الأمثال العربية ومدلولاتها التاريخية في كتاب نهج البلاغة دراسة تاریخیة
رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 2875 لسنة 2017 م مصدر الفهرسة: IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda رقم تصنيف: BP38.02.M8 2017 المؤلف الشخصی: ملحم، حسن طاهر.
العنوان: الأمثال العربية ومدلولاتها التاريخية في كتاب نهج البلاغة دراسة تاریخیة.
بيانات المسؤولیة: تألیف حسن طاهر ملحم، تقدیم السید نبیل الحسنی الکربلائی.
بيانات الطبعة: الطبعة الأولى.
بيانات النشر: كربلاء: العتبة الحسينية المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة. 1438 ه = 2017 م.
الوصف المادي: 288 صفحة.
سلسلة النشر: مؤسسة علوم نهج البلاغة، سلسلة الرسائل الجامعیة - 20.
تبصرة عامة:
تبصرة ببیلوغرافية: الکتاب يتضمن هوامش - لائحة المصادر (الصفحات 261 - 284).
تبصرة محتویات:
موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين بن موسی، 359 - 406 هجریا - نهج البلاغة - شرح.
موضوع شخصي: علی بن أبی طالب (علیه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجریا - أحادیث.
مصطلح موضوعي: الأمثال العربیة.
مؤلف إضافی: الحسنی، نبیل قدوری، 1965، مقدم.
مؤلف إضافی: الشریف الرضی، محمد بن الحسین بن موسی، 359 - 406 هجریا - نهج البلاغة - شرح عنوان إضافی: شرح نهج البلاغة.
تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة
ص: 1
ص: 2
سلسلة الرسائل الجامعية - العراق وحدة الدراسات التاريخية (20) الأمثال العربية ومدلولاتها التاريخية في كتاب نهج البلاغة دراسة تاریخیة تألیف د. حسن طاهر ملحم اصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة فی العتبة الحسینیة المقدسة
ص: 3
جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1438 ه - 2017 م العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الاكبر (عليه السلام) مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600 07815016633 الموقع الالكتروني: www.inahj.org الايميل: Inahj.org@gmail.com تنويه:
إن الآراء والأفكار الواردة في هذا الكتاب تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالظرورة عن وجهة نظر العتبة الحسينية المقدسة
ص: 4
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ «فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ» يوسف (88)
ص: 5
الاهداء الى... سيد البلاغة والبيان الى... نهج الهدى والايمان راجياً القبول حسن طاهر ملحم الجامعة الإسلامية - النجف الاشرف
ص: 6
بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة المؤسسة الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها، وتمام منن والاها، والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين.
أما بعد:
فلم يزل كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) منهلاً للعلوم من حيث التأسيس والتبيين ولم يتقصر الأمر على علوم اللغة العربية أو العلوم الإنسانية، بل وغيرها من العلوم التي تسير بها منظومة الحياة وإن تعددت المعطيات الفكرية، إلا أن التأصيل مثلما يجري في القرآن الكريم الذي ما فرط الله فيه من شيء كما جاء في قوله تعالى: «ما فرّطنا في الكتاب من شيء»(1)، كذا يجري مجراه في قوله تعالى: «وكل شيء أحصيناه في إمام مبين»(2)، غاية ما في الأمر أن أهل الاختصاصات في العلوم كافة حينما يوفقون للنظر في نصوص الثقلين يجدون ما تخصصوا فيه حاضراً وشاهداً فيهما، أي في القرآن الكريم وحديث العترة النبوية (عليهم السلام) فيسارعون وقد أخذهم الشوق لإرشاد العقول إلى تلك السنن والقوانين والقواعد والمفاهيم والدلالات في القرآن الكريم والعترة النبوية.
من هنا ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تتناول تلك الدراسات الجامعية
ص: 7
المختصة بعلوم نهج البلاغة وبسيرة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وفكره ضمن سلسلة علمية وفكرية موسومة ب (سلسلة الرسائل الجامعية) التي يتم عبرها طباعة هذه الرسائل وإصدارها ونشرها في داخل العراق وخارجه، بغية إيصال هذه العلوم الأكاديمية الى الباحثين والدارسين وإعانتهم على تبين هذا العطاء الفكري والانتهال من علوم أمير المؤمنين علي (عليه السلام) والسير على هديه وتقديم رؤى علمية جديدة تسهم في إثراء المعرفة وحقولها المتعددة.
وما هذه الدراسة الجامعية التي بين أيدينا لنيل شهادة الدكتوراه في التاريخ إلا واحدة من تلك الدراسات التي وفق صاحبها للغوص في بحر علم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقد أذن له بالدخول إلى مدينة علم النبوة والتزود منها بغية بيان أثر تلك النصوص العلوية في الإثراء المعرفي والتأصيل العلمي في بيان الأمثال العربية ومدلولاتها التاريخية في كتاب نهج البلاغة لما يمتلك المثل من أهمية كبيرة في بيان المعنى وتقريبه، إذ يجسد المثل تجربة واسعة بعبارات مختزلة وقصيرة سهلة الحفظ والتناقل بين الناس، وقد أخذ المثل حيزا واسعا في استعمال الإمام (عليه السلام) في خطاباته إلى الناس ومراسلاتهم؛ ليكون رسالة قصيرة مفهومة توضح الغاية من الكلام، وبذلك يكون أسمى وأوفق للسامع من الكلام الطويل، ومن هنا اتجهت هذه الدراسة لرصد تجليات الأمثال في نهج البلاغة وبيان دلالاتها التاريخية عند القائلين من القدماء عن عصر الإمام إلى عصر الإمام نفسه، مع تصنيف المثل بحسب نوعه وعصره..
فجزى الله الباحث كل خير فقد بذل جهده وعلى الله أجره.
السيد نبيل قدوري الحسني رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة
ص: 8
الحمدُ لله كما يجب أن يحمد، والصلاة والسلام على من تبوأ من الفصاحة ذروتها، وأصبح بذلك أفصح العرب ابي القاسم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى آله الطيبين الطاهرين، ولاسيما الإمام علي (عليه السلام) أمير البيان وصحبه الكرام الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
إن أعظم علم عند العرب علم القرآن والسيرة، والقرآن يمثل للمسلمين كتاب الهداية والتشريع فيه تبيان كل شيء، والسيرة ما قام به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتمثل به من قول وفعل وتقرير، ولحب الناس للسيرة اتخذوها مساراً ومنهجاً وتاريخاً، فكونت تراثاً ضخماً عرف بتراجم الرجال (سيرهم) وكان من هذا التراث الضخم (كتاب نهج البلاغة)، الكتاب الذي أصبح رافداً ثراً من روافد اللغة العربية يتفوق على كلام الناس عامة إلا كلام الله المتمثل بالقرآن وكلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المتمثل بالحديث (السنة).
ويحق للرضي وغيره أن يصف هذا الجوهر النفيس أنه: (يتضمن من عجائب البلاغة، وغرائب الفصاحة، وجواهر العربية).
وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) حقاً مشرع الفصاحة وموردها ومنشأ البلاغة ومولدها، ومنه ظهر مكنونها وعنه أخذت قوانينها.
ومن هذه الفصاحة كان موقع المثل عند الإمام كبيراً حيث أخذ حيزاً واسعاً استخدمه الإمام في خطاباته إلى الناس ومراسلتهم، ليكون رسالة قصيرة مفهومة،
ص: 9
قوية البيان والحجة تلبي ما أراده من الناس، فكان وقع المثل عنده عميقاً من حيث استعماله في مكانه المناسب بغية إدراك السامع لمفهومه كالسحر الذي يأخذ بالألباب.
والمثل بعامة يأخذ مساحة كبيرة في واقع الحضارات أينما كانت، فهو الصورة العاكسة لحضارة شعب ما، لما له من بصمة في كل مرفأ من مرافئها، فكون له دلالة خاصة به تعبر عن مكون الاستفادة منه من خلال العبرة والعظة والدرس إلى ما إلى ذلك...
وعرفته العرب قديماً وكونت لها أمثالاً خاصة بها أسوة بغيرها من الحضارات، فسمت به محفوظاً بالصدور ومدوناً في الرقاع، فافتخرت به لأنه انعكاس عن تجربة ومراس صعب قاله الحكماء من بعد تجارب في معتركات الحياة وصعوباتها، فلذا كون له مساحة كبيرة في التراث العربي والإسلامي.
وبما أن القرآن كتاب الله الخالد فقد أسهم هو الآخر اسهاماً كبيراً في سمو المثل ورفعه من خلال الأمثال التي ذكرها من أجل الترغيب والترهيب والعظة والحكمة والعبرة والتدبر والتفكر من أجل بناء المجتمع الإنساني الحضاري ذي الصفات الحميدة والأخلاق الفاضلة، كان ولابد أن يدخل المثل مساحة واسعة في كلام الإمام علي (أمير المؤمنين) باب مدينة العلم، تلميذ النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وخريج مدرسة القرآن الكريم.
فلا غرو أن يكثر استعمال المثل عند الإمام علي (عليه السلام) في خطبه ومواعظه ورسائله بعدما عرف بأن المثل باختصاره يكون أسمى وأوفق للسامع من الكلام الطويل، لما للمثل من مغزى عظيم في كلام مقتضب قصير فكان له إيقاع مميز في كتاب نهج البلاغة.
ص: 10
وليس بالغرابة أن أقوم بما قمت به من عمل أن أوضح مفهوم المثل بكل معانيه ومداليله وتبيان استخداماته عند الإمام علي (عليه السلام) من خلال ما استعاره من مثل عربي جاهلي ومثل قرآني ومثل نبوي.
ولم أقف على هذا المنحى في التأليف بحيث أعده بحثاً بكراً على الرغم من أن أقلام الباحثين تداولت مواضيع المثل من جوانب شتى ولعلي أذكرها في الفصل الأول من هذا البحث.
والكتابة في أفق نهج البلاغة من أصعب الأمور لما لهذا الكتاب من وقع بيان وبلاغة، فأخذت منه مادة المثل ودلالاتها التاريخية عند القائلين من القدماء عن عصر الإمام إلى عصر الإمام نفسه، بتناغم تاريخي للأحداث السابقة التي قيل بها المثل مع ما حوته الأحداث في عصر الإمام، فاضطر بذلك إلى استعارتها وبيان معانيها، ليدركها المتلقون لعلهم يرعون ويفهمون مقاصده ومبانيه، وبهذا كونت لها حيزاً كبيراً في كتاب نهج البلاغة آليت أن أسرح الفكر فيه.
فقد استخرجت في هذا البحث الأمثال العربية القديمة في عصر الجاهلية ثم في الإسلام مع أنهما في مزيج واحد يصعب التفريق بينها شعراً ونثراً ثم استخرجت أمثال القرآن الكريم مع تبيان أنواعها ومن ثم بينت نوع المثل الحديث واستعماله في الكتاب نفسه وكانت الدراسة تشتمل على عدة فصول؛ اختص الفصل الأول بدراسة مفاهيم ومداليل البحث من تعريفات المثل وأهميته وضربه وتقسيمه ونظرة المحدثين من الأدباء ومن ثم تناولت نبذة تاريخية عن كتب الأمثال ومؤلفيها.
أما دراسة الفصل الثاني توزعت على منحيين، المبحث الأول اختص بالمنحى التاريخي لكتاب نهج البلاغة تضمن بعضاً من الإعتراضات عليه وبعضاً من الردود
ص: 11
عليها بخصوص اثباته إلى مقام الإمام (عليه السلام) وأنواع الكلام فيه من حكم وخطب وتأملات ورسائل وعهود، ثم يبدأ المبحث الثاني الذي يتناول أنواع المثل المستعمل في كتاب نهج البلاغة، وحسب الحقب التاريخية، المثل الجاهلي ثم المثل القرآني ثم المثل النبوي، مع فهمنا بأننا يجب أن نقدم المثل القرآني أولاً لقدسية كلام الله، ولكننا اتخذنا ذلك التقديم من حيث السبق الزمني للمثل، وما كتاب الله إلا ذكر لبعض أمثال العرب وما جاورهم من الأمم.
أما الفصل الثالث فكان الفضاء فيه واسعاً لشموله الدراسة المتمثلة بالمدلول التاريخي للمثل العربي في كتاب النهج وربطه مع المثل القديم الذي كان سبباً لحادثة سابقة تمثل بها الإمام (عليه السلام) واستعارة للحادثة متشابة بكل ألوانه لما وقع له من حوادث أيام زمانه، وكانت هذه المساحة قد شملت ثلاثة مباحث، كان المبحث الأول توظيف المثل الجاهلي الذي شمل المثل الجاهلي النثري والشعري، بيّنت فيه التماثل القائم في الحوادث بين عصر الإمام (عليه السلام) وممن سبقوه.
والمبحث الثاني التوظيف من قبل الإمام للمثل القرآني لكون القرآن هو أصل التشريع الإسلامي والمصدر الأول له، وكانت مساحة المثل في القرآن كبيرة ومساحة التاريخ كبيرة أيضاً استفاد منها الإمام كثيراً وهو خريج هذه المدرسة.
أما المبحث الثالث فكان يمثل مساحة المثل النبوي المستخدم عند الإمام (عليه السلام) وتوظيفه توظيفاً صحيحاً، وبذلك استخدم الإمام علي (عليه السلام) السنة النبوية المتمثلة بالسيرة والحديث لإيصال مبتغاه إلى خاصة الناس وعامتهم.
لذلك كان فضاء الفصل الثالث الذي هو بحق لب البحث ومضانه طويلاً بالمقارنة مع الفصول الأخرى المكونة لمضان البحث.
ص: 12
أما الفصل الرابع فكان يمثل أقوال الإمام (عليه السلام) التي سرت مسرى الأمثال، وكان ذا محورين، مثّل المحور الأول منه أقوال الإمام المبنية على حادثة.
والثاني أقوال الإمام التي سرت في كتب اللغة والأمثال والتاريخ والتفسير، ونحن بدورنا لم نقم بإحصاء للمثل في هذا المضمار من العمل الذي يكون بحق موسوعة كاملة ولكننا بيّنا في هذه الدراسة نوعية المثل واستعماله من قبل الإمام (عليه السلام) وبعضاً من أقواله التي سارت بها الركبان فأخذت لها حيزاً كبيراً في عمق تراثنا العربي الإسلامي بكل محافله وهذا تبيان عظيم بأن المثل ذو أهمية بالغة في الدخول إلى الوجدان العربي أخذ له مكاناً سامياً بين رقي الحضارات التي ساهمت في ابراز المثل عالمياً كونه يمثل الكلام الموجز القصير الذي يستهوي عقول الناس بكل مستوياتهم لشموله للحكمة والعظة والتدبر والصفة إلى ما إلى ذلك من المفاهيم العظيمة فيكون أكثر ايقاعاً من الكلام الطويل الذي لا تسوغه عقول الناس كافة، فكان الخطاب فيه صائباً من قبل الإمام علي (عليه السلام).
وقد ختمت البحث بخلاصة أظهرت النتائج التي توصل اليها وكان ضمن صعوبات البحث فقدان المصادر والمراجع التي اعتمدتها في بداية البحث بسبب اتلاف وحرق المكتبات العامة، نظراً لما يمر به وطننا الحبيب من ظروف قاسية بحق التراث والعلم والعلماء والأساتذة ولذلك وفقني الله أن أستعين بما في المكتبات العامة في النجف الأشرف المتمثلة بمكتبة الإمام الحكيم ومكتبة الإمام الحسن ومكتبة أمير المؤمنين والمكتبة الأدبية المختصة وبعض المكتبات الشخصية وقد أفدت في دراستي هذه من مضان كثيرة وأصول كثيرة ومتنوعة جاء القرآن الكريم وتفاسيره وكتاب (النهج) في الطليعة، ثم كتب الأمثال العربية المتمثلة بكتاب المفضل الضبي (ت 170 ه) (أمثال العرب) وأبي فيد السدوسي (ت 195 ه) وكتابه الأمثال، وابن
ص: 13
سلمة (ت 291 ه) وكتابه الفاخر، وأبي هلال العسكري (ت 395 ه) وكتابه (جمهرة الأمثال) والميداني (ت 518 ه) في معجمه الشهير (مجمع الأمثال).
وكتب الأمثال الخاصة بالقرآن الكريم المتمثلة بكتاب أمثال القرآن للترمذي (ت 318 ه)، والأمثال في الكتاب والسنة، لابن خلاد (ت 360 ه)، وكتب الأمثال الخاصة بالحديث المتمثلة بكتاب أمثال الحديث لابن خلاد الرامهرمزي.
وقد استفدت من كتب التاريخ المتعلقة بها الحوادث التي شابهت الحوادث التي قيلت فيها الأمثال والتي كانت في زمن الإمام علي (عليه السلام) على الترتيب الزمني، ابن مزاحم (ت 212 ه) في وقعة صفين، وابن قتيبة (ت 276 ه) في الإمامة والسياسة وعيون الأخبار، والبلاذري (ت 279 ه) في أنساب الأشراف، والدنيوري (ت 282 ه) في الأخبار الطوال، واليعقوبي (ت 292 ه) في تاريخه، والطبری (ت 310 ه) في تاريخ الأمم والملوك وغيرها.
وكان لكتب غريب الحديث والكتب المتعلقة بها من شروح وتعليقات دور في إثراء البحث، مثل غريب الحديث لأبي عبيدة (ت 224 ه) والفائق لغريب الحديث للزمخشري (ت 535 ه) والنهاية في غريب الحديث لإبن الأثير (ت 606 ه) واستفدت من المعاجم اللغوية مثل ابن فارس (ت 395 ه) في معجم مقاييس اللغة وابن منظور (ت 711 ه) في كتابه لسان العرب والفيروزآبادي (ت 817 ه) القاموس المحيط، وكتب اللغة القديمة والمتأخرة والحديثة منها، ألمبرد (ت 282 ه) في الكامل في اللغة والسيوطي (ت 910 ه) في المزهر في علوم اللغة وغيرها ودواوين الشعر والشعراء، ديوان امرئ القيس وديوان المتنبي (ت 354 ه) وديوان أبي تمام (ت 231 ه) وغير ذلك مما يجده القارئ مبسوطاً في جريدة المضان أو مشار إليه في هوامش الصفحات.
ص: 14
وفي اتمامي للبحث بعون الله تعالى الذي لا أبتغي به سوى وجهه الكريم ولا أدّعي فيه الكمال بل هو خطوة على طريق البحث العلمي أتمنى أن يؤتي أكله بين يدي القراء والباحثين ولاسيما أساتذتي الكرام الذي لي الشرف أن يقوموا هذا البحث من أجل تعضيده وتنميقه وشكري لأستاذي الدكتور حسن الحكيم الشكر الذي لا يوفيه حقه مهما نمقت من الكلم فقد كان أباً مربياً، حريصاً على أبنائه وأنا واحد منهم، باذلاً لهم من علمه وجاهه، مخلصاً في عمله لوجه الله تعالى، صبوراً على عنتي وتقصيري، وقد ذلل لي كثيراً من الصعوبات في هذا البحث بالتوجيه السديد، فكان كما هو لا يجامل ولا يحامل في العلم له الدعوات المخلصة وطول العمر بغية خدمة العلم والإسلام.
ومن الوفاء أن لا أنسى كل الأخوة والأساتذة، الدكتور صادق المخزومي الأخ الذي أبدى لي العون الصادق فكان اسماً على مسمى، بتوفير المصادر والمراجع من مكتبته الخاصة ولكل من مدّ لي يد العون في إتمام هذا البحث الشكر والدعاء على ما تجشموه من عناء في قراءة هذا البحث.
وأخيراً:
آمل بصنعتي هذه التي حاولت فيها دراسة ظاهرة المثل وأهميته في الوجدان العربي والحضارة العربية في نص عربي خالد (كتاب نهج البلاغة) قد وفقت إلى ما بذلته من جهد مع اعترافي بالتقصير، ولست ممن يعد في عداد من يؤسس هذا البيان، أو يقدر على السباق فيه فأنا حبة رمل أمام جبل شامخ، غير أني أبغي القبول من لدن الله سبحانه وتعالى ومن لدن الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام) وصدق من قال: للمبتدئ جناح وللمنتهي جناح وللفصيح مفتاح ولست بالبليغ ولكني أبغي طلب العلم وأرجو من الله التوفيق والسداد.
ص: 15
ص: 16
الفصل الأول مفاهيم البحث ومداليله
ص: 17
ص: 18
يكاد يكون الأصل السامي لكلمة (مثل) يتوزع - حسب اشتقاقها - بين مفهومين:- معنى (المماثلة) ومعنى (العرض في الصورة الحسية)(1) وذكر عند أهل اللغة (ولضرب العرب الأمثال، واستحضار العلماء المثل والنظائر شأن ليس بالخفي من إبراز خبيّات المعاني ورفع الأستار عن الحقائق، حتى تريك المتخيل في صورة المحقق والمتوهم في معرفة المتيقن والغائب كأنه شاهد)(2).
ويرى بعض المستشرقين أن كلمة (مثل) لها جذور تاريخية يقود إلى أصولها
ص: 19
(الآرامية)(1).
وقد ورد لفظ (المثل) في اللغات السامية. بمعنى الشبه والنظير واشتقوا منه الفعل اشتقاقاً تقابل في مادته لدى تلك اللغات. كأنه على الوجه التالي(2):- أ- في اللغة العربية: مثل ب- في اللغة العبرية: masal ج في اللغة الآرامية: matla د في اللغة الحبشية: mesel ه- في اللغة الأكدية: meslum و في اللغة الآشورية: masala وعند القراءة لهذه الألفاظ نراها متقاربة وكأنها تكاد تكون واحدة مما يؤيد بأنها لفظة سامية انتشرت في جميع اللغات السامية بمعنى واحد هو التشبيه والمقارنة والموازنة.
ويبدو مما تقدم أن غالبية اللغات السامية وفي طليعتها اللغة العربية، قد اتفقت
ص: 20
على صيغة الكلمة في التركيب البنائي، وعلى مدلولها في المعنى اللغوي - باستثناء اللغة العبرية التي بدأ فيها اللفظ مشتركاً - إلا أن اللغة العربية قد وسعت المفهوم اللغوي للكلمة، في عدة أبعاد متماثلة ومتقاربة بخلاف اللغات السامية الأخرى.
ومهما يكن من الأصل التاريخي فإن ما يهمنا في هذا السياق هو أن العرب قد اعتنوا بالأمثال عناية قلّ نظيرها، وقد أقحموها في كل ميادينهم الحياتية تقريباً، فكان لكل ضرب من ضروب حياتهم مثل يلهجون به، لذا بلغت عناية اللغويين مدى مميزاً عن سواهم، لأن المثل بالنسبة إليهم كان يجسد اللغة الصافية إلى حد كبير، وفي معجمات اللغة يأخذ الباحث معنى كلمة مثل عند العرب.
يكاد يكون الطابع العام في تعريف كلمة (مثل) عند أهل اللغة هو التكرار، فكأنها تقريباً تحتوي على الشروح عينها إلا تنويعات طفيفة تختلف بين معجم وآخر كزيادة محدث على قديم أو ما شابه ذلك.
مثل يدل على مناظرة الشيء للشيء، وهذا مثل هذا، أي نظيره، والمثل والمثال بمعنى واحد، وربما قالوا (مثيل كشبيه) تقول العرب، أمثل السلطان فلاناً، والمعنى أنه فعل به مثلما كان فعله(1).
والمثلات من هذا القبيل قال الله تعالى:- «وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ الْمَثُلاَتُ»(2) أي العقوبات التي تزجر عن مثل ما وقعت لأجله وواحدها مثل.
ومن هذه التعريفات ذكروا عدة معان لمادة (مثل) أهمها:-
وهي كلمة تسوية يقال هذا مثله ومثله ويقال شبهه وشبيهه.... والفرق بين المماثلة والمساواة أن المساواة تكون بين المختلفين في الجنس والمتفقين، لأن التساوي هو التكافؤ في المقدار ولا يزيد ولا ينقص، أما المماثلة فلا تكون إلا في المتفقين والمثل الحديث نفسه(3) ومثل الشيء صفة وقد قال الله تعالى «مَثَلُ الجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ»(4) مثلها هو الخبر عنها وقيل معناها صفة الجنة.
والمثل مأخوذ من المثال والحذو، وقول الله عز وجل خير شاهد (يَاأَيُّهَا النَّاسُ
ص: 22
ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا)(1).
وقد ذهب بعض من اللغويين إلى هذا المعنى:- (المثل) مأخوذ من المثال والأصل فيه التشبيه فقولهم (مثل بين يديه) إذا انتصب(2)، معناه أشبه الصورة المنتصبة (وفلان أمثل من فلان) أي أشبه له من الفضل والمثال والقصاص لتشبيه حال المقتص منه بحال الأول كقول كعب بن زهير:* كانت مواعيد عرقوب لها مثلاً *** وما مواعيده إلا الأباطيل فمواعيد عرقوب علم لكل ما لا يصح من المواعيد(3).
ونقل ابن رشيق (ت 463 ه) عن قوم قولهم: إنما معنى المثل المثال الذي يحذى عليه كأنه مقياس لغيره(4).
ص: 23
ويكون المثل بمعنى العبرة ومن قوله عز وجل (فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ)(1) وذهب ابن منظور (ت 711 ه) إلى استعمال المثل بمعنى العبرة تارة والآية تارة أخرى(2)، قال الله تعالى «وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ»(3) أي آية تدل على نبوءته.
أما استعماله عند الفيروز آبادي (ت 817 ه) قال(4): بمعنى الحجة والحديث، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا»(5) وذلك لأنهم عبدوا غير الله ما لا يسمع ولا يبصر، وما لم ينزل به حجة فأعلم الله الجواب مما جعلوه له مثلاً ونداً.
ويرى هذا الرأي أيضاً كلٌ من محمد بن سلام الجمحي(1) (ت 234 ه) وأبي منصور الثعالبي(2) (ت 429 ه) ويؤيد هذا الرأي كثير من اللغويين والمفسرين بقولهم:
(إن ظاهر الكلام أصل اللغة أن المثل هو الصفة)(3).
ومنهم من يرى أن الصفة تحلية ونعت والمثل مأخوذ من المثال والحذو وأن الصفة بهذا اللون ليست من كلام العرب، كما يرى أبو علي الفارسي(4) (ت 377 ه) (أن المثل بمعنى الصفة غير معروف في كلام العرب إنما معناه التمثيل) واجتهد قبله في هذا الأمر محمد بن يزيد المبرد (ت 285 ه) بقوله(5): إنما المثل مأخوذ من المثال والحذو ومن قال إنه معناه صفة فقد أخطأ.
ص: 25
وقد أثبت ابن منظور كثرة الروايات الدالة على استعمال كلمة (مثل) كصفة، لا ينفي ولا يستبعد لأن التمثيل هو تشبيه وتصوير، فقرب أن يكون وصفاً وأن يكون المثل صفة(1).
وقد سمي المثل حكمة لانتصاب صورها في الأذهان بوصفها مشتقة من المثول والانتصاب، وفي ذلك قول أصحاب اللغة:
(إن كل حكمة سائرة تسمى مثلاً)(2) والكلمة إذا شاعت وانت رشت وكثر دورانها على الألسن تكون مثلاً، أما إذا كانت صائبة وصادرة عن تجربة، ولم تدر على الألسن فتسمى حكمة، وهذا يعني أنه إذا أريد بالمثل عبرة فقد يصح أن يكون حكمة، ومن تعاريفها: أنها الكلام النابع المانع من الجهل والسفه والناهي عنهما وقد قال تعالى في معنى الحكمة في وصف لقمان الحكيم: «وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْماَنَ الْحِكْمَةَ أَنْ اشْكُرْ لله»(3).
ص: 26
وتخرج مادة (المثل) من أفق اللغة إلى مدى الإصطلاح فابن المقفع (ت 143 ه) يقول(1): (إذا جعل الكلام مثلاً كان أوضح للمنطق وآنق للسمع وأوسع لشعوب الحديث).
وأما ابن السكيت(2) (المتوفى 244 ه) فيشير إلى أن المثل لفظ يخالف لفظ المضروب له ويوافق معناه ذلك اللفظ، شبهه بالمثال الذي يعمل عليه غيره)(3).
وقال آخرون: سميت الحكم القائم صدقها في القول أمثالاً لانتصاب صورها في القبول مشتقة من المثول الذي هو الانتصاب(4) وبهذا يتكون لنا فرق بين الحكمة والمثل، فالحكمة: هي القول الصادر عن تجربة وان يتداول بين الناس، وأحسن ما وصف به قول الشاعر(5):
ما أنت إلا مثل سائر *** يعرفه الجاهل والخابر ومن الأقوال المصطلحة في تعريف المثل ووصفه: (بأنها وشي الكلام وجوهر
ص: 27
اللفظ وجلي المعاني... فهي أبقى من الشعر وأشرف من الخطابة لم يسر شيء مسيرها ولا عم عمومها حتى قيل أسير من مثل)(1).
وقال إبراهيم النظام(2) (ت 231 ه) يجتمع في المثل أربعة، لا يجتمع في غيره في الكلام، إيجاز باللفظ وإصابة في المعنى وحسن التشبيه، وجودة الكتابة(3).
ويقول أبو البقاء(4) (ت 1095 ه) بأن المثل (قول سائر شبه به حال الثاني بالأول).
وهذا التعريف يتكون من حالتين وعلاقة بين حالتين، الحالة الأولى، هي التي يضرب بها المثل في الأصل، والثانية هي التي ذكر فيها المثل مرة أخرى، والعلاقة الحاصلة بين الحالتين هو الشبه الحاصل بين الحالة الأولى وبين الحالة الثانية.
وتكاد تكون تعريفات كتب التراث تتشابه كأنها في إطار العموم المطلق، ولكننا إذا وقفنا مع الفارابي (ت 350 ه) يكاد يكون الوحيد الذي خرج على هذا النسق من
ص: 28
التعريف بقوله(1): المثل ما ترضاه العامة والخاصة في لفظه ومعناه، حتى ابتذلوه فيما بينهم، وفاهوا به في السراء والضراء، واستدروا به الممتنع من الدرّ، ووصلوا به إلى المطالب القصية وتفرجوا به عن الكرب والمكربه، وهو من أبلغ الحكمة، لأن الناس لا يجتمعون على ناقص أو مقصر بالجودة أو غير مبالغ في بلوغ المدى في النفاسة.
في هذا التعريف تكاد تكون مسألة الإجماع بارزة في أن المثل أداة تعبيرية عن أشياء لا يعبر عنها بشكل مباشر إلا بصعوبة بالغة، ناهيك عن أن الفارابي يشير إلى التأثير النفسي الفعّال للأمثال، فهي لديه متنفس معاناة الشعوب التي تعكس حاجات الأفراد الشخصية في دلالة اجتماعية إنسانية شاملة.
وقد أشار القرآن الكريم قبل الفارابي إلى هذه الحقيقة وأن الفارابي وغيره استقوا معلوماتهم من القرآن الكريم منبع المثل والحكمة.
ومن الناحية العقلية ودلالاتها، تعرف أمثال الأمة ويعرف مقياس الدرجة التيوصلت إليها، وتعرف الكثير من أخلاقها وعاداتها(2).
أما ابن رشيق فيقول(3): عن المثل أنه سمي لذلك لأنه ماثل فخاطر الإنسان أبداً يتأسى به ويعظ ويأمر ويزجر وفيه ثلاث خلال: إيجاز المعنى، وإصابة المعنى وحسن التشبيه.
ويبسط الكلام من خلال كلام العلماء عن المثل بكونه عبارة عن قول في شيء
ص: 29
يشبه قولاً في شيء آخر بينهما تشابه، ليبين أحدهما الآخر ويصوره، نجد قولهم (الصيف ضيعت اللبن)(1) فان هذا القول يشبه قولك: (أهملت وقت الامكان أمرك)(2) ويبالغ ابن قيم الجوزيه (ت 751 ه) في إفراد خاصية العقل للأمثال يذكر بأن (الأمثال شواهد المعنى المراد وهي خاصية العقل ولبه وثمرته)(3).
أما عند القلقشندي (ت 821 ه) فيكاد يكون طريفاً غريباً فهو يشبه الأمثال بأنها كالرموز والإشارة التي يلوح بها على المعاني تلويحاً، لها مقدمات وأسباب تختص ألفاظها بالاختصار وبالإيجاز(4).
يقسم المثل بصورة عامة على ثلاثة أقسام.
هو كلمة موجزة قيلت في مناسبة ما، ثم تناقلتها الألسن جيلاً اثر جيل(5) وهو المقصود بما تقدم تعريفه وهو ما انبثق عن تجربة شعبية بلا تكلف أو تصنع بحيث
ص: 30
يمليه الواقع في الحياة، فيستعمله كل من يمر بنفس التجربة تعبيراً عن موقفه في مناسبة معينة، أو إبراز لفكرة أو شعور، ولا يقتصر ضرب المثل السائر على التجربة الشعبية بل قد يأتي به أهل العلم والمعرفة كما في قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
(إن من البيان لسحراً) أو كما في قول أحدهم (رب أخ لم تلده لك أمك)(1).
وخلاصة القول موجزاً بأن المثل السائر يكون إما شعبياً (عامي) لا يعمل به بقواعد اللغة وإما كتابياً صادراً عن ذوي الثقافة العالية كما سلفت الإشارة إليه، ولشهرة هذا النوع من الأمثال وردت فيه بعض العناوين لمؤلفين في آداب اللغة العربية تحمل اسم (المثل السائر)(2).
هو سرد وصفي أو قصصي أو صورة بيانية لتوضيح فكرة معينة عن طريق التشبيه والتمثيل، ويسميه البلاغيون التمثيل المركب(3)، أو التشبيه المتعدد(4).
ويكون هذا النوع من أجل تشبيه شيء بشيء آخر لتقريب المعقول في المحسوس، أو أحد المحسوسين من الآخر، أو قد يكون من أجل التأديب والتهذيب، أو للتوضيح والتصوير بحيث يكون فيه إطناب، ويجمع ما بين عمق الفكرة وجمال التصوير ومن
ص: 31
قبيل هذا ما قاله ابن حازم(1) في وصف النرجس، بمثل هذا التصوير الرائع:
ونرجسٍ ككؤوسِ التبرِ لائحةٌ *** لُهنَّ خالصُ العقبانِ أحداقُ وأكثر أمثلة القرآن الكريم والحديث النبوي من هذا النوع قال تعالى: «وَضَرَبَ الله مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخََوْفِ بِماَ كَانُوا يَصْنَعُونَ»(2).
ذكر الله هذه القرية في حالتين: إيمانها وكفرها وهو مثل يصلح لكل قرية قائمة ويقاس على كل مدينة يكون حالها حال القرية، فهي عندما كانت تأتمر بأمر الله تعالى كانت آمنة مطمئنة، يغدق سبحانه وتعالى عليهم كثيراً من رزقه الكريم، فلما تولت عن أوامر الله وكفرت بما أغناها به بالأمس من النعم أتاها عذاب الله وسخطه ونزل فيها الجوع والخوف والنقمة.
وهو المثل نفسه الذي ضربه الله تعالى في الكتاب العزيز للكافرين من أهل مكة لما بينّ قريتهم وتلك القرى من التشابه في الكفر والعناد.
وهو حكاية ذات مغزى تقال على لسان غير الإنسان وتهدف لغرض تعليمي أو
ص: 32
فكاهي(1) أو عظة وتحذير وما شابه، ولذلك يأتي على شكل قصص خيالية وفرضيات أو على شكل خرافات وأوهام، كما هو معلوم مثلاً في كتاب (كليلة ودمنة) لإبن المقفع، وغيره من المؤلفات التي استبدلت أشخاصها الآدميين بمخلوقات أخرى، ولكنها كانت تمثل بهذه المخلوقات للتدليل على ما يصدف الإنسان في حياته في قضايا وأحداث مهمة يعتقد أنها مؤثرة على وجوده، كما في قولهم على لسان الثور: (إنما أكلت يوم أكل الثور الأسود)(2).
والمثل الخرافي تنسب فيه الأحاسيس إلى الحيوانات ويراد غيرها، فهو رمز إلى شيء يراد به شيء آخر.(3)
تعد الأمثال في بعض خصائصها، من انواع الحكمة التي عرفها العرب في الجاهلية والإسلام ولأهميتها عُدت وسيلة من وسائل الإرشاد والتوعية وأداة تربوية للإعداد والتوجيه، وكثير من الأمثال اتخذت خصائص الحكمة في المضامين والاهداف، وخير شاهد قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) - وعليه الإجماع - (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى)(4).
ص: 33
وهذا الحديث أصبح كالمثل الذي يدل على التضامن والتكافل وعلى وحدة الشعور والهدف بين أعضاء الجماعة المؤمنة أو بين المجتمع المؤمن الواحد، وحتى بعض الأدعية جرت مجرى الأمثال لما فيها من حكمة بالغة ترتقي بالنفس الإنسانية إلى مقام الرفعة والكرامة والنعمة الربانية، فها هو الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) حيث يناجي ربه - عز وجل - قائلاً: اللهم اجعل نفسي أول كريمة تنتزعها من كرائمي، وأول وديعة ترتجعها من ودائع نعمك علي)(1).
وهذا الدعاء تعبير واضح عن نفسية المؤمن الصادق الذي أدرك قيمة خلقه وفضل الخالق تعالى عليه لما أكرمه به من نعم وكرامات، وإحداهما هذه النفس التي تضمها جوانحه والتي هي في الحقيقة وديعة لابد أن ترد إلى مولاها وبارئها.
ويقرب في هذا الدعاء لأمير المؤمنين (عليه السلام) ما قال لبيد:(2) وما المال والأهلون إلا ودائع *** ولابد يوماً أن ترد الودائع والأمثال السائرة على شكل الحكمة:- لا شرف كالعلم ولا ميراث كالأدب،
ص: 34
ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع(1).
وهكذا يكون الاختلاط كبير بين المثل والحكمة من حيث ان كثيراً في الحكم أصبحت لشهرتها أمثالا لكنها تختلف بعض الشيء في أمور فيها:- 1- أساسه التشبيه:- أي تشبيه مضربه بمورده بينما الحكمة عمادها إصابة المعنى، ولا يراعى فيها التشبيه وإذا شبهت أصبحت مثلاً(2).
2- الحكمة لا تصدر إلا عن العقلاء والحكماء والفضلاء بينما المثل يصدر من عامة الناس.
3 أسلوب المثل قصيرٌ موجزٌ وربما تكون الحكمة اطول نسبياً كما تبين لنا من تعريف المثل، والمثل أبلغ من الحكمة كما ورد في تعريف الفاربي وغيره كما أسلفت الإشارة إليه.
4- يرى البعض ان في المثل فهماً خاصاً لا تدركه الحكمة مع ان كليهما من جوامع الكلم إلا أن الحكمة تفيد معنى واحداً، بينما يفيد المثل معنيين: ظاهراً وباطناً، الظاهر ما يحمله من اشارة تاريخية إلى حادث معين، وأما الباطن فهو ما يفيد معناه من إرشاد وتصور وما إلى ذلك(3). لأن الغاية متقاربة بأهدافها، والمسافة بينهما ليست بذات بال (فالمثل يصبح لوناً من ألوان الحكمة حين يضفي عليه الحكيم تجريداً والحكمة تصبح مثلاً إذا تحقق لها شرط الذيوع والانتشار(4) علمًا
ص: 35
بأن كتب الأمثال القديمة على وجه الخصوص لم تفرق بينهما، ومن المؤكد ان المثل لا يصبح حكمة إلا إذا أضيف له مادة جديدة تخلع جوهره ولا يبقى هو نفسه أصلاً، أما الحكمة فقد تصبح مثلاً كما أسلفت إذا شاعت وانتشرت.
استعمل الذكر الحكيم لفظ المثل، والضرب في مواقع كثيرة، قال تعالى: «تِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»(1)، فاقتران الأمثال بلفظ الضرب دليل على أنه جمع (مثل) إلا أن المهم هو دراسة معنى (الضرب) فكثير ما يقارن لفظ المثل لفظ الضرب، يقول سبحانه وتعالى: «ضَرَبَ الله مَثَلاً»(2) وقال سبحانه وتعالى:
«وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِی هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ»(3).
ولقد اختلف العلماء في تفسير لفظ (الضرب) في هذا المقام على اتفاقهم في اللغة بأنه بمعنى إيقاع شيء على شيء(4).
ويتعدّى باليد أو بالعصى أو بغيرهما من آلات الضرب، قال تعالى:
«أَنْ اضْرِب بِعَصَاكَ الْحَجَرَ»(5)، وقد ذكروا للضرب وجوهاً:
ص: 36
الأول: إن الضرب في هذه الموارد بمعنى المثل، والمراد هو التمثيل، وهذا رأي ابن منظور (ت 711 ه) فمعنى «وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ»(1) أي مثل لهم مثلاً وهو حال أصحاب القرية(2)، وقال: «يَضْرِبُ الله الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ»(3) أي يمثل الله الحق والباطل(4).
والضرب والمثل مترادفان عند الفيروزآبادي (ت 817 ه) وأورد دليلاً على ذلك قولهم: (وتمثل بالشيء ضربه مثلاً)(5).
الثاني: أن الضرب بمعنى الوصف والبيان، وقد حكي عن مقاتل بن سليمان(6) وفسر به قوله سبحانه وتعالى: «ضَرَبَ الله مَثَلاً عَبْدًا مْمَلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلىَ شَیْءٍ»(7) واستشهد بقول الكميت(8):
ص: 37
وذلكَ ضربُ أخماسٍ أريدت *** لأ سداسٍ عسى ألا تكونا(1) الثالث: أن الضرب بمعنى الإعتماد والتثبيت وهو الوجه الذي اتخذه الطوسي(2) (ت 460 ه) والزمخشري(3) (538 ه) فقد فسروا به قوله سبحانه وتعالى: «يا أَيَهُّا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ»(4).
الرابع: إن الضرب في المقام من باب الضرب في الأرض وقطع المسير، وضرب المثل عبارة عن جعله سائراً في البلاد كقولك: ضرب في الأرض إذا صار فيها، سمي الضارب مضارباً(5) ويقولون: الأمثال، يعنون بذلك أنها تضرب على ما جاءت عن العرب ولا تغير صيغتها، فنقول للرجل: (الصيف ضيعت اللبن) فتكسر التاء لأنها حكاية.
الخامس: الضرب بمعنى الذكر، وقد أورده كل من ابن منظور
ص: 38
(ت 711 ه)(1) والآلوسي (ت 1270 ه)(2)، فقوله تعالى: «وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ.....»)(3) معناه: اذكر لهم مثلاً فضرب الأمثال بهذا المعنى.
هذا بعض من آراء العلماء اللغويين والمفسرين والبلاغيين الذين فاقوا في وصفهم لضرب المثل غيرهم لأنهم أعطوه وصفاً أكثر عمقاً وأصالة في تفسير مفهوم اللفظ كما اتضح من كلام أبي هلال العسكري المشار إليه والذي يحصر معنى الضرب بالسيرورة، وهذا الحصر يذكرنا بوصف لغوي أصيل لمعنى الضرب (وهو الإسراع في السير)(4)، وفي الضرب في الأرض (وهو المسير فيها).
الأمثال في حياة الشعوب لها بعدان: بعد ساكن وبعد متحرك، وكلاهما مرتبط بالآخر فبالنسبة إلى البعد الأول، تبدو الأمثال مرآة الشعوب التي ترتسم فيها تجاربها وجزء عظيم من حضارتها وأهميتها تظهر بعدم تغيرها بتغير الزمان، فهي تحافظ على نقائها إلا نادراً، تنتقل عبر العصور بحيوية حاملة معها أريج وشم كل عصر معبرة عنه بصدق، ناقلة آثارها إلى سواه من دون تزييف أو تصنع، أما بعدها الثاني يمثل قطباً فاعلاً في حياة الناس، وفي كثير من المجتمعات على مدى الحقب التاريخية تصادر الأمثال دون الإيديولوجية وتدخل في عمق ال (أنا) للفرد والجماعة فتفعل فيهما فعلها البليغ وتوجهها كما تشاء، لذا نرى مصادق أبي عبيد بن سلام (ت 223 ه) صائباً
ص: 39
حين يقول(1): إن الأمثال حكمة العرب في الجاهلية والإسلام وبها كانت تعارض كلامها، فتبلغ بها ما حاولت من حاجاتها في المنطق بكتابة غير تصريح، فتجتمع بذلك ثلاث خلال: إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى وحسن التشبيه وفي هذا التعريف يمكن استخلاص علة نشوئها ويمكن تصنيفها على النحو الآتي:- 1) الأمثال الناجمة عن حادث ما:- تقال بعد انتهاء وقوع الحادث فتكون مثلاً للغير صالحاً أم طالحاً، مثل (وافق شن طبقة)(2)، والمثل أشهر من العلم عند العامة والخاصة وتكاد تكون أكثر أنواع الأمثال من هذا النوع.
2) الأمثال الناجمة عن تشبيه:- وهي التي تستقي مادتها من اتخاذ شخص ما، أو حدث معين مثلاً يحتذى به، مثال (أجود من حاتم)(3)، (أشأم من غراب البين)(4).
3) الأمثال الناشئة من حكمة:- كالقول المنسوب لأكثم بن صيفي(5):
ص: 40
4) (رب قول أشد من صول)(1).
الأمثال الشعرية:- كقول دريد بن الصمة(2) يا لكِ من قُبَّرةٍ بمَعمري *** خَلا لَكِ الجوُ فبيضي واسفري 5) أمثال القرآن الكريم:- وهي كما سبقت الإشارة إليه من نوع المثل القياسي الذي يسميه البلاغيون التمثيل المركب والتشبيه المتعدد.
6) أمثال الحديث النبوي الشريف:- كقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): إن من البيان لسحرا.
ومن هذا التقسيم يتبين جلياً بأن الأمثال وليدة البيئة، تابعة من صميم الحياة الإنسانية والتجارب العملية وشكلت الإختبارات الطويلة فيها من العلاقات والتجارب بين الأمم الإنسانية ما حملت بين طياتها معاني الحكمة وطبيعتها فظهرت
ص: 41
عند الناس وخرجت على كل لسان، فلا يمكن أن يقال أنها من مخترعات الأمة الفلانية دون أخرى، ومن مبتكرات العقل الفلاني من دون غيره، لأنها خواطر إنسانية، تخطر على بال كل شخص له رأي سديد وفكر صائب، وإن نسبت إلى شخص معين، لذلك يصعب علينا ارجاع الأمثال الإنسانية العامة إلى جماعة معينة، لذا نرى كثيراً من الأمثال هي نفسها في البلد الفلاني تنسب عندهم إلى حكيم رغم أنها تنسب في بلد آخر إلى حكيم ثان.
وهذا الوصف مصداق لما تقدم (وقد كان الرجل من العرب يقف الموقف فيرسل عدة أمثلة سائرة، ولم يكن الناس جميعاً ليتمثلوا بها إلا لما فيها من المرفق والإنتفاع ومدار العلم على الشاهد والمثل)(1)، لذلك تكون الأهمية متحركة أو ذات حركة إذا تركت الصمت لأن الصمت عندهم (طول الصمت حبسة) كما قال بكر بن عبد الله المزني(2).
والحركة عند العرب من مقومات الحياة لذا قال عمر بن الخطاب:- (ترك الحركة عقلة)3، واذا ترك الإنسان القول ماتت خواطره وفقد حسه، لذا يكون ضرب المثل عند الأمم مرآة تعكس حضارتها، ومن هنا تنبع أهميتها في الحياة اليومية، لذا ضربت العرب الأمثال بكل ما وجدوه حولهم من حيوان ومن نبات وجماد، فنجد
ص: 42
على أمثالهم طابع محيطهم، فالحيوان الذي ضربوا به المثل هو حيوان جزيرة العرب ومن النوع المألوف عندهم مثل الضب والحية والإبل إلى ما ذلك، ومن هنا اختلفت أمثال أعراب أهل البادية عن أمثال الحضر أهل المدر لإختلاف طبيعة البادية عن طبيعة الريف(1).
وهكذا بقيت بعض الأمثال حية يتناقلها الناس في مجالسهم لكونها أمثالاً تكاد تنطبق على كل البشر لأنها صادرة من نفس بشرية واحدة والإنسان هو الإنسان أينما وجد، لذلك نجد للأمثال شبيهاً عند الأمم الأخرى، فلا نستطيع أن نقول أن هذه الأمة أخذتها من تلك(2).
وهذا دليل قوي بأن بعض حكم اليونان نراها كما هي عند عظماء العرب، ولكن لا دليل على أنهم اقتبسوها من لدن اليونان أو أي من الأمم الأخرى، بل صنعتها النفس البشرية العظيمة الموجودة عند العرب كما صاغتها النفس عند عظماء اليونان وغيرهم.
وقد أشار عبد الرحمن بدوي بدقة في تحقيقه لكتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم لأبي الوفاء المبشر بن فاتك(3)، إلى أنك تجد فيه حكماً وأمثالًا لعظماء اليونان قالتها العرب وكأنها مأخوذة من مصدرها اليوناني، فلا غرابة في ذلك كما أسلفنا بالإشارة عنه.
ص: 43
وتنبع أهمية الأمثال من خلال دراسة طبيعة المجتمع كشكل من أشكال التعبير تنعكس عليها عادات الشعوب وتقاليدها وسلوكها واخلاقها، فهي معين لمن يريد دراسة المجتمعات أو اللغات أو اللهجات أو العادات الشعبية عند أمة من الأمم.
وإن الأمثال في واقع الأمة هي محاولة فكرية لتجريد الواقع المطلق لإظهار المضمون خلال مقولة محددة، فهي تحمل في دلالاتها فلسفة المجتمع وحكمة الأجيال الماضية التي تتناقل مع الأجيال على مرّ العصور ولتجريد الشكل والحفاظ على المضمون، هو الغاية في ضرب المثل.
وهذا التناقل أعطى الأمثال في كل مجتمع حيويتها واستمرارها بل ساعد بشكل مباشر على انتقالها من لهجة إلى أخرى، بل ومن لغة إلى أخرى، رغم أن اسلوب وصياغة المثل يختلف من منطقة إلى أخرى لكن يظل المضمون بدلالته وغايته واضحاً يبينه المثل، لذا كان المثل عند أبي عبيدة (ت 224 ه) حكمة العرب في الجاهلية والإسلام وبها كانت تعارض كلامها كما تقدم، فهي نتائج تجارب سابقة مع تجارب لاحقة، فهي أصل ومنبع قديم لذا قرر العرب الأصل في كل شيء ومن أعلى أشيائهم النسب فقد قالوا في المثل: (من ضيع أصله قال إني من تميم).
قال الشاعر:- يعدُّ الناسبون إلى تميمٍ *** بيوت المجد أربعة كبارا(1) ولهذا المثل دلالة كبيرة على أن قبيلة بني تميم قبيلة عظيمة وهي من العدنانيين، وهكذا تبين اهتمام العرب بأمثالهم وتدوينها قبل غيرها.
ص: 44
فهي أقدم فنون الأدب العربي على الإطلاق، وبقي هذا النوع من الأدب حياً بروحه إلى عصرنا الحاضر ولم يتغير إلا من الناحية الشكلية تبعاً لتغير الأزمنة والأمكنة، وللإهتمام الكبير بالمثل عند العرب كان من ورائه أسباب وأهداف جعلت له تلك المكانة في أدبهم، حتى صار المثل المضروب لديهم لأمر من الأمور كالعلامة التي يعرف بها الشيء وليس من كلام العرب أوجز منه ولا أشد اختصاراً منه في تقريب الفكرة إلى الذهن، بما يمكن من استيعابها بأقصر الأداء وأوضح البيان، ولذلك كان للأمثال ذلك الشأن المهم في ثقافاتهم من أجل ابراز المعاني أو كشف الحقائق التي يريدونها (بحيث تجعل المتخيل يرى وكأنه في صورة المحقق والغائب وكأنه مشاهد والمتوهم في معرض المتيقن)(1).
وأفضل الأمثال عندهم الأمثال السائرة الموجزة وأحكمه أصدقه وقولهم: مثل شرود، وشارد، أي سائر لا يرد كالجمل الصعب الشارد، الذي لا يكاد يعرض له ولا يرد، (وقد تأتي الأمثال محكمة إذا تولاها الفصحاء من الناس، وإذا جاءت في الشعر سهل حفظها)(2).
ولأهمية المثل عند العرب اعتماد القرآن الكريم على اسلوبها في آيات شتى(3).
والأمثال مادة غنية في الأدب العربي في جاهليته واسلامه ضربت للناس للتفكير والتعقل وهي تدل على ما لها من أهمية تعليمية في العقل العربي.
ص: 45
وقيل في هذا الباب في الأمثال السائرة (إعلم أن الأمثال من أشرف ما وصل به اللبيب خطابه وحلي بجواهره كتابه وقد نطق الله تعالى وهو أشرف الكتب المنزلة بكثير منها ولم يخل مكان سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عنها وهو أفصح العرب لساناً وأكملهم بياناً فكم في إيراده وإصداره من مثل يعجز عن مباراته في البلاغة(1).
وقد أشار العلماء بها بما للأمثال من أهمية في الحث على إصلاح النفس، فقال بعضهم (إنما ضرب الله الأمثال في القرآن الكريم تذكيراً ووعظاً)(2).
وقال آخر (ضرب الأمثال في القرآن الكريم يستفاد منه في أمور كثيرة، التذكير، والوعظ، والحث، والزهد، والإعتبار...)(3).
ولأهمية المثل عند العرب أجازوا لضارب المثل الخروج فيه عن قواعد اللغة، كما أجازوا ذلك للشاعر بدعوى ضرورات الشعر ليستقيم الشعر مع القوافي والأوزان.
قال المرزوقي(4): من شرط المثل ألّا يغير عما يقع في الأصل عليه، ألا ترى أن
ص: 46
قولهم (أعط القوس باريها) تسكن ياؤه، وإن كان التحريك الأصل لوقوع المثل في الأصل على ذلك، وكذلك قولهم (الصيف ضيعت اللبن)، لما وقع في الأصل للمؤنث لم يغيره ما بعده وإن ضرب للمذكر(1).
وقوله الآخر في شرح الفصيح: المثل جملة من القول مقنعة من أصلها أو مرسلة بذاتها فتتسم بالقبول، ويشتهر بالتداول فتنتقل عما وردت فيه إلى كل ما يصح قصده بها من غير تغيير يلحقها في لفظها)(2).
والأمثال لا تغير بل تجري كما جاءت، فهم يقبلون اللحن في المثل لأن العرب تجري الأمثال على ما جاءت ولا تستعمل فيها الإعراب(3).
ولأهمية المثل عند العرب لا نستغرب إذا وجدنا كتب الأمثال في صدر الكتب التي ظهرت في الإسلام.
ويقال أنها ظهرت في عهد معاوية بن أبي سفيان وبأمره لاتصاله بعبيد بن شربة، لكون معاوية كان مولعاً بسماع الأخبار والقصص والأمثال(4).
ولكن العرب في جاهليتهم اهتموا كثيراً في تدوين المثل وهناك روايات تدل بأن
ص: 47
اللخميين أصحاب الحيرة هم الذين أوصلوا ذلك عن طريق أمرائهم(1).
وكثرة النصوص القديمة تؤكد هذه الأخبار بمحاولة عرب الجاهلية جمع الحكم والأمثال مما قاله حكماء العرب ومما وصل إلى العرب عن طريق التمازج والأشعار وأصحاب الكتاب وقد جاء ذكر مثل هذه المجموعات الجاهلية في أخبار كثيرة، قال: عامر بن الضرب(2) حكيم العرب للملك الغساني حين خافه على نفسه وأراد أن ينجو منه: (إن لي كنز علم، وإن الذي أعجبك في علمي إنما هو في ذلك الكنز احتذي عليه، وقد خلفته خلفي فإن صار في أيدي قومي علم كلهم مثل علمي فأذن لي أرجع إلى بلادي فأتيك به)(3).
وأورد الميداني وصية طويلة لأكثم بن صيفي التميمي كتب بها إلى قبيلة طيء تتضمن خمسة وثلاثين مثلاً هي في حقيقتها تتراوح بين الأقوال الحكمية والأمثال، ولعل لكتابة هذه الوصية ظروفاً خاصة أملت كتابتها كأن يكون ثمّة خلاف محتدم بين القبائل(4) ويذكر زلهايم(5) معتمداً على المستشرق بلاشير هذا القول نفسه وفي رواية أبي
ص: 48
عبيد يذكر البيت التالي لبشر بن حازم(1):
وجدنا في كتابِ بني تميمٍ *** أحقُّ الخيلِ بالركضِ المُعارُ ومما يؤيد التدوين للأمثال والحكم أيضاً في عصر الجاهلية إلى عهد الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) والصحابة أن عمران بن حصين قال سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول:
(الحياء لا يأتي إلا بخير) فقال بشر بن كعب:- وكان يقرأ الكتب: إن في الحكمة منه ضعفاً، فغضب عمران بن حصين وقال: أحدثك بما سمعت من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتحدثني من صحفك الخبيثة(2).
ص: 49
ص: 50
- المبحث الأول - منحى تاريخي لكتاب نهج البلاغة وأنواع الكلام فيه - المبحث الثاني - أنواع المثل في نهج البلاغة
ص: 51
ص: 52
جاءت تسمية كتاب (نهج البلاغة) من لدن جامعه الشريف الرضي(1) (ت 406 ه)، وأودع فيه ما اختاره من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد أتم جمعه في رجب سنة أربعمائة للهجرة كما نص هو على ذلك(2)، قال رحمه الله (ورأيت من بعد، تسمية هذا الكتاب ب (نهج البلاغة) إذ كان يفتح للناظر فيه أبوابها، ويقرب عليه طلابها، فيه حاجة العالم والمتعلم وبغية البليغ والزاهد....
وقد ضم الكتاب (237) كلاماً وخطبة تقريباً و (79) بين كتاب ووصية وعهد،
ص: 53
و (480) من الكلمات القصار.
ولو أن الشريف الرضي رحمه الله ذكر كل ما ورد عن علي (عليه السلام) لجاء بأضعاف كتابه، ولكنه كان يلتقط الفصول التي هي في الطبقة العليا من الفصاحة من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) ويذكرها ويتخطى ما قبلها وما بعدها.(1) وليس أدل على ذوق الرضي وحسن اختياره ما تركه من تراث شعري يمتاز بتأليف المعاني وانسيابية الألفاظ، وعلى صعيد الفكر يرتقي كتابه (تلخيص البيان في مجازات القرآن) وله في البيان والبلاغة الشيء الكثير، فالنهج بمعنى الطريق يلمح إلى الخاصة التاريخية للمفردة العربية وجذورها العميقة في الكشف عن المداليل الى البلاغة كممارسة في اللسان العربي.
ونظراً لأهمية كتاب النهج في عالمي الدين والأدب فقد تناوله أعلام الفكر بالشرح والتحليل.
ولكن أشهر شراحه من القدماء ابن أبي الحديد (ت 656 ه) وكمال الدين ميثم البحراني (ت 690 ه) ومن أشهر شراحه من المحدثين الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية وصبحي الصالح وقد أحصی السيد عبد الزهرة الحسيني، شراح الكتاب ومن كتب في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) قبل صاحب النهج - أي قبل تأليف الشريف لكتابه في المجلد الأول من مصادره(2).
ص: 54
وقد شكك بعض المهتمين بالأدب(1) بأن كتاب نهج البلاغة من وضع الشريف الرضي (رحمه الله) وليس من كلام الإمام علي (عليه السلام) واعتمدوا فيما زعموا على عدة أمور:- 1) في الكتاب بعض العبارات التي تعرض لبعض الصحابة وهذا لا يمكن صدوره من الإمام (عليه السلام).
2) فيه ألفاظ فلسفية(2) اصطلاحية، وفيه استعمال الطريقة العددية في شرح المسائل.
3) فيه من السجع والتنميق اللفظي وآثار الصنعة مما لم يعرف قبل أواخر العصر الأموي.
4) في بعض عباراته ما يوحي بأن صاحبه كأنه يعلم الغيب، وهذا لا يتناسب مع ما عرف عن الإمام (عليه السلام) من رزانة مميزة وتفكير عميق.
5) دقة الوصف كما في الخطب المعنية بوصف الخفاش والطاووس والنحلة والجرادة)(3) 6) الإكثار من كلمات الزهد وذكر الموت.
7) طول بعض الخطب الواردة في النهج كما في الخطبة المسماة (القاصمة) والأخرى المسماة ب (الأشباح) وكذلك طول بعض الكتب ك (العهد) المكتوب لمالك
ص: 55
الأشتر(1).
هذه الشبهات من عشر شبهات تصب في مزاعم القوم الذين يرون بأن الشريف الرضي هو واضع بعضه أو كله لكتاب نهج البلاغة، وقد عز على بعض المعنيين أن يكون نهج البلاغة أنموذجاً من كلام علي (عليه السلام) وصورة مصغرة من منهجه العام في الدين والسياسة والإدارة العامة للدولة، مما أراد تطبيقه عندما آلت الخلافة إليه فتوجهوا بسهام الشك نحوه زاعمين (أنه ليس من كلام علي وإنما الذي جمعه ونسبه إليه هو الذي وضعه)(2).
وجاء المتأخرون فسار بعضهم على ما سار عليه ابن خلكان (ت 681 ه) ومن تابعه، فردُّوا تلك الشبهات وكرروا ما تقدم بدون دراسة وتحقيق وكان من جملتهم جرجي زيدان بقوله(3) وإن كنّا نرى كثيرا من تلك الخطب ليست لعلي (عليه السلام) بدليل اختلاف الأسلوب ومخالفة ما فيها من معاني لعصره.
وأول المتصدين لتفنيد هذه الشبهات أديب عصره عز الدين بن أبي الحديد شارح النهج قائلاً(4): (ان كثيراً من نهج البلاغة كلام محدث، صنعه قوم من خصماء الشيعة، وربما عزوا بعضه إلى الرضي أبي الحسن وغيره وهؤلاء قوم أعمت العصبية
ص: 56
أعينهم فضلّوا عن النهج الواضح ...... إلى قوله: لا يخلو إما أن يكون كل نهج البلاغة مصنوعاً منحولاً، أو بعضه.
والأول باطل بالضرورة لأننا نعلم بالتواتر صحة اسناد بعضه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد نقل المحدثون كلهم أو جلهم والمؤرخون كثيراً منه وليسوا من الشيعة لينتسبوا إلى غرض في ذلك)(1).
والثاني يدل على ما قلناه، لأن من قد أنس بالكلام والخطابة، وشدا طرفا من علم البيان وصار له ذوق في هذا الباب لابد أن يفرق بين الكلام الركيك والنصيح وبين الفصيح والأفصح وبين الأصيل والمولد(2).
ألا ترى أن مع معرفتنا بالشعر ونقده لو تصفحنا ديوان أبي تمام فوجدناه قد كتب أثناءه قصائد أو قصيدة لغيره لعرفنا بالذوق مباينتها لشعر أبي تمام ونفسه وطريقته ومذهبه في القريض..... وأنت إذا تأملت نهج البلاغة وجدته كله ماءاً واحداً ونفساً واحداً وأسلوباً واحداً كالجسم البسيط الذي ليس بعض من أبعاضه فخالف لباقي الأبعاض في الماهية، وكالقرآن العزيز أوله كأوسطه وأوسطه كآخره(3).
ومن الذين فنّدوا ادعاء القدماء والمحدثين من الكتاب زكي مبارك معلقاً(4): على شكوك المسيو ديموميين (أما نحن فنتحفظ في هذه المسألة كل التحفظ لأن الجاحظ يحدثنا أن خطب علي وعمر وعثمان كانت محفوظة في مجموعات، ومعنى هذا أن
ص: 57
خطب الإمام علي كانت معروفة قبل الشريف الرضي، وقد ذكر الشريف الرضي مصادره وإليك بعضاً منها(1):
1) البيان والتبيين للجاحظ ج 2 / 76 2) تاريخ الطبري ج 3 / 243 3) كتاب المقتضب والكامل في اللغة للمبرد 4) المقامات لأبي جعفر الإسكافي ج 3 / 122 5) الجمل للواقدي ج 3 / 149 وغيرها.
وللعودة إلى المصادر المذكورة وغيرها نجد صحة ما بيّنه الشريف الرضي في كتاب نهج البلاغة، فعلى من ارتكز ابن خلكان بقوله (وقد اختلف الناس في كتاب نهج البلاغة المجموع من كلام الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) هل جمعه المرتضى(2) أم جمع أخيه الرضي، وقد قيل: أنه ليس من كلام علي)(3).
ونحن مع ما علق به على هذه العبارة عبد الزهراء الحسيني بقوله: نراه يذكر الاختلاف بين الناس في (نهج البلاغة) هل هو - أي المرتضى - جمعه؟ أم جمع أخيه الرضي؟ وليته دلنا على واحدٍ من أولئك الناس..... ثم يضيف واثقاً من كلامه،
ص: 58
وليتك - أخي القارئ - تعثر لنا على واحدٍ من أولئك الناس في الكتب المؤلفة قبل (وفيات ابن خلكان)(1).
وأقول: عن ما قاله جرجي زيدان عن أشياخه المستشرقين بأنه يرى كثيراً من تلك الخطب ليست لعلي بدليل اختلاف الأسلوب ومخالفة ما فيها من معاني، فأي اسلوب اختلف في خطب الإمام التي وصفها ابن أبي الحديد كأنها جسم واحد لا تبعيض فيه، وهل قول زيدان ومن تابعه دليل قاطع على عدم النسبة، فكم من فقيه ومحدث ومؤرخ ومفسر أسلوبه يتغير، فمتى ما تغير يكون ما كتبه ليس له.
وقد قامت العلماء بالرد على الشبهات بالدليل والبرهان الساطع بأن (نهج البلاغة) كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) جمعه السيد الرضي وكان في طليعة من تصدى لتفنيد الشبهات أديب عصره ابن أبي الحديد كما سلفت الإشارة إليه في القديم كما أحسن الدفاع عنها في تاريخنا المعاصر الشيخ محمد محي الدين عبد الحميد(2) وزكي مبارك(3) وفيه يقول الشيخ محمد عبده(4): وليس في أهل هذه اللغة إلا قائل بأن كلام الإمام علي بن أبي طالب هو أشرف الكلام وأبلغه بعد كلام الله تعالى وكلام نبيه وأغزره مادة وأرفعه أسلوباً وأجمعه لجلائل المعاني).
وردّ الشبهات والمزاعم الواردة في الأولين والمتأخرين عبد الزهراء الحسيني بكتابه الموسوم (مصادر نهج البلاغة وأسانيده) وقد خصه بمصادر النهج، ورد الشبهات
ص: 59
كما أسلفنا بالإشارة إليه.
وأكتفي بهذا السرد الموجز عن كتاب (نهج البلاغة) وبعد ما ذكرت الإضطراب في الأقوال بين معارض ومؤيد بأن نهج البلاغة كلام أمير المؤمنين وسيد الوصيين أقول ما قاله سليمان كتاني(1): (ونهج البلاغة) سواء كان صقل حروفه على يد علي بن أبي طالب أم كان على يد مقحم فنان فإنه يبقى دائماً تعبيراً عميق البلاغة عن نفسية رجل واحد سمي (علي بن أبي طالب).
ولأنني لست بصدد إثبات نسبة ما في الكتاب للإمام علي (عليه السلام) بل أني أقوم في دراسة ما جاء في طيات النهج من أمثال عربية قالها أمير المؤمنين في خطبه ووصاياه ورسائله وربطها بمدلولاتها التاريخية مع ذكر المناسبة التي ضرب فيها المثل حين ذاك.
يعد كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) ثروة حضارية تفرد له مكانة سامية في عالم الآداب العربية والإسلامية خاصة والإنسانية عامة، كما أنه يشتمل على ثروة معنوية قائمة على المتعة الأدبية والجمال الفني مع قوة البيان، ولكي نقف على بعض من هذا الفضاء الرحب نستعرض أنواع كلامه (عليه السلام) من حكم ورسائل وخطب ومواعظ:
ص: 60
وهي من جوامع الكلم تختص بميزات أظهرها أنها تخفق بالحياة وتنعم بذوق التجربة، فهي لم تنقطع يوماً عن شخصية صاحبها لذا نراها تمثل تجربة وقعت له (عليه السلام) أو حادثة اتصلت به، وإلى ذلك مرد استمرارها وديمومتها وهي إلى جانب هذا فلسفة أخلاقية تستند إلى الفضيلة وتغرسها في نفوس الناس وتكافح كل ماهو باطل لتستأصله من الوجود في كل مجالات الفكر الإنساني.
وحكم الإمام علي (عليه السلام) تعتمد من حيث الأساس الحكمي على وحدة الوسائل والغايات، فهي بطبيعتها تمقت الإنتهازية بشتى صورها وبكل مجالاتها، فهي معالجة جذرية للأمور مبنيّة على نظر فلسفي عميق، فالإمام يرفض العادات الجاهلية بكل صورها المرتكزة على المبالغة في الثأر والشجاعة الطائشة والمباهاة بالظلم ويدعو إلى أخلاق جديدة سامية متمثلة بأخلاق الإسلام، من مسالمة واعتدال وحزم وعفو ومحبة ورعاية، لذا أصبحت بعض من حكمه (عليه السلام) أمثالاً سائرة بين الناس لشهرتها بين الألسن، ففي القصار من كلامه قد ألف فيها الكثير من الكتب على سبيل المثال لا الحصر، ذكر ابن النديم (ت 380 ه) أمثال الجاحظ(1) وهي المعروفة ب (امثال سيدنا علي)(2)، والقصار من كلامه يغني عن الكثير لخروج جملها قوية بصورها وتشبيهاتها، معتمدة حيناً على الإزدواج والموازنة وحيناً على السجع كما في قوله (عليه السلام) (من لان عوده كثرت أغصانه)(3)، ومن (أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه)(4)
ص: 61
و (من أطال الأمل أساء العمل) وأما ألفاظ الإمام علي (عليه السلام) فهي ذات وقع وصرير شديدة التأثير قوية الدلالة على المعنى المراد، تتصف بالجزالة وسهولة النطق وجمال الواقع وله قدرة قوية على الإيحاء بجو عاطفي يلائم مضمونها، أما تراه يقول (عاتب أخاك بالإحسان إليه، واردد شره بالإنعام عليه)(1).
والقسم الثاني في كتاب نهج البلاغة رسائله وعهوده إلى ولاته التي نجد فيها الإمام علياً (عليه السلام) رجل السياسة والإدارة بعد رسول الإنسانية محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) معبراً فيها عن نصائح وتوجيهات واحتجاجات وتحريضات أحياناً أخر، فهو يرسم الخطوط العامة للسياسة الإدارية والقضائية في عهده إلى مالك الأشتر(2) واليه على مصر ضمّنه أصول الحكم السياسية والحربية والإدارية(3).
وهذا العهد لأهميته الكبيرة قام بشرحه الكثير من الباحثين القدماء والمتأخرين فقد ذكر أغا بزرك الطهراني(4) عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى مالك الأشتر
ص: 62
لأبي القاسم الأصبغ بن نباتة المجاشمي الحنظلي من خواص أمير المؤمنين (عليه السلام) المتوفى بعد المائة وعدّه النجاشي في رجال الطبقة الأولى.
وقد قال عنه ابن أبي الحديد (الأليق أن يكون الكتاب الذي كان معاوية ينظر فيه ويعجب منه ويفتي به ويقضي بقضاياه وأحكامه هو عهد الإمام علي (عليه السلام) إلى الأشتر فإنه نسيج وحدة، ومنه تعلم الناس الآداب والقضايا والأحكام والسياسة، وهذا العهد صار لمعاوية لما سمّ الأشتر.
وعهد مالك كعهد محمد بن أبي بكر الذي ولاه الإمام علي (عليه السلام) مصر وكان عنده عهد من الإمام ينظر فيه ويتأدب بأدبه، فلما ظهر عليه عمرو بن العاص وقتله أخذ كتبه أجمع فبعث بها إلى معاوية، فكان ينظر في هذا الكتاب ويعجب منه(1).
ولم تزل هذه الكتب في خزائن بني أمية حتى ولي الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز الذي أظهرها إلى الناس بأنها أحاديث علي بن أبي طالب (عليه السلام)(2).
ويصفه من المحدثين جورج جرداق قائلاً(3): بأنه دستور الإمام في الولاية:- (وهكذا أتيحت الفرصة لأن يطلع القراء على فصل من أروع ما أنتجه العقل والقلب من ربط الناس بالعلاقات الإجتماعية والإنسانية الخيرة في كتاب علي إلى الأشتر.
ص: 63
أما القسم الثالث فكان قسم الخطب والمواعظ وهي بمجموعها تشمل العديد من الجوانب الأخلاقية والإجتماعية والسياسية والأدبية، وأخذت تأثيرها في موقع الإمام علي (عليه السلام) السياسي ومن المعلوم لنا ما آلت إليه الأمور زمن خلافته وما كان فيها من أحداث جسام نرى في خطبه انعكاساً لذلك الواقع، فنراه حيناً يعظ ويبشر وحيناً ينصح وحيناً يحض ويحرض دون أن يتخلى عن نزعته الدينية والإنسانية التي فطر عليها وعمقها بعد أن انتهل من معين الرسالة على يد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في كل حال واجهه (عليه السلام)، وقد أخذت الخطب السياسية وجهاً مؤثراً في الأحوال الدينية ولا بد من ذلك لأن علياً (عليه السلام) إمام وقائد مثلما الإسلام دينٌ ودولة، فنراه يعظ بروح التقوى والدعوة لمناصرة الحق على الباطل والدين على الدنيا دون أن يتخلى عن القتال إذا وجب، ومن روائع قوله في مستهل خطبة الجهاد:- (أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه وهو لباس التقوى ودرع الله الحصينة)(1).
هذا القسم خاص في إظهار عظمة الله سبحانه وتعالى وحكمته في خلقه، فكثيراً ما كان الإمام (عليه السلام) يتأمل ويحلق قلبه في أجواء من التأمل في الله سبحانه وتعالى وفي هذا الكون العجيب فيخط أروع الكلمات من حمد وشكر وتعظيم في تركيبة الجمل النابضة بالإيمان الصادق واليقين الراسخ المطلق وهو القائل: وهو
ص: 64
الأول ولم يزل والباقي بلا أجل، خرت له الجباه ووحدته الشفاه، لايخفى عليه من عباده شخوص لحظ، ولا كرور لفظة.
لذا جاء وصفه لمخلوقات الله سبحانه وتعالى دقيقاً مميزاً بنفس شاعرية رقيقة كما في وصفه للنحلة والطاووس والخفاش التي صارت عليها الشبهات من لدن النفوس الضعيفة، فكبرت بعقولهم المريضة أن يكون كل هذا التراث لعلي (عليه السلام).
وبعد هذا كله وما ذكرناه كان في كل المكونات الأربعة للكلام في نهج البلاغة ثمة توظيف للمثل في النص ولا سيما في الخطب لما يضيفه من رونق فني وبنائي في تكوين السبل السالكة إلى ذهن المتلقي لتكون أجدر في توفير ميزة الإقناع.
ص: 65
استخدم المثل في كتاب نهج البلاغة على ثلاثة أنواع:
اعتمد الإمام علي (عليه السلام) في بعض خطبه ومواعظه على الأمثال القديمة لما لها من روعة فنية تعبيرية لها غطاؤها الخاص فهي بمثابة نثر فني له خاصية الإيجاز البليغ كما أسلفت الإشارة إليه في التعاريف المختصة (بالمثل) ولعل العرب بلغتهم الحية امتازوا بخاصية الإيجاز البليغ، والأمثال خير شاهد على هذا التمييز، فهي عندهم أوجز الكلام بحكم أصالتها وحركتها فهي (كالرموز والإشارة التي يلوح بها على المعاني تلويحاً، صارت أوجز الكلام وأكثره اختصاراً)(1).
أما بلاغة المثل فيكون اللفظ مقتضباً والحذف محتملاً والصورة محفوظة، والمرمى لطيفاً والتلويح كافياً والإشارة مغنية والعبارة سائغة(2).
ص: 66
فهي نتاج القريحة العفوية للمجتمع العربي ومن ثمّ (الوثيقة التاريخية) التي يؤخذ منها تاريخ الشخصية العربية بل المجتمع العربي برمته عن سواها من نتاج الحضارات الأخرى، والعفوية هنا لا ترمز إلى الإسفاف في معاينة الأمور بل ترمز القبض التلقائي دونما تكلف أو صنعة، وقد أخطأ بعض الباحثين ونسجوا على ما نسجته تخيلات المستشرقين بعد أن وهمت بأن لا سمة فنية للأمثال العربية بل لا وجود لنصوص نثرية فنية عند العرب الأقدمين، وهذا القول اتخذه عميد الأدب العربي، فهو ينفي السمة الفنية عن الأمثال ليؤكد عدم وجود نصوص عن النثر الفني عند الجاهليين، فهو يشكك حسب نظرية الشك التي سار عليها في عدم صحة الأدب الجاهلي(1) برمته، وكما بيّنا رأيه سابقاً بأنه يرى اضطراب المثل العربي ولكنه بالحقيقة قد أخطأ كثيراً في شكوكه لأن إطلالة هادئة على الصيغ التركيبية للأمثال العربية ترينا بعضها يرفل بحلة إبداعية راقية قد لا تحاكيها نصوص حديثة تعتمد على الصنعة الفنية(2).
فالمثل عندهم ليس يسيراً سهلاً يرسل في كل لحظة، بل هو نتاج تراكم تجسد في منحه تنفجر كالينبوع الدافق الذي لا يكون وليد هنيهات أو سويعات، فراسل المثل كراسل الشعر من حيث تكوين الفكرة المعبرة للهدف المبتغى إيصاله إلى غيره.
وضرب المثل على نوعين:- قريب الفهم لظهور معناه وكثير دورانه بين الناس، وبعيد الفهم لقلة دورانه بين الناس كما تقدم، والأول لا يعتبر من نوع النثر الفني بشيء ولكنه مع هذا له صفات
ص: 67
تؤهله أن يكون مثلاً كالإيجاز والبساطة والسهولة، والنوع الآخر يتسم بالبلاغة والفصاحة يرفل بحلة ابداعية راقية مثل:- (عقرة العلم النسيان)(1)، (إنك لا تهدي المتضال)(2).
فالمثل الأول يمثل محاولة تشخيص حالة وهي حالة نسيان العلم كالمرأة العاقر التي لاتنجب عندما تضع خرزة تشدها في حقوبها(3) لئلا تحبل.
أما المثل الثاني فنمطه التعبيري يذكر بآية قرآنية مباركة (إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ)(4) فأي اضطراب هذا الذي تحلوا تسميته من قبل البعض، بعد أن تبين للباحثين معالجة الأمثال العربية فنياً أو انتسابها إلى الأدب الجاهلي فهي صنو للشعر كما بيّنا سلفاً.
ولأهمية الأمثال عند العرب كان تدوينها قبل غيرها، فلا مجال للتشكيك بأنها غير مدونة مع معرفتهم بأن الأمثال كانت فوق هذا كله ترددها أفواه الأجيال جيلاً بعد جيل وهي مترابطة مع الشعر والخطابة لذا استخدمها الإمام علي (عليه السلام) في خطبه ورسائله شعراً ونثراً لأنها اكتسبت (الأهلية الأدبية) فساهمت مع فن الخطابة والشعر لتكون الأدب العربي الذي يعده البعض منحولاً برمته تقريباً ببعده عن مناخ أصحابه وعدم تعبيره عن نواحي حياتهم، أبرزها الإقتصاد والصراع الإجتماعي وغيرها.
ولذا نقول: ما يقول طه حسين في تقسيمات المثل عند أبي عبيد في كتابه الأمثال
ص: 68
وجوهرة الأمثال (المجلد الثاني) لإبن عبد ربه والمصنفة والمبوبة حسب مواضيعها تصنيفاً منهجياً وغيرها من المؤلفات الخاصة بالأمثال(1)، ولأهمية المثل العربي القديم أصبح المثل عند العرب ضرباً للناس فقد ضرب المثل بعضهم من ذوي الأعمال العظيمة والمواقف الجليلة فقالت العرب فيهم:- أسخى من حاتم، أدهى من قيس بن زهير(2) أعزّ من كليب ومثلما كان للرجل نصيب كان للنساء نصيب أيضاً.
وقد وردت بهن الأمثال مثل (أشأم من البسوس)(3) وتمثلت بالبهائم بشتى أنواعها، شجاعها وجبانها والأليف والمفترس والخبيث والوديع فقالوا (أشجع من ليث)(4) و (أحذر من غراب)(5) وهلم جرا.
ولهم أمثال في القربى والتعاطف مع ذوي الأرحام وفي مكارم الأخلاق، قال أبو عبيد: من أمثالهم في الحلم (إذا نزل الشر فاقعد)(6) أي فاحلم ولا تسارع إليه.
ومعرفة البحر للعرب كانت معلومة واضحة أيضا من خلال الأمثال الخاصة به مثل (تشمرت مع الجاري)(7) وهنا (تاء) التأنيث في هذا المثل تعود إلى السفينة، يقال:
ص: 69
تشمرت السفينة إذا انحدرت مع الماء وشمرتها إذا أرسلتها وقصة المثل تعريج على شعر زهير بن أبي سلمى(1) وابنه كعب لسنا بصدد معرفة القصة بل في مقام معرفة العرب للبحر.
والآخر (جاور ملكاً أو بحراً)(2) وهذا المثل لا يحتاج إلى بيان فهذا المثل يأمر بمجاورة الملوك أو مجاورة البحر زمن القحط والجفاف، وهذا المثل خير شاهد على عالم الحالة الاقتصادية عند العرب فلا مناص في ذلك، والعرب إذا تصفحت مجمع الأمثال تجد للحوت مكاناً خاصاً به والمثل لا يحتاج إلى بيان وأفاضة الكلام (أظمأ من حوت)(3)، (آكل من الحوت)(4).
وهكذا يتضح بأن للمثل العربي القديم صفات ينفرد بها يومياً يكاد يعطي مفردات حياة الإنسان العربي ويسهم في تعزيز دور الأدب العربي تاريخياً، يبين ما للآخرين من آداب وثقافة، أما الشعر الجاهلي فقد استشهد به الإمام علي (عليه السلام) أيضا في خطبه و مواعظه ورسائله إلى ولاته وهذا يبين لنا إهتمام الإمام (عليه السلام) بالشعر من خلال الاستشهاد به لأنه كان مدركاً بأن العرب تقدس الشعر وتجعله في المقام الأول فهو الصوت النابض بالحركة والايحاء والتحدي، لذا قالوا في المثل (أسير من
ص: 70
شعر)(1)، حيث يغدو الشعر لسان الدهر، والشعراء أمراء الكلام وزعماء الفخار في موضع حيث الشاعر لسان القبيلة ورسولها وفارسها الأول، لكن في موضع آخر نرى وظيفة الشعر في المثل (آكل لحمي ولا أدعه للألكل)(2) متساوية مع وظيفة إضحاك الملوك والأمراء، وصاحبها اقرب إلى أهل البطالة منه إلى أهل العمل والكد، وحقيقة الأمر يحار المرء بين الضدين، فمن خلال أخبار الجاهلية يرى التقديس للصورة الأولى، حتى يصل الشاعر عندهم إلى مرتبة القداسة، حيث ان القبيلة كانت تقيم الأفراح إذا نبغ فيها شاعر(3)، ويقال: (وفضيلة الشعر مقصورة على العرب وعلى من تكلم بلسان العرب)(4) وفيه سؤدد القبيلة، فشاعرها يكفيها بلسانه ألسنة الأعداء، علاوة على تمجيد مآثرها ومفاخرها، والشعر أنواع فيه الهجاء والمديح والرثاء والوصف، وما إلى ذلك وتكره العرب شعر المجون الخاص بطبقة من الناس تولع في هذا النوع من الشعر في مجالسهم، وفي المقام نرى الملك حجراً والد امرئ القيس يطرد ابنه إلى حيث التشرد والهوان بعد نهيه إياه عن قول الشعر الماجن في أقرب الناس إليه(5) وتاريخ الشعر العربي (حديث الميلاد صغير السن أول من نهج سبيله وسهل الطريق إليه امرؤ القيس بن حجر ومهلل بن ربيعة(6) ومهما كان من أمر فقد بقي الشعر عندهم متدثراً بجلباب الغموض الجميل وبيانه مرتبط بذاكرتهم بشيء اسمه السحر، والسحر عند العرب معينه الجن، قال الله سبحانه وتعالى «وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمْ الْغَاوُونَ» وقد
ص: 71
اتهم العرب قبل إسلامهم نبي الرحمة محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه شاعر مجنون تتلبسه الجن، بدليل قوله تعالى: «وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ»(1) و «ذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ»(2)، وابلغ الصور عن هذا الارتباط نجده في المثل العربي(إن من البيان لسحرا)(3) ينسب إلى الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، يعني ان بعض البيان يعمل عمل السحر، ومعنى السحر: إظهار الباطل في صورة الحق، والبيان اجتماع الفصاحة والبلاغة وذكاء القلب، وإنما شبه بالسحر لحدة عمله في سامعه وسرعة قبول القلب ويضرب في استحسان المنطق وإيراد الحجة البالغة.
وقد روي هذا اللفظ عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن جهة اخرى، وردت عن العسكري: (إن من البيان لسحراً، وإن من الشعر لحكمة وإن من العلم لجهلاً)(4) والبعض يعد هذا المثل من أمثال الجاهلية(5) تمثل به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والأمثال الواردة نظماً هي كلمات استحسنت في الشعر وطابقت وقائع عامة جارية بين الناس فتداولها الناس وأجروها مجرى الأمثال النثرية.
وقد روي ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان هو الآخر تمثل بقول طرفة (ويأتيك بالأخبار من لم تزود)(6) وهو البيت المشهور:
ص: 72
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً *** ويأتيك بالأخبار من لم تزود(1) ويروى انه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يخرجه عن الوزن ويحيله عن طريق الشعر فكان يقول (ويأتيك من لم تزود بالأخبار) فراراً من قول الشعر المنزه عند مقامه العلي وشرفه الرفيع، ولكن ثبت في الصحيح انه قال (أصدق كلمة قالها الشاعر لبيد):
(ألا كل شيء ما خلا الله باطل.......)(2) والمحرم عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما هو نظم الشعر دون إنشاده وسماعه، ويحق لعلي أن يتمثل بما تمثل به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا أكون مبالغاً مع غيري بأن الديوان المنسوب للإمام علي (عليه السلام) منحول عليه لا لأن الشعر يصعب على علي (عليه السلام) صاحب البيان والبلاغة فقد نهج على سنة الرسول الأعظم المتمثلة بالقول والفعل والتقرير وسنة علي (عليه السلام) سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وردت كلمة (مثل) و (أمثال) في مواضع كثيرة من القرآن الكريم وفي ورود الكلمتين بهذه الكثرة دلالة بالطبع على ما كان للمثل من أهمية كبيرة عند العرب الجاهليين، لذا جاء الهدف في الأمثال على لسان القرآن الكريم على ثلاثة نماذج رئيسية:-
ص: 73
1- التذكير: «وَيَضْرِبُ الله الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ»(1).
2- التفكر: «وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»(2).
3- التعقل:- «وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ»(3).
هذه المراحل الثلاث تمر من التذكير مرحلة مرور حقيقية الخطاب الإلهي في الذهن وفهم مرحلة التفكير موضوع المثل وحكمته ثم مرحلة التعقل وهي مرحلة الإدراك وهضم الحقائق.
وأهمية خطاب المثل تتضح من أن كثيراً من الناس يعدون الكبير دليلاً على العظمة والصغير دليلاً على قلة الأهمية لكن الواقع ليس كذلك فالمهم هو نوع الخطاب الذي يحمله الشيء أو يستهدف المثل القرآني وانتشاره بين ألسنة الناس من خلال تشكيكهم في الأمثال القرآنية التي ضربت على طريقة العرب التصويرية للأشباه والنظائر، وقد استغل هؤلاء تصوير الأمثال بالذباب والعنكبوت ونحو ذلك(4)، فجاء كلام الله القاطع على شكل مثل: «(إِنَّ الله لاَ يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً»(5)، لأن معجزة الله سبحانه وتعالى في الخلق من العدم تتجلى في المخلوقات الصغيرة والكبيرة معاً، فالإعجاز يكمن في سر الحياة وليس في الضخامة والكبر للأشياء والمخلوقات ويعتمد تصوير الأمثال القرآنية في أغلب الأحيان على كلمة (ضرب) بصيغ مختلفة
ص: 74
المتكلم به، وهذا الشيء في القرآن، فالمهم هو الخطاب الذي يوجهه ويهدفه من خلال ضرب المثل لا لعظمة الشيء المخلوق ولا لحقارة المخلوق الممثل به كما تقدم من مفهوم الآية، من هذا المثل القرآني يتضح أن بلاغة الكلام تقتضي تارة التمثيل بالموجودات الكبيرة وتارة بالموجودات الصغيرة.
وجاء هذا المثل القرآني ذاماً للكافرين واليهود والمنافقين لأنهم كانوا يحدّون من انتشار المثل.
والعرب كذلك كانت تضع كلمة (ضرب) قبل كلمة المثل في الغالب(1) والضرب بالمعنى العام معروف وهو إيقاع شيء على شيء(2) وأبرز مصاديقه قوله تعالى «فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ....»(3).
والقرآن الكريم جاء بلغة العرب لذا وردت كلمة (ضرب) في كثير من الآيات كما في «أَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ الله مَثَلاً»(4)، وهكذا يكون ضرب المثل ايراده ليتمثل به ويصور ما أراد المتكلم بيانه للمخاطب، يقال: ضرب الشيء مثلاً وضرب به وتمثله وتمثل به(5).
وقول الإمام علي (عليه السلام) (ولقد ضربت أنف هذا الأمر وعينه)(6) فيكون
ص: 75
قول الإمام (عليه السلام) في باب الوصف والبيان وأراد بالأمر هو الضرب الحقيقي للضرب فأخذه بالوصف المجازي.
ويعد البعض بأن القصص القرآني بوصفه قصص أنبياء جاءت استعمالاتها لأهداف الدعوة وليس من أجل القص ذاته، فهو يعرض في كل مرة ما يناسب الدعوة المحمدية في مرحلة من المراحل، والقصص القرآني هو نوع من ضرب المثل (والمثل لا يضرب لذاته ولا من اجل ذاته بل من أجل البيان ومن أجل العبرة ومن أجل البرهنة على صحة القضية التي يستشهد فيها بالمثل)(1) لذا يكون الغرض من المثل والقصص في القرآن غرض واحد.
قال تعالى «فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ، سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ»(2).
واختلف العلماء في جواز استعمال المثل القرآني(3) المرسل لكونه خروجاً عن آداب القرآن إذا كان من نوع «لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِیَ دِينِ»(4) يقول الرازي(5) في تفسير الآية: وقد جرت عادة الناس بأن يتمثلوا بهذه الآية عند المقاولة وذلك غير جائز
ص: 76
لأنه تعالى ما أنزل القرآن ليتمثل به بل ليتدبر فيه ويعمل بموجبه، ورأى البعض لا حرج من أن يتمثل بالقرآن في مقام الجد كأن يأسف أسفاً شديداً لنزول كارثة قد انقطعت أسباب كشفها عن الناس فيقول «لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ الله كَاشِفَةٌ» أو يحاور صاحب مذهب فاسد ويحاول استهواءه إلى باطله فيقول «لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِیَ دِينِ»، ولا يحق للإنسان المسلم التمثل بالقرآن للبراعة أو في مقام الهزل أو المزاح.
وما تمثل الإمام علي (عليه السلام) في القرآن إلا للتدبر والنصح والإقناع والترغيب والترهيب كما سنبينه في توظيف الإمام (عليه السلام) للمثل القرآني.
والمثل القرآني يحتوي على تصوير الغرض الديني أولاً ولكنه يرد بأغراض أخرى مثل الإقناع أو الترغيب أو الترهيب، فتصوير الأمثال القرآنية يحقق أغراضاً عدة، قد تجتمع هذه الأغراض كلها في مثل واحد، وعدم ادراكنا لها لا يعني عدم وجودها بل لأننا لم ندرك بعد إيحاءات اللفظ القرآني المتعدد(1) لذا جعل الماوردي(2) (ت 450 ه) الأمثال في أعظم علم القرآن(3) والأمثال القرآنية تعبر عن قضايا الإنسانية العامة التي لا تختلف من جيل لآخر أو من مكان لآخر لأنها تعبر عن قضايا رئيسية كالقصيدة والبعث وغاية الوجود الإنساني، لذلك كتب للأمثال المصورة الخلود، بخلود القرآن الكريم، وبقي تأثيرها في القلوب قوياً وفعالاً إلى يومنا هذا فهي تخاطب عقول الناس وقت نزول القرآن بضرب المثل له وما زالت هذه الأمثال تخاطب الإنسان الحي لأنها
ص: 77
حية باقية متجددة تعبر عن قضايا الإنسان والحياة والوجود.
ومن هنا نرى استعمال المثل القرآني من قبل الإمام علي (عليه السلام) لنفس هذه الأغراض مرة للوعظ والتذكير ومرة للتنبيه ومرة للترهيب أسوة بما جاء في القرآن وهو العارف الحاذق بعلوم القرآن ونزوله وبتفسيره وتأويله وتأثيره على أصحاب عصره بحضارات الفن من العلوم فهو الأولى به باعتراف الجميع، فهو عندما يأتي بالمثل القرآني شاهداً في مواضع الخطابة والرسالة والوعظ يوظف في المثل القرآني وقته وواقعيته «وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ»(1) فهو يستعمل الآية القرآنية الدالة على المثل ويعرف تأثيرها النفسي لأن أمثال القرآن الكريم تستمد مدلولاتها من عناصر الحياة ذاتها لكي تكون قريبة من فهم الإنسان فيعايشها فيقتدي بوحيها وإلهامها(2).
ولئن كانت الأمثال التي عرفتها الشعوب لا يمكن إحصاؤها ولا معرفة مواضيعها المختلفة التي تناولتها، فإن ما يثير الدهشة ويثبت الإعجاز أن يكون كتاب واحد وهو القرآن الكريم قد مثل لجميع النماذج البشرية ولشتى الأنواع والأنماط في حياة الناس لقوله تعالى «وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِی هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ» فلفظة (من كل مثل) تحتوي على جميع نماذج الناس وخصائصهم ومزاياهم وصفاتهم، فقد استوعب الحياة الدنيا بأسرها في مختلف خلائقها من الكائنات الحية والجامدة وما تحيط بها ولا يؤثر على وجودها وكل ذلك بأمثال محدودة معبرة وصالحة لكل زمان ومكان.
ص: 78
وللحديث النبوي الشريف هو الآخر موضوع في كتاب نهج البلاغة وقد وظف الإمام علي (عليه السلام) الحديث النبوي توظيفاً كاملاً في خطبه ومواعظه لما للحديث النبوي من مكانة سامية بين المسلمين، فضلاً عما يمتلكه الحديث النبوي من مراتب البيان بعد القرآن الكريم، ولما يمتلكه من خصائص الحكمة، فأصبح الحديث النبوي مثل الحكمة السائرة على الالسن لذا اصبحت احاديثه امثالاً كما تقدم من تعاريف المثل(1) لأن أقوال النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ملكت المضامين والأهداف وقد أجمع العلماء والمسلمون كافة بأن حديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد حديث القرآن: «وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ الله حَدِيثًا»(2) وقوله تعالى «فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ»(3) ومن أقوال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) التي أصبحت أمثالاً قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى»(4).
هذا المثل النبوي الشريف الذي يدل على التضامن والتكافل، وعلى وحدة الشعور والهدف بين أبناء الجماعة المؤمنة الواحدة، أو بين أبناء المجتمع المؤمن الواحد، فإذا حصل الخلل في جانب من هذا المجتمع انعكس على سائر جوانبه الأخرى، تماماً كما لو مرض أو تعطل أحد أجزاء الجسد فتأثرت به سائر الأعضاء في أداء وظائفها.
ص: 79
وأمثال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) توافق أمثال التنزيل التي وعد الله عز وجل وأوعد وحرم وأحل ورجى وخوّف وقرع بها المشركين وجعلها موعظة وتذكيراً(1).
وقد أوتي نبي الإسلام العلوم كافة حيث قال (صلى الله عليه وآله وسلم):- (نُصرتُ بالرعب وأوتيت جوامع الكلم وأوتيت الحكمة وضرب لي من الأمثال مثل القرآن)(2) وورد عن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) في أهمية المثل والأخذ به من أجل الإعتبار والتفكير.
(إن القرآن نزل على خمسة أوجه، حلال وحرام، ومحكم ومتشابه، وأمثال، فاعملوا بالحلال، واجتنبوا الحرام وابتغوا المحكم، وآمنوا بالمتشابه، واعتبروا بالأمثال)(3)
ص: 80
- المبحث الأول - توظيف المثل الجاهلي - المبحث الثاني - توظيف المثل القرآني - المبحث الثالث - توظيف المثل النبوي
ص: 81
ص: 82
بعد أن تبين أن المثل هو وليد تراكمات وأحداث وتجارب وافرازات الشعوب الحية والبائدة التي ذكرها القرآن الكريم للاعتبار بها، ومنها الشعب العربي في جاهليته وإسلامه، لذا أصبح المثل مورداً من موارد التاريخ تستقرأ منه أحداث الماضي (أيام العرب) مع ما وجد فيها من حقيقة وخرافة، فسما عند كل الشعوب وكون لوناً من ألوان حضارتها.
ويتضح لدينا من خلال دراسة المثل (النثري والشعري) عند استعمال المثل عند الإمام علي (عليه السلام) واستشهاده به في خطبه ومواعظه ورسائله صورة فنية من خلال التشبيه بالمقارنة بين شيئين وتحميلها معنى واحداً، فعند قراءة كلام أمير المؤمنين لوجدناه ملماً إلماماً كاملاً بتاريخ المثل وحفظه وتوظيفه ببيان بلاغي رائع في المعاني التي يروم توظيفها وإيصالها إلى المتلقي ليدركها عقله.
والأمثال القديمة نثراً وشعراً كان لها نفس الموقع في الجودة عند الإمام (عليه السلام) من خلال فرزه للمثل الرفيع الفصيح الذي نطق به الحكماء قبله.
ص: 83
ولا غرابة وهو القائل (نحن أفصح العرب) فقد قابل قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم):
(أنا أفصح العرب بيد أني من قريش ونشأت في بني سعد بن بكر.....)(1).
والإمام (عليه السلام) يستخدم المثل استخداماً ضمنياً وليس شكلياً في مواطن كثيرة كما نراه في استخدامات الإمام (عليه السلام) للأمثال التي سترد في هذا البحث في حينه.
وبما أن من صفاته عليه السلام أنه الأديب الأصيل والخطيب الشحشح الذي استخدم فن الخطابة وفن الكتابة بأرقى مستوياتها، تشهد له أعداؤه قبل مواليه، فكان استعمال المثل الجاهلي والآية القرآنية والحديث النبوي والكلمة والقصيدة المأثورة عنه في خطبه ومواعظه ورسائله من خصائص أسلوبه الرصين المعروف في إيصال ما يبتغيه إلى من حوله وحسب المنطق التاريخي كان تقسيم استعمالات المثل الجاهلي عند الإمام علي (عليه السلام) كالآتي:- أ) استخدامه للمثل الجاهلي نثراً.
ب) استخدامه للمثل الجاهلي شعراً.
كان من الجدير أن نقسم دراسة المثل العربي جاهلياً وإسلامياً، فتكون الصورة أكثر
ص: 84
دقة وأكثر شمولية، ولكن صعوبة الوقوف على فرز المثل بكونه جاهلياً أم إسلامياً لوجود التداخل الحاصل في ضرب الأمثال عند العرب في جاهليتهم وإسلامهم، فمرة نرى قائل هذا المثل (ربَّ ملوم لا ذنبَ له)(1)، أو (رب قول أنفد من صول)(2) هو أكثم بن صيفي وأخرى ينسب إلى الإمام علي (عليه السلام) نفسه، ولعدم وجود القرينة التي تعضد بأن المثل المضروب جاهلي أو إسلامي فكثير من الشخصيات الجاهلية دخلت الإسلام فكونت مصطلح المخضرمين كالشاعر حسان بن ثابت شاعر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ودريد بن الصمة وغيره الكثير.
لكن العلماء افرزوا المثل الإسلامي الذي قاله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعنوان (أمثال الحديث) و (الأمثال النبوية) وغيرها، ورغم أن بعضاً منها لها جذور جاهلية مثل (من يزر غِباً يزدد حباً)(3) ومن هذا المثل قال الشاعر(4):
إذا شئتَ أن تُقلَی فزر متواتراً *** وإن شئت أن تزداد حباً فزر غِبَّا وعوداً على بدء، فإن الإمام علياً (عليه السلام) استعمل المثل العربي في مواطن كثيرة وقفت عليها في كتاب (نهج البلاغة) نبين مكانها في الخطبة ومن ثم نبين موضعها التاريخي، ومن الذي قالها قبله من العرب ومن ثم نعرج بإيجاز على الحادثة التي قيلت فيها ومن خلال وقع الحادثة نبين توظيف الإمام (عليه السلام) للمثل الذي قيلت فيه هذه الحادثة لإيصال ما حدث سابقاً إلى ما هو واقع في زمنه ونوع التشابه في ما قيل وما هو قائل (عليه السلام)، ومن الأمور المستحسنة قراءة (كتاب
ص: 85
نهج البلاغة) بتسلسل الخطب والمواعظ والرسائل والأقوال المأثورة التي ذكرها الشريف الرضي والذي لم يعتمد على التسلسل الزمني في إعداده لخطب الإمام علي (عليه السلام) وفرز الأمثال التي استخدمها الإمام علي (عليه السلام) في خطبه ومواعظه ورسائله كما يأتي:-
ذكر هذا المثل في الخطبة الشقشقية.
قال ابن منظور(1): وفي حديث علي رضوان الله تعالى عليه في خطبة له (تلك شقشقة هدرت ثُم قَررتْ...).
وذكر الفيروز آبادي(2) قال: والخطبة الشقشقية العلوية لقوله لإبن عباس لما قال له: لو أطردت مقالتك من حيث أفضيت (يا ابن عباس هيهات تلك شقشقة هدرت ثُم قَررتْ).
وذكرها ابن الأثير(3) هو الآخر بقوله: وفيه حديث علي في خطبة له:
(شِقشِقة هدرت ثُم قَرتْ).
ص: 86
والشقشقة: شيء كالرئة يخرجها البعير من فيه إذا هاج، وإذا قالوا للخطيب:
(ذو شقشقة) فإنما يشبه بالفحل ولأمير المؤمنين علي (عليه السلام) خطبة تعرف بالشقشقية(1).
أما سبب تمثل الإمام بهذا المثل السائر في خطبته هذه هو رده على ابن عباس عندما سأله اطراده في خطبته بعد أن قطعها عليه رجل من أهل السواد (العراق) بأن ناوله كتاباً لينظر فيه فقطع خطبته لذلك، وقد يكون هذا الرجل إما متعمداً ماكراً أراد أن يقطع كلام الإمام (عليه السلام) في حيلة لم يستطع أن يدبر غيرها أو رجل بليد مغفل لم يعط الإمام إكمال مقاصده، لذا قطع الإمام خطبته ولم يعد إليها، فكان جوابه لإبن عباس (تلك شقشقة هدرت ثُم قَرتْ).
فهو وظف المثل توظيفاً كاملاً باستعماله للمثل في موضعه من الخطبة ثم أضاف إليه كلمة (تلك) مذكراً ابن عباس والسامعين بأن ما أراد قوله وقطع منه هو كما هو معلوم في تلك الشقشقة التي هدرت، فهو شبه بالفحل لقولهم للخطيب (ذو شقشقة) وهذا لا يطلق إلا عليه، فهو عندما استرسل في خطبته خطيب (ذو شقشقة) فحل وعندما قطع عنها أجاب تلك شقشقة هدرت ثُم قَرتْ، أي هدأت فلا عودة إلى ما قلت، لذلك تأسف ابن عباس كثيراً لعدم إكمال الإمام علي (عليه السلام) مقاصده التي بينّ بعضاً منها المتمثلة بالأحداث الخطيرة بعد وفاة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن هذا المثل يفصح الإمام (عليه السلام) عن الأحداث الكامنة في نفسه ولا يستطيع البوح بها وقد استرسل في بيانها وأوضح الحق أي ما مكتوم في صدره وخوالج نفسه فاستعرض بعضاً من أحداث عصره ولكنه صبر وفي العين
ص: 87
قذى وفي الحلق شجى وهذا قوله (عليه السلام) مرسلٌ إرسال المثل أيضاً وهو كناية عن شدة ما أضمره في صدره من التأذي والغبن بسبب سلب ما يرى أنه أولى به من غيره، وما يعتقده من الخبط في الدين بيد غيره، وقد سبق الشريف الرضي الكثير من الكتاب الذين ذكروا هذه الخطبة(1) ولنا وقفة مع هذه الحادثة عند البحث في استخدام المثل الشعري مرة أخرى.
جاء استعمال قول الإمام (عليه السلام) للمثل (هيهات بعد اللتيا والتي)(2) ضمن كلامه:
(... فإن أُقل يقولوا: حَرص على الملك، وإن اسكت يقولوا: جزع من الموت، هيهات بعد اللتيا والتي والله لابنُ أبي طالب آنسُ بالموت من الطفل بثدي أمّه)(3) وهذا الخطاب جاء بعد أن بُويع أبو بكر، بعد أحداث السقيفة، خلا الزبير وأبا سفيان وجماعة من المهاجرين والعباس وعلياً (عليه السلام) وتكلموا بكلام يقتضي الاستنهاض والتهيج فقال العباس قد سمعنا قولكم إلى آخر قوله(4).
كان موقف أبي سفيان معروفاً إزاء الدين الإسلامي فقد وصفه الطبري برواية
ص: 88
قال(1):- لما اجتمع الناس على بيعة أبي بكر، أقبل أبو سفيان وهو يقول: والله إني لأرى عجاجة لايطفئها إلا دم: يا آل عبد مناف فيم أبو بكر من أموركم أين المستضعفان؟ أين الأذلان علي والعباس؟ وقال: أبا حسن ابسط يدك حتى أبايعك فأبى علي عليه... قال: فزجرهُ علي وقال: انك والله ما أردت بهذا إلا الفتنة وإنك والله طالماً بغيت للإسلام شراً لا حاجة لنا في نصيحتك.
وأورد روايتين أخريين بهذا الشأن(2) والإمام (عليه السلام) جاء جوابه مخاطباً - كما في النهج - العباس وأبا سفيان وبعض المهاجرين بهذا الخطاب إلى قوله:- هيهات بعد اللّتيا والتي، وهيهات اسم فعل ماضٍ بمعنى بَعُدَ، فهي كلمة تبعيد واستعمال الإمام علي (عليه السلام) للمثل بعد كلمة هيهات موظفة توظيفاً كاملاً لفهمه الكامل للمثل المضروب لأن ما عرف عند العرب في معنى اللّتيا والتي، بأنهما الداهية الكبيرة والصغيرة، وكنى عن الكبيرة بلفظ التصغير تشبهاً بالحية فإنها إذا كثر سمّها صغرت لأن السم يأكل جسدها.(3) واللّتيا تصغير التي(4) والصحيح قولهم بعد اللّتيا والتي، أي وصلت إليه بعد أن لقيت صغير المكاره وكيدها، قال الشاعر(5):
ص: 89
((وكفيت جانبها اللتيا والتي)) أي كفيتها الصغير والكبير من الأمور، وهذا ما أراد قوله الإمام لإفهام سامعيه.
فهو قد خاطب من كان يرميه بالجزع بعد ما ركب الشداد وقاسى المخاطر صغيرها وكبيرها في الذود عن الإسلام ونصرة نبيه الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا هابَ الموت يوماً ولا جزع منه، فقد وقف حاملاً لواء الإسلام بوجه المخاطر صغيرها وكبيرها(1) وقوله هيهات نفي لما عساهم يظنون من جزعه من الموت عند سكوته وقوله السابق للمثل هو دليل ما قلنا: (فإن أُقل يقولوا حَرص على الملك، وإن أسكت يقولوا جزع من الموت).
وقيل في أصل المثل ((إن رجلاً من جديس تزوج امرأة قصيرة فقاسى منها الشدائد، وكان يعبر عنها بالتصغير فتزوج امرأة طويلة فقاسى منها ضعف ما قاسى في الصغيرة فطلقها، وقال: بعد اللتيا والتي لا أتزوج أبداً فجرى ذلك على الداهية.(2)
هذا الكلام قاله (عليه السلام) حينما أشار عليه انه لا يتبع طلحة والزبير ولا يرصد لهما القتال، وهنا سؤال يطرح نفسه، هل انسحب طلحة والزبير سراً كما يرى
ص: 90
بعض المتأخرين(1)، فهل كان علي (عليه السلام) يضيق عليهما؟ إن منهج الإمام علي (عليه السلام) لم يكن التضييق على أحد، بدليل أنه لم يضيق حتى على الخوارج الذين كانوا يكفرونه، فكيف يضيق على طلحة والزبير، وهذا ما تعضده الروايات التاريخية فقد روى الدينوري(2) (ت 282 ه) في موافاة الزبير وطلحة لعائشة: ((وحضر الموسم، فاستأذن الزبير وطلحة علياً في الحج فأذن لهما وقد كانت عائشة أم المؤمنين قد خرجت قبل ذلك معتمرة وعثمان محصور وذلك قبل مقتله بعشرين يوماً)).
وأورد اليعقوبي(3): العمرة بدل الحج وروي أن علياً (عليه السلام) قال: والله ما أرادا العمرة، ولكنهما أرادا الغدرة.
وأكد الطبري(4) هو الآخر بقوله.. (استأذن طلحة والزبير علياً في العمرة فأذن لهما فلحقا بمكة) وذكر ابن الأثير(5) أن طلحة والزبير طلبا من علي أن (ائذن لنا نخرج من المدينة....).
وقالوا: ولما قضى الزبير وطلحة وعائشة حجهم تآمروا في مقتل عثمان فقال الزبير وطلحة لعائشة: (إن أطعتنا طلبنا بدم عثمان) قالت ((وممن تطلبون دمه؟)) قالا:
ص: 91
أنهم قوم معروفون وأنهم بطانة علي ورؤساء أصحابه، فاخرجي معنا حتى نأتي البصرة...).
وبعد الذي كان جوابه (عليه السلام) لما أشير عليه بألا يتبع طلحة والزبير ولا يرصد لهما القتال، فقال (والله لا أكون كالضبع تنام على طول اللدم، حتى يصل إليها طالبها ويختلها راصدها .....)(1) فالإمام علي (عليه السلام) هنا تمثل بالمثل القائل (خامري أم عامر)(2) وخامري:
أي استتري، و أم عامر و أم عمر و أم عويمر: الضبع، يشبه بها الأحمق. وهنا تكمن قوة إدراك الإمام للمثل فتمثل به بلون آخر يحمل نفس المعنى الذي يحمله مثل (خامري أم عمر) فهو استعمل معنى المثل ليوصل الفكرة إلى من أشار عليه بأن لا يتبع طلحة و الزبير ولا يرصد لهما القتال، فهو يبعد الوصف عن نفسه بأن إذا لم يخرج لهما بعد أن بايعاه و نكثا البيعة سوف يصلون إليه بعد أن يعدوا العدة في مسيرها مع السيدة عائشة إلى البصرة، فلا بد وذلك من الخروج إليها ولا ينام على طول اللدم(3).
والإمام علي (عليه السلام) تأبى له نفسه الكريمة أن يكون بهذا الموضع على ما عرف به من القوة و الشكيمة في إحقاق الحق.
ويأتي حمق الضبع كما يزعمون من أنهم إذا رموا في حجرها بحجر وضربوا
ص: 92
بأيديهم باب الحجر فتحسبه شيئا تصيده، فتخرج لتأخذه فتصاد عند ذلك، ويبلغ من حمقها أن الصائد يدخل عليها و جارها، فيقول لها: اطرقي أم الطريق، خامري أم عامر. أي طأطئي رأسك، فتلجأ إلى أقصی مفارها فيقول: أم عامر ليست في وجارها أم عامر نائمة، فتمد يديها ورجليها وتستلقي، فيدخل عليها الصائد فيوثقها فيقول الصائد: ابشري أم عامر، فتشد عراقيبها، فلا تتحرك، ولو شاء ت أن تقتله لأمكنها ومن هذا المعنى قال الشنفرى:
(لا تقبروني إن قبري مجرّمٌ *** عليكم ولكن أبشري أم عامرٍ)(1) وتحرك الإمام علي (عليه السلام) نحو ذي قار حتى أتاه الخبر بموافاة القوم البصرة فتحرك نحوهم وصدق قوله (عليه السلام) إلى من أشار عليه بعدم إتباعهم و الرصد لهم بالقتال (...... ولكني اضرب بالمقبل إلى الحق المدبر عنه و بالسامع المطيع العاصي المريب أبداً، حتى يأتي على يومي فوالله مازلت مرفوعاً عن حقي مستأثرا عليه منذ قبض الله نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى يوم الناس هذا)(2)، فهو صاحب حق أخذ حقه ولا بد من النهوض للدفاع عنه.
ولا نسيل حتى نمطر)(3).
أرعدوا أو ابرقوا: استعارة مكنية تخييلية، مكنى بها عن شدة تهديدهم ووعيدهم،
ص: 93
اشتراكهما في الإيخاف المزعج، وهو عقلي(1). مستدعية لتشبيه الوعيد وهو أمر عقلي بالرعد والبرق وهما محسوسات ووجه الشبه ذكر الشيخ المفيد(2) عن الواقدي بأن الإمام الحسن (عليه السلام) قام خطيباً بأمر ابيه بعد أن سمع بأن الزبير بايع بيده ولم يبايع بقلبه(3)، فاستحسن الناس خطبة الإمام الحسن (عليه السلام) ولما بلغ ذلك كل من طلحة والزبير قام طلحة خطيباً في القوم وأرعد وابرق(4) وذكر الخطبة المفيد(5): (وقد أرعدوا وأبرقوا).
وقول الإمام علي (عليه السلام) مبني على قول المثل العربي (برق لمن لا يعرفك)(6) أي هدد من لا علم له بك فإن من عرفك لا يعبأ بك.
ويجوز أن يكون قولهم: رعد الرجل وبرق إذا أرعد وتهدد وشدد إرادة التكثير، أي كثر وعيدك لمن لا يعرفك(7).
نحو قول الشاعر(8):
(إن الوعيد سلاح العاجز الورع)
ص: 94
لذا يصدق قول الإمام علي (عليه السلام) بحقهم بقوله: ومع هذين الأمرين الفشل، ولسنا نوعد حتى نوقع، ولا نسيل حتى نمطر.
وهذا قول الحكماء وقول صاحب الحق الذي لا يماري ووثق من نفسه بأنه على صواب دائم ما دام مع الله كان الله معه (علي مع الحق والحق مع علي) فلا يهمه ما يوعدون.
وفي خضم أحداث معركة الجمل وما بعدها أتى محمد بن أبي بكر، فدخل على أخته عائشة قال لها: أما سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: علي مع الحق والحق مع علي؟(1) ولإبن أبي الحديد كلام بخصوص ذلك قال(2): (أرعد وأبرق ولما أصبح عليه بيت الكميت:
أرعدْ وأبرقْ يا يزيدُ *** فما رعيدُك لي بضائري قال الكميت: قروي لا يحتج بقوله وكلام أمير المؤمنين (عليه السلام) حجة دالة على بطلان كلام الأصمعي(3).
لله درك يا حديدي فقد جعلت رواية نهج البلاغة حجة على اللغويين وإن كانوا
ص: 95
من طراز الأصمعي وما ذلك إلا لقناعة منك بصحة القول والرواية.
في خطبة له (عليه السلام) بعدما اتهموه بقتل عثمان، قال ألا وإن الشيطان قد ذمر حزبه واستحلب جلبه..... إلى قوله وكفى به شافياً من الباطل وناصراً للحق ومن العجب بعثهم إلي أن أبرز للطعان وأن أصبر للجلاد، هبلتهم الهبول..) الظاهر من الكلام انه قد خاب ظنه فيهم والكلام في أصحاب الجمل وقد ذكر جل المؤرخين كيف نكث بيعته طلحة والزبير، ذكروا أن الزبير وطلحة أتيا علياً بعد فراغ البيعة فقالا: هل تدري ما بايعناك عليه يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم على السمع والطاعة...... إلى قولهما: لا، ولكننا بايعناك على أنا شريكاك في الأمر(1) و كان الزبير لا يشك في ولاية العراق، وطلحة في اليمن(2) وأورد البلاذري(3) رواية عن الزهري قال سأل طلحة والزبير علياً أن يوليهما البصرة والكوفة فقال: تكونان عندنا أتجمل بكما فإني استوحش لفراقكما.
وفي مورد آخر بنفس المضمون عندما خاطب أخاه عقيلاً: (ثكلت الثواكل يا
ص: 96
عقيل إلى قوله..... فقلت (هبلتك الهبول)(1).
فهو هنا يستعمل المثل في الدعاء على الإنسان، فالهبل والثكل يتبادلان في الدعاء على من دعى عليه.
وقصة الإمام علي (عليه السلام) مع أخيه عقيل معروفة (الحديدة المحماة) تكاد تكون من أجمل ألوان التصوير الفني فهي تأتينا من طريق السرد القصصي والحوار قصة مكثفة مضغوطة جاءت في صفحات (النهج) ويرويها الإمام (عليه السلام) تعقيباً على حادثة جرت بينه وبين آخيه حملت ألوان الإبداع الفني من تصوير وتكثيف وإيجاز وتأثير وإيقاع موسيقى لا يتوفر إلا لدى المُلهمين من أمراء الكلام من دون أن تفصل هذه الخصائص الجمالية عن البعد الروحي الذي يشكل الدافع والحافز والمحرض على إبداعها: والله لقد رأيت أخي عقيلاً وقد أملق حتى استماحني من بُركم صاعاً، وعاودني مؤكداً وكرر عليّ القول مردداً فأصغيت إليه سمعي، فظن أني ابيعهُ ديني،، وأتبع قيادهُ، فأحميت له حديدة ثم ادنيتها من جسمه ليعتبر بها، فضج ذي دنف من ألمها، وكاد أن يحترق من ميسمها، فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه، وتجرني إلى نار سجرها جبارها لغضبه؟ أتئن من الأذى ولا أئن من لظى؟ وأعجب من ذلك طارق طرقنا بملفوفة في وعائها، معجونة.......(2) إلى قوله: فقلت:
ص: 97
أصِلَة؟ أم زكاة؟ أم صدقة؟ فذلك مُحرم علينا أهل البيت؟ فقال: لا ذا، ولا ذاك، ولكنها هدية فقلت هبلتك الهبول أعن دين الله تخدعني؟ أمختبط؟ أم ذو جنةٍ؟ أم تهجر؟ والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها، على أن أعصي الله في نملة أسلبها جِلب شعيرة ما فعلت)(1) إن الطارق الآتي ليلاً، كان الأشعث بن قيس جلبها للإمام له يحمل كل أدب الإسلام وروحانيته وأخلاق المسلم المعصوم من أي خطأ أو زلل. فمن يستطيع أن يتصور حاكماً بين يديه وفي حوزته مقدرات دولة عرضها عرض انتشار الإسلام في أوائل القرن الأول الهجري، ويرفض أولاً: إعطاء أخيه الجائع صاعاً من قمح ويترك أخاه وأولاده جائعين خوفاً من أن يحاسبه الله عليه بوصفه خطأ يرتكبه الحاكم ثانياً: يرفض أكله من الحلوى تحت أي صيغة تجيء إليه، لا لأنه حاكم هذه المرة بل لأنه من أهل البيت ولأن أي عطاء محرم عليهم.
هكذا كانت سياسة الإمام علي (عليه السلام) المالية التي لم يساوم فيها لأحد لذا نراه قد ساوى في العطاء بين المسلمين ولم تأخذه في الله لومة لائم، وكما بيّنا بأن الزبير وطلحة كانا لا يشكان بأنهما سيحصلان على العراق واليمن.
ولما انكشفت لهما الحقيقة بأن الإمام علياً (عليه السلام) لا يساوم، ألّبا الناس
ص: 98
عليه لذا نراه استشهد في هذه الخطبة بالمثل العربي (هبلته أمه) بقوله هبلتهم الهبول أي ثكلتهم والهبول بالفتح من النساء: التي لا يبقى لها ولد، وهو دعاء عليهم بالموت لعدم معرفتهم بأقدار أنفسهم فالموت خير لهم من حياة الجاهلية(1)، فجاء استخدام المثل العربي ممزوجاً مع كلامه كأنه منه ومن ثم يوظف المثل من الغيبة إلى الخطاب (أي من لفظ الغائب ويشير إلى المخاطب به) فيأخذ من المثل مضمونه لا شكله، لذا يغير في أصل المثل حسب موقع كلامه وكأنه يستعمل حقوق الشاعر في موقفه من القوافي عند بنائه القصيدة لذا جاء تغيير شكل المثل عند الإمام حسب موضعه من الكلام متخذاً مضمونه لإتخاذ العبرة منه في التشبيه والتماثل بين ما يقع له ما وقع عند غيره في الماضي.
جاء في الوصية بالقرابة والعشيرة، وروى فقرات من هذه الخطبة اليعقوبي في تاريخه(2) وأورد ابن عبد ربه(3) فقرات منها أيضا تحت عنوان فضل العشيرة.
وقول الإمام علي (عليه السلام) (ويغري بها لئام الناس، كان كالفالج الياسر الذي ينتظر أول فوزةٍ من قداحه توجب له المغنم)(4) وهنا الإمام علي (عليه السلام):
استعمل المثل العربي الذي أصله )من يأت الحكم وحده يفلح)(5) لأنه لا يكون معه
ص: 99
من يكذبهُ والفالج بمعنى الظافر، فلج يفلج، كنصر ينصر، والياسر الذي يقصده في المثل الذي يلعب بقداح الميسر أي المقامر، دليل قول الإمام (عليه السلام) في نفس الخطبة بعد كلامه هذا (ينتظر أول فوزه في قداحه) وفي الكلام تقديم وتأخير وأصله كالياسر الفالج، وفي سيرة علي (عليه السلام) المالية ورد المثل عند الثقفي(1) (كالياسر الفالج).
وجاء في باب كلامه المحتاج إلى تفسير في القصار من كلماته (عليه السلام):
كالياسر الفالج...(2) وعلق عليها الرضي: الياسرون هم الذين يتضاربون بالقداح على الجزور(3) والفالج القاهر والغالب.
فكان المثل في الخطبة من باب التقديم والتأخير كما في قوله تعالى: «وَغَرَابِيبُ سُودٌ»(4). وحسن الإمام ذلك هاهنا، أن اللفظتين صفتان وإن كانت إحداهما مرتبة على الأخرى.
وقد ذهب أبو عبيد القاسم بن سلام والجوهري وابن الأثير وابن منظور إلى أن (الياسر) هي لفظة تستعمل في المقامرة ولكنهم اضطربوا في تحديد الدلالة المعنوية لها(5)، وأوردها ابن عساكر(6) في تاريخه في ترجمة الإمام علي (عليه السلام) وذكر
ص: 100
كلام سفيان بن عيينة(1) عن حديث الإمام علي (عليه السلام) قال: ومن يحسن يتكلم بهذا الكلام إلا علي بن أبي طالب (عليه السلام).
وهم الإمام في هذا الكلام هو تشبيه المسلم بالفائز المقامر في لعبة، لا ينتظر إلا فوزاً إذا برئ من الدناءات فهو حاصل على إحدى الحسنيين، إما نعيم الآخرة أو نعيم الدارين فجدير به على أن لا يأسف على فوت حظه من الدنيا.
جاء في كلام له في الحث على الجهاد وذم القاعدين أولها: أما بعدُ فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه وهو لباس التقوى...... إلى قوله: ولكن لا رأي لمن لا يطاع)(2).
وخطبة الإمام (عليه السلام) كانت نتيجة الغارات التي أنفذها معاوية على أصحاب الإمام علي (عليه السلام)، فقد دعا معاوية سفيان بن عوف الأزدي ثم الغامدي، فسرحه في ستة آلاف من أهل الشام ذوي بئس وأناءة وأمره أن يلزم جانب الفرات الغربي حتى يأتي هيت فيغِير على مسالح علي وأصحابه بها، وبنواحيها ثم
ص: 101
يأتي الأنبار فيفعل بها مثل ذلك حتى ينتهي إلى المدائن، وحذره أن يقرب الكوفة وقال له: إن الغارة تنخب قلوبهم وتكسر حدهم وتقوي أنفس أوليائنا.. فشخص سفيان في الستة آلاف المضمومين إليه... وأتى الأنبار فأغار عليها فقاتله من بها من قبل علي فأتى على كثير منهم وأخذ أموال الناس وقتل أشرس بن حسان البكري عامل علي ثم انصرف، وأتى علياً علج فأخبره الخبر....(1).
وكان موقف أصحابه (عليه السلام) بعد هذا الكلام والاستنهاض قام إليه الناس من كل ناحية فقالوا: (سر بنا، فوالله لا يختلف عنك إلا ظنين)(2) وجاء في بعض حسان بن حسان البكري وابن حسان البكري هو أشرس بن حسان البكري صاحب مسلحة الإمام علي (عليه السلام) في الأنبار، فقتل مع ثلاثين من رجاله(3).
والمثل (لا رأي لمن لا يطاع) ذكره الميداني(4) من أقوال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في خطبته التي يعاتب فيها أصحابه، هذا ولأبي هلال العسكري(5) كلام آخر بخصوص هذا المثل بقوله:
أول من قال عتبة بن ربيعة(6) وتمثل به علي (عليه السلام) وذكر سبب قول عتبة
ص: 102
حين أجمعت قريش المسير إلى بدر وهو مأخوذ من قول الشاعر(1):
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى *** ولا أمر للمعصيَّ إلا مضيّعاً وجاء المثل عند الإمام علي (عليه السلام) مسبوقاً بكلمة (لكن) المستخدمة للإستدراك فلو كان رأيه مطاعاً لما حدث ما لا يرغب به ولا قالت عنه قريش:
(إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب، لله أبوهم وهل أحد منهم أشد لها مراساً وأقدم فيها مقاماً مني، لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين...
وجاء المثل عند الإمام مناسب لما بنى على الحادثة التي قيل فيها، وجاء المثل في باب المبالغة في عدم تحقيق الأهداف السامية عند تركهم لطاعته وهو نظير قولهم (لا رأي لمعصي)(2) وقد ذكر الدينوري في باب المبالغة بقوله(3): قالها ثلاثاً.
وأصل المثل (لا يطاع لقصير أمر)(4) جاء استعمال أمير المؤمنين (عليه السلام) للمثل المذكور في خطبه بعد التحكيم حيث كانت الأحداث مضطربة أدت في آخر الأمر إلى (إن علياً ومعاوية إتفقا على أن
ص: 103
يكون مجتمع الحكمين بدومة الجندل(1) وهو المنتصف بين العراق والشام، ووجه علي مع أبي موسى شريح بن هاني في أربعة آلاف من خاصته وصير عبد الله بن عباس على صلاتهم، وبعث معاوية مع عمرو بن العاص أبا الأعور السلمي في مثل ذلك من أهل الشام(2)، وأورد ابن مزاحم(3) رواية أخرى ذكر فيها أن علياً بعث أربعمائة رجل وبعث عليهم شريح بن هاني الحارثي وبعث عبد الله بن عباس يصلي بهم، واختلف المؤرخون في الموقع بأنه دومة الجندل بأذرح أو بدومنة الجندل أو بأذرح)(4) والصحيح بأذرح كما ورد عند البلاذري(5): وكان تفرق الناس والحكمين عن أذرح في شعبان، فقال كعب بن جميل التغلبي(6):
كأن أبا موسى عشية أذرح *** يضيف بلقمان الحكيم يواربه ولما التقينا في شرات محمد *** علت بابن هند في قريش مضاربه وانطلت خدعة عمرو بن العاص على أبي موسى الأشعري وخدع صاحبه وأثبت عمرو بن العاص معاوية بعد أن صعد أبو موسى المنبر فبدأ قبل عمرو بن العاص لم يحتط لقول ابن عباس وتحذيره له بأن عمراً رجل غدرٍ قدمه ليتكلم قبلك(7).
ص: 104
وحمل شريح بن هاني على عمرو بالسوط، وحجز الناس بينهما وانسلّ أبو موسى فركب راحلته وهرب حتى لحق بمكة، وكان أبو موسى يقول: (لقد حذرني ابن عباس غدر عمرو)(1)، وجاء عند بعض المؤرخين ذكر قول أبي موسى: حذرني ابن عباس غدرة الفاسق ولكنني اطمأنيت إليه.
ثم انصرف عمرو وأهل الشام إلى معاوية وسلموا عليه بالخلافة ورجع ابن عباس وشريح بن هاني إلى علي(2).
فلما سمع الإمام علي (عليه السلام) بالخبر قام خطيباً وقال (الحمد لله وإن أتى الدهر بالخطب الفادح والحدث الجلل وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له...
أما بعد فإن معصية الناصح الشفيق العالم المجرب تورث الحسرة وتعقب الندامة....
وقد كنت أمرتكم في هذه الحكومة أمري... إلى قوله لو كان يطاع لقصير أمر، فأبيتم عليّ إباء المخالفين الجفاة)(3).
قال ابن أبي الحديد(4): (وهذه الألفاظ من خطبة خطب بها (عليه السلام) بعد خديعة ابن أبي العاص لأبي موسى وافتراقهما وقبل وقفة النهروان).
هذا ما كان في سبب الخطاب، أما ما استشهد به الإمام علي (عليه السلام) من المثل المذكور فهو قد وظف مثل قصير(5) إلى قضية التحكيم التي أشار إلى أصحابه
ص: 105
بعدم الرضوخ لها لأنه المجرب العالم والشفيق الناصح لهم ولكنهم لم يرعووا، فكان ما كان منهم فندم وتحسر وجاء المثل على لسانه بصيغة التمني لا بصيغة النفي التي جاء بها على لسان قصير فهو (عليه السلام) تمنى لو أن قومه أطاعوه وأخذوا بما أمرهم به لكانوا هم السباقين إلى المآثر ولكنهم أبَوا إباء المخالفين الجفاة حتى ظن البعض إن الإمام (عليه السلام) شك بنفسه بقوله لهم (حتى ارتاب الناصح بنصحه)(1) من شدة ما أفرطوا به في المخالفة له (عليه السلام)، وهذا ما استعمله (عليه السلام) في باب من أبواب البيان والمبالغة، فحاشاه أن يشك بنفسه ما حدث في زمن الإمام علي (عليه السلام) مطابق ومشابه لحادثة جذيمة الأبرش ونصح مولاه قصير إياه والقصة مدونة في كتب الأمثال(2) والحديث في ابنة الزبّاء، أنها امرأة من الروم وأمها من العمالقة، فكانت تتكلم العربية وكانت ملكة على جزيرة قنسرين.. وكان جذيمة الأبرش رجل من الأزد وكان ملكاً على الحيرة وما حولها وكان له مولى يقال له قصير كان لبيباً عاقلاً، ويقال في بعض الأمثال أنه هو أباه وكان جذيمة قد قتل أباها ولكنه بعد ذلك طلب منها الزواج وجمع أصحابه وشاورهم فزينوها له ولكن قصير نهاه عنها مرة أخرى وحينما رآه قصير قد عزم على الأمر قال: (لا يطاع لقصير رأي) ومضى إليها في ناس كثير فأعدت له العدة ثم غدرت به وقتلته.
والقصة من أحفل القصص في الأمثال التي قيلت خلال حوادثها وقد بلغت
ص: 106
واحداً وعشرين مثلاً بين قصير وجذيمة والزبّاء(1).
(........ وأعظكم بالموعظة البالغة فتنفرون عنها وأحثكم على جهاد أهل البغي فما أتى على آخر قولي، حتى أراكم متفرقين أيادي سبأ)(2) والخطبة ذكر بعضاً منها ابن قتيبة(3) مفرقة.
والخطبة في توبيخ أصحابه على التباطؤ على نصرة الحق، وجاء في معنى المثل في حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن فروة بن مسيك(4) قال أتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت يا رسول الله أخبرني عن سبأ أرجل هو أم امرأة؟ فقال: هو رجل من العرب ولد ولداً عشراً تيامن منهم ستة وتشاءم منهم أربعة فأما الذين تيامنوا فالأزد.... إلى آخر قصة(5) المثل.
وكان هناك اختلاف في أصل المثل فمنهم من يقول بأن المثل إسلامي كابن أبي
ص: 107
الحديد(1) معتمداً على قوله تعالى في أهل سبأ «وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مَمُزَّقٍ»(2) ومنهم من جعل أصله جاهلياً كما ذهب إليه صفاء خلوصي(3) بدلالة أن سبأ وجدت قبل الإسلام.
وأقول مرة أخرى لعدم وجود دليل معرفة أصل المثل إسلامياً كان أم جاهلياً لوجود التداخل الحاصل بين العهدين، ولعدم وجود القرينة التي تؤكد ذلك لكون القرآن الكريم صور لنا كثيراً من تاريخ الأمم الجاهلية للعبرة والعظة وأن وروده في كتاب الله العزيز لا يدل على أنه إسلامي والقرينة في ذلك اعتمادنا على ما ذكره الميداني(4) مسنداً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وجاء المثل في كتاب الأمثال على شكل (ذهبوا أيادي سبأ، وتفرقوا أيادي سبأ) واستعمال الإمام علي (عليه السلام) للمثل المذكور دليل على فرقة أصحابه عنه دليل قوله السابق وقوله:
(ترجعون إلى مجالسكم وتتخادعون عن مواعظكم... أيها الشاهدة أبدانهم، الغائبة عنهم عقولهم، المختلفة أهواؤهم..... صاحبكم يطيع الله وأنتم تعصونه وصاحب أهل الشام يعصي الله وهم يطيعونه.. لوددت والله أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني رجلاً منهم)(5).
وهذه الخطبة لا تعني انكسار علي (عليه السلام) فهو إن إنتهى من معركة النهروان بدأ يعد العدة للقاء معاوية في صفين وأخذ يحشد الجيوش فأرسل معقل
ص: 108
ابن قيس التميمي يحشد الناس من السواد وتوجه إلى الحرب قائلاً (الجهاد، الجهاد عباد الله، ألا وإني معسكر في يومي هذا فمن أراد الرواح إلى الله فليخرج)، وعقد للحسين (عليه السلام) في عشرة آلاف ولقيس بن سعد في عشرة آلاف ولأبي أيوب الإنصاري في عشرة آلاف، فما دارت الجمعة حتى ضربه الملعون ابن ملجم لعنه الله فتراجعت العساكر.
وفي الوقت نفسه تحرك معاوية من دمشق معسكراً وكتب إلى عماله بذلك هذا علماً بأن علياً (عليه السلام) لا يعول على العدو وهو القائل (والله لو تظافرت العرب على قتالي لما وليت عنها، ولو أمكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها)(1)، وقوله (والله لو لقيتهم وحدي وهم طلاع الأرض كلها ما باليت ولا استوحشت)(2).
والمثل عند الإمام ضرب لبيان تفرق القوم، ومعرفة تفرقة القوم عنه معروفة في مواطن كثيرة من خطبه (عليه السلام) فهو استفاد في وصفهم من مضمون المثل لا من شكل المثل، فجعل من مضمون المثل قراءة صادقة لوصف أصحابه المتفرقين ومصداقاً لقوله (عليه السلام): يا أهل الكوفة! منيت بكم بثلاث واثنين، صم ذو أسماع، وبكم ذو كلام، وعمي ذو أبصار، لا أحرار صدق عند اللقاء، ولا إخوان ثقة عند البلاء....(3) فكانت صورة الماضي البعيد في وصف أيادي سبأ حاضرة لدى الإمام (عليه السلام) فجاء بها بصيغة الحاضر عندما خاطبهم وهذا من قوة بيانه الذي لا يماريه فيه أحد.
ص: 109
(.... أما والله لو أني حين أمرتكم بما أمرتكم به حملتكم على المكروه الذي يجعل الله فيه خيرا.... إلى قوله: والى من؟ أريد أن أداوي بكم وأنتم دائي، كناقش الشوكة بالشوكة وهو يعلم أن ضلعها معها...)(1) هذا من كلامه (عليه السلام) في ليلة الهرير إحدى ليالي معركة صفين والتي افترقوا فيها عن سبعين ألف قتيلاً.(2) والمثل المستخدم في هذه الخطبة من قبل الإمام علي (عليه السلام) (كناقش الشوكة...) ورد في كتب الأمثال كالآتي:
((لا تنقش الشوكة بمثلها فإن ضلعها معها))(3) أي لا تستعن في حاجتك بمن هو للمطلوب منه الحاجة أنصح منه لك، والضلع الميل يقول: إن الشوكة إذا نقشت بها شوكة أخرى لم تخرجها وانكسرت معها، فصارت الشوكة أشد تفاقماً وقد نقشت الشوكة إذا استخرجتها، وأصل النقش الإستقصاء وذلك بأن الشوكة يستقصى عليها في الكشف وتستخرج وفي الحديث
ص: 110
(من نوقش في الحساب عذب)(1).
قال الشاعر(2) لا تنقش برجلِ غيركَ شوكةً *** فتقي برجلِكَ رجلَ من شاكَها ويبين ابن أبي الحديد معنى المثل بقوله(3): (لا تنقش الشوكة بالشوكة فإن ضلعها معها) والضلع الميل، يقول: لا تستخرج الشوكة الناشبة في رجلك بشوكة مثلها، فإن إحداهما في القوة والضعف كالأخرى، فكما أن الأولى انكسرت لما وطئها، فدخلت في لحمك فالثانية إذا حاولت استخراج الأولى بها تنكسر وتلج في لحمك.
فكان ربط المثل الذي قاله الإمام (عليه السلام) بصورة المتكلم إلى المخاطب السامع بقوله كناقش الشوكة بالشوكة موضحاً معنى المثل ومضمونه لا شكله، فجاء كلامه ببيان وصف رائع لأصحابه! أريد أن أداوي بكم وانتم دائي، فالعلة بأصحابه الذين ارتضوا بحادثة التحكيم التي لو رفضوها وأخذوا بقوله ونصحه لهم لما كان الداء والدواء.
فكيف له أن يرفع هذه الحادثة بعد أن أوجدها وارتضوا بها فكان حالهم وحال الإمام (عليه السلام) كمعالجة إخراج الشوكة بشوكة أخرى لا تزيدها إلا ولوجاً وألماً.
ص: 111
في المثل: ما سمر سمير.... وعند أبي هلال العسكري(1):
ابنا سمير وابنا جمير: الليل والنهار: سميا ابني سمير، لأنه يسمر فيهما، وابني جمير: للإجتماع فيهما، وقيل السمير: الدهر وقال بعضهم: ابنا سمير، الغداة والعشي، والسمر الظلمة لأنهم كانوا يسمرون فيها.
قال تعالى «مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ»(2)، أي تهجرون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في سمركم.
وجاء في التفاسير عن قوله تعالى «سَامِرًا تَهْجُرُونَ» أربع مسائل نذكر منها بعض الأوجه: الأول: قوله تعالى «سَامِرًا تَهْجُرُونَ» سامر نصب على حال ومعناه سمارا وهم الجماعة يتحدثون بالليل، مأخوذ من السمر وهو ظل القمر.
والسامر أيضاً السمار وهم القوم الذين يسحرون وسامر طل فيه اللهو السمر(3).
والقول الثاني: روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إنما كره السمر حين نزلت هذه الآية «مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ» يعني أن الله ذم أقواماً يسمرون في
ص: 112
غير طاعة الله تعالى(1)..
وجاء قول الإمام (عليه السلام) من كلامه لما عوتب على التسوية في العطاء:
فأجاب: أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه، والله ما أطور به ما سمر سمير).
وقد ذكر ابن قتيبة(2) في سيرة علي (عليه السلام) المالية قال: ثم قام رجال من أصحاب علي (عليه السلام) فقالوا: يا أمير المؤمنين إعط هؤلاء هذه الأموال وفضل هؤلاء الأشراف من العرب، وقريش على الموالي، ممن يتخوف خلافه على الناس وفراقه.
وأما عامة الناس فهمهم الدنيا ولها يسعون وفيها يكدحون فأعط هؤلاء الأشراف، فإذا استقام لك ما تريد عدلت إلى أحسن ما كنت عليه من القسم.
فقال علي (عليه السلام) أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه من الإسلام؟ والله لا أفعل ما لاح في السماء نجم.
فهو (عليه السلام) استخدم المثل المذكور ليؤكد بقوله أنه ما دام هناك ليل ونهار لا يفعل إلا بما أمر الله، وسياسة الإمام علي (عليه السلام) المالية معروفة أفاضت بها كتب التاريخ فقد كان يقسم العطاء بالتساوي ثم يكنس بيت المال ويصلي فيه وكان علي (عليه السلام) يعطيهم من الجمعة إلى الجمعة وكان يقول(3):
ص: 113
هذا جنايَ وخيارُهُ فيه *** إذ كل جانٍ يدُهُ إلى فيهِ وعلّق عليه السيوطي في الدرّ المنثور وقال(1): قال علي (عليه السلام): هذا جناي.....، أراد أني لم استأثر بشيء من فيء المسلمين وأصل هذا المثل أن جذيمة أرسل عمرو ابن أخته مع جماعة يجنون له الكمأة فكانوا إذا وجدوا جيدة أكلوها ولم يفعل ذلك عمرو فجاء خاله فقال ذلك.
وذكر البلاذري(2) في سيرة الإمام المالية قال: أتى المال إلى علي (عليه السلام) مكوم كومة من ذهب وكومة من فضة وقال يا حمراء وبيضاء احمري وابيضي وغري غيري وتمثل بالمثل هذا جناي....
من خطبة له (عليه السلام) في صفة الضال:
(وضع فخرك واحطط كبرك واذكر قبرك فإن عليه ممرك وكما تدين تدان، وكما تزرع تحصد، وما قدمت اليوم تقدم عليه غداً....)(3).
ص: 114
أي كما تفعل يفعل بك والدين الجزاء وفي القرآن الكريم (مالك يوم الدين)(1) أي يوم الجزاء وقيل الدين ههنا الحساب، وأصل الدين الإنقياد، يقال: دانوا لملكهم إذا انقادوا له(2).
والمثل ليزيد بن الصعق(3) وقصة المثل عن ابن دريد بن أبي حاتم عن الأصمعي قال: كان ملك من ملوك غسان يعذر النساء(4)، لا يبلغه عن امرأة ذات جمال إلا أخذها، فأخذ بنت يزيد بن الصعق الكلابي وكان ابوها غائباً، فلما قدم أخبر، فوفد إليه، فصادفه منتدياً، وكان الملك إذا انتدى لا يجب عن أحد، فوقف بين يديه وقال(5):
يا أيها الملكُ المقيتُ أما ترى ليلاً وصبحاً كيف يختلفان هل تستطيعُ الشمسَ أن تؤتي بها *** ليلاً وهل لك بالمليك يدان فاعلم وأيقن أن ملككَ زائلٌ *** واعلم بأن كما تدين تدان
ص: 115
والمثل استخدمه الإمام علي (عليه السلام) للعبرة والعظة والتذكير بأن ما تزرعه يا ابن آدم من خير تحصده غداً وكما تزرع في شر فلا بد أن تدان به.
تمثل الإمام علي (عليه السلام) في هذا المثل بخطبة له في فضائل أهل البيت (عليهم السلام) فهم كرائم القرآن وهم كنوز الرحمن، وإن نطقوا صدقوا، وإن صمتوا لم يسبقوا، فليصدق رائد أهله...).
وأصل المثل قولهم (الرائد لا يكذب أهله)(1).
والرائد: الذي يتقدم القوم ليطلب الماء والكلأ لهم فإذا أكذبهم أفسد أمرهم، وأمر نفسه لأنه واحد منهم.
يضرب مثلاً للنصح غير المتهم على من تنصح له، وأصله في العربية من قولهم:
رادَ بَرُود، إذا جاء ذهب ونظر يميناً وشمالاً ومن ثم قيل: ارتاد الشيء، إذا طلبه، لأن الطالب يتردد في حاجته حتى ينالها(2).
وهو من الأمثال التي تمثل بها الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) في خطبة خطبها بمكة حين دعى قومه إلى دين الإسلام(3) بأمر الله سبحانه وتعالى عندما
ص: 116
نزلت الآية (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ»(1).
عن علي (عليه السلام) (جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بني عبد المطلب وهم يومئذ أربعون رجلاً، ودعاهم إلى مأدبة وشربوا وأكلوا ثلاثاً....، والحادثة معروفة عند المؤرخين والمفسرين ليس فيها مراء إلا لمعاند وكان في نهاية المطاف قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) من يكون وليي ووصيي بعدي وخليفتي ثلاثاً كل ذلك يسكت القوم ويقول علي (عليه السلام): أنا، فقال: أنت)(2).
ويقال في الثانية حمد الله وأثنى عليه ثم قال: (إن الرائد لا يكذب أهله، والله لو كذبت الناس ما كذبتكم، ولو غررت الناس جميعاً ما غررتكم....)(3).
وقيل هو من أقوال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)(4)، وجاء استخدام الإمام علي (عليه السلام) للمثل (الرائد لا يكذب أهله) بتغيير شكل المثل من حيث الصورة الفنية (ليصدق رائد أهله) رغم أنه ضمن معنى المثل لا شكله إلا أن المعنى واحد، لا فرق بينهما سوى تبديل (لا يكذب) ب (ليصدق) وهو خبر أريد به النهي:
أي لابد أن لا يكذب فهو كالمثل السائر (الرائد لا يكذب أهله) لا نفسه.
ص: 117
واستخدام الإمام علي (عليه السلام) للمثل لوصفه الرائد الذي يأخذهم إلى المسار الصحيح لأنه الوالي على الرعية، وهو مأخوذ من قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما تمثل بالمثل نفسه حينما عرض نفسه على قومه وهو الصادق الأمين كما تقدم، والواقعة متماثلة بين ما حدث زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حين جمع قومه وبين جمع الإمام (عليه السلام) لقومه هو الآخر لتعريفه بأيهم بمقام أهل البيت (عليهم السلام).
من خطبة له للحث على التقوى (اعلموا عباد الله: أن عليكم رصداً من أنفسكم، وعيون من جواركم وحفاظ صدق يحفظون أعمالكم، وعدو أنفسكم، لا تستركم منهم ظلمة ليل داج ولا يكنكم منهم باب ذو رتاج، وأن غداً من اليوم قريب)(1).
قال ابن أبي الحديد: قوله (عليه السلام) (أن غداً من اليوم قريب، كلام يجري مجرى المثل والأصل فيه قوله تعالى «إِنَّ مَوْعِدَهُمْ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ»(2).
قال الميداني: أول من قال: (ان غداً لناظره قريب)(3) قراد بن أجدع في حادثة له مع النعمان بن المنذر ملك الحيرة نوجز بعضاً منها:
خرج النعمان بن المنذر يتصيد على فرس له اسمه (اليحموم)، فأجراه على اثر
ص: 118
غيره، فذهب الفرس في الأرض ولم يقدر عليه، وانفرد عن أصحابه وأخذته السماء فطلب ملجأ يلجأ إليه، فدفع إلى بناء فإذا فيه رجل من طيء يقال له حنظلة ومعه امرأة له، فقال لهما: هل من مأوى؟ فقال حنظلة: نعم، فخرج إليه فأنزله ولم يكن للطائي غير شاة وهو لا يعرف النعمان فقال لامرأته: أرى رجلاً ذا هيئة وما أخلقه أن يكون شريفاً خطيراً في الحيلة؟ فقررا ذبح الشاة فأطعمه من لحمها وسقاه من لبنها ولما أصبح الصباح أخبر النعمان بخبره للطائي، ومكث الطائي بعد ذلك زمناً بعد رحيل النعمان وأصابه نكبة وجهد وساءت حاله وذهب إلى الحيرة ولكنه وافق يوم بؤس النعمان فعرفه النعمان وساءه مكانه وقال له أهلاً جئت في غير هذا اليوم؟ قال أبيت اللعن، وما كان علمي بهذا اليوم؟ قال والله لو سنح لي في هذا اليوم قابوس ابني لم أجد بداً من قتله، اطلب حاجتك من الدنيا وسل ما بدا لك فإنك مقتول فقال الطائي: وما أصنع بالدنيا بعد نفسي؟ قال النعمان: إنه لا سبيل إليها واتفقا على كفيل بعد أن يخبر الطائي أهله وكان شريك بن عمرو بن قيس من بني شيبان وكان يكنى أبا الحومر وكان صاحب الردافة فأبى شريك أن يتكفل به، فوثب إليه رجل من كعب يقال له قراد بن أجدع فقال للنعمان: أبيت اللعن هو عليّ، قال النعمان، أفعلت؟ قال نعم، فضمنه إياه ثم أمر الطائي بخمسمائة ناقة.
فمضى الطائي إلى أهله وجعل الأجل حولاً من يومه ذلك إلى مثل ذلك اليوم من قابل، فلما حال عليه الحول وبقى من الأجل يوم قال قراد للنعمان:
فإن يكُ صدرُهذا اليوم ولّی *** فإن غداً لناظره قريبُ فلما أصبح النعمان ركب في خيله وأخذ معه قراداً وأمر بقتله فقال له وزراءه أليس لك أن تقتله حتى يستوفي يومه فتركه، وكان النعمان يشتهي أن يقتل قراداً ليفلت الطائي من القتل، فلما كانت الشمس تجيب وقراد قائم مجرد في أوزار على
ص: 119
النطع والسياف إلى جنبه أقبلت امرأته تقول فيه شعراً، فبينا هم كذلك إذ رفع لهم شخص من بعيد وقد أمر النعمان بقتل قراد، فقيل له ليس لك أن تقتله، حتى يأتيك الشخص فتعلم من هو، فكف عنه، فإذا هو الرجل الطائي، فلما نظر إليه النعمان شق عليه مجيئه، فقال له: ما حملك على الرجوع بعد افلاتك من القتل؟ قال: الوفاء، قال: وما دعاك إلى الوفاء؟ قال: ديني، قال النعمان: وما دينك؟ قال: النصرانية.
ومنها تنصر النعمان وأهل الحيرة أجمعون وأبطل تلك السنة.(1) والمثل يضرب للنظر في العواقب، والمثل بمثال المثل المذكور قولهم (كل ما هو آت قريب)(2) والمثل لمن حرم مراده اليوم فوُعِده في غده(3) و قول الإمام يضرب للترغيب والنظر في العواقب ومنه (.... فتسابقوا رحمكم الله إلى منازلكم.....).، والترهيب عما فيه ذكر الموت وما ينبه الذاكر المتفكر ومنه قوله لزياد بن أبيه (فدع الإسراف مقتصداً واذكر في اليوم غداً)(4).
وهكذا استفاد الإمام (عليه السلام) من واقع المثل في الحادثة المذكورة إلى الواقع
ص: 120
الجديد لها في تذكير أصحابه وعظتهم لأن غداً لناظره قريب.
من خطبة له (عليه السلام) في عظمة الله سبحانه وتعالى (.... والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها ولقد قال لي قائل: (ألا تنبذها عنك؟ فقلت أغرب عني فعند الصباح يحمد القوم السرى)(1).
إن أول من قال ذلك خالد بن الوليد لما بعث إليه أبو بكر وهو باليمامة: أن سر إلى العراق فأراد سلوك المفازة، فقال له رافع الطائي: قد سلكتها في الجاهلية، وهي خمس للإبل الواردة، ولا أظنك تقدر عليها إلا انه تحمل من الماء، فاشترى مئة شارف(2) فعطشها، ثم سقاها الماء حتى رويت ثم كبتها وكمم أفواهها ثم سلك المفازة حتى إذا مضى يومان، خاف العطش على الناس والخيل، وخشى أن يذهب ما في بطون الإبل واستخرج ما في بطونها من الماء، فسقى الناس والخيل، ومضى، فلما كان في الليلة الرابعة قال رافع: انظروا هل ترون سدرا عظاماً؟ فإن رأيتموها وإلا فهو الهلاك، فنظر الناس فرأوا الِّسدر فأخبروه، فكبر، وكبر الناس ثم هجموا على الماء فقال خالد(3):
لله در رافع أنى اهتدى *** فَوزَ من قراقَر إلى سوى فما إذا سار به الجيش بكى *** ما سارها من قبله إنس يرى
ص: 121
عند الصباح يحمد القوم السرى *** وتنجلي عنه غبابات الكرى وينسب أبو هلال العسكري(1) المثل إلى الجميح يقول(2) فيه:
قلت اغري صاحبي إلا بكى عند الصباح يحمد القوم السرى وتنقضي عنهم غيابات الكرى ويضرب المثل لما ينال بالمشقة، ويوصل إليه بالتعب رجاء الراحة(3) وعند الزمخشري: يضرب في الحث على مزاولة الأمر بالصبر وتوطين النفس حتى تحمد عاقبته(4) والإمام (عليه السلام) استخدم المثل ووظفه من اجل ان يفهم السائل بأنه يحتمل المشقة والعناء في الدنيا مقابل الكسب في الدنيا والآخرة.
فترقيع مدرعة الإمام من قبل راقعها واستحياء الإمام من ذلك لم يكن إلا لغاية عظيمة يدركها ذو الفهم الواضح، ودرس إلى السلاطين ومن يلوذ بهم بأن هذه المدرعة تعدل جببكم وألبستكم المزيفة.
ص: 122
ألا وهو القائل: عندما سئل لم ترقع قميصك؟ قال (عليه السلام): ليخشع القلب، ويقتدي بي المؤمنون(1).
من كلام له (عليه السلام) بعدما بويع بالخلافة وقد قال قوم من أصحابه (لو عاقبت قوماً ممن أجلب على عثمان؟ فقال (عليه السلام): يا اخوتا؟ إني لست أجهل ما تعلمون.... ولا تفعلوا فعلة تضعضع قوة، وتسقط منّة، وتورث وهنا وذلة وسأمسك الأمر ما استمسك وإذا لم أجد بداً فآخر الدواء الكي.(2) قيل في المثل آخر الطب الكي(3) لأنه إنما يقدم عليه بعد أن لا ينفع معه كل دواء وأبى قبول كل دواء حسم بالكي آخر الأمر، وقائله لقمان بن عاد(4): وذلك بحادثة امرأة تغازل رجلاً زعمته أخاها ولو كان أخاها لجلي عن نفسه وكفاها الكلام، والتقى لقمان زوجها فعرفه من خلال أراجيز يرتجزها وعلامات وجدها لقمان في بيت الرجل فعرف أنه زوج المرأة فأخبره الخبر فأجابه الرجل، أفلا أعالجها بكية
ص: 123
توردها المنية؟ فقال لقمان: آخر الدواء الكي(1).
والمثل يضرب في أعمال المخاشنة مع العدو إذا لم يُجِد معه اللين والمداراة وفي القصة اعتبار بعد التأكد، بما يريد الإمام من ضرب المثل للناس لكي يستقيموا فيصيبوا رشدهم وحظهم، وإن اعوجوا فلابد من إقامة اعوجاجهم مهما كلف الأمر.
والكي في موقع المثل هو القتل(2) ومن المعروف تاريخياً في أحداث الفتنة الكبرى التي أدت إلى مقتل الخليفة عثمان بن عفان وما تبعها من الأحداث الجسام التي أدت إلى حروب دامية بين المسلمين والآراء التي قيلت في ذلك حول قتله، مما حدا بالإمام (عليه السلام) أن يتخذ هذا النوع من الكلام مع أصحابه كي يفهموا مقاصده التي يبني من ورائها إمساك الأمر ما استمسك وإن لم يجد به بداً فآخر الدواء القتل.
جاء في كتاب إلى معاوية بن أبي سفيان جواباً.
(أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر فيه اصطفاء الله محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) وتأييده إياه بمن أيده من الصحابة فقد خبأ لنا الدهر منك عجباً.... ونعمته علينا في بنينا، فكنت في ذلك كناقل التمر إلى هجر أو داعي مسدده إلى النقال(3).
ص: 124
ذكر المؤرخون كثيراً من الكتب السياسية بين الإمام علي (عليه السلام) ومعاوية بن أبي سفيان، قال الدنيوري(1): فلم يزالوا يتراسلون شهري ربيع وجمادى ويقرعون فيما بين ذلك يرجف بعضهم إلى بعض فتحجز بينهم القرّاء والصالحون.
ولقد وجد الإمام نفسه بين خيارين بعد أن طغى معاوية إما الكفر وإما قتال معاوية(2)، فالدين في الإسلام يعني (الطاعة) وهو الشريعة من حيث أنها تطاع حسب تعريفات الجرجاني(3).
وفي الكتاب ثلاثة أمثال أولهما قوله (عليه السلام) فلقد خبأ لنا الدهر منك عجباً، وهو قولهم إن تعش ترَ ما لم ترَ، قال أبو عيينة المهلبي(4):- قل لمن أبصر حالاً مُنكَرَه *** ورأى من دهره ما صَیَّرَه ليسَ بالمنكرِ ما أبصرتَهُ *** كل من عاشَ يرى ما لم تَرَه وهذا هو معنى قول الإمام علي (عليه السلام) بأنه رأى العجب العجاب من قول معاوية.
والمثل الثاني:
قوله (عليه السلام): كناقل التمر إلى هجر - وأصل المثل كمستبضع التمر إلى
ص: 125
هجر(1) والمثل يأتي بصيغة أخرى كمستبضع التمر إلى خبير قال النابغة الجعدي:
وإن أمرءاً أهدى إليك قصيدة *** كمستبضع تمراً إلى أرض خيبرا(2) ويضرب مثلاً للرجل يعلم من هو أعلم منه وهو قولهم:
(كمعلمة أمها البضاع)(3) قال ابن ميثم البحراني(4): وأصل هذا المثل أن رجلاً قدم من هجر إلى البصرة بمال اشترى به شيئاً للربح، فلم يجد فيها أكسد من التمر، فاشترى به تمراً وحمله معه إلى هجر، وادخره في البيوت منتظراً به السعر فلم يزدد إلا رخصاً، إن صدقت القصة وان لم تصدق فالواقع يقول من الأمثلة المذكورة التي تجري في كل من ينقل الشيء إلى معدنه ومنه نقل كلام أو علم إلى معلمه أو استاذه، وهذا شأن كل مثل مطبق على مواضعه التي بينها وبينه مناسبة وارتباط يدعو المتكلم على التمثيل به من أجلها، لذا نرى الإمام علياً (عليه السلام) قد تمثل بهذا المثل وكأنه يقول: ما قيمتك يا معاوية؟ وما أنت وتعديد نعم الله عز وجل علينا أهل البيت؟ وأهل البيت أدرى بما فيه وليس مثلك يا معاوية، أتعدد نعم الله تعالى علينا إلا كمستبضع التمر إلى بلدة هجر(5) ثم أنه (عليه السلام) أكده بقوله: (أو داعي مسددة إلى النضال)(6) أي معلمه
ص: 126
الرمي وهذا إشارة إلى المثل المشهور:- أعلمه الرماية كل يوم *** فلما اشتد ساعده رماني(1) والمثل يضرب لمن يجيء بالعلم لمن هو أعلم منه.(2)
(........ هيهات لقد حن قدح ليس منها وطفق يحكم فيها من عليه محكم لها)(3) وهذا من الأمثال التي وردت في نفس الكتاب(4) المرسل من قبل الإمام علي (عليه السلام) إلى معاوية الذي بيّنا فحواه.
والمثل في المستقصى: القداح الذي يضرب بها تكون من نبع فربما ضاع منها قدح فينحت على مثاله من غرب أو غيره آخر بالعجلة فإذا أجيل منها صوت لا يشبه أصواتها فيقال ذلك.
ضربه عمر بن الخطاب مثلاً لعقبة ابن أبي معيط(5) حين أمر النبي (صلى الله عليه
ص: 127
وآله وسلم) بضرب عنقه يوم بدر، أأقتل ممن بين قريش وهو القائل مخاطباً الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): يا محمد من للصبية؟ قال: النار.(1) أراد به عمر إنك لست من قريش(2) وعلق عليه أبو هلال العسكري بقوله:(3) فما أدري أقاله مبتدءاً أو تمثله، والمثل يضرب للرجل يدخل نفسه في القوم ليس منهم، ولا غرابة في ذلك، وبما أن الإمام علياً (عليه السلام) قد أورد المثل في جوابه لمعاوية أيضاً على تمييز معاوية للمهاجرين الأولين وترتيب درجاتهم وتعريف طبقاتهم.
بقوله (عليه السلام): (وما أنت والفاضل والمفضول وترتيب درجاتهم وتعريف طبقاتهم؟ هيهات لقد حن قدح ليس منها)(4).
لذا كان استخدام المثل عند الإمام (عليه السلام) في مقامه حيث أنه رد على معاوية لما تفاخر بقوم ليس منهم.
.... تعرفها قلوب المؤمنين، ولا تمجها آذان السامعين فدع عنك من مالت به
ص: 128
الرمية(1).
وهذا المثل الثالث الذي استخدمه الإمام (عليه السلام) في الكتاب المذكور نفسه آنفاً ليكون شاهداً على معاوية بأنه قد خرج على الخليفة الشرعي الذي تمت له بيعة المسلمين عامة، فموارد الأمثال عند الإمام (عليه السلام) في هذا الكتاب للتذكير والعظة والتبصرة وإلقاء الحجة على الخصم، فهنا نراه (عليه السلام) يتمثل بالمثل المذكور أعلاه والذي يضرب لمن أعوج غرضه فمال عن الإستقامة لطلبه والرمية، الطريدة المرمية(2) ومالت به: خالفت قصده، ومعناه: اترك ذكر من مال إلى الدنيا وأمالته إليها، وقد رد به الإمام (عليه السلام) على معاوية بن أبي سفيان بعد أن ذكر معاوية في كتابه المرسل للإمام بعضاً من الناس المؤمنين من أهل البيت ومحبيهم فكان جواب الإمام علي (عليه السلام) له: ما لك وهؤلاء وأنت طالب دنيا تميل معها حيثما مالت.
من كتاب له (عليه السلام) إلى أبي موسى الأشعري قبل عزله عن ولاية الكوفة وقد بلغه عنه تثبيطه(3) الناس عن الخروج لما ندبهم لحرب أصحاب الجمل (فقد بلغني قول هو لك وعليك، فإذا قدم رسولي عليك فارفع ذيلك واشدد مئزرك واخرج من جحرك... وإن تفشلت فابعد... ولا تترك حتى يخلط زبدك بخاثرك)(4).
ص: 129
عن الأصمعي(1): يضرب المثل للقوم يقعون في التخليط من أمرهم.
وهو شبيه المثل (اختلط الحابل بالنابل)(2).
وأصله الزبد يذاب فيفسد، ولا يدري أيجعل سمناً أو يترك، وجاء تمثل الإمام علي (عليه السلام) بهذا المثل في موضعه الذي رآه من أبي موسى بعد أن أرسل له عبد الله بن عباس وعمار بن ياسر إلى الكوفة(3) وأتيا بكتاب علي (عليه السلام) وقاما في الناس بأمره(4) وكان يحض الناس على القعود بقوله (انها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم)(5).
وهذا ما أردنا به تعضيد ما ذهب إليه عبد الزهراء الحسيني(6) بأنه لم يرَ نصاً أو ذكراً لهذا الكتاب الذي ذكره الطبري لا بالنص ولكن بالمضمون بقوله (أتيا أبا موسى بكتاب علي (عليه السلام) ذكر خبره البلاذري(7) بقوله: (فكتب إليه: (يابن الحائك))...... وبعث الحسن بن علي ليندب الناس إليه.
والإمام علي (عليه السلام) استخدم المثل بمعناه لا بشكله كعادته في استخداماته للأمثال بغية إفهام أبي موسى مداركه لكي لا يلتبس عليه الحق بالباطل.
ص: 130
ومن كتاب له (عليه السلام) إلى معاوية جواباً.
(وأما تلك التي تريد، فإنها خدعة الصبي عن اللبن في أول الفصال والسلام لأهله...)(1).
طلب الإمام (عليه السلام) من جرير بن عبد الله البجلي(2) أن يذهب إلى معاوية بكتابه المعروف والذي جاء في قسم منه (أما بعد فإن بيعتي في المدينة لزمتك وأنت في الشام لأنه بايعني الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوا؟ فلم يكن للشاهد أن يختار وللغائب أن يرد)(3).
وحينما وصل مبعوث الإمام علي (عليه السلام) أبطأ معاوية، وأخذ يماطله ويستمهله فقد أتاه في منزله فقال: يا جرير، وإني قد رأيت رأياً، قال: هاته، قال:
اكتب إلى صاحبك يجعل لي الشام ومصر جباية، فإذا حضرته الوفاة لم يجعل لأحد بعده بيعة في عنقي، وأسلم له هذا الأمر واكتب إليه بالخلافة.(4)
ص: 131
وقد ظن البعض من أصحاب علي (عليه السلام) بجرير البجلي الظنون فمنهم من ظن انه قال إلى معاوية وآخرون قالوا سجن لطول مدة بقائه وكانت تلك فتنة سفيانية لها آثار على بعض الصحابة وهذا نوع من أنواع الإعلام النفسي الذي مارسه معاوية بن أبي سفيان، وماطله ثلاثة اشهر(1).
هذا الإعلام الخطير كشفه ابن قتيبة(2): (إنما أراد معاوية في طلبه الشام ومصر ألا يكون لعلي في عنقه بيعة، وأن يخرج نفسه مما دخل فيه الناس، فكتب إلى علي يسأله ذلك، فلما أتى علياً كتاب معاوية عرف أنها خدعة منه.
وكتب له الإمام (عليه السلام) (أما بعد فإنما أراد معاوية ألا يكون في عنقه بيعة وأن يختار من أمره ما أحب، وأراد أن يريثك حتى يذوق أهل الشام، وإن المغيرة بن شعبة قد كان أشار علي أن استعمل معاوية على الشام وأنا بالمدينة فأبيت ذلك، ولم يكن الله ليراني اتخذ المضلين عضُداً، فإن بايعك الرجل وإلا فأقبِل)(3).
لقد كانت كلمات الإمام (عليه السلام) هي الدين بحقيقته، وليس تتبع المنهج السياسي المصلحي أو الميكافلي، أو لو كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) قد اتخذ المضلين عضُداً له في شؤون الأمة الإسلامية لما كان علي بن أبي طالب الذي رباه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا ذاك الذي ضحى بحقه من اجل بقاء دينه وسلامة أمة الإسلام ودولتها الإلهية.
ص: 132
ويذكر الميداني(1): بعد إرساله للمثل حادثة إرسال أمير المؤمنين (عليه السلام) عنه جرير بن عبد الله البجلي ليأخذ البيعة فاستعجل عليه فقال: انه ليست بخدعة الصبي عن اللبن، هو أمر له ما بعده، وهذا خلاف الواقع التاريخي فقد ما طال واستمهل معاوية جريراً حتى ظنت به الناس الظنون.
لذلك كان جواب الإمام علي (عليه السلام) لجرير شافياً دقيقاً عالج فيه الموقف لأنه لا يتبع المنهج المصلحي كما رأينا، فكان المثل (فإنها خدعة الصبي عن اللبن في أول الفصال) أصدق أن يتمثل به الإمام في جوابه إلى معاوية بعد أن عرف غاياته وليس لمعاوية غاية إلا أن يماطل ويساوم ويلبس الباطل لبوس الحق ويطليه على الناس بأنه صاحب دم الخليفة المقتول عثمان بن عفان فإن في كلامه خدعة عراها الإمام (عليه السلام) أمام الناس بأن معاوية يطلب الرياسة لا الثأر كما يخدع الصبي عن اللبن لغاية الفصال.
و خدعة الصبي عن اللبن: هي تلطيخ الثدي بشيء مر، لينفر عن الإلتقام، مقدمة للفطام وليس القصد ذلك إلا الانفصال فحسب.
ويمثل ما قالته العرب وذهب مثلاً أو مجرى المثل سواء كان بيتاً كاملا أو شطر بيت.
وقد تمثل الإمام علي (عليه السلام) بالشعر كما ثبته الرضي في كتاب نهج البلاغة، وكان ما ذكره إحد عشر نصاً بين بيت كامل وشطر بيت، وهذا يبين اهتمام الإمام
ص: 133
علي (عليه السلام) بالشعر العربي دليل استعماله له ومعرفته التامة بنوعيته وأصالته لما له من قوة بيان، ذلك من خلال ما سئل به من اشعر الشعراء؟ فقال (عليه السلام)(1).
إن القوم لم يجروا في حلبة(2)، تعرف الغاية عند قصبتها فإن كان لا بد فالملك الضليل، يريد (امرأ القيس).
1- شتان ما يومي على كورها *** ويوم حسان أخي جابر(3) والبيت من قصيدة يهجو بها علقمة بن علاثة، ويمدح عامر بن الطفيل في المنافرة(4).
والضمير في (كورها) في البيت المتمثل به يعود على الناقة في بيت متقدم عليه هو:
وقد أسلى الهم إذ يعتري *** بجسرة دوسرة عاقر(5)
ص: 134
وحيان: اسم رجل من بني حنيفة، كان سيداً مطاعاً، وذا نعمة وافرة، وكان الأعشى ينادمه، وجابر أخو حيان، أصغر منه، وذكره الشاعر للقافية.
ومعنى البيت، فرق كبير ما بين سفري على ناقتي وبين يوم حيان في نعمته الوافرة(1).
قال السيد المرتضى(2): أراد بذلك أن القوم لما فازوا بمآ ربهم وظفروا بمطالبهم وحصل ما كان منتهى أمانيهم وهو (عليه السلام) في ذلك كله محق في حقه، مكد في نصيبه كان بين مالهم وحاله بون بعيد واختلاف شديد واستعار لفظ اليومين وكنى بهما عن حالهم وحاله، وشبه حالهم بيوم حيان.
وقيل أنه كنى بهما عن اليوم الذي كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واليوم الذي فارق رسول الله عنهم وهو معهم(3).
ووجه الشبه: ما اشتمل عليه يوم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ويوم حيان على المسار والرفاهية وحصول المطالب وما اشتمل عليه يوم المفارقة والشبه يوم مفارقة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بيومه على كورها.
وجاء في المثل (أنعم من حيان)(4) وأضاف عليه الزمخشري(5) (أنعم من حيان
ص: 135
أخي جابر).
وأشار إلى البيت الشعري الآنف الذكر، ثم اردفه بقوله:
وإنما أضافه إلى أخيه لإضطرار القافية وحيان كان جليلاً ولم يكن جابر مثله فغضب وقال: كأني لا أعرف إلا بأخي، واستشن ما بينهما بسبب ذلك.
وبيان معنى البيت عند الميداني(1) واضح بقوله: (أنا في السير والشقاء وحيان في الدعة والرخاء).
وقد تمثل به الإمام علي (عليه السلام) في خطبته الشقشقية المعروفة وكأنه هو قائله تماشياً مع كلامه السابق في الخطاب ولم ينسبه إلى قائله، يشير به إلى أن هناك فرقاً بين يومه في الخلافة عندما انتفض عليه في الأمر من خروج عائشة والزبير بن العوام وطلحة في معركة الجمل واستئثار معاوية في الشام وخروج الخوارج وما إلى ذلك ويوم الخليفة الثاني عمر بن الخطاب حيث وليها على قاعدة ممهدة.
2- لعمر أبيك الخير يا عمرو وأنني *** عليَّ وضرٌ من الإناءِ قليل(2) هذا البيت الشعري تمثل به الإمام علي (عليه السلام) ضمن خطبة خطبها بعد أن تواترت عليه الأخبار باستيلاء أصحاب معاوية على اليمن وقدم عليه عماله على اليمن عبيد الله بن عباس وسعيد بن نمران لما غلب عليهما بسر بن أبي أرطاة(3) فقام
ص: 136
(عليه السلام) إلى المنبر ضجراً من تثاقل أصحابه عن الجهاد ومخالفتهم له في الرأي فقال:
ما هي إلا كوفة اقبضها وابطئها، وان لم تكوني إلا أنت تهبُ أعاصيرك فقبحك الله (وتمثل بقول الشاعر):
(لعمر أبيك الخير... ثم قال: (عليه السلام) أنبئت بسراً قد اطلع اليمن واني والله لا أظن أن هؤلاء القوم سيدالون منكم باجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم....
كانت وصية معاوية حين أرسل بسر بن أبي ارطأة إلى الحجاز واليمن بهذا النص (سر حتى تمر بالمدينة فاطرد الناس وأخف من ورث به وانهب أموال كل من أصبت له مالاً ممن لم يكن قد دخل في طاعتنا، لما وصل المدينة يومئذ أبو أيوب الأنصاري
ص: 137
ففرّ منهم أبو أيوب، فأتى علياً بالكوفة ودخل بسر المدينة(1).
ثم سار بسر إلى اليمن وكان على اليمن عبيد الله بن العباس عامل علي(2) وسعيد بن نمران، وكان عبيد الله عامله على صنعاء وسعيد بن نمران عامله على الجند(3) وقتل بسر في ميسرة ذلك جماعة كثيرة من شيعة علي باليمن، فوجه إليه الإمام (عليه السلام) جاريه بن قدامة في الفين ووهب بن مسعود في ألفين وهرب بسر وأصحابه منه واتبعهم حتى بلغ مكة(4).
وكانت عاقبة بسر إذ اختلط فكان يهذي ويدعو بالسيف فاتخذ له سيف من خشب فإذا دعا بالسيف أعطي السيف الخشب فيضرب به حتى يغشى عليه، أما وجه تمثّله بالبيت الشعري، يفهم بما تقدم في أول خطبته ما هي إلا الكوفة ابسطها أو اقبضها: أي أتصرف فيها كما يتصرف صاحب الثوب بثوبه يقبضه أو يبسطه......
لديه (عليه السلام) كالوضر القليل في الإناء، والوضر: غسالة السقاء والقصعة وبقية الدسم(5)، و (على) من صلة فعل محذوف، أي أرجي الدهر على كذا(6)، ويضرب لم يتبلغ باليسير.
ص: 138
3- هنالكَ لو دعوتَ أتاكَ منهم *** فوارسُ مثلَ أرميةِ الحميمِ(1) (اللهم إني قد مللتهم وملوني، وسئمتهم وسأموني، فأبدلني بهم خيراً منهم وابدلهم بي شراً مني، اللهم مت قلوبهم كما يمات الملح في الماء، أما والله لو وددت أن لي بكم ألف فارس من بني فراس بن غنم(2) وتمثل بالبيت المذكور أعلاه.
تمثل به بعد وصول الأخبار باستيلاء بسر بن أرطاة على اليمن والخطبة احتوت على بيتين من الشعر تمثل بهما الإمام علي (عليه السلام) ذكرنا الأول والثاني محور البحث، ووجه الإستشهاد به عند الإمام علي (عليه السلام)، أنه كان يتمنى لو أن لديه بدل أهل الكوفة من إذا دعوا أجابوا مسرعين ومن إذا استغيث بهم أغاثوا.
والأرمية: جمع رمي وهو السحاب.. قال الشريف الرضي: والحميم هاهنا وقت الصيف وإنما خص الشاعر سحاب الصيف بالذكر لأنه أشد جفولاً وأسرع خفوفاً
ص: 139
لأنه لا ماء فيه وإنما يكون السحاب ثقيل السير لإمتلائه بالماء وذلك لا يكون في أكثر أزمان الشتاء، وإنما أراد الشاعر وصفهم بالسرعة إذا دعوا والإغاثة إذا استغيثوا، والدليل على ذلك قوله: هنالك لو دعوت أتاك منهم(1).
4- (أمرتُكُم أمري بمنعرجِ اللِوى *** فلم تستبينوا النصحَ إلا ضُحى الغدِ) (.... أما بعد فإن معصية الناصح الشفيق المجرب تورث الحسرة وتعقد الندم وقد كنت أمرتكم في هذين الرجلين وهذه الحكومة بأمري ونحلت لكم رأيي لو يطاع لقصير الرأي ولكنكم أبيتم إلا ما أردتم فكنت وأنتم كما قال أخو هوازن:(2) أمرتهم أمري بمنعرج اللوى *** فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد ألا وإن هذين الرجلين اللذين اخترتموهما حكمين قد نبذوا حكم القرآن وراء ظهورهم وأجابا ما أمات القرآن....(3) والإمام علي (عليه السلام) وقف موقفاً صلباً أمام قضية التحكيم فقد برهن لهم بأن قيادة أهل الشام قد خدعتكم فأنا أعرف منكم بهم قال (عليه السلام):- عباد الله أمضوا على حقكم وصدقكم وقتال عدوكم، فإن معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط، وحبيب بن مسلمة وابن أبي سرح والضحاك بن قيس ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، أنا أعرف بهم منكم، قد صحبتهم أطفالا، وصحبتهم رجالاً، وكانوا شر أطفال وشر رجال، ويحكم! إنهم والله ما رفعوها، لأنهم يرفعونها
ص: 140
ولا يعلمون بما فيها، وما رفعوها لكم إلا خدعة ووهناً ومكيدة(1).
وحقيقة الأمر أنهم لما وصفهم علي (عليه السلام) فقد كانوا له نداً كما كان آباؤهم نداً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والمتمعن في رواية الطبري(2) يدرك ذلك جيداً يقول: إن معاوية كتب إلى علي (عليه السلام) أنمحي هذا الإسم إن أردت أن يكون صلح، والإسم (يعني أمير المؤمنين) قالوا: أبرحه برحة الله! فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين أودع أهل مكة كتب من (محمد رسول الله فأبوا ذلك حتى كتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله.....)(3).
وكتب الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم.... هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان... صدقت يا رسول الله حينما قلت لعلي حينما امتنع أن يمحو كلمة (رسول الله) لك مثلها يا علي......
والبيت الشعري الذي تمثل به الإمام علي (عليه السلام) بيت دريد بن الصمة المخضرم الذي أدرك الإسلام، واستخدم الإمام علي (عليه السلام) في تمثله بالشعر مناح عدة فهو مرّة يقول كما قال الأول:
أدمت لعمري شربك المحض صابحاً *** وأكلك بالزبد المقشرة البجرى(4) ومرّة يقول كما قال أخو هوازن:
ص: 141
أمرتكم أمري بمنعرج اللوى... باستخدام اسلوب الخطاب المباشر لا اسلوب الغيبية، لأن أصل البيت الشعري هو:
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى *** فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد فلما عصوني كنت منهم وقد أرى *** غوايتهم وإني غير مهتد والتمثيل كان بأعلى مستويات البيان من حيث تشابه الموقفين بين حادثة مقتل عبد الله أخو دريد بن الصمة وبين حادثة التحكيم التي أجبروا الإمام (عليه السلام) على قبولها وما كان بعدها من أحداث جسام.
5- (ودع عنك نهباً صيح في حجراته)(1) المثل لامرئ القيس بن حجر ملك كندة، قال حين نزل على خالد بن سُدوس بن أصمع النبهاني، فأغار عليه باعث بن حويص وذهب بإبله، فقال له جاره خالد:
أعطني صنائعك ورواحلك حتى اطلب عليها مالك، ففعله فانطوى عليها، ويقال:
بل لحق القوم فقال لهم: أغرتم على جاري يا بني جديلة، فقالوا: والله ما هو لك بجار! قال: بلا والله ما هذه الإبل التي معكم إلا كالرواحل التي تحتي! قالوا: كذلك، فأنزلوه، وذهبوا بها فقال امرؤ القيس فيما هجاه به:
ودع عنك نهباً صيح في حجراته *** ولكن حديثاً ما حديث الرواحل(2)
ص: 142
يضرب لمن ذهب من ماله شيء ثم ذهب بعده ما هو أجل منه.
فهو يقول: دع النهب الذي انتهبه باعث، ولكن حدثني حديثاً عن الرواحل التي ذهبت أنت بها ما فعلت؟ تمثل به الإمام (عليه السلام) في كلام له في بعض أصحابه، وقد سأله: كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنت أحق به؟ فقال: يا أخا بني أسد إنك لقلق الوضين(1) ترسل في غير سد إلى قوله (دع عنك نهباً....) وهلم الخطب في أبي سفيان، فلقد أضحكني الدهر بعد إبكائه ولا غرو والله! فيا له خطباً يستفرغ العجب...(2).
ووجه التمثيل ظاهر، فقد أجاب الإمام سائله بأنه منهوب الحق منذ زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا داعي للسؤال الآن، بل العجب العجب عن ما ينهب من قبل معاوية بن أبي سفيان، فدع عنك ما مضى وحدثني بحديث الرواحل المتمثلة بما قام به معاوية.
والإمام علي (عليه السلام) تمثل بصدر البيت فقط في جوابه لسائله وقد أتمه الرواة فيما بعد ليكون الوقع أكثر دقة من خلال ما يصفه الإمام علي (عليه السلام)
ص: 143
في كلامه بعد صدر البيت فلا بد من إتمامه لإكمال المعنى.
6- فإن تسألني كيف أنت فإنني *** صبور على ريب الزمانِ صليبُ(1) يعزُّ عليّ أن تُرى بي كآبة *** فيشمت عادٍ أويُساء حبيبُ هذه الأبيات التي تمثل بها الإمام ضمن جواب كتاب أرسله إلى أخيه عقيل بن أبي طالب (رضى الله عنه) في ذكر جيش أنفذه معاوية بقيادة الضحاك بن قيس(2) عندما دعاه معاوية مخاطباً إياه: سر حتى تمر بناحية الكوفة وترتفع عنها ما استطعت فمن وجدته من الأعراب في طاعة علي فأغر عليه وإن وجدت له مسلحة أو خيلاً فأغر عليهما....(3) ولما سمع الإمام علي (عليه السلام) خرج الناس وحثهم على القتال، وعقد لحجر بن عدي الكندي(4) في أربعة آلاف ثم سرحه ووافق بناحية تدمر فاقتتلوا وفرّ الضحاك بأصحابه.
ص: 144
ومن جملة ما جاء في كتاب الإمام علي (عليه السلام) لأخيه عقيل (رضي الله عنه) (فسرحت إليه جيشاً كثيفاً من المسلمين فلما بلغه ذلك شمر هارباً ونكص نادماً...
وأما سألت عنه في رأيي في القتال - فإن رأيي في قتال المحلين حتى ألقى الله)(1).
وفي الكتاب نفسه يذكر (فدع عنك قريش وتركاضهم في الضلال وتجوالهم في الشقاق وجماحهم في التيه فإنهم قد أجمعوا على حربي كإجماعهم على حرب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبلي)(2).
والشعر منسوب إلى العباس بن مرداس(3) السلمي والبيتان المنسوبان إلى العباس بن مرداس(4) ظاهرا المعنى.
وفي الأمثال الحكمية: (لا تشكو من حالك إلى مخلوق مثلك فإنه إن كان صديقاً أحزنته وإن كان عدواً أشمته ولا خير في واحد من الأمرين)(5).
والتمثيل عند الإمام كان رائعاً فهو يشبه نفسه بنفس النبي (صلى الله عليه وآله
ص: 145
وسلم) وكيف كانت قريش قد خرجت على حربه (معركة بدر، معركة أحد، معركة الخندق....) وهذا الكلام حق كما وصفه ابن أبي الحديد: فإن قريشاً اجتمعت على حربه منذ يوم بويع بغضاً له وحسداً وحقداً(1).
فأصفقوا عليه كلهم يد واحدة على شقاقه وحربه كما كانت حالهم في ابتداء الإسلام مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وجواب الكتاب يوضح موقفاً تاريخياً مهما بين الإمام علي بن أبي طالب وأخيه عقيل، الذي راسلهُ مستفسراً عن حاله، وإنه سمع عند قدومه إلى مكة أهلها يتحدثون: أن الضحاك بن قيس أغار على الحيرة وقد توهمت، حيث بلغني، أن شيعتك وأنصارك خذلوك.....).
فكتب إليه الإمام جواباً لكتابه، وذكر له حادثة غارة الضحاك بن قيس المارة الذكر.
وكتاب عقيل وجواب الإمام (عليه السلام) إليه مدون في مصادر أقدم من الشريف الرضي فقد ذكره الثقفي(2) وأبو الفرج الاصفهاني(3) فيكون كتاب عقيل (رضي الله عنه) وجواب الإمام (عليه السلام) حجة قوية على الذين يتقولون بأن عقيلاً قد فارق أخاه علياً (عليه السلام) وحادثة غارة الضحاك(4) كانت سنة 39 هجرية في أواخر أيام أمير المؤمنين عليه السلام.
ص: 146
7- (وتلك شكاةٌ ظاهرٌ عنك عارها) هذا شطر من بيت (وعيّرها الواشون أني أحبها *** وتلك شكاةٌ ظاهرٌ عنك عارها) من قصيدة لأبي ذؤيب الهذلي(1) يرثي بها نشيبة بن محرث الهذلي أولها:
هل الدهر إلا ليلة ونهارها *** وإلا طلوع الشمس ثم غيارها وقد استعاره الإمام علي (عليه السلام) في جوابه لمعاوية بن أبي سفيان، (وزعمت أني لكل الخلفاء حسدت، وعلى كلهم بغيت، فإن يكن ذلك، فليست الجناية عليك، فيكون العذر إليك)(2)، (وتلك.... ويروى أن عبد الله بن الزبير تمثل به أيضا عندما عيره أهل الشام فيقولون يا ابن ذات(3) النطاقين فيذكر ذلك لأمه فتقولت:
وتلك شكاة زائل عنك عارها، وأخبرته الخبر.
ص: 147
8- (وقد يستفيد الظنة المتنصح) وصدر البيت:
وكم سقتْ من آثاركم من نصيحةٍ *** وقد يستفيدُ الظنّة المتنصّحُ والظنّة: التهمة والمتنصح: المبالغ في النصح لمن لاينصح وهو يشابه قولهم:
(سقطت به النصيحة على الظنّة)(1) ويضرب لمن يفرط في النصيحة حتى يتهم.
تمثل به الإمام علي (عليه السلام) في أثناء جوابه لكتاب معاوية.
(وما كنت لأعتذر في أني كنت أنقم عليه أحداثاً، فإن كان الذب إليه إرشادي وهدايتي له، قرب ملوم لا ذنب له(2).
وقد يستفيد الظنّة المنتصح.
ذكر ابن قتيبة(3): ما أنكر الناس على عثمان على ما خالف فيه عثمان في سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسنة صاحبيه وما كان من هبته خمس أفريقيا لمروان وفيه حق الله ورسوله، ومنهم ذوو القربى واليتامى والمساكين، وما كان من تطاوله في البنيان، وشكوى أهل مصر في ابن أبي سرح وأهل الكوفة، ويذكر ابن قتيبة(4) أيضاً موقف علي (عليه السلام) في أهل مصر والكوفة وكان علي (عليه السلام)
ص: 148
ناصحاً لعثمان بن عفان في كل مواقفه رغم أنه قد صرح في كتابه لمعاوية بقوله (وما كنت لأعتذر في أني كنت أنقم عليه أحداثاً).
أي البدع التي قام بها.
9- (لبث قليلاً يلحق الهيجا حمل)(1) أورده ابن منظور(2) هكذا (ضح قليلًا يدرك الهيجا حمل).
قالوا: في حمل: هو اسم رجل شجاع كان يستظهر به في الحرب، ولا يبعد أن يراد به حمل ابن بدر صاحب الغبراء، رجل من قشر لبث قليلاً يلحق الهيجا حمل(3) *** ما أحسن الموت إذا الموت نزل فصار مثلاً يضرب للتهديد.
ويأتي مرة (لا بأس بالموت إذا الموت نزل)(4) وجاء تمثّل الإمام علي (عليه السلام) به لمعاوية بن أبي سفيان، جواباً على كتابه المذكور آنفاً: (وذكرت أنه ليس لي ولأصحابي إلا السيف فلقد أضحكت بعد استعبار، متى ألفيت بني عبد المطلب عن الأعداء ناكلين، وبالسيوف مخوفين):- .
ص: 149
لبث قليلاً يلحق الهيجا حمل.
فسيطلبك من تطلب.....
هنا جاء استخدام المثل عند الإمام (عليه السلام) في موضعه، أي انتظر حتى يتلاحق الشبان والهيجا: الحرب تقصر وتمد(1).
10- (وحسبك داءاً أن تبيتَ ببطنةٍ *** وحولُكَ أكبادٌ تحِنُّ إلى القدَّ)(2) من كتاب له (عليه السلام) إلى عامله على البصرة عثمان بن حنيف(3) الأنصاري وقد بلغه أنه دعي إلى وليمة قوم من أهلها فمضى إليها.
(أما بعد يا ابن حنيف! فقد بلغني أن رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها.... وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو وغنيهم مدعو، إلى قوله (عليه السلام) ولعل بالحجاز واليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع، أو أبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى وأكباد حرّى؟ أو أكون كما قال القائل:
ص: 150
وحسبك داءاً أن تبيت ببطنة(1)...........................
وفي رواية ابن أبي الحديد قال(2): (كفى بك عاراً أن تبيت ببطنة) وهو من أبيات تنسب إلى حاتم الطائي وأولها:
أيا عبد الله وابنة مالكٍ *** ويا ابنةَ ذي الجدين والفَرَسِ الوِردِ إذا ما صنعتِ الزادَ فالتمسي له *** أكيلاً فإني لستُ آكلُهُ وحدي إلى قوله: كفى بك عاراً أن تبيت....
فالتمثيل واضح عند الإمام بقوله (كما قال القائل).
وهو بموقع التنديد بالبطنة وحوله بطون غرثى وأكباد حرى.
والذي اكتفى في دنياه بطمريه وطعمه بقرصيه، وهو القائل (آه من قلة الزاد، وطول الطريق، وبعد السفر، وعظيم المورد)(3).
11- (مستقبلين رياح الصيف تضربهم *** بحاجب بين أغوار وجلمود)(4) في آخر كتاب له عليه السلام لمعاوية بن أبي سفيان.
(أما بعد فإنا كنا وأنتم على ذكرت من الألفة والجماعة، ففرق بيننا وبينكم أمس،
ص: 151
أنا آمنا وكفرتم، واليوم استقمنا وفتنتم، وما أسلم مسلمكم إلا كرها.....) وذكرت أني قتلت طلحة والزبير وشردت عائشة، ونزلت بين المصرين، وذلك أمر غبت عنه، فلا عليك ولا العذر فيه إليك(1).
وذكرت أنت زائري في المهاجرين والأنصار، وقد انقطعت الهجرة يوم أسر أخوك(2)..... وأن تزرني فكما قال أخو بني أسد: مستقبلين رياح الصيف.
يُذكر الإمام علي (عليه السلام) معاوية بن أبي سفيان بأنه أسلم كرهاً (من المؤلفة قلوبهم) وأن الهجرة انقطعت يوم أسر اخوه عمرو بن أبي سفيان الذي وقع أسيراً بيد الإمام علي (عليه السلام)(3).
وعقّب بن أبي الحديد(4) بخصوص البيت الشعري المذكور: (كنت اسمع قديمًا ان هذا البيت من شعر بشر بن أبي حازم الاسدي والآن قد تصفحت شعره فلم أجده، ولا وقفت على قائله.
وتمثل به الإمام علي (عليه السلام) كما تمثل بغيره من الأشعار بقوله قال أخو
ص: 152
بني أسد أو مرة كما قال الأول وكما قال أخو هوازن فهو معروف عند الإمام (عليه السلام) والمستفاد من قوله توهين مقاله معاوية بأنه يأتي إلى الإمام ومعه أبناء الطلقاء وهو وهم كريح الصيف لا فائدة فيها سوى ضرب الوجوه بصغار الحصی والغبار ويردف الإمام علي (عليه السلام) قائلاً:- وإن زرتك فإنها النقمة لمصداق قوله: وعندي السيف الذي أعضضته بجدك وخالك وأخيك(1) في مقام واحد(2).
ثبت بالأمثال العربية التي تمثل بها الإمام (عليه السلام) وشذ في بعض منها عن القاعدة في ذكر التمثل بالمثل معتمداً على مضمون المعنى لا الشكل ولم تقرن بحادثة:- المثل عند الإمام المثل في كتب الأمثال 1- أعذر بما أنذر(3) 1- أعذر من أنذر(4) 2- أهل الدنيا كركب، يسار بهم وهم نيام(5) 2- الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا(6)
ص: 153
3- إياك وما يعتذر منه(1) 3- أيا وما يعتذر منه(2) 4- ثكلتك أمك(3) 4- يا أم أثكليه(4) 5- جاهل خباط جهالات، 5- أخبط من عشواء أخبط، من عاشٍ كأب عشوات(5) حاطب ليل(6) -6 خذ الحكمة أنى كانت(7) 6- الحكمة ضالة المؤمن(8)
ص: 154
7- الدهر يومان يوم لك ويوم عليك(1) 7- تارة يعوج عليك وتارة يرجع إليك(2) الأيام عوج رواجع يقال الدهر 8- ربّ بعيدٍ أقرب من قريب 8- ربّ بعيد لا يفيد برّه وقريب أبعد من بعيد(3) وقريب لا يؤمن شره(4) 9- ربّ قول أنفذ من صول(5) 9- ربّ قول أشد من صول(6) 10- ربّ ملوم لا ذنب له(7) 10 - ربّ ملوم لا ذنب له(8)
ص: 155
(استعارة المثل عند الإمام كما هو) 11- رجع الحق إلى أهله(1) عاد السهم إلى النزعة(2) 12- ردوا لجحر من حيث جاء(3) رد الحجر من حيث جاء(4) 13- رمي بأفوق ناصل(5) رجع بأفوق ناصل(6) 14- سيرعف بهم الزمام(7) عذاب رعف به الدهر عليه(8) 15- شحذ القين(9) النصل(10) إذا سمعت بشرى القين فاعلم أنه مصبح(11) 16- شد وعقد المئزر(12) شد للأمر حريمه(13) 17- الشرّ بالشرّ ملحق(14) الشّر للشّر خلق
ص: 156
18- صنائع المعروف تقي مصارع الهوان صنائع المعروف يقي مصارع الحتوف وبلفظ آخر: اصطناع المعروف يقي مصارع السوء 19- ضح رويداً(1) قال زيد الخيل: فلو أن نصراً أصلحت ذات بينها لضحت رويداً عن مطالبها عمرو(2) 20- ظهر في فلتات لسانه وصفحات غش القلوب يظهر في فلتات الألسن وجهه(3) وصفحات الوجوه(4) 21- فاعل الخير خير منه إن خيراً من الخير فاعله(5) وإن شرّا من الشرّ فاعله وفاعل الشر شرّ منه(6) 22- ألغريب من لم يكن حبيب(7) إن الذليل الذي ليس له عضد(8)
ص: 157
23- فقد الأحبة غربة(1) فقد الإخوان غربة(2) 24- فوت الحاجة أهون أشد من فوت الحاجة طلبها من طلبها إلى غير أهلها(3) من غير أهلها(4) 25- قد أضاء الصبح لذي عينين(5) قد بيّن الصبح لذي عينين(6) 26- لا حان حينك(7) لا يملك الحائن حينه(8) 27- من أكثر أهجر(9) قلما سلم مكثار(10) 28- من ضاق عليه العدل فالجور من تعدى الحق ضاق مذهبه(11) عليه أضيق
ص: 158
29- من هَالَهُ ما بين يديه من لم يركب الأهوال(1) نكص على عقبيه(2) لم ينل الآمال 30- ألمنية والا الدنية المنية ولا الدنية(3) والتقلل و لا التوسل(4) 31- نَفَسُ المرء خطاه إلى أجله(5) أنفاس المرء خطاه إلى أجله(6) 32- هدر فنيق الباطل بعد كظوم(7) هو كالمهدر في العفة(8) 33- يعبقون كأس الحكمة بعد الصبوح(9) هريق صبوحهم غبوقهم(10)
ص: 159
قبل الخوض في استعمالات المثل القرآني عند الإمام (عليه السلام) لابد من توضيح الملامح التاريخية في القرآن الكريم.
والقرآن الكريم كتاب عقيدة وتشريع بالدرجة الأولى، قال تعالى «ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ»(1).
ولا سيما أنها تتعدى آيات التشريع من حيث العدد، حيث أن عدد آيات الأحكام خمسمائة آية، بينما تتجاوز آيات القرآن التي تُحدث عن الأحداث التاريخية أكثر من ألف ومائتي آية.
«لَقَدْ كَانَ فِی قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِی الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَیْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»(2).
ص: 160
«وَكُلًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ»(1).
الملاحم التاريخية في القرآن الكريم لها أهداف وغايات، ومن أهم أهدافها:
المواعظ والعبر والتدبير.
«إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَی بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ»(2).
ولم تخل الأمثال القرآنية هي الأخرى من إشارات تاريخية عامة لأحداث مضت فاشترك المثل القرآني مع الحديث التاريخي بالمقاصد والأهداف(3).
قال تعالى «وَضَرَبَ الله مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِماَ كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ»(4).
(وفي المثل القرآني عن الغابرين وتصويرهُ لأهم جوانب اثارته، دقة التعبير وضرب من التجديد، فهو يأخذ مجال العبرة وفطنة الغرض، ويكتفي عادة فيها بعرض الموضوع وكأنك تشاهده على أجواء عديدة متناثرة في خضم التاريخ، إلا أنها متماثلة من حيث الأحداث والدلالات وقرب عنصر النظر والتأمل والإدراك، وأتاح
ص: 161
للفكر الترصد وللنفس العظمة ولذوي الألباب الاعتبار)(1).
وللمنهج التاريخي في القرآن الكريم أبعاد يستند إليها في طرحه أسوة بمنهج التاريخ العام، وبما أن المنهج التاريخي العام يستند إلى بعدي الزمان والمكان وهما وقت وقوع الحدث ومكان مسرح الحدث، والمنهج التاريخي في القرآن يأخذ البعدين الزماني والمكاني في بعض وقائعه مع اختلاف بمفهومهما عن النهج التاريخي العام فضلاً عن انه يحتوي على منهج ثابت يضاف إليهما هو البعد الغيبي(2).
والبعد الزماني يتمثل في إشارات الزمان الدنيوي ونهايته «يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّماَوَاتُ وَبَرَزُوا الله الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ»(3) «وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ»(4)، وفي هذه الآية تأكيد أنها من سني الدنيا ومن حسابات الناس.
أما البعد المكاني في القرآن الكريم يكاد يهمل في الأحداث التاريخية بل ويهمل مسرح الأحداث في أكثر وقائعه، والقرآن ينحصر مسرح أحداثه تقريباً في منطقة الشرق العربي وما يجاوره ولكنه لا يحدد بتعبيره طرحه أماكن أكثر الأحداث وذلك من خلال ذكره لآيات تتضمن التحدث عن مشارق ومغارب.
ولعل من أسباب إهماله البعد المكاني ذلك الانطلاق في عموميات الإسلام الشاملة لكل بقاع العالم المكتشفة فيها.
ص: 162
لكنه يذكر مكان الحدث ان كان جزئياً أو خاصاً كما في سبأ وبكة ويثرب:
«يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا.....»(1) «وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ»(2) «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ»(3) أما البعد الغيبي، فيتمثل من خلال الآيات البينات «وذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ»(4).
والإيمان بالغيب أحد تلك الثوابت التي تتعلق بشُعب الإيمان بالله واليوم الآخر، وما دام القرآن قد استخدم التاريخ ليدلل العقيدة ويثبت الإيمان بها وينقلنا للاستدلال على الغيب بالحقائق والوقائع التاريخية، كان لابد أن يكون للوقائع التاريخية بعدٌ غيبيٌ، فيكون الإيمان بها مطلقاً عند المسلمين وغيرهم من أصحاب الديانات السماوية، كعدم إحراق النار لإبراهيم (عليه السلام) وعصا موسى (عليه السلام) وهدهد سليمان (عليه السلام) وإحياء عيسى (عليه السلام) للموتى، وإسراء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويمكن التعبير عن هذا البعد بعلم المستقبل وهو الآن من الدراسات المعاصرة التي تهتم بها الدول المتطورة، وبهذا نلاحظ أن القرآن الكريم في أكثر أحداثه يكون وحدة شاملة لكل زمان ومكان، فتكون النظرة القرآنية لحركة
ص: 163
التاريخ عامة شاملة بعموم الإسلام وشموله، فكان لابد أن يكون القرآن مصدراً مهماً من مصادر الأحداث من قبل البعثة النبوية، (العصر الجاهلي) وأحداث ما بعد البعثة النبوية أيضا، وفي هذه المدرسة نشأ الإمام علي (عليه السلام) فكانت مدرسته القرآنية فريدة من نوعها تعلم أسباب النزول وتأويل الآيات وتفسيرها وهو القائل (عليه السلام):
(وأنزل عليكم الكتاب تبياناً لكل شيء وعمّر فيكم نبيه أزماناً حتى أكمل له ولكم - فما أنزل من كتابه - دينه الذي رضي لنفسه، ذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق، ولكن أخبركم عنه، ألا إن فيه علم ما يأتي والحديث عن الماضي ودواء دائكم، ونظم ما بينكم وينطق بعضه بعضاً، ويشهد بعضه على بعض.
وفيه ربيع القلوب.... وما للقلب جلاء غيره.... جعله الله رياً بعطش العلماء وربيعاً لقلوب الفقهاء ومحاجاً لطرق الصلحاء....... وعلماً لمن وعى، وحديثاً لمن روى وحكماً لمن قضى)(1) والذي ينطلق على لسانه مثل هذا الكلام يحق له أن يتمثل بآيات القرآن التي انغرست في عقله ووجدانه فما تراه إلا في كل موضوع يطرقه ترى نور الله يشع أمامه وهدي الرسول ينير له الطريق، وكان مشروع الفصاحة وموردها ومنشأ البلاغة ومولدها ومنه (عليه السلام) ظهر مكنونها وعنه أخذت قوانينها وعلى أمثلته حذا كل قائل وخطيب، وبكلامه استعان كل واعظ وبليغ - ومع ذلك فقد سبق وقصروا، وتقدم وتأخروا، لأن كلامه (عليه السلام) الكلام الذي عليه مسحة من
ص: 164
العلم الإلهي وفيه عبقة من الكلام النبوي(1).
استخدم المثل في القرآن الكريم بطريقة حازت السبق بين لهجات العرب في الإيجاز واستولت على أذهانهم في الإعجاز، فانجذبوا إليها لحلاوتها، وآمنوا بأولويتها.
والأمثال الواردة في القرآن الكريم تكون على نوعين رئيسين:
النوع الأول: الأمثال الظاهرة، والأمثال الظاهرة متكونة من المشبه والمشبه به، وكتب الأمثال في القرآن الكريم أكثرها من هذا النوع، من أمثلتها على سبيل المثال لا الحصر (كتاب أمثال القرآن) لإبن قيم الجوزية (ت 75 ه) جمع الأمثال القرآنية وناقشها:
كما في قوله تعالى «مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ الله أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ»(2) فشبه الذين اتخذوا من دون الله بأنهم ضعفاء ووصف الذين اتخذوهم أولياء بأنهم أضعف منهم، فكيف ينصرونهم(3)؟ النوع الثاني: من أمثال القرآن الكريم: هي الأمثال الكامنة وتتكون من ورود
ص: 165
أمثال وأقوال مشهورة عند العرب، توافق في معناها بعض الآيات القرآنية الكريمة وقد تعرض لهذا النوع من الأمثال في القرآن الحسين بن الفضل (ت 282 ه) في كتابه (الأمثال الكامنة في القرآن الكريم)(1) وأورد الأمثال المذكورة في كتابه على شكل أسئلة يجيب عنها من القرآن الكريم.
قال إبراهيم بن مضارب بن إبراهيم بن طوق: قال سمعت أبي يقول: سألت الحسين بن الفضل فقلت: إنك تخرج أمثال العرب والعجم من القرآن، فهل تجد في كتاب الله تعالى:
(خير الأمور أوسطها)؟ قال: نعم في أربعة مواضع، نذكر منها موضعاً للتوضيح:
«وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَی عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ»(2) وللثعالبي (ت 430 ه) كتاب أسماه (خاص الخاص) جعل الباب الثاني منه في أمثال العرب والعجم والخاصة والعامة، جاءت في معانيها ألفاظ القرآن، فهي أحسن وأبلغ وأشرف وأولى بالإقتباس والتمثيل بها(3).
ص: 166
من استحقاق الشاكر المزيد - العرب - الشكر مفتاح الزيادة - الخاصة - من شكر قليلاً استحق جزيلاً، وفي القرآن (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ)(1) وفي الأمر بالمشاورة - العرب - المشاورة قبل المساورة وفي القرآن (وَشَاوِرْهُمْ فِی الأَمْرِ)(2).
وجميع ما استشهد به الإمام (عليه السلام) من آيات قرآنية في كلامه هي من نوع ما اصطلح عليه بالأمثال الكامنة والتي تتجلى فيها الشروط الأساسية التي وضعها أرسطو لتحديد المثل من حيث الإيجاز والتشبيه وإصابة الغرض(3).
والملاحظ في استخدام الإمام لآيات القرآن الكريم في كلامه (الآيات الوعظية والمثلية) وهذا شيء طبيعي من رجل نشأ في مدرسة القرآن الكريم وتأثَّر به أي تأثُّر.
ومن ظواهر استخدام الإمام علي (عليه السلام) لآيات القرآن جعلها في أواخر الكلام، فقد تبين ذلك في إثنين وعشرين نصاً ويجعلها مسك الختام.
وهذا ما يلقي ضوءاً على اسلوب الخطابة والرسالة الإسلاميتين في استخدام آيات القرآن الكريم وفي شكل اختتامها، وعلى الأقل في اسلوب الإمام (عليه السلام) خاصة.
ص: 167
1- «وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ»(1) (كلا والله ولكنها لهجة غبتم عنها، ولم تكونوا من أهلها ويلمه كيلاً بغير ثمن، لو كان له وعاء، ولتعلمن نبأه بعد حين(2)، فالإمام علي (عليه السلام) هنا يوضح أمراً جللاً بقوله: أنا أكيل لكم العلم والحكمة كيلاً بلا ثمن لو أجد وعاءاً أكيل فيه...، أي لا أجد نفوساً قابلة وعقولاً عاقلة.
يلاحظ في نهاية الخطبة أن الإمام (عليه السلام) قد ختم كلامه بآية قرآنية مثلية وأنه اتبع أسلوب المزج حتى يخيل للسامع والقارئ - بادئ الأمر - وهو يقرأ الآية في سياق كلام الإمام علي (عليه السلام) كأنها منه لولا ما يبدو عليها من أسلوب القرآن المتفرد والمتميز.
وعلى غرار استعارة الإمام (عليه السلام) التمثيلية للمثل القرآني (ولتعلمن نبأه بعد حين) خطب الإمام الحسن (عليه السلام) بأمر أبيه الإمام (عليه السلام) في يوم الجمعة عندما اعتل الإمام (عليه السلام) وأمره أن يصلي بالناس، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (إن الله لم يبعث نبياً إلا اختاره لنفسه ورهطاً وبيتاً، فوالذي بعث محمداً بالحق لا ينتقص من حقنا أهل البيت أحد إلا نقصه الله من عمله مثله ولا يكون علينا دولة إلا وتكون لنا العاقبة ولتعلمن بنبأه بعد حين)(3)، ذرية بعضها من بعض فضّلها على خلقه صلوات الله عليهم وسلامه إلى يوم الدين، وهذا دليل على ما تقدم من استعارة المثل القرآني ومزجه مع كلام الخطيب وكأنه قطعة منه
ص: 168
لولا التفرد المتميز للقرآن الكريم.
2- «وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ»(1) (فامهد لقدمك، وقدم ليومك، فالحذر الحذر أيها المستمع، والجد الجد أيها الغافل وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)(2).
استخدم الإمام علي (عليه السلام) هذه الآية الكريمة في موقع التوقف في الخطبة وكأنه أنهاها ممزوجة مع كلامه ومن ثم استرسل ليكمل خطابه (إن من غرائم الله في الذكر الحكيم....)(3) 3- «عَفَا الله عَمَّا سَلَفَ»(4) وقد كانت أمور مضت، مِلتم فيها ميلة كنتم فيها عندي غير محمودين، ولئن رُدَّ عليكم أمركم انكم لسعداء، وما عليّ إلا الجهد، ولو أشاء أن أقول لقلت: عفا الله عما سلف)(5) والآية المذكورة في هذه الخطبة من الآيات الجارية مجرى الأمثال (الأمثال المرسلة) التي اختلفوا في جواز استعمالها وذلك للخروج عن أدب القرآن، ورأى
ص: 169
آخرون أنه لا حرج في أن يتمثل الرجل بالقرآن في مقام الجد(1).
والمثل القرآني المستعار في هذه الخطبة عند الإمام علي (عليه السلام) واضح المعاني لا يحتاج إلى بيان.
4- «وَلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ»(2) (وقد أدبرت الحيلة وأقبلت الغيلة ولات حين مناص، وهيهات هيهات وقد فات ما فات وذهب ما ذهب....)(3).
استعار الإمام هذه الآية الكريمة وكأنها مزيج من كلامه وهذا الأسلوب استعمله الإمام (عليه السلام) كثيراً في خطبه ومراسلاته، والمثل القرآني في هذه الآية واضح المعالم فهو يوضح للسامعين بأن الوقت ليس وقت فرار وقد استعار الإمام علي (عليه السلام) هذه الآية مرتين مرة في الخطبة المشار إليها ومرة في آخر كتاب أرسله إلى أحد عماله يعظه فيه (أما بعد فاني كنت أشركتك في أمانتي وجعلتك شعاري وبطانتي....
فكأنك قد بلغت المدى ودفنت تحت الثرى وعرضت عليك أعمالك بالمحل الذي ينادي الظالم فيه بالحسرة يتمنى المضيع فيه الرجعة ولات حين مناص)(4).
استعارة الآية هنا من قبل الإمام (عليه السلام) كان للوعظ والتذكير ولا تحتاج إلى بيان إلا الإرشاد والعودة إلى جادة الصواب والتكفير عن الذنب لأن الوقت ليس
ص: 170
وقت فراغ.
5- «إِنَّ فِی ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى»(1) في خطبة له في عجيب صنع الكون.
(وقائم لا يسري، تكركره(2) الرياح العواصف وتمخضه الغمام الذوارف إن في ذلك لعبرة لمن يخشى)(3) استعارة الإمام لهذه الآية القرآنية في آخر هذه الخطبة كان من قبل التمثيل الوعظي الموجود في خضم آيات القرآن الكريم.
6- «كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ»)(4) في غريب كلامه الذي يحتاج إلى تفسير قال (عليه السلام): (الأقاويل محفوظة والسرائر مبلوة وكل نفس بما كسبت رهينة....)(5).
الآية القرآنية المستخدمة والمستعارة من قبل الإمام علي (عليه السلام) في هذا الكلام هي من نوع الآيات الجارية مجرى المثل.
ص: 171
7- «وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمينَ بِبَعِيدٍ»)(1) و (أنا مرقل نحوك..... أحب اللقاء إليهم لقاء ربهم، قد صحبتهم ذرية بدرية، وسيوف هاشمية... وما هي من الظالمين ببعيد)(2).
جاءت الآية في ختام كتاب أرسله إلى معاوية بن أبي سفيان الموصوف - أي الكتاب - من محاسن الكتب، في هذا الكتاب الذي ذكرنا فيما تقدم منه أمثال وأشعار وآيات قرآنية كان مجموع الأمثال فيه بين نثر وشعر تسعة أمثال ثم بيان مفاهيمها وأصولها وتمثل (عليه السلام) بأربعة آيات قرآنية بينّ في إثنين منها بقوله: (قال تعالى) وإثنين منها ممزوجاً مع كلامه والآية الخاتمة للخطاب كانت ممزوجة مع كلامه وكأنها منه أسوة بما أشرنا إليه في مواضعه، والمثل القرآني من نوع الأمثال الكامنة التي تتجلى بها الشروط الأساسية لتحديد المثل من حيث الإيحاء والتشبيه وإصابة الغرض، والغرض في هذا التشبيه ظاهر حيث أنه ذكر ووعظ وتهديد معاوية بن أبي سفيان بما كان منه يوم بدر وما حل بأهله عند المنازلة واللقاء فلا رهبة لتهديدك إياي يا معاوية.
والملاحظ في هذا الكلام كثرة الأمثال وكثرة الآيات المستخدمة وأظن أن هذا الأسلوب المتبع من لدن الإمام علي (عليه السلام) كان من قوة بيانه البلاغي أولاً ومن إشاراته المختصرة التي يريد منها إيصال الغرض إلى خصمه بشكل موجز مختصر يوجز ما يبغيه على مبدأ ما قلّ ودلّ.
والمثل أوضح فهماً وعمقاً عند العرب ومعاوية يدرك هذا النوع من الكلام جيداً
ص: 172
إضافة إلى تذكير معاوية ووعظه لعله يرعوي ويرجع عن ما آلت إليه نفسه، فالإمام يذكره بأنك يا معاوية لا تقاس بأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، فأنت أسلمت كرهاً ومن المؤلفة قلوبهم، لذا جاء التذكير والوعظ والتهديد بالمثل مرة وبالآية مرة أخرى لكي يفهم معاوية مقاصد الإمام بما ورد في كتبه ورسائله.
ثبت لبعض أقوال الإمام علي (عليه السلام) التي تمثل بها في خطبه ورسائله المستعارة من الآيات القرآنية:
1- تذري الروايات أذرار الهشيم(1) ... «فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ»(2) 2- إن غداً من اليوم قريب(3) ... «إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ»(4) 3- أيادي سبأ(5) ... «وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ»(6) 4- جعل أعلاه أسفله وأسفله أعلاه(7) ...«جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً»(8)
ص: 173
5- الطريق الوسطى هي الجادة(1)... «كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَی النَّاسِ»(2) 6- العفاف زينة الفقر(3) ... «يْحَسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ»(4) 7- على ذلك نسلت القرون(5) ... «وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ»(6) 8- ليس الشبهات في مثل شبح العنكبوت(7) ... «مَثَلُ الَّذِينَ اتَخَّذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ»(8) 9- المال مادة الشهوات(9) ... «زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِيَن»(10)
ص: 174
10- من لانَ عوده كثفت أغصانه(1) ... «وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَنْفَضُّوا..»(2) 11- من هاله ما بين يديه نكص على عقبيه(3) ... «فَلَماَّ تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَی عَقِبَيْهِ»(4) والآية «فَكُنتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ»(5)
ص: 175
قبل أن نستعرض ما استعاره الإمام علي (عليه السلام) من الحديث النبوي الشريف الذي تمثل به في خطبه ومواعظه ومراسلاته، نستدرك بعض الملامح التاريخية للحديث الشريف.
الحديث في اللغة: الجديد من الأشياء، ضد القديم(1)، والحديث الخبر يستعمل في قليل الكلام وكثيره.
ومما يدل على أن الحديث على كل كلام يتحدث به قوله تعالى «وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ الله حَدِيثًا»(2)، وقوله تعالى «فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِيَن»(3).
أما في الاصطلاح: فالحديث: هو ما أضيف إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
ص: 176
من قول أو فعل أو تقرير صفة خلقية أو سيرة سواء كانت قبل البعثة أو بعدها(1).
وعلى هذا التعريف تبدو الصلة بعيدة بين الحديث والتاريخ لاختلاف موضوع كل منهما عن الآخر.
فالحديث موضوعه ما نسب إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كما تبين، بينما التاريخ علم يدرس وقائع الماضي، والحديث خاص بالإسلام، والتاريخ علم يتصل بما كان في أي زمان ومكان، ولكن لكل منهما منهجاً خاصاً به من خلال أن لكل علم موضوعه ومنهجه فهل يا ترى بين الحديث والتاريخ تجانس أو شبه عند عقد مقارنة بين المنهجين.
ان ماهية علم الحديث (مصطلح الحديث) هو تحديد مفهوم الحديث فنجعله مرادفاً للخبر أو الأثر أو نفرق بينهما كما بينت التعاريف الخاصة المذكورة آنفاً.
وبصرف النظر عن فوارق التعريف في تحديد مفاهيم الألفاظ الثلاثة، فإن للفظي (الخبر والأثر) مدلولاً تاريخياً واضحاً إذ يعطيانه إنطباعاً في أنهما يتعلقان بالماضي(2).
ومن المعلوم أن أول مقولة للتاريخ مقولة الزمان وهذه المقولة تنطبق على الحديث طالما أن قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو فعله قد أصبح خبراً أو أثراً، وتتضح مقولة الزمان أيضاً في الحديث من خلال ناسخه ومنسوخه طالما أن الحديث اللاحق ينسخ الحديث السابق إذا جاء معارضاً له مع العلم أن للحديث أسباب ورود أيضاً وأسباب الورود(3) تعني: هو ما ورد الحديث أيام وقوعه وبالمعنى الإصطلاحي (هو
ص: 177
معرفة ما جرى الحديث في سياق بيان حكمه أيام وقوعه والسببية فيما ينعقد ورود الحديث عليه).
أما المقولة الثانية للتاريخ هي الفردية بمعنى أن كل واقعة تاريخية هي جزئية لا مجال فيها للتحجيم لأن ما هو عام لابد أن يتجاوز قيود الزمان وحدود المكان، بينما وقائع التاريخ تحددها مقولة الزمان فضلاً عن المكان(1).
وطالما أن فرد النبي لا يتكرر في زمان ومكان وأن الحديث قول وفعل عن فرد لا نعني غيره فقد صدر عنه القول في زمن معين والفعل في زمن والتقرير في زمن معين، فإن مقولة التاريخ تنطبق على الحديث أيضاً، علماً أن قول النبي وفعله وتقريره مرادف للسنّة والمراد بالسنّة ما جاء عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أقوال وأفعال وتقرير وما همَّ به(2).
أما ما يرادف الحديث فهو الخبر والخبر، في اللغة هو النبأ وفي الإصطلاح له ثلاثة معان:
أ- مرادف للحديث على القول الراجح ويشمل قول الصحابة والتابعين(3).
ب- وقيل بينهما عموم وخصوص، فالحديث ما جاء عن النبي خاصة والخبر ما جاء
ص: 178
عنه أو عن غيره، وعلى هذا فالخبر أعم من الحديث فكل حديث يسمى خبر ولا يسمى كل خبر حديث ن ومن ثم قيل لمن اشتغل بالسنة النبوية (محدث) ولمن يشتغل بالتواريخ وما شاكلها (أخباري)(1).
ج- قيل متباينان، فالحديث ما جاء عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والخبر ما جاء عن غيره(2).
ويبقى الأثر هو بقية الشيء(3)، ونقل الحديث وروايته كالإثارة(4).
وفي الإصطلاح: أثر الحديث بمعنى روايته ويسمى المحدث أثرياً نسبة للأثر(5).
ولأهمية علم الحديث النبوي عند المسلمين قسم على ثلاثة علوم وهي، علم الحديث رواية وعلم الحديث دراية وفقه الحديث وأصبح حسب قول ابن صلاح من أفضل العلوم الفاضلة وأنفع الفنون النافعة(6).
وبذلك أقيمت الموازين الدقيقة لتصحيح الأخبار فأعجب بهذا العلم علماء الفنون النقلية المختلفة، وقد حاول المؤرخون في صدر الإسلام تطبيق قواعد علم مصطلح الحديث لتحقيق النقد التاريخي ولا يشك باحث منصف أن المؤرخين المعاصرين استفادوا كثيراً من القواعد النقدية التي أوجدها المسلمون الأوائل في
ص: 179
عملية التقويم والنقد الداخلي والخارجي وتحقيق النصوص التاريخية ودراسة الآثار وفلسفة التاريخ(1).
لذا كوّن علم الحديث (مصطلح الحديث) لنفسه تاريخاً أسوة بالعلوم الأخرى، وعند المقارنة في دراسة علمي التاريخ والحديث من خلال دراسة المنهج ترى تقارباً بينهما هذا من ناحية دراسة البحث العلمي، أما تقصي الحقائق فكلاهما يشتمل على خطوات أولها الشك، فالتاريخ أول نقطة البدء فيه هي الشك وذلك لإحتمال الصدق والكذب من أجل التثبت من صحة الخبر.
يقول أنجلو(2) لا تاريخ بدون تحصيل.
ودراسة الحديث في علم الدراية تبدأ بالشك أيضاً عند دراسة علم دراية الحديث من ناحية عدد سامعيه فكان تقسيم الحديث إلى متواتر وآحاد(3) ولكل منهما شروط وتقاسيم أوجدها العلماء بغية معرفة الصحيح من الحديث المردود.
وبعد الذي ذكرناه في التوافق بين علم التاريخ وعلم الحديث لنقف مع الإمام علي (عليه السلام) في علم الرواية وطرق التحمل:
نراه يقول: (إذا كتبتم الحديث فاكتبوه بإسناده، فإن يك حقاً كنتم شركاء في الأجر وإن كان باطلاً كان وزره عليه(4).
ص: 180
وقوله (عليه السلام): «قراءتك على العالم وقراءته عليك سواء»(1).
ويحق أن يقال بأن الإمام علياً (عليه السلام) أول من تكلم بعلم الدراية ووضع قواعده وحدوده لم يشاركه فيه أحد من معاصريه، فهو في عالم الإسناد يقول: (إذا قرأت العلم على العالم فلا بأس أن ترويه عنه)(2).
وقوله (عليه السلام) (أعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقل رعاية، لا عقل رواية، فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل)(3).
ويروي له الحاكم النيسابوري(4) (ت 450 ه) إنه كان إذا فاته عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حديث ثم سمعه من غيره يحلف المحدث الذي يحدث به، والحديث في ذلك عنه مستفيض مشهور.
كان للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المكانة السامية بين قومه فهو أفصح العرب جميعاً وأعرفهم بأساليب الكلام المختلفة، وكما استخدم العرب المثل استخدمه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في كلامه أيضا لتقريب الأوامر الإلهية إلى أذهانهم، وإيصال الإيمان إلى قلوبهم، ففي المثل تأنس النفوس بالفكرة المطروحة عليها، وتسرع في قبولها، وتنقاد لما فيها من الأوامر والنواهي، كما في قوله (صلى الله عليه
ص: 181
وآله وسلم): (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)(1).
وقوله (صلى الله عليه واله وسلم): (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر، مثل الحي والميت)(2) وكذلك بقية أمثال الحديث، لذا كان استخدام الإمام علي (عليه السلام) للحديث النبوي من باب الاستعارة فهو يعدّه مثلاً له للتذكير والعظة والإرشاد وللإمام الأسوة الحسنة في السير على خطى مربيه ومعلمه، فكان بحق أفصح العرب بعد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بشهادة المحب والمبغض.
1- (ولا تحاسدوا فإن الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب)(3) الخطبة في عظة الناس والإرشاد، والحديث تمثل به الإمام علي (عليه السلام) لاجتناب المحارم التي تدمر المجتمع من الكذب والحسد والتباغض والابتعاد عن هوى النفس وإن الأمل ينهي العقل، ويستخدم الإمام (عليه السلام) الحديث النبوي المتمثل به و كأنه قطعة من كلامه مسترسلاً به في خطبته كما تقدم في الخطبة المشار إليها، مع ما تقدم الإشارة إليه في تمثله بآيات القرآن الكريم.
2- (إن الله يحب العبد، ويبغض عَمَلهُ، ويحب العمل ويبغض بدنه)(4).
ذكره في خطبة يذكر فيها فضائل أهل البيت (عليه السلام).
ص: 182
(واعلم أن لكل ظاهر باطناً على مثاله......)، وقال الرسول الصادق (صلى الله عليه وآله وسلم): (ان الله يحب العبد، ويبغض عَمَلهُ........)، وهذا الكلام مشتق من قوله تعالى: «وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا» وهو مثل ضربه الله تعالى لمن ينجح فيه الوعظ والتذكير من البشر(1).
وهنا تمثل الإمام بهذا الحديث النبوي، لأكمل الصورة التي يريد إيصالها إلى فهمالسامع مع سليقة كلامه يردف الحديث لإكمال المعنى ولكنه هنا وضح المغزى راداً الحديث إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) غير ممزوج بكلامه.
3- (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)(2).
من خطبة له (عليه السلام) في أوائل خلافته(3).
(الفرائض الفرائض! أدّوها الله تؤديكم إلى الجنة.... فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده إلا بالحق...)(4).
هذه الخطبة أول خطبة خطبها الإمام علي (عليه السلام) في المدينة بعدما بويع بالخلافة، واستعارة الإمام علي (عليه السلام) للحديث النبوي في خطبه جاء هنا ممزوجاً بكلامه وكأنه هو القائل عند السامعين وهذه طريقة الإمام في استخدامه
ص: 183
للآية والحديث كما تقدم.
4- (ان خير الزاد التقوى)(1) قال (عليه السلام) وقد رجع من صفين وأشرف على القبور بظاهر الكوفة.
(يا أهل الديار الموحشة، والمحال المقفرة، والقبور المظلمة، يا أهل التربة، وأهل الغربة.... ثم التفت إلى أصحابه: فقال: أما لو أذن لهم في الكلام لأخبروكم أ، خير الزاد التقوى).
والمثل كما تقدم استعمل للوعظ والتذكير بالموت وأن خير ما يقوم به الإنسان من عمل هو مخافة الله سبحانه وتعالى وجعل الحديث ممزوجاً مع كلامه وكأنه قطعة منه وهذا من أعلى مراتب البيان.
ولهذا الحديث آراء عند المفسرين والمحدثين قالوا:
وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، قيل فيه قولان أحدهما: إن معناه أن قوماً كانوا يرمون بأزوادهم (أهل اليمن) ويتسمون بالمتوكلة فقيل لهم: تزودوا من الطعام، ولا تلقوا أكلكم على الناس، وخير الزاد التقوى.
والثاني: أن معناه تزودوا من الأعمال الصالحة فإن خير الزاد التقوى(2).
ص: 184
والتمثيل جاء من قبل الإمام (عليه السلام) بما خاطب به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) (أهل القليب)(1) بعد معركة بدر الكبرى.
5- (كنّا إذا احمرّ البأس اتقينا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يكن أحد منّا أقرب إلى العدو منه)(2).
قوله (عليه السلام) (إذا احمر البأس) كناية عن اشتداد الأمر، أنه شبه حمي الحرب بالنار التي تجمع الحمرة بفعلها ولونها وبما يقوى ذلك قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد رأى مجتلد الناس يوم حنين وهي حرب هوازن (الآن حمي الوطيس) فالوطيس مستوقد النار وهذا تشبه لقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من قبل الإمام علي (عليه السلام) فهو تشبه ما استحر من جلاد القوم باحتدام النار وشدة التهابها بأحمر البأس مقابل قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الآن حمي الوطيس يوم حنين(3) التي ذكرها الله تعالى في كتابه «وَيَوْمَ حُنَیِنْ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ
ص: 185
كَثْرَتُكُمْ»(1).
6- (.... إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور)(2) (أنظروا إذا أنا مت من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة، ولا تمثلوا بالرجل، فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور)(3).
وفي وصية له (عليه السلام) للحسن والحسين (3) لما ضربه ابن ملجم لعنه الله، أولها أوصيكما بتقوى الله.... إلى نهاية وصيته لهما بالحديث النبوي الشريف مسنداً ابان إلى الرسول الأكرم وقد كان علي (عليه السلام) نهى الحسن والحسين عن المثلة: وقال يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين تقولون: قتل أمير المؤمنين، قتل أمير المؤمنين! ألا لايقتلن إلا قاتلي....)(4).
وبعد استبيان بعض من أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المستعارة والتي تمثل بها الإمام علي (عليه السلام) في خطبه ومواعظه ووصاياه وصرح بها
ص: 186
ونسبها إلى الرسول الأكرم مرة ومرة ساقها مع كلامه وكأنها من ضمن سياق الخطبة أو الوصية وكان ما استشهد به (عليه السلام) من أحاديث ثمان وثلاثين حديثاً.
ثبت لبعض الأحاديث الشريفة التي تمثل بها الإمام علي (عليه السلام) في كتاب نهج البلاغة والتي أصبحت لشهرتها كالمثل السائر ونسبت في كتب الأمثال والحديث لكليهما.
1- سل عن الرفيق قبل الطريق، الجار قبل الدار، وعن الجار قبل الدار(1) والرفيق قبل الطريق(2) 2- (أحبب حبيبك هوناً ما...)(3) أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما(4) 3- الحكمة ضالة المؤمن(5) فخذ الحكمة ولو من أهل النفاق(6) 4- الخطايا خيل شمس حمل عليها أهلها(7) مالي أراكم رافعي أيديكم في الصلاة
ص: 187
كأنها أذناب خيل شمس(1) 5- زرعوا الفجور وحصدوا الثبور(2) من يزرع شراً يحصد ندامة ومثله:
من يزرع خيراً يحصد غبطة ومن يزرع شراً يحصد ندامة.
ولن يجني من الشوكة عنبة(3) 6- كربيضة الغنم(4) أقل ما يكون بينك وبين القبلة ربضة غنم(5) 7- كلعقة لاعق(6) الويل لمن باع معاده بلعقة لم تبق(7) 8- من أكثر أهجر(8) من كثر كلامه كثر سقطه(9) والأمثال النبوية مع الأقوال المأثورة للإمام علي (عليه السلام) جاءت مطابقة
ص: 188
بنسبتها للرسول والإمام علي على حد سواء مثل:- - يد الله مع الجماعة(1) - ألقناعة مال لا ينفد(2) - ما عال من اقتصد(3)
ص: 189
تفاخرت العرب بالخطب واختارت لها الكلام في مشاهدهم ونطقت بها الأئمة على منابرهم وشهرت بها في مواسمهم وتباهت بها في أعيادهم ومساجدهم وخوطب بها العوام، واستجزلت لها الألفاظ وتخيرت لها المعاني(1).
والخطب على نوعين الطوال والقصار، ولكل ذلك موضع يليق به ومكان يحسن فيه، وكان نتاج الإمام علي (عليه السلام) على عدة أشكال منها الخطبة والرسالة (الكتاب) والدعاء والحديث والمحاورة والمقابلة، وله فيها شكل فني متفرد، وعند قراءة هذه النصوص بتمعن ترى فيها الشعر الحر والقصيدة النثرية (بنا اهتديتم.....).
كل مقطع هنا يدل على فكرة مركزة - كل صورة فيه تصاغ وفق عبارة مضغوطة منتقاة، وأكثر عباراته مشحونة - (رموز) واستدلالات وتضمينات لذا نرى بعض كلامه يحتاج إلى تفسير وتعليل(2).
وخطب الإمام (عليه السلام) كانت تحتاج إلى مناسبة وحشد في الجمهور لذا نرى خطبه قد جاءت في سنوات حكمه وهي حصيلة حياة حافلة بالجهاد والتضحية والإيثار وحقيقة الأمر أن خطبه كانت تمثل الذروة في بدء خلافته وتعاقب الأحداث بعدها الجمل وصفين والنهروان وهذه المعارك تتطلب من الإمام الحث على الجهاد لذا كانت أكثر خطبه جهادية ومنها رسمية أيام الجمعات والأعياد والمناسبات لكونه الإمام والخليفة في آن واحد.
ص: 190
وخطب الإمام علي(عليه السلام) مستقاة من خطب الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو يبدأ بالإستهلال وهذا ما درج عليه الإمام (عليه السلام) أيضاً بذكر الله تعالى وحمده وشكره.
(أوصيكم عباد الله.........) (الحمد لله الذي لا يبلغ مدحه القائلون........) بعدها الدخول في الموضوع ثم يربط ربطاً فنياً رائعاً بين الإستهلال والموضوع.
(أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي ضرب الأمثال ووقّت لكم الآجال في قرار خبره ودار عبره، أنتم مختبرون فيها ومحاسبون عليها..........)(1).
واستخدام الأمثال عند الإمام (عليه السلام) كما تبين كثيرٌ جداً فهو استعملها للتذكير (بتقوى الله الذي ضرب الأمثال) ويصفها بأنها أمثال صائبة ومواعظ شافية وهي بطبيعتها نمو فني للأمثال التي ضربها الله سبحانه وتعالى وبهذا الأسلوب الفني الذي استخدمه الإمام (عليه السلام) في تغييره لشكل المثل مبتعداً عن القاعدة المرسومة في بقاء المثل على ما كان عليه عند المختصين في هذا الباب من الفنون، لذا نراه قد استفاد من مضمونه لا صورته الملقاة، وذلك بوضعه المناسبة له في الخطبة الملقاة أو الكتاب المرسل أو الوصية الموجهة، فكانت الصيغة الخطابية لديه تتفاوت مع أساليب الخطابة لديه من حيث قصر العبارة وسرعة الحركة والتنقل بمشاعر المتلقي بغية الإقناع (ليصدق رائد أهله)، (لو يطاع لقصير أمر) فهو يستعير المثل كأنه هو المقصود فيه من خلال تغييره للمثل الأول الذي يطلب من الرعية تلبية
ص: 191
نداءه وتصديقه، وصيغة التمني المستعملة في تغيير شكل المثل الثاني (لا يطاع لقصير أمر) أي (لو يطاع لقصير أمر) هو تصوير حالة مشابهة تماماً لحالة قصير فكان لابد أن يتم تغيير شكل المثل للوصول إلى الغاية التي تصل إلى شمولية الإقناع مستفيداً من الخصوص منطلقاً منه إلى العموم، ويضفي على المصدر (المثل) أسلوبه الخطابي (إياك، إيا..........) وأحياناً يستعمل لغة العقل الجمعي (ردوا لجحر، رداً الحجر...
سيرعف بهم الزمان) ولا ينسى قضية الحق والخير في قبال الباطل والشر، وأكثر مايفعله الإمام (عليه السلام) هو الباسه المفردات لبوساً دينياً (رجع الحق إلى أهله، عاد السهم) فيكون المثل عنده اضفاء سمات البلاغة من حيث الجرس الموسيقي والتجانس الصوتي في استعمال المثل مع الجمل الفنية الأخرى كما عبر عنها جورج جرداق(1) فالإمام يوظف صورة المثل ويجانسها مع بناء النص مع إيفاد العنصر العاطفي والعنصر الجمالي الذي يأخذ عنده لباب العقول فهو صور وإيقاعات هائلة تحتشد بشكل مكثف ومنتظم حتى لا يكاد يخلو سطر من هذه الأدوات المدهشة والمثيرة بتتابع وتجانس (هل من مناص أو خلاص)، (سمع فخشع، واقترف فاعترف....)، أما البعد العاطفي فأدواته الفنية موظفة لفكرة الخطبة الملقاة بكيان فني محكم البناء خاضع لخطوط هندسية بالغة الإثارة والجمال والدهشة.
وعنده اختصار المثل وتغيير شكله الصوري من أجل البناء الموسيقي (من أكثر هو...).
وأحياناً يجعل من المثل بعداً شمولياً لمعاني أخر بإضافة مفردات تتوافق مع المثل وتناسقه (المنية ولا الدنية - والتقلل ولا التوسل)، كأن الدنية والتوسل يتساويان، فإن المنية والتقلل يتفقان في النتيجة، كلاهما ينشد التعفف في السلوك وعدم الإغراق
ص: 192
في الإبتذال.
أما ما نروم الخوض فيه بعد استعراضنا لمفهوم المثل الجاهلي والقرآني والنبوي هو شكنا في بعض الأمثال المنسوبة إلى بعض الحكماء الذين لم يعاصروا الدولة الإسلامية بل عاصروا العصر الجاهلي مثل أكثم بن صيفي(1)، وحاتم الطائي، ولقمان وغيرهم من هؤلاء الأفذاذ.
نقول: ما دام الشك قد حام حول انتحال الشعر الجاهلي برمته من قبل عميد الأدب العربي طه حسين وشكه القاطع في كتابه الشعر الجاهلي وما قامت عليه الدنيا وقعدت في الرد عليه وهو المحق في بعض ما قال وليس كل ما شك فيه هو الصواب ولكنه وجد في الشعر كثيرا من القصائد المنحولة فأصاب مثلما أخطأ في بعضها.
ونحن عند دراستنا للمثل الجاهلي وتداخله مع المثل الإسلامي لصعوبة الفرز بين العصرين مما يجعل الدارس للمثل يكاد يكون مشككاً في بعض نسبة الأمثال إلى شخصيات غير إسلامية مع اعترافنا بأن القرآن الكريم ذكر لقمان(2) الحكيم
ص: 193
في (سورة لقمان) ولكن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قدم القرآن إلى أمية بن الصلت(1) وخبره على صحيفة لقمان المقدمة من جانب أمية إياه في بداية الدعوة الإسلامية والأمثلة في ذلك كثيرة، ما عال من اقتصد، القناعة ما لا ينفد، الحكمة ضالة المؤمن، لكل أجل كتاب(2) إنه الرأي الهوى، خير الأمور اوسطها، لكل عمل ثواب، لكل نبأ مستقر(3).
هذه الحكم المنسوبة إلى أكثم بن صيفي فيها الكثير من المبالغة فالرجل حكيم فعلاً لكنه لا يتقول بما جاء في القرآن رغم أننا نعلم أن القرآن نزل بلغة العرب وأرض العرب، ووافق على بعض من أعمالهم في الجاهلية التي فيها خيرٌ لهم، فلا دليل على صدورها من لدن أكثم أو غيره لكونها مدونة ومنسوبة له ذلك بسبب انتحال كثير من الأشعار والخطب والمواعظ وتسميتها إلى غير أهلها(4)، وذلك من
ص: 194
خلال ما شجع عليه بعض الخلفاء الأمويين وخاصة أن الأمويين كانوا من المتعصبين للعروبة والمشجعين على اختراع الحوادث والقصص والاشعار ونسبتها لأبطال القبيلة ورموزها السالفة وكان عبيد بن شربة(1) من المقربين عند معاوية بن أبي سفيان الذي كان يحب السمر، أضف إلى ذلك أنهم كانوا يشجعون على دستور القبيلة والتنافس بين زعماء القبائل في كل مضارب الحياة، فكان للألدب حيز كبير في هذا المجال من التنافس، والشعر كان صولات وجولات بين المتهاجين كالفرزدق وجرير، والتي استحوذت على حيز كبير في مجال الأدب العربي، ودور تميم في التاريخ كان كبيراً أيضا من حيث الإنتساب لها:
يعدُّ الناسبونَ إلى تميمٍ *** بيوتَ المجدِ أربعةً كبارا(2) ونال الوضع كل مناحي الحياة حتى تجاوز على قدسية الحديث النبوي الشريف فلا غضاضة أن يدخل إلى باقي فنون الأدب والتاريخ مكوناً على سبيل المثال لا الحصر ديواناً شعرياً لحاتم الطائي الذي لم يكن غير رجلٍ كريمٍ نبيلٍ عرف بكرمه
ص: 195
الذي يفوق الوصف، فلا بد أن يكون لقبيلة الطائيين شعر ينسب إليه ليكون مفخرة لقومه وهكذا دواليك من أضراب ذلك، ولنا الحق في أن نشك في بعض نسبة المثل إلى أشخاص معدودين اشتهرت عندهم الحكمة فأفاضوا عليهم ونسبوا لهم بما لم ينطقوا به فخلط المثل القرآني مع المثل النبوي مع المثل الجاهلي ليكون صورة ممزوجة لا تبنيها إلى الصبغة الإسلامية من خلال الرسالة السامية التي جاء بها النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقول أفصح الفصحاء لا يتبارى معه قول أي حكيم مهما علا كعبه فلا غضاضة أن ينسب قول النبي الأكرم إلى الإمام علي (عليه السلام) لأن علياً (عليه السلام) نشأ في مدرسة الرسول الأكرم لذا تسقط نسبة القول إلى الآخر ما دام هو نفس القول الذي نسب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مرة ولا وجود هنا للمصادفة العقلية التي أنتجت هذه الأقوال لأن المصادفة قد تكون في تشابه الأقوال الحكيمة لا على شكلها ومضمونها وهذا ما وجدته مثاراً للشك في دراسة المثل العربي في زمني الجاهلية والإسلام.
ص: 196
المبحث الأول: - أقواله المبنية على حادثة المبحث الثاني: - أقواله في كتب اللغة والأمثال والتاريخ والتفسير
ص: 197
ص: 198
كثيرٌ من أقوال الإمام علي (عليه السلام) أصبحت أمثالا لشهرتها، وتوافرت على ذكرها بعض مصادر كتب الأمثال وكتب الأدب والتاريخ(1)، وفي هذا المبحث نبين بعضاً من أقواله التي أصبحت فيما بعد أمثالا سائرة بنيت على حوادث.
1- (ما عدا مما بدا)(2) رسالة أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الزبير بن العوام حملها ابن عباس يستفيئه(3) إلى طاعته قبل حرب الجمل.
(لا تلقينّ طلحة، فإنك إن تلقه تجده....... ولكن إلقَ الزبير، فإنه ألين عريكة، فقل له: يقول لك ابن خالك: عرفتني بالحجاز وأنكرتني بالعراق فما عدا مما
ص: 199
بدا)(1).
قال الرضي أقول: هو أول من سمعت منه هذه الكلمة أعني (فما عدا مما بدا).
قال ابن عباس: فأتيت الزبير فقال: مرحباً يا ابن لبابة أزائراً جئت أم سفيراً؟ فقلت: كل ذلك، وأبلغته ما قال علي، فقال الزبير: أبلغه السلام وقل له: (بيننا وبينك عهد خليفة، ودم خليفة، واجتماع ثلاثة، وانفراد واحد، وأم مبرورة ومشاورة عشيرة.......)(2).
وقول الزبير خبر ينبه بعض المؤرخين إلى ولده عبد الله برواية عبد الله بن عباس(3).
ويذكر البلاذري(4): حادثة وقوف علي (عليه السلام) مع الزبير بعد أن دعاه وذكر شيئاً عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم مرّ عليهما فقال لعلي: ما يقول ابن عمك؟ ليقاتلنك وهو لك ظالم، فانصرف الزبير وقال: فإني لا أقاتلك، ورجع إلى ابنه عبد الله، فقال: مالي في هذه الحرب من بصيرة، فقال له عبد الله: لا، ولكنك جبنت على لقاء علي حين رأيت راياته فعرفت أن تحتها الموت، فقال: فإني قد حلفت أن لا أقاتله! قال: فكفر عن يمينك بعتق غلامك، فأعتقه وقام في الصف معهم وبهذا يقول همام الثقفي(5):
ص: 200
أيعتقُ مكحولاً ويُعصى نبيُّهُ *** لقد شاهَ عن قصدِ الُهدى ثمّة عوّقِ لشتان ما بين الضلالة والهدى *** وشتّانَ من يعصي الإلهَ ويعُتقِ(1) أما ما أورده ابن قتيبة(2) فقد روى أن علياً خرج على بغلة رسول الله الشهباء بين الصفين وهو حاسر، فقال: أين الزبير؟ فخرج إليه حتى إذا كانا بين الصفين اعتنق كل واحد منهما صاحبه وبكيا، ثم قال علي: يا أبا عبد الله ما جاء بك إلى هاهنا؟ قال:
جئت أطلب دم عثمان، قال علي: تطلب دم عثمان، قتل الله من قتل عثمان، أنشدك الله يا زبير هل تعلم أنك مررت بي مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو متكئ على يدك وضحك إلي، ثم التفت إليك، فقال لك: يا زبير، إنك تقاتل علياً وأنت له ظالم، قال: اللهم نعم، قال علي: فعلام تقاتلني؟ قال الزبير: نسيتها والله، ولو ذكرتها ما خرجت إليك..... وانصرف إلى أصحابه.
وتذكير الإمام علي (عليه السلام) للزبير يورده الدنيوري بقوله: علي يذكر الزبير بحديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (فأنشدك الله يا أبا عبد الله هل تذكر يوماً مررنا أنا وأنت برسول الله، فقال لك: أما أنك تقاتله وأنت له ظالم........ فقال الزبير: نعم أنا اذكر....(3).
ولما استذكر الزبير ذلك أخبر ولده عبد الله بقوله وقد أذكرني علي أمراً وقد كنت
ص: 201
غفلت عنه فانصرف يا بني معي، فقال عبد الله: (والله لا أرجع أو يحكم الله بيننا) فتركه الزبير ومضى نحو البصرة ليتحمل منها ويمضي إلى الحجاز، ويقال إن طلحة لما علم بانصراف الزبير همّ أن ينصرف فعلم مروان بن الحكم ما يريده فرماه بسهم فوقع في ركبته فنزف حتى مات(1).
وفي تاريخ خليفة (رمى طلحة بن عبيد الله بسهم، ثم التفت إلى أبان بن عثمان فقال: (قد كفينا بعض قتلة أبيك)(2).
وقول الإمام (عليه السلام) أصبح مثلاً وقيل بمعنى ما عداك عني مما بدا لك، معنى عاداك صرفك(3).
ويذكر الميداني معلقاً عليه(4): أي ما منعك مما ظهر لك أولًا، وقال: قاله علي بن أبي طالب للزبير بن العوام يوم الجمل، يريد ما الذي صرفك عما كنت عليه من البيعة؟
ص: 202
2- (كلمة حق يراد بها باطل)(1) كلامه في الخوارج لما سمع قولهم لا حكم إلا لله. قال (عليه السلام):
(كلمة حق يراد بها باطل نعم إنه لا حكم إلا لله، ولكن هؤلاء يقولون، لا إمرة إلا لله وإنه لابد للناس من أمير برٍ أو فاجر، يعمل في إمرته المؤمن ويستمع فيها الكافر......)(2) كلمة أمير المؤمنين (عليه السلام) دارت بين الناس وجرت مجرى الأمثال، حتى استفاضت بها كتب الحديث والتاريخ(3).
قال أبو جعفر الإسكافي (ت 202 ه) معلقاً عليها، وشك الخوارج في أكثر من شبهة(4).
وأورد البلاذري(5) ذكر الخطبة وما بعدها من أحداث (لما قدم علي بن أبي طالب إلى الكوفة من صفين حاصرته الحرورية ستة أشهر وقالوا: شككت في أمرك وحكمت عدوك ودهنت في الجهاد، وتأولوا عليه القرآن (فقالوا: قال الله: (والله يقضي بالحق)(6) وطالت خصومتهم لعلي.
ص: 203
ووصفها الشريف الرضي قائلاً: هذه أبلغ عبارة عن أمر الخوارج لما جمعوا حسن الاعتزاء والشعار، وقبح الأبطال ولا خمار(1).
وقد خصّهم أمير المؤمنين (عليه السلام) وخصّ غيرهم من العامة بصفة الغوغاء قائلاً: إذا اجتمعوا ضروا وإذا تفرقوا......)(2).
وروى الطبری قال: قال علي: الله أكبر كلمة حق يراد بها باطل، وإذا سكتوا عممناهم وإن تكلموا حججناهم، وإن خرجوا علينا قاتلناهم.(3) وذكر مفهوم الكلمة ابن مزاحم دالاً عليها أنها كلام علي (عليه السلام) حيث قال: (أنها كلمة حق يراد بها باطل، إنهم والله ما رفعوها إنهم يعرفونها ويسلون، ولكن الخديعة والوهن والمكيدة أعيروني جماجمكم......)(4).
وجاء عند ابن الأثير قال(5): في باب التناسب بين المعاني في قسم المطابقة، وقد أجمع أرباب هذه الصناعة على أن المطابقة في الكلام هي الجمع بين الشيء وضده كالسواد والبياض والليل والنهار، وقول علي (عليه السلام) لما قال الخوارج: (لاحكم إلا لله) قال: هذه كلمة حق يراد بها باطل.
ص: 204
وبينّ الخطيب البغدادي(1): قول الإمام علي (عليه السلام) فيهم بعد القتال بعد خروج آخرهم رجل أسود على كتفه مثل حلمة الثدي فقال علي: الله أكبر والله ما كَذبت ولا كُذبت كنت مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد قسم فيئنا فجاء هذا فقال: يا محمد إعدل والله ما عدلت منذ اليوم الأول، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ثكلتك أمك ومن يعدل عليك إذا لم أعدل؟ فقال عمر بن الخطاب:
يا رسول الله ألا أقتله؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لا، دعه فإن له من يقتله، وقال: صدق الله ورسوله. وبيّن ابن حجر(2) مفهوم الكلمة معلقاً عليها ذاكراً الحادثة بعينها، كما أوردها ابن كثير بتفاوت(3).
ومن الجدير بالإشارة بأن الخوارج قد اشتبه عليهم الأمر في التحكيم وعدمه وقد أخذوا بالقرآن وتركوا السنة، لذا وضّح الإمام علي (عليه السلام) لابن عباس بقوله عند محاججته الخوارج: لا تخاصمهم بالقرآن فإن القرآن حمال ذو وجوه تقول ويقولون، ولكن حاججهم بالسنة فإنهم لن يجدوا عنها محيصاً(4)، فخرج إليهم فخاصمهم بالسنن فلم تبق بأيديهم حجة.
ووردت في النهج في موردين، أحدهما المذكور بالخطبة المشار إليها والثاني بقوله (عليه السلام) (كلمة حق أريد بها باطل) في باب الكلمات القصار.
ص: 205
3- (قلبت لابن عمك ظهر المجن ففارقته مع المفارقین، وخذلته مع الخاذلین...)(1).
قال ابن قتيبة(2): ووجدت في كتاب لعلي بن أبي طالب كرم الله وجه إلى ابن عباس حين أخذ من مال البصرة ما أخذ (إني أشركتك في أمانتي....)، مع اختلاف في الكتاب الذي عند ابن أبي الحديد شارح النهج(3) في بعض الألفاظ مختلفاً عما جاء عند البلاذري(4) المطابق لشرح كتاب النهج، والكتاب كتبه أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد سماعه بابتياع ابن عباس عند قدومه مكة من عطاء بن جبير مولى بني كعب من جواريه ثلاث مُوَلَّدات حجازيات يقال لهن: شادن وحوراء وفنور بثلاثة آلاف دينار(5) وبعمله هذا لامَه الإمام علي (عليه السلام) كثيراً معاتباً إياه بأنك قد قلبت لابن عمك ظهر المجن(6)، والمثل ذكره الميداني(7) ويضرب لمن كان لصاحبه على مودة ورعاية ثم حال عن العهد(8)، وقلب فلان مجنهُ أي أسقط الحياء وفعل ما شاء(9).
ص: 206
4- (ولقد ضربت أنف هذا الأمر وعينه)(1) من كلام له (عليه السلام) وقد أشار عليه أصحابه بالإستعداد للحرب بعد إرساله جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية (إن استعدادي لحرب أهل الشام وجرير عندهم إغلاق للشام وصرف لأهله عن خير إن أرادوا..... ولقد ضربت أنف هذا الأمر وعينه، وقلبت ظهره وبطنه.....(2) وكلامه يجري مجرى المثل والعرب ضربت في شكل هذا المثل (ضرب وجه الأمر وعينه)(3) والإمام (عليه السلام) كان جوابه لأصحابه موفقاً حيث أنه لم يقطع الأمل عن أهل الشام للأخذ بمبادرة السلم والطاعة، فجمع للجيوش وسوقها إلى أرضهم إغلاق للسلم والإمام بكل حروبه لم يبدأ القتال.
والمثل يضرب لمن يداور الشؤون ويقلبها ظهراً لبطن من حسن التدبير والاستقصاء في البحث والتفكر، والإمام (عليه السلام) كان أوفق في تمثيله لأنه خص الأنف والعين لأنهما أظهر شيء في صورة الوجه وهما مستلفتا النظر، لذا قال قصير: في حادثة جذيمة بن الأبرش والزباء (لأمر ما جدع قصير أنفه)(4)، والأنف ظاهر من الوجه لأنه قد شوه وجهه بالجدع وبان وقد مثلت العرب هذا التمثيل
ص: 207
(أنفك منك ولو كان أجدع)(1)، وذلك لأن المتعرف في عادته يمعن النظر في الأنف والعين من الوجه(2).
وقد أشار كل من ابن قتيبة(3) إلى استشارة أهل الكوفة لعلي (عليه السلام) وابن عساكر(4) وابن اعثم(5) في تاريخيهما.
وفي إبطاء جرير عند معاوية ظن الناس الظنون واتهموه وقال علي (عليه السلام) وقَّتُّ لرسولي وقتاً لا يقيم إلا مخدوعاً أو عاصياً وأبطأ على علي حتى آيس منه.
وكتب إليه كتاباً (أما بعد فإذا اتاك كتابي هذا فاحمل معاوية على الفصل وخذه الأمر الجزم)(6) وبعد عودة جرير البجلي فارق علياً بعد أن عزره الأشتر النخعي ولحق بقرقيسا(7).
ص: 208
5- (فَعَل فِعْل السادة، وفرّ فرار العبيد)(1) (قبَّح الله مصقلة(2) فَعَل فِعْلَ السادة وفرَّ فرار العبيد، فما أنطق مادحه حتى أسكته...)(3).
كان بنو ناجية ارتدوا عن الإسلام، ولما ولي علي بن أبي طالب (عليه السلام) دعاهم إلى الإسلام فأسلم بعضهم وأقام الباقون على الردة، فسباهم واسترقهم فاشتراهم مصقلة بن هبيرة منه وأدى ثلث ثمنهم وأشهد الباقي على نفسه ثم أعتقهم وهرب من تحت ليله إلى معاوية(4).
وفي رواية البلاذري(5): أن علياً سبى بني ناجية وكانوا نصارى قد أسلموا ثم ارتدوا، فقتل مقاتلتهم وسبى الذرية فباعهم من مصقلة بمائة ألف فأدى خمسين وبقيت خمسون فأعتقهم ولحق بمعاوية فأجاز علي عتقهم.
وبعد أن لحق مصقلة بمعاوية في الشام كتب إلى أخيه نعيم بن هبيرة، وكان أخوه شيعياً لعلي مناصحاً، (أما بعد، فإني قد كلمت معاوية فيك، فوعدك الإمارة، ومنّاك
ص: 209
الكرامة، فأقبل إلي ساعة يلقاك رسولي، إن شاء الله، والسلام عليك)(1).
ويورد أبو هلال(2) في قولهم: (حتى يؤوب المنخل) الذي يتمثل به في البأس عن الشيء ومثله (حتى يرجع مصقلة من طبرستان) وهذا قول أهل الكوفة، ويذكر سبب هروبه وأنه كان على أردشير خره(3)، وينسب قولاً لمصقلة بن هبيرة بعد لحوقه بمعاوية:- تركتُ نساءَ الحي بكرِ بن وائلِ *** واعتقتُ سبياً من لؤيِ بن غالبِ وفارقتُ خيرَ الناسِ بعد محمدٍ *** لمالٍ قليلٍ لامحالةَ ذاهبِ(4) أما المثل (حتى يرجع مصقلة من طبرستان) عند أهل الكوفة هو معرفتهم بأن مصقلة بعد هروبه من الإمام أتى معاوية فولاه طبرستان بعد أن جهز له جيشاً كثيفاً وقتل هناك ولم يعد...
ص: 210
6- (فَجَزَتْ قريشاً عني الجوازي)(1) من كتاب له (عليه السلام) إلى أخيه عقيل بن أبي طالب في ذكر جيش أنفذه إلى بعض الأعداء وهو جواب كتاب عقيل (رضي الله عنه).
(... فإنهم قد أجمعوا على حربي كإجماعهم على حرب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبلي فجزت قريش عني الجوازي ...)(2) هذه الكلمة تجري مجرى الأمثال، تقول لمن يسيء إليك وتدعو إليه: جزتك عني الجوازي، يقال: جزاه الله بما صنع(3).
ويقول ابن أبي الحديد(4) على قول الإمام (عليه السلام) بقوله (فدع عنك قريشاً) إلى قوله (على حرب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقريش أضمرت للإمام العداوة لأنه وَتَرَهم، فأصفقوا عليه كلهم يداً واحدة على شقاقه وحربه كما كانت حالهم في ابتداء الإسلام مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(5)، وتفسير المثل جزتك عني الجوازي، كما أورده ابن منظور معناه جزتك - جوازي أفعالك المحمودة، الجوازي معناه الجزاء جمع الجازية(6).
ص: 211
قال الشاعر:
فإن كنتَ تشكو من خليلٍ مخافةً *** فتلكَ الجوازي عقبُها ونصيرُها(1) أي جُزيت كما فعلت وذلك لأنه اتهمه في خليلته.
قال القطامى(2):
ما دهرٌ يمنّيني ولكن *** جَزَتْكُم يا بني جشمَ الجوازي وفي هذا الباب من التمثيل يذكر الميداني تفسير المثل (ما أصغيت لك إناء ولا أصفرت لك فناء)(3).
أي ما تعرضت لأمر تكرهه، يعني لم آخذ إلَكَ فيبقى إناؤك مكبوباً لا تجد لبناً تحلبه فيه ويبقى فناؤك خالياً لا تجد بعيراً يبرك فيه.
وذكر عن علي (عليه السلام) أنه قال: اللهم إني أستعيذك على قريش، فإنهم أصغوا إنائي وأصغروا عظم منزلتي وقدري(4).
7- (لجملُ أهلك وشسع نعلك خيرٌ لك)(5)
ص: 212
من كتاب له (عليه السلام) إلى المنذر بن جارود العبدي وقد خان في بعض ماولاه من أعماله:
(أما بعد فإن صلاح أبيك غرّني منك، وظننت أنك تتبع هَدْيه وتسلك سبيله ... ولئن كان ما بلغني عنك حقاً لجمل أهلك وشسع نعلك خير منك، ومن كان بصفك فليس بأهل أن يسد به ثغر)(1).
والمنذر بن الجارود(2) من الذين فارقوا علياً (عليه السلام)، وعاداه وكان قد ولاه مدينة اصطخر(3) وقد عزله أمير المؤمنين بعد أن سمع عنه بأنه قد احتاز مالًا من الخراج كان أربعمائة ألف درهم فحبسه علي (عليه السلام) وأغرمه ثلاثين ألفاً بعد
ص: 213
أن أقدمه(1).
ويذكر البلاذري(2): بعد أن أقدمه (أي الإمام) إليه بعد وصول كتابه شكاه قوم بأنه أخذ ثلاثين ألفاً، فسأله فجحد فاستحلفه فلم يحلف فحبسه.
واستشفع له صعصة بن صوحان العبدي(3) بعد أن عاده علي (عليه السلام) عند مرضه فكلمه صعصعة وقال: أنا أضمن ما على المنذر، قال علي (عليه السلام) كيف تضمن ذلك وهو يزعم أنه لم يأخذ شيئاً، فليحلف، فقال: صعصعة: هو يحلف، قال علي (عليه السلام): وأنا أظنه سيفعل إنه نظار في عطفيه، مختال في برديه، تفال في شراكه، فأخرجه علي فخلى سبيله وقال علي لصعصعة: إنك ما علمت لخفيف المؤنة، حسن المعونة، فقال صعصعة: والله وأنت يا أمير المؤمنين ما علمت بالله لعالم وله خائف(4). فلم يشكر المنذر لصعصعة ما صنع في أمره فقال الأعور الشني(5)
ص: 214
يذكر بلاء صعصعة بن صوحان:
ألا سألت بني الجارود أي فتىً *** عندَ الشفاعةِ والبابِ ابن صوحانا هل كان إلا كأمٍّ أرضعت ولداً *** بمقتٍ فلم تجزَ بالإحسانِ إحسانا لا تأمَننَّ امرءاً خانَ امرءاً أبداً *** إنْ من الناس ذا وجهين خوّانا والأبيات ذكرها البلاذري(1) بتفاوت بالألفاظ وذكرها ابن عساكر(2) بألفاظ البلاذري ونسبها خطأ إلى صعصعة بن صوحان.
وكان ضرب المثل عند الإمام من باب الإستهانة وشسع النعل(3) يضرب به المثل في الإستهانة مشهور، لابتذالها وطئها الأقدام في التراب، وكانت العرب تضرب المثل بالجمل في الذلة والهوان والجهل، ولا ريب أنّ شسع نعل الخائن وجمل أهله الذي يركبه خير منه لأنه لم يخن ما خان.
قال ابن أبي الحديد(4) العرب تضرب بالجمل المثل في الهوان قال:- لقد عَظُمَ البعیرُ بغیرِ لبٍّ *** ولم يَستغنِ بالعظمِ البعیرُ يصرّفُهُ الصبيُ بكلّ وجهٍ *** ويحبسُهُ عن الخسفِ الجريرُ وتضربُهُ الوليدةُ بالهراوى *** فلا غِیرٌ لديهِ ولا نكیرُ
ص: 215
8- (ما كل مفتون يعاتب)(1) هذا قول الإمام (عليه السلام) لسعد بن أبي وقاص ومحمد بن سلمة وعبد الله بن عمر بن الخطاب لما امتنعوا عن الخروج لحرب الجمل.
(أعندكم شكٌ في بيعتي، قالوا: لا، فإذا بايعتم قاتلتم وأعفاهم من حضور الحرب)(2).
ونظيرها أو قريب منها قول أبي الطيب المتنبي:
فما كلُّ فَعّالٍ يُجازى بفعلهِ *** ولا كل قَوّالٍ لديّ يجابُ ورُبَّ كلامٍ مرَّ فوقَ مسامعي *** كما طَنَّ في لفحِ الهجيرِ ذبابُ(3) قال (عليه السلام) في الذين اعتزلوا القتال معه، خذلوا الحق ولم ينصروا الباطل، وهو القائل، بحق عبد الله بن عمر وسعدٍ خذلوا الحق ولم ينصروا الباطل(4).
ويذكر أصحاب السير أن علياً (عليه السلام) نادى في الناس بالتأهب للمسير إلى العراق فدخل عليه سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر بن الخطاب ومحمد بن سلمة، فقال له:
ص: 216
قد كان ما بلغك، فأعطني سيفاً يعرف المسلم من الكافر حتى أقاتل به(1).
ومثله قول عبد الله وأما قول محمد بن سلمة: إن رسول الله أمرني أن أقاتل بسيفي ما قوتل به المشركون... وقد كسرته بالأمس(2).
9- (إعرف الحق تعرف أهله)(3) قال (عليه السلام) في الذين اعتزلوا القتال معه، (... لم ينصروا الحق ولم يخذلوا الباطل)(4) نهض الحارث بن حوط الليثي إلى علي بن أبي طالب وهو على المنبر فقال: أتظن أنا نظن أن طلحة والزبير كانا على ضلال؟ قال: يا حار أنه ملبوس عليك، إن الحق لا يعرف بالرجال فاعرف الحق تعرف أهله)(5).
وكان جواب الحارث للإمام: فإني أعتزل مع سعيد بن مالك وعبد الله بن عمر.
فأجاب (عليه السلام) قائلاً: إن سعيداً وعبد الله بن عمر لم ينصرا الحق ولم يخذلا الباطل(6).
ص: 217
والقول المأثور عنه (عليه السلام) مشابه لقوله: انك لم تعرف الحق فتعرف أهله ولم تعرف الباطل فتعرف من أتاه.(1) قال الغزالي(2): قال أمير المؤمنين الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله، وأضاف قائلاً: العاقل من يقتدي بسيد العقلاء علي (عليه السلام).
وجواب الإمام (عليه السلام) للحارث كان شافياً يفهم الحارث مقاصده بأنك يا حارث لا تغرك مسميات الرجال ولكن اعرف الحق باتباع من اتبعه والباطل باجتناب من اجتنبته.
وفي تفسير الآية الكريمة «وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ»(3)، علق القرطبي (ت 671 ه) وقال(4): وهذا المعنى قول علي رضى الله عنه للحارث بن حوط، يا حارث إنه ملبوس عليك إن الحق لا يُعرَف بالرجال.
قالت الخنساء(5):
ص: 218
ترى الجليسَ يقولُ الحقَ تَحسَبُه *** رشداً وهيهاتَ فانظر ما به التبسا صدِّقْ مقالَتَهُ واحذر عداوَتَهُ *** والبس عليهِ أموراً مثل ما لَبِسا وأورد اليعقوبي أيضاً في تاريخه ذاكراً الزمان والمكان بعينه(1).
ص: 219
أخذت أقوال الإمام علي (عليه السلام) موقعاً خاصاً لها في كتب الأمثال وكتب اللغة والتاريخ والتفسير، لما لها من وقع خاص في قوتها البلاغية وصياغتها الأدبية، وامتلاكها قوة التعبير باختصار كلماتها وبيان دلالاتها، وبلاغة الإمام (عليه السلام) فاقت الكثيرين من أقرانه حتى احتاج البعض لتفسير كلامه (عليه السلام) كما أورد بعضه الشريف الرضي في باب الكلام الذي يحتاج إلى تفسير من مجموع نهج البلاغة، وبما أن كلام الإمام (عليه السلام) قد أخذ له مكاناً مرموقاً في كتب الأمثال المعروفة مع استبيان على من ذكرها في كتب اللغة والتفسير والتاريخ، فمن قوة بيانها كونت لها خيالاً خصباً في التعبير والتصوير، ففي كل حيز دونت فيه أفادت وبينت ما هو غامض ويحتاج إلى وقفة في بيانه وتفسيره.
ونحن بدورنا قد أشرنا إلى هذه الأمثال التي جرت على لسان الإمام علي (عليه السلام) التي أوردها الرضي في النهج وإلى الأمثال التي نسبت إلى الإمام في كتب الأمثال، وغريب الحديث ولم يدونها الشريف الرضي في كتاب النهج، الذي لم يجمع
ص: 220
بين دفتيه إلا أربعمائة وأربعة وسبعين قولاً تمثلت بين خطبة وكتاب ووصية وحكمة، لذا استدرك بعضهم على كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) في تآليف جمعوا فيها ما لم يجمعه الشريف وأسموها المستدركات على نهج البلاغة(1) وللشهرة الحاصلة لأقوال أمير المؤمنين (عليه السلام) بين الكثير من الناس صاغت الشعراء كلامه في أشعارهم فكونت شعراً حكيماً بليغاً أشرنا إلى بعضه في هذا المبحث.
يضرب مثلاً للرجل يأتي الخطأ على بصيرة وتمثل به الإمام علي (عليه السلام).
مسنداً عن المدائني (ت 225 ه) عن جماعة ذكرهم قالوا: قال عمرو بن العاص لمعاوية في بعض أيام صفين: ألا أدعو علياً إلى المبارزة؟ قال: لا تفعل فإنه ما بارزه أحد إلا قتله، فبرز له رجل يقال له عروة من أهل دمشق فقال: يا أبا حسن قد كره معاوية وعمرو مبارزتك فهلم، فقال لقنبر دونكه فبرز له قنبر فقتله، فقال علي: أما إنه لقد أصبح من النادمين وبارز عبد الرحمن بن محرز الكندي رجلاً من أهل الشام فقتله عبد الرحمن ونزل فسلبه وإذا المقتول حبشي فقال: إنا لله، لم عرضت نفسي؟ وحلف أن لا يبارز أحداً حتى يعرفه(2).
وأتاه علقمة بن الأنصاري فقال: يا أمير المؤمنين إن عمرو بن العاص ينادي ثم يقول(3):
ص: 221
أنا الغلامُ القَرشي المؤتمن *** الماجدُ الأبلجُ ليثٌ كالشَطَن يا أيها الأشرافُ من أهلِ اليمن *** أضرُبكُم ولا أرى أبا حسن أعني علياً وابن عمِ المؤتمن *** كفى فهذا حزناً من الحزن والبيت ذكره أبو هلال منفرداً بذكره.
فقال علي: لقد ترك مكاني وهو يعرفه، ولكنه كما قال الأول (أبعد الوهي ترقعين وأنت مبصرة)(1).
وعند نصر بن مزاحم: فضحك علي ثم قال: أما والله لقد حاد عُديّ الله عني، وإنه بمكاني لعالم، كما قال العربي (غير الوهي(2) ترقعين وأنت مبصرة).
وتمثل الإمام علي (عليه السلام) بالثقة التامة بأن عمرو بن العاص على معرفة وبصيرة بأنه لا يستطيع مبارزته وإن تمت فسرعان ما انهزم من المعركة فاراً إلى معاوية والحادثة ذكرها المؤرخون في كتبهم.
والمثل الذي تمثل به الإمام واشتهر في كتب الأمثال والتاريخ لم يذكره الرضي في كتاب النهج.
ص: 222
هذا الكلام ورد عند أصحاب التصانيف مرة عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ومرة عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وكان نصيب الإشارة عندهم بوروده عن علي أشهر، ولا غرابة أن يأخذه الإمام عن معلمه الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) فيشتهر عنه كما أورده ابن حبّان راوياً إياه عن علي (عليه السلام) ناسبه إلى الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)(1).
ورواه البخاري (ت 256 ه) مسنداً عن مروان بن معاوية، قال: سمعت علياً يقول لابن الكواء هل تدري ما قال الأول، أحبب حبيبك هوناً ما عسى...)(2).
والحديث كما ورد عن بعضهم موقوف عن علي (عليه السلام)(3).
وقال البلاذري في ترجمة عثمان مسنداً عن محمد بن عبيد الله الأنصاري عن أبيه، قال: أتيت علياً في داره يوم قتل عثمان، فقال ما وراءك؟ وأعلمته الخبر ثم قال:
(أحبب حبيبك...)(4) وبنفس الإسناد الذي أورده البلاذري رواه أبو هلال العسكري بعد قوله: المثل لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) وفسره: هونا أي فصداً غير إفراط، ثم اسنده عن
ص: 223
محمد بن عبيد الله الأنصاري قال: سمعت علياً (عليه السلام) يقول مراراً: اللهم إني أبرأ إليك من قتلة عثمان وإني أرجو أن يصيبني وعثمان قول الله: «وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ»(1) قال: ورأيت علياً في داره يوم أجيب عثمان، فقال: ما وراءك؟ قلت: شر، قتل عثمان، فقال: إنا لله وإنا إليه رجعون، ثم قال (أحبب حبيبك...)(2).
وقال النمر بن تولب(3):
وأحبب حبيبك حباً رويداً *** لئلا يعولُك أن تتصرَّما وأبغض بغيضَك بُغضاً رويداً *** إذا أنتَ حاولتَ أن تحكُما وذكر السمرقندي (ت 383 ه) في تفسير قوله تعالى: «وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ الله»(4).
في الافراط في الحب قال وروي عن علي (عليه السلام) قال: أحبب حبيبك...(5).
ص: 224
وذكر الدار قطني (ت 385 ه) برفعه إلى علي (عليه السلام) مرة ومرة يرويه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مرسلاً.(1) أما ابن عساكر(2) (ت 571 ه) فقد أورده موقوفاً على علي (عليه السلام) وكذلكعند المزي(3) (ت 742 ه).
والذهبي بدوره ذكر المثل وقال(4): وإنما هذا من قول علي.
من الحكم (المائة) التي جمعها الجاحظ من كلام الإمام علي (عليه السلام) ذكرها ابن عبد البر(5) (ت 463 ه) معلقاً عليها قال: الحكماء...
ووردت عند الموفق الخوارزمي(6) (ت 568 ه) في ذكر قول الجاحظ من لدن صاحبه أبي الفضل أحمد بن أبي طاهر، إن لأمير المؤمنين (عليه السلام) مائة كلمة،
ص: 225
كل كلمة منها تفي ألف كلمة من محاسن كلام العرب ويذكر منها (إذا تم العقل...) وعلق عليها البحراني(1) بقوله: هذه الكلمة ظاهر مما سبق وذلك أن النفس كلما ازدادت علواً في مراتب الكمال كان ضبطها للقوة المتخيلة أشد فكان الكلام الصادر عنها أقل وجوداً أو لا يصدر عنها حينئذ كلمة إلا عن تروّ وتثبت ومراجعة لعقلها في كيفية وضع تلك الكلمة واستلامه ما تؤول إليه وما يلزم عنها من المفهومات وتمييز احتمالاتها وحركة الفكر...
وفسرها ابن أبي الحديد(2): (إذا تم...) بعد تبيان مضامينها قال: وكان يقال إذا رأيتم الرجل يطيل الصمت ويهرب من الناس فاقربوا منه فإنه يلقي الحكمة.
وكان للزمخشري وغيره تعليقات عليها في باب الحياء والسكوت(3).
تكاد تكون كتب التاريخ عامة تذكر حادثة مقتل الإمام علي (عليه السلام) وتنوه إلى تمثل الإمام علي (عليه السلام) بقوله (أريد حياته ويريد قتلي) فقد أوردها ابن سعد مسندة عن محمد بن سيرين قال: علي بن أبي طالب للمرادي: أريد حياته...)(4)
ص: 226
وفي أنساب الأشراف مسنداً أيضاً عن محمد بن سيرين والكلام نفسه(1)، واختلفت رواية أبي الفرج الأصفهاني بتغير القول:
أريد حياتَهُ ويريدُ قتلي *** عذيرُك من خليلكَ من مُرادِ(2) وينسبه المبرد(3) (ت 285 ه) إلى عمر بن معدي كرب، والمثل اشتهر من خلال تمثل الإمام علي (عليه السلام) به في كتب الأمثال واللغة والأدب والتاريخ لا من خلال قائله إذا صحت الرواية المذكورة عند المبرد(4).
هذا المثل كان جواباً لرجل مدحه نفاقاً(5) أورد الزمخشري(6) (ت 536 ه) في تفسير قوله تعالى «لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ»(7) أي لا ينحازوا إلى ولاية الكافرين، ومنه قول من قال لعدوه ومدراه بالثناء عليه أنا دون هذا وفوق ما في نفسك.
ص: 227
المثل أورده ابن أبي شيبة(1) (ت 235 ه) في حديث مسند عن عمير بن زوذي قال: خطبنا علي يوماً فقام الخوارج و قطعوا عليه كلامه. قال: فنزل فدخل: ودخلنا معه، فقال: ألا إنني إنما أكلت يوم أكلَ الثور الأبيض..... إلى نهاية حكاية الثلاثة أثوار المجتمعات مع الأسد في الأجمة، وأردفها ثم قال: ألا وإني إنما ذهبت يوم قتل عثمان.
وذكر ذلك ابن منظور(2): قول علي كرم الله وجهه (إنما أكلت... عني به عثمان، لأنه كان سيداً وجعله ابيض لأنه كان أشيب والثور: السيد وبه كنى عمرو بن معد يكرب، أبا الثور وهذا تهذيب للمثل من لدن الإمام علي عليه السلام.
ونص على هذا الكلام الزبيدي معتمداً على من سبقوه(3).
والمثل أورده أبو هلال بهذه الصورة: (أكلت يوم أكل الثور الأسود)(4) وعلق عليه: يضرل مثلاً للرجل فقد ناصره، فلحقه الضيم من عدوه.
ص: 228
وهو من أمثال كليلة ودمنة(1)، وأمثال كليلة ودمنة للفيلسوف الهندي بيدبا ترجمها ابن المقنع المتوفى (143 ه) زمن خلافة المنصور من اللغة الهندية إلى العربية، فيكون تمثل الإمام علي بالمثل آنذاك، وإبدال صيغته من الثور الأسود إلى الثور الأبيض صائبة، ونحن هنا أمام إشكال لابد من فهمه فقد نوه العسكري بأن المثل من أمثال كليلة ودمنة كما اتضح وترجمة الكتاب من قبل ابن المقفع بعيدة زمنياً عن تاريخ قول الإمام له، فتكون نسبة قول الإمام للمثل هو قوة بلاغية وسعة اطلاع على حضارات العالم من خلال هذه الافرازات المثلية المنقولة من عالمه الخارجي أو كان من توارد الخواطر الفكرية العملاقة التي تفرزها عقول الحكماء والعقلاء وأصحاب التجارب لتكون شواهد على عظمتهم ورواية الميداني للمثل تؤكد قوله(2): عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: إنما مثلي ومثل عثمان كمثل أثوار ثلاثة كن في أجمة، ولم يذكر تمثيل الإمام (عليه السلام) بقول كليلة كما ادّعاه العسكري خطأً.
يقال ذلك للرجل إذا تكبر و أعجبته نفسه، والمثل لعلي (عليه السلام)، قاله وهو يصعد المنبر، يأمر نفسه بالتواضع، وترق: الفعل من الرقي، أي ترق يا عين بقه، يعني نفسه، يريد تصغيرها إليه(3) بينما ذكرته بعض المصادر مردداً بينه وبين الرسول (صلى الله عليه واله وسلم(، ويكاد يجمع الرواة بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يلاعب الحسين (عليه السلام) على صدره ومرة يُرقص الحسن والحسين، ويقول لهما:
ص: 229
(حزقه حزقه)(1) ورواية العسكري وردت عن ابن خلاد الرامهرزي (ت 360 ه)...
رأيت علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يصعد المنبر ويقول حزقة حزقة تَرْقَ عين بقة(2).
وفي نهج البلاغة روي بصورة (رأي الشيخ خير لي من جلد الغلام)(3) وهذا المثل أخذ له حيزاً كبيراً في كتب اللغة والتفسير فقد أورد الجوهري(4) في تفسير المثل (زاحم بعود أودع)(5)، أي استعن على حربك بأهل السن والمعرفة فإن رأي الشيخ خير من مشهد الغلام، وهو من أمثال العرب في مدح الرأي قول علي (عليه السلام) (رأي الشيخ خير...) وفي مدح ذي الحزم والتجربة والآراء الصائبة قولهم (قد حلب فلان الدهر أشطره)(6) وورد عند البيهقي (ت 458 ه) بقوله(7):
أنبأنا سعيد بن عبيد مسنداً عن علي بن ربيعة قال: إني أتيت علياً (عليه السلام)
ص: 230
فقلت إني أثبت من عمي أجراً فإن رأيت أن تجعلني مكانه قال: يا ابن أخي ان رأي الشيخ خير...، ورواها خير من مشهد الشاب.
وذكر الفخر الرازي في تفسيره الآية «فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَمًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا»(1).
قال الرازي(2) إعلم أن لفظ الغلام قد یتناول الشاب البالغ بدليل أن يقال رأي الشيخ خير من مشهد الغلام، جعل الشيخ نقيض الغلام.
وأورد ابن منظور(3): نفس الكلام ومصدره فيه صاحب الصحاح وتفسير المثل أوسع عند الزمخشري مفسراً إياه قال(4):
قاله علي (عليه السلام)، أي لأن يعينك الشيخ برأيه وهو غائب خير من أن يعينك الغلام بنفسه حاضراً معك.
قالوا: هي مَعقِدُ الإزار.
والمثل يضرب للصبور على الشدة والجهاد، وأردف الميداني في تفسيره للمثل
ص: 231
المذكور بقوله(1):
وسئل علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن بني أمية فقال: (أشدنا حجزاً وأطلبنا للأمر لا يُنال فينا لونه) وهذا دليل يبين قوة بلاغة الإمام في تفسيره للأمور تفسيراً صائباً تنبأ عن علم المستقبل بظهور دولتهم الأموية والتي سوف تحكم لا محالة لطلبهم هذا الأمر بأي وسيلة كانت، هذا مما دعا أصحاب اللغة بالإعتماد على أقواله.
يضرب مثلاً في الصدق أو يضرب مثلاً للرجل يكذب في الأمر، يدل في بعض أحواله على الصدق فيه(2).
وأصله أن رجلاً ساوم رجلاً في بكر فقال: ما سنّه فقال صاحبه: بازل(3)، ثم نفر البكر. فقال له صاحبه: هدع هدع، وهذه لفظة يسكن بها لصغار من الإبل فلما سمع المشترى هذه الكلمة قال.: (صدقني سن بكره).
قال أبو عبيد: وهذا المثل يروى عن علي (عليه السلام) أنه أوتي فقيل له: أن بني فلان وبني فلان اقتتلوا فغلب بنو فلان. فأنكر ذلك ثم أتاه آت فقال: بل غلب بنو
ص: 232
فلان للقبيلة الأخرى فقال علي: (صدقني سن بكره)(1).
وهذا المثل احتل له مكاناً كبيراً في كتب التاريخ واللغة والتفسير، فقد أشار إليه ابن الأثير قال(2): وفي حديث علي (عليه السلام) (صدقني سن بكره) وهو تضربه العرب للصادق في خبره ويقوله الإنسان على نفسه وإن كان ضاراً به.
ومن الجدير بالذكر ان أكثر الذين ذكروا هذا المثل اعتمدوا على أبي عبيد القاسم بن سلام في روايته للمثل عن علي بن أبي طالب(3) وأورده الزمخشری(4) في مكانين، فقد جاء في الفائق في غريب الحديث (صدقني سن بكره) ذاكراً أصله في كتاب المستقصى.
وذكر المثل عند المفسرين، فقد أورده النسفي(5) (ت 537 ه) في تفسير الآية (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)(6).
قال: أي فيما عاهده عليه فحذف الجار كما في المثل (صدقني سن بكره) أي صدقني في سن بكر بطرح الجار.
ص: 233
وذكره كل من الفخر الرازي (ت 606 ه) والآلوسي (ت 127 ه) في تفسيريهما(1) بخصوص تفسير الآية «لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ»(2).
رواه ابن قتيبة(3) مسنداً عن النعمان بن مسعد عن علي (عليه السلام) قال: خير هذه الأمة النمط الأوسط يرجع إليها الغالي ويلحق بهم التالي.
ورواها اليعقوبي(4) في تاريخه وبنفس القيد(5) بتفاوت في بعض الألفاظ.
وفسرها ابن أبي الحديد بقوله(6): بعد تعريفه للنمرقة بالضم فيها وسادة صغيرة ويقال للطنفسة فوق الرحل نمرقة، والمراد بها، أن آل محمد (عليهم السلام) هم الأمر المتوسط بين الطرفين فكل من جاوزهم فالواجب أن يرجع إليهم، وكل من قصر عنهم فالواجب أن يلحق بهم ومنه قوله تعالى «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا»(7).
ص: 234
واعتمدها ابن العربي (ت 638 ه) في تفسيره «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا»(1).
قال أمير المؤمنين (عليهم السلام) نحن النمرقة الوسطى، بنا يلحق التالي وإلينا يرجع الفالي، فيأمرون المقصر بالمعروف الذي يوصله إلى مقام التوحيد ويفهمون الفالي المحجوب بالجمع عن التفصيل وبالوحدة عن الكثرة(2).
وقول الإمام علي (عليه السلام) يتماشى مع قوله (الطريق الوسطى هي الجادة)(3) وفيما روى في التوسط أحسن من قول أمير المؤمنين علي (عليه السلام): عليكم بالنمرقة الوسطى، قال حكيم الشعراء:
عليكَ بالقصد فيما أنت فاعلُهُ *** إن التحلّقَ يأتي دونَهُ الخُلُقُ(4) والقول فيه توجيه للناس بالاعتماد عليهم في أحكام الدين الإسلامي لشدة خوفه عليه السلام من الانحرافات من جادة الصواب وعن الإفراط والتفريط.
ورد هذا المثل في مجمع الأمثال باختلاف طفيف عما جاء في كتاب نهج البلاغة في
ص: 235
قوله (عليه السلام) لابن عمه كما تقدم (قلبت لابن عمك ظهر المجن)(1).
صاغها الميداني بصورة - قلب له ظهر المجن - وذكر فيها موقف ابن عباس من الإمام علي (عليه السلام).
وشرحه ابن أبي الحديد بقوله(2): يستعمل في كل قضية في إبدال الحب بالعداوة.
في قولهم (لبست له جلد النمر)(3) و (قلب له ظهر المجن).
أول من قال ذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، دخل عليه رجلان فرمى لهما وسادتين، فقعد أحدهما على الوسادة التي رمى له بها ولم يقعد الآخر على وسادته، فقال له علي (عليه السلام): اقعد على الوسادة، فلا يأبى الكرامة إلا حمار، فقعد(4)، والميداني عند ذكره للمثل ذكر المفضل مصدراً له ذاكراً الكلام نفسه.
وذكر الصدوق (ت 381 ه) مسنداً قال(5): قال أبو الحسن (عليه السلام)(6):
ص: 236
كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: لا يأبى الكرامة إلا حمار، قلت: ما معنى ذلك؟ قال: التوسعة في المجلس والطيب يعرض عليه ويعني بذلك الطيب والوسادة، والقول يصف الآداب العامة والضيافة العربية الإسلامية.
هذا ما وقفت عنده في كتاب الأمثال من أقوال الإمام علي (عليه السلام) أو منسوباً له أو تمثل به من دون غيره وفاض بشهرته، واستقى منه علماء اللغة والتفسير والتاريخ بالتعريف والشاهد فكونت بذلك اثراً تجانس مع غيره بترابط وثيق لتكون بحلقاتها التراث الإسلامي الخالد بكل أنواعه، وتراث الإمام علي (عليه السلام) قد ترك بصماته الواضحة الجلية على كل فنون الأدب واللغة والتفسير، بل هو أول ما فسر بعد كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي أخذ منه ابن عباس وابن مسعود وغيرهما.
وهو الخطيب والمتكلم الأول كما وصفه غير واحد من العلماء، لا يتبارى معه أحد، حفظت الأدباء خطبه ومنها ساروا على غيرهم في مضان البيان والبلاغة، ترك بصماته على علم النحو بعد أن أدرك أن اللحن قد تفشى فأوصى إلى أبي الأسود الدؤلي أن يقسم الكلام إلى حرف واسم وفعل، بعلمه سارت الركبان وأصبح مصدراً من مصادر الفكر العربي الإسلامي وهو إمام في كل علم، أخذت الشعراء كلامه فصاغوه حكماً شعرية خلدت في تراث الأدب الإسلامي نقتطف منها ثماراً نستدل بها على ما نقول:- يعد الإمام علي (عليه السلام) مصدراً للفكر العربي الإسلامي، فهو إمام الفصحاء وسيد البلغاء وفي كلامه قيل (دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق)(1) ومنه تعلم
ص: 237
الناس الخطابة والكتابة، حيث حفظ عبد الحميد بن يحيى الكاتب(1) سبعيَن خطبةٍ من خطبه، وحفظ ابن نباتة(2) كنزاً لا يزيده الإنفاق إلا سعة وكثرة، حيث حفظ مائة فصل من مواعظه (عليه السلام) وشهد له الأعداء قبل الموالين بهذا الامتياز.
دخل محفن بن أبي محفن(3) على معاوية يوماً قائلاً (جئتك من أعيا الناس، فقال معاوية: ويحك كيف يكون أعيا الناس؟ فوالله ما سنّ الفصاحة لقريش غيره(4).
وقد شهد له أبو الحسن المدائني (ت 225 ه) بذلك، كان أبو بكر خطيباً وكان
ص: 238
عمر خطيباً وكان علي أخطبهم(1).
ومن خلال خطب الإمام علي (عليه السلام) يتضح لكل باحث بأن الإمام علياً (علیه السلام) مصدرٌ من مصائر الفکر العربی الاسلامي لما لديه من سعة في العلوم كافة، ولا غرابة في ذلك لكونه قد تربى في بيت الرسالة يأخذ علومه من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ويُزَقُ ألوان المعرفة زقاً، وقد روي عنه أنه قال: (كنت إذا سألت رسول الله أعطاني، وإذا سكت ابتدأني)(2).
وهو الوحيد الذي تجرأ وقال: سلوني قبل أن تفقدوني(3) وقيل لم يقلها قبله أو بعده وما في أحد قالها بعده إلا خسأ.
وقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خير شاهد على علو كعب الإمام (عليه السلام) على غيره (أفضلكم علي)(4) والمعروف عند العلماء كافة أن القضاء يستلزم علوماً كثيرة، وإمام المتكلمين ولم يعرف علم الكلام ممن سبقه من العرب و أول من خاض له عندهم)(5).
ص: 239
ولهذا نجد المباحث الدقيقة في التوحيد والعدل مبثوثة عنه في كلامه، وخطبه، ولا نجد في كلام الصحابة والتابعين كلمة واحدة من ذلك(1)، وهو الأول في علم الفقه، وأصل علم الفقه وأساسه وكل فقيه في الإسلام فهو عيال عليه ومستفيد من فقهه(2).
وحادثة إرسال الإمام علي (عليه السلام) إلى اليمن من قبل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) معروفة عند الباحثين فقد دعا له (اللهم: إهد قلبه، وثبت لسانه) فقال علي (عليه السلام) (فما شككت بعدها في قضاء بين اثنين)(3).
أما في علوم القرآن فكان أول من جمعه(4)، وكان مصدراً لعلومه كعلم القراءات حيث ان أئمة القراءات يرجعون إليه مثل أبي عمر(5) بن العلاء، وعاصم بن أبي النجود(6) لأنهما يرجعان لأبي عبد الرحمن السلمي(7) القارئ وهو تلميذ الإمام
ص: 240
علي (عليه السلام).
أما في علم التفسير فقد أخذ عنه ابن عباس، وقد علم الناس حال ابن عباس في ملازمته للإمام علي (عليه السلام) وانقطاعه إليه، حتى سئل عن درجة علمه عن علم الإمام علي (عليه السلام) فأجاب كقطرة ماء في البحر المحيط، والإمام علي (عليه السلام) هو القائل: سلوني عن كتاب الله والله ما من آية إلا أنا اعلم أنها بليل نزلت أم بنهار، أم بسهل نزلت أم بجبل(1).
أما في البلاغة فهو إمام الفصحاء وسيد البلغاء ومنه تعلم الناس كما اشرنا سلفاً، وشهد بها العدو والمحب، ويكفي كتاب نهج البلاغة في الإشارة على انه (عليه السلام) لا يجارى في الفصاحة ولا يبارى مع غيره(2) وقد اثبت الباحثون ان كلام النهج من قول الإمام وجمع الرضي، وقاموا بالرد على التخرّصات التي ظهرت على لسان ابن خلكان(3) ومن تابعه بغير دليل إلا لغاية في نفس يعقوب.
ص: 241
واقتبس الشعراء من كلامه الذي جرى مجرى الأمثال ووظفوه في شعرهم، وهذا دليل على انتشار كلامه بين الناس ولا غرابة أن ينظر الشاعر الفرزدق (ت 114 ه) إلى قوله (عليه السلام) (فروا إلى الله من الله) فقال يمدح سعيد بن العاص:
وأخذ أبو العتاهية (ت 211 ه) من قوله (عليه السلام): (وظهر آثار صنعته، ودلائل حكمته في مخلوقاته فكانت وهي صامتة في الصورة ناطقة في المعنى بوجوده وربوبيته سبحانه)(1)، فقال(2):
فوا عجباً كيف يعصى الإله *** أم كيف يجحدُهُ الجاحدُ وفي كلِّ شيءٍ له آيةٌ *** تدلَّ على أنَّه واحدُ ومن قوله (عليه السلام): (وقد قضيت أصول نحن فروعها فما بقاء فرع بعد ذهاب أصله) قال أبو العتاهية:
كلٌّ حياةٍ إلى مماتِ *** وكلّ ذي جدةٍ يحولُ
ص: 242
وكيف بقاءُ الفروعِ يوماً *** وقد ذوتْ قبلُ الأصولُ(1) ومن الكلام الصريح الذي صرح به أبو تمام (ت 231 ه) في شعره بعد اقتباسه من قول الإمام (عليه السلام) للأشعث بن قيس: (ان صبرت صبر الأكارم وإلا سلوت سلو البهائم) وقال عليٌّ في التعازي لأشعثٍ *** وخافَ عليه بعض تلكَ المآتمِ أتصبرُ بالبلوى عزاءاً وحِسبةً *** فتؤجرُ أم تسلو سلوَّ البهائمِ(2) ونظر البحتري (ت 284 ه) لقوله (عليه السلام): (علا بحوله، ودنا بطوله) فقال(3):
دنوتَ تواضعاً وعلوتَ قدرا *** فشأناك انخفاضُ وارتفاعُ كذاك الشمس تبعد أن تسامى *** ويدنو النور منها والشعاعُ أما الشاعر المتنبي (ت 354 ه) فقد أخذ عنه باقتباسات كثيرة، صاغ أقوال الإمام السائرة والجارية مجرى المثل إلى شعر الحكمة، فصاغ قول الإمام (عليه السلام) (ملكها مسلوب وعزيزها مغلوب(4) وجمعها ينفد وملكها يسلب(5))، قال:
ص: 243
تملّكها الآتي تملُّكَ سالبٍ *** وفارقَها الماضي فُراقَ سليبِ(1) علق العكبری في شرح ديوان المتنبي، وصاحب الأعشى والأستاذ أحمد أمين صاحب فجر الإسلام قال: العكبری(2) في شرح البيت: تملكها الآتي تملك سالب:
(هذا من نهج البلاغة)، وقد توهم العكبری كثيراً بقوله هذا لأن الشريف الرضي جامع النهج لم يولد بعد وأن المتنبي قتل سنة 354 ه وبنفس هذا الإشكال وقع عند القلقشندي في وصف ابن نباتة (كان بارعاً بالأدب وكان يحفظ نهج البلاغة)(3) وقد توهم أن ابن نباتة توفي سنة 374 ه أي قبل أن يجمع الرضي نهج البلاغة بست وعشرين سنة.
ووهم أحمد أمين في تعليقاته على (البصائر والذخائر) لأبي حيان التوحيدي، وكان التوحيدي قد روى كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) المروي في الكلمات القصار من نهج البلاغة: (لا مال أعود من العقل)(4) ونسبه إلى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فقال أحمد أمين(5) (ليس هذا من حديث الرسول وإنما هو من كتاب نهج البلاغة) ولم يقل من كلام الإمام علي (عليه السلام) تورعاً لأنه لا يعتقد صحة نسبة النهج إلى الإمام وقد نسي أن التوحيدي مات سنة 380 ه أي قبل صدور نهج البلاغة
ص: 244
بعشرين عاماً مع أن الكلام الذي رواه التوحيدي رواه صاحب العقد الفريد(1) عن الإمام علي (عليه السلام)، والأستاذ أحمد أمين أحد المشرفين على تحقيق كتاب العقد الفريد فانظر إلى الهوى كيف يصنع في الإنسان.
وسبب الوقوع في هذا الوهم أنه بمجرد أن يذكر شيء من كلام الإمام (عليه السلام) يقفز الذهن سريعاً إلى كتاب نهج البلاغة من دون إحالة أقواله (عليه السلام) إلى مصادر أخرى ذكرت مأثور الإمام (عليه السلام) الذي تواجد كثيراً في بطون التآليف.
هذا الوهم هو الذي أوقع العكبري عند شرح البيت الشعري المذكور آنفاً، وعودة إلى شعر المتنبي نرى أنه قد اقتبس كثيراً من أقوال الإمام (عليه السلام) وصاغها شعراً فقد نظر إلى قول الإمام (عليه السلام) (ما أوضح الحق لذي عينين)(2) وقال (عليه السلام): (قد أضاء الصبح لذي عينين)(3).
فنظم به:
وَهَبْني قلتُ هذا الصبح ليلٌ *** أيعمى العالمون عن الضياءِ؟ ونظر المتنبي أيضاً إلى قول الإمام علي (عليه السلام): (قدر الرجل على قدر همته، وصدقه على قدر مروته، وشجاعته على قدر أنفته، وعفته على قدر غيرته)(4).
ص: 245
فصاغها المتنبي على النحو الآتي:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم *** وتأتي على قدر الكرام المكارم(1) وقال المتنبي نظير قول الإمام (عليه السلام): (العالم من عرف قدره)(2) وهو من الأمثال المشهورة وقد قال الناس بعده فأكثروا.
ومن جَهِلت قدرَه نفسُهُ *** رأى غيرُه منه ما لا يرى(3) وهذا مأخوذ أيضاً من قوله (عليه السلام): (رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه)(4).
وصاغ المتنبي قول الإمام أيضاً: (من عتب على الزمان طالت معتبته)(5) قال(6):
لنا عندَ هذا الدهرِ شيءٌ يلطُّهُ *** وقد قلَّ اعتابٌ وطال عِتابُ وقال ابن أبي الحديد في شرح قوله (عليه السلام):
(إذا هبت أمراً فقع فيه، فإن شده توقيه أعظم مما تخاف منه)(7) وما أحسن ما
ص: 246
قال المتنبي هذا المعنى:
وإذا لم يَكنْ من الموت بدٌّ *** فمن العجز أن تكون جبانا(1) وقال ابن أبي الحديد عند شرحه لقوله (عليه السلام): (رأي الشيخ أحب الي من جلد الغلام) وفي رواية من مشهد الغلام أنما قال ذلك لأن الشيخ كثير التجربة فيبلغ من العدو برأيه ما لايبلغ بشجاعته الغلام الحدث غير المجرب، لأنه قد يغرر نفسه فيهلك ويهلك أصحابه، ولاريب أن الرأي مقدم على الشجاعة، قال أبو الطيب(2):
الرأيُ قبل شجاعةِ الشجعان *** هو أولٌ وهي المحلُ الثاني والحديث مع المتنبي وأقوال الإمام (عليه السلام) ذو شجون فإن للسيد عبد الزهراء الحسيني فيه كتيباً ضمنه كلام الإمام (عليه السلام) مع الشواهد الشعرية التي فاخر بها المتنبي شاعرنا العظيم ولا غضاضة في ذلك، فالناس على اختلاف آرائهم وتباينها لا يختلفون في أن الإمام (عليه السلام) منصّب على رأس كل فئة تدّعي كل منها شرف الإنتماء إليه والإنتساب له، فهؤلاء أصحاب العدل والتوحيد والوعد والوعيد من المعتزلة يقولون إنه الأصل في مذهبهم وهؤلاء الخوارج مع انحرافهم عنه وخلافهم معه لا ينكرون انتسابهم إليه والأخذ عنه(3).
وهؤلاء الفقهاء على اختلاف مذاهبهم يرون أنه مصدر فقههم ومدرك أحكامهم.
ص: 247
وهؤلاء النحاة يقرون بأنه مؤسس قواعد النحو وواضع أصوله، والصوفية يرون أنه مرشدهم ومعلمهم، وأهل الفتيا يزعمون أنه واضع شارتهم، والكتّاب يفتخرون بأخذهم عنه وحفظهم لكلامه ولم ينقص هذا الإنتماء من أقدارهم ولم يجردهم من فضائلهم بل زادهم فضلاً وازدادوا به فخراً.
وكثير من كلام الإمام (عليه السلام) جرى مجرى المثل لما فيه من ايجاز وواقعية فأخذت لها موقعاً خاصاً بها عند الخاصة والعامة، وحكم الإمام علي (عليه السلام) نتاج فكر انساني عملاق طوّف في انحاء الحياة وجاب خلال أعماقها فأفاد من تجاربها ووفر للناس من هذا العطاء الكريم، وإن جميع ما قاله (عليه السلام) من حكم هي خبرة لتجارب حياته وملاحظات عميقة في هذه الحياة من خلال خياله الخصب وفصاحة لسانه لذا جاءت حكمه لتكون أمثالاً اعتدّ بها أصحاب العقول وهذه نظرة عامة في بعض ما اشتهر من حكمه.
وفي علم النفس من التجارب والملاحظات الكثيرة في هذا المجال مما يدعم هذه النظرية، فالشخص الذي يؤمن بوجود - الماء - مثلاً لا يشعر بالحاجة إلى الماء إلا طبيعياً وذلك عندما يعطش واقعاً، وبعكسه الشخص الذي يفقد الماء يعيش في حالة اضطراب وقلق نفسي لما يحتمل حدوثه عليه بسبب فقدانه الماء، وهذا المثل فيه من المجاز الكثير، فالخطبة بمضمونها دليل أحقية بيت الرسالة بالهدي والسير على نهجهم وجعل من نفسه ومن آل الرسول الماء المعين الزلال والموثوق به للسالكين منهج الحق.
القول من خطبة خطبها أمير المؤمنين (عليه السلام) بالمدينة لما بويع بالخلافة (اليمين والشمال مضلة، والطريق الوسطى هي الجادة)(1) والمثل مأخوذ من قوله تعالى «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَی النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا»(2).
وهو نفس قوله الذي بيّناه سلفاً: (نحن النمرقة الوسطى) والوسط عند الناس محبوب وسواه ضلال ومنه اليمين والشمال مضلة.
والحديث المشهور (خير الأمور أوسطها)(3) أثبت بالتجارب والخبرة صحة هذه الحكمة.
ص: 249
قوله هذا (عليه السلام): من صارع الحق صرعه يطابق قوله في موضع آخر، من أبدى صفحته للحق هلك(1)، نقله الشيخ المفيد والزمخشری والقضاعي(2).
قال ابن أبي الحديد(3) معلقاً عليها: أما هذه اللفظة فلا نظير لها في الإيجاز والدلالة على المعنى، وهي من ألفاظه المعدودة.
علق عليها ابن أبي الحديد بقوله(4): هذه ألفاظه التي لا نظير لها وهذا بيان منه على وجازته للعلم والمعرفة واستنهاض للأمة من براثن الجهل والتخلف.
ص: 250
قال أبو عثمان الجاحظ(1) في وصف هذا الكلام:
فلو لم نقف من هذا الكتاب إلا على هذه الكلمة لوجدناها شافية كافية، مجزئة مغنية، بل لوجدناها فاضلة عن الكفاية وغير مقصرة عن الغاية، وأحسن الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيره، ومعناه في ظاهر لفظه، وكان الله عز وجل قد ألبسه من الجلالة، وغشاه من نور الحكمة على حسب نية صاحبه وتقوى قائله، فإذا كان المعنى شريفاً واللفظ بليغاً وكان صحيح الطبع بعيداً من الإستكراه، ومنزهاً عن الإختلال، مصوناً عن التكلف، صنع في القلب صنع الغيث في التربة الكريمة، وحتى فصلت هذه الكلمة عن هذه الشريطة ونفذت من قائلها على هذه الصفة، أصبحها الله من التوفيق ومنحها من التأييد ما لا يمتنع عن تعظيمها صدور الجبابرة ولا يذهل عن فهمها عقول الجهلة.
وقال ابن عبد البر(2):
إن قول علي بن أبي طالب (عليه السلام) (قيمة كل امرئ ما يحسن) لم يسبقه إليه أحد، وقالوا: ليس كلمة أحض على طلب العلم منها.
ثم أردف بقوله(3): (قيمة كل امرئ ما يحسن) من الكلام العجيب الخطير وقد
ص: 251
طار الناس إليه كل مطير، ونظمه جماعة من الشعراء اعجاباً وكلفاً بحسنه.
وقد صاغ الناشئ الأكبر (ت 293 ه)(1) معنى هذه الكلمة صياغة شعرية بقوله:
تأمّلْ بعينيكَ هذا الأنام *** فكنْ بعضَ من صانهُ عقلهُ فحليةُ كل فتىً فضلُهُ *** وقيمةُ كل امرئٍ نبلُهُ فلا تتكلْ في طلب العلا *** على نسبٍ ثابتٍ أصلُهُ فما من فتىً زانَهُ قولُهُ *** بشيءٍ يخالفُهُ فِعلُهُ(2) وجاء في مقدمة الهمداني (ت 302 ه): وقد قال سيد المسلمين وإمام المتقين، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) (قيمة كل امرئ ما يحسنه) وقال (الناس أبناء ما يحسنون)(3) ورواه بعض المحدثين شعراً:
قال عليُّ بن أبي طالبٍ *** وهو اللبيبُ الفَطنُ المتقنُ
ص: 252
كل امرئ قيمتهُ عندنا *** وعندَ أهلِ العلمِ ما يحسِنُ(1) وضمن هذا الكلام قال ابن طباطبا(2): قصيدة منها:
ويزعمُ أن العلمَ لا يجلبُ الفتى *** ويحسنُ بالجهلِ الذميمِ ظنونُهُ فيا لائمي دعني أغالي بقسمي *** فقيمةُ كلِّ امرئ ما يحسنُ(3) وأورد ياقوت الحموي في نفس الكلام مورداً جميلاً، افتتح به كتابه المعروف معجم الأدباء الذي رام على ثمانية عشر جزءاً، باب فضل الأدب وأصله وذم الجهل وحمله قال(4): قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) (كفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من لا يحسنه ويفرح إذا أنسب إليه) ويؤكد بعض المحدثين من الشعراء صاغوا ذلك القول شعراً:
كفى شرفاً للعلمِ دعواهُ جاهلٌ *** ويفرحُ أن يُدعى إليه ويُنسبُ ويكفي خمولاً بالجهالةِ أنّني *** أراعُ حتى أنسبَ إليها وأغضب(5) وقال (عليه السلام): قيمة كل إنسان ما يحسن، فنظمه شاعر وقال:
ص: 253
لا يكون الفصيحُ مثل الرزي ولا ذو الذكاءِ مثلَ الغبي قيمةُ المرءِ ما يحسنُ المر *** ءُ قضاءٌ من الإمام عليِ(1)
من الأمثال التي أوردها الجاحظ وعلق عليها بقوله(2): وقال علي رحمه الله (بقية السيف أنمى عدداً وأكرم ولداً) وجد الناس ذلك بالعيان، للذي صار إليه ولده نهك السيف وكثره الذرء وكرم البخل.
وذكره ابن قتيبة في كتاب الحرب قال(3): قال علي (عليه السلام): (السيف أنمى عدداً وأكثر ولداً) وفي الحديث (بقية السيف مباركة) يعني أن من نجا من ضربة السيف ينمو عدده ويكثر ولده، وقال المهلب: ليس شيء أنمى من السيف، ويقال:
لا مجد أسرع من مجد السيف، وكان درع علي (عليه السلام) صدراً لا ظهر لها، فقيل له في ذلك فقال: إذا استمكن عدوي من ظهري فلا يتق.
وقال أبو الشيص(4):
خَتَلَتْهُ المنونُ بعد اختيالِ *** بینَ صفینِ من قنا ونصالِ
ص: 254
فی رداءٍ من الصفیحِ صیقلٍ *** وقمیصٍ من الحدیدِ مُدالِ وذكر ابن عبد ربه في باب توقيعات الخلفاء قال(1): ووقّع - يعني علياً (عليه السلام) - في كتاب الحصين بن المنذر(2) إليه: إن السيف قد أكثر في ربيعة (بقية السيف أنمى عددا) وعقب عليها بقوله (يريد) إن السيف إذا أسرع في أهل بيت كثر عددهم ونما ولدهم، ومما يستدل به على صدق قوله: ما عمل السيف في آل الزبير، وآل أبي طالب، وما أكثر عددهم(3).
وعلق عليه ابن أبي الحديد قائلاً(4): قال شيخنا أبو عثمان ليته لما ذكر الحكم ذكر العلة، ثم قال: قد وجدنا مصداق قوله في أولاده وأولاد الزبير وبني المهلب وأمثالهم ممن أسرع القتل فيهم.
هذه النماذج من حكمه السائرة التي جرت مجرى الأمثال، ما ذكرناها إلا إتماماً لمسار البحث ومن أراد المزيد يرجع إلى مضانها في كتب اللغة والأدب والتفسير والفلسفة والتاريخ...
ص: 255
ص: 256
لقد أنجز بحمد الله هذا البحث بعد رحلة ممتعة طافت بالباحث في رياض الأمثال العربية و مدلولاتها التاريخية في كتاب نهج البلاغة يضع عصا ترحاله. فيصل بها الى نهاية مضانه في هذه الخاتمة المتمثلة بأهم نتائج البحث من خلال فصوله الاربعة، وكانت النتائج كما يأتي:
1. إن المثل كان في اللغات السامية بمعنى الشبه و النظير وعند قراءة ألفاظها نراها متقاربة وكأنها تكاد تكون واحدة مما يؤيد بأنها لفظة سامية انتشرت في جميع اللغات السامية بمعنى واحد هو التشبيه و المقارنة و الموازنة.
2. إن العرب قد اعتنوا بالأمثال عناية قلّ نظيرها وقد اقحموها في كل ميادين حياتهم تقريبا، فكان لكل ضرب من ضروب حياتهم مثل يلهجون به.
3. تبين عند المقارنة بين الحكمة و المثل أن كليهما من مادة واحدة لأن الحكمة اذا انتشرت بين الناس أصبحت مثلا و لا يمكن أن يكون المثل حكمة.
4. تبدو الأمثال مرآة الشعوب التي ترسم فيها تجاربها وجزءاً عظيماً من حضارتها، لذا اصبحت الأمثال حكمة العرب في الجاهلية و الاسلام وبها كانت تعارض كلامها، فتبلغ بها ما حاولت من حاجاتها في المنطق غير تصريح، فيجتمع بذلك ثلاث خلال: ايجاز اللفظ، وإصابته المعنى و حسن التشبيه.
5. يعد المثل أقدم فنون الأدب العربي على الاطلاق، وبقي هذا النوع من الأدب حيا بروحه الى عصرنا الحاضر ولم يتغير إلا من الناحية الشكلية تبعا لتغير الأزمنة و الأمكنة.
6. اختلفت نظرة المحدثين من الكتّاب بين الاضطراب و التوثيق من حيث أن بعضهم ادّعى بأن الأمثال في طبيعتها أدب شعبي مضطرب و الآخر أخذ منحى آخر عدّ فيه إن مثلاً واحداً أنفع للناس من عشرة مجلدات لأن الأحياء لا تصدق
ص: 257
إلا المثل الحي.
7. كان من الصعوبة فرز المثل الجاهلي و الاسلامي للتداخل الحاصل بينهما ولكن بيّنا إن المثل الاسلامي واضح المعالم من خلال ما يدور به من عبر وتدبر وتفكر الى ما وراء الغيب و الايمان بالخالق و المعاد.
8. لا يحق للبعض أن يقول بأن العرب و المؤلفين خاصة قد بنوا و رسموا قصصا للأمثال وفرضوها فرضا لأننا نرى صورا كثيرة تحدث الآن هي صورة واقعية لهذا المثل او ذاك لتشابه الأحداث بينهما.
9. كان لضرب المثل أهمية بالغة حيث استعمل الذكر الحكيم لفظ المثل في مواقع كثيرة، قال تعالى: «وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ». وقد وردت كلمة ضرب في كثير من الآيات القرآنية وبذلك يكون ضرب المثل إيراده ليتمثل به و يصور ما أراده المتكلم بيانه للمخاطب. و القصص القرآنية بكاملها تكاد تكون نوعاً من ضرب المثل فيكون الغرض من المثل و القصص في القرآن غرض واحد مع علمنا بأن القصص تاريخ الغابرين وكان البيان بها من أجل العبرة ومن أجل البرهنة على صحة القضية التي يستشهد فيها بالمثل.
10. كانت أمثال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) توافق أمثال التنزيل التي وعد الله عز و جل وأوعد وحرم و أحل ورجا و خوّف وقرع بها المشركين وجعلها موعظة و تذكيراً وهو القائل (صلى الله عليه وآله وسلم):- (وأضرب بالرعب وأوتيت جوامع الكلم وأوتيت الحكمة وخير لي من الأمثال مثل القرآن...).
وورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن القرآن نزل على خمسة أوجه حلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال فاعملوا بالحلال و اجتنبوا الحرام وابتغوا المحكم وآمنوا بالمتشابه واعتبروا بالأمثال.
11. كان دور المثل عند الامام علي (عليه السلام) كبيرا، إذ استعمله بشتى أنواعه
ص: 258
جاهليا و إسلاميا وقرانيا و نبويا ويتمثل به لبيان قضية ومغزى وهدف فأجاد وأفاض وقد ضمّنه خطبة ورسائله وعهوده.
12. إن الامام علياً (عليه السلام) بصفته اديبا استخدم فن الخطابة وفن الكتابة وكان متوفرا على شروطها الأساسية، التي فيها استعمال الآية و الرواية و المثل و الكلمة القصيرة المأثورة.
13. سعة اطلاع الإمام (عليه السلام) و احاطته بالأمثال العربية؛ الشعرية كانت والنثرية وبما يرتبط بها من حوادث وأيام.
14. جميع حكمه تصلح أن تكون أمثالا وكلها نتاج خبرة واسعة كونتها تجارب حياته.
15. في أمثاله الحكيمة المأثورة نظرات فلسفية وعلمية تأتي بشواهد لتدعيم بعض النظريات في مختلف حقول وميادين المعرفة الاسلامية سبقت الإشارة إليها في الفصل الرابع. وكان تغير أسلوب المثل من الغيبية الى الخطابة أو من النفي الى التمني اسلوبا مزيجا عند الامام علي (عليه السلام) لتبيان الحالة التي يروم إيصالها الى السامع و القارئ على السواء.
16. كان (عليه السلام) يخرج كثيرا عن قواعد التمثيل و استعمال المثل المتعارف عليه من حيث أنه كان يغيرّ المثل حسب الحاجة وحسب ما يبتغي إيصاله الى سامعيه فهو يقول (لو كان يطاع لقصير أمر) مع أننا قد بيّنا أن صيغة المثل السابق كان (لا يطاع لقصير أمر) وهذا النوع ورد كثيرا عند الإمام علي (عليه السلام) فهو يأخذ مادة المثل ومضمونه لا شكله مثله مثل الشاعر الذي يخل بالتفعيلة من أجل القافية. هذا مع أن الإمام هو صاحب البيان و صاحب البلاغة بلا منازع، ترجع إليه مقاليد الأمور في اللغة العربية وفي فقهها ونحوها، فلا غرابة أن يكون الوقع عنده صادقاٍ في التمثيل و التضمين.
ص: 259
17. كان (عليه السلام) يمزج كلامه بكلام القرآن عند خطابه، فهو يسترسل في الخطاب مع مزجه بكلام الله يظن السامع بأن الكلام كان للإمام وحده.
18. كان للحديث النبوي الشريف منزلة خاصة عند الإمام تمثل به في خطاباته ومبانيه وأثبت بأنه ربيب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وتلميذه.
19. كانت لغة الإمام (عليه السلام) في النهج ومازالت حجة في الفصاحة وأنموذجا في البلاغة أفاد منها أئمة اللغة و الأدب وعلماء التفسير وأول تأثير كان في كتب الغريب كما بيّنا.
20. كان للشعراء نصيب كبير في استعمال حكم الإمام علي (عليه السلام) في اشعارهم كما بيّنا في شعر المتنبي وأبي تمام وغيره.
21. كان جل قصد الرضي في جمعه للنهج أن يخرج جانباً من كلام الإمام (عليه السلام) الذي تضمّن عجائب البلاغة و غرائب الفصاحة ما لايوجد مجتمعا في كلام غيره لذا نراه لم يعتن بالتناسق والتتالي في وضع الخطب ومواضعها.
20. كتاب نهج البلاغة نسيج واحد تتشابه فيه النصوص ولا يرى فيها التفاوت، بل تلحظ جزالة الألفاظ و جلالة المعاني وحسن السبك و الانسجام وقد شهد بذلك أهل الذوق و الصناعة وأئمة الفن وأدباء عصور الدهر كلهم.
هذه أظهر النتائج التي توصل اليها البحث ولعلها أوضحت شيئا جديدا ينفع فيه دراسات لاحقة بهذا الكتاب الخالد...
ولله الحمد حمدا لا ينتهي...
ص: 260
القرآن الكريم.
1. الأبشيهي: شهاب الدين محمد بن احمد ابي الفتح (ت 850) ه 2- المستظرف في كل مستظرف، المكتبة التجارية الكبرى، مصر (د. ت) 2. ابن الاثير: ضياء الدين نصر الله بن ابي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم الجزري (ت 637 ه).
- المثل السائر في ادب الكاتب والشاعر، تح كامل محمد عويضه، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت 1419 ه - 1998 م.
3. ابن الاثير: عز الدين أبو الحسن علي بن محمد (ت 630 ه).
- اسد الغابة في معرفة الصحابة - المكتبة الاسلامية، طهران (د. ت).
- الكامل في التاريخ، دار صادر، بيروت، 1965 م.
4. ابن الاثير: مجد الدين ابي السعادات المبارك بن محمد (ت 606 ه).
- النهاية في غريب الحديث و الأثر، تح: طاهر احمد الزاوي، محمود الضاجي:
منشورات دار التفسير، قم 1426 ه.
5. الازرقي:- ابو الوليد محمد بن عبد الله (ت 248 ه).
- اخبار مكة، تح: رشدي الصالح ملحس، دار الاندلس، مكة المكرمة 1385 ه.
6. الاسكافي ابو جعفر محمد بن عبد الله (ت 240 ه).
- المعيار و الموازنة، مط قم 1420 ه 7. الاصبهاني:- حمزة بن الحسن (351 ه).
- الدرة الفاخرة، تح:- عبد المجيد قطاش، دار المعارف، مصر 1971 م.
8. الاصفهاني:- علي بن الحسين (ت 356 ه).
ص: 261
- الاغاني، مط:- السعادة، مصر 1323 ه.
- مقاتل الطالبيين، تح:- احمد صقر، دار الزهراء، قم (د. ت).
9. ابن ابي اصيبعه: موفق الدين ابو العباس احمد بن القاسم (ت 668 ه) - عيون الانباء في طبقات الاطباء، تح: د. نزار رضا، مكتبة الحياة بيروت، (د. ت).
10. ابن أعثم: أبو محمد أحمد بن أعثم الكوفي (ت 314 ه) - كتاب الفتوح، تح: علي شيري، ط 1، دار الأضواء، بيروت 1991 م.
11. إمرؤ القيس: أمرؤ القيس بن حجر (ت 80 ق. ه).
- ديوان إمرؤ القيس، تح محمد ابو الفضل ابراهيم، دار المعارف، مصر، 1958 م.
12. الآلوسي: أبو الفضل شهاب بن عبد الله الحسيني (ت 1270 ه) - روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، ط 1، القاهرة (د. ت).
13. ابن الانباري: ابو محمد القاسم (ت 328 ه).
- الزاهر، تح حاتم صالح الضامن، مطبعة المسيرة، القاهرة (د. ت).
14. البحتري الوليد بن عبيد (ت 284 ه) - ديوان البحتري، تح: حسن كامل الصيرفي، ط 2، دار المعارف، القاهرة، 1963.
15. البحراني: ميثم بن علي (681 ه) - شرح مائة كلمة للإمام علي (عليه السلام)، مطبعة الاداب النجف الاشرف، (د. ت) - شرح نهج البلاغة، مطبعة السعادة، القاهرة، (د. ت) 16. البخاري. ابو عبيد الله محمد بن اسماعيل (ت 256 ه) - الادب المفرد، مؤسسة الكتب الثقافية، ط 1، بيروت 1986 م.
- التاريخ الكبير، المكتبة الاسلامية، ديار بكر، تركيا (د. ت).
- الصحيح: الطباعة المنيريه، مصر (د. ت)
ص: 262
17. ابن البطريق: يحيى بن الحسن الاسدي الحلي (ت 600 ه) - عمدة عيون صحاح الاخبار في مناقب امام الابرار، مؤسسة النشر الاسلامي، قم 1407 ه 18. البغدادي: عبد القادر بن عمر (ت 1063 ه) - خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، ط 1، بولاق (د. ت) 19. البغدادي: محمد بن حبيب (ت 245 ه) - المنمق في أخبار قريش، تص وتع: خورشيد أحمد فاروق، عالم الكتب، بيروت (د. ت) 20. أبو البقاء: أيوب بن موسى الحسيني (ت 1095 ه) - الكليات، تح: محمد المصري وعدنان درويش، وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية، دمشق، (د. ت) 21. البكري: ابو عبيد عبد الله بن عبد العزيز (ت 487 ه) - فصل المقال في شرح كتاب الامثال، تح: عبد المجيد قطامش واحسان عباس، ط: مصر (د. ت).
- معجم ما استعجم، تح: مصطفى السقا، ط 1، دار الكتب، القاهرة، 1945، 1949 م.
22. البلاذري: احمد بن يحيى بن جابر (ت 2279 ه) - أنساب الاشراف: ح 1، تح: محمد حميد الله، دار المعارف، مصر، (د. ت) - أنساب الاشراف، ح 2، تح: محمد باقر المحمودي، ط 1، مؤسسة الأعلمي، بيروت 1974.
- أنساب الاشراف، ح 5. تح جوتن، بريس 1936.
- فتوح البلدان - ضبط: عبد القادر محمد علي، دار الكتب العلمية، بيروت 2000 م.
23. البيضاوي: ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر (791 ه) - تفسير البيضاوي: دار الكتب العلمية ط 1، بيروت 1988.
ص: 263
24. البيهقي: ابراهيم بن محمد (ت قبل 320 ه) - المحاسن والمساوئ، تح: محمد ابو الفضل، مطبعة المدني، القاهرة 1961 م.
25. البيهقي: ابو بكر أحمد بن الحسين بن علي (ت 458 ه) - السنن الكبرى، ط 1. حيدر آباد، الركن. الهند 1352 ه.
26. الترمذي: محمد بن عيسى (279 ه) - أمثال الحديث في القرآن والسنة، دار الميسرة، القاهرة (د. ت) - الشمائل المحمدية، تح: أسامة الرحال، دار الفيحاء، 1999 م.
- صحيح الترمذي شرح الامام ابن العربي المالكي. المطبعة المصرية بالأزهر، القاهرة، 1931 - 1934 م 27. أبو تمام: حبيب بن أوس (231 ه) - ديوان أبي تمام. شرح وتعليق: د. شاهين عطية، ط 1، بيروت 1968 م.
28. الثعالبي: أبو منصور، عبد الملك (ت 429 ه).
- التمثيل والمحاضرة. تح: عبد الفتاح محمد الحلو، دار المعارف، القاهرة، 1961.
- ثمار القلوب في المضاف والمنسوب، شرح وتعليق: خالد عبد الغني محفوظ، ط 1، دار الكتب العلمية، 2005 م.
- خاص الخاص، شرحه وعلق عليه: مأمون بن محيي الدين، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1994.
- يتيمة الدهر في محاسن اهل العصر، القاهرة، 1947 م 29. الثقفي: ابو اسحاق ابراهيم بن محمد (ت 283 ه) - الغارات، تح: عبد الزهراء الحسيني، دار الكتاب الاسلامي، بيروت، 1990 م تح: مير جلال الدين حسيني، طبع ايران (د. ت) 30. الجاحظ: أبو عثمان عمرو بن بحر (255 ه) - البيان والتبيين. تح: عبد السلام محمد هارون، ط 5، مكتبة الخانجي للطباعه والن رش والتوزيع، القاهرة، 1985 م
ص: 264
- الحيوان، وضع حواشيه، محمد باسل عيون السود، ط، دار الكتب العلمية، بيروت 1999 م.
31. الجرجاني: أبو بكر / عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني (ت 471 ه).
- دلائل الاعجاز، تصحيح: محمد عبده ومحمد محمود التركزي الشنقيطي، مطبعة مجلة المنار، القاهرة 1321 ه.
32. الجرجاني: ابو الحسن علي بن محمد بن علي (816 ه) - التعريفات، وضع حواشيه، محمد باسل عيون السود، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 2002 م.
33. ابن الجوزي: ابو الفرج عبد الرحمن بن علي القرشي البغدادي (ت 597 ه).
- تلبيس ابليس. بيروت (د. ت) 34. الجوهري: اسماعيل بن حماد (ت 393 ه).
- تاج اللغة وصحاح العربية، تح: احمد عبد الغفور عطار، دار الكتاب العربي، مصر 1956 م.
35. ابن ابي حاتم: ابو محمد عبد الرحمن (327 ه) - الجرح والتعديل، ط 1، حيدر آباد الدكن، الهند 1952 - 1953 م.
-تفسير بن ابي حاتم، تح: أسعد محمد الطيب، مطبعة صيدا، المكتبة العصرية (د. ت).
36. حاجي خليفة: مصطفى بن عبد الله الجلبي (1061 ه) - كشف الظنون عن اسامي الكتب والفنون، تصحيح. محمد شرف الدين بالتقايا - رفعت بيلكة الكلبسي، المكتب التجاري للطباعه والنشر، بيروت، بالاوفست 1941 م 37. الحاكم النيسابوري: ابو عبد الله محمد بن عبد الله (405 ه) - المستدرك على الصحيحين، دراسة وتحقيق، مصطفى عبد القادر عطا، ط 1، بيروت 1990 م.
- معرفة علوم الحديث، شرحه: سعيد محمد اللحام، دار الكتب الهلال بيروت،
ص: 265
1989 م.
38. ابن حبان: ابو حاتم محمد بن حبان (ت 354 ه) - مشاهير علماء الامصار وأعلام فقهاء الاقطار، تح: مرزوق علي ابراهيم، مؤسسة الكتب الثقافية، 1987 م.
- الثقاة، دار المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، الهند، 1393 ه - المجروحين، تح: محمود إبراهيم زايد، مطبعة مكة المكرمة، دار الباز للنشر والتوزيع (د. ت) 39. ابن حبان، ابو محمد عبد الله بن جعفر (ت 399 ه) - أمثال الحديث النبوي، دار الميسرة، القاهرة (د. ت).
40. ابن حجر العسقلاني: احمد بن علي (ت 852 ه) - الإصابة في تمييز الصحابة، ط 1، مطبعة السعادة، مصر 1328 ه اعادت طبعه بالاوفسيت مكتبة المثنى، بغداد.
- تهذيب التهذيب، ط 1، حيدر اباد الدكن - الهند، 1325 - 1327 ه.
- فتح الباري شرح صحيح البخاري، المكتبة السلفية في المدينة 1380 ه.
- لسان الميزان، حيدر اباد الدكن، الهند، 1330 - 1331 ه.
- نزهة النظر شرح نخبة الفكر، المكتبة العلمية، المدينة المنورة (د. ت) 41. ابن ابي الحديد: عزالدين عبد الحميد المدائني (ت 656 ه) - شرح نهج البلاغة. تح: محمد ابو الفضل ابراهيم، ط 1، دار الجيل، بيروت 1917 م.
42. الحر العاملي: محمد بن الحسن (ت 1104 ه) - وسائل الشيعة، تح: مؤسسة أهل البيت لإحياء التراث، قم 1420 ه.
43. الحسين بن الفضل: (ت 282 ه) - الأمثال الكامنة في القرآن الكريم، تح: د. علي حسين البواب، نشر في مجلة المجمع العلمي العراقي، المجلد 36.
44. الحلي: أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر (ت 726 ه)
ص: 266
- خلاصة الاقوال في معرفة الرجال، ط 1، مؤسسة الفقاهه، قم 1417 ه.
45. أبو حيان التوحيدي: علي بن محمد (ت نحو 400 ه).
- الإمتاع والمؤانسة، دار الكتب العلمية - بيروت 1424 ه.
- البصائر والذخائر، تح: لجنة التأليف والنشر، مصر 1953 م 46. الخطيب البغدادي: أبو بكر احمد بن علي (ت 463 ه).
-تاريخ بغداد، مط السعادة، القاهرة 1931 م.
47. ابن خلاد الرامهرمزي: أبو الحسن بن عبد الرحمن (ت 360 ه) - كتاب أمثال الحديث، تح: احمد عبد الفتاح مؤسسة الكتب الثقافية، مصر 1409 ه 48. ابن خلدون: عبد الرحمن بن محمد المغربي (ت 807 ه) - العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر (المعروف بتاريخ بن خلدون)، ط 4، دار إحياء التراث العربي، بيروت (د. ت) 49. ابن خلكان: ابو العباس احمد بن محمد (ت 681 ه) - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، القاهرة 1367 م، وتح: إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت 1978 م.
50. خليفة بن خياط: شباب العصفري (ت 240 ه) - تاريخ خليفة بن خياط، تح: أكرم ضياء العمري، النجف، مطبعة الآداب، 1967 م.
51. الخوارزمي: الموفق الخوارزمي (ت 568 ه) - المناقب، تح: مالك المحمودي، مؤسسة النشر الاسلامي، قم (د. ت) الدار قطني: علي بن عمر (ت 1358 ه) - علل الدار قطني، تح: محفوظ عبد الرحمن زين الله، دار طيبة للطباعة، الرياض 1405 ه.
52. ابو داوود سليمان بن الاشعث الأزدي السجستاني (ت 275 ه)
ص: 267
- السنن، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر، ط 1، 1371 ه 1952 م والطبعة الثانية تح: محمد محيي الدين عبد الحميد (د. ت).
53. الدميري: كمال الدين (ت 806 ه) - حياة الحيوان الكبرى، المكتبة التجارية، مصر 1956 م.
54. الدينوري: ابو حنيفة أحمد بن داود الدينوري (ت 282 ه) - الأخبار الطوال، قدم له ووضع حواشيه: د. عصام محمد الحاج علي، دار الكتب العلمية. بيروت 2001 م.
55. الذهبي: شمس الدين محمد بن أحمد (ت 748 ه* - تاريخ الاسلام، حيدر آباد الدكن - الهند - 1364 ه - سير اعلام النبلاء، مؤسسة الرسالة، بيروت (د. ت) - الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة، تح: محمد عوامة وأحمد محمد نمر الخطيب، دار القبلة، مؤسسة علوم القرآن، جدة 1413 ه.
-ميزان الاعتدال. تح: علي محمد البجاوي، ط 1، دار إحياء الكتب العربية، بيروت 1963 م.
56. ذو الرمة: غيلان بني عقبة (ت 101 ه) - ديوان ذي الرمة، شرح: أحمد حسين يسبح، دار الكتب العلمية، بيروت 1415 ه.
57. الرازي: فخر الدين، محمد بن عمر بن الحسين (606 ه).
- مفاتيح الغيب، دار الطباعة العامرة، استانبول، 1307، وطبعة مصر 1357 ه 58. ابن رشيق: ابو علي الحسن القيرواني (ت 463 ه) - العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، تح: محمد محيي الدين عبد الحميد، ط 4، دار الجيل، بيروت 1972 م.
59. الزبيدي: محمد مرتضى الحسيني (ت 1205 ه) - تاج العروس من جواهر القاموس. مطابع دار صادر، بيروت،
ص: 268
1386 ه / 1966 م.
60. الزركشي: بدر الدين محمد بن عبد الله (ت 794 ه) - البرهان في علوم القرآن. تح: محمد ابو الفضل ابراهيم، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة 1957 م.
61. الزمخشري (جار الله محمود بن عمر) (ت 528 ه) -ربيع الإبرار ونصوص الإخبار، تح: د. سليم النعيمي، مط العاني، بغداد 1982 م.
- الفائق في غريب الحديث، علي محمد البجاوي. محمد ابو الفضل ابراهيم، ط 1، القاهرة، 1945 / 1948 م.
- الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل، دار الكتاب العربي، بيروت (د. ت) - المستقصى في أمثال العرب، دار الكتب العلمية، بيروت، 1987 م.
62. ابن سعد أبو عبد الله محمد بن سعد الزهري البصري (230 ه) - الطبقات الكبرى، دار صادر، بيروت، 1376 ه - 1957 م.
63. ابن سلمة: المفضل (ت 291 ه) - الفاخر، تح: عبد العليم الطحاوي، وزارة الثقافة، مصر، القاهرة، (د. ت) 1960 م.
64. السمرقندي: ابو الليث نصر بن محمد بن ابراهيم (383 ه) - تفسير السمرقندي، تح: د. محمود مطرجي، دار الفكر، بيروت، (د. ت) 65. السمعاني: ابو المظفر منصور بن محمد (459 ه) - تفسير السمعاني، تح: ياسر بن إبراهيم، ط 1، دار الوطن، الرياض 1997 م.
66. السيوطي: جلال الدين عبد الرحمن بن ابي بكر (ت 911 ه) - الإتقان في علوم القرآن، تح: محمد ابو الفضل ابراهيم، (د. ت) - اسعاف المبطأ برجال الموطأ، مطبعة الدكن، الهند 1320 ه.
- تاريخ الخلفاء، تح: محمد محي الدين عبد الحميد، منشورات مكتبة الشرق
ص: 269
الجديد، بغداد 1987 م.
- تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي. تح: عبد الوهاب عبد اللطيف، دار الكتب العلمية، بيروت، 2000 م.
- الدر المنثور في التفسير بالمأثور، منشورات محمد أمين وشركاه، بيروت. (د. ت).
- المزهر في علوم اللغة، تح: فؤاد علي منصور، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت 1998 م.
67. الشافعي: محمد بن ادريس (ت 204 ه) - الأم. تصحيح: محمد النجار، ط 2، بيروت 1973 ه.
68. الشريف الرضي: ابو الحسن محمد بن الحسين، (ت 406 ه) - تلخيص البيان في مجازات القرآن، تح: محمد عبد الغني حسن، مؤسسة الحلبي، القاهرة 1955 م.
- خصائص الأئمة، مطبعة النجف، النجف 1369 ه - المجازات النبوية، تح: طه محمد الزيني. القاهرة مؤسسة الحلبي، 1967 م - نهج البلاغة، شرح: محمد عبده، ط 1، منشورات ذوي القربى، قم (د. ت) وضبط: صبحي الصالح، ط 1 بيروت 1967 م 69. الشريف المرتضى: ابو القاسم علي بن الحسين عالم الهدى (ت 436 ه) - رسائل الشريف المرتضى، نشر دار القرآن الكريم، قم 1405 ه.
70. الشنفرى: عمرو بن مالك الأزدي (ت نحو سبعين قبل الهجرة) - ديوان الشنفرى (ضمن مجموعة الطرائف الأدبية)، لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1937 م.
71. ابن ابي شيبة: عبد الله بن محمد الكوفي (ت 235 ه) - المصنف، تح: سعيد اللحام، دار الفكر، بيروت 1989 م.
72. الصدوق: ابو جعفر محمد بن علي (ت 381 ه) - عيون اخبار الرضا، قم 1420 ه 73. الصفدي صلاح الدين خليل بن ايبك، توفي 764 ه
ص: 270
- الوافي بالوفيات، تح: أحمد الأرناؤوط، وتركي مصطفى، دار إحياء التراث، بيروت 1420 ه - 2000 م.
74. ابن الصلاح: الامام ابو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري (ت 643 ه) - مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث، تح: ابو عبد الرحمن صلاح بن عويضه، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت 1424 ه.
75. الصنعاني: ابو بكر عبد الرزاق بن همام (ت 211 ه) - المصنف. تح: حبيب الرحمن الأعظمي، ط 1، منشورات دار الاعلمي، بيروت 1970 - 1972 م.
76. الضبي: المفضل بن محمد (ت 170 ه) - امثال العرب، تح: احسان عباس، ط 2، دار الرائد العربي، بيروت 1981 م.
77. الطبراني: سليمان بن أحمد ابو القاسم (ت 360 ه) - المعجم الكبير، تح: حمدي بن عبد المجيد السلفي، ط 2، دار إحياء التراث، بغداد 1989 م.
- المعجم الأوسط، تح: قسم التحقيق بدار الحرمين، دار الحرمين للطباعة والنشر، مكة المكرمة 1415 ه.
78. الطبرسي: ابو علي الفضل بن الحسن (ت 548 ه) - إعلام الورى بأعلام الهدى - قدم له السيد محمد مهدي، ط 3، مطبعة الغري، النجف 1970 م.
- مجمع البيان في تفسير القرآن، مطبعة العرفان، صيدا 1333 ه.
79. الطبري: ابو جعفر محمد بن جرير (ت 310 ه) - تاريخ الأمم والملوك، المعروف بتاريخ الطبری، ط 1، دار الكتاب العربي، بغداد 1426 ه - 2005 م - جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ط 3، القاهرة، 1968 م.
80. طرفة بن العبد (ت 60 ق ه) - ديوان طرفة، شرح احمد الشنعيطي، دار الفكر للجميع، بيروت 1968 م
ص: 271
81. الطريحي: فخر الدين بن محمد علي الرماحي النجفي (ت 1085 ه) - مجمع البحرين. تح: أحمد الحسين، مطبعة الآداب. النجف، 1961 م.
ابن طلحة الشافعي: كمال الدين محمد بن طلحة (ت 652 ه) - مطالب السؤول في مناقب آل الرسول، تح: ماجد أحمد العطيه، قم (د. ت) 82. الطوسي: ابو جعفر محمد بن الحسن (ت 460 ه) - التبيان في تفسير القرآن، تح: احمد حبيب قصير العاملي، مطبعة الاعلام الاسلامي، قم 1409 ه - الفهرست: صححه وعلق عليه: محمد صادق آل بحر العلوم. ط 2، النجف 1960.
83. ابن عبد البر: ابو عمر يوسف النميري القرطبي (463 ه) - الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تح: علي محمد البجاوي، القاهرة. 1960.
- آداب المجالسة، تح: سمير حلبي، دار الصحابة، الرياض 1989 م.
- التمهيد، الرباط، 1387 ه - جامع بيان العلم وفضله، مطبعة العاصمة، القاهرة 1968 م.
84. ابن عبد ربه: ابو عمر احمد بن محمد (ت 328 ه) - العقد الفريد، تح: احمد أمين وآخرون. القاهرة، 1940 - 1953 م.
85. العبدري: ابو المحاسن محمد بن علي (ت 838 ه).
- تمثال الأمثال. تح: اسعد ذبيل، دار المسيرة - بيروت 1983.
86. ابو عبيد: القاسم بن سلام الهروي (ت 224 ه) - غريب الحديث، بيروت 1986.
- كتاب الامثال. تح: عبد المجيد قطامش، دار المأمون للتراث، المملكة العربية السعودية، 1980 م.
87. ابو العتاهية: اسماعيل بن القاسم (ت 211ه) - ديوان أبي العتاهية، تح: اكرم البستاني، دار الجيل، بيروت 1964 م.
88. العجلوني: إسماعيل ابن محمد الجراحي (ت 1162 ه)
ص: 272
- كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، ط 3، دار الكتب العلمية، بيروت، 1988 م.
89. ابن عدي: عبد الله ابو أحمد الجرجاني (ت 365 ه) - الكامل في ضعفاء الرجال، تح: الدكتور زهير زكار، دار الفكر، بيروت، 1998 م.
90. ابن العربي: ابو بكرمحمد بن عبد الله الاشبيلي (543 ه) - أحكام القرآن، تح: محمد عبد القادر عطا، مطبعة لبنان، دار الفكر، بيروت، (د. ت).
91. ابن العربي: محيي الدين العربي (ت 638 ه) - تفسير ابن العربي، صححه: عبد الوارث محمد، دار الكتب العلمية، بيروت، 2000 م.
92. ابن عساكر: علي بن الحسن (571 ه) - تاريخ مدينة دمشق وذكر فضلها وتسمية من حلّها من الأماثل او اجتاز بنواحيها من وارديها وأهلها، تح: علي شيري، بيروت، دار الفكر للطباعة والنشر 1995 م.
93. العسكري: ابو احمد الحسن بن عبد الله بن سعيد (382 ه) - تصحيفات المحدثين، تح: محمود احمد ميره، ط 1، المطبعة العربية الحديثة، القاهرة 1982 م.
94. العقيلي: أبوجعفر محمد بن عمر بن موسى بن حماد (322 ه) - الضعفاء الكبير، ط 1، دار الكتب العلمية بيروت، 1404 ه.
95. العيني: بدر الدين محمود بن احمد العيني الحنفي (ت 855 ه) - عمدة القاري في شرح صحيح البخاري، دار إحياء التراث العربي، بيروت (د. ت).
96. الغزالي: أبو حامد محمد الغزالي (450 ه) - المنقذ من الظلال، دار الجيل، بيروت 2003 م.
ص: 273
97. ابن فاتك: أبو الوفاء المبشرين فاتك، (وفاته غير معروفة) - مختار الحكم ومحاسن الكلم، تح: د. عبد الرحمن بدوي، ط 2، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1980 م.
98. الفارابي: اسحاق بن ابراهيم (ت 350 ه) - ديوان الأدب، تح: محمد مختار عمر، القاهرة، 1947 م.
99. ابن فارس: ابو الحسن احمد بن زكريا (ت 395 ه) - معجم مقاييس اللغة. تح: عبد السلام هارون، دار الفكر، المجمع العربي الاسلامي، بيروت 1979 م.
100. الفرزدق: همام بن غالب (ت 114 ه) - ديوان الفرزدق: تح: اكرم البستاني. دار صادر، بيروت 1966 م.
101. ابن فيد: مؤرج السدوسي (ت 195 ه) - كتاب الأمثال. تح: محمد الطيب، دار الميسرة، القاهرة (د. ت) وتح: رمضان عبد التواب.
102. الفيروزآبادي: مجد الدين محمد بن يعقوب ت 817 ه.
- القاموس المحيط، دار الفكر، بيروت 1983 م.
103. القاضي عبد الجبار: عماد الدين أبي الحسن بن أحمد (ت 415 ه) - المغني في أبواب العدل والتوحيد، تح: د. عبد الحليم البخار - د. سليمان دين.
الدار المصرية، القاهرة (د. ت) 104. القاضي القضاعي: ابو عبد الله محمد بن سلامة (ت 454) - دستور معالم الحكم ومأثور مكارم الشيخ في كلام أمير المؤمنين علي بن ابيطالب، تح: جميل العظم، القاهرة (د. ت) 105. القاضي النعماني: أبوحنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي (ت 363 ه) - شرح الإخبار في فضائل الأئمة الأطهار، تح: محمد الحسيني الجلالي، مؤسسة النشر الإسلامي، قم (د. ت).
106. ابن قتيبة. ابو محمد عبد الله بن مسلم (ت 276 ه)
ص: 274
- أدب الكاتب، شرحه وكتب هوامشه: علي فاعور، دار الكتب العلمية بيروت، 2002 م - الإمامة والسياسة، تح طه محمد الزيني، دار الاندلس، النجف الاشرف 1972 طبعة الاوفست - الشعر والشعراء (طبقات)، عالم الكتب، بيروت (د. ت) - عيون الاخبار، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1925 م - 1930 م - غريب الحديث. تح: عبد الله الجبوري ط 1، بغداد، 1977 م.
- المعارف: تقديم وتحقيق: ثروة عكاشة، ط 2، دار المعارف مصر 1969 م.
107. القرطبي: ابو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري (ت 671 ه) - الجامع لأحكام القرآن، منشورات دار إحياء التراث العربي، بيروت 1985 م.
108. القلقشندي: ابو العباس أحمد بن علي (ت 821 ه) - صبح الأعشى في صناعة الإنشا، مطبعة الحلبي، القاهرة، 1963.
109. ابن القيم الجوزيه: شمس الدين عبد الله محمد بن أبي بكر (751 ه) - أعلام الموقعين عن رب العالمين. مطبعة فرج الله الكردي، القاهرة 1325 م.
- الأمثال في القرآن الكريم: تح: موسى بناي العليلي. منشورات مكتبة القدس - بغداد (د. ت) 110. ابن كثير: عماد الدين ابو الفداء اسماعيل بن عمر الدمشقي (ت 764 ه) - إختصار علوم الحديث، تعليق وشرح: صلاح محمد عويضة، دار الكتب العلمية، بيروت - البداية والنهاية، ط 2، منشورات عالم الكتب، بيروت 1977 م.
- تفسير ابن كثير، دار احياء الكتب العربية، بيروت، (د. ت) - السيرة النبوية، تح: مصطفى عبد الواحد، دار المعرفة، بيروت 1971 م.
111. الكشي: ابي عرو محمد بن عمر بن عبد العزيز (ت 340 ه) - الرجال، تح: السيد أحمد الحسيني: مؤسسة الأعلمي كربلاء (د. ت) 112. الكليني: محمد بن يعقوب (ت 329 ه)
ص: 275
- الكافي، تح: علي أكبر غفاري، ط 3، نشر دار الكتب الاسلامية، طهران (د. ت) 113. لبيد بن ربيعة: (ت 41 ه) - ديوان لبيد بن ربيعة، تح: احسان عباس، الكويت، 1965 م.
114. المبرد: ابي العباس محمد بن يزيد (ت 285 ه) - الكامل في اللغة والأدب، تح: محمد ابو الفضل ابراهيم والسيد شهامة. دار النهضة للطباعة والنشر، القاهرة، (د. ت) - المقتضب، تح: محمد عبد الخالق عظيمه، نشر المجلس الأعلى للشؤون الاسلامية. قم، 1986 ه.
115. المتقي الهندي: علاء الدين بن علي (ت 975 ه) - كنز العمال في سنن الاقوال والأفعال ط 2، حيدر آباد الدكن - الهند.
116. المتنبي: أبو الطيب أحمد المثنى (ت 354 ه) - ديوان المتنبي، شرح العكبري. مؤسسة الرسالة، بيروت 1980 م 117. المرتضى: علي بن الحسين الموسوي الشريف المرتضى (ت 460 ه) - رسائل الشريف المرتضى. مؤسسة (ذو القربى)، قم، (د. ت) 118. ابن مزاحم: نصر المنقري (ت 212 ه) - وقعة صفين، تح: عبد السلام محمد هارون، منشورات مكتبة المرعشي، قم 1418 ه 119. المزي: جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن (ت 742 ه).
- تهذيب الكمال، تح: بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت 1992 م.
120. المسعودي: علي بن الحسين (ت 346 ه) - مروج الذهب ومعادن الجوهر، تح: أمير مهنا، منشورات مؤسسة النور - بيروت 2000 م.
- التنبيه والاشراف، دار صعب، بيروت (د. ت).
121. مسلم: ابو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري (261 ه)
ص: 276
- صحيح مسلم، ط 1، دار إحياء التراث العربي، بيروت 1420 ه - 2000 م.
122. ابن المعتز: عبد الله بن المعتز بن المتوكل (ت 296 ه) - طبقات الشعراء، تح: عبد الستار احمد فراج، ط 3، دار المعارف، مصر 1976 م.
123. المفيد: النعمان بن محمد (ت 413 ه) - الإرشاد، ط 5، مؤسسة الأعلمي، بيروت 2001 م.
- الأمالي، تح: علي أكبر الغفاري، ط 2، دار المفيد للطباعة والنشر، بيروت 1414 ه - 1993 م.
- الجمل، مطبعة الغري، النجف الأشرف (د. ت).
124. ابن المقفع: عبد الله (ت 145 ه) - الأدب الصغير والأدب الكبير، دار الجيل، بيروت (د. ت) - كليله ودمنة، للفيلسوف بيدبا، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، 1978 م 125. ابن منظور: ابو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم (ت 771 ه) - لسان العرب، الدار المصرية، القاهرة، (د. ت).
- مختصر تاريخ دمشق، ضبط وعناية: محمود الأرناووط، دار الفكر المعاصر 1988 م.
126. الميداني: ابو الفضل احمد بن محمد بن أحمد بن ابراهيم (ت 518 ه) - مجمع الأمثال، تح: محمد أبو الفضل ابراهيم (ت)، دار الجيل بيروت 1417 ه - 1987 م.
127. النابغة الجعدي: قيس بن عبد الله بن عدي العامري (ت نحو 50 ه) - ديوان النابغة الجعدي، تح: المستشرقة الإيطالية نالينو، بيروت (د. ت) 128. النجاشي: احمد بن علي أحمد بن العباس (ت 450 ه) - الرجال، تصحيح: جلال الدين الأملي مؤسسة النشر الاسلامي، قم (د. ت) 129. ابن النديم. محمد بن اسحق (ت 380 ه) - الفهرست، تح: يوسف علي طويل، ط 2، دار الكتب العلمية، بيروت،
ص: 277
2001 م.
130. النسفي: ابو البركات عبد الله بن احمد (ت 527 ه) - تفسير النسفي، منشورات مؤسسة أهل البيت لإحياء التراث، قم (د. ت) 131. ابو نعيم: احمد بن عبد الله الاصبهاني (ت 430 ه) - حلية الأولياء، وطبقات الأصفياء، ط 2، دار الكتاب العربي، بيروت 1967 م.
132. النويري: شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب (ت 733 ه) - نهاية الأرب في فنون الأدب، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، منشورات دار الكتب، القاهرة؛ 1977 م.
133. ابن هشام: عبد الملك بن هشام الحميري (ت 218 ه) - السيرة النبوية، تح: محمد محي الدين عبد الحميد، مطبعة المديني، القاهرة 1963 م.
134. أبو هلال العسكري: الحسن بن عبد الله بن سهيل (ت 395 ه).
- جمهرة الأمثال. تح: محمد أبو الفضل ابراهيم وعبد المجيد قطامش، ط 2، دار الجيل، بيروت 1988 - كتاب الصناعتين، تح: علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل ابراهيم، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه. القاهرة، 1971.
135. الهمداني: عبد الرحمن بن عيسى بن حماد الهمداني (ت 320 ه) - الألفاظ الكتابية، علق عليه: نبيل يعقوب، دار الكتب العلمية 1991 م.
136. الواحدي: ابو الحسن علي بن أحمد (ت 468 ه) - الوسيط في الأمثال، تح: عفيف عبد الرحمن، مؤسسة دار الكتب الثقافية.
الكويت 1975 م.
137. اليافعي: عبد الله بن أسعد (ت 768 ه) - مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1970 م.
ص: 278
138. ياقوت الحموي: ابو عبد الله، شهاب الدين الرومي الحموي (ت 626 ه) - معجم الأدباء، بعناية: الدكتور أحمد فريد رفاعي، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة، 1935.
- معجم البلدان. دار الكتاب العربي، بيروت 55 - 1957.
139. اليعقوبي: احمد بن أبي يعقوب المعروف ب (ابن واضح) (ت 292 ه) - تاريخ اليعقوبي، علق عليه: خليل المنصور، قم (د. ت) 140. اليمني: محمد بن الحسين (ت في القرن الخامس الهجري) - مضاهاة أمثال كليلة ودمنة. تح: محمد يوسف النجم، دار الثقافة، بيروت 1966 م.
141. الأمين: محسن العاملي (ت 1951 م) - أعيان الشيعة. تح: حسن الأمين. مؤسسة الاعلمي، بيروت (د. ت) 142. ابراهيم بيضون.
- الإمام علي (عليه السلام) في رؤية النهج ورواية التاريخ. منشورات دار المؤرخ العربي، بيروت، 200 م.
143. أحمد أمين: (الدكتور) ت 1954 م.
- فجر الاسلام، ط 1، دار الكتب العلمي، بيروت 2004 م.
144. احمد زكي: صفوت.
- جمهرة خطب العرب، المكتبة العلمية بيروت (د. ت).
145. أغا بزرك الطهراني: ت 1389 ه - الذريعة الى تصانيف الشيعة. مطبعة دولة ايران، طهران 1959.
146. أحمد محمود صبحي:
- في فلسفة التاريخ. مطبعة الاسكندرية، مصر 1972 م.
- في علم الكلام. ط 2، دار الكتب الجامعية، مصر 1976 م.
147. البغدادي: اسماعيل باشا
ص: 279
- هدية العارفين أسماء المؤلفين واثار المصنفين، طبعة بعناية وكالة المعارف في اسطنبول سنة 1951 م، أعادت طبعة بالاوفسيت دار احياء التراث العربي، بيروت.
148. بروكلمان: كارل - تاريخ الأدب العربي، تر: عبد الحميد النجار، منشورات دار الكتب الاسلامي، قم 2005 م.
149. توفيق الحكيم:
- البرج العالي. دار المعارف. القاهرة 1968.
150. توفيق الفكيكي:
- الراعي والرعية: طبع المكتبة الحيدرية، النجف الاشرف. 2004 م 151. محمد عابد الجابري - المدخل لدراسة القرآن الكريم، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2006 م 152. جواد علي (ت 1987 م) - المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام. منشورات. المطبعة الحيدرية النجف الأشرف.
153. جورج جرداق - الإمام علي صوت العدالة الإنسانية. منشورات دار صعصعة. بيروت. (د. ت) - روائع نهج البلاغة (د. ت) 154. جرجي زيدان (ت 1914 م) - تاريخ آداب اللغة العربية. دار مكتبة الحياة، بيروت (د. ت) 155. جعفر الحسيني - أساليب البيان في القرآن، منشورات مؤسسة الطباعة والنشر، ط 1، 1413 ه.
156. حسين نصار - التدوين التاريخي عند العرب، مكتبة مصر (د. ت)
ص: 280
157. ابن حمزة الدمشقي:
- البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث النبوي، نشر المكتبة العالمية، ط 1، بيروت 1982 م.
158. حنا الفاخوري - الجامع في تاريخ الأدب العربي. ط 2، دار الجيل، بيروت 1995 م.
159. الخوئي: السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي - معجم رجال الحديث، ط 1، مطبعة الآداب (د. ت).
160. رضا كحالة - معجم المؤلفين، مكتبة المثنى، دار إحياء التراث العربي، بيروت، (د. ت) 161. الزركلي: خير الدين محمود (ت 1976 م) - الأعلام. ط 8، دار العلم للملايين، بيروت 1989 م.
162. زكي مبارك - النثر الفني في القرن الرابع الهجري. دار المعارف، مصر 1959 م.
163. زلهايم: رودولف - الأمثال العربية القديمة، ترجمة رمضان عبد التواب، مؤسسة الرسالة، بيروت 1982 م.
164. سليمان كتاني - الإمام علي نبراس ومتراس. مطبعة النعمان. النجف الأشرف 1386 ه.
165. سميح الزين - الأمثال والمثل والتمثيل في القرآن الكريم، دار الكتاب اللبناني، سنة 1421 ه.
166. شوقي ضيف - تاريخ الأدب العربي. دار المعارف، مصر (د. ت) 167. صبحي الصالح - علوم الحديث ومصطلحه، مطبعة جامعة دمشق، دمشق 1379 ه - 1959 م.
168. طه حسين (ت 1973 م)
ص: 281
- في الأدب الجاهلي، دار المعارف، القاهرة، 1969 م.
169. عادل حسن ألأمدي - بلاغة الإمام علي في نهج البلاغة، مؤسسة المحبين، قم 2006 م.
170. عبد الحليم الجندي - الأمام جعفر الصادق، مطبعة الأهرام التجارية، القاهرة 1977 م.
171. عبد الزهراء الحسيني (الخطيب) - مصادر نهج البلاغة وأسانيده، ط 3، دار الأضواء، بيروت 1405 ه.
172. عبد المجيد عابدين (الدكتور) - الأمثال في النثر العربي القديم، دار مصر للطباعة، القاهرة، 1959 م 173. عبد المجيد محمود - أمثال الحديث، دار المسيرة، القاهرة (د. ت) 174. عبد السلام أحمد الراغب - وظيفة الصورة الفنية في القرآن الكريم، منشورات فصلت للدراسات والترجمة، ط (1422 م) 175. عباس العقاد:
- عبقرية الإمام علي (عليه السلام)، دار التربية، مصر (د. ت).
176. محمد باقر المحمودي - نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة، دار التعارف، بيروت، 1976 م 177. محمد باقر الناصري - عهد الإمام الى مالك الاشتر، ط 1، مؤسسة الاعلمي، بيروت (د. ت).
178. محمد توفيق أبو علي - الأمثال العربية والعصر الجاهلي، دار النفائس. ط 1، مصر 1408 ه - 19891م.
179. محمد حسين الصغير (الدكتور) - الصورة الفنية في المثل القرآني، شركة المطابع النموذجية، بغداد، 1981 م.
ص: 282
180. محمد ديب صالح.
- لمحات في أصول الحديث. دار الهادي، بيروت (د. ت).
181. محمد زيان عمر - البحث العلمي مناهجه وتقنياته. الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر 2002 م.
182. محمد علي ديوز الأباضي - الدولة الرستمية في المغرب، الرباط، المغرب (د. ت).
183. محمد الغروي - الأمثال النبوية، مؤسسة الاعلمي، بيروت، 1401 ه.
184. محمد موسى خضر - التجوال في كتاب الأمثال. دار الهادي، بيروت (د. ت).
185. محمد مهدي شمس الدين - دراسات في نهج البلاغة، ط 4، المؤسسة الدولية للدراسات و النشر 2001 م.
186. محمود البستاني - تاريخ الأدب العربي في ضوء المنهج الإسلامي، مراكز بخش، طهران (د. ت).
187. ممدوح حقي - المثل المقارن بين العربية والإنكليزية،، دار النجاح، بيروت 1973 م 188. ناصر الدين الأسد - مصادر الشعر الجاهلي وقيمته التاريخية. دار المعارف، القاهرة. 1969 م.
189. نور الدين عتر.
- منهج النقد في علوم الحديث، دار الفكر، دمشق 1399 ه.
190. أليان سركيس (ت 1351 ه) - معجم المطبوعات العربية و المعربة، مكتبة المرعشي، قم 1430 ه.
ص: 283
محمود شاكر الخفاجي - ملامح الفكر التاريخي في القرآن الكريم، أطروحة دكتوراه غير مطبوعة، معهد التاريخ العربي والتراث العلمي للدراسات العليا، بغداد 2001 م.
محمد حسن آل ياسين - نهج البلاغة لمن؟ مجلة البلاغ، ع 3، س 5، 1975 م، ص 31 - 49، وطبع مستقلا بمطبعة عيسى - بغداد، 1395 ه.
منيف عبد الرحمن - الامثال العربية القديمة، مقالة في المجلة العربية للعلوم الاسلامية، الكويت 1983 م، العدد العاشر.
صفاء خلوصي - محاضرات القيت على طلبة الماجستير في اللغة العربية في جامعة بغداد.
ص: 284
المقدمة...9 الفصل الأول: مفاهيم ومداليل البحث...19 تعريف المثل:-...19 المثل لغة:...21 1- الشبه:-...22 2- العبرة والآية والحجة:-...24 3- المثل والصفة:-...24 المثل بمعنى الحكمة:-...26 المثل اصطلاحاً:...27 أنواع المثل:-...30 1- المثل السائر:-...30 2- المثل القياسي:-...31 3- المثل الخرافي:-...32 المثل والحكمة:-...33 ضرب المثل:-...36 أهمية المثل:-...39 الفصل الثاني: دراسة وصفية لكتاب نهج البلاغة...51 المبحث الأول...53 أ- منحى تاريخي لكتاب نهج البلاغة...53 ب- أنواع الكلام في نهج البلاغة...60
ص: 285
1- الحكم:-...61 رسائله وعهوده:-...62 خطبه ومواعظه:...64 التأملات:...64 المبحث الثاني: أنواع المثل في نهج البلاغة...66 1- المثل الجاهلي:...66 2- المثل القرآني:-...73 3- أمثال (الحديث) - ألمثل النبوي:...79 الفصل الثالث: المدلول التاريخي للمثل العربي في كتاب نهج البلاغة...81 المبحث الأول: توظيف المثل الجاهلي...83 أ) استخدامه للمثل الجاهلي نثراً...84 1- (شِقشِقة هدرت ثُم قَرتْ)...86 2- (بعد اللتيا والتي)...88 3- (لا أكون مثل الضبع تسمع أللدم)...90 4- وقد أرعدوا وأبرقوا، ومع هذين الأمرين الفشل، ولسنا نُرعد حتى نوقع، ولا نسيل حتى نمطر)...93 5- (هبلته أمه)، (هبلتهم الهبول)...96 6- (وكان كالفالج الياسر)...99 7- (ولكن لا رأي لمن لا يطاع)...101 8- (لو كان يطاع لقصير أمر)...103 9- (أيادي سبأ)...107 10- (كناقش الشوكة بالشوكة)...110 11- (والله ما أطور به ما سمر سمير)...112 12- (كما تدين تدان)...114 13- (فليصدق رائد أهله)...116 14- (إن غداً من اليوم قريب)...118
ص: 286
15- (عند الصباح يحمد القوم السرى)...121 16- (آخر الدواء الكي)...123 17- (كناقل التمر إلى هجر)...124 18- (حن قدح ليس منها)...127 19- (فدع عنك من مالت به الرمية)...128 20- (اختلط الخاثر بالزباد)...129 21- (إنها خدعة الصبي)...131 ب: استخدامه للمثل الشعري...133 المبحث الثاني: توظيف المثل القرآني...160 الملامح التاريخية في القرآن الكريم:-...160 استخدام المثل القرآني:...165 المبحث الثالث: توظيف المثل النبوي...176 الملامح التاريخية للحديث النبوي:...176 استخدام المثل النبوي (ألحديثي) عند الإمام علي (عليه السلام):...181 رأي واستدراك...190 الفصل الرابع: اقوال الإمام علي (عليه السلام) التي سرت مجرى الأمثال...197 المبحث الأول: أقواله (عليه السلام) المبنية على حادثة...199 المبحث الثاني: أقواله في كتب الأمثال واللغة والتاريخ والتفسير...220 (أبعد الوهي ترقعين وأنتِ مبصرةٌ)...221 (أحبب حبيك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما)...223 (إذا تم العقل نقص الكلام)...225 (أريد حياته ويريد قتلي)...226 (أنا دون هذا وفوق ما في نفسك)...227 (إنما أُكِلتُ يوم أُكِل الثور الأبيض)...228 (حِبقة حِبقة، ترق عَين بقه)...229 (رأي الشيخ خير من مشهد الغلام)...230
ص: 287
(شديد الحجزة)...231 (صدقني سن بكره)...232 (عليكم بالنمرقة الوسطى)...234 (قلب له ظهر المجن)...235 (لا يأبى الكرامة إلا حمار)...236 إليك فررت ومن زياد ولم أحسب دمي لكم حلالا...242 1- من وثق بماء لم يظمأ...248 2- الطريق الوسطى هي الجادة...249 3- من صارع الحق صرعه...250 4- ألمرء مخبوء تحت لسانه...250 5- الناس أعداء ما جهلوا...250 6- قيمة كل امرئ ما يحسنه...251 7- بقية السيف أنمى عدداً وأكثر ولداً...254 الخاتمة...257 المصادر و المراجع...261 اولا: المصادر الأولية...261 ثانيا المراجع:...279 ثالثا: الرسائل الجامعية:...284 رابعا: الدوريات:...284 خامسا: المحاضرات:...284
ص: 288