رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 1357لسنة2016م مصدر الفهرسة:
IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda رقم تصنيفLC:
BP38.5.G3 M320 المؤلف الشخصي: المرزوك، غزوان عبد الكاظم.
العنوان: الغيبيات في نهج البلاغة: دراسة تاريخية.
بيان المسؤولية: تأليف غزوان عبد الكاظم المرزوك؛ تقديم سيد نبيل قدوري الحسني.
بيانات الطبعة: الطبعة الأولى.
بيانات النشر: كربلاء: العتبة الحسينية المقدسة- مؤسسة علوم نهج البلاغة.
1437ه= 2016م.
الوصف المادي: 280صفحة.
سلسلة النشر: مؤسسة علوم نهج البلاغة.
تبصرة عامة: تبصرة ببيلوغرافية: يتضمن هوامش- لائحة المصادر (الصفحات257- 277).
تبصرة محتويات: موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين بن موسى، 359- 406هجرياً. نهج البلاغة. شرح.
موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23قبل الهجرة- 40هجرياً- أحاديث.
موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23قبل الهجرة- 40هجرياً- الغيبيات.
مصطلح شخصي: محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، نبي الإسلام، 53قبل الهجرة- 11هجرياً. الغيبيات- أحاديث.
مصطلح موضوعي: الغيبيات- أحاديث.
مصطلح موضوعي: آخر الزمان- أحاديث.
مصطلح موضوعي: الغيبيات في القرآن.
مؤلف إضافي: الحسني، نبيل قدوري حسن، 1965م، مقدم.
مؤلف إضافي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين بن موسى، 359- 406هجرياً. نهج البلاغة. شرح- عنوان إضافي: نهج البلاغة. شرح.
تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة
ص: 1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ص: 2
(لغیبیات فی نهج البلاغة) دراسة تاریخیة تالیف غروان عبدالکاظم المرزوک
ص: 3
جمیع الحقوق محفوظة للعتبة الحسینیة المقدسة الطبعة الاُولی 1437ه- 2016م العراق:کربلاء المقدسة- شارع السدرة- مجاور مقام علی الاکبر علیه السلام موسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600- 07815016633 تاموقع الالکتروني: A www.inahj.org Email: Inahj.org@gmail.com
ص: 4
بسم الله الرحمن الرحيم «مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ» صدق الله العلي العظيم سورة آل عمران: 179.
ص: 5
ص: 6
إليك... يا أسد الله الغالب إليك.... يا علي بن أبي طالب أُهدي ثمرة جهدي نيابة عن أُمّي...
التي أرضعتني حبه وفارقتني...
قبل أن تنتهي أناملي من كتابة هذه الرسالة غزوان
ص: 7
ص: 8
الحدث التاريخي الغيبي الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والصلاة والسلام على أتم النععم وأفضلها محمد وآله الأخيار.
أمّا بعد:
فإنّ موضوع الغيب من الموضوعات العقدية المهمة التي زخرت بها المدارس الفكرية في الإسلام؛ فضلاً عن مجالها المعرفي التاريخي الغيبي الذي يسبق وقوع الحدث، وهي خاصية ينفرد بها (الحندث التاريخي الغيبي) في القرآن الكريم وعند العترة المطهرة، وهو مصطلح جديد ينبغي على الباحثين فی الدراسات التاريخية العناية به ودراستە دراسة مسفيضة؛ وذلك: أن الأحداث التاريخية إنّما يسبقها المفهوم بوقوعها في الزمن الماضي, أمّا حال وقوعها في الزمن القادم أو المستقبل فهو مما اختص به الباري عزّ وجل فهو وحده العالم بحوادث الأمور القادم والمكنونة في علمه, وهنو المقدر بلطفه وسابق علمه لها فيُطلع عليها من يشاء من أنبيائه ورسله وأوليائه الذين اصطفاهم حججاً على خلقه؛ ويُعَرَّفنا عزَّ شأنه بالمقدمات والنتائج لتكون بذاك إعجازاً يقف البشر له حائرين ولسماعه وجلينَ.
ص: 9
وقد سار الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام على هذا المنهج القرآني في عرض (الحدث التاريخي الغيبي)، فكشف كثيراً من الأحداث التاريخية التي ستقع في الزمن القادم مع بيان مقدما الأحداث ونتائج وقوعها.
وقد قام الباثث في هذه الرسالة الجامعية الموسومة ب (الغيبيات في نهج البلاغة دراسة تأريخيه) بوضع المقدمات العلمية لمتطلبات المنهج البحثي التاريخي ثم اتبعه بعرض الشواهد التي وردت في كتاب نهج البلاغة وهي تحمل الغيبيات بمفهومها المتفرد في عرض الحدث التاريخي الواقع لا محالة في الزمن القادم ودمجه في الزمن الحاضر ليتحول من أمر مغيب عن العقول والقلوب والأبصار والأسماع إلى أمر أصبح وقوعه قطعياً.
السید نبیل قدوري حسن الحسني رئیس موٴسسة علوم نهج البلاغة
ص: 10
بسم الله الرحمن الرحي
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله والصلاة والسلام على مَن كان نبياً وآدم بين الماء والطين وعلى ذوي قرباه الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وعلى الخيرة من أصحابه المنتجبين.
لا ريب أنّ رحلة البحث في نهج البلاغة شاقة وشيقة في الوقت نفسه، فهي شاقة؛ لأنَّ الإحاطة بكلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أمر عسير، لغنائه وثرائه بمختلف العلوم والمعاني، والباحث فيه على خطر عظيم إما النجاح وإما الفشل ولا سبيل ثالث لهما.
ومما لاشك فيه أنّ نهج البلاغة أثر إنساني خالد لا يحده مكان، ولا تنتهي له الحاجة في زمان، فهو من الآثار الإنسانية التي لم توضع لفريق من دون فريق، ولم يراع فيها شعب من دون شعب, وإنّما خوطب بها الإنسان أينما وجد، فهذا الكتاب بحد ذاته يعد إرثاً حضارياً، وثقافياً، ودينياً وإنسانياً وتاريخياً، فهو
ص: 11
من الآثار التي تقل نظائرها في التراث الإنساني على ضخامته.
لقد قيل عن نهج البلاغة (إنّه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق)، فهو معجزة البلاغة التي تموج بكلِّ المعاني السامية، وكتاب إنساني بكل ما لهذه الكلمة من مدلول، فهو إنساني باحترامه للإنسان وحقوقه في زمن كان الفرد الإنساني لا قيم له, ولحقوقه عند الحاكمين؛ فلهذا ولغيره كان نهنج البلاغة، وسيبقى على الدهر اثراً من جملة ما يحتويه التراث الإنساني من الآثار القليلة التي ترنو اليها البصائر حين تكتنفها الظلمات، وحق له أن يكون كذلک وهو عطاء إنسان كان كوناً من البطولات، ودنياً من الفضائل، ومثلاً أعلى في كل ما يشرف الإنسان.
في ضوء ما تقدم ذكره، وانطلاقاً من رغبة الباحث في أن تكون دراسته الاكاديمية في مرحلة الماجستير تتمحور حول هذا الكتاب العظيم، لما فيه علم واسع مترامي الأطراف يطمح كل انسان أن يبحث بكل موضوع فيه، فضلاً عن الغاية السامية في مشوار البحث العلمي، وأي غايةِ أسمى من أن تكون هذه الرسالة تتمحور حول الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) وما جاء في نهج البلاغة من الغيبيات عن أخبار المستقبل. فالحمد لله تعالى الذي يَسّر للباحث اختيار موضوع هذه الرسالة (الغيبيات في نهج البلاغة/ دراسة تاريخية).
هذه الرسالة ليست الأولى التي تتمحور حول نهج البلاغة، حيث هناك العشرات من الرسائل والاطاريح التي اختصّت بهذا الكتاب العظيم، وفي مختلف التخصّصات الإنسانية، كالاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبلاغية
ص: 12
والنحوية والفلسفية والتاريخية وغير ذلك؛ لكنها يمكن أن يقا إنّها الأولى في تناول موضوع الغيبيات التي أخبر بها أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذا الكتاب، مع الإشارة إلى أنّ الموضوع تم عرض التعرض له بشكل عرضي من قبل الدكتور جواد كاظم النصر الله في أطروحته الموسومة (شرح نهرج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي رؤية اعتزالية عن امام علي (علیه السلام)/ دراسة وتحقيق)، إذ جرى في هذه الاطروحة اسعراض الأخبار الغيبية التي ضمها كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، التي فيها اختلاف كبير عن الغيبيات التي أوردها الشريف الرضي في نهج البلاغة، فقد عمد ابن أبي الحدید في شرحه لاستعراض العديد من تلك الاخبار والتي لم يذكرها الشريف الرضي في كتاب نهج البلاغة؛ لأنه توسع في كلمات أمير المنؤمنين (عليه السلام) معتمداً في ذلك على مصادر عديدة أهملها الشريف الرضي؛ رغبة منه في الاختصار للخروج بكتاب ذا طابع أدبي وبلاغي بعيداً عن السرد التاريخي.
أما المنهج البحثي الذي اتبعته فقد كان قائماً على استعراض دقيق للأخبار الغيبية التي صرح بها الإمام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة وإلقاء الضوء على هذه الأخبار والروايات من مختلف الجوانب, ومحاولة التقرب منها عن طريق المصادر التاريخية التي ذكرت تلك الأحداث وأيضاً التعرف على الآراء المتعددة لشراح نهج البلاغة، سواء من المصادر الاصيلة أم المراجع الحدیثة، من غیر الختصار علی رأأی محدد.
إذان البحث انتظم في ثلاث فصول، حيث حمل الفصل الأول عنوان (الغيب
ص: 13
في القرآن الكريم والأنبياء الذين اطلعهم الله تعلى الغيب)، ويشمل على ثلاثة مباحث، الأول: يتناول الغيب في القرآن الكريم، وتمت الاشارة فيه الى أنواع الغيب وأقسامه واستعراض بعض الآيات القرآنية التي حملت أخباراً غيبية، أما المبحث الثاني: فقد تمحور حول أنبياء الله والصالحين الذين اطلعهم الله على بعض الغيبيات، لتكون أدلة وبراهين على صدقهم وصدق ما جاؤوا به، بينما كرس المبحث الثالث للغيبيات التي أخبر بها رسولنا الصادق الأمين محمد؛ إذ كرس لها مبحث منفرد عن باقي الأنبياء؛ لكثرة تلك الروايات والإخبار الغيبية التي ينقلها الرواة والمؤرخون عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) التي لا تغطّيها مباحث ولا فصول ولا رسائل، بل تحتاج الى مؤلفات ضخمة وكثيرة لإيفاء حقها.
أما الفصل الثاني فكان عنوانه (الأخبار الغيبية عن الخوارج والدولة الاموية), وقد قسم على مبحثين، الأول: تناول الأخبار الغيبية التي تكلم بها الإمام علي (عليه السلام) على الخوارج ومصيرهم المظلم, بينما خصص الثاني: للأخبار الغيبية عن الدولة الأموية وسيطرتها على الخلافة الإسلامية من بعده، كذلك مصير بعض رجالا هذه الدول ونهايتها المأساوية فيما بعد.
وختام الفصول كان الفصل الثالث: الذي أطره عنواناً هو (الأخبار الغيبية عن العراق وفتن آخر الزمان وظهور امام المهدي (عجل الله فرجە)، وقد أماط هذا الفصل اللثام عن مبحثين، الأول: سلط الضوم على الأخبار الغيبية التي أخبر بها أمير المؤمنين (عليه السلام) عن العراق متمثلاً بأخبار البصرة والكوفة، اما
ص: 14
المبحث الآخر : فقد تناول آخر الزمان وظهور الإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه) إذ استعراضت الغيبيات التي صرّح بها أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الفتن الكبيرة التي اخر تصيب الناس اخر الزمان، وقد اتفقت الأخبار المتواترة على أنّ آخر الزمان الذي تكلم الإمام (عليه السلام) عليها هو الذي يسبق ويهيئ لظهور الإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه) وقد كرس القسم الثاني من هذا المبحث لتناول الأخبار الغيبیة عن ظهوره الشريف واستعراض ما أخبر به الإمام علي (عليه السلام) من أخبار.
وفي ختام البحث جاءت نتائج البحث لتبيّن أهم ما توصل إليه الباحث في هذه الرسالة.
لقد اعتمد الباحث في إعداد هذه الرسالة على مصادر ومراجع كانت عماد البحث، فيما يخص كتب التفسير، برز منها: التبيان في تفسير القرآن للشيخ الطوسي (460ه- 1067م)، كذلك تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي (ت548ه- 1153م) إذ أعانا الباحث للاطلاع على تفاسير ذا قيمة علمية كبيرة، أما فيما يخص مصادر الحديث النبوي التي استعملت في البحث فتصدرها مسند احمد بن حنبل (ت241ه- 855م)، وصحيح البخاري (ت256ه- 870م)، وصحيح مسلم (21ه- 875م)، إذ تمثلت الفائدة في هذه المصادر بتخريج الأحاديث النبوية الشريفة التي دلت على علم آل البيت (عليهم السلام) وفضله على جميع البرية.
ومن المصادر التاريخية التي أسهمت في إغناء موضوع البحث مؤلف تاريخ
ص: 15
الرسل والملوك للطبري محمد بن جرير (ت310ه- 923م)، ومروج الذهب ومعادن الجوهر للمسعودي ابو الحسن علي بن الحسين (ت346ه- 957م) واللذان يعدّان غنيّان عن التعريف لأي باحث، فلا يكاد يخلو أي منهما من تناول تاريخ المسلمين، لما فيهما من شمولية في نقل النصوص والتفصيل في ذكر الأحداث.
كذلك كان لكتب التراجم الأثر الكبير في إثرا الرسالة في ترجمة بعض الشخصيات التي وردت في الرسالة ومن هذه الكتب يبرز كتاب أنساب الأشراف للبلاذري أحمد بن يحيى (ت279ه- 892م)، والإصابة في تمييز الصحابة لاب حجر العسقلاني (ت852ه- 1448م).
وفي ما يخص علوم اللغة والمعجمات فتبرز منها قائمة طويلة من المؤلفات يقف في مقدمتها كتاب العين للخليل بن احمد الفراهيدي (170ه- 786م)، ولسان العرب لابن منظور (ت711ه- 1311م)، إذ اعتمد عليها بشكل كبير للتعرف على العديد من الكلمات التي وردت في كتاب نهج البلاغة.
أما شروح نهج البلاغة التي استعملت في الرسالة فهي قسمان، الاول:
شروح النهج من المصادر الاصيلة، وقد برز منها: منهاج البراعة للراوندي (ت573ه- 1178م)، وشرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد (ت656ه- 1258م)، وشرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني (ت679ه- 1281)؛ إذ شكلت هذه المصادر العمود الفقري للرسالة لما فيها من شروح قيمة للخطب والكلمات التي أوردها أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة، فضلاً عن قرب
ص: 16
هؤلاء المؤلفين الزماني والمكاني من الشريف الرضي وما جمعه في نهج البلاغة، مما أعطى شروحهم أعلاه ثقلاً كبيراً اعتمد عليه في إتمام الرسالة، أما القسم الآخر: فتمثل بشروح النهج من المراجع الحديثة، فقد برز في مقدمتها: كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة للتستري، ومنهاج البراعة في شرح نهج البلاغة للخوئي، كذلك نفحات الولاية في شرح نهج البلاغة للشیرازی، إذ کان لهذه الشروح فائدة کبیرة من خلال التعرف على مختلف الشروح والاطلاع على الافكار والآراء المتنوعة لأصحابها في ميدان نهج البلاغة، لذلك نجد في هذه الرسالة الاعتماد على العديد من المراجع وهي كثيرة تقتضيها طبيعة البحث فنجد أن تلك المراجع المتمثلة بالشروح قد أقحمت نفسها في هذه الرسالة عنوةً.
أمّا المشكلات التي واجهت الباحث فلا يخفى على الأكاديمي المنصف ما يعانيه الباحيون من مختلف الضروف التي قد تقف حجر عثرة في الطريق، ولكنها تضمحل وتتلاشى بل وتذوب؛ لأن الأمير علي ابن ابي طالب (عليه السلام) يتربّع على عرش الرسالة.
الباحث غزوان عبد الكاظم
ص: 17
ص: 18
الفصل الأول الغيب في القرآن الكريم والأنبياء الذين اطلعهم الله على الغيب المبحث الأول: الغيب في القرآن الكريم.
المبحث الثاني: الغيب عند الأنبياء (علیه السلام) والصالحين.
المبحث الثالث: الغيب عند النبي محمد (صلی الله علیه و آله).
ص: 19
ص: 20
في بادئ الأمر عند دراستنا لموضوع الغيب في القرآن الكريم لابد من التطرق لموضوع الغيب في اللغة والاصطلاح.
وقال ابن منظور (711ه)(1) : ((الغيب كل ما غاب عنك، وتقول: غاب عنه غيبة وغيباً غياباً وغيوباً ومغيباً، وقيل أيضاً سمعت صوتاً من وراء الغيب، أي من موضع لا أراه، وجمع الغيب هو الغيوب، وجمع الغائب غيب وغيبا))
ص: 21
(1) ، وينقل الخليل(2) وكل شي غيب عنك فهو غيابة، وقال أيضا: وأغابت المرأة فهي مغيبة، إذا غاب زوجها(3) .
وقال أحد شعراء العرب(4) :
أنت نبي تعلم الغيابا لا قائلاً أفكاً ولا مرتابا ويقال أن الغابة سميت بذلك لأنها ذات شجر كثيف وتُغيب ما فيها، والجمع من كل ذلك غابات وغاب(5) .
وكذل يقال غَيابة (بفتح الغين) ومعناها القعر، أي مهبط الأرض وسمي بذلك
ص: 22
لغيبوبته عن أعين الناظرين، وكل شيء غيب عنك فهو غيابة(1) ، قال تعالى: «قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لمَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ»(2) .
وقالت العرب: الغيب ما غاب عن العيون وإن كان محصلاً في القلوب(3) ، وتقول أيضاً: غابت الشمس غيابة أي هبطت(4) ، ويستعمل لفظ الغيب لكل شيء غائب عن الحاسة وعما يغيب عن علم الإنسان بمعنى الغائب(5) .
أ- الغيب في الاصطلاح:
هو ما غاب عن الحواس، وخفي عليها، فما غاب عن حواسنا، وخرج عن دائرتها وحدودها، فهو غيب بالنسبة إلينا(6) ، والغيبيات هي الحوادث التي تقع في المستقبل(7) ، وعلم الغيب هو العلم الذي يلم به إنسان تنقشع من أمام عينيه حجب القرون، وتنطوي المسافات، فيقرأ المستقبل البعيد والحاضر المحجوب مثلما يقرأ
ص: 23
في كتاب مفتوح، ويعي حوادثه كأنها بنت الساعة التي هو فيها(1) .
ب- الغيب في الاصطلاح القرآني:
كلمة الغيب جاءت ضد الشهود والحضور(2) ، سواء كان أمراً مادياً قابلاً للإدراك بالحواس، كحوادث غابر الزمان، والمستقبلیة أم ما لا يمكن إدراكه بالحواس، مثل ذات الله تعالى، وحقيقة البعث والنشور والحساب، ونفخ الصور، والميزان، وملائكة الله، وجنته وناره، والوحي والنبوة إلى آخر ما يجب الإيمان به وتصديقه(3) ، ويدل على ذلك قوله تعالى:
«الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ»(4) .
والإيمان بالغيب في هذه الآية هو التصديق بالغيب(5) .
وردت لفظة الغيب وبعض مشتقاتها في القرآن الكريم أربعاً وخمسين مرة بالمعنى المذكور، وهذه الآيات القرآنية كانت على قسمين، الأول يشير إلى حصر علم الغيب بالله ونفيه عن غيره، والآخر يشير إلى أن الله اطلع أنبياءه
ص: 24
ورسله على علم الغيب(1) ، وهي على النحو الآتي:
القسم الأول:
1- «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَات الْأَرْض وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ»(2) .
2- «قلُ لاَ يعَلْمَ مَنْ في الاسَّماَواَت واَلأرَضْ الغْيَيْب إلَّا اللَّهُ ومَا يَشْعرُوُن أيَّانَ يُبْعَثُونَ»(3) .
3- «ويَقَوُلُون لوَلْا أنُزلِ عَلَيْه آيَة من ربَّه فَقُل إنَّمَا الغَيْب للَّهِ فَانتْظِرِوُا إنَّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ»(4) .
4- «قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْيبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِني مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِع إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ»(5) .
5- «وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِني مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِني إذًا
ص: 25
لَمِنَ الظَّالِمِينَ»(1) .
6- «قلُ لاَ أمَلْكِ لنِفَسِيِ نَفْعًا ولَا ضَرًّإ إلَّاِ مَا شَاء اللَّه ولَوْ كنُتُ أعَلْمُ الغْيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ الاسُّواءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»(2) .
7- «قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ»(3) .
8- «يَوْمَ يجَمْعُ اللَّه الرُّسُل فَيَقُول مَاذاَ أجُبِتمُ قالوُا لَا عِلْم لنَا إنَّك أنَتَ علَّامُ الْغُيُوبِ»(4) .
إن هذه الآيات التي خ مر ذكرها تشير إلى حصر علم الغيب في الله تعالى، حیث إن قوله تعالی: «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْب» يفيد الحصر، أي عنده لا عند: غيره(5) ، وهذا القول مسوغ لبيان انحصار العلم بالغيب فيه سبحانه وتعالى، إما لأن خزائن الغيب لا يعلمها إلا الله، وإما لأن مفاتيحه لا يعلمها غيره تعالى، فلا سبيل لغيره إلى تلك الخزائن، إذ لا علم لأحد بمفاتيحها التي يتوصل بها إلى
ص: 26
فتحها والتصرف فيها(1) .
القسم الآخر:
1- «ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَيدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ»(2) .
2- «تلِكْ منِ أنْبَاء الغْيْب نوُحيِهَا إلِيْك مَا كنُتَ تعَلْمَهُا أنْتَ ولَا قَوْمُك مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ»(3) .
3- «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَاِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شيْءٍ عَدَدًا»(4) .
4- مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ»(5) .
ص: 27
حكاية عن يوسف (عليه السلام) بقوله تعالى:
«قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي ربَيِّ إنِي ترَكَتُ ملَّة قَومْ لَا يؤُمِنُون باِللَّه وَهُمْ باِلآخَرِةَ هُمْ كَافِرُونَ»(1) .
6- حكاية عن النبي عيسى (عليه السلام) بقوله تعالى:
«وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَني قَدْ جِنْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَني أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطينِ كَهَيْئةِ الطَّيْرِفَيکُونُ فِیهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِاِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِیُّ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى باِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئكُمْ بِمَا تَاْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ»(2) .
في هذا القسم من الآيات القرآنية أدلة واضحة على أن الله يُطلع بعض عباده على الغيب، مع الإشارة إلى أن علم الغيب منصب جليل تتقاصر عنه الهمم، ولا يؤتيه الله إلا لمن اصطفاه من عباده، والله لا يطلع الناس عامة على الغيب؛ إذ لو فعل ذلك لأخرج الإنسان من طبيعته, فأنه تعالى خلقه يحصل رغائبه ويدفع المكاره عنه بالعمل الكسبي الذي تهدي إليه الفطرة وترشد إليه النبوة ولكن يختار من رسله من يشاء فيطلعه على بعض الغيب(3) ، والاطلاع
ص: 28
على الغيب يكون من خلال العلم الاستدلالي بعدما يهيئ الله العلامات والأدلة، وأن الاطلاع على الغيب يمنحه الله لم يشاء من رسله وعباده الصالحين(1) ، وقد أستأثر الله بعلم الغيب دون خلقه، ثم استثنى من ارتضاه من الرسل، فأودعهم ما شاء من غيبه بطريقة الوحي إليه، وجعله معجزة لهم ودلالة صادقة على نبوتهم(2) .
ينقسم الغيب على نوعين هما:
أ- الغيب المطلق:
وهو الغيب الخاص بالله تعالى فلا يشاركه فيه غيره ويكون خاص بالذات الإلهية على وجه الأصال والذاتية والإطلاق والإرسال، وهنا يستحيل الاطلاع على الغيب بالحواس ويمتنع إدراكه بالأدوات المادية، مثل ذات الله وصفاته وغيرها(3) ، وعلى هذا النوع تبينه الآيات القرآنية الآتية:
قال تعالى:
«قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فيِ السَّماَواَت واَلْأَرْضِ الْغَيْب إلِّا اللَّه ومَاَ يشَعرُوُن أيَّان يُبْعثَوُن»(4) .
ص: 29
وقوله تعالى:
«وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ(1) » وقوله عز وجل:
«وَيَقُولُون لَوْلَا أُنْزِل عَلَيْه آَيَةٌ مِنْ رَبِّه فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْب لِلَّه فَانْتَظِرُوا إِنَّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ»(2) .
ب- الغيب النسبي:
وهو الغيب الذي يتفاوت فيه إمكان الاطلاع عليه على وفق الظروف والأفراد والأزمان، فقد يكون غيباً من جمة إنسان ولا يكون كذلك لأناس آخرين، وعلم الغيب هنا يكون تبعياً، بأذن الله وتعليمه، وهذا العلم لا يكون إلا عرضياً واكتسابياً ومقيداً ومحدوداً، ويطلع عليه الأنبياء والأئمة ومن شاء الله عز وجل تعليمهم به(3) ، ويستدل عليه من القرآن الكريم بآيات عدة منها قوله تعالى:
«ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَيدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ»(4) .
ص: 30
وقوله تعالى:
«عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَانُهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا»(1) .
وكذل قوله عز وجل:
«مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَان اللَّه لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْب وَلَكِنَّ اللَّه يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ»(2) .
يقسم الغيب في القرآن الكريم على ثلاث أقسام أساسية، هي:
القسم الأول:
الخبر عن الله سبحانه وأسمائه وصفاته، والخبر عن الروحانيات، وملائكته وتدبيره العوالم الأرضية، والسماوية، وشؤون الأحياء بعد الموت في البرزخ وحالة الأرواح قبل المعاد وبعده، والقرآن يموج بهذه المعاني الغيبية المطلقة التي لا يتعرف عليها الحس، ولا تقع في أفقه في هذا الظرف(3) .
القسم الثاني:
الإخبار عن أمم قد خلت من قبل، وطويت حياتها، فأصبحوا مما لا يرى
ص: 31
حتى مساكنهم ومواطنهم، من غير أن يرجع إلى كتب السير، والتاري، والكهنة، والربانيين، وتمثيل ذلك: الأخبار عن قصة آدم ونوح، وموسى ومريم (عليهم السلام) وغيرها الكثير من أخبار الأنبياء السابقة، كذلك الأخبار عن شؤون البشر في المستقبل(1) ، مثل أخبار القرآن عن ابي لهب وامرأته يموتان كافرين، في قوله تعالى:
«تَبَّتْ يَدَا أَبيِ لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ»(2) .
وكذلك تلحق بهذا الصنف الأمور التي اختص بها الله تعالى، كوقت الساعة، والمستور في ظلمات الأرحام، قوله تعالى:
«إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ الاَّسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»(3) .
القسم الثالث:
الإخبار عن بعض الموجودات أو النواميس السائدة في الكنون، وقند كان غيباً عند نزول الوحي وعن إدراك الحواس المجردة، وعن الأدوات المخترعة في هذا الزمان، كأخبار عن زوجية الأشياء عامة، بقوله تعالى:
ص: 32
«وَمِنْ كُل شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»(1) .
وكذلك الإخبار عن وجود دابة في السماوات بقوله تعالى:
«وَمِنْ آَيَاتِه خَلْق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ»(2) .
وغيرها الكثير من الحقائق العلمية الموجودة في الكون التي حملها القرآن الكريم في آياته(3) .
حمل القرآن الكريم في سوره المباركة العديد من الأخبار الغيبية التي سنحاول إلقام الضوء على بعضها، كونها كثيرة وتحتاج إلى بحوث منفردة لإيفاء حقها، والأخبار الغيبية التي خ ستناولها هي:
1- تنبؤ القرآن بعجز البشر عن معارضته بمثله:
لقد تحدى القرآن الكريم في مواضع عِدّة من آيات سورة تحدياً يثير روح المنافسة على أشدها في نفوس من یتحداهم(4) ، وتحققت نبوءة القرآن و ما تزال متحققة؛ إذ انقرضت طبقة المخاطبين، ومضت أجيال من عرب وأعاجم، وكلهم اعترفوا بالعجز عن المعارضة مع كثيرة من تتطاول أعناقهم لهدم بناء
ص: 33
الدين، وإبطال معجزة الإسلام الخالدة(1) .
وقد جام هذا التحدي في موارد عديدة في القرآن، منها قوله تعالى:
«وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَاِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ»(2) .
لقد أخبر القرآن الكريم في بداية أمر النبي بمكة عن عجز البشر عن مباراة القرآن ومعارضته إلى يوم القيامة، وإن الناس لا يسعهم الإتيان بمثل هذا، مهما تظاهروا وتناصروا، حتى اليوم تنقضي على هذا التحدي والتنبؤ قرون وهو صادق في وعده وعهده وسيبقى قائماً ما دام القرآن(3) ، ويستمر عجز البشر عن مجابهة هذا التحدي مستقبلاً أيضاً، فقوله تعالى «وَلَنْ تَفْعَلُوا» معناه تحدِ مستقبلي ابدي، ومعنی (لن) في الآية السابقة من قوله تعالى يشير إلى صحة نبوة الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه واله وسلم)، لأنه يتضمن الأخبار عن حالهم في مستقبل الأوقات بأنهم لا يأتون بمثله، فوافق المخبر عن الخبر(4) .
ص: 34
ومن الأخبار الغيبية عن عدم الإتيان بمثل القرآن قوله تعالى:
«قُلْ لَئَنِ اجْتَمَعَتِ الْاِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا»(1) .
وهنا تحدٍ واضح للإنس والجن على الإتيان بمثل هذا القرآن، وقد بلغ القرآن من تحديه أن طلب الإتيان بسورة واحدة من سوره(2) ، قال تعالى:
«أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ»(3) .
يُرى من خلال الآيات التي ذكرت آنفاً التنبؤ الواثق بعجز الإنس والجن عن معارضة القرآن؛ لكن في المستقبل مثلما يقال (غيب) لا يملكه النبي ولا الوحي ولا أي شخص سواه، غير أن النبي صار صادقاً في تنبؤه هذا، وما يزال صادقاً في الحال، فعلى أي مصدر اعتمد هو في هذا التحدي الطويل العريض، غير الإيحاء إليه الذي ما زال يصدر عنه في أخباره وتشريعه.
2- التنبؤ بانتصار الرومان على الفرس:
قال تعالى:
«غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ
ص: 35
الأْمَرْ منِ قبَلْ ومَنِ بعَدْ ويَوَمْئِذٍ يَفْرحُ المْؤُمِنُون بِنَصْر اللَّه يَنْصُرُ مَنْ يَشَاء وهَوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ»(1) .
لقد حدث ما أخبر به القرآن الكريم بأقل من عشر سنين، فغلب الروم ودخل جيشهم بلاد فارس، وقد اتفق عدة المفسرون على هذا الخبر(2) ، ومن المعلوم هنا أن دول الرومان هي مسيحية كانت قد انهزمت أمام دولة الفرس وهي وثنية، وقد فرح المشركون بنتائج هذه المعركة وقالوا للمسلمين بشماته: ان الروم يشهدون أنهم أهل كتاب، وقد غلبهم المجوس، وانتم تزعمون إنكم ستغلبوننا بالكتاب الذي انزل عليكم فسنغلبكم مثلما غلبت الفرس الروم، فنزلت الآية الكريمة يبشر بها الله المسلمين أن هزيمة الروم هذه سيعقبها انتصار للمسلمين في بضع سنين(3) ، ولم يكن معلوم وقت تحقق هذه البشارة، أن الروم سوف تنتصر على الفرس في مثل هذه المدة الوجيزة (9سنوات) إذ كانت المقدمات والأسباب تأبى ذلك عليها، لأن الحروب الطاحنة أنهكتها حتى
ص: 36
غُزيت في عقر دارها؛ لأن دولة الفرس كانت (في أدنى الأرض) قوية منيعة وزادها الظفر الموافق للسنة الثانية للهجرة(1) ، أن الآية الثانية حملت نبؤة أخرى وهي البشارة بأن المسلمين سيفرحون بنصر عزيز في الوقت الذي ينصر فيه الروم، وقد صَدق الله وعده في هذه مثلما صدقه في تلك، وكان ظفر المسلمين في غزوة بدر واضحاً في الظرف الذي ظفر الرومان فيه، وهكذا تحققت النبؤتان في وقت واحد مع تقطع الأسباب في النصرين.
3- الاخبار عن صيانة النبي (صلی الله علیه و آله) عن أذى الناس: قال تعالى:
«يَا أَيُّهَا الرَّسُول بَلغْ مَا أُنْزِل إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ»(2) .
ينقل الأميني(3) في كتاب الغدير أن هذه الآية نزلت في يوم الغدير حينما أمر الرسول أن ينصب علياً (عليه السلام) إماماً للناس، فكان النبي على حذر
ص: 37
من الناس في تنصيب علي للخلافة، فأخبره الله بأنه سيعصمه من أذى الناس وشرهم(1) ، وهناك رأي آخر ذهب الى القول أن هذه الآية نزلت في المشركين وأعداء الإسلام الذي كانوا يضمرون العداء للرسول ويحاولون قتله، وفي هذه الآية خبر غيبي، إذ لم يتمكن أحد من أعداء الإسلام من أذية رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) مع كثرة عددهم وعدتهم، فمن الذي يملك هذا الوعد إلا الله الذي يَغلب ولا يُغلب(2) .
4- الاخبار عن القضاء على العدو قبل المعركة:
قال تعالى:
«وإَذِ يعَدكُمُ اللَّه إِحْدیَ الطَّائفِتَيَنْ أنَّها لَكُم وتَوَدَوُّن أنَ غَيْر ذاَت الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِق الْحَق بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِق الْحَق وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَني مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِين (9) وَمَا جَعَلَه اللَّهُ إِلَّا بُشْرَي وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّه إِنَّ اللَّه عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ.
ص: 38
وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَني مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنَوُا سأَلُقْيِ فيِ قلُوُب الَّذيِن كَفَروُا الرَّعْب فاَضْرِبِوُا فَوْق الأْعَنْاقِ واَضْربِوُا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ»(1) .
نزلت هذه الآيات في معركة بدر(2) ، وقد وعد الله فيها المؤمنين بالنصر على عدوهم، وقطع دابرهم، على الرغم من قلة عددهم وعدتهم، وعلى العكس كان المشركون هم الكثيرون الشديدون في القوة، وقد وصفتهم الآية أنّهم ذوو شوك، وأن المؤمنين أشفقوا من قتالهم، لكن الله يريد أن يحق الحق بكلماته، وقد وفى الله بوعده، فنصرهم على أعدائهم وقطع دابر الكافرين(3) .
5- الاخبار عن صيانة القرآن عن التحريف:
جاء في القرآن أنه سيبقى مصوناً عن التحريف بكل معانيه، فمع أن القرآن والتاري يقصان علينا تحريف الكثير من الكتب السماوية، جاء القرآن يخبر بوضوح أن الأيدي الجائرة لا تتمكن من التلاعب به، إذ قا تعالى:
«إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»(4) .
ص: 39
ومعنى الذكر هنا (القرآن الكريم) وليس مثلما يدعي البعض أنَّ (الذكر) هو الرسول(1) ، بدليل قوله تعالى:
«وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ»(2) .
وتمر الأيام والسنون وتبقى معجزة الله خالدة مصنونة من أي زيادة أو نقصان أو تحريف، على الرغم من عدم التدوين في وقت نزول القرآن؛ إذ كان الناس يقرؤون القرآن في بادئ الامر عن طريق المشافهة إلى أن دوّنَ في ما بعد.
6- الأخبار عن نجاح الإسلام والرسول:
قال تعالى:
«يرُيِدوُن أنَ يطُفْئُوا نُور اللَّه بأفَوْاَههِمِ ويَأبْىَ اللَّه إلّا أَنْ يُتمِ نُورهَ ولَوْ كَرِهِ الْكَافِرُونَ»(3) .
لقد اختلف في تفسير هذه الآية فقيل أنّها لا تشير إلى أنّ الإسلام هو الدين الوحيد الذي يصلح أن يكون عالمياً، ويظهر على الدين كله، وذلك لا يحصل إلا بظهور الإمام المهدي (عجل الله فرجه)، وما يتلوه من نزول عيسى بن مريم (عليه السلام) في آخر الزمان، بينما فسرها غيره بالقول أن الله يظهر دين
ص: 40
الإسلام على جميع الأديان بالحدة والغلبة والقهر لها حتى لا يبقى على وجه الأرض دين إلا مغلوباً، ولا يغلب أحد الإسلام بالحجة، وأهل الإسلام يغلبون أهل كل الأديان بالحجة(1) ، وعلى الرغم من اختلاف المفسرين في تفسير هذه الآية، إلا أن الحقيقة الواضحة هي أنها حملت معجزة غيبية واضحة أخبر بها القرآن الكريم قد تكون تحققت بالكامل أو قد يكون تحقق جزم وبقي الجزء الآخر.
****
ص: 41
1- النبي آدم (عليه السلام) قال تعالی: «وعَلَّم آدَمَ الأْسْماَء كلَّهَا ثُم عَرَضَهمُ عَلَى المْلَاَئِكَة فَقَال أَنْبِئونِي بِأَسْمَاء هَؤُلَاء إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَك لَا عِلْم لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْيمَائِهِمْ قَال أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِني أَعْلَمُ غَيْبَ الاَّسمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ»(1) .
من خلال الآيات الثلاث في أعلاه تبرز لنا حقيقة واضحة هي أن الله تعالى علم النبي آدم (عليه السلام) جملة من الحقائق كان يغيب علمها عن الملائكة، وقد أخبر آدم (عليه السلام) الملائكة عن هذه الحقائق التي عبر عنها القرآن
ص: 42
بالأسماء(1) ، وليس المراد من الأسماء في الآية أسماء الأشياء فقط، فإن معرفة الأسماء لا تعد فضيل لآدم (عليه السلام)، بل المقصود منها مسمياتها، أي حقائق الأشياء، وعلى هذا علمه سبحانه أسرار الخليقة(2) ، فاطلع على خواص الأشياء وآثارها فصارت نتيجة تعليم الأسماء لآدم (عليه السلام) هو نصب الحقائق الكونية بين يديه(3) ، والإتيان بضمير الجمع المذكر العاقل في قوله تعالى: «ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ» وإخباره عن واقع الحياة من غير الإتيان بضمير المفرد المؤنث، يدل على ما قلناه فلو كان الهدف تعليم نفس الأسماء لآدم (عليه السلام) فقط لكان ضمير المفرد المؤنث جديراً بالمقام(4) .
لقد دلت هذه الآيات الكريم على وجود علم الغيب الفعلي عند النبي آدم (عليه السلام) وذلك لأن الاطلاع على الغيب والإخبار عن شؤون البشر في المستقبل، والإيحاء إلى الملاحم والفتن ليس بأعلى من الوقوف على حقائق المسميات التي لم تكن الملائكة تعرفها، حتى أنبأهم واطلعهم عليها نبي الله آدم (عليه السلام).
2- النبي نوح (عليه السلام):
قال تعالی: «وَقَالَ نُوح رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْاَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ
ص: 43
إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا»(1) .
لقد تحمل شيخ الأنبياء (عليه السلام) في سبيل دعوته المحن والكوارث، وجاب ضوضاء الشرك بالحكمة والموعظة الحسنة حتى يئس من إيمانهم، فدعى ربه بإهلاكهم وإبادتهم، مخبراً عن مصير قومه ومن يرثهم وذلك كما تقدم في الآية، وبلا شك هذا إخبار عن عواقب أمورهم واخلافهم، وأنه لن يؤمن أحد منهم ولا من أبنائهم(2) ، وهنا يتبين أن سيدنا نوح (عليه السلام) بعد أن قضى ردحاً مديداً من الزمن مع قومه، رأى أن البیئة الاجتماعية أصبحت منحرفة إلى درجة لا تسمح مطلقاً بمقتضى علمه أن يوجد فيها فرداً صالحاً(3) ، أو أنه اطلع على ما آل أمر قومه من خلال قوله تعالى:
«وَأُوحِيَ إِلَى نُوح أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ»(4) .
وهنا تتضح حقيقة مهمة مفادها إطلاع نبي لله نوح (عليه السلام) على مصير قومه ومصير خلفهم من أبنائهم وأحفادهم، وهذا دليل قاطع على أن الله سبحانه وتعالى كان يطلع نبيه على بعض من أخبار الغيب، التي عرف من خلالها مصير قومه وما سيحل بهم مستقبلاً.
ص: 44
3- النبي ابراهيم (عليه السلام):
قال تعالى:
«وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ الاَّسمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ»(1) .
يصف القرآن الكريم إبراهيم (عليه السلام) بصفات كثيرة ومن خلال قوله تعالى يظهر لنا أن الله اطلع نبيه إبراهيم (عليه السلام) على ملكوت السموات والأرض، أي أعطى بصره من القوة ما يعدو السموات والأرض(2) ، فرأى ما فيها، ورأى العرش وما فوقه، ورأى الأرض وما تحتها(3) ، والمراد من اطلاع نبي الله إبراهيم (عليه السلام) على ملكوت السموات والأرض هو توجيه نفسه الشريف إلى مشاهدة الأشيام من جهة استناد وجودها إليه لا يقبل الشرك؛ إذ عاد إبراهيم (عليه السلام) بعد ذلك فحكم أنه ليس في الوجود رب غير الله سبحانه وتعالى يتولى تدبير النظام وإدارة الأمور حتى صار من الموقنين(4) .
ومن خلال ما تقدم يتضح لنا إن اطلاع النبي (عليه السلام) على ملكوت السموات والأرض لا يقل عن معرفة علم الغيب بما هو خارج عن إطار
ص: 45
الحس لو لم يكن أشرف منه(1) .
4- النبي لوط (عليه السلام):
قال تعالی: «قَالُوا يَا لُوط إِنَّا رُسُل رَبكِّ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْح أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ»(2) .
تظهر الآية الكريمة أن الله تعالى اطلع النبي لوط (عليه السلام) على مصير قومه وهلاكهم في وقت الصبح، عن طريق رسله(3) ، وقد أخبر هذا النبي الكريم بطانته الصالحين أنَّ قومه سيهلكون في الصبح وأن موعدهم هو ذاك الوقت، وقوله تعالى:
«وَقَضيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ»(4) .
وقوله تعالى:
«وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ»(5) .
وقوله تعالى:
«فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ»(6) .
ص: 46
وقد اتفقت الآيات على أن العذاب عمهم صباحاً، عند بزوغ الشمس، فمعنى قوله (مُصْبِحِینَ) أي كونهم داخلين في الصبح(1) ، ومعنى ذلك قوله (مُشرِقين) أي حال كونهم داخلين في وقت الشروق(2) .
ومن خلال إخبار النبي لوط (عليه السلام) عن مصير قومه ومن سيحل بهم عند الصباح يتضح اطلاعه على الغيب من قبل الله تعالى، وإن كان علمه هذا محدوداً ومتناهياً، مكتسباً غير ذاتي.
5- النبي يعقوب (عليه السلام):
قال تعالى:
«إذِ قاَل يوُسفُ لأِبَيه يَا أبَتِ إنِي رأَيْتُ أحَدَ عَشَرَ كوَكَبًا واَلشَّمْسَ واَلقْمَر رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْانُسَانِ عَدُوٌّمُبِينٌ (5) وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَيا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاق إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ»(3) .
تدل الآيات على أن يعقوب (عليه السلام) فسر رؤيا ولده يوسنف (عليه السلام)، مخبراً عن حقيقة مستورة من خلال تلك الرؤيا، وكانت تلك الحقيقة
ص: 47
وصو ولده يوسف (عليه السلام) إلى المقام الشامخ في الدنيا والاطلاع على الواقع من خلال الرؤيا وهو لون من الاطلاع على الغيب، خص الله بعض عباده بهذا الفضل(1) ، ويتضح اطلاع النبي يعقوب (عليه السلام) على بعض الغيب لما طلب أخوة يوسف (عليه السلام) من أبيهم (عليه السلام) أن يرسل يوسف حتى يلعب معهم، قال تعالى:
«قَالَ إِنَّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ»(2) .
ومن خلال إجابة النبي يعقوب (عليه السلام) يظهر تنبؤه بفكرتهم الشيطانية بحق يوسف (عليه السلام)، ثم أن يعقوب (عليه السلام) لما سمع قولهم بحق أخيهم عاد ليكذبهم كما فخ قوله تعالى:
«بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ»(3) ويظهر هنا أنَّ يعقوب (عليه السلام) كان يعلم أنَّ يوسف (عليه السلام) حي يرزق ولم يأكله الذئب، وهنا تتجلى حقيقة واضح هي إخبار عن أمر غيبي غير محسوس.
لم يقف إخبار النبي يعقوب (عليه السلام) عند هذا الحد، فمن خلال
ص: 48
قوله تعالى:
«وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ»(1) .
وهذه مكانة رفيعة خص الله بها نبيه لما أخبر الأخوة أباهم أنَّ ابنه (أخنا يوسف) سرق، فكذب خبرهم بأنه:
«بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا»(2) .
ولما اعترض أولاده على بكائه بقولهم:
«قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ»(3) .
أجابهم بقوله:
«قاَل إنَّمَا أشْكوُبَثَّي وحَزُنْي إلِىى اللَّه وأَعَلْم من اللَّه مَا لَا تَعْلَمُون* يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُف وَأَخِيه وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْح اللَّه إِنَّه لَا يَيْئَسَ مِنْ رَوْح اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ»(4) .
من خلال استعراض الأخبار الغيبية التي اخبر بها النبي يعقوب (عليه
ص: 49
السلام) لا يمكن لأحد أن ينفي علمه بالغيب (عن طريق الله)، فضلاً عن ذلك، قوله تعالى:
«عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ»(1) .
وهو في هذه الآية يخبر عن يوسف (عليه السلام) وأخيه وأنهما سوف يأتي الله بهما(2) ، وهكذا قوله تعالى:
«اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ* وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِني لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ»(3) .
هنا تظهر حقيقة جلية هي أنّ النبي يعقوب (عليه السلام) لو لم يكن عالماً بمصير يوسف (عليه السلام)، ولم يعلم ما وصل إليه ولده من جلال وعظمة، ولم يكن مطلعاً على تصرف الأخوة على أخيهم ورجوعهم بخبره السار كيف يقول:
«إِني لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ»(4) .
وهنا تتجلى عظمة الغيب عن النبي يعقوب عليه السلام أليس هذا علماً بالغيب وهبه الله لنبيه المبتلى يعقوب (عليه السلام)؟.
ص: 50
6- النبي يوسف (عليه السلام):
قال تعالى:
«رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ الاَّسمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ»(1) .
في هذه الآية الكريمة دلالة واضحة على أن الله تعالى قد علم نبيه يوسنف (عليه السلام) تفسير الرؤيا وتأويلها، وذل قسم من علم الغيب.
وقوله تعالى:
«وَدَخَلَ مَعَهُ الاِّسَّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أحَدَهُمُاَ إِنَّي أرَاَني أَعْصِرُ خَمْراً وقَال الآخَرَإِنَّي أرَاَنِي أحْمِل فَوق رأْسِي خُبْزاً تأَكُلُ الطَّيْر مِنْه نَبَّنْنَا بتِأَوْيِليِه إنَّا نَراَك من الْمُحْسنِينَ.... يَا صَاحِبَيِ السَّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآَخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ»(2) .
وتحقق الأمر الذي أخبر عنه النبي يوسف (عليه السلام) فنجا أحدهما، وقد أصبح ساقي البلاط بينما أعدم الآخر(3) ، ومن الوضوح بمكان أن هذا اللون من التفسير للرؤيا هو قسم من الغيب الذي نطق به يوسف (عليه السلام)(4) .
ص: 51
قال تعالى:
«وقَالَ المَلِك إنِي أرَی سَبْعَ بقَراَتٍ سِماَنٍ يَأكْلُهُنُ سَبْعٌ عِجِاف وسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43) قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44) وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَر بَعْد أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّكُمْ بِتَأْوِيلِه فَأَرْسِلُون (45) يُوسُف أَيُّهَا الصِّدِّيق أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنين دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ»(1) .
وفي تفسير هذه الرؤيا يخبر يوسف (عليه السلام) عن ثلاثة أمور غيبة هي أنهم ينعمون بسبع سنوات مليئة بالبركات والخيرات ويتحسن وضعهم الزراعي، ثم يصابون بعدها بسبع سنوات جدب؛ إذ تغلق عنهم أبواب الرحمة، وفي السنة الخامسة عشرة من هذه السنين تعود إليهم النعم والخيرات من جديد، وتفتح عليهم أبواب الرحمة(2) .
ص: 52
7- النبي صالح (عليه السلام):
قال تعالی: «ويَا قَوْمِ هَذهِ ناَقَة اللَّه لَكُمْ آيَة فَذرَوُهاَ تأَكُلْ في أرَضْ اللَّه وَلَا: تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ َثلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ»(1) .
لقد أخبر النبي صالح (عليه السلام) بمصير قومه إذا مسوا الناقة بسوء، تلك الناقة التي كانت تمثل معجزته؛ إذ دعاهم إلى الله، وإلى التصديق بنبوته، وقد تحقق ما أخبر به هذا النبي عن مصير قومه بعد أن عقروا الناقة فيأتيهم البلا بعد ثلاثة أيام كما قال تعالى:
«وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ»(2) .
وهنا تتجلى المعجزة الربانية، ونبوءة النبي صالح (عليه السلام) بعد نزول العذاب على قومه(3) .
8- النبي سليمان (عليه السلام):
قال تعالى:
«وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُل
ص: 53
شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ»(1) .
تشير الآي الكريمة إلى معرفة سليمان (عليه السلام) منطق الطير وهو قسم من علم الغيب(2) ، وقال تعالى:
«حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَيةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَان وَجُنُودُه وَهُمْ لَا يَشْعُرُون (18) فَتَبَسَّم ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ»(3) .
ألا يعد اطلاع النبي سليمان (عليه السلام) على لسان النمل من علم الغيب؟ ثم ألا يكون هذا خرقاً للعادة البشرية، وقوله تعالى:
«وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَی الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْلَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِاُلْسطَانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئتُكَ مِنْ سَبَا بِنَبَاٍ يَقِينٍ»(4) .
وهنا تبرز حقيقتان واضحتان لا يحجبها غربال، الأولى، الاطلاع على لسان الطير (الهدهد)، والآخرى أن الهدهد قد جاء بأنباء غيبية لنبي الله
ص: 54
سيلمان (عليه السلام) عن مدينة سبأ وملكتها(1) .
9- النبي عيسى المسيح (عليه السلام):
قال تعالى:
«وَأُنَبِّكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ»(2) .
من معجزات نبي الله المسيح (عليه السلام) أنه كان يخبر قومه (بإذن الله) بأسرارهم، وما كانوا يدخرون في الصيف لشتائهم بمقداره ولونه وحقيقة(3) ، قال تعالى:
«يَا بَني إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُول اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِن التوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُول يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحمَدُ»(4) .
وفي هذه الآية الكريمة خبر غيبي مهم بشر به النبي عيسى (عليه السلام) وهو قدوم النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم)، وحدث ذلك بعد ستمائة عام بعد النبي عيسى (عليه السلام)(5) .
والجدير بالذكر هنا أن الأخبار الغيبية التي أخبر بها نبي الله عيسى (عليه السلام) عن نبينا الأكرم محمد (صلى الله عليه واله وسلم) لم تقتصر على
ص: 55
مجرد ذكر اسمه، والتبشير بنبوته من بعده، بل شملت ذكر أسمائه وصفاته وما يحل به وبأمته وغلبة دينه على جميع الأديان(1) ، وأن هذه البشارات وتحقق مضمونها تعد دليلاً على اطلاع النبي عيسى (عليه السلام) على بعض أنباء الغيب بأذنه تعالى(2) .
1- السيدة سارة زوجة النبي إبراهيم (عليهما السلام):
قال تعالى:
«وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَی قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأَی أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِاِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاق يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِين مِنْ أَمْر اللَّه رَحْمَة اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»(3) .
تشير الآيات القرآنية إلى أن الله تعالى أخبر السيدة سارة أنّه سيرزقها بغلام هو إسحاق (عليه السلام)، فكانت البشارة والمعجزة الإلهية في الوقت نفسه،
ص: 56
كونها رزقت بولدها، وهي عجوز عمرها يقارب الستعين عاماً، وهنا يتضح الخبر الغيبي الذي أوحاه الله إلى السيدة سارة زوجة نبي الله إبراهيم (عليه السلام) وتتحقق المعجزة بولادة النبي إسحاق (عليه السلام) ابن النبي إبراهيم (عليه السلام) من زوجته سارة(1) .
2- العبد الصالح الخضر (عليه السلام):
قال تعالى:
«فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا* قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلمَنِ مِمَّا عُلمْتَ رُشدًا»(2) .
أشار القرآن الكريم إلى العبد الصالح الخضر (عليه السلام) الذي أتاه الله رحمة وعلماً من عنده، وقد أحاط بما لم يحط به موسى (عليه السلام) فخرق السفينة، علماً منه أن وراء السفينة ملكاً يأخذ كل سفينة غصباً، فخرقها حتى لا يُرغب فيها(3) ، وقتل غلاماً كان أبواه مؤمنين فخشي ان يرهقهما طغياناً وكفراً وكذلك أقام جداراً يريد أن ينقض لعلمه بأن تحته كنزاً لفلاحين يتیمين، وكان أبوهما صالحاً، فاراد ستره وصيانته عن أعين الناس حتى يبلغنا أشدهما ويستخرجا كنزهما، ثم اسند علمه وعمله هذا إلى الله تعالى، فدل هذا على أن
ص: 57
الله تعالى هو الذي أخبره عن هذه الأسرار الغيبية(1) .
3- ام النبي موسى (عليها السلام):
قال تعالى:
«وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَاِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ»(2) .
من الآية المباركة يظهر أن أم النبي موسى عليها السلام عرفت بالغيب مستقبل ولدها، وأن الله تعالى سيحفظه إلى أن يعيده إليها سالماً، وهذا ما تحقق فعلاً؛ إذ ذكر الطبري أن ولدها عاد وأصبحت مرضعته وأصبح ولدها شأناً عظيماً في المستقبل؛ إذ جعله الله نبيه، وحقق ما وعد به أم موسى (عليه السلام)(3) .
4- مريم العذراء (عليها السلام):
قال تعالى:
«إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِیهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ»(4) .
ص: 58
إنّ ولادة عيسى بن مريم (عليه السلام) كانت غير عادية؛ إذ حملت به مريم (عليها السلام) وهي عذراء لم يمسّها بشر، وهذا الشكل من الولادة، وإن كان على خلاف المألوف من الأسباب، إلا أنه ليس أمراً محالاً، لأن قدرة الله تعالى مطلقة لا يحدها شي، وسلطانه نافذ لا يحو دونه شي(1) ، وقد ظهر هذا الاقتدار والسلطان جلياً من قبل في خلق آدم من تراب من دون أن يكون له أب وأم، قال تعالى:
«إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ»(2) .
وقد ظهر سلطانه في ولادة يحيى (عليه السلام)، إذ ولد من أب هَرِم، وأم عاقر(3) .
ومن لا يؤمن بهذه الأمور الخارقة للعادة، ويذهب إلى تفسير الأمور بالقوانين الطبيعية فقط، فهو من الجاهلين بمشيئة الله المطلقة، وسلطانه الواسع، قال تعالى:
«وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَق قَدْرِهِ»(4) .
ص: 59
وعلى ضوء ذلك لا محيص لمن يؤمن بالغيب عن قبول هذه المعجزات من غير تردد، والغيب هنا هو اطلاع مريم أنها سترزق ولداً؛ على الرغم من عدم تزوجها ثم علمها باسمه وخصائص شخصيته وهنا يمكننا ان نجزم من خلال النظرة الموضوعية في هذه الأدل الكافية من القرآن الكريم التي لا تدع مجالاً للشك والتردد في هذه المسالة والحقيقة التي نصل إليها بعد كل هذا: هو أنه لا يمكن لمن آمن بالقرآن أن ينفي علم الغيب عن البشر، لأن القرآن أثبت- كما رأينا- هذا العلم للأنبياء ولغيرهم من بعض الصالحين.
****
ص: 60
قال تعالی: «وَاِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إلَی بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حدیثًا فَلَمَّا نَبَّاتْ بهِ وأَظْهَرَهُ اللَّه علَيْهِ عَرَّفَ بعَضَهُ وأَعْرَضَ عَنْ بعْضٍ فلَمَّا نبَّأهَاَ بهِ قاَلَتْ مَنْ أنْبَأَكَ هذَاَ قاَل نبَّأنَيِ الْعلَيِم الْخبَيِر»(1) .
وقد روي أن رسول الله أسَر إلى زوجته حفصة حديثاً، أمرها بإخفائه، لكن حفصة أخبرت غيرها به، فأفشت السر وأطلع الله نبيه على ما جرى من إفشاء السر، فعرّف رسول الله حفصة ببعض ما ذكرت، وأفشت، وأعرض عن بعض ما ذكرت فلم يخبر بكل ما أخبرت به، فسألته كيف اطلع علی إخبارها وإفشائها سره فقال: نبأني العليم الخبير بسرائر الصدور، وهذه دلالة كبيرة على أن الله قد اطلع رسوله على الغيب عن طريق القرآن الكريم(2) .
ص: 61
لقد أجرى الله عز وجل على يد نبيه محمد معجزات باهرات وآيات مبصرات، إذ نظر إليها مريد الحق دلته على أَنها شهادة صادقة من الله تعالى لرسوله، أعظمها هي القرآن الكريم، والسنة النبوية حافلة، كذلك بوجوه متعددة من الإعجاز، فكيف لا وهي والقرآن من معين واحد وهو الوحي الصادق، ومن جوانب الإعجاز في السنتة النبوية تلك الأخبار الغيبية التي أخبر بها رسول الله، إذ إنه أخبر ما لا يعرفه احد من البشر، ولا يمكن إدراكه من العقل البشري، وسنحاول التطرق في هذا البحث إلى ذكر بعض الأخبار الغيبية التي أخبر بها رسول الله للدلال على الإعجاز الغيبي عند الرسول؛ لأن المقام لا يتسع لذكر كل هذه الأخبار لأنها كثيرة جداً قد تصل إلى مئات الأخبار الغيبية التي أخبر عنها رسول الله(1) .
والمعروف أن عمار بن ياسر هو ابن سمية، وحينما كان يشارك في حفر الخندق، إذ إن المسلمين كان يحمل كل واحد منهم لبنة، بينما عمار يحمل لبنتین، ويقول: لبنة عني ولبنة عن رسول الله(1) .
وفي رواية أخرى قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم):
«عمار مع الحق والحق مع عمار، إذ كان عمار جلدة بین عیني وأنفي، تقتله الفئة الباغية»(2) .
وفعلاً تحقق ذلك حين وقف عمار في صفين فقال: إني لأرى وجوه قوم لا يزالون يرتاب المبطلون والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا إنا على حق، وأنهم على الباطل، وتقدم فقاتل ثم رجع إلى موضعه، فاستسقى، فأتته امرأة من بني شيبان، بإناء فيه لب، فقال: الله أكبر اليوم ألقى الأحبة تحت الأسنة صدق الصادق، وبذلك أخبرني الناطق وهو اليوم الذي وعدت به(3) ، ثم عاد إلى ساحة المعركة منادياً: والله لنقاتلهم على تأويله، مثلما
ص: 63
قاتلنا على تنزيله(1) ، فقاتل قتال الأبطال حتى استشهد، فلما وصل خبر استشهاده إلى عمرو بن العاص قال: إني سمعت الرسول يقول: (ولعت قريش بعمار ما لهم ولعمار؟ يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار)(2) ، وفي رواية أخرى، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: «تقلك الفئة الباغية يا عمار»(3) ، وفعلاً تحققت نبوءة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، فكانت شهادة عمار بن ياسر في معركة صفين ضد جيش معاوية بن أبي سفيان وكان آخر زاده من الدنيا شربة لبن.
2- أبو ذر الغفاري(4) :
قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم):
«رحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده»(5) .
ص: 64
لقد كان قول رسول هذا حينما كان في طريقه إلى تبوك، حينما قصرت راحل أبا ذر، فتخلف عن رسول الله"، إذ حاول معالجتها من غير أن تصحو، فتركها، وحمل متاعه على ظهره محاولاً اللحاق بالرسول، فلما رآه رسول الله قال قوله هذا(1) .
وقد تحققت نبوءة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بعد مضي ثلاثة وعشرين عاماً، حينما ناهض أبو ذر حكم الطغاة والجبابرة وجهر بالحق وما خاف في الله لومة لائم، ولما لم يجدوا سبيلاً إلى إسكاته، نفوه إلى مغارة من الأرض بعيدة عن الناس، وظل فيها ما بقي من عمره يجالد المأساة، ويعاني الكربات(2) ، وليس معه إلا توجته وابنته، وفي آخر ساعات حياته، إذ قال لزوجته: لا تبكي عليّ، فأني سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ذات يوم وأنا عنده في نفر قال:
«ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده، عصابة من المؤمنین» ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم):
«فكل من كان معي في ذلك المجلس في جماعة وقریة، فلم يبق منهم غیري،
ص: 65
وقد أصبحت في الفلات فراقبي الطريق، فأنك سوف ترين ما أقول لك، فأني والله ما كذبت ولا كُذّبت»(1) .
ثم فاضت روحه الشريفة(2) ، ثم اقبل ركب من الكوفة قاصدين الحجاز، فيهم بعض الصحابة، فتقدمهم ابن مسعود فقال: صدق رسول الله (صلى الله علیه و آله و سلم) «تمشي وحدك وتموت وحدك»، فغسلوه و کفنوه وصلوا عليه ولما دفنوه وقف مالك الاشتر عند قبره وقال: اللهم إن هذا صاحب رسول الله عبدك في العابدين وجاهد فيك المشركين، لم يغير ولم يبدل، لكنه رأى غريباً منكراً فغيره بلسانه وقلبه، حتى جُفِي وحُرِم واختقِر، ثم مات وحيداً غريبا(3) .
3- حجر بن عدي(4) :
قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم):
«سيقتل ناس يغضب الله لهم وأهل السماء»(5) .
لم يكن ذنب حجر بن عدي إلا أنه أمر بالمعروف ونهى عن المنكر وأبى
ص: 66
السكوت عن الحق، فقد روي ان زياداً خطب يوماً على منبر الكوفة فأطال في الخطبة وأخر الصلاة فقام حجر وقال: الصلاة، فمضى زياد في خطبته، ثم قال: الصلاة، فمضى في خطبته، فلما خشي حجر فوت الصلاة ضرب بيده إلى كف من الحصى وثار إلى الصلاة، وثار الناس معه، ولما رأى زياد ذلك نزل من المنبر وصلى وبعدها كتب إلى معاوية، يقول: لست بشيء أن أمنع الكوف من حجر بن عدي وأدعه نكالاً لمن بعده(1) .
ولعلّ حجر ذكر نبوءة رسو الله (صلى الله عليه واله وسلم) حينما تأخرت الصلاة ورأى صدق ما كان يقول: (ستكون عليكم أمراء تشنغلهم أشياء عن الصلاة حتى يؤخروها عن وقتها، فصلوها لوقتها)(2) فكان جرمه أن أنكر على زياد بن أبيه تأخير الصلاة، مثلما كان شديد العداء لمعاوية وعماله، وكان يهجوهم وينال منهم ولا يأبه لهم، ولما وصلت معاوية أخباره أمر أتباعه بإحضاره مكتفاً إلى الشام، وقد ألقي القبض عليه مع نفر من أنصاره، ثم أرسلوا إلى معاوية، فانتهى بهم الأمر إلى مرج العذراء(3) ، وقد أشهد عليهم زياد شهادة
ص: 67
زور، وطلب منهم البراءة من أمير المؤمنين (عليه السلام) فرفضوا، فأمر بقتلهم بعدما حفرت قبورهم أمام أعينهم، وقد صلى حجر بن عدي قبل أن يقتل ركعتين ورفع يده إلى السماء، وقال: ((اللهم إنا نستعديك على امتنا، فإن أهل الكوفة قد شهدوا علينا، وأن أهل الشام يقتولوننا، أما والله لئن قتلتموني بها إني لأول فارس من المسلمين ملك في واديها، وأول رجل من المسلمين نبحته كلابها(1) ، ثم قال لمن حوله: لا تطلقوا عني حديداً ولا تغسلوا عني دماً وادفنوني في ثيابي فإني مخاصم))(2) .
4- جابر بن عبد الله الانصاري(3) :
قال تعالى:
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ»(4) .
ص: 68
ذكر العلامة المجلسي رواية: كنت عند رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) عندما نزلت هذه الآية فقلت له: يا رسول الله عرفنا الله ورسوله فمن أولي الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟ قال:
«هم خلفائي يا جابر، وأئمة المسلمین من بعدي، أولهم علي بن أبي طالب، ثم الحسن، ثم الحسین، ثم علي بن الحسین، ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر، وستدركه يا جابر، فإذا لقيته فأقرأه مني السلام...»(1) .
والمتابع لتاريخ أهل البيت (عليهم السلام) يرى أنه قد تحققت نبوءة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لجابر في إدراكه الإمام الباقر (عليه السلام) وقد أبلغه عن رسول الله السلام، إذ يقول جابر: دخلت على علی بن الحسين )عليه السلام) ذات يوم، فبينما أنا أحدثه إذ خرج محمد ب علی الباقر (عليه السلام) من عند نسائه وهو غلام، فلما أبصرته ارتعدت فرائصي وقامت كل شعرة على بدني، ونظرت إليه، وقلت: يا غلام أقبل، فأقبل ثم قلت: أدبر، فأدبر، شمائل رسول الله ورب الكعبة، ثم دنوت منه وقلت ما اسمك يا غلام؟ قال: محمد، قلت: ابن من؟ قال: علي بن الحسين، قلت: بأبي فداك نفسي، فأنت إذن الباقر! فقال: نعم فأبلغني ما حملك رسول الله، فقلت: يا مولاي إن رسول الله بشرني بالبقاء إلى أن ألقاك، فقال لي: إذا لقيته فاقرأه عني السلام، فرسول الله يقرأ عليك السلام، قال أبو جعفر (عليه السلام):
«يا جابر وعلى رسول الله السلام ما قامت السماوات والأرض وعليك يا جبار
ص: 69
كما بلغت السلام»(1) .
وكان جابر بعد ذلك يختلف عليه ويتعلم منه، فسأله محمد الباقر (عليه السلام) عن شي، فقال له جابر: والله لا دخلت في نهي رسول الله فقد أخبرني إنكم الأئمة الهداة من أهل بيته من بعده، وأعلم الناس صغاراً وأعلمهم كباراً، وقال: (لا تعلموهم فهم أعلم منكم) فقال أبو جعفر:
«صدق رسول الله (صلى الله عليە واله وسلم) والله إني لأعلم منك بما سألتك عنه، ولقد أوتيت الحكم، وكل ذلك بفضل الله علينا ورحمته لنا أهل البيت»(2) .
سنحاول من خلال هذه الفقرة استعراض بعض الأخبار الغيبة التي أخبر بها رسو لالله (صلى الله عليه واله وسلم) عن أهل بيته (عليهم السلام)، كونها كثيرة جداً، قد تتجاوز مئات الروايات والأخبار التي ذكرها الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) عن أهل بيته (عليهم السلام).
1. الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام):
روى سليم ب قيس(3) ، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال:
ص: 70
«كنت أمشي مع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في بعض طرق المدينة، فأتينا على حديقة، فقلت: يا رسول الله ما أحسنها؟ قال : (ما أحسنها ولك في الجنة أحسن منها) ثم أتينا على حديقة أخرى، فقلت: يا رسول الله ما أحسنها من حديقة؟ فقال: (ما أحسنها ولك في الجنة أحسن منها) حتى أتينا على سبع حدائق أقول يا رسول الله ما أحسنها؟ ويقول (لك في الجنة أحسن منها)، فلما خلا لە الطريق أعتقني ثم أجهش باكياً وقال: (بأبي الوحيد الشهيد)، فقلت: يا رسول الله ما يبكيك؟ فقال: (ضغائن في صدور القوم لا يبدونها إلا من بعدي، أحقاد بدر وتراث احد) قلت: في سلامة من ديني؟ قال: (في سلامة من دينك، فأبشر يا علي، فأن حياتك و موتك معي، وأنت أخي ووصيي وأنت صفييّ ووزيري ووارثي والمؤدي عني وأنت تقضي ديني وتنجز عداتي عني، وأنت تبرئ ذمتي وتؤدي أمانتي وتقتل على سنتي الناكثین من أمتي والقاسطین والمارقين، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى، ولك بهارون أسوة حسنة إذ استضعفە قومه وكادوا يقتلونه، فأصبر لظلم قريش إيراك أن تظاهرهم علیك، فإنرك بمنزلة هارون من موسى و من تبعه، وهم بمنزلة العجل و من تبعه...)، فقلت: الحمد الله شكراً على نعمائه، وصبراً على بلائه وتسليماً ورضاً بقضائه»(1) .
ص: 71
استعرض رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) عدة أمور غيبية ستحصل فيما بعد على الإمام علي وأهل بيته (عليهم السلام)، منها قتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين، وهذا ما تحقق فعلاً في حروب الإمام عليه (عليه السلام) في الجمل وصفين والنهروان، كذلك قول الرسول (صلى الله عليه واله وسلم): «ضغائن في صدور القوم»، وهذا ما حدث فعلاً مع الإمام بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)(1) وسنحاول إلقاء جزء من الضوء على قتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين، لعظيم هذا الخبر؛ ولكونه قد صدر مراراً وتكراراً وفي مناسبات عديدة، روته العامة والخاصة متواتراً، وقد نزل في شأنهم قوله تعالى:
«فَاِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَاِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ»(2) .
فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام) وإنه سوف ينتقم من الناكثين والقاسطين والمارقين(3) .
وروى أبو أيو الأنصاري(4) : ((أمرنا الله بقتال الناكثين والقاسطين، فقد
ص: 72
قاتلنا الناكثين وهم أهل الجمل، والقاسطين وهم أهل الشام، وأنا مقيم حتى أقاتل المارقين بالنهروان))(1) .
ومن الأخبار الغيبية الأخرى التي اخبرها رسول الله (صلى الله عليه واله و سلم) عن حرب الجمل قوله لعائشة:
«ستنبح عليها كلاب الحوأب»(2) .
فعن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) أنه قال لنسائه:
«ليت شعري ايتكن صاحبة الجمل الأذيب(3) ، التي تنبحهِا كلاب الحوأب فيقتل عن يمينها وعن يسارها قتلى كثر، ثم تنجو بعد ما كادت تهلك».
ثم التفت إلى عائشة قائلاً:
ص: 73
«إياك أن تكوني أنت»، ثم التفت إلى علي (عليه السلام) فقال:
«يا أبا الحسن إن ولّيت من أمرها شيئاُ فأرفق بها»(1) . وقد أشار النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) في خطبة إلى مسكن عائشة فقال:
«هاهنا الفتنة، هاهنا الفتنة، هاهنا الفتنة، من حيث يطلع قرن الشيطان»(2) .
وفي رواية أخرى ان الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) قال لعلي:
«سيكون بينك وبین عائشة أمر» قال (عليه السلام): أنا يا رسول الله؟ قال (صلى الله عليه واله وسلم):
«نعم ولكن إذا كان ذلك فأوردها إلى مأمنها»(3) .
وفعلاً تحقق ما أخبر به رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم).
فحينما كان جيش ابن الزبير سائراً ومعه عائشة على جمل، حتى وصلوا الحوأب فنبحتها كلابه، فسألتهم أين نحن؟ فقالوا: فصرخت عائشة بأعلى
ص: 74
صوتها، وقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، إني لهي، سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يقول وعنده نساؤه:
«ليت شعري ايتكن تنبحهِا كلاب الحوأب؟» ثم عضد بعيرها وأناخته، وقالت: ردوني أنا والله صاحبة ماء الحوأب، فأناخوا حولها يوماً وليلة، ثم قالوا لها: انه كذ أنها ليست الحوأب، فطلبت منهم شهوداً، فجاءوا بخمسين شاهداً من العرب فشهدوا لها كذباً وزوراً انه ليس بماء الحوأب(1) ، وهي مثلما قال الإمام الصادق (عليه السلام) أول شهادة زور في الإسلام(2) .
ومن الأخبار الغيبية التي قالها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) عن حرب الجمل ما نقله الإمام الباقر (عليه السلام) قال: مر رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يوماً على علي (عليه السلام) والزبير قائم معه يكلمه، فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم):
«ما تقول له فوالله لتكونن أول العرب تنكث بيعتة»(3) .
ص: 75
وفي رواية أخرى أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) مر على علي (عليه السلام) والزبير وكان الزبير مبتسماً؛ وهو يكلم عليّناً، فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم):
«يا زبیر أتحب علياً؟»، فقال: وكيف لا أحبه وبيني وبينه من النسب والمودة في الله ما ليس لغيره، فقال الرسول (صلى الله عليه واله وسلم):
«إنك ستقاتله وأنت ظالم له»(1) .
وقد تحققت نبوءة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فكان الزبير أول من نكث بيعته بعدما كان أول من بايع(2) ، وقد ذكّر الإمام علي (عليه السلام) الزبير بكلام رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) حينما تواجها في حرب الجمل؛ إذ قا له: نشدتك بالله أتذكر يوماً مر بنا رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وابتسم في وجهي، فابتسمت في وجهه، ولم أزد فقلت له: أنت لا يترك ابن ابي طالب زهوه، فقال لك الرسول: (أنه ليس بذي زهو، أما أنك سنتقاتله وأنت له ظالم) فاسترجع الزبير؛ وقال: لقد كان ذلك؛ ولكن الدهر إنسانيه ولا
ص: 76
نصرفن عنك، فرجع(1) .
وأما في ما يخص الخوارج فقد قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم):
«يخرج من أمتي قومٌ يسيؤون الأعمال يقرؤون القرآن لا يتجاوز حناجرهم، يحقر أحدكم عمله مع عملهم، يقتلون أهل اسلام، فإذا خرجوا فاقتلوهم، فطوبى لمن قتلهم وطوبى لمن قتلوه، كلما طلع منهم قرن قطعه الله»(2) .
وفي رواية أخرى أن الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) قال:
«يأتيكم قوم يقرؤون القرآن لا یجاوز حناجرحهم، يمرقون من اسلام مروق السهم من الرمیة، يقتلون أهل اسلام، ويدعون أهل الأوثان، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد» وفعلاً كان الخوارج مثلما وصفهم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) كانوا يقرؤون القرآن في الليل والنهار وهم منه براء، فقد خرجوا على الإمام علي (عليه السلام) في حرب صفين محتكمين إلى رأيهم تاركين إمام زمانهم وخليفتهم، وقد عمل الإمام علي (عليه السلام) معهم مثلما قال له رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، فقاتلهم في النهروان، حتى يكاد يكون قد أبادهم
ص: 77
ع بكرة أبيهم فلم ينجو منهم إلاّ عدداً قليلاً.
وفي ما يخص شهادة الإمام (عليه السلام)، فقد روى الإمام الصادق (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال:
«يا علي ستضرب ضربة هاهنا، وأشار إلى صدغه فيسيل دمها حتى تخضب لحيتك، ويكون صاحبها أشقاها كما كان عاقر الناقة أشقى ثمود»(1) .
وفي رواية أخرى عن الإمام الرضا (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) كان قد ذكر فضل شهر رمضان فسأله الإمام علي (عليه السلام) يا رسول الله ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فقال (صلى الله عليه واله وسلم):
«يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله، ثم بكى فقال له أمیر المؤمنین: ما يبكيك يا رسول الله؟ قال: يا علي أبكي لما يستحلِ منك في هذا الشهر، كأني بك وأنت تصلي لربك وقد انبعث أشقى الأولین والآخرين شقيق عاقر ناقة ثمود فضربك ضربة على قرنك فخضب منها لحيتك» فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا رسول الله وذلك في سلامة من ديني؟قال الرسول (صلى الله عليه واله وسلم):
ص: 78
«سلامة من دينك»(1) .
وكما أخبره الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) كانت شهادة أمير المؤمنين في شهر رمضان على يد أشقى الأشقياء عبد الرحمن بن ملجم(2) (لعنه الله).
2. فاطمة الزهراء (عليها السلام):
كثيرة هي الأخبار الغيبية التي أوردها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بحق ابنته فاطمة الزهراء (عليها السلام) في ما يخص الولادة المباركة.
ينقل الإمام الصادق (عليه السلام) عن كيفية الولادة فيقول:
«أن خدیجة لما تزوج بها رسول الله (صلى الله علیه واله) هجرتها نسوة مكة فكن لا يدخلن عليها، ولا يتركن امرأة تدخل عليها فاستوحشت خدیجة لذلك، فلما حملت بفاطمة كانت تحدثها من بطنها وتصبرها، وكانت تكتم ذلك عن رسول الله، فدخل رسول الله يوماً فسمع خدیجة تحدث فاطمة فقال لها:
(يا خدیجة من تحدّثین؟) قالت: الجنین الذي في بطني يحدثني، ويؤنسني، قال: وأن الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها وسيجعل من نسلها أئمة، ویجعلهم خلفاء في أرض بعد انقضاء وحيه»(3) .
ص: 79
وفعلاً ها هي الأيام تثبت صحة نبؤة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بحق ولادة فاطمة (عليها السلام) والذرية المباركة من نسلها، إذ جعلهم الله أئمة الهدى، وخلفاء في أرضه على عباده، وسفن نجاة هذه الأمة، ومن الأخبار الأخرى التي أوردها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في ما يخص شهادتها قوله:
«كأني بفاطمة وقد ظلمت وهي تنادي يا أبتاه، فلا يعينها أحد من أمتي... ابشري بسرعة اللحاق بي فأنك أول من یلحق بي فانك أول من یلحق بي أهل بیتي»(1) وقال (صلى الله عليه واله وسلم):
«يا علي ويل لمن ظلمها، وويل لمن ابتزها حقها، وويل لمن انتهك حرمتها، وويل لمن أحرق بابها وويل لمن آذى خليلها وويل لمن شاقها وبارزها»(2) .
وقد حصل كل ما أخبر به رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) عن فاطمة الزهراء (عليها السلام)، إذ ورد في كتب التاريخ والسيرة والحديث مما رواه الفريقان من الهجوم على دار فاطمة وإحراقه وإسقاط جنينها المحسن(3) ، وقد
ص: 80
تناسى من قام بهذا الفعل قول رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم):
«يا فاطمة الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك»(1) .
وقوله (صلى الله عليه واله وسلم):
«فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ويريبني ما أرابها»(2) .
3. الإمام الحسن (عليه السلام):
من الأخبار الغيبية التي أخبر بها الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه واله وسلم) عن الإمام الحسن (عليه السلام)، روي عن أم الفضل زوجة العباس عم النبي أنها قالت: قلت يا رسول الله إني رأيت في المنام كأن عضواً من أعضائك في حجري، فقال:
«تلد فاطمة غلاماً فتكفلية»، فوضعت فاطمة (علیها السلام) الحسن، فدفعه
ص: 81
إليها فرضعته من لبنها(1) ، وفي رواية أخرى قال الرسول (صلى الله عليه واله وسلم):
«تلد ابنتي فاطمة غلاماً ترضعيه بلبنك»(2) .
وقد ولد الإمام الحسن (عليه السلام) بالمدينة ليلة النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة، وجاءت به أمه فاطمة (عليها السلام) إلى النبي (صلى الله عليه واله وسلم) يوم السابع من مولده في خرقة من حرير الجنة، جاء بها جبرائيل (عليه السلام) إلى النبي (صلى الله عليه واله وسلم) فسماه حسناً بأمر من الله وعق عنه كبشاً(3) .
وأما فيما يخص شهادة الإمام الحسن (عليه السلام) وما جاء من إخبار رسول الله في ذلك عن ابن عباس أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال:
«وأما الحسن فإنة ابني وولدي منّي وقره عيني وضياء قلبي وثمرة فؤادي، وهو سيد شباب أهل الجنة، وحجة الله على الأمة، أمره أمري، وقوله قولي، من تبعه فإنه مني و من عصاه فليس مني، وإني لما نظرت إليه ذكرت ما یجري عليه من الذل بعدي، فلا يزال الأمر به حتى يُقتل بالسم ظلماً وعدوانا..»(4) .
وقد تحققت نبوءة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بعد سنوات عدة،
ص: 82
إذ بعث معاوية سماً إلى جعدة بنت الأشعث(1) ، مع مائة ألف درهم، وضمن تزويجها من ابنه يزيد إن قتلت الإمام الحسن (عليه السلام) وفعلاً فعلت ذلك إذ وضعت السم إلى الإمام مع اللبن حينما كان صائماً، فكان ذلك في سنة (50ه) وكان عمر الإمام فيها ثمانية وأربعين عاماً(2) .
4. الإمام الحسين (عليه السلام):
أنبا رسو الله (صلى الله عليه واله وسلم) عن ولادة الحسين (عليه السلام) وشهادته في مناسبات عديدة، ففيما يخص ولادته، فقد ذكر الإمام الصادق (عليه السلام) رؤيا رأتها أم أيمن زوجة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، فقال لها الرسول (صلى الله عليه واله وسلم): (قصيها على رسول الله فأن الله ورسوله أعلم) فقالت: تعظم علي أن أتكلم بها، فقال لها: إن الرؤيا على ما ترى فقصيها على رسول الله، قالت: رأيت في ليلتي هذه كأن بعض أعضائك ملقى في بيتي، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم):
«نامت عينك يا أم أيمن! تلد فاطمة الحسین فتربينة وتلبينة فيكون بعض
ص: 83
أعضائي في بيتك»(1) .
فلما ولدت فاطمة الحسين، وكان يوم السابع، أمر رسول الله، فحلق رأسه وتصدق بوزن شعره فضة، وعق عنه، ثم هيأته أم أيمن ولفته في برد رسول الله، ثم أقبلت به إلى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فقال:
«مرحباً بالحامل والمحمل، يا أم أيمن هذا تأويل رؤياك»(2) .
أما في ما يخص شهادة الإمام الحسين (عليه السلام) فقد أخبر رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بذلك في مواضع عدة وغالباً ما نجد خبر الشهادة مقروناً بخبر الولادة، فعن أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، قال: إن جبرائيل نزل على محمد فقال:
«يا محمد إن الله يقرؤك السلام، ويبشرك بمولود من ولد فاطمة تقتله امتك من بعدك، فقال: يا جبرائيل وعلى ربي السلام لا حاجة لي بمولود يولد من فاطمة تقتله أمتي من بعدي، قال: فعرج جبرائيل إلى السماء ثم هبط فقال له: يا محمد إن ربك يقرؤك السلام، ويبشرك أنه جاعل في ذريته امامة والولاية والوصية، فقال رسول الله: قد رضيت»(3) .
وفي رواية أخرى أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال:
ص: 84
«لعن الله قوماً هم قاتلوك يا بني، تقتلك الفئة الباغية من بني أمية لعنهم الله»(1) .
وروي أن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) رأى كلباً ابقع ولغ في دمه، فأوله أن رجلاً يقتل الحسين بن بنته، فكان الشمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين أبرص، فتأخرت الروايات بعده ما يقارب خمسين سنة(2) ، وقد تحقق ما أخبر به رسول الله، ففي كربلاء حينما كان الحسين قرب نهر كربلاء ينظر إلى شمر بن ذي الجوشن، فقال: الله أكبر صدق الله ورسوله، حينما قال: كأني أنظر إلى كلب أبقع يلغ في دم أهل بيتي، وكان الشمر ابرص(3) .
أما فيما يخص مكان استشهاده، فلما أتى على الحسين من مولده سنتان خرج النبي (صلى الله عليه واله وسلم) في سفر له فوقف في الطريق ودمعت عيناه، فسئل عن ذلك؟ فقال: «هذا جبرائيل يخبرني عن أرض بشط الفرات يقال لها كربلاء، يقتل عليها ولدي الحسین ابن فاطمة، فقيل و من يقتله يا رسول الله؟ قال: «رجل يقال لم يزيد لعنه الله، وكأني انظر إلى مصرعه و مدفنه»(4) .
وبعد رجوعه من السفر خطب بالناس خطبة، لما فرغ منها وضع يده اليمنى على رأس الحسين، ويده اليسرى على رأس الحسن ورفع رأسه إلى السماء فقال:
ص: 85
«اللهم أن محمداً عبدك ونبيك وهذان أطائب عترتي خيار ذريتي، وأرومتي، من أخلفهما في أمتي، وقد اخبرني جبرائيل أن ولدي هذا مقتول مخذول، اللهم فبارك في قتله واجعله من سادات الشهداء، اللهم ولا تبارك في قاتله وخاذله» فضج الناس بالبكاء والنحيب فقال النبي (صلى الله عليه واله وسلم):
«أتبكون ولا تنصرونه؟» ثم رجع وهو محمر الوجه فخطب خطبة أخرى أوصاهم فيها بالثقلين وحذرهم من أن يلقوه يوم القيامة وهم ظالمون لعترته(1) .
«ومَثَلَ كلَمِةٍ خبَيِثةٍ كشَجَرَةٍ خبَيِثةٍ اجْتثُّتْ مِنْ فوَقِ الْأرْضِ ماَ لهَاَ مِنْ قرَاَرٍ»(2) .
وفي هذه الآية نبوءة واضحة جاء بها القرآن الكريم على رسوله (صلى الله عليه واله وسلم) وهي زوال ملك بني أمية، أن الظالم ما له من قرار في الأرض(3) ، وفي آية أخرى سماهم بالشجرة الملعونة، وانبأ عن افتتان النناس بهم فقال تعالى:
ص: 86
«وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا»(1) .
والرؤيا التي أشار إليها القرآن الكريم في هذه الآية فهي ما قاله الإمام الصادق (عليه السلام):
«إن النبي رأى في منامه بني أمية يصعدون علی منبره من بعده، ويضلون الناس عن الصراط المسقيم، فأصبح حزيناً، فهبط جبرائيل فقال: يا رسول الله ما أراك حزيناً؟ قال:
يا جبرائيل إني رأيت بني أمية في ليليتي هذه يصعدون منبري من بعدي يضلّون الناس عن الصراط المستقيم، فقال:
«والذي بعثك بالحق نبياً إن هذا الشيء ما أطلعت عليه، فعرج إلى السماء فلم يلبث أن نزل عليه بآي من القرآن سلاّه بها، قال:
«أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعُدُونَ مأ أغْنَی عَنْهُمْ مأ كَانُوا یُمَتَّعُونَ»(2) .
و أنزل علیه بعدها سورة القدر، وجعل الله ليل القدر لنبیه خيراً من ألنف شهر ملك بني أمية(3) ، وحينما تحسب مدة ملك بني أمية فإذا هي ألف شهر لا
ص: 87
تزيد ولا تنقص(1) .
وفي رواية أخرى أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال:
«رأيت بن أمية على منابر الأرض وسيملكونكم فتجد أرباب سوء»(2) .
ورواية أخرى رواها سهل بن سعد(3) قال: رأى رسول الله بني أمية ينزون على منبره نزو القردة، فساءه ذلك فلم نره يضحك حتى وفاته(4) .
أما فيما يخص معاوية بن ابي سفيان، فقد صدرت من رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) روايات عدة تكشف اللثام عن لؤمه وكفره، منها قول الرسول (صلى الله عليه واله وسلم):
«إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه»(5) .
ص: 88
وفي رواية أخرى أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال:
«لا يذهب أمر هذه إلا على رجل واسع السرم، ضخم البلعوم»(1) .
قال أبو ذر: أخبرني رسول الله أنه معاوية، ومن ثم قال أبو ذر في حوار له مع معاوية: ما أنا بعدو لله ولا لرسوله، بل أنت وأبوك عدوان لله ولرسوله، أظهرتما الإسلام، وأبطنتما الكفر، وقد لعنك رسول الله ودعا عليك مرات ألاّ تشبع، سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يقول:
«إذا ولي الأمة الأعین الواسع البعلوم الذي يأكل ولا يشبع فلتأخذ الأمة حذرها منه، فقال معاوية: ما أنا ذلك الرجل، قال أبو ذر: بل أنت ذلك الرجل»(2) .
وفيما يخص يزيد بن معاوية وما يجري من الظلم والفساد في عهده، فقد وردت عدة أخبار غيبية عدة من رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، منها قوله:
«لا يزال هذا الدين قائماً بالقسط حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمیة،
ص: 89
یقال له يزيد»(1) .
وقال أبو ذر: سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يقول:
«أول رجل يغیر سنتي رجل من بني أمية يقال له يزيد»(2) .
والملحوظ هنا من قول رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): (أول من يثلم، أو يغير) هو المخالفة العلنية، والتجاسر على سنة رسول الله، والتجاسر بالفسق والفجور إلى حد الكفر وإنكار الوحي، و صدر عنه عندما وضع رأس سبط النبي بين يديه فأخذ يستهزئ به وهو يشرب الخمر، ويقول: لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل(3) ومن الأنباء الأخرى التي أنبأ بها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): عن يزيد بن معاوية هي وقعة الحرة التي وقعت في عهد يزيد وذهب ضحيتها العديد من المسلمين من أهل المدينة المنورة وبعض الصحابة، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم):
«والذي نفسي بيده، ليكونن بالمدينة ملحمة يقال: الحالقة، لا أقول حالقة الشعر ولكن حالقة الدين، فأخرجوا من المدينة ولو على قدر بريد»(4) .
وفي رواية أن الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) قال:
ص: 90
«ويل للعرب من شر قد اقترب، على رأس الستین تصیر الأمانة غنيمة والصدقة غرامة، والشهادة بالمعرفة والحكم بالهوى»(1) .
وسنة63ه وهي السنة التي وقعت فيها واقعة الحرة التي أخبر عنها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)؛ إذ إن رسول الله في أحد أسفاره وقف واسترجع، فساء ذلك معه، وظنوا أن ذلك من أمر سفرهم فقالوا: يا رسول الله ما الذي رأيت؟ فقال رسول الله:
«أما ان ذلك ليس من سفركم» فقالوا: فما هو يا رسول الله؟ فقال (صلى الله عليه واله وسلم):
«يُقتل بهذه الحرة خيار من أمتي بعد أصحاِبي»(2) .
وقد نُقل عن أنس بن مالك(3) انه قتل يوم الحرة سبع مائة رجل من حملة
ص: 91
القرآن، فيهم ثلاثة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)(1) .
وفي خصوص مدينة رسول الله وما يجري عليها في زمن الدولة الأموية، فقد قال الرسول (صلى الله عليه واله وسلم):
«ليخرجن أهل المدينة من المدينة خیر ما كانت، نصفاً زهوراً ونصفاً رطباً» قيل من يخرجهم منها؟ قال (أمراء السوء)(2) .
وفي رواية أخرى أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال:
«لتتركن المدينة على ما كانت عليه، حتى يدخل الكلب أو الذئب فيقذي على بعض سواري المسجد»(3) .
وقد تحقق ما أخبر به الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) عن مصير مدينته؛ إذ نقل القاضي عياض(4) : أن هذا حدث في العصر الأول، وأنها تركت
ص: 92
أحسن ما كانت من حيث الدين والدنيا، أما الدين فلكثر العلماء بها، وأما الدنيا فلعمارتها واتساع حال أهلها، وذكر عن البعض انه رحل عنها أكثر أهلها؛ إذ خلت مدة من أهلها ثم تراجعوا، ثم قال: وقد حكى قوم كثيرون أنهم رأوا ما أنذر به من تقذية الكلاب على سواري المسجد(1) .
وعن بني مروان فقد نقل ابن عباس عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أنه قال:
«إذا بلغ بنو الحكم ثلاثین رجلاً اتخذوا مال الله بينهم دولاً، وعباده خولاً، وكتاب الله دغلاً، فإذا بلغوا تسعة وتسعین وأربعمائة رجل كان هلاكهم أسرع من أكل تمرة»(2) .
وفي رواية عن أبي ذر قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يقول:
«إذا بلغ آل أبي العاص ثلاثین رجلاً صيّروا مال الله دولاً وكتاب الله دغلاً، وعباده خولاً، والفاسقین حزباً والصالحین حدباً»(3) .
وفي رواية أخرى أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال:
«إن فساد أمتي على يدي غلمة سفهاء من قريش»(4) .
ص: 93
وفي حديث آخر قال الرسول (صلى الله عليه واله وسلم):
«ستكون عليكم أمراء تشغلهم أشياء عن الصلاة حتى يؤخرها عن وقتها، فصلوها لوقتها»(1) فكان مثلما أخبر به رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)؛ إذ كان زياد بن أبيه من الذي أخروا الصلاة، وأنكره عليه حجر بن عدي(2) .
أما عن الحجاج(3) فقد قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم):
«إن في ثقيف كذاب و مبیر»(4) وقد اشتهر الحجاج بالفرعنة والظلم وسفك الدماء وإنكار المقدسات، فقد روي أنه خطب بالكوفة فذكر الذين يزورون قبر الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) بالمديتة فقال: تباً لهم إنما يطوفون بأعواد ورّمه بالية، هلا طافوا بقصر أمير المؤمنين عبد الملك!؟ ألا يعلمون أن خليفة المرء خير من رسوله!؟(5) .
ص: 94
وقد روي أن الحجاج الثقفي قتل أكثر من مائة ألف قتيل(1) ، ومع ذلك نجد أن بعض من يحاول إلصاق رواية رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) عن كذا ثقيف بالمختار بن عبيدة الثقفي(2) ويرمونه بادعاء النبوة، والكفر والتهم السخيفة التي تنم عن حقدهم عليه؛ بسبب انتقامه من قتله سبط الرسول المصطفى الحسين المظلوم، وقد افرح به أهل البيت وجميع المؤمين، وقد ترحم عليه بعض الأئمة الأطهار لهذا العمل العظيم(3) .
أما في عهد الوليد بن يزيد بن عبد الملك(4) فقد روى معاذ بن جبل(5) عن
ص: 95
رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أنه قال: (امسك يا معاذ، فلما بلغ عشرة) وقال: (الوليد اسم فرعون، هادم شرائع الناس) فكانوا هكذا- وشبك بين أصابعه- وقال: (بعد العشرين ومائة موت ذريع وقتل سريع، ففيه هلاكهم، ويلي عليهم رجل من ولد العباس)(1) ، والظاهر من قول الرسول: (فلما بلغ عشرة) أن المراد من عشرة من الذين يتولون الحكم من بعده، فينطبق ذلك على الوليد بن يزيد، بدليل قول الرسول: (يبوء بدمه رجل من أهل بيتە)؛ إذ أن قاتله كان ابن عمه، وقد اختلفوا فقتل بعضهم بعضاً، فغلب عليهم بنو العباس(2) .
كان لرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أخبار غيبية عدة عن الدولة العباسية نحاول إيراد بعضها في هذا المحل، ففي رواية [أن جبرائيل (عليه السلام) هبط على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وعليه قباء أسود، ومنطقة فيها خنجر، فقال له رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم):
«يا جبرائيل ما هذا الزي».
قال: قال زي ولد عمك العباس، يا محمد ويل لولدك من ولد العباس، فخرج النبي إلى العباس فقال:
ص: 96
«ياعم ويل لولدي من ولدك».
فقال: يا رسول الله أفلا أجبّ نفسي؟ قال:
«جف القلم بما فيم»](1) .
وفي رواية أخرى عن عبد الله بن عباس أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال لعمه العباس:
«يا عباس ويل لذريتي من ولدك، وويل لولدك من ولدي» فقال: يا رسول الله أفلا اجتنب النساء؟ فقال الرسول:
«إن علم الله عز وجل قد مضى، والأمور بيده، وإن الأمر سيكون في ولدي»(2) .
وفي رواية أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) رأى العباس في ثوبين أبيضين فقال:
«إنه لابيض الثوبین وهذا جبرائيل يخبر أن ولده يلبسون السواد»(3) .
وفي رواية اخرى أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال:
«يكون لبني العباس رايتان مركزهما كفر واعلاهما ضلالة»(4) .
ص: 97
ورواية عن الرايات السود أن الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) قال:
«إذا اقبلت الرايات السود من قبل المشرق فأن أولها فتنة وأوسطها هرج، وآخرها ضلالة»(1) .
وهنا تتفق المصادر التاريخية على السواد كان شعار الدولة العباسية، وكانوا يقولون: هذا السواد حداداً على شهداء كربلاء(2) .
ومن الأخبار الغيبية الأخرى للرسول المصطفى (صلى الله عليه واله وسلم) هي إخباره عن مقتل محمد بن عبد الله المحض(3) ، على يد الدولة العباسية؛ إذ قال الرسول:
ص: 98
«تُقتل بأحجار الزيت من ولدي نفس زكية»(1) .
وفعلاً صدقت نبوءة رسول الله تحقق ما أخبر به عن شهادة محمد بن عبد الله المحض على يد الدولة العباسية سنة145ه(2) ، بعد أن ظل متخفياً مدّة من الزمن عن عيون السلطة العباسية، حتى خرج وعلم بأمره العباسيين فقاتل حتى قُتل، وكان حينها يقف على أحجار الزيت، وقد قال محمد لأحد أصحابه وهو يقاتل: تغشانا سحابة فإن أمطرتنا ظهرنا، وإن جاوزتنا إليهم فانظر دمي على أحجار الزيت، ثم قال: فوالله ما لبثنا أن اظلتنا سحابة فجالت وقعقعت حتي قلت تفعل، ثم جاوزتنا، فما كان حتى رأيته قتيلاً بين احجار الزيت(3) ، وصدق ما اخبر به الرسول (تقتل بأحجار الزيت من ولدي نفس زكية)؛ ولذلك كانت شهرته بالنفس الزكية(4) .
ومن الأحداث التي أنبأ الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) عنها هي واقعة فخّ واستشهاد الحسين بن علي بن الحسن(5) ، وعصابة من المؤمنين فيها على
ص: 99
يد العباسيين، فقد روي أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) انتهى إلى وضع فخ فصلى بأصحابه صلاة الجنازة، ثم قال:
«يُقترل هاهنا رجل من أهل بيتي في عصابة من المؤمنین، ينزل لهم بأكفان وحنوط من الجنة، تسبق أرواحهم أجسامهم إلى الجنة»(1) .
وفعلاً صدق الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه واله وسلم) فقد ثار جمع من بني الحسن وعلى رأسهم الحسين بن علي فهرب والي المدينة منها وبويع الحسن على كتاب الله وسنته، وبعد السيطرة على المدينة خرج مع أصحابه نحو مكة فلما بلغوا موضع فخ تلقتهم جيوش العباسيين، وبعد قتال شديد قتل اغلب أصحاب الحسين، فعرض العباسيين الأمان على الحسين لكنه رفض وقاتل حتى قُتل في الموضع نفسه؛ لهذا سمي فخّ(2) ، وكان مقتله في سنة169ه(3) .
****
ص: 100
الفصل الثاني الأخبار الغيبية عن الخوارج والدولة الأموية المبحث الأول: الأخبار الغيبية عن الخوارج.
المبحث الثاني: الأخبار الغيبية عن الدولة الاموية.
ص: 101
ص: 102
من خلال الاطلاع على كتاب نهج البلاغة، نجد أنَّ هذا الكتاب قد ثار حوله الكثير من اللغط والتشكيك في مؤلف هذا الكتاب والحقيقة التي تتجلى أمامنا التي لابد من ذكرها هنا أن الكتاب (نهج البلاغة) هو من ألفه الشريف الرضي(1) ، إذ جمع كلمات الإمام علي (عليه السلام) و خطبه ورسائله وحكمه
ص: 103
في هذا الكتاب بعد أن اختصر بعضها، وجمع بعضها في خطبة واحدة، ولعل السبب في ذلك انه أراد ان يتميز بأسلوب جديد، ومميز في التأليف على غرار بعض المؤلفات السائدة في ذلك العصر، وهو بعمله الفذ هذا حفظ ونقل لنا تراث أمير المؤمنين (عليه السلام) من الضياع والاندثار حتى قيل في نهج البلاغة إنه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق(1) .
لقد أخبر الإمام علي (عليه السلام) في مناسبات عديدة، عن أحداث غيبية سوف تحدث في المستقبل، وقد حدث بعضها فعلاً، وبعضها بقي خبرها مختلفاً في حدوثه فقد يرى البعض ان هذا الخبر حدث فعلا بينما يرى البعض الاخر انه لم يحدث بعد فبعضها حدث في زمن الإمام، مثل ما حل بالخوارج من مصير واجهوه على يد الإمام وفي ما بعد، لقد تحدث الإمام علي (عليه السلام) عن علمه بالأخبار الغيبية في مناسبات كثيرة منها قوله:
«أَما بَعْدَ حَمْدِ اَللهِ واَلثَّناءِ عَلیْهِ أَيُّها اَلنَّاسُ فَإِنِّي فَقَأْتُ عَيْنَ اَلْفتْننة وَلَمْ يكُنْ
ص: 104
«لِيَجْتَرِیَ عَليْها أَحَدٌ غَيْرِي بَعْدَ أَنْ مَاجَ غَيْهبُها واشْتَدَّ كَلَبُهَا فَاسْأَلُوني قَبْلَ أَنْ تفْقِدُونِي فَو الَّذي نفْسِي بِيَدِهِ لاَ تَسْأَلُونَنِي تأَسْاَلُونِّي عَنْ شَيْ ءٍ فِيمَا بَيْنَكُمْ وبَيْنَ اَلسَّاعَةِ ولاَ عَنْ فِئَةٍ تَهْدِي مِائَةً ونُضِلُّ مِائَةً إِلاَّ أَنْبَأْتُكُمْ بِنَاعِقِهِا وَقَائِدِهَا وسَائِقِهَا وَمُنَاخِ رِكَابهَا وَمَحَطَّ رِحَالِحهَا و مَنْ يُقْتَلُ مَنْ أَهْلِها قَتْلاً وَمَنْ يَمُوتُ مِنْهُمْ موْتاً ولَوْ قَدْ فَقَدْتُمُوني وَنَزَلَتْ بِكُمْ كَرَائِهُ اَلْأُمُورِ وحوازِبُ اَلْخُطُوبِ لَأَطْرَقَ كَثِیرٌ مِنَ اَلسائِلِینَ وفَشِلَ كَثِیرٌ مِنَ اَلْمَسْئولِینَ وَذَلِكَ إِذَا قلَّصَتْ حَربُكُمْ و شمَّرَتْ عَنْ ساقٍ وكَانَتِ ضَاقَتِ اَلدُّنْيَا عَليْكُمْ ضِيقاً مَعَهُ أَيَّامَ اَلْنبلاَءِ عَلَيْكُمْ حتَّى يفْتح اَللهُ لِبَقِيَّةِح اَلْأَبْرارِ مِنْكُمْ»(1) . وحينما سمع بعض الناس كلام الإمام هذا قالوا له: لقد أعطيت علم الغيب يا أمير المؤمنين، فضحك الإمام وقال لهم:
«ليس هو علم الغيب وإنما هو تعلم من ذي علم وإنما علم الغيب علم الساعة وما عدده الله سبحاِنه بقوله:
«إِنَّ اَللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ اَلاَّسَّاعَةِ ويُنَزِّلُ اَلْغَيْثَ ويَعْلَمُ ما فِي اَلْأَرْحامِ وما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غدَاً وما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أرْضٍ تَمُوتُ»(2) .
ص: 105
اَلاَیَةَ فَيعْلَمُ اَللهُ سُبْحَانَهُ مَا في اَلْأَرْحَامِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَقَبِيحٍ أَوْ جَمِيلٍ وسَخِيّ أَوْ بَخِيلٍ وَشَقِيّ أَوْ سَعِیدٍ وَمَنْ يَکُونُ لِلنَّارِ فِي اَلنَّارِ حَطَباً أَوْ في اَلْجِنَانِ للنَّبِيِّنَ مُرافِقاً فَهَذَا عِلْمُ اَلْغيْبِ اَلَّذِي لاَ يعَلمُهُ أَحَدٌ أَلا اَللهُ و مَا سِوَى ذلكَ فَعلْمٌ عَّلمُهُ اَللهُ ننبيَّهُ (صَلّى اللهُ عَلیهِ وآلِهِ وَسلّمْ) فَعَلَّمنيه وَدَعَا لِي بِأَنْ يَعيهُ صَدْرِي وتضْطَمَّ(1) عَلَيْهِ جَوَانِحِي»(2) ومن خلال إلقاء نظرة على كلمة الإمام السابقة «فَاسْأَلُونِي قَبْلَ أَنْ تفْقدُونِي» نجد أن لهذه الكلمة أهمية بالغة، إذ أجمع الناس انه لم يكن ليقول هذا الكلام غير الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فلم يجرؤ على قول ذلك أحد من الصحابة ولا أحد من العلماء(3) ، وقد صدق ما تواتر عنه من الأخبار الغيبية التي ذكرها لا مرة ولا مائة مرة حتى زال الشك أنه اخبار عن علم(4) .
وعن ذلك أيضاً قيل: (لم يقل سلوني قبل أن تفقدوني أحد سواه، وأنه سيد في الدنيا والآخرة، وأنه خير البشر وأنه أول من يدخل الجنة)(5) .
وقيل إنّ ابن الجوزي قال يوماً على منبره: (سلوني قبل أن تفقدوني، فسألته
ص: 106
امرأة عمّا روي أن علياً سار في ليلة إلى سلمان فجهزه ورجع، فقال: روي ذلك، قالت: فعثمان بقي ثلاثة أيام لم يدفن وعلي حاضر، قال: نعم، فقالت: قد لزم الخطأ لأحدهما، فقال: إن كنت خرجت من بيتك بغير إذن زوجك فعليك لعنة الله وإلا فعليه، فقالت: خرجت عائشة لحرب علي بأذن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) أم لا؟ فانقطع ولم يجرِ جواباً)(1) .
وفي موضع آخر من خطب نهج البلاغة تكلم الإمام علي (عليه السلام) على سعة علمه فيقول:
«بَلِ انْدمَجْتُ عَلى مَكْنُونِ عِلْمٍ لَوْ بُحْتُ به لاَضْطَربْتُمْ اِضْطِرَابَ اَلْأَرْشِيَةِ(2) فِي اَلطَّوِيَّ(3) اَلْبَعِیدَةِ»(4) .
من الواضح من كلام الإمام هنا أن الآبار كلما كانت أعمق كان اضطراب الحبال فيها أكثر، وقد أورد شرّاح نهج البلاغة تفاسير عدة في كلام الإمام السابق، ولعل الصحيح هو قولهم أن كلام الإمام هذا يعني معرفته بمختلف المسائل والقضايا إلى قيام الساعة، بحيث لو بحت به لكم لما وسعكم
ص: 107
الاستقرار ولعشتم الاضطراب(1) .
ويقول الإمام علي (عليه السلام) في موضع آخر:
«... وَالَلَّهِ لَوْ شِئْتُ أَنْ أُخْبِرَ كُلَّ رجُلٍ مِنْكُمْ بمخْرَجِهِ و موْلجِهِ وجَمِيعِ شأْنِهِ لَفَعَلْتُ ولَكنْ أَخَافُ أَنْ تنكْفُرُوا فيَّ بِرَسُولِ اَللهِ ص أَلاَ وإِنِّي مفْضِيهِ إِلَى اَلْخَاصَّةِ مِمَّنْ يُؤْمَنُ ذلكَ مِنْهُ واَلَّذي بَعَثَهُ بِالحَقَّ واصْطَفَاهُ عَلَى اَلْخلْقِ مَا أَنْطِقُ إِلاَّ صادقاً ولَقَدْ عِهدَ إِلَيَّ بذلكَ كُلَّهِ وبمهْلِكِ مَنْ يهْلِكُ و مَنْجى مَنْ ينْجُو و مآلِ هَذَا اَلْأَمْرِ ومَا أَبْقَى شيْئاً يَمُرُّ رأْسي إِلاَّ أَفْرَغَهُ فِي أُذُنِي وأَفْضَى بِهِ إِلَيَّ...»(2) .
وكذلك قال (عليه السلام) في موضع آخر:
«... أَيُّهَا اَلنَّاسُ لاَ يجْرِمنَّكُمْ شِقَاقِي ولاَ يَسْتَهْوِينَّكُمْ عِصْيَانِي ولاَ تَتَرَامَوْا بالْأَبْصارِ عِنْدَ ما تَسْمَعُونهُ منِّي فَوَ الَّذي فَلَقَ اَلْحَبَّةَ وبَرَأَ اَلنَّسَمَةَ إِنَّ اَلَّذي أُنَبِّئُكُمْ به عَنِ اَلنَّبِيِّ اَلْأُمَّيِّ (صلى الله عليه واله وسلم) وَاَللَّهِ مَا كَذَبَ اَلْمُبلَّغُ ولاَ جَهِلَ اَلسَّامِعُ»(3) .
والذي يتضح لنا من هذه النصوص التي مر ذكرها سابقاً، أنّ الإمام أوضح
ص: 108
بأن علمه للأخبار الغيبية عن طريق رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، وهو الذي علمه إياه، لا ادعاء من قبل الإمام بعلمه للغيب من دون الله.
وأيضاً تكلم الإمام عن علمه فيقول في خطبة أخرى:
«أَيْنَ اَلَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمُ اَلرَّاسخُونَ فِي اَلْعِلْم دُونَنَا كَذِباً وَبَغْياً عَلَيْنَا أَنْ رفَعَنَا اَللهُ وَوَضَعَهُمْ وأعْطَانَا وَحَرَمَهُمْ وَأَدْخَلَنَا وَأَخْرَجَنهُمْ بِنَا يُسْتَجْلَى اَلْعَمَى إِنَّ اَلْأَئِمَّةَ مِنْ قُرَیْشٍ غُرِسُوا فِي هَذَا اَلْبَطْنِ مِن هَاشِمٍ لاَ تَصْلُحُ اَلْوُلاَةُ مِنْ غَيْرِهِمْ»(1) .
قام الإمام علي (عليه السلام) من خلال كلامه هذا على ردَّ الادعاءات في مجال العلم والمعرفة الإسلامية تجاه أهل بيت النبوة (عليهم السلام)، إذ يقدمهم على أنهم الأعلم من غيرهم على الرغم من كذب هؤلاء الذين كانوا يثيرون تلك التخرصات بهدف النيل من أهل البيت (عليهم السلام) بصورة عامة والإمام علي (عليه السلام) بصورة خاصة، ولعل قول الإمام (عليه السلام):
«أَيْنَ اَلَّذِينَ زَعَمَوا أَنَّهُمُ اَلرَّاسِخُونَ فِي اَلْعِلْمِ دُونَنَا کَذِباً وبَغْياً عَلَيْنَا»(2) فيه تحدٍ واضح لهؤلاء الكذابين(3) ، وأنَّ قول الإمام (الراسخون في العلم) يأخذنا لمضمون آيتين قرآنيتين فيهما المعنى نفسه وهو قوله تعالى:
ص: 109
«لَكِن الرَّاسِخُون فِي الْعِلْم مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُون يُؤْمِنُون بِمَا أُنْزِل إِلَيْك وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَييوْمِ الْآَخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا»(1) .
وكذلك قوله تعالى:
«... وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ...»(2) .
والسؤال الذي يتبادر هنا إلى الذهن سريعاً (من هم الراسخون في العلم؟) وهذه الإجابة أعطاها الإمام الباقر (عليه السلام) حينما سُئل السؤال نفسه، وعن تأويل القرآن فأجاب قائلاً:
«لا يعلم تأويل القرآن إلا الله والراسخون في العلم، فرسول الله أفضل الراسخین، وقد علمە جمیع ما انزل عليه من التنزيل والتأويل، و ما كان الله منزلاً عليه شيئاً لم يعلمه تأويله وأوصياءه من بعده يعلمونه كله»(3) .
ومن هنا يتضح أن الراسخين في العلم هم النبي وآله أئمة الهدى (صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين)، وليس مثلما قيل إن الراسخين في العلم هم
ص: 110
العلماء والمفکرون علی الاطلاق(1) .
إن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو هل أن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قد أفضى إلى الإمام علي (عليه السلام) بكل حادثة من الحوادث المستقبلة بشكل مفصل؟ ثم هل كانت المدة الزمنية التي جمعت النبي والإمام تسع ذلك مع افتراض أن الإمام قد قضى أغلب وقته مع النبي؟ والجواب عن هذه الأسئلة هو أن هذا العلم واسع الأطراف ومهما كان الوقت الذي أمضاه النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) مع الإمام علي (عليه السلام) فإنه لايسع الإفضاء ببعض هذا العلم على نحو التفصيل، والراجح أن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) لم يفض بتلك الأخبار على نحو التفصيل، والذي فيه إلمام بكل الجزئيات، لأن العقل لا يتحمل ذلك(2) .
كذلك الواضح هنا أن نشاط هذه القوى الخفية المودعة في الإنسان والتي تصله بالمجهول المحجوب في الزمان والمكان، يتوقف على الحالة العقلية والروحية والوجدانية التي يكون عليها الإنسان، فكلما كان الإنسان على حال رفيعة من الصفاء العقلي والطهارة الروحية والنقاء الوجداني كانت هذه التقوى أنشط وأبلغ في النفوذ إلى المغيب المحجوب(3) ، الذي نراه بشأن الإمام علي (عليه السلام) هو أن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قد أخبره بالغيبيات على نحو الإجمال، ثم هداه إلى أقوم السبل التي تؤدي به إلى أرفع درجات هذه
ص: 111
الحالة الروحية التي تتيح لقواه الخفية أن تعمل الخارق فيعي بسببها تفصيل ما أجمله له رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وبين الظرف الزماني الضيق نسبياً الذي جمع بينه (عليه السلام) وبين الرسول (صلى الله عليه واله وسلم)(1) ، وشاهد هذا التفسير هو أن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) حينما خلا بالإمام علي (عليه السلام) وأدخله في ثوبه وناجاه في اللحظات الأخيرة التي قبض بعدها، فلما فرغ من نجواه خرج الإمام من عنده فسأله الناس عما أفضى به إليه فقال:
«إن رسول الله علمني ألف باب من العلم، ويفتح في كل باب ألف باب»(2) .
وهذا الكلام فيه أبلغ الدلائل على القول من أن علم الإمام على نحو الإجمال لا على نحو التفصيل، وأنه اتكل في معرفة الجزئيات والتفاصيل إلى ما يتمتع به الإمام من مواهب تسعفه في معرفة ما غاب وتهديه إلى طريق الصحيح(3) .
ومع ما تقدم ذكره فإن الأخبار الغيبية التي تكلم عليها الإمام علي (عليه السلام) قوبلت بالتكذيب، فحينما سمع الإمام اتهام البعض له بالكذب أجابهم قائلاً:
«... أَتَرَانّي أَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اَللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) واَللهِ لَأَنَا أَوَّلُ
ص: 112
مَنْ صدَّقَهُ فَلاَ أَكُونُ أَوَّل مَنْ كَذَبَ عَلَیْهِ...»(1) .
كذلك يقول الإمام (عليه السلام) في خطبة أخرى:
«... ولَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تَقُولُونَ عَلِيٌّ يَكْذِبُ قَاتَلَكُمُ اَللهُ تعالَى فَعَلَى مَنْ أَكْذِبُ! أَعَلَى اَللهِ! فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ أَنْ عَلَى نَبِيِّهِ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَ بِهِ كَلاَّ واَللهِ لَكِنَّها لَهْجَةٌ غِبْتُمْ عَنْهَا ولَمْ تَكُونُوا مِنْ أَهْلِهَا...»(2) .
وفي موضع آخر يبين الإمام (عليه السلام) لهؤلاء القوم منزلته من رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) حيث قال لهم:
«وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اَللله ص بالْقَرَابَةِ واَلْمَنْزِلَةِ اَلْخَصِيصَةِ... وما وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ وَلاَ خطْلَةً فِي فِعْلٍ»(3) .
وقد علق ابن أبي الحديد على كلام الإمام هذا في شرحه لنهج البلاغة بالقول: ((هذا كلام قاله الإمام علي (عليه السلام) لما تفرس في قوم من عسكره انهم يتهمونه في ما يخبرهم عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) من اخبار الملاحم والغيبيات، وقد كان شك منهم جماعة في أقواله، ومنهم من
ص: 113
واجهه بالشك والتهمة))(1) .
وحقيقة الأمر هنا أن هذه الاخبار الغيبية التي اخبر بها الإمام (عليه السلام) هي من الله تعالى بوساطة رسوله الكريم (صلى الله عليه واله وسلم) وقد علمه للإمام (عليه السلام)، فكيف يفتري الإمام على أحدهما وهو أو مؤمن صدقهما؟ ثم يقول الإمام (عليه السلام) حقيقة واضحة تفند مزاعمهم وهي انكم كنتم غائبين حينما كان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يخبرني بتلك الاخبار، والجدير بالذكر هنا ان الإنسان يهون عليه نسبة الاخبار الكاذبة إلى احد ما، إذا كان غير معتقد بذلك الشخص وغير عزيز عنده، أما ان يكون عزيز عنده فلا ينسب إليه خبراً كاذباً، حيث إذا ظهر كذبه سقطت منزلته عن القلوب فلا أكون أول من كذب عليه(2) .
إذن فالواضح هنا مما تقدم ذكره براءة أمير المؤمنين (عليه السلام) من اتهام البعض له بالكذب ودحضه لادعاءاتهم تلك؛ لأن الإمام علي (عليه السلام) هو ربيب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فهل من المعقول أو المنطق أن يربي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) شخصاً على الكذب؟ فضلاً عن أن هناك رواية للإمام علي (عليه السلام) نقلها عنه زيد بن علي (عليه السلام)(3) ، وفيها يوضح حينما كان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)
ص: 114
يغيب عن الإمام امير المؤمنين وطريقة معرفة الإمام للآيات القرآنية التي تنزل على الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) حينما يكون غائباً عنه (عليه السلام)، إذ يقول زيد بن علي: قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
«ما دخل رأسي يوماً ولا غمضنا غمضاً على عهد رسول الله (صلى الله علیه واله وسلم) حتى علمت من جبرائيل في ذلك اليوم من حلال أو حرام أو سنة أو أمر أو نهي، فيما نزل فيه وفيمن نزل».
فسأل البعض زيد بن علي أن الأمر عظيم، كيف يكون هذا أو قد كان أحدهما يغيب عن صاحبه؟ فكيف يعلم هذا؟ فأجابهم زيد بن علي قائلاً:
(كان يتحفظ على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) عدد الأيام التي غاب بها، فإذا التقيا قال له رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): يا علي نزل عليّ في يوم كذا وكذا وكذا ويوم كذا وكذا وكذا يعدّها عليه إلى يومه الذي وافى فيه)(1) .
وبالعودة لأصل المبحث وهو الأخبار الغيبية عن الخوارج، فالمعروف أن ظهور هذه الفئة في حرب صفين لم يكن أمراً عفوياً أو وليد ساعته، بل كانت
ص: 115
هنالك أجواء مناسبة، كذلك عوامل وأسباب أوجدت الأرضية الخصبة ليظورهم على الواقع، فالمعلوم أنهم فرقة ظهرت في حرب صفين(1) ، التي دارت رحاها بين أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) الخليفة الشرعي بكل ما لهذه الكلمة من معنى وبين معاوية بن أبي سفيان الذي رفض الانصياع لسلطة الخلافة الحق رافضاً طاعة أولي الأمر، وقد جاء ظهور الخوارج العلني بعد خدعة رفع المصاحف التي حدثت في تلك الحرب حينما عمد جيش معاوية لتلك الخدعة التي جاء بها عمر بن العاص(2) ، بعدما قربت هزيمة جيش الشام ومالت الكف لجيش الإمام علي (عليه السلام) والحق الذي يجب أن يقال هنا أن هذه الخدعة أحدثت زلزالاً مدوياً في جيش الإمام، إذ مالت الكفة الأكثر من هذا الجيش إلى حكم المصحف، بحسب قولهم، بينما بقي الإمام علي (عليه السلام) مع ثلة قليلة من أنصاره يواجهون تهديدات أولئك الانفصاليين بالمستوی نفسه أو أشد من التهديد الذي كان يواجههم به أهل الشام(3) .
ويعتقد أن أصل الخوارج لا يعود إلى حرب صفين؛ لأن ذلك يجافي الحقيقة والصحيح، إذ أن الخوارج أخرجتهم إلى الساحة العصبية القبلية التي كانت المحرك الأبرز لهم، والتي ربما تكون حدثت بفعل انضمام كثير من
ص: 116
الموالي إلى الإسلام الذي نادى بالمساواة بين القبائل، وعارضوا حصر الخلافة في قريش(1) ، بينما هنالك رأي آخر يذهب الى أن الخوارج هم من البدو الذي استقروا في الكوفة والبصرة بعد فتح فارس(2) ، لا بل هنالك من ذهب إلى أنهم من قبائل تميم وحنيفة وربيعة التي كان لها مكانة مرموقة في الجاهلية(3) وهنا نقول: إن الخوارج كفكر وأشخاص كانوا موجودين منذ زمن الرسول (صلى الله عليه واله وسلم)، إلا أن الظروف أصبحت مؤاتية لإخراجهم إلى حيز الوجود في صفين، ولاسيما إذا ما علمنا أن رسول الله (صلى الله عليه واله) كان قد أخبر بهم، وذكر حكمهم(4) ، إذ أن بذرتهم الأولى تمثلت من خلال حديث ذي الخويصرة حرقوص بن زهير(5) ، الذي يعرف بحديث الخوارج، حينما رمى حرقوص بن زهير الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) بالجور في القسمة قائلاً: يا رسول الله أعدل!، فقال رسول الله:
«ويلك! و من يعدل إن لم أعدل!؟ قد خبت وخسرت إن لم أعدل» فقال عمر بن الخطا: يا رسو الله إئذن لي فيه أضرب عنقه، فقال رسول
ص: 117
الله (صلى الله عليه واله وسلم):
«دعة فإن لم أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامة مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا یجاوز تراقيهم، يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية، يُنظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه(1) فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه،(2) ثم ينظر إلى قذذه(3) فلا يوجد فيه شيء، سبق الفرث والدم، آيتهم رجل أسود، احدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر(4) ، يخرجون على حین فرقة من الناس»(5) .
فقال أبو سعيد الخدري الذي روى الحديث وكان حاضراً فيها: فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، وأشهد أن علياً بن أبي طالب (عليه السلام) قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس فوجد، فأتي به حتى نظرت إليه، على نعت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) الذي نعت(6) ، وفعلاً كان حرقوص هكذا، إذ كان له أثرٌ بارز في مجريات الأحداث
ص: 118
وظهور الخوارج على الساحة، إذ روي انه لم يكتفِ بإلزام أمير المؤمنين (عليه السلام) بقبول التحكيم، بل ذهب لأكثر من ذلك إذ طالب الإمام، قائلاً: تب من خطيئتك؛ وذلك ذنب يجب أن تتب منه(1) ، فكان حرقوص مثلما وصفه أحد المؤرخين حينما قال: أول الخوارج وأقبحهم حالة ذي الخويصرة(2) .
فمن خلال ما تقدم يتضح أن الظهور العلني للخوارج كان في صفين، وهم كانوا يتألفون من تركيبة غريبة من تشكلت من ثلاث فئات:
الفئة الأولى: كانت عناصر مدسوسة ترى أن مصلحتها تتم بتحريك الحوادث في هذا الاتجاه أو ذاك.
الفئة الثانية: فكانت من الجهال التي لم تستطع فهم الموقف الصحيح والرسالي لأمير المؤمنين (عليه السلام) ووقعت تحت تأثير خدمة رفع المصاحف، وشككت في صحة القتال بسبب ذلك(3) .
الفئة الثالثة: فهي التي قبلت التحكيم من موقع إحساسها بالضعف والتخاذل والسأم من الحرب، وبحجة حقن دماء المسلمين(4) ، وهنالك حقيقة مهمة عن هذه الفرقة يجب أن تذكر، مفادها أن الخوارج من أشد الفرق الإسلامية دفاعاً
ص: 119
عن منصبها، وحماسة لآرائها، واشد الفرق تديناً في جملتها وأشد تدهوراً واندفاعاً، متمسكون بألفاظ قد أخذوا بظواهرها، مثلما فعلوا مع كلمة (لا حكم إلا لله)، إذ اتخذوها شعاراً ينادون به، فكانوا كلما رأوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يتكلم رددوا هذا الشعار(1) .
أما فيما يخص الأخبار الغيبية التي ذكرها الإمام عن الخوارج ومصيرهم، فقد حملت خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) وكلماته في نهج البلاغة الكثير من الأخبار الغيبية عن الخوارج وعن مصيرهم القادم والجزء الأكبر من هذه الأخبار تكلم عليها أمير المؤمنين قبل معركة النهروان، ومن تلك الخطب التي أخبر فيها الإمام عن مصير الخوارج لما عزم على حربهم وقيل له: إن القوم عبروا جسر النهروان، فقال (عليه السلام):
«مَصَارِعُهُمْ دُونَ اَلنُّطْفَة(2) وَاَلله لاَ يُفْلِتُ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ وَلاَ يَهْلِكُ مِنْكُمْ عَشَرَةٌ»(3) وكلام الإمام (عليه السلام) هذا حمل ثلاثة أخبار غيبية هي:
1- «مَصَارِعُهُمْ دُونَ اَلنُّطْفَة»: ومعنى هذا الكلام أنه مكان مصرعهم، سوف يكون دون هذا النهر أي لن يعبروا هذا الجسر.
2- «لاَ يُفْلتُ منْهُمْ عَشَرَةٌ».
ص: 120
3- «وَلاَ يَهْلكُ منْكُمْ عَشَرَة»(1) .
والملحوظ هنا أن هذا الخبر الغيبي الذي أخبر به الإمام علي (عليه السلام) هو الوحيد الذي وجدناه في نهج البلاغة قد تحقق في زمن الإمام، ثم تناقله المؤرخون والناس في ما بعد، وسنحاول في تناولنا لهذه الخطب إلقاء جزء من الضوء على حقيقة تلك الأحداث، فبعد الذي حصل في قصة التحكيم المعروفة وعودة كل فريق إلى معسكره، لم يدخل بعض الخوارج مدينة الكوفة، حيث نزلوا في منطقة حروراء(2) ، وقد شكلوا فيها جبهة معارضة للإمام علي (عليه السلام) بقيادة عبد الله بن وهب الراسبي(3) ، وقرروا الذهاب إلى النهروان، ولعل السبب في ذلك الرغبة في الابتعاد عن الكوفة مقر سلطة الخلافة، ولأنهم يريدون من خلال سيرهم الطويل إلى النهروان إسماع صوتهم للقبائل الساكنة في طريقهم للانضمام لهم، وحينما وصلوا إلى النهروان لم يعبروا جسرها بل استقروا في جانب النهر، بينما كانت قوات الإمام تتحرك
ص: 121
باتجاههم قادمة من النخيلة(1) ، حتى وصلت وعسكرت في الجانب الآخر من النهر، وقد صلى الإمام ركعتين عند ذلك الجسر(2) .
ومن هنا يتضح قول الإمام علي (صلوات الله عليه) مصارعهم دون النطفة، أي قبل عبورهم الجسر إلى الجهه الأخرى من النهر، وإن السبب الذي دعا إليه أثد أفراد جيش أمير المؤمنين (عليه السلام) بالمجيء إلى الإمام والقسم أمامه أنه رأى الخوارج قد عبروا الجسر وهي حركة قام بها جيش الخوارج حينما علموا بوصول جيش الإمام، فكان حينها رد الإمام بالقول:
«والله ما عبروه ولن يعبروا»(3) .
ونجد أن الإمام هنا قد أقسم بتحقيق ذلك الخبر الغيبي وكان صادقا، إذ أن الخوارج لم يعبروا الجسر، أما إخبار الإمام (عليه السلام) عن عدد الناجين من جيشه ومن الخوارج فمن ذلك نقتبس كلام ابن أبي الحديد، إذ قال: ((هذا الخبر من الأخبار المواترة لاشتهاره بين الناس، وهو من معجزاته وإخباره المفصلة عن الغيوب، الذي لا يحتمل التلبيس لتقيده بالعدد المعين في أصحابه وفي الخوارج، ووقوع الأمر بعد الحرب بموجبه من غير زيادة ولا نقصان؛ وذلك أمر إلهي عرفه من جهة رسول الله (صلى الله عليه و اله وسلم) الذي بدوره أطلعه الله عز وجل))(4) .
ص: 122
ومن خلال الرجوع إلى المصادر التاريخية نجد أنها متفاوتة في عدد قتلى الخوارج وعدد الناجين منهم، فقيل ان عدد قتلة الخوارج كان خمسة آلاف(1) ، وقيل: أربعة آلاف(2) ، وقيل: ستة آلاف، رجع منهم ألفان وقتل الباقون(3) وكذلك ذكر في رواي أخرى أن عدد التقلی كان ألفان وثمان مائة(4) ، وهناك من رأى أن عدد القتلى كان ألفاً وخمس مائة(5) ، بينما نجد أن هنالك رواية نصت على أن عدد قتلى الخوارج كان عشرة آلاف لم يخطئهم بالسيف(6) .
وسواء كانت هذه الرواية الأدق والأصح أم تلك في عدد قتلى الخوارج في النهروان، فهذا الموضوع، ليس موضع بحثنا الحالي؛ بل الموضوع الحقيقي هنا هو معرفة عدد من نجى من الخوارج في النهروان، وعدد القتلى من جيش الإمام (عليه اسلام) استناداً إلى قوله (عليه السلام):
«لاَ يُفْلِتُ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ ولاَ يهْلِكُ مِنْكُمْ عشرة»
ص: 123
وسنحاول في البدء ذكر عدد الخوارج، فهنالك روايات اختلفت في عدد الناجين أيضاً، فقيل: أربعة(1) ، وقيل: خمسة(2) ، وقيل تسعة(3) ، وقيل إن الذين نجوا كانوا عشرة أشخاص(4) ، وهذا القول ذهب إليه نزر قليل هدفه واضح المعالم هو التشكيك بكلام الإمام (عليه السلام).
وهنا نقول: إن هذا الكلام مردود ولا يمكن قبوله؛ لأنه مخالف لما اتفقت عليه كلمة المؤرخين، والهدف من هذا الكلام هو الإيحاء بأن كلام الإمام هذا من قبيل الكهانة، ولا يستند إلى أساس، أو من قبيل التوقعات المستندة إلى التحليلات الشخصية التي تكون قابل للصحيح أو الخطأ، والحقيقة هي عكس ذلك تماماً، فكلام الإمام هو علم من ذي علم وهو غيب اختص به ليكون دليلاً على إمامته، ودليل إثبات على أنه الإمام الحق، وأن أعداءه الذين حاربوه هم الباطل والبغاة الخارجين على إمام زمانهم، وعليه فالراجح أن عدد الناجين ولم يصابوا بأي أذى كانوا تسعة ولعلها الرواية الأقرب للصحيح، وقد حددت أماك الناجين التي لجأوا إليها، وقد ذكرها ابن أعثم(5) قائلاً: (فاختلط القوم،
ص: 124
فلم تكن إلا ساعة حتى قتلوا بأجمعهم، وكانوا أربعة آلاف فما فلت منهم إلى تسعة نفر، فهرب منهم رجلان إلى خراسان، ورجلان بأرض سجستان، وفيهما نسلهما إلى الآن، ورجلان إلى بلاد الجزيرة إلى موضع يقال له سوق التوريخ(1) ، وإلى شاطئ الفرات هرب رجلان فهناك نسلهما إلى الساعة، وصار رجل إلى تل يقال له تل موزن(2) )(3) .
أما عدد الشهداء من جيش الإمام (عليه السلام) فقد اختلفت الروايات التاريخية أيضاً في ذلك، فقد ذهب بعض المصنفين والمؤرخين للقول: إن العدد هو اثنان(4) ، وقيل إنهم كانوا سبعة(5) ، أما ابن أعثم فقد ذكر أن عددهم
ص: 125
كان تسعة، وقد ذكرهم في كتابه الفتوح(1) .
وكالعادة استغلّ أصحاب المآرب والنفوس الضعيفة كلمة الإمام (عليه السلام)، وجاءوا بمذهب مزيف مفاده أن عدد الشهداء كان من اثنتي عشر أو ثلاثة عشر، وكان هدفهم من ذلك اتهام الإمام بالكهانة، وقوله هذا مبني على التوقعات التي قد تخطئ أو تصيب؛ لأنها مبنية على أرقام وحسابات حسية، ولو افترضنا جدلاً صحة ادعاءاتهم تلك عن أمير المؤمنين، فلماذا يتكهن (عليه السلام) عن قتلی النهروان فقط، ولماذا لا يتكهن عن نتائج الجمل أو صفين؟ إذن فهذا كلام باطل يهدف إلى إضعاف شخص الإمام (عليه السلام)، متناسين أن هذه الأخبار الغيبية التي قالها الإمام (صلوات الله عليه) هي علم من ذي علم، وعلي هو باب علم النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وما تلك الأخبار إلا عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) من الله سبحانه وتعالى، ودليل واضح على إمامة علي وبغي كل من ناوؤه وخالفه(2) ، كيف لا وهو قاصم أعداء الإسلام ومحقق نسبه ونيابته الموافق والمخالف، مما علم دليله، واتضح سبيله وكان لرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ناصراً، ولشريعته مجيباً، ولدعوته ملبياً، ومختارة للإخاء يوم مؤاخاته؛ فلذلك كان علي (عليه السلام) غصناً طيباً من شجرة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) المباركة(3) .
ص: 126
ومن خلال ما تقدم ذكره يظهر صدق الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في تحديده لعدد الناجين من الخوارج وهلاك الباقين، وكذلك في تحديده لعدد الشهداء من أتباعه، وهنا يبرز البرهان الواضح في أن الإمام (عليه السلام) لم يكن مثل باقي القادة الذين يعمدون إلى رفع معنوياتهم بالكلام، والقول إن العصر سيكون حليفهم، بل امتد لأكثر من ذلك؛ إذ كان يبشر بالنصر، ويخبر عن عدد القتلى من الطرفين(1) .
لم يقتصر ذكر الخوارج ومصيرهم من قبل الإمام علي عليه السلام على هذه الخطبة فقط، بل أشرنا سابقاً إلى أن معركة النهروان كانت ميداناً لعدد من الأخبار الغيبية عن الخوارج ومصيرهم؛ إذ أخبر الإمام علي (عليه السلام) عن مصيرهم بعدما سمع قول أتباعه له بهلاك الخوارج جميعهم في النهروان فأجابهم قائلاً: «كَلاَّ واَللهِ إِنَّهُمْ نُطَفٌ في أَصْلاَبِ اَلرَّجَالِ وقَرَارَاتِ اَلنَّسَاء وكُلَّمَا نَجَمَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ حَتَّى یَكُونَ آخرُهُمْ لُصُوصاً سلاَّبِینَ»(2) .
الذي يتضح لنا من كلامه (عليه السلام) هذا أنه جاء مباشرة بعد نهاية معركة النهروان، وأراد (صلوات الله عليه) من خلاله إيصال رسالة| إلى الخوارج ومستقبلهم، فحتى لو قتلوا جميعهم فسوف يولد مستقبلاً من يسير على نهجهم وطريقهم، وفعلاً ظهر هؤلاء الأفراد في ما بعد، وساروا على الطريق نفسه الذي سلكه أجدادهم، فضلاً عن ذلك ما ذكرناه سابقاً عن بقاء
ص: 127
تسعة أفراد منهم نجوا من حرب النهروان وتفرقوا في البلاد، ولعل الإمام أراد أن يشير إلى ان من حضر النهروان، لم يكن من الخوارج جميعهم(1) ، ثم اتجه في كلامه ليميط اللثام عن خبر غيبي آخر وهو قوله (عليه السلام):
«كُلَّمَا نَجَمَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ»(2) .
وهذه إشارة إلى وحشية هؤلاء القوم، وتشبيههم بالحيوان الذي له قرون، ثم أن هذا الكلام له معنى آخر؛ إذ إن الإمام أراد الإشارة من خلاله إلى حجم الهزائم والانتكاسات التي سوف يتعرضون لها مستقبلاً(3) ، وأخيراً ختم الإمام كلامه في هذه الخطبة ليبين مستقبلهم الأسود، بقوله:
«آخِرُهُمْ لُصُوصاً سلاَّبِینَ»(4) .
وفعلاً هكذا كانوا، فقد خرج العديد من اللصوص المشهورين الذين كانوا ينتمون إلى الخوارج(5) ؛ إذ نقل أن أبرز هؤلاء اللصوص هو الوليد ب طريف الشيباني(6) ، الذي عاش في زمن الدولة العباسية في عهد خلافة هارون الرشيد
ص: 128
الذي أمر جنوده بقتله, وجلب رأسه له(1) ، أيضاً من هؤلاء اللصوص ابن عمرو الخثعمي(2) ، الذي كان أحد أبرز اللصوص، وقاطعي الطرق في عهد المتوكل العباسي، الذي تمكن من الهرب من الجيش العباسي وقتل العباسيون العديد من أتباعه(3) ، فضلاً عن ذلك ظهرت عصابة من الخوارج في منطقة كرمان(4) ، وكانت تقطع الطرق، وتقتل، وتسلب، وظهرت بدعهم في المناطق التي كانوا موجودين فيها(5) .
ومن الخطب الأخرى للإمام أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) عن الخوارج قوله:
«أَصابَكُمْ حَاصِبٌ(6) وَلاَ بقِيَ مِنْكُمْ آبِرٌ(7) أَبَعْدَ إِيمَانِي بِاللَّه وجِهَادِي مَعَ رَسُولِ
ص: 129
اَللَّهِ صلى الله عليه واله وسلم أَشْهَدُ عَلَى نَفْسِي بِالْكُفْرِ لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذاً ومَا أَنَا مِنَ اَلْمُهْتَدِينَ فَأُوبُوا شَر مَآبٍ واِرْجِعُوا عَلَى أَثِرِ اَلْأَعْقَابِ أَمَا إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي ذُلاًّ شَاِلاً وسَیْفاً قَاطِعاً وأَثَرَةً(1) يَتَّخِذُهَا اَلظَّالِمُونَ فِيكُمْ سُنَّةً»(2) .
الواضح هنا من كلمات امير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته هذه أنها كانت في أيام صفين حين نادى الخوارج (لا حکم إلا لله) بعد أن فرضوا التحكيم عليه (صلوات الله عليه) ثم رجعوا عنه، وقرروا اعتزال حكومته متهمينه بالخروج من الإسلام لقبوله التحكيم(3) ، ولعل الحقيقة الواضحة هنا أن الإمام (عليه السلام) أراد من خلال خطبته أن يخبر هؤلاء عن المستقبل المظلم للخوارج، لاسيما بعد أن كان أمير المؤمنين (عليه السلام) قد وضح لهم حقيقة الخدعة التي قام بها جيش معاوية حينما رفعوا المصاحف قائلين: إن بيننا وبينكم كتاب الله، هذه مجرد خدعة يراد منها تشتيتكم وإبعادكم عن النصر الذي أصبح بمتناول اليد، وإنما فعلوا ذلك لهذا السبب، إلا ان الخوارج كانوا يرفضون كلام الإمام (عليه السلام) هذا، ثم بعدها قال لهم تحتكمون للقرآن، أنا القرآن، أنا القرآن الناطق، أولست من قال عنه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم):
ص: 130
«إني مخلف فيكم الثقلین كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتوا بهم لن تضعوا بعدي أبداً»(1) .
وكان كلام الإمام علي (عليه السلام) هذا لا يجد فيهم آذاناً صاغية، بل يستمعون إلى شيطانهم الذي أضلهم سبيلا(2) ، وفعلاً كانوا مثلما وصفهم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لعائشة حينما قال لها:
«إنهم شر الخلق والخليقة يقتلهم خیر الخلق والخليقة، وأقربهم عند الله وسيلة»(3) .
وبالعودة لخطبة امير المؤمنين عليه السلام نجد أنه بدأ كلامه بالدعاء عليهم «أَصَابَكُمْ حَاصِبٌ وَلاَ بَقِيَ مِنْكُم آبِرٌ» ومعنى هذا الكلام أرسل الله عليكم ريحاً شديدة، حتى تقتلعكم من جذوركم حتى لا يبقى أحد منكم، ثم يبين الإمام فضائله بعد أن طلبوا منه أن يشهد على نفسه أنه كفر، فرد عليهم، أنا أول من آمن بالله ورسوله، وكنت معه في جميع حروبه- إلا تبوك حيث خلفني الرسول على المدينة- وبسيفي جندلت صناديد الشرك والظلالة وبعد هذا كله تقولون كفرت(4) ، ثم قال بعدها (فَأُوبُوا شَرَّ مَآبٍ) وهذا دعاء ثانٍ دعاه عليهم الإمام مخاطباً الله أن ينزل على هؤلاء القوم الذل والهوان في الدنيا والآخرة، ثم
ص: 131
يختم الإمام كلامه بنبوءة تكشف عن مصيرهم المحتوم، ومستقبلهم المظلم وهي قوله «أَمَا إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدي ذُلاًّ شَامِلاً...»، وفعلاً هذا ما حدث فقد تحققت نبوءة الإمام وكانت السيوف تتلقفهم من كل حدب وصوب وضرب عليهم الذل والهوان(1) .
والحقيقة التي تتجلى من كلام الإمام علي (عليه السلام) أنه كان يرى الخوارج ظاهرة حية وفكر منحرفاً موجوداً مدى الدهر، وليس مثلما يرى بعض الباحثين أنهم مجرد فرقة، كذلك أشار بعضهم إلى أن هذا الفكر كان موجوداً حتى في عهد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وقيل إن الآية الكريمة:
«وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَاِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ»(2) .
قد نزلت بعدما قام الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) بتقسيم الغنائم بين أفراد جيشه بعد الانتهاء من غزوة حنين(3) ، والحق إن أصحاب هذا الفكر الظلامي المنحرف موجودون في كل عصر ومصر، وإن كان مسقط رأسهم في صفين، وشهادة ميلادهم صدرت من التحكيم، فقد عرف عنهم تمسكهم
ص: 132
بالقشور وترك اللب، إذ كانوا يأخذون بظاهر النص من غير التحري والتمعن في باطنه، كما عرف عنهم تعطشهم للقتل وسفك الدماء، فكانوا يقتلون الرجال، والنساء، والأطفال، والشيوخ، على حد سواء، لتعصبهم الأعمى لآرائهم المختلفة(1) ، فكانوا يحاججون القرآن الناطق علي بن أبي طالب (عليه السلام) ظناً منهم أنهم أعلم منه، وما يجب أن يقال هنا أن ورثة مدرسة الخوارج الظلامية تتجسد اليوم في بعض الجماعات المنحرفة أخلاقياً ودينياً والمتمثلة بالفكر السلفي والتكفيري الوهابي، فهما يعدان وجهان لعملة واحدة، إذ يوزعان صكوك الغفران على وفق أهوائهما، لاسيما النوع الآخر المتمثل بالتكفيرين الذين يهدرون دماء الأبریاء لأتفه الأسباب، وبقطع النظر عن انتمائهم الديني أو المذهبي، بل إنهم يرون أنفسهم أفضل من غيرهم، وهم بذلك يمثلون الامتداد التاريخي للخوارج الذين كانوا يرون أنفسهم الحق المطلق، وغيرهم هو الباطل بعينه، ومن الجرائم التي اقترفها الخوارج، وتستحق الوقوف عليها؛ لأنها تكشف عن مدى انحراف هذه الفئة العقائدي، والفكري وابتعادهم كل البعد عن الإسلام، قيامهم بقتل الصحابي عبد الله بن الخباب(2)
ص: 133
وزوجته الحامل، إذ قتلوهما بطريقة بشعة لا لذنب اقترفاه إلا؛ لأنهما رفضا البراءة من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) حینما طلب الخوارج ذلك منهما، فعمدوا إلى قتلهما ومثلوا بهما(1) ، وهم بأفعالهم هذه يصبحون مثلما وصفهم الإمام علي (عليه السلام) في إحدى خطبه حينما قال عنهم: «أَنْتُمْ شِرَارُ اَلنَّاسِ و مَنْ رَمَى بِهِ اَلشَّيْطَانُ مَرَامِیَهُ وضَرَبَ بِهِ تِيهَهُ»(2) .
ذكر البيهقي أن الإمام أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) بين أن الخوارج شر الناس الذين أضلهم الشيطان عن الطريق القويم وأصبحوا بأفعالهم تلك سالكين في بادية الظلالة(3) ، مجسدين بأفعالهم تلك، قوله تعالى:
«قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْیُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا»(4) .
والسؤال الذي يطرح نفسه، هل فعلاً الخوارج هم شرار الناس؟ والحق أن وصف الإمام (عليه السلام) لهم بهذه الصفة أمراً لا مبالغة فيه، ففعلاً هم شر الناس، لا لأنهم خرجوا على الإمام الحق وبغوا على من هو بالإتباع أحق، فأضلهم الشيطان بوساوسه(5) ، ولعل أبرز العقائد المتناقضة التي جاءوا بها هي
ص: 134
قيامهم بتكفير عثمان، والامام امير المؤمنين (عليه السلام) وبراءتهم من التحكيم، بعد ان كانوا هم المطالبين به، وتكفير معاوية وأتباعه، ووجوب القيام ضد الإمام الجائر وكذل تكفير من ارتكب الكبيرة(1) .
وكلام الإمام علي (عليه السلام) عن الخوارج كثير في كتاب نهج البلاغة ومن الكلمة التي قالها عنهم التي تستحق الوقوف عندها هي قوله:
«لاَ تُقَاتلُوا اَلْخَوَارِجَ بَعْدِي فَلَيْسَ مَنْ طَلَبَ اَلْحَقَّ فَأَخْطَأَهُ كَمَنْ طَلَبَ اَلْبَاطِل فَأَدْرَکَهُ»(2) .
والملحوظ من كلامه (عليه السلام) هذا أنه ينهى عن قتال الخوارج بعده؛ لأنه صاحب تجربة معهم ويعرفهم حق المعرفة، فهو خبير بأساليبهم القذرة والمنحرفة، حتى كانوا هم من قتله غدراً، ولعل الشيء الذي يثير الاستغراب والدهشة هو لماذا نهى الإمام عن قتالهم بعده؟ والمرجح هنا أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أراد أن يجنب أصحابه فتح جبهتين في آن واحد وهما الخوارج ومعاوية في الشام؛ بل أرادهم لتكريس قوتهم في هذا الوقت نحو جبهة الشام المنحرفة عقائدياً وفكرياً ولأنهم الأخطر على الإسلام وأهله لأنهم كانوا يسيرون عن عمد نحو طريق الباطل، بينما الخوارج فئة من الجهال المنحرفة ظلت عن طريق الحق بسبب تعصبها الأعمى فانتهى بها الأمر إلى الحيرة
ص: 135
والضلال(1) ، وقطعاً فالمراد من كلام الإمام علي (عليه السلام) قتال الفئة الثانية المتمثلة بمعاوية وأهل الشام أولاً ثم بعد الفراغ من أمرها التوجه لقتال الفئة الأولى أي الخوارج(2) ، وأخيراً فأن الملاحظ كلمة أمير المؤمنين (عليه السلام) السابقة أن الخوارج كانوا يطلبون الحق فأخطاؤه، أما أتباع معاوية، فكانوا يلهثون وراء الباطل عن قصد وعمد، وهذا هو الفرق بينهما، والحقيقة هنا أن هاتين الفئتين موجودتان في كل زمان ومكان، ويجب مجابهة الفرقة الثانية بكل الوسائل المتاحة للقضاء عليها؛ لأن وجودها يمثل تهديداً مباشر لبيضة الإسلام ووجوده، بينما الفئة الأولى تعد أخطر على الإسلام، ويمكن احتواءها من خلال الوعظ والإرشاد، لهدايتها لطرق الحق، وهذا ما فعله أمير المؤمنين بنفسه مع الخوارج في معركة النهروان؛ إذ إن كلام الإمام معهم ووعظه لهم أسهم بشكل كبير في توبة عدد كبير منهم، ورجوعهم للطريق القويم(3) ، إذ تشير الروايات التاريخية إلى أن عدد الخوارج الذين تراجعوا وعادوا عن طريق الضلال ثمانية آلاف شخص، بينما الذين رفضوا التوبة والعودة لطاعة قائدهم هم أربعة آلاف قتل أغلبهم في النهروان(4) .
وهنالك حقيقة مهمة ذكرت في نهج البلاغة، هي أن كلام الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام) عنهم لم يقتصر على خطبة أو خطبتين أو حتى ثلاثة، بل
ص: 136
امتد ليصل إلى أكثر من ثماني عشرة خطبة ذكر فيها الخوارج في نهج البلاغة؛ إذ كان يبين حقيقة هؤلاء القوم والأسباب الحقيقية التي دعته إلى قتالهم؛ لأن بعض الأفراد ضعيفو الإسلام بدأوا يترددون في قتال هؤلاء القوم؛ لأنهم مسلمون؛ لأنهم كانوا كثيري العبادة، لاسيما قراءة القرآن والصلاة؛ إذ كان الرجل منهم يبدأ صلاته ليلاً ولا ينتهي منها إلا صباحاً(1) ، فقد ذكر أن ابن عباس حينما ذهب إليهم رسولاً من قبل الإمام علي (عليه السلام)، رأى منهم جباهاً قرحة لطول السجود، وأيدي كثفنات الإبل، قمصاً مرحضة(2) ، ومع ذلك لم يكونوا قد اتخذوا طريق الله بل أغواهم الشيطان وسقطوا في حبائله وقد أضاعوا بذلك دينهم ودنياهم(3) .
****
ص: 137
كثيرة هي الأخبار الغيبية التي جاءت في نهج البلاغة عن الدولة الأموية؛ إذ فاقت غيرها من الأخبار الغيبية التي أخبر عنها أمير المنؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ومن الجدير ذكره هنا أنه عليه السلام كان في بعض خطبه يذكرهم بالاسم أي كان يقول بني أمية وكان يصفهم بالفتنة العمياء المظلمة؛ لعل السبب في ذلك يعود لحجم الخطر الذي يمثله الأمويون على الأمة الإسلامية؛ إذ إنهم أحيوا أعراف الجاهلية تاركين تعاليم الدين الإسلامي الحنيف وما جاء بها خاتم الرسل والأنبياء محمد بن عبد الله.
ومن خطبة للإمام علي (عليه السلام) يذكر فيها سيطرة الأمويين على الخلافة بعده فيقول:
ص: 138
«فَاسْأَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تَسْاَلُونِي عَنْ شَيْءٍ فيمَا بَيْنَكُمْ وبَيْنَ اَلسَّاعَةِ ولاَ عَنْ فِئَةٍ تَهْدِي مِائةً وتُضِلُّ مِائَةً إِلاَّ أَنْبَأْتُكُمْ بِنَاعِقِهَا وقَائِدِهَا وسَائِقِهَا و مُنَاخِ رِكَابِهَا و مَحَطَّ رِحَالِهَا و مَنْ يُقْتَلُ مِنْ أَهْلِهَا قَتْلاً، ويَمُوتُ مِنْهُمْ مَوْتاً ولَوْ قَدْ فَقَدْتُمُونِي ونَزَلَتْ بِكُمْ كَرَائِهُ اَلْأُمُور وَحَوَزِبُ اَلْخُطُوبِ لَأَطْرَقَ کَثِیرٌ مِنَ اَلسَّائِلِین وفَشِلَ كَثِیرٌ مِنَ اَلْمَسْؤولِینَ وَذَلِكَ إِذا قَلَّصَتْ حَرْبُكُمْ وشَمَّرتْ عَنْ سَاقٍ وضَاقَتِ اَلدُّنْيَا عَلَيْكُمْ ضِيقاً تَسْتَطِيلُونَ مَعَهُ أَيَّامَ اَلْبَلاَء عَلَيْكُمْ حَتَّى يفْتَحَ اَلله لِبَقيَّةِ اَلْأَبْرَارِ مِنْكُم.... أَلاَ وإِنَّ أَخْوَفَ اَلْفِتَنِ عِنْدِي عَليْكُم فِتْنةُ بَنِي أُمَيَّة فَإِنَّهَا فتْنةٌ عَمْیاءُ مُظْلمِةٌ عَمَّتْ خُطَّتُهَا وَخَصَّتْ بليَّتُهَا وَأَصَابَ اَلْبَلاَءُ مَنْ اَبْصَرَ فِیهَا وأَخْطَأ اَلْبَلاَءُ مَنْ عَمِیَ عَنْهَا، واَيْمُ اَللهِ لَتَجِدُنّ بَنِي أُمَيَّةَ لَكُم أَرْبَابَ سُوءٍ بَعْدِي کَالنَّابِ اَلضَّرُوسِ تَعْذِمُ(1) بِفِيهَا وتَخْبِطُ بِيَدِهَا وتَزْبِنُ(2) بِرِجْلِهَا وتَمْنَعُ دَرَّهَا لاَ يَزَالُونَ بِكُمْ حَتَّى لاَ يَتْرُكُوا مِنْكُمْ إِلاَّ نَافِعاً لَهُم أَوْ غَيْر ضَائِرٍ بِهِمْ، ولاَ يَزَالُ بَلاَؤُهُمْ حَتَّى لاَ يَكُونَ انْتِصَارُ أَحدِكُمْ مِنْهُمْ إِلاَّ كَانْتصَارِ اَلْعَبْدِ مِنْ ربِّهِ واَلصَّاحِبِ مِنْ مُسْتَصْحِبِه تَرِدُ وعَلَیْکُمْ فِتْنَتُهُمْ شَوْهَاءَ مَخْشِيَّةً وقِطَعاً جَاهِلِيَّةً لَيْسَ فِيهَا مَنَارُ هُدًى ولاَ عَلَمٌ يُرَى...»(3) .
ص: 139
قال الإمام علي (عليه السلام) خطبته هذه بعد انقضاء حرب النهروان(1) ، ويبدأ الإمام خطبته هذه بعبارة «فَاسْأَلُوني قَبْلَ أَنْ تنفْقِدُوني» و هي ما لم يجرؤ على قولها أحد غيره ثم يقسم (سلام الله عليه) فيقول: «فَو الَّذِي نَفْسِي بِيَدِه لاَ تَساُلُونِي عَنْ شَيْ ءٍ فِيمَا بَيْنَكُمْ وبَيْنَ اَلاَّسَّاعَة» وهذا كلام فيه أدل واضحة على أن الإمام علياً (عليه السلام) له ارتباط بمصادر الوحي وقد استند إلى المدد الإلهي، والعلم المطلق من خلال رسول الله محمد (صلى الله عليه واله وسلم)، والعجيب في الأمر هنا أن أبا الحسن (عليه السلام) أكد في عبارته هذه انه يستطيع أن يخبر بكل الحوادث القادمة إلى يوم القيامة من جانب، ومن جانب آخر أشار إلى جزيئات هذه الحوادث وتفاصيلها، الأمر الذي لا يتيسر إلا للنبي (صلى الله عليه واله وسلم) ومن يستقي علومه ومعارفه منه(2) .
أما العبارة: «وَ لاَ عَنْ فِئَةٍ تَهْدِي مِائَةً وتُضِل مِائَةً» فقيها أدلة واضحة بأن لا يخبر عن الجماعات الكثيرة والوقائع الخطيرة فحسب، بل يستطيع الاخبار عن صغائر الحوادث وكبارها على حد سواء، وببركة ذلك التعليم الإلهي الذي علمه له الرسول (صلى الله عليه واله وسلم)(3) .
ثم يشير الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته إلى مسألة مهمة
ص: 140
وهي: «وَ لَوْ قَدْ فَقَدْتُمُونِي ونَزَلَتْ بِكُمْ كَرَائِهُ الأمور..»، وهنا يذكر (صلوات الله علیه) لهم اسألوني ما دمت بينكم فليس لأحد بعدي أن يرد على ما يدور في أذهانكم وحينها سوف تندمون، ومن الواضح أن هذا الكلام تشجيعهم للسؤال، ثم يحذرهم الإمام (عليه السلام) من الأزمات المرتقبة؛ ليستعدوا لها(1) ، وأما قوله: «وَذَلِكَ إِذَا قَلَّصَتْ حَرْبُكُمْ وشَمَّرَتْ عَنْ سَاقٍ...» فهنا الإشارة إلى سيطرة بني أمية على مقدرات الأمة الإسلامية وتفردها بالسلطة من غير مسوغ قانوني أو شرعي، ويصف حالة الناس بقوله: «وَضَاقَتِ اَلدُّنْيا عَليْكُمْ ضِيقاً» و هي عبارة غاية في البلاغة، التي تصور من خلالها ما سيفعله الأمويون بالناس(2) .
أما قوله: «حَتَّى يَفْتَحَ اَللهُ لِبَقِيَّةِ اَلْأَبْرَارِ مِنْكُمْ...» فكلام الإمام (عليه السلام) يحتمل معنيين:
1- يمكن أن يكون هو تنبؤ الإمام (عليه السلام) بزوال الدولة الأموية ليتنفس المسلمون الصعداء مع مجيء العباسيين الذين لم يشتد عودهم بعد(3) .
2- قد يكون إشارة إلى قيام الإمام المهدي (عج) الذي يقضي على الظلم والجور، ويرسي قواعد العدل والقسط(4) .
وقد يتبادر إلى الذهن سؤال مهم وهو لماذا حذر الإمام علي (عليه السلام)
ص: 141
من فتنة بني أمية؟ وجواب هذا السؤال أن الإمام (عليه السلام) كان يدرك مدى خطورة حكومة بني أمية؛ إذ كانت من أعظم الفتن التي عصفت بالمسلمين منذ انبثاق الدعوة الإسلامية، حيث تميز حكمهم بالاستبداد، والغطرسة، والتسلط، ونصرة الظالم على المظلوم(1) ، فأبو سفيان لم يدخر جهداً في محاربة الدين الإسلامي عامة ورسول الله محمد (صلى الله عليه واله وسلم) خصوصاً، حيث بذل قصارى جهده من اجل القضاء على الإسلام؛ إذ أن أغلب الحروب ضد الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) كانت من تدبيره، وفي ذلك رُوي أنه حینما ولي الخلافة عثمان بن ابي عفان، اجتمع بنو أمية في داره فأغلقوا الباب، وكان حينها أبو سفيان قد كف بصره فالتفت إليهم، وسألهم: هل فيكم غيركم؟ قالوا:لا، فقال عبارته الشهيرة: (يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة فو الذي يحلف به أبو سفيان ما من عذاب ولا حساب ولا جنة ولا نار ولا بعث ولا قيامة)(2) ، وهي ذات العبارة التي كررها معاوية ثم أعادها يزيد على رأس الإمام الحسين (سلام الله عليه).
إذن فالمعادلة واضحة و هي:
1- أن رسول الله محمد (صلى الله عليه واله وسلم) عدوه اللدود أبو سفيان.
2- ووصي رسول الله الإمام علي (عليه السلام) عدوه معاوية بن أبي سفيان.
ص: 142
3- وسبط الرسول الحسين (عليه السلام) عدوه يزيد بن معاويه.
إذن فالعداء بين البيت الهاشمي والأموي عداء سرمدي عداء الإيمان والكفر، وعداء الخير والشر عداء الحق والباطل.
وبالعودة إلى خطبة الإمام (عليه السلام) نجد في قسمها الثاني إشارة واضحة إلى الفتن، خاصة فتنة بني أمية والتي يذكرها بالاسم ويحذر الناس من خطورتها(1) فيقول:
«أَلاَ وَاِنَّ أَخْوَفَ اَلْفِتَنِ عِنْدي عَلَيْكُمْ فِتْنةُ بَنِي أمَیَّةَ فَأُنَّهَا فِتْنَةٌ عَمْياءُ..» وقد شبهها الإمام (عليه السلام) بالعمياء؛ لأنها لا تبقى أمامها قيم ومفاهيم ومثل، بحيث تتجاوز الأشخاص من غير الالتفات إلى سوابقهم ومواقفهم، وفعلاً صدق الإمام علي (عليه السلام)، فقد كانوا كذلك حيث أعيدت أعراف الجاهلية في عهدهم، وتمكن رجالهم من التسلط على رقاب المسلمين واشغال مواقع مهمة في الدولة، ومارسوا أبشع أنواع البطش والتعذيب بحق أولئك الذين عارضوا هذه الدولة(2) .
ثم يتكلم (عليه السلام) على فتنة بني أمية فيصف حكومتها بالعامة والشاملة التي يخضع لها الجميع وتكون عادلة من حيث توزيع ظلمها علی بالناس بالتساوي، ثم يتطرق لتلك الفتنة، فيكشف حقيقة مهمة هي أن الذي كان بصيرً في تلك الفتنة ووقف بوجهها، شمله ذلك البلاء، بينما يسلم من كان
ص: 143
أعمى، بحيث ستشمل آثار هذه الفتنة، القوم كافة(1) .
ثم أشار الإمام إلى أمر مهم هو«عَمَّتْ خُطَّتُها» لتأكيد وجود الفتنة التي سوف تطال المؤمنين الأشداء، بينما يكون الجهال من عديمي الشعور بالمسؤولية في أمان من بلائها(2) ، وهي أيضاً إشارة إلى شمولية أمرها واختصاص بلائها بأهل البيت (عليهم السلام)؛ لأنها اغتصاب لحقهم(3) ، ثم يتكلم الإمام علي (عليه السلام) على فتنة بني أمية تلك بالتخصيص فيقول:
«وَاَيْمُ اَللهِ لَتَجِدُنَّ بَنِي أُمَيَّةَ لَكُمْ أَرْبَابَ سُوءٍ بَعْدِي...» وفي كلام الإمام (عليه السلام) هذا بلاغة وتشبيه غاية في الروعة، فبعد أن يقسم بالله يخبرهم أن بني أمية سيكونون أربابكم بعدي، ثم يذكر الإمام (عليه السلام) حالهم بتشبيههم بالناقة التي يستفيد صاحبها من لبنها، وركوبها، ليصل إلى المكان الذي يريد(4) ، و أن الإنسان ينتظر من الحكومة أن تساعده وتحل مشاكله وان تكون سنده في الحياة، بعكس حكام بني أمية الذين كان ديدنهم الحفاظ على السلطة، وتحقيق المنافع الشخصية على حساب مصالح الناس، لذا كانت نبوءة الإمام (عليه السلام) صحيحة لا تقبل الشك؛ لذلك يذكر الشيرازي إذ كان يرى من خلال بصيرته الثاقبة كل تلك الأحداث وعظم البلاء
ص: 144
الذي جنته هذه الفئة على المسلمين(1) .
ثم يشير الإمام (عليه السلام) إلى أنه في خضم هذه الفتنة لا يسع الناس إلا أن يشكوا ذلك الظلم إلى أنفسهم؛ لأنه لا يوجد من يسمع شكواهم، فيتجهوا للشكوى من هذا الظلم لأنفسهم، ثم يقول:
«وَلاَ يَزَالُ بَلاَؤُهُمْ حَتَّى لاَ يَكُونَ اِنْتِصَارُ أَحَدِكُمْ مِنْهُمْ...» وفي هذا الكلام إشارة إلى تلك السلطة الجائرة التي تقطع ألسن دعاة الحق كافة؛ إذ تقوم بمحاصرة العلماء وتعز الذليل وتذل العزيز، ثم يقول الإمام بإعطاء أدق التفاصيل والجزئيات لتلك الفتنة، فيقول:
«تَرِدُ عَلَيْكُمْ فِتْنَتُهُمْ شَوْهَاءَ مَخْشِيَّةً...» ومن خلال هذا الكلام يكون الإمام (عليه السلام) قد رسم بهذه الخصائص ملامح الصورة القاتمة لظروف حكومة بني أمية وأوضاعها وكأنه كان قد عاش تلك المدة المظلمة التي جاوزت التسعين عاماً (40- 132ه) ورآها بأم عینیه(2) ، وقد روّي أن بني أمية كانت تعامل طائفة من الناس كعبيد، كذلك ذكر أنهم كانوا يأخذون الجزية ممن أسلم من أهل الذمة، ويقولون فروا من الجزية، ويأخذون الصدقة من الخيل، وكانوا يختمون في أعناق المسلمين مثلما توسم الخيل(3) .
ص: 145
وفي خطبة ثانية للإمام علي (عليه السلام) وقد تطرق فيها لتسلط الأمويين على الحكم، ذكرها (عليه السلام) بعد تمرد جيشه على أوامره حينما طلب منه الاستعداد لمواجه أهل الشام بعد فراغه من النهروان(1) ، وجاء فيها:
«وَلَئِنْ أَمْهَلَ اَلظَّالِمَ فَلَنْ يفُوتَ أَخْذُهُ وَهُوَ لَهُ بِالْمِرْصَادِ عَلى مَجَازِ طَرِيقِهِ وَبِمَوْضِعِ اَلشَّجَا(2) مِنْ مَسَاِغِ(3) ، رِيقِهِ أَمَا واَلَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ لَيَظْهَرَنَّ هَؤُلاَءِ اَلْقَوْمُ عَلَيْكُمْ لَيْسَ لِأَنَّهُمْ أَوْلَى بِالْحَقَّ مِنْكُمْ، وَلَكِنْ لِإِسْرَاعِهِمْ إِلَى بَاطِلِ صاحِبِهِمْ وإِبْطَائِكُمْ عَنْ حَقِّي وَلَقَدْ أَصْبَحَتِ اَلْأُمَمُ تَخَافُ ظُلْمَ رُعَاتِهَا وأَصْبَحْتُ أَخَافُ ظُلْمَ رَعِيَّتِي...»(4) .
أشار الإمام علي (عليه السلام) في خطبته هذه إلى حقيقة مهمة وهي أن إمهال الظالم لمدة من الزمن لا يعني خلاصه من عذاب الله؛ لأنه له بالمرصاد، محذراً من تسرب الشك إلى قلوب أتباعه بسبب إمهال الله لهؤلاء الظالمين، والمقصود بهم معاوية، وأهل الشام، ثم ينتقل الإمام في حديثه إلى حقيقة مهمة، وهي التنبؤ بمصير هؤلاء القوم إزاء عدوهم الطامع، قائلاً:
ص: 146
«أَمَا واَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَظْهَرَنَّ هَؤُلاَءِ اَلْقَوْمُ عَلَيْكُمْ...» وهذه نبوءة تحققت؛ فقد تسلط أهل الشام على مقاليد الدولة الإسلامية، وقد أشار الإمام (عليه السلام) إلى ذلك من خلال بيان أن هذا سيكون مصير أتباعه آخر الأمر، ولا يكون ذلك لأن أهل الشام على حق، بل هم على باطل وعلى الرغم من ذلك فهم عاقدون العزم عليه ومطيعون طاعة عمياء لسيدهم معاوية، أما أتباع الإمام (عليه السلام) فعلى الرغم من كونهم على حق إلا أنهم كانوا ضعفاء خانعين لا يطيعون قائدهم(1) .
ثم أشار الإمام علي (عليه السلام) إلى مسألة مهمة وهي:
«وَلَقَدْ أَصْبَحَتِ اَلْأُمَمُ تَخَافُ ظُلْمَ رُعَاتِهَا وأَصْبَحْتُ أَخَافُ ظُلْمَ رَعِيَّتِي».
لعل الذي ينظر إلى هذا الكلام يجد أن حكم الإمام علي (عليه السلام) ومدة خلافته كانت قمة الديمقراطية، وقد كان ذلك قبل ما يقارب من ألف وأربعمائة سنة، بينما نجد المنظمات الدولیة بمختلف مسمياتها وجنسنياتها تطالب في هذا العصر بتطبيق تلك المبادئ التي طبقها علي بن أبي طالب (عليه السلام) منذ ذلك الوقت، والإمام (عليه السلام) يشير من خلال كلامه إلى الظلم والجور الذي تلاقيه الأمم والشعوب من حكوماتها المستبدة، بحيث أصبح هذا الأمر طبعياً، وهنا يوضح الإمام أن هذه المسال مقلوب لديه لأنه كان يعيش حالة من القلق والاضطراب، من كثرة غدر أتباعه ومكائدهم، ثم ينبه أتباعه على أنهم سوف يكونون صيدً سهلاً للطغاة والظالمين ما لم يغيروا
ص: 147
حالهم وفعلاً فقد حدث ذلك وتسلط عليهم الأمويون وأذاقوهم أنواع العذاب والظلم(1) .
وفي خطبة أخرى للإمام علي (عليه السلام) وفيها يتحدث أيضاً عن حكم الأمويين وفيها يقول:
«لاَ يزالُونَ حَتَّى لاَ يَدَعُوا للهِ مُحَّرَّماً إِلاَّ اِسْتَحلُّوهُ وَلاَ عَقْداً إِلاَّ حَلُّوهُ وَحَتَّى لاَ يَبْقَى بَيْتُ مَدَرٍ(2) وَلاَ وَبَرٍ(3) إِلاَّ دَخَلَهُ ظُلْمُهُمْ وَنَبَا بِهِ سُوءُ رعْيهِمْ»(4) .
وهذه خطبة أخرى وقد حملت الخبر الغيبي نفسه عن مجيء الأمويين للحكم وتسلطهم على رقاب الناس وظلمهم لهم؛ وهذا ما قاله الإمام عنهم:
«لأَنَّهُمْ لاَ يتركون مُحَرَّماً إِلاَّ اِرتكبوه» ثم يدخل ظلمهم هذا إلى بيوت المسلمين جميعها على اختلاف أشكالها، وألوانها، وأماكنها، وكلام الإمام هذا يعكس شمولية الظلم الذي مارسه الأمويون، وفعلاً كشفت الأيام صدق كلام الامام علي (عليه السلام) بشأن تلك الدولة السيئة التي لم تدخر جهداً في سبيل ترسیخ دعائم سلطتها مستعملة بذلك سياسة البطش، والعنف، وسفك الدماء وملئ السجون بالمؤمنين
ص: 148
الأبریاء(1) .
وفي خطبة أخرى للإمام علي (عليه السلام) وهو يتكلم فيها عن أتباعه، ويحذرهم من أخطار المستقبل المحدقة بهم إذا بقوا على حالهم ولاسيما تحذيره لهم من الأمويين وما سيفعلوه بهم وفيها يقول الإمام:
«مَا لِي أَرَاكُمْ أَشْبَاحاً بِلاَ أَرْوَاحٍ وأَرْوَاحاً بِلاَ أَشْبَاحٍ ونُسَّاكاً بِلاَ صَلاَحٍ وتُجَّاراً بِلاَ أَرْبَاحٍ وَأَيْقَاظاً نُوَّماً وَشُهُوداً غُيَّباً ونَاظِرةً عَمْيَاءَ وَسَامِعَةً صَمَّاءَ ن وَنَاطِقَةً بِكْمَاء رأَيْتُ ضلاَلَةً قَدْ قَامَتْ عَلَى قُطْبِهَا وَتَفَرَّقَّتْ بِشُعَبِهَا تَكلِيلُكُمْ بِصَاعِهَا(2) وَتَخْبِطُكُمْ بِبَاعِهَا(3) قَائِدُهَا خَارِجٌ مِن اَلْمِلَّة قَائِمٌ عَلَى اَلضَّلَّة فَلاَ يَبْقَى يَوْمَئِذٍ مِنْكُمْ إِلاَّ ثُفَالَةٌ(4) كَثُفَالَة اَلْقِدْرِ أَوْ نُفَاضَةٌ كَنُفَاضة اَلْعكْمِ(5) تعْرُكُكُمْ عَرْكَ اَلْأَديمِ(6) وَتَدُوسُكُمْ دَوْسَ اَلْحْصِیدِ وَتَسْتَخِصُ اَلْمُؤْمِنَ مِنْ بَيْنِكُمُ اِسْتِخْلاَصَ اَلطَّيْرِ اَلْحَبَّةَ اَلْبَطِينَةَ مِنْ بَيْنِ هَزِيلِ اَلْحَبِّ...»(7) .
ص: 149
يخاطب أمير المؤمنين (عليه السلام) أتباعه في هذه الخطبة، ويحذرهم من المستقبل القريب، ومن حجم الأهوال القادمة إليهم، إذا لم يعيروا حالهم هذا ويبين لهم راية الظلال القادمة إليهم وهي بنو أمية وتسلطهم عليهم في قادم الأيام، وتحذير الإمام لأتباعه جاء؛ لكي یتأهب الناس لهذه الفتنة ومحاولة للتقليل من أضرارها الجسيمة وخسائرها الفادحة، كذلك وضح الإمام لهم أن راية الظلال ستكون ثابتة وراسخة بأيدي أرباب السوء من بني أمية ولا يمكن الإطاحة بها بسهولة على الرغم من تفرق فروع هذه الراية(1) ، ثم يبين أمير المؤمنين (عليه السلام) سيطرة هذه الطغمة على مقدرات الأمة وتفردها بتوزيع العطاء على وفق أهوائها الشخصية، وبعدها يقول الإمام (عليه السلام):
«قَائِدُها خَارِجٌ مِن اَلْمِلَّةح قَائِمٌ عَلَى اَلضَّلَّة» وهذه العبارة تشير إلى كلّ حكام بني أمية ونهجهم طريق الضلال ليكون أساساً لعملهم، وطريق حكمهم للبلاد الإسلامية، وخروجهم عن طريق الحق وشرع الله(2) ، ثم يخاطب الإمام علي (عليه السلام) أتباعه بقوله:
«فَلاَ يَبْقَى يَوْمَئِذٍ مِنْكُمْ إِلاَّ ثُفَالَةٌ...» وهذا الخطاب معناه أن الحكام الأمويين هؤلاء لن ينجو من بطشهم وظلمهم إلا القلة القليلة من المؤمنين بحيث يتفوقوا عليكم مثلما تلتقط الطيور
ص: 150
الحبوب القوية من الضعيفة(1) .
تطرق الإمام علي (عليه السلام) إلى معاوية في نهج البلاغة؛ إذ ذكر صفاته وما سيفعله بعده وكيف سيغلب على الحكم ويتسلط على رقاب الناس من غير ذكر اسمه الصريح، وقد اتفق أغلب شُراح نهج البلاغة ان هذا الرجل الذي ذكره الإمام بصفاته هو معاوية بن أبي سفيان(2) ، وقد جاء في خطبة الإمام علي (عليه السلام):
«أَمَا إِنَّهُ سَيَظْهَرُ(3) عَلَيْكُمْ بَعْدِي رَجُلٌ رَحْبُ اَلْبُلْعُومِ مُنْدَحِقُ اَلْبَطْنِ(4) يَأْكُلُ مَا يَجِدُ وَيَطْلُبُ مَا لاَ يَجِدُ فَاقْتُلُوهُ وَلَنْ تَقْتُلُوهُ أَلاَ وإِنَّهُ سَیَاُمُرُكُم بِسَبَّي وَاَلْبَرَاءةِ مِنَّي فَأَمَّا اَلسَّبُّ فَسُبُّوني فَإِنَّهُ لِي زَكَاةٌ وَلَكُمْ نَجَاةُ وَأَمَّا اَلْبَرَاءَةُ فَلاَ تَتَبَرَّءُوا مِنِّي فَإِنِّي وُلِدْتُ عَلَى اَلْفِطْرَةِ وسَبَقْتُ إِلَى اَلْإِيِمَانِ واَلْهِجْرَةِ»(5) .
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: من هو هذا الرجل، الذي تنبأ الإمام
ص: 151
بظهوره؟ ولم يقل بوجوده وخروجه، مما يعني أنه موجود وسوف يظهر أي سيغلب على الحكم بعدي(1) .
وقد ذهب ابن أبي الحديد إلى القول أن هذا الرجل الذي ذكره الإمام هو معاوية بن ابي سفيان وليس مثلما زعم بعض الناس أننه زياد بن أبيه أو الحجاج والأرجح أنه معاوية؛ لأنه كان موصوفاً بالنهم، وكثرة الأكل، وكان بطيناً يقعد بطنه إذا جلس على فخذيه(2) .
وفي رواية نقلها الجاحظ أن أبا ذر قال لمعاوية: سمعت رسول الله (صلی الله عليه واله وسلم) قال:
«إذا ولي الأمة الأعین الواسع البعلوم الذي يأكل ولا يشبع فلتأخذ الأمة حذرها منه»(3) . وفي قول آخر للرسول (صلى الله عليه واله وسلم) بحق معاوية أنه قال:
«إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه، أو فأضربوا عنقه»(4) .
وكلمات رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وتشابهها من حيث المعنى مع خطبة الإمام علي (عليه السلام) فيه أشهر الدلائل على أن الرجل المشار
ص: 152
إليه في هذه الخطبة معاوية من غير سواه، كذلك تتجلى حقيقة تاريخية غاية في الأهمية أن معاوية هو أول من أمر بسب الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، إذ أمر الناس بالعراق والشام وغيرهما بسب الإمام والبراءة منه، وخطب بذلك على منابر المسلمين وصار ذلك سُنة أيام الأمويين، وقد استمرت تلك السنة السيئة التي أوجدها معاوية حتى سنة99ه حينما تولى الخلافة عمر بن العزيز وأمر بمنع تلك السنة(1) .
وبالعودة لشرح خطب الإمام (عليه السلام) فقد بدأ كلامه بالقول:
«أَمَا إِنَّهُ سَیَظْهَرُ عَليْكُمْ بعْدِي رَجُلٌ رَحْبُ اَلْبُلْعُومِ مُنْدَحِقُ اَلْبَطْنِ» فهذا الكلام معناه أنه معاوية سيغلب عليكم أي سوف يستولي على مقاليد السلطة وقد وصفه الإمام برحب البلعوم أي بلعومه واسع ويأكل ولا يشبع، وفعلاً كان كذل فهعاك روايا تشير إلى كيرة أكله وعدم شبعه بسبب دعوى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) عليه، إذ روي أن الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) أرسل عليه ثلاث مرا وهو يأكل فقال في الثالثة:
«لا أشبع الله بطنه أبداً»(2) .
وقد ورد في الأخبار أن معاوية لم يشبع بعدها أبداً فكلما كان يؤتى له بالطعام فيأكل ولا يشبع وقال فيها قولته الشهيرة: (والله ما شبعت ولكن كلت
ص: 153
أسناني)(1) ، ومن كلمات رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) عن معاوية فهناك حديث رواه أنس بن ملك، أن رسول الله قال:
«سيظهر على الناس رجل من أمتي عظيم السیرة واسع البعلوم يأكل ولا يشبع، يحمل وزر الثقلین يطلب امارة يوماً، فإذا أدركتموه فابقروا بطنه»(2) .
وفي حديث آخر قال الرسول (صلى الله عليه واله وسلم):
«إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه»(3) .
ومن هنا يتضح أن كلام رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) متوافق بشكل مطلق مع كلام الإمام علي (عليه السلام) في ظهور الرجل واسع البلعوم وهو معاوية بن أبي سفيان(4) .
ومن الصفات الأخرى التي أطلقها الإمام علي (عليه السلام) على معاوية هي (مندحق البطن) أي بطنه واسع كانت تطرح إلى الخارج لكبر حجمها، ثم يخاطب الإمام أتباعه بقوله لهم: (اقتلوه ولن تقتلوه) وكلام الإمام هذا قطعاً موجه إلى أهل العراق، وكان على علم أنهم مع ما عرف عنهم من ضعف وخنوع وخضوع غير قادرين على قتل معاوية بل إنهم غير قادرين على مجرد
ص: 154
التفكير بذلك، أما السبب الذي دعا الإمام (عليه السلام) الى إطلاقه الحكم بهدر دم معاوية، فهو بسبب الفساد الذي أشاعه بين المسلمين وسلبه لأمن البلاد الإسلامية، فضلاً عن إثارته الفتن التي شقت وحدة الصف الإسلامي وسفكت فيها الدماء الكثيرة(1) .
ثم ينتقل الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام) في خطبته إلى جزء مهم فيها، فيقول:
«أَلاَ وإِنَّهُ سَیَامُرُکُمْ وَاَلْبَرَاءَةِ مِنَّي فَاَمَّا اَلسَّبُّ فَسُبُّونِي فَإِنَّهُ لِي زَكَاةٌ وَلَكُمْ نَجَاةٌ وَأَمَّا اَلْبَرَاءَةُ فَلاَ تَتَبَرَّءُوا مِنَّي فَإِنِّي وُلِدْتُ عَلَى اَلْفِطْرة وَسَبَقْتُ إِلَى اَلْإِيمَانِ وَاَلْهِجْرَةِ».
وكلام الإمام هذا يحمل معاني عظيمة: الأول خبر غيبي وهو البدعة التي جاء بها معاوية متجاهلاً قول رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم):
«من سب علياً فقد سبني»(2) .
وقيام معاوية بفعلته تلك يكشف عن حقده وضغينته لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وتجاهله لما يملكه الإمام من العلم وفضائل تناطح عنان السماء، وقد صرح بها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وسمع بها القاصي والداني، وينقل التاريخ أن أوامر سب الإمام علي (عليه السلام) التي صدرت من معاوية لاتباعه، كانت تجري على المنابر، وفي
ص: 155
خطب صلاة الجمعة حتى قال قائلهم: (وخير ما نختتم به خطبتنا سب أبي تراب)، وقد ظن معاوية بفعلته تلك يستطيع الحط من شأن علي ومكانته، فما زاده ذلك إلا شموخاً ورفعة، وما زاد معاوية إلا انحطاطاً ودنواً، وكأن أميرالمؤمنين (عليه السلام) كالشجرة المثمرة كلما ترمى بالحجارة تساقط ثمراً طيباً.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو، هل تمكن معاوية بفعلته من الحط من شأن الإمام علي (عليه السلام)؟ والجواب على ذلك سهل جداً فمجرد القول أين علي وأين معاوية الآن؟ تتجلى الحقائق بأبهى صورة لتوضح للسائل جواب سؤاله فهذا علي (عليه السلام) شامخاً وقد ركع على أعتابه الذهب والياقوت، وذلك معاوية تسكم الأنوف رائحة قبره وقد اتخذ من المزابل ضريحاً له، وعن ذلك نقل الحموي(1) في ترجمته لمدينة سجستان(2) ، قائلاً: «لعن علي بن أبي طالب (عليه السلام)
ص: 156
على منابر الشرق والغرب، ولم يلعن على منبرها إلا مرة واحدة، وقد امتنع أهلها على بني أمية حتى زادوا في عهدهم ألا يعلن علي منبرهم أحد إلا قال: وأي شرف وأعظم من امتناعهم من لعن أخي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) على منبرهم وهو يلع على منابر الحرمين مكة والمدينة»(1) .
ومما قيل في تلك السنة السيئة التي جاءت بها بنو أمية: «إن السب واللعن أصبح سنة جارية، ودعمت في أيام الأمويين سبعون ألفاً منبر يلعن فيها أمير المؤمنين واتخذوا ذلك كعقيدة راسخة أو فريضة ثابتة أو سنة متبعة يرغب فيها بكل شوق»(2) .
وبالعودة لخطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) تبرز حقيقة مهمة وهي قوله:
«فَأَمَّا اَلسَّبُّ فَسُبُّونِي فَإِنَّهُ لِي زَکَاةٌ وَلَكُمْ نَجَاةٌ وَأَمَّا اَلْبَرَاءَةُ فَلاَ تَتَبَرَّءُوا مِنَّي».
وقد ميز الإمام (سلام الله عليه) هنا بين السب له والبراءة منه في ما اذا عرضا على احد، بسماحه بالأول ونهيه عن الثاني، وقد قال ابن أبي الحديد عن ذلك: إن الإمام الباقر (عليه السلام) قال:
«خطب علي (علیه السلام) على منبر الكوفة فقال: سريعض عليكم سبي، وستذبحون عليه، فان عرض عليكم سبي فسبوني، وإن عرض عليكم البراءة من، فإني على دين محمد (صلى الله عليه واله وسلم)»(3) .
ص: 157
ثم ذكر ابن أبي الحديد رواية أخرى عن الإمام الصادق (عليه السلام)، إذ قال:
«قال علي (علي السلام) ليذبحن على سبي- أشار بيده إلى حلقه- ثم قال فإن أمروكم بسبي فسبوني، وإن أمروكم أن تتبرأوا مني فإني على دين محمد (صلى الله عليه والم وسلم) ولم ينههم عن إظهار البراءة».
ومعنى ذلك أن الإمام أمير المؤمنين قد أباح سبه عند الإكراه؛ لأن الله تعالى قد أباح عند الإكراه التلفظ بكلمة الكفر كما في الآية المباركة:
«إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْاِيِمَانِ»(1) .
بينما البراءة تعني التبرئة من الدين الإسلامي ومعتقداته بدليل قوله تعالى:
«بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ»(2) .
وعليه فمفهوم البراءة من الإمام (عليه السلام) هو البراءة من الإسلام ومن هنا منع أمير المؤمنين البراءة منه حتى ولو كانت باللسان(3) .
وأما قوله (عليه السلام):
«فَإِنَّهُ لِي زكَاةٌ وَلَكُمْ نَجَاةٌ وَأَمَّا اَلْبَرَاءَةُ فَلاَ تَتَبَرَّءُوا مِنَّي فَإِنِّي وُلِدْتُ عَلَى اَلْفِطْرةِ وَسَبَقْتُ إِلَى اَلْإِيمَانِ واَلْهِجْرَةِ».
فمعناه هنا أنه (صلوات الله وسلامه عليه) يقول لهم أنه ولد مسلماً ولم
ص: 158
يعبد غير الله، وأنا أول من اسلم والسابق إلى الإيمان(1) .
وقد ذكر أن معاوية كان يقول: (اللهم إن أبا تراب ألحد في دينك وصد عن سبيلك، فالعنه لعناً وبيلاً(2) ، وعذبه عذاباً أليماً)((3) )، وقد كتب بذلك إلى الآفاق والأمصار، وقد روي في ذلك: أن قوماً من بني أُمية طلبوا من معاوية الكف عن لعن أبي تراب وسَبَه فأجابهم قائلاً: (لا والله حتى يربو عليه الصغير، ويهرم عليه الكبير، ولا يذكر له ذاكراً فضلاً(4) .
والواضح أن عملية السب والشتم هذه لم تقتصر على معاوية بن أبي سفيان، بل امتدت لباقي حكام الدولة الأموية وولاتهم، إذ ذكر أن خالد القسري(5) حينما كان أميراً على العراق، كان يلعن علياً (عليه السلام) على المنبر فيقول:
(اللهم العن علياً بن ابي طالب بن عبد المطلب صهر رسول الله على ابنته وأبا
ص: 159
الحسن والحسين، ثم يقبل على الناس فيقول هل كنيت؟)(1) .
وعن ذلك قال الشاعر(2) :
أعلى المنابر تعلنون بسبه وبسيفه نصبت لكم أعوادها وغير ذلك هنال العديد من الروايات التي تشير إلى سب الإمام علي وآل البيت (عليهم السلام) من قبل رجالات الدولة الأموية التي أوجزنا بنقلها لكثرتها، و غالباً ما اتخذت كلمة أبي تراب ذريعة للسب ظناً منهم أنها كلمة سية متناسين أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) هو من كناه بها(3) ، وقد تمثل قولهم ذلك بهذه الأبيات(4) :
وأراك أكبر من حديث خلافة يستامها مروان أو هارون لك بالنفوس إمامة فيهون لو عصفت بك الشورى أو التعيين فدع المعاول تزبئر قساوةً وضراوةً أن البناء متین أبا تراب وللتراب تفاخر إن كان من أمشاجه لك طين والناس من هذا التراب كلهم في أصله حمأ به مسنون فإذا استطال بك التراب فعازم فلأنت من هذا التراب جبين ولئن رجعت إلى الترا فلم فالجذر ليس يموت وهو دفين
ص: 160
بعد أن ألقي القبض على مروان بن الحكم في معركة الجمل وقد استشفع بالإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) عند الامام علي (عليه السلام) لأخلاء سبيله، وأخلى الإمام (عليه السلام) سبيله، لذلك وحينها قالا لأبيهما: ألا يبايعك يا أمير المؤمنين؟ فقال الإمام علي (عليه السلام):
«أَوَ لَمْ يُبَايِعْنحي بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ لاَ حَاجَةَ لِي فِي بَيْعَتِهِ إِنَّهَا كَفٌّ يَهُودِيَّةٌ لَوْ بَايَعَنِي بِكَّفِّهِ لَغَدَرَ بِسَبَّتِهِ أَمَا إِنَّ لَهُ إِمْرَةً(1) كَلَعْقَةِ اَلْكَلْبِ أَنْفَهُ وَهُوَ أَبُو اَلْأَكْبُشِ اَلْأَرْبَعَةِ وَسَتَلْقَى اَلْأُمَّةُ مِنْهُ وَمِنْ وَلَدِهِ يَوْماً أَحْمَرَ»(2) .
لقد أشار الإمام علي (عليه السلام) في خطبته هذه إلى غدر مروان وبنيه ويشبه خيانته بخيانة اليهود الذين وقفوا بوجه الدعوة الإسلامية، كذلك أخبر الإمام عن تولي مروان للحكم وأبنائه وما ستلاقيه الأمة الإسلامية من ذلك الحكم من ظلم وويلات(3) .
ومما يتضح من كلام الإمام (عليه السلام) أنه ابرز ما يمتلكه مروان بن الحكم من طباع وميول غلب عليها طابع الغدر، والمكر، وخبث السريرة، فقد بايع الإمام علي (عليه السلام) بعد قتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان، ولكنه سرعان ما نكث بيعته، وأن مروان لم يتمتع بأي نزعة أو خصلة كريمة، فقد
ص: 161
عرف عنه انغماسه في الباطل والمنكرات، وقد لعنه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وهو في صلب أبيه، فقد روّي أن الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) لعن أبا مروان ومروان في صلبه(1) ، وجيء به بعد ولادته إلى النبي (صلى الله عليه واله وسلم) فقال:
«هو الوزغ بن الوزغ الملعون ابن الملعون»(2) .
وفي حديث آخر لرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أنه قال للحكم(3) :
«ويل لأ متي مما في صلب هذا»(4) .
والحقيقة التي تتضح هنا من كلمات رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أنه استشف من وراء الغيب ما سوف تعانيه الأمة الإسلامية من الأحداث الجسام والأهوال من مروان وأبنائه(5) .
ص: 162
ومن خلال إلقاء نظرة على خطبة الإمام علي (عليه السلام) في وصفه يد مروان (بالكف اليهودية) وهذا كلام فيه إشارة واضحة إلى خيانة مروان وغدره الذي ورثه في الواقع من أبيه الحكم، عم عثمان بن عفان الذي كان يتجسس على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لصالح الكفار والمشركين، إلى جانب سخريته واستهزائه بالنبي (صلى الله عليه واله وسلم) وقد نفاه بعدها الرسول إلى الطائف، وقد عفا عنه الخليفة عثمان بن عفان حينما تولى الخلافة(1) .
ولعل الشيء الذي يلفت الانتباه إليه في هذه الخطبة أنَّها حملت ثلاثة أخبار غيبية هي:
1- قول الإمام (عليه السلام): «إن لَهُ إِمْرَةً كَلَعْقَةِ اَلْكَلْبِ أَنْفَهُ»:
وهنا أشار الإمام (عليه السلام) إلى تولي مروان بن الحكم للحكم لمدة قصيرة شبهها الإمام بلعقة الكلب، وقد ذُكر أن خلافة مروان بن الحكم كانت ستة أشهر(2) ، وفي رواية اخرى أنها كانت تسع أشهر(3) .
2- قول الإمام: «أَبُو اَلْأَكْبُشِ اَلْأَرْبَعَةِ»
ص: 163
والكبش في اللغة هو الحيوان الهائج وقد اختلف شراح نهج البلاغة في تفسير هؤلاء الأكبش، فقد ذهب قسم إلى القول بأن هؤلاء الاكبش هم أبناء مروان بن الحكم الأربعة عبد الملك، وعبد العزيز(1) ، وبشر(2) ، ومحمد(3) ، إذ تولى عبد الملك الخلافة وولي في الجزيرة، وولي عبد العزيز مصر وولي بشر العراق(4) ، وقد لقي المسلمون منهم يوماً احمر، ولعل هذه إشارة إلى لون الدم الكثير الذي سفكوه(5) .
بينما ذهب قسم آخر إلى القول أن هؤلاء الأكبش هم أحفاد مروان بن
ص: 164
الحكم من ابنه عبد الملك، وهم الوليد(1) ، وسليمان(2) ، ويزيد(3) ، وهشام(4) ، ولم يتولى الخلافة من بني أمية، ولا من غيرهم أربعة أخوة غير هؤلاء(5) ، ولعل هذا الرأي هو الأرجح لتناسبه مع الخبر الغيبي الثالث كما يأتي بيانه.
3- قول الامام: «وَسَتَلْقَى اَلْأُمَّةُ مِنْهُ وَمِنْ وَلَدِهِ يَوْماً أَحْمَرَ» وفعلاً هذا ما تحقق فقد تولى هؤلاء الأكبش الخلافة الواحد تلو الآخر فأراقوا الدماء وهو ما قصده (يَوْماً أَحْمَرَ) من خلال حجم ما اقترفت أياديهم من جرائم لاسيما في عهد عبد الملك، وواليه الحجاج الثقفي الذي اختاره
ص: 165
لتوطيد حكمه في العراق والحجاز وغيرها، فأخذ يسفك الدماء من أجل تدعيم حكم عبد الملك، وقد كان للحجاج مكانة سامية عند عبد الملك بن مروان، إذ أشركه في حكم العراق وبلاد فارس، وعُمان وقد أكرمه بشكل كبير وأوصى أولاده به حينما حضرته المعني قائلاً: (أوصيكم بإكرام الحجاج فأنه الذي وطد لكم المنابر ودوخ البلاد وأذل الأعداء)(1) ، ومن خلال ما تقدم ذكره يتضح السبب الحقيقي الذي دعا الإمام علي (عليه السلام) إلى الأخبار عن مروان وأكباشه الأربعة، لتحذير الناس من حجم الخطر المحدق بهم في قادم الأيام.
تطرق أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى مجيء عبد الملك بن مروان لحكم الدولة الأموية من غير أن يسميه بالاسم بل كناه ب (ضليل الشام)؛ إذ عرف أن المراد من هذه الكنية هو عبد الملك بن مروان لانطباق وصف الإمام (عليه السلام) بصورة تامة(2) .
وقد تناول الإمام علي (عليه السلام) أيضاً ذلك العصر وما سوف يجري فيه بقوله:
«أَيُّهَا اَلنَّاسُ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي وَلاَ يَسْتَهْوِيَنَّكُمْ عِصْيَانِي وَلاَ تَتَرَامَوْا بِالْأَبْصَارِ عِنْدَ مَا تَسْمَعُونَهُ مِنِّي فَوَوالَّذِي فَلَقَ اَلْحَبَّةَ وَبَرَأََ اَلنَّسَمَةَ إِنَّ اَلَّذِي أُنَبِّئُكُمْ بِهِ عَنِ اَلنَّبِيِّ
ص: 166
اَلْأُمَّيِّ (صلى الله عليه وآله) مَا كَذبَ اَلْمُبَلَّغُ وَلاَ جَهِلَ اَلسَّامِعُ وَلَكَأَنَّي أَنْظُرُ إِلَى ضِلَّيلٍ قَدْ نَعقَ بِالشَّامِ؟ وَفَحَصَ بِرَايَاتِهِ فِي ضَوَاحِي كُوفَانَ فَإِذَا فَغَرَتْ فَاغِرَتُهُ(1) وَاِشْتَدَّتْ شَكِيمَتُهُ وثَقُلَتْ فِي اَلْأَرْضِ وَطْأَتُهُ عَضَّتِ اَلْفِتْنَةُ أَبْنَاءَهَا بِأَنْيَابِهَا وَمَاجَتِ اَلْحَرْبُ بِأَمْوَاجِهَا وَبَدَا مِنَ اَلْلَّيَالِيِ كُدُوحُهَا فَاِذَا اَيْنَعَ زَرْعُهُ وَقَامَ عَلى يَنْعِهِ وَهَدَرَتْ شَقَاشِقُهُ(2) وَبرَقَتْ بَوَارِقُهُ عُقدَتْ رَايَاتُ اَلْفِتَنِ اَلْمُعْضلَةِ وَأَقْبَلْنَ كَاللَّيْلِ اَلْمُظْلِمِ واَلْبَحْرِ اَلْمُلْتَطمِ»(3) .
لقد تطرق أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته هذه إلى فتنة مهمة محدقة بالأمة الإسلامية، وقد مهد لهذا الكلام بقوله لهم إن الذي سوف أخبركم به من حوادث المستقبل هو ما سمعته من رسول الله، ثم يتكلم بعدها الإمام (عليه السلام) عن الضليل الذي سوف يعنعق في الشام، ويرى ابن أبي الحديد ان المقصود من هذا الكلام هو عبد الملك بن مروان؛ لأن هذه الصفات والإمارات فيه أتم منها في غيره؛ لأنه قام بالشام ودعا إلى نفسه، وهو معنى نعيقه، وقول الإمام لاحقاَ «نفَ نِصن بح ن حانياتحمح فحي ضنونا ح حي كُوفَانن «وَفَحَصَ بِرَايَاتِهِ فِي ضَوَاحِي كُوفَانَ» فمعناه حينما شخص بنفسه إلى العراق وقتل مصعب بن الزبير(4) ثم عين ولاته الظالمين
ص: 167
عليها وأبرزهم الحجاج وهو زمان اشتداد عبد الملك وثقلِ وطأته، وحینئذ صعب الأمر جداً وتفاقمت الفتن، لاسيما مع الخوارج، الذي نجح في القضاء على حركتهم لاحقاً(1) ، وقول أمير المؤمنين (عليه السلام):
«فَإِذَا أَيْنَعَ زَرْعُهُ وقَامَ عَلَى يَنْعِهِ...» وهذا الكلام فيه إشارة واضحة إلى حجم الفتن المحيطة بتلك الحكومة؛ إذ لن تدوم طويلاً (لكثرة معارضيهم وأعدائهم)(2) ، أو لعل الإمام يشير إلى كلمة الحجاج الشهيرة حينما خطب في الكوفة قائلاً:
«أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها»(3) .
وعلى العموم فأن ظهور حركات عديدة، منها عودة ظهور الخوارج وحركة زيد بن علي، فضلاً عن الفتن الكثيرة التي عصفت بالكوفة أيام الولاة الذين عينوا عليها بعد عبد الملك بن مروان(4) .
وفي خطبة أخرى من نهج البلاغة نجد أن الإمام علي (عليه السلام) أشار ضمنياً إلى حكم عبد الملك بن مروان أيضاً، إذ قال:
«أَيْنَ اَلَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمُ اَلرَّاسِخُونَ فِي اَلْعِلْمِ دُونَنَا كَذِباً وَبَغْياً عَلَيْنَا أَنْ رَفَعَنَا وَوَنوضَعَهُمْ وأَعْطَانَا وَحَرَمَهُمْ آثَرُوا عَاجِلاً وَأَخَّرُوا آجِلاً وَتَرَكُوا صَافِياً وَشَرِبُوا
ص: 168
آجِناً(1) كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى فَاسِقهِمْ وَقَدْ صَحِبَ اَلْمُنْكَرَ فَأَلفَهُ وَبَسِئَ(2) وَبِهِ وَوَافَقَهُ حَتَّی شَابَتْ عَلَيْه مَفَارِقُهُ(3) وَصُبِغَتْ بِهِ خَلاَئِقُهُ(4) ثُمَّ أَقْبَلَ مُزْبِداً(5) كَالتَّيَّارِ لاَ يُبَالِي مَا غَرَّقَ أَوْ كَوَقْعِ اَلنَّارِ فِي اَلْهَشِيمِ(6) لاَ يحْفِلُ مَا حَرَّقَ...»(7) .
أشار الإمام علي (عليه السلام) في بداية خطبته إلى التخرصات التي كانت تصدر هنا وهناك عن علم الإمام وآل بيته (عليهم السلام) ومدى معرفتهم وأعلميتهم دون غيرهم؛ لأنهم أهل القرآن والوحي والسنة النبوية(8) ، ثم ينتقل الإمام (عليه السلام) في القسم الآخر من الخطبة ليشير إلى الأشخاص الذي ناصبوا أهل البيت العداء وولوا وجوههم عن الحق بقوله لهم:
«آثَرُوا عَاجِلاً وأَخَّرُوا آجِلاً...» ولا يخفى أن المقصود من هذا الكلام بنو أمية(9) ، إما قوله (عليه السلام):
«كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى فَاسِقِهِمْ».
ص: 169
فالمراد منه هو عبد الملك بن مروان، إذ أنه كان من أشد عناصر الدولة الأموية وأقساهم، وقد ارتكب في عصره الكثير من الجرائم، والأحداث الجسام التي لا تمت بصلة للإسلام، سواء التي ارتكبها بنفسه أم مارسها واليه الحجاج اليقفي، فقد كان كالنار التي تحرق الأخضر واليابس، ولا يقف أمامها شيء، وقول الإمام هنا فيه إشارة واضحة الى شخص سوف يظهر في المستقبل وقدانطبقت صفاته تماماً على عبد الملك بن مروان(1) .
تنبأ امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) بولاية الحجاج بن يوسف الثقفي على الكوفة، وما سيحل بها خاصة، والعراق عامة من بلاء.
وقد جاء كلام الإمام (عليه السلام) هذا في خطبة طويلة القاها لتشجيع جيشه على الجهاد، والوقوف بوجه أهل الشام، ومحذراً لهم من حجم الأخطار المحدقة بهم(2) ، وقد قال في خطبته:
«لَوْ تنعْلَمُونَ مَا أَعَلَمُ مِمَّا طُوِيَ عَنْكُمْ غَيْبُهُ إِذاً لَخَرَجْتُمْ إِلَى اَلصُّعُدَاتِ(3) تَبْكُونَ عَلَى أَعْمَالِكُمْ وَتلْتَدِمُونَ(4) عَلَى أَنْفُسِكُمْ ولَتَركْتُمْ أَمْوَالَكُمْ لاَ حَارِسَ لَهَا وَلاَ
ص: 170
خَالِفَ عَلَيْهَا وَلَهَمَّتْ كُلَّ اِمْرِئٍ نَفْسُهُ لاَ يَلْتَفِتُ إِلَى غَيْرِهَا وَلكِنَّكُمْ نَسِيتُمْ مَا ذُكِّرْتُمْ وأَمِنْتُمْ مَا حُذِّرْتُمْ فَتَاهَ عَنْكُمْ رَأْيُكُمْ وَتشَتَّتَ عَلَيْكُمْ أَمْرُكُم... أَمَا وَاَللهِ لَيُسَلَّطَنَّ عَلَيْكُمْ غُلاَمُ ثَقِيفٍ اَلذَّيَّالُ(1) الْمَيَّالُ(2) يَأْكُلُ خَضِرتَكُمْ وَيُذِیبُ شَحْمَتَكُم إِيهٍ؟ أَبَا وَذَحَةَ؟(3) »(4) .
بدأ الإمام خطبته هذه محذراً أفراد جيشه الذين كانوا يتهربون من المسؤولية من خلال اللجوء إلى بعض الحجج والاعذار تهرباً من المواجهة المباشرة للعدو المتربص بهم، هو جيش الشام(5) ، ثم يحذرهم الإمام من المستقبل المظلم الذي ينتظرهم وتّسلط العدو عليكم، وقد خاطبهم بعبارات غایة في البلاغة قائلاً:
«لو تعلمون ما اعلم مما طوي عنكم غَيْبُة...» ومما يتضح من هذا الكلام أن الإمام علي (عليه السلام) كان يعلم ما لا يعلمون من أخبار المستقبل ورَدَة فعلهم تجاه هذه الأحداث الجسام، حيث ان
ص: 171
الشخص الذي يبتلى بمصائب عظيمه ينسى كل شيء سوى انقاذ نفسه(1) ؛ ولعل أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقصد من كلامه هذا حجم الجرائم التي سوف تحدث للكوفة وأهلها، بسبب تقاعسهم عن جهاد عدوهم(2) ، ثم أشار في خطبته إلى حقيقة واضحة وهي قوله:
«وَلكِنَّكُمْ نَسِيتُمْ مَا ذُكِّرْتُمْ...» وفي هذه الكلمة بين لهم أمير المؤمنين (عليه السلام) أنَّ هذه الحوادث لا تأتيهم فجأة، فقد حذرتكم مراراً وتكراراً من غير أن تأخذوا النهج، فقد كشفت لكم أحداث المستقبل لكنكم لم تعيروا كلامي أي عناية فاستعدوا للمستقبل المظلم القادم(3) .
ثم ينقل أمير المؤمنين ليكشف لهم عن خبر غيبي غاية في الأهمية هو:
«أَمَا وَاَلللهِ لَيُسَلَّطَنَّ عَليْكُمْ غُلامُ؟ ثَقِيفٍ؟ اَلذَّيَّالُ اَلْمَيَّالُ يَأْكُلُ خَضِرَتَنُمْ وَيُذِبُ شَحْمَتَكُمْ إِيهٍ؟ أَبَا وَذَحَةَ؟» وقد ذكر بعض شراح نهج البلاغة ان المقصود بهذا الكلام هو الحجاج بن يوسف الثقفي الذي ينسب الى قبيلة بني ثقيف، وقد وصفه الإمام (عليه السلام) بغلام ثقيف، الذي أصبح والياً على الكوفة في زمن عبد الملك بن
ص: 172
مروان(1) ، وبعدها أخبر الإمام عما سيحل بأهل الكوفة من هذا الرجل فقال:
«يَأْكُلُ خَضِرَتَكُمْ وَيُذِيِبُ شَحْمَتَكُمْ» وهو كناية عن أنه لن يبقى لكم سوى العظم والجلد، وهذا مصير من لا يسمع نصح إمامه وقائده(2) ، وفي نهاية خطبته وصف الإمام علي (عليه السلام) وصف الحجاج ب (ابي وذحة) وقد أورد بشأنها ابن أبي الحديد معاني عدة إلا أن الأرجح أنها تعني البعر الملتصق بشعر الشاه، وقد شبهه أمير المؤمنين (عليه السلام) بذلك التعبير لأنه كان يعلم بحال الحجاج بنجاساته بالمعاصي والذنوب(3) ، حتي یتفاخر بما تقترف يديه من سفك الدماء والإتيان بالأفعال التي لا يقوم بها الآخرون(4) ، وقد كان حجم ما اقترفه الحجاج من جرائم لا يصدق حتى قيل ان عدد قتلاه بلغ الآلاف كذلك ملئت السجون بأعداد كبيرة من الأبرياء إذ كان يضع الرجال والنساء معاً في السجن(5) ، وهنالك رواية تاريخية جاء فيها إنّ: حرس سجن الحجاج كانوا يرمون السجين بالحجر إن لاذ بالجدار من شدة حرارة الشمس، لأن ذلك السجن لم يكن فيه سقف، وكان طعام السجناء عبارة عن قليل من الخبز المخلوط بالملح والرماد، فكان يّسود
ص: 173
وجه من يدخل السجن بحيث لا تعرفه أمه حين تأتي لرؤيته(1) ؛ ولعل ابلغ كلام قيل في الحجاج ما ذكره الشعبي(2) ؛ إذ قال: (لو أخرجت كل أمة خبيثها وفاسقها، واخرجنا الحجاج بمقابلتهم لغلبناهم)(3) .
تحدث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) كثيراً عن نهاية بني أمية وأن الأمر سوف ينتقل إلى أعدائهم بعدهم في الوقت الذي يحسب الناس أنهم خالدون في حكمهم؛ ولعل السبب في ذلك الشعور، لشدة حكمهم وقسوته وحجم القوة التي كانوا يتمتعون بها حينذاك، ومن تلك الخطب التي تناول فيها الإمام (عليه السلام) نهاية الأمويين قوله:
«...حَتَّى يَظُنَّ اَلظَّانُّ أَنَّ اَلدُّنْيَا مَعْقُولَةٌ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ تَمْنَحُهُمْ دَرَّهَا(4) وتُورِدُهُمْ صَفْوَهَا ولاَ يُرْفَعُ عَنْ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ سَوْطُهَا وَلاَ سَيْفُهَا وَكَذِبَ اَلظَّانُّ لِذَلِك بَلْ هِيَ مَجَّةٌ(5) مِنْ لَذِيذِ اَلْعَيْشِ یَتَطَعَّمُونَهَا بُرْهَةً ثُمَّ يَلْفِظُونَهَا جُمْلَةً»(6) .
ص: 174
بدأ الإمام كلامه مخاطباً الذين يعتقدون أن دولة بني أمية خالدة أبد الدهر مفنداً هذا الكلام ومشيراً إلى سرعة زوال هذه الدولة، ثم ينتقل الإمام ليوضح طريقة وصول بني أمية للحكم وعبر عنها بالمجة وهي إشارة إلى أنهم سوف يستحوذون على الحكم تدريجياً ثم يفقدونه دفعة واحدة وهذه إشارة فيها معنى آخر إلى ان الأمويين سيذوقون حلاوة السلطة والحكم لفترة بسيطة لم تخلُ من المشاكل، والثورات، والحركات(1) ، فحكومة الأمويين حكمت ما يقارب التسعين عاماً، كانت مليئة بالنزاعات، وغلب عليها عدم الاستقرار(2) ، فقد شهدت قيام حركات عدة للخوارج بلغت أكثر من اثنتي عشرةَ حركة استنزفت طاقة الدولة، فضلاً عن الحركات، والثورات الأخرى التي قضّت مضاجع السلطة الأموية وأبرزها ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) وعبد الله بن الزبير وثورة أهل المدينة التي قمعها الأمويون، وعرفت بواقعة الحرة وحركة التوابين التي رفعت شعاراً ((يا لثارات الحسين))، وحركة المختار الثقفي الذي رفعً الشعار نفسه وغيرها من الحركات التي وقفت بوجه الدولة الأموية(3) .
ومن خطبة أخرى لأمير المؤمنين (عليه السلام) وقد اشار فيها إلى نهاية الأمويين أيضاً قوله:
«لتجدنّ بني اميّة لكم أرباب سوء بعدي... ترد عليكم فتنتهم شوهاء(4) مخشيّة
ص: 175
وقطعا جاهلية ليس فيها منار هدى ولا علم يرى... ثمّ يفرّجها الله عنكم كتفريج الأديم بمن يسومهم خسفا ثُمَّ يُفَرَّجُهَا اَللهُ عَنْكُمْ كَتَفْرِيجِ اَلْأَدِيمِ بِمَنْ يَسُومُهُمْ خَسْفاً ويَسُوقُهُمْ عُنْفاً ويَسقِيهِمْ بِكَأْسٍ مُصَبَّرَةٍ لاَ يُعْطِيهِمْ إِلاَّ اَلسَّيْف ولاَ يُحْلِسُهُم(1) إِلاَّ اَلْخَوْفَ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَوَدُّ قُرَيْشٌ بالدُّنْيَا و مَا فِيهَا لَوْ يَرَوْنَنِي مَقَاماً وَاحِداً ولَوْ قَدْ جَزْرِ جَزُورٍ(2) لِأَقْبَل مِنْهُمْ مَا أَطلُبُ اَلْيَوْمَ بَعْضَهُ فَلاَ يُعْطُونَنِى»(3) .
جاء في القسم الأول الخطبة ذكر مجي الدولة الأموية للحكم، وقد ذكر هذا القسم من الخطبة وشرحناه في بداية هذا المبحث، أما القسم الآخر فحمل في مضامينه أخبار غيبية أخبر بها أمير المؤمنين (عليه السلام) عن زوال حكم الأمويين، وقد خطب الإمام هذه الخطبة بعد انقضائه من النهروان وقضائه على الخوارج، والملحوظ من هذه الخطبة بيان الإمام لسوء العاقبة التي سوف تحل بالأمويين قبل أعدائهم العباسيين، إذ قال الإمام (عليه السلام) «يَسُومُهُمْ خسْفاً ويَسُوقُهُمْ عُنْفاً ويَسقِيهِمْ بِكَأْسٍ مُصَبَّرةٍ لاَ يُعْطِيهِمْ إِلاَّ اَلسَّيْفَ ولاَ يُحْلِسُهُمْ إِلاَّ اَلْخوْفَ» فيه دلالة على حجم المرارة والذل الذي سوف يعيشه بنو أمية من العباسيين الذين سوف يضعون السيف على رقابهم، أما الباقي منهم لم يقتل
ص: 176
فستكون حياته مليئة بالخوف والرعب(1) ، ويختتم أمير المؤمنين كلامه بقول:
«فَعِنْدَ ذَلِكَ تَوَدُّ قُرَيْشٌ بِالدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لَوْ يَرَوْنَنِي مَقَاماً وَاحِداً...» ومراد الإمام من (قريش)، هم بنو أمية، فهم أي الأمويون مستعدون لإعطاء كل ما يملكون في الدنيا من أجل الإذعان لأمري، ولو لمدة قصيرة وقد شبه الإمام تلك المدة بذبح الناقة، وهذه عادة العرب في التشبيه بكل ما يتعلق بالناقة ولعل سبب ذلك الرئيس اعتمادهم الأساس على الناقة في حياتهم(2) .
وفعلاً تحققت نبوءة أمير المؤمنين (عليه السلام) بزوال الدولة الأموي على يد العباسيين وقد كل أنواع وسائل القمع والتعذيب للقضاء على الأمويين، وهنا يتضح كلام الإمام لهم وموازنة حكمه لهم أيام خلافته وحكم العباسيين وما فعلوه بهم حينما تولوا الخلافة، فالتاريخ ينقل لنا صوراً متنوعة من صنوف العذاب الذي سامه العباسيون لهم، ولعلهم أذاقوهم من الكأس نفسه الذي أذاقه الأمويون لأعدائهم(3) ، وهنالك خطبة أخرى للإمام علي (عليه السلام) حملت تلك المعاني نفسها، إذ قال فيها مخاطباً الأمويين:
«فَأُقْسِمُ بِاللهِ يَا بَنِي أُمَيَّةَ عَمَّا قَلِیلٍ لَتَعْرِفُنَّهَا فِي أَيْدِي غَيْرِكُمْ وفِي دَارِ عَدُوِّكُمْ»(4) .
ص: 177
وفعلاً تحققت أخبار أمير المؤمنين (عليه السلام) فلم تدم حكومة الأمويين سوى تسعين عاماً حتى تلقفها العباسيون(1) ، ومن الروايات التي ذكرت حجم العذاب الذي لاقاه الأمويون من أعدائهم العباسيين، الذين قاموا بنبش قبور الخلفاء الأمويين في بداية خلافتهم وإخراج جثثهم وقيامهم بإحراق ما تبقى منها(2) ، حتى قيل إنهم حينما أرادوا إخراج جثة معاوية بن أبي سفيان لم يجدوا سوى التراب(3) ، وفي رواية أخرى إن الخليفة العباسي السفاح(4) أحضر إلى مجلسه تسعين من زعماء الدولة الأموية وأمر بضرب أعناقهم في وسط مجلسه، ثم قام بتناول الطعام فوق جثثهم(5) .
وفي خطبة أخرى يشير الإمام علي (عليه السلام) إلى مصير بني أمية بقوله:
«...وَسَيَنْتَقِمُ اَللهُ مِمَّنْ ظَلَمَ مَأْكَلاً بِمَأْكَلٍ و مَشْرَباً بِمَشْرَبٍ مِنْ مَطَراعِمِ اَلْعَلْقَمِ
ص: 178
وَمَشَارِبِ اَلصَّبِرِ وَاَلْمَقِرِ وَلِبَاسِ شِعَارِ اَلْخَوْفِ وَدِثَارِ اَلسَّيْفِ وَإِنَّمَا هُمْ مَطَايَا اَلْخَطِيئاتِ وَزَوَامِلُ اَلاثَامِ فَأُقْسِمُ ثُمَّ أُقْسِمُ لَتَنْخَمَنَّهَا(1) أُمَيَّةُ مِنْ بَعْدِي كَمَا تُلْفَظُ اَلنُّخَامَةُ ثُمَّ لاَ تَذُوقُها وَلاَ تَتَطَعَّمُ تَتَطْعَّمُ بِطَعْمِهَا أَبَداً مَا كَرَّ اَلْجَدِيدَانِ»(2) .
في هذا الكلام إشارة واضحة وصريحة إلى بني أمية، إذ سيجرعهم الله عز وجل كل بلاء يصبوه على الناس وسيذیقهم مرارة الذل على كل لذة حصلوا عليها من مناصبهم، وقد شهروا سيوفهم على رقاب الناس وسيسلط الله عليهم من يضع السيف في أعناقهم(3) ، وفعلاً فقد انتقم الله سبحانه منهم أشد انتقام بحيث دب الرعب والهلع في صفوف من تبقى منهم، كذلك شبههم بالمطايا لجهلهم وافتقارهم للعقل، وأخيراً اختتم الإمام كلامه بنبوءة حاسمة وعجيبة عن الدولة الأموية، إذ إنهم شوهوا الحكومة بأفعالهم التي غلب عليها الادناس والقذارة والظلم والفساد، فأصبحت كالمواد المخاطية التي يدفعها الصدر والرأس؛ إذ سينتهي الأمر إلى ما لا يطيقونه، على غرار الذي يطرح تلك المواد، فسيفقدون تلك السلطة ولا يظفرون سوى لعنات الناس نتيجة أفعالهم المشینة التي نجسوا بها الدولة الإسلامية(4) .
****
ص: 179
ص: 180
الفصل الثالث الأخبار الغيبية عن العراق وفتن آخر الزمان وعصر ظهور الإمام المهدي المبحث الأول: الأخبار الغيبية عن العراق.
المبحث الثاني: الأخبار الغيبية عن فتن آخر الزمان وعصر ظهور الإمام المهدي
ص: 181
ص: 182
كثيرة هي أخبار أمير المؤمنين (عليه السلام) عن العراق سواء تلك التي قصد بها البصرة أو الكوفة، حيث أن تلك الغيبيات كانت تصدر أغلبها عن الإمام قبل أو بعد إحدى معاركه التي كان يخوضها ضد أعدائه سواء في معركة الجمل أم صفين أم النهروان؛ ولعل ذلك أحد الأسباب التي جعلت تلك الأخبار متواترةً ويشهد الجميع بصحتها لكثرة من كان حاضراً وسمع بها، من جيش الإمام أو من الطرف الآخر.
أخبر الإمام علي الكثير من الأخبار الغيبیة عن مدينة البصرة، ولعل أغلب هذه الأخبار كانت على هامش معركة الجمل التي كانت أرض البصرة مسرحاً لها، وفي هذه الأخبار حاول إلقاء الضوء على مستقبل هذه المدينة وما سيجري عليها من أحداث جسام، فضلاً عن ذلك نجد أن الإمام كان يخاطب أهل البصرة بألفاظ قاسية وهذه إشارة إلى أهل ذلك الزمان الذين كانوا
ص: 183
يستسلمون لمخططات طلحة والزبير، فكانت كلمات الإمام وتوبيخه لهم لا يقصد به أهل البصرة على مر العصور، ومن خلال خطب الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام) وكلماته في نهج البلاغة، وجدنا الكثير من الأخبار الغيبية عن مستقبل البصرة وهي كالآتي:
1- غرق البصرة:
من الخطب التي تطرق بها الإمام إلى البصرة كان ذلك بعد حرب الجمل، قوله: «كُنْتُمْ جُنْدَ اَلْمَرْأَةِ وَأَتْبَاعَ اَلْبَهِيمَةِ رَغَا(1) فَأَجَبْتُمْ وَعُقرَ فَهَرَبْتُمْ أَخْلاَقُكُمْ دِقَاقٌ(2) وَعَهْدُكُمْ شِقَاقٌ(3) وَدِينُكُمْ نِفَاقٌ وَمَاؤُكُمْ زُعَاقٌ(4) وَاَلْمُقِیمُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مُرْتَهَنٌ بِذنْبِهِ وَاَلشَّاخصُ عَنْكُمْ مُتَدَارَكٌ بِرَحْمَة مِن رَبَّهِ كَأَنِّي بِمَسْجِدِكُم كَجُؤْجُؤِ(5) سَفِينَةٍ قَدْ بَعَثَ اَللهُ عَليْهَا اَلْعَذَابَ مِنْ فَوْقِهَا وَمِنْ تَحْتِهَا وَغَرَّقَ مَنْ فِي ضِمْنِهَا»(6) ، بدأ الإمام علي (عليه السلام) خطبته بذم أهل البصرة الذين اتبعوا طلحة والزبير واصفاً إياهم ب (جُنْدَ اَلْمَرْأَةِ) والمقصود بها عائشة زوجة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، إذ استخدمها طلحة والزبير كورقة ضغط، وعامل معنوي لضم الناس إليهم لقتال أمير المؤمنين (عليه السلام) بصفتها أم
ص: 184
المؤمنين، ثم خاطبهم الإمام بعد ذلك ب (أَتْباعَ اَلْبَهِيمة) والمقصود بالبهيمة الجمل الذي ركبته عائشة في تلك المعركة، وكان جيش أهل البصرة يلتف حوله، حتى نادى الإمام: (أعقروا الجمل) فعمدوا إليه أصحابه فعقروه وسقط أرضاً، وكانت هزيمة أهل البصرة بعد ذلك مباشرة(1) .
أما قوله (عليه السلام): «أَخْلاَقُكُمْ دِقَاقٌ وَعَهْدُكُمْ شِقَاقٌ وَدِينُكُم نِفَاقٌ» فهذا الكلام وجهه الإمام إلى أهل البصرة الذين شاركوا في الجمل أولئك عبدة الأهواء الذين نكثوا بيعة أمير المؤمنين والتحقوا بركب الشيطان، ثم خاطبهم الإمام قائلاً: «مَاؤُكُمْ زُعَاقٌ» والمقصود هنا المام الملون والمالح والواقع هو ذم لأخلاقهم من خلال وصف الماء(2) ، أما قول الإمام: «وَاَلْمُقِیمُ بَیْنَ أَظْهُرِكُم مُرْتَهَنٌ بِذَنْبِهِ)، من خلاله أراد الإمام أن يوصل فكرة فحواها، الدور المؤثر للمكان والبيئة على أخلاق الإنسان وهو بهذه الحالة أمام خيارين لا ثالث لهما، أما أن يقوم الإنسان بتغيير بيئته ومكانه الذي يعيش فيه لاسيما إذا ساده الانحراف الأخلاقي والديني من خلال محاولة إصلاحه، وإذا عجز عن ذلك يهجره(3) ، وفي ختام كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) يشير إلى ما ينتظره البصرة مستقبلاً، وهو خبر غيبي، إذ أشار إلى ذلك بقوله: «كَأَنِّي بِمَسْجِدِكُمْ كَجُؤْجُؤِ سَفِينةٍ قَدْ بَعثَ اَللهُ عَلَيْهَا اَلْعَذَابَ مِنْ فَوْقِهَا وَمِنْ تحْتِهَا وَغَرَّقَ مَنْ فِي ضِمْنِهَا»، وفعلاً قد حدث ما أخبر به أمير المؤمنين (عليه السلام)، إذ نقلت
ص: 185
المصادر التاريخية أن البصرة غرقت مرتين، الأولى سنة409ه في خلافة القادر بالله(1) ، إذ فاض البحر وغرقت منازل البصرة ليومين(2) ، أما الغرق الآخر فكان سنة426ه، في أيام خلافة القائم بأمر الله(3) ، فقد فاض نهر دجلة وأغرق مزارع البصرة وبيوتها لمدة ثلاثة أيام حتى سقط نحو ألفي منزل من جراء ذلك(4) ، وعن هذين الغرقين قال ابن أبي الحديد: (إن أخبار الإمام (عليه السلام) أن البصرة تغرق عدا المسجد الجامع بها، فقد رأيت أن كتب الملاحم تدل على أن البصرة تهلك بالماء ولا يبقى سوى مسجدها، والصحيح أن الخبر قد وقع، فأن البصرة غرقت مرتين مرة ايام القادر بالله ومرة في أيام القائم بأمر الله، غرقت فلم يبق سوى مسجدها بارزاً بعضه كجؤجنؤ الطائر، بحسب ما أخبر أمير المؤمنين (عليه السلام) خربت دورها وغرق كل ما في ضمنها وهلك كثير من أهلها، وأخبار هذين الغرقين معروفٌ عند أهل البصرة یتناقلها
ص: 186
خلفهم عن سلفهم)(1) .
وتجدر الإشارة هنا إلى أن حادثتي غرق البصرة وقعا بعد وفاة الشريف الرضي، إذ أنه توفي سنة406ه، أي قبل ثلاث سنوات من الغرق الأول وقبل عشرين سنة عن الغرق الآخر، مما يبعد احتمال الوضع لهذه الخطبة، سواء من الرضي أم من غيره، وكلام أمير المؤمنين (عليه السلام) عن البصرة لا يقف عند هذا الحد، ففي خطبة مشابهة للخطبة السابقة، أو لعلها كانت خطبة مكملة لها إلا أن الشريف الرضي فصلهما، وفيها قال الإمام عن البصرة أيضاً:
«أَرْضُكُمْ قَرِيبَةٌ مِنَ اَلْمَاءِ بَعِيدَةٌ مِنَ اَلسَّمَاءِ خَفَّتْ عُقُولُكُم وَسَفِهَتْ حُلُومُكُم فَأَنْتُمْ غَرَضٌ لِنَابِلٍ(2) وَأُكْلَةٌ لآِکِلٍ وَفَرِيسَةٌ لِصَائِلٍ(3) »(4) .
ويلاحظ من هذه الخطبة أن الإمام يذم أهل البصرة مرة آخرى ويتحدث عن تخلفهم الفكري الذي جعلهم يتحولون إلى إلعوبة بيد المنافقين من أصحاب المطامع الدنيوية، المتمثلين بطلحة والزبير، ومن ثم حذرهم في ختام كلمته من مواصلة هذا الطريق المنحرف؛ لأنه سوف يقودهم إلى الهزيمة
ص: 187
المنكرة والفضيحة التي لا ينفع معها الندم والحسرة(1) ، وقد أشرنا سابقاً الى أن هذا الذم من قبل الإمام كان بشأن أولئك الذين أصبحوا آلة رخيصة بيد المنافقين بحيث سلموا أنفسهم وعقولهم للشيطان الذي أضلهم عن طريق الحق، وعلى الرغم من هذا فإن البصرة آنذاك وما تبعه من أزمان كانت ملاذاً للأفراد والأخيار الذين اثنى عليهم الإمام في إحدى خطبته حينما سئل عن البصرة، فقال: (قراؤهم أفضل القراء، وزهادهم أفضل الزهاد، وعبّادهم أفضل العبّاد، وتجارهم أفضل التجار- إلى أن قال- ونساؤهم أفضل النساء))(2) .
وبالعودة لتلك الخطبة في قوله: «أَرْضُكُم قَرِیبَةٌ مِنَ اَلْمَاءِ بَعِيدَةٌ مِنَ اَلسَّمَاءِ» وقرب البصرة من الماء أمر مفروغ منه ومعروف للقاصي والداني، أما بعدها عن السماء، فهنالك تفسيران في ذلك، الأول ذهب أصحابه إلى القول أن المراد من قول الإمام هذا هو أن تلك الأرض بعيدة عن رحمة الله(3) ، ويجب على أهلها الاستعداد لنزول العذاب(4) ، أما الرأي الآخر، الذي تمثل بكلام ابن أبي الحديد وسار عليه العديد من شُراح نهج البلاغة، الذي جاء فيه: وأما (بَعِيدةٌ مِنَ اَلسَّمَاءِ) فإن أرباب علم الهيأة وصناعة التنجيم يذكرون أن ابعد موضع في الأرض عن السماء الأبلة(5) ؛ وذلك موافق لقوله (عليه السلام) ومعنى البعد عن
ص: 188
السماء هنا هو بعد تلك الأرض المخصوص عن دائرة معدل النهار والبقاع تختلف في ذل وقد دلت الأرصاد والآلات النجومية على أن ابعد موضع في المعمورة عن دائرة معدل النهار هو الأبلة والأبلة في قصبة البصرة، وهذا الموضع من خصائص أمير المؤمنين (علينه السلام)؛ لأنه أخبر عن أمر لا تعرفه العرب ولا تهتدي إليه وهو مخصوص بالمدققين من الحكماء، وهذا من أسراره وغرائبه البديعة"(1) ، والراجح عندنا هنا أن كلام ابن أبي الحديد هو الأدق ولعله الأصح؛ لأنه تفسير علمي دقيق، وليس مثلما ذهب البعض للقول أن المراد من هذا الكلام أن لا يسمع دعام أهلها ولا يستجاب(2) ، أو أن كلام الإمام هذا كناية عن شيوع الفساد وهو المانع من رفع العلم وصعوده إلى الملأ الأعلى(3) .
2- فتنة الزنج:
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في إحدى خطبه، وهو يشير إلى الحوادث الصعبة، وأهوال يوم القيامة ويشير إلى الفتن التي تهجم على الناس وتكون البصرة مسرحاً لها، إذ قال:
«وَذَلِكَ يَوْمٌ يَجْمَعُ اَللهُ فِیهِ اَلْأَوَّلِینَ واَلآْخِرِينَ لِنِقَاشِ اَلْحِسَابِ وَجَزَاءِ اَلْأَعْمَالِ
ص: 189
خُضُوعاً قِيَاماً قَدْ أَلْجَمَهُمُ اَلْعَرَقُ وَرَجَفَتْ بِهِمُ اَلْأَرْضُ فَأَحْسَنُهُمُ حَالاً مَن وَجَد لِقَدَمَیْه موْضِعاً وَلِنَفْسِهِ مُتَّسَعاً... وَمِنْهَا فِتَنٌ كَقِطَعِ اَللَّيْلِ اَلْمُظْلِمِ لاَ تَقُومُ لَهَا قَائمَةٌ وَلاَ تُرَدُّ لَهَا رَايَةٌ تَأْتِيكُمْ مَزْمُونةً(1) مَرْحُولَةً يَحْفِزُهَا قَائِدُهَا ويَجْهَدُهَا رَاكِبُهَا أَهْلُهَا قَوْمٌ شَدِيدٌ كَلَبُهُمْ(2) قَلِيلٌ سَلَبُهُمْ يُجَاهِدُهُمْ فِي سَبِيلِ اَللهِ قَوْمٌ أَذِلَّةٌ عِنْدَ اَلْمُتَكَبِّرِينَ فِي اَلْأَرْضِ مَجْهُولُونَ وَفِي اَلسَّمَاءِ مَعْرُوفُونَ فَويْلٌ لَكِ يَا بَصْرَةُ عِنْدَ ذَلكِ مِنْ جَيْشٍ مِنْ نِقَمِ اَللهِ لاَ رَهَجَ(3) لَهُ وَلاَ حِسَّ وَسيُبْتلى أَهْلُكِ بِالْموْتِ اَلْأَحْمَرِ وَاَلْجُوعِ اَلْأَغْبَرِ»(4) ، بدأ الإمام خطبته بالإشارة إلى وضع الناس يوم القيامة وبيان حقيقة مهمة، وهي أن الحساب سوف يشمل على كل الناس جميعهم يوم القيامة حتى يكاد أحدهم لا يجد لقدمه موضعاً لشدة الزحام يوم المحشر، ثم ينتقل أمير المؤمنين ليتكلم عن الفتن المحدقة بالعراق عامة وأهل البصرة خاصة، لعلهم يستعدون جيداً لها؛ إذ يتمكنون من التقليل من خسائرها، ومن شدة هذه الفتن التي لا يقف في طريقها شيء، شبهها الإمام بالليل المظلم ولم يكتف الإمام بهذا التشبيه، فقد شبهها لاحقاً بالناقة، إذ أن قوله: «مَزْمُومَةً(5) مَرْحُولَةً یَحْفِزُهَا قَائِدُها» هذه صفات الناقة التي تكون معدة للركوب(6) ، ثم بيّن الإمام بعد ذلك صفات القوم الذين يجاهدون أصحاب تلك الفتنة، ويتمكنون من
ص: 190
القضاء عليها وإخماد نارها في ما بعد، وفي نهاية هذه الخطبة يوجه الإمام كلامه إلى البصرة محذراً؛ إذ قال: «فَوَيْلٌ لَكِ يَا بَصْرَةُ عِنْدَ ذلِكِ» ولعل الذي یطلع على هذا الكلام يجد أن تلك الفتنة وآثارها لن تعم البصرة وحدها، بل هي ستكون إحدى أشد المناطق تعرضاً لآثارها وتبعاتها، وأيضاً من كلام الإمام أن تلك الفتنة القادمة انتقام إلهي أو من جزاء أعمال الناس المنحرفة(1) .
وثمة سؤال يطرح نفسه هنا هو من هم هؤلاء القوم وتلك الفتنة، التي حذر منها الإمام؟ والحقيقة هناك اختلاف بين شُرّاح نهج البلاغة في بيان من هم هؤلاء القوم، فقيل أنهم المغول، وهذه هي فتنتهم التي عمت طويلاً بعد أن عاثوا في الأرض فساداً(2) ، بينما قيل إنهم الزنج، وهو الأرجح، فالكلام هنا عن فتنة الزنج، وقائدهم علي بن محمد(3) الذي تمكن من جمع عدد الزنج حوله؛ إذ نهض سنة255ه، وأثار فتنة عظيمة في البصرة وعرف فيها ب (صاحب الزنج)(4) وقد روي أنّه قتل عدداً كبيراً من الناس وصل إلى ثلاثمائة
ص: 191
ألف حين دخوله البصرة، وعلى الرغم من هذا الرقم فهو مبالغ فيه بشكل كبير ولا يخضع للمنطق، إلا أننا نجد أن المؤرخين حينما كانوا يذكرون واقع البصرة كانوا ينقلون أن ما عاشته المدينة في تلك الفتنة من ظروف صعبة لم تمر بها سابقاً، إذ جعلت الناس يقتلون الكلاب والقطط ويأكلونها، مثلما كانوا أحياناً يأكلون ميتة الإنسان(1) ، وهذا ما عبر عنه الإمام في خطبته بقوله:
(وَسَيُبْتَلَى أَهْلُكٌ بِالْمَوْتٌ اَلْأَحْمَرِ وَاَلْجُوعِ اَلْأَغْبَرِ)، هناك خطب أخرى تطرق فيها الإمام علخ )عليه السلامي إلى صاثب الزنج, إذ قال فيها: « یَا أَحْنَفُ(2) كَأَنِّي بِهِ وَقَدْ سَارَ بِالْجَيْشِ اَلَّذِي لاَ يَكُونُ لَهُ غُبارٌ وَلاَ لَجَبٌ(3) وَلاَ قَعْقَعةُ لُجُمٍ وَلاَ حَمْحَمِةُ خَيْلٍ يُثیرُونَ اَلْأَرْضَ بأَقْدَامِهِمْ كَأَنَّها أَقْدَامُ اَلنَّعَامِ»(4) ، فقد ذكرنا سابقاً أن حركة الزنج قامت في البصرة سنة255ه، إذ قام بها العبيد بقيادة علي بن محمد الذي نسب نفسه لزيد بن علي السجاد (عليه السلام)، وهذا كلام مشكوك فيه، إذ أن جمهور النسابين يشكون في نسبه وعلى الأرجح أنه من عبد القيس، إذ قيل إن أفعاله لا تنم عن كونه علوياً، وأنه على الأرجح كان على مذهب
ص: 192
الأزارقة إحدى فرق الخوارج(1) ، ومن هنا يتضح أن انتساب صاحب الزنج للإمام السجاد (عليه السلام) كان هدفه إعطاء الشرعية لحركته اللاشرعية، والاستفادة من مكانة آل البيت، في هذا الصدد، وقد ورد حديث عن الإمام العسكري حينما سئل عن صاحب الزنج؛ لأنه ظهر في عصر الإمام (عليه السلام)، وقد قال عنه: (صاحب الزنج ليس منا أهل البيت)(2) ، والحقيقة التي يجب أن تقال هي هنا أن فتنة الزنج تلك كانت من أشد الفتن خطورة، لاسيما على أهل البصرة، إذ يذكر المؤرخون أنها كادت تسقط الدولة العباسية لولا نجاح الجيش العباسي سنة270ه، في القضاء عليها، إذ قتل أغلب قادتها بما فيهم علي بن محمد، فضلاً عن قتل أعداد كبيرة، وتفرّق الباقون وفروا إلى الأمصار(3) .
أما في ما يخص الأوصاف التي ذكرها الإمام علي (عليه السلام) عن جيش الزنج الذي لا يكون له غبار، والمعروف هنا ان حركة الجيوش تثير الغبار الشديد، بينما نجد أن هذا الجيش لا غبار له؛ والسبب في ذلك أن جنوده كانوا حفاة، إذ أنهم لم يكونوا يملكون خيولاً لركوبها؛ لأنهم من العبيد الحفاة، وقد بين الإمام ذلك بقوله:«وَلاَ لَجَبٌ وَلاَ قَعْقَعَةُ لُجُمٍ وَلاَ حَمْحَمَةُ خَیْلٍ»، وقد شبه أمير المؤمنين أقدام الزنج بأقدام النعام بقوله:« يُثِیُرونَ اَلْأَرْضَ بِأَقْدَامِهِمْ كَأَنَّهَا
ص: 193
أَقْدَامُ اَلنَّعَامِ»؛ لأنها اتسعت بسبب سيرهم حفاة(1) .
أما في القسم الآخر من خطب الإمام (عليه السلام) عن البصرة فقد قال:
«وَيْلٌ لِسِكَكِكُمُ اَلْعَامِرَةِ مِن واَلدُّورِ اَلْمُزَخْرفَةِ اَلَّتِي لَهاَ أَجْنِحَةٌ كَأَجْنِحَة اَلنُّسُورِ وَخَرَاطِيمُ کَخَرَاطِيمِ اَلْفِيلَة مِنْ أُولَئِكَ اَلَّذِينَ لاَ يُنْدَبُ قَتِيلُهُمْ وَلاَ يُفْقَدُ غَائِبُهُمْ أَنَا كَابُّ(2) اَلدُّنْيَا لِوَجْهِهَا وَقَادِرُها بِقَدْرِها ونَاظِرُها بِعَيْنها...»(3) والذي یتضح من هذا الكلام أن البصرة كانت عامرة؛ إذ كانت بيوتها كالقصور مزودة بالشرفات وخراطيم المياه، وكل هذا العمران دُمرَ على يد الزنج لاحقاً، أما عبارة الإمام عن الزنج «لاَ يُنْدَبُ قَتلُهُمْ وَلاَ يُفْقَدُ غَائِبُهُمْ»، هذه إشارة إلى أنهم لم يكونوا لديهم زوجات وأولاد؛ وذلك لعدم زواجهم ونتيجة ذلك أذا ما قتلوا فلا يوجد من يندبهم، أو يبكي عليهم، وفعلاً كانوا كذلك، لأن هؤلاء العبيد الذين كانوا يُجلبون اغلبهم من أفريقيا لغرض العمل الجائر، وامتهان كرامتهم وحقوقهم بعيداً عن تعاليم الإسلام مما كان السبب الرئيس لقيامهم ضد الدولة(4) ، وأخيراً أختتم الإمام علي كلامه بالقول: «أَنَا كَابُّ اَلدُّنْيَا لِوجْهِهَا» وهو بهذه الكلمات يشير إلى تفاهة الدنيا بكل متاعها وزينتها عنده؛ إذ جعلت الناس يتجهون إلى متاع الدنيا وبهرجها الخداع تاركين حقوق العبيد الذين حولوهم لمجرد خدم
ص: 194
يأتمرون بأوامرهم حتى انقلبوا عليهم وساموهم مر العذاب(1) ، وهذه الكلمة تشبه إلى حد بعيد كلام النبي عيسى بن مريم (عليه السلام)، حينما قال: (أنا الذي كببت الدنيا على وجهه ليس لي زوجة تموت ولا بيت يخرّب، وسادي الحجر، وفراشي المدر)(2) .
وفي ختام كلامنا عن هذه الخطبة التي أخبر بها عن مستقبل البصرة نقول: أن هنالك تفسير جديد ظهر حاول أن يطبق كلام الإمام (عليه السلام) هذا على العصر الحالي من خلال الاحتلال الأمريكي على العراق عام (1425ه. 2003م)؛ لأن الدبابات والجند يسيرون على الإسفلت ولا يثيرون الغبار، كذلك لم تعد الخيول تستخدم في هذا الوقت بحيث لا تثير الخيول أي أصوات، فضلاً عن حداثة العمران وما مستخدم فيه في الوقت الحاضر من زخارف وقصور مرتفعة تستند إلى الأعمدة الخراسانية التي تشبه إلى حد كبير خراطيم الفيلة، وسواء أخذنا بالقول القائل ان المراد من هذا الكلام صاحب الزنج أو الرأي الآخر، فان تطبيق كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) على هذه أو تلك يبقى في دائرة الاحتمال والتخمين لقطع الشك باليقين والمعرفة الحقيقية والواضحة للمقصود بهذا الكلام مع القول هنا ان عدم صحة تطبيق هذه الحادثة لا يسري على كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يقبل الشك والقطع(3) .
ص: 195
3- ظهور المغول:
تنبأ الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) بخبر غيبي آخر وهو ظهور المغول وسيطرتهم على بلاد المسلمين بصورة عامة والعراق بصورة خاصة، إذ كان التأثير السلبي الأكبر على ذلك البلد كونه عاصمة الخلافة العباسية في ذلك الوقت، وتعرضه لأكبر الأضرار، لاسيما البصرة، إذ لقيت منهم أعظم البلاء وأشنعه، فقد تكدست الجثث في الطرقات والأزقة وحل بالناس منهم خوف عظيم(1) ، وقد جاء في كلام الإمام علي (عليه السلام) قوله: «كَأَنِّي أَرَاهُمْ قَوْما كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ اَلْمَجَانُّ اَلْمُطْرَقَةُ(2) اَلْمُطَرَّقَةُ يَلْبَسُونَ اَلسَّرَقَ(3) وَاَلدِّيبَاجَ(4) وَيَعْتَقِبُونَ اَلْخَيْلَ اَلْعِتَاقَ وَيكُونُ هُنَاكَ اِسْتِحْرَارُ قَتْل حَتَّى يَمْشِيَ اَلْمَجْرُوحُ عَلَى اَلْمَقْتُولِ وَيَكُونَ اَلْمُفْلِتُ أَقَلَّ مِنَ اَلْمَأْسُورِ»(5) .
من خلال هذه الخطبة یتضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود ولاسيما للمشككين بنهج البلاغة الذين زعموا أن هذا الكتاب قام بوضعه الشريف الرضي، وأنهَّ ليس كلام أمير المؤمنين (عليه السلام)، بينما المتتبع للحقائق التاريخية بدون أي تعصب أعمى يجد أن الشريف الرضي قد فرغ من جمع
ص: 196
نهج البلاغة سنة400ه، بينما وفاته كانت سنة406ه(1) ، أما الهجمات المغولية بدأت سنة617ه، على البصرة وغيرها من الأمصار الإسلامية(2) أي بعد أكثر من مائتي سنة من وفاة الرضي، فكيف أمكنه وضع هذه الخطبة ونسبها إلى الإمام علي (عليه السلام) والتي اخبر فيها عما سيحدث في مستقبل البصرة؟ ولو جزمنا أصلاً أن الرضي بلغ هذا المستوى العلمي والعقلي الذي يؤهله إلى التنبؤ بالأخبار المستقبلية وهو أحد أحفاد أمير المؤمنين فكيف يكون علم علي (عليه السلام) الذي قال عنه حبر الأمة عبد الله بن عباس: (والله لقد أعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم، وايم الله لقد شارككم في العشر العاشري)(3) ، ومن خلال تلك الخطبة وما تقدم ذكره تظهر الحقيقة الساطعة كالشمس في عنان السماء، لتخرس كل ألسن المشككين بنهج البلاغة والشريف الرضي الذي قام بجمع كلام الإمام ووضعه في هذا الكتاب، ومن خلال العودة لكلام الإمام في تلك الخطبة نجد انه قد بدأ بإعطاء صفة المغول، إذ شبه وجوههم بالدروع بعد ان تدق بالمطرقة إذ تصبح عريضة وكبيرة، وقد نقل ابن أبي الحديد الذي عاصر المغول وشاهدهم بأم عينيه، إذ قال في شرحه لهذه الخطبة: (واعلم ان هنذا الغيب الذي أخبر به (عليه السلام) قد رأيناه نحن عياناً ووقع في زماننا وكان الناس ينتظرونه من
ص: 197
أول الإسلام حتى ساقه القضاء والقدر إلى عصرنا، وهم التتار الذي خرجوا من أقاصي المشرق حتى وردت خيلهم العراق والشام وفعلوا ما لم تحتوي التواريخ من خلق الله تعالى آدم إلى عصرنا هذا)(1) ، وقد أورد اب أبي الحديد في كلامه عن المغول وصفاتهم أكثر من خمسة وعشرين صفحة في كتابه شرح نهج البلاغة محاولاً تسليط الضوء عليهم وذكر بعض أخبارهم، وبالعودة للخطبة نجد أن الإمام استمر بإعطاء صفات المغول، فقد وصفهم أنّهم يلبسون الملابس الجيدة المتمثله بالحرير وغير ذلك، وهذا الكلام له معانِ كثيرة وكبيرة، إذ يتضح أن الإمام أراد ان يوصل صورة مفادها ان هؤلاء كانوا يلبسون الملابس الخشنة والرديئة في بادئ الأمر لشدة فقرهم، وبعد ان استولوا على البلاد الغنية وسيطروا عليها وعلى ثرواتها تغير حالهم نحو الأفضل وتحولوا إلى لبس الثياب الفاخرة، واقتناء أفضل الجياد(2) ثم يتحول أمير المؤمنين (عليه السلام) لتبيان حقيقة مهمة وهي:
«وَيَكُونُ هُنَاكَ اِسْتحرَارُ قَتْلٍ حَتَّى يَمْشِيَ اَلْمَجْرحُ عَلَى اَلْمَقْتُولِ وَيَكُونَ اَلْمُفْلِتُ أَقَلَّ مِنَ اَلْمَأْسُوِرِ».
ولعل كلام الإمام هنا واضح لا يحتاج إلى شروح، فهو قد أعطى صورة واضحة عن الفاجعة الكبيرة التي ستحل بالعراق عامة والبصرة خاصة؛ إذ تملأ الأرض بالجثث حتى يضيق المكان بالجرحى فيضطرون للمشي على جثث
ص: 198
القتلى لكثرتها؛ إذ ضاقت بهم الأرض الواسعة(1) ، ومع ذلك فإن الإمام بيّن هذه الحقيقة المهمة، وهي أن عدد الناجين من تلك الكارثة قليل جداً موازنة مع عدد القتلى، وقد وصف ابن الأثير(2) في حديثه عن أحداث سنة617ه وخروج المغول إلى بلاد المسلمين بقوله: ((لقد بقيت عدة سنين معرضاً عن ذكر هذه الحادثة استعظاماً لها كارهاً لذكرها، فأنا أقدم إليه رجلاً، وأؤخر أخرى، فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين ومن الذين يهون عليهم ذكر ذلك، فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسياً))(3) .
ومن خلال ما تقدم ذكره يبرز تساؤل مهم مفاده لماذا حذر الإمام علي (عليه السلام) من فتنة المغول على الرغم من وقوعها بعده ما يقرب من ستمئة سنة؟ والجواب هنا يكون بسبب ما لاقاه أمير المؤمنين (عليه السلام) من أهل البصرة إبان حرب الجمل حينما عادوه ورفضوا طاعته، هنا أراد الإمام تذكيرهم أنّ أعمالهم هذه وفي هذا الوقت وما فعلتموه من إتباع للشيطان والضلال عن طريق الحق وسلككم للباطل حتى وقعتم في حبائل الشيطان، وهذه الأعمال
ص: 199
ستورث إلى أجيالكم القادمة الذين سيشهدون عواقب وخيمة تطالهم بسبب سوء أعمالكم التي تكون سبباً في العقاب الإلهي(1) ، وهناك من رأى أن الإمام قصد من كلامه هذا تحذير هؤلاء القوم، أهل البصرة من البلاء العظيم الذي ينتظرهم، وهنا يجب عليهم الاتحاد والتمسك بطريق الحق والإيمان والحذر من طرق الشيطان الذي يغريهم بها محاولة منه لتقليل الخسائر الفادحة التي ستلحق بهم(2) ؛ لأن المغول كانوا يعيشون حياة قاسية مما جعلت منهم رجالاً أشداء ومقاتلين شرسين عرف عنهم قوتهم الكبيرة وصبرهم وتأقلمهم مع مختلف الظروف، إذ عرف عنهم أكلهم لحوم الميتة، والكلاب، والخنازير، القطط، كذلك كانوا يصطادون الحيوانات المفترسة ويتفاخرون بلبس جلودها مثل الأسود، والضباع، والنمور، والذئاب، حتى كانوا أشبه شيء بالوحش(3) ، أما طرائق تصرفهم مع المدن التي يسيطرون عليها وأهلها فكانت تقوم على سبي النساء والأطفال وقتل الرجال وحرق المدن التي يدخلونها واعتماد سياسة بث الرعب، والخوف، وإراقة الدماء، من غير أي وازع ديني أو أخلاقي يردعهم، ولعل هذا هو السبب الذي دعا الإمام علي (عليه السلام) غلى التحذير منهم بسبب ما يقترفوه من جرائم(4) ، وبعد أن فرغ الإمام من ذكره لبعض ما ستلاقيه البصرة في مستقبل الأيام قال بعض أصحابه: (لقد أعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب فضحك الإمام (عليه السلام) وقال للرجل وكان كلبياً:
ص: 200
«يَا أَخَا كَلْبٍ لَيْسَ هُوَ بِعِلْمِ غَيْبٍ وَإِنَّمَا هُوَ تَعَلُّمٌ مِنْ ذِي عِلْمٍ وَإِنَّمَا عِلْمُ اَلْغَيْبِ عِلْمُ اَلسَّاعَةِ»(1) ، والحقيقة قول أحد أصحاب الإمام أنّه أعطي علم الغيب، جاء بعد أن أخبر أمير المؤمنين عن فتنة الزنج والمغول، ومن خلال كلام الإمام لهم عن علم الغيب نجد أنه أراد ان يبين لهم أن علم الغيب مختص بالله تعالى وحده أما علمه فهو تعلم من ذي علم تعلمه من رسول الله ودعا بأن يعيه صدره، وتضطم عليه جوانحه(2) ، وقد أراد الإمام من إجابته هذه للشخص الذي سأله عن علم الغيب أن يوضح له صدق كلامه ومطابقته لكلام الرسول"، فأن معنى تعليم الرسول" له (عليه السلام) لهذه العلوم هو إعداده لنفسه على طول الصحبة وتعليمه له كيفية السلوك وأسباب تطويع النفس الأمارة للنفس المطمئنة حتی تستعد لاستقبال الأمور الغيبية، والأخبار بها، وأكد ذلك الإعداد دعاءه (عليه السلام) الصادر عن نفسه القدسية(3) .
مما لاشك فيه أن الكوفة كانت مسرحاً لأقسى الأحداث على مر التاريخ الإسلامي، فقد شهدت جرائم دامية بحق أهلها، مارستها الدولتان الأموية والعباسية، وقد بيّن أمير المؤمنين (عليه السلام) ذلك وحذر من المستقبل المرير الذي ينتظر هذه المدينة، ليس هذا فقط بل أوضح الإمام العاقبة السيئة لأولئك الذين اقترفوا الجرائم بحق هذه المدينة وأهلها؛ إذ قال علیه السلام في إحدي
ص: 201
كلماته: «كَأَنِّي بِكِ يَا كُوفَةُ تُمدِّينَ مَدَّ اَلْأَدِيمِ اَلْعُكَاظِيَّ(1) تُعْرَكِینَ(2) بِالنَّوَازِلِ(3) وَتُرْكَبِینَ بِالزَّلاَزِلِ وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِكِ جِبَّارٌ سُوءاً إِلاَّ اِبْتَلاَهُ اَللهُ بِشَاغِلٍ(4) أَوْ وَرَمَاهُ بِقَاتِلٍ»(5) بدأ الإمام حديثه عن الكوفة بالتنبؤ بمستقبل هذه المدينة وما سيحدث فيها من أحداث جسام(6) ، بينما هنالك رأي آخر في نهج البلاغة ذهب إلى أن قول الإمام علي (عليه السلام) هنا قصد به كبر الكوفة واتساعها جغرافياً، بحيث شبهها الإمام بالجلد العكاظي الذي له قابلية التمدد والتوسع بعد ان يدبغ، والمعروف أيضاً ان هذا النوع من الجلود جميل، ومن ارغب الجلود لدى العرب ولعل كلام الإمام هنا يوحي إلى مدى العمران والتوسع الذي ستصبح به الكوفة في مستقبل الأيام(7) ، وسواء كان هذا الرأي أو ذاك،
ص: 202
فالراجح عندنا ان الاثنين صحيحان سواء ما تلاقيه الكوفة من ظلم وجور من حكامها، أو من خلا توسعها وتمددها مثل الجلد العكاظي لتصبح مدينة كبيرة، ولم يقتصر كلام الأمير عند هذا الخبر الغيبي في نهج البلاغة عن توسع الكوفة بل امتد ليصل إلى حد الإخبار عن مصير من يحاول التعرض لهذه المدينة بالسوء، إذ قال عن ذلك: «وَإِنَّي لَأَعْلَمُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِكِ جَبَّارٌ سُوءاً إِلاَّ ابْتَلاَهُ اَللهُ بِشَاغِلٍ أَوْ وَرَمَاهُ بِقَاتِلٍ» ومن هذا الكلام يتضح ان الذي يحاول المساس بهذه المدينة سوف يصاب بالأمراض الصعبة وسيبتليه الله بمختلف صنوف العذاب والآلام الدنيوية قبل الأخروية حتى تشغلهم عن ما يمكن أن يلحقوه من أذى بالناس، أو قد لا يقتصر الأمر عند ذلك فقط، بل سوف يسلط الله عليه حوادث أخرى، وقد تكون متمثلة بأعدائه من أجل القضاء عليه وسومه العذاب(1) ، وهنالك أمثلة تاريخية كثيرة عما شهدته هذه المدينة من ظلم ومن ذلك ما ذكره ابن الجوزي(2) عما فعله زياد بن أبيه بأهل الكوفة حينما حصبه(3) الناس وهو يخطب على المنبر، فقطع أيدي ثمانين منهم بعد أن جمعهم في
ص: 203
المسجد وطلب منهم البراءة من الإمام علي (عليه السلام)، وعلم أنهم سيمتنعون فيحتج بذلك على استئصالهم وإخراب بلدهم، وبعدها خرج أحد أتباع زياد قائلاً: (انصرفوا فأن الأمير يقول لكم إني مشغول عنكم اليوم)، وإذا بالطاعون قد ضربه، فكان يقول إني لا أجد في النصف من جسدي حر النار حتى مات وهو هذا الحال(1) ، والشيء الذي يقال هنا عن الكوفة أنها فعلاً اتسعت بعد زمن الإمام بشكل كبير، إذ كانت على الدوام مركز استقطاب للفتن والحوادث المختلفة، التي كان الله يدفع شرها عنها(2) .
السؤال الذي يطرح نفسه هنا وبقوة هو ما الذي تنتظره الكوفة في مستقبل الأيام؟ وهل ينطبق ذلك على العراق؟؛ وذلك لأن الكوفة كانت تمثل العراق، ومن هنا يتضح ما سيلاقيه هذا البلد من ظلم، واضطهاد، وآلام كثيرة على مر العصور والدهور، وما سيفعله به الطغاة، على كثرتهم من الذين مروا بالعراق من ذلك التاريخ إلى الآن، والسؤال الآخر المهم الذي يبرز هنا هو هل ما تحدث به الإمام علي (عليه السلام) عن الكوفة أراد به الإشارة إلى حقبة زمنية معينة، قد تكون حقبة الأمويين مثلاً، أو أن هذا الكلام يسير على الكوفة على مر الزمن؟ وان كان كذلك، وهل ما زالت الكوفة خاصة والعراق عامة يعاقبان بسبب ولائهما لأمير المؤمنين (عليه السلام) مثلما عاقبهما الأمويون سابقاً، وهنالك كلمات عدة للإمام علي (عليه السلام) عن هذه المدينة تكشف لنا
ص: 204
حقيقة العلاقة بينه وبينها، إذ قال عنها: (هذه مدينتنا ومحلتنا ومقر شيعتنا)(1) ، وكذلك قال عنها: (تربة تحبنا ونحبها)(2) ، وكذلك يستوقفنا منا ذكره ياقوت الحموي في معجم البلدان عن مدينة الكوفة، إذ قال: (كان علي (عليه السلام) یقول: «الكوفة كنز الإيمان وحجة الإسلام وسيف الله ورمحه يضعه حيث شاء والذي نفسي بيده لينتصرن الله بأهلها في شرق الأرض وغربها كما انتصر بالحجاز»(3) ، أما في ما يخص مسجدها وفضله، فقد ورد في الروايات أن الركعتین فيه تعدلان عشراً في ما سواه من المساجد، فالبركة منه إلى اثني عشر ميلاً من حيث ما أتيته(4) ، وقد قال عنه الإمام علي (عليه السلام): «يحشر يوم القيامة سبعون ألفاً ليس عليهم حساب، ووسرطه روضة من رياض الجنة وفيه ثلاث أعین الجنة تذهب الرجس وتطهر المؤمنین لو يعلم الناس ما فيه من الفضل لأتوه حبواً»(5) ، وكذلك هناك قول لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن هذه المدينة وفضلها جاء فيه: «الكوفة جمجمة العرب، ورمح الله تبارك وتعالى، وكنز ايمان»(6) ، فضلاً عما نقل عن الصادق (عليه السلام)، إذ
ص: 205
دعا إلى الكوفة قائلاً: «اللهم أرمِ من رماها وعادِ من عاداها»(1) .
ومن خلال ما تقدم نقول: أن الكوفة مدينة الإمام التي جعلها عاصمة للخلافة الإسلامية وان أغلب أهل هذه المدينة من الذين كانوا يدينون بالولاء والطاعة لأهل بيت رسول الله ومن الأتباع المخلصين، إلا أن السياسة التي اتبعها الأمويون من نشر لجواسيسهم وشرائهم للذمم بالأموال وما تبعه لاحقاً من تسليط للطغاة على هذه المدينة أسهم بشكل كبير في ما لحق بها من ظلم وعذاب، إذاً فمن كلام الإمام (عليه السلام) عن هذه المدينة ومدحه لها يتضح لنا أن المقصود من هذا الكلام أتباع الإمام المخلصين والثلة المجاهدة في الله والتي لا تأخذها في الحق لومة لائم(2) .
وهنالك خطبة أخرى لأمير المنؤمنين (عليه السلام)، وقد تطرق فيها لمستقبل الكوفة، مع العلم أننا قد تطرقنا لشرحها وعرضاها سابقاً وهي خطبة ناعق الشام التي تكلم فيها الإمام على ظلم عبد الملك بن مروان، إذ إن ذكر الكوفة في تلك الخطبة يجبرنا على التعرض لما جاء بحق الكوفة في تلك الخطبة منعاً للتكرار، وقد جاء في تلك الخطبة قول الإمام علي (عليه السلام)::
«وَکَمْ يَخرِقُ اَلْكُوفَةَ مِنْ قَاصِفٍ(3) وَيَمُرُّ عَلَيْهَا مِن عَاصِفٍ وَعَنْ قَلِيلٍ تَلْتَفُّ
ص: 206
اَلْقُرُونُ بِالْقُرُونِ وَيُحْصَدُ اَلْقَائِمُ وَیُحْطَمُ اَلْمَحْصُودُ»(1) .
وهنا يكرر الإمام علي (عليه السلام) كلامه عن مسنتقبل الكوفة والفتن القادمة سواء في زمن الدولة الأموية أم العباسية، والحقيقة أن الكوفة على الأزمان عبارة عن بؤرة كبيرة للفتن والاضطرابات المختلفة(2) ، ثم أشار الإمام إلى الحروب الطاحنة التي كانت الكوفة والعراق مسرحاً لها سواء تلك التي قام بها الأمويون أو العباسيون، وقد اختتم الإمام كلامه بالقول: «يُحْصَدُ اَلْقَائِمُ وَيُحطَمُ اَلْمَحْصُودُ»، وهنالك رأيان في هذا الكلام فقد ذهب البعض إلى القول أن هذا الكلام معناه كناية عن الأضرار والخسائر التي ستلحق بأتباع آل البيت، إذ كانوا ملاحقين تحت كل حجر ومدر وكانت تقطع أيديهم وأرجلهم وألسنهم وتسمل عيونهم ويصلبون على جذوع النخيل سنوات، وما فعله ولاة الأمويين خير دليل على ذلك(3) ، أما الرأي الآخر فقد ذهب إلى قول الإمام (عليه السلام) ب «يُحْصَدُ اَلْقَائِمُ» كناية عن قتل أمراء الأمويين في الحرب، وقوله: «يُحْطَمُ اَلْمَحْصُودُ» كناية عن قتل المأسورين منهم صبراً(4) .
أما بالعودة لموقف الكوفة من الإمام فيبرز لنا وجهان لهذه المدينة وموقفها من أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى دعت الإمام في بعض الأحيان لذمها، إذ
ص: 207
ذكرها في إحدى خطبه قائلاً:
«مَا هِيَ إِلاَّ اَلْكُوفَةُ أَقْبِضُهَا وَأَبْسُطُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ تَكُونِي إِلاَّ أَنْتِ تَهُبُّ أَعَاصِیرُك فَقَبَّحَكِ اَللهُ»(1) .
والواضح عندنا هنا ان كلام الإمام عن الكوفة لا ينطبق على أهلها في كل زمان ومكان بل ينطبق على أهل ذلك الزمان الذين لاقى منهم الإمام (عليه السلام) الأمرّين، حتى قال عنهم في إحدى خطبه:
«لَوَدِدْتُ وَاللهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ صَارَفَنِي بِكُمْ صَرْفَ اَلدِّينَارِ بِالدِّرْهَمِ فَأَخَذَ مِنِّي عَشَرَةَ مِنْكُمْ وَأَعْطَاني رَجُلاً مِنْهُمْ، يَا أَهْلَ اَلْكُوفَةِ مُنِيتُ مِنْكُم بِثَلاَثٍ وَاثْنَتَيْن صُمُّ ذَوُو أَسْمَاعٍ وَبُكْمٌ ذَوُو كَلاَمٍ وَعُمْيٌ ذَوُو أَبْصَارٍ لاَ أَحْرَارُ صِدْقٍ عِنْد اَللَّقَاء وَلاَ إِخْوَانُ ثِقَةٍ عِنْدَ اَلْبَلاَءِ»(2) .
ومن خلال هذا الكلام يتضح مدى ما لاقاه الإمام من هؤلاء الناس حتى يصفهم بتلك الأوصاف ويتمنى لو أنه أبدل عشرة من الذين معه بواحد من أهل الشام؛ لأنهم كانوا معروفين بطاعتهم العمياء لمعاوية على الرغم من أنه كان يعصي الله(3) ، وهنا يتضح الفرق بين الكوفة، وأهلها والشام وأهلها، أما الأسباب التي جعلت الكوفة تظهر بهذا المظهر المخزي أمام أمير المنؤمنين
ص: 208
فهي عديدة, لعل أبرزها أنها مصرت حديثاً، إذ أنشأت سنة17ه في زمن الخليفة الثاني لتكون قاعدة حربية متقدمة لمواجه الفرس(1) ، إذن فهي مدينة بطابع عسكري بحت، وإن أهلها يشكلون السواد الأعظم من جيش الإمام علي (عليه السلام) الذين التحقوا به من مناطق من متعددة، فضلاً عن انتسابهم لقبائل شتى كان يغلب عليها الصراع والتخاصم، بسبب ضغائن وأعراق قبلية متخلفة، وبسبب كل هذه العوامل فأن أهداف كل فرد وطموحاته وأفكاره تختلف عن الآخر، بينما أهل الشام كانوا في غاية الانسجام بسبب وحدة الفكر والهدف(2) ، وذلك أن الشام لم تكن حديثة الإنشاء بحيث أن أهلها كانوا يعدونها وطنهم الأم الذي يجب الدفاع عنه، وذلك الشيء الذي غاب عن الكوفة وأهلها، إذ إن أغلبهم كان لديهم أماكن أخرى متمثلة بمسقط رؤوسهم ووطنهم الأم، حيث أنه كان الملاذ كلما اشتد عليهم الظروف، كذلك عرف عنهم شدة تعلقهم بالغنائم في الأموال التي كانت هدفاً لا وسيلة لهم، فضلاً عن ذلك هناك حقيقة أساسية هنا وهي أن مجتمع الكوفة كان خليطاً غير متجانس من العرب والفرس وكانوا قبائل ومناطق شتى لم يكن لديهم هدف مشترك بل كانوا مشتتين(3) ، وحينما كان الإمام بحاجة لهم إلى النصرة وتقديم التضحيات كانوا يتوارون عن الأنظار بحجج شتی، ومع كل ما تقدم يبرز عامل آخر هو ضعف إرادة هؤلاء القوم وسرعة خداعهم وبروز العصبية القبلية التي كانت تحركهم
ص: 209
وتجعلهم يستبدون بآرائهم وإن كانت باطلة، ومثال ذلك ما حدث في صفين وخدعة رفع المصاحف(1) ، فضلاً عن هذه العوامل أن زعماء القبائل وأشرافها كانوا يحصلون على معاملة خاصة في خلافة عثمان بن عفان ولاسيما من ناحية العطاء والامتيازات الخاصة، تلك الأمور التي ما لبثت ان اختفت بعد تسلم أبي الحسن (عليه السلام) لمقاليد الخلافة، وسياسة العدل التي أتبعها، إذ انه كان يوزع العطاء بالتساوي بين جميع أفراد الدولة الإسلامية هادفاً لتحقيق سياسة العدل الإلهي(2) ، ومع ذلك كله فإن معاوية اتّبع سياسة شراء الذمم لكسب ودّ زعماء القبائل وباقي الأفراد من جيش أمير المؤمنين (عليه السلام) ومما تقدم كله يتضح الدور الصعب الذي اضطلع به الإمام (عليه السلام) في مواجه هؤلاء الأفراد من جيشه قبل مواجه عدوه، ولعل ما حققه الإمام من انتصارات في حروبه، مع جيشه هذا أمر أشبه بالمعجزة؛ لأن هؤلاء القوم من الصعب لأي شخص أن يبلغ معهم النصر(3) .
وأخيراً ومن خلال اتضاح الدور الكبير الذي أدته الكوفة متمثلة بأهلها، أي أهل ذلك الزمان، ومدى ما لاقاه الإمام علي (عليه السلام) من هؤلاء الناس وأتباع الأهواء والمصالح الشخصية، يتضح ان المقصود من كلامه هم أهل ذلك العصر، أي عصر الإمام علي (عليه السلام) وزمانه، بحيث لا ينسحب هذا الكلام
ص: 210
على أهل الكوفة أو العراق في كل زمان(1) ، ومن هنا جاءت روايات أهل البيت التي تشيد بأهل العراق والكوفة، ومن ذلك قول الإمام الصادق (عليه السلام):
«الكوفة روضة من رياض الجنة»(2) ، وقوله أيضاً: «أنه ليس بلد من البلدان و مصر من الأمصار أكثر محبة لنا من أهل الكوفة»(3) ، فضلاً عن ذلك هنالك من ذهب إلى القول: أن الكوفة هي طور سنين التي ذكرها الله عز وجل في كتابه، بل هي الأرض التي تشرفت بأن يرقد فيها نوح وإبراهيم وهود وصالح و أكثر من ثلاثمائة وسبعين نبياً وما يزيد عن ستمائة وصياً، فضلاً عن احتضانها قبر الرجل الذي صارت به أشرف أرض وهو أمير المؤمنين علي (عليه السلام)(4) .
****
ص: 211
كثيرة هي الأخبار الغيبية التي جاءت في نهج البلاغة التي صرح بها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن فتن آخر الزمان، الذي يسبق ظهور القائم المهدي المنتظر (عجل الله فرجه)؛ إذ تناولت العديد من خطب الإمام في نهج البلاغة هذا الموضع الذي سنحاول التطرق له بشكل مفصل في هذا المبحث وعلى النحو الآتي:
وردت روايات عدّة وكلمات لأمير المؤمنين (عليه السلام) في ذم آخر الزمان، وتحذر من حجم الفساد الذي يسود في ذلك العصر، والسؤال الذي يتبادر هنا هو ما المقصود بآخر الزمان الذي تكلم عليه الأمير (عليه السلام) وحذر منه؟ وهناك آراء وروايات عديدة في ذلك، لعل أهمها رأيين:
ص: 212
الأول، رأي ابن أبي الحديد الذي يقول: (إن آخر الزمان الذي تكلم عليه الإمام علي (عليه السلام) هو زماننا الذي انقلبت فيه الأمور الدينية إلى أضدادها ونقائضها وقد شهدنا ذلك عياناً)(1) .
والآخر، هو الرأي الذي نادى به البعض من المؤلفين، إذ قالوا:" إنَّ المقصود من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) عن آخر الزمان القريب من ظهور الإمام المهدي (عجل الله فرجه)(2) لما فيه من كثرة الفساد والظلم، قد استندوا في رأيهم هذا على قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
«المهدي من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خلقاً وخلقاً، تكون لم غيبة وحیرة تضّل فيها الأمم، ثم يقبل كالشهاب الثاقب يملأها عدلاً وقسطاً، كما ملئت جوراً وظلماً»(3) ، وغير ذلك الكثير من أحاديث رسول الله وكلمات أهل البيت (عليهم السلام) التي جاءت بحق الإمام المهدي (عجل الله فرجه) وعصر الظهور المبارك وما يسبق ذلك من فتن كبيرة، حتى يسود في ذلك الزمان الجور والظلم والفساد الذي يجتاح العالم بأسره، وهذا بحد ذاته اعداد لأهل ذلك الزمان من أجل تقبل وجود الإمام الحجة (عجل الله فرجه)
ص: 213
بصفته المصلح الأعظم ومظهر العدل والإصلاح، وقد أورد أحد شُراح نهج البلاغة بعض العوامل التي تؤدي إلى انتشار الفساد في آخر الزمان، إذ ان أبرزها الابتعاد عن تعاليم الأنبياء وإرشادات الأوصياء وكذلك ازدياد وسائل الفساد والشهوات واتساع حجم الوسائل الدعائية لذلك الفساد لمختلف الأماكن، وأيضاً ازدياد الشبهات في المباني الدينية والأخلاقية من خلال التفسير بالرأي والقراءات المختلفة للمعارف والمفاهيم الدينية، فضلاً عن تسلط حكام الجور والفساد الذين تكون أهدافهم العليا تتمثل في تحقيق المنافع المادية وبذل الجهود الحثيثة من أجل إفساد الناس ولاسيما الشباب من اجل الوصول لأهدافهم الخبيثة(1) .
ومن الخطب التي تكلم فيها أمير المؤمنين (عليه السلام) على آخر الزمان ومحذراً منه قوله:
«وَذَلِكَ زَمَانٌ لاَ يَنْجُو فِیهِ إِلاَّ كُلُّ مُؤْمِنٍ نُوَمَةٍ(2) إِنْ شَهِدَ لَمْ يُعْرَفْ وَإِنْ غَابَ لَمْ يُفْتَقَدْ أُولَئِكَ مَصَابِيحُ اَلْهُدَى وَأَعْلاَمُ اَلسُّرَى لَيْسُوا بِالْمَسَايِيحِ(3) وَلاَ اَلْمَذَاييعِ اَلْبُذُرِ(4) أُولَئِكَ يَفْتَحُ اَللهُ لَهُمْ أَبْوَابَ رَحْمَتِهِ ويَكْشِفُ عَنْهُمْ ضِرَّاءَ نِقْمتِهِ أَيُّهَا اَلنَّاسُ سَيَأْتِي عَليْكُمْ زَمَانٌ يُكْفَأُ فِیِه اَلْإِسْلاَمُ كَمَا يُكْفَأُ اَلْإِنَاءُ بِمَا فِیهِ أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّ اَللهَ قَدْ
ص: 214
أَعَاذَكُمْ مِنْ أَنْ يَجُورَ عَلَيْكُمْ ولَمْ يُعِذْكُمْ مِنْ أَنْ يَبْتَلِيَكُمْ وَقَدْ قَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَليِنَ»(1) »(2) .
أشار الإمام علي (عليه السلام) في هذه الخطبة إلى طبيعة آخر الزمان وكم الشر الذي يسود ذلك العصر الذي يسبق ظهور المهدي (عجل الله فرجه) والملاحظ أيضاً، من هذه الخطبة أن امير المؤمنين (عليه السلام) تطرق إلى خصائص المؤمنين في ذلك الزمان تارة، وإلى وضع الإسلام وأحكامه تارة أخرى، فقال:
«وَذَلِكَ زَمَانٌ لاَ يَنْجُو فِیهِ إِلاَّ كُلُّ مُؤْمِنٍ نُوَمَة إِنْ شَهِدَ لَمُ يُعْرَفْ وَإِنْ غَابَ لَمْ يُفْتَقَدْ».
الواضح من هذا الكلام أنه كناية عن الأفراد المجهولين وغير المعروفين والذين يكونون مجهولين حينما يعم الفساد في المجتمع؛ لأنهم سوف يصبحون ضحية لحكام ذلك المجتمع الفاسدين.
وبناءً على ما تقدم فإن الظروف السائدة تجبر هؤلاء الأفراد أن يختفوا عن الأضواء، ويعيشوا بعيداً عن الشهرة؛ ليكونوا مجهولين عند من يتعقبهم، مع العلم هنا أن ذلك لن يؤثر على مكانتهم أو يحط من شأنهم وأنهم لن يتخلوا عن دورهم الايجابي في المجتمع(3) بدليل قول الإمام عنهم «أُولَئك مَصَابِيحُ
ص: 215
اَلْهُدَى وَأَعْلاَمُ اَلسُّرى» وما أروع هذا التشبيه فقد مثلهم أمير المنؤمنين (عليه السلام) بالمصابيح التي تنير الطريق في الليل والتي توضع من أجل أن لا يضيع المسافرون ليلاً(1) .
وأما قول الإمام «لَيْسُوا بِالْمَسَايِيحِ وَلاَ اَلْمَذَايِيعِ اَلْبُذُرِ» وهذه العبارة معناها أن هذه الثلة من المؤمنين ليست مفسدة، ولا مثيرة للفتن، أو تنشر الفاحشة(2) ، فالمسياح هو الشخص الذي يسمع لغيره بفاحشة، ويقوم بنشرها، والبذر هو الذي يكثر سفهه ويلغو منطقه(3) ، ثم قال الأمير (عليه السلام) «أُولَئكَ يفْتَحُ اَللهُ لَهُمْ أَبْوَابَ رَحْمَتِهِ ویَکْشِفُ عَنْهُمْ ضَرَّاءَ نِقْمَتهِ».
والذي يتضح هنا أن أمير المؤمنين ما يزال عن یتكلم عن تلك الطائفة المؤمنة التي يحفظها الله من شر الظلمة، وخطوب الزمان، لكونهم أسباب الهداية في سبيل الله(4) .
ثم ينقل الإمام (عليه السلام) إلى موضوع في غاية العناية وهو تحذير الناس من المستقبل الذي ينتظر دينهم الإسلامي؛ «أَيُّها اَلنَّاسُ سَيَأْتِي عَليْكُمْ زَمَانٌ يُكْفَأُ فِیهِ اَلْإِسْلاَمُ كَمَا يُكْفَأُ اَلْإِنَاءُ بِمَا فِيهِ» وهذه كناية رائعة عن انقلاب المفاهيم الإسلامية كافة رأساً على عقب، ومن هنا جاء تشبيه الإمام للإسلام بالإناء الذي وضعت فيه التعاليم والمبادئ والمعارف والقوانين
ص: 216
والأحكام الإسلامية كافة، وما إن يقلب يذهب كل ما فيه فلا يبقى شيء من محتواه(1) .
وهنا يستوقفنا كلام محمد جواد مغنية(2) ، إذ قال عن هذه العبارة: (يدل سياق الكلام على أن المراد بالزمان المشار إليه، الزمان الذي يعرض الناس فيه عن الدين، ويكتفون منه بإظهار الشعائر، ويدل قول الإمام علي (عليه السلام) «يُكْفَأُ فِيهِ اَلْإِسْلاَمُ» يجب التأكد فيه الرغبات وتنطلق الميول والأهواء، ويكثر فيه التنافس والتباهي بأسباب الدنيا وزينتها، كالسيارات والعمارات والأثاث والرياش كالعصر الذي نعيش فيه، وليس من شك ان أحسن الناس عاقبة حينذاك، هو الرجل المجهول فهو لا ينافس أحداً، ولا أحد ينافسه ويحسده على شيء من الحطام، انه يعمل من اجل قوته بهدوء، ويطيع ربه بلا جعجعة، ويشغله الخوف منه عن الناس وما يعبثون، وهذا هو الرجل المراد بالنومة)(3) ، أما ابن أبي الحديد فقد ذهب أيضاً إلى القول ان ذلك الزمان الذي أشار إليه
ص: 217
أمير المؤمنين (عليه السلام) هو الزمان نفسه الذي شهده ابن أبي الحديد بقوله: (وقد شهدنا ذلك عياناً)(1) .
والملحوظ هنا أن العديد من شُراح نهج البلاغة، حينما كانوا يعلقون على خطبة الإمام هذه يشيرون إلى تلك الصفات الخاصة بذلك الزمان الذي تنطبق تماماً على عصرهم بينما نشاهد أن مسيرة الحياة مستمرة وباتجاه سريع، أي: أن ذلك العصر المقصود لم يأتٌ بعد أو ربما نحن فيه وهو طويل زمنياً، والسؤال هنا المطروح إذا كان كل ما مرت به الأمة الإسلامية من عهود ذلك الظلم والفساد والجور، ولم يكن ذلك العصر الذي أشار إليه الإمام (عليه السلام) كيف سيكون عليه حال الأمة في تلك المدة المشار إليها.؟، وبالعودة لخطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) نجده أنه يتجه إلى الناس ليكشف لهم عن سبب ابتلائهم بكل هذه الحوادث والملمات، فقال: «أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّ اَللهَ قَدْ أَعَاذَكُمْ مِنْ أَنْ يَجُورَ عَلَيْكُمْ ولَمْ يُعِذْكُمْ مِنْ أَنْ يَبْتَلِيَكُمْ» وهو بذلك يبين ان كل تلك الحوادث جاءت بمثابة اختبار حقيقي للناس، وامتحان لابد أن يخوضوا غماره بمختلف مراتبهم، وقد يكون موجهاً لفرد ما، أو لجماعة معينة؛ إذ يتم من خلاله معرفة الصادق من الكاذب والمؤمن من المنافق(2) .
وفي ختام خطبة الإمام هذه ختمها بخير الكلام، كلام الله عز وجل:
ص: 218
«إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ»(1) .
أما الخطبة الأخرى لأمير المؤمنين التي تحدث فيها أيضاً عن آخر الزمان وفتنه، فقد جاء فيها:
«أَيْنَ تَذْهَبُ بِكُمُ اَلْمَذَاهِبُ وَتَتِيهُ بِكُمُ اَلْغَيَاهِبُ وخْدَعُكُمُ اَلْكَوَاذِبُ وَمِنْ أَيْنَ تُؤْتَوْنَ وَأَنَّى تُؤْفَكُونَ فَلِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ وَلِكُلِّ غَيْبَةٍ إِيَابٌ فَاسْتَمِعُوا مِنْ رَبَّانِيِّكُمْ وَأَحْضِرِوهُ قُلُوبَکُم وَاسْتَیْقظُوا إِنْ هَتَفَ بِكُمْ وَلْيَصْدُقْ رَائِدٌ أَهْلَهُ وَلْيَجْمَعْ شَمْلهُ وَلْيُحْضِرْ ذِهْنَهُ فَلَقَدْ فَلَقَ لَكُمُ اَلْأَمْرَ فَلْقَ اَلْخَرَزَةِ وَقَرَفَهُ(2) قَرْفَ اَلصَّمْغَةِ(3) فَعِنْدَ ذَلِكَ أَخَذَ اَلْبَاطِلُ مَآخِذَهُ، وَرَكِبَ اَلْجَهْلُ مَرَاكِبَهُ، وَعَظُمَتِ اَلطَّاغِيَةُ، وَقَلَّتِ اَلدَّاعِيَةُ، وصَالَ اَلدَّهْرُ صِيَالَ اَلسَّبُعِ اَلْعَقُورِ، وَهَدَرَ فَنِيقُ(4) اَلْبَاطِلِ بَعْدَ كُظُومِ، وَتَوَاخَى اَلنَّاسُ عَلَى اَلْفُجُورِ، وَتَهَاجَرُوا عَلَى اَلدِّينِ، وَتَحَابُّوا عَلَى اَلْكَذِبِ، وَتبَاغَضُوا عَلَى اَلصِّدْقِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَانَ اَلْوَلَدُ غَيْظاً، واَلْمَطَرُ قَيْظاً، وَتَفِيضُ اَللَّئامُ فَيْضاً، وَتغِيِضُ اَلْكِرَامُ غَيْضاً، وَکَانَ أَهْلُ ذَلِكَ اَلزَّمَانِ ذِئاباً، وَسَلاَطِينُهُ سِبَاعاً، وَأَوْسَاطُهُ أُكَّالاً أَكَالاً، وَفُقَرَاؤُهُ أَموَاتاً، وَغَارَ اَلصِّدْقُ، وَفَاضَ اَلْكَذبُ، وَاُسْتُعْملَتِ اَلْمَوَدَّةُ بِاللَّسَانِ، وَتشَاجَرَ اَلنَّاسُ بِالْقُلوبِ، وَصَارَ اَلْفُسُوقُ نسَباً، واَلْعَفَافُ عَجَباً، وَلُبِسَ
ص: 219
اَلْإِسْلاَمُ لُبْسَ اَلْفَرْوِ مقْلُوباً»(1) ، من المعلوم أن هذه الخطبة من خطب الملاحم الطويلة في نهج البلاغة وقد حملت في مضامينها الكثير من الأمور من حمد الله والثناء عليه وكذلك الحديث عن فضائل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فضلاً عن كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) عن فتن آخر الزمان، إذ خاطب الناس محذراً لهم من حوادث المستقبل المأساوية بهدف التقليل من الخسائر، والأضرار التي تخلفها تلك الفتن، كذلك محاولة إرشاد الناس إلى الطرق التي تنجي من تلك الفتن(2) ، وجاء في تلك الخطبة تساؤل للإمام علي (عليه السلام) بقوله: «أَيْنَ تَذْهَبُ بِكُمُ اَلْمَذَاهِبُ وَتتِيهُ بِكُمُ اَلْغَیَاهِبُ؟» وهذا التساؤل في الحقيقة عبارة عن تنبيه يصدر عن الإمام محاولاً إيقاظ الناس من غفلتهم، لكي يهيأهم لسماع كلامه المهم(3) ، ثم توجه إلى لفت انتباههم لحقيقة لا يحجبها غربال وهي حقيقة الموت وانتهاء الإنسان فقال: «فَلِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ وَلِكُلِّ غَيْبةٍ إِيَابٌ» وكلام الإمام هنا فيه إشارة إلى ضرورة أن ينتبه الناس على كون أعمارهم محدودة وعليهم ان ينتهزوا الفرصة ما دامت العودة سانحة لطريق الرحمن والهداية وتدارك ما فاتهم قبل فوات الأوان(4) .
ثم واصل الإمام كلامه في هذه الخطبة بقوله: «فَاسْتَمِعُوا مِن رَبَّانِيِّكُم وَأَحْضرُوهُ قُلُوبَكُمْ...»، وهذا الكلام يدل على النصح، والوعظ، والتنبيه الصادر
ص: 220
من ولي أمركم الذي يرسم لكم طريق النجاة من الشيطان وأعماله، بعد ذلك بين الإمام علي (عليه السلام) لأتباعه حقيقة جوهرية بقوله: «فَلَقَدْ فَلَقَ لَكُمُ اَلْأَمْرَ فَلْقَ اَلْخَرَزَةِ وَقَرفَهُ قَرْفَ اَلصَّمْغَةِ» في هذه العبارة كناية عن توضيح الحقائق، وبيان خفيات الأمور، كذلك يشير الإمام لهم إلى أنه قد أخرج عصارة المطالب وجوهرتها، مثلما تخرج تلك المادة اللزجة من الأشجار وتسيل(1) .
أما قوله (عليه السلام): «فَعِنْدَ ذَلِكَ أَخَذَ اَلْبَاطِلُ مَآخِذَهُ وَرَكِبَ اَلْجَهْلُ مَرَاكِبهُ»، ففي هذا الكلام إشارة إلى عظم ما يصل إليه الطغيان والفساد في ذلك الزمان المشار إليه، والطغيان هنا قد ينتشر على مستوى المجتمع بصورة عامة أو يقتصر ذلك على فئة معينة، أو طاغية ما بصورة خاصة، والملحوظ في مثل هذه الظروف هو قلة دعاة الحق الذين يتم إقصاؤهم أو أبعادهم عن المجتمع، وتتبع سياسة تكميم الأفواه بحقهم، ثم يشير إلى ظهور عودة الجماعات المنحرفة، أو المنافقة اثر ضعف دعاة الحق(2) .
وبعد ذلك قال (عليه السلام): «وَتَوَاخَى اَلنَّاسُ عَلَى اَلْفُجُور وَتَهَاجَرُوا عَلَى اَلدِّينِ وتَحَابُّوا عَلَى اَلْكَذِبَ وَتبَاغَضُوا عَلَى اَلصِّدْقِ»، وهنا يكشف الإمام عن حقائق خطيرة ويميط اللثام عن واقع مرير ينتظر الأمة في المستقبل القادم، إذ يصبح الفجور والكذب عرفاً أساساً يسود في المجتمع وسُنة متبعه من غير
ص: 221
حياء أو خجل، مع العلم أن الإسلام نهى عنهما(1) ، وقول الإمام هنا «تَهَاجَرُوا عَلَى اَلدِّينِ» أي إن الناس في ذلك الزمان سوف يهجرون دينهم ويبيعوه بدنياهم(2) .
ثم أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى حقيقة مريرة في ذلك الزمان من خلال قوله: «فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَانَ اَلْوَلَدُ غَيْظا» فمن ذلك الزمان؟ وما استعرضناه من انحلال أخلاقي، وإحياء أعراف الجاهلية، وتغيیب المفاهيم الحقيقية لمبادئ الإسلام، فالنتيجة الحتمية لذلك الفساد هو انحلال المجتمعات وسوف تخترق أسوار البيوت والأسر المتمثلة بأبنائهم الذين بدلاً من أن يكونوا مصادر فخر لأبائهم وسعادتهم تحولوا إلى سبب شقائهم وبؤسهم(3) ، هنالك رأيان في هذا الكلام، أولهما، ان الآباء يشعرون بالغيظ من أبنائهم لكثرة عقوقهم(4) ، أما الرأي الثاني فقد فسر كلام الإمام ان الأب يشعر بالغيظ والغضب من وجود الأبناء، لأنه لم يعد يحتمل نفقاتهم الكبيرة في هذه الأيام، نتيجة لتطور الحياة المدنية وازدياد متطلبات المعيشة المتزايدة يوماً بعد آخر على الآباء والأمهات، لذلك لم يعد الآباء يفكرون بالإنجاب الكثير(5) .
ص: 222
والعبارة اللاحقة من كلامه (عليه السلام) «وَاَلْمَطَرُ قَیْظاً وَتَفِیضُ اَللَّئامُ فَيْضاً وَتغِيضُ اَلْكِرَامُ غَيْضاً» تشير إلى أن سوء أعمال الناس في ذلك الزمان سيؤدي لحقيقة لا مفر منها وهي التقلبات الطبيعية؛ إذ سينزل المطر في الصيف بدلاً من الشتاء فيؤدي ذلك إلى ازدياد الحر وفساد الهواء، ومن الافرازات الطبيعية لهذه الظروف، هو ظهور حثالة المجتمعات وتسلطهم على رقاب الناس وغياب المؤمنين الحقيقيين في مثل تلك الظروف، وهم الذين جاء وصفهم بالخطبة ب (دعاة الحق)(1) .
ثم يتحدث الإمام علي (عليه السلام) عن ذلك الزمان وصفاته؛ إذ قسم الناس في ذلك الزمان الى أربع فئات أساسية من خلال قوله: «وَكَانَ أَهْلُ ذَلِك اَلزَّمَانِ ذِئَاباً وَسَلاَطِينُهُ سِبَاتاً وَأَوْسَاطُهُ أُكَّالاً أَكَالاً وَفُقَرَاؤُهُ أَمْوَناتاً» المراد من كلام الإمام بأهل ذلك الزمان، وهم الفئة الأولى، وهم أعوان الظلمة وعمالهم وبطانتهم وحاشيتهم والمقربون منهم الذين يسنلطون على رقاب الناس، فإذا كان السلطان سبعاً ضارياً، وهي الفئة الثانية، والمعروف هنا ان السبع والذئب من الحيوانات المفترسة التي تفترس الناس، وأهل ذلك المجتمع الذين يصبحون ضحايا تلك المفترسات، وهم الفئة الثالثة من تقسيم الإمام (عليه السلام) من خلال قوله: «وَأَوْسَاطُهُ أُكَّالاً»(2) ، أما الفئة الرابعة فهم الفقراء في ذلك الزمان الذين يصبحون نسياً منسياً وكأنهم أموات انقطعت مادة حياتهم ممن هم أعلى
ص: 223
رتبة منهم(1) .
والصورة التي تتوضح هنا أمامنا من كلام الإمام علي (عليه السلام) وكأنه قد طالع عن كل دقائق التاريخ البشري أو عن كل أحداث التاريخ التي سيمر بها الانسان، فكشف النقاب هنا بكلماته الرائعة التي لا تخلو من البلاغة، والبساط في الوقت نفسه، وتشير إلى صفات ذلك الزمان وكأنه عايشه (عليه السلام)، ذلك الزمان الذي أعطاه الإمام أدق التفاصيل، فلئام ذلك الزمان كثيرون، وكرماؤه قليلون، وأهله ذئاب، وحكامه سباع، والناس فيه مجرد ضحايا يريدون افتراسها، من غير إعطائهم أدنى ما يستحقوه من حقوق، بل هم مجرد أرقام في المعادلات الاقتصادية أو التجارية، أو مجرد ورقة اقتراع في صناديق الانتخابات(2) ، وعليه فالمتتبع لهذه الخطبة يجد ان الإمام (عليه السلام) قد ختم خطبته بالإشارة إلى سبع ظواهر منحرفة سوف تطفو على السطح في ذلك الزمان من خلال قوله:
«وَغَارَ اَلصَّدْقُ وَفَاضَ اَلْكَذِبُ وَاُسْتُعْمِلَتِ اَلْمَوَدَّةُ باللّسَانِ وَتشَاجَرَ اَلنَّاسُ بِالْقُلُوبِ وَصَارَ اَلْفُسُوقُ نَسَباً وَاَلْعَفَافُ عَجَباً وَلُبِسَ اَلْإِسْلاَمُ لُبْسَ اَلْفَرْوِ مَقْلُوباً» وهذه كلمات غاية في الروعة كشفت عن الواقع المرير الذي يسود في ذلك الزمان الموعود، فأول تلك الظواهر هي زوال الصدق وثانيها هي كثرة الكذب، وهذا الكلام فيه كناية فقوله: «غَارَ اَلصِّدْقُ» أي انتشر داخل الأرض، أو لعله
ص: 224
دفن في باطن الأرض(1) ، وقول الإمام «فَاضَ اَلْكَرذِبُ» وكأنه الماء المالح الذي يفيض فيخرب الأراضي، أو لعله مياه الأمطار الغزيرة التي تخرب الأراضي بما فيها من محاصيل زراعية، أما الظاهرتان الثالثة والرابعة اللتان ستسودان في ذلك الزمان فهما ظهور المودة على اللسان، في حين انطواء القلوب على البغض والعدوان والحقد الدفين، ونتيجة ذلك تبرز ظاهرتان آخرتان هما التفاخر بالذنب، كذلك الدهشة من العفة والطهارة، وهذا الكلام يفيد عن مدى الانحراف العقائدي الذي يسود في ذلك الوقت مما يؤدي إلى ان يصبح الفسقة قريبين من بعضهم وكأنهم قرابة ونسب(2) ، ولعل المراد بالفسق في ذلك الزمان هو الزنا وانتشاره بين الناس حتى يكثر أولاد الحرام في المجتمع(3) ، أما أصحاب العفة والطهارة في مثل تلك الظروف فتكون صفتهم هذه مثار سخط الناس وازدراءهم لهم، بل ونبذهم من قبل المجتمعات التي يعيشون فيها(4) .
والظاهرة السابعة والأخيرة التي أشار إليها الإمام علي (عليه السلام) في كلمته فهي: «وَلُبِسَ اَلْإِسْلاَمُ لُبْسَ اَلْفَرْوِ مَقْلُوباً»، وفي تفسير هذه الكلمة قال البحراني في شرحه" لما كان الغرض الأصلي من الإسلام أن يكون باطناً ينتفع به القلب ويظهر فيه منفعته، فقلب المنافقين غرضه واستعملوه بظاهر ألسنتهم من غير قلوبهم أشبه قلبهم له لبس الفرو إذا كان أهله ان يكون ظاهراً لمنفعة
ص: 225
الحيوان الذي هو لباسه فاستعمله الناس مقلوباً(1) ، إذن فالظاهر ان المراد به تبديل الإسلام وقلب أحكامه وإظهار النيات والأفعال الحسنة وإبطان خلافها))(2) .
أما الراوندي(3) في تعليقه على هذه الكلمة فقد قال: (إن هذا القول له معنيان أحدهما الإسلام يعكس أمره ويُغير، والآخر ان أهل الإسلام يطلبون به الدنيا لا الآخرة ويجعلون التدين زينة ووقاية لأنفسهم في الدنيا فقط)(4) .
وفي الواقع أن خطبة الإمام علي (عليه السلام) هذه فيها تشابه كبير من جهة المعنى والكلام مع أحد أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا دليل واضح على أن علم الإمام من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، والحديث هو:
«يأتي على الناس زمان وجوههم وجوه الادمیين وقلوبهم قلوب الشياطین كأمثال الذئاب الضواري سفاكون للدماء لا يتناهون عن منكر فعلوه إن تابعتهم ارتباوك وإن حدثتهم كذبوك إن تواريت عنهم اغتابوك ألسنة فيهم بدعة والبدعة فيهم سنة والحکيم بينهم غادر والغادر بينهم حليم المؤمن، فيما بينهم مستضعف
ص: 226
والفاسق فيما بينهم مشرف، فعند ذلك يحرمهم الله قطر السماء في أوانه وينزله في غیر أوانه ويسلط عليهم شرارهم فيسومونهم سوء العذاب...»(1) .
وأخيراً تتضح الصورة الحقيق من خطبة الإمام علي (عليه السلام) هذه، فهو أراد أن يبين للناس مسار الأحداث القادمة ومدى ما يمر به المجتمع الإسلامي من انقلاب حقيقي للمفاهيم، وتغيير الموازيين، حتى تبدو الأمور رأساً على عقب فينادى بالمنكر، ويهجر المعروف، ويعم الكذب، ويشح الصدق، ويسود الفجور، ويختفي العفاف، وذلك بفضل الحكومات المستبدة التي تتسلط على رقاب الناس على مدى التاريخ، والتې تسعى لتكريس كلَّ عملها ووجودها من خلال إستعمالها لكلّ السبل والوسائل الشرعية أو غير الشرعية، وبالطبع فأن الحكومات تقوم على إقصاء الأخيار والشرفاء دعاة الحق عن ميدانهم، وبخلافة ذلك توجد بطانة، وحاشية خاصة بها، هدفها يكون في استعمال الأساليب كافة بحق الناس لإبقائهم يعيشون حالة الجهل تلك، وهنالك حقيقة مهمة تبرز في متل تلك الظروف وهي ان تلك الحكومات لا تعارض في مناجها الدين بصورة مباشرة، بل تقوم على تحريفه من اجل تمرير مخططاتها، وتحقيق مآربها(2) .
جاء ذكر الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري (عجل الله فرجه)
ص: 227
الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، في ثلاثة مواضع متفرقة من خطب نهج البلاغة، وقد أشار إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) و إن لم يذكر اسمه الصريح، بل ذهب إلى ذكر بعض أوصافه التي تنطبق عليه بأدنى تأمل، فقول الأمام عنه: «فَيُرِيكُمْ كَيْفَ عَدْلُ اَلسَّیرَةِ ويُحْیِي مَيِّتَ اَلْكِتَابِ واَلسُّنَّة» جاء في حقّ الإمام المهدي (عجل الله فرجه) بحيث لا يتسنى لغيره أن يقيم العدل، ويحي ما كان قد مات من الكتاب والسنة، كذلك قول الإمام علي (عليه السلام): «في سُتْرَةٍ عَنِ اَلنَّاسِ لاَ يُبْصِرُ اَلْقَائِفُ أَثَرَهُ ولَوْ تَابَعَ نَظَرَهُ» وهنا الإشارة واضحة إلى الفترة التي يمر بها الحجة المنتظر حينما يكون محجوباً عن الناس ولا يعلم أحد مكانه مهما حاول ذلك، والواضح هنا بالدليل القاطع أن كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الإمام المهدي (عجل الله فرجه) هي من الأخبار الغيبية التي صدرت عنه قبل ولادة المهدي (عجل الله فرجه) بعشرات السنين.
وسنحاول في هذا المبحث التطرق لتلك الأخبار الغيبية التي اخبر بها أمير المؤمنين (عليه السلام)، من غير الخوض الدقيق في مسألة الإمام المهدي (عجل الله فرجه) لأن هذه المسأل ليست من صلب البحث ولأنها مسألة لها بداية وليس لها نهاية، وسيقتصر هذا المبحث على خطب الإمام علي (عليه السلام) والتي أخبر بها عن المهدي الموعود (عجل الله فرجه).
ومن خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) وقد تطرق إلى الإمام المهدي (عجل الله فرجه) وعصر ظهوره، حيث قال:
ص: 228
«يَعْطِفُ اَلْهَوىَ عَلَى اَلْهُدَى إِذَا عَطَفُوا اَلْهُدَى عَلَى اَلْهَوَى ويَعْطِفُ اَلرَّأْيَ عَلَى اَلْقُرْآنِ إِذَا عَطَفُوا اَلْقُرْآنَ عَلَى اَلرَّأيِ- حتى يقول- أَلاَ وفِي غَدٍ وسَيَأْتِي غَدٌ بِمَا لاَ تَعْرِفُونَ يَأْخُذُ اَلْوَالِي مِنْ غَيْرِهَا عُمَّالَهَا عَلَى مَسَاوِئِ أَعْمَالِهَا وتَخْرجُ لَهُ اَلْأَرْضُ أَفَالِيذَ كَبِدِهَا وتُلْقِي إِلَيْهِ سِلْما مَقَالِيدَهَا فَيُرِيكُم كَيْفَ عَدْلُ اَلسَّیرَةِ ويُحْيِی مَيِّتَ اَلْكِتَابِ واَلسُّنَّة...»(1) .
اتفق شراح نهج البلاغة على ان المقصود من هذه الخطبة هو الإمام المهدي (عجل الله فرجه)، وإن لم يصرح أمير المؤمنين علي (عليه السلام) باسمه الصريح، وقد بدأ الإمام علي (عليه السلام) كلامه بقوله: «يَعْطِفُ اَلْهَوَى عَلَى اَلْهُدَی» أي إنه إذا ظهر يرد النفوس المنحرفة عن سبيل الله إلى طريق الحق والإيمان وطريق الصراط المستقيم، فهتدي بظهوره سائر الأمم(2) ، أما قوله «إِذَا عَطَفُوا اَلْهُدَى عَلَى اَلْهَوَی» فمعناه إذا ارتدت تلك النفوس عن إتباع هدى الله فسوف يهديها إلى الطريق القويم، ويجدد الشريعة المحمدية بعد اندحاضها(3) ، ثم ينتقل أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد ذلك إلى بيان أن الإمام المهدي (عجل الله فرجه) سوف يدحض ويبطل على الآراء الفاسدة المخالفة للقرآن الكريم بقوله: «وَيعْطِفُ اَلرَّأْيَ عَلَى اَلْقُرْآن»؛ اذ یأمر بالرجوع للقرآن واخذ ما وافقه، وطرح ما خالفه من خلال قوله: «اِذَا عَطَفُوا اَلْقُرْآنَ عَلَى اَلرَّأْي»
ص: 229
أي يؤولوه على وفق ما يطابق مذاهبهم المختلفة وآراءهم المشتتة من خلال تلك المذاهب الإسلامية التي كانت تستشهد بآيات الكتاب على آرائها المنحرفة تاركين أهل الذكر «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذَّكْرِإِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»(1) .
ومما تقدم من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) يتضح أنه أراد القول أنهم ولاة الأمر وهم الذين نزل القرآن في بيتهم وهم أهل بيت النبوة، ومعدن الوحي والرسالة، فمن رجع لهم في تفسير كتاب الله اهتدى، ومن استغنى برأيه عنهم فقد ضل وغوى(2) .
أما الجزء الآخر من خطبة الإمام علي (عليه السلام) الذي قال فيه «أَلاَ وفِي غَدٍ وَسَيَأْتِي غَدٌ بِمَا لاَ تَعْرِفُون» فهذا الكلام فيه إشارة واضحة إلى سيرة القائم وفيه تنبيه على عظم شأنه وعظيم شأن الغد الموعود بمجينه، وهنا يبيّن الإمام حقيقة معرفته بما لا يعرف هؤلاء القوم الذين يخاطبهم(3) ، ثم يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) «يَأْخُذُ اَلْوَالِي مِنْ غَيْرِهَا عُمَّالَهَا عَلَى مَسَاوِئِ أَعْمَالِهَا» وقد قال ابن أبي الحديد عن ذلك: (هذا كلام منقطع عما قبله، وقد تقدم ذكر طائفة من الناس ذات مُلك وإمرة، فذكر (عليه السلام) ان الوالي يعني الإمام الذي يخلقه الله تعالى في آخر الزمان، يأخذ عمّال هذه الطائفة على سوء أعمالهم)(4) ، والشيء المهم الذي يجب أن ينتبه عليه من كلام ابن أب+ي الحديد
ص: 230
هو قوله: (أن الإمام يخلقه الله في آخر الزمان)، وقد ذهب لهذا على وفق مذهب المعتزلة الذي هو عليه والذين يقولون ان المهدي (عجل الله فرجه) غير مولود وسوف يولد في آخر الزمان(1) ، أما قوله (عليه السلام): «تَخْرجُ لَهُ اَلْأَرْضُ أَفَالِيذَ كَبِدِهَا» فالأفاليذ جمع أفلاذ وأفلاذ جمع فلذ وهي القطعة من الكبد وهذا كناية عن الكنوز التي تظهر إلى المهدي (عجل الله فرجه)، وهذا الكلام فيه استعارة لفظ الكبد لكنوز الأرض، وخزائنها حيث انهما متشابهان في الخفاء، فالكنوز تختفي في باطن الأرض، والكبد يختفي في جسم الإنسان.
بينما هنالك رأي آخر في تفسير هذا الكلام ذهب إلى القول: أن الإمام علي (عليه السلام) أراد الإشارة من كلامه هذا إلى الأتباع الذين يخرجون ويظهرون مع الإمام المهدي (عجل الله فرجه) بعد أن كانوا غير ظاهرين وغير معروفين بأشخاصهم وأسمائهم، وهم كنوز ادخرها الله تعالى لذلك اليوم الموعود وقول إلامام «أَفَالِيذَ كَبِدِهَا» إلا للإشارة إلى ذلك، إذ إن عبارة (فلذة الكبد) لا تستعمل إلا للأبناء، ولكونهم أبناء الأرض؛ والإشارة إلى خفائهم وعدم ظهورهم فكأنهم مختفون في الأرض مثلما أن الكبد مختفٌ في باطن الإنسان(2) ، والواضح هنا ان اغلب هذه التفاسير تلامس جسد الحقيقة بدرجات متفاوتة، وقد اختتم الإمام علي (عليه السلام) كلامه عن الإمام المهدي (عجل الله فرجه) بالقول «فَيُرِيكُمْ كَيْفَ عَدْلُ اَلسَّیرَةِ ويُحْیِي مَيِّتَ اَلْكِتَابِ واَلسُّنَّة» أي إن
ص: 231
الحجة (عجل الله فرجه) سوف يحيی التعاليم الحقيقية للإسلام والسنة الشريف والتي غيبت قسراً فيعود الحكم الشرعي بها وتعود؛ لتجد مكانها الحقيقي في ظل حكومة القائم (عجل الله فرجه) التي يتم في ظلالها إحياء القيم الإنسانية، وتفيض النعم بأنواعها على الناس ويطاح بأصنام الجور والظلم(1) .
لم يقتصر ذكر الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) للمهدي (عجل الله فرجه) في الخطبة السابقة فقط، بل امتد لخطب عديدة، إذ تحدث عن فئة ظلت الطريق القويم، واتجهت نحو الانحراف ثم تحدث عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أئمة الهداية الذين يهدي بهم الله سبحانه عباده ويتنشلونهم من الفتن والوقوع بحبائل الشيطان، إذ بنهضتهم سوف ينشر الله الحق وهذه النهضة متمثلة بظهور الإمام المهدي (عجل الله فرجه) وقد جاء في هذه من نهج البلاغة قول الإمام علي (عليه السلام):
«وَأَخَذُوا يُمِيناً وَشِمَالاً ظَعْناً فِي مَسَالِكِ اَلْغَيِّ وَتَرْكاً لِمَذَاهِبِ اَلرُّشْدِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوا مَا هُوَ كَائِنٌ مُرْصَدٌ(2) وَلاَ تَسْتَبْطِئُوا مَا يَجِيءُ بِهِ اَلْغَدُ فَكَمْ مِنْ مُسْتَعْجِلٍ بِمَا إِنْ أَدْرَكَهُ وَدَّ أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ وَ مَا أَقْرَبَ مِنْ اَلْيَوْمَ مِنْ تَبَاشِیرِ غَدٍ يَا قَوْمِ هَذَا إِبَّانُ وُرُودِ كُلِّ مُوْعُودٍ وَدُنُوٌّ مِنْ طَلْعَةِ مَا لاَ تَعْرِفُونَ أَلاَ وَإِنَّ مَنْ أَدْرَكَهَا مِنَّا يسْرِي فِيهَا بِسِرَاج مُنِیرٍ وَيَحْذِو فِيهَا عَلَى مِثَالِ اَلصَّالحِینَ لِیَحُلَّ فِيهَا رِبْقاً(3) وَيُعْتِقَ فِيهَا رِقّاً(4) وَيصْدَعَ
ص: 232
شَعْباً(1) وَيَشْعَبَ صَدْعاً(2) فِي سُتْرَةٍ عَنِ اَلنَّاسِ لاَ يُبْصرَ اَلْقَائِفُ(3) أَثَرَهُ وَلَوْ تَابَعَ نَظَرَهُ ثُمَّ لَيُشْحَذَنَّ فِيهَا قَوْمٌ شَحْذَ اَلْقَيْنِ اَلنَّصْلَ(4) تُجْلَى بِالتَّنْزِيلِ أَبْصَارُهُم وَيُرْمَی بِالتَّفْسِیرِ فِي مَسَامِعهِمْ وَيُغْبَقُونَ(5) كَأْسَ اَلْحِكْمَة بَعْدَ اَلصَّبُوحِ(6) »(7) ، أشار الإمام علي (عليه السلام) من خلال هذه الخطبة إلى حوادث المستقبل، لاسيما قبل ظهور الإمام المهدي (عجل الله فرجه) كذلك ما بعد ظهوره وطبيعة ذلك العصر، إذ بدأ كلامه محذراً من السير يميناً وشمالاً في طرائق الغي والكفر ويبين أنه يجب على الناس ألا يستعجلوا لتحقيق غاياتهم من خلال قوله «فَکَمْ مِنْ مُسْتَعْجِلٍ بِمَا إِنْ أَدْركَهُ وَدَّ أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ وَمَا أَقْرَبَ اَلْيَوْمَ مِنْ تَبَاشِیرِ غَدٍ» وهذه إشارة إلى ما يحققه الإمام المهدي (عجل الله فرجه) من انتصارات كبيرة بعد فتن عدة تظهر على الناس، وهنا يجب على الناس عدم استعجال ذلك الظهور وتلك الانتصارات الكبيرة لأنه لكل شيء زمانه وشروطه الواجب تحققها من
ص: 233
أجل ذلك الظهور(1) ، ثم خاطب أمير المؤمنين (عليه السلام) أتباعه قائلاً: «يَا قَوْمِ هَذَا إِبَّانُ وُرُودِ كُلِّ مَوْعُودٍ» وكلام الإمام (عليه السلام) هذا معناه أن هذا أوان تحقق الفتن والبلايا، وسيادة الظلم، وكثرة الظالمين والمظلومين على حد سواء وهذا ما وعدتم به(2) ، ثم بعد هذا الكلام عاد أمير المنؤمنين ليتكلم في خطبته هذه عن الإمام المهدي (عجل الله فرجه) وظهوره المبارك بقوله: «أَلاَ وَإِنَّ مَنْ أَدْرَكَهَا مِنَّا يَسْرِي فِيهَا بِسِرَاجٍ مُنِیرٍ» وهذا كلام فيه مدلولات كبيرة وعظیمة، إذ تطرق الإمام علي (عليه السلام) لظهور الحجة وما سيفعله بعد الظهور من نصرة المظلومين وإحقاق الحق ونشر العدل والخير وتنكيس راية الظلم وكسر شوكة الظالمين، وقد عبر أمير المؤمنين عن ذلك بعبارات وكلمات قصيرة غاية في البلاغة والمعنى فهو الذي شبهه الإمام بالحبل المعقود الذي يحل الفتن ويطلق الأسرى، وينقذ المظلومين من أيدي الظالمين، ويقوم بجمع كلمة أهل الهدى(3) ، وهناك رأي يقول أن معنى هذه الكلمات والمراد منها هم أئمة أهل البيت جميعاً وما واجهوه بعد أمير المؤمنين من فتن شتى سواء في زمن الأمويين أو العباسيين وغيرهما إلى ظهور الإمام المهدي (عجل الله فرجه)(4) .
والشيء الذي يستحق التوقف عنده هنا أن ابن ابي الحديد، الذي لديه
ص: 234
موقف متعصب من مسألة الإمامة، وفي شرحه لهذه العبارة «أَلاَ وَإِنَّ مَنْ أَدْرَكَهَا مِنَّا يَسْرِي فِيهَا بِسِرَاجٍ مُنِیرٍ»، ذهب في كلامه إلى القول أن المراد هو مهدي آل محمد مثلما ترى إنطباق كل الصفات المذكورة عليه، وان كان اعتقاد بعض المذاهب العامة بأن الإمام المهدي (عجل الله فرجه) سيولد في آخر الزمان(1) ، وفي نهاية كلامه في تلك الخطبة عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، تكلم عن أنصار الإمام المهدي (عجل الله فرجه) وأوصافهم «ثُمَّ لَيُشْحَذَنَّ فِيهَا قَوْمٌ شَحْذَ اَلْقَيْنِ»، إذ الذي يستشف من هذه العبارات أن أنصار الحجة المنتظر (عجل الله فرجه) هم من الرجال الشجعان والعلماء الذين أعدوا سابقاً، وعملية بنائهم وإعدادهم ما تزال مستمرة، وقلوبهم نابضة بآيات القرآن وتفسير كلمات الباري سبحانه، وهو دائم التعلم صباحاً ومساًء ويزدادون عزماً وتأهباً واستعداداً حيناً بعد آخر، واختتم كلامه عنهم: بالقول هؤلاء تفيض منهم المعارف الربانية، والأسرار الإلهية، وهؤلاء هم العارفون الذين جمعوا بين الزهد والحكم والشجاعة وحقيق بمثلهم أن يكونوا أنصاراً لولي الله الذي يجتبيه ويخلقه في آخر أوقات الدنيا فيكون في خاتمة أوليائه والذي يلقى عصا التكليف عنده(2) .
وفي نهاية هذه الخطبة نقول إن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) أراد من خلالها تبشير الناس بما ينتظرهم من فجر مضيء بعد كل ما عانوه
ص: 235
وسوف يعانوه، وهذا الفجر المضيء يتمثل بالظهور المبارك والطلعة الميمونة للحجة المهدي المنتظر (عجل الله فرجه) الذي بظهوره تشرق شمس الإيمان والخير والعدل، والحق الذي يجب أن يقال هنا أن مسألة قيام الإمام المهدي (عجل الله فرجه) وظهوره في آخر الزمان مسألة متفق عليها بين المسلمين جميعاً، وان اختلف في كيفياتها، لا بل أن مسألة قيام الموعود أو المنتظر امتدت فكرتها لتشمل على أغلب الأديان، إذ إن السواد الأعظم منها يؤكد قيام المخلص في آخر الزمان، مع التأكيد أن لكل ديانة مخلصها، وعلى العموم فالفكرة متفق عليها، ولاسيما قيام المنتظر (عجل الله فرجه) فالمسلمون يؤمنون بها بشكل مطلق بحيث لم يشذ عن هذه الفكرة إلا النزر اليسير من أصحاب الانحراف الفكري متناسين قوله تعالى:
«ولَقَدْ كتَبْناَ فِيِ الزَّبوُر مِنِ بَعْدِ الذكْر أنَّ الْأرْضَ يرَثُهُاَ عبِاَديِ الصَّالحِوُن»(1) .
وكذلك قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
«لا تقوم الساعة حتى تملاً الأرض ظلماً وعدواناً، ثم يخرج رجل من عترتي يملاها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدوانا»(2) ، إذن فالذي يستفيد من خطبة الإمام علي (عليه السلام) السابقة أنها ركزت على أن الظهور المقدس يهدف لإزالة بساط الظلم، ونشر التوحيد، والعدل الإلهي في الوقت الذي يعم الظلم
ص: 236
والانحراف الأخلاقي والعقائدي للعالم، مما يضاعف من استقبال تلك الحكوم الإلهية المتمثلة بالمهدي (عجل الله فرجه) وكذلك أن أنصار الإمام الذين يظهرون منه، التي تشير الروايات التاريخية إلى أن عددهم ثلاثمئة وثلاثة عشر بعدد أصحاب بدر(1) ، هم أداة الحق بيد الإمام (عليه السلام) لتفيذ هذا المشروع الإنساني العظيم وهم تلك الثلة المجاهدة من الشجعان، والعلماء، لإعلاء راية الحق وكلمة الله(2) .
لا يقف كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة عن الإمام المهدي (عجل الله فرجه) عند هذا الحد، بل يمتد ذكره لخطبة أخرى؛ إذ قال فيها الإمام علي (عليه السلام):
«قَدْ لَبِسَ لِلْحِکْمَةِ جُنَّتهَا(3) وَأَخَذَهَا بِجَمِيعِ أَدَبِهَا مِنَ اَلْإِقْبَالِ عَلَيْها وَاَلْمَعْرِفَة بِهَا وَاَلتَّفَرُّغِ لَهَا فَهِيَ عِنْدَ نَفْسِهِ ضَالَّتُهُ اَلَّتِي يَطْعُبُهَا وَحَاجَتُهُ اَلَّتي يَسْأَلُ عَنْهَا فَهُوَ مُغْتَرِبٌ إِذَا اِغْتَرَبَ اَلْإِسْلاَمُ وَضَرَبَ بِعَسِیبِ(4) ذَنَبِهِ وَأَلْصَقَ اَلْأَرْضَ بِجِرَانِهِ(5) بَقِيَّةٌ مِنْ بَقَايَا حُجَّتِهِ خَلِيفَةٌ مِنْ خَلاَئِفِ أَنْبِيَائِهِ»(6) .
ص: 237
وهنا يستوقفنا كلام ابن ابي الحديد في شرحه لتلك الخطبة، إذ قال: ((هذا الكلام فسرته كل طائفة بحسب اعتقادها، فالأمامية تزعم أن المراد به المهدي المنتظر عندهم، والصوفية يزعمون أنه يعني به ولي الله في الأرض، و عندهم الدنيا لا تخلو عن الإبدال وهو أربعون، وعن الأوتاد وهم سبعة وعن القطب وهو واحد، فإذا مات القطب صار أحد السبعة قطباً عوضه، وصار أحد الأربعين وتداً عوض ذلك الوتد، وصار بعض الأولياء الذين يصطفيهم الله تعالى بدلاً بدل ذلك البدل))، ثم ينتقل ابن أبي الحديد إلى تفسير كلام الصوفية، إذ يقول: ((وأصحابنا يزعمون أن الله تعالى لا يخلي الأمة من جماعة المؤمنين بالعدل والتوحيد، وأن الإجماع إنما يكون حجة باعتبار أقوال أولئك العلماء، لكن لما تعذرت معرفتهم بأعيانهم اعتبر إجماع سائر العلماء، وإنما الأصل قول أول، قالوا: وكلام أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يشير فيه إلى جماعة أولئك العلماء من حيث هم جماعة))، ولكنه يصف حال كل واحد منهم، فيقول: (من صفته كذا ومن صفته كذا).
أما تفسير الفلاسفة لكلام الإمام، فهم يزعمون ان مراده (عليه السلام) بهذا الكلام العارف، ولهم في العرفان وفي صفات أربابه كم يعرفه من له أنس بأقوالهم، وقد اختتم ابن أبي الحديد كلامه، بعد ان استعرض عدة آراء لمذاهب مختلفة، اختتمه بقوله: ((وليس يبعد عندي ان يريد (عليه السلام) به القائم من آل محمد" في آخر الوقت إذا خلقه الله تعالى، وأن لم يكن موجوداً فليس في الكلام ما يدّل على وجوده الآن، وقد وقع اتفاق الفرق من المسلمين
ص: 238
أجمعين على أن الدنيا والتكليف لا ينقضي إلا عليه))(1) ، هذا في ما يخص رأي ابن أبي الحديد المعتزلي، أما بقية آراء شُراح نهج البلاغة في تناولهم لتلك الخطبة فقد أجمعوا أيضاً أن الشخص المقصود بتلك الخطبة هو الإمام المهدي (عجل الله فرجه)، وإن قامت كل طائفة بتفسير كلام أمير المؤمنين بما يوافق أهواؤها ومصالحها مثل الصوفية والمعتزلة والفلاسفة، ولعل أوضح شرح ما ذهب إليه التستري(2) ، إذ قال: (ذهبت كل طائف لتفسير ذلك بحسب اعتقادها إلا أن المتبع ما شفع بالبرهان، وهو قول الأمامية، أما أصله فقد اقر باتفاق فرق المسلمين عليه، وأما فرعه وهو كونه موجوداً الآن)، فيدل عليه كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) المتواتر عنه لكميل بن زياد(3) : ((اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة، أما ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً لئلاً تبطل حجج الله وبيناته))(4) ، ومن هنا يتضح ترجيح تفسير الإمامية على تفاسير
ص: 239
باقي الفرق(1) .
وبالعودة لكلمات الخطبة التي يستحق الوقوف عندها كثيراً، نجد أن قول الإمام علي (عليه السلام): «قَدْ لَبِسَ لِلْحِکْمَةِ جُنَّتَهَا» ومعنى هذا الكلام ما تسلح به الإمام المهدي (عجل الله فرجه) من سلاح، وهو الحكمة، وهو شرف عظيم، إذ قال تعالى:
«وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا»(2) .
أما قول الإمام (عليه السلام): «وأَخَذَهَا بِجَمِيعِ أَدَبِهَا مِنَ اَلْإِقْبَالِ عَليْهَا وَاَلْمَعْرِفَة بِهَا وَاَلتَّفَرُّغِ لَهَا»، فهو أيضاً يعود على الحكمة التي یتمتع بها المهدي (عجل الله فرجه) أي انه أخذها على وجه الكمال حينما علم أنه لا شيء أعظم، واشرف، وأرفع من الحكم، كذلك عرف أنه من يؤتها فقد أوتي خيراً كثيراً، وبعد ان علم بكل ما تحويه الحكمة من خصائص تفرغ لها وتخلى عن كل المتعلقات الدنيوية التي تضادها؛ إذ تنحى عن كل ما سواها(3) .
وأما كلام الإمام: «فَهِيَ عِنْدَ نَفْسِهِ ضَالَّتُهُ اَلَّتِي يَطْلُبُهَا وَحَاجَتُهُ اَلَّتِي يَسْأَلُ عَنْهَا» ففيه تشابه كبير مع إحدى حكمه أمير المنؤمنين (عليه السلام)، إذ يقول: «الحكمة ضالة المؤمن»(4) أي هدفه المقصود والمنشود الذي يجب على المؤمن
ص: 240
أن لا يحيد عنه فهي طريق نجاته(1) ، وقال الإمام «فَهُوَ وَمُغْتَرِبٌ إِذَا اِغْتَرَبَ اَلْإِسْلاَمُ» ومعناه أن هذا الشخص (الإمام المهدي عجل الله فرجه) يخفخي نفسه ويحملها إذا اغترب الإسلام واغتراب الإسلام أن يظهر الفسق والجور على الإصلاح والعدل، وقول الإمام «وَضَرَبَ بِعَسِیبِ ذَنَبِهِ وَأَلْصَقَ اَلْرأَرْضَ بِجِرَانِهِ» فهذا من تمام قوله إذا اغترب الإسلام أي إذا صار غريباً مقهوراً وصار الإسلام، كالبعير البارك، يضرب الأرض بعسيبه، أي ذنبه ويلصق جرانه وهو صدره في الأرض، فلا يكون له تصرف ولا نهوض(2) ، وكلمة الإمام الأخيرة كانت في الإمام المهدي (عجل الله فرجه) إذ وصفه بقوله:
«بَقِيَّةٌ مِنْ بَقَايَا حُجَّتِهِ خَلِيفَةٌ مِنْ خَلاَئِفِ أَنْبِيَائِهِ».
وهذه الأوصاف تنطبق على الإمام المهدي جملة وتفصيلاً، فهو البقية الباقية من حجج الله تعالى وهو الخليفة الأخير الباقي من خلائف الأنبياء(3) ، وهنا يستوقفنا كلام الإمام الصادق (عليه السلام) حينما سئل عن وجه الحكمة والسر في غيبة الإمام المهدي (عجل الله فرجه)، إذ قال: أن لصاحب هذا الأمر غيبة لابد منها يرتاب فيها كل مبطل، لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم، ووجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى، وإن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره، كما لم ينكشنف وجه
ص: 241
الحكمة فيما أتاه الخضر (عليه السلام) من خرق السنفينة، وإقامة الجدار لموسى (عليه السلام) إلى وقت افتراقهما(1) .
وهنالك رواية عن الإمام العسكري (عليه السلام) نقلها أحمد بن إسحاق(2) ؛ إذ قال: دخلت على الإمام العسكري (عليه السلام) وأنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده، فقال لي مبتدئاً: يا احمد بن إسحاق أن الله تعالى لم يخل الأرض من خلق آدم، ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجة الله على خلقه، به يدفع الله البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزل الغيث، وبه تخرج بركات الأرض، فقلت: يا بن رسول الله فمن الإمام والخلف من بعدك؟ فنهض مسرعاً فدخل البيت ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأنه وجهه القمر من أبناء ثلاث سنين، فقال:
يا احمد لولا كرامتك على الله عز وجل وكل حججه ما عرضت علي ابني هذا انه سمي رسول الله" وكنيته الذي يملئ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يا أحمد مثله في هذه الأمة مثل الخضر ومثل ذي القرنين، والله ليغيبنَّ غيبة لا ينجو من الهلكة فيها إلا من ثبته الله عز وجل على القول بإمامته، ووفقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه، فقلت: يا مولاي فهل من علامة يطمئن إليها قلبي؟ فنطق الغلام بلسان فصيح فقال: أنا بقية الله في أرضه، والمنتقم من أعدائه، ولا تطلب يا احمد أثراً بعد عين، فخرجت فرحاً، فلما كان من الغد عدت إليه،
ص: 242
فقلت: يا بن رسول الله لقد عظم سروري بما مننت به عليّ، فما السنة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟ قال: طول الغيبة، قلت: وإن غيبته لتطول؟ قال : أي وربي حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به)(1) .
****
ص: 243
ص: 244
الخاتمة
ص: 245
ص: 246
بعد إكمال البحث بعون الله سبحانه وتعالى تمكنا من الخروج بالعديد من النتائج نذكر منها الآتي:
1- لقد دلت الأبحاث الحديثة على أن كل إنسان يملك مقداراً من هذه القوة الخارقة التي تكشف له عمّا خبأته أحشاء المستقبل، لكن الناس إذا تساووا في نوع هذه القوة فإنهم يختلفون في مقدارها، فقد ثبت أن هذه الحاسة توجد عند بعض الناس بقوة تثير الدهشة، بينما توجد في بعض آخر على حال من الضعف والوهن لا تكاد تبيّن معه؛ إذ بيّنت الدراسات العلمية الحديثة على أن هذه الحاسة تتناسب طردياً مع درجة الصفاء الروحي والنقاء الداخلي التي یتمتع بها الشخص، فكلما كان الإنسان صافي النفس، نقي الضمير، منعتقاً من أسر التقاليد الاجتماعية الضارة، متفلتاً من قيد الضرورة ومنا إليها، خالي النفس من العقد والأحقاد والمطامع، كانت هذه الحاسة فيه قوية بالغة القوة، إذاً فهذه الحاسة لا تنشط إلا في ساعات الصفاء العقلي والرواحي
ص: 247
والوجداني فعند ذلك تبلغ أقصى قوتها، فإذا كنا نبحث عن هذه الظاهرة في حياة الإمام علي (عليه السلام) طالعتنا فيه على أتم وأكمل ما تكون، فلقد بلغ من الصفاء الروحي حداً لم يدانيه فيه إنسان على الإطلاق ولم يزد عليه فيه إلا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
وحياة الإمام (عليه السلام) سلسلة ذهبية من هذه الظواهر الرائعة الفاتنة، وإذا صحّ أن تجدداً وصفاءً وقتيين يقوم بهما إنسان عادٍ يتيحان له إطلاق قواه الخارقة، فما قولك فيمن كانت حياته كلها تجدداً روحياً وصفاء لا يعدله في بني الإنسان صفاء، وما تلك الغيبيات التي اخبر بها الإمام، إلا خير دليل على القوة الخارقة التي كان يتمتع بها لكي يعي ما غاب عنه في أحشاء الزمان وطوايا المكان متى شاء.
2- من خلال القرآن الكريم يتضح أن الله قد اطلع بعض أنبيائه وأوليائه على بعض علم الغيب، وهذا العلم محدود كماً وكيفاً، وعارض ليس بذاتي، ومسبوق بعدمه ليس بأزلي، وله بدء ونهاية وليس بسرمدي، ومأخوذ من الله تعالى: «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُو»، وقد جاء هذه الغيبيات للأنبياء والأوصياء لتكون أدلة وبراهين واضحة على صدقهم، وصدق ما جاءوا به من الله تعالى، وبعبارة أخرى نقول إن الغيب نوعان الأول خاص بالله تبارك وتعالى والآخر مكتسب يطلع عليه بعض أنبيائه وعباده الصالحين، ولم يكن أمير المؤمنين (عليه السلام) أول من أُخبر بالغيب، بل سبقه إلى ذلك العديد من الأنبياء والصالحين.
ص: 248
3- إن الأخبار الغيبية التي تعلّمها الإمام علي (عليه السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تمثل بحد ذاتها علم بالغ السعة متراحب الآفاق، ومهما تكن الأوقات الخاصة التي يفرغ فيها النبي للإمام وحده طويلة وكثیرة، فإن ذلك كله لا يسع الإفضاء ببعض هذا العلم إلى الإمام على نحو التفصيل، بحيث يتناول التعليم الجزئيات الدقيقة، والتفصيلات الكثیرة، فضلاً عن أن يسع الإفضاء إليه بكل هذا العلم على هذا النحو من الإفضاء، وإذ كانت الحال على هذا فلا نستطيع أن نتصور أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أفضى إلى الإمام بكل حادثة من الحوادث المقبلة إلى قيام الساعة على نحو التفصيل؛ لكن الإمام (عليه السلام) يصرح بما لا يدع مجالاً للشك بأنه قد استقى علمه هذا من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولعل السبيل إلى ملائمة هذا الذي يقوله الإمام مع ما تبيّن لنا من عدم استيعاب الظرف الزماني للإفضاء بكل هذه العلوم، هو أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يفضِ إلى الإمام بالغيبيات على نحو التفصيل الذي يلّم بجميع الجزيئات، حيث أن العقل يُحيل ذلك لأن الزمان مهما يطل لا يتسع له، فالواضح هنا أن رسول الله (صلى الله علينه وآله وسلم) أخبر الإمام بهذه الأخبار الغيبية على نحو الإجمال لا التفصيل، ثم هداه إلى السبل التي تؤدي به إلى أرفع درجات هذه الحالة الروحية التي تتيح لقواه الخفية أن تعمل عملها الخارق فيعي بسببها تفصيل ما أجمله له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولعلّ لحظات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الأخيرة مع الإمام هي أبلغ دليل على هذا الكلام، حينما خلا الرسول بالإمام فأدخله في ثوبه وناجاه في هذه اللحظات القليلة الأخيرة التي قبض
ص: 249
بعدها، فلمّا فرغ من نجواه خرج الإمام من عنده فسأله الناس عما أفضى به إليه الرسول فقال عليه السلام:
«أن رسول الله علمني ألف باب من العلم، ويفتح كل باب ألف باب».
إذاً فالواضح هنا أن تلك اللحظات الأخيرة التي جمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالإمام علي (عليه السلام) لا تتسع للإفضاء ببعض هذا العدد الكبير، فلابد من القول بإنه أفضى إليه بهذه الألف باب على نحو الإجمال، ذلك بإعطاء الضوابط الكبرى التي تشمل على الكثير من الأبواب وقد اتكل الإمام في معرفة الجزئيات والتفاصيل إلى ما يتمتع به من مواهب تسعفه في معرفة ما غاب وتهديه إلى شريعة الصواب.
4- كانت الأخبار الغيبية التي أخبر بها أمير المنؤمنين (عليه السلام) على نوعين الأولى خاصة؛ إذ كان يخبر بها أهل بيته والمقربين من أصحابه ممن يتحملون هذه الأسرار، ويحفظونها: مثل كميل بن زياد، ورشيد الهجري، والاصبغ بن نباتة، وميثم التمار، وأبو ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، ومالك الاشتر، وحبيب بن مظاهر الاسدي؛ إذ حفلت حياة كل واحد منهم بالعديد من تلك الأخبار التي سمعوها من الإمام علي (عليه السلام) وشاهدوها تحدث أمام أعينهم، أما النوع الآخر من أخبار أمير المؤمنين (عليه السلام) الغيبية، فهي تلك التي كان يخبر بها الناس عامة ويحذرهم من المستقبل القادم والفتن المحيطة بهم، ومع ذلك نجد أن البعض ممن كان يسمع كلام الإمام (عليه السلام)، حينما كان يخبر عن أحداث المستقبل، كان يستهزئ بهذا الكلام؛ إذ نجد
ص: 250
بعضهم حينما كان الإمام يقول (سلوني قبل ان يفقدوني)، يقول لأمير المؤمنين كلام جاهل يميط اللثام عن شخصية قائله مثل: كم شعرة في رأسي، وكم شعرة في لحیتي؟ ولعل هذا هو السبب في أن الإمام علي (عليه السلام) كان يخبر خاصته ومقربيه عن بعض الأمور والحوادث المستقبلية دون كل الناس، الذين تركوا العين الصافية وذهبوا لعيون راكدة وآسنة؛ ليستقوا علومهم منها.
5- جاءت هذه الأخبار الغيبية لتكون دليلاً واضحاً على صدق الإمام علي (عليه السلام) وحجة وبرهان ليُعرف بها صدق الصادق من كذب الكاذب، فهي إذن تأييد من الله (عز وجل) لأوليائه وعباده الصالحين؛ لتكون تصديقاً لهم، وحثاً للعباد على اقتفاء آثارهم، مع العلم أنهم وصلوا إلى هذه الدرجات الرفيعة، والمقام المحمود، نتيجة طاعتهم للخالق جل جلاله؛ إذ اكتسبوا بهذه الطاعة رضا الله فخلق الأشياء لأجلهم وتحت تصرفهم، ووهبهم الدنيا والآخرة، ومثلما جاء في الحديث القدسي:
«إن لله عباداً أطاعوه فيما أراد، فأعطاهم فيما أرادوا يقولون للشيء كم فيكون»، إذاً فمفتاح ظهور المعاجز والكرامات والتي تعتبر الغيبيات ركناً منها، على أيدي عباد الله الصالحين هو نتيجة الطاعة المفترضة عليهم من الله تعالى، وعلى هذا الأساس لا يبقى أي شك في صدور المعاجز والكرامات على أيدي عباد الله الصالحين الذين وصلوا إلى أعلى المقامات العرفانية بالطاعة والانقياد للخالق تعالى.
6- كان الهدف من هذه الأخبار الغيبية التي تكلم عليها أمير المؤمنين (عليه
ص: 251
السلام) أمرين مهمين الأول: تثبيت شيعته وأنصاره وجيشه الذي كان خليطاً من فئات شتى؛ لأن العارفين بحق الإمام، وحقيقة حاله كانوا قليلين، وكان السواد الأعظم لا يعتقدون فيه الأمر الذي يجب اعتقاده فيه، ويرون تفضيل من تقدمه من الخلفاء عليه؛ إذ كانوا يظنون أن الأفضلية إنما هي بالخلافة، أما الهدف الآخر من هذه الأخبار فكان من أجل إلقاء الحجة على الخصم، وتذكيره أن هذه الخصوصية التي امتلكها الإمام، وهي أن يخبره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) باخبارات سوف يحصل بعضها معه مباشرة، أو قد يحصل في المستقبل، وأن مثل هذا الرجل الذي يحمل هذه الخصوصية، مما لم نجدها عند احد من غيره، كيف لا تكون رايته راية حق؟.
7- إن ما تكلم عليه الإمام علي (عليه السلام) من أخبار غيبية، ليس هو بعلم الغيب، وإنما هو تعلّم من ذي علم، إنما علم الغيب فهو علم الساعة وما ذكره الله سبحانه بقوله:
«إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»(1) .
إذاً فمن هذه الآية الكريم يتضح علم الباري عز وجل لما في الأرحام من ذكر وأنثى، وقبيح أو جميل، وسخي أو بخيل، ومن سيكون في النار حطباً أو فخ الجنان للنبيين مرافقاً، فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه أحد إلا الله، وما غير ذلك فعلم علّمه الله لنبيه فعلمه لأمير المؤمنين (عليه السلام) ودعا له بأن يعيه
ص: 252
صدره وتضطم عليه جوارحه.
8- إن اغلب خطب الإمام علي (عليه السلام) التي حملت أخباراً غيبية كانت تصدر بكلمة (كأني)، بينما صدر البعض الآخر بحرف التوكيد (إنّ)، وكذلك صدر بعضها بالقَسم باسم الجلالة، وما يتضح مما تقدم أن هذه التصديرات بهذه الأحرف جاءت للإشارة إلى أن هذه الإخباريات واقعة لا محالة وهي يقينية لا مجال للظن او الشك في وقوعها، ليس الامر فيها أنه يمكن ألا تقع؛ لأنها إخبار عن ذي علم بوساطة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام على يقين من وقوعها، ولا يشك في صدق الإخبار بها، لذلك يتعامل الإمام بالأحرف والكلمات التي تؤكد هذا الجانب، أي جانب العلم واليقين ولم يأت بأحرف يتأرجح فيها الحال بين الوقوع وعدمه، مثل كلمة (ربما) أو (يمكن) او (لعل) بل نراه عليه السلام يستعمل كلمة (كأني) فهي سواء كانت للتقريب أم للتشبيه، فهو يشبه الحال بهذه الإخبار الغيبية كمن يراه بعين بصيرته، بعدما تأكد له صدق هذه الإخبار، وإن هذا الإخبار يقرب من أن يراه واقعاً لا محالة لذلك، كذا الحال في استعمال (إن) للتوكيد واسم الجلالة بعنوان القسم، وفعلاً كانت هذه الغيبيات تحدث بكل تفاصيلها وجزئياتها الدقيقة من غير زيادة أو نقصان مثلما أخبر عنها الإمام أمير المؤمني (عليه السلام).
9- جاءت الغيبيات في كتاب نهج البلاغة لتحمل لنا إخباراً عن الخوارج ومصيرهم وكذلك عن الدولة الأموية متمثلة ببدايتها وتحول السلطة لها ومن ثم رجالات هذه الدولة ونهايتها أيضاً حمل لنا نهج البلاغة في طياته أخبار عن
ص: 253
مصير الكوفة وما ستلاقيه؛ كذلك البصرة وما سيحل بها، فضلاً عن أخبار أخرى عن آخر الزمان، وظهور الإمام (عجل الله فرجه) مع العلم هنا أن الإمام علي (عليه السلام) لم يقتصر كلامه عن الغيبيات وأخبار المستقبل على تلك الأمور فقط بل هذه التي حملها نهج البلاغة في طياته ونقلها الشريف الرضني من دون غيرها، إذ نقلت لنا العديد من المصادر التاريخية أخباراً غيبية أخرى تكلم عليها الإمام ولم يوردها الشريف الرضي في النهج، وهناك بعض الروايا التاریخیة اريخي قد أشارت إلى أن الإمام علي (عليه السلام) دوّن هذه الغيبيات التي تعلمها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في صحيفة سميت الصحيف الصفراء والتي حوت في طياتها أخبار ما يكون من حوادث إلى قيام الساعة، وقد حاولنا الوصول إلى مصير هذه الصحيفة من دون جدوى، إذ إنها انتقلت من الإمام علي (عليه السلام) إلى أبنائه أئمة اهل البيت (عليهم السلام)، ثم ضاعت أخبارها، ولم تورد المصادر التاريخية أي خبر يستدل به عن مصير هذه الصحيفة، وما تحمله من أخبار.
10- من خلال كلام الإمام علي (عليه السلام) عن الغيبيات، وجدنا أن الخبر الغيبي الوحيد الذي تكلم عليه الإمام، وتحقق في زمنه في كتاب نهج البلاغة هو عن الخوارج وعدم عبورهم النهر، وأن مصارعهم دون ذلك النهر، وكذلك حديث الإمام عن عدد من ينجو من الخوارج، وعدد من يقتل من أصحابه، فهذا هو الخبر الغيبي الوحيد الذي شاهده الناس بأعينهم، ولعل السبب الحقيقي في ذلك أن الإمام أراد أن يثبت حقيقة هذه الفئة المنحرفة كذلك أراد أن يبرهن أمام جيشه وأتباعه مدى قدراته التي لا يحملها إنسان
ص: 254
عادٍ، وأنه الامتداد الحقيقي لمدرسة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأن ما تحمله هذه الجماعة مجرد شعارات برّاق مزيّفة هدفها خداع الناس وقلب الحقائق من أجل مصالح وأهواء شخصية.
11- كان للدولة الأموية النصيب الأكبر من الأخبار الغيبية التي أخبر بها أمير المؤمنين (عليه السلام) في كتاب نهج البلاغة، فكان يحذر من خطر هذه الدولة على الأمة الإسلامية، إذ تكلم على تصديها للخلافة من بعده وما سيحل على الأمة الإسلامية من ويلات ومخاطر من هذا الحكم وحذر الإمام من الخطر الداهم التمثل برجالات هذه الدولة بدءاً من معاوية بن ابي سفيان مروراً بمروان بن الحكم، وما سيحل بالأمة منه ومن أبنائه، وأخيراً تكلم محذراً من خطر الحجاج بن يوسف الثقفي على الأمة، وما سيحل بها من هذا الرجل، ثم ختم الإمام كلامه عن الدولة الأموية مبشراً بسقوطها بعدما حسب الناس أنهم مخلدون، ولعل السبب من كلام الإمام عن الأمويين وتحذيره للناس من حكمهم أنه أراد أن يحذر الناس من حجم الخطر المحدق بهم ويهيأهم لتحمل المصائب والويلات التي ستجرها هذه الدولة إليها، وفعلاً هذا ما حدث؛ إذ لا يجهل احد حجم ما نزل بالناس من ظلم بني أمية، وانتهاكاتهم للحرمات، واستهتارهم بالفضيلة حتى صار خلفناؤهم مثلاً في الظلم والفسق والتهتك.
12- كانت أغلب الأخبار الغيبية التي تحدث عنها أمير المنؤمنين (عليه السلام) على هامش حروبه الثلاثة (الجمل، وصفين، والنهروان)، إذ كانت
ص: 255
معركة الجمل التي دارت رحاها في البصرة، مسرحاً للحديث عن هذه المدينة وما سيحل بها في مستقبل الأيام، أما صفين فهي الأخرى كانت منبراً للحديث عن هذا العدو المتمثل بالأمويين وخطرهم المحدق بالأمة الإسلامية، بينما جاءت النهروان ليحذر الإمام فيها من خطر هذه الفئة المنحرفة عن الإسلام، وخطورة ما يحمله هؤلاء الخوارج من أفكار منحرفة تؤثر في العقيدة الإسلامية، وقد كانت أكثر هذه الأخبار متفقاً عليها تاريخياً، ولم تقتصر روايتها في نهج البلاغة فقط، بل روتها العديد من المصادر التاريخية الأخرى، لعل السبب الرئيس في ذلك هو كثرة الحاضرين من جيش الإمام والذين سمعوا هذه الأحاديث وتناقلوها، فزاد عدد رواتها، وأصبحت موثقة أكثر من غيرها من الأخبار الغيبية الأخرى.
13- هنالك بعض الأخبار الغيبي ذكرها الشريف الرضي في نهج البلاغة من غير التعليق عليها، ذلك لعدم تحقق تلك الأخبار حتى زمان الشريف الرضي مثل كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) عن فتنة المغول، وما سيحل بالبصرة من تلك الفتنة لكنها تحققت في ما بعد، كذلك في آخر الزمان وظهور الإمام المهدي (عجل الله فرجه) واللتان بقيتا الوحيدتان من الأخبار الغيبية التي وردت في نهج البلاغة ولم تتحقق إلى حدّ الآن.
****
ص: 256
- القران الكريم
1. ابن الاثير الجزري، مجد الدين أبو السعادات (ت606ه- 1210م)، النهاية في غريب الحديث، تحقيق: طاهر احمد الزاوي، ط4، مؤسسة اسماعيليان، إيران، 1314.
2. ابن الأثير، عز الدين ابو الحسن، (ت630ه- 1333م)، أسد الغابة في معرفة الصحابة، مطبعة انتشارات اسماعيليان، إيران، 1391ه، والكامل في التاريخ، دار صادر، لبنان، 1385ه 3. ابن الأزرقي، محمد بن عبدالله بن أحمد (597ه/ 1201م)، زاد المسير في علم التفسير، تحقيق، محمد بن عبد الرحمن، دار الفكر، لبنان، 1407ه 4. الأزهري، محمد بن احمد الهروي، (ت370ه- 981م)، تهذيب اللغة، تحقيق: محمد عوض، دار إحياء التراث العربي، لبنان، 1401ه 5. الأصبهاني، إسماعيل بن محمد، (ت535ه/ 1141م)،، دلائل النبوة، تحقيق: مساعد بن سليمان، دار العاصمة للنشر والتوزيع، د. مط، د ت.
6. الأصطخري، إبراهيم بن محمد الكوفي، (ت346ه- 957م)، المسالك
ص: 257
الممالك، لبنان، د. مط، د. ت.
7. الاصفهاني، أبو الفرج علي بن الحسين، (356ه- 967م)، مقاتل الطالبيين، تحقيق: احمد صقر، ط4، مؤسس الأعلمي، لبنان، 1427ه 8. ابن أعثم الكوفي، أبو محمد أحمد، (ت314ه- 926م)، الفتوح، تحقيق: علي شيري، دار الأضواء للنشر، لبنان1411ه 9. الأندلسي، أبو عبدالله بن حبان (ت745ه- 1344م)، تفسير البحر المحيط، تحقيق: عادل احمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، لبنان، 1422ه 10. البحراني، كمال الدين بن ميثم (ن679ه- 1281م)، شرح نهج البلاغة، تحقيق: مير جلال الدين الحسيني، مشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، ايران، د. ت 11. البخاري، محمد بن إسماعيل (ت256ه- 870م)، التاريخ الكبير، تحقيق: محمد أزهر، مطبعة ديار بكر، تركيا، د. ت، صحيح البخاري، دار الفكر للطباعة، لبنان، 1401ه 12. البرقي، احمد بن خالد، (ت264ه- 888م)، المحاسن، تحقيق: جلال الدين الحسيني، دار الكب الإسلامية، إيران، 1370ه.
13. ابن بطريق,، يحيى بن الحسن، (ت600ه- 1203م)، عمدة عيون صحاح الاخبار في مناقب إمام الأبرار، مؤسسة النشر الإسلامي، إيران، 1407ه 14. ابن بطوطة، محمد بن عبد الله، (ت779ه- 1277م)، رحلة ابن بطوطة، مطبع الدار البيضاء، المغرب، د. ت 15. البغوي، أبو محمد الحسين بن مسعود (ت510ه- 1117م)، معالم التنزيل، تحقيق: محمد عبدالله النمر، ط4، دار طيبة، السعودية، 1417ه
ص: 258
16. البيهقي، إبراهيم بن محمد، (ت320ه- 932م)، المحاسن والمساوئ، منشورات الشريف الرضي، لبنان، د. ت 17. البيهقي، ابو بكر بن الحسين (ت458ه- 1066م)، دلائل النبوة، ومعرفة صاحب الشريعة، دار الكتب العلمية، لبنان، د. ت، السنن الكبرى، دار الفكر، لبنان، د. ت 18. البيهقي ظهير الدين علي بن فندة (ت565ه- 1170م)، معارج نهج البلاغة، تحقيق: محمد تقي دانش، مطبعة بهمن، ايران، 1409ه 19. ابن تغري بردي، جمال الدين يوسف، (ت874ه- 1470م)، النجوم الزاهرة في سلوك مصر والقاهرة، مكتبة الإسكندرية، مصر، 1375ه 20. ابن تيمية، تقي احمد بن عبد الحليم، (ت728ه- 1328م)، الايمان الأوسط,، تحقيق: محمود أبو سن، دار طيبة للطباعة، السعودية، 1422ه 1. الثعالبي، أبو منصور عبد الملك (ت429ه- 1038م)، الجواهر الحسان في تفسير القرآن، تحقيق: علي محمد معوض، دار احياء التراث العربي، لبنان، 1418ه، فقه اللغة، تحقيق: مصطفى السقا، مطبعة مصطفى الحلبي، مصر، 1395ه، يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر، تحقيق: مفيد قميحة، دار الكتب العلمية، لبنان، 1803ه 22. ابن الجوزي، جمال الدين عبد الرحمن (ت597ه- 1201م)، تلبيس إبليس، تحقيق: السيد الجميلي، دار الكتب العلمية، لبنان، 1405ه، زاد المسير في علم التفسير، تحقيق: محمد بن عبد الرحمن، دار الفكر، لبنان، 1407ه 23. الجوهري، إسماعيل بن حماد، (ت 393ه- 1003م)، الصحاح، تحقيق: إبراهيم شمس الدين، الأعلمي، مطبعة نشر الثقافة الإسلامية، لبنان، 1433ه
ص: 259
24. ابن ابي حاتم الرازي، عبد الرحمن محمد بن إدريس، (ت327ه- 938م)، الجرح والتعديل، مطبعة مجلس المعارف العثمانية، الهند، 1371ه 25. الحاكم النيسابوري، محمد بن نعيم (321ه- 933م) المستدرك على الصحيحين، تحقيق: مصطفى عبد القادر، دار الكتب العلمية، لبنان، 1411ه 26. ابن حبان البستي، محمد بن احمد (ت354ه- 965م)، الثقات، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانیة، الهند، 1391ه، وصحيح ابن حبان، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، لبنان، 1414ه، والمجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين، تحقيق: محمود إبراهيم، دار الصميعي، السعودية، د. ت.
27. ابن حجر العسقلاني، أبو الفضل أحمد بن علي، (ت852ه- 1448م)، الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة، دار الكتب العلمية، لبنان، 1405ه، ولسان الميزان، ط2، مؤسسة الأعلمي، لبنان، 1390ه 28. ابن ابي الحديد، عز الدين عبد الحميد بن هبة الله، (ت656ه- 1258م)، شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد أبو الفضل، لبنان، د. ت.
29. الحموي، ياقوت بن عبدالله الرومي، (ت626ه/ 1229م)، معجم البلدان، دار إحياء التراث العربي، لبنان، 1399ه، ومعجم الأدباء، دار الغرب الإسلامي، لبنان، 1399ه 30. الحميري، محمد بن عبدالله بن عبد المعنم، (ت900ه/ 1495م)، الروض المعطار في أخبار الأقطار، مطبعة قم، إيمان، د. ت.
31. الخازن، علاء الدين علي بن محمد (ت741ه- 1341م)، لباب التأويل في معاني التنزيل، دار الكتب العلمية، لبنان، د. ت
ص: 260
32. الخزاز القمي، علي بن محمد (ت400ه/ 1010م)، كفاية الأثر، تحقيق: عبد اللطيف الحسني، الخيام، إيران، 1401ه 33. الخصيبي، أبو عبدالله الحسين بن حمدان (ت334ه- 1043م)، الهداية الكبرى، ط4، مؤسسة البلاغة للطباعة، لبنان، 1411ه 34. الخطيب البغدادي، ابي بكر احمد بن علي (ت463ه/ 1072م)، تاريخ بغداد، تحقيق: مصطفى عبد القادر، دار الكتب العلمية، لبنان، 1417ه 35. ابن خلكان، أحمد بن إبراهيم الأردلي، (ت681ه- 1282م)، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة، القاهرة، 1367ه 36. الخوارزمي، الموفق بن احمد (ت568ه/ 1174م)، المناقب، تحقيق: مالك المحمودي، مؤسسة النشر الإسلامي، إيران، 1414ه 37. اب دحية الكلبي، عمر بن حسن الأندلسي، (ت633ه- 236م)، النبراس في تاريخ خلفاء بني العباس، مطبعة مصطفى الحلبي، مصر، د. ت.
38. ابن الدمشقي، شمس الدين أبي البركات، (ت871ه- 1467م)، جواهر المطالب فې مناقب الإمام علي (عليه السلام)، تحقيق: محمد باقر المحمودي، دانش، ايران، 1415ه 39. الدميري، محمد بن موسى بن عيسى، (ت808ه- 1405م)، حياة الحيوان الكبرى، دار إحياء التراث العربي، لبنان، د. ت.
40. الديار بكري، حسين بن محمد بن الحسين، (ت966ه- 1559م)، تاريخ الخميس، قم، إيران، 1399ه 41. الذهبي، شمس الدين محمد (ت748ه/ 1347م)، تذكرة الحفاظ، دار إحياء
ص: 261
التراث العربي، لبنان، د. ت، وسير أعلام النبلاء، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، ط9، مؤسسة الرسالة، لبنان، 1413ه، والعبر في خبر من غبر، تحقيق: محمد بن سعيد، دار الكتب العلمية، لبنان، 1405ه 42. الرازي، زيد الدين محمد بن أبي بكر (666ه- 1268م)، مختار الصحاح، تحقيق: أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415ه 43. الراغب الأصفهاني، أبي القاسم الحين بن محمد، (ت502ه- 1108م)، المفردات في غريب القرآن، تحقيق: إبراهيم شمس الدين، مؤسسة الأعلمي، لبنان، 1430ه 44. الراوندي، قطب الدين أبي الحسن هبة الله، (ت573ه- 1178م)،الجرائج، والجرائح، تحقيق محمد باقر الابطحي، العلمية، ايران، 1409ه، وقصص الأنبياء، تحقيق: غلام رضا، مؤسسة الهادي، إيران، 1418ه 45. منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة تحقيق: عبد اللطيف الكوهكمري، مطبعة الخيام، إيران، 1406ه 46. الزمخشري، جار الله محمد بن عمر، (ت538ه- 1143م)، الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، سوريا، 1385ه، وربيع الابرار، دار الكتب العلمية، لبنان، د. ت، وأساس البلاغة، مطبعة مصطفى البابي، مصر، 1288ه 47. السبزواري، محمد، (ت700ه- 1300م)، جامع الأخبار، تحقيق: علاء آل جعفر، مطبعة مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، 1413ه 48. سبط ابن الجوزي، شمس الدين ابو المظفر (ت654ه- 1256م)، تذكرة الخواص، دار العلوم، لبنان، 1425ه
ص: 262
49. ابن سعد، محمد بن سعد بن منيع (ت230ه- 785م)، الطبقات الكبرى، دار صادر، لبنان، د. ت.
50. ابن سلام الهروي، أبي عبيد القاسم (ت224ه- 838م)، غريب الحديث، تحقيق: محمد عبد المعيد خان، مطبعة مجلس المعارف العثمانية، الهند، 1484ه 51. سليم بن قيس، الهلالي، (ت76ه- 665م)، كتاب سليم بن قيس، تحقيق: باقر الأنصاري، مطبعة قم، 1398ه 52. السمعاني، أبي سعد عبد الكريم (ت562ه/ 1167م)، الانساب، تحقيق عبدالله عمر البارودي، دار الجنان، لبنان، 1408ه 53. السمهودي، علي بن عبدالله (ت911ه/ 1506م)، وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى، تحقيق: قاسم السامرائي، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، 1423ه 54. السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن، (911ه- 1505م)، تاريخ الخلفاء، تحقيق: وائل محمود الشرقي، دار الكتب العلمية، د. ت، 1428ه، والدر المنثور في التفسير بالمأثور، دار المعرفة، لبنان، د. ت، وطبقات المفسرين، دار الكتب العلمية، لبنان، د. ت، والعرف الوردي في أخبار المهدي مطبعة هستي، إيران، 1391ه 55. ابن سيد الناس، محمد بن عبدالله، (ت734ه- 1334م)، عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل واليسر، مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر، 1406ه 56. ابن سيده، علي بن إسماعيل (ت458ه- 1066م)، المحكم والمحيط الأعظم، مطبعة إحياء التراث العربي، لبنان، 1394ه، والمخصص، مطبعة
ص: 263
الآفاق، مصر، 1300ه.
57. ابن شبة النميري، ابو زيد عمر (ت262ه- 876م)، تاريخ المدينة، تحقيق: محمد شلتوت، دار الفكر، لبنان، 1410ه.
58. ابن شهر آشوب، مشير الدين محمد (ت588ه- 1092م)، مناقب ال أبي طالب، المطبعة الحيدرية، العراق، 1376ه 59. الشريف الرضي، محمد بن الحسين (ت406ه- 1016م)، نهج البلاغة، تحقيق: محمد عبدة، دار الأندلس، لبنان، 1431ه.
60. الشهرستاني، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم (ت548ه- 1153م)، الملل والنحل، تحقيق: محمد سيد كيلاني، دار المعرفة، لبنان، 1404ه 61. الشريف الإدريسي، ابو عبدالله محمد، (ت560ه- 1165م)، نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، مطبعة عامل الكتب لبنان، 1409ه 62. الصاحب بن عباد، أبو القاسم إسماعيل، (ت385ه- 995م)، المحيط في اللغة، مطبعة وزارة الثقافة والفنون، العراق، د. ت.
63. الصالحي الشامي، محمد بن يوسف، (ت942ه- 1553م)، سبل الهدى والرشاد، مطبعة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، د. مط، د. ت 64. الصدوق، محمد بن علي بابويه القمي، (381ه- 991م)، كمال الدين وتمام النعمة، مؤسسة النشر الإسلامي، إيران، 1405ه، والتوحيد، تحقيق: هاشم الحسيني، منشورات جماعة المدرسين، إيران، د. ت، والأمالي، مؤسسة البعثة، إيران، 1417ه 65. علل الشرائع، تحقيق: محمد صادق بحر العلوم، المكتبة الحيدرية، العراق، 1385ه
ص: 264
66. الصفدي، صلاح الدين، (ت764ه- 1363م)، الوافي بالوفيات، تحقيق: تركي مصطفى، دار إحياء التراث العربي، لبنان، 1420ه، ونكتب الهميان في نكت العميان، مطبعة البراق، لبنان، د. ت 67. الطبرسي، أمين الإسلام الفضل بن الحسن، (ت548ه- 1153م)، مجمع البيان في تفسير القرآن، تحقيق: محسن العاملي، مؤسسة الأعلمي، لبنان، 1415ه، والاحتجاج، تحقيق: محمد باقر الخرسان، دار النعمان للطباعة والنشر، العراق، 1386ه 68. الطبري، محمد بن جرير ت (310ه- 923م)، جامع البيان في تفسير القرآن، تحقيق: خليل الميسر، دار الفكر، لبنان، 1415ه، وتاريخ الرسل والملوك، تحقيق: محمد أبو الفضل، دار إحياء التراث العربي، لبنان، 1415ه 69. ابن الطقطقي، محمد بن علي بن طباطبا، (ت709ه- 1309م)، الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، 1385ه 70. الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن (460ه- 107م)، اختيار معرفة الرجال، تحقيق: مهدي الجرجاني، مطبعة بعثة، إيران، 1404ه، والتبيان في تفسير القرآن، تحقيق: أحمد حبيب، دار إحياء التراث العربي، لبنان، 1409ه، والغيبة، تحقيق: عباد الله الطهراني، مطبعة بهمن، إيران، 1411ه، و الآمالي، تحقيق: مؤسسة البعثة، دار الثقافة للطباعة، إيران، 1414ه، ورجال الطوسي، تحقيق: جواد القيومي، مؤسسة الناشر الإسلامي، إيران، 1415ه.
71. ابن طولون، شمس الدين محمد بن علي (ت953ه- 1546م)، أعلام الورى بمن ولي نائباً بدمشق الكبرى، مطبعة دمشق، سوريا، 1394ه.
ص: 265
72. العارف الموصلي، شرف الدين عمر بن شجاع (ت657ه- 1235م)، مناقب آل محمد، تحقيق: علي عاشور، مؤسسة الأعلمي، لبنان، 1424ه 73. العاملي، زين الدين علي بن يونس، (ت877ه- 1472م)، الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم، تحقيق: محمد الباقر اليهودي، مطبعة الحيدري، إيران، 1384ه 74. ابن عبد البر، يوسف بن عبدالله، (ت463ه- 1071م)، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق: محمد البجاوي، دار الجيل، لبنان، 1412ه 75. ابن عبد السلام، عز الدين ابن عبد العزيز، (ت660ه- 1262م)، تحقيق: عبدالله بن إبراهيم، دار ابن حزم، لبنان، 1416ه 76. ابن عدي، ابو احمد عبدالله الجرجاني، (ت365ه- 976م)، الكامل في ضعفاء الرجال، تحقيق: يحيى مختار، دار الفكر، لبنان، 1409ه 77. ابن عساكر علي بن الحسن بن عبدالله، (ت571ه/ 1176م)، تاري دمشق، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، لبنان، 1415ه 78. عبد الرحمن بن محمد، (ت808ه- 1406م)، العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ط4، دار إحياء التراث العربي، لبنان، د. ت.
79. عز الدين الحلي، الحسين بن سليمان (ت القرن التاسع الهجري)، مختصر بصائر الدرجات، المطبعة الحيدرية، العراق، 1370ه 80. ابن عنبة، جمال الدين احمد بن علي (ت828ه- 1425م)، عمدة الطالب في انساب آل أبي طالب، تحقيق: محمد حسن الطالقناني، ط2، منشورات المطبعة الحيدرية، العراق.
81. العيني، بدر الدين محمد بن احمد، (ت855ه- 1451م)، مغاني الأخيار في
ص: 266
رجال معاني الآثار، مطبعة السعادة، مصر، د. ت 82. الفتال النيسابوري، زين المحدثين محمد (ت508ه- 1114م)، روضة الواعظين، تحقيق: محمد مهدي الخرسان، مطبعة الشريف الرضي، إيران، د. ت.
83. ابن ابي الفتح الأربلي، علي بن عيسى (ت693ه- 1293)، كشف الغمة في معرفة الأئمة، تحقيق: جعفر السبحاني، دار الأضواء، لبنان، 1405ه 84. ابو الفداء، عماد الدين إسماعيل بن علي، (ت732ه- 1331م)، المختصر في أخبار البشر، تحقيق: يحيى سيد حسين، دار المعارف، مصر، 1419ه 85. الفراهيدي، أبو عبد الرحمن الخليل (ت170ه/ 786م)، العين، تحقيق: د.
مهدي صالح المخزومي، ود. إبراهيم السامرائي، ط2، مؤسسة دار الهجرة، إيران، 1409ه 86. الفيروزآبادي، مجد الدين محمد (ت807ه- 1405م)، القاموس المحيط، تحقيق: إبراهيم شمس الدين، الأعلمي للمطبوعات، لبنان، 1433ه 87. القاضي نعمان المغربي، محمد التميمي المغربي (ت363ه- 937م)، شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار، تحقيق: محمد الحسيني، ط2، مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي، إيران، 1414ه 88. ابن قتيبة الدينوري، محمد بن مسلم (ت276ه- 889م)، الأخبار الطوال، المكتبة العربية، العراق، 1385ه، والامامة والسياسة، تحقيق: علي شيري، مطبعة امير، ايران، 1413ه، والمعارف، تحقيق: ثروت عكاشة، دار المعارف، مصر.
89. القرطبي، شمس الدين بن محمد (670ه- 1273م)، الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: أحمد عبد العظيم، ط2، دار إحياء التراث العربي، لبنان، 1405ه.
90. ابن قنفذ، أبو العباس الخطيب القسطنيطيني (ت809ه- 1407م)، الوفيات،
ص: 267
تحقيق:ة عاد نويهض، دار الاقامة الجديدة، لبنان، 1398ه 91. الكتبي، ابن شاكر محمد بن احمد، (ت764ه- 1363م)، فوات الوفيات، تحقيق: عادل احمد عبد الموجود، دار الكتبة العلمية، لبنان، 1421ه 92. ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل (ت774ه- 1372م)، تفسير القرآن العظيم، تحقيق: سامي بن محمد، ط2، دار طيبة، السعودية، 1420ه، والبداية والنهاية، تحقيق: علي شيري، دار إحياء التراث العربي، لبنان، 1408ه 93. الكليني، محمد بن يعقوب، (ت329ه- 1002م)، الكافي، تحقيق: علي أكبر الغفاري، ط5، دار الكتب الإسلامية، إيران، 1363ه 94. الكوفي، محمد بن سليمان (ت300ه- 912م)، مناقب الإمام أمير المؤمنين علیه السلام، تحقيق: محمد باقر المحمودي، النهضة، إيران، 1412ه 95. الكندي، أبو عمرو محمد بن يوسف، (ت35ه- 966م)، تسمية ولاة مصر، مطبعة القاهرة، مصر، د. ت.
96. ابن ماجة، محمد بن يزيد القزويني (ت273ه- 1887م)، سنن اب ماجة، تحقيق: محي فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، لبنان، د. ت.
97. مالك بن أنس، ابن مالك المدني (ت179ه/ 795م)، الموطأ، تحقيق: محمد مصطفى الاعظمي، مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان، الامارات، 1425ه 98. الماوردي، أبو الحسن علي (ت450ه- 1058م)، النكت والعيون، دار الكتب العلمية، لبنان، د. ت.
99. المبرد، ابو العباس محمد بن يزيد، (286ه- 899م)، الكامل في اللغة والأدب، دار الكتب العلمية، لبنان، 1400ه 100. المتقي الهندي، علاء الدين علي، (ت975ه/ 1567م)، كنز العمال،
ص: 268
تحقيق: بكري حياتي، مؤسسة الرسالة، لبنان، 1409ه 101. المحب الدين الطبري، احمد بن عبدالله، (ت694ه- 1295م)، ذخائر العقبى، مكتبة المقدسي، مصر، 1256ه 102. المحب الطبري، محمد بن جرير بن رستم الحمامي (القرن الرابع الهجري)، المسترشد في إمامة أمير المؤمنين، تحقيق: علي أكبر الغفاري، مطبعة سلمان الفارسي، إيران1415ه 103. ابن مردويه، احمد بن موسى الاصفهاني (ت410ه- 1019م)، مناقب علي بن ابي طالب، تحقيق: عبد الرزاق محمد حسين، دار الحديث، لبنان، 1424ه 104. المديني، محمد بن عمر (ت581ه- 1185م)، خصائص مسند الإمام احمد، مكتبة التوبة، الرياض، د. ت، ج6.
105. المرزباني، أبو عبيد الله بن عمران، (ت384ه- 994م)، معجم الشعراء، دار صادر، لبنان، د. ت، والموشح، مطبعة الأعراف، تونس، د. ت.
106. المزي، جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن، (ت742ه- 1341م)، تهذيب الكمال في أسماء الرجال ،ط4، تحقيق: بشار عواد محسن، مؤسسة الرسالة، لبنان، 1406ه 107. المسعودي، أبو الحسن علي (ت346ه- 957م)، مروج الذهب ومعادن الجوهر، تحقيق: محمد هشام النعسان، دار المعرفة، لبنان، 1426ه 108. اثبات الوصية، دار الأضواء، لبنان، د. ت.
109. التبيه والإشراف، تحقيق: عبدالله إسماعيل الصاوي، دار الصاوي، القاهرة، 1357ه
ص: 269
110. ابن المطهر، الطاهر المقدسي، (ت355ه- 966م)، البدء والتاريخ، مطبعة المعارف، العراق، د. ت.
111. المفيد، محمد ب النعمان العكبري (ت413ه/ 1023م)، أبو عبدالله محمد بن النعمان، (ت413ه- 1023م)، الإفصاح في إمامة أمير المؤمنين، ط2، تحقيق: مؤسسة البعثة، دار المفيد للطباعة، لبنان، 1414ه 112. الارشاد في معرفة حجج الله على العباد، ط2، تحقيق: مؤسسة آل البيت، دار المفيد للطباعة والنشر، لبنان، 1414ه 113. الاختصاص، تحقيق: علي أكبر الغفاري، ط2، دار المفيد، لبنان، 1414ه 114. المقريزي، تقي الدين احمد بن علي، (ت845ه- 1441م)، المواعظ والاعتبار في الخطط والآثار، تحقيق: أيمن فؤاد السيد، مؤسسة الفرقان، مصر، 1422ه 115. امتاع الاسماع، تحقيق: محمد عبد الحميد النميسي، دار الكتب العلمية، لبنان، 1420ه 116. ابن المنادي، أبو الحسين احمد بن جعفر، (336ه- 947م)، الملاحم، دار السيرة، إيران، د. ت.
117. ابن منظور، جمال الدين أبو الفضل، (ت711ه- 1311م)، لسان العرب، دار أدب الحوزة، إيران، 1405ه 118. الموفق الخوارزمي، ضياء الدين المؤيد (ت568ه- 1172م)، مقتل الحسين، تحقيق: العلامة السماوي، مطبعة الزهراء، 1266م، اللهوف في قتلى الطفوف، مهر، إيران1417ه 119. ابن النديم، أبو الفرج البغدادي (ت438ه- 1047م)، الفهرست، تحقيق:
ص: 270
رضا تجدد، مطبعة شهيد علي باشا، إيران، 1400ه 120. النسائي، ابو عبد الرحمن احمد (ت353ه- 915م)، خصائص أمير المؤمنين علي بن ابي طالب، تحقيق: أحمد ميرين البلوشي، مكتبة المعلى، 1406ه 121. النسفي، أبو البركات عبدالله بن محمود (ت710ه- 1038م)، مدارك التفسير وحقائق التأويل، لبنان، د. ت.
122. أبو نعيم الاصبهاني، احمد بن عبدالله (ت430ه- 1038م)، حلية الاولياء وطبقات الاصفياء، ط4، دار الكتب العربي، لبنان، 1405ه 123. نصر بن مزاحم، بن سيار المنقري (ت212ه- 827م)، وقعة صفين، تحقيق: عبد السلام هارون، مطبعة المدني، مصر، 1382ه 124. النعماني، محمد بن إبراهيم الكاتب، (ت380ه- 990م)، الغيبة، تحقيق: فارس حسون كريم،، مطبعة مهر، إيران، 1422ه 125. ابن هشام، محمد الحميري، (218ه- 833)، السيرة النبوية، تحقيق: محمد محي المدني، مصر، 1383ه 126. الهيثمي، نور الدين علي (ت807ه- 1404م)، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، دار الكتب العلمية، لبنان، 1408ه 127. الواحدي، علي بن احمد، (486ه- 1076م)، الوجيز في تفسير الکتاب العزيز، تحقيق: صفوان عدنان الداودي، دار الشامية، سوريا.
128. اليافعي، عبدالله بن أسعد، (ت768ه- 1367م)، مرآة الجنان في معرفة حوادث الزمان، مطبعة طهران، د. ت.
129. اليعقوبي، أحمد بن اسحاق (ت292ه- 905م)، تاريخ اليعقوبي، دار
ص: 271
الكتب العلمية، لبنان، 1419ه
130. أحمدي مهدي، تاريخ الشيخ محمد جواد مغنية، مطبعة المجتمع العلمي للتقريب بين المذاهب، إيران، د. ت.
131. آغا بزرك، الطهراني، (ت1389ه- 1969م)، الذريعة، ط3، دار الأضواء لبنان، 1403ه 132. طبقات أعلام الشيعة، مطبعة منصوريان، إيران، 1395ه 133. الآلوسي، شهاب الدين، (ت1270ه- 1854م)، روح المعاني في تفسير القرآن العظیم والسبع المثاني، دار الفكر، لبنان، د. ت.
134. الأميني، عبد الحسين (ت1392ه- 1971م)، الغدير، ط4، دار الكتاب العربي، لبنان، 1397ه 135. شعراء الغدير في القرن التاسع، المطبعة الحيدري، العراق، 1389ه 136. علم أئمة الشيعة بالغيب، المطبعة الحيدرية، العراق، د. ت.
137. البحراني، هاشم، (ت1107ه- 1795م)، غاية المرام وحجة الخصام، تحقيق: علي عاشور.
138. البرزنجي، محمد بن عبد الرسول الشهروزي، (ت1013ه- 1605م)، الإشاعة لاشتراط الساعة، تحقيق: موفق فوزي الجبير، ط2، دار النمر للطباعة، سوريا، 1416ه 139. التستري، محمد تقي، بهج الصباغة، في شرح نهج البلاغة، مطبعة ايران، 1418ه 140. الحائري، محمد حازم القزويني، شرح نهج البلاغة، مطبعة النعمان، العراق،
ص: 272
1378ه 141. الحر العاملي، محمد بن الحسن (ت1104ه- 163م)، وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، ط5، تحقيق: عبد الرحيم الشيرازي، دار إحياء التراث العربي، 1403ه 142. الحلبي، علي بن برهان، (ت1044ه/ 1632م)، علي بن برهان، السيرة الحلبية في سيرة الأمين والمأمون، دار المعرفة، لبنان، 1400ه 143. الخوئي، حبيب الله، منهاج البلاغة في شرح نهج البلاغة، تحقيق: علي، عاشور، دار احياء التراث العربي، لبنان، 1422ه 144. الخوئي، أبو القاسم، معجم رجال الحديث، ط5، د. ط، د.م، 1413ه 145. الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، مطبعة دار الحديث، إيران، 1416ه 146. الزبيدي، محب الدين أبي الفيض (ت1205ه/ 1790م)، تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، لبنان، 1341ه 147. الزرقاني، محمد عبد العظيم، (ت1367ه- 1948م)، مناهل العرفان، دار الفكر، لبنان، 1415ه 148. الزركلي، خير الدين، (ت1396ه- 1976م)، موسوعة الأعلام دار العلم للملايين، لبنان، 1400ه 149. السبحاني، جعفر، مفاهيم القرآن، مؤسسة الإمام الصادق، إيران، د. ت.
150. سبيتي، يوسف علي، نهج البلاغة في دائرة التشكيك، دار الهادي، لبنان، 1427ه 151. السعدي، عبد الرحمن بن ناصر (ت1367ه- 1957م)، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، تحقيق: ابن عثيمين، الرسالة، لبنان، 1421ه
ص: 273
152. أبو السعود، محمد بن مصطفى، إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم، دار إحياء التراث العربي، لبنان، د. ت.
153. الشاكري، حسين، ربع قرن مع العلامة الأميني، ستارة، إيران، 1417ه 154. شمس الدين، محمد مهدي، (ت1421ه- 2001م)، دراسات في نهج البلاغة، ط2، دار الزهراء، لبنان، 1392ه 155. الشوكاني، محمد بن علي، (ت1350ه- 1834م)، فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، عالم الكتب للمطبوعات، لبنان، 1402ه.
156. الشيرازي، ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، مؤسسة البعثة، لبنان، د. ت.
157. ناصر مكارم الشيرازي، نفحات الولاية في شرح نهج البلاغة، ط2، دار جواد الأئمة، لبنان، 1430ه 158. الطباطبائي، محمد حسين (ت1412ه- 1992م)، الميزان في تفسير القرآن، مؤسسة الأعلمي، لبنان.
159. الطريحي، فخر الدين النجيفي، (ت1085ه- 1674م)، مجمع البحرين، ط2، تحقيق: احمد الحسيني، مكتبة النشر الإسلامي، إيران، 148ه 160. العاملي، جعفر مرتضى، علي والخوارج، المركز الإسلامي للدراسات، لبنان، 1422ه 161. العاملي، محسن الأمين، (ت1371ه- 1952م)، أعيان الشيعة، تحقيق: حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، لبنان، 1403ه 162. فتح الله احمد، معجم ألفاظ الفقه الجعفري، مطبعة المدوخل، السعودية، 1415ه
ص: 274
163. الفيض الكاشاني، محمد بن محسن (ت1091ه- 1680م)، التفسير الصافي، ط2، مؤسسة الهادي، إيران، د. ت.
164. القندوزي الحنفي، سليمان بن إبراهيم، (ت1294ه- 1877م)، ينابيع المودة لذوي القربى، تحقيق: علي جمال الحسيني، دار الأسوة للطباعة والنشر، د.م، 1146ه 165. الكوراني، علي، السيرة النبوي، ط2، دار المرتضى، لبنان، 1430ه 166. المحرقي، علي، محمد جواد مغنية مسيرته، وعطاؤه، مطبعة فخراوي، البحرين، 1417ه 167. المحمودي، محمد باقر، نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، لبنان، د. ت.
168. المراغي، أحمد مصطفى، تفسير المراغي، مطبعة مصطفى الحلبي، مصر، د. ت.
169. ابن معصوم، صدر الدين علي خان المدني، (ت1119ه- 1707م)، الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة، ط2، تحقيق: محمد صادق بحر العلوم، مكتبة بصيرتي، إيران، 1397ه 170. الموسوي، صادق، تمام نهج البلاغة، تحقيق: محمد عساف، مؤسسة الاعلمي، لبنان، 1426ه 171. ميردمادي، عبد المجيد، موسوعة الرسول المصطفى، ط2، مطبعة انتشارات سنبلة، إيران، 1429ه 172. أحمد الوائلي، ديوان الوائلي، تحقيق: سمير شبح الأرض، دار سلوني، لبنان، 1428ه
ص: 275
173. ابن طاووس، رضي الدين علي بن موسى، (ت664ه- 1266م)، الملاحم والفتن، تحقيق: مؤسسة صاحب الأمر، مطبعة نشاط، إيران، 1416ه، 144.
174. ابن عبد ربه، شهاب الدين الأندلسي (ت328ه/ 940م)، العقد الفريد، مطبعة العلم، المغرب، د. ت.
175. الصاغاني، العباب الزاخر.
176. الذهبي، تاريخ الإسلام.
177. محمد جواد مغنية، في ظلال نهج البلاغة.
178. ابن دريد، جمهرة اللغة.
179. المجلسي، بحار الأنوار.
180. ابن خلدون، تاريخ اب خلدون.
181. ابن الجوزي، المنتظم.
182. أحمد بن محمد بن حنبل (ت241ه/ 855م)، مسند احمد، تحقيق: شعيب الارناؤوط، مؤسسة قرطبة، مصر، د. ت 217. النسائي، سنن النسائي 218. ابن قاضي شهبة، طبقات الشافعية 219. البلاذري، احمد بن يحيى (ت279ه/ 892م)، انساب الاشراف، تحقيق: محمد باقر المحمودي، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، لبنان، 1394ه، 2/ 454 220. الجاحظ، البيان والتبيین 221. الطبراني، أبي القاسم سليمان (ت360ه/ 971م)، المعجم الكبير، تحقيق: حمدي عبد المجيد، ط2، دار احياء التراث العربي، لبنان، د. ت 222. المفيد، محمد بن النعمان بن عبد السلام (413ه/ 1023م)، الجمل، مطبعة
ص: 276
الداوري، إيران، 13398ه، 107 223. السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن، (911ه- 1505م)، نظم العقبان، دار البيارق، السعودية، 1395ه 224. الخطيب، عبد الزهراء الحسيني، مصادر وأسانيد نهج البلاغة، ط3، مطبعة الاضواء، لبنان، 1405ه 225. أبي الفرج الأصفهاني، الأغاني.
226. أحمد أمين، فجر الاسلام،، (ت1373- 1954م)، مكتبة النهضة، مصر.
227. الهاشمي، علي بن الحسين، وقع النهروان، مؤسسة المفيد، لبنان، 1396ه 228. ابن المغازلي، علي بن محمد الشافعي (ت483ه/ 1091م)، مناقب علي بن أبي طالب (عليه السلام)، دار الاضواء، لبنان، د. ت.
229. ابن كثير,، السيرة النبوية.
230. ابن طاووس، التحصين.
183. الفحام، عباس علي، الأثر القرآني في نهج البلاغة، أطروحة دكتوراه، جامعة الكوفة، كلية الفقه، (1429ه- 2009م).
184. نصر الله، جواد كاظم، شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد المعتزلي رؤية اعتزالية عن الإمام علي (عليه السلام) دراسة وتحقيق، أطروحة دكتوراه، جامعة البصرة، كلية الآداب (1422ه- 2002م).
ص: 277
ص: 278
مقدمة الموٴسسة...9
مقدمة الکتاب...11
الفصل الأول الغيب في القرآن الكريم والأنبياء الذين اطلعهم الله على الغيب
المبحث الأول: الغیب في القرآن الکریم...21
أولاً:- الغيب في اللغة:...21
ثانياً:- الغيب في القرآن:...24
ثالثاً- أنواع الغيب:...29
رابعاً- الغيب في القرآن الكريم:...31
خامساً- الأخبار الغيبية في القرآن الكريم:...33
المبحث الثاني:
الغیب عند الأنبیاء (علیهم السلام) والصالحین...42
أولا: الأنبياء عليهم السلام:...42
ثانياً: الصالحين:...56
المبحث الثالث: الغیب عند النبي محمد (صلی الله علیه و آله و سلم)...61
أولاً- أخبار الرسول الغيبية عن مصير أصحابه:...62
ثانياً- أخبار الرسول الغيبية عن أهل بيته:...70
ثالثاً- أخبار الرسول الغيبية عن الدولة الأموية:...86
رابعاً- أخبار الرسول صلی الله علیه و آله و سلم الغيبية عن الدولة العباسية:...96
الفصل الثاني
ص: 279
الأخبار الغيبية عن الخوارج والدولة الأموية
المبحث الاول: الخبار الغیبیة عن الخوارج...103
المبحث الثاني:الخبار الغیبیة عن الدولة الامویة...138
أولاً:- سيطرة الأمويين على الخلافة:...138
ثانياً:- معاوية بن أبي سفيان:...151
ثالثاً:- مروان بن الحكم:...161
رابعاً- عبد الملك بن مروان:...166
خامساً- الحجاج بن يوسف الثقفي:...170
سادساً- سقوط الدولة الأموية:...174
الفصل الثالث الأخبار الغيبية عن العراق وفتن آخر الزمان وعصر ظهور الإمام المهدي صلی الله علیه و آله و سلم
المبحث الاول: الاخبار الغیبیة عن العراق...183
أولا- البصرة:...183
ثانياً- الكوفة:...201
المبحث الثاني: الاخبار الغیبیة عن فتن آخر الزمان و عصر ظهور المام المهدي...212
أولاً- الأخبار الغيبية عن فتن آخر الزمان:...212
ثانياً- الأخبار الغيبية عن الإمام المهدي:...227
الخاتمة الخاتمة:...247
روافد البحث...257
أولاً- المصادر...257
ثانياً- المراجع...272
ثالثًا- الرسائل والأطاريح...277
المحتویات...279
ص: 280