغبته النفسية بالحج رغم استحبابها العظيم، وساعد أسرة علوية محتاجة بالمبلغ المخصص لتلك العبادة. فحصل على ثواب الحج إضافة إلى ثواب إنقاذ تلك الأسرة المؤمنة.فعلى الأمة أن تلتفت إلى هذين العدوين الكامنين في داخلها، وهما اتباع الهوى وقلّة الوعي، وإلا فإن الأمة سوف لا تهتدي إلى طريقها ولا تتعرف على قيادتها الحقيقية التي تريد لها الخير والتي وصفتهم الأحاديث الشريفة بأنهم سفن النجاة.

محمد اليعقوبي

8 ج2 1426 ه- الموافق 15/ 7/ 2005 م

ص: 111

شقشقة أبناء الوسط والجنوب هدرت ولم تقر

شقشقة أبناء الوسط والجنوب هدرت ولم تقر(1)

استقبل سماحة الشيخ (دام ظله) يوم الخميس 14 جمادى الثانية وفداً ضم عدداً من رؤساء العشائر في الأهوار وآخر ضم العشرات من أبناء مواكب عشّاق الحسين (علیه السلام) في الناصرية، وتحدثا عن المظالم والحرمان والفقر الذي يعيشه الناس في مدن الجنوب مما يقرّح القلوب ومما ينطبق عليه مقولة أمير المؤمنين (علیه السلام) حينما كانت تأتيه أنباء غارات أصحاب معاوية على أطراف العراق والحجاز واليمن فيقتلون ويسلبون فقال (علیه السلام): (والله لو أن امرءاً مؤمناً –ويقصد به نفسه الشريفة- مات من هذا أسفاً لما كان عندي ملوماً ولكان به جديراً). وقال المتحدث في نهاية كلامه (إن هذه شِقشقة هدرت ثم قرّت) متمثلاً بكلام أمير المؤمنين في الخطبة الشقشقية.

فبدأ سماحة الشيخ حديثه بالتعليق على هذه الفقرة فقال أن شقشقتكم هذه حينما هدرت يجب أن لا تقر حتى ترفعوا الظلم والحيف والحرمان عنكم وتستنقذوا حقوقكم خصوصاً وأنكم موكب عشّاق الحسين، والحسين (علیه السلام) لم يقرّ له قرار حتى انتصف من عدوه وكشف زيفه وأظهر للأمة ضعفها وتقاعسها، وعدم صدقها مع الله تعالى حتى أسلمت قيادها ليزيد وأمثاله.

وكذا أمير المؤمنين قرّت شقشقته ببيان حقه المسلوب والظلم الذي تعرّض

ص: 112


1- نشرت على الصفحة الأولى من العدد (28) من الصادقين الصادر بتأريخ 21 جمادى الآخرة 1426 الموافق 28 تموز 2005.

له وإقامة الحجج على إمامته.ونحن لم نستحصل حقوقنا ولم ننتصف من أعدائنا ولم نحمي حرماتنا ودماءنا وثرواتنا حتى تقر شقشقتنا، وعلى سبيل المثال انظر إلى حال أهلنا في الأهوار قلعة الجهاد وحاضنة المجاهدين والشوكة في عين الطاغية صدام حتى جففها وقصف بيوتها البسيطة بالطائرات وأباد أهلها، تعاني اليوم الحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية ولم يعودوا يطالبون اليوم بكهرباء ولا بتعبيد طرق ولا خدمات بلدية وإنما يريدون إنقاذهم من البعوض الذي أثّر في أجساد الرجال الأشداء – بحسب ما رأيته بعيني- فكيف حال النساء والأطفال، فهل تتحرك ضمائر المسؤولين المحليين وأعضاء الحكومة وهل بقيت رحمة في قلب أحد منهم فكيف تقرّ الشقشقة بعد هذا كله.

ص: 113

المرجعية الرشيدة تثني على إضراب القطاع النفطي في البصرة

المرجعية الرشيدة تثني على إضراب القطاع النفطي في البصرة(1)

أثنى سماحة الشيخ على استجابة (15) ألف من موظفي القطاع النفطي في محافظة البصرة لنداء المرجعية الرشيدة للإضراب يوماً واحداً في 10/ ج2/1426 بما فيه تصدير النفط؛ حزناً على أرواح الأبرياء في المسيب(2) وغيرها وعشرات الأطفال في بغداد الجديدة، وللضغط على الحكومة حتى تقتص من القتلة الذين اعترفوا وأقرّوا على أنفسهم من على شاشات التلفزيون بقتلهم عشرات الأبرياء وقد قال تعالى: [وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الألْبَابِ] (البقرة:179) وهو مبدأ عقلائي أطبق عليه العقلاء فإن من يريد قتل الحياة من غير ذنب لا دواء له إلا الاستئصال، وهذا الموقف الضعيف من الحكومة هو أحد أسباب تمادي الإرهابيين في غيّهم وعدوانهم على الشعب، وقد كان العذر أقبح من الفعل حيث قيل إن أحكام الإعدام لا تقرّها محكمة الاستئناف لأن قضاتها من الصداميين، إذن لماذا يوجد الصداميون إلى الآن في مثل هذه المواقع المهمة؟.

وأبدى سماحته استغرابه من امتعاض وزير النفط من الإضراب ومطالبته

ص: 114


1- نُشر هذا البيان في صحيفة الصادقين العدد (28) أيضاً.
2- فجّر انتحاري صهريج وقود قرب حسينية وسط مدينة المسيب يوم السبت 9/ج2/ 1426 الموافق 16/ 7/ 2005 وقد بلغ عدد الضحايا (100) والجرحى (150).

بعدم إيقاف التصدير؛ لأنه حرمان للشعب من ثروته الوطنية! ولا أدري ماذا استفاد الشعب في وسط وجنوب العراق من هذه الثروات التي تجري من تحت قدميه لتسرق تحت عناوين العقود الوهمية ويبقى هو يعيش الفقر والحرمان من أبسط حقوقه المعاشية، ثم هل النفط فقط ثروة وطنية أليس الإنسان خصوصاً الطفولة البريئة هي الثروة الأكبر فكيف لا تستحق التكريم والاهتمام ورد الاعتبار؟ وقد حقق الإضراب عدة ثمرات حيث أعلن قاضي التحقيق في محاكمة صدام انتهاء التحقيق وإحالته وعدد من أعوانه للمحاكمة وفصل مدير إدارة المحكمة الخاصة وآخرين منها بقانون الاجتثاث.

وذكّ-ر المضربون أعضاء الجمعية الوطنية بهؤلاء الأبرياء فقررت توقف كل نشاطات الدولة ثلاث دقائق صمت حداداً على ضحايا هذه الجرائم.

كما أن مطالبة المضربين بالتوزيع العادل للثروة ومنح محافظات الوسط والجنوب استحقاقاتها من عائدات البلاد دفعت الحكومة إلى التفكير الجدي في الأمر لاتخاذ الخطوات المناسبة.

ص: 115

الوضع الأمني والفيدرالية

الوضع الأمني والفيدرالية(1)

الأحد 9/ج2 استقبل(2) سماحة الشيخ دام ظله السيد نائب رئيس الجمهورية الدكتور عادل عبد المهدي (1) ودار الحديث حول محورين:

الأول: الوضع الأمني حيث تتواصل العمليات الإجرامية ضد أبناء الشعب، ويطالب سماحته الحكومة باستمرار بتقديم جدول زمني لبناء قوى مسلحة عراقية عدّةً وعدداً قادرة على القضاء على القتلة والمجرمين والمخربين ومثيري الرعب في قلوب الناس، ولسحب مبررات وجود القوات الأجنبية على أرض العراق الحبيب.

وإلى متى يبقى هؤلاء المفسدون ينفذون جرائمهم من قتل واختطاف في وضح النهار ويعودون إلى أوكارهم الشيطانية من دون أن يتعرض لهم أحد، وقد مرت أكثر من سنتين على سقوط الصنم وما زال الحديث عن عدم قدرة القوات المسلحة العراقية على حفظ الأمن فمتى تتحقق هذه القدرة؟

الثاني: الفيدرالية حيث أكّد سماحته على أن فدرالية الأقاليم ليست مطلباً لنا الآن وإنما يمكن أن تكون علاجاً لوضع معين غير قائم الآن، لذا فإننا نرى أن تكتب مادة في الدستور تعطي الحق لمحافظتين أو أكثر بتشكيل إقليم بعد

ص: 116


1- نشر في صحيفة الصادقين العدد (28).
2- وحضر اللقاء الأستاذ الدكتور نديم الجابري الأمين العام لحزب الفضيلة الإسلامي والعلامة السيد عمار الحكيم الأمين العام لمؤسسة شهيد المحراب والحاج أسعد أبو كلل محافظ النجف.

موافقة أغلبية السكان، ولكن من دون تفعيل هذه المادة الآن وإنما تبقي الباب مفتوحاً لها عند الحاجة. وذكر سماحته أن الضعف في أداء الحكومات المحلية وعجزها عن تنفيذ المشاريع الخدمية للناس يعود في بعض أسبابه إلى التكبيل الذي تمارسه الحكومة المركزية وعدم الإرادة الجدّيّة في تفعيل دور تلك الحكومات وإعطائها الصلاحيات والتمويل اللازم، فتذوب كل المشاريع وتندثر ويبقى الوضع السيئ قائماً، فتحسين الوضع حالياً لا يكون بتأسيس الأقاليم وإنما في عمل الحكومة المركزية بصدق على تنفيذ قانون الإدارة اللامركزية الذي يحدّد صلاحيات المركز ويُبقي كل الشؤون الأخرى بيد إدارة المحافظة، أما الوضع القائم فهو ظالم وغير منصف، فهل من المعقول أننا لا نستطيع أن نعطي قطعة أرض لعائلة شهيد أو مؤسسة دينية إلا بموافقة وزيرة البلديات الكردية في حين لا يحق للحكومة المركزية أن تتدخل قيد شعرة في كل تفاصيل المنطقة الكردية؟

ص: 117

نشر الوعي الإسلامي في المناطق الريفية والعشائرية

نشر الوعي الإسلامي في المناطق الريفية والعشائرية(1)

الثلاثاء 5/ج2: استقبل سماحة الشيخ عدداً من أعضاء رابطة أبناء الريف الثقافية إحدى تشكيلات حزب الفضيلة الإسلامي في السماوة وتضم شباباً وفتياناً بمختلف الأعمار وهي تعنى بنشر الثقافة الإسلامية والوعي السياسي في المناطق الريفية، وحثّهم سماحته على هذا التوجه والتوسع فيه لإنقاذ المجتمع الريفي والعشائري من التخلف والجهل والخضوع للتقاليد البالية مما جعلته بعيداً عن ركب الحضارة، وقد كرّست أنظمة الحكم الظالمة هذا الواقع المزري. ولكن ببركة نشاط فضلاء الحوزة العلمية والمثقفين والشباب الرساليين واهتمام المرجعية الرشيدة بإنشاء المشاريع العلمية والفكرية والاجتماعية والدينية لهذه الشريحة بدأت حالة الوعي والنضج والمشاركة الفاعلة في تقرير مصير الأمة بالنمو والازدهار.

وقال لهم سماحة الشيخ: إنكم حتى ولو بدأتم بتثقيف عشرة فإن كل واحد منهم سيعلّم عشرة وهكذا تنتشر هذه الشبكة المعطاء والشجرة المثمرة، وانظروا إلى ما فعله رسول الله (صلی الله علیه و آله) حينما أسر سبعين من مشركي قريش في بدر وكان يمكنه أن يطلب فدية ضخمة منهم وهم من التجار الأثرياء والمسلمون في فقر مدقع حيث كان غاية أحدهم تميرات يسد بها رمقه بينما كانت قريش مترفة ثريّة ترفل بالنعم، ومع ذلك فإنه (صلی الله علیه و آله) قال للأسرى: من كان منكم

ص: 118


1- نشرت في العدد (28) من صحيفة الصادقين أيضاً.

يعرف القراءة والكتابة فليعلّم عشرة من المسلمين مقابل إطلاق سراحه، وبذلك استفاد (صلی الله علیه و آله) من هذه الميزة الحضارية الموجودة لدى أهل مكة نتيجة تلاقحهم مع الحضارات الأخرى في اليمن والشام وبلاد فارس حيث كانوا يمثلون مفصلاً تجارياً مهماً، وبدأ كل واحد من المسلمين المتعلمين يعلّم غيره حتى صار عند النبي (صلی الله علیه و آله) عدد معتد به من كتّاب الوحي والمعلمين.ثم خص سماحته بعض الفتية دون سنّ البلوغ من الوفد وقال لهم: أريد منكم أن تلتقطوا ما يقوله معلموكم ثم تنقلونه إلى آبائكم وأمهاتكم وأخواتكم؛ ليستفيدوا منه، فتشرحوا لهم أحكام الوضوء والصلاة والتقليد وغيرها؛ لأنهم قد لا يتسنى لهم فرصة الدراسة والحضور في هذه المشاريع المباركة.

ص: 119

ضعف الحركة الإسلامية في الحلة وكيفية النهوض بها

ضعف الحركة الإسلامية في الحلة وكيفية النهوض بها(1)

السبت 9/ج2: عبّر سماحة الشيخ عن قلقه لضعف الحركة الإسلامية في مدينة الحلة رغم أهميتها كونها البوّابة التي تنفتح على المدن المقدسة كربلاء والنجف ومدن الفرات الأوسط وهي حلقة الوصل بالعاصمة، كما تنتشر فيها التوجهات العلمانية وكانت حاضنة لرموز التيارات المعادية للإسلام، وإضافة إلى ذلك فهي مطمع القوى الاستكبارية وتمتد إليها مطامع الصهاينة وفيها مهد الحضارات ومشاهد الأنبياء والأئمة والعلماء والصالحين، ورغم كل هذه الأهمية وهذه الأخطار المحدقة إلا أن العمل الإسلامي فيها ضعيف يكاد يلحق بالعدم قياساً إلى ما هو مطلوب منها، صحيحٌ أن أهلها ملتزمون بالدين وموالون للمرجعية وقد كانت لهم وقفة شجاعة في تلبية دعوة المشاركة إلا أن هذا غير كافٍ وسينهار لا سامح الله أمام ضغط تلك التيارات إذا لم يزدهر العمل الإسلامي وتتسع إطارات النشاطات الدينية ويزداد الهم الرسالي، وأعتقد أن للنساء دوراً مهماً في انطلاقة هذه الحركة المباركة لأني مطّلعٌ على عدد وفير من المؤمنات العاملات بإخلاص في ضواحي المدينة، ولهن القدرة الكاملة على تحريك المجتمع الحلي، فلا بد من وضع برامج عملية لانطلاقة هذه الحملة والارتقاء بمستوى العمل الإسلامي المبارك في الحلة.

ص: 120


1- من كلمة سماحة الشيخ مع ثلة من المؤمنات الرساليات في مدرسة الإمام المهدي في ناحية أبي غرق التابعة للحلة بإشراف جناب الشيخ صادق المعموري.

ما هي تقصيرات الحكومة التي أوجبت استياء المرجعية الشريفة والجماهير

ما هي تقصيرات الحكومة التي أوجبت استياء المرجعية الشريفة والجماهير(1)

السبت 23 / ج2: بيّن سماحة الشيخ للدكتور موفق الربيعي مستشار الأمن القومي في لقائه به عدة نقاط ضعف وتقصير في أداء الحكومة أدّت إلى استياء المرجعية الدينية وجماهير الشعب ونفور بعض من المتصدين للعملية السياسية، ومن تلك الموارد:

1- عدم الحزم في التعامل مع القتلة والمجرمين وأعداء الشعب الذين ولغوا في دماء الأبرياء ورتعوا في الجريمة بإقرارهم وبما لا يحتاج إلى دليل، فإلى الآن لم ينفذ حكم الإعدام فيهم رغم أنهم قتلة مفسدون وجزاءهم عند الله تعالى والعقلاء من الناس هو القصاص بمثل ما فعلوا.

2- تحزيب الوزارات وسائر أجهزة الدولة بحيث لم تعد الوزارات جهازاً وطنياً يعمل للعراق والعراقيين وإنما أصبحت ممالكاً للأحزاب التي تتولاها، وذابت الروح الوطنية وطغت عليها الروح الحزبية والفئوية وتبدلت المعايير من الكفاءة والإخلاص والنزاهة إلى الولاء للحزب والكيان.

3 – عدم الجدية في بناء الأجهزة الأمنية للدولة مما يطيل أمد الاحتلال ويكثر من سقوط الضحايا ويوسع مساحة عمل المجرمين، فالتجهيز غير كاف والاختراقات من الصداميين والمخربين ممتدة إلى أعلى المستويات والمخلصون مبعدون، فمتى سيحل الأمن والاستقرار والازدهار والاستقلال في

ص: 121


1- العدد 29 الصادر في 5 رجب 1426ه- المصادف 11 آب 2005م.

هذا البلد؟4 – عدم صرف المبالغ المخصصة للمحافظات من الميزانية مما عطل حركة الإعمار فيها وأقعدها عن تقديم أبسط الخدمات، مما ولد استياءً يكاد يصل حد الانفجار.

5 – الفساد المالي والإداري الضارب بأطنابه في كل مفاصل الدولة، مما يؤدي إلى تخريب واسع بكيانها أكثر مما يفعله الإرهابيون القتلة.

كما عرض سماحته بعض التعليقات على فقرات وردت في مسودة الدستور وأبدى مخاوفه من أن تكون ثغرات للنفوذ منها إلى سنّ قوانين مخالفة لمصالح الشعب العراقي وثوابته الدينية والأخلاقية والاجتماعية.

ص: 122

خطاب المرحلة 87 :ثقافة دستورية (الحلقة الأولى)

بسم الله الرحمن الرحيم

قسّمت لجنة صياغة الدستور فصوله على لجان: فواحدة للمبادئ الأساسية، وأخرى للحريات والحقوق العامة، وثالثة لمؤسسات الحكومة المركزية، ورابعة لمؤسسات حكومات المحافظات، وخامسة لاختصاصات كل منها، وسادسة للضمانات الدستورية، وسابعة للأحكام الختامية.

وتقوم هذه اللجان بإعداد مسودّة هذه الفصول وتبنّي الآراء المتوافقة. أما المختلفة فترفع إلى لجنة صياغة الدستور للبت فيها حيث تذكر فيها الخيارات المعروضة.

وقد عرضت على سماحة الشيخ (دام ظله) مسودات هذه الفصول، وكتب عليها عدة هوامش وتعليقات نذكر بعضها للاستفادة.

1- (السيادة للشعب وهو مصدر السلطات ويمارسها ويصونها بواسطة أنظمته الدستورية). ليس الشعب مصدراً لكل السلطات، فالسلطة التشريعية بمعنى مرجعية القوانين ليست له وإنما للإسلام. فلو أجمع البرلمان - من باب فرض المثال - على إباحة زواج المثليين أو تشريع العلاقات الجنسية خارج

ص: 123

العلاقة الزوجية، أو تسوية الولد والبنت بالميراث، أو إلغاء عقوبة الإعدام للقصاص من القتلة والمفسدين، فلا قيمة لهذا الإجماع.2- (الإسلام دين الدولة الرسمي ومصدر أساسي للتشريع، ولا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابته المجمع عليها، ولا مع مبادئ الديمقراطية والحقوق الواردة في الباب الثاني من هذا الدستور، ويحترم هذا الدستور الهوية الإسلامية لأغلبية الشعب العراقي، ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدستورية).

والتعليق هنا من جهتين:

أ- يجب رفع قيد (ثوابته المجمع عليها) لأن وجود هذا القيد يفتح مجالاً لسن قوانين مخالفة للشريعة من خلال تطويع الاختلافات الاجتهادية، ولو لم يرفع فلا ينبغي أن يكون مخلاً بالإطار العام للشريعة؛ لأن هذا الاختلافات مهما كثرت فتبقى صورة واضحة المعالم للمجتمع المسلم لا يمكن تشويهها لأن كل فقيه قد تكون نسبة الخطأ عنده (20)، فالمتلاعب بالأحكام يستطيع أن يأخذ من كل فقيه هذه ال- (20) الشاذة فيجمع نظاماً لا يمتّ إلى الإسلام بصلة، فلا بد من تعديل القيد إلى (المشهورة لدى الفقهاء) لكيلا تكون الآراء الشاذة منفذاً للتلاعب بالأحكام.

ب - إن إدخال جملة (ولا مع مبادئ الديمقراطية) في هذه الفقرة بالذات تثير شكوكاً ومخاوف من أن يكون المراد من ذكرها جعل هذه المبادئ حاكمة على التشريعات الإسلامية، بمعنى أن القانون المطابق للشريعة يمكن أن يلغى لأنه مخالف للديمقراطية من وجهة نظرهم.

ص: 124

وبتعبير آخر: أنه يعطي الفرصة لسنّ قوانين مخالفة للشريعة بالاستناد إلى هذا القيد باعتبارها من حرية الأفراد. فمثلاً لا نستطيع أن نمنع العري وممارسة الفاحشة علناً رغم أنها مخالفة للإسلام باعتبار أن المنع منها مخالف لمبادئ الديمقراطية. فلا بد أن تكون فقرة استناد التشريعات إلى الإسلام والمنع من سنّ أي قانون مخالف للثوابت المشهورة بين فقهاء المسلمين مطلقة وليست محكومة لأي فقرة أخرى.

3- في باب الحقوق والواجبات والحريات العامة والخاصة وردت المادة (5) ونصها: (يتمتع أولاد المرأة العراقية الجنسية العراقية وفقاً للقانون) وهي مرفوضة بإطلاقها ومخالفة لقوله تعالى: [ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ] (الأحزاب: 5)، فالذرية تنتسب - في سائر ألقابها وأسمائها - إلى الأب، وورد في الفقرة (7) ما نصه: (تمنح غير العراقية المتزوجة من العراقي الجنسية العراقية بعد مرور خمس سنوات من زواجها) وهو مما لا داعي له فإن العراقي له هوية خاصة من الانتماء الوطني والأعراف والتقاليد والأخلاق وهي لا تتحقق بمجرد السكن خمس سنين في العراق، ولسنا نحن كدول الغرب حتى نستنسخ قوانينهم في التجنّس فإنهم لا يمتلكون مثل تركيبتنا الاجتماعية وتماسكنا وعلاقاتنا الاجتماعية.

ويمكن التعويض عن الفقرتين (5) و (7) بمادة جامعة نعرضها كأطروحة (تمنح الجنسية العراقية لمن ولد في العراق وعاش فيه حتى سن الرشد وكان أحد والديه عراقياً والآخر قد سكن العراق خمس سنوات على الأقل قبل

ص: 125

الزواج).وورد في المادة (4) من نفس الباب: (يحق للعراقي أن يحمل أكثر من جنسية) فلابد أن تقتصر على العراقي الذي يعيش الانتماء للوطن، فنسمح له بحمل جنسية أخرى، ولا تشمل الذي يحمل جنسية أخرى ويعيش الولاء لها ثم يمنح الجنسية العراقية إما ابتداءً وفقاً لبعض المواد في الدستور أو إعادة بعد سحبها منه لسبب أو لآخر.

4- وورد في المادة العاشرة من نفس الباب، الفقرة (ب) ما نصّه: (الملكية الخاصة مصونة فلا يمنع أحد من التصرف في ملكه إلاّ في حدود القانون، ولا ينتزع عن أحد ملكه إلاّ لأغراض المنفعة العامة) وهذا مبرر غير كافٍ، فإن وجود منفعة عامة لا تبرر انتزاع الملك الشخصي إلاّ بإذنه. نعم، لو توقف دفع ضرر عام على ذلك جاز فلابد من تغيير الفقرة إلى (إلاّ لأغراض دفع الضرر العام) مع اشتراط التعويض العادل طبعاً كما نصّت الفقرة.

محمد اليعقوبي

15 ج2 1426 الموافق 22/ 7/ 2005

ص: 126

خطاب المرحلة 88 :السادة العلويون قوة وعزة للأمة

خطاب المرحلة 88 :السادة العلويون قوة وعزة للأمة(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

توجد في مدرسة أهل البيت (علیهم السلام) ولدى أتباعهم عناصر عديدة تشدّهم إلى الإسلام الأصيل وتحافظ على هويتهم وكيانهم وسلامة مسيرتهم رغم ما تعرضوا له من قتل وتشريد وسجن، ومنها وجود المرجعية الدينية وتراث ضخم من الروايات المأثورة عن المعصومين (علیهم السلام) في كل حقول الحاجة البشرية كالعقائد والأخلاق وأحكام الفرد والجماعة، ومنها وجود العتبات المقدسة بين ظهرانيّهم للأئمة الطاهرين ولأبنائهم البررة وأصحابهم النجباء، ومنها المنبر الحسيني الذي واصل ذكر مظلومية أهل البيت (علیهم السلام) وحقهم وساهم بشكل فعال في هداية الناس ووعظهم وإرشادهم.

وقد عمل الأئمة المعصومون على تنبيه أمتهم لهذه العناصر التي تحفظ كيانهم وهويتهم وأوصوا الأمة بالالتزام بها، ونستطيع أن نُفرد بحثاً كاملاً للروايات الواردة في كل منها ولكنها ليست محل البحث.

ومن عناصر قوة وعزة الأمة، وجود ذرية رسول الله (صلی الله علیه و آله) بين ظهرانيها،

ص: 127


1- كلمة سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي في المؤتمر الأول لنقابة السادة العلويين في النجف الأشرف يوم 20 جمادي الثانية المصادف 27/ 7/ 2005.

تلك الذرية التي تفرعت من الشجرة الطيبة علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء (علیها السلام)الذين جعل الله تبارك وتعالى أجر الرسالة مودتهم فقال عز من قال: [قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى] (الشورى:23). لقد وجه الأئمة شيعتهم إلى الاهتمام بذرية رسول الله (صلی الله علیه و آله) والاعتناء بشأنهم وتكريمهم، حتى ورد في بعض الأحاديث أن مجرد النظر إليهم عبادة، ولكنهم لم يغفلوا تنبيه نفس الذرية إلى أن يكونوا صالحين سائرين على نهج جدّهم الأكرم ص، ففي الرواية (عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا (علیه السلام) قال: النظر إلى ذريتنا عبادة. قلت: النظر إلى الأئمة منكم أو النظر إلى ذرية النبي (صلی الله علیه و آله)؟ فقال: بل النظر إلى جميع ذرية النبي (صلی الله علیه و آله) عبادة ما لم يفارقوا منهاجه ولم يتلوثوا بالمعاصي)(1).

أن ذرية رسول الله ص يتمتعون بمنزلة اجتماعية عظيمة لو استثمرت ووظفت لحركة الأمة نحو التغيير والإصلاح فإنها ستكون فاعلة جداً، ونحن نشاهد إن نزاعاً قبليا شرساً تعجز حتى الحكومة عن حله يمكن أن يحل بتوسط أحد السادة العلويين، وأن أموراً مستعصية في العلاقات الاجتماعية يمكن أن تنفرج بشفاعة ذرية الزهراء (علیها السلام) وغيرها من مظاهر هذه القوة، أما العزة فتظهر جلية حين يكون على رأس مجموعة أو وفد خصوصاً إذا كان يرتدي الزي الروحاني.

وقد عزز القرآن الكريم والسنة الشريفة هذه المكانة بآية المودة المتقدمة والروايات الكثيرة التي يمكن تحصيلها من مصادرها، ثم ضم الشارع المقدس

ص: 128


1- وسائل الشيعة: كتاب الحج، أبواب أحكام العشرة، باب 165، ح1.

إلى هذه القوة الروحية والاجتماعية قوة مالية حيث فرض لهم نصف الخمس الذي تجبيه قيادة المسلمين ومرجعيتهم، وهي مبالغ هائلة تبلغ المليارات سنوياً، فلا بد من الالتفات إلى هذه القوة وإثارتها واستثمارها وخصوصاً بانتمائهم إلى الحوزة العلمية الشريفة وتحصيلهم علوم أهل البيت (علیهم السلام).لقد التفت أعداء أهل البيت إلى هذه المكانة القدسية المؤثرة في حياة الأمة فخافوهم على دنياهم، واتبعوا عدة أساليب للتخلص من هذه القوة الرافضة للظلم والفساد والانحراف، ومن تلك الأساليب:

1- التصفية الجسدية بالقتل والسجن والإقامة الجبرية تحت مراقبة الجلاوزة، كل ذلك لقطع صلتهم بالأمة وحرمانها من توجيهاتهم وبركاتهم.

2- تضليل الأمة بأن أبناء فاطمة (علیها السلام) ليسوا ذرية لرسول الله (صلی الله علیه و آله) ولا يصح أن يقال لأحدهم يا ابن رسول الله لأنهم أبناء بنت وبنو البنت لا يعدون أولاداً. وقد وقف الأئمة وأتباعهم البررة بشدة في مواجهة هذه المؤامرات وقد ذكرنا تفاصيلها في كتاب (دور الأئمة في الحياة الإسلامية).

وقد صدّق الله نبيه إذ قال: (كل نسب وسبب مقطوع إلا نسبي وسببي) وها هي الذرية المباركة يبلغ عددها الملايين تنتشر في بقاع الأرض كالنجوم المتلألئة في سماء الشرف والعزة والكرامة والولاء للإسلام ولنبيه العظيم (صلی الله علیه و آله) ولآله الطيبين الطاهرين.

وما تأسيس نقابة السادة العلويين إلا خطوة على طريق تفعيل دور هذه الركيزة الأساسية في قوة وعزة الأمة، وامتثالاً لآية المودة وتقرباً إلى النبي الأكرم (صلی الله علیه و آله) وأمير المؤمنين والصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (علیها السلام) أدخلنا

ص: 129

الله وإياكم في شفاعتهم وحشرنا في زمرتهم إنه ولي النعم.ومن المؤسف(1) أن يلتفت أعداؤنا إلى عناصر قوتنا قبلنا، قبل سنتين أو أكثر بقليل تناقلت وسائل الإعلام نبأ عقد مؤتمر للأشراف في ايطاليا، وهذا المصطلح يطلق عند أبناء العامة على السادة العلويين من ذرية رسول الله (صلی الله علیه و آله)، وشارك فيه ممثلون عنهم من عدة دول في العالم وفي حينها قُدر عدد السادة المنتشرين في أرجاء الأرض كافة بثلاثين مليون شخص.

وهنا أقول من المؤسف حقاً أن يلتفت الأعداء إلى عناصر قوتنا ومنها وجود ذرية رسول الله (صلی الله علیه و آله) بما لهم من مكانة اجتماعية وقوة روحية ونحن غافلون عنها، والمفروض أن نلتفت نحن إليها ونستقرأها ونشخصها لكي نعززها ونرسخها ونستثمرها، أما الأعداء فالتفاتهم إليها يدعوهم إلى دراسة كيفية سلخنا من هذه القوة وحرماننا منها، أو على الأقل تمييعها وإضعافها وإفراغها من محتواها، وإذا استطاعوا تحويلها لحسابهم وتوجيهها لخدمة مصالحهم فهذه غاية المنى بالنسبة لهم.

وإذا كان الفرد الواحد من ذرية رسول الله (صلی الله علیه و آله) يمتلك ما اشرنا إليه سابقاً من قوة التأثير والنفوذ في المجتمع والقدرة على حل المشاكل والتوفيق بين الآراء وإيقاف الصراعات ونحوها، فكيف لو استثمر وجود كل هذه الملايين منهم المنتشرين في كل أرجاء المعمورة؟

ص: 130


1- من حديث سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع الأمانة المركزية لنقابة السادة العلويين في النجف الأشرف يوم 23 رجب 1426 ونشر في صحيفة الصادقين على الصفحة الثالثة من العدد (31) الصادر بتأريخ 11 شعبان 1426 المصادف 15 أيلول 2005.

من هنا كان إنشاء (نقابة السادة العلويين) ضرورياً لتفعيل هذا الدور وإبراز هذه القوة للأمة ورعايتها وتنميتها، وأنا لا أطالبها-وهي فتية في بداية تأسيسها-أن تقوم بكل المهام التي نتأملها منها، لكنها يمكن أن تبدأ بالمتيسر والضروري وهو رعاية فقراء السادة ومساعدتهم وتزويج شبابهم، ثم تؤدي خدمة أكبر وهي فضّ النزاعات وحل الخصومات بشفاعتهم وكذا التوسط في مشاريع الخير؛ لأن شفاعة السادة ووساطتهم مقبولة، ومن ثم يتوسع حتى إلى المشاركة السياسية والتأثير في الحياة العامة ومن أولى بهم في حمل رسالة جدهم المصطفى (صلی الله علیه و آله).وأنا متفائل بمستقبل هذه النقابة ليس على الصعيد الشيعي فقط ولا عموم المسلمين بل حتى عند غيرهم؛ لأن محبتهم ومودتهم أجر رسالة النبي (صلی الله علیه و آله) [قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى] (الشورى:23)، واستجابة دعوة جدهم إبراهيم الخليل (ع) [فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ] (إبراهيم:37)، فبمجرد أن يسمع العالم غير المسلم فضلاً عن المسلم أن هؤلاء يرتبطون بلُحمة النسب برسول الله (صلی الله علیه و آله) فإنه سيميل قلبه إليهم ويتأثر بهم.

ويوجد أكثر من شاهد على ذلك فيُروى أن سبايا الحسين (علیه السلام) لما أدخلوا على يزيد بن معاوية في قصره بدمشق ومعهم رؤوس الحسين وأصحابه البررة، وكان يزيد يظهر الاحتفال بالنصر والتشفي بهم، كان رسول ملك الروم حاضراً فسأل عن هؤلاء الأسرى فقيل أنهم عيال الحسين بن فاطمة بنت رسول الله (صلی الله علیه و آله) فتعجب وأستنكر فعلهم، وقال أنه يوجد عندنا أثر لحافر دابة عيسى (ع) في أرضنا فبنينا عليه كنيسة ونحج إليها كل عام وأنتم

ص: 131

تفعلون كل هذا بابن بنت رسول الله (صلی الله علیه و آله) وقال الآن علمت أنكم على باطل وتشهّد الشهادتين.ويروى أن أبا حنيفة أمام المذهب الحنفي دخل على الإمام الصادق(ع) وبيده قضيب فقال الإمام (علیه السلام) هذا قضيب رسول الله (صلی الله علیه و آله)، فذهل أبو حنيفة وبالغ في الاهتمام به وراح يضعه على عينيه وصدره ويقبّله ويشمه، فالتفت إليه الإمام (علیه السلام) وقال هلا فعلت بهذا -ومسك جلده الشريف – مثل هذا الاهتمام وهو من لحم ودم رسول الله وفي كلامه (ع) ما لا يخفى على اللبيب من إلفات النظر.

فهذا الولاء والانشداد أمر فطري وهذا التأثير حالة واقعية، وقد ركز عليه الأئمة ع وعززوها ودعوا الأمة إلى الالتزام بها، وأضافوا لهذه القوة الروحية والاجتماعية بعداً آخرا وهو فرض نصف الخمس لهم بما يمثل ذلك من قوة مالية هائلة خصوصاً في العصور الحالية حيث انتعشت الحالة الاقتصادية ووجدت الثروات الهائلة.

وقد رفع التشريع الإسلامي من شأنهم حين نزههم عن قبول الصدقات من غيرهم لأنها (أوساخ الناس) كما عبّرت الأحاديث الشريفة وهو مثال لتقريب الفكرة، بمعنى أن أخراج الزكاة من المال لما كان تطهيراً له بنص الآية الشريفة له [خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا] (التوبة:103) فهو يشبه إزالة الأوساخ عن المال والبدن ليكون نظيفاً وطاهراً.

وهذه التشريعات والامتيازات ليست بلا مقابل فلا بد أن يفهم السادة العلويون عظمة المسؤولية الملقاة عليهم ومطالبتهم بالمضاعفة من قبل جدهم

ص: 132

(صلی الله علیه و آله)، بأن يكونوا أمناء على رسالته ومحافظين عليها ومدافعين عنها ومتمثلين بها.يروى أن الإمام الحسين كان يذهب إلى الحج ماشياً على قدميه تعظيماً للبيت الحرام وكان لا يسلك الطريق العام فقيل له في ذلك، فقال (علیه السلام): أخشى أن آخذ من رسول الله أكثر مما أعطيه، لأن هذا التكريم الذي ألقاه من الناس قد لا استحقه لأنني لم أقم بواجبي بمقداره، هذا وهو الحسين ع فماذا يقول غيره؟

فهذه الأمانة والمسؤولية أرجو أن تعطى أبعادها الكاملة من خلال نقابتكم كتنظيم، لأنكم تعلمون أن أي عمل إذا لم يكن منظماً ولم يكن مجموعياً لا يؤدي دوراً كاملاً، ومن هنا تأتي أهمية نقابة السادة في أنها تنظم عمل السادة وتستثمر هذا الوجود المبارك لأولاد رسول الله (صلی الله علیه و آله) في إعطاء العمل الرسالي دفعة قوية وحيوية حاول أعداء الإسلام من جبابرة ومتسلطين وطواغيت وحاسدين [أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ] (النساء:54) نزع هذه القوة من روح الأمة وجسدها، فقتلوهم واستأصلوا حتى الرضعان وشردوهم في بقاع الأرض بعيداً عن مدينة جدهم رسول الله (صلی الله علیه و آله)، فقبورهم الآن في أفغانستان وإيران وجمهوريات وسط آسيا فضلاً عن العراق وسوريا، واتبعوا أسلوباً آخر وهو تضليل الأمة وخداعها بأن ذرية علي وفاطمة س ليسوا أبناء رسول الله (صلی الله علیه و آله) لأنهم بنو بنت وبنو البنت ليسوا أبناء وهم بنو علي الذي هو ابن عم رسول الله (صلی الله علیه و آله) فالعباسيون أقرب منهم لأنهم بنو عم الرسول (صلی الله علیه و آله) فقال مروان بن أبي حفص:

ص: 133

أنّى يكون وليس ذاك بكائنٍ *** لبني البنات وراثة الأعمامِ

ويروي الصدوق عن الإمام الرضا (علیه السلام) أنه بات متألماً من هذا القول.

وقال ابن المعتز العباسي:

ونحن ورثنا ثياب النبي *** فكم تجذبون بأهدابها

لكم رحمٌ يا بني بنته *** ولكن بنو العم أولى بها

قتلنا أمية في دارها ونحن أحق بأسلابها

وهذا هو تفكيرهم الضحل وأهدافهم التافهة، فهم لا يفقهون معنى وراثة النبي (صلی الله علیه و آله) وخلافته وقد ردّ أئمة أهل البيت ع وشيعتهم باستدلالات متينة وحجج دامغة حفظت لهذا الحق قوته وبقاءه وأشرنا إليها في كتاب (دور الأئمة في الحياة الإسلامية).

فمشروعكم هذا- أيها الأخوة- مبارك ويستحق أن تكرّسوا له أنفسكم حتى يتوسع بنشاطاته ويأخذ مساحته اللائقة بشأنه وسيوفقكم الله تبارك وتعالى ويسدد خطاكم ويُنجح مساعيكم لما فيه خير الأمة.

ص: 134

خطاب المرحلة 89 :المؤتمرات النسوية

خطاب المرحلة 89 :المؤتمرات النسوية(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

يسأل الإمام الصادق (علیه السلام) أحد أصحابه فيقول له (أتجلسون وتتحدثون؟ فقال الرجل: نعم يا ابن رسول الله (صلی الله علیه و آله) قال (علیه السلام) تلك المجالس أحبها فأحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا) وعن أحد أصحاب الإمام الباقر (علیه السلام) قال: قال لي أبو جعفر الباقر: أتخلون وتتحدثون وتقولون ما شئتم (ويتضح من السؤال ما كان يعانيه الأئمة (علیهم السلام) وشيعتهم من ضغط السلطات الجائرة ومراقبتهم لهم) قلت: أي والله، فقال: أما والله لوددت أني معكم في بعض تلك المواطن.

ورغم أن الخطباء يذكرون مثل هذه الروايات ويفسرونها بأنها تتعلق بالمآتم الحسينية والمجالس التي تتعلق بذكر مناقب أهل البيت (علیهم السلام) ومصائبهم –وهو صحيح- إلاّ أنها ليست مقتصرة عليها، فيمكن أن نفهم هذه الروايات

ص: 135


1- مقدمة الكلمة التي تحدث بها سماحة الشيخ دام ظله في المؤتمر العام لرابطة بنات المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) وجامعة الزهراء (عليها السلام) للعلوم الدينية الذي عقد في النجف الأشرف يومي 21-22 ج2 1426 الموافق 28-29/ 7/ 2005 وحضرته إدارات الفروع في المحافظات وممثلات الرابطة في البرلمان العراقي .

بمعناها الواسع والشامل لكل المجالس التي تبين معالم مدرسة أهل البيت (علیهم السلام) وفقههم وأخلاقهم ومناقشة القضايا التي تهم أتباعهم.ومؤتمركم هذا من أوضح مصاديق هذه المجالس لإحياء الأمر والذكر ابتداء من الاسم المرتبط بالمصطفى والزهراء(صلوات الله عليهما) ومروراً بمضمون الأحاديث والنقاشات والخطابات وانتهاءً بما ينبثق عنه من توصيات وقرارات.

فالأئمة يحبون مثل هذه المجالس ويأمرون بإحيائها ويتمنون لو كانوا مشاركين معكم فيها، ويظهر حرصهم الشديد على إقامتها بأي صورة حتى في أقسى فترات الضغط والمراقبة وخنق الحريات.

وحينما نتحدث في مثل هذا المؤتمر النسوي فإن موضوعات عديدة يمكن أن تكون محوراً للحديث، فمثلاً يمكن أن نتحدث عن دور المرأة في بناء العراق الجديد فإنه كما تعرفون فإن المرأة يراهن عليها الإسلاميون وأعداؤهم على السواء لأن كلا الطائفتين يعلمان أنهم لو كسبوا المرأة سيكسبون الجولة؛ لأن المرأة من حيث العدد تمثل نسبة تصل (58) وهي تمتد أكثر من ذلك من حيث التأثير لأنها الأم والأخت والزوجة والبنت، وانتم تعلمون أن المرأة إذا صلحت صلح المجتمع وإذا فسدت –والعياذ بالله- فسد المجتمع، وهذا المحور من الحديث تناولته في كتاب (دور المرأة في العراق الجديد) فلا نكرر.

ويمكن أن نتحدث عن القضايا التي تواجهها المرأة وتشخيص الايجابيات والسلبيات حتى نعمل على تكريس الايجابيات ومعالجة السلبيات، فمثلاً على الصعيد الاجتماعي تواجه المرأة عدة قضايا، كتعسف الزوج في استعمال حق

ص: 136

القيمومة، والمشاكل داخل العوائل، وأزمة السكن وانتشار ظاهرة العزوبية والعنوسة بحيث أن أرقام الشباب والشابات غير المتزوجين بلغت حدوداً مرعبة، وكثرة الأرامل والمطلقات وهكذا، وعلى الصعيد الأخلاقي نجد الهجمة الشرسة لنشر الرذيلة والفساد والتحلل من خلال الوسائل التقنية الجذابة والمثيرة التي دخلت كل شيء ابتداءً من جهاز الستلايت إلى الإعلانات الدعائية المنتشرة في الشوارع إلى الصور المنتشرة في أكثر الحاجات إلى الصحف والمجلات وغيرها، وهذا يشكل تياراً ضاغطاً يدفع نحو الانحراف الذي لا يقف عند حد إلا بمقدار ما يعصم الله تعالى.كما أن توجهات المرأة أصبحت بعيدة عن الهدف الحقيقي والاتجاه الصحيح للتعامل، فصارت تهتم بالزينة الظاهرية وتتباهى بأفخر الثياب والحلي ومواد التجميل والمصوغات ونحوها وهذه مشكلة كبيرة.

وليس صحيحاً أن نقتصر بالنظر على المجتمع المرتبط بنا الذي هو ملتزم دينياً لتقييم خطورة مثل هذه القضية فتهوّنوا منها، لأنكن بفضل الله مؤمنات واعيات ملتزمات ولكن انظروا إلى كل أنماط ومستويات التربية للمجتمع.

وفي جانب التعليم فإننا نواجه جهلاً واسعا وأمية متفشية خصوصاً في العشائر والأرياف والمدن الصغيرة وحتى مراكز المحافظات وتصل في بعض المناطق إلى مئة في المئة حيث لا توجد امرأة واحدة متعلمة.

وفي جانب الصحة نجد أمراضاً خبيثة تنتشر بفعل مخلفات الحرب واليورانيوم المنضب، واستعمال المواد السمّ-يّ-ة في صيد الطيور والأسماك، وتردي الأوضاع الصحية والخدمات بحيث تختلط أحيانا مياه الشرب بمياه

ص: 137

الصرف الصحي ونلحظ هذه المعاناة بوضوح في مدن جنوب العراق، كما انتشرت حالات العقم والإسقاط بشكل يدعو إلى القلق والشك والريبة في أن مؤامرة تحاك ضد هذا الشعب لقطع نسله، خصوصاً إذا انضم إلى انتشار ظاهرة عدم التزوج، وكل هذه مشاكل ستراتيجية علينا أن ندرسها بدقة ونشخص مكامن الخلل ثم نضع الخطط الكفيلة بعلاجها.وعلى الصعيد الفكري فإننا نشهد حملة واسعة لتشويه الأفكار وتضليل الآراء من أجل تنفير المرأة من دينها و أخلاقها وآدابها الاجتماعية ودعوتها إلى التحرر من كل هذه المعايير، لتصبح دميةً يتلهى بها الرجال فيسقطان معاً ويكونان آلة للمستكبرين ليحققوا مصالحهم اللامشروعة، فنجد ثلة من المتحللات صنائع شياطين الإنس والجن [يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراًً] (الأنعام:112) ويصيدون بشباكهم السذّج والجهلة من النساء رغم ضحالة وسطحية ما يتبجحون به وإمكان الرد عليه بيسر وسهولة لو توفر عند المقابل شيء من الثقافة والوعي. ومن الكتب النافعة في هذا المجال (فلسفة تشريعات المرأة) وغيرها.

وأما من الناحية الاقتصادية فنجد العوز والحرمان وعدم وجود الكفيل مما يدعو المرأة إلى الخروج والعمل في مهن لا تناسبها وتجعلها بين نارين نار الحاجة والعوز والفقر ونار المتحكمين بالعمل الذين يدعونها إلى إشباع غرائزهم البهيمية والتخلي عن شرفها ودينها، هذا غير المشاكل التي تحصل بسبب الاحتكاكات والمداخلات وتضييع الأسر والبيوت وتفكك العائلة.

فهذه كلها مشاكل كبيرة قد لا تبدو صورتها المرعبة واضحة الآن لأن

ص: 138

مجتمعنا ما زال متماسكاً ومحتفظاً بأخلاقه ودينه، لكنها قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة، وتنهي هذه التركيبة المنسجمة لمجتمعنا وتقوده نحو الانحلال والضياع والتشتت، كما حصل في أكثر الدول الإسلامية العربية القريبة منا في دول الخليج والدول العربية والإسلامية الأخرى فضلاً عن الغربية والأمم الأخرى، ما لم نحتط للأمر ونحسب له حسابه ونضع الخطط الاستتراتيجية لمعالجته.وإني أعلم بوجود ثلة مباركة من الأخوات الرساليات ضمن هذا المؤتمر في مختلف الاختصاصات، وقادرات على إحاطة هذه القضايا بالعناية الكافية.

[وقُ-ل اعمَلوا فَسَيَرَى اللهُ عملَ-كم ورسولُهُ والمؤمنون].

ص: 139

خطاب المرحلة 90 :مبادئ الشفافية ومظاهرها

خطاب المرحلة 90 :مبادئ الشفافية ومظاهرها(1)

ترد كلمة الشفافية كثيراً على ألسنة السياسيين وعموم المتصدين للعمل الاجتماعي ويطالب الجميع بأن يكون العمل شفافاً، ولكن لم يشرح لنا أحد حقيقة الشفافية وكيف يكون التعامل شفافاً، أي ما هي مظاهر الشفافية؟ وكيف يمكن تدريب النفس عليها أي ما هي المبادئ والخصائص التي يجب توفرها في النفس لتنطلق منها التعاملات الشفافة؟

وبصفتنا عاملين في الحقل الاجتماعي فإن من وظيفتنا تشخيص معوقات العمل ومشاكله ومقومات نجاحه، كما تحدثنا في كلمة سابقة عن عناصر رفع الهمة وخلق الحوافز للاندفاع نحو مزيد من العمل.

وفي ضوء هذه الرؤية فقد وجدنا أن من بين المشاكل الرئيسية التي يعاني منها العمل الاجتماعي. ويعاني منها أكثر العاملين في الحركة الإسلامية – هو عدم التعامل مع الآخرين بشفافية- وهي صفة لا تختص بالعمل فقد يوصف القانون بأنه شفاف أي مرن وقابل لاستيعاب الحالات الاستثنائية ويأخذ الأعذار بنظر الاعتبار وليس جامداً حدياً، فالشفافية إذن من الأسس المهمة لإنجاح

ص: 140


1- كلمة سماحة الشيخ (دامت تأييداته) في المؤتمر العام الأول لرابطة بنات المصطفى بتأريخ 21-22 جمادى الثانية 1426 الذي تقدمت الإشارة إليه.

العمل ولضمان تطبيق القوانين والاستجابة لها بسلاسة، وهي من أهم مميزات القانون الإسلامي وقادته العظماء.وسنشير في حديثنا إلى مظاهر الشفافية في الإسلام ومبادئها وأصولها النفسية مستنداً إلى مجموعة مباركة من الأحاديث الشريفة وستكون الإشارة مجملة تاركاً بيانها التفصيلي إلى الفضلاء والمفكرين لاغتناء مصادرنا الإسلامية بهذه الأحاديث المباركة:

1- إنصاف الآخرين من نفسك: فإذا كان رأي الآخر صحيحاً فكن شجاعاً وقل له ذلك وتنازل عن رأيك واعترف بخطئك، لذا قالوا أن الاعتراف بالخطأ فضيلة، وقد وبّ-خ الله تعالى من يتمسك بموقفه ورأيه رغم اعترافه في داخله بصحة رأي الآخر وحقه فقال تعالى: [وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ] (البقرة:206) وقال تعالى: [وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ] (النمل:14)، ودعا تبارك وتعالى عباده إلى إعطاء الآخرين حقهم من غير غمط ولا بخس، قال تعالى [وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ] (الأعراف:85).

وهذه الصفة شاقة على النفس ولا يتحلى بها إلا من روّض نفسه ودرّبها وملك زمامها؛ لذا جاء في الحديث الشريف عن الإمام الصادق (علیه السلام) قال: (قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): (يا علي ثلاث لا تطيقها هذه الأمة: المواساة للأخ في ماله وإنصاف الناس من نفسه، وذكر الله على كل حال، وليس هو سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولكن إذا ورد على ما يحرم خاف الله عز

ص: 141

وجل عنده وتركه)(1).2- المشاورة وعدم الاستبداد بالرأي وعدم الاستكبار عن سماع رأي الآخرين ونصيحتهم، فإنها قوة إضافية لك لانضمام عقولهم إلى عقلك فكأنك تفكر بمجموع عقولهم وهو كمال ونضج للرأي؛ لذا جاء فيما أوصى به النبي (صلی الله علیه و آله) علياً (ع): (لا مظاهرة أوثق من المشاورة ولا عقل كالتدبير)(2) وعن أمير المؤمنين (علیه السلام): (من استبد برأيه هلك ومن شاور الرجال شاركها عقولها)(3) وعن الصادق (علیه السلام): (ما يمنع أحدكم إذا ورد عليه ما لا قبل له به أن يستشير رجلا عاقلاً له دين وورع، ثم قال أبو عبد الله (علیه السلام) أما أنه إذا فعل ذلك لم يخذله الله بل يرفعه الله، ورماه بخير الأمور وأقربها لله)(4).

وأعطانا النبي (صلی الله علیه و آله) والأئمة (علیهم السلام) الدروس العملية في ضرورة المشورة وهم أكمل الخلق وسادتهم والمتصلون بالتسديدات الإلهية التزاماً بقوله تعالى [وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ] (آل عمران:159)، ووصف عباده المفلحين بقوله عزّ من قائل [وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ] (الشورى: 38)، وعن بعض أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام): قال: قال لي الصادق (علیه السلام): (أشر عليّ برجل له فضل وأمانة، فقلت: أنا أشير عليك، فقال شبه المغضب: إن

ص: 142


1- بحار الأنوار :72/ 34.
2- الكافي: 8/ 20.
3- بحار الأنوار: 72/ 104.
4- بحار الأنوار: 72/ 102.

رسول الله (صلی الله علیه و آله) كان يستشير أصحابه ثم يعزم على ما يريد الله)(1).3- اعتماد مبدأ الحوار وعدم فرض الرأي على الآخر مهما كنت مقتنعاً به فإن رسول الله (صلی الله علیه و آله) كان يعلم أنه على حق ومع ذلك أمره الله تعالى بالحوار مع الآخرين [قُلْ يَا أهل الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّه] (آل عمران: 64)، وقوله سبحانه: [وَلا تُجَادِلُوا أهل الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ] (العنكبوت: 46).

وقد ثقف الإسلام أتباعه على حرية التعبير عن الرأي واختيار العقيدة قال تعالى [لا إكْرَاهَ في الدِيْن] (البقرة: 256)، ويبلغ هذا المبدأ أوفى حالاته وأكملها حينما يأمر الله تبارك وتعالى المسلمين أن يوفّروا الأمن والحماية لمن يريد من المعسكر الآخر أن يستمع إلى هذا الدين ثم يعيده إلى بلاده آمناً ليختار بكل حرية [وَإِنْ أحد مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ] (التوبة:6). فهل يوجد حث على الحوار وهل توجد شفافية أكثر مما في الإسلام.

4 – التواضع، لأن التكبر والنظر إلى الأنا والإعجاب بالنفس يصد عن سماع الحق ويعمي البصيرة ويذل صاحبه، وعلى العكس منه فإن التواضع يرفع صاحبه ففي الحديث: (من تواضع لله رفعه الله)، وفي دعاء مكارم الأخلاق للإمام السجاد (علیه السلام): (ولا ترفعني في الناس درجة إلا حططتني عند نفسي مثلها، ولا تحدث لي عزّاً ظاهراً إلا أحدثت لي ذلّةً باطنة عند نفسي بقدرها) فلا

ص: 143


1- بحار الأنوار: 72/ 101.

تتكبر على الآخرين وتواضع لأدنى خلق الله فقد يجري الله الكلمة المفيدة النافعة الصالحة على لسان من لا تأبه بهم، ومما روي عن سيرة عيسى روح الله (علیه السلام) انه قال لحوارييه يوماً: أريد أن اغسل أقدامكم قالوا نحن أولى بأن نفعل لك ذلك يا روح الله. قال (علیه السلام): لكي تتواضعوا من بعدي.5- سعة الصدر، وقد ورد في الحديث (آلة الرياسة سعة الصدر) ولا نفهم من الرئاسة أنها المناصب الحكومية الرفيعة فقط، بل كل ولاية أمر لمجموعة هي رئاسة فالمعلم رئيس لطلابه وشيخ العشيرة رئيس لأبناء عشيرته والعالم الديني وإمام الجماعة رئيس لمريديه وأتباعه والأم رئيسة في بيتها فكل واحد محتاج إلى سعة الصدر لكي ينجح في عمله، ولا بد أن تتناسب سعة الصدر مع عظم المسؤولية فكلما كبرت وازداد عدد المرؤوسين وجب أن يتسع الصدر لاستيعابهم جميعاً، ومما أوصى به النبي (صلی الله علیه و آله) عمه العباس (إنكم لا تسعون الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم) فيمكن للإنسان بسعة صدره أن يكسب الناس من حوله ويزيد ثقتهم بقيادته.

6- الحب للناس جميعاً، فليس في قلب المؤمن حقد ولا غل ولا كراهية لذلك جعل الله من نعمه على أهل الجنة انه يزيل ما بقي في صدورهم وقلوبهم من هذا قال تعالى: [وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ] (الحجر:47)؛ لأن هذا الغل والحقد والكراهية أول ما يؤذي صاحبه فيجعل حياته منكدة ومعذبة وباله مشغولاًً بهذه الدوّامة من التفكير مما يقعده عن القيام بالكثير من الأعمال الناجحة، أما لو نقّى قلبه منه فسيكون سعيداً فارغ البال للمسؤوليات المهمة، لكن الناس متفاوتون في تطهير قلوبهم حتى المؤمنين، لذا

ص: 144

يوجد من يدخل الجنة وهو لم يكمل تنقية قلبه مما ينكد عليه صفو الحياة في نعيم الجنان فيتم الله نعمته عليه بنزع الغل من قلبه ولكن بعد ألم طويل، فلماذا لا يعمل الإنسان على إزالته من الدنيا لينعم بالسعادة مباشرة ويملأ قلبه بحب الخير للناس جميعاً ولا ينال السعادة الكاملة [إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ] (الشعراء: 89) خصوصاً بين المؤمنين العاملين في مشروع إسلامي واحد حتى لو اختلفوا في الرأي وفي آليات العمل فلا يؤثر ذلك على روح الصفاء، أما ما نراه من تحول المودة إلى تقاطع وانتقاص للآخر وتشويه لصورته وما يتبعه من غيبة ونميمة وسوء ظن وكلها من الكبائر فهذه ليست من أخلاق الإسلام، ولنتأس بالإمام الحسين (علیه السلام) الذي بكى على أعدائه يوم عاشوراء معللا ذلك بأنهم سيدخلون النار بسببي وهم المحتشدون لقتله واستئصال أهله وخاطب الله نبيه ص (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) أي جميع العوالم من المخلوقات وليس للبشر فقط فضلاً عن المسلمين من أتباعه (صلی الله علیه و آله)، فلنحمل هذا القلب الكبير المملوء بالرحمة والحب وإرادة الخير ولنتأس بالنبي وآله الطاهرين (صلى الله عليهم أجمعين).7- حسن الخلق مع الناس والتآلف معهم فمن صفات المؤمن انه يألف ويؤتلف، وهذه من أهم مظاهر الشفافية ويوجد في جوامع الحديث حشد هائل من الأحاديث التي تبني في الإنسان مكارم الأخلاق والخصال الحميدة، قال الإمام الصادق ع: (ما يقدم المؤمن على الله عز وجل بعمل بعد الفرائض أحب لله تعالى من أن يسع الناس بخلقه فإن الخلق الحسن يميت الخطيئة كما تميت الشمس الجليد)، وعنه (علیه السلام): (أن الله تبارك وتعالى ليعطي ثوابه على

ص: 145

حسن الخلق كما يعطي المجاهد في سبيل الله). وقال رسول الله (صلی الله علیه و آله): (التودد إلى الناس نصف العقل). فما أجمل أن تستقبل الناس دائماً بالبشاشة والانفتاح وتتودد لهم والبسمة دائماً على وجهك حتى في أحلك الظروف وليس أن تكون عبوساً في وجوه الناس.8- حمل الآخرين على الصحة والتماس العذر لهم أن لم يعجبك شيء من تصرفاتهم، لذا ورد في الحديث: احمل أخاك على سبعين محمل حسن. وهو رقم يضرب للكثرة لا للتحديد فلو احتجت إلى واحد وسبعين تفسيراً فاحمل عليه، فقد وصلت تربية الأئمة لشيعتهم إلى حد أن الإمام يقول لأحد أصحابه انه لو شهد عندك خمسون قسامة (أي خمسون رجلاً يقسمون عندك) أن أخاك المؤمن قال فيك كذا وكذا ثم جاءك هو وقال لم افعل فخذ بقوله وأزل قول القسامة.

9- المحافظة على حدود الصداقة التي حدها الأئمة المعصومون ع فعن الإمام الصادق (علیه السلام): (لا تكون الصداقة إلا بحدودها فمن كانت فيه هذه الحدود أو شيء منها وإلاّ فلا تنسبه إلى شيء من الصداقة

فأولها: أن تكون سريرته وعلانيته لك واحدة.

والثانية: أن يرى زينك زينه وشينك شينه.

والثالثة: أن لا تغيره عليك ولاية ولا مال.

والرابعة: لا يمنعك شيئاً تناله مقدرته.

والخامسة: وهي تجمع هذه الخصال: أن لا يسلمك عند النكبات).

10- المواساة: بل الإيثار، فعن بعض أصحاب الإمام الباقر (علیه السلام) قال: قال

ص: 146

لي الباقر: أرأيت من قِبلكم إذا كان الرجل ليس عليه رداء وعند بعض إخوانه رداء يطرحه عليه؟ قال: قلت: لا، قال:... فضرب بيده على فخذه ثم قال: ما هؤلاء بأخوة.ووصف القرآن الكريم علاقة المؤمنين فيما بينهم بأكمل من ذلك فقال: [وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ] (الحشر: 9).

هذه هي المظاهر الرئيسية للشفافية اختصرتها لكم وهي تتطلب الكثير من الصبر والمصابرة والتربية للاتصاف بها والالتزام بمضمونها وعدم الاكتفاء بإلقاء الكلمات من دون تطبيق لذلك يقول الإمام لشيعته (فأعينونا بورع واجتهاد وعفة وسداد). فالتقوى والورع والصبر وعلو الهمة والإخلاص تساعد على المضي في طريق الكمال قال تعالى: [وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وإنها لَكَبيرةٌ إلا على الخَاشِعين] (البقرة: 45)، وعلى الله نتوكل ليأخذ بأيدينا وأيديكم لتحقيق هذه الصفات لنستحق شفاعة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (علیها السلام) ونفوز بمجاورة الأحبة محمد وآله الطاهرين صلى الله عليهم أجمعين والحمد لله رب العالمين.

محمد اليعقوبي

21 ج2 1426 الموافق 28/ 6/ 2005

ص: 147

خطاب المرحلة 91 :مسؤولية الكلمة

اشارة

خطاب المرحلة 91 :مسؤولية الكلمة(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي خلق الإنسان علّمه البيان وصلّى الله على سيد خلقه المبعوث رحمة للعالمين محمد وآله الطيبين الطاهرين.

(الكلمة) من أوسع القنوات الموصلة إلى رضا الله تبارك وتعالى فمن خلالها تكون النصيحة وبها تتم الموعظة وتجري الهداية ويتحقق الإصلاح وينتشر العلم والمعرفة وتُبنى الحضارة وتتقدم الإنسانية وتتكامل التربية فهي وعاء لهذه الطاعات العظيمة وغيرها.

لذلك جاء رجل إلى الإمام (علیه السلام) وسأله: هل الكلام أفضل أم السكوت؟ ففهم الإمام من حاله انه واقع في شبهة أن السكوت واعتزال الناس ومقاطعتهم أفضل لما بلغه من الأحاديث الشريفة التي تحثّ على السكوت وقلّة الكلام فبيّن له الإمام (علیه السلام) أن الكلام إذا كان خالياً من السوء والفحشاء فهو أفضل بالتأكيد وقال له: وهل بُعثَ الأنبياء إلا بالكلام، قال تعالى: [لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ

ص: 148


1- كلمة سماحة الشيخ محمد اليعقوبي التي ألقيت نيابة عنه في احتفال أقيم يوم 4 رجب 1426 المصادف 10/ 8/ 2005 في وزارة الثقافة بمناسبة مرور عام على افتتاح إذاعة البلاد وقد أضاف سماحته عليها مقاطع مهمّة.

نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أمر بِصَدَقَةٍ أو مَعْرُوفٍ أو إصلاح بَيْنَ النَّاسِ] (النساء:114) حتى عُدّت (الكلمة الطيبة صدقة) في بعض الأحاديث.وفي المقابل فإن الكلمة السيئة لها ضرر بليغ ومدمّر وإن كثيراً من الكبائر التي وعد الله بها النار مرتبطة بالكلمة كالغيبة والنميمة والبهتان والكذب والافتراء والسب والشتم والإيذاء وإشاعة الفاحشة وغيرها لذا ورد في الحديث (وهل يدخل الناس النار إلا حصائد ألسنتهم) وألّف العلماء والمربّون والأخلاقيون كتباً في (آفات اللسان).

لذلك خصص المشرع الأقدس حصة كبيرة من تعاليمه لتهذيب هذه الكلمة وتوجيهها لتكون نافعة بنّ-اءة فرسم ملامح الكلمة الطيبة [كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بإذن رَبِّهَا] (إبراهيم:24-25) وحذر من ضرر الكلمة الخبيثة [وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ] (إبراهيم: 26) وحذر من مغبّة الكلمة الضارة.

فمثلاً اعتبر من يقول ولو شطر كلمة في المشرق فقُتل بها شخص في المغرب اعتبره قاتلاً، كما يفعل اليوم صناع ثقافة التكفير والقتل والظلم والعدوان فيطيعهم وينخدع بضلالاتهم شخص في المشرق أو المغرب ويقوم بعملية إجرامية يكون وزرها الأول على صانع هذه الثقافة.

ويوجد بهذا الصدد حديث شريف مهم ويشكّل ضربة قاضية لهؤلاء الذين يروّجون صناعة القتل والرعب لمجرد الاختلاف في الرأي أو تضرّر المصالح فقد روى الإمام الصادق (علیه السلام) عن جده رسول الله (صلی الله علیه و آله) أنه قال "يعذّب اللهُ

ص: 149

اللسان بعذابٍ لا يعذّبُ به شيئاً من الجوارح فيقول: أي ربِّ عذّبتني بعذابٍ لم تعذّب به شيئاً، فيقال له: خرجت عنك كلمة فبلغت مشارق الأرض ومغاربها فسفك بها الدم الحرام وعزّتي لأعَذّبنَّك بعذابٍ لا أعذّبُ به شيئاً من جوارحك(1).فإذا استشعرنا هذه الأهمية فإن هذا الشعور سينظّم برامج التعامل مع الكلمة وسيراقبها ويتحكم بها، فإن الكلمة في وثاقك وتحت سيطرتك ما دمت لم تطلقْها فإذا أطلقتها فستكون أنت في وثاقها وتتحمل تبعتها ومسؤوليتها، وكم شخص ذهب ضحية الكلمة سواء في الدنيا أو في الآخرة كقاضي القضاة للمعتصم العباسي الذي وشى بالإمام الجواد (علیه السلام) وهو يعلم أن ذلك سيخلّده في النار كما قال هو نفسه.

ونحن اليوم نشهد ثورة معلوماتية هائلة وتكنولوجيا اتصالات عظيمة لم تحلم بها البشرية من قبل، تفتح لنا الأبواب الواسعة لإيصال خطاب السلام والسعادة للبشرية، ولم يعد الطغاة قادرين على حبس الكلمة ومنع وصولها إلى الناس كما كانوا يفعلون عبر التأريخ ولسانهم واحد [مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى] (غافر: 29)، واضطر الإسلام لحمل السيف في وجوه هؤلاء الطغاة ليحرّر شعوبهم من عبادتهم ويترك لهم الخيار في اعتناق العقيدة التي يقتنعون بها تحت شعار [لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ] و[لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ] (الأنفال:42) و[فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ] (الكهف:29) و[إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا] (الإنسان:3) وشجّع الحوار وثقافة الرأي

ص: 150


1- وسائل الشيعة، مج8، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، باب4، ح4.

الآخر [قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ] (البقرة: 111) [وَلا تُجَادِلُوا أهل الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ] (العنكبوت:46) [ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ] (النحل: 125). كما أننا نعيش بفضل الله تبارك وتعالى فرصة عظيمة لإيصال الكلمة الطيبة إلى مسامع العالم التوّاق للسلام والسعادة والخير، بعد أن فشلت أمامه كل الأيديولوجيات وبعد أن فشل غير اتباع أهل البيت (علیهم السلام) في عرض الإسلام بشكله الصحيح مما اوجب نفوراً وارتداداً لدى معتنقيه، فالعالم كله ينتظر منكم يا اتباع أهل البيت (علیهم السلام) أن تعكسوا لهم الصورة النقية الناصعة للإسلام المملوءة بالرحمة وحب الخير والسلام والطمأنينة لكل البشر.

وقد مرّت علينا عقود من سنيّ الكبت وسلب الحرّيات والحجر على الكلام، وقد أزاله الله تعالى ليبلوَنا أنشكر ونؤدي حق هذه النعمة، أم نكفر والعياذ بالله ونسيء استخدام هذه الحرية.

فهذه عوامل ثلاثة:

1.وسائل الاتصالات المتطورة.

2.فشل الإيديولوجيات في تحقيق السعادة للبشرية وتوفير الأمن والسلام والطمأنينة لها.

3.توفر الحرية الكاملة لممارسة الدعوة إلى الله تبارك وتعالى والحق والهداية والصلاح.

تضاعف علينا مسؤولية استثمار (الكلمة) في أداء الرسالة التي ائتمنا الله تبارك وتعالى وقبلنا حملها بعد أن اعتذرت السماوات والأرض وسائر

ص: 151

المخلوقات عن حملها (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبَينَ أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً.واعتقد أن (إذاعة البلاد) من المؤسسات التي تعمل على نشر الكلمة الطيبة وأمامها مجال واسع لترسيخ مبادئ الإنسانية ومُثُلها العليا فبوركت جهودكم وشكر الله سعيكم.

ص: 152

استنكار الجريمة البشعة لقتل الأطباء

استنكار الجريمة البشعة لقتل الأطباء(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

مرة أخرى يكشف القتلة المجرمون وأعداء الإنسانية والحضارة عن وجههم القبيح وأهدافهم الشريرة الهمجية بقتلهم أمس عشرة من الأطباء وعدد من مساعديهم كانوا متوجهين إلى محافظة الأنبار لمباشرة عملهم، وارتكبت الجريمة عن علم وعمد حيث أمروهم بالترجل من الحافلة ثم قتلوهم صبراً، وهم رسل الرحمة الإنسانية ذهبوا إليهم ليخففوا من آلامهم ويداووا جراحهم، فأي وحشية هذه وأي عداء للإنسانية أكثر من هذا؟ وماذا يريدون من ارتكاب مثل هذه الجرائم البشعة؟ وبماذا سنُقنع الأطباء والموظفين الصحيين لكي يذهبوا إلى تلك المدن المنكوبة ويرفعوا عنها معاناتها.

أن عجبي لا ينقضي من سكوت أبناء الرمادي والفلوجة وسائر مدن محافظة الأنبار الغيورة وعشائرها الأصيلة عن مثل هؤلاء الممسوخين الذين قست قلوبهم فهي كالحجارة أو أشد قسوة؟ وكيف يؤونهم ويساعدونهم ويقدمون لهم الدعم المادي والسلاح والمعلومات الاستخباراتية، ويحمونهم ليكونوا وصمة عار وخزي على أبناء هذه

ص: 153


1- ونشرت في الصادقين على الصفحة الثالثة من العدد ال-(30) الصادر بتأريخ 26 رجب 1426 الموافق 1 أيلول 2005.

المدن العريقة.إن محافظات الوسط والجنوب تنعم بأمان نسبي لأنها طهرت مدنها من الأرجاس الصداميين الذين يمثلون الحاضنة الأكبر للقتلة المجرمين من داخل العراق و خارجه؛ لأنهم رتعوا في الجريمة ويريدون أن يعودوا للسلطة من جديد فيتخذوا عباد الله خولا وماله دولا بينهم ويحرم الآخرين من أبسط حقوق الإنسانية.

إن هذه الدماء العزيزة التي تسيل على كل شبر من ارض العراق مهد الحضارات وموطن الأنبياء والأئمة والأولياء والعلماء تقدم الدليل تلو الدليل على ضلال هؤلاء المدعين للمقاومة والجهاد وهم يخدمون أهداف الاحتلال بقتل خيرة أبناء الشعب العراقي وعقوله الخيرة ورموزه العاملة ويديمون أمد الاحتلال ويعطونه الذرائع للبقاء فترة أطول متحكماً في مقدرات هذا البلد الكريم وبعضهم يفعل ذلك نتيجة جهله وتحجره وتخلفه وبعضهم يفعل ذلك عن علم وعمد ليناغي الاحتلال ويوصل له رسالة أنهم مازالوا أولئك الأوفياء لأولياء نعمتهم من الدول المستكبرة الذين جاؤوا بهم وسلطوهم على رؤوس هذا الشعب المستضعف.

فليحذر أبناء العراق هذه المؤامرة التي تستهدفهم سنة وشيعة لأنها تستهدف العراق اجمع وليميزوا بين صديقهم وعدوهم ويمدوا يد الأخوة فيما بينهم فإن في الطائفتين الكثير من المنصفين والمخلصين والوطنيين والأحرار الذين لا تنطلي عليهم هذه الضلالات ولا تجرّ

ص: 154

أقدامهم إلى مثل هذه الفتن البغيضة واعلموا أن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون [أَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ] (الرعد:17).والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

محمد اليعقوبي

النجف الأشرف

5 رجب 1426 - 11 / 8 / 2005

ص: 155

خطاب المرحلة 29 :ماذا تعلمنا من أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)

اشارة

خطاب المرحلة 29 :ماذا تعلمنا من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

جرت العادة أن تتضمن الاحتفالات في مثل هذه المناسبات الشريفة ذكر مناقب أهل البيت (علیهم السلام) ومكارمهم كميلاد أمير المؤمنين في الكعبة وهي حالة لم يسبقه إليها أحد ولن يلحقه بها أحد وهي حقاً شرف عظيم له ولوالدته السيدة الهاشمية الجليلة فاطمة بنت أسد التي قال عنها رسول الله (صلی الله علیه و آله) إنها أمي بعد أمي، وقد غفل أرباب المعاجم والسيَر مع كل الأسف التأليف في سيرة هذه المرأة العظيمة وتحدثنا عنها بشيء من التفصيل في مثل هذه المناسبة قبل أربع سنوات وطبع في كتاب (من وحي المناسبات).

وذكر مناقب أهل البيت ع ضروري لتعزيز إيمان المؤمنين وإقامة الحجة على المنكرين، ولمواجهة السعي الحثيث الذي يقوم به خصوم أهل البيت لطمس مآثرهم ومع ذلك ظهر منها ما يُحيّر الألباب لذا قيل (إن علياً (ع)

ص: 156


1- تقرير حديث سماحة الشيخ مع الوفود التي هنأته بميلاد أمير المؤمنين (عليه السلام) ومنهم رابطة الأطباء والعشرات من ذوي المهن الصحية في العمارة يوم 12 رجب 1426 المصادف 18/ 8/ 2005، وأعيد تسجيلها لقناة النعيم الفضائية في شعبان/1434 المصادف حزيران/2013.

أخفى أولياؤه مناقبَه خوفاً وأعداؤه حسداً ومع ذلك ظهر منها ما ملأ الخافقين)، إذن لو كُتب التأريخ بأمانة وموضوعية وحفظه وتناقله المنصفون لرأيت من ابن أبي طالب العجب العجاب.ولقد اتبع خصوم عليّ (ع) مختلف الوسائل الخسيسة والخبيثة في هذه المواجهة، فيرصد معاوية لسمرة بن جندب أربعمائة ألف درهم كي يروي عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) أن قوله تعالى: [وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ..] (البقرة:204-205) نزل في علي بن أبي طالب وأن قوله تعالى: [وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ] (البقرة:207) أنزل في عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي.

وهكذا زوّروا التأريخ وحرّفوه ودسّوا فيه ما يوافق أهواءهم ومصالحهم فقالوا أن حكيم بن حزام ولدته أمه في الكعبة برواية تحمل كذبها في طيّاتها، وكان لمسجد الكوفة باب يسمى باب الثعبان منه انساب الثعبان ليهمس في إذن أمير المؤمنين وهو يخطب في المسلمين في المسجد ويعود، ولم يرُق لمعاوية هذا الإعجاز فربط إلى هذا الباب فيلاً بعد دخوله الكوفة اثر صلح الإمام الحسن (علیه السلام) فشاع بين الناس انه باب الفيل ونُسيَ اسمه الأول.

فإحياء ذكر أهل البيت (علیهم السلام) وتعداد مناقبهم أمر ضروري لمواجهة هؤلاء الذين يغيّرون الكلم من بعد مواضعه لأن هذا الذكر ليس تأريخاً يتلى ولا أرشيفا يوضع في المتاحف، وإنما هو منهل يرده القادة والمصلحون والمفكرون والعلماء والمربّون وطلاب الحق والخير وهو نبراس يضيء للبشرية

ص: 157

طريق العقيدة الحقّة والأخلاق الفاضلة والحياة السعيدة، ولم يتركوا لنا شاردة وواردة إلا وقنّنوا لها الحالة الصحيحة حتى في الأمور الحياتية العادية التي لا يلتفت إليها الناس كالأكل والجماع والتخلي والنوم ودخول الحمام ونحوها مما تفتقده الشرائع الوضعية وتعجز عن تلبية الحاجات البشرية.والذي أريد أن أقوله هنا أن إحياءنا لهذه المناسبات لا ينبغي أن يكون أرشيفيا تراثياً تأريخياً وإنما يجب أن يكون إحياء واعياً يستمد من الماضي ما يعين على الحاضر ويخطط للمستقبل؛ ليكون أكثر فاعلية في حياة الأمة.

ومن ذلك ما فعلته قبل ثلاث سنوات في مثل هذه المناسبة حينما اخترت عنوان (من هم شيعة علي بن أبي طالب) الذين نزل فيهم قوله تعالى في سورة البيّنة [أولَئِكَ هُمْ خَيرُ البَرِيَّةِ] (البينة: 7) وفسّرها النبي (صلی الله علیه و آله) لجابر أنهم عليّ وشيعته إذ لا يكفي أن يولد الإنسان من أبوين شيعيين أو يعيش في بيئة شيعية، أو يؤدي شعائر الشيعة ليدخل في هذا العنوان الشريف بحيث يقول الإمام (علیه السلام) (إنما شيعة علي: الحسن والحسين وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمار)، لذا كان علينا أن نجري دراسة تحليلية استقرائية في أحاديث أهل البيت (علیهم السلام) لنستنبط منها أوصاف وخصائص شيعة علي (علیه السلام) والعناصر المكونة لشخصية المسلم من منظور أهل البيت (علیهم السلام)، والمحاضرة منشورة في كتاب (نحن والغرب) و (شكوى الإمام (عجل الله فرجه).

واليوم نريد أن نسأل أنفسنا: باعتبار اننا نوصف بشيعة علي (علیه السلام) والتشيع يعني المشايعة والمتابعة فنقول : (ماذا تعلمنا من أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب) أو ماذا حققنا في أنفسنا من تلك الصفات التي ذكرناها في البحث

ص: 158

السابق؛ لأن الله تعالى حثنا على التأسّي برسول الله (صلی الله علیه و آله) والاستنان بسنته الشريفة فقال عز من قائل [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا] (الأحزاب:21) وعليٌّ اخو رسول الله (صلی الله علیه و آله) وصنوه، فالآية تدعونا إلى التأسّي بأمير المؤمنين (علیه السلام)، خصوصاً وأن التأسي تعلَّ-ق بموقع رسول الله (صلی الله علیه و آله) ولم تقل الآية (في محمد) أي شخص رسول الله (صلی الله علیه و آله) فالتأسي حالة مطلوبة من الأمة دائماً ضمن علاقتها مع قادتها الصالحين الذين هم ورثة الأنبياء وحصون الإسلام.فهل تعلمنا من علي اخلاصه لله تبارك وتعالى وتكريس حياته الشريفة فيما يرضي الله تعالى، ومن دعائه (ع) المعروف بدعاء كميل ((أنْ تَجْعَلَ اَوْقاتي مِنَ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ بِذِكْرِكَ مَعْمُورَةً، وَ بِخِدْمَتِكَ مَوْصُولَةً، وَ اَعْمالي عِنْدَكَ مَقْبُولَةً، حَتّى تَكُونَ أعْمالي وَ أوْرادي كُلُّها وِرْداً واحِداً، وَ حالي في خِدْمَتِكَ سَرْمَداً)) ويقول : (ع) (ان الجلوس في المسجد أحب ألَّي من الجنة، لان في المسجد رضا ربّي وفي الجنة رضا نفسي، ورضا ربي احب الي من رضا نفسي)(1) وعندما اسقط عمرو بن عبد ود ارضا في المعركة واراد الاجهاز عليه بصق اللعين في وجهه المبارك فتركه برهة ثم عاد اليه وقطع رأسه، ولما سئل عن السبب قال (علیه السلام) لئلا يكون قتله غضباً لنفس.

هل تعلمنا من عليّ الطاعة والتامة للقيادة وولي الامر حيث كان (ع) يصف هذه الطاعة والتسليم بقوله (ولقد كنت اتبع رسول الله (صلی الله علیه و آله) اتباع

ص: 159


1- بحار الأنوار: 84/ 2، أبواب مكان المصلي وما يتبعه، باب فضل المساجد وأحكامها وآدابها.

الفصيل اثر امه)(1).وهل تعلمنا من علي (علیه السلام) تهذيبه لنفسه وترويضها بتقوى الله حتى اصبحت سلسة الانقياد للطاعة وتنفر بطبعها من المعصية ومما يغضب الله تبارك وتعالى قال : (ع) وَإِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا(2) بِالتَّقْوَى لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ الْخَوْفِ الاَْكْبَرِ، وَتَثْبُتَ عَلَى جَوَانِبِ الْمَزْلَقِ(3)).

هل تعلمنا من علي (علیه السلام) زهده في هذه الدنيا الدنية وزبرجها وزخرفها حتى تساوى عنده الذهب بالتراب، وصف احد المتزلفين لمعاوية علياً بانه ابخل الناس فقال العدو اللدود : ((ويحك! كيف تقول إنّه أبخل الناس؟! لو ملك بيتاً من تبر وبيتاً من تبن لأنفد تبره قبل تبنه))(4)، وكان (ع) يخاطب الدنيا بقوله (يَا دُنْيَا يَا دُنْيَا إِلَيْكِ عَنِّي أَ بِي تَعَرَّضْتِ أَمْ إِلَيَّ تَشَوَّفْتِ تَشَوَّقْتِ لاَ حَانَ حِينُكِ هَيْهَاتَ غُرِّي غَيْرِي لاَ حَاجَةَ لِي فِيكِ قَدْ طَلَّقْتُكِ ثَلاَثاً لاَ رَجْعَةَ فيها)(5)

هل تعلمنا من علي (علیه السلام) شجاعته في كل الميادين فصولته معلومة شهد بها العدو قبل الصديق واصبح مثلا اعلى للشجاعة حتى في الامم غير المسلمة ، وشجاعته في ساحات القتال معلومة وفي قول كلمة الحق حينما قال الخليفة

ص: 160


1- نهج البلاغة، ج2، ص157-158.
2- أرُوضُها: أذلّلها.
3- المزلق ومثله المزلقة: موضع الزلل، وهو المكان الذى يخشى فيه أن تزل القدمان، والمراد هنا الصراط.
4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/ 22.
5- نفس المصدر: 18/ 75.

الثاني: ماذا تفعلون لو دعوتكم إلى ما تنكرون وما لا تعرفون من الشريعة؟ فقال (علیه السلام): إذن لقوّمناك بسيوفنا (راجع كتاب دور الأئمة في الحياة الإسلامية).هل تعلمنا من عليّ (ع) أمانته على المال العام ونزاهته حينما كان يأخذ عطاءه كواحد من المسلمين وهو رئيس الدولة ويأتيه أخوه عقيل طالباً المساعدة لأنه كثير العيال وقد أملق حتى عاد أولاده شعثاً غبراً فأرجأه إلى أوان عطائه فيعطيه فقال: وما يصنع لي عطاؤك أريد من بيت المال فأحمى حديده وقرّبها إليه فجزع عقيل من حرّها فقال له كلماته العظيمة: أتئنُّ من حديدة أحماها إنسانها لِلعبه وتجرّني إلى نار سجّرها جبارها لغضبه.

ووقف على منبر المسلمين ليسنّ للحكام قانون محاسبة المسؤولين وإجراء الجرد المالي لممتلكاتهم قبل توليهم وبعده فيقول (ع): (لو خرجت منكم بغير هذه القطيفة التي جئتكم بها من المدينة لكنت خائناً) وفي بعض الروايات انه (علیه السلام) غلظ على احدى بناته لانها استعارت حلية من بيت المال لتتزين بها يوم العيد وتردّها وحذّرها بانها لو لم تردّه اقام عليها حد السرقة فلم يكن بحاجة إلى هيئة نزاهة أو ديوان الرقابة او المفتش العام أو أي شيء آخر مما اضطرت إليه الدول المتحضرة اليوم لكثرة الفضائح واختلاس الأموال العامة والرشاوى تحت عناوين متعددة فضلاً عن غيرها بل يقف هو أمام مواطنيه ليحاسب نفسه.

هل تعلمنا من علي (علیه السلام) شعوره بالمسؤولية عن كل رعاياه وحمله هموم كل الناس في شرق الأرض وغربها فيقول: (أأقنع من نفسي أن يقال هذا أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر واكون اسوة لهم في جشوبة العيش

ص: 161

وقال : (ع) ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في قرص ولا عهد له بالشبع).هل تعلمنا من علي رحمته وشفقته حينما مرّ على دار في الكوفة وسمع أطفالاً يبكون لم يهمل الحالة فطرق الباب، خرجت امرأة سألها عن سبب بكاء الأطفال قالت: أن أباهم استشهد في صفين وبقيت وحدي لهم وأنا حائرة بين إسكاتهم وخبز أقراص لهم فبكى أمير المؤمنين لحالهم ولما تسبّب به تمرد معاوية من إزهاق أرواح الآلاف وجاء (ع) بتمر ولوز وأخذ يضاحك الأطفال ويلاعبهم وتفرغت المرأة للخبز وهو يقول:

ما إن تأوهتُ من شيءٍ رُزِئتُ به *** كما تأوهتُ للأيتام في الصغرِ

قد مات والدهم من كان يكفلهم *** في النائبات وفي الأسفار والحضرِ

ما أحوج البشرية اليوم إلى رحمة علي بن أبي طالب والى من يمسح على رؤوسهم بيد حانية بعد أن عبثت بها مخالب المستكبرين والجشعين والمستبدين والطغاة فإلى من تفزع؟

وأنتم معاشر الأطباء وذوو المهن الصحية يا رسل الرحمة والإنسانية ارفقوا بالناس وارحموهم وأخلصوا لهم، لا كما أسمع عن كثير منهم قد تحول إلى جلاد وقاتل لأن همّه المال، تأتي امرأة في حالة عسرة من الولادة وهي تئن بين الحياة والموت لكنها لا تملك التكاليف الباهظة لعملية الولادة فتُغلق الباب دونها، والآخر يتلوى من الألم قد ضاقت الدنيا في عينه لا يُعالج لأنه لم يدفع أو لأن الطبيب الخفر نائم ولا يرضى لأحد أن يزعجه أما الاستشاري فلا يصل إلى الطوارئ مطلقاً فقط يسجل اسمه لأخذ المخصصات، فمتى تنتفضون على

ص: 162

نفوسكم، احذروا سخط الله ومكره فإنه لا يأمن مكره إلا القوم الكافرون، فقد يضعكم في موضع الحاجة والاضطرار ثم لا يسعفكم أحد.هل تعلمنا من علي بن أبي طالب مبدأيته وعدم مساومته على الحق، توّلى الخلافة في ظرف عصيب والمدينة تعجّ بالغاضبين الناقمين ويتربص بها الانتهازيون والمنافقون وأعداء الإسلام والمسلمين فعزل الولاة السابقين وأرسل آخرين وفق معاييره، فقال عبد الله بن عباس لو تركت معاوية على الشام حتى تستتب لك الأمور فتعزله من موقع قوة، وهو عملٌ ربما يقوم به كل السياسيين وفق حسابات المصالح إلا أن علياً لم يكن يعمل لحالة مؤقتة حتى يخضع لحساباتها وإنما يؤسس لمُثل إنسانية عُليا تبقى مشعلاً يضيء للبشرية طريق السمو والكمال فلا غرو أن يضحي بالحسابات الدنيوية فقال (علیه السلام): والله لا أبيت ليلة ومعاوية على الشام.

هل تعلمنا من علي عدالته وإنصافه للناس حينما خاصمه يهودي على درع له وطلب مرافعته عند القاضي الذي نصبه أمير المؤمنين وجاء معه أمير المؤمنين إلى القاضي فقال له: يا أبا الحسن اجلس إلى جنب خصمك فجلس وقدّم البينات على أن الدرع له فحكم القاضي بذلك، فرأى القاضي الامتعاض في وجه علي (علیه السلام) وظنّه انه لمساواته مع خصمه وهو هو في ذاته وفي موقعه، فبدأ بالاعتذار بأن هذه هي آداب القضاء وإجراءاته لكنه يبدو انه لم يفهم سمو علي بن أبي طالب فقال له الإمام: إنما غضبت لأنك كنّيتني يا أبا الحسن في حضرة خصمي والمفروض أن تساوي بيننا بالاسم أو الكنية.

ويمر في طريقه في الكوفة على رجل يستعطي فسأل عن هذه الحالة الغريبة

ص: 163

في ظل عدالة علي (علیه السلام) وإنصافه فقيل له انه مسيحي كبر ولم يقوَ على العمل فقال (علیه السلام) فهل استعملتموه حتى إذا ضعف تركتموه، أعطوه من بيت المال.هل تعلمنا من علي (علیه السلام) نكران ذاته وتقديم المصلحة العامة على الشخصية، فإنه صاحب أعظم حق في الإسلام وهي خلافة رسول الله (صلی الله علیه و آله) بنص قوله تعالى [يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ] (المائدة:67)، ولما رأى الأمة غير واعية لهذه المسؤولية ولا مستعدة لتحملها ورأى أن إصراره على استحصال حقه يوقع في الأمة فتنة كبيرة ليس هو المسؤول عنها وإنما الذين خالفوا وصية نبيهم (صلی الله علیه و آله)، فآثر الإعراض بعد إلقاء الحجة على الأمة.

ومع ذلك لم يبخل على الحكام بالنصيحة والمؤازرة، وحين عزم الخليفة الثاني على الخروج لملاقاة الفرس استشار أصحابه فأشاروا عليه بذلك إلا أمير المؤمنين فإنه قال: إن خروجك سيحفز الأعداء على القتال (لأن العجم إذا رأوك غداً قالوا هذا رأس العرب فإذا قطعتموه استرحتم فيكون ذلك أشد لكَلَبهم) فالصحيح أن تبقى في المدينة ردءاً وفئة تسعفهم وتمدّهم بالرجال والمؤونة وتبعث إليهم من أهل الحزم والشجاعة.. إلى آخر وصيته التي أخذ بها الخليفة. أما السياسيون اليوم فإن همهم إسقاط المنافسين لهم وإن كان على حساب الأمة والوطن والدين.

أقول: هذا وأنا أعلم أن علياً قمة سامقة فاق من قبله إلا ابن عمه رسول الله (صلی الله علیه و آله) واتعب من بعده فلم يسبقه سابق ولا يلحقه لاحق وقد قال للناس : ((الا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورعٍ واجتهاد وعفّة وسداد)).

ص: 164

فمن كان له برنامج عمل لا يستطيع أن يحققه كله فإنه ينفّذ ما يتيسر له ويطمح للارتقاء لاستيعاب الباقي وهكذا فإن علياً يمثل أرقى برنامج حياتي إنساني فلنضعه نصب أعيننا ونُجهد أنفسنا للتأسّي به وسيوفقنا الله تبارك وتعالى ويأخذ بأيدينا [إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ] (النحل:128).{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت : 69]

ص: 165

بيان بمناسبة كارثة جسر الأئمة

بيان بمناسبة كارثة جسر الأئمة(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

[وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إذا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ] (البقرة: 155-156).

ص: 166


1- في ذكرى استشهاد الإمام السابع من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يوم 25 رجب اعتاد الموالون لأهل البيت (عليهم السلام) زيارة مرقده الشريف وحفيده الإمام الجواد (عليه السلام) سيراً على الأقدام من مناطق بغداد كافة وبعض المحافظات، والممر الرئيسي للقاصدين إلى الكاظمية من جهة الرصافة هو جسر الأئمة الذي يربط الأعظمية بالكاظمية، وفي يوم المناسبة من عام 1426 المصادف 31/ 8/ 2005 شهد جسر الأئمة تدافعاً شديداً من الزائرين وبسبب سوء الإدارة في تنظيم الحركة فاكتّظ الناس على الجسر وانضغط بعضهم على بعض حتى لم يستطع أحدهم التقاط الهواء للتنفس فقفز الناس لا إرادياً من على الجسر وسقطوا في النهر وقضى كثير آخرون تحت الأرجل فتجاوز عدد الشهداء الألف وكان أكثر من نصفهم من أبناء مدينة الصدر المظلومة، وكانت فجيعة وطنية وإنسانية تفاعل معها الأعداء قبل الأصدقاء وتركت في القلب لوعة وجمرة حرّى. وقد قيل إن سبب قفز الناس من الجسر سريان إشاعة بوجود إرهابي يريد أن يفجر نفسه وسطهم، وهو كلام لا يصدق يريد أن يتهرب من خلاله منظمو المناسبة من مسؤوليتهم؛ لأن عدة قذائف سقطت على الكاظمية قبل الحادث بساعتين أو أكثر ولم يثنِ ذلك عزم الموالين لأهل بيت النبوة من إتمام مسيرتهم المباركة حتى الصحن الشريف.

لقد بكت قلوبنا قبل عيوننا ونحن ننظر بذهول إلى أحداث الكارثة التي حلت بالمؤمنين القاصدين لإحياء شعائر الله ومواساة أهل بيت النبي (صلی الله علیه و آله) في ذكرى شهادة الإمام المسموم المغيب اثنتي عشرة سنة في قعر السجون وظلمات المطامير أبي الحسن موسى بن جعفر (علیه السلام) ومما زاد المأساة أن أكثرهم من النساء والشيوخ والأطفال الذين تحترم دمهم كل الشرائع السماوية والقوانين الإنسانية وإن كنت أنسى فلا أنسى ذلك الطفل الذي قضى نحبه وهو يضم كتاب مفاتيح الجنان إلى صدره وأخفاه تحت ثيابه وكأنه يريد أن يقدم حياته قرباناً لهذا المنهج الإلهي العظيم الذي خطه لنا الأئمة الهداة المهديون. لقد كانت الفاجعة مهولة بكل المقاييس بعدد الضحايا، بنوعهم، بزمن وكيفيه استشهادهم، بالظروف المحيطة بهم والذي يقرح قلوبنا أكثر انه كان يمكن تجنب المأساة لو أديرت المناسبة بالشكل الصحيح وأدت الجهات المسؤولة واجباتها وأخذت بالنصائح المقدمة لها وأولها تطهير قيادات القوات المسلحة في الجيش والشرطة من العناصر الفاسدة المتواطئة مع الإرهابيين والتي تهيئ المقدمات والخطط لهذه الجرائم، فإلى متى يبقى هذا الاستخفاف بالدم العراقي المسلم الكريم؟ والى متى تبقى هذه اللامبالاة وعدم الشعور بالمسؤولية؟ والى متى تستمر قوات الاحتلال التي تزج العناصر الفاسدة الصدامية في الجيش والشرطة وتمنع من قيام قوة وطنية قادرة على حماية بلدها وشعبها؟

إن الإرهابيين القتلة أحفاد أولئك الطواغيت الذين حاولوا استئصال أهل بيت النبوة فقتلوا حتى الرضيع وملأوا بهم السجون والمعتقلات وتفننوا في

ص: 167

تعذيبهم وقتلهم وشردوهم إلى أقاصي الأرض يريدون بهذه الجرائم أن يعيدوا الزمن إلى الوراء ويعدوا إلى الاستئثار بالسلطة واستعباد الناس ومصادرة حريتهم وحرمانهم من ممارسة حقوقهم التي انتزعوها عبر جهاد طويل كلفهم دماء زكية غالية للمراجع العظام والعلماء الكرام والمفكرين والشباب الرساليين، يريدون أن تستسلم أمتنا لحياة الهوان والعبودية ولكن هيهات فقد انطلقت الروح المحمدية العلوية الحسينية في أمتنا ولا يستطيع أحد أن يوقف عنفوانها وزخمها وإباءها.لقد جعلوا من وسائلهم الخبيثة إذكاء للفتنة الطائفية ولكن خابوا وخسروا فقد سجل أبناء الأعظمية الغيارى الشرفاء الذين هم مسلمون قبل أن يكونوا من أهل السنة موقفاً نبيلاً شهماً كريماً حين هبوا لنجدة أخوانهم المحزونين بذكرى استشهاد الإمام الكاظم (علیه السلام) والمصابين بهذه الكارثة الجليلة فتوزعوا بين نقل الشهداء والجرحى إلى المستشفيات وإغاثة المصابين وتقديم الطعام والماء لهم وإيوائهم والتخفيف من معاناتهم ليثبتوا مع إخوانهم الشيعة أصالة الإسلام وعمق تأثيره في قلوب أتباعه وترفعهم عن الأنانية المذهبية والعرقية ووعيهم للعدو الواحد الذي يستهدفهم معاً وهكذا تعلمنا من دماء الشهداء أنها معطاء وغنية بالثمرات فها هم ضحايا هذه الكارثة يقيمون الحجة على هذه الأمة سنة وشيعة مسلمين ومسيحيين عرباً وأكراداً وتركماناً أن: كونوا يداً واحدة وأخلصوا في بناء مستقبل زاهر لكل الأمة وتساموا عن أنانياتكم ومصالحكم وارحموا هذا الشعب الذي لم يعرف الراحة والازدهار و لهذا كان الشهيد شهيداً لأنه شاهد على الأمة بأن هذه المبادئ وإقامة العدل والحرية أغلى من

ص: 168

دمه وها هو يقدم روحه شاهداً على ذلك فعلى الأمة أن تعرف حرمة هذه الدماء وكرامتها وتكون وفيه لها وتسعى بكل جهدها لتحقيق المبادئ والمثل التي مضوا عليها.رحم الله الشهداء وألحقهم بأوليائهم الطاهرين ولنعم دار المتقين وألهم ذويهم الصبر والسلوان وعجل بسعادة وازدهار الأمة وهذا البلد الكريم وأن يصون شرف هذه الأمة وكرامتها وعزتها وحريتها بحرمة هذه الدماء العزيزة التي امتزجت بحب آل النبي الأكرم (صلی الله علیه و آله) وفاضت بالوفاء لهم فجزاهم الله عن نبيهم وأهل بيته الطاهرين صلى الله عليهم أجمعين خير الجزاء. والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.

محمد اليعقوبي

النجف الأشرف

25 رجب 1426 - 31/ 8/ 2005

ص: 169

خطاب المرحلة 93 :ثقافة دستورية : الحلقة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة المرجع الديني آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله الشريف)

طالما عودتنا المرجعية الشريفة على أن تكون الكهف الحصين الذي تأوي إليه الأمة في ملماتها، واليوم إذ يمر عراقنا الجريح الحبيب بمنعطف تأريخي يؤسس لحياة الأجيال القادمة نرجو من سماحتكم التفضّل علينا ببيان رأي المرجعية الرسالية الشريفة حول بعض النقاط التي كثُر الكلام والحديث عنها في المحافل السياسية والإعلامية، فنرجو أن تضعوا النقاط على الحروف حول المواضيع التالية:

السؤال الأول: طُرحت مسألة الفيدرالية فما هو رأيكم الشريف فيها؟

بسمه تعالى: أرى من مصلحة الشعب العراقي الآن أن يسير وفق نظام الإدارة اللامركزية للمحافظات مع تحديد السلطات الحصرية والمشتركة للحكومة المركزية والحكومات المحلية في المحافظات، أما الفدرالية فتُثبَّتْ كحق لمحافظة أو أكثر متى شاءت ووجدت في نفسها القدرة على تشكيل إقليم وإدارته؛ لأن الفدرالية يمكن أن تكون حلاً لبعض المشاكل التي يمكن أن

ص: 170

تحصل في الحكومة المركزية وهي غير حاصلة الآن، كما أن الشعب العراقي في محافظات الوسط والجنوب عليه أن يستغل هذه المدة لتأهيل نفسه على مستوى إدارة الأقاليم، وقد أخِذ بهذه الأفكار في الصياغة المعتمدة من الدستور.السؤال الثاني: (الإسلام هو مصدر أساسي من مصادر التشريع) هل هذه العبارة كافية ليصوّت عليها الشعب بالقبول؟

بسمه تعالى: لما كان الدستور ينظّم الحياة المدنية للمجتمع ويوزّع المسؤوليات ويحدد الحقوق والواجبات للسلطة والشعب فهو يقع ضمن مساحة المباحات والتشريعات الموكولة للأمة كي تقنّن لنفسها ما يصلحها، وهذا الإيكال أشارتْ إليه الآية الشريفة [وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَينَهُمْ] فضمير (هم) يعني اختصاص الشورى بالأمور الراجعة إليهم، وضمن هذه المساحة يكون من المفيد الاطلاع على تجارب البشرية المتعددة والمتكاملة عبر التأريخ؛ لأن إدارة المجتمعات المدنية جهد إنساني وحضاري تشترك فيه جميع البشرية ولا يمكن الاستغناء عن تجارب الآخرين.

فالإسلام مصدر للتشريع في المساحة التي وضع الشارع المقدس لها أحكاما إلزامية،أما (منطقة الفراغ) التي تركها الشارع المقدس للأمة كي تقرّر ما يناسب حالها وظروفها فهي منطقة فراغ بمعنى خلوّ الشريعة فيها من الأحكام الإلزامية، ولا تعني ترك الشريعة لها من دون حكم غير إلزامي لأنه خلاف ما نعتقده من أنه (ما من واقعة إلا ولله فيها حكم).

وهذه المساحة تشمل أيضا منطقة العناوين الثانوية كالضرر والعسر والحرج

ص: 171

والإخلال بالنظام الاجتماعي العام، فإن هذه العناوين الثانوية التي تطرأ على الموضوع تسقط الأحكام الأولية الأصلية حتى لو كانت إلزامية، فترتفع حرمة أكل الميتة عند الاضطرار ويسقط وجوب الوضوء عند العسر ووجوب الصوم عند الضرر.ومثل هذه المناطق (منطقة الفراغ والعناوين الثانوية) هي التي يوضع الدستور والقوانين المنبثقة عنه لملئها وفي هذه المنطقة التي يغطيها الدستور لا مانع من أن يجتمع أعضاء منتخبون من قبل الشعب ليقرر الأصلح بالاستفادة من تجارب وتشريعات الأمم الأخرى، وانطلاقاً من ثوابتهم الأخلاقية والاجتماعية والثقافية والظروف المحيطة بهم، ولكن يشترط في هذه التشريعات أن لا تخالف الشريعة الإسلامية وهذا بالضبط ما أقرّه الدستور حيث أعلنت كبيرة النساء العلمانيات أننا أُصبنا بخيبة أمل كبيرة من الدستور، وانتقد العلمانيون الولايات المتحدة بأنها عبرت المحيطات وقدّمت آلاف القتلى ومليارات الدولارات لتقيم حكماً إسلامياً في العراق فلله الحمد أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً.

السؤال الثالث: مسألة ازدواج الجنسية ورأي المرجعية فيها؟

بسمه تعالى:أن مسألة ازدواج الجنسية تُلحظ باتجاهين، فتارة ننظر إليها بلحاظ العراقي الذي يحصل على جنسية دولة أخرى بعد أن تنطبق عليه قوانين منح الجنسية لتلك الدولة، وتارة ننظر إليها بلحاظ الأجنبي الذي يراد منحه الجنسية العراقية.

أما الحالة الأولى فلا اعتراض عليها خصوصاً بالنسبة للإخوة الذين هجّرهم

ص: 172

صدام المدحور قسراً أو هجروا الوطن بعد أن ضاقت عليهم السبل وبقي الولاء للعراق أرضاً وشعباً يسري في عروقهم، أما الحالة الثانية فلابد من وضع قيود شديدة لها ليست كتلك المعمول بها في الدول الغربية؛ لأن الجنسية العراقية تعني خصائص دينية واجتماعية وثقافية وحضارية لا تحصل للشخص بإقامته في العراق خمس سنين أو بولادته في بلاد الغرب من أم عراقية وأب أجنبي، فلا تكون مثل هذه الضوابط كافية لمنحه الجنسية العراقية، على أن نسيج مجتمعنا العراقي من التماسك والتقارب مما يصعب معه إدخال عناصر غريبة عنه ولا يحتاج إليها، وبنفس الوقت لا نستطيع أن نحرم غير العراقي من ولد من أب غير عراقي وعاش وتزوج وأنجب في العراق حتى أصبح عراقياً على نحو الحقيقة من جميع الجهات. لذا وضعنا ضوابط لمنح الجنسية العراقية لمثل هؤلاء في الحلقة الأولى من (ثقافة دستورية) وتعليقاتنا على الدستور مما يجب أن يلحظه الإخوة المشرعون عند وضعهم لقوانين الجنسية بإذن الله تعالى.

السؤال الرابع: ما هو رأيكم فيما يُثار من الخوف على عروبة العراق في الدستور الجديد؟

بسمه تعالى: إذا كان المقصود بالعروبة الأخلاق الفاضلة التي تأصلت لدى العرب كالغيرة والكرم والشجاعة والإباء والتي ذكّر بها الإمام الحسين (علیه السلام) أهل الكوفة وقال لهم (إن كنتم لا تخافون الله ولا ترجون يوم المعاد فارجعوا إلى أحسابكم وأنسابكم إن كنتم عُرُباً كما تزعمون) هذه التي كانت موجودة منذ الجاهلية إلا أنها كانت ناقصة ومخلوطة بأخلاق رديئة أخرى فجاء النبي

ص: 173

(صلی الله علیه و آله) ليهذب أخلاقهم ويطهّر نفوسهم وقلوبهم ويزيل عنهم إصر الجاهلية وأغلالها فقال (صلی الله علیه و آله) (إنما بُعِثتُ لأتمم مكارم الأخلاق) ونظمها جدي اليعقوبي (رحمه الله) في قصيدته: ومكارم الأخلاق كانت تشتكي *** نقصاً فتمّ بأحمد النقصانُ

فهذه الأخلاق وهذه الأصالة لا خوف عليها لأنها من صميم الإسلام الذي نتمسك به، وقد توالت على العراق قرون من سلطة غير العرب كالعثمانيين والصفويين ولم تؤثّر فيها بل بقي هو رائد العروبة لأنها متلازمة مع الإسلام واللغة العربية لغة القرآن والأحاديث الشريفة فالاعتناء بها جزء من الاعتناء بهما، حتى أن العصر الذي يسمّونه (الفترة المظلمة) من عصور الأدب العربي كان هو من أكثر العصور ازدهاراً في مدرسة النجف الأشرف والحلّة الفيحاء وشهد مفاخر الشعر عبر التأريخ ولسنا بصدد بيان التفاصيل، فهذا الوجه الناصع الرائع للعروبة أصله ومعدنه وديمومته والحفاظ عليه في العراق ولا خشية عليه.

ولكن هؤلاء المرجفين لا يقصدونه لأنهم لا مبادئ لهم ولا أصالة ولا يهتمون به ولا يفكرون فيه، وإنما يقصدون بالعروبة الشعارات القومية التي ضحكوا بها على الشعوب العربية وساقوهم من خلال التهريج بها إلى المجازر والحروب العبثية وبددوا ثرواتهم على النزوات والشهوات وقتلوا بها الإسلام وعلماءه وشبابه الرسالي الواعي، فهذا نحن بريئون منه ونعمل على إسقاطه ونبذه ولا نقبل بعودة عقارب الساعة إلى الوراء بعد أن نجّانا الله تبارك وتعالى منها بلطفه وببركة دماء الشهداء البررة.

السؤال الخامس: ما هو تقييمكم لمسودّة الدستور المقدّمة إلى الجمعية

ص: 174

الوطنية؟بسمه تعالى: أثمّ-ن الجهود التي بذلها الإخوة في لجنة كتابة الدستور وأعلم أنهم حاولوا الخروج بصيغة تتوافق عليها مكوّنات الشعب العراقي وشهدت العملية تجاذبات كثيرة تصرف البعض فيها انطلاقاً من أنانيته ومصالحه الشخصية الضيّقة، وأراد آخرون فرض مطالبهم بأي شكل.

وقد مارس ممثلو الائتلاف دور الأبوية والرعاية تلبية لتوجيهات المرجعية الرشيدة حتى خرج الدستور بهذه الصيغة التي حظيت بموافقة الأغلبية، وإن كنت أسعى لتعديل بعض الموارد ليكون أكثر قبولاً.

لكن الخطوة الأهم هي في الالتزام بمواد الدستور وحسن تطبيقها فإن مجرد تسطيرها لا يكفي، فهذه الأنظمة الظالمة والطاغوتية كلها وضعت دساتير إلا أنها لا تلتزم بشيء إلا بمقدار ما يوافق مصالحها، فلا بد من الحزم والمصداقية والجدّية في التطبيق وثقيف الناس على الالتزام به بعد أن ألِفوا حياة الدكتاتورية والاستبداد.

محمد اليعقوبي

النجف الأشرف

27 رجب الأصب 1426 - 2/ 9/ 2005

ص: 175

خطاب المرحلة 94 :المرجعية تطالب بإصلاح بعض فقرات الدستور قبل أن نقول له (نعم)

إننا نعتقد أن نتائج أي استفتاء أو انتخاب لا تكون ملزمة من الناحية الشرعية إلا إذا أمضاها المجتهد الجامع للشرائط؛ لأنه –أي الفقيه- يمثل القانون الشرعي والأعلم به وبتطبيقاته والأقدر على تشخيص الأحكام للحالات المختلفة، وليس في هذه الفكرة مصادرة لرأي الأمة التي اختارت، وإنما هو تقنين وتكييف شرعي لاختيارها وإرادتها، كما أن القاضي العالم بالقانون الوضعي إذا حكم على حالة بحكم معين فإنه لا يمكن تجاوزه حتى وإن خرج أغلب الناس في تظاهرات للمطالبة بمخالفة ذلك الحكم، فإن مطلبهم هذا غير حق ومخالف للقانون، وعليه فإجراء حكم هذا القاضي لا يعني تغليب رأي الواحد على الأكثرية وإنما هو إطاعة الكل للقانون الذي استند إليه القاضي في إصدار الحكم.

فكذلك الولي الفقيه العارف بالأحكام الشرعية وموارد تطبيقها يعبّر عن القانون الشرعي ويجب أن ترجع إرادة الأمة إلى هذا القانون ما دام مثبتاً كقانون، فإذا استطاع المعارضون أن يثبتوا بالدليل الصحيح خطأ مستند هذا الحكم فيكون حينئذٍ العدول إلى ما دل عليه الدليل.

ص: 176

ومحل الشاهد اليوم هو الدستور فإن له إمضائين:الأول: شعبي إذا صوّت أغلب الشعب عليه وهو إمضاء تواضعي اصطلاحي باعتبار أن الدستور يمثل وثيقة تنظم حياة الناس وتحفظ الحقوق والواجبات للحاكم والمحكوم، ومن حق الناس أن يصطلحوا على الوثيقة التي تحظى بتأييد أكثريتهم وحينئذٍ يكون العمل به ملزماً للشعب، وهذا لا دخل لنا –كفقهاء – فيه لأنه من شؤون الناس كما لو كان الفقيه يعيش في دولة أوربية.

الثاني: شرعي وهذا يتحقق بإمضاء الفقيه الجامع للشرائط له وحينئذٍ يكتسب صفة الإلزام الشرعي ولا يكفي فيه موافقة الأغلبية:

وبالنسبة لي فإني أرى وجوب تعديل أكثر من فقرة لإضفاء الإلزام الشرعي على الصياغة المنشورة في الصحف الرسمية للدستور:

منها: الشراكة الكاملة التي حصلت عليها أقلية لا تزيد نسبتها عن 20 مع الأكثرية العربية التي تقرب من 80 في كل شيء، كما يظهر من المادة الثالثة وغيرها وتعويق عمل الأكثرية وفرض رأيها عليها باشتراط عدم نقض ثلثي ثلاث محافظات في كثير من مواد الدستور، فالمفروض أن تتمدد كل فئة بحسب حجمها على الأرض، وكان أحد أسباب هذا التمدد الذي وصل حد الابتزاز إلقاح الفتنة بين السنة والشيعة وخلق الفجوة بينهما مما جعل كلاً منهما يتوجه إلى الطرف الثالث الذي يبتز كلاً منهما وكان عليهما أن يعيا هذه الحالة.

ومنها: عدم وضع مادة واضحة تضمن تدفق تصاريف من المياه كافية لمتطلبات الحاجة البشرية والاقتصادية والبيئية.

ومنها: تعريفه العراقي في المادة الثامنة عشرة أنه من ولد من أب عراقي أو

ص: 177

أم عراقية، ومنح الجنسية العراقية لمن ولد من أمّ عراقية على إطلاقه ليس صحيحاً، إذ يمكن أن تأتي لنا النساء العراقيات المتسكعات في شوارع الغرب بأولاد لا نعرف أصلهم وتطالب بمنحهم الجنسية العراقية وهم لا يحملون شيئاً من خصائص الهوية العراقية، وليس بلدنا كبلاد الغرب بلا هوية ولا خصائص بل لنا أعرافنا وتقاليدنا وأنماط حياتنا وأخلاقنا التي تميّزُنا، فلا بد من تقييد الفقرة بأن يولد –من كانت أمه عراقية دون أبيه- في العراق ويعيش في العراق حتى بلوغ سن الرشد وأن يكون أبوه مقيماً في العراق قبل زواجه من العراقية سنوات على الأقل ونحوها من القيود.ومنها: إغفال ذكر (الأكراد الفيليين)(1) ضمن الأقليات العراقية في المادة (122) رغم ذكر من هم أقلّ عدداً، إضافة إلى ما تعرّضت له هذه الشريحة من اضطهاد وظلم وتشريد وقتل، وسعة انتشارها في محافظات عديدة فعدم ذكرها يشعرنا بالقلق على مصيرها حيث يُراد تذويبها في المنطقة الكردية أي إخضاعها لسلطة أكراد شمال العراق، رغم أن انتماءهم الديني إلى مدرسة أهل البيت (علیهم السلام) غالبٌ على قوميتهم الكردية مما يعني تذويب هويتهم وإلغاء شخصيتهم وهذا ما لا يمكن قبوله.

أمام هذه الأخطار لا أستطيع أن أضفي الشرعية على هذه الصيغة فلا بد من

ص: 178


1- شريحة كبيرة من المجتمع العراقي تنتشر في عدة محافظات يغلب عليها الولاء لأهل البيت (عليهم السلام) وقد سعى الأكراد لضمهم لهم ومن ثم التمدد على أراضيهم لضمها إلى كردستان فألغوا ذكرهم في الأقليات وجاملهم الائتلاف الشيعي من أجل مغانم زائلة وضاعت هذه الشريحة المظلومة بيد أهلها وخصومها والله المستعان.

إجراء التعديلات التي لا تضرّ بأحد لكن إبقاءها على ما هي عليه يضرّ بالأغلبية الساحقة، وأودّ ممن يشاركني هذا القلق أن يضغط معي لإصلاح الحال ما دام في الوقت متّسع باعتبار أن التصويت عليه لم يحصل وإنّ إجراء التعديل الآن أسهل من محاولته بعد إقراره.لكنني لكي لا أصادر جهود الذين كتبوا الدستور وتعبوا في صياغته ولكي لا أصادر إرادة الشعب في اختيار الوثيقة التي تنظم حياته، فإني أترك الباب مفتوحاً أمامه للاستفتاء ب-(نعم) على الدستور، ولا مانع من أن يستمر القادة السياسيون في حزب الفضيلة الإسلامي وغيره من الأحزاب الإسلامية والوطنية في تثقيف الناس في هذا الاتجاه باعتبارهم يعرّفون السياسة بأنها (فنّ الممكن) ويقولون أن هذا هو الممكن، وعلى أي حال فإن قول (لا) للدستور غير وارد في حساباتنا.

محمد اليعقوبي

19 شعبان 1426 الموافق 24/ 9/ 2005

ص: 179

خطاب المرحلة 95 :دعاء الندبة والعيد

خطاب المرحلة 95 :دعاء الندبة والعيد(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

من الأعمال المستحبة يوم العيد قراءة دعاء الندبة وهو دعاء جليل شريف يتضمن معاني عالية ودروس قيّمة ينبغي للمؤمن الواعي الرسالي أن يستفيد منها، ويمكن فهم وجود الدعاء ضمن الأعمال التي ورد استحبابها لهذا اليوم الشريف الأول من شوّال المكرم على أنه جزء من برنامج أعدّه الأئمة المعصومون (علیهم السلام) لشيعتهم لكي يعيشوا الأجواء الواقعية لهذا اليوم، ولا ينخرطوا في الحالة التي تدعوا لها النفس الأمّارة بالسوء من اللهو والعبث وممارسة الأفعال التي لا تخلو من المعاصي في أيام العيد، التي ينظر إليها أغلب الناس على أنها مناسبة اجتماعية وفرصة للاستجابة لمشتهيات النفس وتعويضها عما حرمت منه في شهر رمضان-كما تظن-.

بينما هذا اليوم في الحقيقة مناسبة دينية شريفة لأنه كأيّ يوم توزَّع نتائج الامتحانات والمسابقات فيه-يكون يوم ترقب وتوجّس وانتظار، ينظر المؤمن فيه تارة إلى رحمة الله تعالى وكرمه وعظيم مِننه فيتفاءل وينتعش الأمل في أن

ص: 180


1- خطبة صلاة عيد الفطر المبارك التي ألقاها سماحة الشيخ دام ظله في جموع المصلين الذين حضروها صباح يوم الجمعة الأول من شوال 1426 المصادف 4 /11/ 2005.

يحظى بالدرجات الرفيعة في جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار ورضوانٌ من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم، ويلتفت تارة أخرى إلى عيوب نفسه وقصوره وتقصيره وظلمه في هذا الشهر المبارك وغيره فيتضاءل عنده الأمل بالنجاة. وفي ظل هذه الموازنة يمضي الإنسان في حياته مندفعاً في الاتجاه الإيجابي الذي تقتضيه، ولا يوجد فيها مكان للعبث واللهو والانحدار في أفعال غير مرضية، لذا حفلت هذه الأيام بالأدعية والصلوات والأذكار التي تنسجم مع واقع هذا اليوم الشريف ومنها دعاء الندبة.

كما أن هذه الأعمال تؤدي وظيفة أخرى وهي تذكير الأمة بأن العيد الحقيقي لا يتحقق بثوب جديد أو موقع كبير أو مال جزيل، وإنما العيد الحقيقي أن تحيى في ظل طاعة الله تعالى وإدامة ذكره وعدم الغفلة عنه والارتباط المتواصل به، بحيث لا تندفع إلا إلى ما أمر به وحثّ عليه، ولا تنزجر إلا عمّا نهى عنه لذا ورد في الحديث الشريف (كل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد)، فلا عيد لهؤلاء الذين يمضون ساعاته في الفسق والفجور والمجون كذلك الذي يقول:

رمضان ولّى هاتها يا ساقي *** مشتاقة تسعى إلى مشتاقِ

فإن أمثال هؤلاء تعساء وأشقياء لكنهم غافلون عن صورتهم الحقيقية، وعميت أبصارهم عن الالتفات إلى واقعهم المؤلم حتى إذا ماتوا فوجئوا بما صنعوا وبما قدّموا لأنفسهم [وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ، وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ، لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ] (قّ:19-

ص: 181

22) وفي الحديث الشريف (الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا).وإضافة إلى هذه المعاني العامة فإن لدعاء الندبة خصوصيات ترتبط بيوم العيد الشريف:

منها: أن أفراحكم لا تنسيكم مصائب أهل البيت (علیهم السلام) وشيعتهم ومواليهم وكل العاملين الرساليين التي لا زالت تقع عليهم من كل حدب وصوب، يقول الإمام السجاد (علیه السلام) في يوم عيد بعد استشهاد أبيه الحسين (علیه السلام) وأصحابه البررة وهو كئيب حزين:

يفرح هذا الورى بعيدهم *** ونحن أعيادنا مآتمنا

وقد أخبر رسول الله (صلی الله علیه و آله) أهل بيته والسائرين على دربه بذلك فقال (صلی الله علیه و آله): (أنتم المستضعفون بعدي) فيذكرُنا الدعاء بعدد من تلك المصائب والنكبات (فعلى الأطايب من أهل بيت محمد وعلي صلى الله عليهما وآلهما فليبك الباكون، وإياهم فليندب النادبون ولمثلهم فلتذرفَ الدموع وليصرخ الصارخون ويضجّ الضاجّون ويعجَّ العاجّون، أين الحسن أين الحسين؟ أين أبناء الحسين؟ صالحٌ بعد صالح وصادقٌ بعد صادق).

وحينما يحث الشارع على استثارة الحزن فليس ذلك لأنه يريد أن نعيش حياة التشاؤم والألم والانزواء، بل لأن الحزن والعاطفة عموماً خير محفّز للعمل ويزيل قسوة القلب التي يُستعاذ بها في الدعاء (من جمود العين وقسوة القلب) والواقع شاهد على ذلك) والمعنى مأخوذ من قصار كلمات أمير المؤمنين (علیه السلام) في نهج البلاغة.

ومنها: أن يوم العيد وان كان له دور كبير في توحيد الأمة وزيادة أواصر

ص: 182

المحبة وصفاء القلوب بما يتضمن من زيارات وتبادل التهاني والتبريكات، وهي أعمال رغّب فيها الشارع المقدس وأشارت الأحاديث والأدعية الشريفة إليها، ففي دعاء الإمام السجّاد (ع) في وداع شهر رمضان (اللهم إنا نتوب إليك في يوم فطرنا الذي جعلته للمؤمنين عيداً وسروراً، ولأهل ملّتك مجمعاً ومحتشداً). إلا أن دعاء الندبة يوجهنا إلى ركن آخر مهم ترتكز عليها وحدة الأمة، وهو التفاتها والتفافها حول قيادتها الحقيقية المتمثلة برسول الله (صلی الله علیه و آله) والأئمة الطاهرين (علیهم السلام) التي انتهت إلى بقية الله الأعظم (أرواحنا له الفداء)، وفي أثناء غيبته تتمثل بالفقهاء العدول المخلصين الواعين القادرين على سياسة الأمة ورعاية شؤونها والدفاع عن حقوقها، فإذا تفرقت الأمة عن مثل هذه القيادة ضاعت وتشتتت ولا تنفع المجاملات في يوم العيد ولا في غيره لجمعها وتوحيدها قال تعالى [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذ كُنْتُمْ أعداء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فأنقَذَكُمْ مِنْهَا] (آل عمران:103) وحبل الله هو القرآن والناطقون الحقيقيون به هم من ذكَرنا.

وقد نبّهت الصِدِّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء إلى هذا المعنى في خطبتها في مسجد أبيها (صلی الله علیه و آله) (وجعل إمامتنا نظاماً للملة)، ودعاء الندبة حافل بالإشارات إلى الأئمة الحقيقيين للأمة وبتسلسل دقيق إلى أن قال (فلما انقضت أيامه (صلی الله علیه و آله) أقام وليّه علي بن أبي طالب صلواتك عليهما وآلهما هادياً إذ كان هو المنذر ولكل قوم هاد فقال والملأ أمامه: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهم والِ

ص: 183

من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله، وقال (صلی الله علیه و آله) من كنت أنا نبيّه فعليٌّ أميره). ثم يشير إلى حال الأمة في التفرق عنهم (علیهم السلام) (ولما قضى نحبه وقتله أشقى الآخِرين يتبع أشقى الأولين لم يُمتَثَل أمر رسول الله ص في الهادين بعد الهادين والأمةُ مجتمعةٌ على قطيعة رحمه وإقصاء وُلْدِه إلا القليلَ ممن وفى لرعاية الحق فيهم).

ومنها: أن نفس الإنسان تطمح إلى الدنيا والتوسع فيها خصوصاً في مثل أيام العيد، فيريد الدعاء أن يكبح جماح هذه الرغبة ويزهّده في الدنيا باستعراض تقلبها بأهلها وجورها على أولياء الله تعالى ولو كان لها قيمة عند الله تعالى لاختصّ الله بها أولياءه كما في الحديث (لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء).

ويلفت الدعاء نظرنا إلى فكرة مهمة وهي أن من رغب في نيل الدرجات الرفيعة عند الله تعالى فإن شرط الله تعالى هو الزهد في هذه الدنيا وعدم الالتفات إليها والأخذ منها إلا بمقدار الحاجة وأول من استجاب لهذا الشرط ووفى به رسول الله (صلی الله علیه و آله) والأئمة من أهل بيته والأنبياء والرسل الكرام، يقول الدعاء (اللهم لك الحمد على ما جرى به قضاؤك في أوليائك الذين استخلصتهم لنفسك ودينك إذ اخترت لهم جزيل ما عندك من النعيم المقيم الذي لا زوال له ولا اضمحلال بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنيّة وزخرفها وزبرجها فشرطوا لك ذلك وعلمت منهم الوفاء به فقبلتهم وقرّبتهم وقدّمت لهم الذكر العليَّ والثناء الجليّ وأهبطتَ عليهم ملائكتك

ص: 184

وكرّمتهم بوحيك ورفدتهم بعلمك وجعلتهم الذريعة إليك والوسيلة إلى رضوانك).ووجه الاشتراط واضح لأن القلب المملوء بالتعلق بالدنيا لا يصلح بيتاً للرحمن ففي الحديث القدسي (لم يسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن) ثم قال تعالى: [وَطَهِّرْ بَيْتِيَ] (الحج: 26) لذا أدّبَ اللهُ تبارك وتعالى نبيه [وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى] (طه:131).

والدعاء إضافة إلى ذلك كله مليء بالتلهف والشوق لِلِقاء إمام العصر والتأسّف على الحرمان من النظر إلى طلعته المباركة، فيقول الدعاء (هل إليك يا ابن أحمد سبيلٌ فتُ-لقى هل يتصل يومنا يومنا منك بغده فنحظى، متى نرِدُ مناهلك الرويّة فنروى، متى ننتقع من عذب مائك فقد طال الصدى، متى نغاديك ونراوحك فتقرُّ عيوننا، متى ترانا ونراك وقد نشرتَ لواء النصر تُرى أترانا نحفُّ بك وأنت تؤمُّ الملأ وقد ملأت الأرض عدلاً وأذقتَ أعداءك هواناً وعقاباً وأبَرْتَ العتاةَ وجَحَدةَ الحق وقطعتَ دابر المتكبرين واجتثثتَ أصول الظالمين ونحن نقول الحمد لله رب العالمين..) وصلى الله على رسوله والأئمة الميامين من آله وسلّم تسليماً كثيراً.

ص: 185

خطاب المرحلة 96 :الشعب العراقي مدعو إلى صنع مستقبله في الانتخابات المقبلة ووضع النقاط على الحروف

خطاب المرحلة 96 :الشعب العراقي مدعو إلى(1) صنع مستقبله في الانتخابات المقبلة ووضع النقاط على الحروف

بسم الله الرحمن الرحيم

الشعب العراقي مدعو إلى صنع مستقبله في الانتخابات المقبلة ووضع النقاط على الحروف، ولا تقل الانتخابات المقبلة أهمية عن سابقتها بل هي أهم منها لأننا قلنا أن من مناشئ أهمية تلك الانتخابات أنها ستفرز ثلة قادرة على وضع دستور ينظم حياة الشعب العراقي ويرسم مستقبله وقد تمت هذه العملية وخرج الدستور بالشكل الذي أمكن التوافق عليه بين مكونات الشعب العراقي، وقد قلنا انه لا يخلو من نواقص وثغرات وطالبنا بتعديلها وقد تم بفضل الله تعالى إصلاح جملة منها، لكن طبيعة الرغبات والطلبات المتصارعة والمتزاحمة تقتضي أن يتنازل كل طرف عن بعض مطالبه ويتقدم نحو الآخر الذي يفعل نفس الشيء إلى أن يلتقوا عند نقطة التوافق.

ص: 186


1- من حديث لسماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع حشد من المؤمنين من مختلف المدن العراقية لحثهم على المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة بعد ما وجد إعراضاً من شرائح واسعة من المجتمع عن المشاركة بسبب سوء أداء الحكومة والهجمة الإعلامية المضلّلة.

وقد يجد السياسيون أنفسهم في هذه المرحلة التأسيسية أنهم مضطرون إلى هذا النمط من السير في العملية السياسية نظراً للضغوطات الكبيرة التي تمارسها قوى داخلية وخارجية لحرمان اتباع أهل البيت من نيل حقوقهم وإعادة الوضع إلى سابقه، وتمارس الدول الإقليمية والكبرى وأذنابهم في الداخل مختلف وسائل الترغيب والترهيب القوية والفاعلة للوصول إلى هذه النتيجة، لكن فضل الله تبارك وتعالى وألطاف صاحب العصر (ع) والحكمة التي يجب أن تتصف بها مواقفنا هي التي تحفظ وترعى هذا الوجود المبارك والمستمر لمدرسة أهل البيت (علیهم السلام).لكن هذا الجهد كله كان هو البداية والمنطلق لمسيرة المستقبل الزاهر، والذي تحقق هو كتابة أصل الدستور وبقيت تفريعاته وقوانينه التي يمكن أن تبدل مضمونه كليا وتفقده معناه وتسلب كل المكاسب التي تحققت فيه، فمثلا حينما نكتب الحرف (ح) فإنك تقرأه حاءاً لكن يمكن أن تضع نقطة فوقه ليصبح خاءً أو تحته فيصبح جيماً ويتغير معناه تماماً لذا فإن مرحلة (وضع النقاط على الحروف) هي التي تقطف الثمرات وتحقق النتائج وتؤدي المعنى المطلوب.

ولمزيد من الفائدة أقول وان كان خارج الموضوع أنه يمكن فرض وجه مناسب لفهم ما ورد في ذيل قول أمير المؤمنين (علیه السلام) (جمعت علوم القران كلها في الفاتحة وجمعت علوم الفاتحة كلها في البسملة وجمعت علوم البسملة كلها في الباء وجمعت علوم الباء كلها في النقطة وأنا تلك النقطة) بأن يقال في بيانه أنه (علیه السلام) هو المظهر لعلوم القرآن الحقيقية ومن دونه (علیه السلام) تبقى

ص: 187

المعاني ظاهرية مجملة أو مطلقة وعنده (ع) البيان التفصيلي وهو القادر على وضع النقاط في مكانها الحقيقي من الحروف ليوضح معانيها الحقيقية.فالجمعية الوطنية المقبلة مسئولة عن وضع النقاط على حروف هذا الدستور وتنظيم قوانينه التفصيلية، لأن أكثر من خمسين مادة ذيلت بعبارة (وينظم ذلك بقانون)، مثلا حينما اعترضنا على تعريف العراقي بأنه من ولد من أب عراقي أو أم عراقية وقلنا أن ترك عبارة (أم عراقية) على إطلاقها غير صحيح ويسبب مشاكل ذكرناها في بيان سابق فلابد من إلحاقها بعبارة (وينظم ذلك بقانون) لوضع قيود لهذا التعريف يجنبنا تلك الإشكالات، وقد تحقق هذا التعديل ويمكننا حينئذ إقرار تلك القيود في قانون تكتبه الجمعية الوطنية المقبلة.

وأمام هذه المهمة الخطيرة والتحديات الواسعة التي تواجهها الأمة، فهي مسئولة عن صنع مستقبلها بيدها بالمشاركة الايجابية الفاعلة في الانتخابات إذا تخلت عن واجبها وتواكلت وتخاذلت فسيصنع غيرها هذا المستقبل وسوف لا يكون في صالحها بالتأكيد.

إني أعلم بوجود استياء من أداء الحكومة وتقصيرها واعلم أن توزيع المقاعد لم يكن مناسبا لثقل الكيانات في الساحة، وأعلم أن أسماءً في القوائم الانتخابية ليسوا مرضيين عند هذا الطرف أو ذاك وأنا اسلم بصحة كل هذه الإشكالات، لكن هذه كلها مطالب جزئية يجب تذويبها في المصلحة العامة لأنك حينما تذهب إلى صناديق الاقتراع فانك لا تنتخب شخصاً بعينه ولا حتى القائمة في محافظتك وان كنت تعطيها صوتك وإنما تنتخب كياناً وخطاً واتجاها سوف يجمع كل هؤلاء المرشحين، ولا شك أنه يضم الكثيرين ممن

ص: 188

يمثلون وجهة نظرك ويدافعون عن حقوقك وتأمنهم على مستقبلك فحينما تعطي صوتك في السماوة لقائمة ليس لحزبك فيها مقعد فإن هذا لا يضر؛ لأن الآخر يعطي صوته لك في البصرة أو الناصرية التي لك فيها أكثر من مقعد وبالتالي سوف يجتمع كل هؤلاء تحت مظلة الجمعية الوطنية.وأعتقد أنهم جميعاً متوافقون على المبادئ الأساسية كوحدة العراق وسيادته الكاملة على أراضيه، وطرد المحتل وبناء مستقبل زاهر للشعب واحترام حقوق الإنسان والمساواة أمام القانون والتوزيع العادل للثروة، وقطع يد الإرهاب والاقتصاص من القتلة والمجرمين ومراعاة ثقافة الشعب ودينه وأعرافه وغيرها، ومادامت هذه المبادئ متفقاً عليها لدى الائتلاف فما الضير في أن يكون زيد أو عمرو أعضائه.

هذه الأخلاق وان كانت ستحرمنا من مصالح معينة ويعتبرها السياسيون اللاهثون وراء المصالح الشخصية والفئوية (مثالية) لا واقع لها، لكنها هي سياسة أهل البيت (علیهم السلام) التي ربّوا شيعتهم عليها، ونحن مدعوون إلى الالتزام بها أن كان ذلك صعبا على النفس لكن اعتبروها خطوة في طريق (الجهاد الأكبر) وسوف لا يفوتكم الكثير والعاقبة للمتقين.

لقد كانت مشاركة العراقيين في الاستفتاء على الدستور(1) قوية وفعالة فاقت الحسابات التي توقعت تراجع المشاركة بسبب الاستياء من أداء الحكومة

ص: 189


1- جرى الاستفتاء على الدستور في يوم السبت 11 رمضان 1426 المصادف 15/ 10/ 2005 حيث هب أكثر من عشرة ملايين من أصل حوالي (15.5) مليون عراقي ممن يحق لهم الانتخاب بمناظر مثيرة وبذلوا جهوداً كبيرة للوصول إلى مراكز الاستفتاء لوجود حظر على حركة السيارات

وضغط الإرهاب والضجيج الإعلامي المعادي، لكن نسبة المشاركة بلغت(63) أي أكثر من نسبة المشاركة في الانتخابات السابقة وأكثر بكثير من حجم المشاركة من حجم الانتخابات(1) في دول مستقرة كمصر التي بلغت (23) في انتخابات الرئاسة و(52) في الولايات المتحدة مما يعني أن الشعب العراقي واعٍ لدوره وأهمية صوته وتأثيره في تغيير التوازنات في العملية السياسية. ونأمل منهم أن يكونوا بنفس الاندفاع والهمة و الحماس للمشاركة في الانتخابات المقبلة واختيار الأفضل من حيث الكفاءة والنزاهة والإخلاص، وعلى القادة السياسيين أن يقدروا لهذا الشعب وقفاته الشجاعة والمباركة ويعملوا بكل تفانٍ وإخلاص لإسعاده ورفع الظلم عنه وإيصال حقوقه إليه، وعلى المثقفين والمفكرين والخطباء والمبلغين مواصلة الجهد لرفع مستوى الوعي لدى الأمة حتى تتمكن من ممارسة حقها بدقة وتختار الأصلح، وأن يفهم الناس أن هذا حق لهم وينبغي أن يكونوا حريصين به كسائر حقوقهم ولا يحتاج أن نوجبه شرعًا لكي يندفعوا للمشاركة.

محمد اليعقوبي 3 شوال 1426- 6/ 11/ 2005

ص: 190


1- المقصود بها عملية انتخابات رئيس الجمهورية في هذا العام أما الانتخابات التشريعية في مصر والتي بدأت مرحلتها الأولى يوم الأربعاء 6 شوال 1426 المصادف 9/ 11/ 2005 فلم تزد نسبة المشاركة عن 24 رغم التحشيد الإعلامي والتعبئة الجماهيرية للأحزاب المشاركة والحكومة.

خطاب المرحلة 97 :الموقف من الانتخابات

اشارة

خطاب المرحلة 97 :الموقف من الانتخابات(1)

س/ من المعلوم أنكم دعمتم الانتخابات السابقة وأوجبتم المشاركة فيها وكانت فتواكم أقوى ما صدر من المرجعيات الدينية حين قلتم أن هذا الوجوب أهم من وجوب الصلاة والصوم , فهل مازال الوجوب على حاله بالنسبة للانتخابات المقبلة؟

بسمه تعالى: يجب تصحيح النقل عني اولا فإنني قلت : ان اختيار القيادة الصالحة وتمكينها من ولاية امور الناس واجب أهم من الصلاة والصوم اما تطبيق هذه الفكرة على هذه الانتخابات او تلك، وعلى هؤلاء الاشخاص او غيرهم فهذه تختلف من حالة الى اخرى(2)، إن ذلك الموقف لم يكن دعائياً ولا إعلامياً وإنما كان مبنياً على أسس شرعية في ضوء نظريات (الفقه الاجتماعي) الذي بيّنا أسسه ومعالمه في كتيب (الأسس العامة للفقه الاجتماعي) وقد شرحناها في عدة بيانات من سلسلة (خطاب المرحلة)كالبيانات (43) و(55) وغيرها، ومما قلناه أن المستفاد من ذوق

ص: 191


1- يأتي هذا البيان ضمن نفس سياق البيان السابق وفي فترته الزمنية.
2- راجع تفصيلاً اكثر مع الاستدلال على هذه الفكرة في كتاب (فقه المشاركة في السلطة) لسماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله)

الشريعة اهتمامها بالواجبات الاجتماعية أكثر من الفردية فمثلاً ورد عن الأئمة المعصومين (علیهم السلام) (إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام) لما فيه من حفظ وحدة الأمة وعزتها وقوتها ومنعها من التفكك والتشرذم ووردَ (فضل العالم على العابد كفضل الشمس على سائر النجوم لأن العلم يبني المجتمع والحضارة ويَقوِم حياة البشرية أما العبادة فذات مردود فردي غالباً وإن كان لها أثر اجتماعي إذا كانت مقبولة. وورد من الفضائل والآثار العظيمة لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي هي فريضة اجتماعية تجب على مجموع الأمة ما يذهل ويحفز كل إنسان لأدائها بالشكل الذي يتيسر له.

فالمشاركة بالانتخابات باعتبارها الوسيلة المتيسرة الآن لإيصال المؤمنين الصالحين الكفوئين النزيهين إلى موقع السلطة ومفاصل الدولة من الوظائف الاجتماعية التي عرفت أهميتها وبوصول هذه الثُلة تحفظ الصلاة والصيام وإذا وصل غيرهم فلا تبقى صلاة ولا صيام كما عشنا في زمان صدام المجرم وسائر الطواغيت حين عطلت المساجد وقتل المؤمنون وشردوا.

والشاهد الآخر على هذه الأهمية قوله تعالى [يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ..] (المائدة:67) فجعل الله تبارك وتعالى تعيين القيادة وتنصيب ولاة أمر المسلمين في كفّة والرسالة كلها بكفّة أخرى، وإن لم تنجح الأمة في اختيار قادتها الحقيقيين وإيصالهم إلى المواقع التي يستحقونها فإنها ستضيّع الشريعة كما حصل خلال القرون المتمادية، ولم يبق على دين الحق إلا النزر اليسير من هذه

ص: 192

البشرية الضالة المتعبة. والخلاصة إن لهذه الأهمية أكثر من وجه:

1.أنها وظيفة اجتماعية وهي أهم من الأعمال الفردية.

2.أنها أعظم وسيلة لتطبيق فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأعظم آلياتها فالنصح والإرشاد والموعظة قد تهدي واحداً أو مئة لكن وصول الرجل الصالح إلى موقع القيادة يغيّر حال الملايين فوجوب المشاركة من وجوب هذه الفريضة.

3.أنها الوسيلة المتيسرة لتعيين القيادات الصالحة للأمة التي علمت الشريفة أنها تعادل الرسالة كلها.

4.بوصول الثلة الصالحة تحفظ الصلاة والصيام وسائر الشعائر المقدسة وأحكام الدين بالمقدار المتيسر وبوصول غيرهم تهدم هذه المعالم وحفظها واجب.

نعم، قد يحصل خطأ في التطبيق بمعنى عدم كفاءة بعض العناصر المختارة أو تقصيرها أو سوء تصرفها أو عدم الدقة في اختيارها لكن هذا خطأ في التطبيق ولا يجوز أن ينعكس على أصل الوجوب.

والعراق اليوم أصبح ساحة لمواجهة عالمية تتصارع فيها معسكرات متعددة:

الأول: أمريكا التي تريد أن تتحكم بمصير العالم وتمنع من قيام قوة عالمية كبرى تنافسها وتهدد مصالحها وتحالف معها من يريد أن يركب قطار المصالح قبل أن تفوته.

الثاني: الدول التي تخشى التفرعن الأمريكي وتخاف من السقوط في

ص: 193

قبضتها والتحكم فيها من خلال السيطرة على مصادر النفط والثروات الأخرى والمواقع الجغرافية الستراتيجية ومن هذه الدول فرنسا وألمانيا وروسيا.الثالث: المتحجرون التكفيريون الطائفيون الذين امتلأت قلوبهم غيضاً وحنقاً من ظهور صوت الحق المعبّر عن مدرسة أهل البيت ع.

الرابع: الدول الإقليمية التي تخشى من نجاح التجربة العراقية وإطلاق حرية الأمة وإرادتها بينما يريدون هم أن يواصلوا مسيرة الاستبداد والظلم والاستئثار.

الخامس: الصداميون المجرمون الذين يحلمون من خلال إرباك الوضع في العراق وخلق الأزمات زرع اليأس والإحباط في نفوس العراقيين بالعودة إلى مواقع السلطة التي وظفوها للجريمة والأطماع غير المشروعة والأعمال الصبيانية ونهب ثروات الشعب.

السادس: مرضى النفوس والأنانيون والنَهِمون في جمع المال ولو على حساب البائسين.

هذه القوى كلها تتصارع في العراق والضحية الأولى هو الشعب العراقي نفسه، فعليه أن يتوكل على الله تعالى ويقف وقفة الشجاع الواثق بنفسه القادر على دحر كل هؤلاء وإعادة الأمور إلى نصابها من خلال وضع الشخص المناسب في المكان المناسب وقطع الطريق على كل الطامعين والمجرمين والأعداء.

وقد أشرنا إلى آليات العمل عبر سلسلة طويلة من خطاب المرحلة ومن ضمنها وجوب التصدي للعملية السياسية على من يجد في نفسه الكفاءة والنزاهة والقدرة على خدمة بلده وشعبه، وأن يعرّف نفسه للأمة كي تختاره

ص: 194

ويؤدي واجبه ومنها وجوب المشاركة في الانتخابات لإيصال مثل هؤلاء إلى مواقع السلطة والحكومة حتى تتحرر الأمة من ظلم هذه المعسكرات الظالمة.مضافاً إلى ما ذكرنا في بيان سابق أن المرحلة الآتية هي مرحلة وضع النقاط على حروف الدستور، وهي مهمة خطيرة يمكن أن تفرغ الدستور من كل مضامينه الايجابية التي حققها ممثلو الشعب في لجنة كتابة الدستور. كما أن وضع النقطة أعلى الحرف أو أسفله أو حذفها منه تغيّر معناه جذرياً.

وبصراحة فإني أريد من كل شخص أن يحسّ أن الإدلاء بالصوت في صناديق الاقتراع هو حق له يعزّز انتماءه للوطن ويفعّل دوره في بناء مستقبل الأمة فيندفع بإصرار وحرص بل بفرح وسرور للتمتع به ولا نريد أن يشعر أنه واجب مفروض عليه لا بد من أدائه رغماً عليه وفرق كبير في المشاعر بين ممارسة الحق وأداء الواجب.

س2: هل أوجبتم التصويت لقائمة معينة في الانتخابات المقبلة؟

ج: بسمه تعالى: قلت قبل قليل أن المشاركة في الانتخابات حق قبل أن تفرضه استحقاقات المرحلة وتوجبه، وما دام حقاً فلكل إنسان الحريّة في طريقة الاستفادة منه وممارسته ولا نفرض عليه توجّهاً معيّناً، ومن جهة أخرى فإننا نطمح أن يرتقي الوعي السياسي والقدرة على الاختيار لدى الأمة إلى المستوى الذي يصبح فيه مؤهلاً لاختيار الأكفّاء الصالحين القادرين على إعادة الحق إلى أهله، ومن جهة ثالثة فإننا نريد من الأمة أن تتحمل مسؤوليتها في اختيار قادتها من دون توسط المرجعية الدينية ليكون هؤلاء القادة مسؤولين أمامها مباشرة وحريصين على تحقيق مطلبها والفوز برضاها، أما تصدي

ص: 195

المرجعية لتحديد الأسماء فإنه يجعل المرجعية بين المطرقة والسندان فمن جهة لا ترضى على الكثير من أداء المتصدين للحكومة ولا تستطيع الدفاع عنهم أمام استياء الناس وإلحاحهم في قضاء مطالبهم، ومن جهة لا نستطيع رفع اليد عن دعم المتصدين لأهمية المرحلة التي ذكرتها فيقع العبء والحرج على المرجعية، فالصحيح المسؤولية المباشرة للمتصدين أمام الشعب ويكون للمرجعية دور المراقبة والتوجيه والنصح والدعم والتأييد لكل ما هو حق ومفيد. ولكن لأن التجربة جديدة على الشعب وهو لم يستعد لها ولم تكف المدة لاستيعاب هذا التطور، ولأن المرجعية هي أنزه جهة وأجمعها لخصال الخير والرحمة والحرص على الأمة والترفع عن الدنيا والمصالح الشخصية والفئوية، ولما تتسم به من الحكمة والرشد والوعي، فإن الأمة تتوجه إليها وتطلب منها المساعدة.

وفي ضوء هذا نقول إننا يجب أن ننتخب كتلة صالحة قوية لا تقل المقاعد التي تحصل عليها بإذن الله تعالى عن (92) مقعداً أي (الثلث زائد شيء)(1) لكي يكون صوتها مسموعاً ولا يمكن تجاهلها أو إقصاؤها وتهميشها، أما لو كانت المقاعد أقل من الثلث فيمكن للآخرين أن يتحالفوا ويحققوا نسبة الثلثين الكافية لتشكيل الحكومة ويعزلوا الثلة الصالحة.

ولا أريد بهذا الكلام أن أحرم الآخرين من الإدلاء بأصواتهم لرجال صالحين رشّحوا أنفسهم بقوائم متنوعة -وإن كان هذا يشتت الأصوات

ص: 196


1- ستأتي الإشارة إلى نتائج الانتخابات في هامش (صفحة 191).

ويوزعها على كسور لا تكفي للحصول على مقعد فتهمل وبإهمال هذه الكسور تضيع فرصة للحصول على مقاعد عديدة فيما لو كانت منضمّة إلى أصوات الكتلة القوية الكبيرة - لكنني أدعو هؤلاء الرجال الصالحين أن ينضموا إلى الكتلة القوية بعد الانتخابات لتقوى شوكتهم وتصبح لهم اليد العليا في القرار السياسي ولا يتفرقوا وتذهب ريحهم. ونشير هنا إلى ضرورة اهتمام الكيانات السياسية بنشر المراقبين في مراكز الاقتراع لأنني علمت أن خططاً رهيبة محكمة وضعت لشراء الأصوات وتغييرها أو تحريفها أو منعها من الاختيار الحر وغيرها من الانتهاكات.

[وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ] (التوبة:105)

محمد اليعقوبي

ص: 197

بيان حول شهيدة الفضيلة الدكتورة خولة محمد تقي زوين

بيان حول شهيدة الفضيلة الدكتورة خولة محمد تقي زوين(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد التحق اليوم بالرفيق الأعلى ليحظى بمقعد صدق عند مليك مقتدر مع الأحبة محمد وآله الطيبين الطاهرين كوكب آخر من شهداء الفضيلة، فقد امتدت يد الغدر والإجرام من أعداء الحضارة والإنسانية والمثل العليا لتمطر بالرصاص الشهيدة العلوية الدكتورة خولة محمد تقي زوين التي كانت نبراساً في الحركة الإسلامية الرسالية النجفية، وقد تعدى تأثيرها المبارك مجتمع

ص: 198


1- الدكتورة الفاضلة من أسرة علوية شريفة، وهي طبيبة متخصصة في العيون ورئيسة قسم في كلية الطب في جامعة الكوفة، وكانت من العاملات الرساليات على مدى سنين ومهتمة بنشر الفكر الإسلامي وإصلاح المجتمع، وقد عُرفت بالتواضع والأخلاق العالية وخدمة الناس حيث خصصت يومين أسبوعياً للمعالجة المجانية في عيادتها للفقراء، ولم تجد في الموقع الاجتماعي الكبير لها مانعاً عن القيام بالأعمال الإنسانية والنشاط الحركي، وكانت من المتابعين لحركة المرجعية الرشيدة والداعمين لها وتنشر صحيفة الصادقين حتى في عيادتها الخاصة. وفي تلك الفترة أيضاً امتدت يد الغدر والجهل والتعصب لتغتال الدكتورة تحفة جعفر التي وصف سماحة الشيخ قلمها وتحليلها بأنه اجتهادي ومن كتبها التي نشرها سماحة الشيخ بإشرافه في أيام الجور الصدامي كتاب (حل اللغز القرآني) وكانت محبّة للعلم والمعرفة حيث لم تشغلها مهنة الطب عن مواصلة دراستها في علوم القرآن في كلية الآداب وشارفت على تحصيل درجة الماجستير حينما استشهدت وكانت متفوقة بلا منافس. وقد كتبنا هذه الخلاصة لتخليد ذكر هذه النماذج المباركة وإنا لله وإنا إليه راجعون.

النساء لتؤثر في كل شرائح المجتمع بما تمتلك من عناصر القوة، وجعلت من كل المواقع التي كانت تتحرك فيها منبراً لهذه الدعوة المباركة ولإيصال صوت الحق والهداية سواء في كلية الطب جامعة الكوفة حيث كانت أستاذة فيها أو في عيادتها الطبية الخاصة أو المحافل والاجتماعات واللقاءات، وقد كانت وفية وموالية للمرجعية الرشيدة ومتواضعة في حياتها مما زاد في كمالاتها .لقد وهبت الشهيدة حياتها لله تعالى ولم يثنها عن عزمها ولا قلل من همتها ولا حماسها في العمل الأخطار المحدقة بالعاملين الرساليين المخلصين في هذا الزمان وفي كل زمان، حتى فازت بما كانت تصبوا إليه من نيل رضا الله تبارك وتعالى [وَرِضوَانٌ مِنَ اللهِ أكبَرُ ذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمُ].

لقد كنا نعدها لتحمل المسؤوليات الكبرى وقد كانت لها أهلاً، لكن الله تبارك وتعالى اختارها إليه طيبة مرضية؛ ليعلي درجاتها وليلحق العار بقتلتها المجرمين الغدرة الجبناء والذين لم يرقبوا فيها إلاً ولا ذمة ولا حرمة شهادتها العلمية الراقية ولا انتسابها إلى رسول الله ص ولا ضعفها كونها امرأة عزلاء وحيدة، فهنيئاً لها الجنان ومرافقة الأبرار وعظم الله أجر زوجها وذويها وعوضهم بما يجبر مصابهم ويسر قلوبهم إنه نعم المولى ونعم النصير.

محمد اليعقوبي

النجف الأشرف

9/ 11/ 2005م

6/شوال/1426ه-

ص: 199

خطاب المرحلة 98 :الشهيدان الصدران: تنوع أدوار ووحدة هدف

نستقبل خلال أيام الذكرى السنوية السابعة(1) لاستشهاد سيدنا الأستاذ الشهيد السيد محمد الصدر (قدس سره) في الثالث من شهر ذي القعدة، وأعتقد أننا إلى الآن لم نحتفل بالسيد الشهيد (قدس سره) احتفالاً واعياً يستلهم من أفكاره ومشاريعه ورؤاه ومنهجيته في العمل ما يوجّه مسيرتنا الحاضرة والمستقبلية.

وقد قلنا أن الماضي إنما يكتسب أهميته ويكون ذا قيمة إذا وُظِّف لحل مشاكل الحاضر والمستقبل ومعالجة قضاياهما، أما الاقتصار على الاحتفال العاطفي وتعداد المناقب والانجازات فهذا وإن كان فيه وفاءاً لصاحب الذكرى إلا أنه يعود إليه وقد لقي جزاءه الكريم عند ربّه الكريم فماذا قدّمنا نحن وماذا استفدنا من ذلك كله؟

ولا نعني باستلهام التجربة والاستفادة منها استنساخها وتكرارها مهما كان صاحب التجربة عظيماً؛ لأن الظروف الموضوعية وتغيّر الزمان والمكان لها كل التأثير في رسم خطة العمل وهذه ليست متطابقة، وإذا كان الأئمة (علیهم السلام) وهم معصومون لهم أدوار متنوعة وإن كان الهدف واحداً مشتركاً فما بالك بغير المعصوم؟

إذن ليس من المعقول أن يعيش اللاحق نفس منهج السابق وبرنامجه

ص: 200


1- في الثالث من ذي القعدة سنة 1426

فالشهيد الصدر الأول (قدس سره) له ظروفه ومنهجيته، والشهيد الصدر الثاني (قدس سره) وكذا من يأتي بعده، وأشير هنا إلى بعض الفروق بين المنهجيتين:1- نظم الشهيد الصدر الأول (قدس سره) عمل الأمة وخصوصاً الشباب الرسالي في تشكيل هو (حزب الدعوة الإسلامية) لمّ-ا رأى ضرورةً لمشاركة الإسلاميين في الحراك السياسي وتنظيم عمل الحركة الإسلامية وكانت الفرصة مؤاتية لذلك حتى قُمع بكل بطش وقسوة واستشهد هو (قدس سره) وخير أبناء الأمة، فليس من المعقول أن يسير الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) على نفس الخط، لذا فإنه عبّأ الأمة ونظّمها بآلية أخرى هي صلاة الجمعة وخلق الوعي العام والحركة الجمعية التي حشّدت مئات الآلاف من المؤمنين يعجز عن تحشيده أكبر الأحزاب حجماً وأكثرها تنظيماً من دون أن يعطي للسلطة مبرراً لضربها.

2- إن الشهيد الصدر الأول (قدس سره) ركّز على بناء عقول أبناء الأمة ووعيها فكتب لهم في الاقتصاد والفلسفة والأسس المنطقية للاستقراء وغيرها ولكنه لم يركّز على تهذيب النفس وتطهير القلب مما يُعرف بعلم الأخلاق لا لغفلةٍ منه (قدس سره) عن الحاجة إليه! كيف وهو يرى رسول الله (صلی الله علیه و آله) يسميه (الجهاد الأكبر) وكان (قدس سره) يجسّد كل الأخلاق الكريمة في حياته الشريفة، لكنه ربما كان يعتقد أن التربية العامة من خلال الخطباء والمواعظ وكتب الأخلاق كافية لتأمين هذا الجانب.

لكنه فوجئ بعد ثلاثة عقود من العمل الإسلامي ومن بعض المواقف التي شهدها في أواخر حياته التي رواها الشيخ النعماني في كتاب (سنوات المحنة وأيام الحصار) أنه كان حسن الظن أكثر مما ينبغي، وعليه أن يركز على هذا

ص: 201

الجانب أكثر من غيره فألقى خطبته المدوّية عن حبّ الدنيا فبكى وأبكى الحاضرين من طلبته في مسجد الطوسي قبيل استشهاده (قدس سره). وقد عبّر هو عن هذا النقص في التربية حين قال (إننا استطعنا أن نربي الناس إلى نصف الطريق) وقد نقلها الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) في بعض رسائله لي التي طبعتها بأنه (قدس سره) يقصد أنه ربّى عقول الناس ولم يربِّ قلوبهم ونفوسهم.

وهذا ما التفت إليه الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) فكان يغتنم الفرص لإلقاء المحاضرات الأخلاقية، ورسائله لي التي جمعتها في كتاب (قناديل العارفين) خطوة كبيرة في هذا المجال وقد استفدنا بفضل الله تبارك وتعالى من هذه التجارب وغيرها وحاولنا بلطف الله تعالى أن نختط المنهج المناسب للظروف التي نعيشها.

وما نعانيه اليوم من كوارث ومظالم من الأقربين قبل الأبعدين إنما يعود إلى النقص في تربية النفس وتهذيبها ومخالفة هواها، حتى انه مرّت حوالي ثلاث سنين على سقوط الصنم ولا زال الناس يشعرون بالإحباط من عدم وجود تغيّر ملحوظ في حياتهم بسبب وجود هذا النقص عند الكثير من المتصدّين للحكم وإدارة البلد من دون أن نغمط المحسنين حقّهم التزاما بقوله تعالى (ولا تبخسوا الناس أشياءهم)، فالعمل في هذا الاتجاه –اتجاه تربية النفس وتهذيبها- من الأسس الرصينة للحركة الإسلامية بالاتجاه الصحيح.

كنت قد كتبت كلمة بعنوان (لو كان الشهيد الصدر الأول (قدس سره) بيننا الآن لفعل ماذا؟)(1) وتحدثت عن عدة مشاريع استشرافية مستفادة من معالم هذه

ص: 202


1- تقدمت في المجلد السابق.

المدرسة الرسالية، وهي إحدى الآليات التي تفعّل هذا المنهج من دراسة سيرة العظماء والقادة والمصلحين، فلنكرر السؤال في ذكرى استشهاد السيد الصدر الثاني (قدس سره) لنستلهم منه (قدس سره) المشاريع والأفكار التي تبرمج حياتنا الحاضرة، وأنتم كلكم أكاديميون وربما عاش أكثركم الحركة الإصلاحية للشهيد الصدر (قدس سره) وتأثّر بها، فمساهمتكم في إجابة استبيان بهذا السؤال ستغني هذه الفعالية وتأتي بنتائج مباركة. وقد جرّبنا مثل هذه الآلية فحصلنا على جهود رائعة مثلاً كتاب (ثمار الخطابة بين المنبر الحسيني ومنبر الجمعة) والذي كان حصيلة استبيان عن الفرق بين المنبرين والنقلة الكبيرة التي أحدثها منبر الجمعة خلال فترة سنة وخرجنا بثلاثة وعشرين خصيصة لمنبر الجمعة، والكتاب مطبوع ويمكن الرجوع إليه.

مضافاً إلى أن مثل هذه الفعاليات ستنشّط الحركة الإسلامية في الجامعات وتعزز موقفها؛ لأني أسمع عن نشاط العلمانية والدعاة إلى الانحلال في أروقة الجامعات ويغذّيها بعض الأساتذة مع الأسف، وأحد أسباب ذلك خمول الإسلاميين وضعف أدائهم وعجزهم عن تقديم برامج مقنعة للشباب الجامعي، وكلما تراجع العمل الإسلامي نشط الآخر لأن الساحة لا تبقى فارغة فأما أن يملأها الصلاح أو الفساد والعياذ بالله، والمواجهة مفتوحة بين النور والظلام فكلما انسحب النور انتشر الظلام.

وكنت قد ألقيت قبل سنتين في مثل هذه المناسبة كلمة بعنوان (عوامل نجاح الحركة الإصلاحية للشهيد الصدر الثاني (قدس سره)) وهي تندرج في هذا

ص: 203

الاتجاه.وحينما نطالب بالاحتفال الواعي في مثل هذه المناسبات فإننا لا نريد أن ننتقص من أهمية العاطفة واستثارتها فإنها عنصر قوة لا تقل عن قوة الوعي وإذا اجتمعا –كما اجتمعا في قضية الثورة الحسينية- تولد محرّك كبير للأمة وقدرة على صنع المعجزات.

محمد اليعقوبي

ص: 204

خطاب المرحلة 99 :المشاريع الإسلامية دليل حيوية الأمة

خطاب المرحلة 99 :المشاريع الإسلامية دليل حيوية الأمة(1)

إن هذه المدرسة الدينية التي تنتمون أليها وهي ليست الوحيدة في بغداد بل إن عدد مثل هذه المدارس تجاوز العشرة في بغداد ومنتشرة في المحافظات، إنما هي دليل على استمرار الحياة في هذه الأمة وأن الأعداء والقتلة والمجرمين لم يستطيعوا قتل هذه الأمة وإجهاض مشروعها الإسلامي المبارك، وهي دليل على شجاعة هذا الشعب وإصراره وولائه للإسلام وحرصه على الانتهال من نميره الصافي.

وقد علمت إن هذه المدارس تضم إلى المناهج الدراسية الأكاديمية دروساً دينية وأخلاقية وبالتالي فهي تهدف إلى إنشاء جيل متعلم وملتزم ليقود الحركة الرسالية وليكون طليعة الأمة في هذه المسيرة الإلهية، وقد عشنا مثل هذه التجربة قبل أكثر من ثلاثين عاماً، وقد كنت جزءاً منها حين دخلت مدارس الأمام الجواد (علیه السلام) التي هي حلقة من منظومة علمية تربوية إسلامية تبدأ مع الطالب من الابتدائية حتى الدراسة الجامعية في كلية أصول الدين، وقد ألغاها

ص: 205


1- من حديث سماحة الشيخ (دام ظله) مع وفد مدرسة أم البنين الثانوية الدينية للنساء من مدينة الشعلة في بغداد يوم 21 شوال 1426 المصادف 24/ 11/ 2005، وهي واحدة من عدة مدارس أسسها ديوان الوقف الشيعي تضيف إلى المنهج الأكاديمي الرسمي دروساً دينية لتنشئ جيلاً مثقفاً إسلامياً.

نظام البعث الكافر بقرار مجانية التعليم عام 1974 الذي طبق على مدارس أتباع أهل البيت (علیهم السلام)، وبقيت المدارس الخاصة لغيرهم على حالها، وكان يدرس فيها نخبة من العلماء والفضلاء والشباب الرسالي منهم من قضى نحبه شهيداً كالسيد محمد باقر الحكيم والشيخ عارف البصري والشهيد عبد الجبار البصري والسيد داود العطار، واستطاعت تلك المدارس أن تستنقذ أجيالاً من أبنائنا وبناتنا من التفسخ والانحلال الذي كانت تغذيه الحكومات الضالة في المدارس الرسمية فقد كان مدرس التربية الدينية لنا في الإعدادية الشرقية أعوام 1976-1978 شيوعياً، وكان يسخر من تعاليم الدين، فماذا تتوقع أن يحصل الطلبة منه على أخلاق أو أفكار. لذلك انبرت تلك الثلة الصالحة وعلى رأسهم العلامة السيد مرتضى العسكري (أدام الله بقاءه) وبمباركة مرجعية السيد محسن الحكيم (قدس سره) ودعم الشهيد السيد محمد باقر الصدر (رضي الله عنه) وأخته العلوية الشهيدة بنت الهدى لتأسيس هذا المشروع في الستينيات، وهذا التوجه كان هو المتيسر في تلك الأجواء المشحونة بالابتعاد عن الدين وحملات التنفير منه وتشويهه وتشجيع الفساد والانحلال ومحاربة المتدينين.

أما اليوم وقد انتشرت الحركة الإسلامية واتسعت بفضل الله تعالى وتضافر جهود المراجع العظام والعلماء والفضلاء والرساليين وعلى رأسهم الشهيدان الصدران، فلم يعد هذا التوجه كافياً ونعتبر الاقتصار عليه اعترافاً بالهزيمة والفشل في أقناع المجتمع بالإسلام حتى تقوقعنا على هذه المساحة الصغيرة من المجتمع وتركنا الباقي للفساد والانحراف، بينما التيار الديني أصبح يضم

ص: 206

مساحات واسعة من المجتمع لا تستوعبها هذه المدارس فلا بد من عدم الاكتفاء بها، وإنما علينا أن نديم هذه الحركة الإسلامية الواسعة ونجذرها في الأمة ونرتقي بمستوى وعيها وتربيتها حتى تقتنع بها كل قطاعات الأمة، وبالتالي سوف لا أحتاج إلى ثانوية إسلامية لأن كل طلبة الثانويات سيكونون متدينين، ولا أحتاج أن أسس كلية دينية لأن أغلب طلبة الجامعات ملتزمون بالإسلام، وسيتخرج منهم المهندس الملتزم والطبيب الملتزم، وهكذا ينبغي لقادة الحركة الإسلامية أن يعرفوا لكل مرحلة خطابها وآلياتها وأساليب عملها.وصول الثلة الصالحة إلى السلطة له أسلوبان:

وهذه الفكرة على صعيد هذه المشاريع العلمية والثقافية ممكن نقلها إلى ساحة العمل السياسي وسعي الثلة الصالحة لتسلم السلطة فأمامنا أسلوبان:

الأول: السعي المباشر لتسلم السلطة عبر انقلاب عسكري أو تحالفات أو غيرها.

الثاني: تربية الأمة وزيادة قناعتها بالإسلام حتى تكون القواعد المؤمنة هي الأوسع في المجتمع بحيث أنها تفرز تلقائياً حكومة صالحة تطبق الإسلام في برامج عملها.

ومن الواضح أن الأئمة ع ساروا على الطريق الثاني لأنه يمتلك الديمومة والثبات ولأنه يخلق حالة من الانسجام بين الأمة وقيادتها وتصل الأمة إلى كمالها المنشود، أما على الأول فإن القيادة ستعيش عزلة عن الأمة البعيدة عن التربية الإلهية، وستخذل الأمة قيادتها وتتآمر عليها ويحسب الفشل على الإسلام وقياداته.

ص: 207

لذا لم يستجب الإمام الصادق (علیه السلام) لدعوات أبي مسلم الخراساني وأبي سلمة الخلال، والإمام الرضا (علیه السلام) لعرض المأمون في ولاية العهد، بل واصلوا المسيرة المضنية الطويلة بالأسلوب الثاني، وتابعها بعدهم العلماء حتى أثمرت هذه الحركة الإسلامية المباركة التي غطت مساحات واسعة من الأمة. فنحن في نفس الوقت الذي ندفع فيه المؤمنين القادرين على رعاية شؤون الأمة إلى المشاركة في الانتخابات والتنافس الشريف لإيصال الثلة الصالحة إلى مفاصل الدولة، فإننا نواصل تربية الأمة حتى تصل إلى كمالها المنشود بلطف الله تبارك وتعالى وحينئذٍ ستتأهل الأمة لممارسة دور الشهادة والمراقبة على القيادة [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً] (البقرة: 143) ، وستكون هذه التربية رافدة للحالة المعنوية للمتصدين للحكم والسلطة أو مجددة للعطاء الروحي، وإذا كان الإمام المعصوم يقول: (لولا أننا نزداد في كل ليلة جمعة لنفد ما عندنا) فما أحوج غيرهم لهذه الإمدادات الروحية حتى تبقى شعلة الإيمان والتواصل مع الله تبارك وتعالى والإخلاص له وحب الناس والترفع عن الأنانية وحب الذات.

إن القوى المستكبرة اليوم مصداق للأعور الدجال لأنها تنظر إلى الحياة والبشر بعين واحدة هي عين التفوق المادي والتكنولوجي وتغفل عن الركن الآخر المهم لقيادة البشرية وهو تعزيز ذلك التقدم بالقيم المعنوية السامية فمثلاً صنع القنبلة الذرية شيء عظيم من الناحية العلمية ولكن هذا الانجاز العلمي حينما خلا من المبادئ الإنسانية العليا أصبح وبالاً على البشرية وفتك بها وما زالت تئن من ويلاتها رغم مرور ستين عاماً على إلقائها وقد جسد قادة الإسلام هذه المثل العليا في حياتهم مما لا يسع المجال لذكره وقد أشرنا إلى تفاصيلها في كتبنا العديدة.

ص: 208

خطاب المرحلة 100 :دور الحوزة الشريفة في حياة الأمة

خطاب المرحلة 100 :دور الحوزة الشريفة في حياة الأمة(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

حينما قسم الفقهاء المسائل الفقهية إلى (عبادات) و(معاملات) وقسموا المعاملات إلى(عقود) و(إيقاعات) و(أحكام) فإنهم انطلقوا من ناحية علمية وفنية لتبويب وتصنيف مسائل الفقه حتى يسهل أخذها، فانطلقوا بتقسيمهم على أساس أن فعل المكلف إما مشروط بقصد القربة أو لا فالأول هي العبادات والثاني المعاملات وهي إما متقومة بطرفين كالبيع والنكاح أو بطرف واحد كالعتق والطلاق أو غير متقومة بأي أحد كالحدود والديات والمواريث فالأولى هي العقود والثانية هي الإيقاعات والثالثة هي الأحكام.

ولم يَدُرْ في خلد هؤلاء الفقهاء أن هذا التقسيم الفني العلمي سيتحول إلى ممارسة خاطئة وفهم ضيق لدور الشريعة في حياة الأمة، حيث رسخ هذا

ص: 209


1- من حديث سماحة الشيخ (دامت تأييداته) في حفل تخرج دفعة جديدة من كلية التوجيه الديني والإصلاح الاجتماعي من جامعة الصدر الدينية في النجف الأشرف وارتدائهم الزي الديني يوم الاثنين 1 ذي الحجة 1426 المصادف 2/ 1/ 2006 ومن حديث سماحته مع طلبة جامعة الصدر الدينية - الفرع الأول في الرصافة من بغداد في اليوم التالي ومن حديث سماحته مع طالبات جامعة الزهراء الدينية فرع البصرة يوم الخميس 26 ذي القعدة 1426 المصادف 29/ 12/ 2005.

التقسيم في أذهان الناس أن عبادة الله تعالى ومراعاة الشريعة إنما يختص بالقسم الأول وتراهم يسألون عن تفاصيل جزئية في الوضوء والصلاة والصوم وهو شيء حسن، لكن السيئ أنهم أقصوا الشريعة عن المعاملات ولم يحكّموا دين الله فيها، ويشرعون من أنفسهم قوانين تحكم المعاملات كقوانين الأحوال الشخصية والسنينة العشائرية وسائر القوانين الوضعية الأخرى فتقوقع الدين وانحسر دوره خلافا لقوله تعالى [فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] (النساء:65) فهذا التسليم المطلق وتحكيم الشريعة جار ومطلوب في كل تفاصيل الحياة(1).وأنا هنا لا ادعي أن هذا التقسيم هو السبب الوحيد في هذه النتيجة السيئة وإنما توجد أسباب أخرى، لكنني أريد أن أتوصل إلى فكرة أن اختيار العناوين والمصطلحات مهم؛ لأن أي خطأ فيه يسري إلى خطأ في المعنون والمضمون والتطبيق ولا يقتصر على الجهة النظرية فقط، فليس صحيحا ما يتردد في كتب الدراسة الحوزوية من قولهم (لا مشاحة في الاصطلاح) فإن عدم الدقة فيه تؤدي إلى مثل هذه النتيجة الخاطئة.

ومن هذا الشرح المختصر للفكرة و المثال عليها انطلق إلى القول بان توصيف الحوزة الشريفة بالعلمية فيقال (الحوزة العلمية) وان كان له ما يبرره باعتبار أن النشاط الأوضح فيها هو تحصيل العلوم الدينية وتعميقها والإبداع فيها

ص: 210


1- تجد توضيحاً لهذه الإشكالية في كتاب (شكوى القرآن) وبحث (الجاهلية الحديثة وأسلوب مواجهتها) و(دليل سلوك المؤمن) في كتاب (الشهيد الصدر الثاني كما أعرفه).

ونشرها وتدوينها، إلا أن هذا الوصف رسخ في أذهان أبنائها أن وظيفتهم هو طلب العلم وتدريسه ونحوه من الشؤون، وصار الكثير من المرجعيات التقليدية وأتباعهم يردد أن وظيفتهم الدرس ونحوه وعدم التدخل في شؤون الأمة، وهو تحجيم لدورها وإفراغ لمحتواها فهي ليست كالجامعات الأكاديمية عبارة عن كيان علمي صرف، بل أن الحوزة وعلى رأسها المرجعية تمثل الكيان القيادي للأمة بما تقتضيه مسؤوليات القيادة من نشاط سياسي واجتماعي وأخلاقي وتربوي وفكري وإنساني وحتى اقتصادي.وقد مارست القيادات الدينية الواعية والمخلصة هذه الأدوار في حياة الأمة، فعلى الصعيد السياسي تجد أن كل حركات التحرر والنهضة الحديثة قادها علماء الدين ومعلمو القرآن كعمر المختار في ليبيا والخطابي في المغرب وابن باديس وعبد القادر الجزائري في الجزائر ومحمد عبده في مصر وعبد الرحمن الكواكبي في سوريا وأمين الحسيني في فلسطين وناهيك عن القيادات الشيعية في العراق وإيران ولبنان. وعلى الصعيد الاجتماعي فإن الحوزة الشريفة تجد نفسها مسؤولة عن إصلاح ذات البين بين المتخاصمين من عشائر وأفراد والسعي للتوفيق في تزويج المؤمنين والمؤمنات ومشاركة الأمة في مناسباتها الاجتماعية وحل مشاكلها.

وأما الدور التربوي والأخلاقي والإصلاحي فإنه الدور الأوضح للفضلاء والخطباء وأئمة المساجد والجماعات في حياة الأمة، وبفضل هذا الجهد المبارك حافظت الأمة على أخلاقها وأعرافها ولم يجد الانحراف والانحلال والانهيار الخلقي الذي تعاني منه مجتمعات الغرب مكانا واسعا له في

ص: 211

المجتمعات المتدينة، يكفي أن تعلم أن مرض الايدز الذي فتك إلى الآن بعشرين مليون إنسان لم يسجل له وجود يذكر في امتنا المحافظة.أما على الصعيد الإنساني من باب الشاهد نقول أن المساعدات التي قدمتها المرجعية للبائسين والمحرومين ومعالجة المرضى في فترة الحصار كان لها اثر مهم في حفظ حياة هؤلاء ومصابرتهم وصيانة كرامتهم.

وأما الجهد الفكري والعلمي فإن أكثر نتاج المطابع وما تتلاقفه دور الطبع فهو من تأليف علماء الحوزة الشريفة وفضلائها ومفكريها.

وقس على هذا نشاطهم في الحقول الحيوية الأخرى.

وفي ضوء هذا يجب على طلبة الحوزات الشريفة -رجالاً ونساء- أن يستوعبوا مسؤولياتهم ووظائفهم التي يقتضيها وجودهم في هذا الكيان الشريف، وهي إن بدت واسعة وثقيلة إلا أنها تكون يسيرة مع الإخلاص لله تبارك وتعالى والهمة وقوة العزم والتعاون مع كل العاملين.

بل قد يشعر الإنسان أن سعة المسؤوليات وقوة التحدي دليل على أن إيمانه بخير وان مستواه ليس متدنياً حيث اختاره الله تبارك وتعالى لهذا الدور الكبير فهو من مواطن الشكر لله تعالى على لطفه بعبده حين اختاره لهذا الدور الشريف ووفقه لاستجابة دعوة الرسول (صلی الله علیه و آله) [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ] (الأنفال:42)، وأنه مع هذه الثلة القليلة الصالحة التي استجابت من بين الملايين من المسلمين لقوله تعالى [فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ]

ص: 212

(التوبة:122) وحظي من دون كل أولئك بما اعد الله تعالى من الكرامات لطالب العلم الذي يستغفر له من في السماوات والأرض وأن الملائكة تفرش له أجنحتها وأن حلق العلم روضة من رياض الجنة وان من ترك ورقة فيها علم نافع كانت حجابا بينه وبين النار وغيرها من الألطاف الإلهية.ولا بد أن لا نكتفي بالشكر اللساني فإنه أدنى مراتب الشكر وإنما علينا أن نؤدي الشكر العملي بان نؤدي وظائف النعمة ونقوم باستحقاقاتها التي تقدم ذكرها مع الاعتراف بعجزنا عن شكر ولو نعمة واحدة بان كل شكر هو نعمة تستحق الشكر من جديد فأنى للإنسان أن يؤدي حق الشكر.

إنني أسمع عن البعض انه حينما تعرض عليه مسؤولية دينية معينة كإمامة الجماعة أو التدريس فإنه يرفضها ظنا منه أن ذلك تورع وحفظ للنفس من الرياء والعجب ونحوها، وهو قد يكون حسن النية وقد يكون تكليفه ذلك لكن هذا تصرف سلبي وتحقيق لمراد الشيطان بلباس الدين، فإن إبليس لا يريد أن يعبد الله تبارك وتعالى [لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ] (الأعراف:16) فحينما تنسحب من الأعمال الإيمانية فقد أعطيت لإبليس مراده ووقعت في حبائل خداعه، فإن المسجد إذا خلى من صلاة الجماعة سوف لا يقصده المصلون وتعطل شعائر الله ويفتقد الناس الكلمة الطيبة والموعظة الحسنة والأخ المخلص حيث يجد كل هذا المسجد.

أما التصرف الايجابي فهو تهذيب النفس وتأهيل الشخصية لممارسة هذه الوظائف ولا نكون كذاك الرجل الذي كانت زوجته تكره التدخين وعاش صراعا بين الاحتفاظ بزوجته وعادة التدخين وأخيراً قال لصاحبه لقد تركتها،

ص: 213

قال الآخر: تقصد عادة التدخين قال الرجل: لا.. فقد تركت زوجتي، فهذا سير في الاتجاه الخاطئ في مثل هذه المنعطفات التأريخية فعليه أن يتوكل على الله ويخلص نيته ويشد عزمه ويكون ذا مصداقية فيطابق قوله عمله، وحينئذ سيكون التصدي للمسؤولية فرصة لتحقيق التكامل فإن الارتقاء في سلم التكامل يحصل من أعمال ورياضات فردية.، ويحصل بدرجة أكبر من خلال الانخراط في العمل الجماعي وأداء الوظائف الاجتماعية. فإن المؤمن يشعر بدرجة من المسؤولية أمام ربه فيؤدي الواجبات ويتجنب المحرمات حتى في السر فإذا انخرط في سلك الحوزة الشريفة وارتدى الزي الديني فإن شعوره سيزداد وسيترك بعض التصرفات المحللة لمجرد أنها غير لائقة بوضعه الجديد، فإذا صار إماماً للجماعة فسيكون أكثر مراقبة لنفسه لأنه صار محل ثقة عدد من الناس يصلون خلفه ويعتقدون بعدالته ولا بد من مطابقة ظاهره لباطنه لكي لا يصير منافقاً، وهكذا يرتقي في السعي نحو الكمال حتى إذ بلغ المرجعية وقيادة الأمة فإنه سيكون في درجة عالية من النزاهة والعفة والطهارة لأنه يشعر بمسؤوليته عن مصير ملايين المسلمين في أرواحهم وأموالهم وأعراضهم وعزتهم وكرامتهم.

إنكم حين كرستم أنفسكم لخدمة الدين وإعلاء كلمة الله تعالى وحفظ مصالح الناس أصبحتم من أنصار الإمام الموعود والممهدين له فحينما يدعو الإمام (علیه السلام) كما دعى عيسى روح الله [مَنْ أَنْصَارِي إلى اللَّهِ] ستجيبون كما أجاب الحواريون [نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ] (آل عمران:52).

إن يوم ارتدائكم الزي الديني وإعلانكم اتخاذ هذا السلك منهجا لحياتكم

ص: 214

هو أهم منعطف في حياتكم وأعظم قرار تتخذونه، وسيكافئكم الله بالحسنى لأن موقفا شجاعا يقوم به الإنسان يكون كافيا لملئ حياته بالنفحات الإلهية [وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ] (القصص:60) [وَلَلآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأولى] (الضحى: 4) كما أني اعتقد أن بركات كثيرة نلتها في حياتي ببركة توفيق الله تعالى لي حينما رفضت خدمة النظام الصدامي المجرم ولو لحظة بعد تخرجي من الكلية عام1982م.محمد اليعقوبي

1ذي الحجة الحرام 1426

1/ 1/ 2006

ص: 215

خطاب المرحلة 101 :حوارات سياسية : (الحلقة الثالثة)

عن مبررات وجوب المشاركة في الانتخابات والمشروع الإسلامي في العراق

بسم الله الرحمن الرحيم

أذن سماحة الشيخ لقناة (العالم) الفضائية الإيرانية بإجراء حوار معه في برنامج (العراق اليوم)(1) الذي يُبثّ على الهواء مباشرة، وتناول عدة قضايا سياسية ووجه من خلالها رسائل مهمة إلى الشعب والحكومة والقوى المتدخلة في الشأن العراقي.

وكان السؤال الأول: عن المعايير التي انطلق منها سماحته في دعم العملية السياسية.

فأجاب سماحته: بوجود عدة منطلقات بينّها تفصيلا في عدة خطابات من سلسلة (خطاب المرحلة) وملخصها:

1- أن وجود قيادة للأمة ضرورة عقلائية يقتضيها النظام الاجتماعي

ص: 216


1- في حلقة يوم الأربعاء 4 ذي القعدة 1426ه- المصادف 7 / 12 / 2005 ويوجد قرص مسجل للحوار.

الإنساني وكان رسول الله (صلی الله علیه و آله) إذا خرج إلى غزوة فإنه يخلف على المدينة أحد أصحابه وقال إذا خرجتم ثلاثة في سفر فأَمرُّوا أحدكم ولا شك أن القيادة لابد أن تكون صالحة ولها شروط معينة فالمشاركة في العملية السياسية الوسيلة المتيسرة لإيصال هذه القيادة الصالحة إلى قمة المسؤولية.2- إننا مبتلون بالاحتلال وإنجاح العملية السياسية وتشكيل حكومة قوية مقدمة لطرد الاحتلال وسلب الذرائع لوجوده، فوجوب المشاركة في العملية السياسية مترشح من وجوب نتيجتها وهي طرد الاحتلال.

3- أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة واجبة ومن أعظم المسؤوليات الشرعية وهي ذات آليات متعددة تختلف من حيث سعة التأثير وقوته ولا شك أن أوسع هذه الآليات وأعظمها تأثيراً إصلاح النظام الحاكم أي قمة الهرم وبالتالي إصلاح حال القاعدة كلها ورفع المظالم عن الناس واستنقاذ حقوقهم وتوفير السعادة والازدهار لهم.

4- إننا مسؤولون عن إقناع الناس بالإسلام كمنهج شامل للحياة وان ذلك إنما يتحقق من خلال الوصول إلى مفاصل الحكومة والنجاح في العمل وحسن الأداء وحينئذ ستزداد ثقة الناس وإيمانهم بالإسلام.

السؤال الثاني: أن الإدارة الأمريكية فوجئت بعد انهيار نظام صدام بإسلامية الشارع العراقي..كيف استطاع الشعب العراقي أن يحيا وان يحافظ على مشروعه الإسلامي في مواجهة المشروع التخريبي والمعادي؟

سماحة الشيخ: وهذا لم يأت طبعا وليد لحظته بل جاء نتيجة تراكم جهود وتضحيات من علماء ومراجع وتوجت بدماء المراجع العظام والفضلاء وأساتذة

ص: 217

الحوزة ومئات الآلاف من الشباب الرساليين وقد أعطوا بدمائهم روحا جديدة للأمة وإنما تفاجأ الأمريكيون لنقص حساباتهم وعدم وضوح في رؤيتهم وإلا فالمفروض أن يروا بأم أعينهم كيف حاول صدام ببطشه وقسوته أن يمنع الحركة الإسلامية المتصاعدة فلم يستطع واضطر إلى مسايرتها، وخذ كنموذج الشعائر الحسينية التي كان يحييها الملايين وصلاة الجمعة المباركة التي أقامها السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) وشارك فيها مئات الآلاف في العراق تحت مراقبة جلاوزة النظام وبعد استشهاده واصلت الحركة الإسلامية نشاطها بالآليات المتيسرة.وكان السؤال الثالث: عن تقييم مؤتمر القاهرة للوفاق الوطني العراقي.

وقد أجاب: بما نشر ملخصاً في صحيفة الصادقين ومما جاء فيه أن المقاومة المسلحة لا تكون مجدية في طرد الاحتلال إلا إذا كانت خيارا وطنياً يتفق عليه رأي أكثرية الأمة، فإن العراقيين لم يفلحوا في إنهاء الاحتلال الانكليزي في ثورة العشرين وتأسيس حكم وطني إلا حينما شارك وسط وجنوب وشمال العراق في المواجهات، ولا يتحقق هذا الإجماع إلا بعد فشل الوسائل السلمية والإصرار على نجاح العملية السياسية، وهذا ما نبه إليه المرجع الشيعي الذي فجر ثورة العشرين وأعني به الشيخ محمد تقي الشيرازي (رضوان الله تعالى عليه) بعد عدة سنوات من دخول الاحتلال، أما أن يبدأ أدعياء المقاومة بقتل إخوانهم من العراقيين الذين يعانون من وطأة الاحتلال لكنهم يتربصون ويراقبون التدرج في الوسائل فهذا إرهاب وعمل بالاتجاه الخاطئ وخلط الأوراق بين العدو والصديق.

ص: 218

دعم قوات الاحتلال للعمليات الإرهابية

السؤال الرابع: يوجد من يتهم قوات الاحتلال بالعمليات الإرهابية التي تستهدف المدنيين في الأسواق والحسينيات وعناصر الجيش والشرطة وموظفي الدولة والكفاءات العلمية لزرع الفتنة والفرقة كي يتمكن من السيطرة على العراقيين، هل انتم مع من يحمّل الاحتلال مسؤولية ما يجري وكيف يتمكن العراقيون من مواجهة هذا التحدي؟

سماحة الشيخ: إن هذا الاتهام إذا كان عند البعض مجرد حدس وتخمين وحسابات مصالح تجنيها قوات الاحتلال ومنها:

1- الاستمرار بالتواجد على الأرض العراقية بحجة حفظ الأمن وعدم قدرة الأجهزة العراقية على ضبطه.

2- التخلص من العناصر غير المرغوبة والتي لا تنسجم مع المشروع الأمريكي وإلقاء المسؤولية على الإرهابيين.

3- لأخذ المزيد من الوقت لترتيب الأوراق في المنطقة ورسم خارطة طريق التعامل مع دول المنطقة.

4- زرع الفتنة وتمزيق المجتمع لتسهيل السيطرة عليه وجعل الجميع محتاجاً إلى قوات الاحتلال.

أقول: إذا كان هذا عند البعض تخمينات وحسابات سياسية فقد كشفت الأحداث عن كونه حقيقة من خلال شاهدين على الأقل:

ص: 219

الأول: الجنديان البريطانيان اللذين أمسكت بهما الشرطة العراقية في البصرة وهما يحملان عدة التفجيرات والقتل(1).والثاني: ما عرضته الفضائيات من قيام عناصر الشركات الأمنية من إطلاق النار العشوائي وبلا مبرر على السيارات المدنية.

السؤال الخامس: كيف يمكن الخروج من هذه الحالة؟

سماحة الشيخ: الخروج منها يكون بعدة أمور:

1- وعي الشعب العراقي لوجود مثل هذه الحالة حتى يميز بين أعدائه وأصدقائه.

2- أن يلتفت أدعياء المقاومة إلى هذه الحالة حيث أصبحوا غطاءً ووسيلة

ص: 220


1- اعتقلت قوات الشرطة في البصرة اثنين من البريطانيين كانا متزيين بالزي العربي ووضعا شعراً اصطناعياً وخرجا مع الناس المحتفلة في جامع الخطوة بمناسبة ذكرى النصف من شعبان 1426 يوم الأحد 13 شعبان 1426 المصادف 18/ 9/ 2005 وعثرت عندهما على متفجرات وصواعق وأسلاك تفجير وأسلحة أزيد من السلاح الشخصي وأطلقا النار على الشرطة، وحاصرت الدبابات البريطانية مقر اعتقالهما في سجن محكمة الجنايات الكبرى، وطوقتها الشرطة والحرس العراقيان وفي المساء أعلن عن إفراج القوات البريطانية عنهما وحصلت مواجهات مع الناس فقتل خمسة وجرح أكثر من أربعين عراقياً خلال مجموع المواجهات وأحرقت دبابتان ولدى مداهمة البريطانيين لمقر مديرية الجرائم الكبرى عبثوا بالسجلات التي تضم معلومات أمنية وحاولوا إطلاق سراح عشرات الإرهابيين المعتقلين. والغريب هو موقف الحكومة المركزية المتخاذلة حيث أمرت وزارة الداخلية بإطلاق سراحهما باعتبار أن السفير البريطاني اتصل بها مخبراً أن هذين كانا في مهمة استطلاعية، وبعد ثلاثة أيام كان رئيس الوزراء العراقي الدكتور إبراهيم الجعفري في لندن وأبدى أسفه للحادث وقال: إنه يمكن تجاوزه.

لتنفيذ هذه الجرائم ولا اعتقد أن عاقلا يقبل بقتل مئة عراقي مقابل جندي أمريكي واحد، وان المقاومة لها آلياتها المعروفة وقد مارستها شعوب العالم وليس منها هذه العمليات الإجرامية فالمفروض بأدعياء المقاومة اتخاذ مواقف حكيمة تعري المجرمين وتكشف زيفهم.3- وحدة الشعب وتكاتفه وعدم خلق الثغرات بين أبنائه والتي تباعد هؤلاء المجرمين على تنفيذ أفعالهم الشنيعة.

4- إنجاح العملية السياسية وتطهير أجهزة الدولة من المفسدين وبالتالي تشكيل حكومة قوية قادرة على بسط الأمن والنظام وسلطة القانون وإنهاء الاحتلال حتى تتخلص من كل تبعاته وآثاره السيئة وهذه واحدة منها وليست هي سواها.

السؤال السادس: هناك تصريحات واضحة منسوبة إلى المدعو أبي مصعب الزرقاوي إذا كانت هذه الشخصية موجودة باستهداف فئة معينة من أبناء الشعب العراقي كيف تنظر إلى هذه النقطة وخطورة هذا الموضوع؟

سماحة الشيخ: ليس مهماً أن نحقق في أن أبا مصعب الزرقاوي موجود أم لا لأنه أن لم يوجد شخص بهذا الاسم فإنه موجود كتيار وكخط فكري، ونحن وان حملنا الاحتلال بعض المسؤولية عن العمليات الإرهابية إلا أن هذا لا يفسر قيام الانتحاريين بتفجير أنفسهم في الأسواق والحسينيات وتجمعات الناس الأبرياء، فهذا الانتحاري ليس أمريكيا وإنما هم أشخاص جاؤوا ليعانقوا الحور العين بمجرد قتلهم بموجب فتاوى دينية، فهذا التيار يحتاج إلى معالجة شاملة لا تكتفي بالعمل العسكري والأمني وإنما تتعداها إلى الإصلاح الفكري وخلق

ص: 221

ثقافة احترام الرأي الآخر وقبوله وعدم الاعتداء والظلم وإصلاح منظومة الأفكار والثقافات التي توجه الرأي العام، وتجند بالاتجاهات التي تخدم سياساتها ففي أوربا يوجد واحد وعشرون مكتبا لتجنيد الإرهابيين وبعثهم إلى العراق، وقبل يومين أعلن عن قيام فتاة بلجيكية أعلنت إسلامها بعملية انتحارية في العراق فأي غسيل دماغ تعرضت له هذه المرأة حتى قذفت بنفسها في هذه الهاوية المهلكة والآن بعد أن ضربهم الإرهاب في الأردن والسعودية والكويت وغيرها صاروا يحشدون القوى لاستئصاله، إلا أنهم مع الأسف حينما تصل القضية إلى العراق يصبح الإرهاب مقاومة شريفة وهذا هو عين الكيل بمكيالين.وكان السؤال السابع: عن فشل التوقعات في حصول حرب أهلية في العراق.

وأجاب سماحة الشيخ: إنها لم تكن مجرد توقعات وإنما عملوا بمختلف الوسائل لإشعالها باغتيال القيادات الشيعية كالشهيد السيد محمد باقر الحكيم والشهيد الحاج عز الدين سليم وتفجير الجوامع والحسينيات وقتل زائري العتبات المقدسة والتثقيف والتحريض المستمر باتجاه قتل اتباع أهل البيت (علیهم السلام) وتسميته مقاومة شريفة ونسبة الشيعة إلى إيران والشعوبية الصفراء وغيرها من الأوصاف للتنفير منهم وخلق هوة بين الطائفتين.

ص: 222

تقييم محاكمة الطاغية صدام حسين

وطلب في السؤال الثامن: تقييم محكمة الطاغية صدام حسين.

فأجاب سماحة الشيخ: عن عدم رضاه وأن القاضي أراد أن يخرج من حد التفريط في العدالة وتطبيق القانون فوقع في حد الإفراط وبالغ في التسامح فكان ملكيا أكثر من الملك فيسميه (السيد) صدام حسين ويسمح لإثارات هامشية تشتت القضية وتلعب بأعصاب ملايين الضحايا لمجرم العصر، وتعطي رسالة خاطئة إلى الإرهابيين الذين يشجعهم هذا الضعف في أداء القضاء على التمادي والاستمرار في الجريمة.

ولا ادري أن كان هذا التصرف ناشئا من تركيبة القاضي الشخصية أم انه ينفذ مؤامرة تستهدف تمييع القضية وتسويفها من أجل إنقاذ صدام وجلاوزته من القصاص العادل ضمن صفقات سياسية مع قوى الاحتلال، فإن السياسيين يقولون لا توجد صداقات ثابتة ولا عداوات ثابتة وإنما توجد مصالح ثابتة ولا مكان للمبادئ والقيم العليا في السياسية البراغماتية وهو لعب بالنار نحذر(1) الجميع منه لأن الشعب لا يرضى بهذا المستوى من التفريط بحقه، وستصل حالة الاختناق والغضب إلى حد الانفجار ويخرج عن حد السيطرة، إذ إن صدام ليس متهما حتى يطبق عليه (المتهم بريء حتى تثبت إدانته) انه مجرم

ص: 223


1- بعد هذا التحذير والاستياء الشعبي استقال رئيس المحكمة القاضي (رزكار محمد أمين) وحلّ محله القاضي (رؤوف رشيد عبد الرحمن).

حقيقي، ويعلم كل العالم بجرائمه وهي موثقة ومعروفة لدى القاصي والداني، وإذا كان عرضه على المحكمة ضروريا لإلقاء الحجة وتعريف هذه الجرائم وتثبيتها للتأريخ وإزالة العمى عن المضللين فإن ذلك لا يعني هذا الضعف والتمييع.أن استقلال القضاء يعني عدم تدخل الحكومة فيه وتأثيرها عليه ولا يعني خروجه عن إرادة الشعب لأن (الشعب مصدر سلطات) كما ورد في الدستور ولا يجوز للقاضي أن يستمر إذا كان مفرطا بحقوق الشعب.

وكان السؤال التاسع: عن تقييم أداء الإسلاميين في الحكومة.

وأجاب سماحته: بما موجود في خطاباته وما تنشره صحيفة الصادقين خصوصاً في مقال (النقد الذاتي فيما يتعلق بأداء الحكومة) مع الاعتراف بتعقيد الحالة العراقية وكثرة اللاعبين في ساحتها ووجود إرادات متعددة لإفشال عمل الإسلاميين لإظهار فشل التجربة الإسلامية، رغم أن الحكومة لا تعد إسلامية وإنما تضم إسلاميين وإذا فشل احدهم فلا يعني فشل النظام الإسلامي على أن البلد قد قادته حكومة علمانية سابقة عليها وكانت أكثر تقصيرا فإذا أرادوا إقناع الناس بالعلمانيين فهم واهمون.

وتحدث السؤال العاشر: عن تقييم أداء حزب الفضيلة الإسلامي الممثل في الحكومة والذي يحظى برعاية سماحة الشيخ.

فأجاب سماحته: انه ليس حزب الفضيلة هو الوحيد الذي يحظى بالرعاية بل كل جهد مخلص يستهدف إصلاح حال الأمة وازدهار البلد وإنما يحظى حزب الفضيلة برعاية زائدة لأنه فتي واغلب قواعده من الكوادر الشابة وولد

ص: 224

من رحم المعاناة والبطش الصدامي كذاك الرجل الذي قيل له من أحبّ أبنائك إليك قال: الصغير حتى يكبر والمريض حتى يشفى والمسافر حتى يعود.ولم تسنح الفرصة الكافية للحزب باعتبار الملابسات التي رافقت تشكيل الحكومة لكن أبناءه الذين تصدوا للمسؤولية قد شهد لهم بالنزاهة والإخلاص والوطنية وما زال طريقهم طويلا ليبلغوا الطموح.

السؤال الحادي عشر: على أبواب الانتخابات التشريعية القادمة كيف تنظر إلى الاصطفافات الجديدة التي حدثت الآن على الساحة العراقية وكيف تتوقع أن تكون مجريات العملية الانتخابية؟

سماحة الشيخ: في الحقيقة توجد إرهاصات غير ايجابية برزت خلال الحملات الانتخابية وهي المهاترات الكلامية والتسقيط والتشويه، وقلت للمرشحين لا تجعلوا دعايتكم مبنية على هذا الأسلوب غير الشريف وإذا كنتم تملكون مشروعا صالحا مقنعا فقدموه وبينوه للأمة وسوف ينتخبكم الناس، لكنني في الحقيقة أقرأ في الأفق أن المسألة أكبر من تنافس انتخابي وإنما هو صراع دولي على ساحة العراق يتخذ واجهات عراقية لإدارة هذا الصراع، فما يدور بين هذه الواجهات هو انعكاس لذلك الصراع الدولي، وقد انجر إليه العديد من الكيانات وقد عبرت عن قلقي من هذا الانجرار لخدمة الآخرين وأقول الله الله بالشعب العراقي لا تجعلوه ضحية لحسابات المصالح الإقليمية والدولية.

وتحدث سماحة الشيخ في الإجابة عن السؤال الثاني عشر: عن أهمية مشاركة الشعب في الانتخابات البرلمانية ومعنى قوله أن وجوب المشاركة أهم

ص: 225

من وجوب الصلاة والصوم لأن وجود الثلة الصالحة على سدة الحكم هو الذي يحفظ الصلاة والصوم وتسلم الطواغيت للحكم لا يبقي صلاة ولا صوما كما عشناه في ثمانينات القرن الماضي.ودعا سماحته المواطنين إلى التوجه إلى مراكز الاقتراع على شكل مجاميع ومواكب(1) ترفع الإعلام العراقية لإظهار عزة الأمة وقوتها والتحفيز من لم تحصل عنده القناعة على المشاركة.

وفي جواب السؤال الثالث عشر: أشار سماحته إلى القواسم المشتركة التي تتوحد عليها التيارات والقوى الإسلامية على الساحة العراقية وهي الوحدة الوطنية والمصلحة الإسلامية لأن هوية الإسلام في خطر أمام تحديات المسخ والتشويه والفرقة والتكفير ومن القواسم المشتركة الرحمة بهذا الشعب الذي عانى الكثير وحرم واضطهد وقتل وشُرد وآن الأوان للمسح على جراحه وإعادة البسمة إليه.

ص: 226


1- لّبت الجماهير في بغداد والمحافظات هذه الدعوة وخرجت إلى الانتخابات البرلمانية يوم الخميس 12/ذ.ق./1426 المصادف 15 /12/ 2005 بمواكب مهيبة ترفع الإعلام العراقية وتردّد الأناشيد الوطنية مما حوّل المناسبة إلى عيد وطني وحفّز الناس على المشاركة بنسبة ثلثي عدد من يحق لهم التصويت، (أزيد من عشرة ملايين ونصف المليون من أصل خمسة عشر مليون ونصف المليون). وقد أعلنت المفوضية العليا للانتخابات النتائج النهائية يوم الجمعة 19/ذ.ح./1426 المصادف 20/ 1/ 2006 وقد أسفرت نتائج التصويت عن فوز الائتلاف العراقي الموحد –الذي يضم المكونات الشيعية وحظي بتأييد المرجعيات الدينية- على (130) مقعداً من أصل (275) وكانت حصة حزب الفضيلة الإسلامي (15) مقعداً بحسب التوافقات التي حصلت داخل الائتلاف حين إعداد قائمة المرشحين. وكانت مراكز الاقتراع في المحافظات قد أعلنت نتائج التصويت الأولية فيها في اليوم التالي لإجراء الانتخابات وكانت الأرقام قريبة جداً للنتائج النهائية المذكورة أعلاه.

الانقلاب السياسي والانقلاب العسكري

الانقلاب السياسي والانقلاب العسكري(1)

الانقلاب على نتائج الديمقراطية يمكن أن يكون عسكريا كالذي حصل في الجزائر وتركيا وباكستان، ويمكن أن يكون سياسيا من خلال مصادرة نتائج صناديق الاقتراع وعدم الاعتماد على الاستحقاقات الانتخابية تحت شتى الذرائع كالذي يفعله اليوم الرافضون للنتائج الانتخابية البرلمانية الأخيرة في العراق لا لأنها شهدت تزويراً، فإن أكثر التزوير حصل في مناطقهم كما أثبتته الوثائق والأدلة الدامغة(2)، وإنما لأن النتائج لم تأت موافقة لرغباتهم وحساباتهم التي خدعوا بها أتباعهم وفضحتهم صناديق الاقتراع، ووسيلتهم في هذا الرفض الضجيج والتهريج وكيل الاتهامات الجزافية، رغم أن القضية مهنية فنية وليس سياسية فكان عليهم إذا كانوا موضوعيين أن يقدموا الأدلة على ما يدعون والتثبت منها.

أن هذا الضجيج إذا أريد منه المساومة وتحقيق فرصة المشاركة في الحكومة، فهذا لم تمنعهم منه كتلة الأغلبية حتى في الانتخابات السابقة حين

ص: 227


1- نشر في الصفحة الرابعة من العدد (36) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 8 ذي الحجة 1426 الموافق 9 كانون الثاني 2006.
2- أعلنت المفوضية العليا للانتخابات والفريق القانوني الدولي الذي جاء للنظر في دعاوى التزوير أن عمليات التزوير بما فيها سرقة صناديق الاقتراع وإجبار الناخبين على التصويت لكيان معين قد حصل في المناطق الكردية و(المثلث السّني) كما يسمونه ولم تشهد المراكز الانتخابية الأخرى أي تزوير عدا صندوق واحد في محافظة بابل.

قاطعوها وعملوا بوسائل غير شريفة لإفشالها، كما لم تمنع غيرهم ولم تعمل بمقتضى قاعدة حكم الأغلبية وإنما جرت العملية على مبدأ التوافق بين الجميع والشراكة في العملية السياسية.وإذا أرادوا مصادرة إرادة الأمة فإنه انقلاب على قرار الأمة ولا فرق بينه وبين الانقلاب العسكري وكلاهما جريمة بحق الشعب وسوف لا تسكت الأمة عن من يريد إعادة عهد الاستبداد والتسلط والظلم والعدوان.

وقد نبهت المتصدين للعملية السياسية إلى أنهم غير مأذونين من قبل الشعب بالتنازل عن حقه، كما أن هذا هو ما تنبأت به في بياني السابق من أن الأمة يجب أن تكون يقظة وحذرة وان تعيش حرية التعبير عن الرأي وتحكيم إرادتها كحالة راسخة فيها بحيث يستهجن فعل الخارج عنها ويرفض من جميع الأمة.

ص: 228

خطاب المرحلة 102 :شكوى الإمام من عدم اجتماع قلوب شيعته

خطاب المرحلة 102 :شكوى الإمام من عدم اجتماع قلوب شيعته(1)

الحمد لله كما هو أهله وكما يستحقه حمدا كثيرا والصلاة والسلام على سادة الخلق محمد وآله الطيبين الطاهرين.

كنا قد حررنا أربع شكاوى للإمام المهدي المنتظر (أرواحنا له الفداء) واليوم نشير إلى شكوى أخرى، فقد ورد في رسالته الشريفة إلى الشيخ المفيد (قدس سره): (ولو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلاته على سيدنا البشير محمد وآله الطاهرين وسلم(2).

فهل يعلم أتباع الحق، المنتظرون لظهور إمامهم والتواقون لرؤية طلعته المباركة والذين يتضرعون ليل نهار إلى الله تبارك وتعالى ليقرب يومه الموعود، حتى يعيد البسمة إلى المظلومين والمحرومين ويقيم دولة الحق

ص: 229


1- خطبتا صلاة عيد الأضحى لهذا العام 1426 الذي صادف يوم 11 / 1 / 2006 وقد أقامها سماحته في داره.
2- الاحتجاج ج 2/ 325.

والعدل ويقصم ظهر الطغاة والمستكبرين والمجرمين، أقول هل يعلمون أنهم يؤخرون كل تلك البركات بما يعيشون بينهم من حالة التنافر والشحناء والتقاطع والعلاقات المتشنجة التي برزت بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة، حين وجدت فرص الوصول إلى المواقع السياسية -إي المناصب على اختلاف مراتبها- والدينية كإمامة المساجد والجمعات أو الوكالة عن المرجعية في مدينة ما والاجتماعية كزعامة العشائر أو الوجاهة لدى الناس، فأشعل التنافس غير الشريف والتزاحم على هذه المواقع نار الحسد والبغضاء مما يدفع صاحبها إلى الكيد للآخر وتسقيطه في المجتمع وتشويه صورته وتنفير الناس منه.ومهما حاول صاحبها أن يبررها بأسباب مقنعة كوجود مصلحة دينية ونحوها فإنه يغالط نفسه لأن الحديث الشريف يقول: (أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله) فأي عروةٍ هذه التي يتمسك بها هؤلاء المغالطون لأنفسهم لكي يفصموا بها هذه العروة الوثقى التي لا انفصام لها.

إن هؤلاء مشمولون بقوله تعالى: [وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ] (النمل:14) وقوله تعالى [بَلِ الإنسان عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ] (القيامة:14) وقد قرب أحد العلماء ذلك بمثال فقال لو أن الأنبياء كلهم وهم مئة وأربعة وعشرون ألف نبي اجتمعوا في زمان واحد هل تراهم يختلفون على شيء أم تراهم متحابين متآلفين متوحدين؟! لماذا لأنهم مخلصون لا يبتغون إلا رضا الله تبارك وتعالى فيتوحدون على هذا الهدف المشترك، فمنذ أن هبط ادم الأرض تصارع ولداه حين تقبل قربان احدهما ولم يتقبل من الآخر فقال الأول الذي انساق وراء نوازعه النفسية وأهوائه فتغلبتا على عقله (لأقتلنك) قال الآخر الذي هذب نفسه

ص: 230

وضبط شهواته وألجمها بلجام عقله [لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ] (المائدة:28) وحينئذ سقط الأول في هاوية جهنم [فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ] (المائدة:30).فمرجع كل ذلك إلى حب الدنيا الذي تجلى بصور عديدة ولا يكاد ينجو إنسان من شكل من أشكاله كالثراء والازدياد من المال أو فتنة النساء أو حب الجاه والزعامة حتى يسقط في داء آخر, لذا يشبه الأخلاقيون الدنيا بالتنين الذي كلما قطع رأس له ظهرت له عدة رؤوس.

وأنا لا ازعم أن هذا الداء قد ابتلي به هذا الجيل دون غيره، بل إنه جزء من الصراع الطويل بين الخير والشر في النفس الإنسانية، والصراع المتأصل بين جند الرحمن وجند الشيطان في هذا العالم الأكبر الذي ينطوي عليه الإنسان

أتزعم انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر

لكن الفرق بيننا وبين الأجيال القديمة إننا نعيش في ظل الإسلام وتعاليم أهل بيت النبوة، الذين لم يتركوا شاردة ولا واردة إلا بينوا وجه الحق فيها ثم واصلت المرجعية الشريفة دورهم في هداية الأمة وإرشادها إلى طريق الصلاح ولازالت تؤدي نفس الدور، فتحصل عندنا رصيد عظيم من الأحاديث الشريفة والتعاليم الإنسانية السامية.

فمن تلك الروايات في إدخال السرور على المؤمنين قول النبي (صلی الله علیه و آله): (من سر مؤمنا فقد سرني، ومن سرني فقد سر الله عز وجل) وعن الإمام الباقر (علیه السلام) قال: (تبسم الرجل في وجه أخيه حسنة وصرفه القذى عنه حسنة، وما

ص: 231

عبد الله بشيء أحب إلى الله من إدخال السرور على المؤمن) وعن الإمام الصادق (علیه السلام) قال: (من ادخل على مؤمن سرورا خلق الله من ذلك السرور خلقا فيلقاه عند موته فيقول له: ابشر يا ولي الله بكرامة من الله ورضوان، ثم لا يزال معه حتى يدخله قبره فيقول له مثل ذلك، فإذا بعث تلقاه فيقول له مثل ذلك، ثم لا يزال معه عند كل هول ويبشره ويقول مثل ذلك فيقول له: من أنت يرحمك الله؟ فيقول أنا السرور الذي أدخلته على فلان).وورد في الاهتمام بقضاء حوائج المؤمنين قضيت أو لم تقض عن الصادق (علیه السلام) قال: (أن الله عز وجل خلق خلقا انتجبهم لقضاء حوائج فقراء شيعتنا ليثيبهم على ذلك الجنة فإن استطعت أن تكون منهم فكن) وعن الباقر (علیه السلام): (أن المؤمن لترد عليه الحاجة لأخيه فلا تكون عنده يهتم بها قلبه فيدخله الله بها الجنة)، لاحظ سمو تربية أهل البيت (علیهم السلام) وتعاليمهم فإن الجنة جزاء ليس فقط من قضى حاجة أخيه المؤمن، بل هي جزاء من امتلأ قلبه هما وغما لأنه تفاعل وتعاطف مع هم أخيهً المؤمن وإن عجز عن قضاء حاجته، وعن الإمام الصادق (علیه السلام): (تنافسوا بالمعروف لإخوانكم، وكونوا من أهله، فإن للجنة باباً يقال له (المعروف) لا يدخله إلا من اصطنع المعروف في الحياة الدنيا، وان العبد ليمشي في حاجة أخيه المؤمن فيوكل الله عز وجل به ملكين واحد عن يمينه وآخر عن شماله يستغفران له ربه ويدعوان له بقضاء حاجته) ثم قال: (والله لرسول الله أسًر بحاجة المؤمن إذا وصلت أليه من صاحب الحاجة).

وورد في تفريج كرب المؤمن - وما أكثر المكروبين اليوم - قول الأمام الصادق (علیه السلام): (من نفّس عن مؤمن كربة نفس الله عنه سبعين كربة من كرب

ص: 232

الآخرة, وخرج من قبره وهو ثلج الفؤاد, ومن أطعمه من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة, ومن سقاه شربة سقاه الله من الرحيق المختوم).وورد في حسن العلاقة مع الآخرين قول الصادق (علیه السلام): من قال لأخيه:مرحبا, كتب الله له مرحبا إلى يوم القيامة) وعن رسول الله (صلی الله علیه و آله): من أكرم أخاه المؤمن بكلمة يلاطفه بها وفرج عنه كربته لم يزل في ظل الله الممدود عليه من الرحمة ما كان في ذلك).

وفي وجوب ستر عيوب الآخرين ورد عن الأمام الباقر(ع):يجب للمؤمن على المؤمن أن يستر عليه سبعين كبيرة) وعن الأمام الصادق (علیه السلام): (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحرمه).

وحذروا من التقصير في ذلك فعن الأمام الباقر (علیه السلام) قال:من بخل بمعونة أخيه والقيام له في حاجته إلا ابتلي بمعونة من يأثم عليه ولا يؤجر).

وورد في استحباب الإكثار من الأصدقاء والأخوة في الله تعالى فعن الأمام الرضا (علیه السلام): من استفاد أخا في الله استفاد بيتا في الجنة) وعن الإمام الصادق (علیه السلام): استكثروا من الإخوان فإن لكل مؤمن دعوة مستجابة:وقال: استكثروا من الأخوان فإن لكل مؤمن شفاعة وقال:أكثروا من مؤاخاة المؤمنين فإن لهم عند الله يدا يكافئهم بها يوم القيامة) وورد عن رسول الله(صلی الله علیه و آله): ثلاثة يصفين ود المرء لأخيه المسلم يلقاه بالبشر إذا لقيه، ويوسع له في المجلس إذا جلس إليه, ويدعوه بأحب الأسماء إليه) وحثوا على إفشاء السلام وعدوا أبخل الناس من بخل بالسلام) وعن الإمام الرضا(ع): من شرب من سؤر أخيه المؤمن يريد به التواضع أدخله الله الجنة البتة ومن تبسم في وجه أخيه المؤمن كتب الله

ص: 233

له حسنة ومن كتب الله له حسنة لم يعذبه).وعن درجة حسن الخلق والتعامل مع الناس قال الإمام الصادق(ع): ما يقدم المؤمن على الله عز وجل بشيء بعد الفرائض أحب إلى الله تعالى من أن يسع الناس بخلقه) وعن الإمام الصادق (علیه السلام): المؤمن مألوف, ولا خير فيما لا يألف ولا يؤلف).

أما العفو عن إساءة الآخرين فقد وردت فيه أحاديث كثيرة فعن رسول الله (صلی الله علیه و آله): عليكم بالعفو فإن العفو لا يزيد العبد إلا عزا, فتعافوا يعزكم الله) وعن علي بن الحسين (علیه السلام) في قول الله عز وجل: (فأصفح الصفح الجميل) قال:العفو من غير عتاب) وعن أمير المؤمنين (علیه السلام) قال: إذا قدرت على عدوك فأجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه), وعن رسول لله(صلی الله علیه و آله): ألا أخبركم بخير خلائق الدنيا والآخرة, العفو عمن ظلمك وتصل من قطعك والإحسان إلى من أساء أليك وإعطاء من حرمك).

وعن التراحم والتعاطف بين المؤمنين ورد قول الإمام لصادق (علیه السلام) لأصحابه (اتقوا الله وكونوا أخوة بررة متحابين في ألله, متواصلين متراحمين (تزاوروا وتلاقوا وتذاكروا أمرنا وأحيوه) وعن الإمام الباقر(ع): رحم الله امرءاً ألف بين وليين لنا يا معشر المؤمنين تآلفوا وتعاطفوا).

وفي استحباب مصافحة المؤمنين ورد عن الإمام الباقر(ع): إن المؤمنين إذا التقيا فتصافحا أدخل الله يده بين أيديهما وأقبل بوجهه على أشدهما حباً لصاحبه فإذا أقبل الله بوجهه عليهما تحاتت عنهما الذنوب كما يتحات الورق من الشجر).

ص: 234

وعن حرمة إهانة المؤمن ورد عن الإمام الباقر (علیه السلام) قال: لما أُسري بالنبي (صلی الله علیه و آله) قال: يا رب ما حال المؤمن عندك؟ قال: يا محمد من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي).أن الدخول في هذا العالم الرحيب لأهل البيت (علیهم السلام) المبلغين رسالات ربهم بأمانة وصدق وإخلاص لا يمل وينقل الإنسان إلى عوالم قدسية تجلو بها القلوب وتطهر بها النفوس.

ولم يكتف المشرع الأقدس تبليغ هذه التعاليم والوصايا وإنما وضع على الأمة شعائر وطقوس تعزز هذه الألفة والمودة والتواصل، كالاجتماع لأداء الفرائض اليومية وهي خمسة في اليوم وكصلاة الجمعة الأسبوعية التي يجب على كل أهل المدينة القدوم إليها وكفريضة الحج التي يجمع إليها ملايين المسلمين من كل بقاع العالم، ومن تلك الشعائر: الأعياد وما تتضمنه برامجها من استحباب الاجتماع والتزاور والمعانقة والتهاني(1) مما يعيد الصفاء إلى القلوب و يزيل الأضغان منها.

أفبعد كل هذا نشهد هذه الحالات المؤلمة من التقاطع والتباغض والمهاترات الكلامية بين من ينتسبون إلى مدرسة أهل البيت (علیهم السلام) ويدعون

ص: 235


1- إن هذه التعاليم السامية لتنظيم العلاقات الإنسانية مما يفخر بها المسلمون وأتباع أهل البيت وعليهم تطبيقها ونقلها إلى الحضارات الأخرى ليروا الصورة الحضارية المشرقة للإسلام وأن بعضاً منها تضمنها كتاب ديل كارنيجي (كيف نكسب الأصدقاء) جعلته الكتاب الأكثر تداولاً في العالم بعد القرآن الكريم ودفعهم إلى تأسيس (معهد كارنيجي) لتنظيم العلاقات الإنسانية فلماذا يكون أكثر المسلمين كالحمار الذي يحمل أسفارا ولا يستفيد منها أو كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول.

أنهم مخلصون، عجباً عجباً !!وقد شملت هذه الظاهرة المقرحة للقلوب كل ساحات العمل فالتناحرات السياسية والتسقيط في ساحة العمل الديني والانقسامات الاجتماعية أدخلت الأمة في دوامة ونفق مظلم دفعت ثمنها غاليا من دماء بريئة وتشوش فكري وتمزق اجتماعي وضياع للثروات والقدرات.

إن هذه الحالة المنكرة تتسبب في عدة كبائر وخسائر:

أنها تضعف الأمة وتبدد قواها وتشغلها بأمور وهمية وتضيع وقتها الثمين الذي نحتاج كل دقيقة منه قال تعالى: [وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ] (الأنفال:46).

توقع صاحبها في معاصي تستلزمها كالغيبة والبهتان وإهانة المؤمن وتشويه صورته وتسقيط سمعته.

أنها تنغص حياة الشخص وتسلبه صفو معيشته وسعادته كما ورد في مناجاة الإمام السجاد (فإن الشكوك والظنون لواقح الفتن ومكدرةً لصفو المنائح والمنن) لذا كان أهم النعم التي يتفضل بها الله تبارك وتعالى على أهل النعيم إزالة هذه المنغصات من القلب [وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ] (الأعراف:43).

أنها تمكن الأعداء من الأمة وتفتح ثغرات في جسدها يخترقها العدو، وها نحن نشهد كيف أننا أكثرية في هذا البلد إلا أننا أصبحنا نهباً للأعداء يطمع فينا الوضيع والدنيء.

إنها تعيق تقدم حركة المشروع الإسلامي وتؤخر عملية التمهيد لليوم

ص: 236

الموعود.أرأيتم إن الانسياق وراء الأهواء والأنانية وعدم الالتزام بتعاليم أهل البيت (علیهم السلام) في التحابب والتآلف والعفو والصفح وصفاء القلوب كيف توصل إلى هذه النتائج الوخيمة.

أجارنا الله وإياكم منها وعصمنا من كل ما يسخط إمامنا المهدي الموعود ويحرمنا من اليمن بلقائه والتنعم بالنظر إلى طلعته المباركة.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

ص: 237

خطاب المرحلة 103 :تعبئة القواعد المؤمنة بقضية الإمام المهدي

خطاب المرحلة 103 :تعبئة القواعد المؤمنة بقضية الإمام المهدي(1)

ينبغي للقواعد المؤمنة بقضية الإمام المهدي والمتطلعة لظهوره الميمون وإقامة دولته المباركة أن يكون ذكر الإمام حاضراً في قلوبهم وعقولهم دائماً فإذا مرّت بالأمة ذكرى مفرحة كعيد الأضحى وعيد الغدير فأول من يهنأ هو الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وإذا مرت ذكرى محزنة كعاشوراء، فأول من يعزى هو الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وإذا قام بعمل فيه رضا وطاعة لله تبارك وتعالى كالصلاة والصوم و تلاوة القرآن والصدقة فأول من يفكر بإهداء الثواب إليه هو الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وإذا تضرع لله تعالى بالدعاء والطلب فأول من يدعو له هو الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وهذا له مبرراته وثمراته:

1- أن الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) أهم واعز إنسان لدينا وأحب مخلوق وهو أولى بنا من أنفسنا، قال تعالى [إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا] (المائدة:55) والمؤمنون هم أهل البيت النبي (صلی الله علیه و آله).

2- أننا مغمورون بلطف الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وهو الذي

ص: 238


1- من حديث سماحة الشيخ مع وفد حاشد من أبناء مدينة الصدر في بغداد يوم السبت 13 ذي الحجة 1426 المصادف 14/ 1/ 2006.

يتولى رعايتنا وحمايتنا والدعاء لنا لجلب كل خير ودفع كل شر، ولو اطلعتم على خطط الأعداء وسعيهم المحموم لاستئصال هذه الفرقة المهدية لعجبتم من كيفية بقائها فضلا عن اتساعها وازدهارها، وقد أخبر بذلك الإمام نفسه(نحن وان كنا ناوين) (أي نائين بعيدين) بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين، حسب الذي أرانا الله تعالى لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين، فإنا نحيط علماً بأنبائكم، ولا يعزب عنا شيء من أخباركم، ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً، ونبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، إنا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء (أي الشدة وضيق المعيشة) واصطلمكم الأعداء (أي استأصلوكم)(1).3- أن إيماننا بأن حركتنا وأعمالنا والمؤسسات التي نقيمها ونعمل على إنجاحها هي جزء من المشروع الرسالي العظيم الذي يمهد لدولة العدل الإلهي فإن ذلك سيحفزنا أزيد وسيزيد من همة وحماس العاملين.

4- إن شعورنا بأن أعمالنا وتصرفاتنا هي تحت نظر الإمام وان صحائف أعمالنا تعرض عليه ع مرة أو مرتين أسبوعياً بحسب المروي كما أخبرت به الآية الشريفة [وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ] (التوبة:105) أن ذلك سيجعلنا أكثر مراقبة لأنفسنا ومحاسبة لها وإن الالتفات إلى هذا المعنى سيقوّم حياتنا ويهذبها

ص: 239


1- الاحتجاج للطبرسي/2 ص 322.

ويضبط مسيرتها في الاتجاه الصحيح.5- إن الارتباط الحقيقي والواعي بالإمام سيعزز الالتفاف حول المرجعية الرشيدة لأن الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو الذي أمر باتباع الفقهاء العدول وجعل الراد عليهم كالراد على المعصومين وهو كالراد على الله تبارك وتعالى لأن المجتهدين العدول هم نواب الإمام بالنيابة العامة لا النيابة الخاصة بتعيين الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) لأن كل من ادعاها بعد السفراء الأربعة فهو كذاب.

ومن أجل تعبئة القواعد المؤمنة بقضية الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) لهذا الهدف المبارك، عليهم أن ينظموا أنفسهم في تجمعات وكيانات تغطي النشاطات المختلفة في مواجهة التحديات العديدة، فقد يرى البعض أن يؤسس جمعية خيرية لمساعدة الأيتام والأرامل والمحتاجين.

وآخرون ينظمون مؤسسة اجتماعية لتشجيع الزواج وتذليل صعوباته والإصلاح بين المتخاصمين والمختلفين.

وآخرون ينشؤون مركزاً ثقافيا ينشر الخطابات والإصدارات الواعية ويقيم دورات تقوية للطلبة الأكاديميين خصوصا للصفوف المنتهية ويفتح دورات لتعليم الكومبيوتر والانترنيت.

وقد يرى البعض الذين يعيشون في مناطق يسخن فيها الإرهاب والفساد والظلم أن يكوّنوا مجاميع مسلحة لدعم المجهود الحكومي في ردع هؤلاء المجرمين وتخليص الأمة من هذا الداء المستشري.

ص: 240

وقد أوعزتُ لمكاتب حزب الفضيلة الإسلامي أن تعتبر كل هذه التشكيلات وحدات تنظيمية تابعة له وتتمتع بامتيازات مجاميع الحزب من حيث الترشيح للمناصب العليا.محمد اليعقوبي

13 ذي الحجة 1426

14/ 1/ 2006

ص: 241

خطاب المرحلة 104 :عمل القضاة والمحامين وفق الشريعة الإسلامية

استقبل سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) يوم الأحد 28 ذ.ح 1426 المصادف 29/ 1/ 2006 عدداً من المحامين من محافظة واسط وسألوه عن كيفية عملهم وفق الشريعة الإسلامية فأجاب سماحته: انه ليس فقط مجال القضاء الذي يحتاج إلى تصحيح وإنما كل واقع المعاملات بُني على غير منهج الإسلام فمثلاً البنوك تعتمد نظام الفائدة الربوية والتعامل معها يوجب إشكالات تحتاج إلى تقنين وتكييف الفقهاء.

وقد عمل الفقهاء على بيان طريقة التعامل مع هذه الحالات وقد اعترضت مرة قبل عشرين عاماً على هذا النمط من التفكير في إحدى مراسلاتي مع السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) واعتبرته ترقيعا للواقع الفاسد ويؤدي إلى ترسيخه والوقوع في آثاره السيئة التي أراد الشارع المقدس إنقاذ البشرية منها، فأيد (قدس سره) هذا وقال كلمة أعتبرها برنامج حياة (علينا أن نرتقي بمستوى الواقع الفاسد إلى الشريعة وليس أن ننزل الشريعة إلى مستوى الواقع الفاسد) لكنه دافع عن عمل الفقهاء باعتبار أنهم أمام مشكلة حقيقية تورط بها الناس، فعليهم أن يفكروا لإبراء ذمة المكلف على الأقل إن عجزوا عن تغيير الواقع الفاسد.

وإذا أردنا أن نطبق هذه المقدمة على عمل القضاة والمحامين فنحن أمام حلّين أحدهما ستراتيجي يمثل حالة الطموح، والآخر مرحلي يقنن التعامل مع

ص: 242

الواقع الموجود وفق الشريعة المقدسة:فالأول: بان نسعى إلى تأسيس (معهد للقضاء) لا يكتفي بإعطاء مفردات القوانين الوضعية المطلوبة وإنما يزوّد القاضي بالأحكام الشرعية والقواعد الأصولية التي يحتاجها في عمله لاستخراج الحكم الشرعي المنطبق على الحالة المترافع عليها، هذا من جهة تأهيل القاضي، ومن جهة أخرى علينا أن نهذب القوانين وننقحها وننقيها من المخالفات للشريعة خصوصاً وقد نجحنا في تثبيت مادة في الدستور تشترط على كل القوانين عدم مخالفتها لأحكام الشريعة المقدسة، وهنا تقع المسؤولية على القضاة والمحامين في التعاون مع المرجعية الرشيدة لتأسيس مثل هذا المعهد ولمراجعة القوانين المعمول بها في المحاكم لمعرفة نقاط التقاطع مع الشريعة حتى نعمل على تصحيحها بإذن الله تعالى وهي فعلا تحتاج إلى إعادة نظر لأن كثيراً منها يعود إلى الخمسينيات من القرن الماضي.

والثاني: بأن نضع للقضاة والمحامين جملة من المحددات لعملهم ومنها:

أ- أن لا يتصدوا لقضية فيها حكم من مختصات الحاكم الشرعي، فليقوموا مثلاً بإجراء عقد الزواج الذي لا يحتاج إلى أزيد من إيجاب وقبول من الزوجين وإذن ولي الأمر للباكر، وكإيقاع الطلاق من قبل الزوج الحاضر مع اجتماع شروطه، أو نصب القيم الجامع للشرائط وهكذا.

أما القضايا التي فيها حكم سواء كانت في البداءة أو الجنايات ونحوها فيتجنبها لأن مسؤولية التصدي لإصدار الحكم شديدة، وقد نقلت الروايات الشريفة عقوبات تقشعر لها الأبدان لمن تصدى للقضاء وهو ليس جامعا

ص: 243

لشروطه الشرعية حتى لو كان حكمه مطابقاً للواقع حتى في أبسط الأمور، كما روي أن طفلين تحاكما إلى الإمام الحسين (علیه السلام) لينظر أي الخطين أجمل فقال له أبوه أمير المؤمنين (علیه السلام): احذر يا بني فإن هذا حكم والله مسائلك عنه يوم القيامة.ب- أن لا ينظروا في قضية إلا بعد التأكد من حكم الشريعة فيها بمراجعة المؤهلين من علماء وفضلاء الحوزة الشريفة، أقول هذا وأنا أعلم صعوبة التطبيق وربما تعذره لأن القاضي لا يستطيع عدم النظر في قضية تمّت إحالتها عليه إلا لعذر مقبول من وجهة نظر القانون الوضعي كارتباطه بالمدعى عليه بعلاقة إيجابية أو سلبية تؤثر على الحكم، كما انه محدّد بالقانون الوضعي الذي ينظم عمله فإذا حكمت له الحوزة على خلاف المادة القانونية وأراد تطبيق الحكم الشرعي فإن محامي المدعى عليه سيستأنف الحكم ويحاججه بالقانون الذي يجب عليه أن يطبقه.

قد يقال إنه مع هذا التعذر فإن النتيجة انسحاب المؤمنين الملتزمين من جهاز القضاء، وبقاؤه في أيدي الفاسدين مما يشكل خطرا كبيرا على حياة الأمة ولكني أرى أن هذا سير بالاتجاه غير الصحيح، وإنما النتيجة الصحيحة هي أن نكون شجعانا وحازمين في طلب رضا الله تبارك وتعالى ونقف وقفة رجل واحد لتغيير القوانين المخالفة للشريعة وتأسيس واقع جديد يجنبنا الوقوع في معصية الله تبارك وتعالى، فالذنب هو ذنب الأمة حينما ولت أمرها من لا يستحق وأوقعت نفسها في هاوية الضلال وقد قالها أمير المؤمنين (علیه السلام): (لا أصلحكم بفساد نفسي) فأين أنصارنا إلى الله تبارك وتعالى؟ [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا

ص: 244

كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إلى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ] (الصف:14).محمد اليعقوبي

28 ذي الحجة 1426

29/ 1/ 2006

ص: 245

خطاب المرحلة 105 :كيف نفهم الإساءة إلى أشرف الخلق محمد صلى الله عليه وآله

اشارة

خطاب المرحلة 105 :كيف نفهم الإساءة إلى أشرف الخلق محمد صلى الله عليه وآله(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

قامت صحيفة دانمركية بنشر رسوم كاريكاتورية تسيء إلى شخصية خاتم الأنبياء وسيد الرسل وأشرف الخلق أجمعين محمد (صلی الله علیه و آله)ثم تلتها صحف ومجلات أخرى في دول أوربية عديدة، وأعلنت شركة أمريكية أنها ستطبعها على قمصان للبيع.

ومما أدّى إلى تفاقم المشكلة عنجهية رئيس وزراء الدنمارك ورفضه الاعتذار معتبراً ذلك من حرية التعبير عن الرأي، هذا الصنم المقدس لديهم الذي يريدون أن يؤلهونه ليكون سلاحاً لتحطيم كل المقدسات والقيم الإنسانية العليا التي اتفق عليها البشر، كجزء من حركة (العولمة) التي تعني عندهم تعويم كل الثوابت الأخلاقية والدينية والاجتماعية وتذويبها وتحطيمها، وجعل الشعوب جميعاً خالية من المحتوى والانتماء ليسهل تطويعها وقيادتها بالاتجاه

ص: 246


1- تقرير بتصرف لحديث سماحة الشيخ مع وفد مصلّي الجمعة في ناحية الحر بكربلاء يوم 15 محرم 1427 المصادف 14/ 2/ 2006، ولحديث سماحته مع وفد ناحية الإمام في قضاء المحاويل في محافظة بابل يوم 16محرم 1427.

الذي يريدون، ثم أقاموا ما يسمونه بمؤسسات المجتمع المدني تحت واجهات متعددة لتقود الشعوب بهذا الاتجاه.ومن قبل هم أساؤوا إلى القرآن الكريم والكعبة الشريفة والى الشعائر الإسلامية المباركة، واليوم يشوهون صورة النبي الكريم محمد (صلی الله علیه و آله) الذي بشّرت به دياناتهم وورد ذكره في كتبهم بكل ثناء وتبجيل فما الذي دفعهم إلى ذلك؟

1- قلقهم من انتشار الإسلام الذي بدأ يغزوهم في عقر دارهم وتشير الإحصائيات إلى تصاعد نسبة الغربيين -خصوصاً من النساء- الذين يعتنقون الإسلام حين وجدوا فيه الحياة الحرة الكريمة السعيدة فاعتقدوا أن تشويه صورة نبي الإسلام ينفّر شعوبهم من الإيمان به والالتحاق بمسيرته.

2- ضعف الحكومات الإسلامية واستسلامها أمام مشاريع الغرب مما جعلهم لا يكترثون لمشاعرهم ولا يعبأون بهم ولا يقيمون لهم وزناً، حتى أن الرئيس الأفغاني (المسلم!) وقف في ذروة الأزمة إلى جنب رئيس الوزراء الدنماركي يبرر العملية بحرية الرأي التي يتمتع بها الغرب ونحن لا نفهمها! ثم تمتم بكلمات خجولة طالباً مراعاة حرمة الرموز الدينية، وهؤلاء المهزومون الضائعون هم الذين جرأوا علينا عتاة الغرب وشذاذ الآفاق.

ومما يُذكر في المناسبة أن رئيس تحرير صحيفة أمريكية كان متحمساً لليهود والدفاع عنهم على عكس الموقف من المسلمين فقيل له هل أنت يهودي أو أصلك يهودي أو صحيفتك يمولها اليهود؟ قال: لا قيل له فلماذا هذا الحماس والاندفاع لنصرتهم دون المسلمين الأحق بالنصرة؟ قال: لأنني إن

ص: 247

أحسنتُ للمسلمين لم يشكرني ولا واحد منهم عبر الهاتف أو البريد الالكتروني أو أي شيء، وإن أسأت لهم لم يعترض عليّ أحد بينما إن أحسنت إلى اليهود بكلمة أشاد بعملي الآلاف، وإن أسأت اعترض علي مثلهم فمصلحتي مع هؤلاء.هذا هو حال حكام المسلمين اليوم ماتت مشاعرهم وذهبت نخوتهم وغيرتهم وأعماهم حب الدنيا والتشبث بالسلطة.

3- لقد أساء المسلمون؟! قبل غيرهم إلى نبي الإسلام محمد (صلی الله علیه و آله) حين شوّهوا تعاليمه وعرضوا الإسلام بهذه الصورة البائسة فيقتلون الأبرياء من النساء والأطفال ويفجّرون أماكن العبادة ويخرّبون الديار لا لشيء سوى الحقد على البشرية والفرار من الذات المتمزقة، يفعلون كل ذلك باسم الإسلام وتحت شعارات الإسلام.

وهم بذلك يقدّمون أثمن هدية وأمضى سلاح إلى العدو مجاناً، لذا سوف لا يجد الأعداء صعوبة في تشويه صورة نبي الإسلام الذي لم تتعرف شعوبهم عليه (صلی الله علیه و آله) إلا من خلال أفعال المنتسبين إليه صدقاً أو كذباً، فأي جريمة يرتكبها هؤلاء الحمقى والجهلة والمتحجرون في حق النبي الكريم (صلی الله علیه و آله)؟

4- إن الصهيونية العالمية تسعى لدقّ إسفين بين الشرق المسلم والغرب المسيحي لإضعافهما وإشغالهما بهذه المواجهة حتى تتفرغ لإنجاز مشروعها في السيطرة على مقدّرات العالم وهي تحرّك عملاءها في كلا المعسكرين لإشعال هذه المواجهة.

إن الصحيفة نفسها تلقّت عام 2003 رسوماً تسيء إلى السيد المسيح (ع)

ص: 248

لكن رئيس التحرير رفض نشرها وكتب رسالة إلى الرسام يذكر فيها أن هذه الرسوم تستفزّ مشاعر الكثيرين فما عدا مما بدا؟!إن مشروع الصهيونية العالمية ستتراتيجي طويل ولا يُستبعد أن يكون أحد أهدافهم من دقّ الإسفين التمهيد لمنع الغرب المسيحيين من الالتحاق بحركة الإمام المهدي الموعود (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بحسب ما دلّت عليه الأخبار الشريفة.

وقد تنادى لدعم هذه الحركة رموز الاستكبار العالمي فالرئيس الأمريكي بوش يبدي أثناء لقاءه بالملك الأردني المسلم امتعاضه من ردود فعل العالم الإسلامي ويدعو حكوماته إلى وقف هذه الحركة، وشركة أمريكية تطبع الصورة على قمصان للبيع! ووزير إيطالي ينشر هذه القمصان؟ والاتحاد الأوربي يهدد الدول التي تقاطع البضائع الدنماركية ويعتبر نفسه هو المستهدف؟ والبرلمان الأوربي ينعقد ويعلن تضامنه مع الدنمارك؟ والمنسق الأعلى للسياسة الأوربية يصل إلى القاهرة ويلتقي بشيخ الأزهر لمعالجة الأزمة لكنه لا يعتذر عن الإساءة ! هذا غير قيام الصحف والمجلات في عدة دول في أوربا وغيرها بنشر تلك الصورة المسيئة! فهل يعقل إن هذه الحملة الهوجاء هي لمجرد حرية التعبير عن الرأي؟

وفي ضوء الالتفات لهذه الأمور نستطيع تحديد واجبنا بعدة خطوات:

1- أن يعي المسلمون إن سلوكهم وتصرفهم ينعكس سلباً أو إيجاباً على الإسلام نفسه لعدم إمكان التفكيك بين النظرية والتطبيق فإن أي أيديولوجية إنما يتم التعرف عليها من خلال معتنقيها، فعلى المسلمين أن يكونوا دقيقين في

ص: 249

عرض صورة الإسلام النقية كما أوصانا الإمام الصادق (علیه السلام): (كونوا لنا دعاة صامتين) (كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً) خصوصاً وإن تطور تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات اختزلت العالم كله في قرية واحدة بل في غرفة واحدة وتفاصيل هذه الفكرة في بحث (الأسوة الحسنة).2- أن تأخذ الشعوب الإسلامية زمام المبادرة من حكوماتها وأن تفرض إرادتها على هؤلاء المهزومين، وقد أثمرت حركتهم عن الانصياع تدريجياً لمطالبهم، واضطر بعض المسئولين في الحكومات للخروج مع التظاهرات تحت الضغط الشعبي، وتحركت القيادات الأوربية لتطبيع الوضع من جديد وقدّمت الدول الإسلامية مشروع قرار إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وقّعته (57) دولة يدعو إلى سن قانون يمنع الإساءة إلى المعتقدات والرموز الدينية.

3- أن يتوحد المسلمون ويلتفتوا إلى قواسمهم المشتركة وهي عظيمة وإحداها حب نبيهم، وكم كان جميلاً حين هبّ العراقيون في جميع مدنهم للانتصار لنبيهم الكريم (صلی الله علیه و آله) وخلّفوا وراء ظهورهم الخلافات والتقسيمات التي حاول أن يزرعها الطائفيون والمصلحيون والمتحجرون وبقية قائمة الأعداء الطويلة.

4- أن يشخّص المسلمون أعداءهم بدقة ولا يكونوا كالثور في حلبة مصارعة الثيران كل همه على الخرقة الحمراء ولا يلتفت إلى خصمه الحقيقي وهو الرجل الذي يطعنه بالخناجر حتى يقتله، فليس أعداؤهم المسيحيين حتى يقوم البعض في لبنان والعراق بتفجير الكنائس وحرقها والاعتداء على الأبرياء وإنما أعداءهم أولئك المستكبرون الذين يريدون الاستئثار بخيرات الشعوب

ص: 250

واستعبادهم والويل لمن لا يقدم فروض الطاعة لهم، قبّحهم الله.5- الاستمرار في حوار الحضارات وعرض المعادل الموضوعي الذي يقدمه الإسلام.

وتوجد عدة إصدارات تثري هذه النقاط وتشبعها بحثاً منها (نحن والغرب) و(الأسوة الحسنة للقادة والمصلحين) و(المعادل الموضوعي بين النموذج الإسلامي والغربي) و(نظرة في فلسفة الإحداث) و (سلسلة خطاب المرحلة).

6- الضغط على المعتدين بالمنطقة التي تؤلمهم وتسبب لهم الصداع وباللغة التي يفهمونها، ومنها مقاطعة بضائعهم لذا رأينا ثورته حين طبقت الشعوب هذا السلاح الماضي ومنها فضح جرائمه إعلامياً وتنفير الشعوب منه. ومنها الدعوة لإقامة معرض لكشف زيف محرقة اليهود المدّعاة من قبل النازيين.

جعلنا الله وإياكم في زمرة الصالحين محمد وآله الطيبين الطاهرين وممن ينصرهم بنفسه ولسانه ويده وفكره وسلوكه والحمد لله رب العالمين وصلى اله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

محمد اليعقوبي

19 محرم 1427

18 شباط 2006م

ص: 251

برنامج عمل الحكومة الجديدة

برنامج عمل الحكومة الجديدة(1)

كثر تردد الوفود التي تمثل المرشحين لرئاسة الوزراء(2) على سماحة الشيخ اليعقوبي خلال الأسابيع الماضية طالبين تدخله لحسم الأمر لصالح هذا الطرف أو ذاك ولكنه رفض التدخل لمصلحة أي طرف لأنه ينافي موقعه المرجعي ورعايته للجميع، لكن وجهة نظره كانت بأن تتشكل لجنة من كبار الشخصيات في الائتلاف والتي تتصف بالموضوعية والأبوة والحكمة وتدرس حال المرشحين وتختار الأصلح لتطبيق برنامج عمل المرحلة القادمة.

وعلى الجميع أن يكونوا صفّاً واحداً من ورائها وبذلك تُحفظ وحدة الائتلاف وانسجامه وسلامة مسيرته، فأنتم يا مرشحي الائتلاف بيدكم مصير الأمة فكونوا حريصين على تحرّي الخير لها.

ثم بعث سماحته برسالة ذكر فيها الخطوط العريضة لمسؤولية رئيس الحكومة تجاه شعبه عامة وتجاه الائتلاف خاصة وضم القسم الأول المطالب

ص: 252


1- نشر في الصفحة الثالثة من العدد (38) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 24 محرم 1427 الموافق 23 شباط 2006.
2- منذ إعلان النتائج الأولية للانتخابات في اليوم التالي لإجرائها يوم 15/ 12/ 2005 تهيئت الأحزاب داخل كتلة الائتلاف العراقي الموحد لتمرير مرشحيها لرئاسة الوزراء باعتبارها الكتلة المكلفة بتشكيل الحكومة وكان المرشحون الأبرز د.إبراهيم الجعفري من حزب الدعوة و د.عادل عبد المهدي من المجلس الأعلى، وقد اصطف مع كل منهما مؤيدوه من الكيانات داخل الائتلاف.

الوطنية وهي:1- المحافظة على وحدة العراق وسيادته الوطنية.

2- الالتزام بالدستور (بشرطه وهو عدم مخالفة قوانينه للشريعة الإسلامية) وسيادة القانون ومساواة الجميع أمامه.

3- تغليب المصلحة الوطنية العليا على المصالح الحزبية والفئوية والشخصية.

4- الجدية في بناء قوات مسلحة قوية وكفوءة وتجهيزها بالوسائل والتقنيات المتقدمة حتى تكون لها القدرة على حفظ الأمن والنظام في البلاد وإنهاء الذرائع لوجود الاحتلال.

5- منع التغلغل الأجنبي والاحتفاظ بعلاقات مع دول الجوار والعالم كله بما يتناسب مع التزامهم بسيادة العراق واحترامهم لمصالحه.

6- أن تكون القيمة العليا للإنسان فتوظَّف الدولة وإمكانياتها لخدمته وتوفير أسباب الحياة الحرة الكريمة له.

7- محاربة الفساد الإداري والمالي ومحاسبة المفسدين.

8- إصلاح جهاز القضاء وإعادة النظر في القوانين المعمول بها لإلغاء المواد المخالفة للشريعة.

9- الإسراع في تأهيل الكوادر الوطنية المخلصة خصوصاً الشابة وإعطائها الفرصة في إدارة مفاصل الدولة.

10- تفعيل قانون الإدارة اللامركزية والعمل على إنجاح الحكومات المحلية وتأهيلها للاعتماد على نفسها.

ص: 253

مطالب للائتلاف:1- أن يتصرف رئيس الوزراء باعتباره مرشح الائتلاف لا كيانه الخاص فينفّذ السياسات العامة التي يقررها الائتلاف.

2- أن يتعامل بأبوية وعدالة مع كل مكونات الائتلاف سواء التي رشّحته أو التي لم ترشّحه.

3- الالتزام بتوجيهات المرجعية ومشاورتها في القضايا المصيرية.

4- أن يحفظ مصالح القواعد التي انتخبت الائتلاف ويرفع الظلم عنها ويعزّز هويتها وقوتها وكرامتها.

ص: 254

خطاب المرحلة 106 :أي خدمة للأعداء قدمها مرتكبو جريمة بقيع سامراء

خطاب المرحلة 106 :أي خدمة للأعداء قدمها مرتكبو جريمة بقيع سامراء(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

يوماً بعد يوم يتسامى أتباع أهل البيت (سلام الله عليهم) ويزدادون بهاءً وكمالاً بما يظهرون من حكمة وضبط نفس وترفّع عن الإساءة إلى الآخرين وبدأ العالم يلتفت إلى هذه المدرسة التي غُيّبت طيلة أربعة عشر قرناً.

وبالمقابل يتسافل الآخرون وينزلون إلى درجات الحضيض بما يرتكبون من جرائم تتقزز منها الإنسانية وتقشعرّ لها الأبدان.

لقد قدّم المجرمون الذين أقدموا على تفجير الروضة العسكرية الشريفة أعظم خدمة للمعسكر المعادي للإسلام والذي قاد حملة من نشر الصور المسيئة إلى شخصية النبي الأكرم محمد (صلی الله علیه و آله)؛ لأنه لا يستطيع المسلمون –بعد هذا- أن يستنكروا مثل هذه الأفعال إذا قام من ينتسب إلى الإسلام بهذا

ص: 255


1- من حديث سماحة الشيخ مع موكب أبناء كربلاء الذين جاءوا لتعزيته يوم السبت 26 محرم 1427 المصادف 25/ 2/ 2006بمصيبة تفجير الروضة العسكرية الشريفة في سامراء يوم الأربعاء 23/محرم/1427 المصادف 22/ 2/ 2006، حيث قام نواصب حاقدون على أهل بيت العصمة والطهارة، وخطط لهم صداميون مجرمون بزرع متفجرات ضخمة في القواعد الأساسية لبناء الروضة العسكرية وفجّروها صباح ذلك اليوم، هذا والائتلاف الشيعي الحاكم في غفلة عن حماية مقدساته لانشغاله في الصراع على تشكيل الحكومة فإنا لله وإنا إليه راجعون.

الاعتداء الشنيع على أئمة الإسلام- وليس الشيعة فقط- فيعذر غير المسلمين أنفسهم على ما فعلوا.وقدّموا خدمة إلى الصهيونية التي تسعى لإزالة كل مقدّس لدى الشعوب حتى تبقى بلا قيم وثوابت مما يسّهل استعبادهم بقيم ومعايير يضعونها لهم، وهو ما أرادوا تحقيقه من نشر الرسوم المسيئة إلى النبي (صلی الله علیه و آله).

وقدموا خدمة عظيمة للاحتلال الذي لا يزال يرفع ورقة الحرب الأهلية والوضع الأمني غير المستقر وعجز القوات العراقية عن حماية المواطن والمؤسسات والمقدسات لتبرير وجوده.

وقطعوا الطريق على المسلمين للمطالبة بأي حق فإذا أراد الصهاينة أن يهدموا بيت المقدس بحجة البحث عن هيكل سليمان فماذا سيقول المسلمون وقد دمروا بأيديهم هذه الحضرة الشريفة التي ضمت جَسدي إمامين معصومين؟ هذا ما جنوه بجهلهم وحقدهم وعصبيتهم الجاهلية والطائفية واقتفوا به أثار أسلافهم الذين فتحوا لهم باب الجرائم وانتهكوا كل المقدسات ولم يُبقوا خطوطاً حمراء لأي مقدس، فاعتدوا على بيت النبي الطاهر (صلی الله علیه و آله) وبنته وقتلوا أئمة الإسلام، حتى الرضيع لم يسلم من بطشهم وساقوا عقائل النبوة سبايا وهدموا البيوت وقطعوا الأرزاق وداسوا الأجساد الطاهرة بحوافر الخيل وجروها بالحبال في الشوارع، فما الذي يقعد أبنائهم عن القيام بجريمتهم الأخيرة؟

صحيح أن الذين نفذوا الجريمة لهم هدفهم الخاص لكن كان ورائهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة أكثر من جهة لها أهدافها الخاصة، فمنهم من أراد نقل التركيز الإعلامي من قضية الإساءة إلى النبي (صلی الله علیه و آله) بالرسوم التي بدأت

ص: 256

تهدد فاعليها إلى ساحة أخرى، ومنهم من أراد تدمير العملية السياسية في العراق، ومنهم من أراد إفشال الحكومة ومنهم من أراد إظهار حقده الطائفي الدفين، ومنهم من أراد إلقاء الفتنة بين السنة والشيعة في العراق ومن ثم ليعممها إلى الدول المجاورة.لكن المرجعية الشريفة كانت واعية لهذه المؤامرة وهي تعلم جيداً إن الفعل لم يقم به أهل السنة في سامراء، بل أنهم كانوا أول الغاضبين على هذا الفعل، وظهر ذلك من حشدهم الثائر في الصحن الشريف عقب الحادث، وإنما قام به تكفيريون جهلة متعصبون وصداميون مجرمون سخروهم بالتضليل والتشويش وخلط الأوراق، وساعدهم على ذلك فتاوى بعض المحسوبين على علماء الدين من مرتزقة وطائفيين ووعاظ سلاطين.

ولكن هؤلاء الأشرار يتخفون بين تلك الشريحة الكبيرة ولا يمكن أن نتورط بدم بريء من أجل الوصول إليهم وإنما علينا أن نصل إلى المجرمين بدقة تعذرنا أمام الله تبارك وتعالى وهذا ما دفعنا إلى دعوتكم إلى أن تكونوا أكثر صبراً وحكمة !

خذوا الدرس من أمير المؤمنين فإنه لما فلق أبن ملجم هامته الشريفة التفت إلى أقربائه وذويه وقال (لا ألفينكم يا بني عبد المطلب تخوضون في دماء الناس تقولون قتل علي بن أبي طالب) كما فعل الذين أظهروا المطالبة بدم عثمان واستبطنوا الحرص على السلطة والحكم، وإنما يؤاخذ المجرم فقط بجريمته ! فهذا منطقنا لأننا أصحاب دين وإيمان بالآخرة ونؤمن بالجزاء على ما يكتسبه الإنسان من أعمال ولا يمكن أن نصلح دنيانا بفساد أخرتنا وإن كان هذا

ص: 257

يكلفنا كما كلف أئمتنا وقادتنا من قبل.وإذا اشتعلت فتنة طائفية فأنها ستحرق الجميع ويذهب فيها الأبرياء والحديث الشريف يقول (إن دم المؤمن أشد حرمة عند الله من الكعبة) فلا بد أن نحمي دماء الأبرياء من القتلة البشعين الذي قتلوا في نفس اليوم الحزين (47) من أتباع أهل البيت قرب النهروان وهم متوجهون إلى بغداد للمشاركة في مراسم العزاء والاستنكار.

إن بقاء الثلة الصالحة المؤمنة التي تديم الوجود المبارك لأتباع أهل البيت (علیهم السلام) هو أعظم رد على كل الأعداء لأنهم يريدون إخلاء الساحة منهم كما فعلوا بعد قتل الشهيد الصدر الأول (قدس سره) عام 1980 ونجحوا في فصل الناس عن دينهم حتى أذن الله تبارك وتعالى بانبعاث الحياة وانتفاض الروح من جديد , ألم يقل صدام أني لا أسلم العراق إلا أرضاً جرداء بلا إنسان، وها هم أيتامه يكملون صفحات جرائمه فكونوا منهم على وعي وحذر.

وإذا كان في يوم ما تكليف المؤمنين هي التضحية في سبيل الله فأنهم سوف لا يقصرون ولا يترددون وسيكونون كما قال الشاعر:

لبسوا الدروع على القلوب واقبلوا يتهافتون على ذهاب الأنفسِ

وهذا يتطلب منهم إدامة الروح الثورية والتواجد في الساحة والتواصل مع تعاليم دينهم تعليماً وتطبيقاً، والحذر والوعي لما يحاك لهم من مؤامرات، والالتفاف حول قيادتهم الرشيدة التي هي أمان لهم من الوقوع في المزالق.

لقد كان الحضور المليوني للمؤمنين في الساحة عقب الحادث والالتزام بوصايا المرجعية الرشيدة رسالة مهمة أوصلتها الأمة إلى كل المراقبين وعلى

ص: 258

المتصدين استثمارها في الاتجاه الصحيح، وأولها الحزم في محاكمة الجناة والاقتصاص من القتلة والمجرمين وإسكات الأصوات المحرضة على الإرهاب وقتل الشعب سواء كانوا يحملون لافتات سياسية أو دينية أو اجتماعية وأن يحافظ الجميع على حرمات الشعب ومقدساته وعلى رأسها الإنسان.

ص: 259

خطاب المرحلة 107 :ماذا بعد تفجير الروضة العسكرية المطهرة

اشارة

خطاب المرحلة 107 :ماذا بعد تفجير الروضة العسكرية المطهرة(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

[إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ] (غافر:51) [وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ] (الأنبياء:105).

لقد آن للجماهير أن تأخذ زمام المبادرة وتستعمل مختلف الوسائل المتاحة لها وعناصر القوة المتوفرة عندها، لكن طبعاً من دون عنف أو إضرار بمصالح العباد والبلاد خصوصاً أبناء المحافظات الجنوبية الذين استهدفت مقدساتهم وقتل أبناؤهم ولا زالوا يعيشون حياة الفقر والحرمان والبؤس وتخرج الخيرات من تحت أرجلهم إلى أعدائهم ليقتلوا بها أبناءهم ويرمّلوا نسائهم وييتموا أطفالهم، أو إلى المتآمرين عليهم ليسلبوا استحقاقهم ويلتفوا على إرادتهم وفي جميع الأحوال فإن الشعب وحده يدفع الثمن أما القيادات السياسية فلا همَّ لها

ص: 260


1- نص البيان الذي وجهه سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) إلى الآلاف من المؤمنين الذين اجتمعوا في مدينة البصرة من المحافظات الجنوبية لإقامة صلاة جمعة موحدة ليوم 2 صفر 1427 الموافق 3/ 3/ 2006 وفي جامع الرحمن ببغداد، لبيان الموقف من تداعيات فتنة الروضة العسكرية الشريفة، راجع (خطاب 113) (صفحة 259) للاطلاع على ثمرات هذا التجمع المبارك.

إلا مصالحها الشخصية والفئوية وتصفية الحسابات بينها.فرئيس الحكومة يترك البلد يحترق بالنار ويذهب لزيارة تركيا(1) في حين أن قادة الدول يقطعون أهم زيارة أو مؤتمر لهم إذا وقع حادث في بلدهم وقد اعترض رئيس الجمهورية على زيارة رئيس الحكومة لا لمطالبته بالمكث مع شعبه ومواساته في محنته والتفرغ للتفكير بألف حلّ وحلّ للخروج من الأزمة وإنما اعترض عليه لأنه لم يخبره وتصًّرف وحده ولاتخاذ الزيارة ذريعة لإسقاطه. أما زعماء الكتل السياسية فقد اجتمعوا(2) وظن المراقبون أن مثل هذا الاجتماع الخطير للفرقاء كلهم يزيل كل العقبات ويحلُّ كل العقد لو كانوا يحملون نيات مخلصة ولكنه لم يكن إلا لذرّ الرماد في العيون وليوحي كل واحد منهم انه قد ابرأ ذمته وألقى الكرة في ملعب الآخر.

هذا كله وشلال الدم العراقي يجري والمقدسات تنتهك ولم تبقَ خطوط حمراء للمحرمات ومثيرو الفتن ينشطون في كل مكان.

فهل نكتفي بلطم الصدور وجلد الظهور والنداء بالويل والثبور، أو إصدار بيانات الاستنكار أو تسيير المظاهرات من دون هدف ولا مطلب وكأنها غاية وليست وسيلة لإحقاق الحق ورفع الظلم؟ ونحن إلى الآن لا نستطيع أن نقوم

ص: 261


1- غادر د.إبراهيم الجعفري رئيس الحكومة المنتهية ولايتها والمرشح لتشكيلها بغداد متوجهاً إلى تركيا بزيارة مفاجئة يوم الثلاثاء 29/محرم /1427 المصادف آخر شباط 2006 ومعه نائبه لشؤون الطاقة د.أحمد الجلبي..
2- جمع رئيس الوزراء الدكتور إبراهيم الجعفري رؤساء الكيانات السياسية وبحضور وزيري الدفاع والداخلية والسفير الأمريكي يوم السبت 26 محرم.

بأي مشروع في محافظاتنا إلا بتوقيع من دوائر العاصمة بغداد التي يسيطر عليها الصداميون والعملاء وهم لا يريدون الخير لنا ويعرقلون كل حركة ايجابية فصرنا لا نستطيع منح قطعة ارض لعائلة شهيد قدم روحه ونزف دمه دفاعاً عن دينه وأمته لأن وزارة البلديات(1) لم تأذن بذلك !وتنتهي سنة 2005 دون أن تصرف الحكومة التي انتخبها الشرفاء منكم التخصيصات المالية للمحافظات، وتركوها تعاني من شظف العيش والبطالة والوضع المتردي في الخدمات، ثم يتبجحون بان فائض الميزانية العراقية في هذا العام تجاوز ثمانية مليارات دولار وهي الأموال التي حرموكم منها وحبسوها عنكم، ولا أدري كيف يحصل فائض في ميزانية هذا البلد الخراب ويحتاج إلى أضعاف هذا الرقم للنهوض من جديد وكأنهم جاؤوا ليواصلوا سياسة (صدام) في تخريب هذه المدن الشريفة وتجويع أبناءها الكرام.

هذا هو حال الضعف والهوان الذي أوصلتنا إليه القيادات السياسية حتى طمع فينا شذاذ الآفاق فسعوا إلى تجميع شراذمهم(2) لمصادرة الاستحقاقات

ص: 262


1- كانت وزيرة البلديات امرأة من التحالف الكردستاني
2- اجتمع أعضاء كتلة الائتلاف العراقي الموحد يوم الأحد 13 محرم/1427 المصادف 12/ 2/ 2006 لحسم المرشح لرئاسة الوزراء وفاز الدكتور الجعفري ب-(64) صوتاً مقابل (63) صوتاً للدكتور عادل عبد المهدي، وفي اليوم التالي أبدى التحالف الكردستاني (53 مقعداً) وجبهة التوافق السنية (44 مقعداً) الاعتراض على ترشيح الجعفري لولاية ثانية وتحركوا لإقناع حركة الدكتور أياد علاوي (25 مقعداً) وجبهة الحوار لصالح المطلك (11 مقعداً) وبعض الآخرين لتشكيل جبهة تمثل أغلبية لتشكيل الحكومة، وشجعهم على ذلك عدم تحمّس المجلس الأعلى (الذي يرأس كتلة الائتلاف) ومؤيديه إلى دعم الدكتور الجعفري، واستمر الشد والجذب إلى أن انتهت –بعد مفاوضات معقدة- بتنازل الدكتور الجعفري واختيار نوري المالكي لتشكيل الحكومة.

الانتخابية وإفراغها من مضمونها تحت مسميات شتى وذرائع مختلفة، ثم أوقفوا العمل بالدستور الذي نال مصادقة الشعب مصدر السلطات وينص على أن البرلمان يجب أن ينعقد خلال مدة لا تتجاوز (15 يوماً) من حين مصادقة المفوضية العليا على نتائج الانتخابات، وقد انتهت هذه المدة يوم السبت الماضي ولم ينعقد البرلمان والكل يتفرج ولا يكترث ولا تنتفض غيرته إلا حينما تتأثر مصالحه الشخصية، وإذا أراد تحقيق مطلبه سخَّر المأجورين والجهلة والمتحجرين لإزهاق أرواح الأبرياء وإحراق الأخضر واليابس للضغط بهذا الاتجاه فهل بعد هذا يوجد شيء ننتظره من هؤلاء؟ !أن الأمة هي المستهدفة وهي المظلومة وهي التي تدفع الثمن وبنفس الوقت فإن عناصر القوة بيدها وهي التي تمتلك التأثير والحسم فلماذا تغيّب نفسها وتلقي بقيادها إلى من لا يستحق؟ !

أن الخطوة الأولى تبدأ من وحدتها وتماسكها ووقوفها صفاً واحداً في حركتها المباركة هذه كما آخى النبي (صلی الله علیه و آله) بين المهاجرين والأنصار قبل أن يتحرك لبناء دولة الإسلام العظيمة.

وعليها أيضا أن لا تتوقف عن إقامة الفعاليات والتجمعات والندوات والمظاهرات والمواكب وصلوات الجمعة الحاشدة لإبقاء حالة التعبئة كاملة.

وعلى ممثلي التوجهات المتنوعة للأمة أن يواصلوا الاجتماعات ويضعوا الخطط لبلورة مشروع كفيل بالنهوض بواقعها.

ص: 263

والتلويح بأشكال الضغط التي يستطيعونها فلديهم الكثير منها خصوصاً وان 90 من ثروات البلد تخرج من أراضيهم ولديهم الموانئ والمطارات والحدود الدولية والثروات الطبيعية وموارد بشرية يزيد تعدادها عن 15 مليون، وبينها الكثير من الكفاءات والمخلصين فلماذا يبقون يئنون من بطش وقسوة الأعداء والعملاء والمتآمرين؟إننا نضع بين أيديكم عدة مطالب أساسية:

1- أن تجعل الحكومة هدفها حماية المواطن وتوفير الخدمات له وتبتعد عن مصالحها الشخصية والحزبية.

2- إنجاح عمل الحكومات المحلية للمحافظات وتأهيلها لإدارة شؤونها بعيداً عن التبعية المقيتة للروتين المركزي.

3- بناء قوات مسلحة وطنية مخلصة كفوءة قادرة عدةً وعدداً على حفظ الأمن وسيادة البلد والقضاء على بؤر الإرهاب والعتاة والحزم في تطبيق القانون، وإنهاء حالة الاحتلال المتذرع باختلال الأمن ويندرج في ذلك المطالبة بزيادة عدد القوات المسلحة وتجهيزها بمعدات وتكنولوجيا متقدمة، والإبقاء على سلاح واحد وهو سلاح الحكومة الدستورية.

4- تشكيل (لواء الإمامين العسكريين (علیها السلام)) من الموالين والمخلصين الغيورين على مقدساتهم يتولى تأمين الطريق من بغداد إلى سامراء لحماية الزائرين وتمكينهم من زيارة الإمامين المظلومين علي الهادي والحسن العسكري (علیها السلام)، وأن يكون مرتبطاً بجهة مؤتمنة على أرواح الناس وممتلكاتهم وأن يكون ذلك بأسرع وقت، فقد ضاقت الصدور لهفة لزيارة

ص: 264

الإمامين الهمامين ورفع التقصير بحقهما وبحق ولدهما المهدي المنتظر الموعود (عجل الله تعالى فرجه الشريف).5- تحريك العملية السياسية وفق الدستور وبما يكفل حقوق جميع مكونات الشعب العراقي مع مراعاة الاستحقاق الانتخابي.

6- إصلاح جهاز القضاء و المبادرة إلى تنفيذ العقوبات الصارمة بحق القتلة والمجرمين الذين اعترفوا أو ثبتت إدانتهم بارتكاب الجرائم والفساد في الأرض فإن التراخي معهم هو الذي أدى إلى تماديهم في الغي والعدوان.

7- تطهير العملية السياسية من الصداميين والمروّجين للإرهاب والمبررين للجرائم الشنيعة بحق الشعب والمحرضين على الفتنة والنعرات الطائفية.

8- محاربة الفساد الإداري ومحاسبة المفسدين وتأهيل الكوادر الوطنية الشابة وإعطائها الفرصة في إدارة مفاصل الدولة.

9- التزام السياسيين بخطاب وطني يدعو إلى الوحدة و يؤمن بثوابت هذا الشعب الدينية والأخلاقية والاجتماعية والوطنية، [قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إلى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الإصلاح مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ] (هود:88)

محمد اليعقوبي

2 صفر الخير 1427 الموافق 3/ 3/ 2006

ص: 265

الأكراد يؤكدون تحالفهم الاستراتيجي مع الائتلاف العراقي الموحد

الأكراد يؤكدون تحالفهم الاستراتيجي مع الائتلاف العراقي الموحد(1)

بعد الخطاب التأريخي الذي وجّهه سماحة الشيخ يوم الجمعة 2/صفر إلى الآلاف من المؤمنين الغاضبين الذين تجمّعوا في صلاة الجمعة الموحدة في البصرة والتي انتقد فيها القيادات السياسية ومنهم الأكراد الذين اصطفوا مع عدة كيانات أخرى لتحقيق مكاسب سياسية، بعث الزعيمان الكرديان الدكتور جلال الطالباني رئيس الجمهورية والسيد مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان يوم الأحد 4/صفر الدكتور برهم صالح وزير التخطيط العراقي والسيد آزاد برواري عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني لطمأنة سماحة الشيخ أن الأكراد لا يتخلّون عن تحالفهم الاستراتيجي مع إخوانهم الشيعة لوحدة المظلومية التي تعرضوا لها وللحاجة المشتركة لبناء مستقبل زاهر يحفظ حقوق الجميع وكرامتهم ويمنع من عودة الديكتاتورية.

وأكد سماحة الشيخ أنه يجب علينا جميعاً أن نعمل من أجل ازدهار العراق وبالتالي سيستفيد كل العراقيين من هذه الحالة كما أن الإخوة الأكراد اتحدوا لحفظ حقوقهم فاستفادوا جميعاً ولو عمل الاتحاد الوطني الكردستاني أو الحزب الديمقراطي الكردستاني لمصلحته الخاصة فإنهم سيخسرون جميعاً.

ص: 266


1- نُشر في العدد (39) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 15/صفر/1427 الموافق 16/ 3/ 2006.

وقال الدكتور صالح إن موقفهم الأخير من ترشيح الدكتور الجعفري لرئاسة الحكومة لم يكن موقفاً عدائياً من الائتلاف ولا من شخص الدكتور الجعفري وإنما لأنهم لا يرونه صالحاً لقيادة الحكومة العراقية في هذه المرحلة التي تحتاج إلى الشراكة والتوافق.وأبدى سماحة الشيخ امتعاضه من أداء وزيرة البلديات التي لم تعمل على تحسين الوضع في محافظات الوسط والجنوب، فأكد الدكتور صالح أنهم يقيّمون الأشخاص وفق أدائهم وهم يرفضون المسيء والمقصر سواء كان كرديا أو عربياً.

ص: 267

المشاركة الواسعة في خدمة زوار الإمام الحسين (عليه السلام) تدخل الرعب في قلوب الأعداء

المشاركة الواسعة في خدمة زوار الإمام الحسين (عليه السلام) تدخل الرعب في قلوب الأعداء(1)

استقبل سماحة الشيخ العشرات من الشباب المنتظمين في مواكب المشاة إلى كربلاء لزيارة الإمام الحسين (علیه السلام) في الناصرية، وطلب منهم إيصال شكره ودعائه إلى أبناء العشائر والأرياف والقرى والمدن التي تقيم مخيمات الاستراحة وقيام الكل نساءً ورجالاً وأطفالاً بتقديم الخدمات على طول الطرق المؤدية إلى كربلاء والتي تمتد مئات الكيلومترات، ونقل لهم شواهد من اهتمام الأئمة (علیهم السلام) بزوار الحسين (علیه السلام) ودعمهم والدعاء لهم.

وأحد تلك الشواهد ما ورد عن الإمام الهادي (علیه السلام) أنه علم وهو في سامراء أن أحد أصحابه يروم السفر إلى كربلاء لزيارة الإمام الحسين (علیه السلام) فدفع له الإمام أموالاً جزيلة لتغطية نفقاته وقال له: ادعُ لي عند جدي الحسين (علیه السلام) فقال له الرجل: أنا أحوج إلى دعائك وأنت ابن رسول الله (صلی الله علیه و آله) فقال له (ع): دعك من هذا فإن الدعاء مستجاب عند قبر جدي الحسين (علیه السلام)، ودعاء الإمام الصادق (علیه السلام) لزوار جده الحسين (علیه السلام) جليل ويُشعِر بكرامات عالية لهم دعا به وهو ساجد والدموع تنهمر من عينيه حتى ابتلت لحيته المباركة.

ص: 268


1- نشر في الصفحة الأولى من العدد (39) من الصادقين الصادر بتأريخ 15 صفر 1427 الموافق 16 آذار 2006.

وقال سماحة الشيخ إن هذا الذوبان في قضية الإمام الحسين (علیه السلام) والعشق العميق له يدخل الرعب في قلوب الأعداء، كما ينقل لنا التأريخ أن النبي (صلی الله علیه و آله) لمّا خرج بأصحابه إلى مكة وانتهى إلى الحديبية أرسل المشركون طليعة لتقدّر لهم حجم الجيش وإمكانية مقاتلته فرجع الوفد وقال لقريش إنكم لا تستطيعون قتالهم لأنهم ذائبون في حب قائدهم وطاعته حتى أن ماء وضوئه لا يسقط إلى الأرض وإنما يتلاقفونه للتبرك به، وهذا الولاء هو ما نجده اليوم في شيعة أهل البيت (علیهم السلام) وتفانيهم في خدمة زائري قبر أبي عبد الله الحسين فتجد الجميع واقفين في الخدمة فللرجال عمل وللنساء عمل وللأطفال عمل ويتبرّكون بغسل أقدام المشاة إلى الحسين (علیه السلام) وتمريغ أرجلهم لإزالة تعب السير أو تقديم الطعام والشراب لهم أو توفير أسباب الراحة وحق لهم هذا الاعتناء فإنه مظنة لشمول رحمة الباري ولطفه.وبالمقابل على مواكب المشاة أن يكونوا بالسيرة اللائقة بهم (كونوا لنا دعاةً صامتين) (كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً) وأن يستثمروا هذه الرحلة لنشر أحكام الدين وأخلاقه السامية وتعاليمه المباركة ونشر الوعي ليرتقوا بمستوى هذه الشرائح من الأمة.

ص: 269

خطاب المرحلة 108 :المسيرات الراجلة ظاهرة حضارية

خطاب المرحلة 108 :المسيرات الراجلة ظاهرة حضارية(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

إذا التفتنا إلى أمرين علمنا أهمية سير المؤمنين مشياً على الأقدام إلى كربلاء وسائر المشاهد المقدسة خصوصاً في زيارة الأربعين:

الأول: أن السير على الأقدام من أجل تحقيق مطلب معيّن أو إلفات النظر إلى قضية معينة وسيلة حضارية اتخذتها الأمم وفرضت بها إرادتها.

وهناك شواهد عديدة من التأريخ القديم والجديد ففي السنة السادسة للهجرة خرج رسول الله (صلی الله علیه و آله) بألف وبضع مئات من أصحابه يريد مكة لأداء العمرة بمسيرة سلمية فلما علم مشركو قريش بذلك أسقط ما في أيديهم ولم يستطيعوا قتالهم وأوقعوهم في حرج شديد لئلا تقول العرب أنهم قتلوا ناساً عزّلاً من السلاح جاؤوا قاصدين البيت الحرام، واضطروا للصلح مع النبي (صلی الله علیه و آله) في الحديبية وعدّه الله تبارك وتعالى فتحاً مبيناً في سورة الفتح.

ومن التأريخ الحديث ثورة الملح والمسيرة التي قادها غاندي وأنهى على أثرها الاحتلال البريطاني للهند.

ص: 270


1- من حديث سماحة الشيخ مع حشد من أبناء المحافظات الجنوبية الذين زاروه في طريقهم إلى كربلاء يوم الجمعة 16 صفر 1427 المصادف 17/ 3/ 2006.

والمسيرات المليونية التي أسقطت شاه إيران ولم يكن المتظاهرون يقابلون النار التي يطلقها جلاوزة الشاه إلا بالورود حتى خجل الجيش من نفسه وانسحب من المواجهة تاركاً الشاه وجلاوزته فانتصرت الثورة الإسلامية في إيران.وبعد سنين من المقاومة اللبنانية التي قادها حزب الله لإنهاء الاحتلال الصهيوني قرر الصهاينة الانسحاب وحددوا لذلك موعداً لكنهم اضطروا للانسحاب بذلّة وبإرباك وفوضى قبل الموعد(1) حينما قرر أهالي القرى والمدن المحتلة بالزحف نحو مدنهم رجالاً ونساءً وأطفالاً فلم يكن أمام المحتلين إلا النكوص ورجوع القهقرى أمام زحفهم الهادر والقوي بقوة حقهم وعدالة قضيتهم وبدأ الأهالي العزّل يطهرون مدنهم الواحدة تلو الأخرى حتى اكتمل النصر.

الثاني: إن هذه الحالة – أعني السير على الأقدام - أسسها المعصومون (علیهم السلام) وأعطوها زخماً كبيراً من الثواب فقد ورد في بعض الروايات عن الإمام الصادق (علیه السلام) (من أتى قبر الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) ماشياً كتب الله له بكل خطوة ألف حسنة ومحا عنه ألف سيئة ورفع له ألف درجة)(2).

فإذا كانت الشعوب تخرج بهذه المسيرات لإنهاء احتلال فنحن مبتلون باحتلال متغطرس لا يرقب فينا إلاً ولا ذمة، وإذا كانت تخرج للمطالبة بتحسين الخدمات واحترام حقوق الإنسان فبلدنا يعيش في الحضيض من هذه الناحية،

ص: 271


1- كان ذلك في آيار 2000.
2- مفاتيح الجنان/آداب زيارة الإمام الحسين (عليه السلام).

وإذا كانت الأمم تخرج للدفاع عن حقوقها وعزتها وكرامتها ولرفع الظلم والاضطهاد عنها فنحن نطالب بذلك.إذن فإن هذه المسيرات يجب إدامتها واستثمارها وتوظيفها. فإذا ضممنا إليها أهدافاً أخرى والتفتنا إلى هذه الثمرات المتحققة منها زاد حماسنا واندفاعنا ومنها:

1- أن الذهاب سيرا على الأقدام فيه إظهار لعظمة المقصود فقد حج الإمام الحسن المجتبى (ع) ماشيا على قدميه ليس لعدم وجدانٍ للراحلة فإن الرواية تقول (وان النجائب لتقاد بين يديه) وإنما كان تعظيما للبيت الحرام ومن أولى من الإمام الحسين (علیه السلام) بالتعظيم والإجلال بل دلت بعض الروايات على أفضلية تربة الحسين (علیه السلام) على الكعبة.

2- انه يتضمن إظهارا للولاء لأهل بيت النبي (صلوات الله عليهم أجمعين) ومحبتهم التي جعلها الله تبارك وتعالى اجر الرسالة [قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ] (الأنعام:90) بحيث يحرك هذا الحب ملايين الموالين ليقطعوا مئات الكيلومترات من دون أن يصطحبوا زاداً أو فرشاً أو أي حاجات شخصية وتتعبأ الأمة كلها لخدمتهم.

3- إن فيها مواساة لآل النبي (صلی الله علیه و آله) وعيالات الحسين (علیه السلام) الذين اقتيدوا أسارى في الصحراء بلا غطاء ولا وطاء من كربلاء إلى الكوفة ثم إلى دمشق ثم أعيدوا إلى كربلاء ثم إلى مدينة جدهم (صلی الله علیه و آله) وهن عشرات النسوة وأزيد منهم من الأطفال بلا محامٍِ ولا كفيل وإنما يحوطونهم قتلة الطيبين من آل رسول الله (صلی الله علیه و آله).

ص: 272

4- أن هذه الحركة الجماعية تنمي روح العمل الجماعي الذي إن تعودت عليه الأمة حصلت لها بركات كثيرة.

5- إن وحدة الهدف والغاية لهذه الملايين الزاحفة يوحد الأمة ويذوب خلافاتها وما أحوجنا اليوم لهذه الوحدة.

6- أن كثيراً من الناس يتحركون بفعل ما يسمى ب-(العقل الجمعي) فقد لا يكون الشخص مندفعاً نحو التدين وتعظيم شعائر أهل البيت (علیهم السلام) لكنه لا يملك نفسه دون أن ينخرط في هذه الحركة المليونية المباركة ويتأثر بها فتكون خير وسيلة للهداية والإصلاح كالذي تفعله صلاة الجمعة ونحوها.

7- تساهم هذه الفعالية بما تتضمنه من مصاعب ومشاق في تدريب الأمة على التضحية وتَحمُل الصعاب من أجل تحقيق أهدافها السامية وهي خطوة مهمة على طريق إعداد المؤمنين لحركة الإمام المهدي (علیه السلام) العالمية المباركة، ومثل هذه الفعالية تعتبر أرقى الحالات التعبوية للجيوش في العالم وان الجيوش التي تنجح في القيام بمثل هذا الانتشار الواسع على مساحات ألاف الكيلو مترات المربعة، وبأعداد كثيفة تصل إلى الملايين، وبتنظيم عالٍ لم يشهد أي خسائر أو تقصير ومن دون أن يصطحب الجندي أي لوازم أو احتياجات وتُقدَّم خدمات لوجستية كاملة تعتبر أمثولة تستحق الدراسة في الأكاديميات العسكرية العالمية.

8- أنها تقوي الإرادة وتحقق النصر على النفس الأمارة بالسوء التي تميل إلى الدعة والراحة وتكره العنت والمشقة وهي بذلك تحقق قفزة كبيرة على صعيد تهذيب النفس والسلوك إلى الله تبارك وتعالى.

ص: 273

9- أن هذه الحركة تعزز الانتماء إلى الحسين ونهضته المباركة وما أحلاه من انتماء وما أشرفه وما أعظمه وهذه الهوية تحتوي على الكثير من الخصائص والعلامات المميزة له عن غيره التي ينبغي للسائر إلى الإمام الحسين (علیه السلام) أن يعيها ويلتفت إليها ويجسدها في حياته.

10- والفوائد الصحية التي ربما هي أخر ما يفكر بها السائر إلى الحسين(ع) لأنه يرنو ببصره إلى المعنويات والآثار الروحية، لكن هذه الآثار الطيبة على الصحة ليست قليلة، ونحن نعلم أنَّ كل أحكام الشريعة إنما جعلت لمصالح يجنيها الفرد أو مفاسد يراد دفعها عنه، وقد ذكروا أن المشي يقلل من خطر ارتفاع ضغط الدم ويحسن أداء القلب ويساهم في خفض نسبة الدهون في الدم (الكوليسترول) المسبب لتصلب الشرايين، ويقوم بتقوية العظام ويحافظ على صحة المفاصل والعضلات ويخفف من حدة التوتر النفسي وغيرها كثير.

واغتنم وجودكم لتوجيهين يضاف أجرهما إلى ما ذكرناه والله تبارك وتعالى يخاطبنا [فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَات] (البقرة:148) ويقول سبحانه [وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ] (المطففين:26).

فالمفروض إننا نستثمر الحالة بأعلى صورها فأنها (تجارة لن تبور) والأمران هما:

الأول: أن تسير هذه الجموع المؤمنة في مواكب وتجمعات منتظمة لأن النظام قوة ويحقق ثماراً كثيرة ويدخل الرعب على الأعداء ويرسل لهم رسالة قوية أما المشي أفراداً مشتتين مهما كثر عددهم فإنه لا يؤثر كذلك؛ لأن العدد سينظر إليه وكأنه تقليد اجتماعي دأب عليه الناس فلا يقيم له وزناً معتداً به كما

ص: 274

كان جلاوزة صدام يفعلون فإنهم كانوا حينما يستعصي عليهم المنع التام من المشاركة في هذه المناسبة فإنه يسمح بالأعداد الغفيرة تسير إلى كربلاء ولا يقلقه ذلك كثيرٌ لكن عشرة أشخاص إذا اجتمعوا ونظموا أنفسهم وكانت لهم حركة واحدة فإنه يشعر بخطرهم ويلاحقهم.وإني لا أدعي أنني قادر على تنظيم هذا العدد الضخم ولكنني أضعه كمشروع أمام القائمين على هذه الحركة المباركة، وقد نظمنا كنموذج طلبة الجامعات والمعاهد العراقية في مواكب الوعي الحسيني وكان مثلاً مثيرا للفخر والاعتزاز ويستحق التأسي به فلتفعل الجهات الفاعلة في مختلف المحافظات لأبناء كل محافظة مثل هذا التنظيم المبارك.

الثاني: إنكم خلال مسيرتكم الطويلة تمرون على عشائر وأرياف وقرى ومناطق لم يصلها قبلكم مرشد ديني أو واعظ أو موجّه لذا تجدهم يجهلون أبسط واجباتهم الدينية، وهم يستضيفونكم وتنزلون عندهم فاغتنموا هذه الفرصة للإرشاد والتوجيه والتبليغ وإيصال صوت الهداية والصلاح ليؤتيكم الله وإياهم كفلين من رحمته وكثير منكم شباب رساليون واعون مثقفون قادرون على أداء هذه الوظيفة أحسن قيام فلا تقصروا في اغتنام هذه الفرصة.

وفي ضوء كل هذه الأفكار يجد عدد غير قليل من المؤمنين الواعين رغبة عندهم في إحياء عدد من المناسبات والزيارات على هذا الشكل أي التوجه إلى الإمام المزور سيراً على الأقدام.

فطوبى لكم ويهنيكم ما اعد الله تعالى لكم من الكرامة وأرجو شفاعتكم يوم القيامة والحمد لله رب العالمين وصلى اله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

ص: 275

خطاب المرحلة 109 :إذا أردت أن تعرف المنتصر فانظر إلى كربلاء يوم زيارة الأربعين

خطاب المرحلة 109 :إذا أردت أن تعرف المنتصر فانظر إلى كربلاء يوم زيارة الأربعين(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

لما رجع الإمام السجاد (علیه السلام) وأهل بيت النبوة إلى مدينة جدهم (صلی الله علیه و آله) بعد واقعة ألطف قال أحدهم بدافع التشفي والشماتة والحقد والحسد أو مدفوعاً تحت التضليل والجهل قال للإمام (علیه السلام) من الغالب؟! فقال الإمام (علیه السلام) إذا ارتفع صوت الأذان فستعرف من هو الغالب!

لأن الأمويين حاولوا بكل جهدهم طمس معالم الإسلام الحقيقي واستئصال قادته الحقيقيين، وفي كلمات معاوية ويزيد ما يدل على ذلك فقد عبّر معاوية عن شعوره باليأس والإحباط وعدم نجاح سعيه الأكيد لإطفاء نور الله تبارك وتعالى حينما قال: لم يكتفِ ابن أبي كبشة –يعني محمداً (صلی الله علیه و آله)- حتى قَرنَ اسمه باسم الله (يعني في الأذان) ويصرّ بأن غليله لا يشفى إلا بدفن هذا الصوت، فالإمام السجاد (علیه السلام) يقول إن المنتصر الحقيقي هو الإمام الحسين

ص: 276


1- من حديث سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) يوم 21 صفر 1427 المصادف 22/3/ 2006 مع حشد من طلبة الجامعات والمعاهد العراقية الذين شاركوا في مواكب الوعي الحسيني.

(ع) الذي حفظ بدمه الزكي وجود الإسلام وثبّت مساره الصحيح وأفشل مخططات الأمويين في إنهائه وإطفاء نوره.هكذا يجب أن نقيّم الحركات والمشاريع والأفراد في ضوء الأهداف التي تحركوا من أجلها، فلو كان الإمام الحسين (علیه السلام) كقادة الانقلابات العسكرية خرج لقلب نظام الحكم وتولي السلطة فإنه يمكن أن يقال أنه (علیه السلام) فشل في حركته، لكنه (علیه السلام) أعلن وهو ما يزال في مكة أنه سيقتل هو وأهل بيته وتسبى نساؤه (كأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا) وإنما خرج ع لطلب الإصلاح في أمة جده محمد (صلی الله علیه و آله) وليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وقد تحقق ذلك، وها هي الأمة تعيش منذ أربعة عشر قرناً والى قيام القائم بركات حركته الشريفة.

ولمزيد من الإيضاح نقول لو أن طالباً من الأوائل دخل الامتحان فحصل على درجة (70) أو (80) بالمئة فإنه يعتبر نفسه قد فشل في الامتحان؛ لأن هدفه كان قريباً من المئة فرغم أن درجته ناجحة إلا أنه يعتبر نفسه فاشلاً لعدم تحقق هدف حركته.

وكذا الفريق الرياضي الذي تعوّد الفوز في البطولة التي يشارك فيها فلو حاز المركز الثالث أو الرابع فإنه يعتبر نفسه فاشلاً رغم أن مثل هذا المركز غاية مطمح غيره.

وبهذا المعيار نجيب من يسأل: هل نجح المشروع الأمريكي في مسخ هوية الأمة وتذويب شخصيتها؟

وهل نجح الإرهابيون في إرعاب الشعب وإخافته ومنعه من إظهار ولائه

ص: 277

لأهل بيت النبوة؟ وهل استطاعوا إبعاد الشباب عن دينهم وفصل العروة الوثقى بينهم وبين أئمتهم وقادتهم ومرجعيتهم؟

نجيب هؤلاء: انظروا إلى كربلاء يوم الأربعين وزحف الملايين التي زادت عن الثلاثة مشياً على الأقدام، وقطع بعضهم مئات الكيلومترات رغم المخاطر المحدقة لتعرفوا فشل الإرهابيين.

وانظروا كيف أن أغلبهم من الشباب لتعرفوا فشل مشروع الغرب الإفسادي.

ولاحظوا التعبئة العامة التي أعلنتها الأمة لإنجاح هذه الشعيرة المقدسة وتقديم الخدمات وأسباب الراحة لهذه الملايين في كربلاء وعلى طول الطريق المؤدية إليها لتعرفوا شدة تمسك الأمة بالإسلام وولاية أهل البيت (علیهم السلام).

وإذا سألوا هل نجح مشروع إفساد طلبة الجامعات والمعاهد وتمييعهم وصرفهم عن أهدافهم الحقيقية إلى مظاهر الحياة التافهة الدنيئة، فنقول لهم انظروا إلى الموكب المهيب لطلبة الجامعات والمعاهد العراقية الذي ضمّ الآلاف منهم وسار عدة كيلومترات ليجدد انتماءه الواعي إلى مدرسة أهل البيت (علیهم السلام).

وكان المفروض من السياسيين أن يفهموا الرسالة التي وجّهتها هذه الملايين، فلا الائتلاف الذي يمثلهم تحدّث بقوة هذه القاعدة الواسعة الثائرة الغاضبة واستثمر هذه الحركة المباركة، ولا الآخرون توقفوا عن تماديهم وظلمهم، ولكن النصر يبقى بإذن الله تعالى حليف هذه الأمة المتمسكة بحبل الله المتين وسراطه المستقيم.

ص: 278

خطاب المرحلة 110 :ماذا بقي من الحرب الطائفية

خطاب المرحلة 110 :ماذا بقي من الحرب الطائفية(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

[أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً] (النساء:54).

يحاول رموز الإدارة الأمريكية نفي وجود حرب طائفية في العراق وهم بذلك إما مضللون بالتقارير الفاقدة للموضوعية والمصداقية التي يرفعها السفير الطائفي(2) لأمريكا في العراق وأمثاله أو أنهم ينكرون عن علم وعمد هذه الحقيقة لأكثر من سب:

ص: 279


1- نص الخطاب الثائر الذي ألهب حماس الجماهير وأوجد فيهم روحاً جديدة بعد أن شجّعت حالة الخنوع والاستسلام لدى القيادات الدينية والسياسية بحجة عدم الانجرار إلى حرب طائفية، شجّعت المتطرفين من السنة إلى الانضمام إلى التكفيرين والصداميين على التمادي في استئصال الشيعة حتى أفرغوا مدناً كاملة منهم وسيطروا على الطريق الموصّل من بغداد إلى الحلة وكربلاء وباتت جهة الكرخ من بغداد تحت سيطرتهم وتهيّئوا للانقضاض على ما تبقى، وقد وجه (عليها السلام) الخطاب سماحة المرجع الديني آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) إلى الأمة من خلال صلوات الجمعة الموحدة في بغداد والمحافظات يوم الجمعة 1 ربيع الأول 1427 المصادف 31/ 3/ 2006 لإحداث حالة التوازن في الرعب والردع، والدفاع عن أنفسهم ومقدساتهم.
2- سفير أمريكا في تلك الفترة زلماي خليل زاد المتنفذ في إدارة العراق وكانت الطائفية بادية على قراراته وتصرفاته.

1- أنهم لا يريدون الاعتراف بالفشل في العراق وفي ذلك ما يعرض سمعة هذه الدولة المستكبرة إلى الهوان، فيوهمون أنفسهم والآخرين بأنهم نجحوا في حماية المواطن العراقي من الاستبداد والظلم والقتل والتشريد وأسسوا ديمقراطية حقيقية في العراق.

2- إنهم يريدون كسب الوقت لتنفيذ مشاريعهم في تغيير ديموغرافية الشعب العراقي وإضعاف المكون الرئيسي القوي في العراق وهم أتباع أهل البيت وخلق توازنات غير طبيعية ولا منطقية ولا منصفة، بإيجاد قيود تعرقل العملية الطبيعية أو قوى أو مناطق نفوذ(1) معادية ضاغطة، أو إشاعة حالة الرعب والفوضى والخوف واليأس والإحباط، وكل ذلك نشأ عندهم نتيجة حسابات خاطئة وتقارير مضلّلة وأوهام لا واقع لها بنوا عليها حساباتهم.

3- إن الاعتراف بهذه الحالة يوجب عليهم اتخاذ إجراءات لحل ألازمة وهم لا يريدون اتخاذها لأنها تكلفهم المزيد من الإمكانيات مثلاً أو أنهم عاجزون أصلاً عن القيام بها.

والغريب إن رموز الحكومة العراقية ينفون هذه الحقيقة المؤلمة التي ملأت قلب كل غيور وكل من يحمل في قلبه ذرة من الإنسانية ألماً وكمداً وقيحاً، وهم يعلمون جيداً أنهم كالنعامة التي حينما تواجه خطراً تدفن رأسها في التراب لكيلا تراه وهو آتٍ إليها ولا تقوم بما يجب عليها من رد هذا الخطر

ص: 280


1- كمنطقة اللطيفية واليوسفية بين بغداد ومدن جنوب العراق الغربية والمدائن بين بغداد ومدن جنوب العراق الشرقية وأبي غريب والفلوجة على طريق غرب بغداد حتى الحدود، هذا غير الحواضن في محافظات ديالى وصلاح الدين والموصل.

ودفعه.وإلا بماذا يفسّر كل هؤلاء مقتل العشرات من الأبرياء يومياً في الأسواق والشوارع والمدارس ومحطات تعبئة الوقود والمخابز وسائر أماكن التجمع لا لشيء إلا لأن منطقتهم تنتسب لأهل البيت ع؟

وبماذا يفسر تفجير العتبات المقدسة والاعتداءات على زائري الأئمة الأطهار وقتل المشاركين بالشعائر الدينية؟ وبماذا تفسرون الذبح على الهوية؟

وقاصمة الظهر هذا التهجير الجماعي لآلاف العوائل وتهديدهم بالقتل لتوسيع مشروعهم الطائفي والتمدد اللامشروع؟ ولو هجّر عُشر هذا العدد في أي بقعة في العالم لضجّت الدنيا من هذه التصفية العرقية والطائفية وهي تستحق مثل هذه الضجة للوقوف في وجه هذه التصرفات الوحشية.

لقد بلغ عدد الضحايا في هذه العمليات الإجرامية ما يفوق كل قتلى الحرب الطائفية اللبنانية خلال أزيد من خمسة عشر عاماً، فإذا لم تكن هذه حرباً طائفية فما هي معالم هذه الحرب؟

نعم هي حرب طائفية باتجاه واحد لكنها ليست هي حرب أهل السنة على الشيعة لأننا نعلم أن شريحة كبيرة منهم رافضة لهذه الحالة لكنها مغلوبة على أمرها بقوة السلاح وضجيج الأصوات الطائفية، فهي حرب الفئات الضالة التي يشنها تحالفٌ مشؤوم - يدفعه الحقد والحسد والجهل والتحجر - ضّمَ التكفيريين والصداميين والطائفيين والمتجردين من القيم الإنسانية الذين يدوسون كل شيء من أجل تحقيق مصالح زائفة.

ص: 281

ويتحمل مسؤوليتها بدرجة من الدرجات أبناء(1) العشائر والمناطق السنّية التي تؤوي هؤلاء القتلة وتحتضنهم وتقدم لهم الدعم والخدمات وينطلقون من بين ظهرانيهم، فأين العروبة التي يدّعونها؟ بينما تجد أبنائهم يعيشون في كل سلام في المحافظات الشيعية ويتسنمون أعلى المواقع فهل هذا من الإنصاف؟لقد دعونا الكيانات السياسية إلى عدم قبول أي طرف في العملية السياسية حتى يتبرأ من الإرهاب الأعمى، ويؤمن بالتداول السلمي للسلطة وفق الاستحقاقات، لكنهم لم يفعلوا ذلك وقبلوا مشاركتهم تحت الضغط والابتزاز الأمريكي والإقليمي فاتخذوا وجودهم في العملية السياسية واجهة لترويج الإرهاب ودعمه وتبريره وخنق الحريات واغتيال الشرفاء وتخريب مؤسسات البلاد.

واستمروا في الابتزاز وكان آخرها (مجلس أهل الحل والعقد) أو (مجلس الأمن الوطني) أو (المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية) ونحوه من الأسماء وهو مخالف للدستور أولاً وانقلابٌ على العملية الديمقراطية –لأنه يصادر استحقاقاتها- ثانياً، وليت المعترضين على هذا المشروع حينما قبلوا به اشترطوا على المطالبين به التعهد بالتخلي عن دعم الإرهاب وترويجه وحمايته وتوفير الملاذات الآمنة له!! لكن شيئاً من هذا لم يحصل فتبّاً لهذه الصفقة وترحا، وهذا ما دفع هذه الواجهات التي تعلن ارتباطها بالإرهابيين وشكرها لهم على مواقفهم إلى الإيعاز لمجرميهم بالتمادي في العدوان والغي (ما دامت وسيلة ناجحة في

ص: 282


1- استثارت هذه الدعوات نخوة عشائر الأنبار وتنادوا لتأسيس مجلس (صحوة الأنبار) وتكاتفوا لطرد مجرمي القاعدة من بين ظهرانيهم.

الابتزاز) وأوصلوا الحال إلى المأساة التي نعيشها.إنها حقيقةً مؤلمة وكارثةٌ مرعبة يجب الاعتراف بها والتحرك لمعالجتها قبل أن ينفلت الزمام ويخرج عن حد السيطرة؛ لأن الصبر على مثل هذه الانتهاكات الفظيعة له حدود، وإذا كان يقنع المظلوم والمعتدى عليه إلى الآن محاولة ضبط النفس لمنع الانجرار إلى حربٍ طائفية أو منع اختلال النظام الاجتماعي العام الذي به تقوم الحياة فما الذي نقنعهم به بعد الآن وقد بلغ الظلم والعدوان والفساد كل هذا الحد؟ بل هل تعتقد إن أحدا سينتظر الإذن من المرجعية الدينية أو أية جهة كانت للتحرك وهو يرى بعينه قتل الأبرياء وانتهاك المقدسات وهتك الأعراض وتخريب الممتلكات وتعطيل الحياة؟

إن أخطر ما يحصل للشعوب حينما تفقد الأمل ولا يبقى عندها شيء تخاف عليه بعد أن تكون قد فقدت كل شيء فلا يكون أمامها طريق إلا الموت لاستعادة الآمل بحياة أفضل أما لهم أو لأجيالهم اللاحقة على الأقل، وهذا ما سيقع والعياذ بالله في المدى القريب إذا استمر سفير الإدارة الأمريكية في سياساته الطائفية الحاقدة وإذا استمر الإرهابيون المجرمون بأعمالهم الشريرة بمساعدة القوى الحاقدة من دولٍ إقليمية وعالمية، وإذا بقي الأداء الضعيف للحكومة.

إن الدعم السياسي الذي يمنحه السفير الأمريكي ومعه طواغيت الدول العربية للواجهات السياسية للإرهابيين، وغطاء الحماية الذي توفره قوات الاحتلال للمناطق التي ينطلق منها الإرهابيون وعدم اتخاذها الإجراءات اللازمة لردعهم إلا بمقدار ما يحفظ أمنهم هم لا أمنَ وسلامة المواطن العراقي، وعلى

ص: 283

العكس فإنهم يقومون بتجريد سلاح اللجان الشعبية التي ينظمها الناس لحماية مناطقهم من الإرهابيين واعتقالهم وتحجيم دور القوات المسلحة الوطنية المخلصة في القضاء على الإرهاب، وضعف الحكومة عن اتخاذ القرارات الحاسمة وتنفيذها وتغلغل العناصر الداعمة للإرهاب في مفاصل الدولة، كل ذلك ساعد على إيصال الوضع إلى ما نحن عليه الآن من مصائب والآم.ليعلم كل هؤلاء المتواطئين على ظلم هذا الشعب الأبي الغيور الكريم أن البركان إذا انفجر فإنه لا أحد منهم في داخل العراق أو الدول الإقليمية سيكون في مأمن من حمم البركان؛ لأن موقع العراق الجغرافي ووشائجه الاجتماعية مع شعوب المنطقة وتأثيراته العقائدية والروحية في نفوس الملايين في الدول الإقليمية وغيرها سوف يشعل بنار الفتنة كل الذين يلعبون بالنار.

في ضوء ذلك كله فإننا أمام عدة استحقاقات:

1- على جميع الأطراف المعنيّة قراءة هذه الرسالة بإمعان وفهمها وأولهم الإدارة الأمريكية(1) فعليها أن لا تخضع لابتزاز الإرهابيين وتقع في وهم وتضليل الطائفيين والحاقدين، وإذا أرادت أن تحمي نفسها من مزيد من الفشل والانهيار فلتبدّل سفيرها في العراق، و عليها أن تساعد بصدقٍ وبجدّية في بناء قوات وطنية مسلحة قوية ومتماسكة وقادرة على حفظ امن البلاد والعباد وإنهاء

ص: 284


1- وصل البيان إلى الإدارة الأمريكية عن طريق بعض العراقيين المقيمين هناك فأوعزت إلى سفيرها بترك تصريحاته و(طمأنة زعماء الشيعة) حسب تعبيرهم ولوّحوا له بالعزل وقد غاب السفير فعلاً عدة أسابيع عن وسائل الإعلام. وقد== ==قدّم السفير طلباً لمقابلة سماحة الشيخ عدة مرات إلا أنه (دام ظله) رفض بشكل قاطع مقابلة كل رموز الاحتلال.

ذرائع الاحتلال الذي هو السبب الرئيسي لنشوء الإرهاب.2- أن لا تجعل الأجنحة المتصارعة في الإدارة الأمريكية من بنتاغون ووزارة خارجية ووكالة الاستخبارات وسائر الصقور والحمائم من الشعب العراقي ساحةً لتصفية(1) حساباتها ولإفشال هذا الطرف أو إنجاح ذاك، فإن هذا السلوك اللا إنساني المنحط ليس فقط يؤثر على سمعة الحضارة الغربية التي بلغت الحضيض، وإنما يسقطهم جميعاً ويفشل إداراتهم ولا يظن أحد منهم أن إفشال الآخر بهذا الشكل نجاحٌ له بل هو فشلٌ وهزيمة للجميع.

3- أن تكون الحكومة حازمة في مواجهة عناصر هذه الحرب الطائفية من واجهات سياسية أو عناصر إرهابية أو حواضن أو ممولين، ولا يبرّر تقاعسها أنها حكومة تصريف أعمال وغيرها من الأعذار فالدم الحرام من أعظم المقدسات ويجب صونه بكل الإمكانيات.

4- أن تقوم الحكومة ببناء مجمعات سكنية في بغداد وبأقصى سرعة لإسكان العوائل المهجرّة و المحرومة التي منعها صدام وأزلامه حتى من بضعة أمتار يسكنون بها عوائلهم فصار البيت الواحد الذي لا تزيد مساحته عن مئة متر مربع في مدينة الصدر يضم عشرين فرداً أو أكثر وأن يتم اختيار مناطق لهذه المجمعات تكون شوكة في عيون الإرهابيين والطائفيين(2).

ص: 285


1- إشارة إلى قيام بعض هذه الأجنحة بدعم عمليات وفصائل إرهابية لإفشال الحزب الحاكم ومؤسساته وخسارتهم في الانتخابات.
2- فصّل سماحة الشيخ (دام ظله) هذا المقترح لمستشار الأمن القومي د.موفق الربيعي في إحدى زياراته واقترح إقامة حزام أمني من تجمعات سكنية على شكل هلال يطوّق غرب بغداد من

5- احترام حقوق مكونات الشعب العراقي بحسب أحجامها وتجنب الألاعيب السياسية التي تغمط الحقوق وتضيعها على أهلها فإن الشعب العراقي واعِ ومتابع وحاضر في الساحة ولا تنطلي عليه هذه الألاعيب.

6- على الأمة وخصوصاً الشباب الرسالي المضحي وأبناء العشائر الغيارى أن ينظّموا أنفسهم في لجانٍ ومجاميع(1) للدفاع عن أنفسهم ومقدساتهم واجتثاث أصول الفساد بعد التوكل على الله تبارك وتعالى والاعتماد على قدراتهم فإنه لا أحد يفكّر بهم وبآلامهم مثلهم وعلى بقية الأمة أن تقدم الدعم والإسناد لكل ما تحتاجه هذه الطليعة المباركة.

[وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ] (الأنبياء:105)، [إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ] (النحل:128).

محمد اليعقوبي

النجف الأشرف

ص: 286


1- لبّى الشباب هذه الدعوة بكل بسالة وشجاعة واقتحموا بؤر الإرهاب في معاقلها وشنّوا عليهم حرباً مضادة أدّت إلى ردعهم وخلق حالة التوازن في الرعب والقوى، بل تفوقّوا عليهم فانحسر نفوذ الإرهاب بعد ذلك بعد أن كادت بغداد تسقط بأيديهم خصوصاً غربها، وقد حمّست اندفاعتهم شباباً من التيارات الأخرى للانضمام إلى عملية الردع هذه بعد أن كانت تحذّرهم دعوات الخنوع والاستسلام للأمر الواقع. وقد شرح سماحة الشيخ أبعاد هذه الدعوة في الخطاب التالي.

خطاب المرحلة 111 :إننا بحاجة إلى مشاريع إعمار كما نحن بحاجة إلى مشاريع استشهاد

خطاب المرحلة 111 :إننا بحاجة إلى مشاريع إعمار كما نحن بحاجة إلى مشاريع استشهاد(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

إن لبس الكفن الذي ارتديتموه يثير في النفس عدة معانٍ:

الأول: أخلاقي لأن لبس الكفن يعني الاستعداد للموت وللقاء الله تبارك وتعالى والإعراض عن الدنيا وزخرفها وزبرجها وكان السلف الصالح يحرصون على استثارة هذه المعاني التي تزهّدهم في الدنيا وتهذب أنفسهم وتردعها عن أتباع الهوى، فقد كان بعضهم يحفر قبره في بيته وينام فيه كل يوم ويستحضر محاسبة الملكين له ثم يكرر قول الله تبارك وتعالى على لسان الإنسان الذي يكشف له يومئذٍ عن غطاء الغفلة فيرى ما قدمت يداه فيقول [رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ] (المؤمنون:99- 100) ثم يخاطب نفسه بأنك قد أُعدت إلى الدنيا وأستجيب دعوتك هذه فانظر ماذا تعمل، ولا شك أن تكرار

ص: 287


1- من حديث سماحة الشيخ مع إحدى المجاميع الشعبية من حي المعارف ببغداد وقد ارتدوا الأكفان يوم 11 ربيع1 1427المصادف 10/ 4/ 2006 ومن حديث سماحته مع حشود المؤمنين الذين وفدوا لتهنئته بذكرى المولد النبوي الشريف ومن حديث سماحته مع طلبة مدرسة أهل البيت للعلوم الدينية في النجف الأشرف يوم 5 ربيع1 1427.

هذه التذكرة وهذه الموعظة يومياً لا يجعل ثغرة للشيطان أو النفس الأمارة بالسوء كي تنفذ فيها الشرور والآثام ولذا ورد الحث الأكبر على ذكر الموت والاتعاظ بأخباره وقد فصّلنا الكلام حول الموضوع في كتاب (الأسوة الحسنة).فارتداؤكم للكفن واستعدادكم للقاء الله تبارك وتعالى يعني أنكم عمرتُم آخرتكم وتودّون اللحاق بها وذلك هو الفوز العظيم، يروى إن جماعة سألوا أحد أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله) كأبي ذر أو سلمان (رضوان الله عليهما) انه لماذا نحب الدنيا ونكره الموت قال: لأنكم عمّرتم الدنيا وخربّتم الآخرة فأنتم تكرهون الانتقال من دار عماركم إلى دار خرابكم.

الثاني: حركي أو ثوري يعني إننا مستعدون للتضحية بأغلى شيء وهي النفس من أجل إعلاء كلمة الله تبارك وتعالى ونصرة المظلومين والمستضعفين والدفاع عن الحقوق والمقدسات، كما وصف الشاعر أصحاب الإمام الحسين (علیه السلام):

لبسوا القلوب على الدروع واقبلوا يتهافتون على ذهاب الأنفسِ

أي عكس ما يفعل الآخرون حين يلبسون الدروع لوقاية أجسادهم من الإصابة.

وفي ضوء هذين المعنيين فإنكم بلبس الكفن توجهون رسالة لإدخال اليأس على جميع الأعداء فبالمعنى الأول تردّون على الشيطان والنفس الأمارة بالسوء وتحققون الانتصار في ميدان الجهاد الأكبر، أما بالمعنى الثاني فتوجهون مثل هذه الرسالة للأعداء من إرهابيين وطغاة يريدون منكم أن تتخلوا عن حقوقكم وهويتكم وانتمائكم ويخيفوننا بالموت فنقول لهم كما قال الإمام السجاد

ص: 288

(ع) (القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة) وبذلك تحققون النصر في ميدان الجهاد الأصغر.وحينئذٍ قد ينقدح في الذهن سؤال حاصله إن الأمة إذا تكاملت بتربيتها إلى هذه الدرجة من الإقدام على التضحية بالنفس تحت راية مرجعيتها الرشيدة التي هي نائبة الإمام المعصوم إذن فما الذي يؤخر الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ويقعده عن القيام بحركته الإصلاحية المباركة، ما دام السبب المتوارث تأريخياً هو عدم وجود ناس كذاك الذي أمره الإمام الصادق ع برمي نفسه في التنور المسجور ففعل فوراً من دون تردد أو مناقشة وقد أجبت عن هذا السؤال في خطاب سابق بعنوان (ما الذي ينتظره الإمام من شيعته) وقلنا إن عليكم الآن أمرين:

الأول: زيادة درجة الوعي لدى الأمة حتى تمتلك الحصانة من التضليل والانحراف والتشويش المؤدي إلى الإرباك وتعويق حركة الإصلاح المنشود.

الثاني: تنمية القدرات على إدارة المجتمع وبناء دولة المؤسسات التي تحكم بين الناس بالعدل والتي تقدم للبشرية نموذجاً حضارياً مزدهراً راقياً يذهل البشرية ويدفعها -لعجزها عن مجاراته- إلى الإذعان بأحقيتها في قيادة البشرية.

فيا أحبتي إن الإمام ينتظر وجود الحلقة الوسطية بين القائد والقواعد الشعبية المهيأة لنصرة المشروع الإلهي العظيم واعني بهم الثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً الذين يقود بهم الناس، عن الإمام الصادق (علیه السلام) قال: كأنّي انظر إلى القائم على منبر الكوفة وحوله أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدة أهل بدر، وهم

ص: 289

أصحاب الألوية وهم حكّام الله في أرضه على خلقه. وأعتقد أنكم تشاطرونني القناعة إن المتصدين للعملية السياسية والقيادة الاجتماعية لم يقدموا لنا ثلاثة عشر نموذجاً صالحاً لهذا الدور فضلاً عن الثلاثمائة الآخرين فأين من تسير به همته ليكون من هؤلاء [وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ] (المطففين:26)؟

وأنا لا أدعي عدم وجودهم لأنهم قد يكونون موجودين في أوساط الأمة ولكننا لجهلنا وقصورنا وتقصيرنا لم نتوصل إليهم، لكن الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يعرفهم بأسمائهم وأعيانهم وسوف يجمعهم من أصقاع الأرض أما نحن فليس لنا تلك المعرفة، ولذا طالما دعونا ذوي الكفاءات والقدرات حتى يعرِّفوا أنفسهم كما فعل الصديق يوسف (علیه السلام) حينما قال لعزيز مصر [اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ] (يوسف:55) وما التلكؤ الذي يحيط بحركة المرجعية الرشيدة إلا بسبب هذا النقص والخلل في الحلقة الوسيطة.

إنني أسمع منكم أنكم (مشاريع استشهاد) وإنكم تأنسون بالموت استئناس الطفل بمحالب أمه إذا أمرت المرجعية الرشيدة بمواجهة الظلم بالسلاح.

ولكن يا أحبتي إن موقف الإمام الحسين (علیه السلام) في كربلاء كان يوماً واحداً من(57) سنة عاشها الإمام الحسين ع ورغم علمي إن موقفاً كذاك كافٍ لصنع الحياة ومستقبل البشرية كلها والواقع يشهد بذلك حيث إننا منذ أربعة عشر قرناً ولا زلنا نحيا بركات ذلك اليوم الحسيني العظيم ولكن لا يجوز لنا أن نغفل بقية الأيام الحسينية من عمره الشريف ومساهمتها في بناء صرح

ص: 290

الإسلام العظيم من جميع جوانبه.فنحن كما إننا محتاجون لمشاريع الاستشهاد حينما يدعونا الواجب إليها كذلك نحن بحاجة إلى مشاريع أعمار لكل أنشطة الحياة الفكرية والأخلاقية والدينية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والهدف الذي خلقنا من أجله [هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ] (هود:16) فلا بد أن تتصدى كل شريحة من المجتمع لوجه من هذه النشاطات التي يكمل بعضها بعضاً بحسب قابليته كل شخص واستعداده انطلاقا من الحديث الشريف (الإنسان ميّسر لما خلق له)، فلكل حالة طريقتها المناسبة لمعالجتها وليس السلاح والاستشهاد دائما هو الحل فهذا تحجيم لطاقات الأمة بل يكون أحياناً هدراً لها وتضييعاً بلا مبرر.

إن مقتضى الحكمة أن حمل السلاح والقتال لا يكون لمجرد القتال وإبراز العضلات والفتّوة وطلباً للسمعة والجاه وحتى يقال انه رجل شجاع ومقاتل شرس أو لكي تمجّده الفضائيات ويملأ شاشات التلفزيون وإنما يكون حمل السلاح وسيلة لتأسيس مشروع فيه خير الأمة وصلاحها ويكون الملاذ الأخير حينما تعجز كل الوسائل.

وهكذا فإن الإسلام لم يأمر بالقتال ليبسط نفوذه وليجني أموالاً ودنيا أو لمجرد تلبية غرائز حب التسلط على رقاب الناس، وإنما قاتل ليحرر الناس من عبادة الطواغيت ويترك لهم الخيار والحرية التامة في اعتناق العقيدة التي يشاؤون ولو إذن كسرى لصوت الإسلام أن يُعرض على الفرس ويسمح لهم بالاختيار بحرية لما قاتله المسلمون، ولكنه لما عتى وتجبَّر وأصرَّ على استعباد

ص: 291

قومه قاتله المسلمون وكسروا شوكته، ولما أمَّنوا هذه الحرية للناس تركوا لهم حرية المعتقد، وكان أتباع أهل الديانات الأخرى يعيشون في عاصمة الإسلام وغيرها من الحواضر وتوفر الدولة كل حقوقهم حتى أن أمير المؤمنين ع وبخ أصحابه حينا رأى مسيحياً يستعطي في عاصمته الكوفة لأنه كبر وعجز عن العمل وأمر أصاحبه بصرف راتب تقاعدي له من بيت مال المسلمين. ويؤكد قوله تعالى هذه الحقيقة [لا أِكْرَاهَ في الدِينِ] ولكن بعد أن تؤمن حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر للناس جميعاً. ولذا قاتل المسلمون بشرف وجسدوا أسمى ثقافة للقتال، فعندما دخل المسلمون مكة فاتحين كان سعد بن عبادة يحمل راية الأنصار فأخذه زهو الانتصار وتراءى له شريط طويل من ذكريات قريش الظالمة المعتدية مع النبي (صلی الله علیه و آله) فاخذ يرتجز ويقول:

اليوم يوم الملحمة *** اليوم تُسبى الحُرَمة

فما بلغ النبي (صلی الله علیه و آله) هذا الموقف أرسل ابن عمه عليَ ابن أبي طالب وأمره بأخذ الراية من سعد وان ينادي:

اليوم يوم المرحمة *** اليوم تُصان الحُرمة

هذه هي أخلاق الإسلام وأهدافه ومبادئه التي جاء لتأصيلها في الأمة (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) فكلُّه خير وعطاء ونفع عميم للبشرية ومواقف أمير المؤمنين مع خصومه الذين شنّوا عليه الحروب وأزهقوا ألاف النفوس مما يطأطئ له الرأس إجلالاً وإعظاماً.

إنني حينما دعوت إلى تشكيل اللجان والمجاميع الشعبية ذكرت عملين لهما وهما:

ص: 292

الأول: تنفيذي ويتضمن:1- حماية المناطق السكنية والتجمعات البشرية والمؤسسات من اعتداءات المجرمين لأن جهد الحكومة غير كافٍ لوحده في تحقيق هذا الهدف.

2- مساعدة القوات المسلحة الوطنية في القضاء على أوكار الإرهابيين الذين يقتلون الأبرياء ويفجرون أماكن العبادة وينشرون الرعب والدمار في البلد وجزائهم القتل في كتاب الله تعالى [إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا] (المائدة:33).

الثاني: تعبوي ونفسي ليكونوا مستعدين لأي طارئ يستهدف وجودهم وهوّيتهم فإن السياسة لا تعرف أماً ولا أباً ولا صاحباً ولا صديقاً والسيناريوهات الموضوعة للعراق والعراقيين خطيرة وبعضها مرعبة، فلا بد للشعب أن يبرز البطاقة الصفراء لهؤلاء المتأمرين من خلال استعداده لأي مواجهة لإنذاره وإجباره عن التراجع.

ورغم أن هذه التوجهات تثير قلقاً وخشية لدى البعض لاحتمال عدم تطبيقها بالدقة وضمن الحدود المرسومة لها إلا إنني على ثقة كبيرة بوعي القواعد المرتبطة بالمرجعية الرشيدة وأنها لا تحيد عن أوامر قيادتها الشرعية.

وفي ضوء هذه الثقة فأنني أتخذُّ قرارات قد يراها البعض مجازفة إلا أنها في الحقيقة مستندة إلى التقييم الموضوعي لقدرات الأمة وتربيتها النفسية والعقلية، وأرجو منكم أن تكونوا عند حسن ظن قيادتكم فلا تنساقوا وراء عواطفكم وتحملوا توجيهات المرجعية أزيد مما ذُكِر فيها.

إن الردود الانفعالية والتصرفات الارتجالية تخدم مصالح أعدائنا فينقل عن

ص: 293

وزير الخارجية الأمريكية رايس أنها تتبنى سياسة (الفوضى الايجابية) أو (الفوضى البنّاءة) تصوّروا كيف تكون الفوضى بما تستلزم من خراب وتدمير وإزهاق أرواح بنّاءة وايجابية وإنما كانت كذلك من وجهة نظرهم لأنها -في العراق- تخدم مصالحهم، حيث يتصارع أبناء البلد الواحد وتتوجه أسلحة بعضهم إلى البعض وبذلك تضعف قوتهم وشوكتهم وينشغلون عن عدوهم المشترك، وسوف يضطرون جميعاً –لعدم إمكان تحقيق الغلبة في مثل هذه الصراعات- إلى الولايات المتحدة لتنقذهم من أزمتهم ويرون فيها المخِلص الوحيد.فعلينا أن نكون واعين ونحسب تصرفاتنا بدقة ونشخص أهدافنا بوضوح، وهنا يكون دور نخب الأمة وطليعتها من فضلاء وأساتذة ومفكرين ومثقفين وسياسيين وخطباء ضرورياً في ضبط إيقاع حركة الأمة بما ينسجم مع توجهات القيادة لأن المتقدم عليهم مارق والمتأخر عنهم زاهق واللازم لهم لاحق، لأنه ليست كل الأمة قادرة على أن تقرأ أو تفهم إذا قرأت أو تهتدي إلى طريقة التنفيذ إذا فهمت أو تنفذ بصورة صحيحة وغيرها من المشاكل.

وهذه السلسلة من خطابات المرحلة لا تجد فيها اختلافاً ولا تناقضاً بفضل الله تبارك وتعالى وليس فيها تراجع أو تغيير بل تضم مشاريع محكمة ومتواصلة مع قضايا الأمة والتحديات التي تواجهها.

ورغم أن كثيراً من الآخرين لا يأخذون بهذه الأفكار والمشاريع إلا إنني أجدهم يعودون إليها ولو بعد مدة لأنهم يجدون فيها الحل السليم لمشاكل الأمة، ولا احتاج إلى ضرب الأمثلة وما عليكم إلا مراجعتها منذ أن عرضنا

ص: 294

مشروع الحكومة الانتقالية قبل تأسيس مجلس الحكم ولم يأخذوا به ثم عادوا إليه بعد سنة من التخبط.وتناولنا مختلف قضايا الأمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والفكرية والفضل في ذلك كله لله وحده المتفضّل المنان.

إن البعض ما زال يفكر بعقلية المعارضة فيشكل الخلايا السرّية ويخطط لساعة الصفر ونحوها وهذا جهل وتخلّف لأن الحالة تغيرت والأمة تستطيع أن تعبّر عن إرادتها بكل حرية وكل صاحب مشروع يستطيع أن يقنع الأمة به فتنتخبه ليبرهن قدرته على تنفيذ المشروع وبذلك انتقلت الأمة من حالة المعارضة إلى حالة الحكم، فلا بد لها أن تفكر بهذه العقلية الجديدة وتخطط لبناء دولة المؤسسات وسلطة القانون والإعمار والازدهار في جميع أوجه الحياة.

وهذه الثقافة - أي ثقافة الحكم - لا بد من استيعابها ووضع البرامج التفصيلية لها وهذا موضوع مهم ربما تسنح فرصة أخرى لشرحه بإذن الله تعالى.

ص: 295

خطاب المرحلة 112 : لقاء سماحة الشيخ اليعقوبي دام ظله (1) مع السيد أشرف قاضي رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق

خطاب المرحلة 112: لقاء سماحة الشيخ اليعقوبي دام ظله (1) مع السيد أشرف قاضي رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق

استقبل سماحة آية الله الشيخ اليعقوبي (دام ظله) السيد اشرف قاضي رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق وعدداً من معاونيه ضمن زيارتهم لعدد من المرجعيات الدينية في النجف الأشرف، وبعد أن قدم السيد قاضي نبذة مختصرة عن دور بعثة الأمم الأمم المتحدة في العراق وتأريخها ونشاطها ونقل تحيات الأمين العام كوفي عنان، تحدث سماحة الشيخ (دام ظله) قائلا: إنكم تابعتم الحالة العراقية ووجدتم بالتأكيد موقفاً موحدا من قبل المرجعيات الدينية لأن هدفها واحد وهو خدمة الإنسان وبنائه بناءً صالحاً وتوفير أسباب السعادة والسلام له لذا فأني سوف لن أكرر ما سمعتموه من المرجعيات التي قمتم بزيارتها.

أن دور الأمم المتحدة حيوي وضروري ونحن طالبنا من أول يوم بعد سقوط النظام الوحشي بأن يكون لها دور حاسم، لكن الولايات المتحدة يبدو أنها كانت تظن أنها قادرة على أن تدير العملية بمفردها فلذلك لم تصغ كثيراً

ص: 296


1- حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع رئيس بعثة الأمم المتحدة حينما زاره يوم 20 ربيع الأول 1427 المصادف 19/ 4/ 2006.

لهذه الدعوات أو لم تعطِ لها ألفرصه المناسبة رغم وجود تمثيل لها في العراق من خلال رئيس بعثتها البرازيلي دوميللو الذي قتل بعملية تفجيرية في أب 2003 لكن هذا الوجود لم يكن فاعلاً وبعد أن أرتكب الأمريكيون سلسلة من الأخطاء والإخفاقات أذعنوا بالحاجة للجهد الدولي في هذا القضية.لكننا نعلم أن الأمم المتحدة وكل المنظمات الدولية والإقليمية ليست قادرة لوحدها على حل القضايا ومعالجة المشاكل، إذا لم تكن هناك إرادة جدية للحل لدى الأطراف المعنية بالقضية، والواقع يشهد بذلك فالحرب الأهلية اللبنانية استمرت خمسة عشر عاماً ولم ينفع في حلها أي تدخل لأن كل طرف كان يريد فرض إرادته على الآخر، ولكن لما اقتنعوا بالجلوس إلى طاولة الحوار اجتمعوا في الطائف وأوقفوا الحرب وكذا الحرب الداخلية في الجزائر والتي استمرت عشر سنين وكلفت الجزائر حوالي مئة وخمسين ألف قتيل.

والذي نأمله أن لا تطول الفترة حتى يقتنع الفرقاء العراقيون بضرورة الحوار ونبذ العنف والاستعمال غير الشرعي للسلاح لأن كل يوم إضافي في عمر الفتنة يعني المزيد من الضحايا والتخلف والخراب وتعطيل الحياة.

لذا فإني أعتقد أن دوركم ليس في تقديم المساعدات الإنسانية ونحوها من الأعمال الميدانية لأن لكم دوراً أهم من هذا أنه عمل فكري وثقافي بإقناع الفرقاء بثقافة الحوار والتسامح والمصالح المشتركة وتوزيع الاستحقاقات ولا معنى لحمل السلاح مع أمكانية تحقيق المطالب بالحوار.

وإني متابع لأدائكم شخصياً وأُثمّن فيكم الكثير من المواقف الايجابية التي تتميز بالموضوعية والإنصاف والحيادية التي هي كفيلة بإعطائكم ثقة لدى

ص: 297

جميع الأطراف مما يجعلكم جهة صالحة لإدارة هذا الحوار، في حين نجد أطرافاً عديدة متدخلة في الساحة العراقية إلا أنها لا تحظى بقبول جميع الجهات المعنية وهذا يثير الفخر والاعتزاز بشخصكم إلا انه في نفس الوقت يحملكم مسؤولية أضافية لتقوموا بهذا الدور الكبير. لاشك إنكم تابعتم أداء المرجعية الدينية التي هي الجهة الرئيسية التي تنصاع لها الناس وتطيعها تعاملت بحكمةً كبيرة وبضبط نفس عالٍ، فبعد سقوط صدام شعر أهل السنة بالقلق وتركوا منازلهم وعطلوا مساجدهم ظناً منهم أن الشيعة ستنتقم منهم جراء الظلم والاضطهاد الذي لحق بهم من الأنظمة المستبدة المتعاقبة خصوصاً نظام صدام، لكننا أفهمناهم من اليوم الأول إننا وانتم أخوه على دين واحد وأبناء وطن واحد ولا نشعر تجاهكم بأي حزازة، ونحن لم نُظلم منكم بل من عصابة مجرمة لا إنسانية لا تعبأ بأي قيم أو مبادئ وقد أصابكم أنتم شيء من ظلمهم، وقد وصف الدكتور محسن عبد الحميد في زيارته لي عندما كان رئيساً لمجلس الحكم إن هذه الحالة تشبه المعجزة، ثم سارت العملية بنفس الهدوء والحكمة منطلقين من ثوابتنا الدينية والأخلاقية والتي عززتها القوانين الدولية التي أجمع عليها العالم المتحضر أنهُ لا يجوز مؤاخذة البريء بجريمة الجاني وأن [لاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى] (الأنعام:164) وملتزمين بقول الله تبارك وتعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ] (المائدة:8).

ولكن هل قابل الآخرون هذا الموقف النبيل بالحسنى كما أمر الله تبارك

ص: 298

وتعالى [هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ] (الرحمن:60)، كلا، بل قابلوه بالنقيض فاستقدموا القتلة والمجرمين عن طريق الدول المجاورة وتحالفوا معهم ووفروا لهم حواضن الإرهاب، وبدأوا باغتيال الرموز السياسية والدينية من الشيعة كعقيلة الهاشمي عضو مجلس الحكم آنذاك، ثم قاموا بعملية مريعة عند الصحن الحيدري الشريف في النجف في أواخر آب 2003 استشهد فيها سماحة آية الله السيد محمد باقر الحكيم وأكثر من ثمانين من أبناء الإسلام البررة، ثم فجروا موكب الشهيد المفكر الإسلامي عز الدين سليم الذي كان رئيساً لمجلس الحكم، ثم قاموا بالتفجيرات البشعة يوم عاشوراء من عام 2004 في كربلاء والكاظمية وقتلوا المئات من الموالين لأهل البيت (علیهم السلام) المفجوعين بمصابهم، وصنعوا مثلثاً للموت حسبما يتبجحون به في اللطيفية واليوسفية للذبح على الهوية، وهكذا توالت الاغتيالات والتفجيرات فطالت المدارس والأسواق وتجمعات الناس والمساجد والحسينيات، ونحن صابرون محافظون على تعاليم الله تبارك وتعالى ملتزمون بأن الحل هو في بناء قوات مسلحة وطنية تحمي المواطنين جميعاً وتمنع من تعدد الجهات الحاملة للسلاح عدا الدولة لئلا تقع حالة الفوضى والحرب الأهلية.لكن الذي حصل أن هذا الموقف العقلاني أدى إلى نتيجتين عكسيتين مع الأسف.

الأولى: تمادي هؤلاء المجرمين في غيهم وولوغهم في المزيد من الجرائم حتى بلغ بهم الحال إلى تفجير العتبات المقدسة وتهجير أكثر من عشرة ألاف عائلة إلى الآن وقتل العشرات من الأبرياء يومياً.

ص: 299

الثانية: أن الولايات المتحدة أيضاً لم تحترم هذه الحكمة وبدأت تخضع لمبدأ الابتزاز الذي يمارسه هؤلاء المجرمون وبدأت تغير ستراتجيتها ومن آليات عملها لتتناغم مع عمل هؤلاء المجرمين، وكأنها تريد أن تقول لهم: إنكم إذا دفعتم شَرَكم عن قواتنا فأعملوا بالعراقيين ما تشاؤون، والمهم أن لا تتعرضوا لنا وكأنها مسؤولة عن أمن الجندي الأمريكي فقط ولا يهمها أمر المواطن العراقي. وهذا منطق خطير أي منطق الخضوع للابتزاز بقوة السلاح وأخطر منه أن تخضع له الولايات المتحدة لأنه يؤسس لحالة سلب إرادة الأخر وفرض الموقف عليه بقوة السلاح، ولعلهم غفلوا أن الشريحة الواسعة المظلومة في العراق تتميز بالشجاعة والحماس والعنفوان، وإذا حملت السلاح فسوف لا يقف في وجهها شيء وإذا قرروا ذلك فسوف يلقون بالمعتدين في الجحيم.

وهذا ما حذرنا منه وقلنا أنها حالة خطيرة أن تصاب الشعوب باليأس وفقدان الأمل لأنها سوف لا تجد أمامها حلاً إلا حمل السلاح كالذين ينتحرون وينهون حياتهم حينما يشعرون بأن لا أمل عندهم يعيشون من أجله.

وحينما يقرر شعب الموت فإنه سيقتل معه الكثيرين فاستمرار هذه الجرائم والعدوان على الشعب العراقي يفقده خياراته ولا يبقى أمامه إلا الموت لأنه لم يبق عنده شيء يعيش من أجله إذا كان الأبرياء رجالاً ونساء وأطفالا يُقتلون والعتبات المقدسة والمساجد تفجر والعوائل تهجر تاركة ورائها دورها وأموالها وحينئذ تقع الكارثة.

وتستطيعون اللقاء بطبقات من الناس لتلمسوا عندهم بوضوح حالة اليأس،

ص: 300

وإذا وصل الإنسان إلى هذه الحالة فسوف لا يستطيع أحد ضبطها والسيطرة عليها حتى المرجعية الدينية.فالذي نريده منكم أن تعملوا حتى لا يصل العراقيون إلى هذه الدرجة من الشعور لأنه يعني الدمار ليس للعراقيين فحسب لما تعلمون من امتداد تأثير العراق على الدول المجاورة وغيرها روحياً واجتماعياً، ورأيتم كيف أن صداعاً يصيب النجف تتداعى له دول العالم بالسهر والحمى.

إن الإدارة الأمريكية تعاني من عدة عقد تسبب لها المزيد من الأخطاء التي تكون مميتة أحياناً ومنها:

1- الغطرسة وعدم الاستماع إلى النصائح وإلا فإنه كان يمكنها تجنب الكثير من المطبات لو استمعت إلى النصائح التي تضمنتها بياناتنا وخطاباتنا التي وجهناها من أول يوم للتغيير.

2- عدم وجود رؤى صحيحة للحالة العراقية لأن القنوات التي توصل لها التقييم ليست نزيهة ولا موضوعية ولا خبيرة بالشأن العراقي وإنما توجهها مصالحها ودوافعها الشخصية أو الفئوية ولا يهمهم أن تمرغ سمعة دولتهم بالتراب.

3- أنها لم تتصرف على الأرض كقوة مساعدة للعراقيين وإنما تصرفت كقوى احتلال، وهذا حولها في أنظار الشعب العراقي إلى عدو وأدخلها في مطبات خطيرة كان يمكن تجنبها، فبعد أن كان القادة الأمريكان يقولون أن لنا أنصاراًُ في شرق بغداد عندما دخلوا مدينة الصدر قبل سقوط الصنم واستقبلوهم بحرارة، تغيرت المعادلة بسرعة وأصبحوا يقاتلونهم بعد عام واحد فقط.

ص: 301

وتصرفهم هذا كمحتلين منعنا من الاتصال بهم مباشرة لأن ذلك يعطي مشروعية لوجودهم ولكن متى ما غيّروا سياستهم وأصبحوا في نظر الشعب العراقي قوة مساعدة فعلاً فحينئذ ستكون هناك فرصة للاتصال المباشر.وفي ضوء هذا التقاطع يكون دوركم حيوياً ومهماً في إيصال النصائح لهم ليس فقط لأجلنا وإن كنا نستحق كل مساعدة لأننا تعرضنا للكثير من البطش والقسوة والاضطهاد والحرمان، ولكن أيضاً من أجلهم لكي يتجنبوا المزيد من الخسائر والمزيد من التردي في سمعتهم لدى شعوب الأرض وأرجو أن تكونوا قناة طيبة.

وعلينا كشعب عراقي وأنا واحد منهم أن نشكر جهودكم لحرصكم على إخراجه من محنته ومساعدته لتجاوز أزمته، واهتمامكم بقضايا الشعب العراقي ليس انطلاقاً من وظيفتكم المهنية فقط وإنما لأن واجبكم الإنساني وإيمانكم بالله تعالى يحثكم على هذا، فإن الإنسان خليفة الله في الأرض وخلق كل ما في الكون من أجله وهو أعلى قيمة في الوجود، فلا بد أن يُسخَّر كل شيء من أجل إسعاده، لكن الثقافة السائدة اليوم مع الأسف هي استرخاص الإنسان وجعله الضحية الأولى من أجل تحقيق مكاسب شخصية أو مصالح دنيا وهذه ثقافة خاطئة ومجرمة بحق الإنسان.

لقد أكد النبي محمد (صلی الله علیه و آله) على هذه الأهمية حينما سأل المسلمين عن قدسية الكعبة وعلو منزلتها، ثم قال إن حرمة المؤمن عند الله أشد من الكعبة، فمن الغريب أن يهتز العالم إذا مس بيت المقدس أو سائر المقدسات بسوء -وهو موقف مشكور- ولا يهتز أكثر من ذلك حينما يرى الدماء البريئة الزكية

ص: 302

التي حرمها الله تعالى تراق على ارض العراق يومياً بل أن البعض يبارك هذه الأفعال المنكرة ويشيد بها.وفي ختام اللقاء دعا سماحته إلى تبني منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة باعتبارها مسؤولة عن الثقافة والعلوم والحضارات الإنسانية أن تعقد مؤتمراً دولياً عن الروضة العسكرية المطهرة وسامراء التي فجرها الإرهابيون لوضع الخطط الكفيلة بإعمارها بالشكل الذي يحفظ قدسيتها وهيبتها، فإن مثل هذه الخطوة تساهم في تخفيف الاحتقان وتشعر المفجوعين بوجود تعاطف مع قضيتهم وقد أبدى السيد اشرف قاضي اهتمامه بالمقترح ووعد بالسعي لتنفيذه.

كما طلب دعم سماحته ل- (مبادرة بغداد للسلام) وهو ميثاق يأمل أن يحظى بقبول الواجهات السياسية والدينية والاجتماعية في العراق ليساهم في تخليص العراق من وضعه الأمني المتردي بإذن الله تعالى.

كما وعد بإيصال نصائح الشيخ (دام ظله) إلى الإدارتين الأمريكية والبريطانية والأمين العام للأمم المتحدة.

محمد اليعقوبي

20ربيع الأول1427

19/ 4/ 2006

ص: 303

خطاب المرحلة 113 :ثمرات تلاحم الجماهير المؤمنة والمرجعية الرشيدة

اشارة

خطاب المرحلة 113 :ثمرات تلاحم الجماهير المؤمنة والمرجعية الرشيدة(1)

منذ أن دعت المرجعية الرشيدة إلى صلاة الجمعة الموحدة لمحافظات الجنوب في البصرة يوم 2 صفر(الموافق3/3) وتلي فيها بيان (ماذا بعد تفجير سامراء) وافتتحته بأنه: لقد حان الوقت لكي تمسك الأمة زمام المبادرة. فقد حصلت تغيّرات سياسية مهمة وأجهضت مشاريع خطيرة وأثمر هذا التلاحم والتناغم بين الأمة وحركة المرجعية عن عدة نتائج.

فقد تحركت العملية السياسية وأعلن عن عقد أول جلسة للبرلمان بعد أن كانت متوقفة بانتظار ما تسفر عنه المفاوضات، ونبهناهم إلى هذه المخالفة الدستورية.

وأجهض مشروع تأسيس كتلة برلمانية أكبر من الائتلاف العراقي الموحد ليكون لهم حق ترشيح رئيس الوزراء، وحذرناهم من هذا التآمر والانقلاب فلم يعد أحد يتحدث عن المشروع بعد ذلك التجمع المبارك رغم أنه كان معروضاً بقوة.

ونزلوا عند رغبة الجماهير بعدم إعطاء صلاحيات القرار للمجلس السياسي

ص: 304


1- ورد بعض هذا الحديث مع وفد مدينة العمارة يوم 28ربيع الأول 1427 المصادف 27/ 4/ 2006ومع الدكتور عادل عبد المهدي نائب رئيس الجمهورية يوم 29 ربيع الأول 1427.

للأمن الوطني لأنه هيأة غير دستورية فاكتفوا بجعل قراراته مقترحات وتوصيات وكانوا يريدون له أن يكون كمجلس قيادة الثورة المشئوم يملك سلطة القرار في البلد، ويصادرون الاستحقاقات الانتخابية للشريحة الأكبر في العراق.ثم جاء البيان الهام الذي تُلي في صلوات الجمعة الموحدة في بغداد والمحافظات ليوم 1 ربيع الأول (الموافق 31/ 3) والتغيرات التي حصلت في قيادات حزب الفضيلة الإسلامي(1) انطلاقاً من قوله تعالى على لسان موسى الكليم [قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي وَأَخِي] (المائدة:25) وأخي هم أنتم

ص: 305


1- أذن سماحة الشيخ (دام ظله) للدكتور نديم الجابري الأمين العام لحزب الفضيلة الإسلامي بالترشيح لمنصب رئاسة الوزراء داخل كتلة الائتلاف العراقي الموحد كمشروع وطني يخفّف الكثير من الاحتقانات والاختناقات بعد الصراع الشديد الذي حصل بين مرشحي الدعوة والمجلس الأعلى، وفور ترشيح الدكتور الجابري اتحدت كتل الائتلاف لتسقيط وتشويه صورته وإلصاق التهم الكاذبة بحزب الفضيلة الإسلامي ثم أطلقوا التهديدات بالتصفية والاستئصال؛ لأنهم يعتقدون أن الأمر يجب أن لا يخرج من دائرتهم. ولما كشف القوم عن خباياهم وعلم سماحة الشيخ أنهم يرفضون بشكل قاطع ترشيح الدكتور الجابري أمره سماحة الشيخ بسحب ترشيحه، إلا أنه ونتيجة قناعته التامة بجدوى المشروع في حل جملة من مشاكل البلاد ووسط تأييد عدة كتل نيابية خارج الائتلاف خطط لانسحاب حزب الفضيلة الإسلامي من كتلة الائتلاف وانضمام الكتل الأخرى إليه وهو ما يحقق له أغلبية في البرلمان تمكنه من تشكيل حكومة، إلا أن سماحة الشيخ كان يرى أن الظروف لا تسمح بهكذا مشروع فيه إضعاف للائتلاف الشيعي فلم يجد بُدّاً من إقالة الأمين العام للحزب حرصاً على وحدة وقوة الائتلاف الشيعي الذي لم يُقدِّر هذا الموقف واستمر في حربه الظالمة التي طالت المرجعية وأبناءها، ورأى سماحته فيما بعد الصلاح في انسحاب حزب الفضيلة الإسلامي من الحكومة المزمع تشكيلها في بيان يأتي ذكره ص309 (المرجعية الرشيدة تحذر الائتلاف من الانحراف عن اهدافه).

المنضبطون بتوجيهات المرجعية الرشيدة وان كان الآخرون جزاهم الله خيرا يشعرون بالتزام أخلاقي تجاه مواقف المرجعية الرشيدة.وقد أردنا من خلال البيان والتغيرات أن نوصل رسائل مهمة قلنا في البيان على جميع الأطراف أن تفهمها وتعيها بدقة وقد آتت ثمارها جميعاً.

وأول الجهات الولايات المتحدة التي حذرناها من اللعب بنار الطائفية والحرب الأهلية من خلال تصريحات سفيرها وبعض المواقف العملية غير الحكيمة، وقد استوعبت الإدارة الأمريكية الرسالة ووبخت سفيرها على تصريحاته ومنعته من الإدلاء بمثلها ولا شك إنكم لاحظتم صمته طيلة الأسابيع الثلاثة الماضية رغم سخونة حركة العملية السياسية وأنذرتْه بالعزل إذا عاد إلى مثلها.

وثاني الرسائل إلى المرجعيات الأخرى حتى تكون أكثر حزما مع السياسيين وتتخذ قرارات شجاعة إذا لم يعملوا بجدّ على إنقاذ الأمة وإصلاح حالها ومعالجة مشاكلها واكتفوا بحساب مصالحهم الشخصية والفئوية، وقد تحركت المرجعية فوراً ودعت القادة السياسيين إلى التخلي عن بعض مواقعهم من أجل حلحلة الأمور وتحريك العملية السياسية إلى الإمام ومارست تدخلاً مشكوراً لتحقيق هذه النتيجة.

وثالث الرسائل إلى مكونات الائتلاف الذين أحاطوا إخوانكم من أبناء الفضيلة بكثير من الشك وسوء الظن بل إن بعضهم أصدر البيانات للتسقيط وتشويه السمعة، فأثبتنا أن أبناء الفضيلة منضبطون بالمرجعية وهي التي تحاول تصحيح المسيرة إذا حصل شيء مما يخافون منه.

ص: 306

ورابع الرسائل دعوة إلى المتصدين كي يؤثروا مصلحة الأمة على كل مكاسب شخصية وفئوية مهما كانت كبيرة على الأرض وقد رأيتم بعدها كيف توالت الانسحابات وحُلَّت مشكلة تسمية الرئاسات الثلاث التي امتدت ثلاثة أشهر في جلسة برلمانية واحدة استمرت ثلاث ساعات.وخامس الرسائل إلى الكتل السياسية المقابلة للائتلاف التي تلعب على حبال تعدد المرشحين لتمارس المزيد من الابتزاز وبهذا القرار دخل اليأس عليها وأسقط ما في أيديها وأذعنت لقرار الائتلاف، كما شعر الائتلاف بالقوة والعزة التي استمدها من عزة وقوة القرار وتوقفت التداعيات المهينة من تشكيل المجلس السياسي للأمن الوطني، إلى تسليم الملف الأمني إلى نائب رئيس الوزراء وإفراغ منصب رئيس الوزراء من كل محتوى رغم أنه بحسب الدستور أهم منصب في الدولة.

هذا بعض ما تحقق بفضل الله تبارك وتعالى ومن حق الأمة أن تفخر بإنجازاتها حيث تسعى إلى تجسيد الحديث الشريف: (ما تقدست أمة لا يأخذ ضعيفها حقه غير متعتع). والحمد لله وحده فهو مبدئ النعم ومعيدها.

محمد اليعقوبي

29ربيع الأول1427 المصادف 28/ 4/ 2006

ص: 307

المرجعية الرشيدة تحذر الائتلاف من الانحراف عن أهدافه

المرجعية الرشيدة تحذر الائتلاف من الانحراف عن أهدافه(1)

قال سماحة الشيخ اليعقوبي في لقائه مع عدد من الوفود والشخصيات التي زارته لإقناعه بالتأثير على حزب الفضيلة الإسلامي للعدول عن قرار انسحابه من تشكيل الحكومة الجديدة (2):

ص: 308


1- من حديث سماحته مع أعضاء منظمة بدر في البرلمان الذين زاروا سماحته يوم السبت 15 ع2 1427 المصادف 13/ 5/ 2006 ومع الحاج عبد الكريم العنزي وزير الأمن الوطني الذي نقل لسماحته رسالة خطية من رئيس الوزراء الأستاذ نوري المالكي يوم 17 ع2 ونشرت في العدد (42) من صحيفة الصادقين الصادر يوم 27 ع2 1427.
2- حكومة الأستاذ نوري كامل المالكي التي نالت ثقة البرلمان يوم السبت 22/ع2/ 1427 الموافق 20/ 5/ 2006 ، وقد أعلن حزب الفضيلة الإسلامي انسحابه من مشاورات تشكيل الحكومة بناءً على توجيه سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) يوم الجمعة 14/ع2/ 1427 المصادف 12/ 5/ 2006 ببيان تلاه الناطق الرسمي باسم الحزب الشيخ صباح الساعدي كتبه سماحة الشيخ ليكون موضوعياً ومتوازناً جاء فيه ((إن حزب الفضيلة الإسلامي الذي قبل بخمسة عشر مقعداً ضمن الائتلاف العراقيي الموحَّد تضحية منه من أجل حفظ وحدة الائتلاف، يعلن انسحابه من تشكيلة الحكومة الحالية لأننا وجدنا الذهنية المتحكمة في تشكيلها هي المصالح الأنانية الضيّقة والمكاسب الشخصية والفئوية والتنافس عليها ونسيان الهدف الأساسي وهي خدمة المواطن وتوفير حقوقه الأساسية من الأمن والسيادة والحرية وسائر حقوق الإنسان الأخرى ولكننا مع ذلك سيبقى دورنا إيجابياً في تقويم عمل الحكومة ونقل صوت الشعب بأمانة والمساهمة في بناء العراق الحر المزدهر الكريم ونرجوا من جماهيرنا خاصة ومن كل شرائح الأمة عامة أن يتفهموا موقفنا هذا والله ولي التوفيق)). ومضافاً إلى ما ذكر فقد كان من دواعي الانسحاب الاحتجاج على سياسة التسقيط والكذب والافتراء وصناعة التهم التي ألصقوها بالحزب لإقصائه وحرمانه من حقوقه، وخوفهم من تمدده على حساب استئثارهم وتفردهم، واعتبروا ترشيح أمينه العام لرئاسة الحكومة مع مرشحَي المجلس الأعلى وحزب الدعوة تجاوزاً للخطوط الحمراء وتهديداً لهم خصوصاً وأن الحزب يتمتع بسمعة طيبة لدى كل مكونات الشعب العراقي ويحظى منهجه الوطني بالاحترام ويصلح أن يكون قطرة للمصالحة الوطنية. وقد كشف المستبدون داخل الائتلاف عن حقيقتهم الدنيوية المحضة، واعتبر سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) أن وجود أتباعه في الحكومة يعني استمرار دعمه الذي أعلنه في بداية التأسيس وفيه إمضاء لشرعية عملهم، فلم يجد سبيلاً للإعلان عن سحب الدعم والمشروعية المرجعية عن هذا النهج في العملية السياسية إلا بأمر أتباعه بالانسحاب ليبرز الاختلاف في الأخلاق والهدف ومنهج العمل بين الفريقين، ومن ذلك الحين شنّ الإخوة حرباً شعواء للاستئصال والحرمان والإقصا والتشويه والتسقيط وإلى الله المشتكى.

لقد كنا السباقين والمبادرين إلى تشكيل الائتلاف العراقي الموحد ودعمه والتضحية من أجل وحدته وإنجاح عمله إيماناً منا بالأهداف التي أسس من اجلها ومنها حفظ وحدة الموقف لهذه الشريحة الأكبر في النسيج العراقي والدفاع عن حقوقها ورفع الظلم والحيف عنها، وحينما لا توجد خيمة واحدة تضم التوجهات المختلفة لأبناء هذه الشريحة فسيكون من الصعب توحيد موقفها ونظم أمرها وضبط حركتها. فتشكيل الائتلاف ضرورة استراتيجية وليس حاجة آنية من أجل الفوز بمقاعد أكثر أو الحصول على عدد أكبر من الوزارات ونحوها، لكن المؤسف

ص: 309

أن طريقة تعامل بعض مكونات الائتلاف أثناء مشاورات تشكيل الحكومة كانت على خلاف ذلك، وتميزت بقصور في النظر وانغلاق على الذات وعدم وجود شعور بالمسؤولية، فتحول الائتلاف إلى أداة لبسط هيمنة بعض القوى وفرض إرادتها وقيمومتها على الآخرين، مما يهدد مستقبل الائتلاف ويجعله عرضة للتفكك وهذا ليس في مصلحة أحد حتى أعداء الائتلاف؛ لأن تشتت الصوت الشيعي وعدم وجود كيان موحد يسير بهم ويتم التفاهم والحوار معه سيكون خطراً على الجميع. إن قرار أبناء الفضيلة بالانسحاب من تشكيل الحكومة كان احتجاجا على هذه السياسة وهذا الانحراف في الأهداف الذي نرجو أن لا يكون صحيحاً أو ثابتاً. ولكنهم – أي أبناء الفضيلة - مع ذلك يبدون الاستعداد التام للتعاون مع الحكومة لإنجاح عملها خدمة للمواطن الكريم الذي يستحق كل خير، ومتى ما عادت قاطرة الائتلاف إلى مسارها الصحيح وسادت روح الإخوة والثقة المتبادلة وحسن الظن، فإن أبناء الفضيلة سيعودون للمشاركة في الحكومة بإذن الله تعالى، رغم إننا نعتقد أن الانسحاب من المواجهة ليس هو الحل بل الصحيح هو الاقتحام والتغيير والإصلاح، كما قال أمير المؤمنين (إذا هبت أمراً فقع فيه) أو كما قال شاعر:

ومن يتهيب صعود الجبال يعِشْ أبد الدهر بين الحفر

لكنه كان انسحاباً لصالح إخوة لهم في الدين والولاء لأهل البيت (علیهم السلام) وشركاء لهم في المعاناة الطويلة والتضحيات الجسيمة عبر التأريخ والى عصرنا الحاضر.

ص: 310

و بالنسبة لي – كمرجعية– فاني انظر بعين واحدة إلى الجميع ومعياري في التقييم هو ما نطق به الحديث الشريف (قيمة كل امرئ ما يحسنه)، فنحن نشد على يد كل العاملين ونساندهم ونكرم المحسن ونعاتب المسيء، وهذا ما تقتضيه أبوتنا ورعايتنا ووظيفتنا والحمد لله رب العالمين.

ص: 311

خطاب المرحلة 114 :الأمة في تكامل فمتى يلحق بها المسؤولون

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، لقد جاءت رسل ربنا بالحق.

الابتلاء والفتنة والاختبار سنة إلهية جارية في العباد منذ أن وجدوا على هذه الأرض لتحقيق أهداف عديدة لسنا الآن بصدد بيانها ولكل معسكر من معسكري الخير والشر أدوات وآليات في هذه المواجهة وهي متنوعة ومتفاوتة من حيث قوة التأثير واستعداد الإنسان للتأثر بها، لذا علينا أن ننوع في آليات الإصلاح والدعوة إلى الخير بحسب تنوع آليات الدعوة إلى الشر والفساد و قوة تأثيرها، وهذا واضح لدى المصلحين والعاملين الرساليين.

وقد يستدل المؤمن الصالح على علو همته وحصانته وتمسكه بالنهج الإلهي القويم من خلال قوة ما يستعمله عدوه من أجل إبعاده عن هذا النهج، كما أن الجيوش المتحاربة تستعمل آلة حربية مناسبة لعدة وعدد الخصم.

فنحن في العراق حينما نرى أن شياطين الإنس جاؤوا بأنفسهم إلى هذه الأرض بعد أن كانوا مكتفين بعملائهم لتنفيذ مخططاتهم، فإن هذا يعني أن الحركة الإسلامية المباركة في ارض الأئمة الأطهار قد بلغت من القوة والتجذر بحيث احتاجت أن (يبرز الشرك كله إلى الإيمان كله) لأنهم ماذا بقي عندهم

ص: 312

أزيد من هذه التعبئة، كما حصل يوم معركة الخندق حينما عبأ المشركون وأحلافهم كل قوتهم لمواجهة النبي (صلی الله علیه و آله) والمسلمين وقال (صلی الله علیه و آله) حينئذ كلمته المشهورة عندما خرج علي بن أبي طالب (علیهما السلام) لمبارزة فارس الأحزاب عمرو بن عبد ود العامري (اليوم برز الإيمان كله إلى الشرك كله) وبانتصاره (ع) كسرت شوكة المشركين ولم تقم لهم قائمة بل توالت انتصارات المسلمين حتى فتح مكة.ونحن نرى اليوم أن قوى الشر استجمعت كل قدراتها العسكرية و الاقتصادية والسياسية والأيديولوجية والإعلامية لتجعل من ارض العراق المباركة ساحة لمواجهة المد المتنامي لمدرسة الحق.

وهذا التقدم في تكامل التربية الإيمانية لدى الأجيال المتعاقبة دليل على صحة المسيرة والعمل الفعلي على التمهيد لليوم الموعود المبارك وتوجد شواهد كثيرة على هذا التقدم، ولنأخذ فتنة النساء كمثال ففي عهد صدر الإسلام حيث لا سفور ولا خلاعة ولا تبرج في المجتمع المسلم تنقل الروايات أن شابا من الأنصار رمق امرأة فظل يتابعها بذهول حتى شج عينه عظم ناتئ من حائط وان امرأة كانت تمتطي دابة في يوم مطير فسقطت فرمقها المسلمون في حين أشاح رسول الله (صلی الله علیه و آله) بوجهه عنها فظهرت إنها متسرولة وأطلق (صلی الله علیه و آله) كلمته الشريفة (رحم الله المتسرولات) وان أصحاب أمير المؤمنين مرت بهم امرأة فرمقوها فقال (علیه السلام): أن عيون هؤلاء الفحول طوامح.

فهؤلاء المسلمون رغم إنهم في حضرة سيد الخلق ومصدر التشريع ومهبط الوحي ومع ذلك (فُتنوا) بوجه امرأة بدا لهم بينما تجد شبابنا اليوم تعرض النساء

ص: 313

أمامهم مفاتنها وتحيط بهم صور الفاسقات أينما ولّوا وجوههم ومع ذلك هم متمسكون بدينهم وأخلاقهم وذاكرون لربهم غير غافلين عنه رغم فقد نبينا وغيبة إمامنا وشدة الفتن بنا وتظاهر الزمان علينا. وكمثال آخر نأخذه للمقارنة هو أن دعوة الإمام الحسين (علیه السلام) طالبا النصرة لم يستجب لها آنذاك إلا سبعون بينما لو علت اليوم دعوة مثلها فإن سبعين ألفاً أو أكثر سيلبوّنها ويقفون مثل ذلك الموقف المشرف.

فيحق للمؤمنين أن يفرحوا بنصر الله تبارك وتعالى إذ جعلهم بهذه المرتبة وهذا المقام الكريم، وبنفس الوقت علينا أن نحذر هنا وننبه إلى أن هذه النتيجة الطيبة لا يجوز لنا أن نتكل عليها ويأخذنا العجب بأنفسنا فإن هذا ما كان ليتحقق لولا لطف الله تبارك وتعالى وتسديده، فإذا غفل الإنسان واتكل على نفسه فإنه سيندثر كما ورد في الدعاء (وإن خذلني نصرك عند محاربة النفس والشيطان فقد وكلني خذلانك إلى حيث النصب والحرمان) وعلى الإنسان أن يبقى لائذا بربه مستجيرا برحمته متخوفا من الزلل والحرمان.

وعلينا أن نتذكر أيضا أن منافذ الفتنة كثيرة وأبوابها إلى النفس الأمارة بالسوء والميالة إلى اللعب واللهو كثيرة، وقد ينجح الإنسان في اختبار باتجاهٍ ما لكنه يفشل في الاتجاه الآخر بشكل فضيع، وهذا مضمون ما ورد في الحديث عن الإمام السجاد انه إذا رأيت الرجل لا ينخدع بالدينار والدرهم فرويدك رويدك ولا تحكم عليه بالصلاح فلعله يفشل في الامتحان أمام النساء فإذا نجح فلا تغتر به فلعله يسقط في فتنة حب الجاه وهكذا.

أتذكر إننا في أيام الانتفاضة الشعبانية المباركة عام 1991 كان الصحن

ص: 314

الحيدري الشريف مليئا بالناس المتحمسين الذين يلوحون بالسلاح فرحين بالنصر ومتهيّئين لأية مواجهة، والحناجر تصدح بالشعارات، ولكن حينما يرتفع صوت المؤذن بالصلاة لم يكن يحضر صلاة الجماعة خلف سيدنا الشهيد الصدر (قدس سره) في داخل الروضة المطهرة إلا عدد الأصابع فهل يمكن أن نعتبر هذا نجاحاً حقيقيا؟! وأنا لا أريد أن أوبخ أولئك الثائرين بقدر ما أريد إلفات النظر إلى عناصر التربية المتكاملة بينما يقيم الإمام الحسين (علیه السلام) صلاة الظهر جماعة يوم عاشوراء وسط صليل السيوف واصطكاك الأسنة وأشلاء الشهداء، وفي معركة صفين وفي ليلة الهرير بالذات التي شهدت اعنف المعارك يفتقد جيش الحق إمامهم أمير المؤمنين (علیه السلام) وبعد البحث وجدوه يصلّي والحرب مشتعلة فقال له مالك الأشتر: أفي مثل هذا الحال تنشغل بالصلاة يا أمير المؤمنين؟ قال (علیه السلام) وهل قاتلناهم إلا من أجل الصلاة؟ وهذا التسلسل في الاختبار نجده اليوم فبعضهم يسقط في اختبار الدينار و (الدولارات) حيث يدلُّ قوات الاحتلال أو الإرهابيين على المؤمنين ليقتلوهم أو يختطفوهم من أجل ثمن بخس يدفع لهم، وكذا ما سمعت عن بعض رؤساء العشائر في أيام الانتخابات أنهم قبضوا بعض الأموال ليعطوا أصواتهم إلى ناس غير صالحين، وبعض آخر يسقط في اختبار النساء حيث يفقد كل مقاومته ومناعته أمام إغراء يعرض عليه.

والابتلاء الأكبر هو في المواقع الدنيوية – على تفاهتها – التي جعلت الإخوة يتقاطعون ويسقط احدهم الآخر ويكيد له ويفتري عليه ويدخلوا الأمة في فتنة عمياء يهرم عليها الكبير ويشيب فيها الصغير وتدفع الأبرياء ثمنها فلا

ص: 315

أمن ولا خدمات ولا ابسط حقوق الإنسان. فهل ذهب أحد هؤلاء المتهالكين على الدنيا إلى مخيمات العوائل المهجرة (1) ليرى حالة البؤس والشقاء التي يعيشون فيها؟

أيعقل أن التبرعات التي قدمها المحسنون إلى عوائل شهداء جسر الأئمة(2) لم تصل إليهم إلى الآن رغم مرور أزيد من تسعة أشهر مع أنها لا تحتاج إلى موافقة وزارة المالية ولا البلديات ولا العمل وإنما هي أموال وضعت في صناديق لتصل إلى مستحقيها؟!

هل من المعقول أن تتبجح الحكومة بفائض ميزانية قدره (14) مليار دولار(3) والشعب جائع فقير لا يملك مكانا يأوي إليه ويفتقر البلد إلى ابسط

ص: 316


1- شهدت الفترة بعد تفجير الروضة العسكرية الشريفة في سامراء تصعيدا في الحرب الطائفية ومن نتائجه تهجير أكثر من عشرة آلاف عائلة تحت ضغط التهديد بالقتل من المناطق (الساخنة) إلى محافظات الوسط و الجنوب.
2- على اثر وقوع فاجعة جسر الأئمة –التي تقدمت الإشارة إليها- وتعاطف الناس في الداخل والخارج مع ذوي الضحايا، وفتح أستوديو قناة العراقية باب التبرع لضحايا الحادث وانهالت عليه التبرعات المالية والعينية في موقف نبيل عزّ نظيره توحدت فيه كل طوائف الشعب وجمعت في صناديق لتوزيعها على عوائل الشهداء والمصابين، ومرت مدة ولم يتحقق ذلك حتى شكى بعضهم إلى المرجعية الرشيدة فتحركت لإيصال هذه الحقوق إلى أهلها ولم نسمع عن تحقق ذلك إلا ما نقلته الأخبار يوم السبت 15/ 4/ 1427 المصادف 13/ 5/ 2006 من أن الدكتور الجعفري رئيس الحكومة المنتهية ولايتها استقبل (65) عائلة من أصل (865)== ==لتسليم استحقاقاتهم وكانت حصة كل عائلة (28) مليونا و (727) ألف ومئة دينار.
3- هذا ما أعلنته حكومة الدكتور الجعفري في نهاية عام 2005 وكررته عند تسليم الأمور إلى حكومة الأستاذ المالكي في مايس 2006.

الخدمات ويختلط ماء المجاري بماء الشرب فهل فكرت الحكومة أن هذه النقطة لها أم عليها؟ أليس مثلهم كمثل الأب الذي يفتخر بان جيبه مليء بالمال وهو يترك أبناءه جياعا بلا مأوى؟ إن مشكلتنا ليست مع الاحتلال وحده ولا مع الإرهابيين وحدهم وإنما يضرب الظلم والفساد بأطنابه في كل مكان، وتدفع الأمة المسكينة وحدها الثمن ومع ذلك فإن بيد الأمة وحدها الحل حينما تستطيع أن تتعرف على أبنائها الصالحين الذين يخلصون في خدمتها ويضحون من اجلها ويكونون مؤتمنين على ثرواتها، ولا تأخذهم في الله لومة لائم ويسعون لاسترداد حقوقها مهما كلف الثمن وطال الزمن.

وعلى من يلون أمر الأمة أن يتوحدوا وان يترفعوا عن الأنانيات والمصالح الضيقة وان يعتمدوا الشفافية (التي ذكرنا عناصرها في خطاب سابق) في عملهم ومنها الحوار والنصيحة وحسن الظن.

أسأل الله تبارك وتعالى أن يأخذ بيد الأمة نحو ما فيه صلاحها وسعادتها في الدنيا والآخرة، إنه ولي كل نعمة وصاحب كل حسنة.

محمد اليعقوبي

الجمعة 21/ 4/ 2427 الموافق 19/ 5/ 2006

ص: 317

خطاب المرحلة 115 :نصائح وتوجيهات إلى متابعي دورة كأس العالم لكرة القدم

بسم الله الرحمن الرحيم

تبدأ في شهر حزيران القادم/ 2006 بطولة كأس العالم لكرة القدم وستنقل مبارياتها مباشرة إلى شعوب العالم، ومن المعروف أن هذه البطولة تجتذب ملايين الناس ومن بينهم حشد كبير من شبابنا المسلم في العراق وغيره، ونحن إذ نتفهم الحاجة لوجود هوايات محلله ومنافذ مقبولة للترفيه والتسلية يقضي معها الإنسان وقتاً للترويح عن النفس والتخفيف من أوزار الحياة ومتاعبها وان الراحة والاستجمام تساعد على استعادة النشاط والحيوية ومنها هذه الفعالية المعروفة.

إلا أننا وانطلاقاً من مسؤوليتنا في تهذيب السلوك وتصحيح أفعال الإنسان وفق الضوابط الأخلاقية والإنسانية والدينية نود إلفات نظر أبنائنا إلى جملة من النقاط:

1- أن الهدف من وجود الإنسان في هذه الحياة الدنيا هو التكامل والسمو و نيل رضا الله تبارك وتعالى [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ] (الذاريات:56) فلا بد أن يكون هذا الهدف محور سلوك الإنسان فيحاول

ص: 318

تكريس حياته لتحقيق هذا الهدف أو ما يعينه عليه، لذا ورد في الحديث أن ساعات المؤمن ثلاث: واحدة لعبادة الله وطاعته، والأخرى للكسب والمعاش، والثالثة يتفرغ فيها لنفسه يحقق رغباتها واحتياجاتها المباحة، والثالثة تعينه على الأوليين ومع إخلاص النية فإن الجميع تكون لله تبارك وتعالى، وما عدا ذلك فهو لهو وعبث ولا مجال للهو والعبث في حياة المسلم، وعليه أن يفرق بدقة بين ما يحتاجه للترفيه والراحة والاستجمام واستعادة النشاط والترويح عن النفس (كالحاجة إلى النوم)، وبين ما هو أزيد من ذلك فيدخل في حيز اللهو ومضيعة العمر الذي هو رأس مال الإنسان في تجارته مع الله تبارك وتعالى فلا ينشغل بالأهداف الوهمية عن الأهداف الحقيقية.2- أن يسيطر الإنسان على انفعالاته ويضبطها فلا يعقل أن تكون كرة جلدية سببا لغضبه أو رضاه (اللهم إني أعوذ بك من كل لذة بغير ذكرك) فضلا عن تأديتها إلى نزاع بين الإخوة أو تنافر أو تسابب وشتم، كما حدث قبل أسابيع تقريبا في ملعب النجف حين حصل عراك وإطلاق نار بعد انتهاء مباراة بين فريقي المدينتين المقدستين النجف وكربلاء(1). اللتين يوحدهما حب الله تعالى والولاء لأهل بيته والهموم المشتركة ودافعت الواحدة عن الأخرى عبر التأريخ خصوصا في الانتفاضة الشعبانية وقدمتا قرابين كثيرة ثم تفرقهما كرة جلدية فيا للهول !

3- أن لا تؤثر متابعته لهذه الفعالية وأمثالها على التزاماته أمام الله تبارك

ص: 319


1- حدث ذلك يوم الجمعة 22 ع1 1427 المصادف 21/ 4/ 2006 وفاز النجفيون 3/ 1 واندلعت أعمال عنف وأطلق فيها الرصاص وحدثت فوضى عارمة.

وتعالى وأمام مجتمعه وأسرته فيحافظ على الصلاة في أوقاتها (امتحنوا شيعتنا في أوقات الصلاة)، وعلى الحضور في المساجد وصلوات الجمعة والجماعة والشعائر الدينية ما وجد إلى ذلك سبيلا ولا يقصر في حقوق أهله وإخوانه والعلاقات الاجتماعية. 4- الامتناع عن بذل أي مال ولو قل للاحتفال بمثل هذه الفعاليات كتزيين الشوارع والسيارات بأعلام الدول التي يحبها وإقامة الاحتفالات الصاخبة عند فوز فريق ما.

5- اجتناب المحرمات كالمراهنة على بعض الأمور أو الاستماع إلى الموسيقى أو مشاهدة المناظر المحرمة ونحوها.

إن العالم البعيد عن الله تعالى حينما يبتدع مثل هذه الألعاب فلأنها تخدم أهدافه ومصالحه من إلهاء الشعوب وتحقيق مصالحه وخططه وخلق أصنام جديدة يحبها الناس ويلتفون حولها وينشغلون بحمدها والثناء عليها وينفقون أوقاتهم وأموالهم عليها بدلا من أن يفكروا فيما يصلح حالهم.

ولو أن مليارات الدولارات المخصصة لإقامة هذه المباريات تنفق على مشاريع الخير و التقدم وإنقاذ البشر من جوعهم وفقرهم وجهلهم وتخلفهم ومرضهم لكانت خيراً و أبقى، ولو تحول هذا الاهتمام المركّز والضجيج والصخب والهوس الذي تناله هذه الفعاليات إلى جهد مبارك يبذل لإعمار الحياة الإنسانية ماديا ومعنويا وتوعيتها ومعالجة القضايا التي تهمّها وتقلقها وتهدد مستقبلها لكان أجدى، ولله في خلقه شؤون.

نكتفي بهذا القدر من البيان تاركين التفاصيل إلى أكثر من كتاب ونشرة

ص: 320

صدرت منا أو بإشرافنا عن هذا الموضوع يحسن الإطلاع عليها والاستفادة منها وهي (الرياضة المعاصرة والفكر المعادي للإسلام) و(نظره فكرية وفقهية في الألعاب الرياضية) و (الحوزة العلمية تحذر من الوقوع في فخ الرياضة) وكلها صدرت أبان الحكم الصدامي المقبور الذي تبنى مشروعا إفساديا وتخريبيا على كل الأصعدة. محمد اليعقوبي

22 ع2 1427

20/ 5/ 2006

ص: 321

خطاب المرحلة 116 :سنّ زيارة مخصوصة إلى مرقد أمير المؤمنين عليه السلام في ذكرى وفاة الصديقة الزهراء (عليها السلام)

للصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) فضل كبير على الأمة؛ لأنها دافعت بقوة وبشجاعة عن المسار الصحيح لحركة الإسلام ووقفت في وجه الانحراف ولولا ذلك الموقف العظيم لما بقي رسم للنهج المحمدي الأصيل ولعبثت به أيدي التزوير والحقد والحسد.

وخلدت ذاك الموقف بمظلوميتها وتشييعها ودفنها سراً وإعفاء موضع قبرها ليبقى هذا التساؤل المؤلم شاخصا في أذهان الأجيال:

ولأي الأمور تدفن ليلاً بضعة المصطفى ويُعفى ثراها؟

وهي التي ورد فيها ما ورد من الثناء والتبجيل والتقديس والتطهير والتفضيل في كتاب الله وسنة رسول الله (صلی الله علیه و آله) ولذا كانت الزهراء سببا لهداية الأجيال واستبصارهم وفيئهم لنور الحق وقد ألفّ احدهم كتاب (بنور فاطمة اهتديت).

وبمقدار احتفالنا بالصديقة الطاهرة (سلام الله عليها) واستعادة مظلوميتها واستذكار مواقفها المشرفة فإننا نساهم في حفظ مسار الأمة من الانحراف.

لذا ينبغي لمحبي فاطمة والمفجوعين بمصابها و الراجين شفاعتها حيث تلتقط شيعتها ومحبيها يوم المحشر كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب

ص: 322

الرديء – بحسب منطوق الرواية الشريفة – أن يتهيأوا ويتعبأوا لإقامة سنة شريفة مباركة ينطبق عليها الحديث الشريف (من سن سنة حسنة كان له أجرها واجر من عمل بها إلى يوم القيامة) وهي زيارة أمير المؤمنين في ذكرى استشهادها على الرواية الثالثة المعمول بها لدى المحققين وهي في الثالث من جمادى الثانية التي تصادف هذا العام بإذن الله تعالى يوم الخميس29/6/2006 ملتفتين إلى ما يلي: 1- أن زيارة أمير المؤمنين من المستحبات الأكيدة في كل زمان وعلى كل حال، فالدعوة إليها والالتزام بها شيء محمود عند الله تبارك وتعالى.

2- أن سلفنا الصالح قد سنوا مثل هذه الزيارة قبل ثمانين عاما تقريبا في يوم وفاة النبي (صلی الله علیه و آله) باعتبار أن أمير المؤمنين هو المعزى بوفاة حبيبه وابن عمه رسول الله (صلی الله علیه و آله) وبالرغم من أنها لم تنل الاهتمام الكافي فيما سبق إلا أنها في السنين المتأخرة أصبحت تحظى باهتمام كبير وحشود مليونية، فأصبحت مشروعاً معطاءً أو صدقة جارية لأولئك الذين سنوها وأقاموها، فليبادر أبناء هذا الجيل لإقامة هذه السنة الشريفة لتكون لهم صدقة جارية عبر الأجيال، والمناسبتان مشتركتان في المعنى فقد عظم على أمير المؤمنين (علیه السلام) مصابه بفاطمة (علیها السلام) لأنها كانت سلوته عن مصابه برسول الله (صلی الله علیه و آله).

3- أن لأمير المؤمنين (علیه السلام) مواسم زيارة موزعة على أرباع السنة ففي الربع الأول في ذكرى وفاة النبي (صلی الله علیه و آله) وفي الربع الثالث في المبعث النبوي الشريف وذكرى استشهاده (ع) وفي الربع الرابع بمناسبة عيد الغدير ويخلو الربع الثاني منها فتكون هذه المناسبة فرصة لاستمرار التواصل مع أمير

ص: 323

المؤمنين(ع). 4- أن هذه المناسبة لو نظمت بشكل جيد وخرج الزائرون بموكب مهيب ويتقدمهم نعش رمزي للزهراء (علیها السلام) يحمله السادة العلويون خصوصا المرتدون للزي الديني فسيكون حقيقة ثورة في وجه الظلم والانحراف واستعادة لكل تلك التساؤلات التي تركتها الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (علیها السلام) حجة على الأمة.

5- إننا بهذه الفعالية الشريفة ندخل السرور على قلب النبي (صلی الله علیه و آله) وآله الطاهرين وخصوصاً بقية الله الأعظم (أرواحنا له الفداء) وإحياء أمرهم وإدامة ذكرهم (احيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا).

6- إننا جربنا تأسيس مثل هذه السنّة الشريفة في موسم الحج فقد أوصيت إخواني حينما ذهبت إلى موسم الحج عام 1424 أن ترتفع أصواتهم بالدعاء لصاحب الأمر الإمام المهدي المنتظر بمجرد أن يسمعوا احدهم يقرأ بصوت مرتفع (اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن...) أثناء الطواف ليلفتوا أنظار كل المسلمين إلى إمامهم الحق، وقد قاموا بهذا العمل المبارك جزاهم الله خيرا فكانت أصوات الموالين للعترة الطاهرة من حجاج مختلف الدول تتجاوب معنا أثناء السيل الهادر من الطائفين حول الكعبة الشريفة واتسعت هذه السُنّة المباركة هذا الموسم (1426) لتبلغ مدىً عظيما اقلق الحاسدين فأصابهم الذهول، لكنهم لم يكونوا يستطيعوا فعل شيء لهذا الموج الهائل، كما أن هذه الأصوات المباركة دعت المسلمين من كافة أرجاء الأرض إلى السؤال والتحقيق عن المقصود بالدعاء فوسَّعَ دائرة الإعلام بقضية الإمام المهدي

ص: 324

المنتظر (أرواحنا له الفداء).7- أن الأمة مقصرة بحق الصديقة الطاهرة ولا يرتقي مستوى اهتمامها بالمناسبة إلى المقام الأقدس لسيدة نساء العالمين وها هي مناسبتها تمر بفعاليات ضعيفة ومن دون اهتمام أكثر الناس فلا بد من تحريك ضمير الأمة بحركة قوية.

8- أنا نعيش ببركة الزهراء ونأمل شفاعة الزهراء ويدفع الله عنا الكثير من البلاء بإقامة شعائر الزهراء وهو مجرب تأريخياً، فلنعمل على استنزال بركة أكثر ورحمة أوسع ولنسأل الله تعالى أن يرفع عنا البلاء بالإحياء الواسع الفاعل لمناسبة الصديقة الكبرى (سلام الله عليها).

وسيكون من المناسب للخطباء والمبلغين والمثقفين أن يستثمروا الذكرى الثانية الآتية لوفاة السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) في (13-15/جمادى الأولى) لتعبئة الأمة ووضع برامج السفرة والموكب الكبير، وأن

تعلن المؤسسات الدينية والاجتماعية والسياسية والثقافية استعدادها للمشاركة و المواظبة على إقامة هذه السنة الشريفة وتقديم ما يليق بها من أشكال الدعم والمشاركة.

[وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ].

محمد اليعقوبي – النجف الأشرف

22 ع2 1427 - 20/ 5/ 2006

ص: 325

خطاب المرحلة 117 :كيف نستعيد دور العشائر في بناء العراق الجديد

خطاب المرحلة 117 :كيف نستعيد دور العشائر في بناء العراق الجديد(1)

قال الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم [وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا] (الحجرات:13) أي لتكون بينكم نسبة يعرف بها الشخص ويميز عن الآخرين الذين يشاركونه في بعض الصفات.

وقد حافظت القبائل العربية على هذه النسبة وصانتها وعززتها وصايا المعصومين فيوصي أمير المؤمنين ولده بقوله (صل عشيرتك فإنهم جناحك الذي به تطير) وقسم (ع) جيشه في صفين على أساس العشائر لأنه ادعى للبأس والحماس والثبات، وكذا قسِّم جيش المسلمين عندما واجهوا الفرس في القادسية، وكان للقبائل العربية دور مشهود كإشادة أمير المؤمنين (علیه السلام) بقبيلة همدان بقوله:

ولو كنتُ بوّاباً على باب جنةٍ لقلتُ لهمدان ادخلوا بسلامِ

وامتازت العشائر بخصائص توارثها أبناؤها كالشجاعة والكرم، وفي حديث خطبة أم البنين أم العباس و إخوته لأمير المؤمنين (علیه السلام) بواسطة أخيه عقيل ما

ص: 326


1- من حديث سماحة الشيخ مع وفود من رؤساء عشائر ووجهاء النجف الأشرف يوم 26/ع2 ويوم 29/ع2 و مع موكب السراج المنير من عشائر الناصرية يوم 15/ع2/ 1426 المصادف 13/ 5/ 2006.

يشير إلى ذلك، حيث روي أن علياً (ع) قال لأخيه : (اطلب لي امرأة قد ولدتها الفحول من العرب كي أتزوجها لتلد لي غلاما ينصر ولدي الحسين بكربلاء) فأرشده عقيل إلى فاطمة أم البنين .وقد أثبتت العشائر عبر التاريخ أنهم مكوِّن مهم في النسيج العراقي وأثّروا في حركة الأمة، وأحداث القرن الأخير شاهدة على ذلك حينما تحمّلت العشائر بقيادة علماء الدين مقاومة الاحتلال الانكليزي في الحرب العالمية الأولى سنة 1914 – 1917 وفي ثورة العشرين المباركة عام 1920 التي أثمرت إنهاء الاحتلال وإقامة الحكم الوطني بغض النظر عن انحرافه عن أهدافه لاحقا .

وقد التفت الأعداء خصوصا النظام البعثي البائد إلى مصادر القوة في هذا الشعب التي حفظت هويته واستقلاله وحركته دوما لرفض الظلم والانحراف فوجدوها ثلاثة (المرجعية – العشائر – التمويل الذاتي) فوضعوا الخطط لاجتثاث منابع القوة هذه لدى الأمة، أما المرجعية فحاصروها وقيدوها واعدموا عدداً منهم كالشهيدين الصدرين (قدس سريهما)، و قضوا على الحلقة الوسطية الفاعلة بين المرجعية والأمة وهم الفضلاء والمبلغون والخطباء والشباب الرسالي فأعدموهم واعتقلوهم وشرّدوهم، وأما التمويل الذاتي فجففوه وأفقروا الطائفة بمصادرة أموال أثرياء الشيعة وسفروهم إلى إيران بحجة تبعية جنسيتهم وحجّموا كل أصحاب الأموال من أتباع أهل البيت (علیهم السلام).

ثم التفتوا إلى العشائر فاعدموا عدداً من وجوهها المؤثرين كالمرحوم الشهيد راهي بن الحاج عبد الواحد آل سكر والحاج عبد الحسين جيته وغيرهما، وصنعوا من بعض النكرات رؤساء عشائر وهميين وشتتوا أبناء العشائر

ص: 327

بالانتماء إلى الحزب البائد، وكرسوا الجهل والتخلف فيها و عاقبوا كل من يتصل منهم بالمرجعية الدينية والحوزة العلمية و غيرها من الأساليب الشيطانية . وجاءت الأحزاب اليوم لتمعن في ظلم العشائر وحرمانها فبالرغم من أنها وصلت إلى مواقع الحكم بأصوات أبناء العشائر، إلا أن الأحزاب استأثرت بالمغانم ولم تعط للطليعة والنخب من أبناء العشائر الفرصة الكافية لإدارة مفاصل الدولة، فبقي التهميش والإقصاء للعشائر.

وهذا ما يدعونا إلى إعادة النظر ومراجعة الحالة ووضع البرامج الكفيلة باستعادة العشائر دورها وثقلها الاجتماعي، وأعتقد أنهم قادرون على بناء بلدهم وحل مشاكله أفضل من الذين قدموا من الخارج بعد انقطاع عن بلدهم وشعبهم أزيد من عشرين عاماً، وأعتقد أيضا أن للعشائر فرصة طيبة في حل المشكلة الأمنية لامتدادها في الطائفتين، ووجودها في كل المدن الساخنة حتى أن بعض أبناء العشيرة الواحدة من السنة وآخرين من الشيعة .

فالمطلوب إنشاء كيان عشائري(1) مستقل عن الأحزاب ويضم لجان متعددة تتكفل كل واحدة منها بتحريك وجه من أوجه النشاط المطلوبة كتثقيف العشائر وتوعيتها وتعليمها الأحكام الشرعية والمخالفات التي يتورط بها البعض، وان تتخصص لجنة لمتابعة الحقوق السياسية، وأخرى اجتماعية فتسعى في الإصلاح والتوفيق بين المتخاصمين وحل المشاكل وتقريب وجهات النظر وهكذا.

ص: 328


1- أثمرت هذه الدعوة المخلصة عن إنشاء مجالس صحوة العشائر التي تصدت لمكافحة الإرهاب والقضاء على تنظيم القاعدة ودولتهم الإسلامية المزعومة.

ويحسن أن يكون المقر المركزي في النجف الأشرف لإعطائه زخما وقوة لاحتضان المرجعية له عن قرب ويقوم بمتابعات ميدانية في جميع المدن والقرى والأرياف. لقد اعترف الأمريكان أنهم ارتكبوا آلاف الأخطاء في العراق، وكان منها إهمال دور العشائر (السنية والشيعية) والاستخفاف بها باعتبارها وضعاً منافياً للمجتمع المدني، وقد غفلوا عن حقيقة أن العشائر تنظيمات لها خصالها الكريمة ودورها المؤثر فهي مكون مهم للمجتمع المدني، وبسبب هذا الإهمال وغيره من الأسباب دفع الأمريكان والعراقيون هذه الأثمان الباهظة، وكان ظنهم أنهم قادرون على تحقيق مخططاتهم وانجاز مشروعهم بالعراقيين الذين جاؤوا بهم من الخارج ففشلوا هذا الفشل الذريع.

لقد أصدرنا كتباً وخطابات، و سبقنا أستاذنا السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) بكتابه (فقه العشائر) وكلها تصلح أن تكون جزءا من هذه الحركة المباركة إذا نفِّذت ميدانيا .

ومن الآليات التي أثبتت جدواها في مثل هذا المشروع تأسيس مواكب أو تشكيلات من الشباب الرسالي داخل كل عشيرة ليقوم بهذه النشاطات، وستنتج من مجموع هذه الحركة أجواء إيمانية واعية وقادرة على التأثير في مجمل الحياة في البلد، وستعرف القائمين على المشروع بأصحاب الكفاءات والقادرين على العطاء.

ص: 329

خطاب المرحلة 118 :أداء الائتلاف محرج للمرجعية الرشيدة أمام الجماهير

استقبل سماحة الشيخ اليعقوبي السيد منوشهر متكي وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية و الوفد المرافق له(1).

وقال السيد متكي أنه جاء إلى العراق لأمرين:

(الأول) تهنئة الحكومة الجديدة التي شكلت برئاسة الأستاذ نوري كامل المالكي.

(الثاني) إعلان استعداد الجمهورية الإسلامية الإيرانية لنقل خبراتها ومواصلة التعاون في مختلف المجالات الاقتصادية و العلمية وغيرها، وأن إيران قد خصصت مليار دولار كاعتمادات للقيام بالمشاريع التي يحتاجها العراق وتشمل قطاعات الكهرباء والصحة و النقل وغيرها، وقد أجريت اتفاقيات و حوارات حول هذه المواضيع أمس مع المسؤولين، وتوجهنا اليوم من بغداد إلى كربلاء لنجعله يوم زيارة و عبادة، وبعد زيارة العتبات المقدسة أردنا أن نزور العلماء وها نحن نتشرف بذلك، ولا شك أن الدور الذي تقومون به سماحتكم ورجال الدين الأفاضل يصب باتجاه الاستقرار و الهدوء لأبناء الشعب العراقي بمختلف فئاته، وقد تحصل انقسامات هنا وهناك، فتقومون سماحتكم باتخاذ

ص: 330


1- كان ذلك يوم السبت 29/ع2/ 1427 المصادف 27/ 5/ 2006.

التدابير اللازمة لحل تلك الانقسامات مما فيه خير ومصلحة الشعب العراقي.نحن مسرورون جدا لهذا اللقاء ونستفيد من آراء سماحتكم حيال الظروف القائمة في العراق، ونعرب عن استعدادنا للقيام بأي واجب علينا.

وهنا تحدث سماحة الشيخ اليعقوبي ورحب بضيفه الكريم وشكره على هذا التواصل وابتدأ بالتعليق على جعل اليوم يوم عبادة وقال إن كل أيام المؤمن وساعاته هي عبادة ما دامت تثمر خيراً للبشرية وإعماراً للحياة و لا تقتصر العبادة على العبادات المعروفة المعينة، بل إن الأجر والثواب الذي رصده الله تبارك وتعالى للأعمال المثمرة اجتماعيا أكثر بكثير مما ورد في الطقوس العبادية المفروضة كما في الحديث (إن إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام) لان فيه حفظ وحدة المجتمع وتآلفه وتماسكه، أو ما ورد في فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باعتبارها تؤدي وظيفة اجتماعية من أنها بها تقام السنن وتحفظ الفرائض وتحل المكاسب وتأمن الطرق وغيرها.

وهذه الفعاليات سميتها (الواجبات الاجتماعية) بدلاً من (الواجبات الكفائية) بحسب المصطلح المشهوري لأن الشارع المقدس كما لحظ الفرد كفرد وخاطبه بتكاليف كالصلاة والصوم والحج، فإنه لحظ الأمة ككيان واحد وكلفها بتكاليف، ومثل هذا اللحاظ موجود في أحاديث كثيرة كتشبيه الأمة بركاب السفينة فلا يحقّ لأحدهم أن يتصرف كفرد ويقلع خشبته ويقول هذه ملكي لان النتيجة غرق الجميع، بعض الأحاديث يشبه المؤمنين بالجسد الواحد إن اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى.

ومن هذه الواجبات التي خوطبت بها الأمة كان هو العمل السياسي لإيصال

ص: 331

الثلة الصالحة إلى قيادة البلد وإدارة مفاصله وهو أهم الواجبات الشرعية كما دلت الآية الشريفة على أن نصب القيادة الصالحة للأمة تعدل كل أعمال الشريعة الأخرى [يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَه] (المائدة:67) لذلك كان موقفنا من دعم العملية السياسية بهذه القوة، وكانت فتوانا أقوى الفتاوى حيث جعلنا وجوب المشاركة في الانتخابات أهم من وجوب الصلاة والصوم؛ لأن وجود الحكومة الصالحة هو الذي يحفظ الصلاة والصوم، و إذا كان على رأس السلطة أشرار منحرفون فاسدون فإنهم سيحاربون الصلاة والصوم، كما رأينا من أفعال صدام وعانيتم انتم من بطش وقسوة الشاه المقبور حتى انه منع النساء من ارتداء الحجاب الذي هو أوضح الشعائر والشعارات الإسلامية.واندفعت الأمة للمشاركة في الانتخابات بشكل مثير للإعجاب والفخر وأذهل العالم طاعة لمرجعياتها ووصل به عدد من الإخوة إلى البرلمان وشكلوا حكومة.

وهنا ينفتح السؤال : هل إن أداء الإخوة الذين انتخبناهم كان بمستوى ذلك الدعم والطرح القوي و الأهداف التي تأملتها المرجعية منهم وحماس الجماهير المنقطع النظير؟ أقول بكل أسف: لا وهذا الشعور بخيبة الأمل لا اختص به أنا بل هو شعور عام لدى كل المرجعيات الدينية، وليس الآن بل حتى قبل الانتخابات الأخيرة، لذلك لم تكن متحمسة لدعم الائتلاف، فيها وربما سمعتم منهم هذا خلال زيارتكم لهم، وأنا حينما أتحدث معكم بهذا الكلام لا اعتبره إدخالا للأجنبي في شؤوننا الداخلية لأنني اعتبر الشعبين العراقي والإيراني

ص: 332

واحدا لانتمائهم إلى مدرسة أهل البيت الرصينة وقوة و شائجهم الاجتماعية والتاريخية، ولو كان غيركم لما تحدثت معه بهذا لأنه أمرٌ يخصنا وعلينا أن نصلحه فيما بيننا.فتجربة الإخوة في الحكم كانت مزيداً من التداعيات والأداء السيئ والتنازلات المهينة، والسكوت عن الظلم و الاستمرار في حالة الخراب والفقر والحرمان والاضطهاد والاستئثار بالثروات، وعدم المبالاة بالناس، ووقعت المرجعية في حرج شديد أمام جماهيرها لأنها لا تستطيع أن تبرر لهم أفعال السلطة التي دفعت الجماهير لانتخابها بكل تلك القوة والحماس.

إن الإخوة في الحكم يستعملون المرجعية كورقة رابحة يحققون بها مآربهم الشخصية، وبعد أن يحصلوا عليها لا يكترثون لأقوالها، ومثل هذا الشعور بالخيبة و الإحباط لدى المرجعية يدفعها إلى رفع اليد عن دعم العملية السياسية؛ لأنها لا تستطيع أن تكون مظلّة شرعية لعملية منحرفة ظالمة، ولا يصح منها أن تكون أداة لكي يحقق بها المستأثرون مآربهم على حساب المستضعفين والمحرومين الذين ضحوا بأرواحهم وتحملوا الإرهاب والقتل وخرجوا إلى صناديق الاقتراع ليجلسوا هؤلاء المستأثرين الأنانيين الذين لا يفكرون بالشعب على أرائك الحكم والسلطان !! وإذا حصلت مثل هذه النتيجة ورفعت المرجعية يدها عن دعم العملية السياسية فإن كارثة ستحل بمصير هذه الطائفة المحرومة.

نحن نعتقد أن الائتلاف العراقي الموحد ليس حاجة آنية أريد منها الفوز بعدد من المقاعد في البرلمان أو تحصيل اكبر عدد من المواقع في السلطة، بل هي حاجة ستراتيجية لضمان حقوق مسلوبة منذ ألف و أربعمائة عام لا تقتصر

ص: 333

على السياسية فقط، بل تشمل الثقافية والاجتماعية والدينية والأخلاقية والاقتصادية فلا يجوز للإخوة في الائتلاف أن يفرطوا بوحدته وعزته وقوته، وأن يكون أداؤهم بمستوى الآمال التي عقدت عليهم وان لا ينحرفوا عن الأهداف التي من اجلها شكل الائتلاف.لقد بذل أبناء المرجعية الرشيدة أقصى الجهود في دعم قائمة الائتلاف، وكانوا من أكثر الفئات حماساً لكسب أصوات الناخبين فأداروا المراكز الانتخابية في المناطق الساخنة، و ذهبوا بصناديق الاقتراع إلى أقصى نقاط البادية والصحراء الغربية ليضيفوا كل صوت ممكن إلى قائمة الائتلاف، فيجب أن تحفظ حقوقهم وتحترم جهودهم وإلا فستحل كارثة حقيقية والعياذ بالله.

وشكر السيد وزير الخارجية سماحة الشيخ على حسن ظنه ونظرته العلمية للتطورات في العراق، وأكد أهمية القضية التي تحدث عنها سماحته وأردف قائلاً إنني سمعت كلمة من الإخوة في الائتلاف تقول إن الحكومة يمكن إذا سقطت أن يشكل الائتلاف حكومة أخرى، ولكن إذا سقط الائتلاف فمن يمكن أن يشكل حكومة؟!

وتفاءل من خلال النظرة التي وجدها لدى سماحة الشيخ بالمحافظة على الوحدة وتعزيز الانسجام بين فئات الشعب العراقي وقال : نحن لا نريد أن نتدخل في الشأن العراقي بل نتمنى القوة والرفعة و التقدم للعراق كما نتمناه لإيران.

وفي ختام اللقاء وجه السيد وزير الخارجية دعوة إلى سماحة الشيخ اليعقوبي لزيارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الفرصة التي يراها مناسبة،

ص: 334

وبعث سماحة الشيخ بواسطة السيد وزير الخارجية برسالة إلى سماحة آية الله السيد علي الخامنئي قائد الثورة الإسلامية في إيران (دام ظله الشريف) عبّر فيها عن مشاعره الطيبة الصادقة تجاه قيادة وشعب الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

ص: 335

خطاب المرحلة 119 :فضل العراق والحوزة العلمية على العرب وآداب اللغة العربية

اشارة

استقبل سماحة الشيخ اليعقوبي السيد مختار لماني مبعوث السيد عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية و الوفد المرافق له(1) حيث شرح لسماحته في بداية اللقاء هدف الزيارة وهو الاستماع للأطراف المؤثرة في الساحة العراقية لإنجاح مؤتمر الوفاق العراقي الذي سيعقد لاحقا بإذن الله تعالى من اجل إخراج العراق من محنته.

وقد شكره سماحة الشيخ اليعقوبي على مجيئه و اهتمامه بالقضية العراقية في حين تخلف الأكثر عن الحضور و مؤازرة العراقيين أو مساعدتهم للخروج من محنتهم رغم أن هذا واجب إنساني وإسلامي وعربي؛ لأن العراق كان من المبادرين لنصرة القضايا العربية المحقة حتى وهو في اشد فترات معاناته من الظلم والبطش والحرمان فانه لم يتخلف عن المشاركة الوجدانية و الميدانية في أحداث إخوته وقضاياهم سواء في المغرب أو الجزائر أو تونس أو ليبيا أو مصر أو فلسطين أو سوريا، و لعلمائنا و شعرائنا مواقف وقصائد في رجالات هذه البلدان فلجدي الشيخ محمد علي اليعقوبي المتوفى عام 1965 ديوان شعري

ص: 336


1- كان ذلك يوم الأربعاء 3/ج1/ 1427 المصادف 31/ 5/ 2006.

كامل في (جهاد المغرب العربي)، وقصائده في عبد الكريم الخطابي وعبد القادر الجزائري وعمر المختار من أرق نظمه لعمق تفاعله، و أما فلسطين فكان تفاعلها في الوجدان الشيعي والنجفي أكثر من أي بلد آخر. وكانت الحوزة العلمية الشريفة وشعراء الشيعة في حواضر العلم والأدب كالنجف وكربلاء والحلة وبغداد هم رواد الأدب العربي ومفاخره، وفي الوقت الذي كانت تعيش المدن العربية الأخرى كدمشق و القاهرة والحجاز وفاس و طنجة (الفترة المظلمة) في العهد العثماني كما يقسمونها ضمن عصور الأدب العربي، كانت الحواضر الشيعية مزدهرة بسوق الأدب وبرز المئات من كبار الشعراء والأدباء في تلك القرون منهم وخلّدتهم معاجم الرجال والأدب، وبلغ عندهم سمو المعنى ولطافة السبك درجة بحيث إذا أراد نقّاد الأدب أن يمدحوا شاعرا فإنهم يقولون (كان يترفض في شعره) أي ينحو منحى الرافضة –وهم الشيعة في مصطلحهم – في هذا الرقي.

هذا هو فضل الشيعة والحوزة العلمية على العرب و اللغة العربية فكيف يجوز لرئيس اكبر دولة عربية أن يشكّك في ولائهم لبلدانهم ويقول إنهم موالون لدول غير عربية(1) ، وأنا المتحدث معك احد مراجع الدين في النجف الأشرف وأنا عربي أصيل أرجع إلى قبيلة الأوس الأنصارية التي آوت رسول الله (رض) ونصرته ، وهذا أبو جدي الشيخ يعقوب المولود في النجف الأشرف عام (1853) يصف النجف الأشرف في أبيات شعرية له أنها) (موطن

ص: 337


1- إشارة إلى تصريح رئيس جمهورية مصر العربية السابق حسني مبارك بأن الشيعة في الدول العربية يوالون إيران وليس أوطانهم التي ينتمون إليها.

آبائي وأجدادي) فقال (رحمه الله)

مواطن آبائي بها وأحبتي *** وفيها معاني أسرتي وسراتي

فمن تربها أصلي ومبدأ نشأتي *** وأرجو بها مثواي بعد وفاتي(1)

فهل توجد أصالة وانشداد إلى العروبة أكثر من هذه ؟

إن هذا التصريح من رئيس دولة عربية مهمة قد يكون سبق لسان – كما قالوا – أو أي تبرير آخر، لكننا نعتبره تحريضاً للإرهابيين القتلة المجرمين على الشيعة بعد أن اعتبرهم دخلاء وعملاء للأجنبي، وهو ما لا يتوقعه العراقيون من إخوانهم فإذا أردنا أن ننجح في حفظ وحدتنا العربية ويكون للعرب دور مثمر في العراق فلابد من تجنب هذا الخطاب التحريضي الطائفي.

إن عقد المؤتمرات وحده غير كاف في حل مشاكلنا والشاهد على ذلك كثرة المؤتمرات التي تعقد من دون نتيجة تذكر ، أن أساس النجاح هو الصدق و الجدّية في إرادة الحل ومعالجة المشاكل، أما بقاء كل طرف على تَعنُّتِه وتعصبه لرأيه واستئثاره بالخير كله لنفسه الذي هو طبع للنفس الأمارة بالسوء [وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحّ] (النساء: 128) فلا ينفع ألف مؤتمر، وإن هذا الاستئثار والتفرد و الديكتاتورية و إلغاء الآخر وفرض الرأي عليه هو الذي يؤجج الصراعات ويدفع الآخر إلى فعل كل شيء حتى الأفعال الإجرامية ليثبت ذاته و ينال استحقاقه.

وقد فهمت من كلامكم إنكم اكتشفتم من خلال لقاءاتكم المتعددة

ص: 338


1- ذكرها سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) في كتابه عن والده (الشيخ موسى اليعقوبي : حياته – شعره).

بأطراف المشكلة العراقية إجماعهم على رفض هذه الحالة واقتناع الجميع بضرورة الشراكة و الاقتسام وهذه نتيجة طيبة تدفعنا إلى التفاؤل في تجاوز المحنة و معالجة أسبابها . وهذا الشعور بالحاجة إلى الشراكة والاقتسام هو التفكير الصحيح والطبيعي فمن الغريب أن يغفل الإنسان عن حقيقة واضحة وهي أن الله تبارك وتعالى لما خلق البشر فانه جعل لهم في الأرض خيرات تكفيهم وزيادة ولكن عدم العدالة والظلم في التوزيع يسبب المشكلة قال أمير المؤمنين (ما جاع فقير إلا بما مُتَّعِّ به غني) فلولا أن أوربا تحرق اللحوم وترمي الفواكه في البحر لتحافظ على الأسعار لما جاعت أفريقيا ومات الملايين بسبب سوء التغذية.إن ما نعانيه في العراق له أسباب ومناشئ عديدة بعضها داخلية نابعة من الظروف التي مر بها الشعب العراقي، وبعضها خارجي يعود إلى أجندات الدول الإقليمية والكبرى، فالخطوة الأولى على طريق الحل يبدأ من تشخيص هذه الأسباب وفتح ملفات لكل منها وتعكف لجنة متخصصة على دراسة كل ملف على حدة وليقل كل طرف ما عنده من هواجس ومشاعر ومخاوف ومبررات ومطالب لتنقيحها وتحليلها من اجل الوصول إلى الحلول و التوصيات المناسبة، فربما حمل بعضهم السلاح خوفاً على هويته ووجوده، وآخر لشعوره بالإقصاء وعدم إعطائه الحق في المشاركة في العملية السياسية، والآخر لمقاومة المحتل وردعه عن عدوانه وظلمه وغطرسته واستخفافه بالمحرمات وهكذا، ولإتمام ذلك فلابد أن يبقى عمل هذه اللجان مفتوحاً من دون تحديد سقف زمني لعمل المؤتمر ولجانه، فإن تحديد زمن المؤتمر بيومين أو ثلاثة كمؤتمر

ص: 339

القاهرة(1) لا يمكّن المشاركين من انجاز مهامهم. إن حالة العنف التي تغطي ساحة العراق بصورتها القائمة المقزّزة طارئة على الشعب العراقي وثقافة غريبة عليه، وقد عاشت طوائفه وأعراقه قروناً من الألفة والتسامح والشراكة لم ينغصها هذا الجنون و التوحش والولع في سفك الدماء إلا من العصابات الإجرامية كالصداميين الأشرار والتكفيريين المتحجرين، لذلك إذا عزل هؤلاء القتلة فإن جميع مكونات الشعب العراقي قادرة على الحوار وحل المشاكل.

كما أن وجود الاحتلال سبب رئيسي لبقاء الفوضى والعنف والخراب فلا بد من إنهائه في أقرب وقت، وإذا كان عذرهم في عدم قبول جدول زمني للانسحاب باعتبار أن وجودهم مربوط باستقرار الوضع والقضاء على العنف وقدرة القوات المسلحة العراقية على مسك الملف الأمني وهذا غير محدد بزمن، فيلزم الدور في هذا المطلب، فنحن نصوغ المطلب بصورة معقولة وهي المطالبة بجدول زمني لبناء قوات مسلحة عراقية مستعدة عُدة وعدداً لبسط الأمن وسلطة القانون على جميع الأراضي العراقية وننهي بذلك ذريعة وجود الاحتلال، ومثل هذا الجدول الزمني ممكن لأنه مرتبط بمصداقية الأطراف المعنية في استعادة سيادة العراق و حريته وقوته .

ص: 340


1- أقيم هذا المؤتمر في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة عام 2005 بحضور رئيس الجمهورية جلال الطالباني ورئيس الوزراء آنذاك الدكتور إبراهيم الجعفري وممثلين عن جملة من الأطياف السياسية والتيارات الدينية والعرقية وبعض الشخصيات في العراق وقد تقدمت الإشارة إليه.

وقد أبدى الوفد الضيف إعجابه بهذه الأفكار وقدم سماحة الشيخ اليعقوبي بعضاً من كتبه تتحدث عن دور الأئمة والمرجعية في حياة الأمة.

ص: 341

تأييد مرجعي وجماهيري لمراسم إحياء ذكرى شهادة الصديقة الطاهرة (عليها السلام)

تأييد مرجعي وجماهيري لمراسم إحياء ذكرى (1) شهادة الصديقة الطاهرة (عليها السلام)

قامت اللجنة التحضيرية المركزية لإقامة شعائر ذكرى شهادة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (علیها السلام) في النجف الأشرف بزيارة إلى عدد من مراجع الدين العظام في النجف الأشرف وكربلاء المقدسة، وقدموا بخدمتهم شرحاً لهذا المشروع الذي يراد له أن يظهر الأجواء اللائقة بهذه الفاجعة الكبيرة ولاستلهام المواقف العقائدية البطولية التي حفظت من خلالها الصديقة الطاهرة (علیها السلام) المسار الصحيح للإسلام العظيم ووضعت للأمة معالم تدله على هذا الطريق، وقد رحّب العلماء الإعلام بهذه الحركة المباركة وتمنوا لها النجاح.

كما أبدى رؤساء العشائر ووجهاء النجف الأشرف استعدادهم لخدمة زائري أمير المؤمنين (علیه السلام) الوافدين من مختلف المدن العراقية وبذل الوسع لإخراج المناسبة بالشكل اللائق، وقد أصدرت اللجنة عدداً من التوجيهات لتنظيم هذه المناسبة ومنها :

1-تشكل لجان محلية في كل محافظة من المكاتب الدينية والسياسية والاجتماعية و العشائرية؛ لتوفير وسائل النقل وجمع التبرعات والحقوق الشرعية لتغطية التكاليف والمحافظة على أمن المواكب وتنظيم حركتها وإقامتها في النجف الأشرف .

ص: 342


1- نُشر في العدد (43) من صحيفة الصادقين التي صدرت بتأريخ 15/حزيران/2006

2-ستبدأ فعاليات المناسبة في الساعة العاشرة من صباح يوم الخميس 3/ج2/ 1427 المصادف 29/ 6/ 2006 بإذن الله تعالى في ساحة ثورة العشرين في النجف الأشرف وتنتهي في الصحن الحيدري الشريف .

3-لأبناء المدن الجنوبية البعيدة المجيء بإذن الله تعالى مساء الأربعاء، وستقدم لهم خدمات الضيافة والإطعام في سرادقات منصوبة في ساحة الصدرين في مدخل مدينة النجف الأشرف من جهة الكوفة .

4-ستقدم وجبات طعام الغداء للزائرين الكرام يوم الخميس في مناطق متعددة من مركز مدينة النجف الأشرف .

5-تقتصر شعارات ومراثي المواكب على المعاني المستوحاة من الحركة الرسالية للصديقة الطاهرة س ومن كلمات أبيها الرسول العظيم ص وأمير المؤمنين ع في حقها . ويمنع رفع أي صورة أو اسم لشخصية أو جهة معينة مهما كانت .

6-ضرورة الالتزام بالأخلاق العالية والسلوك النظيف الذي يميّز أتباع أهل البيت ع ويليق بهذه المدينة المقدسة .

ص: 343

إحياء مراسم العزاء الفاطمي في النجف الأشرف

لبّى عشرات الآلاف من عشاق الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (علیها السلام) دعوة المرجعية الرشيدة لإقامة سُنّة شريفة بجعل ذكرى شهادة الزهراء فاطمة يوم الثالث من جمادى الثانية زيارة لأمير المؤمنين وتقديم التعازي له بهذه الفاجعة الأليمة، وقد بدأ الآلاف من التوّاقين لنيل شفاعة الزهراء س من محافظات بغداد والبصرة والناصرية والعمارة بالتوافد على النجف الأشرف منذ عصر الأربعاء الثاني من شهر جمادى الثانية، وباتوا ليلتهم في سرادقات أُُعدت لهم، ثم التحقت بهم مواكب العزاء من أنحاء العراق صباح يوم الخميس الثالث من الشهر الموافق 29/ 6/ 2006 وابتدأت المراسم في تمام الساعة العاشرة صباحا بتلاوة آياتٍ من الذكر الحكيم. ثم ألقى سماحة آية الله الشيخ اليعقوبي خطاباً بالآلاف المحتشدة في ساحة ثورة العشرين ثم حمَل طلبة العلوم الدينية والفضلاء من السادة العلويين نعشاً رمزياً للصديقة الطاهرة (ع) وتبعهم عموم الفضلاء و طلبة العلوم الدينية في الحوزة العلمية في النجف الأشرف وفروع جامعة الصدر الدينية في مختلف المحافظات، وتلتهم مواكب المحافظات في منظر حزين مهيب، وانتهت المسيرة عند الصحن الحيدري الشريف .

وقد كان المشاركون على درجة عالية من الانضباط وحسن السلوك وطاعة النظام مما جعلهم موضع إشادة وثناء من أبناء مدينة النجف الأشرف ووجهائها وشيوخ عشائرها الذين بذلوا جهوداً مشكورة في تقديم الخدمات وحسن

ص: 344

الضيافة لزائري أمير المؤمنين ع، وكذا قامت الدوائر الرسمية المعنية بالخدمات والأمن وتنظيم المرور بوظائفها خير قيام، فظهرت المناسبة بصورة رائعة من التنظيم والتعاون يمكن أن تكون نبراساً لتنظيم الزيارات والمناسبات المليونية الأخرى . نسأل الله تعالى بحق الزهراء (علیها السلام) أن يتفضل على الجميع بالقبول والجزاء الحسن وأن يفرج الكرب والبلاء عن هذا الشعب المظلوم ويحقق أمانيهم في الدنيا والآخرة .

ص: 345

خطاب المرحلة 120 :فاطمة الزهراء: ميزان الحق

خطاب المرحلة 120 :فاطمة الزهراء: ميزان الحق(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

[إنّا أَعطَينَاكَ الكَوثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانحَر، إنَّ شانِئَكَ هُ-و الأبتَر]

السلام عليك يا رسول الله، السلام على أمين لله على وحيه وعزائم أمره. الخاتم لما سبق والفاتح لما استُقبِل والمهيمن على ذلك كله ورحمة الله وبركاته.

السلام عليك يا سيدي يا أمير المؤمنين ومولى المتقين علي بن أبي طالب ورحمة الله وبركاته.

عظّم الله لكما الأجر باستشهاد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (علیها السلام) ويهنيكم اجتماعكم في المقام المحمود في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر.

يا سادتي إن قلوب المؤمنين حرّى، وجمرة حزنهم ولوعة مصابهم متّقدة لا

ص: 346


1- نص الخطاب الذي ألقاه سماحة الشيخ اليعقوبي على الآلاف من عشّاق الزهراء الذين تجمّعوا من مختلف المدن العراقية في ساحة ثورة العشرين في النجف الأشرف ليقيموا العزاء الفاطمي في ذكرى شهادة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) يوم الخميس 3/جمادى الثانية/1427 المصادف 29 / 6 / 2006 ، تلبية للدعوة التي أطلقها سماحته بسن زيارة مخصوصة لأمير المؤمنين (عليه السلام) في ذكرى استشهاد السيدة الزهراء (عليها السلام).

تنطفئ أبداً حتى ينتصف المظلوم من الظالم ويعود الحق إلى أهله ويرثَ الأرض ومن عليها عبادُ الله الصالحون أو يختار الله لنا لقاءكم ومرافقتكم.أيها الأحبة :

لا يعرف قدر فاطمة إلا خالقها حين جعلها من أهل البيت الذين أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وإلا أبوها رسول الله (صلی الله علیه و آله) الصادق الأمين الذي قال فيه الله تبارك وتعالى:[وَمَا يَنطِقُ عَن الهَوَى، إنْ هُوَ إلا وَحيٌ يُوحَى] (النجم:3-4) [وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ، لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ] (الحاقة: 44-46) الذي قال فيها (فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها) وقال (صلی الله علیه و آله) مخاطباً إياها (إن الله يغضب لغضبكِ ويرضى لرضاك)، فهي ميزان الحق وبها يُعرف طريق الهدى ويُنال رض الله تبارك وتعالى، فلا يصل إلى الهدف المنشود من لم يوالي فاطمة ويسير على نهج فاطمة ويجعل فاطمة معياراً لتمييز الحق من الباطل، وهكذا أرادها الله تعالى ورسوله الكريم أن تكون للأمة حتى لا تضلّ وتشتتها الأهواء.

لكن الأمة الغافلة الطائعة لهواها المستسلمة إلى أمراضها النفسية وعُقَدِها الاجتماعية أعرضت عن هذا كله، ولم تصغِ إلى موعظة الزهراء وتذكيرها وإنذارها لهم بين يدي عذاب شديد (فنعم الحكَم الله والزعيم محمد ص والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون ولا ينفعكم إذ تندمون، ولكل نبأ مستقرٌ وسوف تعلمون من يأتيه عذابٌ يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم) وقالت (علیها السلام) (ويحكم أفمن يهدي إلى الحق أحقُّ أن يُتّبع أمن لا يهدِّي إلا أن يهدى فمالكم كيف تحكمون؟! أمَا لعمري لقد لُقِحتْ، فَنَظِرَةٌ ريثما تُنتج، ثم احتلبوا

ص: 347

ملء القُعب دماً عبيطاً وذعافاً مبيداً، هنالك يخسر المبطلون ويعرف التالون غبَّ ما أسس الأولون، ثم طيبوا عن دنياكم نفساً، وطامنوا للفتنة جأشاً، وأبشروا بسيفٍ صارم، وسطوة معتدٍ غاشم، وبِهَرَجٍ شامل، واستبداد من الظالمين يدع فيئكم زهيداً، وجمعكم حصيداً فيا حسرتا لكم! وأنّى بكم وقد عميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون).فصدقَ عليهم قول رب العزة والجلال [وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ] (آل عمران: 144).

بل عدَتِ الأمة على دارها التي شرّفها الله تبارك وتعالى وأغلق جميع الأبواب الشارعة إلى مسجد النبي (صلی الله علیه و آله) إلا بابها، ولم يكن رسول الله (صلی الله علیه و آله) يدخل إلى هذه الباب إلا بعد الاستئذان إعلاء لشأنها، فأحرقوا الباب وضربوا سيدة نساء العالمين وأسقطوا جنينها واغتصبوا إرثها من أبيها، ونكثوا بيعة أمير المؤمنين (علیه السلام)، فخرجت مطالبة بحقها مدافعةً عن إمامها وقائدها الحق فاضحة للأئمة المتقدسين الذين خدعوا الأمة بمعايير زائفة، وخلّفوا وراء ظهورهم ميزان الحق: فاطمة الزهراء مظهر الرضا والغضب الإلهي بنصّ الأحاديث النبوية الشريفة المتقدمة.

ولم تسكت الزهراء عن الظالمين والمنحرفين والفاسدين والمتاجرين بالدين والمتسلطين على رقاب الأمة بغير حق، وخلّدت هذه الثورة بتساؤلات تدفع كل باحث عن الحقيقة إلى التحقيق والتمحيص حتى يهتدي بنور فاطمة، لماذا تغادر فاطمة الدنيا وهي ابنة ثمانية عشر عاماً في عمر الزهور؟

ص: 348

ولماذا تدفن سراً في الليل ولا يحضر دفنها كل أصحاب أبيها عدا عدد الأصابع ممن اختارتهم هي وأمير المؤمنين! ولماذا يُعفى موضع قبرها؟ أي جريمة ارتكبتها الأمة في حقها وحق أبيها حتى حُرِموا من هذه النعمة؟ وهل يمكن أن يكون جزاء النبي (صلی الله علیه و آله) في وديعته هذا الصنيع وهو القائل لأمته بنصّ القرآن الكريم) [قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى] (الشورى23).

أيها الأحبة:

إن احتفالنا بذكرى استشهاد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء ليس إثارةً لتأريخٍ مضى وأصبح إرشيفاً، وإنما يعني الاهتداء لطريق الحق الذي رسمته ورضيت عنه صلوات الله عليها ما دام رضاها علامة على رض الله تبارك وتعالى ورفضها دليلا على غضبه سبحانه.

ويعني العودة إلى التوحيد الخالص والتحرر من عبودية الذات والأطماع والهوى والأنانية والمصالح وطاعة الطواغيت وتقديس السلف وغيرها من الأصنام التي تغلّ العقل والقلب عن الانفتاح على الحرية الحقيقية.

ويعني رفض الظلم والفساد والانحراف والتسلط على رقاب الأمة بغير حق.

ويعني الوحدة الحقيقية للأمة تحت راية القيادة الحقّة حيث قالت س (وجعل الله طاعتنا نظاماً للملّة وإمامتنا أماناً من الفرقة).

ألا ترون إلى هذه البشرية الضالة التائهة التي مزّقتها الحروب وتفشّى فيها القتل، ونحن في العراق نفقد يوميا العشرات من الأبرياء ولم تنفع ألف مصالحة وطنية ومؤتمر للوفاق وآخر للحوار ومؤتمرات للوحدة وغيرها من الأسماء

ص: 349

والمسميات الخاوية لأنها غير مبتنية على أساس صحيح؟ ولأنها لا تصدر عن نوايا صادقة ولا تراعي المبادئ الإنسانية العليا، وإنما تُقَنن لترعى المصالح الشخصية والفئوية وترسخ الأنانيات وتحكّم شريعة الغاب حيث لا مكان إلا للعنف والعدوان والظلم.يا أحباب الزهراء:

إنكم بفعاليتكم المباركة هذه تسنّون للأجيال القادمة شعيرة مقدسة نحيي فيها كل معاني الحركة الرسالية لفاطمة الزهراء (علیها السلام)، ونجدد قضية الزهراء لنعرضها للعالم، فقد آن الأوان إلى أن تُنصِف الأمة فاطمة الزهراء، وكفى الإهمال والتضييع لأكثر من ألف وأربعمائة عام، فاصبروا وصابروا وجاهدوا لترسيخ هذه السُنة الشريفة فإن الإمام الصادق (علیه السلام) عدّها من أقسام الجهاد قال (علیه السلام) (وأما الجهاد الذي هو سنّة فكل سنّة أقامها الرجل وجاهد في إقامتها وبلوغها وإحيائها فالعمل والسعي فيها من أفضل الأعمال لأنها إحياء سنة وقد قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) من سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيء).

فلنبدأ من اليوم عملاً دؤوباً مستفيدين من كل وسائل الاتصال والإعلام والتبليغ لنعرّف البشرية جميعاً طريق الحق الذي رسمته فاطمة الزهراء (علیها السلام)، وستلقون من الله تبارك وتعالى تأييداً ونصرةً وقبولاً، فإنكم ترون العالم اليوم مقبلاً على تعاليم أهل البيت السامية وقد فتح أعينه على إسلام جديد غير الصورة البشعة التي سنّها من ظلمَ الزهراء (علیها السلام) وغصَبها حقها وسار على نهجه من هم على شاكلته إلى اليوم .

ص: 350

ففرص الهداية إلى طريق الحق اليوم عظيمة فاغتنموها ببركة قضية الزهراء.وتذكّروا قول النبي (صلی الله علیه و آله) لعليّ (ع) مرغّباً (يا علي لئن يهدي الله بك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس وما غربت).

يا شيعة أمير المؤمنين وكفى بهذا العنوان فخراً وعزّاً.

اجتمعنا هذا اليوم هنا في ارض النجف الشريف لنعزّيَ أمير المؤمنين (علیه السلام) الذي جلس في مثل هذا اليوم على قبر الزهراء يخط التراب بأنامله، وقد فاضت عيناه بالدموع وهو يقول: (السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك النازلة بجوارك والسريعة اللحاق بك. قلَّ يا رسول الله عن صَفّيتك صبري، ورقَّ لها تجلدي، إلا أن لي في التأسي بمصيبتك موضع تعزٍ إذ وسّدتك في ملحودة قبرك بيدي وفاضت نفسك بين نحري وصدري.

بلى، وفي كتاب الله لي أنعُم القبول. إنا لله وإنا إليه راجعون. لقد استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة واختُلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء.

يا رسول الله، أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمُسهّد، وهمٌّ لا يبرح من قلبي، أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم.

وستنبئك ابنتك بتضافر أمتك على هضمها، فأحفّها السؤال واستخبرها الحال، فكم من غليلٍ معتلجٍ بصدرها، لم تجد إلى بثه سبيلا، وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين. فبعين الله تدفن ابنتك سرّاً، وتهضم حقّها، ويمنع إرثها، ولم يتباعد العهد، ولم يخلُ منك الذكر، وإلى الله يا رسول الله المشتكى، وفيك يا رسول الله أحسن العزاء، وصلى اللهُ عليك وس والرضوان. فإن أنصرف فلا عن ملالة وإن أُقِم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين).

ص: 351

يا أحباب الزهراء، أيها التوّاقون لشفاعتها والمفجوعون بمصيبتها.

قوموا لنرفع الظُلامة عن فاطمة الزهراء وننصرها ونظهر عزّتها وكرامتها ونشيّعها نهاراً جهاراً، ولنرغم أنوف ظالميها وشانئيها، وتوسّلوا إلى الله تعالى بفاطمة الزهراء لقضاء حوائجكم، وأن يكشف البلاء عن هذا البلد الكريم وشعبه الأبيّ، وأقسِموا على الإمام المهدي الموعود (عجّل الله فرجه الشريف) بجدّته فاطمة، فإنه لا تُردُّ لكم حاجة، وأسأل الله تعالى أن لا يضيّع لكم جهداً أو عناء ويدخلكم في شفاعة الزهراء حين تلتقط شيعتها ومحبّيها يوم المحشر كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديء ولا يشفعون إلا لمن ارتضى.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيد خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين.

ص: 352

خطاب المرحلة 121 :إذا لم يحترق السياسيون بالنار فإنهم لا يحلّون مشاكل البلاد

اجتمع عدد من طلبة جامعة الصدر الدينية في النجف الأشرف عند سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) (1) عقب الحادث المروع الذي وقع في الكوفة صباح ذلك اليوم حيث قام مجرم بتفجير سيارته في مجمع للعمال فقتل أكثر من ستين وجرح أكثر منهم، وقد تساءل هؤلاء الطلبة عما يمكن عمله لحل هذه المشكلة فقال سماحته:

أن الحل متوقف على قناعة السياسيين المتصدين للحكم وصدقهم في إرادة الحل، أما إذا بقوا على سلوكهم الحالي الذي لا يبالي بأرواح المواطنين ولا بتخريب البلد، والمهم عندهم سرقة أموال الشعب ومداراة مصالحهم الشخصية والحزبية فإنه ستبقى المشكلة.

وحينما أقول هذا فإنه لا يعني أن هؤلاء السياسيين الذين لا يفترقون عن أمراء الحرب الذين شهدناهم في عدة دول من العالم في العقود الأخيرة يمتلكون الحل، فإنهم عاجزون عن قيادة أنفسهم وكبح جماح شهواتهم وأهوائهم ومطامعهم فكيف يحلون مشاكل الناس ويصلحون حالهم، وإنما

ص: 353


1- يوم الثلاثاء 22/ج2/ 1427 المصادف 18/ 7/ 2006.

أقول هذا لأنهم سبب المشكلة ومتى ما جنبونا شرورهم فإن الأمور ستعود إلى نصابها فهم سبب المشكلة لا سبب الحل، وقد رأينا كيف أن قناعة الفرقاء في الحرب الطائفية في لبنان بعد خمسة عشر عاماً من قتل العباد وتخريب البلاد أنهت الحرب في يوم واحد عندما اجتمعوا في الطائف.ومن النفاق و الاستخفاف بمشاعر الناس اجتماع هؤلاء السياسيين على موائد الطعام الفاخرة التي تظهرها شاشات التلفزيون في حين يتضور الملايين جوعا وبلا مأوى وتراهم يتبادلون الضحكات وأحياناً القبلات ، إذن فلمن تنتمي هذه الجماعات المسلحة التي تنشر القتل والدمار والرعب في الشارع ومن الذي يؤويها ؟ ومن الذي يقدم الدعم المادي واللوجستي؟ ومن الذي يدافع عنهم حينما يقعون في أيدي القضاء ويضغط لإصدار العفو عنهم ؟ في حين يقع الأبرياء في السجون ظلماً و عدواناً من دون أن يدافع عنهم احد.

فما دامت النار لم تحرق هؤلاء السياسيين ولم تضُر بمصالحهم الشخصية وتبقى مقتصرة على الأبرياء البائسين، فإنهم سوف لا يحلون المشكلة وسيبقون يطمعون في تحقيق مكاسب أكثر على حساب الفرقاء الآخرين باستمرار هذه الويلات والكوارث، وهذا من شر البلاء الذي ابتلينا به أن يفتقد هؤلاء لكل المشاعر الإنسانية والإسلامية والوطنية ولكل حرص على المواطن ورحمة بالضعفاء والمساكين والمحرومين.

أننا الآن لسنا بصدد بيان سيناريوهات الضغط على السياسيين لكي يجتمعوا ويحلوا المشكلة، وإنما نقول إننا نستطيع ذلك إذا تم حرمان الجهات السارقة لأموال الشعب وأمراء الحروب من هذه الثروة التي يسيل لعابهم لها ويسفكون

ص: 354

الدم الحرام من أجلها ونحوها من الخيارات التي أحلاها مرّ.ولكن قد لا يجد الشعب طريقاً أمامه بعد اليأس من إيجاد الحلول إلا ارتكاب أحداها (وما حيلة المضطر إلا ركوبها). وإنا لله وإنا إليه راجعون.

وفي نهاية حديثه أوصى سماحة الشيخ اليعقوبي الفضلاء وطلبة العلوم الدينية بتفقد عوائل الشهداء وزيارة المصابين والتبرع بالدم وتقديم المساعدات المادية والمعنوية والعينية.

ص: 355

خطاب المرحلة 122 :الشباب الجامعي والدعوة إلى الله تبارك وتعالى

خطاب المرحلة 122 :الشباب الجامعي والدعوة إلى الله تبارك وتعالى(1)

قبل ثلاثين عاماً تقريباً كان وفد من الشباب الجامعي في زيارة للسيد الشهيد الصدر الأول (قدس سره) فكان مما قال إنكم أفضل منا ، وقد تأثروا بكلامه واهتزت عواطفهم حماساً لكنهم لم يفهموا كيف يكونون هم أفضل من أفراد الحوزة العلمية الذين يكرّسون كل وقتهم لطلب العلم والتدريس والتأليف وحضور الاجتماعات الدينية والشعائر، وقد شرح (قدس سره) لهم المعنى بأننا نعيش في النجف والأماكن التي نتردد إليها: المسجد والروضة الحيدرية الشريفة والمدرسة الدينية وبيوت العلماء، ففرص الانحراف والدعوة إلى المعصية قليلة أو نادرة فإذا كنا لا نشتغل بهذه الوظائف الحوزوية فماذا نصنع وبماذا نقضي وقتنا.

أما انتم يا طلبة الجامعات فمحاطون بأجواء الفساد والانحراف والضغط الشديد للتأثر بالمعاصي، فالتزامكم بدينكم وسط هذه المعاناة وانتم في عنفوان الشباب وذروة اندفاعة النفس نحو إشباع الشهوات والمطامع يكون ذا فضل عظيم.

ص: 356


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع وفد (البيت الطلابي) الذين أقاموا حفلات التخرج الإسلامية في عدد من الجامعات العراقية في بغداد في نهاية العام الدراسي صيف عام 2006.

وأنا أتفق معه (قدس سره) في الجملة أي من بعض الجهات وهو ما قاله من الفخر بنجاح الشباب في امتحان الشهوات والمطامع، وإلا فإننا على علم بوجود أمراض قلبية ونفسية غير مرتبطة بالظروف يتعرض لها العلماء و طلبة العلوم الدينية وهي أكثر تأثيراً في البعد عن الله تعالى من تلك التي يتعرض لها الشباب من المعاصي الظاهرية. وعلى أي حال فلأجل هذه المعاناة ورد أن الله تبارك وتعالى يباهي الملائكة بالشاب الذي ينشأ في طاعة الله تبارك وتعالى . وينجح في هذا الجهاد الأكبر – لأن الملائكة جبلت على الطاعة وعبادة الله ولا تتجاذبها نوازع الشر والفساد كما في الإنسان حيث تحمل نفسه ميداناً لصراع مرير بين جنود الرحمن وجنود الشيطان.

فعمر الشباب فيه هذه الفرصة من الارتقاء والتكامل إذا لم يستثمرها الشاب وتجاوز الأربعين مثلي فإنه لا يحظى بنفس العناية والمباركة ؟ولماذا لا يستثمرها الشاب ؟ وماذا يخسر لو أصبح ملتزماً بدينه طاهراً في سلوكه عفيفا في جوارحه ؟ انه لا يخسر شيئا فكل احتياجاته ونوازعه كالجنس والمال والجاه مكفولة له بطرق محلله، ولم يخلق الله هذه الشهوات لتكون وبالاً بل خلقها رحمة وامتناناً ولمصالح تعود إلى الشخص نفسه.

أتذكر أن السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) قال في إحدى خطب الجمعة في الكوفة ما أصعب أن يبقى الإنسان على طريق الاستقامة في خضمّ التحديات والصعوبات التي تواجهه والحاجات التي عليه تلبيتها، ولكن ما أيسره بنفس الوقت لأنه لا يحتاج إلى أكثر من الإرادة، فإذا عزم وقويت إرادته هانت

ص: 357

عليه كل المصاعب. هذا بشكل عام و أما أمثالكم من الشباب الرسالي الذين لا يكتفون بإصلاح أنفسهم، وإنما يسعون لإصلاح مجتمعهم خصوصاً الوسط الجامعي المشحون بالإغراء و الفساد والانحراف فهذا يتطلب همماً عالية، وقد اطلعت على عدد من مشاريعكم الإصلاحية كإقامة حفلات التخرج الإسلامية في مقابل المهرجانات الصاخبة والماجنة التي تعود على إقامتها طلبة الصفوف المنتهية في الجامعات قبل تخرجهم وقد تضمنت احتفالاتكم برامج عفيفة وسامية.

إنكم حينما تشكون من ضعف العمل الإسلامي في الجامعات، فإنه لا يدل على تقصير في جهودكم بقدر ما يعكس طبيعة الرسالي الذي لا يتوقف عمله حتى يرى كل الناس قد اهتدوا إلى طريق الحق أسوة برسول الله (صلی الله علیه و آله) الذي كان يتمنى صلاح كل البشرية وهو أمر مستحيل عادة لأن بعض القلوب قاسية فهي كالحجارة أو اشد قسوة وبعض الآذان صماء وبعض العيون عمياء لذا خفف الله تعالى من آلامه وطيب من خاطره في عدة آيات [فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ – أي قاتل – نَفسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إنْ لَمْ يُؤمِنُوا بِهَذَا الحَدِيثِ أَسَفاً] (الكهف: 6) [لعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ] (الشعراء:3).

ولكن أوصيكم باتباع الحكمة في دعوتكم إلى الله تبارك وتعالى والوسائل المناسبة التي تفتح قلب الآخر وعقله، وتجنبوا طرق الاستفزاز و التي تدفع الآخر إلى العناد والاستكبار.

ومن الأساليب المناسبة أن تستثير في الآخر كوامن الخير وتشيد بالخصال الكريمة فيه وان قلّت لأنه حتى الإنسان الفاسق قد تجد عنده خصلة طيبة أو

ص: 358

أكثر كالرحمة بالآخرين أو النخوة و الشهامة في مساعدتهم، أو الاشمئزاز من إيذاء الناس، أو حب عمل الخير أو الشجاعة في الدفاع عن الحرمات وهكذا . فعلينا أن نثني على هذه الجوانب الايجابية فيهم ولا نركز على الزجر والتوبيخ والازدراء والوعيد فننفرهم. فإن قلة نادرة من البشر الذين هم شرّ محض ولا يحملون ولو صفة واحدة من الخير.دخل واعظ على المأمون وتحدث بلهجة قاسية فقال له المأمون : لستُ شرا من فرعون الذي قال أنا ربكم الأعلى ولا أنت أفضل من موسى كليم الله ومع ذلك أوصاه الله تعالى هو و أخاه هارون حينما دخلا على فرعون [فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى] (طه:44).

وفي سيرة أهل البيت نجد نماذج لهذه الدعوة الطيبة كالذي فعله الإمامان الحسن والحسين (علیه السلام) حينما وجدا شيخاً لا يحسن الوضوء فقالا له : يا عم نريد أن نتوضأ أمامك وتحكم أيُُّنا أحسن وضوءاً ، فلما رأى وضوءهما قال: يا سيدَيَّ إن وضوءكما حسن ولكن عمّكما الذي لا يحسن الوضوء.

ص: 359

خطاب المرحلة 123 :الحاجة إلى الموعظة ودروس الأخلاق

بمناسبة اليوم الأول(1) من رجب ودخول هذه الأشهر الشريفة استقبل سماحة الشيخ مجموعة من المؤمنين من أبناء النجف الأشرف وفيهم بعض طلبة العلوم الدينية يرومون نشر أخلاق أهل البيت (علیهم السلام) في المجتمع للوصول إلى القلب السليم ولتنبيههم من الغفلة.

وبارك سماحة الشيخ اليعقوبي لهم وللحاضرين حلول شهر رجب وقال: أن مجرد تذكر الإنسان انه في شهر رجب أو شعبان أو رمضان أو يوم الجمعة ونحوها فإنه ينال بذلك بركة وألطافاً إلهية. ومن بركات هذه الأزمنة الشريفة ازدياد الهمة والتوجه نحو طاعة الله تعالى وتزداد كلما ازدادت الأيام شرفاً فتكون في شعبان أفضل منها في رجب وهكذا. فعلى المؤمنين أن يستثمروا هذه الفرص لتهذيب النفس وتطهير القلب الذي يمثل النتيجة المطلوبة من كل الممارسات والعقائد التي أمر الله تعالى بها فجعل سلامة القلب معيار الفوز في الآخرة [إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ] (الشعراء:89).

وجعل تبارك وتعالى من أعظم نعمه على أهل الجنة نزع ما في قلوبهم من أدران وتعلّق بالدنيا وحب للأنا [وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ] (الحجر:47). لأنها تنغّص حياته وتكدر صفو معيشته وتشغل

ص: 360


1- 1/رجب/1327

فكره، فالأجدر بالمؤمن أن يسعى وهو في الدنيا بتطهير قلبه من هذه الأغلال لكي لا يحرم ولو لحظة من نعيم الجنة.أن القيمة الحقيقية للأعمال والطاعات التي يؤديها الإنسان هي بمقدار ما تثمر من سلامة القلب وتزكية النفس، لذا حينما يسال أحدهم الإمام الصادق (علیه السلام) عن كيفية التعرف على مقدار قبول صلاته فأجابه ع : انه بمقدار ما نهتك هذه الصلاة عن الفحشاء والمنكر.

لقد كان السلف الصالح مهتمين بتهذيب سلوك المجتمع من خلال إلقاء المواعظ والدروس الأخلاقية، وكان لبعضهم منابر معروفة في الصحن الحيدري الشريف كالشيخ حسين قلي الهمداني والشيخ جعفر الشوشتري (قدس الله روحيهما) ويحضر عندهم العلماء المجتهدون والفضلاء وعامة الناس، ولا زال أبناء النجف يروون بعض تلك المواعظ والدروس، وأنا اروي بعضها عن أبي عن جدي عن أبيه الشيخ يعقوب الذي كان من خرّيجي هذه المدرسة الأخلاقية (رحمهم الله جميعاً).

ومما يروى من مواعظه أنه قال يوماً لحضّار المجلس: لقد أخبرني ثقة لا يكذب أن لصّا دخل بينكم يريد أن يسرق الأشياء الثمينة منكم فأخذ الحضور غاية الحيطة والحذر وتفقد كل منهم جيوبه، وبعد برهة قال لهم: ألا تصحون من غفلتكم؟! أتحذرون كل هذا الحذر من أجل دراهم بخسة ولا تحذرون من الشيطان الذي يريد أن يسرق منكم دينكم وآخرتكم ويريد أن يضلكم ويغويكم وقد أخبركم بذلك الله تبارك وتعالى أصدق القائلين وتواتر عليه مئة وأربعة وعشرون ألف نبي إضافة إلى الأئمة والعلماء والصالحين.!!

ص: 361

لقد ابتلي أتباع أهل البيت اليوم بالسلطة والمواقع والجاه فبرزت عندهم الأمراض القلبية والنفسية بشكل مريع يدعو إلى التشكيك بأصل الإيمان، ورموا عرض الجدار كل تلك الجهود التي بذلها العلماء والشهداء من اجل تربية الأمة وخصوصاً المتصدين منهم للمسؤولية الاجتماعية، مما يدعونا إلى التوقف للمراجعة والتأمل والتقويم حتى لا نتخبط ونسير على غير هدىً وذلك هو الخسران المبين.وقدمت المجموعة في نهاية اللقاء باكورة إنتاجها عن (مرض الغيبة) وعلاجه وفي نهايته أربعون حديثاً عن القلب السليم فعلق سماحته أن جمع أربعين حديثاً عن النبي وآله (صلى الله عليهم أجمعين) ووعيها وتطبيقها يجعلكم مصداقاً للحديث الشريف (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً ينتفعون بها بعثه الله يوم القيامة فقيهاً عالماً)، لكنني لا أجدكم كتبتم على العنوان (الأربعون حديثا في كذا..) مما يعني أن العمل لم يكن بالتفات كامل (إنما الأعمال بالنيات) والنية مؤثرة في قيمة العمل، ويمكن للإنسان بلطف الله تعالى بالنية المخلصة والإرادة الصادقة والعزم الراسخ أن يختصر طريق التكامل فيقطع في لحظة ما يقطعه غيره في سنة أو أكثر فإن (طيّ المسافة) المذكور في كرامات الأولياء لا يختص بالبعد الجغرافي، وإنما يمكن تحقيقها بلطف الله تعالى في البعد المعنوي كالحُر الرياحي فبالرغم من انه عاش عمره في خدمة الطواغيت إلا أن موقفاً عُمرُه لحظات اتصف بما تقدم جعله في أعلى عليين ودخل في زمرة الشهداء بين يدي أبي عبد الله الحسين (علیه السلام).

وأعرف شاباً كان أستاذاً في الجامعة التكنولوجية في منتصف السبعينيات

ص: 362

وكان مسيحياً وملذّات الدنيا كلها متاحة بين يديه فهداه الله إلى الإيمان وولاية أهل البيت (علیهم السلام) وتعمق في مدرسة التشيع لهم ع حتى أصبح يعقد الحلقات في مساجد الكرادة الشرقية لتدريس علوم أهل البيت وأخلاقهم فغاظ ذلك جلاوزة النظام فأعدموه والتحق بالرفيق الأعلى شهيداً محتسباً راضياً مرضياً.

ص: 363

خطاب المرحلة 124 :من يقف وراء مسلسل التفجيرات في كركوك

بسم الله الرحمن الرحيم

شهدت مدينة كركوك اليوم 29/ 7/ 2006 تفجيراً ذهب ضحيته عددٌ من الشهداء والجرحى في حي الواسطي وهذه الجريمة المنكرة تأتي ضمن سلسلة من الحوادث المماثلة التي روعت هذه المدينة المظلومة خلال الأسابيع الماضية في حالة لم يسبق لها مثيل.

ويلمس المتتبع أنها استهدفت في الغالب المناطق التي يقطنها شيعة أهل البيت (علیهم السلام) من العرب والتركمان لكنهم في هذه المدينة لم يستهدفوا لعقيدتهم كما في المدن الأخرى من العراق الجريح وإنما استهدفوا لقوميتهم لأن هذه القوميات (العربية سنة وشيعة والتركمانية) متوحدة في كركوك ضد التمدد غير المشروع لقومية أخرى تطالب ب-(تطبيع) الحالة في كركوك.

وهي تقصد بالتطبيع فرض هيمنتها بالقوة والعنف لأنها لا تستند إلى حق تاريخي ولا جغرافي ولا ديموغرافي والوثائق كلها تشهد بذلك ولا تخفى على أحد.

لذا اتبعوا هذا الأسلوب اللا إنساني حيث غررّوا ببعض الجهلة والمتحجرين والمضللين وغذوهم بالحقد الطائفي ليكونوا وسيلتهم لتحقيق هذه الأهداف الدنيئة بتمزيق وحدة هذه الجبهة العربية التركمانية التي تسعى للحفاظ على

ص: 364

هوية كركوك المتنوعة بالقوميات والأديان والتي ترفع شعار التسامح والتعاون والعيش بسلام من دون أن يتجاوز أحد على حق الآخرين أو يتمدّد أكثر من حجمه، فتأتي هذه التفجيرات لتغذي الخلافات الطائفية وتزرع سوء الظن وعدم الثقة حتى يتصاعد العنف ويضطر الكثير إلى الهجرة فتكون نتيجة (التطبيع) لصالح تلك الجهة.أترون أي قذارة وانحطاط يتصف بها السياسيون حينما يتجردون عن القيم الإنسانية والمثل العليا وتعمى بصائرهم ولا يرون إلا مصالحهم ولا يشعرون إلا بأنانياتهم فيصلون إلى هذا الاستخفاف بدماء الأبرياء ومقدسات البلد.

لقد مهدّت تلك الجهة لهذه الحالة بسيطرتها بالقوة على كل المفاصل المدنية والعسكرية والاقتصادية المهمة ورموا بعرض الجدار القرارات والأوامر الإدارية التي تصلهم من الوزارات في الحكومة المركزية، إذا شعروا منها أنها تفقدهم بعض هذه المفاصل الحيوية مستغلين ضعف الحكومة وعدم اكتراثها بمصالح العباد والبلاد، وقد مكنهم ذلك من تسهيل أمر الإرهابيين أو على الأقل غضّ النظر عنهم.

لتعلم تلك الجهة أن هذا لعب بالنار وكثيرا ما (تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن) فلترجع إلى منطق الحكمة والعقل والأخوة الإنسانية ولتشارك القوميات الأخرى في المحافظة على صفة التسامح والتعايش السلمي لكل القوميات والأديان التي تتصف بها مدينة كركوك.

وليصبر إخواننا في كركوك وليحذروا هذه المؤامرات وليحافظوا على وحدتهم وأخوتهم.

ص: 365

ولتصحو الحكومة المركزية من غفلتها ولتنتبه إلى هذه المدينة المظلومة ولتتفقدها، وليبادر السيد رئيس الوزراء لزيارتها وعلاج مشاكلها كما بادر إلى زيارة البصرة فكلاهما مدينتان (نفطيتان)!وليلتفت المنفذون لهذه الجرائم أن الحقد الطائفي قد أعماهم فصاروا أدوات بيد الغير ينفذ بهم مآربه من دون أن يستفيد المنفذون شيئاً.

وفي الختام أسأل الله تعالى أن يحمي هذا البلد الكريم من كل مكروه وأن يهدي الأمة لما فيه صلاحها وان تميز بين أعدائها وأصدقائها.

ص: 366

خطاب المرحلة 125 :عناصر نجاح الأحزاب الإسلامية: حزب الله في لبنان نموذجاً

خطاب المرحلة 125 :عناصر نجاح الأحزاب الإسلامية: حزب الله في لبنان نموذجاً(1)

يسطّر أبطال حزب الله في لبنان بزعامة السيد حسن نصر الله أروع ملاحم البطولة والفداء في مواجهة أعتى ماكنة عسكرية وصفوها بأنها الجيش الذي لا يُقهر، فراح يترنح تحت ضربات المجاهدين ويتخبّط في مسيرته وخططه ومضى عليه شهر ولم يحقق شيئاً معتداً به عسكرياً، ولم يفعل أزيد من نشر الخراب والدمار وقتل الأبرياء من النساء والأطفال في مذابح جماعية سوّدت وجه هذا الكيان الغاصب وداعميه من دول المنطقة والقوى المستكبرة.

إن تجربة الجهاد والمقاومة لحزب الله جديرة بأن تدرّس في أرقى الأكاديميات العسكرية للاستفادة منها ولتحليلها ودراسة عناصر قوتها ونجاحها.

لقد بيّن القرآن الكريم بعض أسرار هذا النجاح فقال تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ، الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فإن

ص: 367


1- صدر هذا الخطاب بمناسبة مرور شهر على العدوان الصهيوني على لبنان الذي بدأ يوم الخميس 17/ج2/ 1427 المصادف 14/ 7/ 2006 واستمر أزيد من شهر وفشل في تحقيق أهدافه في القضاء على المقاومة الإسلامية أو تجريدها من السلاح، لكنه دمّر وخرّب وقتل الأبرياء ومنهم الأطفال في مذبحة (قانا)، وقد توقَّف العدوان بعد صدر هذا البيان ببضعة أيام.

يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ] (الأنفال:65-66) فالفقه الذي هو المعرفة بالله تعالى والبصيرة بالحق الذي هم عليه، وأنَّ ما يصيبهم هو بعين الله تعالى الذي لا يضيّع أجر من أحسن عملاً وأن النصر حليف المؤمنين والعاقبة للمتقين، وأنه [إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُون] (النساء: 104)، ولكن الفرق بين معسكر الحق ومعسكر الباطل هو أنكم [وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ] (النساء: 104)، هذه المعرفة التي جعلت الواحد من أصحاب الإمام الحسين (علیه السلام) يخرج بمفرده لمقاتلة سبعين ألفاً فسمّاهم عدوّهم (أهل البصائر)، وإن لم تكن المعرفة بالدرجة العليا فإن الصبر والمصابرة والتحمل كفيل بإعطاء قوة الضعف للمقاتلين. وإن من الفقه والمعرفة الإخلاص لله تبارك وتعالى والثبات والصدق في المواطن والتجرد عن المصالح الشخصية، وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين (علیه السلام) في كلامه مع بعض أتباعه حينما وجد في تصرفه شيئاً من الاستئثار والأنانية حيث أخذ حصته من غنائم المسلمين قبل توزيعها بشكل عام، فقال ع انتفعت به قبل المسلمين؟ ثم بكى بكاء شديداً وقال (علیه السلام): (ولقد كنا مع رسول الله (صلی الله علیه و آله) نقتلُ آباءَنا وأبناءَنا وإخواننا وأعمامنا، ما يزيدنا ذلك إلا إيماناً، وتسليماً، ومضياً على اللَقَم (الطريق)، وصبراً على مضض الألم، وجدّاً في جهاد العدو. ولقد كان الرجل منا والآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين يتخالسان أنفسهما أيهما يسقي صاحبه كأس المنون، فمرة لنا من عدونا

ص: 368

ومرّة لعدونا منا، فلما رأى الله صدقنا أنزل بعدونا الكبت وأنزل علينا النصر، حتى استقر الإسلام ملقياً جرانه (استقر وثبت) ومتبوئاً أوطانه. ولعمري لو كنا نأتي ما أتيتم ما قام للدين عمود ولا اخضرَّ له عود)(1)...إن المصداقية التي يتمتع بها فضيلة السيد المجاهد حسن نصر الله اعترف بها العدو قبل الصديق، ويصفونه أنه إذا قال فعل وإذا وعد وفى، وإذا هدد أخذ الأعداء تهديداته على محمل الجد فيلقي الرعب في قلوبهم، ويزيد من عزيمة وقوة المؤمنين المجاهدين، وهذا عين ما أراده الله تبارك وتعالى حين حذّر المؤمنين من مخالفة أفعالهم لأقوالهم [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ] (الصف:2-3).

وهذا ما أثلج صدور أتباع أهل البيت ورفع رؤوسهم أن تكون رموزهم السياسية على هذه الدرجة العالية من الصدق والمصداقية في حين ابتلي السياسيون في العالم بالكذب والمخاتلة والنفاق والفساد.

ومن أهم أسرار القوة دقة التنظيم مما اعجز العدو المعروف بقوة استخباراته عن الحصول على خيط يوصله إلى أهدافه، والتنظيم العالي شكل من أشكال القوة التي أمر الله تعالى المؤمنين بإعدادها للعدو [وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ] (الأنفال:60)

ومما حبّب هذا الحزب إلى اللبنانيين من جميع الطوائف وجعله موضع ثقتهم وإعجابهم وطنيته والأخلاق العالية لمقاتليه فلم يمد يده إلى اللبنانيين حتى وان تعرض إلى استفزاز من بعضهم، فعندما منَّ الله عليهم بالنصر وهزموا

ص: 369


1- بحار الأنوار: 30/ 321.

الصهاينة وأخرجوهم من الجنوب في آيار 2000 لم تغرهم هذه القوة وهذا النصر فيندفعوا إلى تغيير المعادلة السياسية في لبنان بالقوة وفرض هيمنتهم على الدولة وهم قادرون على ذلك، وحينما تصدّى الجيش اللبناني لمظاهرة شعبية كان أغلبها من أنصار الحزب للاحتجاج على الأوضاع المتردية قبل عدة أشهر فقتل عدد منهم لم يردوا بالمثل ولم يهاجموا أحداً من القوات أو المؤسسات الحكومية وكانوا على درجة عالية من الحكمة والانضباط.وزاد في محبتهم تصديهم بتفانٍ للقيام بالأعمال الخدمية والإنسانية والثقافية وأنشأوا مؤسسات عديدة لتدير هذه الأنشطة، والساحة اللبنانية تشهد بالمساعدات التي يقدمونها والخدمات الاجتماعية التي يؤدونها، والمعارض الثقافية المتنوعة التي تضم كل الثقافات والتوجهات وتجتذب المفكرين والمثقفين والقراء من كل الطوائف.

ونظام العقد لكل هذه العناصر: الخصائص النفسية والعقلية الفاضلة التي يتميز بها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله فخطاباته تلهب حماس الجماهير وكلماته منتقاة، وأدبه وتواضعه مشهود له، فحينما حرر الجنوب بفضل الله تعالى دخل متواضعا من دون غرور ولا تكبر كما دخل جده رسول الله ص مكة حين الفتح مطأطئاً رأسه قد ألصق رقبته بالبعير تواضعاً لله تبارك وتعالى وشكراً له على نصره.

أن حق هؤلاء الأبطال على الأمة جميعاً أن يستذكروا هذه المعاني ويُشِيدوا بها وينشروا أريجها الطيب ويدعوا لهم بالنصر والتمكين وكشف الضر والكرب بأدعية الفرج (يا من تُحَلُّ به عُقَدُ المكاره..) و (إلهي عَظُمَ البلاء..) ودعاء الإمام

ص: 370

السجاد (علیه السلام) لأهل الثغور في صلواتهم وشعائرهم وتجمعاتهم [وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ، وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ] (الصافات:171-173).15 رجب/1427

10/ 8/ 2006

ص: 371

خطاب المرحلة 126 :وضع قوانين تنّظم أخلاق ممارسة مهنة الإعلام و كل مهنة

خطاب المرحلة 126 :وضع قوانين تنّظم أخلاق ممارسة مهنة الإعلام و كل مهنة(1)

تسعى الجامعات والمعاهد العلمية والأكاديميات العسكرية لوضع برامج للطلبة تتضمن كل المفردات التي يحتاجها الطالب عندما ينهي دراسته ويبدأ بممارسة مهنته كالطب أو الهندسة أو التعليم أو الإعلام أو العمل الأمني والعسكري وهي تؤهِّل بدرجة معتد بها من هذه الناحية.

إلا أن هذه البرامج والخطط تفتقد إلى دروس في أخلاقيات ممارسة المهنة التي يتعلمها، وهذا نقص كبير لان العلم وحده لا يكفي ما لم تنضم إليه آداب وأخلاقيات ممارسة تلك المهنة، لذلك تجد الأخطاء الفاحشة والفظيعة في سلوك هؤلاء عند ممارسة العمل، وقد تصل إلى الكوارث والانتهاكات الخطيرة في حقوق الإنسان والأمة فإن الطبيب لا تكتمل أهليته إذا لم يكن قلبه مفعماً بالرحمة ونفسه نقية من الجشع والكذب والتضليل، والمهندس لا يكون نافعاً إذا لم يتحلى بالنزاهة والإخلاص والدقة والصراحة، والإعلامي يكون

ص: 372


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع وفد الأمانة العامة لبيت الصحافة البصري وعدد من الطلبة المتخرجين للعمل في الحقل الإعلامي يوم 20/رجب/1427 المصادف 15/ 8/ 2006.

ضاراً إذا أصبح مأجوراً يبيع قلمه لمن يدفع ويذبح بذلك شرف مهنته، والعسكري يهلك الحرث والنسل إذا لم يحمل شرف المقاتل ونبل الرجال، والسياسي يكون وبالاً على أمته وبلده إذا لم يكن مخلصاً لهما ويعمل بجد لعزتهما وكرامتهما وازدهارهما.وقد علمنا قادة الإسلام العظام وعلى رأسهم رسول الله (صلی الله علیه و آله) وأمير المؤمنين (علیه السلام) أنهم لا يرسلون والياً أو إداريا أو قائدا عسكريا إلا وحملوه سجلاً حافلاً بالوصايا والتعاليم والآداب، رغم أن من يرسلونهم كانوا على درجة من الإيمان والوعي لمبادئ الإسلام ولكن للتذكير وللتأكيد على ضرورة التمسك بتلك المبادئ.

لذا فنحن بحاجة إلى أن تتصدى نخبة من الاختصاصيين التربويين والمفكرين لوضع قوانين لأخلاق كل المهن، وقد وضعنا نحن أسس هذه العملية حينما سجلنا الخطوط العريضة لآداب وضوابط أغلب المهن كالأطباء والصيادلة والموظفين و المعلمين والعسكريين والعمال وسائقي السيارات والخياطين والحلاقين المصورين والصيادين والفلاحين وطلبة الجامعات وخطباء المنابر والصاغة، حتى كتبنا للعاملين في تجارة العتيق وهي مطبوعة ومنشورة وممكن أن تتخذ هذه الكتيبات وثائق أساسية للمباشرة في هذا المشروع، وسنتكفل بطبع ونشر ما تجود به قرائح هذه النخب، ومن الجهود المشكورة في هذا المجال (قانون ذوي المهن التعليمية) للأستاذ المربّي محمد جواد جلال وقد نشر قبل أربعين عاماً في مجلة الإيمان النجفية في المجلد الثالث منها.

ص: 373

أأمل أن تجد هذه الدعوة قلباً مفتوحاً من لدن وزارة التعليم العالي وكل الجهات والمؤسسات المسؤولة عن تنظيرها لتبدأ بتشكيل اللجان ووضع المناهج وإدخالها في مفردات الدراسة في الجامعات والمعاهد لنصل إلى اليوم الذي نجد فيه أصحاب كل مهنة ذوي قلوب مفعمة بهذه القيم وعقول واعية لما تقتضيه مسؤولياتهم.إن الإعلام – كمثال – يمارس دوراً خطيراً في حياة الأمة ويستطيع توجيه الرأي العام بالاتجاه الذي يريده أصحاب وسائل الأعلام، وهو في الغالب بعيد عن الإنصاف والموضوعية والضمير الحي، لذا فهو المسؤول الأول عما تعانيه من كوارث، ولو كان هناك جهات تشرف على تربية هؤلاء الإعلاميين وتهذيبهم وتوجيههم نحو الأهداف السامية لخرجنا بخطاب مصلح بناء يعمل من أجل خير الأمة وازدهار البلد.

20/رجب/1427

15/ 8/ 2006

ص: 374

خطاب المرحلة 127 :شلل البرلمان أعجزه عن ممارسة دوره وأدخل البلاد في هذه الدّوامة ..

خطاب المرحلة 127 :شلل البرلمان أعجزه عن(1) ممارسة دوره وأدخل البلاد في هذه الدّوامة ..

رغم مرور سنتين تقريباً على بدء الحياة البرلمانية في العراق وانتخاب دورتين برلمانيتين إلا انه ما زال عاجزاً عن ممارسة دوره التشريعي الرقابي بالشكل الذي يخدم مصلحة البلد ويضمن حقوقه الأساسية، فالفساد الإداري والمالي مستشري والأوضاع الأمنية والخدمية تتردى وثروات البلد تتبدّد، وأعضاء البرلمان منشغلون بمصالحهم الشخصية ومصالح أحزابهم ويعيشون في رفاهيتهم، وكثير منهم يقضي أكثر أيامه خارج العراق فلم يعودوا ممثلين للشعب بل لأنفسهم وأحزابهم، وإذا حاول البرلمان محاسبة أحد فلا يجرؤ على محاسبة من يحتمي بالحيتان الكبيرة التي تقضم الحصة الأكبر من الكعكة بنهم وبشراهة .

وجهاز القضاء ومفوضية النزاهة !! وأمثالهما عاجزون عن الوقوف في وجوههم، وأكثرهم ممن يعتاش على فتات موائد أولئك الكبار ، فمتى سيصلح

ص: 375


1- كانت مثل هذه البيانات والخطاب (121) المتقدم وغيره تثير حفيظة الأحزاب المستأثرة وتقلقهم وتدفعهم إلى الإيغال في الإقصاء والاستئصال لكل من يرتبط بمرجعيتة سماحة الشيخ (دام ظله الشريف).

حال الشعب الذي يبقى هو وحده الذي يدفع الثمن، ويحترق من أجل أن يتلذذ الظَلمة الذين قست قلوبهم فهي كالحجارة أو اشد قسوة . إن أحد أسباب هذا الشلل هو النظام الانتخابي المتبع في الترشيح على أساس القوائم المغلقة فينتج عنه :

1 - عدم شعور المرشح بالانتماء إلى الشعب والوطن وإنما إلى القائمة التي رشحته ويكون شغله نيل رضا القائمين عليها .

2 - جهل الشعب بمرشحي البرلمان مما يقلل حماسهم للمشاركة في الانتخابات أو أدلاء الأصوات إلى مجهولين وهي ظاهرة غير حضارية وغير مثمرة .

3 - عدم قيام المرشح بواجبه تجاه المنطقة التي ترشح فيها وعموم الشعب لأنه لا يشعر بالمسؤولية والالتزام أمامهم .

4 - التخندق الطائفي والقومي الذي كرسته طبيعة الاصطفافات التي شُكلت على أساسها القوائم وجرّ البلد إلى هذه الكوارث المدمرة.

5 - إن كثيراً من قوائم المحافظات ضمّت أسماء من خارجها، بل إن بعض المحافظات خلت قوائمها بشكل كامل من أبناء المحافظة فكيف ستوصل صوتها ومن الذي سيدافع عن حقوقها.

6 - إلغاء دور أعضاء البرلمان وإبقاء التأثير لرؤساء الكتل السياسية فقط، وقد أظهرت السنتان الماضيتان اختزال قيادة البلد بعدد محدود تجاوز حتى القوانين المشرعة ما دام (حاميها حراميها) ولا يسع البرلمان إلا إمضاء رغبات ومصالح رؤساء الكتل وعدم الخروج عنها .

ص: 376

7 - إن نظام القوائم يوجب على الناخب اختيار الأسماء جملة وقد لا يرتضي أغلبها لكنه من أجل اسم واحد مقبول أو أكثر يضطر لانتخاب ما يكره.

لذ ا لابد من إعادة النظر في قانون الانتخابات وجعل الترشيح على أساس الأشخاص المنفردين والمعلنين أمام الناس(1) وبذلك سنضمن :

1 - حرص المرشح على تقديم أقضى ما لديه لمواطنيه لحاجته إليهم مباشرة وشعوره بالالتزام أمامهم.

2 - تذويب العصبيات القومية والمذهبية والمحاصصات الحزبية أو على الأقل الحد من جماحها الذي احرق البلاد حيث ستذوب هذه الاصطفافات المقيتة.

3 - حفظ التوازن في التمثيل في المحافظات لضرورة عدم إمكان ترشيح أحد في المحافظة من غير أبنائها.

4 - سيتمكن الشعب من معرفة مرشحيه وممارسة حقه الانتخابي بشكل ديمقراطي تام في اختيار من يريد ولا تفرض عليه أسماء يجهلها أو لا يريدها.

5 - التقليل من تأثير رؤساء الكتل السياسية الذين جرّوا البلاد إلى هذه الصراعات المدمّرة بأنانياتهم واستئثارهم وليس للآخرين إلا السير على هواهم.

28/رجب/1427

23/ 8/ 2006

ص: 377


1- حرّكت هذه الدعوة مطالبة الكثير من الجهات السياسية والشعبية بأن تكون الانتخابات وفق القائمة المفتوحة، ثم تحرّكت المرجعيات الأخرى لدعم المطلب حتى أقرّ ولكن بشكل منقوص.

خطاب المرحلة 128 :آمال وآلام مع بداية العام الدراسي

يطلّ علينا خلال هذه الأيام العام الدراسي الجديد حيث يتوجه الملايين من أبنائنا طلبة المدارس والجامعات لقطع شوط جديد من المسيرة الظافرة نحو الارتقاء والتخصص في العلم والتكنولوجيا ليساهموا في إعمار بلدهم و ازدهار شعبهم.

إن معاهد العلم هذه هي البنية التحتية الحقيقية للأمة لأنها تنتج الإنسان المتحضر القادر على بناء الحياة الحرة الكريمة، وتنتج سائر ما سمّوه (بنية تحتية) و اهتموا به وكرّسوا له ثروات البلاد من مؤسسات صناعية أو زراعية وغيرها، إنما هو ثمرة عطاء هذه المعاهد ولا يتقدم شعب ويسعد حاله إلا عندما تكتمل عنده عناصر نجاح العملية التربوية والتعليمية التي فقدنا الكثير منها في زمن النظام المقبور، وتكرّس هذا الحرمان في ظل الحكومات المتعاقبة بعد الاحتلال ، فلم تعد تلك الأخلاق والآداب التي نلتزم بها تجاه معلمينا وأساتذتنا ولا الأبوية والحرص والشعور بالمسؤولية التي كان يتصف بها المعلمون ، والمدارس الجامعات أصبحت بلقعاً من كل ما يساعد الطالب على تحسين مقدرته العلمية ، ويعاني الطالب الجامعي لكي يحصل على مناهجه الدراسية والمصادر التي تعينه ، أما حال الأقسام الداخلية وسائر الخدمات فهي مما لا تليق بأكثر الناس تخلفاً، فضلاً بهذه الشريحة الواعية التي يُرجى لها أن تقود

ص: 378

البلد ، والأبنية المخصصة لألف طالب صارت تحتضن أربعة آلاف طالب أو أزيد(1) بسبب القبول غير المدروس، وانتقال الطلبة من بعض الجامعات إلى غيرها بسبب تردي الأوضاع الأمنية وعجزهم الاقتصادي عن متابعة سير الدراسة في محافظات أخرى، هذا غير التدخل غير المقبول للأحزاب السياسية والواجهات الاجتماعية في فرض توجهاتهم وأجنداتهم مما يؤثر سلباً على الحركة العلمية ويشتت الجهود. وإضافة إلى كل ذلك فقد كان لتردي الخدمات كالكهرباء والماء والمشتقات النفطية، وسوء الوضع الأمني حيث لا يأمن على نفسه أي أحد من القتل والخطف والتفجير وصعوبة المواصلات والاختناقات المرورية الأثر السلبي على الوضع الدراسي للطلبة والأساتذة.

ومع كل ذلك فقد كانت نتائج العام الدراسي الماضي مثيرة للإعجاب والفخر والاعتزاز، مما يعني وجود عزم وإصرار وحماس منقطع النظير لدى أحبتنا الطلبة وأولياء أمورهم الذين غضوا الطرف عن كل هذه المعاناة ووقفوا إلى جانب أبنائهم وشجّعوهم وشدّوا من أزرهم ، فبقيت الآمال تتطلع إليهم بانشراح.

كل هذه الآلام والآمال ازدحمت في أذهاننا ونحن نحتفل بحلول العام الدراسي الجديد، وانضمّ إليها الأمل بالمسؤولين الرسميين أن يلتفتوا إلى هذا الحقل المهم من حياة الأمة، ويعدّوا دراسة مستوعبة للنهوض بكل عناصر

ص: 379


1- من أمثلة ذلك المعهد التقني في الناصرية وقد علم سماحته بذلك من خلال لقائه بعمادة وأساتذة المعهد يوم 6 شعبان 1427 المصادف 31/ 8/ 2006.

العملية التربوية والتعليمية وأن ترصد الدولة الميزانية الكافية لإنجاح المسيرة العلمية وإصلاح هذه البنية التحتية الحقيقية.أوصي أحبائي الأساتذة والطلبة وأولياء الأمور أن لا يقصّروا في عطائهم وان يحتسبوا معاناتهم عند الله تعالى فإنه تبارك وتعالى وعد أن لا يضيع أجر من أحسن عملاً من ذكر أو أنثى وأن يستعيدوا الأيام الزاهية للمدارس والجامعات بأخلاقها ورقيّها العلمي بحجم الآمال المعقودة عليهم.

11 شعبان 1427

5/ 9/ 2006

ص: 380

خطاب المرحلة 129 :البصرة رائدة الإصلاح الوطني

اشارة

بعد فشل الكثير من دعوات (المصالحة الوطنية) والمشاريع التي تسعى لإخراج العراق الجريح من أزمته، رأى سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) أن نبدأ بمشروع لحل الأزمة في محافظة معينة ونهيئ أسباب نجاحها الذي إن تحقق بفضل الله تبارك وتعالى فإنه يمكن تعميمه إلى عموم العراق، وقد اختار سماحته محافظة البصرة للبدء به وبعث وفداً تألف من الفضلاء جناب الشيخ محمد الهنداوي والشيخ علي الإبراهيمي والأستاذ الدكتور السيد عبد الوهاب الحكيم للالتقاء بمحافظ البصرة ورئيس وأعضاء مجلس المحافظة والواجهات الدينية والسياسية والعشائرية في المحافظة ودعوتهم إلى تبني المشروع على أنه مشروعهم، وبعث سماحته بيد الوفد خطاباً ذكر فيه أسباب تلكؤ عملية المصالحة الوطنية ومبررات اختيار البصرة كأول ساحة لتنفيذه، ثم حثّ المسؤولين على إنجاح المشروع وتهيئة المقدمات لذلك واليكم نص الخطاب.

ص: 381

البصرة رائدة الإصلاح الوطني

بسم الله الرحمن الرحيم

مع شكرنا لكل الجهود المخلصة والمساعي الحثيثة لإنقاذ العراق الجريح من معاناته التي يمر بها التي تدمي قلب كل غيور وشريف، إلا أن هذه الجهود لم تؤتِ النتائج المطلوبة لتعقيد الحالة، وتشابك المصالح، وتباين الإيديولوجيات وغياب الحس الوطني لدى الكثيرين، وطبيعة الاصطفافات الموجودة، وعدم صحّيّة الأجواء التي ترافق الحالة، فبدلاً من شعور الأطراف بأنهم أخوة وأبناء بلد واحد وهو العراق وركاب سفينة واحدة أن غرقت غرق الجميع وان سلمت سلم الجميع، تجدهم يتصرفون كفرقاء متخاصمين يريد كل منهم أن يقضم من مساحة الآخر اكبر ما يستطيع إلى غيرها من الأسباب التي تحتاج إلى دراسة مستقلة.

لذا فأرى من الصحيح أن نبدأ بتأسيس نموذج للتعايش السلمي والوحدة الوطنية ونشر ثقافة احترام الآخر بكل خصوصياته وحقوقه في إحدى محافظات العراق والمؤمل نجاحه بفضل الله تبارك وتعالى وبالإعداد الجيد له، ومن ثم الانطلاق به إلى سائر المحافظات الأخرى بعد أن يقنع الجميع بنجاحه.

والبصرة الفيحاء نموذج صالح لقيادة هذا المشروع لوعي أهلها ووطنيتهم المشهود لها وحرصهم على تنظيف مدينتهم من كل مظاهر العنف والتخريب والاضطراب والإرباك والفساد، ورغبتهم أن يروا مدينتهم عاصمة اقتصادية

ص: 382

ليس للعراق فحسب بل للخليج كله، ومن بؤر الاستقطاب الاقتصادي العالمي، وهي مؤهلة لممارسة هذا الدور بما يتوفر فيها من ثروات ومنافذ مائية وبرية وطرق جوية وخزين بشري أكاديمي متخصص ومهني وخبرات متراكمة، وما يتمتع به أبناؤها من أخلاق طيبة وخصال حميدة حببتهم إلى كل العراقيين بل أبناء المنطقة والعالم.إن كل أبناء البصرة المسلمين سنة وشيعة وغير المسلمين من كافة الطوائف والأعراق تواقون لهذا المشروع، وليس من مصلحة أحد عدم المساهمة فيه فضلاً عن معارضته، فالكل حريص على رؤية بصرة مستقرة آمنة مرفهة تتمتع في حقوقها المشروعة في ثرواتها وتستقطب كل الاستثمارات في العالم، ولا يوجد عاقل يحب استمرار حالة العنف وانفلات الأمن والجميع يذهب ضحيته، وإذا استمر الحال هكذا فإن الاحتمالات المتصورة كلها كارثية كتقسيم العراق أو إنشاء مناطق وجيوب طائفية وعرقية لا تقف الحروب والنزاعات بينها، فهل يوجد من يفضل هذا على عراق موحد قوي مزدهر يتآخى فيه أبناؤه ويعيشون بمودة ووئام.

كما أن من مصلحة قوى الاحتلال والدول الإقليمية ذلك وهي واهمة إذا ظنت أن حالة البلبلة والفوضى حتى المسيطر عليها أو البناءة(1) كما يسمونها في العراق تخدمها، حتى وان بدا ذلك على المدى القريب فإنه عكس ذلك على المدى البعيد فلتنظر الخير لأنفسها.

ص: 383


1- إشارة إلى مشروع (الفوضى الخلاّقة أو البنّاءة) دعت إليه وزارة الخارجية الأمريكية رايس وسعت إلى تنفيذها في العراق والمنطقة.

حضرة السيد رئيس مجلس محافظة البصرة المحترمحضرة السيد محافظ البصرة المحترم

حضرات السادة أعضاء مجلس محافظة البصرة الموقرين

حضرات السادة ممثلي المرجعيات والطوائف الدينية والأحزاب السياسية والكيانات الاجتماعية

حضرات السادة رؤساء العشائر ووجهاء محافظة البصرة

حضرات السادة ممثلي الدول العربية والإسلامية والأجنبية في البصرة

إنكم أولى من يحمل هذه الأمانة ويشمّر عن ساعد الجد لإنجاح هذا المشروع مستفيدين من أجواء الصفاء والنقاء والتسامح والأخوة التي يشيعها شهر رمضان المبارك.

وقد هيأت المرجعية الرشيدة الأرضية لنجاح مشروعكم، حينما حرّمت على غير الجهات الرسمية القتل وأعمال العنف حتى على مستحقه بسبب إفضائه إلى اختلال النظام الاجتماعي العام، وهو من اكبر المخاطر التي يريد الشارع المقدس دفعها وإيكال أمر محاسبتهم ومعاقبتهم إلى الجهات التنفيذية والقضائية، وهذا حكم نافذ على الجميع مهما تنوعت مرجعياتهم وطوائفهم لعدم جواز نقض حكم الحاكم الشرعي حتى لمجتهد غيره، كما أن وثيقة (إسناد القانون في البصرة) التي وقّعتها كل الأحزاب والشخصيات الفاعلة في البصرة تصلح ورقة أولية لانطلاق هذا المشروع المبارك.

أن الآمال المعقودة على مساعيكم المباركة وان كل بسمة تعود إلى شفتي مظلوم أو محروم أو مضطهد أو خائف لهي حسنة تثقل بها موازينكم وان الله لا

ص: 384

يضيع اجر من أحسن عملاً وان كل مشروع ايجابي تؤسسونه وتعملون على إنجاحه إنما هي صدقة جارية يأتيكم أجرها بعدد من ينتفع منها [وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ] (التوبة:105).

عشية النصف من شعبان لمبارك1427

الموافق 9/ 9/ 2006

ملاحظة: نجحت هذه المبادرة الكريمة والتي لاقت تجاوباً واسعاً من مختلف الجهات السياسية والدينية والاجتماعية إضافة لأبناء المرجعية الرشيدة، لكن أطرافاً ترى في نجاح المرجعية وأذرعها الفاعلة في المجتمع تهديداً لمصالحها، فأصبح همها إفشال عمل أبناء هذا الخط الشريف ولو كان على حساب البصرة وأهلها، فسارعوا إلى اتخاذ قرارات عملية مستغلين هيمنتهم على الحكومة المركزية فسحبوا الصلاحيات الأمنية من محافظة البصرة وشكّلوا لجنة أمنية هزيلة سمحت للعصابات المسلحة التي تخدم أجندات أجنبية بالعبث بأمن البصرة فقامت باغتيالات شملت الأطباء والأساتذة الجامعيين والنساء وعلماء الدين والكسبة، ثم فرضت الإتاوات على الناس وتدخلت في عمل مؤسسات الدولة وسيطرت على الموانئ والكمارك والنفط وغيرها من المصالح الوطنية، وإلصاق التهم وإشاعة الأكاذيب لتسقيط مرجعية سماحة الشيخ (دام ظله) وأتباعه وإحباط تقدمهم وكذبوا بقوة حتى صدّقهم كثر من الناس.

ص: 385

خطاب المرحلة 130 :موقفنا من فدرالية الأقاليم

استقبل(1) سماحة الشيخ اليعقوبي وفداً برلمانياً من كتلة الائتلاف العراقي الموحد ضمّ سماحة الشيخ خالد العطية نائب رئيس البرلمان والحاج هادي العامري والحاج عبد الكريم العنزي، وقدّم الوفد رؤية عدد من مكونات الائتلاف لمشروع فيدرالية الأقاليم ومبررات هذا المشروع.

ثم تحدث سماحته وذكرهم بإصراره على تثبيت هذا الحق في الدستور وتهديده بإفشال التصويت على الدستور إذا لم يتضمنه حرصاً على مستقبل هذا الشعب المضطهد المحروم، وذكر لهم وصيته لأبناء المحافظات منذ سقوط صدام بمسك الأرض من تحتهم وعدم إعطاء أي فرصة لتغلغل الأعداء والتحكم في شؤونهم، لمنع عودة الدكتاتورية والظلم بمجرد أن يحتل الإذاعة والتلفزيون ويطلق البيان رقم (1).

لكن فشل الكيانات السياسية التي تدعو إلى الفدرالية في الوفاء بوعودها لأبناء المحافظات الذين انتخبوهم، وعجزها عن توفير ابسط حقوق الإنسان.

ومن جهة أخرى عدم سعيها الجاد لإنجاح عمل الحكومات المحلية في المحافظات وتأهيلها لقيادة محافظاتها، فمثلا انتهت سنة 2005 من دون أن

ص: 386


1- كان ذلك يوم الخميس20/شعبان/ 1427 المصادف 4/ 9/ 2006

تصرف رئاسة الحكومة ميزانية المحافظات وأعيدت إلى وزارة المالية، وانتهى أكثر من نصف سنة 2006 ولم يطلق إلا جزء يسير من ميزانية المحافظات. ومن جهة ثالثة: الخلافات والصراعات التي تتفشى بينها وتظهر بصورة وأخرى، مما أوجب مخاوف حقيقية من نشوب صراعات مسلحة على النفوذ والسلطة والثروة.

ومن جهة رابعة: فشلها في طمأنة الشعب من مخاوف الانقسام والتفكك والتخندق.

ومن جهة خامسة: فإن الشعب يرى أن بعض المشاريع تعرض لمصالح إقليمية ودولية وليست لمصلحة العراق.

ومن جهة سادسة: فإن إثارة مثل هذه المشاريع يعني الاستسلام لأهداف أعداء الشعب من خلق الفتن الطائفية والقومية وتمزيق وحدة الشعب وقطع الأمل بشعب موحد تجمعه القواسم الوطنية والتاريخية والاجتماعية والدينية.

ومن جهة سابعة: فإنه يزيد في عزلة هذا الإقليم عربياً وربما دوليا ودفعهم إلى المزيد من العمل على إيذاء الشعب العراقي وخلق الأزمات له وإدخاله في أنفاق مظلمة.

أما تلميع صورة الوضع في كردستان من أجل التضليل وتمرير المشاريع فنحن نحبّ الخير لكل الناس، خصوصاً المضطهدين والمحرومين منهم كإخواننا الأكراد في شمال وطننا الحبيب، لكن هذه التلميع يخفي وراءه ما يخفي مما لا حاجة إلى الدخول في تفاصيله، وإذا وجد شيء من الاستقرار والازدهار فله أسبابه العديدة لسنا بصدد بيانها.

ص: 387

على أن التركيز على التجربة الكردية يزيد من مخاوف الانقسام والتفكك والتشرذم، فهل يريد المتحمسون للفدرالية أن تكون الحدود بين البصرة والناصرية والنجف وكربلاء وبغداد كالتي مع كردستان؟ إنه لشرٌّ عظيم... ويجب الالتفات إلى أن إقليم كردستان له حدوده الجغرافية والقومية والثقافية المتميزة أما بقية محافظات العراق فهي متداخلة ومتزاوجة ومتمازجة بشكل لا يقبل وضع الحواجز.كل هذه العوامل وغيرها مما لا نستطيع إعلانها جعلت مشروع فدرالية الأقاليم غير مجد الآن، بل إنه يتضمن أخطارا حقيقية؛ وصحيح ما يقال أن المعروض الآن هو سن قانون تشكيل الأقاليم(1) وليس تنفيذه على الأرض، لكن لا توجد ضمانات لعدم تفعليه بعد إقراره، فلا بد من ذكر ضمانات في نفس القانون لعدم المباشرة في تشكيل الأقاليم حتى تعمل الكيانات السياسية بجد وإخلاص على تجاوز الصعوبات المشار إليها، فنبدأ بتفعيل قانون الإدارة اللا مركزية للمحافظات، ونوفر للحكومات المحلية كل أسباب النجاح والنضج والتأهيل من ميزانية مالية كافية إلى مشاركة جادّة في اتخاذ القرارات والاعتماد على النفس والتخطيط الستراتيجي لإعمار محافظاتهم ونحوها، وأن تتخلى بعض الكيانات المستأثرة والمستبدّة عن هذه الروح التي تخلق الصدام

ص: 388


1- بعد شد وجذب طويلين بين الكتل السياسية في البرلمان استمر عدة أسابيع اجتمع نصف عدد أعضاء البرلمان زائداً واحد وأقروا قانون تشكيل الأقاليم يوم 17/ رمضان /1427 المصادف 11/ 10/ 2006 على أن لا يعمل به قبل مرور سنة ونصف السنة، وقاطعت كتلة الفضيلة وبعض الكتل الأخرى الاجتماع.

والمقاطعة والاقتتال، ونتعوّد عمل الفريق الواحد بإنصاف وموضوعية للجميع، وأن تستعيد هذه الكيانات التي تدير وزارات مهمة ثقة الناس بها من خلال حسن الأداء وتوفير الحقوق الأساسية للشعب ومعالجة الفساد الإداري والمالي حتى يحس الشعب بقدرتها على الوفاء بوعودها.إذ أن الشعب لا يتحمل بعد هذا أن يعلق الآمال على (جنة الدنيا) بإقامة الفدرالية ثم لا يجد لها مصداقية على الأرض فينفض يده من كل شيء.

فيجب علينا أن نعمل على تهيئة أسباب النجاح لهذا المشروع الذي هو الملاذ الأخير الذي يُلتجأ إليه عند نفاد الحلول.

أقول هذا الكلام على شكل نقاط مختصرة وقد تقدمت منّي عدة بيانات لإيضاح الموقف وتوجد أمور أخرى لا يحسُنُ البوح بها في كلام عام.

نسأل الله تعالى أن يهدينا سواء السبيل إنه نعم المولى ونعم النصير

ص: 389

خطاب المرحلة 131 :رُبَّ موقف يكون سبباً لبركات كثيرة

خطاب المرحلة 131 :رُبَّ موقف يكون سبباً لبركات كثيرة(1)

ورد في الحديث الشريف (إذا مات المرء انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، وعلم ينتفع به ، وولد صالح يدعو له) وانتم الذين أتشرف بخدمتكم الآن قد حققتم الثلاث، فأنتم أبناء صالحون ليس لأبويكم فقط وإنما للإسلام وللمرجعية وللوطن وللأمة، ومدارسكم هي التي تتداول العلوم التي ينتفع بها في إصلاح الناس وتعليمهم أحكام الحلال و الحرام وسيرة أهل البيت (علیهم السلام) والعقائد الحقة.

أما الصدقة الجارية فلا تنحصر في بناء مسجد أو حسينية أو مدرسة وإنما تعم كل مشروع خيري وعمل يستمر في عطائه الإنساني النبيل، كالذي قمتم به

ص: 390


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع مركزي الزهراء المظلومة وسبل الرشاد في الناصرية الذين أقاموا معرضا ثقافياً في كربلاء بمناسبة الزيارة الشعبانية واستمر أربعة أيام، وقد زاروا سماحته يوم 7 شعبان، ومن حديث سماحته مع مجموعة من الشباب أشادوا روضة خضراء في الشعلة، وأطفال مدرستي الإمام الصادق في مدينة الصدر والإمام الجواد في الكاظمية، وقد زاروا سماحته يوم 22 شعبان، ومن حديثه مع عدة سرايا من لواء الإمامين العسكريين في قضاء الهندية الذي قدموا خدمات جليلة لزوار الشعبانية وحافظوا على قدسية الشعائر في كربلاء قرب مقام الإمام المهدي بالتعاون مع موكب الزهراء في الناصرية وغيرها، وقد زاروا سماحته يوم 25/ شعبان /1427 المصادف 19/ 9 / 2006.

حين زرعتم منطقة خضراء في مدينة الشعلة وزينتموها بالورود و هيأتموها لكي يروِّح فيها الإنسان عن نفسه همّ الحياة ومشاقها ونكدها، ويلهو فيها الأطفال ببراءة وتجتمع فيها العوائل على الحب والتآخي والمودّة . وليس كثيراً على كرم الله تعالى وفضله ورحمته أن يهيئ للإنسان أسباباً لزيادة الأجر والتكامل حتى بعد وفاته ، وليس اعتباطاً أن يرزق الله أحداً مثل هذه الأسباب دون غيره ، لأن الأول لابد انه قام بعمل أو اتخذ موقفاً وجد رضاً وقبولاً عند الله تبارك و تعالى فأغدق عليه من كرمه ورضاه بما هو أهله.

وليس من باب مدح النفس وإنما من باب المثال والحث على اتخاذ القرارات الشجاعة و الحاسمة إذا كان فيها رضا الله تبارك وتعالى، فحينما أنهيت دراستي الجامعية في كلية الهندسة بجامعة بغداد عام 1982 كان علي أن التحق بالخدمة العسكرية في وقت كانت الحرب الظالمة التي شنها صدام المجرم على إيران الإسلام على أشدها، و رغم أن مكان عملي كان مهندساً ببغداد وهو مكان يسعى إليه الطامحون، إلا إنني كنت في حماس الشباب و اندفاعاته في الثانية والعشرين من عمري، وكنت ممتلئاً بتحذير الأئمة لشيعتهم من الركون إلى الظالمين ومعونتهم والانخراط في مؤسساتهم، بحيث أن رجلاً يسأل الإمام (علیه السلام): إنني ممن أخيط ملابس موظفي الدولة العباسية، فهل أنا من أعوان الظلمة الذين ورد فيهم العذاب والمقت؟ فقال (علیه السلام): إنك من الظلمة أنفسهم وإنما أعوان الظلمة من يبيع لك الإبرة والخيط .

ويأتي آخر إلى الإمام ويسأله أن أبي خرج مع جيش عمر بن سعد لقتال الحسين وكان في مؤخرته ولم يباشر القتال و إنما كان يؤدي بعض الخدمات

ص: 391

للجيش فهل تشمله لعنة قتلة الحسين (علیه السلام) فأكد الإمام شموله باللعن وقال (لقد كثّر السواد على أبي عبد الله الحسين (علیه السلام)).بمثل هذه الثقافة كان قلبي وعقلي مشدوداً فلم أجد أي تردد في اتخاذ قراراً بالامتناع عن الانخراط في الخدمة العسكرية ولو لحظة واحدة ولو حتى لو كان موقع عملي في باب الدار، وكان مثل هذا القرار يكلف صاحبه عقوبة الإعدام أمام مرأى الناس وزغاريد النساء وتسلم جثته إلى أهله بكل إهانة ويتعرض لضغط اجتماعي كبير من أهله والمجتمع حوله، وكانوا يستغلون ضعف والدتي المفجوعة بأبي وعدد من إخوتي يومئذ للضغط عليَّ، ولكنها (رحمها الله) كانت لا تعارض لي قراراً أو رغبة حتى انتهت تلك السنين العجاف وهذا القرار وإن كان لطفاً خالصاً من الله تعالى لا أدعي أنني كنت أهلاً له، إلا انه كان مفتاحاً لخيرات وبركات كثيرة لا زالت تغمرني حتى الآن، حيث عشت أياماً سعيدة وأنا حليف القرآن والصلاة والكتب التي بنت شخصيتي ثم أتممت لي النعمة في أوائل عام 1985 بتيسير سبل الاتصال بالسيد الشهيد الصدر (قدس سره) والتي استمرت حتى استشهاده.

ومحل الشاهد أننا يجب أن لا نقصّر عن استثمار أي فرصة للطاعة والمشاركة في أي مشروع خيري أو عمل إنساني، فلعل هذا العمل بالذات هو الذي يقع في محل الرضا والعطاء الإلهي والنفحات الخاصة، فقد ورد في الحديث الشريف إن الله تعالى أخفى وليّه بين عباده لكي تحترم الجميع ولا تستحقر أحداً مهما كان ضعيفاً أو رثّ الحال لاحتمال أن يكون من أولياء الله تعالى، و أخفى رضاه في طاعته أي أخفى مقدار الرضا و العطاء على أنواع

ص: 392

الطاعات لكي يهتم الإنسان بها جميعاً ولا يفّرط في أي واحدة منها إذ لعل هذه هي من أسباب الألطاف الإلهية الخاصة . فالمأمول منكم أن لا تقصروا في مشاريع الخير والنفع للأمة واحتسبوا بها الأجر عند الله تعالى [وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ] (الروم:60) من هؤلاء المتصارعين على حطام الدنيا الزائفة فحينما تنصب الموازين الحق سيعلمون عندئذ الفائزين والمفلحين [يَومَئِذٍ يَخسَرُ المُبطِلُونَ] (الجاثية: 27).

ص: 393

خطاب المرحلة 132 :معالجات لمشكلة الفساد الإداري والمالي

إن من أعظم ما يعانيه بلدنا وشعبنا هو الفساد الإداري والذي بلغ حدا مهولا واستشرى في كل مفاصل الدولة، ونعده اليوم الخطر الأهم والسبب الرئيسي للخراب الذي حل بالبلد والحرمان والظلم الذي ينكد حياة الشعب، وهو مصدر رئيسي لتفريخ الإرهاب ودعمه وانتشاره.

ورغم وجود مؤسسات لمعالجة الفساد والخيانة كمفوضية النزاهة وديوان الرقابة المالية والمفتشين العامّين في الوزارات إلا أنها عجزت عن الحد من انتشار هذا الفساد فضلا عن إيقافه ومحاسبة المقصرين، ولذلك أسباب عديدة،(منها) إداري تنظيمي فمثلا إن المفتشين العامين في الوزارة يرتبطون بالوزير ومن صلاحياته تقديم طلب بعزلهم، فكيف يستطيعون مراقبة عمل الوزارة ومحاسبة المفسدين إذا كانوا جزءا منها إداريا. فالمفروض استقلالية هؤلاء المفتشين وارتباطهم بديوان خاص بالتفتيش العام يرتبط به هؤلاء المفتشون ويكون رئيس الديوان بدرجة وزير.

(ومنها) سياسي وهو الأصل في المشكلة لان هؤلاء المسؤولين عن النزاهة والتفتيش لا يستطيعون الخروج عن هيمنة رؤساء الكتل السياسية الفاعلة والمؤثرة، وتتوزع ولاءاتهم على هذه الكتل إما خوفا منها لقدرتهم على العزل متى شاؤوا أو لأنه يحتاجهم ليتقوى بهم، أو لأنهم هم الذين أوصلوه إلى هذا

ص: 394

الموقع فلا بد أن ينفذ مصالحهم، فلا يوجد مستقل حقيقي في هؤلاء المسؤولين عن محاربة الفساد، لأنه ببساطة لا يستطيع مستقل أن يصل إلى هذه المؤسسات (المستقلة) إذا لم ترشحه الأحزاب المؤثرة وتدعمه.لذا نجد مؤسسات النزاهة والتفتيش لا تمس أحدا ممن يتكئ على هذه الكتل السياسية ويداري مصالحها اللامشروعة ولا تظهر من الأسماء والفضائح إلا بمقدار ما يسمح به هؤلاء القادة لغير المرتبطين بهم والويل لهم إذا مسّوا مصالح هؤلاء المتنفذين.

وقد استاء بعض قادة البلد حينما استعملتُ في أحد خطاباتي(1) المثل المتداول (حاميها حراميها) وكان عليهم أن يستاءوا من الواقع المؤلم الذي تعيشه مؤسسات الدولة وإني لم أنقل إلا الواقع وما يشعر به الشعب، وكان عليهم أيضا أن يراجعوا أنفسهم لا أن يستاؤوا من كلمة حق ولو كانت مرة، وإلا فمن المسؤول عن هذا الفساد الذي لا نظير له في العالم إذا لم يكونوا هم؟ أليست الوزارات بأيديهم وبيدهم مقاليد الأمور؟ فلماذا لا نصارح الناس ونعمل بإخلاص لحفظ حقوقهم وثرواتهم وإنفاقها وفق المعايير الصحيحة.

إن هذه الحالة أنهكت شعبنا وبددت ثرواتهم ونخرت مؤسساتهم وأفقدت الثقة لدى كل مستثمر يحاول أن يساهم في إعمار العراق وإصلاح حال أهله، وان معالجتها تتطلب تضافر جهود كثيرة على مدى طويل .

إن أي نجاح نحققه في هذا المجال سيساهم بقوة في القضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه وتقطيع أوصاله، ومن العبث بذل الجهود والأموال في

ص: 395


1- راجع الخطاب (127) المتقدم الصفحة (323) من هذا المجلد.

المجالات الأخرى وغض النظر عن الحلول الحقيقية لمعالجة الفساد الإداري والمالي الذي هو الشريان الحيوي للإرهاب والخراب والدمار والحرمان الذي أضر بالبلد وأهله، وبعض هذه الحلول إستراتيجية نبدأ بها من الآن، كتربية الأمة على الشعور بالمسؤولية، وحرمة المساس بالمال العام أو الإضرار بمصالح البلد ومؤسساته ونشر ثقافة حب الخير لكل الناس (أحبب لأخيك ما تحب لنفسك واكره له ما تكره لها) والرحمة بهم والمساواة في الحقوق والواجبات وأن (خير الناس من نفع الناس)، والتسامي عن الأنانيات والمصالح الشخصية والحزبية، وهذه وظيفة علماء الدين والمفكرين والخطباء والكتاب والإعلاميين. وبعض الحلول آنية كإعادة النظر في تقييم الأشخاص والمؤسسات وهيكلتها الإدارية، وجعل المفتش العام في الوزارة مستقلا عنها ويؤسس ديوان التفتيش العام يرتبط به المفتشون العامّون ويكون رئيس الديوان بدرجة وزير والمفتش العام في الوزارة بدرجة وكيل وزير .

وهنا أود اقتراح مشروع وهو أن يكون ترشيح الأشخاص المستقلين إلى المؤسسات الحكومية المسؤولة عن النزاهة والتفتيش ومحاربة الفساد عن طريق الأحزاب والفعاليات السياسية غير المشاركة في الحكومة، إما لاختيارها لنفسها أن تكون في صف المعارضة الايجابية والنقد البنّاء، أو أن مقاعدها في البرلمان لايؤهلها لتحصيل حقيبة وزارية، أو أنها تمتلك حضورا سياسيا وشعبيا فاعلا لكنها لم تحصل على مقعد في البرلمان لسبب أو لآخر، مع مراعاة ما يقتضيه النظام الداخلي لعمل هذه المؤسسات من الاستقلالية والمهنية وغيرها من الشروط، وبذلك نحقق عدة نتائج مهمة:

ص: 396

1-اكتمال العملية الديمقراطية بوجود معارضة ايجابية فاعلة تمارس دورها المؤثر في تقويم المسيرة ورصد الأخطاء ومعالجتها وتقديم الحلول.

2-مصداقية مؤسسات الرقابة والتفتيش وصيانة المال العام بعد تحريرها من هيمنة الكتل التي تدير الوزارات والمتهمة بمباشرة الفساد أو عدم السعي الجاد لإصلاحه.

3-تخفيف الاحتقان السياسي الناشئ بسبب إقصاء وتهميش أو غياب عدد من الكيانات عن المشاركة في الحكومة، وستكون حينئذ هذه المشاركة ممارسة مهمة لدورها مما ينزع فتيل الأزمة.

4-انسيابية تشكيل الحكومة وتجنب حالات الشد والجذب والتلكؤ والتأخير الذي بلغ عدة أشهر، وكان أحد أسبابه حرص الجميع على أن يكون له مكان في الحكومة؛ لأن وجوده السياسي مرتبط بهذا المكان مما يولد حالة تدافع وتصادم في المصالح والاستحقاقات تجعل مخاض ولادة الحكومة عسيراً، فإذا اطمأن عدد من الكيانات السياسية أن وجوده محفوظ من خلال المشاركة في بناء هذه المؤسسات المراقبة لعمل الحكومة فانه سيقلل من حالة التدافع هذه.

إني أأمل أن يجد هذا المشروع آذانا صاغية لدى البرلمان الموقر فيكلف هذه الكيانات بتشكيل هيأة لإعادة دراسة وضع هذه المؤسسات وتقييم أشخاصها ووضع هيكلية مناسبة لعملها وتفعيل دورها بالحزم والشجاعة والإخلاص لله والوطن والشعب وعدم المجاملة والمداهنة.

29/شعبان/1427ه- 23/ 9/ 2006م

ص: 397

خطاب المرحلة 133 :تذكرة في العشر الأواخر من شهر رمضان

تمثّل العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك روح الشهر وخلاصته، وفيها يحصد العبد ثمرة أعماله الصالحة ويستشعر نتائجها بفضل الله تبارك وتعالى، ويهب الله تبارك وتعالى فيها من الألطاف والمنن لعباده، والبركات على موائده ما يزيد على ما قدّمه في سائر أيام الشهر ولياليه.

ويكفي في شرفها وعظمتها أن فيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وفيها الليلة الأخيرة التي ورد أن الله تعالى يعتق فيها رقاباً من النار كمثل ما أعتق في جميع الشهر(1).

ولذا حظيت هذه العشرة باهتمام كبير من لدن رسول الله (صلی الله علیه و آله) والأئمة الطاهرين (علیهم السلام)، ففي رواية صحيحة عن الحلبي عن أبي عبد الله الصادق (علیه السلام) قال: (كان رسول الله (صلی الله علیه و آله) إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد، وضربت له قبة من شعر، وشمّر المئزر وطوى فراشه)(2).

وروي عن الإمام الصادق (علیه السلام) عن آبائه قال: (قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): اعتكاف عشر في شهر رمضان تعدل حجتين وعمرتين)(3).

ص: 398


1- الكافي: 4/ 68، التهذيب: 4/ 193، من لا يحضره الفقيه: 2/ 60، ثواب الأعمال: 90، أمالي الصدوق: 56.
2- و (3) وسائل الشيعة: كتاب الاعتكاف، باب 1، ح1، 3.

ومن الواضح أن المراد من الاعتكاف: روحه وجوهره، وهو الانقطاع عن كل ما يشغل عن الله تبارك وتعالى فضلاً عن المعاصي، وهذا ما قد يستطيع المؤمن تحقيقه في غير المسجد، أي في داره أو محل عمله، لكن الاعتكاف في المسجد الجامع الذي أقلّهُ ثلاثة أيام هو الراجح شرعاً وفضلاً في الشكل والمضمون.وعلى هذا سار السلف الصالح متأسّين بنبيهم الكريم (صلی الله علیه و آله) حيث كانوا يخففون كثيراً من علاقاتهم الاجتماعية ويغيّرون نمط حياتهم ويتركون غير الضروري من المباحات ليتفرّغوا لعبادة ربّهم ومناجاته والاشتغال بما يقرّبهم إلى الله تبارك وتعالى.

إن الألطاف الإلهية الإضافية التي يمن الله تعالى بها على عباده في العشر الأواخر ليستشعرها المؤمن من خلال الشحنة الإضافية التي تدبّ فيه فينشط لطاعة الله تبارك وتعالى أكثر من غيرها، وتزيد همته للإتيان بما عجز عنه في غيرها.

وقد تضمنت كتب السنن والمستحبات أعمالاً لهذه الليالي تشكل برنامجاً يأنس به المؤمنون، ويشتاق إليه طلاب القرب من الله سبحانه، وهي موزعة تحت عدة عناوين كالأعمال العامة لشهر رمضان، والأعمال المشتركة للعشر الأواخر، والأعمال الخاصة بكل ليلة منها، مضافاً إلى الأعمال المشتركة والخاصة لليالي القدر في الليالي التي تحتملها.

وينبغي التفات إلى أنواع أخرى من الطاعات المعنوية كمحاسبة النفس وتذكر ما صدر من معاصي والندم عليها والاستغفار منها، والتفكر في العلاقة

ص: 399

مع الله تبارك وتعالى بكل جوانبها كحب الله تعالى أو الشعور بالتقصير أمام عظيم نعمه أو الخجل من عدم أداء وظائف العبودية، ومن الأعمال أيضاً سماع الموعظة وما يرقق القلب، ومطالعة وصايا المعصومين (علیهم السلام) وسير الصالحين للتأسّي بهم، وقضاء حوائج الناس وإدخال السرور عليهم.إن أول شعور للإنسان المؤمن حينما يبلّغه الله تبارك وتعالى العشر الأواخر من شهر رمضان هو العجز عن أداء الشكر لله تعالى على بلوغ هذه الأيام الشريفة ولم يجعله من السواد المخترم قبلها، أي الذين جاءهم الموت واخترمهم الأجل فلم يدركوا هذه الليالي الشريفة، فإن هذه العشرة أولى بالفضل والشكر من العشرة الأولى من شهر ذي الحجة التي ورد في أدعيتها (اللهم هذه الأيام التي فضّلتها على الأيام وشرّفتها قد بلّغتَنيها بمنّك ورحمتك فأنزل علينا من بركاتك وأوسع علينا فيها من نعمائك).

إن مما يؤسف له أن الحالة العامة للناس هي التراخي والفتور في هذه الليالي على عكس ما هو مطلوب من زيادة الهمة ومضاعفة النشاط وتكريس الإنسان نفسه لطاعة الله تبارك تعالى، حتى أن البعض يتوقف عن تلاوة القرآن بعد أن يختمه في ليلة القدر، مع أن شهر رمضان كله هو ربيع القرآن، ولعل لهذا الفتور عدة أسباب :

1- الغفلة عن عظمة هذه الليالي وشرفها وما أعد الله تبارك وتعالى فيها للعاملين .

2- إرهاصات العيد والاستعداد له بشراء الملابس وتهيئة الأطعمة ووضع برامج الاحتفال .

ص: 400

3- التعب من فريضة الصوم واشتياق الإنسان للعودة إلى ممارسة المباحات.

4- انتهاء مجالس الوعظ والإرشاد والتوجيه والتبليغ والشعائر الدينية حيث تختم هذه المجالس في ليلة (21) أو(23) ونادراً ما تتجاوز ليلة (25) .

5- تحول برامج التلفزيون بشكل ملحوظ نحو المجون والفسق والفجور .

فتساهم هذه الأسباب وغيرها في عزوف الناس عن ارتياد المساجد وسماع الكلمات التي تشدهم إلى الطاعة .

لذا ينبغي لنا ونحن نستقبل هذه الليالي أن لا نفرط في استثمارها من خلال عدة نشاطات:

1- المواصلة على حضور المساجد وإقامة صلوات الجماعة والأدعية الجماعية الحاشدة .

2- الحث على القيام بعبادة الاعتكاف لمن يتيسّر له ذلك، فإنها من أعظم السنن وعقدها في المساجد الجامعة لأهل المدينة مع الالتفات إلى الاعتكاف المعنوي الذي ذكرناه، ومراقبة النفس بشدة خشية وقوعها في العجب والرياء والتباهي أمام الناس؛ لأن هذه الفعالية مظنة للوقوع في تلك الآثام فيفسد الإنسان على نفسه.

3- الاستمرار بمجالس الوعظ والإرشاد والتوجيه وإحياء الشعائر الدينية وإلقاء المحاضرات .

4- استثمار فترة إقبال النفس للقيام ببعض الأعمال التي اشرنا إليها .

5- الإكثار من الدعاء والتوسل إلى الله تبارك وتعالى وطلب الفوز بالجنة والعتق من النار والتعجيل لظهور بقية الله الأعظم وطلب قضاء حوائج الدنيا

ص: 401

والآخرة له ولسائر المؤمنين .6- اجتناب موارد الغفلة واللهو والعبث والصد عن ذكر الله تعالى كلعبة المحيبس ومتابعة التلفزيون وحضور مجالس البطالين.

فإذا علم الله تعالى منا الإخلاص ورأى حركة جماعية بهذا الاتجاه فسيرفع عنّا البلاء وسيعطينا فوق سؤلنا فإنه الكريم الرحيم الذي لا تنقص خزائنه ولا تزيده كثرة العطاء إلا جوداً وكرماً .

21 رمضان 1427ه-

ص: 402

خطاب المرحلة 134 :الآمال معلقة بوثيقة مكة المكرمة لإنهاء العنف في العراق

خطاب المرحلة 134 :الآمال معلقة بوثيقة مكة المكرمة لإنهاء العنف في العراق(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

[الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَ-ذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ]

إننا في العراق نشعر بجزيل الشكر والامتنان للسادة الذين عملوا بجد وإخلاص لتنظيم مؤتمر علماء الدين الإسلامي في مكة المكرمة من اجل حقن الدم العراقي الذي يسفك يوميا بلا مبرر ، ولقد أبلغت شكري هذا إلى السيد الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي الذي اتصل بي هاتفيا من جدة يدعوني لحضور هذا التجمع المبارك ونقلت له حرص المرجعية الرشيدة في النجف الأشرف عاصمة العلم والفكر والسلام على إنجاح هذا المؤتمر، وأن يكون بداية النهاية لهذه الفتنة العمياء التي تعصف بالعراق.

ص: 403


1- نص الخطاب الذي وجهه سماحة الشيخ اليعقوبي من خلال وسائل الإعلام إلى المشاركين في مؤتمر علماء الدين العراقيين من السنة والشيعة قبل عقده بيوم واحد، وقد تم التوقيع على وثيقة مكة المكرمة مساء يوم الجمعة 26/رمضان/1427 الموافق 20/ 10/ 2006 في فندق مجاور للبيت الحرام ووقّعها ثمانية وعشرون شخصاً مناصفة بين الشيعة والسنة.

أيها الأحبة المجتمعون في اشرف بقعة عند بيت الله الحرام وفي اشرف زمان وهي العشر الأواخر من شهر رمضان التي تتضمن ليلة هي عند الله خير من ألف شهر، إننا وان كنا لم نحضر معكم بأبداننا إلا أن مشاعرنا وآمالنا متعلقة بكم وقد أرسلنا وفداً رفيع المستوى ليوقع على الوثيقة الصادرة عنكم، وقد اطلعت على كل بنودها(1) فوجدتها جامعة لخصال الخير والسلام والتسامح

ص: 404


1- نص وثيقة مكة المكرمة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد: بناءً على ما آلت إليه الأوضاع في العراق، وما يجري فيه يومياً من إهدار للدماء وعدوان على الأموال والممتلكات تحت دعاوى تتلبس برداء الإسلام، والإسلام منها براء، وتلبية لدعوة الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وتحت مظلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع للمنظمة.. نحن علماء العراق من السنة والشيعة، اجتمعنا في مكة المكرمة، في رمضان من عام 1427ه- وتداولنا في الشأن العراقي، وما يمر به أهله من محن ويعانونه من كوارث، وأصدرنا الوثيقة الآتي نصها: أولاً: المسلم هو من شهد أنه لا إله لا الله وأن محمداً رسول الله، وهو بهذه الشهادة يعصم دمه وماله وعرضه إلا بحقها وحسابه على الله. ويدخل في ذلك السنة والشيعة جميعاً، والقواسم المشتركة بين المذهبين أضعاف مواضع الاختلاف وأسبابه، والاختلاف بين المذهبين –أينما وجد - هو اختلاف نظر وتأويل وليس اختلافاً في أصول الإيمان، ولا في أركان الإسلام، ولا يجوز شرعاً لأحد من المذهبين أن يكفر أحداً من المذهب الآخر؛ لقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما)، ولا يجوز شرعاً إدانة مذهب بسبب جرائم بعض أتباعه. ثانياً: دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم عليهم حرام. قال الله تعالى: [ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما]، وقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)، وعليه فلا يجوز التعرض لمسلم شيعي أو سني بالقتل أو الإيذاء، أو الترويع أو العدوان على ماله أو التحريض على شيء من ذلك، أو إجباره على ترك بلده أو محل إقامته أو اختطافه أو أخذ رهائن من أهله بسبب عقيدته أو مذهبه، ومن يفعل ذلك برئت منه ذمة المسلمين كافة مراجعهم وعلماؤهم وعامتهم. *** ثالثاً: لدور العبادة حرمة، وهي تشمل المساجد والحسينيات وأماكن عبادة غير المسلمين، فلا يجوز الاعتداء عليها أو مصادرتها أو اتخاذها ملاذاً للأعمال المخالفة للشرع، ويجب أن تبقى هذه الأماكن في أيدي أصحابها، وأن يعاد إليهم ما اغتصب منها وذلك كله عملاً بالقاعدة الفقهية المسلمة عند المذاهب كافة أن (الأوقاف على ما اشترطه أصحابها) وأن (شرط الواقف كنص الشارع) وقاعدة أن (المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً). رابعاً: إن الجرائم المرتكبة على الهوية المذهبية كما يحدث في العراق هي من الفساد في الأرض الذي نهى الله عنه وحرمه في قوله تعالى: [وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد]، وليس اعتناق مذهب، أياً ما كان، مسوّغاً للقتل أو العدوان ولو ارتكب بعض أتباعه ما يوجب عقابه إذ [ولا تزر وازرة وزر أخرى]. خامساً: يجب الابتعاد عن إثارة الحساسيات والفوارق المذهبية والعرقية والجغرافية واللغوية، كما يجب الامتناع عن التنابز بالألقاب وإطلاق الصفات المسيئة من كل طرف على غيره، فقد وصف القرآن الكريم مثل هذه التصرفات بأنها فسوق قال تعالى: [ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون]. سادساً: ومما يجب التمسك به وعدم التفريط فيه، الوحدة والتلاحم والتعاون على البر والتقوى، وذلك يقتضي مواجهة كل محاولة لتمزيقها قال تعالى: [إنما المؤمنون إخوة]، وقال [وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون]، ومن مقتضى ذلك وجوب احتراز المسلمين جميعاً من محاولات إفساد ذات بينهم وشق صفوفهم وإحداث الفتن المفسدة لنفوس بعضهم على البعض الآخر. سابعاً: المسلمون من السنة والشيعة عون للمظلوم ويد على الظالم، يعملون بقول الله تعالى: [إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن== ==الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون]، ومن أجل ذلك يجب العمل على إنهاء المظالم، وفي مقدمتها إطلاق سراح المختطفين الأبرياء والرهائن من المسلمين وغير المسلمين. وإرجاع المهجرين إلى أماكنهم الأصلية. ثامناً: يذكّر العلماء الحكومة العراقية بواجبها في بسط الأمن وحماية الشعب العراقي وتوفير سبل الحياة الكريمة له بجميع فئاته وطوائفه، وإقامة العدل بين أبنائه، ومن أهم وسائل ذلك إطلاق سراح المعتقلين الأبرياء، وتقديم من تقوم بحقه أدلة جنائية إلى محاكمة عاجلة عادلة وتنفيذ حكمها، والإعمال الدقيق لمبدأ المساواة بين المواطنين. تاسعاً: يؤيد العلماء من السنة والشيعة جميع الجهود والمبادرات الرامية إلى تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة في العراق عملا بقوله تعالى: [والصلح خير]، وبقوله [وتعاونوا على البر والتقوى]. عاشراً: المسلمون السنة والشيعة يقفون بهذا صفا واحدا للمحافظة على استقلال العراق، ووحدته وسلامة أراضيه، وتحقيق الإرادة الحرة لشعبه؛ ويساهمون في بناء قدراتهم العسكرية والاقتصادية والسياسية، ويعملون من أجل إنهاء الاحتلال، واستعادة الدور الثقافي والحضاري والإسلامي والإنساني للعراق.

ص: 405

والاتفاق على بناء أسس الحياة الكريمة، لذا فاني ألزم جميع العراقيين بالعمل بما ورد في الوثيقة الموقع عليها ولا يجوز لأي أحد خرقها ومخالفتها ومن يفعل ذلك فانه ليس فقط يظلم نفسه وإنما يظلم أمته. ويجب على كل الدول التي لها تأثير في أحداث العراق أن تلتزم بها لأن الفتنة إذا وقعت –لا سامح الله- فإنها لا تقتصر على المباشرين لها، قال تعالى [وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً] (الأنفال:25) وهذا الحكم واجب الإتباع ليس فقط على أتباع المرجعية التي أصدرته وإنما على الجميع؛ لأن من الثابت فقهياً إن حكم الحاكم الشرعي لا يجوز نقضه حتى لمجتهد غيره .

ص: 406

لقد بدأنا بمثل هذه الخطوة المباركة في محافظة البصرة قبل شهر رمضان المبارك وتنعّم بثمارها الطيبة كل أهل البصرة وشهد العدو والصديق بنجاحها في وقف العنف؛ لإيمان الجميع بضرورة الالتزام بها، ونحن اليوم مدعوون إلى تعميمها إلى كل أنحاء العراق .إن الشعب العراقي بكل طوائفه وأعراقه يطلب من حملة السلاح تحت أي مبرر كان عدا القوات الرسمية المسؤولة عن بسط الأمن وسيادة القانون إلى إلقائه من حين التوقيع على هذه الوثيقة المباركة حتى نعطي الفرصة للحوار وحل كل العقد التي أدت بنا إلى هذا الحال، وقد كان عندي أمس السيد رئيس الوزراء وعبر بوضوح عن استعداده الكامل للتقدم في كل اتجاه يخرج العراق من محنته.

وإذا كان عندكم مانع من الحوار مع البعض لسبب أو لآخر فأنا بخدمتكم وقلبي وعقلي مفتوح لكم ولا يوجد عندي ما يوجب صدودكم، فأنا مسلم اشهد أن لا اله إلا الله وان محمد رسول الله (صلی الله علیه و آله)، وأنا عربي أصيل يرجع نسبي إلى قبيلة الأوس الأنصارية التي آوت رسول الله (صلی الله علیه و آله) ونصرته، وأنا عراقي ولدت أنا وآبائي وأجدادي في النجف الأشرف وعشت محنة شعبي في كل مراحلها ولم أغادر بلدي، وليس لأحد في الشرق ولا في الغرب تأثير علي ولا سلطان علي إلا الله تبارك وتعالى ولا اتبع إلا الحق ، ومواقفي الوطنية مشهودة وآخرها الوقوف بحزم ضد كل مشاريع تفتيت العراق وتجزئته تحت مختلف المسمّيات، ويمكن التواصل معي مباشرة أو عبر الهاتف أو من خلال قنوات موثوقة وسأكون خير عون بلطف الله تبارك وتعالى لإحقاق الحق

ص: 407

وإزهاق الباطل ، فاتركوا السلاح جانباً وأعطوا فرصة للحوار لا تقل عن شهرين لتجتمع كل ألأطراف المعنية في موسم الحج المبارك وتدرس النتائج التي ستكون حتماً مباركة طيبة لأنها تحظى برعاية الله عظمت آلأوه .إنكم بالتزامكم جميعاً بهذه الوثيقة ستسحبون الذرائع من قوات الاحتلال التي تبرر وجودها بتردي الوضع الأمني، وتفشلون مشاريع تقسيم العراق التي تجعل العنف الطائفي سبباً وتصور التقسيم وكأنّه الحل الوحيد لإنهاء هذه الحالة.

أيها الإخوة في الله تعالى:

إني أعلم وأنتم تعلمون أن العنف الذي يشهده العراق ليس طائفياً فقد عشنا في كل الأزمنة السابقة وحتى الآن سنة وشيعة متآخين متحابين، وإنما هو في الغالب سياسي ويتولى كِبَره سياسيون طامعون في السلطة والإثراء بغير حق [لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً] (التوبة:10) وإنما يلبسونه ثوب الطائفية ليعبّئوا لمعركتهم هذه من يسير على غير هدى، لذا لابد من الشروع فور البدء بالالتزام بوثيقة مكة المكرمة بإصلاحات سياسية جذرية، وقد تداولت مع عدد من الأخوة المسؤولين بأفكار مهمة في هذا المجال تجعل كل شيء قابلاً للنقاش إلا ما حرّم حلالاً أو أحلّ حراماً في شريعة سيد المرسلين.

أيها الأحبة :

إن الشعب العراقي متدين ومنصاع إلى علمائه وهذا من لطف الله تعالى بنا، فاستثمروا هذه الحالة لضبط حركته وتوجيهه نحو ما يصلح حاله ، وإذا لم نقم بواجبنا هذا فنحن مسؤولون أمام الله تعالى عن هذا التقصير والخذلان [وَقِفُوهُمْ

ص: 408

إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ] (الصافات:24) وأذكر الجميع بالحديث النبوي الشريف (صنفان إذا صلحا صلحت الأمة وإذا فسدا فسدت الأمة : العلماء والأمراء). إن العلماء ورثة الأنبياء وكان الأنبياء خصوصاً نبيّنا العظيم محمد (صلی الله علیه و آله) رحمة للعالمين فلنكن كذلك رسل رحمة وسلام لكل البشر وليس لطائفة دون أخرى أو قومية دون أخرى. محمد اليعقوبي

25/شهر رمضان/1427

ملاحظة: كاد المؤتمر أن يفشل بسبب عدم تمثيل المرجعيات الدينية وعدم حضور العلماء من الصف الأول، ولكن التشجيع والدعم الذي حصل عليه الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي البروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلو خلال اتصاله الهاتفي مع سماحة الشيخ اليعقوبي يوم 21/ رمضان / 1427 ووعد سماحته بإنجاح المؤتمر بكل ما يتيسر له و منها تأييد الوثيقة بهذا الخطاب القوي المحكم، وبعث وفداً كبيراً ضم فضيلة الشيخ محمد الهنداوي والسيد حسين المرعبي نائب رئيس ديوان الوقف الشيعي والشيخ علي القريشي والشيخ أحمد الكعبي ، وقام الوفد بتوزيع نسخ من الخطاب على كل الحاضرين . وقد تلا مستشار الأمين العام فقرات مهمة من الخطاب على المشاركين في المؤتمر بعد التوقيع على الوثيقة.

ص: 409

ص: 410

مختارات من أحاديث سماحة الشيخ التي نُشرت في صحيفة الصادقين الأعداد 17-49

اشارة

ص: 411

من فقه الشرطة والأجهزة الأمنية

من فقه الشرطة والأجهزة الأمنية(1)

س: هل يجوز للفرد العراقي التطوع لسلك الشرطة العراقية في الوقت الحاضر وفي هذه الظروف مع وجود قوات الاحتلال ؟ وهل التطوع لحفظ الأمن واجب كفائي أم عيني ؟

بسمه تعالى: كانت الشرطة وأجهزة الأمن عموماً وسيلة بيد السلطات الجائرة لقمع الشعب ومصادرة حقوقه وحرياته، ولم تتورع عن ارتكاب أفظع الجرائم التي يندى لها الجبين، ولم يكن لها قانون عادل تسير وفق ضوابطه، ولا كانت تتيح الفرصة لمن يعدونه هم متهماً أن يدافع عن نفسه ولا حتى أن يلتقي بأهله وذويه؛ لذا كان الانتماء إلى هذه الأجهزة الظالمة محرماً، أما اليوم وقد عادت السلطة إلى الشعب بحيث أصبح يختار مرشحيه بملء إرادته وحريته ويكتب دستوره وقوانينه بيده فقد ارتفع الحظر السابق وصار الانتماء إلى هذه الأجهزة واجباً على المؤمنين القادرين النزيهين المخلصين؛ ليحفظوا الأمن والنظام، وليحموا الشعب من جرائم القتلة والإرهابيين والحاقدين، وليأمروا بالمعروف ولينهوا عن المنكر، بمحاربة الفساد والانحراف والعصيان العلني للشريعة المقدسة، وليشجعوا ويشاركوا في الأعمال الحسنة .

ولا بد أن يملأوا كل مواقع هذه الأجهزة آمرين ومأمورين؛ لكيلا يتركوا ثغرة يخترق منها أعداء الشعب؛ ليواصلوا جرائمهم وترويعهم للأبرياء الآمنين، وعليهم أن يلاحظوا حدود الشريعة في عملهم فإن الله تعالى يقول: [وَمَنْ يَتَعَدَّ

ص: 412


1- نُشر في العدد (17) من صحيفة الصادقين.

حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (البقرة:229)، وهي ليست صعبة وربما سنبين بعضها من خلال الإجابة عن الأسئلة التالية بإذن الله تعالى .وليعلم أبنائي وإخواني ممن التحق بهذه الأجهزة أنهم أمل الأمة في هذه المرحلة الصعبة من حياتها، وعيون الناس تتطلع إلى همتهم وجهودهم في إنجاز المسؤوليات الملقاة على عاتقهم، وليتذكروا أن أول جهاز شرطة في التاريخ أسسه أمير المؤمنين (علیه السلام) حينما دعا إلى تشكيل (شرطة الخميس) وانضم إليها عيون أصحابه وكانوا على مقدمة فعالياتها، فإن أحسنوا في أعمالهم ألحقهم الله تبارك وتعالى بأمير المؤمنين (علیه السلام) وأصحابه النجباء البررة الذين مضوا على ما مضى عليه من اقتلاع جذور الفساد والإرهاب والجريمة والانحراف.

أما ما ذكر في السؤال من وجود قوات الاحتلال فإننا نعتقد أن تشكيل الأجهزة الأمنية المخلصة وتجهيزها بما يساعدها على أداء مهامها بنجاح، هي خطوة مهمة لطرد الاحتلال وتفنيد مبررات وجوده، بعكس ما يقوم به الإرهابيون فإنهم يوفرون المبررات لبقاء المحتل متذرعاً بسوء الأوضاع الأمنية وعدم قدرة أجهزة الأمن على بسط القانون، فهم يقدمون خدمة جليلة للمحتل وإن ادعوا (المقاومة) و (الجهاد).

س: يعاني بعض المتطوعين من أمر بعض الضباط والمسؤولين لحلق اللحية وهو حرام كما معروف خصوصاً أن هذه التصرفات من الضباط قد تكون شخصية أي غير قانونية، فما حكم من يُهدد بالطرد إذا لم يحلق لحيته إذا كان مضطراً للعمل لسوء وضعه المادي ، وإذا كان هناك

ص: 413

قانون يقضي بحلق اللحية فنطالب بإلغائه . بسمه تعالى: لا يوجد قانون رسمي يمنع موظفي الدولة مدنيين وعسكريين من إبقاء شيء من اللحية، وإن عدداً من كبار قادة الدولة هم ملتحون، كما أن القيافة العسكرية لا تتنافى مع هذا المقدار اليسير من اللحية، فإن عدداً من جيوش العالم فيها ملتحون على أعلى المستويات، فمن هنا نحن ندعوا آمري الوحدات العسكرية أن لا يجبروا المنتسبين على حلق اللحية بحيث لا يبقى لها أثر؛ فإنهم بذلك يعصون الله تبارك وتعالى بناءً على المشهور لدى علماء المسلمين قاطبة من حرمة حلق اللحية، ولا أعتقد أن عاقلاً يقبل التورط بعصيان المنتقم الجبار.

س: هناك بعض الأفراد يأخذون من الناس مبالغ نقدية لغرض تسهيل تعيينهم في سلك الشرطة، ما حكم هذه الأموال؟ وما حكم الدافع مع الاضطرار؟

بسمه تعالى: لا يجوز اخذ هذه الأموال لأنها بغير حق فهي سحت، وإن ما يقوم به الموظف من عمل يتلقى مرتباً شهرياً عليه ولا يجوز أخذ أجرين على عمل واحد، وهو ليس فقط يظلم نفسه بهذه المعصية وإنما هو خائن لامته لأنه بفرضه لهذه العمولات يعوق - ولو جزئياً - انتماء الشباب لهذه الأجهزة وحرم الأمة من جهودهم فإلى أي حد تصل أنانيته؟! هذا بالنسبة لآخذ المال أما الدافع فإن انحصر تعيينه ببذل المال فيجوز له بذله وليحتسبه عند الله تعالى .

س: يقوم بعض أفراد الشرطة بتفتيش المراجعين كيف تتم عملية

ص: 414

التفتيش شرعاً وبما تنصحونهم؟بسمه تعالى: يجب أن يكون التفتيش بشكل لا يؤدي إلى إهانة الناس وإيذائهم، وفي نفس الوقت يجب على القائمين بعمليات التفتيش الحذر واليقظة وأن لا يحسنوا الظن بأحد فإن مقتضى عملهم هو ذلك، وأن يراعوا الأحكام الشرعية الأخرى كتصدي امرأة لتفتيش النساء ونحوها.

س: إذا عثر أفراد الشرطة أثناء تفتيش الدور أو السيارات على أسلحة خفيفة أو ثقيلة، ما حكم التعامل مع هكذا حالة؟ وما حكم من يأخذ مبالغ نقدية لغرض غض النظر ؟

بسمه تعالى: عليهم أن يتبعوا القواعد المرعية لحفظ النظام الاجتماعي العام من لزوم حصول حامل السلاح على ترخيص خاص وأن يثبت حسن سيرته، وعد استعماله في الموارد غير المشروعة كالدفاع عن النفس ونحوه، ومن يغض النظر عن مثل هذه المخالفات الخطيرة فإنه خائن لله ولرسوله وللأمة، ولا يستحق البقاء في سلك الشرطة .

س: ما هو واجب الشعب من ناحية تعاملهم مع رجال الشرطة عموماً، بسبب عدم احترام بعض الناس للشرطة للنظرة السيئة عن الشرطة بعهد الطاغية المقبور؟

بسمه تعالى: على الشعب أن يعي ما قلناه في جواب السؤال الأول فإن هذا الجهاز أصبح منه وله وصار يقف معه في خندق واحد، وقد شهد يوم الانتخابات تلاحماً رائعاً بين الشعب والأجهزة الأمنية الذين قاموا بواجبهم خير

ص: 415

قيام وساهموا في إنجاح العملية، ولا ننسى ذلك البطل الذي حمى بنفسه طابور الناخبين فسحب الإرهابي وتفجّر معه. فيجب على الشعب احتضان هذا الجهاز ورعايته وتقديم الدعم إليه، فإن العراق الجديد لا يبنى إلا بتكاتف أبنائه ومساهمتهم جميعاً في تحمل المسؤولية، فإن أجهزة الحكومة مهما كثر عددها لا تستطيع لوحدها أن تحفظ الأمن والاستقرار والنظام إذا لم يشارك كل أفراد الشعب، ففي هولندا مثلاً يسمون المتقاعدين (حراس الوطن) لأنهم يستغلون فراغهم بالجلوس على أبواب دورهم أو في الحدائق العامة ونحوها وينبهون السلطات المختصة إلى أي حالة مريبة كوجود غريب أو تجمع مشبوه أو حركة غير طبيعية، وكم ساهموا في اكتشاف جريمة أو المنع من وقوعها والقبض على المفسدين .

إن من علامات الأمم المتحضرة الشعور بالمسؤولية وتحملها وعدم الاتكال على الآخرين، وهو مبدأ إسلامي أصيل أسّسه الحديث الشريف (من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم) ومن أشكال المساهمة في إنجاح عمل هذا الجهاز:

أ - حث الشباب الملتزمين القادرين على الانضمام إليه.

ب - تقديم المعلومات الدقيقة للأجهزة الأمنية عن خلايا المفسدين والمخربين وأماكن المنكرات وتشكيل لجان شعبية لجمع مثل هذه المعلومات.

ج- - تقديم الخدمات اللوجستية التي تعينهم على عملهم.

د - نشر الوعي وثقافة المحبة والسلام وحب الوطن والناس والتحذير من مغبة التخريب والعناد والانحراف، فإننا نعتقد أن خلق تيار عام في المجتمع

ص: 416

يؤمن بهذه الثقافة من خلال خطباء المساجد والصحافة والتلفزيون والمحاضرات والبيانات كفيل باجتثاث الجريمة من أصولها ونبذ العنف والتطرف والتكفير، وقد جربنا مثل هذه الثمرات المباركة حينما أقام سيدنا الأستاذ الشهيد الصدر (قده) صلاة الجمعة المباركة وخلق مثل هذا التيار فتقلصت الجريمة بمقدار 90 بحسب اعتراف الشرطة والأمن.محمد اليعقوبي

5 صفر 1426 - 15- 3-2005 م

ما هي محاسن ومساوئ الديمقراطية

ما هي محاسن ومساوئ الديمقراطية(1)

التقى سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دامت تأييداته) يوم السبت 8 صفر بحشد ضمّ العشرات من أبناء ناحية الفجر ومثلهم من مدينة قلعة سكر، يتقدمهم عدد من فضلاء الحوزة العلمية ومثقفي ووجوه المدينتين، وبعد أن عبر عدد منهم عن عواطفهم الجياشة تحدث أحد الفضلاء بكلمة مختصرة عن الصراع التأريخي الطويل بين معسكري الحق والباطل وقلة الثابتين على الحق.

ثم ألقى سماحة الشيخ كلمة في الحاضرين أشار فيها إلى ذمّ أتباع الأكثرية على غير هدى من خلال عدة آيات في القرآن الكريم: [وَإِنْ تُطِعْ أكثر مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ] (الأنعام:116)، [وَمَا أكثر النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ]، [وَمَا

ص: 417


1- نشرت في الصفحة الثالثة من العدد (18) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 16 صفر 1426 الموافق 27 آذار 2005.

يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ] (يوسف: 103، 106).وقال:

إن مساوئ الديمقراطية التي يصدرها إلينا الغرب هو تحكيم رأي الأكثرية، وهم غالباً يمكن تضليلهم وتوجيههم بوسائل التأثير المتعددة كالمال والإعلام، لذا تجد أن الناس تعرف عن الفنانين والرياضيين ونحوهم أكثر مما تعرف عن المفكرين وأساتذة الجامعات وقادة الفكر، وبالنتيجة فستفرز الانتخابات صعود ناس غير مؤهلين لقيادة الأمة.

وكان هذا أحد الأسباب التي دعت المرجعية إلى تأسيس حزب الفضيلة الإسلامي لاستقطاب وتنظيم العناصر الكفوءة، ومن ثم الدخول التفصيلي في عملية الانتخابات، مع التأكيد على أن هذه الحالة ليست هي الأصل في نظام الحكم في الإسلام، وحتى لو سرنا بهذه العملية فلابد من وجود آليات لاختبار أهلية المرشحين في الانتخابات.

ثم قال سماحته: إن رأي الشعب محترم في الشريعة ولكن توجد مساحات ليس من شأن عامة الناس التدخل فيها، وقال: أن علينا أن نعمل كل ما بوسعنا لإقناع الأمة بالمشروع الإسلامي لكي تنتخبه وتتوجه إليه فإذا اختارت الأمة غيرنا فهذا من تقصيرنا وفشلنا وإفلاسنا.

ص: 418

الرياضة والشباب قوة للأمة

الرياضة والشباب قوة للأمة(1)

استقبل سماحة الشيخ (دامت تأييداته) يوم الثلاثاء 25 صفر وفداً ضم عدداً من أعضاء فرق المصارعة لمختلف الفئات وفيهم أبطال على الصعيد المحلي والعربي والعالمي في محافظة واسط يتقدمهم عدد من أساتذة جامعة الصدر الدينية فرع الكوت، وعزَّاهم سماحته في بداية حديثه بذكرى وفاة رسول الله (صلی الله علیه و آله)، ثم شرح موقف الإسلام من الرياضة لتصحيح تصور إن الإسلام ينهى عن الرياضة وان ممارستها والمشاركة في ألعابها محرمة.

وقال سماحته إن بعض أنواع الرياضة قد ورد الحث الأكيد على ممارستها والإجادة فيها كالرماية وركوب الخيل والسباحة، وهذا لا يعني إن هذه فقط مستحبة من وجهة نظر الإسلام بل يتعدى الأمر إلى كل رياضة تعود بالنفع على الفرد و الأمة، وهذا ما يسمى لدى الفقهاء ب- (التجريد عن الخصوصية) وبعد أن شرح هذا المبدأ قال سماحته: إن في الرياضة عدة فوائد

منها: تقوية البدن وإعداده إعداداً سليماً فهو مشمول بقوله تعالى: (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة) وفي الأحاديث الشريفة (المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف).

ومنها: الترويح عن النفس وخلق أجواء نفسية هادئة ومرتاحة.

ومنها: إفشاء روح التآلف والتعاون والمودة واللقاء بين الناس حيث ساعدت المباريات الرياضية في التقريب بين الأفراد والدول حتى صارت

ص: 419


1- نشر على الصفحة الأولى من صحيفة الصادقين في عددها ال-(20) الصادر بتأريخ 5 ربيع الأول 1426 الموافق 14 نيسان 2005.

(الروح الرياضية) رمزاً لكل علاقة إنسانية شفافة.ومنها: التدريب على العمل الجماعي المنظم وتوزيع المسؤوليات والمهام لينطلق من الفعالية الرياضية إلى الفعاليات الاجتماعية والدينية وحتى السياسية.

ومنها: التنفيس عن طاقات الشباب واستثمارها في ما هو نافع وهي طاقات عظيمة ومتحمسة ومتفجرة فإذا لم تُستوعَب وتُوظَف في الاتجاه الصحيح فإنها ستكون خطراً على الأمة لأن المفسدين والمخربين سيستثمرونها.

ومنها: إن الرياضة أصبحت اليوم سفيراً للشعوب يوصل همومها وقضاياها ومواقفها إلى كل دول العالم بأقصر طريق، لذا تجد الدول الكبرى تجند تفوقها الرياضي لتحقيق هيمنتها على الآخرين بإعداد أولئك نفسياً أولاً لقبول تسلطها.

واستدرك سماحته بأن الإسلام يريد أن يهذب المجتمع الرياضي ويخلق فيه ثقافة صحيحة تنظم عمله وتوجهه بالاتجاه السليم، فللجمهور الرياضي ثقافة ولحكام الرياضة ثقافة، وللاعبين ثقافة، فنقول للجمهور: ينبغي تجنب التعصب والهوس واللهو الباطل وتبادل الألفاظ البذيئة والأفعال السيئة التي تحصل على مدرجات الملعب.

ونذكّر الحكام إن اثنين عرضا نموذجين للخط على الإمام الحسين (علیه السلام) ليختار الأجود فقال له أبوه أمير المؤمنين (علیه السلام): احذر يا بني فإن هذا حكم والله يسألك عنه، فإذا كانت المسألة تتطلب هذه الدقة والموضوعية والإنصاف والعدالة في هذه الفعالية البسيطة فما رأيك بمباراة تتأثر بها أعداد كبيرة.

أما ثقافة اللاعبين فنقول لهم: تجنبوا الرياضات غير العقلائية كالملاكمة للمحترفين والمصارعة غير المقيدة وتجنبوا الألبسة المنافية للحياء والأخلاق

ص: 420

كالتي يرتديها متسابقو كمال الأجسام واعملوا لما ينفع بلدكم وأمتكم.وبعدها تطرق سماحته إلى نقاء الشباب وصفاء نفسه لقرب عهده بالفطرة وعدم رسوخ الكدورات على قلبه مما يؤهله إلى الارتقاء في مدارج الكمال بسرعة، فعليه أن لا يفوت هذه الفرصة لأن العمر كلما تقدم يصبح من الصعب تهذيب النفوس والعودة إلى الفطرة السليمة، وفي ضوء هذا الاستعداد الإيجابي لدى الشباب تجد إن الرسالات الإصلاحية عبر التأريخ كرسالة الإسلام على يد النبي (صلی الله علیه و آله) إلى حركة سيدنا الأستاذ الشهيد الصدر (قدس سره) تجد المبادرين لاعتناقها والتأثر بها والتفاعل معها هم الشباب.

وفي نهاية حديثه حثهم سماحته على التفوق في دراستهم، ليكونوا قدوة في كل شيء ولبناء أنفسهم فكرياً وعلمياً ولتطوير بلدهم وإعلاء شأن أمتهم خصوصاً في هذه المرحلة، حيث يراد تأسيس عراق حر كريم مزدهر هذا على الصعيد الآني، أما الهدف الاستراتيجي فهو إعداد القواعد الكفوءة المخلصة الموالية التي تملأ كل ميادين العمل تمهيداً لإقامة دولة العدل المباركة على يد صاحب الأمر (أرواحنا له الفداء).

رسالة إلى المغتربين

رسالة إلى المغتربين(1)

استقبل سماحة الشيخ (دامت تأييداته) يوم الجمعة 28 صفر أحد الإخوة العراقيين المقيمين في ولاية مشيغان الأمريكية ووجه من خلاله كلمة مسجلة

ص: 421


1- نشرت على الصفحة الأولى من العدد ال-(20) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 5 ربيع الأول 1426 الموافق 14 نيسان 2005.

بالصوت والصورة إلى المغتربين ضمنها بعض التوجيهات:منها: بناء شخصيتهم العقائدية والأخلاقية والفكرية وكذا أفراد أسرهم بالمقدار الذي يمكنهم من المحافظة على دينهم وأخلاقهم من الضياع ويتم ذلك من خلال قراءة الكتب والحضور في حلقات الدروس واستماع المحاضرات.

ومنها: التواصل مع أبناء بلدهم بالرسائل والمكالمات الهاتفية فضلاً عن دعم مشاريعهم الاقتصادية والثقافية والإنسانية والدينية ومتابعة أخبارهم وقضاياهم الخاصة والعامة؛ لأن مجرد ذكر اسم المؤمن وتذكّره له آثار روحية مفيدة فكيف بالتواصل معه في الأحاديث والهموم والمشاريع فهذه مما تجدد وتبعث روح الانتماء للوطن وللهوية.

ومنها: تجمع المغتربين في كيانات اجتماعية متقاربة أي خلق مجتمعات ملتزمة بدينها وتقاليدها داخل تلك المجتمعات الكبيرة التي تعج بالفسق والفجور، فإيجاد مثل هذه الأجواء تساعد على الاحتفاظ بالشخصية الوطنية والإسلامية وعدم الذوبان في تلك الحضارة الزائفة، وتعمل هذه الكيانات على إحياء المناسبات الاجتماعية كالزواج والمآتم والشعائر الدينية وسائر الفعاليات الأخرى.

ومنها: العمل بقوة على إيصال صوت الإسلام الحقيقي من خلال بث تعاليم وأخلاق أهل بيت النبي (صلی الله علیه و آله)، وسوف تجد الاستجابة السريعة لديهم، قال تعالى: [وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ] (المائدة:82)، فإن تلاوة مثل هذه الآيات

ص: 422

المباركة حتى لو لم يفهموها فإنها تؤثر في نفوسهم.كما روى المرحوم سيد قطب في كتابه (في ظلال القرآن) أنه أمَّ الجمعة في باخرة كانت متوجهة إلى الولايات المتحدة وبعد انتهائه جاءته سيدة يوغسلافية وقالت له: إنني تأثرت بكلامك رغم أنني لا أفهم لغتكم، وكان ضمن كلماتك مقاطع سحرتني أكثر من غيرها وفهم سيد قطب إنها تعني الآيات القرآنية التي كانت تشتمل عليها الخطبتان.

ولنا في سيرة رسول الله (صلی الله علیه و آله) الذي نعيش ذكرى رحيله شواهد أعتقد أنها تؤثر في شخصية الغربيين ومن ذلك انه كان خارجاً في جيش له فرمى أحد أصحابه قطة بحصاة فقال له (صلی الله علیه و آله) استعد للمساءلة يوم القيامة، وفي حادثة مماثلة رأى (صلی الله علیه و آله) طائراً يحوم فوق رأس الجيش ويتابعهم في المسير فسأل (صلی الله علیه و آله) عن حاله فقال أحدهم إنه أخذ صغاراً من عش هذا الطائر فهو يحوم لعدم صبره على فراقها، فأمر (صلی الله علیه و آله) الجيش بالتوقف وأن يعود ذلك الرجل بالصغار إلى العش، ثم قال لأصحابه، إن الله تبارك وتعالى أرحم بعباده من هذا الطائر بصغاره! فأين طواغيت الحضارة المادية والمتسلطون الذين يسحقون شعوباً بأكملها من أجل نزواتهم ومطامعهم؟

ثم قال سماحته إن هذه الدعوة لابد أن تكون بآليات وبلغة مقبولة لديهم ومؤثرة فيهم، مثلاً حدثني أحد الفضلاء في ايرلندا إن خطيباً صعد المنبر ليشرح هدف ثورة الحسين (علیه السلام) فقال: لأن يزيد كان يشرب الخمر ويزني ويضرب بالآلات الموسيقية فلم يجد الحضور مشكلة في ذلك فهذه عندهم المتع واللذات التي يسعون من أجلها، لكن هذا الفاضل - وهو طبيب اختصاصي-

ص: 423

قال إن الإمام الحسين (علیه السلام) أعلن الثورة على يزيد لأنه ظالم ديكتاتور بدد ثروات شعبه على نزواته الخاصة، وحرم الناس من ممارسة حرياته وقتل واعتقل بلا محاكمات قانونية وهكذا، فأيد كل الحاضرين القيام بالثورة، والخطيب طبعاً لم يخرج عن الصدق والواقع لكنه تحدث بلغة تتماشى مع ثقافاتهم.ومنها: تبني قضايا الأمة وإيضاحها لشعوب العالم ليكون تصورهم صحيحاً وبالتالي نحصل على مساندتهم ومساعدتهم وتكسب تلك الشعوب مما يؤدي إلى إيجاد ضغط عالمي باتجاه مطالبنا الحقة لأن للإعلام اليوم دوراً بارزاً في صناعة القرار وتحريكه سلباً وإيجاباً.

سمو الهدف يعين على تجاوز الصعاب

سمو الهدف يعين على تجاوز الصعاب(1)

التقى سماحة الشيخ (دامت تأييداته) يوم الخميس 27 صفر ببعض طالبات كلية طب الأسنان في جامعة بابل وتطرق في حديثه إلى الصعوبات التي يواجهها الطالب في أول دخوله للجامعة ليس من جهة المادة العلمية التي يتلقاها، لأنها لا تختلف كثيراً عن وتيرة تقدمه العلمي، وإنما للتغيرات النفسية والاجتماعية والفكرية ونمط الحياة الجديدة باختلاف ثقافاتها ومستوياتها الاجتماعية وانتماءاتها الجغرافية.

وقال سماحته: إن مما يعين الطالب وأي إنسان رسالي يعيش المعاناة والتعب

ص: 424


1- نشر في الصفحة الثانية من العدد ال-(20) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 5 ربيع الأول 1426 الموافق 14 نيسان 2005.

أن يجعل نصب عينيه الهدف السامي الذي يسعى لتحقيقه فكلما كان الهدف كبيراً فإن المعاناة ستذوب، وإن أحد مناشئ شجاعة أصحاب الحسين (علیه السلام) وموقفهم العظيم الذي سجلوه وضوح الهدف أمامهم، حينما كشف الإمام الحسين (علیه السلام) عن بصائرهم ورأوا توقف مستقبل الرسالة الإسلامية على وقفة شجاعة لا تتجاوز ساعات مهما كانت مؤلمة ومضنية لكنها لا تقاس مع ما سيترتب عليها من آثار خالدة، فكان أحدهم لا يحسّ بجراحه وآلامه لأن كل نظره وهمه إلى ذلك المستقبل الزاهر.وهكذا الإنسان الرسالي يضع نصب عينيه الهدف وحينئذٍ سوف لا يعبأ بما يلاقيه مهما كان عظيماً في الحسابات الدنيوية.

ثم كرر سماحته الرغبة في أن تتوجه طالبات الطب للتخصص في كل فروع الطب والجراحة وأن يبدعن فيها حتى لا تحتاج نساء المؤمنين إلى مراجعة الأطباء الرجال، وحضرت اللقاء ثلة من الأخوات المؤمنات.

الشيخ اليعقوبي يهنئ عالماً عراقياً على بحث مبدع في الفيزياء

الشيخ اليعقوبي يهنئ عالماً عراقياً على بحث مبدع في الفيزياء(1)

علم سماحة الشيخ (دامت تأييداته) من خلال إحدى الصحف المحلية بنبأ اختيار بحثين مبتكرين في الفيزياء ضمن أرقى عشرين بحثاً عالمياً، وقد قام به ثلاثة من الباحثين العراقيين يرأسهم الأستاذ الدكتور عبد المهدي طالب رحمة عميد كلية العلوم في جامعة بغداد، وقد أثار هذا الإنجاز فخر واعتزاز سماحة

ص: 425


1- نشرت على الصفحة الثانية من العدد ال-(20) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 5 ربيع الأول 1426 الموافق 14 نيسان 2005.

الشيخ، فبادر على الفور بكتابة رسالة إلى الدكتور عبد المهدي وبعث وفداً لإيصالها. وقد ضمنها إعجابه بهذا الجهد رغم ما يعانيه العراقيون عامة والعلماء خاصة من محاولات الإبعاد والتهميش والإخفاء، والظروف الصعبة التي تعيشها جامعاتنا المحروسة الناتجة من سياسات صدام وجلاوزته الخرقاء، وأبدى سماحته ألمه لعدم التفات الأمة لرموزها وعلمائها ومفكريها وبناة حضارتها واستلاب الأضواء والضجيج الإعلامي لأناس هم سبب تأخر الأمة وانحطاطها، وأبلغ سماحته دعاءه وتحياته إلى الإخوة الباحثين من خلال الدكتور عبد المهدي.

ابتعاد الأمة عن قيادتها الرشيدة

ابتعاد الأمة عن قيادتها الرشيدة(1)

التقى سماحة الشيخ (دامت تأييداته) يوم الأحد الأول من ربيع الأول بوفد ضم العشرات من أبناء مدينة الصدر في الناصرية، ومما جاء في حديثه إن ذكرى وفاة رسول الله (صلی الله علیه و آله) تستثير في نفوسنا عدة أمور، لعل من أهمها إعراض الأمة عن قيادتها الحقيقية المتمثلة في أمير المؤمنين (علیه السلام)، وليس الخلل في حامل الرسالة بالتأكيد لأنه أوضح هذا الأمر للأمة من بداية دعوته في مكة، وواصل الإشارة إليه في عدة مناسبات، وَتَوَّجَها في واقعة يوم الغدير بكل وضوح، لكن الأمة ولأسباب ليس الآن محل ذكرها أعرضت وانحرفت

ص: 426


1- نشرت في الصفحة الثالثة من العدد ال-(20) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 5 ربيع الأول 1426 الموافق 14 نيسان 2005.

في مسيرتها، مما أوقعها في نتائج كارثية غيرت مجرى التأريخ، وقد بحثنا جملة منها في محاضرات (ماذا خسرت الأمة حينما ولت أمرها من لا يستحق)، وهي حالة مفتوحة على كل زمان وليست مختصة بوفاة رسول الله (صلی الله علیه و آله) فإنه عند وفاة عدد من الأئمة (علیهم السلام) كانت تنشق فرق وتوجهات؛ لأن هذا المقام الرفيع المقدس بما يمتلك من مكانة في قلوب الأمة تحلم به النفوس الأمارة بالسوء وتتحين الفرص للانقضاض عليه.فإذا أرادت الأمة أن تسير نحو الكمال فعليها أولاً الاهتداء إلى قيادتها الحقيقية المتمثلة بعد انتهاء العصر الظاهري للمعصومين بالمرجعية الشريفة الجامعة للشروط الثابتة - كالاجتهاد والعدالة والذكورة -، والمتحركة كالرؤية الميدانية الدقيقة والمعايشة مع الواقع، والتفاعل مع قضايا الأمة والتشخيص الواعي الحكيم لمشاكلها وطرق معالجتها، فإن التشخيص الدقيق هو نصف الطريق نحو العلاج، كالطبيب الذي يستخدم كل الوسائل من قياس الضغط وعدد دقات القلب والحرارة ولون الوجه وحركة العين وغيرها ليشخص الحالة ثم يصف الدواء.

والمرجعية تمتلك من الوسائل ما يؤهلها لتحقيق هذه الرؤية الدقيقة من حيث فهمها العميق للرسالة واتصال جميع عقول الأمة بها ووجود المستشارين حولها إضافة إلى خصائصها الذاتية من الحكمة وسعة الصدر والرحمة والرفق بالأمة والنصح لها، ثم تعرض سماحته باقتضاب إلى عناصر القوة الأخرى التي تستثمر طاقات الأمة وتوجه مسيرتها.

ص: 427

تنبيه الأمة إلى تقصيرها في امتثال آية النفر إلى الحوزات العلمية

تنبيه الأمة إلى تقصيرها في امتثال آية النفر إلى الحوزات العلمية(1)

قال تعالى: [فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ] (التوبة: 122).

والآية تحث المؤمنين على النفر إلى حواضر العلم ومعاهد الدراسة لتحصيل الأحكام الشرعية والمعارف الإلهية التي ترشد الأمة إلى طاعة الله تبارك وتعالى وتأخذ بأيديها نحو الكمال، وقد حددت مجموعة تنتدبهم الأمة للتفرغ إلى تحصيل العلم بأن تنفر من كل فرقة طائفة، فإذا التزمنا أن تعداد الفرقة هي بضعة آلاف واقل عدد يصدق عليه طائفة في اللغة ثلاثة، فتكون نسبة من يتخصص لتحصيل العلم في الحوزات العلمية الشريفة هو واحد بالألف وهي نسبة معقولة جداً، فإن لكل ألف إنسان يكون من الضروري أن يوجد لهم عالم ديني يوجههم ويرشدهم ويزكيهم ويطهرهم ويعلمهم الكتاب والحكمة.

هذا هو مقتضى الحث الإلهي الأكيد، فكم هو تقصير الأمة في الامتثال له؟ وكم هي ظالمة لنفسها في عدم الاستجابة لهذه الدعوة الإلهية؟ حيث لا يوجد في المحافظة التي يصل تعداد سكانها مليون إنسان إلاّ خمسة أو عشرة

ص: 428


1- من كلمة سماحة الشيخ (دامت تأييداته) مع وفد من مثقفي ونخب ناحية الكرمة التابعة لقضاء سوق الشيوخ في الناصرية وبحضور عدد من أبناء جلولاء وأهالي الغزالية ببغداد وإدارة مستشفى الجملة العصبية في بغداد يوم السبت 14 ربيع الأول 1426، وذكر نفس المعنى في لقائه بطلبة جامعة الصدر الدينية فرع ذي قار وكربلاء يوم الخميس 19 ربيع الأول 1426. وقد نشر في الصفحة الأولى من العدد (22) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 26 ربيع الأول 1426 الموافق 5 آيار 2005.

والمفروض أن يكون فيها ألف من الدعاة إلى الله تبارك وتعالى والأدلاء على طاعته. هذا بحسب التكليف العام ويضاف على أهل العراق خاصة تكليف إضافي ذلك بان أنظار العالم كلها متوجهة إليهم والى حوزتهم المباركة لما لها من سمو روحي وإبداع علمي، تطلب منهم العلماء والمفكرين والخطباء والكتاب، مما يجعل الحوزة العلمية في النجف الأشرف توسع من شعورها بالمسؤولية تجاه العالم كله.

هذا ما دعانا –كواحدة من الخطوات العملية لتحمل هذه المسؤولية الإلهية- إلى نشر الحوزات العلمية النظامية في محافظات القطر من خلال تأسيس فروع جامعة الصدر الدينية ذات النظام(1) والمفردات العلمية المواكبة لتطور العلم والفكر وتجدد التحديات والآليات، وإذا كان عذر كثيرين هو عدم القدرة وتوفر الظروف للدراسة في النجف الأشرف فها هي الحوزة العلمية المباركة جاءتكم تقدم خدماتها لكم فلماذا التقصير وعدم الاستجابة؟!

أن كثيرين يتحدثون عن الخلل القيادي في المرجعية الدينية، أو سوء الإدارة وتوزيع الأموال، أو ضعف الخطاب الديني، أو تصدي حوزويين غير قادرين على التعاطي مع واقع الأمة المعقد بمشاكله وهمومه وقضاياه وآماله، وهذه الكلمات وغيرها قد تكون صحيحة بدرجة من الدرجات، وحينئذٍ يكون دور الشباب الرسالي والطليعة الواعية للأمة أن تلتحق بالحوزات العلمية وتجدّ

ص: 429


1- راجع كتاب (المعالم المستقبلية للحوزة العلمية) للتعرف على هوية هذه الجامعة ونظامها الداخلي.

وتجتهد في تحصيل العلوم الدينية والمعارف الإلهية والاتجاهات الفكرية حتى الوصول إلى أسنى الدرجات أعني التأهيل للمرجعية الرشيدة والقيادة الحكيمة، لتساعد على تجاوز هذا الخلل وهذا الضعف، فإن وجود العنصر النظيف الكامل القوي في أي ساحة سوف لا يبقي مجالا للعناصر الضعيفة غير القادرة على تحمل المسؤولية، وسوف تتحول الأمة إلى من هو الأفضل والأكفأ والأقدر وان طال الزمن. أما الانزواء والاكتفاء بالنقد فهذه حالة سلبية لا توصل إلى حل بل تبقي الخلل والنقص على ما هو عليه حتى يتجذر في واقع الأمة ويؤدي أمرها إلى الضياع.وليعلم العاملون الرساليون أن مشروعهم سيلقى معارضة شديدة وحربا شعواء من الدنيويين المنتفعين بالحالة الموجودة؛ لأنهم يعلمون أن النور يطرد الظلام والحق يطرد الباطل ولا يبقى له وجود وان لم يتفوه بكلمة، لكن عطاءه الثرّ والفاعل في حياة الأمة سيسحب البساط من تحت أقدام المعسكر الآخر، وهذا الذي كان يدعو الطغاة إلى محاصرة الأنبياء والرسل والأئمة (علیهم السلام) والعلماء والهداة والقضاء عليهم رغم أنهم لا يجدون عندهم جيشاً ولا سلاحاً ولا أموالاً، لكنهم يعلمون أن وجودهم المبارك الذي يفيض إشراقاً على الأمة سوف لا يبقي أحدا يلتفت إلى أولئك الفارغين العابثين المتسلطين بغير حق.

إن إصلاح حالة البلد وازدهار الأمة ورقيها لا يقوم به إلاّ أهله الذين عاشوا معاناته وفهموا قضاياه واستوعبوا آماله؛ لأنهم جزء منه فيستطيعون التفاعل مع مطالبه، وبنفس الوقت تكون الأمة قد عرفت تأريخهم وجهادهم وعملهم الدؤوب لنفع الأمة واختبرت مواصفاتهم الشخصية، وهكذا كان الأنبياء

ص: 430

والرسل (ع) يختارهم الله تبارك وتعالى من قومهم [هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ] (الجمعة: 2)، [لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ] (التوبة:128).فقد لبث رسول الله (صلی الله علیه و آله) في قومه أربعين سنة عرفوا فيها صدقه وأمانته وطهره ونزاهته وترفعه عن الدني من الأقوال والأفعال. فليأخذ العراقيون لأنفسهم هذا الدرس ويستوعبوه ويأخذوا بمقتضاه.

أسأل الله تعالى أن يجد ندائي هذا ودعوتي المخلصة هذه آذاناً صاغية (وتعيها إذن واعية) عند الشباب المخلصين والنخب الواعية وينهضوا بهذه المسؤولية المباركة فإنها تجارة لن تبور.

من يمتنع عن دفع الحقوق الشرعية فقد ظلم نفسه وأمته

من يمتنع عن دفع الحقوق الشرعية فقد ظلم نفسه وأمته(1)

استقبل سماحة الشيخ(دامت تأييداته) يوم الأربعاء 18 ربيع الأول العاملين في إذاعة البلاد وعبروا عن طموحهم لتطوير عملها لو توفرت الإمكانيات المادية كما انه تُعرض على سماحة الشيخ عدة مشاريع كبيرة كإنشاء فضائية تنطق باسم المرجعية الرشيدة، وصغيرة كتزويج الشباب المؤمنين، أو بناء وحدات سكنية صغيرة للعوائل المتضررة والمحرومة، أو إنشاء مؤسسات ثقافية إسلامية، أو تحسين وضع طلبة الحوزة العلمية الشريفة ومدارسها ونحوها، وبالرغم من أن سماحته يدعم كثيراً من هذه المشاريع إلاّ انه يعتذر عن بعضها

ص: 431


1- نشر في الصفحة الأولى من العدد (22) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 26 ربيع الأول 1426 الموافق 5 آيار 2005.

لعدم وجود المال الكافي. فقال بعض الحاضرين لو فتحت باب التبرع لإنشاء الفضائية لأمكن إنشاؤها. فقال سماحته إن الناس لو أدوا ما عليهم من حقوق شرعية واجبة تبرأ بها ذممهم وينقذون أنفسهم من العذاب المعد للعاصين لما احتجنا إلى تبرعات، ولما توقف لدينا أي مشروع إسلامي مبارك تقتضيه المسؤولية الرسالية العظيمة، وبحساب بسيط ندرك ذلك فلو أن مليون إنسان فقط من أصل مليار ومائتي مليون مسلم في العالم دفعوا الخمس، ولنفترض أن معدل ما بذمة الواحد مليون دينار لحصل عندنا ألف مليار دينار وهو مبلغ يكفي لتغطية مشاريع جليلة، أفبعد هذا التخطيط الإلهي الخالد نحتاج إلى أن تطلب من احد؟

أن بعض الذنوب يرتكبها الإنسان يظلم بها نفسه فقط لأن تأثيرها لا يتعداه وهناك ذنوب أخرى يظلم بها الإنسان نفسه وأمته ومنها حبس الحقوق الشرعية فإن العاصي يظلم نفسه لامتناعه عن أداء واجب شرعي، ويظلم أمته لأنه سيساهم في عرقلة مشاريع الأمة التي تحافظ بها على كرامتها وعزتها وهويتها الإسلامية فهل يعلم الذي يبخل بماله ولا يخرج حق الله تبارك وتعالى ماذا يجر على نفسه [وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ] (التوبة: 34 - 35).

وقد كتبت عدة توجيهات للأمة في هذا المجال منها كتاب (حبس الحقوق الشرعية من الكبائر) واستفتاء (لماذا يمتنع الناس من دفع الحقوق الشرعية) وغيرها، لكننا قد نراعي بعض الجوانب النفسية والاجتماعية ولا نطلب من الأمة

ص: 432

مباشرة دفع ما بذمتها من حقوق شرعية، رغم أن الآية الشريفة تأمر رسول الله (صلی الله علیه و آله): [خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا] (التوبة: 103)، فلا تترك الأمر للأمة بأن شاءت دفعت وإن لم تشأ لم تدفع لأن الإنسان جبل على حب المال [وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً] (الفجر:20)، وإنما أمره تبارك وتعالى بالأخذ منهم وهي بالنتيجة تعود بالفائدة عليهم؛ لأن هذه الأموال تطهر نفوسهم وقلوبهم من حب الدنيا والتعلق بما سوى الله تبارك وتعالى وتزكيهم. وتعود على أموالهم بالنماء لأن الله تعالى يعد المنفقين في سبيله بالخلف أضعافاً مضاعفة وهو اصدق القائلين: [وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ] (سبأ: 39)، فما الذي يخافه الباخلون؟ إنهم مصداق لقول الإمام الحسين (علیه السلام): (من حاول أمراً بمعصية الله كان أفوت لما يرجو وأقرب لما يحذر).

من مسؤولية القائد بيان خصائص جماعة أهل الحق

من مسؤولية القائد بيان خصائص جماعة أهل الحق(1)

استقبل سماحة الشيخ (دامت تأييداته) في ذكرى المولد النبوي الشريف موكب الزهراء في الناصرية وجمعاً من الزائرين، وأدوا بحضوره فعالية بالمناسبة ثم بدأ سماحته بالحديث الشريف (شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا) أي أن الله تبارك وتعالى لما خلق أنوار محمد وآله محمد (عليهم الصلاة والسلام) والطينة الطيبة الطاهرة، فلما فضل من تلك

ص: 433


1- نشر في الصفحة الثانية من العدد (22) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 26 ربيع الأول 1426 الموافق 5 آيار 2005.

الطينة شيء خلق منها شيعتهم. فاحتفالكم هذا وفرحكم دليل على ولائكم وقد تفرحون في مناسبات أهل البيت (علیهم السلام) أكثر من فرحكم لمناسباتكم حيث لم يُبق الظلم الذي حاق بأنصار أهل البيت (علیهم السلام) مجالا للفرح والسرور (ونحن أعيادنا مآتمنا).

ولكن يجب أن لا نفهم من عنوان (الشيعة) كل من ولد من أبوين شيعيين وعاش في بيئة شيعية وكانت له عاطفة مع أهل البيت (علیهم السلام)، بل أن هذا الوصف وسام رفيع له مقامات عالية في الجنان لا يخرج المؤمن الموالي من الدنيا حتى يراها فيفرح ويُسر قلبه ويطلب تعجيل لقاء ربه.

روي أن الإمام الرضا (علیه السلام) حجب قوماً استأذنوا للدخول عليه وقالوا: إننا من شيعتك ونحب لقاءك فلم يأذن لهم وعادوا عليه الكرة ستين يوماً حتى أذن لهم وقال: لا تقولوا: نحن شيعة علي، إنما شيعة علي: الحسن والحسين وسلمان وعمار والمقداد وأبو ذر ولكن قولوا: نحن موالوكم ومحبوكم فقالوا ذلك، فأذن لهم وقربهم وعوضهم عن ذلك الإبعاد والصدود.

ونقل عن كبار أصحاب الأئمة (علیهم السلام) انه دعي للشهادة عند القاضي فقال له القاضي –وهو من السائرين بركاب السلطة-: إنك رجل صالح وثقة وورع إلاّ إننا لا نقبل شهادتك لأنك من الشيعة فأخذ الرجل يبكي، فسُئل إن كان بكاؤه من رد شهادته؟ قال: لا وإنما لأنه وصفني من شيعة علي ومن أنا حتى أستحق هذا الوصف.

ومحل الشاهد أن هذا المقام الرفيع لا يتحقق بالادعاء والدنيء من الأفعال وإنما له استحقاقات عالية بمقدار درجته الرفيعة.

ص: 434

ولما تصنفت المذاهب في عهد الإمام الصادق (علیه السلام) فبدأ يقال هذا جعفري رأى من مسؤولياته المهمة بيان خصائص المسلم الجعفري الشيعي الموالي لأهل البيت (علیهم السلام) الذي يسرّ الإمام أن يقال عنه جعفري، وقال لشيعته: (كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً). وقد صدر من الإمام الصادق (علیه السلام) أكثر من غيره من الأئمة للفسحة التي عاشها بعد أن كان السيف جزاء من يقول بولاية علي (علیه السلام) عدد كبير من الروايات الشريفة التي تبين صفات الشيعي، وقد جمعنا جزءاً كبيراً منها مع تصنيفها وفق أطر واضحة في محاضرة (عناصر شخصية المسلم في مدرسة أهل البيت (علیهم السلام)) المنشورة في كتاب (نحن والغرب) و(شكوى الإمام) حينما شكى الإمام المهدي الموعود من شيعته أنهم ليسوا على ما كان عليه السلف الصالح لذا فإنهم حرموا من نعمة التشرف بلقائه (ع) واحتجنا إلى أن نقوم باستقراء لما كان عليه السلف الصالح وما يجب أن يكون عليه المسلم الحقيقي وهو الموالي لأهل البيت (علیهم السلام) والملتزم بخطهم لقوله تعالى [فَلا وَرَبَِّكَ لا يُؤمِنُونَ] أي لا يبلغون حقيقة الإيمان ومصداقيته [حَتَّى يُحَكِّمُوكَ] ويرجعوا إليك [فِيمَا شَجَرَ بَينَهُمْ] واختلفوا فيه وجهلوه من الأمور الصغيرة والكبيرة [ثُمَّ لا يَجِدُوا في أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً] ولا تمرداً ولا عصياناً [مِمَّا قَضَيتَ] وحكمت به وأعلنته للأمة ومنها تنصيب علي بن أبي طالب (علیهما السلام) أميرا للمؤمنين وإماماً للأمة وخليفة له (صلی الله علیه و آله) [وَيُسَلَّمُوا تَسْلِيماً] (النساء:65) وينفذوا ويطيعوا طاعة تامة.

ونحن نسمع اليوم مصطلحات مثل (الصدريين)، (الإسلاميين) وغيرها وهي

ص: 435

أسماء مباركة لها امتيازات وعليها استحقاقات، فيكون من واجب القيادة الحقة بيان ملامح وخصائص وسمات هذه الفئات لئلا يدعيها أحد بغير حق ويسيء إليها بسوء تصرفه الذي ينعكس على أصل المبدأ سلباً، فنحن نفهم من (الصدريين) الرساليين الواعين الذين يسعون بكل جهدهم للالتزام بشريعة سيد المرسلين وإقناع الأمة بتطبيق النظام الإسلامي في جميع شؤون حياتها السياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية والأخلاقية، وهم يمثلون سلسلة طويلة من النجوم المضيئة وابرز من حمل لواء هذه الحركة في الزمان المعاصر الشهيدان الصدران فانتسب الخط إليهما، ولكن بناء هذا الخط جاء نتيجة تراكم جهود جبارة ومضيئة لتلك السلسلة الطويلة. ولذا أعددت محاضرة (عناصر المسلم في مدرسة أهل البيت (علیهم السلام)) التي أشرت إليها آنفا التي استقرأناها من مئات الأحاديث.

أسلوب عملي للتأسي برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

أسلوب عملي للتأسي برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(1)

استقبل سماحة الشيخ(دامت تأييداته) على مدى الأيام بين الثاني عشر والسابع عشر من ربيع الأول وفوداً عدة لتهنئته بالمولد النبوي الشريف وميلاد حفيده الإمام الصادق (علیه السلام) وألقى فيهم كلمات توجيهية ومما جاء فيها: إنني

ص: 436


1- ورد هذا الكلام في حديثه (دام ظله) مع موكبي مالك الأشتر من مدينة الصدر في الناصرية وموكب السراج المنير من القرية العصرية في الناصرية وحشد آخر من المدينة وغيرها من المدن العراقية، ونشر في الصفحة الثانية من العدد (22) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 26 ربيع الأول 1426 الموافق 5 آيار 2005.

أكلفكم بعمل لله فيه رضا ولكم فيه صلاح تستثمرون من خلاله الحالة المعنوية التي تعيشونها في هذه الذكرى المباركة، حيث توزع فيها (عيديات) على المؤمنين وتتعرضوا لنفحات الله تبارك وتعالى وألطافه. فإن الله تعالى يحثكم على التأسي برسول الله (صلی الله علیه و آله) بقوله: [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً] (الأحزاب:21)، ولتحقيق هذه الحالة ليقرأ أحدكم سيرة رسول الله (صلی الله علیه و آله) والحوادث التي مرت به وما نقل عنه من أقوال وأفعال ويحاول أن يستنبط منها دروساً في جميع المستويات، ابتداءً من حياته الخاصة إلى علاقته مع الله تبارك وتعالى وعلاقته داخل بيته ومع الآخرين وهكذا، فستجتمع عندكم حصيلة من الدروس التربوية تكون نبراساً لكم في العمل الصالح وإذا ضممتم ما استفاده بعضكم إلى ما استفاده البعض الآخر ويُنقح المجموع فسيتم لدينا كتاب مفيد للأجيال عنوانه (دروس تربوية) مستفادة من سيرة رسول الله (صلی الله علیه و آله) واضرب لك أمثلة:

1- لو أن أحدكم أمر زوجته أو ولده بأن يأتيه بقدح من الماء أو أي شيء آخر فلم يفعل لسبب أو لآخر فإنه غالباً سيزجره ويعنفه وربما يضربه وقد تحصل خلافات زوجية تؤدي إلى الطلاق لمثل هذه الأسباب، وقد يتقبل الأمر بروح رياضية ويقوم بنفسه ليشرب الماء وحينئذٍ ستشعر الزوجة أو الولد بالتقصير وستعتذر وتندم وتتحمس للقيام بما يسعد الزوج، وهو الأسلوب الصحيح للتربية وعلى مثل هذا يربينا رسول الله (صلی الله علیه و آله) حيث نقل خادمه أنس بن مالك: إنني خدمت رسول الله (صلی الله علیه و آله) عشر سنين فلم يقل لي يوماً لشيء

ص: 437

فعلته لِمَ فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله لِمَ لم تفعله؟ فهذا درس في الحلم وسعة الصدر ومداراة الآخرين وعدم إزعاجهم.2- ودرس آخر في الرحمة بالآخرين حتى بالحيوانات فقد رأى أحد أصحابه رمى حيواناً بحجر فقال له: استعد للمساءلة أو ذبح عصفوراً عبثاً فيقول (صلی الله علیه و آله) له: أن هذا العصفور سيقودك للقصاص يوم القيامة أمام الحكم العدل ويقول: يا رب سل هذا لِمَ ذبحني وهو لا يستفيد من لحمي، وأوقف جيشاً كان يقوده عن مسيرته لأنه علم أن أحد أفراد الجيش قد اخذ صغار طير أثناء مسيرهم وأمهم تحوم فوق الجيش لا تستطيع مفارقة صغارها فأمر ذلك الرجل أن يعيد الصغار إلى عشها ليطمئن الطير ثم تحرك الجيش، وهؤلاء أدعياء حقوق الإنسان والديمقراطية يسحقون شعوباً بأكملها ويهلكون الحرث والنسل من أجل أهوائهم ومصالحهم.

3- ونستفيد منه (صلی الله علیه و آله) درساً في إنصاف الآخرين ورد مظالمهم ومحاسبة النفس حيثما جمع (صلی الله علیه و آله) أصحابه وقال يوشك أن أدعى فأجيب فأيما رجل له مظلمة فليقتص مني في دار الدنيا فإني لا أقدر على ردها في الآخرة فقال له أحدهم: إنك يا رسول الله في يوم كذا وفي زحمة الناس كنت تريد ضرب ناقتك بسوطك الممشوق فأصاب جسدي فدعا رسول الله (صلی الله علیه و آله) بسوطه وكشف عن محل القصاص فقبله ذلك الرجل واستعاذ بموقع القصاص من جسد رسول الله (صلی الله علیه و آله) من النار.

وهكذا يمكن أن نتعلم من رسول الله (صلی الله علیه و آله) الكثير من الدروس العملية في الأخلاق والسلوك.

ص: 438

أهمية دراسة التجارب الاجتماعية

أهمية دراسة التجارب الاجتماعية(1)

حركة المجتمعات ذات سنن وآليات مشتركة يمكن اكتشافها بالاستقراء وأيضا يمكن معرفة كيف تصرف القادة والمصلحون من أنبياء عظام وعلماء صالحين إزاء هذه الحركة وبالتالي ستحصل على خزين ضخم من التجارب الناجمة التي تسهل علينا طريق الإصلاح وتجنبنا الوقوع في المزالق والأخطاء في المفاصل المهمة التي تعيشها الأمم.

فمثلا نستغرب من تصرفات بني إسرائيل تجاه الرسول الكريم موسى (علیه السلام) الذي أنقذهم من ظلم واستعباد فرعون وهداهم وصنع منهم أمة متحضرة فضلت على سائر الحضارات المعاصرة ومع ذلك تجدهم يتمردون على أوامره بذبح البقرة وغيرها، ويسيئون إليه ويشوهون صورته وما أن جفت أقدامهم من ماء النيل ورأوا بأعينهم المعجزة التي قضت على فرعون وجيشه حتى عبدوا العجل وتركوا إلههم وإله موسى (علیه السلام) فابتلاهم الله بالابتلاءات المتعددة التي ذكرها القرآن الكريم، ولدى تحليل نفسيتهم تجد أن أحد أسباب خلق هذه الشخصية المتمردة هو الاضطهاد الطويل والكبت والمعاناة التي عاشوها تحت سلطة فرعون الديكتاتورية الذي كان يذبح أبناءهم ويستحيي نسائهم ويسومهم سوء العذاب.

ص: 439


1- من كلمة سماحة الشيخ (دامت تأييداته) مع وفد الهيأة التعليمية في ناحية الفجر التابعة لمحافظة ذي قار وعدد من مثقفي المدينة يوم السبت 21/ ربيع الأول/ 1426، وقد نشر في الصفحة الثالثة من العدد (22) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 26 ربيع الأول 1426 الموافق 5 آيار 2005.

فربما يعود سبب الشخصية المتمردة لدى شريحة من العراقيين هو جور الحكام وبطشهم وقمعهم وعقود حكم صدام حسين الوحشية فعلينا أن نستفيد من سيرة موسى (علیه السلام) وأنبياء بني إسرائيل مع قومهم لتجاوز هذا النقص والتعقيد في بناء الشخصية.وقد استفاد الأعداء من هذه الدراسات الاجتماعية حيث حللوا المجتمع العراقي وعرفوا مكامن القوة فيه وهي (المرجعية - العشائر - الحقوق الشرعية) فعرضوا الخطط الكفيلة بتجفيف منابع القوة في جميع هذه الاتجاهات لذلك تراجعت مدن مهمة عن ممارسة دورها التأريخي وتأثيرها الفعال في صنع قرار الحكومة كالشطرة وسوق الشيوخ والرفاعي وقلعة سكر والرميثة والشامية والمشخاب وغيرها، وهذا خطر كبير على الطائفة؛ لأن هذه المدن ونظائرها هي معاقل اتباع أهل البيت (علیهم السلام) وحصون المرجعية فأي ضعف فيها يعني ضعف المرجعية والطائفة وقصور في أداء دورها الرسالي.

المقبول وغير المقبول من الحداثة

المقبول وغير المقبول من الحداثة(1)

إن مما يستفاد من سيرة الأئمة (علیهم السلام) أنهم يستعدون ويتخذون الإجراءات اللازمة لمواجهة التيارات الفكرية التي تهدد كيان الأمة كما روي عن الإمام العسكري (علیه السلام) كيف علم أحد مواليه التصدي لمحاولة الفيلسوف الكندي

ص: 440


1- من حديث سماحة الشيخ مع موكب أبناء الإسلام من البصرة يوم السبت 14 ربيع الأول 1426، وقد نشر في الصفحة الثالثة من العدد (22) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 26 ربيع الأول 1426 الموافق 5 آيار 2005.

الذي كان يكتب في (متناقضات القرآن) - بحسب زعمه - والرواية موجودة في كتاب (دور الأئمة في الحياة الإسلامية).ومن التيارات الفكرية التي يوشك أن تعصف بثقافة الأمة ومبادئها (الحداثة) التي اجتاحت أوربا منذ عقود وهم يتحدثون اليوم عن (ما بعد الحداثة) فعلى الأمة أن تعرف موقفها من هذا المفهوم.

فإن أريد بالحداثة تجديد آليات العمل ووسائله فهو مقبول فقد كان الإنسان يتنقل بواسطة الحيوانات واليوم يمتطي الطائرات التي تسير أسرع من الصوت والقطارات السريعة أو كان يستعمل السيف في القتال واليوم يستعمل قاذفات القنابل الضخمة والصواريخ العابرة للقارات وكذا في مجال تقنية تبادل المعلومات والاتصالات وغيرها، وهذا التحديث ضرورة إنسانية فهو مقبول.

وإن أريد بالحداثة الانقلاب على المبادئ الإنسانية العليا التي عمل الأنبياء (ع) والمصلحون والعلماء على ترسيخها لدى البشر على مدى تأريخ طويل وتغييرها إلى أفكار ونظريات من صنع البشر لتوظيفها في خدمة أهدافهم الشيطانية وتحقيق تسلطهم على الشعوب ونهب ثرواتها فهذا غير مقبول ويجب الوقوف في وجهه بقوة والتنبه له.

وهم يخلطون الأوراق ليمرروا مشاريعهم الخبيثة على الشعوب المستضعفة فيضربوا لها أمثلة من الحالة المقبولة على ضرورة الحداثة، لكنهم حين التطبيق يتجهون نحو الحالة الثانية غير المقبولة، وهم بهذه الطريقة يشككون في خلود شريعة الإسلام وخاتمية النبوة المحمدية وان هذا غير معقول رغم أنهم يؤمنون بفكرة الخاتمية لحضارتهم الزائفة التي تنخر في جسمها الأمراض النفسية

ص: 441

والاجتماعية فألفوا كتاب (نهاية التأريخ).أنهم يجهلون أو يتجاهلون أن للإنسان حاجات ثابتة لا يمكن أن تتغير كنزوعه إلى الكمال وحبه للفضيلة ورفضه للظلم، وهذه هي الحاجات التي عالجتها الشريعة الخالدة أما الحاجات المتحركة القابلة للتطور فقد حدد الإسلام أطرها العامة وترك تفاصيلها إلى الإنسان نفسه ليقنن حياته بحسب جهده وإمكانياته وموقعه من سلم الحضارة والإنسانية والتي سميت بمنطقة الفراغ، فالإسلام لم يقف عند شكل الحاجة المتحركة كلزوم ركوب الحمير والإبل للتنقل حتى يمكن أن يتجاوزه الزمن وبهذا الفهم وبهذه البصيرة سنقف ثابتين لا تهزنا مثل هذه الضلالات والفتن.

توجيهات سماحة الشيخ إلى قادة الشرطة

توجيهات سماحة الشيخ إلى قادة الشرطة(1)

استقبل سماحة الشيخ (دامت تأييداته) قائد شرطة محافظة المثنى وعددا من مساعديه وأوصاه بعدة أمور:

1- الاستقلال في إدارة الملف الأمني وعدم الإذن للقوات الأجنبية بالدخول إلى مراكز المدن لأن ذلك يستفز مشاعر المواطنين، أما الشرطة المحلية فهم أبناء الشعب ولا يعتبرون وجودا غير طبيعي فيه وقد أثبتت الأجهزة الأمنية قدرتها على إدارة هذا الملف بشكل ناجح في كثير من المناسبات.

2- اختيار العناصر النظيفة من أبناء نفس المدن والعشائر لهذا الجهاز لأنهم

ص: 442


1- نشر في الصفحة الثالثة من العدد (22) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 26 ربيع الأول 1426 الموافق 5 آيار 2005.

أعلم بمدنهم وقراهم واحرص على سلامتها وأمنها واستقرارها ووجودهم ضمن جهاز الشرطة يعزز فاعلية وقوة هذا الجهاز.3- الحرص على حسن العلاقة مع شرائح المجتمع كافة من خلال حسن الأداء، والمشاركة في المناسبات الاجتماعية وتنظيم فعاليات المجتمع كالشعائر الدينية وغيرها، واستغلال الحالات الودية التي حصلت في يوم الانتخابات وبمناسبة زيارة الأربعين وغيرها، حيث عاشت الأمة تلاحما في غاية الألفة والمودة، فإن الأجهزة الأمنية مهما كان عددها لا تستطيع ضبط الأمن إذا لم تشترك الأمة جميعاً في تحمل مسؤولياتها تجاه هذا الأمر المهم.

4- تقوية الأجهزة الأمنية بالتجهيزات وتكنولوجيا المعلومات والقيادات المخلصة لتستطيع ضبط الحالة الأمنية، وبالتالي سحب الذريعة لبقاء قوات الاحتلال في البلد والتخلص من مشاكله الكبيرة.

5- العمل بالتوجيهات والنصائح والأحكام التي ذكرت في (فقه الشرطة والأجهزة الأمنية).

6- الاهتمام برفع المستوى الأخلاقي والفكري والديني لمنتسبي الشرطة من خلال إنشاء المكتبات وأماكن الصلاة ودعوة الفضلاء والخطباء لإلقاء المحاضرات وإقامة الندوات.

ص: 443

على الإنسان أن يستثمر كل فرصة للطاعة ويغلق كل باب للمعصية

على الإنسان أن يستثمر كل فرصة للطاعة ويغلق كل باب للمعصية(1)

استقبل سماحة الشيخ (دامت تأييداته) وفداً ضم العشرات من موكب زيد الشهيد في مدينة الناصرية يوم الاثنين 30 ربيع الأول 1426 واطلع على نشاطاتهم في تثقيف المجتمع نساءً ورجالاً وإقامة الشعائر الدينية وقال: إنه لشرف عظيم لي أن أخدمكم وأقدم لكم الدعم، لأنكم توفرون لي فرصة لطاعة الله تبارك وتعالى لولاكم لم احصل عليها، كما كان الإمام السجاد (علیه السلام) يرحب بالفقير ويقول: أهلا بمن يحمل زادي إلى معادي، فيمكن أن يأتي اليوم الذي تتحسن فيه الحالة الاقتصادية ولا يبقى موضوع للصدقة، كما إنكم شباب ويوجد لكم أب وأم على قيد الحياة فنستطيع أن نتقرب إلى الله تعالى ببرهما وينطبق عليكم الحديث (ما بين الأنبياء والبار بوالديه إلاّ درجة واحدة)، أما مثلي الذي فقد أبويه فإن باب مثل هذه الطاعة مسدودة.

واعلموا إنكم بكل عمل خير تقومون به أو باب معصية تغلقونها تدخلون السرور على أمام العصر (ع)، كما أن أي تقصير في ذلك يؤلم قلبه، فها نحن الذين لا يقاس شعورنا بالمسؤولية تجاه الأمة بشعور الإمام المحيط بكل قضايا الكون، نتألم حينما نرى تسلط الفاسدين والظالمين وسارقي ثروات الشعب، ونتأذى من ابتعاد المؤمنين المخلصين النزيهين عن حياة المسؤولية والتصدي لإدارة شؤون البلاد والعباد، فإن تألم الإمام (علیه السلام) وإذاه أكثر من هذا بكثير

ص: 444


1- نشر على الصفحة الأولى من العدد (23) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 10 ربيع الثاني 1426 الموافق 19 آيار 2005.

فأعينوه (ع) وأدخلوا السرور عليه ولا تؤذوه.

دعوة المؤمنين إلى أن تكون قلوبهم وعقولهم أودية كبيرة لمعارف القرآن الكريم

دعوة المؤمنين إلى أن تكون قلوبهم وعقولهم أودية كبيرة لمعارف القرآن الكريم(1)

قال تعالى [أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا] (الرعد:17) ومعنى الآية الظاهري واضح ولا شك أن الأودية الكبيرة تستوعب وتتلقى كمية أكبر من مياه الأمطار النازلة على الأرض من الأودية الصغيرة.

لكن القرآن الكريم يعبّر عن هذه الأوصاف بأنها أمثال يضربها للتعقل والتفكر والتدبر في حقائقها التي يرجع إليها تأويلها [وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ] (آل عمران: 7) فإن القرآن يصف نفسه بأنه عبارة عن حقائق واقعية محفوظة في اللوح الإلهي [إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ] (الواقعة: 77-78) أي كتاب محفوظ في علم الله تبارك وتعالى ويقول عنه [لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ] (الواقعة:79) أي لا يصل إلى حقيقته ومعرفة أسراره ألا المطهرون الذين طهروا قلوبهم من الرين ونفوسهم من الرذائل، والمصداق الأكمل لهم هم المعصومون [إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهل الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا] (الأحزاب: 33)، ولهذا فإن القرآن يفسر بعضه بعضاً لأنه قال

ص: 445


1- من كلمة مطولة تحدث بها سماحة الشيخ (دامت تأييداته) مع وفد ضم العشرات من ممثلية شهداء الفضيلة التابعة لتنظيم حزب الفضيلة في مدينة الصدر ببغداد يوم الثلاثاء 10 ربيع الأول 1426 ونشرت في الصفحة الأولى من العدد (23) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 10 ربيع الثاني 1426 المصادف 19 آيار 2005.

عن نفسه أنه تبيان لكل شيء وأنه [مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ] (الأنعام:38) فهل يعجز عن بيان معاني نفسه؟!وفي ضوء هذا فإن الإنسان يتلقى هذه المعارف الحقيقية والمعاني الواقعية. بمقدار جهده في تطهير قلبه وتهذيب نفسه، وهذا أحد معاني الآية الشريفة التي افتتحنا بها الحديث، فإن الماء النازل من السماء مثل للمعارف والألطاف التي يمن بها الله تبارك وتعالى على عباده، والأودية تشير إلى العقول والقلوب وقد ورد في الحديث (إنما القلوب أوعية فأفضلها أوعاها)، فينبغي للمؤمنين أن يتسابقوا في تطهير قلوبهم ونفوسهم لتزداد معرفتهم بالله تبارك وتعالى من خلال القرآن الكريم.

ينقل(1) عن ثلاثة من كبار علماء الشيعة وهم السيد إسماعيل الصدر والسيد حسن الصدر والمحدث النوري، أنهم زاروا أحد العلماء في الليلة الأولى من شهر رمضان المبارك، ففسر لهم آية بتفسير وجدوه واضح الانطباق على الآية واستغربوا من عدم التفاتهم إليه، ثم زاره في الليلة الثانية ففسر لهم نفس الآية بتفسير آخر بنفس الوضوح واستغربوا أيضا من عدم التفاتهم، وهكذا إلى نهاية الشهر, فهذه معارف وعلوم القرآن الكريم وهذا لطف الله تبارك وتعالى بعباده المخلصين في إراءتهم هذه المعاني في اللوح المحفوظ.

وإنني حين أذكر هذه الفكرة لأمرين:

ص: 446


1- رواها السيد محسن الحكيم (قدس سره) في كتابه (حقائق الأصول: 1/ 95) وذكر أن الآية هي [وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ] (الحجرات:7).

الأول: حثكم على التواصل مع القرآن الكريم والتفاعل مع معانيه ومعارفه وحقائقه لأن فيه مفاتيح الخير كله.الثاني: دعوتكم إلى مضاعفة الهمة والحماس والشعور بالمسؤولية في العمل الإسلامي المبارك، والتمهيد لدولة العدل الإلهي ولتكونوا من الأودية الكبيرة التي لا تحمل هم نفسها أو مدينتها بل تتوسع فيه.

وإني اعتقد أن أبناء مدينة الصدر لديهم الاستعداد والإخلاص والهمة ما يؤهلهم لتغطية مساحة العمل ليس على مستوى مدينة الصدر بل الرصافة كلها، إذا اعتبرنا مسؤولية مدينة الشعلة عن الكرخ كلها كما قلت في حديث سابق، بل أن لمدينة الصدر الفضل في أحياء الشعائر وتفعيل قضايا الإسلام والوطن على صعيد بغداد كلها، وهذا ما أثبتته التجارب حيث أظهروا أن بغداد هي مدينة الإمام الكاظم والجواد س ومعقل أهل البيت لا كما يريد أن يصورها الآخرون.

ص: 447

ينبغي تكريم العلماء والعاملين وهم أحياء

ينبغي تكريم العلماء والعاملين وهم أحياء(1)

أقامت دار الوحدة في النجف الأشرف احتفالاً يوم الجمعة 4 ربيع الثاني 1426 بمناسبة الذكرى الثالثة لرحيل المجاهدة المظلومة (ساجدة البغدادي) التي قدمت روحها وشبابها وصحتها قرباناً للعمل الإسلامي المبارك في سبيل الله تعالى، واعتقلت مرتين وذاقت صنوف العذاب وكانت حلقة الوصل في الثمانينات أيام الإقامة الجبرية بين السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) وسماحة الشيخ اليعقوبي، وقد ذكرها سماحة الشيخ في كتابه (الشهيد الصدر الثاني كما اعرفه) وشاركت في الاحتفال جملة من أخواتها في الجهاد والاستفادة من العلوية الشهيدة (بنت الهدى) وعارفات فضلها.

وقد قدّمت إحدى الأخوات المشاركات تقريراً عن فعاليات الحفل فكتب سماحته في الجواب (لقد أسهمت بما يتيسر لي في إنجاح مثل هذه الاحتفالات إدراكاً مني لأهميتها في تحفيز المؤمنين والمؤمنات على العمل الإسلامي المبارك، وإذا اضطررنا للاحتفال بالعاملين بعد رحيلهم للظروف القاسية التي عشناها، فإننا اليوم يجب أن نحتفل بالعاملات والعاملين وهم أحياء ليقدموا لنا تجاربهم الغنية بالمآثر؛ لأنه لا أحد أفضل منهم يستطيع أن ينقل للتأريخ والأمة ما يدور في ذهنه من مشاريع وفي قلبه من آلام، وفي عقله من آمال، وما مر به من معاناة وأنجز من عطاء، فلا تغفلوا عن تكريم كل العاملين والمضحين خصوصاً الجنود المجهولين فهو شكل من أشكال نصرة الله تبارك وتعالى وهو

ص: 448


1- نشر على الصفحة الثالثة من العدد (23) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 10 ربيع الثاني 1426 الموافق 19 آيار 2005.

القائل [إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ] (محمد: 7).

ماذا علينا أن نستفيد من تجربة سنتين من العملية السياسية

ماذا علينا أن نستفيد من تجربة سنتين من العملية السياسية(1)

أود الإشارة إلى أمرين يجب الالتفات إليها للاستفادة منها في التجارب الآتية لتشكيل الحكومة ومواصلة العملية السياسية.

الأول: الجد والاجتهاد في تأهيل المخلصين من أبناء الشعب خصوصاً الشباب الرسالي المتحمس للتغيير والإصلاح وبناء العراق الجديد وخدمة الأمة وتطهير البلاد من العناصر الفاسدة، ولا بد أن يشمل التأهيل كل الجوانب المؤثرة في إنجاح عمل المسؤول، فمن الجانب العلمي على من يجد في نفسه القدرة أن يبلغ أسنى الدرجات العلمية وأدق الاختصاصات وفي جميع حقول العلم والمعرفة ومساحات عمل الوزارات كافة لنقطع الطريق على من يدعي عدم وجود الكفاءات في هذه الشريحة المخلصة من الشعب.

وعليهم أن يتعلموا فن الإدارة بممارسة ناجحة لأي خلية ابتداء من الأسرة إلى العلاقات الاجتماعية إلى الوظائف المختلفة، وأن يستفيدوا من تجارب الآخرين وليعرضوا أنفسهم لممارسة إدارية، كالأسرة فإنها دائرة لا تخلو من التعقيد خصوصاًَ إذا شهدت تجاذبات ورغبات متناقضة كما لو كانت عنده أم وزوجة وأخوة وأخوات وأولاد، فإن تنظيم العلاقة المتوازنة مع كل هؤلاء

ص: 449


1- من حديث سماحة الشيخ (دامت تأييداته) مع وفد ضم مدير وعدد من أساتذة وطلبة معهد التدريب النفطي في البصرة يوم الخميس 10 ربيع الثاني 1426، ونشر في الصفحة الأولى من العدد (24) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 24 ربيع الثاني 1426 الموافق 2 حزيران 2005.

وحفظ حقوقهم بإنصاف وموضوعية، والنجاح فيها يعني وجود قابلية وملكة الإدارة الناجحة في المسؤوليات الأوسع، ولعل هذا أحد أوجه فهم الحديث الشريف (خيركم خيركم لأهله) أي خيركم وأصلحكم لإداره شؤون الأمة هو خيركم وأنجحكم في إدارة عائلته.ومثل هذه التجارب التأهيلية للقادة وتقييم نجاحهم فيها قبل تصديهم لولاية أمر الأمة مما نجده في سيرة حياة أغلب الأنبياء، حيث مارسوا مهنة الرعي لتطّلع أممهم على حسن رعايتهم لمن يتولونهم حين يجدونه يرحم الحمل الرضيع والكسير ويحمله ويحتضنه حتى يبلغ كماله، وإذا افتقد واحداً من القطيع فإنه لا ينام الليل ولا يقرّ له قرار حتى يأتي به إلى الحضيرة ويطمأن عليه و يتفقدها بالطعام والشراب والراحة، ويوفر لها الحماية والأمن من كل سوء فإذا كانت ولايته على الحيوانات بهذا الشكل فسيكون أكثر رفقاً ورحمة بالناس حين يتولى أمورهم.

الثاني: تهذيب النفس وتحصينها من الوقوع في مزالق الدنيا المذمومة ونسيان الله تبارك وتعالى والانشغال بالتكالب على حطام زائل، ولا بد أن يقطع شوطاً معتداً به في هذا الطريق قبل التصدي للمسؤولية كما ورد في الحديث الشريف (إن لله أدب نبيه فأحسن تأديبه ثم فوض إليه أمر الخلق وسياسة العباد).

فليعمل أحبائي وأخواني على العمل بكلا الاتجاهين ليستعدوا لتحمل المسؤولية في المراحل المقبلة بإذن الله تعالى.

ص: 450

على الخريجين أن يخططوا لمستقبلهم بالمشاريع المادية و المعنوية

على الخريجين أن يخططوا لمستقبلهم بالمشاريع المادية و المعنوية(1)

التقى سماحة الشيخ (دامت تأييداته) يوم الاثنين 28 ربيع الثاني بعدد من طلبة المعهد التقني في الكوفة والذين اشرفوا على التخرج وقال لاشك إنكم ترسمون لأنفسكم الآن مستقبلاً يتضمن تلبية احتياجاتكم الأساسية في الحياة الدنيا كالوظيفة الشريفة والزواج السعيد والسكن اللائق وهو حق وضروري، ولا تتكامل سعادة الإنسان التي هي هدف الشرائع السماوية إلا بها.

ولكن لا تغفلوا عن مشاريعكم المعنوية أيضاً بزيادة العلم والمعرفة والبصيرة بالأمور والسعي في أعمال الخير للأمة ودعم المشاريع الصالحة والمشاركة فيها.

وليس صحيحاً أن أقول إن المشاريع الأولى للدنيا وهذه للآخرة بل إنها جميعاً يمكن توظيفها للآخرة والقرب من الله تعالى مع توفر النية المخلصة والسلوك النظيف لذا سميتها المادية والمعنوية.

واهتموا كثيراً بالزواج وسهّلوا متطلباته بالتعاون مع النساء وأولياء الأمور، كما نقل لي إن عدد من المؤمنات الموظفات في سلك التعليم نظمن سلفة بينهن بمليوني دينار يعطينها للرجل الذي يتقدم لخطبة أي واحدة منهن، وقد أكبرت هذه الخطوة الشجاعة الحكيمة التي تساهم في حل المشكلة الجنسية كما يسمونها.

ص: 451


1- نشر في الصفحة الأولى من العدد (25) الصادر بتأريخ 9 جمادى الأولى 1426 الموافق 16 حزيران 2005.

وقال سماحته: إن الأهداف الدنيوية محدودة وتنتهي، ويصل الإنسان إلى اللحظة التي يشعر انه كان يجري وراء سراب ووهم، إما الأهداف المعنوية فهي مفتوحة نحو الكمال ولا حدود لها لأنها تتوجه نحو اللامحدود. وذكر لهم مثلاً أغنى رجل في العالم الملياردير (بيل غيتس) مالك شركة مايكروسوفت فهو يملك مليارات الدولارات لكنه قال لأطبائه النفسيين ومستشاريه أني متألم لأني لا أجد فرقاً بيني وبين من يملك مئات الملايين من الدولارات فكلانا يركب احدث سيارة ويسكن أجمل قصر ويتمتع بألذ المأكولات وأنا أريد أن أتميّز عنهم فقال له أحد استشاريه يمكنك الامتياز عنهم بالتوجه نحو مشاريع الخير والإحسان والأعمال الإنسانية فأنها واسعة، وهي نصيحة حكيمة.

ويروى أن عبد الملك بن مروان الطاغية المتكبر الذي يمثل الحجاج الثقفي المجرم السفاك إحدى سيئاته اطلع من شرفة قصره قبيل موته فرأى قصّاراً يغسل الثياب على النهر، فتمنى لو كان مثله ولا يتورط بهذا الملك الظالم المهلك، ولما وصلت الكلمة إلى القصّار قال الحمد لله الذي جعلهم يتمنون ما نحن فيه عندما ينزل بهم الموت ولا نتمنى ما هم فيه إذا نزل بنا الموت.

ص: 452

سماحة الشيخ ينعى كوكباً آخراً من شهداء الفضيلة

سماحة الشيخ ينعى كوكباً آخراً من شهداء الفضيلة(1)

نعى سماحة الشيخ اليعقوبي (دامت تأييداته)بأسى وألم ورضا بقضاء الله تعالى يوم الاثنين السادس من جمادى الأولى كوكباً آخر في سماء شهداء الفضيلة وهو الدكتور حسين مسير العكيلي عضو المكتب السياسي لحزب الفضيلة الإسلامي وأمين فرع الحزب في مدينة الصدر ببغداد والذي عين مؤخراً من قبل وزير الصحة في الحكومة المنتخبة في منصب رفيع في الشركة العامة للأدوية والمستلزمات الطبية وقد كتب سماحته رسالة التعزية التالية إلى زوجته الدكتورة عضو الجمعية الوطنية الأمين العام لرابطة بنات المصطفى (صلی الله علیه و آله):

بسم الله الرحمن الرحيم

[تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ] (القصص: 83).

هكذا كان الشهيد الدكتور حسين متواضعاً مؤدباً كثير الإطراق برأسه غاضاً لطرفه لا يريد علواً في الأرض ويحارب الفساد والاستكبار والظلم والاستئثار والانحراف، وما انضمامه إلى حزب الفضيلة إلا لكي يجسّد الفضيلة في حياته وليقنع الأمة باتخاذها نبراساً، وما قبوله بمنصبه في الشركة العامة للأدوية والمستلزمات الطبية إلا لكي يجتث الفساد في هذا الحقل الحيوي المهم، وقد بدأ فعلاً بخطوات جادة وشجاعة رغم أنه لم يمر عليه سوى أيام معدودات،

ص: 453


1- نشر على الصفحة الأولى من العدد (26) من الصادقين الصادر بتأريخ 23 جمادى الأولى 1426 الموافق 30 حزيران 2005.

وقد أطلعني على شيء من ذلك في لقائي الأخير بكما قبل أن يختاره الله تبارك وتعالى للقائه بيومين، وقد كان واضحاً عنده وعندي أن المجرمين مصاصي ثروات الشعب سوف لا يتركونه يمضي في مشروعه الإصلاحي الكبير ولا بد أنهم سيقتلونه ليزيلوه عن طريق جشعهم ونهمهم الذي ملأ بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً.حينما فلق السيف هامة أمير المؤمنين (علیه السلام) في محراب مسجد الكوفة خرّ مضمخاً بدمه وهو يقول (فزت ورب الكعبة) وهو (ع) يشير بذلك إلى آيتين في كتاب الله، الأولى قوله تعالى: [إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ] (التوبة:111) فهو (ع) مستبشر بتمام الصفقة مع الله تبارك وتعالى والآية الأخرى في سورة العصر [إِنَّ الإنسان لَفِي خُسْرٍ، إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ] (العصر: 2-3) فالإنسان -كل إنسان- في خسر إلا من استثني بعصمة الله له ورحمته، ولا يتحقق العلم بذلك إلا عندما ينهي حياته وهو في طاعة الله تبارك وتعالى وحينئذ يفرح بنصر الله وتأييده الذي حقق له الفوز بالاستثناء.

ومن حق الشهيد الدكتور حسين أن يردد كلمة أمير المؤمنين (علیه السلام) بلسانه أو بلسان حاله؛ لأنه مضى على بصيرة من أمره واعياً لأهدافه عارفاً بقيادته مطيعاً لها مؤثراً إياها على نفسه، وهذه كلها أوسمة شرف له ولأولاده ولزوجته التي هي من عمال الله في أرضه، وأعتقد أنكِ من الوعي والالتفات إلى هذه المعاني

ص: 454

بالدرجة التي تنتقلين بها من درجة الصبر على المصاب إلى درجة الشكر على جميل صنع الله تبارك وتعالى وحسن اختياره لكم، إذ جعله من المؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه وجعلك من النساء الصالحات اللاتي يربيّن أولادهن على هدي الإسلام العظيم وسيرة أهل البيت (علیهم السلام) ويعوضك الله تعالى بهم ويجعلهم قرة عين لك وللأمة.وما أجمل وألذ أن يكرّس الإنسان حياته في طاعة الله تبارك وتعالى ويعطي كل ما عنده لله حتى نفسه من غير أن يمنَّ على الله بل الله هو المتفضل المنان لأن هذه كلها من عطاياه عظمت آلاؤه.

أسأل الله تعالى أن يجمعنا وإياه في مستقر رحمته في مقعد صدق عند مليك مقتدر مع الأحبة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين) وحسن أولئك رفيقا.

محمد اليعقوبي

النجف الأشرف

7 ج1 1426 الموافق 14/ 6/ 2005

ص: 455

نحن ضد الاحتلال من دون أن نكون مع الإرهاب وضد الإرهاب من دون أن نكون مع الاحتلال

نحن ضد الاحتلال من دون أن نكون مع الإرهاب وضد الإرهاب من دون أن نكون مع الاحتلال(1)

وقع الكثير من المتعاطين مع القضية العراقية في حالةٍ من عدم التوازن في تعاملهم مع هذه القضية المعقدة ودخلوا في حسابات المصالح على حساب المبادئ، وهو يكون مفهوماً عند غير اتباع أهل البيت (علیهم السلام) لعدم استنادهم إلى أصول رصينة، أما من انتسب إلى أمير المؤمنين وعرف مبدأيته واستقامته وتمسكه بالحق فإن هذه الحالة تُعدّ مخالفة منه لنهج علي بن أبي طالب القويم.

فترى من يزعم انه يرفض الاحتلال ويواجهه يقف مع الإرهابيين القتلة المجرمين من صداميين وتكفيريين ويتبنى مواقفهم ويشترك معهم في المؤتمرات، ويصافح أيديهم الملطخة بدماء الأبرياء من شيعة أهل البيت (علیهم السلام) الذين ذبحوا على الهوية.

ومن يقف في وجه المجرمين القتلة أعداء نهوض العراق وسعي أهله لاسترداد حقوقهم تجده يتبنى المواقف الأمريكية ويدافع عنها ولا يأبه بتدمير مدينة كاملة لمجرد أن عدداً من المسلحين-مهما كثر عددهم-قد اختطفوها من أهلها بقوة السلاح، ولا يشكّلون نسبة 1 منها، والباقون أبرياء مغلوبٌ على أمرهم وفيهم النساء والأطفال والشيوخ قد أُخذوا بجريرة غيرهم.

لا أستثني بكلامي هذا الجهات الإسلامية من داخل العراق وخارجه الذين

ص: 456


1- وردت هذه الكلمات في حديث سماحة الشيخ مع وفد ضم العشرات من نقابة ذوي المهن الصحية في محافظة ميسان يوم 12 رجب 1426 ونشرت في الصادقين على صفحتها الأولى من العدد ال-(30) الصادر بتأريخ 26 رجب 1426 الموافق 1 أيلول 2005.

عقدوا المؤتمرات واستضافوا الصداميين وشيوخ التكفيريين(1) الذين يفتون بقتل شيعة أهل البيت (علیهم السلام) وولغوا من دمائهم بزعم أنهم مناهضون للاحتلال، وهم ليسوا كذلك وإنما يتخذون هذه الورقة لتضليل المتحجرين ودفعهم إلى القيام بالعمليات الانتحارية لتحقيق أهدافهم الطائفية والاستئثار بالسلطة. وهذا تفكير خاطئ وسيئ، والموقف الصحيح المتوازن المستفاد من سيرة أهل البيت (علیهم السلام) أن نكون ضد الاحتلال من دون أن نكون مع الإرهابيين، وأن نكون ضد الإرهابيين من دون أن نكون مع الاحتلال.

ص: 457


1- أشار سماحته بهذا إلى المؤتمر الذي عقد في بيروت بعنوان المقاومة واشتركت فيه أحزاب إسلامية شيعية لبنانية مع شيوخ التكفير والقتل في العراق وعدد من الصداميين.

إحياء دور النقابات في حياة الأمة

إحياء دور النقابات في حياة الأمة(1)

إن للنقابات دوراً فاعلاً في حياة الأمة وتستطيع أن تؤثر في توجهاتها، كما نرى في عدد من دول العالم حيث تسيطر نقابة المهندسين أو المحامين أو العمال على الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية، لكن صداماً أفرغ هذه النقابات من محتواها وذوّب دورها لأنه لا يريد أن يعلو صوت إلا صوته، وأبقى النقابات التي سارت في ركابه وحوّلها إلى أداة لتنفيذ سياساته الظالمة كنقابات العمال واتحاد النساء.

ورغم زوال عهد الاستبداد والظلم وانفتاح فرص العمل الكاملة إلا أن هذه النقابات بقيت على ركودها فعلى أعضاء هذه النقابات كافة أحياؤها وبعثها من جديد لتمارس دورها الفاعل في حياة الأمة من خلال وضع قانون ينظم عملها والانتماء إليها ونشاطاتها والجهات المشرفة، عليها فإما أن ترتبط كل نقابة بالوزارة التي تناسبها كنقابة الأطباء بوزارة الصحة والمهندسين الزراعيين بوزارة الزراعة، أو ترتبط جميعاً بلجنة أو هيأة عليا تسنّها الجمعية الوطنية، أو اعتبارها مؤسسات مجتمع مدني، فالمهم أولاً أن تُحدّد الجهة التي تنظم عمل هذه النقابات وتضع آليات تشكيلها، وتعيد انتخابات الهيأة الإدارية، وأن تغطي هذه النقابات كل المهن والفنون.

ص: 458


1- من حديث سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع مؤسسي رابطة الشهيد الدكتور حسين العكيلي في بغداد والتي تضم عدداً من الأطباء، ونشرت في الصادقين على صفحتها الأولى من العدد ال-(30) الصادر بتأريخ 26 رجب 1426 الموافق 1 أيلول 2005.

دروس وعبر من إعصار كاترينا

دروس وعبر من إعصار كاترينا(1)

تعرضت ثلاث من مدن الولايات المتحدة الأمريكية الواقعة جنوب شرقها إلى إعصار كاترينا المدمّر ابتداء من يوم الاثنين 29/ 8/ 2005 وأدّى إلى خسائر كبيرة بالأرواح والممتلكات قُدِّرت بمئة مليار دولار، والقلق الأكبر هو من الأمراض والأوبئة التي ستحصل بسبب تفسخ الجثث وتغطية المدن (خصوصاً مدينة أورليانز في ولاية أريزونا) بالمياه الآسنة وتوقف الخدمات الأساسية، وقد تألمنا لما حصل للضحايا خصوصاً وأنهم من السود والفقراء الذين لم يكونوا يملكون أجور الانتقال إلى المدن الأخرى، أو ليس لهم أقرباء يأوون إليهم، أو أنهم لا يملكون إلا هذا المنزل بما فيه ويخشون عليه من تركه، أما الأغنياء والمتخمون فقد وجدوا أكثر من سبيل للنجاة.

وقد أفرز هذا الحادث الذي وُصِف بأنه أعظم إعصار ضرب الولايات المتحدة دروساً عديدة يجب الاتعاظ بها والاستفادة منها:

1- وهن وضعف هذه الدول المستكبرة التي تدّعي أنها القوة العظمى الأوحد في هذا العالم وصدق عليهم قوله تعالى [مَثَلُ الذينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أوْلِيَاءَ كَمَثَلِ العَنكبُوتِ اتَّخَذَتْ بَ-يتاً وإنَّ أوهَنَ البُيوتِ لَبيتُ العَنكبوتِ لَو كانُوا يَعلَمُون] (العنكبوت: 41) وتحاول أن تكرّس هيمنتها بقوة السلاح لا بقوة الحق والعدل والمبادئ فتراها تعجز عن مواجهة الإعصار، رغم علمها المسبق بحصوله لأنه ضرب أكثر من دولة في طريقه إليها، ومع ذلك فقد أحدث فيها

ص: 459


1- نشر في الصادقين على الصفحة الأولى من العدد (31) الصادر بتأريخ 11 شعبان 1426 الموافق 15 أيلول 2005.

هذا الدمار الهائل وتداعياته الخطيرة التي عرّضت سمعة الولايات المتحدة للهوان.2- حالة التجرد من القيم التي يتّصف بها قادة الولايات المتحدة لأن التحقيقات تقول أن الإدارة الأمريكية كانت تعلم حجم الأضرار التي يسببها الإعصار ولم تتفاجأ به لكنها رأت من وجهة نظرها أن سكّان الولاية المنكوبة-وأكثرهم من السود والضعفاء- لا يستحقون بذل الأموال المطلوبة لحمايتهم من الكارثة فتلكّأوا في الاستجابة وهذا مؤشّر خطير على القيم والمعايير التي تؤمن بها الحضارة الغربية ونموذجها الأرقى: الولايات المتحدة.

3- ضعف التركيبة الاجتماعية وتَمَزُّق نسيج المجتمع الأمريكي فبمجرد حصول الإعصار وما نجم عنه من فوضى في النظام وغياب السلطة انتشرت عصابات السُرّاق والقتل وبدأت عمليات تصفيات الحسابات السود مع البيض والتعبير عن شعورهم بالمظلومية والاضطهاد والحرمان من قبل هؤلاء البيض مما اضطَرَّ الدولة إلى جلب القوات الإضافية وإعطائها الرخصة بإطلاق النار فوراً عند الحاجة.

المطالبة بتشكيل وزارة لتنظيم الزيارات والشعائر الحسينية

المطالبة بتشكيل وزارة لتنظيم الزيارات والشعائر الحسينية(1)

الجمعة 27/ رجب: استقبل سماحة الشيخ –دام ظله- السيد الدكتور صفاء الدين الصافي وزير الدولة لشؤون البرلمان والحاج المهندس عبد الكريم

ص: 460


1- نشرت في صحيفة الصادقين، العدد الحادي والثلاثين 10 شعبان 1426ه- المصادف 15 أيلول 2005م.

العنزي وزير الدولة لشؤون الأمن القومي والوفد المرافق لهما، موفدين إلى النجف الأشرف للتحقيق في الفتنة الأخيرة(1) والمعالجات التي تُجنّبنا مثل هذه الأزمات التي تهدد كيان الأمة، وفي بداية حديثه عزّى سماحته الجالسين بفاجعة جسر الأئمة والألم والمرارة التي عاشها كل شريف جرّاء وقوع الحادثة، ثم ذكر بعض تصوراته عن أسباب أزمة النجف الأخيرة وكيفية معالجتها، وتفقد من خلال الدكتور الصافي شؤون وزارته حديثة التأسيس، وفي نهاية حديثه طلب من الوزيرين عرض أمرين ضروريين إلى الحكومة :(الأول): تشكيل وزارة خاصة بتنظيم الزيارات والشعائر الدينية؛ لأن أي عمل إذا لم يتفرغ له صاحبه فإنه لا يبدع فيه وتبقى الجهود مشتتة ومبعثرة وعبارة عن أفعال ارتجالية كالذي يحصل الآن في المناسبات الدينية، فإن لجاناً آنية تتشكل قرب المناسبة من الأطراف المعنية تقوم بالتنظيم من دون تخطيط مسبق ولا تنسيق ولا إمكانيات كافية ولا وضع برامج عمل، ثم تنحلّ اللجنة لتتشكل غيرها في المناسبة الأخرى فلا خبرة مكتسبة ولا استفادة من التجارب والأخطاء السابقة؛ لذا نقع في نفس الأخطاء ونمر بنفس الكوارث ولا نتقدم

ص: 461


1- المقصود بها ما حصلت من مواجهة مسلحة بين التيار الصدري وفئات شيعية أخرى في مدينة النجف الأشرف قرب الحرم العلوي المطهر يوم الأربعاء 18/رجب والحصيلة الأولية (5) قتلى و (24) جريحاً، وامتدت تداعياتها إلى عدة مدن كمدينتي الصدر والشعلة في بغداد والعمارة وأعلن وزيرا النقل والصحة و (21) عضواً في البرلمان من التيار الصدري تعليق عضويتهم وأدان السيد هادي العامري رئيس منظمة بدر الهجوم على رمز مقدس –يعني به مكتب السيد الشهيد الصدر (قدس سره) قرب الحرم العلوي- وقال إن الذين قاموا به هم من أعداء الشعب، ووعد د.إبراهيم الجعفري رئيس الحكومة بإرسال لجنة للتحقيق في الأمر.

خطوة، بينما حينما يتخصص كيان بمستوى وزارة لهذا الأمر فأنه سيضم هيئات وأقساماً تخطط للمناسبة وتسجل ملاحظاتها وتستعد لها وتنسق مع الوزارات المعنية كالدفاع والداخلية والصحة والنقل ومع اللجان غير الرسمية وتعمل على توفير الإمكانيات الضرورية لمستلزمات المناسبة كالأمن والخدمات والتوعية والحاجات الأساسية كالطعام والماء والمسكن . إن أمامنا مثالاً في المملكة العربية السعودية حيث توجد فيها وزارة للحج تجد لها في كل موسم تطويراً في عمل أو تلافياً لخطأ وهو موسم واحد، بينما مواسم الزيارة المليونية تتجاوز العشرة في السنة إلى النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء مما يجعل الطلب أكثر إلحاحاً.

(الثاني): تفعيل دور النقابات المهنية كالمهندسين والأطباء والمحامين والعمال والمعلمين وغيرهم، ووضع قانون ينظّم عملها والجهات التي ترتبط بها كالوزارات أو هيأة خاصة تتشكل بقانون من البرلمان أو تلحق بمؤسسات المجتمع المدني؛ لأن لهذه النقابات دوراً هاماً في حركة الشعوب سياسياً وفكرياً واجتماعياً.

مفوضية النزاهة مطالبة بالمصداقية

مفوضية النزاهة مطالبة بالمصداقية(1)

إن قادة الإسلام وعلى رأسهم رسول الله (صلی الله علیه و آله) وأمير المؤمنين هم أكمل

ص: 462


1- كلمة سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع وفد المفوضية العليا للنزاهة الذي زاره يوم الأربعاء 16 شعبان ونشر في الصفحة الثانية من العدد (32) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 25 شعبان 1426 الموافق 29 أيلول 2005.

من جسّد النزاهة والعفاف والطهر في حياتهم فأمير المؤمنين (علیه السلام)، وهو رئيس دولة تمتد من أواسط آسيا شرقاً إلى شمال أفريقيا غرباً يصعد على منبر الكوفة ويقول (لو خرجت منكم بغير هذه القطيفة التي جئتكم بها من المدينة لكنت خائناً) ويرقّع مدرعته حتى استحيى من راقعها ويلبس النعل البالي، وحادثته مع أخيه عقيل الذي طلب منه مساعدة لعياله تثبت ذلك بكل وضوح وكان المال الذي يأتيه لا يبيت عنده حتى يوزّعه على مستحقيه، فليس صحيحاً ما يقال أن (مفوضية النزاهة) هي من ابتكارات الحضارة الغربية لتوفير الضمانات الدستورية والرقابة على تصرفات الأجهزة الحكومية.إن لهذه المفوضية دوراً مهماً في ضبط أداء السلطات وضمان عدم انحرافها ومحاسبة المسيئين والالتزام بالدستور، إلا أن مجرد تشكيلها غير كافٍ ما لم يتّصف أعضاؤها بالنزاهة فعلاً والإخلاص والترفع عن اتباع أهواء النفس الأمّارة بالسوء والحرص على المصلحة العامة.

ولا بد أن نفهم أن (النزاهة) لا تعني محاربة الفساد الإداري والمالي فقط، بل إن (مفوضية النزاهة) مسؤولة عن التوزيع العادل للثروة على أبناء الشعب بحسب نسبة السكان وحاجة المحافظات، فليس مقبولاً ما نسمعه أن الميزانية المخصصة للخدمات في المحافظات التي كان النظام المقبور يغدق عليها هي عشرة أضعاف وأحياناً عشرين ضعفاً أزيد من الميزانية المخصصة للمحافظات المضطهدة والمحرومة في وسط وجنوب العراق.

كما طالب سماحته بآلية عادلة للتمثيل في هذه المفوضية. لقد قدمنا شهداء في طريق تحقيق النزاهة كالشهيد أبي زينب الدراجي مسؤول المجالس البلدية

ص: 463

في البصرة الذي عُرضت عليه المبالغ الضخمة للسكوت عن المظالم والفساد المالي فلم يتوقف عن عمله، والشهيد الدكتور حسين العكيلي الذي بدأ بمجرد تعيينه في الشركة العامة للأدوية والمستلزمات الطبية بتطهيرها من المافيات.

حث الأطفال على حفظ القرآن

حث الأطفال على حفظ القرآن(1)

استقبل سماحة آية الله الشيخ اليعقوبي (دام ظله) يوم الأربعاء التاسع من شعبان العشرات من أطفال عدة مدن في محافظة الديوانية حفظوا أبعاضاً من القرآن الكريم وقدموا فعاليات في مدح أهل البيت (علیهم السلام).

وقال سماحته أن مثل هذه الفعاليات أجواء صالحة وتساهم في تغيير الواقع الفاسد لأن جزءاً من معالجة الفساد تكون بتوفير البديل الصالح، فمن كانت له مناسبة مفرحة كزواج أو ختان ويريد أن يحتفل بهذه المناسبة فإنه قد يأتي بفرق موسيقية ومغنين يشيعون أجواء الفساد والانحراف، ولكن حينما توجد فرقة تحيي هذه المناسبة بفعاليات تعوّضهم عن تلك فإن المجتمع سيتوجّه إليها؛ لأن كثيراً من الناس إنما يلتجئ إلى المعاصي بسبب انغلاق فرصة الطاعة المشابهة، كالذي يتوجه إلى العلاقات الجنسية غير المشروعة بسبب عدم توفّر فرصة الزواج له وهكذا فعلينا أن نشجّع إيجاد مثل هذه البدائل الصالحة.

وأبدى سماحته فخره واعتزازه بإصرار الأطفال على مواصلة تعليمهم حتى حفظ هذا المقدار المبارك من القرآن الكريم، وشجّعهم على الاستمرار

ص: 464


1- نشر في الصفحة الثانية من صحيفة الصادقين في عددها ال-(32) الصادر بتأريخ 25 شعبان 1426 الموافق 29 أيلول 2005.

بالحفظ لأن قلب الصغير كالأرض الصالحة للزراعة التي لم تفقد قدرتها على الإنتاج ولم تكثر فيها الأدغال، بل تستجيب بسرعة للبذرة الطيبة وتنتج ثمراً طيباً فيكون استغلال هذا العمر ضرورياً، فإن التعلم في الصغر كالنقش في الحجر من حيث الثبات والرسوخ.ولا بد أيضاً أن يشارك الأهل والمعلمون في هذه العملية ومساعدتهم على الحفظ وعلى الاستذكار المستمر؛ لأن نسيان أي سورة يُخسِر حافظها درجة مهمة في الجنة كما ورد في بعض الروايات أن شخصاً يرى يوم القيامة قصراً عالياً في الجنة وتحيطه البساتين والأنهار فيتمنى أن يكون له فيأتيه الجواب أن هذا كان لك لو كنت مستمراً في حفظك للسورة الفلانية كما يقال لقارئ القرآن (اقرأ وارقَ) فكلما قرأ آية رقى درجة في الجنة.

وقد اتبع بعض المعلمين طريقة ميسّرة للحفظ بأن يحفظ كل يوم صفحة من القرآن لمدة خمسة أيام ويكون اليوم السادس لاستذكارها واستظهارها واليوم السابع استراحة وبالنتيجة سيتمكن من حفظ جزء من القرآن الكريم في شهر واحد بعون الله تبارك وتعالى، وليعلم أولياء أمور الأطفال من آباء وأمهات ومعلمين أن هذا التعليم سيكون صدقة جارية يأتيهم أجرها كلما قرأ هذا الطفل حرفاً من القرآن أو علّمه للآخرين وأية تجارة أعظم من هذا وفي مثل ذلك فليتنافس المتنافسون.

ص: 465

في ذكرى ولادة الإمام المنتظر(عجل الله تعالى فرجه الشريف)

في ذكرى ولادة الإمام المنتظر(1)(عجل الله تعالى فرجه الشريف)

(عجل الله تعالى فرجه الشريف)

استقبل سماحة الشيخ (دام ظله) للأيام من 13 ولغاية 15 من شعبان حشوداً من المؤمنين المشاركين في زيارة الإمام الحسين(ع) ليلة النصف من شعبان وهنّأهم على هذه المنقبة العظيمة التي وُفّقوا لها، والألطاف الإلهية التي فازوا بها، ودعاهم إلى الاحتفاظ بالآثار المعنوية والتكامل الذي حصلوا عليه ليمدّهم بالطاقة الإيمانية لما يأتي من الأيام، وليس صحيحاً أن تزول هذه الآثار بمجرد العودة فهذه استفادة ناقصة وإنما تكون تامة إذا استمر هذا التأثير كما ورد عمّن سأل الإمام الصادق (علیه السلام) قال: كيف أعرف أن صلاتي مقبولة قال (علیه السلام): إذا نهتك عن الفحشاء والمنكر فمقدار قبولها بمقدار نجاحها في إيجاد هذا التغيير.

على انه مما يؤسف له أن كثيراً من الزائرين لم يعرف حق الزيارة ولا أهدافها فتجد كل همه أن يظهر ولاءه لزعيم سياسي أو ديني ويقدس صورته ويرفعها في كل مكان، وآخرون أمضوا وقتهم في بعض المظاهر الاحتفالية الخارجة عن الحد الشرعي فأضاعوا على أنفسهم هذه الفرصة العظيمة للطاعة.

وقال سماحته تعليقاً على فعّالية فرح أقامها المحتشدون لزيارة سماحته بذكرى ميلاد الإمام (علیه السلام) وأعقبها مشاركة حزن لما تتعرض له الأمة من قتل وانتهاك وظلم وهضم حقوق، أنه من حقكم أن تفرحوا بهذه المناسبة ليس انتم فقط معاشر شيعة أهل البيت (علیهم السلام) بل كل البشرية التي تنشد العدالة والسعادة

ص: 466


1- نشر في الصفحة الثانية من صحيفة الصادقين في عددها ال-(32) الصادر بتأريخ 25 شعبان 1426 الموافق 29 أيلول 2005.

والرفاه والحرية بعد أن سأمت حياة النكد والظلم والاضطهاد والاستكبار في ظل الأيدلوجيات والنظم الأرضية، وكلمّا تصّورت أن هذا النظام سينقذها وإذا به أسوأ من سابقه ففقدت الأمل في اليوم السعيد وهو ما عبر عنه الله تبارك وتعالى عن خليله إبراهيم (علیه السلام): [فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآَفِلِينَ، فَلَمَّا رَأى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ، فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أكبر فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ، إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ] (الأنعام:76-79) وهكذا البشر على مرّ التأريخ كلما علق أمله بشيء دون الله تعالى ظهر فشله وعجزه وبقيت الآمال اليوم متعلقة بالله تعالى أن ينقذ البشرية بالمصلح الأعظم.وتمتزج هذه الفرحة التي نحياها بالحزن الذي نعيشه بسبب ما نفقده من أحبة وأعزاء وأبرياء بفعل الإرهاب الأعمى، والطائفية المقيتة والإجرام الصدّامي، وبسبب الظلم الذي نتعرض له من الإخوة والأعداء على حد سواء ولا نقوم من فجيعة حتى تأتينا أخرى [لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاً وَلا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ] (التوبة:10) كما وصفهم الله تعالى، يذبحون الناس على هوية التشيع لآل البيت ع، ويقتلون صاحب محل لبيع اللحوم لأن عنوانه (محل الزهراء)، ويقتلون آخر لأنه يعلق صورة رمزية لأمير المؤمنين أو الإمام الحسين (علیه السلام) كما اعترفوا وأقرّوا بجرائمهم الفظيعة.

فهذا الامتزاج بين الفرح المشوب بالحزن هي شيمة هذه الحياة الدنيا على

ص: 467

الدوام، فلا يجوز للعاقل أن يغترّ بها ويركن إليها وعليه أن يبقى متوجهاً إلى هدفه الحقيقي وهو رضا الله تبارك وتعالى، قال الإمام الحسين (علیه السلام): (الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناءٍ وزوال متقبلة بأهلها حالاً بعد حال، فالمغرور من غرّته والشقيّ من فتنته). ولنتعظ بمصير السابقين فقد كانوا أكثر أموالاً وجنداً وطغياناً كصدام ومن شابهه حيث كانت تحيط به عساكر تعدّ بالملايين ويتحكم بمليارات الدولارات من ثروة العراق كيف صار مصيره إلى حفرة كالجرذان أخرج منها ذليلاً.

لا يجوز لأي أحد التصدي للحوارات العقائدية في الفضائيات إلا بعد إجازة الجهة المختصة

لا يجوز لأي أحد التصدي للحوارات العقائدية في الفضائيات إلا بعد إجازة الجهة المختصة(1)

علق سماحة الشيخ على أداء بعض الأشخاص الذين يظهرون على الفضائيات في حوارات عقائدية كالمستقلة وغيرها وهم ليسوا بالمستوى الكافي بأن مثل هؤلاء يسيئون للدين وللمذهب في هذا الزمان الذي تتحكم وسائل الإعلام في توجيه أبنائه ثقافيا وفكريا وسياسيا وبإمكانها قلب الحقائق وتوجيه الحالة بما يناسب أيديولوجيتها.

فلا بد أن لا يتصدى أحد لمثل هذه الحوارات إلا أن يؤذن له من الجهة المختصة -كالمرجعية الشريفة والمعاهد العلمية في الحوزات العلمية - كما أن

ص: 468


1- نشر في العدد (33) من الصادقين على صفحتها الأولى الصادرة بتأريخ 7 شوال 1426 الموافق 10 تشرين الثاني 2005.

الأحزاب السياسية لها ناطق رسمي مخوّل باسمها ولا يُسمح لغيره بالتعبير عن آرائها، ولا شك أن المسائل العقائدية أهم واعقد من المسائل السياسية. وبالمقابل لابد للحوزات العلمية أن تهتم بعلم الكلام ودراسة التيارات الفكرية، والاتجاهات العقائدية الموجودة في عالم اليوم، ومعرفة أساليب الحوار مع كل منها بما تقتضيه طبيعة الحديث مع تلك الجهة، فالحوار مع الملحد غيره مع المؤمن بالله، والحديث مع المؤمن بالله من غير المسلمين ليس كالمسلمين، والحوار مع المسلم من غير اتباع أهل البيت (علیهم السلام) له خصوصية تختلف عمن ينتمي إلى هذه المدرسة وهكذا.

وقد كان الأئمة (علیهم السلام) يتابعون هذه الأفكار والتيارات ويواجهون أصحابها ومنظريها ويدحضون آراءهم، خصوصا في موسم الحج حيث يجتمع هؤلاء لإلقاء الشبهات في هذا المؤتمر العالمي العام، وكان الأئمة (علیهم السلام) يربّون أصحابهم المتمكنين من النصر والغلبة في الحوار والجدال ويعقدون جلسات مناظرة بينهم ويلقون إليهم بالحجج والأدلة التي توفق مسيرتهم، وقد حفل كتاب (الاحتجاج) للطبرسي بسجل كبير لهذه المناظرات.

وعلى هذا سار عدد من علمائنا الأبرار من السابقين كالسيد المرتضى والشيخ المفيد والشيخ الطوسي والعلامة الحلي ومن المتأخرين والمعاصرين كالسيد عبد الحسين شرف الدين والسيد محسن الأمين العاملي والشيخ عبد الحسين الاميني صاحب الغدير والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء والشهيدين الصدرين (قدس سره).

ولذا انصح بقراءة كتاب (الاحتجاج) وكتاب الحجة من كتاب أصول

ص: 469

الكافي ولا بأس أن يؤخذ مع شرح مبسط ككتاب (الشافي في شرح أصول الكافي) فإن فيهما أصولا وأساسيات لمثل هذه الحوارات، أنتجت مثل كتاب (المراجعات) للسيد شرف الدين و (الغدير) للأميني وكتب الشيخ كاشف الغطاء ونحوها.وعلى علمائنا ومفكرينا ومثقفينا أن يستغلوا فرصة الانفتاح العالمي وتقدم وسائل الاتصالات وشغف العالم للتعرف على الإسلام للدعوة إلى الله تبارك وتعالى والنهج الإنساني القويم للنبي محمد (صلی الله علیه و آله) والأئمة الطاهرين من آله (ع).

سماحة الشيخ يستقبل سماحة السيد الحكيم ويناقش معه قضايا الشعب والانتخابات

سماحة الشيخ يستقبل سماحة السيد الحكيم ويناقش معه قضايا الشعب والانتخابات(1)

أبدى سماحة الشيخ (دام ظله) امتعاضه من قرار الحكومة زيادة أسعار المشتقات النفطية، وقال خلال استقباله سماحة السيد عبد العزيز الحكيم خلال عيد الفطر المبارك: ليس هذا جزاء الشعب العراقي الذي هبّ بشجاعة وبسالة لانتخاب هذه الحكومة والاستفتاء على الدستور وصبر طويلاً على الحرمان والظلم والتقصير، وطالب سماحته بإلغاء القرار وعدم الإذعان لشروط البنك الدولي فإن قروضه ومنَحِه الموعودة لا تساوي عُشر الثروات التي تهدر وتُسرق من أموال الشعب والدولة، فالحل بأيدينا بالاعتماد على العناصر النزيهة

ص: 470


1- نشرت في صحيفة الصادقين / العدد الثالث والثلاثين 7 شوال 1426ه- المصادف 10 تشرين الثاني 2005م.

المخلصة للوطن والشعب. وناقش سماحته آليات القضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه وعناصر دعمه، ومن تلك الآليات تشجيع حركة النقل والاستيراد عبر الكويت وليس الأردن، فإن الأخيرة تدعم الإرهاب وتغذيه وتثقف باتجاهه، كما أن عصابات الإرهابيين تنتشر على الطريق الواصل بين العراق والأردن، وهي تأخذ الإتاوات على الشاحنات والحافلات، وهي تذهب لدعم الإرهاب، والأردن كسوريا تأوي الصداميين الإرهابيين وتنظم لهم تجمعاتهم ومؤتمراتهم، بينما الطريق إلى الكويت يمر بمناطق آمنة ولا مصلحة للكويت في إيواء الصداميين واحتضانهم، وبذلك نشكل ضغطاً على الحكومة الأردنية لتغيير سياساتها.

وجرى الحديث عن كيفية تشكيل الائتلاف العراقي الموحد والصعوبات التي واجهته والخروقات التي تحفّظ عليها حزب الفضيلة الإسلامي وأوجبت محاولته الانسحاب من الائتلاف، والتحديات الكبيرة التي تواجهها العملية السياسية في العراق ودور الائتلاف في تحمل مسؤولية إنجاحها وتقويم مسيرتها.

ص: 471

على المرشدين وحجاج بيت الله الحرام الاستعداد لموسم الحج

على المرشدين وحجاج بيت الله الحرام الاستعداد لموسم الحج(1)

تباحث سماحة الشيخ مع بعض فضلاء الحوزة العلمية الشريفة بشأن إنشاء معهد لإعداد المبلغين ومرشدي قوافل حجاج بيت الله الحرام تابع للحوزة العلمية الشريفة في النجف، ولا يقتصر منهاج الدراسة فيه على تعليم أحكام الحج ومناسكه وموارد الخلاف بين الفقهاء في تفاصيله، وإنما يعدّ المرشدين ثقافياً وعقائديا وأخلاقيا حيث يتضمن دروسا في مسائل العقائد وعلم الكلام التي يكثر النقاش والجدال فيها ودروسا في تأريخ وجغرافية المعالم الإسلامية في الديار المقدسة، خصوصاً تلك التي يجهلها أكثر المسلمين كمقبرة الحُجون وشِعْب أبي طالب والمساجد السبعة وغيرها، ودروساً أخرى في أخلاق السفر وآداب المعاشرة والعلاقات الاجتماعية، ويقوم هؤلاء المرشدون بدورهم بإلقاء المحاضرات وعقد ا لدورات التعليمية لحجاج بيت الله الحرام ليتمكنوا من أداء مناسك حجهم على الصورة التي يرضاها الله تبارك وتعالى ولا يشملهم كلام الإمام (علیه السلام): (ما أكثر الضجيج وأقل الحجيج).

ولكن الوقت لما لم يكن كافيا لفتح المعهد في هذا الموسم بالشكل المخطط له، فنحن ندعو الفضلاء والمبلغين الذين تشرفوا بأداء فريضة الحج وأتقنوا المفردات التي ذكرناها أن يعملوا بما تيسر لهم لتعليم من كُتِب لهم التوفيق للذهاب للديار المقدسة وإلفات نظرهم لما يحتاجون إليه.

كما ندعو الحجاج إلى اختيار الحملة التي يتوفر فيها مرشد ديني مخلص

ص: 472


1- نشر في العدد (33) من الصادقين على صفحتها الأولى الصادرة بتأريخ 7 شوال 1426 الموافق 10 تشرين الثاني 2005.

متفقه ومتعهد أمين عارف ورع، وأن لا يفرّطوا في الالتحاق بهذه الدورات فإن الحج مرة واحدة في العمر وقد يصعب تعويض التقصير فيه.ويجب على من توفرت لديه الاستطاعة أن لا يتخلف عن أداء هذه الفريضة فقد ورد التهديد الشديد بحق من يتهاون في أداء فريضة الحج وهو مستطيع لها.

ليعتبر الغرب من الاضطرابات في فرنسا

ليعتبر الغرب من الاضطرابات في فرنسا(1)

دعا سماحة الشيخ الغرب إلى أخذ الدروس والعبر من الاضطرابات التي تشهدها فرنسا منذ أكثر من ثلاثة أسابيع واضطرت الحكومة إلى إعلان حالة الطوارئ مما أقلق الشعب الفرنسي وأشعره بأنها حالة حرب.

إن هذه الحوادث كشفت عن التناقضات الكبيرة في المجتمع الغربي والفوارق الطبقية وعدم المساواة، وعدم مصداقية القادة السياسيين في العمل لمصلحة شعوبهم وإسعادهم وارتكابهم قرارات خاطئة بلا مبرر، كمنع الحجاب في المدارس الرسمية، فكل هذه العوامل ساهمت في اختزان حالة الغضب والامتعاض لدى الشعب الفرنسي وما إن وجد فرصة للانطلاق حتى أنفجر كالبركان وأمتد إلى عدة دول أوربية كألمانيا وبلجيكا وهولندا وبريطانيا.

وقد أبدى مثقفو الغرب ومفكروهم قلقهم من فشل الحكومات في إيجاد الحلول لهذه المشاكل الاجتماعية واكتفائهم بالحل الأمني والعسكري دون

ص: 473


1- نشر في العدد (34) من الصادقين على صفحتها الأولى الصادرة بتأريخ 28 شوال 1426 الموافق 1 كانون الأول 2005.

النظر إلى جوهر المشكلة، وأن ذلك يهدد مستقبل الحضارة الغربية في حين اعترفوا –بحسب ما نقلته الصحف الغربية - إن المستقبل هو للمسلمين الذين ينعمون بروابط اجتماعية قوية وأخلاق فاضلة ومُثل إنسانية عليا والحمد لله على هدايته لدينه.

سماحة الشيخ يشيد بنتائج مؤتمر الوفاق الوطني العراقي

سماحة الشيخ يشيد بنتائج مؤتمر الوفاق الوطني العراقي(1)

أثنى سماحة الشيخ (دامت تأييداته) على نتائج مؤتمر الوفاق الوطني العراقي الذي عقد في القاهرة بتاريخ 16- 18 شوال المصادف 19 –21 / 11/ 2005م، وقد ساهمت رؤى المرجعية الرشيدة التي نقلها الأستاذ الدكتور نديم الجابري في إنجاحه والخروج بمقررات تصب في مصلحة الشعب العراقي، ففي الوقت الذي عزلت الإرهاب وحشدت كل القوى لضربه وانتزعت دعم الدول لهذه الحملة حتى التي كانت تدعمه فإنها وجهت رسالة تحذير إلى قوات الاحتلال بأن المقاومة حق مشروع لكل الشعوب وعليها أن لا تتدخل في إرادة الشعب العراقي وسيادته واستقلاله، التي تحاول العملية السياسية والمشاركة الفعالة فيها لانتزاعها بحسب تشخيص مصلحة الشعب والبلد .

والمراقب للساحة يجد تحولاً جذرياً في مواقف الذين كانوا يتبنون الإرهاب حيث أعلن كثيرون تخليهم عن السلاح ورغبتهم في الاشتراك في العملية السياسية التي لم يمنعهم منها أحد من أول الأمر إلا سوء تقديرهم وتعصبهم وطائفيتهم وجهلهم، وقد أصدرت أحزاب وقوى من أهل السنة

ص: 474


1- نُشر في العدد (34) من صحيفة الصادقين.

بيانات تهدد الجماعات المسلحة بأنها إن لم تترك السلاح فإنها أول من يقاومها ويحاولها.

ص: 475

الفقه والمجتمع (من فقه طلبة الجامعات) (الجزء الأول)

الفقه والمجتمع (من فقه طلبة الجامعات) (1) (الجزء الأول)

نحاول إعادة نشر تلك الحوارية على شكل حلقات بعد إعادة النظر فيها واختيار ما هو مناسب لظروفنا الراهنة وإضافة ما استجد مع تغير التحديات، وستكون هذه الحلقات بإذن الله تعالى منبراً للأساتذة وطلبة الجامعات كي يعرضوا مشاكلهم ومقترحاتهم وأفكارهم لنساهم جميعاً في الارتقاء بمستوى جامعاتنا وبناء جيل كفء واع ملتزم بمبادئه الدينية والاجتماعية والوطنية ومخلص لدينه وبلده وأمته.

س1: نقل عنكم وجود فرق بين ماضي الجامعة الذي عشتموه طالباً قبل ربع قرن وحاضرها، ما هو الفرق في أساليب التحديات التي يمارسها الأعداء بين الماضي والحاضر؟

ج: كنا في زمان يُنظر فيه إلى المتديّن على أنه رجعي ومتخلف، وكان هذا الضغط الاجتماعي مضافاً إلى الضغوط الأخرى كبطش جلاوزة صدام وعملهم بسياسة (احبس على الظنة وأقتل على التهمة)، كانت كافية لتخلي الكثير عن التدّين بل دفعتهم –من أجل إبعاد تهمة الالتزام بالدين - إلى حضور بعض مجالس الفسق أو التظاهر بتصرفات البعيدين عن الدين، ونجح الأعداء في صرف الناس عن الدين، أما اليوم فقد اتسعت الحركة الإسلامية بفضل

ص: 476


1- نُشر في العدد (35) من صحيفة الصادقين.

جهود وتضحيات العلماء والفضلاء والشباب الرسالي وعلى رأسهم المراجع العظام، وأصبح التيار الديني طاغياً في كل شرائح المجتمع، ولكن الأعداء لم يقطعوا الأمل بل غيَّروا الأساليب إلى عدم مواجهة التيار الديني مباشرة وإنما مسايرته وإظهار قبوله والتماشي معه ثم تفريغ الدين من محتواه وجوهره الحقيقي والإبقاء على شكلياته ومظاهره فلم يمانعوا من الحجاب ولكن على الطريقة الفرنسية!! ولا بأس عندهم بالاختلاط المنافي للعفة والحياء! ومن الضروري إحياء الحفلات الداعرة!! أما النوادي فتكرس للغناء والرقص!!، أما العلم فآخر ما نفكّر فيه (وله أهله)، فما جئنا له بل لنلهو!!، ونتمتع!! وهكذا أصبح الفكر السائد لدى بعض طلبة الجامعات من الجنسين بفعل ما زرعه الأعداء فينا، وبثه لأساليب اللهو والمجون بين صفوفنا، وغاية ما يفكر فيه الطالب هو نيل الشهادة لأغراض دنيوية، أما السعادة والرخاء والحياة الكريمة له والقيام بوظائف خلافة الله في الأرض [إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً] (البقرة:30) فهذا مما لا يخطر على بال احد إلا من عصم الله.س2: باعتبار أن الجامعة جو جديد على الطلبة من خريجي الإعدادية الأكاديمية والمهنية، ويوجد بعض الطلبة ضعيفي الإيمان مما يؤدي إلى الضياع العقائدي والديني.

فهل يشكل انضمامهم على الجامعات حرمة تشريعية؟

ج: إن وجود تيارات فكرية مخالفة للإسلام في الجامعات لا يعني الانسحاب من هذه الأوساط العلمية المهمة، فإن الخطر لا يدفع بدفن الرأس في التراب كما تفعل النعامة في المثل المشهور، وإنما الواجب هو التسلح بالعلم

ص: 477

والمعرفة والإيمان والشجاعة لمواجهة هذه الأفكار المنحرفة كما يقول أمير المؤمنين(ع): (إذا هبتَ أمراً فقع فيه)، والهدف من مواجهتها ليس المِراء والجدال وتحقيق نشوة الانتصار فهذه أهداف متدنية لا يبتغيها المؤمن، وإنما الهدف هو نيل رضا الله تبارك وتعالى والدفاع عن دينه القويم وإصلاح المجتمع وإنقاذ أفراده من مخالب القوى الشيطانية. أما الإنسان الضعيف الذي يخشى على نفسه من الوقوع في الانحراف فله أحد تصرفين: إما أن يصم أذنيه عن سماع ما يخالف عقائده وثوابته الأخلاقية والاجتماعية ويكتفي بإيمانه الإجمالي، فإذا نوقش فيه فليوكل كل الأمور إلى أهل الاختصاص، فإذا خشي أن تتأثر عقيدته وتنحرف ولم يستطع الصمود والاحتفاظ حتى بهذا الإيمان الإجمالي فيجب عليه الانسحاب وعدم توريطه في الفتنة عن الدين وهي أشد وأكبر عند الله من القتل، كما في الآية الشريفة.

س3: يلاحظ وجود الفراغ في مسالة العقائد الإسلامية لدى الطلبة الجامعيين مما جعل من الجامعة الأرض الخصبة لاستقبال كثير من الأفكار المسمومة والعقائد الفاسدة التي تؤدي إلى هدم الدين بصورة عامة والمذهب بصورة خاصة بجهود مكثفة من قبل العديد من الحركات والأحزاب والمؤسسات تحت واجهات مختلفة، فبماذا تنصحون أبناءكم الطلبة لمواجهة هذه التحديات؟.

ج: إن الجهل أساس مشاكلنا وما أوتينا إلا من جهة جهلنا وقد كان الأئمة يحثون على طلب العلم والمعرفة بالعقائد وأمور الدين ففي الحديث: (ليت

ص: 478

السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقهوا في الدين) ، وفي الحديث : (أفٍ لرجل لا يفرّغ نفسه كل جمعة ساعة ليتفقه في الدين)، فيصل الاهتمام حد الضرب بالسياط لدفعهم إلى التعلم والمعرفة، واعتقد أن ساعة واحدة أسبوعياً ممكنة جداً لأي فرد مهما كانت مشاغله كثيرة يفرّغ فيها نفسه للتفقه والتعلم بالأسلوب المناسب له كقراءة الكتب النافعة أو اللقاء مع علماء الدين والتزود منهم أو الاستماع إلى خطبة من أحد العلماء وأئمة الجماعة.وفي تفسير قوله تعالى: [فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ] تجد عدم العذر لأي شخص يدّعي عدم العلم؛ لأن الله سبحانه قد ألقى الحجة عليه بإرسال الأنبياء (ع) وتنزيل الكتب ونصب الأئمة (علیهم السلام) وورثهم من علماء الدين المخلصين.

وقد ورد من الفضل والثواب العظيم في طلب العلم وتحصيله مالا يمكن تفويته (راجع الكافي: كتاب العلم)، فمن الواجب على كل مسلم أن يتعلم عقائده والأدلة عليها ولو بشكل مبسط والدفاع عن الشبهات الموجهة إلى الدين والمذهب، وأن يتعلم أساسيات التشريع والمسائل التي يتعرض إليها بكثرة، وهذا هو الحد الأدنى من الواجب الذي لا يعذر فيه الإنسان ويعاقب على تركه.

ولو تسلحنا بالعلم والمعرفة ولو بأدنى مراتبها سنجد أعداءنا بكل ما يصورون أنفسهم من الهالة الكبيرة هم أوهن وأضعف من بيت العنكبوت كما وصفه الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم.

س4: ظهرت في الآونة الأخيرة بعض العبارات لا يعلم مصدرها ومنها(ماذا تفعل بالشهادة؟) و (ماذا يكون عائدها المالي بعد التخرج؟)

ص: 479

مما أدى إلى وجود الإحباط النفسي والعلمي وعزوف كثير من الطلبة عن إكمال الدراسة، فبماذا تردون على مثل هكذا نوع من العبارات المدسوسة؟ج: هذه الأفكار من دسائس أعدائنا وإلا فإن العلم لم يطلب للتكسب به وإن حصل ذلك عرضاً، وإنما يطلب العلم لبناء النفس والمجتمع، فهل أن شخصية المتعلم كشخصية الجاهل؟ وهل أن نضج حامل الشهادة كنضج المحروم منها، وهل أن الحياة يبنيها الجهّال أم العلماء؟ (في مختلف الاختصاصات)، فلو فرضنا أنه لا يعمل بموجب الاختصاص الذي حصل عليه لكن هذا لا يلغي الآثار الإيجابية التي تركت بصماتها على شخصيته الذهنية والنفسية وقدرته على البناء والتغيير، وببساطة أسأل هؤلاء لو أن الإمام المهدي أرواحنا له الفداء قدّر له الظهور فأيهما أكثر سروراً لقلبه أن يجد مجتمعاً مثقفاً حاملاً لشهادات بمختلف الاختصاصات حتى يوزع عليهم المسؤوليات أم يجد مجتمعاً جاهلاً لا يحسن شيئاً؟ فليكن طلبكم للعلم بهدف الاستعداد لأن تكونوا عناصر صالحة في المجتمع ونافعة له سواء أتيحت لكم الفرصة أم لا فما عليك إلا أن توفر الاستعداد والقابلية في نفسك، أما إتاحة الفرصة للنفع أو عدمها فهذا أمر ليس بيدك ولا يكون مثبطاً لعزيمتك في تحصيل العلم.

س5: نرى الكثير من الطلبة الجامعيين من أبناء الأسر الثرية الذين يجعلون المجتمع الجامعي كمسرح لعرض الأزياء والتبرج والتفاخر بالأموال والسيارات الحديثة، مما أثر سلباً على الحالة النفسية للطلبة

ص: 480

الفقراء من أبناء الأسر البسيطة وأدى إلى انحرافهم عن جادة الحق، فما حكم تصرفات كلا النوعين من الطلبة في نظر الشارع المقدس؟ ج: إن من آداب الإسلام أن لا يغتر الإنسان ولا يطغى بما أنعم الله عليه ولا يستعملهما لإغاظة الآخرين وإثارة الحسد في نفوسهم، وقد ضرب القرآن مثلاً في قصة قارون: [فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ.... خَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ...]، وقد كان أمير المؤمنين علي (علیه السلام) وهو رئيس دولة مترامية الأطراف يلبس ويأكل كأضعف الناس فقيل له ذلك، فقال(ع): (لكي لا يتبيّغ بالفقير فقره)، ويقول (ع): (أأقنع من نفسي أن يقال لي أمير المؤمنين ولا أشاركهم في جشوبة العيش ولعل في الحجاز أوفي اليمامة –أي البحرين وهو(ع) في الكوفة- من لا عهد له بالشبع ولا طمع له في القرص)، ومن آداب الإسلام أن لا تأكل شيئاً يراه أو يشمه الجار إذا كان غير قادر على تحصيله، ومن الممنوع أخلاقياً أن تتسبّب في (كسر) نفسية أحد، فقد ورد في الحديث: (من كسر مؤمناً فعليه جبره)، وعلى العكس من ذلك فقد أدّبنا الإسلام بالمواساة والمؤاخاة ومشاركة الآخرين، لذا ترى رسول الله (صلی الله علیه و آله) آخى بين المسلمين مرتين: مرة بين المهاجرين أنفسهم ومرة بين المهاجرين والأنصار فقاسموهم كل شيء حتى لو كان له رغيفان أعطى واحداً وأبقى الآخر. بل حثنا الإسلام على الإيثار وتفضيل الآخرين على النفس. قال تعالى: [وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ]. فإذا أنعم الله على عبد نعمة فمن واجباتها الشكر وأهم مضامين الشكر أن يستعملها في طاعة الله لا معصيته فتكون نعمة عليه، وأما الفقير فلا بد

ص: 481

من أن يتحلى بالصبر والقناعة بل لا بد أن يكون مسروراً لأن الله تعالى خفف عنه المسؤولية لأن أي نعمة تُعطى للعبد تُضيف له تكاليف وأعباء يكون مسؤولاً عنها، وخذ لذلك مثالاً في الدنيا (أضابير الضرائب) فإنه كلما ازدادت أموال الفرد وعقاراته ومصادره الاقتصادية ازدادت ضريبته وطال وقوفه لدى الدائرة.أما الفقير فما أيسر معاملته حيث أنه لا يملك شيئاً يحاسب عليه. وكذا يوم القيامة فيقال للفقراء ادخلوا الجنة بلا حساب، أما الغني فيحاسب عن كل دينار من أي مصدر اكتسبه وفي أي مورد أنفقه، فلو فرضنا أن جميع مصادره وموارد صرفه شرعية فإن طول الحساب في ذلك اليوم العصيب مشقة كبيرة، ثم ليعلم الفقير أن الخير ما اختاره الله سبحانه وهو العالم بما يصلح عباده وفي حديث قدسي ما مضمونه: (إن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فأجعله فقيراً، ومنهم من لا يصلحه إلا الغنى فأجعله غنياً، ومنهم من لا يصلحه إلا السقم فاجعله سقيماً، ومنهم من لا يصلحه إلا الصحة فأجعله صحيحاً... الخ). إضافة إلى أن في قليل الروابط بالدنيا راحة بال وفي زيادة العلائق بها شغلاً للبال وكفى بذلك عبئاً على صاحبه، فتجد قليل الروابط بالدنيا ينام.

ص: 482

الفقه والمجتمع (فقه طلبة الجامعات) (الجزء الثاني)

الفقه والمجتمع (فقه طلبة الجامعات) (1) (الجزء الثاني)

سؤال1 : ظهرت مسألة سلبية وهي عزوف الكثير من الطلبة الجامعيين عن المطالعة في المكتبات في داخل الجامعة وخارجها مما أدى إلى اضمحلال الحركة الفكرية والعلمية لدى الطلبة فبماذا تنصحون؟

بسمه تعالى : هذا السؤال له منشأ، وهو نفس ما عرض في السؤال الثالث وبعد وضوح الإجابة هناك لا داعي للتكرار، لكني أؤكد هنا على ضرورة رفع المستوى العلمي لدى الطلبة إلى أقصى ما يمكن بالدراسة والبحث والمتابعة للمصادر والكتب والإصدارات الجديدة فإن : (المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف) ليس في القوة الجسدية فحسب بل في القوة الفكرية والعلمية والإيمانية بل إن هذه الجوانب أهم من تلك. ولا شك إن المؤمن عندما يكون متفوقاً علمياً فسيكون تفوقه العلمي مدعاة للإقتداء به في كل جوانب حياته وسلوكه ومنه التزامه بالشريعة وسيكون مناراً للآخرين وداعيا لله وإن لم ينطق بلسانه كما وصفهم الحديث : (كونوا لنا دعاة صامتين)، أما المؤمن الضعيف في الدراسة فستنعكس صورته السلبية حتى على إيمانه والتزامه ويُقال: هذا حال المتدينين.

ص: 483


1- نُشر الاستفتاء في العدد (38) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 24 محرم 1427 المصادف 23/ 2/ 2006.

سؤال2: نرى وللأسف انتشار حالة السير أو الذهاب إلى ما يسمى (بحدائق العشاق) أو ما يناظرها فما حكم تلك الأماكن وارتيادها؟

بسمه تعالى: ظهر مما سبق حرمة العلاقات بين الجنسين خارج الطرق المشروعة وغالباً ما تحتوي (حدائق العشاق) على العلاقات غير المشروعة التي يرغي أهلها في ممارستها بعيداً عن المراقبة، ولو كانت مشروعة لمارسوها في أماكنها المقررّة. فهذا كله إذن حرام وهذه الأمكنة مرتع للشيطان، ومظنة لنزول العذاب فأن الله يعصى فيها جهرة وما أتفه الإنسان وهو يتجرأ على خالقه العظيم من أجل شهوة أو نزوة لم يمنع الله من ممارستها ولكن شرّع طرقاً صحيحاً لها.

كما ينبغي للمؤمن عدم ارتياد هذه الأماكن للتنزه والتفرج إذا فرض عدم وقوعه في المحرمات، ومع ابتلائه بها فالذهاب حرام ويشتمل على محرمات عديدة.

سؤال3: ما هي الكتب التي تنصح الطالب الجامعي بقراءتها ليكون واعياً بدرجة كافية ومحصناً ضد الأفكار المنحرفة؟

بسمه تعالى : أول كتاب تجب قراءته والاهتمام به هو (القرآن الكريم)، وفي تكراره بركات عديدة، فإن في كل ختمة تنفتح له خزائن لم يرها في الختمة السابقة، وهو أعظم وصفة لعلاج أمراض النفس والروح أنزلها علينا الخالق الحكيم الرحيم البصير بالأمور.

ويجب الاطلاع على المسائل الفقهية التي يكثر التعرض لها في الرسائل العملية لمراجع التقليد (زاد الله في شرفهم).

ويقرأ في العقائد مثل : (عقائد الإمامية) وكتاب (المراجعات) و(النص

ص: 484

والاجتهاد) للاستدلال على أحقية المذهب والدفاع عنه, ويقرأ (مرآة الرشاد) و(جامع السعادات) و(قناديل العارفين) في الوعظ والأخلاق.

كما يقرأ تفسيراً مختصراً ولو مثل : (تفسير شبر) أو (مختصر الميزان).

وفي سيرة المعصومين مثل : (نفحات من السيرة) و(دور الأئمة في الحياة الإسلامية). وغير هذه من نتاجات العلماء والمفكرين الذين أغنوا المكتبة الإسلامية بآثارهم، وخصوصاً بعد سقوط الطاغية وانفتاح الفرصة على أوسع أبوابها للاطلاع على هذه الجهود القيمة.

وممكن لبعض منهم بحسب الظروف المناسبة الالتحاق بالحوزة الشريفة خلال العطلات الصيفية لأخذ دورات مكثفة تعادل ما يأخذه غيرهم في كل سنة كاملة، مع الإخلاص لله تعالى والهمة العالية.

سؤال4: إن كثيراً من الطلاب والطالبات يقتنعون أحياناً بخطأ في سلوكهم وضرورة تصحيحه على وفق الشريعة إلا أنهم لا يمتلكون الشجاعة الكافية للتطبيق بسبب ضغط العادات والأعراف الاجتماعية، فمثلاً المرأة السافرة تقتنع بضرورة الحجاب، أو الشاب المؤمن يرى خطأ الممارسات الجنسية غير المشروعة فلا يستطيعون التغيير، فبماذا تنصحون؟.

بسمه تعالى : لا شك أن التغيير على صعيد النفس والمجتمع يحتاج إلى شجاعة كبيرة خصوصاً إذا اصطدم بموانع اجتماعية وعادات راسخة؛ لذلك

ص: 485

كان هذا التغيير هو (الجهاد الأكبر) لأن فيه مقاومة لأعدى الأعداء وهي النفس الأمارة بالسوء الموجودة في داخل كل إنسان، وسيجد الفرد عند انتصاره على نفسه لذة كبيرة سواء عند إقدامه على طاعة أو تجنبه لمعصية، لذلك ورد في الحديث: (النظرة إلى الأجنبية سهم مسموم من سهام إبليس فمن تركها لله وجد حلاوة الإيمان في قلبه)، فلا بد من امتلاك هذه الشجاعة للتغيير وإذا عارض المجتمع أو المحيط والبيئة فإن ذلك حسداً منه لأنه لا يستطيع أن يكون شجاعاً مثلك لينتصر فيعمل على أن يخذل الآخرين ليكون مثله. إن المجتمع قد تضيع فيه الموازين الصحيحة كما ورد في الحديث: (كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً –ثم قال- : كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم من المعروف) ، وقد حذّر القرآن من اتباع العامة التي تنعق مع كل ناعق من غير وعي ولا إدراك لما يراد منها والنتيجة التي ستصل إليها، قال تعالى : [وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّه] [وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ] ، [وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ].

إن هذا الانصياع للعرف الاجتماعي وللعادات الجارية هو الذي أهلك الأمم السابقة [إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ]، وقال تعالى في صفة أهل جهنم [وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ] .

إن الإنسان المؤمن القوي بإيمانه قوي باتصاله بالله سبحانه وقد ورد في وصفهم أنهم لا تأخذهم في الله لومة لائم، فليجرب أحد لذة الانتصار التي يعيشها عندما يمضي بشجاعة لتطبيق شريعة الله سبحانه، أما هؤلاء المعترضون

ص: 486

فيعضون على أصابع الندامة ويشعرون بالهزيمة في داخلهم. قال تعال: [أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَآ آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ] ، [قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ] ، وأعظم فضل ورحمة من الله سبحانه الهداية إلى دينه والإيمان به وبرسوله (صلی الله علیه و آله) وبولاية أمير المؤمنين علي (علیه السلام).سؤال5: نرى الكثير من الأساتذة الجامعيين الذين حصلوا على شهادة تخرجهم من الجامعات الغربية يحاولون أن يطبقوا ما تعلموه من الحضارة الغربية المنحلة دينياً وخلقياً من قبيل (السلام الأجنبي أو التميع وخاصة مع الطالبات) أو نشر الأفكار الغربية المسمومة التي سلّم الأستاذ بصحتها، فكيف تنصحون؟

بسمه تعالى : ما أفهمه أن الإنسان يعتز بحضارته وتراثه وتاريخه، فعندما ينعقد محفل دولي أو تجمع إنساني ترى كل شخص يظهر بزي بلاده ويتكلم لغة قومه ويؤدي شعائر أمته ويحيي بتحية أهله. خصوصاً لمن يملك مثل تاريخنا المضيء الذي أنار للأجيال، فلماذا هذه التبعية المقيتة للغرب؟ ولماذا نتنازل عن مُثلنا الإنسانية العليا لمصلحة سلوكياتهم الحيوانية المنحطة؟ وماذا يخسر هذا الأستاذ وماذا يضره لو ظل محافظا على أخلاقه ومبادئه وتقاليده الصحيحة؟ إنها الهزيمة من الداخل وعقدة الحقارة والنقص التي يشعر بها هذا الأستاذ أمام الغرب، وما النقص في هذه المثل العليا التي نحملها وإنما النقص فينا، فإن هذه القيم تلتقي مع التطور العلمي وتحث عليه وتدعو إليه. قال تعالى [هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ] واستعمركم فيها أي طلب منكم إعمارها وإصلاحها.

ص: 487

إن الغرب عندما يستهينون بمبادئنا وتقاليدنا فلأنه يعلم إنها خير محض وإنها تهب السعادة والطمأنينة للبشرية، فيحسدنا على هذه النعمة، مما يدفعه إلى إغرائنا بتركها بشتى الطرق ويصورها لنا وكأنها تخلف ورجعية وعدم تحضر، ولو درسنا حياة الغربيين ونظرنا إليهم نظر الناقد الخبير لوجدنا عندهم العجائب، ففي اليابان يقام احتفال يتبارى فيه المتسابقون على كثرة ما يزدرد من شطائر الطعام، وتوضع تلول الشطائر على مائدة وهم يلتهمونها كالحيوانات، ففي أي مقياس يكون هذا عملاً إنسانيا متحضراً؟ وفي إسبانيا يقام احتفال سنوي تنطلق فيه ثيران المصارعة من مأواها إلى ساحة ملعب المصارعة مخترقة شوارع المدينة والناس يزدحمون أمامها وهم يركضون وهي خلفهم فربما قتلت هذا وجرحت ذاك، وهم يعتبرونه مهرجاناً سنوياً ينتظره المتحضرون بفارغ الصبر وتنقله شاشات التلفزيون وكأنه حدث إنساني عظيم، وهذه شريعة الغرب التي يحكم بها الغرب المتحضر شعوب الدنيا، فهو مستعد لسحق البشرية كلها من أجل مصالحه، وإذا كان الحيوان المفترس يكتفي بضحية واحدة يشبع بها بطنه فإن نهمهم لا يقف عند حد، وطمعهم لا حدود له، فهو أشرس وأسوء من الحيوانات المفترسة . . . وهذا الهوس والجنون الذي يرافق مباراة كرة القدم وتقام لها الطقوس العبادية ومهرجانات الحب والولاء وتهدر على أقدامها مليارات الدولارات! وأصبحت معبودة الجماهير فهم يعترفون إنها إله تؤدى إليه مراسيم الطاعة والولاء ويتقاتل عليها الناس، وتجوع الدول من أجل أن يكون لها فريق قوي، وقد تحدث الحروب بين الدول من أجلها ويشارك في تعظيمها الصغير والكبير إبتداءً من رؤساء الدول حتى الفقير الذي لا يملك

ص: 488

قوت يومه.فهل سأل واحد منهم نفسه ماذا قدمت كرة القدم للبشرية وهل هذا يعقل إن هذا كله من أجل كرة جلدية تدخل في مرمى هذا أو مرمى ذاك؟ وماذا سيكون حال المجتمع الإنساني لو وظفت هذه المليارات والجهود فيما يصلح حال البشرية في دنياها أو آخرتها؟ وهل إن وجود الإنسانية عبث لا غاية وراءه حتى يقضي حياته بالعبث واللهو؟ قال تعالى: [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ].

وكل توظيف للشيء في مجاله الصحيح فهو عبادة لله سبحانه، فهذا التطور التكنولوجي ما دام مسخراً لخدمة البشرية وتوفير السعادة لها فهو عبادة وطاعة لله سبحانه، وهذا النقد الضخم مادام موظفاً في إدارة الأعمال وإقامة المشروعات النافعة، وإن استغل في الربا وامتصاص دماء الضعفاء أو اكتنز بلا فائدة فهو معصية وجعل الشيء في غير موضعه الصحيح، وهكذا.

وأعتقد إني خرجت عن مقدار السؤال لكن ما ذكرت هو من الأفكار المهمة التي يجب أن يعيها المؤمنون خصوصاً الطبقة المثقفة منهم كأساتذة وطلبة الجامعات.

سؤال 6: هل يجوز وضع العطر بالنسبة للطالبة الجامعية علماً أنها في مكان يتواجد فيه الجنس الآخر؟

بسمه تعالى : هذا من الزينة التي لا يجوز إظهارها لغير المحارم. وقد علمت أن بعض أنواع العطور تثير الشهوة الجنسية وتسبب فتنة لدى الجنس الآخر وقد تَفَتَّقَ ذهن شياطين الإنس عن عطور تحرّك الهورمونات المسؤولة عن إثارة

ص: 489

الشهوة الجنسية وتدفع صاحبها بقوة إلى تلبية هذه الرغبة، فتحصل مفاسد اجتماعية وخيمة [فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ] (النور:63).سؤال 7: هنالك بعض الطالبات غير محجبات لكنهن طيبات القلب وليس لديهن سوء وعندهن مبرر لخلع الحجاب، وهو إن الشباب لا يتقدمون لخطبة الشابة المجهولة الحال من ناحية الجمال لأن الحجاب يخفي الكثير من محاسنها، فهن يقدمن على خلع الحجاب حتى لا يبقين (عوانس) بالتعبير العرفي، فبماذا تنصحون الشاب والشابة بخصوص هذا الموضوع؟

بسمه تعالى : إن طيبة القلب وإن كانت أمراً مهماً ومقرباً إلى الله سبحانه لكنه لا يكون مؤثراً ونافعاً أمام الله سبحانه إلا إذا وافق طاعة الله سبحانه، كالماء إذا سقيت به نباتاً طيباً وأرضاً طيبة يخرج ثمرة طيبة وإذا سقيت به أرضاً خبيثة يخرج نباتاً خبيثاً، فلا بد أن يقترن القلب الطيب والإيمان مع العمل الصالح. والقرآن شاهد على ذلك فإنه دائما يقرنهما : [إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ] . فلا يكفي الإيمان ولا طيبة القلب وحده للنجاة والفوز عند الله سبحانه، وأما هذا المبرر المذكور فليس مسوغاً بل هو من تسويلات الشيطان فإن الشاب الخاطب يمكن أن يرسل أهله لرؤيتها ثم يمكنه الالتقاء بها والتعرف عليها مع اقتصارها على الحجاب الضروري، ثم ألا تعلم هذه البنت أنها حينما تخلع الحجاب فإنها سوف لا تحظى بزوج مؤمن يكفل لها سعادتها

ص: 490

وكرامتها لأن مثله لا يخطب مثلها، وإذا تقدم لها إنسان غير مؤمن، فإنها هي سترفضه لأنها طيبة القلب ومؤمنة وتريد المؤمن وسيؤدي ذلك إلى بقائها بلا زواج وسيتحقق عكس ما أرادت تطبيقاً للحديث الشريف الوارد عن الإمام الحسين (علیه السلام): (من حاول أمراً بمعصية الله كان أفوت لما يرجو وأقرب لما يحذر)، وتذكروا قوله تعالى: [وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ] ، [أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ] .سؤال8: مع اقتراب نهاية السنة الدراسية للمرحلة الأخيرة حيث يتخرج الطالب ويأخذ موقعه الوظيفي في بناء البلد تقام حفلات التخرج والتقاط الصور وهي مقرونة بمحرمات عديدة كالتبرج والرقص المختلط والموسيقى الماجنة، فما هو توجيهكم لأبنائكم من طلبة الجامعات.

بسمه تعالى : إن هذه النقلة تمثل منعطفاً حاسماً في حياة الإنسان لأنه يتحول من دور التلقّي والأخذ إلى مرحلة العطاء والإفادة وقد توفرت له عدة عوامل ساعدته على الوصول إلى هذه المرحلة فلو لم يتحقق له واحدة منها (كنفقة أهله عليه أو حصوله على معدل مناسب أو توفّر الاختصاص المناسب له) لما تمّت له هذه النتيجة، وحينئذٍ عليه أن يستذكر كل هذه النعم لله تعالى ليكون له من الشاكرين، ومن مظاهر هذا الشكر طاعته تبارك وتعالى وعدم معصيته، فمن غير المعقول أن يعصيه بالنعمة التي منّ عليه بها [هَلْ جَزَاءُ الإحسَانِ إلا الإحسَان]، كما أنه لا يناسبهم وهم قادمون على تسلّم مواقع المسؤولية في البلدان أن يكونوا بهذه الدرجة من الخفّة والنزق والصبيانية.

أنا لا أريد أن أمنع من الاحتفال بهذه المناسبة لأن من حق الطالب الجامعي

ص: 491

أن يسجل ذكريات هذه المرحلة من حياته ويترك بصماتها في تأريخه لكن لا على حساب دينه وأخلاقه ومكانته الاجتماعية، وأنا أعلم أن هذه المناسبة تتضمن حفلات مختلطة بموسيقى ماجنة وتبرّج وخلاعة وكأن القلم يُرفع في هذه الأيام ويأخذ الملكان اللذان يسجّلان على الإنسان أعماله إجازة فلا يلتزمان بقوله تعالى [مَا يَلفِظُ مِنْ قَولٍ إلا لَدَيهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ]، فأدعو أحبائي الطلبة أن يرشّدوا هذه الحالة ويهذّبوها، فيلتقطون صوراً تذكارية من دون هذا الصخب والضجيج، أو ينظموا احتفالات رزنة ذات برامج تثقيفية ومسلية خالية من الفحش والبذاءة، وفعاليات جميلة وغيرها من البدائل التي لا تخفى على شبابنا المؤمن الغيور المتميز بالإبداع والابتكار.

ص: 492

تهنئة العالم المسيحي بذكرى عيد ميلاد السيد المسيح (عليه السلام)

تهنئة العالم المسيحي بذكرى عيد ميلاد السيد المسيح (عليه السلام)(1)

هنّأ سماحة الشيخ المسيحيين في العالم بحلول ذكرى ميلاد السيد المسيح ع وكتب الرسالة التالية إلى بابا الفاتيكان

بسم الله الرحمن الرحيم

قداسة البابا بوب بندكت زعيم الفاتيكان

أهنئكم بذكرى ميلاد السيد المسيح النبي الكريم والرسول العظيم وكلمة الله التي ألقاها إلى مريم المقدسة وروحٌ منه ليهب للبشرية الرحمة والسلام والمحبة والتسامح ونبذ الدنيا التافهة التي تزرع البغضاء والشحناء وتصنع الحروب والجرائم وتفرّق بين البشر.

لقد كان السيد المسيح (ع) من أولي العزم من أصحاب الرسالات الإلهية الذين أمر الله تعالى نبيه محمداً (صلی الله علیه و آله) أن يسير على هداهم ويلتزم بطريقتهم المثلى فقال الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم (فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل).

إننا نحن المسلمين نعرف عظمة السيد المسيح بما عرّفه لنا القرآن الكريم النازل من الله تبارك وتعالى في آيات عديدة، ونحترم أتباعه ونحبّهم لأنه أقرب

ص: 493


1- نشرت على الصفحة الأولى من العدد (35) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 19 ذي القعدة 1426 المصادف 22 كانون الأول 2005.

الناس إلينا كما جاء في القرآن الكريم [ولَتَجِدَنَّ أقرَبَهُم مَودَّةً لِلّذِين آمَنُوا الذِينَ قَالُوا إنّا نَصَارَى ذَلكَ بِأنَّ مِنهُم قِسّيسِينَ وَرُهبَاناً وَأنَّهُم لا يَستَكبِرُونَ. وَإذَا سَمِعُوا مَا أنزِلَ إلى الرَسُولِ تَرَى أعيُنَهُم تَفِيضُ مِنَ الدَمعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكتُبنَا مَعَ الشَاهِدِينَ. وَمَا لَنَا لا نُؤمِنُ بِاللهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الحَقِّ وَنَطمَعُ أنْ يُدخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ القَومِ الصَالِحِينَ. فَأثَابَهُم اللهُ بِمَا قَالُوا جَنّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ المُحسِنِينَ]، وهذه الآيات جزء من سورة طويلة اسمها (المائدة) لأنها خلّدت معجزة السيد المسيح بنزول مائدة من السماء عليه وعلى الحواريين.لقد عاش المسلمون والمسيحيون على هذه الأرض الطيبة متآلفين متحابّين وساهموا معاً في تشييد الحضارة الإنسانية.

نأمل من قداستكم أن توجّهوا أتباعكم ومريديكم إلى الالتزام بتعاليم السيد المسيح (ع) الذي لا يرضى بالظلم والعدوان والانحراف الذي يمارسه الكثير من قادة الدول المسيحية، وقد وقف علماء الإسلام في وجه مثل هذا الانحراف وقدموا على هذا الطريق القرابين والشهداء من مرجعيات دينية وعلماء ومفكرين ومثقفين وغيرهم.

يتمنى علماء الإسلام والحوزة العلمية لقداستكم طول العمر بالصحة والعافية لتقودوا أمتكم لهذه المبادئ السامية، ونشكر مواقفكم النبيلة تجاه قضايانا ومشاكلنا وأزماتنا، ونأمل منكم أن تكونوا معنا ومع كل المخلصين الأنقياء من بني البشر لنسير يداً بيد نحو تحقيق المثل الإنسانية العليا التي ضحّى من أجلها الأنبياء والرسل الكرام نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (صلوات الله

ص: 494

عليهم أجمعين). ونصلّي وندعوا لكي يأتي اليوم الذي يتآلف فيه الناس جميعاً وتسودهم العدالة والمحبة ليرضى الله عنهم ويدخلهم جناته الواسعة، وانتم في موقفكم الشريف لكم الدور العظيم في ذلك فأسأل الله تعالى أن يسدد خطاكم ويجري الخير على أيديكم للناس وتقبلوا تهنئتي وشكري ودعائي لكم ولكل لعاملين من أجل الخير والمحبة والسلام.

محمد اليعقوبي / النجف الأشرف

13 ذ.ق 1426 - 16/ 12/ 2005م

ص: 495

انتقاد الإيفادات التي تقوم بها الدولة

انتقاد الإيفادات التي تقوم بها الدولة(1)

أنتقد سماحة الشيخ نوعية الموظفين الذين توفدهم وزاراتهم ومؤسساتهم إلى خارج البلد فأنهم غالباً يكونون من كبار السن الذين لا يحملون هم التغيير والإصلاح وحب التقدم وإنما همهم الاستفادة من امتيازات هذه الإيفادات، لذا لم نسمع أن أحدهم –على كثرتهم وعلى كثرة ما يكلفون الدولة من مبالغ- جاء بشيء جديد إلى بلده أو عقد ندوات لتعريف الآخرين بما حصل عليه من تجربة ورؤية وأشياء جديدة لأنه لم يستفد أصلاً من إيفاده ولا ذهب لأجل هذه الغرض.

فإذا أرادت مؤسسات الدولة أن تشهد نهضة حقيقية لكي تواكب تقدم ركب الحضارة في العالم المتمدن فيجب أيفاد الشباب المتحمس لخدمة بلدهم وأمتهم والارتقاء بها حتى لو كانوا من قليلي الكفاءة والخبرة فأنهم سيصقلون بهذه التجارب وسيتقدمون بسرعة بإذن الله تعالى، ومثل هؤلاء الشباب لا يكونون جشعين ولا نهمين في سرقة أموال الشعب كالكبار المتخمين الذين يسرقون ملايين الدولارات، وغاية طموح الشباب أن يتزوج ويجد سكناً لائقاً وحياة كريمة وهي من حقوق الإنسان التي يجب توفيرها لكل أحد وليس عيباً في أحد أن يطلبها.

ولذا أدعوا أيضاً أن يمنح هؤلاء الشباب فرصة تسنم مراتب قيادية وإدارية

ص: 496


1- من حديث سماحة الشيخ مع وفود من كربلاء والحلة يوم 14 شوال 1426 نشر في الصفحة الثالثة من العدد (35) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 19 ذي القعدة 1426 المصادف 22 كانون الأول 2005.

عليا ولنتحرر من المعايير البالية بأن يشترط في المدير العام ونحوه أن تكون له خدمة عشرين عاماً أو أكثر، خصوصاً في هذه المرحلة التغييرية من حياتنا حيث أن أكثر الذين يملكون مثل هذه المدة الطويلة في الخدمة رتعوا في الأفكار والأساليب الصدامية وقد خربت نفوسهم واستعصت على الإصلاح.

تأثير الكلمة الصادقة

تأثير الكلمة الصادقة(1)

أكّد سماحة الشيخ في لقاءه مع بعض التشكيلات الثقافية الإسلامية في الجامعات على أهمية الكلمة الصادقة وتأثيرها الفاعل في الإصلاح والتغيير إذا انطلقت وفق آليات مناسبة، ويمكن لكلمة واحدة أن تغيّر مجرى حياة الإنسان كما يروي التأريخ عن العارف بشر الحافي الذي كان مولعاً بالشراب واللهو مدة من حياته وفي أحد الأيام مرَّ الإمام الكاظم (علیه السلام) على داره الفخمة في بغداد حينما كان يُفرَج عنه سويعات للترويح فخرجت جارية لبشر وألقت فضلات مجالس الشراب فقال لها الإمام لمن هذه الدار قالت لسيدي بِشر قال (علیه السلام): أسيّدُكِ حرٌّ أم عبد؟ فقالت بل حرّ فقال الإمام (علیه السلام): صدقتِ لو كان عبداً لاستحيى من مولاه، ولما عادت إلى سيدها وسألها عن تأخّرها نقلت له الحوار فسألها عن أوصاف الرجل فوصفته فقال ذاك سيدي ومولاي موسى بن جعفر (علیه السلام) ولحقه في الطريق ووقع على يديه ورجليه معلناً توبته الصادقة وغيَّر مجرى حياته، وأصبح العارف الشهير لأن كلمة الإمام وقعت في قلبه

ص: 497


1- نشر في الصفحة الثالثة من العدد (35) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 19 ذي القعدة 1426 المصادف 22 كانون الأول 2005.

وذكرته بتمرده على سيده وخالقه وخروجه عن وظائف العبودية لله تبارك وتعالى.إننا حينما نطالب باحترام الجامعات وإبعادها عن النشاطات السياسية وعمل الأحزاب الذي يعرقل المسيرة العلمية فإن ذلك لا يشمل نشر الكلمة النافعة وإحياء ذكر الرموز الصالحة للأمة.

التواصل مع العلماء يفجّر طاقات الأمة

التواصل مع العلماء يفجّر طاقات الأمة(1)

وردت أحاديث عديدة مفادها أن النظر إلى وجه العالم عبادة، والنظر إلى المصحف الشريف وإن لم تقرأ فيه عبادة، وقد سُئِلتُ هل أن مطلق النظر عبادة أم النظر الذي فيه تأمل وقراءة فقلت المتبادر إلى الذهن الثاني كما هو الظاهر من أمثال هذه الأحاديث، إلا أن الصحيح الأول لذا تستشعر معانٍ متنوعة عند النظر إلى العلماء فأحدهم يعطيك شجاعة بمجرد النظر إليه وآخر تستشعر التواضع برؤيته وآخر يملأ قلبك رحمة وآخر حزناً وهكذا.

قد تقول أن العبادة لها آثار روحية يستشعرها ويحس بها من يمارسها في حين انه ليس كل نظر إلى وجه أي عالم يوجب مثل هذه الآثار، فأقول أن هذا صحيح ولكنه لا يوجب تغيير التفسير الذي ذكرناه وإنما يجب أن نفهم معنى (العالم) وحدوده ومصداقه الحقيقي، ففي رواية تبيّن أحد هذه الحدود (العالم من تذكّرك رؤيته الآخرة) والرواية التي حددت صفات العالم الذي ترجع إليه

ص: 498


1- نشر في الصفحة الثالثة من العدد (35) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 19 ذي القعدة 1426 المصادف 22 كانون الأول 2005.

الأمة في شؤونها الدينية والدنيوية (فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه مخالفاً لهواه متبعاً لأمر مولاه) ومثل هؤلاء العلماء أمر الأئمة (علیهم السلام) الأمة بالتواصل معهم والاستفادة منهم.وكانت المدينة المنورة يومئذٍ عاصمة العلم والعلماء فجعل الإمام تمام فريضة الحج أن يعرّج على المدينة ويزور قبر النبي (صلی الله علیه و آله) ويلتقي بالإمام (علیه السلام) والعلماء، كالذي تفعله شيعة أهل البيت (علیهم السلام) حينما تزور أمير المؤمنين (علیه السلام) ثم تنعطف نحو العلماء لتجدد عقد التواصل والعطاء والحركة المثمرة نحو النجاة والفلاح والسعادة.

والتجربة تشهد أن مثل هذه اللقاءات تفتح آفاقاً للعبادة من خلال إيجاد فرص العمل الإسلامي المبارك التي تشمل الأنشطة كافة، إذ إننا نعترض على أن يحوز العمل السياسي اهتمام العاملين ويهملون الأوجه الأخرى للنشاط خصوصاً الثقافي والفكري والاجتماعي والإنساني والديني.

إذ إننا ندعوا إلى أن تهتم الكيانات السياسية بهذه الأنشطة، وعلى الأمة أن تنشئ مؤسسات المجتمع المدني التي تقوم بها وتعوّض تقصير الكيانات السياسية في هذه المجالات لتتكامل حركة الأمة وتكون في حيوية وفاعلية مستمرة وحالة صحوة دائمة؛ لأن الغفلة تعني التفريط وضياع القوة والكيان والهوية، وكلما نوّعنا العمل وكثّرنا المؤسسات فإنه يساهم في تفجير كل طاقات الأمة وتفعيلها بحسب ما يناسب كل فرد فإن (كل إنسان ميسر لما خلق له) كما في الحديث الشريف.

وإن دور قادة الأمة هو إيجاد هذه الفرص للأمة كي تستثمر طاقاتها وتوجد

ص: 499

لها منافذ العمل وتدعمها وتوجهها.

الثقافة حل لكثير من مشاكلنا

الثقافة حل لكثير من مشاكلنا(1)

أن كثيراً من مشاكلنا المعقدة إنما يكون علاجها بإحلال ثقافة ايجابية مقابل تلك الثقافة السلبية فالإرهاب هو ثقافة قبل أن يكون مشكلة أمنية يعتمد التكفير وفرض الرأي بالقوة وإلغاء الآخر ويذهب ضحية هذه الثقافة الكثير من المظللين والمتحجرين والجهلة.

وكذلك الديمقراطية فأنها لا تقتصر على الممارسة وإلقاء الأصوات في صناديق الاقتراع، فإن هذا مظهر من مظاهر الديمقراطية أما هي فأنها ثقافة احترام الرأي الآخر وحرية التعبير وحفظ الحقوق، وإن كثيراً ممن مارسوا عملية التصويت لم يحملوا ثقافة الديمقراطية لذلك تراهم لم يحترموا نتائجها حينما ظهرت على غير ما يشتهون.

إننا بحاجة اليوم إلى نهضة ثقافية واسعة يشترك فيها العلماء والمفكرون والأدباء والمثقفون والإعلاميون الذين يصنعون الرأي العام ويوجهونه نحو الخير والصلاح وكل ما هو ايجابي.

ص: 500


1- من حديث سماحة آية الله الشيخ (دام ظله) مع السيد جابر الجابري وكيل وزير الثقافة وعدد من موظفي الوزارة يوم الاثنين 23 ذي القعدة 1426، ونشر في الصفحة الأولى من العدد (36) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 8 ذي الحجة 1426 الموافق 9 كانون الثاني 2006.

النموذج الأمريكي آخر ما تقدمه البشرية قبل يوم الظهور

النموذج الأمريكي آخر ما تقدمه البشرية قبل يوم الظهور(1)

ورد في كتاب (نحن والغرب لسماحة الشيخ اليعقوبي) أن الإدارة الأمريكية هي مصداق للأعور الدجال وان النموذج الأمريكي هو آخر ما تجربه البشرية وبفشله وعجزه عن تحقيق السعادة للبشرية ستعود هذه البشرية المتعبة إلى الإسلام.

وجاء فيه أن ذلك يوجب على علماء ومفكري الإسلام مسؤولية مزدوجة أي باتجاهين:

الأول: عرض الصورة المشرقة للإسلام على مستوى النظرية أي الأفكار والتعاليم والمعتقدات وعلى مستوى التطبيق والممارسة.

الثاني: كشف زيف ونقاط ضعف الحضارة المادية من حيث الأسس والمرتكزات وفشل نموذجها الأرقى وهو النظام الأمريكي.

وقد سئل سماحته عن منشأ هذا الكلام فقال انه ليس رجما بالغيب ولكنه أولا أطروحة عملية أي استفدنا منها هذين التكليفين الرئيسيين وهما صحيحان أكيداً، وقد بدأت البشرية تستغيث من تفرعن الإدارة الأمريكية وسوء أفعالها وصرح بوش في البرازيل وهي من الدول التي تعتبر صديقة حليفة للولايات المتحدة انه شخص غير مرحب به في هذا البلد، فما هو موقعه إذن في الدول الأخرى؟!

ثانياً أنهم يقولون عن نموذجهم أنه الآخر والخاتم ووضعوا نظرية (نهاية

ص: 501


1- نشر في الصفحة الرابعة من العدد (36) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 8 ذي الحجة 1426 الموافق 9 كانون الثاني 2006.

التأريخ) لإثبات ذلك فنحن نلزمهم بما ألزموا أنفسهم.

مبررات إنشاء بنك إسلامي

مبررات إنشاء بنك إسلامي(1)

استقبل سماحة الشيخ (دام ظله) يوم الجمعة 11 محرم عددا من الشخصيات المالية من أبناء النجف الأشرف الذين يرومون إنشاء (مصرف النجف الإسلامي) وطلبوا من سماحته مباركة المشروع ورعايته.

وقد ذكر سماحة الشيخ انه طالما حثّ على إنشاء مثل هذا المصرف منذ مدة لعدة مبررات:

1- تقنين المعاملات المصرفية وفق الضوابط الشرعية؛ لأن مثل هذه التعاملات أصبحت ضرورة حياتية لا يمكن الاستغناء عنها، فوجود المخالفات الشرعية يجعل المؤمنين الملتزمين بالشريعة في حرج، إذ لا يستطيعون مقاطعة هذه المصارف ولا أنهم مستعدون لمخالفة الشريعة.

لذا انبرى العلماء لتكييف التعامل مع هذه المصارف وفق الأحكام الشرعية إلا أنه حل لإبراء الذمة فقط، مضافاً إلى عدم معالجته لكل المشاكل، كما أنه ساهم في كسر الهالة المهيبة لحرمة التعاملات المخالفة للشريعة وأوقع المسلمين في المحرمات.

والحل في إنشاء مصرف ينظم تعاملاته وفق الشريعة وسوف يحظى بثقة الناس ويدفعهم إلى التعامل معه مما يزيد فرص نجاحه، وإن هذا التقنين ليس

ص: 502


1- نشر في الصفحة الأولى من العدد (38) من الصادقين الصادر بتأريخ 24 محرم 1427 الموافق 23 شباط 2006.

صعباً بالتعاون بين رجال المال وعلماء الدين والمفكرين.2- توفير فرصة لرؤوس الأموال الصغيرة التي لا يمكن الاستفادة منها في مشاريع مثمرة لوحدها، ولكن إذا تجمعت في مصرف مؤتمن فإنها ستحرك مشاريع ضخمة وتكون مردوداتها معتدّاً بها.

3- المشاركة الفعالة في عملية الخصخصة التي يتوجه إليها البلد في سياساته الاقتصادية المقبلة، ولا توجد لدى أبناء البلد قدرة على التنافس؛ لأن صداماً المجرم لم يكن يسمح بنمو رأس مال خارج عشيرته وأزلامه، والنتيجة أن هذه الخصخصة سيستفيد منها الصداميون أو الأجانب، فلا بد من الاستعداد لهذه المرحلة بتأسيس رؤوس أموال ضخمة مساهمة.

وفي نهاية حديثه وعد سماحة الشيخ برعاية المشروع وتنسيب بعض الفضلاء للمشاركة في وضع نظامه الداخلي.

إرادة الأمة شرط لإعمال ولاية الفقيه

إرادة الأمة شرط لإعمال ولاية الفقيه(1)

علق سماحة الشيخ على كلمة الدكتور علي الدباغ التي يروم إلقاءها في مؤتمر دولي ينعقد في أثينا عاصمة اليونان لمناقشة مستقبل العراق خلال شهر شباط الحالي لتعبر عن آراء سماحته بعد أن استأذنه الدكتور الدباغ لوجود رغبة لدى المؤتمر للاستماع إلى وجهات نظر مرجعية الشيخ اليعقوبي في جملة من قضايا العراق وفيما يرتبط بإمكان قيام نظام ولاية الفقيه في العراق.

ص: 503


1- نشر في الصفحة الأولى من العدد (38) من الصادقين الصادر بتأريخ 24 محرم 1427 الموافق 23 شباط 2006.

علق سماحته بوجهة نظر جديدة لم نسمعها من الفقهاء القائلين بولاية الفقيه جاء فيها:(نحن لا نرى مجالاً الآن لتطبيق نظام ولاية الفقيه في العراق لأنه مشروط بإرادة الأمة وعرضها النصرة على الفقيه الجامع للشرائط ولا يوجد مثلها الآن لعدة أمور ذكرناها في عدد من خطابات المرحلة، ويدل على هذا الشرط باختصار قوله تعالى: [لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ] فلا يستطيع الفقيه فرضها على الأمة حتى ولو كان مستحقاً لها ثبوتاً وواقعاً، ويدل عليه السيرة العملية للمعصومين (علیهم السلام) فإن رسول الله (صلی الله علیه و آله) لم يقِم دولته المباركة في مكة وإنما أقامها في المدينة بعد أن بايعه أهلها على السمع والطاعة وأن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأموالهم، وكذا أمير المؤمنين فإنه ما تصدى للخلافة إلا بعد أن ازدحم الناس على بيعته بعد مقتل الخليفة عثمان وقال (علیه السلام) مشيراً إلى هذا الشرط (لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر لألقيت حبلها على غاربها) فلا يكفي ادعاء الولاية ولا بسطها من دون إرادة الجماهير.

وبهذه الالتفاتة الدقيقة نحل جملة من الإشكالات حول ولاية الفقيه كمسألة تعددهم في مجتمع واحد أو بسط ولاية فقيه مقيم في بلد على بلد آخر أو ما يحلو للبعض أن يقول أنه إذا ادعاها فقيه وجب على الآخرين طاعته والانقياد له.

ونظام ولاية الفقيه لا يعني فرض رأي الشخص على الأمة ولا مصادرة إرادتها أو الانقلاب على الديمقراطية كما يظهر من بعض الكلمات، وإنما الفقيه هو راعي إرادة الأمة وصمام الأمان لحفظ كرامتها ووحدتها لأنه يمثل

ص: 504

القانون والشريعة، وسلطته لا تعني سلطة الشخص بل سلطة القانون وإذا حولها إلى سلطة شخص فسيكون فاقداً للعدالة التي هي من الشروط الأساسية للولي الفقيه.وقد شبّهت الحالة في بعض كلماتي بسلطة القاضي فحينما يحكم فإن حكمه نافذ على الأمة لأنه يحكم باسم القانون وليس باسم الشخص، ولا نقبل بتغيير حكمه حتى لو اعترض المعترضون أو خرجت المظاهرات لتغيير حكمه، نعم يمكن مناقشته في المقدمات التي استند إليها أو الوسائل التي استخدمها لتغيير ما ابتنى عليها من حكم).

للفن والرياضة رسالة عالمية يمكن أن توحّد البشر

للفن والرياضة رسالة عالمية يمكن أن توحّد البشر(1)

استقبل سماحة آية الله الشيخ اليعقوبي (دام ظله) يوم 3 محرم الهيأة الاستشارية في وزارة الثقافة والتي تضم رواداً في مختلف الفنون والآداب وقد تحدّث عدد منهم عن الهدف من تأسيسها والصعوبات التي واجهتها والآمال المنعقدة على عملها، ثم تحدّث سماحته بكلمات نافعة راعت توجّهات الحاضرين وهي مسجلة لدى المكتب الإعلامي ونكتفي هنا بنقل ما ورد في صحيفة الصباح بعددها الصادر يوم 15 شباط 2006 وجاء فيه:

أكد المرجع الديني آية الله الشيخ محمد اليعقوبي أهمية وحدة المجتمع العراقي بجميع أطيافه وأعراقه لاسيما في ظل الظرف الذي يمر به حالياً، وقال

ص: 505


1- نشر في الصفحة الثانية من العدد (38) من الصادقين الصادر بتأريخ 24 محرم 1427 الموافق 23 شباط 2006.

الشيخ اليعقوبي في كلمة خلال استقباله بمنزله في محافظة النجف وفد الهيأة الاستشارية التابعة لوزارة الثقافة في مقر إقامته بالنجف أن على الساسة العراقيين أن يتحلوا بروح الفريق الواحد المعبر عن وحدة أطياف المجتمع العراقي ليسيروا بشعبه إلى شاطئ الأمان وعلى المثقف العراقي أن يعي دوره الحقيقي في إذكاء روح الإخوة بين أفراد الشعب العراقي.وشدد الشيخ اليعقوبي على أن العراق في الوقت الحاضر بحاجة إلى وحدة الصف والابتعاد عن الطائفية وويلاتها لإبراز الوجه الحقيقي للشعب العراقي الذي خرج من ويلات العصور المظلمة التي مرت عليه منتصراً عليها وعلى الظالمين فيها لتكون له صولته الحقيقية في الحياة.

وأوضح سماحته أن الفن والثقافة والرياضة هي جزء من الحياة وهي محرك أساس لوحدة المجتمع وأداة لتعارف الشعوب وتطورها، لذا فإن الاهتمام بها ودعمها يشكل ضرورة ملحة لما لها من اثر بالغ في تنقية الأجواء وتهذيب النفوس وتخليها عن الشوائب بالاستخدام الأمثل لهذه الفنون.

وأضاف أن على الفنانين والمثقفين أن يكونوا أمناء وحريصين في اختيار الأفضل وتقديمه للناس للترفيه عنهم مع الابتعاد عن الإسفاف وكل ما يسيء للذوق ويخل بالقيم؛ لأن الفنان والمثقف يعبران عن رسالة أمينة يهذبان بها المجتمع.

وتطرق الشيخ اليعقوبي (دام ظله) إلى أهمية الحالة الإنسانية التي يجب أن يتحلى بها الإنسان وفهم الفنان والمثقف؛ لأن هذه الحالة لها أجرها وموقفها عند الله سبحانه وتعالى وهو يثيب عليها كما هو الحال من الأعمال الأخرى...

ص: 506

وعليه فإن الإتيان بهذه الحالات هو من واجبات النخبة ومنها المثقفون لإدخال السرور إلى المواطن وإنهاء الكرب الذي يتعرض له.ومن جانبهم عرض أعضاء الهيأة الاستشارية للوزارة على المرجع اليعقوبي (دام ظله) وجهات نظرهم وتطلعاتهم التي يحملونها للنهوض مجدداً بالحركة الفنية والثقافية العراقية طالبين العون والدعم من رجال الدين والمراجع لمواجهة التيارات التي تقف موقفاً غير صحيح من المثقف والفنان.

رسالة الأمة من خلال إحيائها لشعائر عاشوراء

رسالة الأمة من خلال إحيائها لشعائر عاشوراء(1)

الحمد لله الذي هدانا لهذا وما مكنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، لقد جاءت رسلُ ربنا بالحق.

السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين.

لبّى الملايين من المسلمين في مختلف مدن العالم من شرق الأرض وغربها دعوة الله تبارك وتعالى (ذلك ومن يعظّم شعائرَ اللهِ فإنها من تقوى القلوب) ودعوة الأئمة الطاهرين (أحيوا أمرنا، رحِمَ الله من أحيا أمرنا) وقولهم (على مثل الحسين(ع) فليبكِ الباكون) فأحيوا شعائر ذكرى استشهاد الإمام الحسين (علیه السلام) وأهل بيته وأصحابه في العاشر من محرم، لا سيما في معاقل الولاء لأهل البيت (علیهم السلام) في العراق وإيران ولبنان واشترك حتى غير الشيعة بل حتى غير

ص: 507


1- نشر في الصفحة الثالثة من العدد (38) من الصادقين الصادر بتأريخ 24 محرم 1427 الموافق 23 شباط 2006.

المسلمين، فقد رأيت في إحدى الفضائيات تجمّع العوائل المسيحية حول شاشات التلفزيون متابعين باهتمام المراثي الحسينية ومواكب العزاء، وعيونهم محمرّة من الدموع وتحدثوا عن مساهماتهم في بعض تلك الشعائر.وقد بلغ التفاعل مع الحدث ذروته في (موكب النصرة) المعروف باسم (عزاء طويريج) حيث انحدر سيل مئات الآلاف من الملبّين لدعوة الإمام الحسين عبر الأجيال (هل من ناصر) وكلهم نداء واحد (لبيك يا حسين) لأن وقفة الحسين (علیه السلام) في كربلاء حفظت الخط الناصع النظيف للإسلام وصانته من الفساد والانحراف والتمييع والإفراغ من المضمون الحقيقي.

وقد امتزجت في الشعائر مشاعر الحزن واللوعة لهول المأساة التي يستشعرها كل مؤمن خصوصاً في يوم عاشوراء وعبر عنها الإمام (علیه السلام): (إن لجدي الحسين في قلوب المؤمنين لوعة لا تنطفئ أبداً) بمشاعر الفخر والسرور بديمومة هذا الولاء وهذا الارتباط الوثيق بالإسلام وقادته العظام.

إن المتتبع لهذه الشعائر وشعاراتها يستطيع أن يلخّص الرسالة التي توجهها الأمة بمحاور أساسية:

الأول: تأكيد الانتماء للإسلام المحمدي الأصيل الذي رسّخه أئمة أهل البيت (علیهم السلام) واستشهدوا ومعهم المخلصون من أصحابهم في سبيله، وكانت شعاراتهم مملوءة بالإصرار على مواصلة هذه المسيرة والاستعداد للتضحية من أجله، وكانوا واعين جداً للمؤامرات والتحديات التي تواجه هذا الخط.

الثاني: الرد على أعداء الأمة بتوجهاتهم المختلفة بلا فرق بين قوى الاحتلال والاستكبار الذين جاؤوا بمشروع واسع لمسخ هوية الأمة وإلحاقها بركبهم،

ص: 508

وبين الإرهابيين الذين اتبعوا أساليب شتى لثني الأمة عن إحياء هذه الشعائر الدينية المقدسة، وأشاعوا خبر تسلل إرهابيين إلى كربلاء للإيغال في الجريمة وبين المضلّلين والحاقدين الذين لم يكلّوا عن تشويه صورة هذه الشعائر وتنفير الأمة منها لصرفها عن إقامتها لأنهم يعلمون أن لهذه الشعائر دوراً في حفظ الدين في حياة الناس فإذا منعوها بأي شكل فإنهم سيقضون على الدين تدريجياً.هذا كله تحقق بفضل الله تبارك وتعالى لكن الجديد في احتفال هذا العام نداء (لبيك يا محمد) الذي جاء ردّاً على الحملة المسعورة التي أشعلتها صحيفة في الدنمارك بنشرها لصورٍ مسيئة لشخصية النبي الكريم محمد (صلی الله علیه و آله)، ثم تبنتّها صحف ومجلات في دول أوربية أخرى بل إن صحيفة أردنية ومصرية نشرتها جرأةً على الله وعلى رسوله (صلی الله علیه و آله) وعلى المؤمنين.

الثالث: أن الأمة موحَدّة وان القواسم المشتركة بينها كثيرة وعلى رأسها حب الله ورسوله وحب أهل بيته الأطهار فلا يفرق بينها انتماء طائفي أو حزبي أو عرقي أو جغرافي ولا تفرّقها المصالح، وها هي متوحدة على حب رسول الله (صلی الله علیه و آله) الذي أساؤوا إليه فتوحد المسلمون للدفاع عنه وعلى حب الحسين (علیه السلام) في ذكراه، فما بال السياسيين والمتصدين للحكم يتصارعون على المناصب ويتزاحمون على الدنيا وينهمكون في هذا التنافس غير الشريف وينشغلون عن قضايا الشعب المهمة والتحديات التي تواجهه فهم بذلك يغرّدون خارج سرب الأمة ولا تلبث حتى تلفظهم.

ص: 509

الدعوة إلى توسيع الاحتفالات بذكرى وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

الدعوة إلى توسيع الاحتفالات بذكرى وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(1)

تحدث سماحة الشيخ اليعقوبي (حفظه الله) إلى قناة الأنوار الفضائية ضمن تغطيتها لشعائر الاحتفال بذكرى وفاة رسول الله (صلی الله علیه و آله) وشرح وجهاً للمعنى الوارد في حديث الكساء وغيره أن الكون خُلِقَ من أجل محمد وآل محمد (صلی الله علیه و آله) فقال أن الآية الشريفة تقول [وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنسَ إلا لِيَعبُدُونَ]، ولما لم يبلغ درجة العبودية الحقيقية لله تبارك وتعالى إلا محمد وآله (صلوات الله عليهم) فتكون النتيجة أن خلق الجن والإنس كان لأجل هذه الأنوار المباركة كمن يدعو ضيفاً شريفاً ويستضاف على شرفه كل مرافقيه، فكلنا نعيش ببركة النبي وآله الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين)، ولتقريب الفكرة نذكر أمثلة أخرى، مثلاً إن الدولة قد تحتاج في حساباتها إلى عدد من المهندسين والأطباء فتقبل أضعاف هذا العدد في المدارس الابتدائية ولا يصل منهم إلى تلك الدرجات المطلوبة إلا عددٌ قليل منهم فيصحّ أن يُقال أن كل تلك المبالغ التي صرفتها الدولة كانت لأجل هذا العدد القليل الذي بلغ الهدف، وكذا الأموال الطائلة التي تصرفها الحوزة العلمية من أجل وصول عدد الأصابع إلى الاجتهاد فتكون تلك الجهود العلمية والمالية التي بُذلت هي من أجل هذا العدد القليل الذي حقق الهدف مع عدم إهمالنا للأدوار الأخرى لعلماء ومفكري وخطباء الحوزة العلمية.

ص: 510


1- نشرت في الصفحة الأولى من صحيفة الصادقين بعددها ال-(40) الصادر بتأريخ 7 ربيع الأول 1427 الموافق 6 نيسان 2006.

ثم تحدث عن المعاناة والآلام والإساءات التي ألحقها به أتباعه والمنتسبون إليه فضلاً عن أعدائه، وما هذه الإساءات التي تعرض لها (صلی الله علیه و آله) من الصحف الغربية إلا بسبب سوء سلوك المحسوبين عليه ص.ورداً على هذه الإساءة دعا سماحة الشيخ المسلمين إلى تجسيد سيرته الحسنة في حياتهم، وإلى استغلال الأيام الواقعة بين ذكرى استشهاده في الثامن والعشرين من صفر وولادته في السابع عشر من ربيع الأول للإشادة بسيرته الشريفة كالذي فعلناه في محاضرات وكتاب (الأسوة الحسنة للقادة والمصلحين) خصوصاً وأن هذه الفترة تضم مناسبات جليلة كذكرى الهجوم على دار فاطمة الزهراء (علیها السلام) وذكرى استشهاد الإمام الحسن العسكري (علیه السلام).

المجلس الشيعي الأعلى في فلسطين

المجلس الشيعي الأعلى في فلسطين(1)

رحّب سماحة الشيخ بإعلان تأسيس المجلس الشيعي الأعلى في فلسطين الذي اطّلع عليه من خلال بعض مواقع الإنترنت، ووصفه بأنه دليل على الانتشار الواسع لصوت أهل البيت (علیهم السلام) حتى في المناطق الجاهلة بهذه المدرسة المباركة، وأنه من علامات الظهور الأصغر الذي يسبق الظهور الأكبر الميمون للإمام المهدي الموعود، وكانت الساحة الفلسطينية قد شهدت خلال السنوات الأخيرة إقامة الشعائر الحسينية في عاشوراء ومجالس ذكر أهل البيت (سلام الله عليهم أجمعين).

ص: 511


1- نشرت في الصفحة الأولى من صحيفة الصادقين بعددها ال-(40) الصادر بتأريخ 7 ربيع الأول 1427 الموافق 6 نيسان 2006.

مناقشة تشكيل الحكومة الجديدة

مناقشة تشكيل الحكومة الجديدة(1)

الخميس 28/ ربيع الأول 1427 الموافق 27/ 4/ 2006: استقبل سماحة الشيخ (دام ظله) الأستاذ نوري فاضل المالكي المكلف بتشكيل أول حكومة دستورية في العراق، وناقش معه القضايا المهمة التي تواجه الحكومة والشعب العراقي وعلى رأسها الفساد الإداري والإرهاب وما بينهما من جدلية حيث يدعم كل منهما الآخر، واتفقا على أن معايير الكفاءة والنزاهة والوطنية هي التي يجب أن تكون الفيصل في اختيار الوزراء، كما دعا سماحته إلى ضرورة مساعدة بعض الشرائح المحرومة كالتركمان والأكراد الفيليين وتسليمهم وزارات؛ ليحافظوا من خلالها على وجودهم، وقال سماحته: إن المقبولية التي حظيتم بها من جميع الأطراف تؤهلكم لتبني مشروع مصالحة وطنية نبدأ فيها من النقاط المشتركة؛ لأن هذه المقبولية والترحيب تدل على عدم وجود عقد متأصلة إنما هي هواجس وقلق وحسابات خاطئة أملتها بعض الظروف والمواقف.

وتفهم سماحته الصعوبات التي تواجه الحكومة واستعصاء كثير منها على الحل إلا بجهد متكامل من جميع الأطراف، وأثنى على صبر ومعاناة الشعب العراقي وتحمله لكثير من المعاناة وتسطيره لأعظم الملاحم في صنع الدولة الدستورية الحديثة التي جعلته مفخرة بين شعوب العالم رغم تكالب الأعداء في الداخل والخارج لإفشال المشروع المبارك حيث ربط صدام كل مؤسسات الدولة به وبأزلامه لكي تنهار الدولة بانهياره ولكن لطف الله تبارك وتعالى

ص: 512


1- نشر في العدد (41) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 2/ربيع الثاني/1427 الموافق 31/ 4/ 2006.

وهمة الشعب العراقي وصبره وحكمة المرجعية والعمل المثابر للقيادات المخلصة أعادَ بناء دولة المؤسسات والقانون، وعلينا بذل المزيد من الجهد حتى نرتقي بمستوى الخدمات والحقوق الأساسية للمواطن العراقي ليكون بالشكل الذي يستحقه، وبذلك نقطع جذور الفساد والإرهاب واليأس ومن آليات ذلك رفع مستوى رواتب الموظفين والعاملين لنؤمن لهم حياة مناسبة، وقد علق سماحته: سمعت من أحد كبار المسؤولين في وزارة الصحة أن الراتب الشهري للطبيب العراقي أقل بكثير من أجور كلب الحراسة في المنطقة الخضراء، وشر البلية ما يضحك .

وجود الائتلاف حاجة ستراتيجية

وجود الائتلاف حاجة ستراتيجية(1)

الجمعة 29/ ربيع الأول استقبل سماحة الشيخ (دام ظله) السيد نائب رئيس الجمهورية المنتخب الدكتور عادل عبد المهدي، وتحدث عن ضرورة المحافظة على وحدة الائتلاف العراقي الموحد باعتباره ممثلاً لأكبر مكون للشعب العراقي، وأن مسؤوليته لا تقتصر على تشكيل الحكومة وإحراز المقاعد في البرلمان وإنما تتعداها إلى مطالب ستراتيجية تهمّ هذه الشريحة وعموم الشعب، ومن دون أن يكون الائتلاف متماسكاً قوياً فإنه سوف لا يستطيع تحقيق هذه المطالب ومن أجل ذلك لا بد أن يضع الائتلاف آليات عمل تنظيم حركة موحدة له ومتناغمة مع رؤى المرجعية وتعمق فيه صفة الأبوة لجميع مكونات الشعب العراقي.

ص: 513


1- نشرت كذلك في العدد (41) من صحيفة الصادقين.

على أعضاء البرلمان أن يمثلوا الشعب وليس أحزابهم

على أعضاء البرلمان أن يمثلوا الشعب وليس أحزابهم(1)

يفترض أن أعضاء البرلمان يمثلون الشعب فينقلون مطالبه وهمومه وآراءه إلى مصادر القرار حتى تناقش وتنضج وتتخذ فيها القرارات المناسبة، لكن الواقع على الأرض أن أعضاء البرلمان منهمكون بقضايا أحزابهم ومصالحهم الفئوية ولا يكترثون بهموم أبناء المحافظات التي انتخبتهم، وإن أكثر أبناء المحافظات لا يعرفون ممثليهم في البرلمان لأنهم غير متفاعلين مع أوضاعهم.

فأنتم يا أبناء العمارة تحدثتم عن مطالب عديدة كفتح جامعة ميسان ومعبر حدودي مع إيران لتحريك عجلة السياحة و الاقتصاد في المحافظة وعن إنشاء مركز صحي تخصّصي وجسر وغيرها، وقد سعينا لكم بهذه المطالب وأنجز بعضها بفضل الله تبارك وتعالى، لكن هذه الآلية غير صحيحة أن نتوجه بكل مطالبنا التفصيلية إلى المرجعية؛ لأنها تعجز عن متابعتها جميعاً، فمثل هذه الأمور عليكم أن تتوجهوا بها إلى أعضاء البرلمان ليؤدوا دورهم كممثلين للشعب، واضغطوا عليهم إذا قصّروا، وأحرجوهم أمام الجماهير، فأنتم لم تنتخبوهم لسواد عيونهم وإنما ليكونوا معبرين عن آمالكم وطموحاتكم ومطالبكم المشروعة .

فعلى المخلصين من أعضاء البرلمان السعي لإصدار قرار يُلزم كل عضو في البرلمان أن يفتح مكتباً له في محافظته؛ ليعرفه الناس فيقصدوه بحوائجهم إضافة إلى مكتب للكتلة البرلمانية من الدائرة الانتخابية لتلك المحافظة من

ص: 514


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع وفد من مدينة العمارة، ونُشر في العدد (43) من صحيفة الصادقين الصادر في 18/ ج1/ 1427 المصادف 15/ 6/ 2006 .

جميع القوائم لتتابع عمل المؤسسات الحكومية في تلك المحافظة، وبذلك فستحصل حالة حركة وتنافس وتفاعل مع الأمة وستمّيز الأمة بين العاملين المخلصين و المتقاعسين .

مظلومية الشبك

مظلومية الشبك (1)

(الشبك) قومية يبلغ تعدادها حوالي (300) ألف نسمة أو أكثر وتسكن عدة نواح وقرى حول الموصل وهي في غالبيتها تعتنق مذهب أهل البيت ع وموالية للمرجعية الدينية في النجف الأشرف، وهذا ما جعلها تقع بين سطوة الأكراد وبطش التكفيريين المجرمين وهم بين هذا وذاك محرومون من كل حقوقهم في هذا البلد، ورغم ذلك فإنهم أعطوا أصواتهم إلى الائتلاف العراقي الموحد.

وحينما كُتب الدستور كان فيه اعتراف بهم ثم حُذف (مجاملة) للأكراد الذين يريدون إلحاقهم بهم فامتعض الشبك وقرروا عدم التصويت للدستور الذي كاد أن يسقط إذا رفضته الموصل إضافة إلى الأنبار وصلاح الدين(2) وتحركت أطراف مرجعية وائتلافية لإقناعهم مقابل إعطائهم استحقاقهم فعدلوا

ص: 515


1- من لقاء سماحة الشيخ اليعقوبي مع بعض فضلاء الحوزة العلمية الشريفة في النجف الأشرف من أبناء الشبك يوم 10/ج 1/ 1427 المصادف 7/ 6/ 2006.
2- بناءً على ما ورد في قانون المرحلة الانتقالية من عدم تمرير الدستور أو أي قانون إذا اعترض عليه ثلثا ثلاث محافظات، وقد رفضته محافظتا الأنبار وصلاح الدين بنسبة زادت على 90 أما الموصل فكان الرفض قريباً من 60 بعد تصويت الشبك بالإيجاب فمُرّرَ الدستور.

عن الرفض إلى القبول. لكنهم مع الأسف أُهمِلوا في التشكيلة الجديدة ولم يعطوا دوراً يثبت وجودهم ويحميهم من فكي الكماشة اللذين ذكرناهما وبقوا على استضعافهم وفقرهم، وكلهم ألم من الائتلاف الذي صوتّوا له فخذلهم بل إن أحد الائتلافيين يقول: تريدون أن نعكر صفو علاقاتنا مع حلفائنا الأكراد من أجل 300 أو 400 ألف إنسان؟ فتصوروا قيمة الإنسان عندهم.

فعلى المتنفذين في الحكومة الجديدة أن يوفروا حقوق هذه القومية ويعطوها الدور الذي تحفظ به وجودها وتثبت ذاتها .

صدق نبوءة الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) على الائتلاف

صدق نبوءة الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) على الائتلاف(1)

أعرب سماحة الشيخ اليعقوبي عن قلقه بسبب تخلي الحركات الإسلامية عن مشروعها الرسالي وانشغالها بالصراع على المواقع في السلطة واكتساب المغانم الشخصية وتحولت السلطة إلى غاية وليست وسيلة للإصلاح والتغيير الإيجابي، مما أدى إلى شعور عام بالخيبة والإحباط من نجاح المشروع الإسلامي لأن الأداء السيئ و التطبيق الفاشل يؤدي إلى الشعور بفشل المشروع وهذا خطر عظيم جناه هؤلاء الذين يرفعون اللافتات الإسلامية .

ص: 516


1- من حديث سماحة الشيخ مع الدكتور إبراهيم الجعفري رئيس الوزراء السابق والوفد المرافق له أثناء زيارته يوم الثلاثاء 23/جمادى الأولى/1427 المصادف 20/ 6/ 2006 وبعض المناسبات الأخرى.

بل الأمر أدهى من ذلك فإن عدداً من القوى المهيمنة على القرار في الائتلاف مارست حملة ظالمة واسعة لتسقيط سمعة أبناء المرجعية الرشيدة الرسالية محاولين قتل شخصية هذا الكيان وتصفيته وهو اشد عند الله تعالى من قتل الشخص، فصدقت عليهم نبوءة السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره) الذي قال في محاضرته الأخيرة عن حب الدنيا قبيل استشهاده: (من منكم عرضت عليه دنيا هارون ولم يقتل الإمام موسى بن جعفر) وها هو حب الدنيا والتسلط يعمي بصيرة هؤلاء ويدفعهم إلى الخوض في هذه الكبائر فبئست الصفقة.وقد حذر السيد الشهيد (قدس سره) من أن التغيير قد يكون تغييراً في (مواقع الظالم) وليس تغييراً للظلم وإنما يكون التغيير حقيقيا إذا عالج الظلم والفساد والانحراف وأقام العدل والصلاح.

وأشار سماحته إلى أن الابتعاد عن الموقع لا يعني تخلي المؤمن عن عمله الرسالي إذا كان يعيش الإسلام همّاً وإنما يعني التنوع في آليات العمل وتحمل المسؤولية ، نعم من يرى السلطة غاية ومغنما فانه يرى انتهاء كل شيء حينما يفقد هذا الموقع .

ص: 517

الحاجة إلى كيان ظل للائتلاف

الحاجة إلى كيان ظل للائتلاف(1)

إنني اقرأ حالة خطيرة في مستقبل العمل السياسي للطائفة المحرومة بسبب الأداء السيئ للائتلاف الذي مثل هذه الطائفة مما ولد استياءً عاماً لدى القواعد ولولا دعم المرجعية الدينية انطلاقا من بعض المصالح المعينة لكانت نتائج الائتلاف في الانتخابات وخيمة، واستطيع القول إن المتضرر الأكبر من تصدي الائتلاف للحكومة هم أبناء الوسط والجنوب الذين انتخبوه، فالخراب يضرب بأطنابه في كل المدن والأرياف والأراضي الزراعية والبنى التحتية والبطالة متفشية والصراعات السياسية تنشر الرعب والأبرياء يقتلون والعوائل تهجر بالآلاف من دون ناصر ولا رادع حتى أن مقدساتهم تنتهك وتدمر، فها هي الروضة العسكرية الشريفة لم ترفع أنقاضها إلى الآن فضلاً عن إعمارها وتأمين حركة الزائرين إليها، فكيف يصدق أتباع أهل البيت أنهم متنفذون وأصحاب قرار في الحكومة بينما الإرهابيون يُفرج عنهم ويُعتَذَر إليهم ويعوضون عن (الظلم) الذي لحق بهم كما تقتضيه وثيقة الاستسلام المسماة بالمصالحة الوطنية.

لهذا السبب ولغيره كابتعاد الحركات والأحزاب التي ترفع اللافتات الإسلامية عن الأهداف الرسالية لا بد لأبناء هذه الطائفة الكفوئين المخلصين

ص: 518


1- من حديث سماحة الشيخ مع رئيس مجلس محافظة بغداد السابق الأمين العام لمنظمة أنصار الدعوة وعدد من الكوادر المتقدمة في المنظمة التي تأسست مؤخراً لتصحيح مسار هذا الكيان وقد زاروا سماحة الشيخ يوم السبت 27/ج1/ 1427 المصادف 24/ 6/ 2006 ونشر في العدد (44) من صحيفة الصادقين.

من إيجاد البديل المقنع للأمة لينقذ المشروع الإسلامي من الهزيمة وليس من الصحيح جمع البيض كله في سلّة واحدة-كما يمثلون- وليكن هذا البديل بعيداً عن تخبّط المتصدين وفشلهم ويعدّ نفسه ويؤهلها لتقديم البديل الأصلح بإذن الله تعالى.

الانسحاب من الحكومة لا يعني الانسحاب من الدولة

شرح سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله الشريف) سبب انسحاب أبناء الفضيلة من تشكيلة الحكومة بأنها تعود إلى السياسة الأنانية التي تدير بها بعض الجهات حركة الائتلاف وحولته بذلك إلى أداة لتمرير مصالحها الشخصية من دون النظر إلى مصالح الأمة والبلد و أصبح معيار اختيار الوزير هو تحقيق هذه المنافع الشخصية واستفادت من نفوذها السياسي لفرض هيمنتها على قرار الائتلاف بعيدا عن الاستحقاقات والشراكة في الرأي التي يفترض أنها من أسس تشكيل الائتلاف وبذلك فقد رفضت المرجعية الرشيدة الرسالية إن تكن مظلة شرعية لهذه السياسة أو جزءا منها لكنها دعت بنفس الوقت أبناء الفضيلة إلى أن يساهموا مساهمة فعالة في بناء الدولة العراقية الجديدة من خلال شغل المواقع المختلفة فيها لأنهم إلا جدر ببناء العراق الحر الكريم المزدهر لما يتمتعون به من نزاهة وكفاءة وإخلاص وطالبهم بالتفريق بين الحكومة التي تتغير وبين الدولة الباقية بمؤسساتها ومرافقها والتي هدفها الأساسي خدمة الإنسان وتوفير حقوقه الأساسية وبناء البلد المزدهر الحر .

ص: 519

في المؤتمر العام الثاني لجماعة الفضلاء

على الكيانات كما على الأفراد أن تحاسب نفسها(1)

عقدت جماعة الفضلاء مؤتمرها العام الثاني في مقرها الرئيسي في النجف الأشرف بمناسبة ذكرى شهادة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (ع) بحضور حوالي مئتين من الفضلاء من مختلف المحافظات، ونوقش النظام الداخلي لجماعة الفضلاء والحاجة المتزايدة لتفعيل دورها بعد أن اتسعت التحديات لتشمل كل أوجه الحياة ونشاطاتها وبعد أن تخلت الحركات الإسلامية عن المشروع الرسالي وانهمكت في العملية السياسية بتفاصيلها المهنية وبعد أن اتضحت الحاجة أزيد من ذي قبل للعمل المنظم الجماعي كفرق وخلايا متحركة.

وقد استغرق المؤتمر جلستين عقدت الأولى يوم 15/جمادى الأولى والثانية ليلة 3/جمادى الثانية وتحدث سماحة الشيخ اليعقوبي في كلتا الجلستين فافتتح كلمته بالإجابة عن السؤال لماذا يتزامن انعقاد مؤتمر جماعة الفضلاء مع ذكرى شهادة الصديقة الطاهرة (علیها السلام)، بعد الاتفاق على ضرورة انعقاد مثل هذه المؤتمرات لمحاسبة النفس وتقييم الواقع ومراجعة الذات فإن الحديث الشريف (ليس منا من لم يحاسب نفسه كل ليلة) ليس مختصاً بالأفراد فقط وإنما يشمل الكيانات التي يجب عليها أن تراجع نفسها في كل مدة لتعذّر إجرائها في كل ليلة؛ لأن العمل يستلزم حصول الأخطاء والابتعاد عن الهدف أحيانا وبمرور الوقت يزداد الانحراف والبعد عن الهدف والغفلة حتى تتراكم

ص: 520


1- نُشر في العدد (44) من صحيفة الصادقين.

وتستعصي على الحل، ومن هنا يصبح (ليس منا) من لم يقم بالمراجعة والتقييم والتوقف لتصحيح الأخطاء وتعديل المسيرة . أما وجه الارتباط بذكرى الزهراء (علیها السلام) فلأن العالم اليوم اشمأز من الصورة القبيحة التي يعرضها المنتسبون للإسلام وبدأوا يلتفتون إلى الصورة المشرقة لتعاليم مدرسة أهل البيت ع السامية ويرغبون في الاستزادة منها، هاتان الصورتان اللتان قارنت بينهما فاطمة الزهراء (علیها السلام) وميزت بينهما ودعت إلى الإسلام المحمدي العلوي الفاطمي الأصيل ونبذ الظلم والانحراف والتسلط بغير حق، فدور الفضلاء الكبير اليوم في نشر الإسلام النقي في أرض العراق والعالم كله يستلهم من الحركة الرسالية لفاطمة الزهراء معالمه وأسسه.

ثم تعرض سماحته لجملة من معوقات ومشاكل حركة جماعة الفضلاء وتعاقب أيضاً على الحديث عدد من الفضلاء العاملين الذين يشرفون على مشاريع المرجعية الرشيدة .

ظهور الإمام رحمة وليس نقمة

ظهور الإمام رحمة وليس نقمة(1)

اعترض بعضهم على ما يجري على لسان سماحة الشيخ اليعقوبي وفي كتاباته من (أن الإمام المهدي -أرواحنا له الفداء- سيظهر رحمة للبشرية لهدايتها وسعادتها وكرامتها، وسوف يفتح العالم بالإقناع المبتني على الحجة والدليل وسيلقى استجابة واسعة لمشروعه للظروف التي يعيشها العالم ولما يرون من خصائص الكمال في شخصه (ع) ومشروعه)، إلا أن هذا

ص: 521


1- نُشر في صحيفة الصادقين العدد (44).

المعترض قال إن الإمام سيحصد الرقاب ويعمل بسياسة الانتقام، وأجاب سماحته بابتسامته الحانية أن الحديث يقول (إن الله عند حسن ظنّ عبده) فبمقدار ما يحسن العبد الظن بربّه يكون الله تعالى كذلك وأكثر له ولما كان المعصومون (علیهم السلام) متخلّقين بأخلاق الله تعالى كما أُمروا (تخَلّقوا بأخلاق الله) فبالجمع بين هاتين المقدمتين تكون النتيجة أنهم (ع) عند حسن ظن عباد الله بهم فمن ظن بهم الرحمة والشفقة والأبوّة والعفو والصفح كانوا له كذلك ومن ظن فيهم الانتقام والقسوة والغلظة كانوا له كذلك فأختر ما تشاء.ثم إن لهم أسوة حسنة بجدّهم رسول الله (صلی الله علیه و آله) الذي بُعِثَ رحمة للعالمين [وَمَا أَرسَلنَاكَ إلا رَحمَةً لِلعَالَمِينَ] وهذا لا ينافي طبعاً استعمال السيف في حق من لا يصلحه أي علاج خصوصاً المنافقين المتاجرين باسم الإسلام لكي يتسلطوا على رقاب الأمة وينالوا وجاهة عند الناس والإسلام براء منهم ويسيئون إليه وينفرّون الناس منه كما ورد في الرواية الشريفة عن أبان بن تغلب قال: (سمعت أبا عبد الله ع يقول: إذا ظهرت راية الحق لعَنها أهل المشرق والمغرب، أتدري لم ذاك؟ قلت: لا، قال: للذي يلقى الناس من أهل بيته قبل خروجه).

ص: 522

مباركة المرجعية بحلول شهر رجب

مباركة المرجعية بحلول شهر رجب(1)

باركت المرجعية الرشيدة للمسلمين عامة وللشعب العراقي المظلوم خاصة حلول أشهر العودة إلى الله تبارك وتعالى و التكامل والمغفرة والازدياد من القرب الإلهي وهي (رجب وشعبان و رمضان) حيث من المتوقع أن يكون يوم الخميس 27/تموز هو أول أيام شهر رجب الأصب.

والمتوقع من المؤمنين أن لا يُفَوِّتُوا هذه الفرصة للتعرض إلى النفحات الإلهية الخاصة فيراجعوا كتب السنن والمستحبات لمفاتيح الجنان ليطلعوا على برامج العمل التي تناسبهم في عموم الشهر أو في أيامه الفضلى خاصة وانه لمن نعم الله تعالى على العبد أن يواصل عليه هذه الفرص انطلاقا من الدعاء الشريف (واجعل الحياة زيادة لي في كل خير) وحينما يقوم أحد ممن وفقه الله تعالى لطاعته بمراجعة متأملة في أعمال هذا الشهر في كتاب (مفاتيح الجنان) فانه سيجد العجب العجاب من كرم الخالق مما لا ينبغي لعاقل التفريط فيها.

وما أحوجنا نحن العراقيين لمثل هذه العودة إلى الله تبارك وتعالى عسى أن يرفع عنا البلاء [وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ] (الأنفال:33).

إن مجرد الالتفات إلى انك في شهر رجب الذي تصب فيه الرحمة صبّاً واستذكار وهذا الشيء فيه خير كثير فكيف إذا أديت بعض أعماله من صوم أو دعاء أو استغفار أو صلاة حينئذ يحسُّ المؤمن انه في نعيم مهما حفت به من

ص: 523


1- نُشر في العدد (45) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 29/ج2/ 1427 المصادف 26/ 7/ 2006.

مكاره وصعوبات ومحن ولذا ورد في الحديث الشريف ما مضمونه : عجبت للمؤمن أن أمرضه الله كان خيرا له وان عافاه كان خيرا له وان أفقره كان خيرا له وان أغناه كان خيرا وهكذا فهو في خير دائم ما دام في رعاية الله ويعيش في ظل رحمة الله و العاقبة للمتقين.

الفدرالية لا تنقذ مشروع الائتلاف

الفدرالية لا تنقذ مشروع الائتلاف(1)

إذا أراد الائتلاف أن ينقذ نفسه و الأمة التي انتخبته فعليه أمران تحسين أداء وزاراته وكافة المؤسسات التي يديرها سواء في الحكومة المركزية أو الحكومة المحلية حتى يشعر بإخلاصه له وحرصه على مصلحتهم لأنه لا ناصر له بعد الله تبارك وتعالى إلا هذه الأمة التي انتخبته فلا بد له أن يستعيد ثقتها به.

حفظ وحدته وتآلفه وان تسود بينهم روح الإخوة والتعاون و الشراكة الحقيقية في تحمل المسؤولية حتى يصبح متماسكاً قوياً واثق الخطى فيحترمه الجميع ويجبرون على التعاطي معه كأكبر قوة سياسية في البلد.

وأما التشظي والتنافس غير الشريف الذي لا يتورع عن استخدام الأساليب اللا أخلاقية كالتسقيط والافتراء ويصل إلى هذا التآمر مع الأعداء على الإخوان فهذا سوف يضعف الائتلاف ويفككه وحينئذ لا تنفع الفدرالية ولا غيرها في حماية مصالح أهلنا في الوسط والجنوب .

ص: 524


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع السيد نائب رئيس الجمهورية الدكتور عادل عبد المهدي لدى زيارته يوم 20/ج2/ 1427 المصادف 17/ 6/ 2006 ومن حديث سماحته مع الأمين العام لمؤسسة شهيد المحراب السيد عمار الحكيم 7ج2.

إننا تمسكنا بإصرار في تثبيت حق الفدرالية عند كتابة الدستور وتم لنا ذلك لكننا نعتقد أن إقامتها على الأرض يجب أن تسبق مقدمات لا نراها قد تحققت ، فإلى الآن لم تتقدم الحكومة المركزية خطوة في تقوية صلاحيات الحكومات المحلية على نحو الإدارة اللامركزية لتأهيلها ، ولا لمس أهلنا في الوسط والجنوب من الكيانات التي تمثله في الحكومة المركزية والتي يفترض فيها أنها ستقود الفدرالية شيئاً يدعوه إلى حسن الظن بها ، ولم نجد ثقافة الديمقراطية واحترام رأي الآخر والشفافية في التعامل تسود علاقة هذه الكيانات في المحافظات بل رأينا لغة العنف والتسلط والتآمر فكيف نقتنع أنها ستحقق لنا من خلال نظام الفدرالية خيراً وما يجري في البصرة من أحداث شاهد على ذلك تلاشت معه احتمالات المطالبة بالفدرالية . ستحقق لنا من خلال نظام الفدرالية خيرا . وما يجري في البصرة من أحداث شاهد على ذلك تلاشت معه احتمالات المطالبة بالفدرالية . ثم إننا لم نفقد الأمل في عراق موحد لا تمزّقه الولاءات الطائفية والعرقية والجغرافية بل يجتمع أبناءه على حب الوطن وتحري مصلحة الأمة.

ص: 525

الفن رسالة إنسانية مؤثرة

استقبل(1) سماحة الشيخ اليعقوبي عدداً من الفنانين التشكيليين الأعضاء في جماعة (أورفن) التي مقرها محافظة ذي قار في نهاية معرضهم الذي أقاموه في النجف الأشرف لمدة أسبوع وانتهى اليوم و عرضت فيه حوالي (32) لوحة تحكي قصة العراق المخضب بالدماء وأبدى سماحته إعجابه بجهودهم وإبداعهم الذي انعكس على اهتمام النخب والجماهير بالمعرض وإقبالهم عليه وتسجيل كلمات الفخر والثناء في سجل الزيارات.

وقال سماحته: إن الفن رسالة إنسانية تتجاوز حواجز اللغة والانتماء ويستطيع الفنان أن يختصر بلوحته مجلداً ضخماً من الكلام ويوصل المعنى بشكل مؤثر ولكن الفن التشكيلي كسائر الفنون والآداب لا تجد رعاية ولا اهتماماً من المسؤولين لذا فإن الأمة غافلة عنها ومحرومة من الاستفادة من قوة تأثيرها.

ودعا وزارة الثقافة إلى إنشاء بيت للفن في كل محافظة ليرعى هذه الكفاءات ويرفع من مستوى وعي الأمة لهذه الرسالة الإنسانية.

وقدمت المجموعة في نهاية اللقاء لوحة رائعة وشكروا سماحته على دعمه المتواصل لهم وحسن الضيافة وهمّة أبناء المرجعية الرشيدة في إنجاح المؤتمر.

ص: 526


1- تأريخ اللقاء 23/ج2/ 1427 المصادف 20/ 6/ 2006 ونُشِر في العدد (45) من صحيفة الصادقين.

مؤازرة الشعب اللبناني الشقيق

مؤازرة الشعب اللبناني الشقيق(1)

بالرغم مما يعانيه الشعب العراقي من كوارث فإنه لم يغفل عن أشقائه في لبنان الذين يتعرضون لهجمة شرسة من العدو الإسرائيلي المدعوم من قبل قوى الاستكبار العالمي مع ضعف وتخاذل من الدول العربية والإسلامية الذين هاجموا بوقاحة الضحية و تركوا الجلاد يعيث في الأرض فساداً.

وقد دعا سماحة الشيخ اليعقوبي الجماهير المؤمنة أن تقوم بفعاليات مناسبة كالاعتصام والتجمع في يوم الجمعة 25/ج2/ 1427 المصادف 22/ 7/ 2006 في سائر المحافظات للتعبير عن مساندة الشعب اللبناني المظلوم والتنديد بالقوى الإقليمية والدولية المتكالبة عليه وهذا اضعف الإيمان مبتهلين إلى الله تبارك وتعالى أن يجنب الشعب العراقي واللبناني وكل البشرية المظلومة السوء إنه أرحم الراحمين.

إشكالية الكيانات السياسية

استقبل(2) سماحة الشيخ اليعقوبي الأخوات المشاركات في الدورة التأهيلية للعمل السياسي التي نظمها المكتب السياسي النسوي التابع لحزب الفضيلة الإسلامي في مدينة النجف الأشرف واستمر ثلاثة أيام، واحتضنت الدورة حوالي ثلاثين امرأة يمثلن المحافظات العراقية، وألقت فيه عدد من

ص: 527


1- صدر هذا التوجيه من سماحته على أثر العدوان الصهيوني على لبنان.
2- تأريخ اللقاء 25/ج2/ 1427 المصادف 22/ 7/ 2006 ونشر في العدد (45) من صحيفة الصادقين.

المختصصات في العلوم السياسية محاضرات متنوعة، وقدمت الدكتورة مسؤولة المكتب السياسي النسوي خلاصات للمحاضرات وبعض التوصيات التي تمخّض عنها هذا اللقاء، وتحدثت إحدى المحاضرات عن الفقرات التي تخص المرأة في الدستور وضرورة أن يكون للمرأة الإسلامية مشاركتها الفاعلة في تثبيت ما ينسجم مع عقيدة الأمة و أخلاقها و تقاليدها حيث لا زال الدستور عرضه للتغيير وسن قوانينه الكبيرة التفصيلية . وأبدى سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) تعليقاته وتوجيهاته على مجمل الأمور ثم تحدث عن الإشكالية الكبيرة التي تتعرض لها الكيانات الإسلامية حيث تصدت للسلطة من دون أن تقدم فرقا واضحا في الأداء عن غير الإسلاميين فلا الوزارات التي تسلموها طهرت من الفساد ولا قدمت وزاراتهم خدمات أفضل من غيرها ولا عرضت برامج وخططا فيها مسحه مميزة لهم عن غيرهم ولا شهدت وزاراتهم ازدهارا للبلد في اختصاصاتها ، بل على العكس كان اشد الفئات تضررا بأداء الحكومة هم من انتخبوها وضحوا من اجل إيصالها إلى السلطة .

لقد غابت الرسالية في أداء المتصدين وذهبت أدراج الرياح الأهداف التي تحرك المخلصون من اجلها وسادت بدلاً عنها الأنانيات والمصالح الشخصية. ويبدو أن الإسلاميين مشمولون بالحديث الشريف (إن دولتنا آخر الدول ولا يبقى أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا: إذا ملكنا سرنا بمثل سيرة هؤلاء وهو قوله تعالى [وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ] والحديث يشعر بفشل كل تلك التجارب وعجزها عن تقديم النظام الصالح.

ص: 528

ولكن في مقابل ذلك توجد ثلة صالحة تعمل في السر أو العلن في السلطة أو خارجها على التمهيد لدولة العدل الإلهي وانتنّ بالإخلاص وتهذيب النفس والهمة في العمل يمكن أن تكونَنَّ منهم. وحذّر سماحته من الوقوع في فخ الاستفزازات خصوصاً في مجال المرأة حيث يقوم الإسلاميون بتغيير مناهجهم وتقديم (تنازلات) ليوحوا للغرب أننا منفتحون ومتحضرون ونحوها من العناوين البرّاقة التي يراد منها تمييع الشخصية الإسلامية وإفراغها من محتواها وخصوصياتها وقد حذَّرَنا الله تبارك وتعالى بقوله [وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ] (البقرة: 120).

على مؤسساتنا أن تضع الخطط الاستراتيجية لعملها وان لا تقتصر على القرارات الارتجالية وردود الأفعال فإن ذلك لا ينضّج مشروعا إصلاحياً تغييرياً وهو ما تنتظره الأمة من الكيانات الإسلامية.

الأمن والخدمات معيار نجاح الحكومة وفشلها

استقبل(1) سماحة الشيخ اليعقوبي السيد بيان جبر الزبيدي وزير المالية الذي طمأن سماحته بإطلاق ميزانية إعمار المحافظات البالغة ملياري دولار لهذا العام وأن (150) مليون دولار مخصصة لتأهيل الأهوار لم تصرفها الحكومات السابقة

ص: 529


1- تأريخ اللقاء 1/رجب/1427 المصادف 27/ 7/ 2006 ونُشر في العدد (46) من صحيفة الصادقين.

منذ سنتين، وقال سماحته: إن الأمن والخدمات هما المعيار لنجاح الحكومة وفشلها في نظر الشعب والأول متوفر في محافظات الوسط والجنوب فما العذر في عدم تحقيق الثاني؟ إن المسارعة في إعمار هذه المحافظات المضطهدة والمحرومة رغم ما تكتسبه من ثروات تؤهلها لأن تكون أكثر البلاد ترفاً لَهو السبيل لاستعادة ثقة الشعب بحكومته التي انتخبها رغم الصعوبات.

وأبدى سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) قلقاً من شروط البنك الدولي لإجراء بعض التسهيلات والمعونات الاقتصادية للعراق فإن هذا البنك يصر على تقليص وإنهاء الدعم الحكومي للمشتقات النفطية والبطاقة التموينية ورواتب المتقاعدين، ومثل هذه الخطوات في ظل المعاناة وشظف العيش الذي ينوء بحمله العراقيون تؤدي إلى نتائج كارثية، وتنهي الخيط الرفيع من الثقة المتبقي بين الحكومة والشعب.

وأوصى سماحته السيد الوزير بأهل الأهوار الذين يتوزعون على محافظات البصرة والناصرية والعمارة ويمتدون إلى غيرها خيراً لما قدموا من تضحيات يسجلها لهم التأريخ، وذكره بأن مثل هذه الأعمال ليست فقط يستدعيها الموقع الحكومي والاستحقاقات السياسية وإنما هي أعمال إنسانية يشكرها الله تبارك وتعالى وعباده المخلصون فإن ما يعانيه أهلنا في الوسط والجنوب يدمي قلب كل غيور ووطني شريف وليس هذا جزاء من ضحى وصبر وتمسك بوطنه ودينه وأخلاقه.

ص: 530

وأعرب سماحته عن ثقته بقيام وزارة المالية بإصلاح في السياسة المالية تناسب العراق الذي نأمله بالتعاون مع البنك المركزي المسؤول عن السياسة النقدية للنهوض بواقع البلد ونقله إلى مصاف الدول المتقدمة بإذن الله تعالى.

ورافق السيد الوزير محافظا الكوت والناصرية ونائب محافظ النجف الأشرف.

التوجيه الوطني والأخلاقي لعناصر الأمن

استقبل(1) سماحة الشيخ اليعقوبي السيد مدير مكتب السيد وزير الداخلية وأكّد سماحته في اللقاء على ضرورة إصلاح الوزارة من الفساد الإداري والمالي وطرد العناصر العاملة مع الإرهاب من تكفيريين وصداميين وزج العناصر الوطنية المخلصة والكفوءة والتي تتحرك في ضوء تكليفها الوطني والشرعي.

ودعا سماحته إلى تأسيس شعبة للتوجيه الوطني والأخلاقي تغذي منتسبي القوات الأمنية بروح الولاء للوطن وخدمة المواطن ونبذ الولاءات الحزبية والطائفية والمناطقية ونحوها وكذلك تعليمهم أخلاقيات المهنة تأسيا برسول الله (صلی الله علیه و آله) الذي كان لا يرسل سرية أو جيشاً –وهم من كبار الصحابة –حتى يوصيهم بأخلاقيات العمل العسكري ومواصفات المقاتل الشريف وهذا ما نفتقده لدى الكثيرين، مما استوجب تأسيس مثل هذه الشعبة.

ص: 531


1- تأريخ اللقاء 5/رجب/1427 المصادف 31/ 7/ 2006 ونُشر في العدد (46) من صحيفة الصادقين.

إن العنصر الأهم في (المصالحة الوطنية) وحل المشكلة الأمنية التي يعاني منها العراق الجريح اليوم يكمن في إصلاح الخطاب السياسي والديني والاجتماعي لتحل مصطلحات الإخاء والتسامح والتآلف والشراكة في بناء الحياة وإعمارها ونحوها بدلا من مصطلحات العنف والتكفير والتطرف والإقصاء والطائفية والأنانية.وتأسيس مثل هذه الشعبة سيساهم في زرع المعاني النبيلة والقيم الإنسانية العليا في نفوس القوات الأمنية بإذن الله تعالى.

تواصل المرجعية الرشيدة مع زعماء الشيعة في مصر

تواصل المرجعية الرشيدة مع زعماء الشيعة في مصر(1)

تلقى سماحة الشيخ اليعقوبي رسالة من السيد الأمين العام للمجلس الأعلى لرعاية آل البيت (علیهم السلام) في مصر بواسطة مركز الزهراء المظلومة (علیها السلام) الثقافي في الناصرية وعبر البريد الالكتروني ضمّ-نها شكر و تقدير قيادات وقواعد المجلس الأعلى لرعاية آل البيت لسان حال السادة الأشراف وأتباع نهج آل البيت (علیهم السلام) في مصر وتحدث عن تاريخ تأسيسه والصعوبات التي واجهته حتى انتهى الأمر بهم إلى المعتقلات وأصبحوا بعدئذ (ترمومتر القوى السياسية في مصر من خلال الخطاب الحسيني المقاوم للفساد والاستبداد والقهر والضيم وضياع العدل وتهديد الناس في حياتهم اليومية).

وأشار إلى جملة من المشاريع التي يقومون بها ومنها تأسيس حزب الغدير ووصفها بأنها تسير بنفس الاتجاه الذي تتبناه المرجعية الرشيدة ودعا إلى

ص: 532


1- نُشر في العدد (46) من صحيفة الصادقين بتأريخ 22/رجب/1427 المصادف/17/ 8/ 2006.

التعاون والتواصل بين المشاريع وقال مشكوراً: (ويمكنني القول الآن أن مكاتبنا وأفكارنا وحركتنا في خدمتكم ونرى ضرورة زيارتكم لمصر عقب أن نمهد لها على كافة الصعد) وقال متفضلاً لحسن ظنه: (أرفق لمقامكم كلمتي في مهرجان الإمام علي (علیه السلام) المقرر انعقاده يوم 5/آب القادم لتكون أول من يطلع عليها).وقد أوصى سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) بنشر الخطاب بعد التاريخ المذكور لتعم الفائدة منه، وبعث الرسالة الجوابية التالية:

بسم الله الرحمن الرحيم

حضرة الأخ الفاضل السيد الأمين العام للمجلس الأعلى لرعاية آل البيت (علیهم السلام) في مصر (دامت تأييداته)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تلقيت بفخر واعتزاز رسالتكم الكريمة التي عرفت من خلالها نفاذ بصيرتكم وعلو همتكم في الدعوة إلى الحق والثبات عليه رغم ما تعرضتم له من العنت والمشقة التي اطلعت عليها من خلال وسائل الإعلام ومواقع الانترنت، ولستَ بدعاً من الرساليين والعاملين لإعلاء كلمة الله تعالى فإنهم تعرضوا لما تعرضت إليه ولكن [إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ] (النساء:104) فطب نفساً وقرّ عيناً وسيفتح الله علي يدي كل المخلصين [تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ] (القصص: 83).

ص: 533

إن لأئمة أهل البيت (سلام الله عليهم) فضلاً كبيراً على الأمة لأنهم حفظوا الإسلام المحمدي الأصيل وصانوه من أباطيل المضلين وانحراف الطغاة وطلاب الدنيا ووعاظ السلاطين وكان لهم تأثيرٌ واسعٌ في تكامل الأمة وتربيتها وقد أشرنا إلى أنواع منها في كتاب (دور الأئمة في الحياة الإسلامية).

وهذا الدور العظيم للأئمة وعلى رأسه أميرهم علي بن أبي طالب (سلام الله عليهم) هو الذي جعل قلوب البشرية بكل أديانها وطوائفها وتوجهاتها تهفو إلى هذه القمم الشامخة وتستعيد ذكرياتهم وتستلهم المبادئ والمثل الإنسانية العليا من سيرتهم المباركة، وما مهرجان الإمام علي (علیه السلام) المزمع عقده في لندن يوم 5 /8 إلا دليل على ذلك وقد تضمن خطابكم الشريف إثارات رائعة من سيرة هذا الإمام العظيم وأشكر حسن ظنكم وثقتكم إذ أطلعتموني على الخطاب قبل إلقائه.

إنني أدعوكم إلى مزيد من التواصل والعمل المشترك وسأكون ممنوناً لو أرسلتم نخبة من شبابكم الواعين الموالين لينهلوا من معين علم أهل البيت في حوزتهم المباركة في النجف الأشرف وسنتكفل بضيافتهم وتحمل مصاريفهم كافة وفي الوقت الذي ترونه مناسباً.

كما أجد من المفيد تأسيس مركز ثقافي أو جامعة علمية أو مكتبة تعنى بنشر علوم أهل البيت (سلام الله عليهم) في القاهرة إن كان ذلك ممكناً وسنساهم بإذن الله تعالى في تكاليف إنشائها.

يقول الإمام: (إن الناس لو علموا محاسن كلامنا لأت-ّبعونا) وهذه حقيقة يعلمها حتى الأعداء لذا حاصروا صوت أهل البيت وخنقوه وأقاموا حوله

ص: 534

ضجيجاً وصخباً لكي لا يسمعه أحد فيتبعه كما فعل المشركون مع رسول الله (صلی الله علیه و آله) حينما كان يقرأ القرآن في مكة، لكننا نشهد اليوم انعطافة عظيمة نحو مدرسة أهل البيت (علیهم السلام) واهتماماً متزايداً وما علينا إلا إيصال هذا الصوت المبارك إلى الناس وتجسيد تعاليمهم وأخلاقهم في سلوكنا العملي لكي تتوافق أقوالنا وأفعالنا ولا نقع في مقت الله تبارك وتعالى [كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ] (الصف:3) وقد اختارنا الله وإياكم في هذا الزمان لنكون ممن يحمل هذه الأمانة العظيمة ويتشرف بأداء هذه الرسالة الجليلة فأي نعمة أعظم من هذه (ق-ُل لا تمُن-ّوا عَليّ إسلامكم بل الله يمنُّ عليكم أن هداكم للإيمان) أسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياكم على الهدى وأن يجعلنا ممن ينتصر بهم لدينه إنه نعم المولى ونعم النصير.محمد اليعقوبي-النجف الأشرف

9/رجب/1427 الموافق 4/ 8/ 2006

ص: 535

سير محاكمة صدام سبب للتدهور الأمني

استقبل(1) سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) السيد رياض غريب وزير البلديات والأشغال العامة وتطرق سماحته في بداية حديثه عن الوضع الأمني السيئ وانتشار الجرائم واستهداف الأبرياء وأحدها ما حصل أمس حيث قام مجرم بتفجير نفسه قرب الصحن الحيدري الشريف فاستشهد حوالي سبعين وجرح أكثر من مائة.

إن هذا الحال السيئ له أسباب عديدة كالاحتلال وأجندات السياسيين وطموحاتهم اللا مشروعة لكن أحد أسبابها المهمة محاكمة صدام التي تجري وكأنها في بلد مستقر مترف يريد أن يتلهى بالتفرج على هذه المسرحية بينما نحن نشهد حالة تغيير جذري وانتقال من زمان الطواغيت المتجبرين إلى زمان الحرية وفي بلد يعاني من وجود الصداميين الذين يتفننون في أساليب القتل والإجرام والتكفيريين الذين لا يعرفون غير إزهاق النفوس وتخريب البلاد ومثل هذا الحال يتطلب حزما وشجاعة وسرعة في اتخاذ القرار كما في سائر حالات الطوارئ والأوضاع الاستثنائية.

إن هذه المحاكمة التي استمرت خمس وثلاثون جلسة على مدى عشرة

ص: 536


1- تأريخ اللقاء 16/رجب/1427 المصادف 11/ 8/ 2006 ونُشر في العدد (46) من صحيفة الصادقين.

أشهر تقريبا من دون أن تصل إلى نتيجة(1) بل إن أعتى مجرم شهدته البشرية في هذا العصر يأمل أن يُحكم عليه بالبراءة أو تُنقل محكمته إلى خارج العراق وتميّع فكيف سيرتدع المجرمون القتلة وكيف سيحترمون القانون وحقوق الإنسان لذا قال الله تعالى [وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] (البقرة:179).إن الولايات المتحدة التي تريد أن تلمع صورتها بهذه الأفعال وتسوق ديمقراطيتها الزائفة حينما شهدت اضطرابا وقتلا وسرقة في إحدى ولاياتها حينما ضربها إعصار كاترينا قبل أشهر علّقت العمل بالقانون وسمحت لقواتها المسلحة بإطلاق النار والتعامل مباشرة مع الحوادث من دون الرجوع إلى القضاء وتفعل نفس الشيء هنا في العراق فتقتل الأبرياء لمجرد أن سياراتهم اقتربت أقل من خمسين متراً إلى رتل مدرعاتهم وغيرها، فلماذا إذن لا يتم التعامل مع صدام الذي عرفت البشرية كلها جرائمه وإزهاقه أرواح الملايين.

لقد اعترف القضاء بأنه لم يعدم من الذباحين والقتلة إلا اثنين وعشرين من أصل حوالي مائتين حكموا بالإعدام في حين إن الذين اعترفوا واقروا بأنهم ذبحوا الأبرياء وفخّخوا السيارات وقاموا بمذابح جماعية في الأسواق والمساجد هم أكثر من ذلك بكثير.

وبعد أن بث سماحته هذه الآلام لتنقل إلى مجلس الوزراء وغيره من

ص: 537


1- صدر الحكم بالإعدام على صدام وأخيه برزان التكريتي مدير المخابرات وعواد البندر رئيس ما تسمى ب-(محكمة الثورة) من قبل محكمة الجنايات الكبرى وتمت مصادقة محكمة التمييز عليه يوم 5/ذ.ح./1427 ونفذ فيهم الحكم فجر التاسع من ذي الحجة المصادف 30/ 12/ 2006.

المحافل السياسية طلب من السيد الوزير أن تنهض وزارته بواقع الخدمات في المناطق المحرومة لان الوزيرة السابقة سيئة الصيت لم نجد في أيامها شيئا يذكر. وتحدث سيادة الوزير عن المشاريع التي أعدتها الوزارة وبدأت بتنفيذ عدد منها وتوزيع قطع الأراضي على ذوي الشهداء والمسجونين والمهجرين.

استقبال شهر رمضان المبارك

استقبال شهر رمضان المبارك(1)

كتب سماحة الشيخ اليعقوبي في مذكراته: كنتُ أشرح لبعض أفراد عائلتي خطبة أمير المؤمنين الموجودة في نهج البلاغة وهي في الموعظة ومما جاء فيها (أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي ألبسكم الرياش، وأسبغ عليكم المعاش، فلو أنَّ أحداً يجدُ إلى البقاء سلماً، أو لدفع الموت سبيلاً، لكان ذلك سليمان بن داود (علیه السلام) ... أين العمالقة وأبناء العمالقة ! أين الفراعنة وأبناء الفراعنة! أين أصحاب الرسّ الذين قتلوا النبيين وأطفأوا سنن المرسلين واحيوا سنن الجبارين ! أين الذين ساروا بالجيوش ، وهزموا الألوف، وعسكروا العساكر ، ومدّنوا المدائن؟...

ألا إنه قد أدبر من الدنيا ما كان مقبلاً وأقبل منها ما كان مدبراً ، وأزمع الترحال عبادُ الله الأخيار . باعوا قليلاً من الدنيا لا يبقى بكثير من الآخرة لا يفنى)

هنا ضربت لهم مثالاً بشهري رجب وشعبان فقد كنّا نترقب شهر رجب حينما كان مقبلاً علينا لنستثمر هذه الفرصة في التقرّب إلى الله تبارك وتعالى

ص: 538


1- نُشر في العدد (47) من صحيفة الصادقين بتأريخ 13/شعبان/1427 المصادف 7/ 9/ 2006.

بالأعمال الصالحة وها قد جاء رجب وانقضى وأدبر بعدما كان مقبلاً وها هو شهر شعبان الذي كان مدبراً حينما فارقناه في العام الماضي أقبل علينا ببركته وسعة الألطاف والنفحات الإلهية فيه وكان رسول الله (صلی الله علیه و آله) يأمر منادياً حينما يهلّ شعبان فيتجول في شوارع المدينة معلناً حلول هذا الشهر ويخبرهم أن رسول الله (صلی الله علیه و آله) يقول أن شهر شعبان شهري ويطلب من يعينه على شهره فاغتنموا هذه الفرص فإنها تمر مرّ السحاب وسرعان ما يدبر منها ما كان مقبلاً ويقبل ما كان مدبر.وبعده يأتي شهر رمضان سيد الشهور وأعظمها وفيه ليلة خير عند الله من ألف شهر وهي ليلة القدر فلنستقبله بمراسم تناسب عظمته وتلفت نظر الناس إلى الاستعداد له ومعرفة عظمته وحرمته وكرامته عند الله تعالى وتشمل هذه المراسم الاحتفالات والتجمعات وتعليق اللافتات المتضمنة لأقوال النبي (صلی الله علیه و آله) والأئمة في هذا الشهر وأعماله والمناسبات فيه ويحسن إقامة هذه التجمعات والاحتفالات في آخر جمعة من شعبان المصادفة 28 منه تأسياً بالنبي (صلی الله علیه و آله) [وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ] (المطففين:26) [فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ] (البقرة:148) ولا تشغلكم هذه الدنيا بكل تفاصيلها عن الاهتمام بتعاهد فروض ربكم وما يقرّبكم إليه.

ص: 539

مستقبل تجمع المهندسين الإسلامي

مستقبل تجمع المهندسين الإسلامي(1)

يسأل البعض هل أن هذا التجمع ذو طبيعة اقتصادية أم سياسية أم فكرية أم اجتماعية وأنا أقول أنه كل ذلك، فإن الدعوة إلى تأسيس التجمع الذي يضم نخبة صالحة وكفوءة ومخلصة من المهندسين في مختلف المحافظات كانت نتيجة قراءة في الواقع الحالي للعراق ومستقبله حيث نريد أن ننشئه عراقاً متحضراً راقياً مرفهاً سعيداً يكون أمثولة حسنة للشعوب المستضعفة ومثل هذا الجهد يكون المهندسون هم حجر الأساس فيه ويقع عليهم العبء الأكبر ومن الشواهد على ذلك أن نسبة وزارات على الأقل هي فنية يديرها مهندسون (النفط ، الكهرباء ، الاتصالات ، الري، الإسكان و التعمير ، الصناعة) في حين إن المهن الأخرى تخصّها وزارة واحدة كالصحة والزراعة.

فهذا التجمع يحتضن المهندسين بالأوصاف المذكورة ويرعاهم ويدافع عن حقوقهم ويحشد خبراتهم ومهاراتهم لبناء هذا المستقبل المشرف، وسينضج عمله تدريجياً ليتسلم الحصة الأوفر من مشاريع الأعمار وينقذ ثروة البلد من هؤلاء السراق و الفاسدين والعابثين بأموال الدولة التي هي أموال الشعب وكل همّهم التسابق في اختلاس المال العام بشركات ومشاريع وهمية وإذا نفذَّت فبدون مراعاة الشروط الفنية، والشاهد أن ثروة العراق التي تزيد على(36) مليار دولار سنوياً فتجاوز مجموع واردات العراق مئة مليار دولار منذ سقوط الصنم ولا نجد لهذه المبالغ أي اثر يذكر على الأرض فتعرف حينئذ أين ذهبت هذه

ص: 540


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع عدد من قيادات التجمع في بغداد والمحافظات يوم 7 شعبان 1427ه- ونُشر في صحيفة الصادقين العدد (47).

المليارات، وإذا قُدِّر لهذا التجمع أن يطوّر أعماله اقتصادياً فسيكون حينئذٍ معيناً للعطاء ليغطي احتياجات المشاريع الإنسانية والفكرية والاجتماعية كما انه بحسن تدبيره وقيادته سينال ثقة الجماهير وحبَّها واحترامها وسوف لا تتردد في انتخابه لقيادة البلاد في المستقبل القريب بإذن الله تعالى وبهمّة وإخلاص أعضاء التجمّع .

تهنئة بالدخول في ضيافة الله تبارك وتعالى

تهنئة بالدخول في ضيافة الله تبارك وتعالى(1)

هنأ سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) المسلمين بحلول شهر رمضان المبارك الذي يحمل دعوة من الله تبارك وتعالى لعباده لينزلوا ضيوفاً على موائد رحمته ومغفرته وفضله وكرمه وخزائنه التي لا تنفد ولا يزيدها كثرة العطاء إلا جوداً وكرماً وقد بلّغ هذه الدعوة رسول الله الكريم في خطبته الجليلة التي استقبل بها شهر رمضان (شهرٌ دُعيتم فيه إلى ضيافة الله) وأي ضيافة! (أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة ودعاؤكم فيه مستجاب) فما أعظمها من دعوة وما أحرانا أن نستجيب لها بتطهير القلوب وتهذيب النفوس لنكون أهلاً لها [اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ] (الأنفال:24) وينبغي للمؤمنين أن يعرفوا حرمة هذا الشهر وما يجب أن يكونوا عليه وليقرأوا خطبة النبي (صلی الله علیه و آله) في آخر جمعة من شعبان في (مفاتيح الجنان) ودعاء الإمام السجاد (علیه السلام) في استقبال هذا الشهر ووداعه في (الصحيفة السجادية) لينالوا الحظوة عند ربهم

ص: 541


1- نُشر في العدد (48) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 4/رمضان/1427 المصادف 28/ 9/ 2006.

وعند إمامهم المهدي الموعود (عجل الله تعالى فرجه الشريف.وليضاعفوا الهمة في العشر الأواخر من شهر رمضان فإن لها نفحات خاصة وكان رسول الله (صلی الله علیه و آله) يشدد على نفسه فيها. واجتهدوا في أن يدعو بعضكم لبعض وان تتراحموا وتتواصلوا ليظلكم الله برحمته فلا تخرجوا من هذا الشهر إلا وقد أخرجكم الله من ذنوبكم وأدخلكم في رضاه.

ص: 542

موعظة وتذكر لأساتذة الحوزة العلمية الشريفة

موعظة وتذكر لأساتذة الحوزة العلمية الشريفة(1)

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق المبعوث رحمة للعالمين محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.

موضوع بحثنا الاستدلالي هي المسائل الخلافية ولا نعني بها مطلق المسائل التي تعددت فيها آراء الفقهاء واختلفت لأن ذلك يعني استغراق أبواب الفقه كلها إذ لا توجد مسائل تحقق فيها إجماع مطبق إلا في الضروريات، ويتضح الحال من التحقيق في كثير من الإجماعات المدعاة كما سيظهر من البحث.

وإنما نريد بالمسائل الخلافية تلك المسائل التي أصبحت ساحة لسجال علمي عميق ودقيق بين الفقهاء وهي معدودة ويشار لها بالبنان في كتب الفقه. ومثلها تُعجّل في صقل المواهب وتختصر الطريق لأن العمر أقصر من استيفاء الخوض في كل المسائل.

على أننا سنلاحظ في المسائل المختارة حيثيات أُخر كأن تكون المسألة ابتلائية كَثُر السؤال عنها ويراد معرفة تفاصيل حالاتها كمسألة من طُلقت طلاقاً غير صحيح في المحاكم الرسمية وتزوجت آخر، أو يستفاد منها في علاج

ص: 543


1- الكلمة التي افتتح بها سماحة الشيخ اليعقوبي(دام ظله) بحثه الاستدلالي في الفقه يوم الأحد 2/شعبان/1427 المصادف 27/ 8/ 2006.

مشكلة اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو أنها تتضمن بحوثاً من العلوم الأكاديمية العصرية كالرياضيات والفلك والفيزياء والكيمياء؛ للتأكيد على أهمية توظيف هذه العلوم في عملية الاستنباط الفقهي والذي تترتب عليه ثمرات عديدة أشرنا إليها في مقدمة كتابنا (الرياضيات للفقيه).كما أن إشاعة مثل هذه البحوث التي هي جزء من ثقافة الحوار مع الآخر وفهم حججه مهما كان الموقف منها تساهم في التقارب وإزالة التشنج إذا تم التعامل مع الآراء بموضوعية وإنصاف لأنها ستكسر حواجز الانغلاق والتعصب. وستجد العذر والدليل لمواقف الآخرين مما يخفف الاحتقان تجاههم، ونقصد بالآخر التنوع الفقهي داخل مدرسة أهل البيت (سلام الله عليهم) ومع المدارس الأخرى خارجها، حيث سنتعامل معها بنفس الإنصاف والموضوعية والمعايير العلمية للترجيح.

وفي ضوء هذا نعلم القيمة الكبرى لمثل كتاب (الخلاف) للشيخ الطوسي (قدس سره) الذي يمثل مدرسة علمية منفتحة ومنصفة وموضوعية.

ولإثراء البحث الاستدلالي باعتبار أن هذا النمط منه –أي البحث الاستدلالي في المسائل الخلافية- لا يكتفي بالتعامل مع الدليل أي لا يكفي بالاستدلال على القول المختار في المسألة كما هو شأن البحوث الاستدلالية، وإنما يتوسع ليشمل وجهات النظر المعروضة من قبل الأساطين وغير المعروضة مما يحتمل ورودها في المسألة ويقارن بينها بعد تحليلها وتقييمها ومعرفة أسباب اختلاف الفقهاء ومناشئ أقوالهم وسينمي تلاقحاً فكرياً عميقاً. وسيعطي قدرة أكبر وصورة أوضح لاختيار الرأي الأصوب؛ لأنه يتيح رؤية هذه الصورة

ص: 544

الأوسع للأقوال والاحتمالات في المسألة مع الاستدلال على تلك الأقوال.وبناءً على ذلك فإن مرتبة البحوث الخلافية أرقى من البحوث الاستدلالية وأوسع أفقاً وإدراكاً؛ لأن الثانية تكتفي بالاستدلال على الحكم في المسألة مع إجابة ما يمكن أن يرد عليه من الإشكالات، أما الثانية فتتوسع لمناقشة الآراء المحتملة في المسألة وهذا يتطلب ذهنية وقّادة لإدراك تلك المحتملات، واطلاعاً واسعاً لمعرفة تلك الأقوال، وتحقيقاً معمقاً لمعرفة مباني وأدلة تلك الأقوال أو ما يمكن أن يكون كذلك؛ لأن بعض الفقهاء ليس لهم كتب استدلالية فلا بد من صناعة الدليل لهم.

وهذه المراحل قطعها الشيخ الطوسي (قدس سره) عند تأليف كتابه (الخلاف)، فقد ألف أولاً كتاب (النهاية) في الفقه وذكر فيه المسائل الفقهية المتلقاة من نصوص المعصومين (علیهم السلام)، ثم ألّف كتاب (المبسوط) وذكر فيه الفروع الفقهية المستنبطة من تلك المسائل الأصلية، ثم ألف كتاب (الخلاف) وذكر فيه ((مسائل الخلاف بيننا وبين من خالفنا من جمع الفقهاء من تقدم منهم ومن تأخر، وذكر مذهب كل مخالف على التعيين، وبيان الصحيح منه وما ينبغي أن يعتقد))(1).

هذه كلها ثمرات وفوائد توخّيناها عندما اخترنا البحث في المسائل الخلافية، وهي لعمري تستحق أن يُبذل الغالي والنفيس في سبيل تحقيقها بلطف الله تبارك وتعالى.

وللبحث –مضافاً إلى ذلك- خصائص أُخر لا تخفى على المتأمل، ولعل من

ص: 545


1- مقدمة كتاب الخلاف.

أوضحها أنه يقدم المسألة كمنظومة كاملة من مقدماتها وأجزائها وتفاصيلها وفروعها والمسائل المرتبطة بها في أبواب الفقه كافة؛ لتظهر الروايات والأحكام فيها كبناء متسق يُعرف موضع كل جزء منها، خلافاً للطريقة التقليدية التي تتناول كل مسألة على حدة مما قد يؤدي إلى عدم اكتمال الصورة وربما حصول التناقض بين موارد ذكرها في الأبواب المتعددة من الفقه، وإن هذا الاتساق في البناء أصبح قرينة لاعتماد بعض الروايات ضعيفة السند أو غير واضحة الدلالة.وقد جعلت عنوانه (فقه الخلاف) لا (الفقه المقارن) الذي هو أليق بالمصطلحات المعاصرة لما قيل من أن الثاني يقتصر على سرد الآراء المختلفة والاكتفاء بعرضها دون الاستدلال عليها والحكم بترجيح بعضها الذي يتكفل به الأول والتعريف محل خلاف [وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً] (النساء : 82).

ولا يفوتني هنا أن أعظ نفسي بما نُقل عن المرحوم الشيخ الأنصاري (قدس سره) أنه دخل المسجد يوماً فوجد أستاذاً يدرّس كتابه المكاسب وهو يشرح المطالب بعيداً عن مراد مؤلفه الأنصاري فجلس ناحية يبكي ولما سُئل عن السبب أجاب إن هذا الأستاذ إنما ناقش مطالبي بسبب أنه لم يفهم مرادي ولعلّي أنا حينما ناقشت الفقهاء العظام لم أكن أفهم مرادهم فتكون إساءة بحقهم.

أقول: على هذا الأدب الرفيع يجب أن تسير نقاشاتنا، وبحسن الظن هذا والإكبار والإجلال نؤسس للحوار والنقاش، ليبارك لنا الله تعالى في حركتنا

ص: 546

فننتفع أعظم النفع والفائدة مما سطّره السلف الصالح ونستنطق علومهم وأفكارهم ونوصل ذلك كله إلى الفضلاء من طلبة العلم ليستفيدوا وليرتقوا في مراتب العلم وليواصلوا حمل الأمانة التي تفضّل علينا الله تبارك وتعالى بها وهي نشر فقه أهل البيت (سلام الله عليهم) وعلومهم ومعارفهم. وإن في هذا إدخالاً للسرور على النبي وآله (صلى الله عليهم أجمعين) فقد ورد عنهم (علیهم السلام) (أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا) ولتبقى الحوزة العلمية الشريفة منجبة للفقهاء الذين يقول الإمام الباقر (علیه السلام) لأحدهم وهو أبان بن تغلب (اجلس في مسجد المدينة وأفتِ الناس فإني أحب أن يُرى في شيعتي مثلك)(1).

وبالمقابل فقد كان يحزن الأئمة (سلام الله عليهم أجمعين) لموت العلماء وتعطيل حلقات العلم فلما مات أبان بن تغلب قال الإمام الصادق (علیه السلام) (أما والله لقد أوجع قلبي موت أبان) وكان إذا قدم المدينة تقوضت إليه الحلَق وأُخليت له سارية النبي (صلی الله علیه و آله)(2). وورد عن الإمام الصادق (علیه السلام) في عدد من كبار الفقهاء من أصحابه (بشّر المخبتين بالجنة: بريد بن معاوية العجلي، وأبا بصير ليث بن البختري المرادي ومحمد بن مسلم وزرارة أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست)(3) وقال (علیه السلام)

ص: 547


1- معجم رجال الحديث: 1/ 20.
2- معجم رجال الحديث: 1/ 21.
3- معجم رجال الحديث: 7/ 223-225.

فيهم (هم أحبُّ الناس إليّ أحياءً وأمواتاً)(1) وورد عن جدهم رسول الله (صلی الله علیه و آله) أنه قال: (من حفظَ من أمتي أربعين حديثاً مما يحتاجون إليه من أمر دينهم بعثه الله يوم القيامة فقيها عالماً)(2) ويريدون ع بالحفظ حفظ الدراية والوعي وعدم الاقتصار على حفظ الرواية.فتذكروا عظيم نعمة الله عليكم إذ يسّر لكم هذا السبيل وزيّنه لكم ووفقكم الله بلطفه وتذكروا أن الفقيه حينما يبلغ درجة الاجتهاد ويصبح قادراً على الاستنباط وممارسة الاستدلال الفقهي والتعاطي مع نصوص القرآن الكريم وأقوال المعصومين (علیهم السلام) فإنه يتلقى الأحكام من المعصوم (علیهم السلام) مباشرةً من خلال النص الذي يتعامل معه بعد أن يطمئن إلى صدوره من المعصوم (علیهم السلام) في حين كان قبل ذلك يتلقى الأحكام من الفقهاء ويعمل برؤيتهم وهم مهما بلغوا من جلالة القدر لا يرقون إلى درجة المعصوم وهذا التلقي المباشر من المعصوم شرف ما بعده شرف.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من حفظة دينه وناشري الهداية والدعاة إلى الله الأدلاء على طاعته حتى يحشرنا مع الأنبياء والأئمة والصالحين وحسُنَ أولئك رفيقاً.

ص: 548


1- نفس المصدر والموضع.
2- الخصال للصدوق، أبواب الأربعين وما فوقه، باب 15.

حاجة الحوزة العلمية إلى التحديث

استقبل(1) سماحة الشيخ اليعقوبي (دامت تأييداته) سماحة السيد صدر الدين القبانجي إمام جمعة النجف الأشرف ودار الحديث حول الحاجة إلى تطوير مناهج الدراسة في الحوزات العلمية وآلياتها وعن تفعيل وظيفة التبليغ الإسلامي للطلبة والفضلاء، وكان السيد القبانجي قد افتتح هذا الموسم جامعة الإمام المهدي (عجل الله فرجه) في النجف الأشرف والتي يؤمل منها أن تساهم في هذه الحركة التجديدية المباركة.

العراق قاعدة الإمام المهدي فلا يجوز لأحد إضعافه

استقبل(2) سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله الشريف) دولة السيد رئيس الوزراء الأستاذ نوري المالكي الذي قدّم في بداية حديثه موجزاً عن التحديات التي تواجه الحكومة والتغيرات التي طرأت على سياسة الولايات المتحدة تجاه القضية العراقية وأشار إلى حديثه الهاتفي مع الرئيس الأمريكي والذي بيّن فيه التوظيف السيئ لتصريحات بعض المسؤولين في الإدارة الأمريكية كإمهال حكومة المالكي شهرين ونحوها مما أثّر سلباً على أداء الحكومة والتعاطي معها

ص: 549


1- تأريخ اللقاء 6/رمضان/1427 ونُشر في العدد (49) من صحيفة الصادقين الصادر في 7/شوال/1427 المصادف 30 /6/ 2006.
2- تأريخ اللقاء 24/رمضان/1427 المصادف 18/ 10/ 2006 ونُشر في العدد (49) من صحيفة الصادقين.

وسير عميلة المصالحة الوطنية وطالب بدعم المرجعية.وقد بيّن سماحة الشيخ اليعقوبي حرصه على إنجاح عمل الحكومة من اجل خدمة المواطن لأنه هو الذي يدفع ثمن فشلها وتقصيرها وتحدّث عن ضرورة إجراء جملة من الإصلاحات السياسية لأنها شرط في مصالحة وطنية حقيقية، ودعا سماحته إلى تجنب طرح المشاريع الاستفزازية التي تعقّد الحالة السياسية ورفض سماحته بشدة أي مشروع لتقسيم العراق أو خلق حواجز بين مكوناته لأنه قاعدة الإمام المهدي (عجل الله فرجه) ومنطلق حركته المباركة فلا يجوز لأحد إضعافه أو تفكيكه أو هدر ثرواته وإضعاف إمكانياته.

كما أكد سماحته على أهمية الانفتاح على المحيط العربي وشرح حقيقة ما يجري في العراق خصوصاً من قبل كتلة الائتلاف لان مثل هذا التلاقي يساهم في تخفيف الاحتقان وما يترتب عليه من ممارسة الإرهاب والعنف بحق الشعب العراقي وأعاد سماحته التذكير بضرورة التسامي عن الروح الحزبية والفئوية والعمل بروح وطنية وفريق واحد وتضافر الجهود لإنقاذ العراق من محنته، ووعد سماحته بدعم كل جهد مخلص يعمل لمصلحة البلد والشعب.

وزارة الداخلية عنوان نجاح عمل الحكومة

استقبل(1) سماحة الشيخ اليعقوبي (دامت تأييداته) السيد جواد البولاني وزير الداخلية وقد اطلع سماحته على طبيعة التغييرات التي بدأ بإجرائها في هيكلية الوزارة ومنتسبيها والمشاكل والتعقيدات المتراكمة التي تعاني منها

ص: 550


1- تأريخ اللقاء 27/رمضان/1427 ونُشر في العدد (49) من صحيفة الصادقين.

وشرح جملة من المشاريع التي ينوي تنفيذها لتحسين عمل الوزارة وان كان أكثر إنجازاتها غير ملحوظ. وبين له سماحة الشيخ اليعقوبي أن وزارة الداخلية هي عنوان نجاح وفشل الحكومة وإن الأنظار في العراق والعالم كله متوجهة الآن إلى أدائها لارتباط جميع الأنشطة الأخرى بها وأوصاه باعتماد العناصر الوطنية الشجاعة النزيهة الكفوءة ولا ينجح في عمله إلا باعتماد فريق عمل يتصف بهذه الخصائص.

مشروع المرجعية لمعالجة للفساد الإداري يحظى باهتمام كبير

مشروع المرجعية لمعالجة للفساد الإداري يحظى باهتمام كبير(1)

حظي إعلان المرجعية في العدد السابق من صحيفة الصادقين لخطوات عملية في معالجة الفساد(2) الإداري والمالي الذي ينخر بكيان الدولة والمجتمع باهتمام كبير وقد قام عدد من المفتشين العامين في الوزارات بصياغة أفكار الخطاب بقانون لعرضه على البرلمان والمصادقة عليه، وقد أعلن هذا أحد أعضاء اللجنة القانونية في البرلمان الذي أعد هو الآخر صياغة لهذا القانون.

نأمل من الأمة أن تستفيد من توجيهات مرجعيتها الرشيدة وان تتابع حركتها فإنها صمام أمانها بلطف الله تبارك وتعالى.

ص: 551


1- نشر في العدد (49) من صحيفة الصادقين.
2- إشارة إلى خطاب المرحلة (132) بعنوان (معالجات لمشكلة الفساد الإداري والمالي) راجعه في الصفحة 337 من هذا المجلد.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.