المشتق عند الأصولیین

هویة الکتاب

المشتق عند الأصولیین

الكاتب: آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي

لسان: العربية

الناشر: دار الصادقين - النجف اشرف - العراق

سنة النشر: 1427 هجري قمري|2007 میلادي

قانون الكونجرس:BP 164 /ص4م5

ص: 1

اشارة

ص: 2

المشتق عند الأصولیین

محمد یعقوبی

ص: 3

ص: 4

القسم الأول

كلمة المؤلف

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

الحمد للّه رب العالمين و صلى اللّه على خير خلقه محمد و آله الطيبين الطاهرين و اللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين.

اما بعد،فمن نعم اللّه سبحانه على الدين و المذهب عامة و عليّ خاصة و أنا العبد الخاطئ الذليل ان يرزقني عددا لا يستهان به من الطلاب الفضلاء المخلصين و أهل الهمة المجدين جزاهم اللّه جميعا خير جزاء المحسنين.

و من أهمهم هذا الشيخ الجليل و العلامة النبيل المفضال الشيخ محمد موسى اليعقوبي(دام عزه)،فقد التزم دروسنا في علم الأصول و أنالها العناية الكافية فهما و كتابة و مدارسة،و ها هو يقدم لنا في هذا الكتاب نموذجا من جهوده و ليالي تفكيره.

و قد قمت بمراجعته و تدقيقه فوجدته وافيا بالغرض ملمّا بالمطالب حسب الأصول.

و لكني اعتبرته هو المؤلف و له حرية التعبير و ان كانت المطالب بالأصل صادرة مني بطبيعة الحال.و لكني أجزته في ذلك بعد حفظ المعنى و وضوح المبنى.

و لا شك انه بهذا الجهد الجهيد يسير بخطو حثيث نحو الاجتهاد و معرفة السداد.

أتمنى له المستقبل الزاهر في خدمة العلم و العمل و ان يكون من المراجع المخلصين و القادة الطيبين جزاه اللّه خير جزاء المحسنين.

و آخر دعوانا ان الحمد للّه رب العالمين.

حرره بتاريخ التاسع من شهر رمضان المبارك عام 1418 محمد الصدر

ص: 5

ص: 6

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة و تمهيد

اشارة

(المشتق)اسم مفعول من(اشتقّ)على زنة(افتعل)و أصلها(شقق)و هذه الصيغة تفيد المبالغة و بذل الجهد في طلب الشيء نحو(اكتسب و استلّ)و مصدرها(اشتقاق).

و الشق هو الخرم الواقع في الشيء،و الشّقّة القطعة المنشقة،قاله الراغب(1) و في تاج العروس عن الصحاح:"الاشتقاق هو(الأخذ في الكلام و في الخصومة يمينا و شمالا)مع ترك القصد"قال"(و)منه سمي(أخذ الكلمة من الكلمة)اشتقاقا".

و على هذا يكون

منشأ تسمية المشتق

اشارة

أحد أمرين:

الأول:بمعنى أخذ الشّق

،و تطبيقه في المقام واضح فان المشتقات تؤخذ مادتها من اصل اشتقاقها ثم يضاف لها أحرف الزيادة بحسب الهيئة المطلوبة.

الثاني:ان المشتق-بالكسر-يذهب بمادة الاشتقاق يمينا و شمالا عن الأصل

.

لكن التأمل في الوجهين يؤدي إلى ان الثاني يرجع إلى الأول فان الذهاب إلى اليمين يجعل صاحبه في شقّ غير شقّ الذاهب إلى اليسار و منه قيل(المشاقّة و الشقاق) لأن كلا من الخصمين يكون في شق غير شق صاحبه.

و الإشتقاق عند أهل اللغة له أقسام ثلاثة :

و الإشتقاق عند أهل اللغة له أقسام ثلاثة(2):

1-الإشتقاق الكبير و يعنون به ما كان ملاكه التشابه في المعنى و في الحروف الأصلية لا ترتيبها مثل(جذب و جبذ)،(حمد و مدح)و يسمى أحيانا بالقلب اللغوي.

ص: 7


1- المفردات مادة(شقق).
2- البحث النحوي عند الأصوليين،مصطفى جمال الدين،ص 84-85.

2-الإشتقاق الأكبر و يعنون به ما كان ملاكه التشابه في بعض الحروف دون بعض مع مناسبة في المعنى مثل(ثلم و ثلب)،(قضم و خضم)،(قطع و قطف)و يسمى بالإبدال اللغوي.

و هذان القسمان ليسا من اهتمام الباحث النحوي و لا الأصولي بل لعله لا يصدق عليها الإشتقاق بالمعنى الحقيقي أصلا،لأن معنى الإشتقاق-كما مرّ-أخذ الشق و هذا يعني وجود أصل تشتق منه فروع بهيئات مختلفة مع المحافظة على ذلك الأصل،و لم يتضح ذلك في هذين القسمين إذ الظاهر ان كلا من الكلمتين المدعى الإشتقاق بينهما قد وضعت مستقلة عن الأخرى و حصل ترادف المعاني اتفاقا فتسميتها بالمشتقات تسامح.

و لعل مبرّره وجود معنى الاشتقاق فيها في الجملة و هو تساويها في حروف المادة الأصلية و الحفاظ على المعنى،و لعلهم التفتوا إلى ذلك عند ما عبّروا عنهما بالقلب و الإبدال للإشعار انه أخذ حقيقة لكن مع عدم المحافظة على نفس الأصل من الترتيب أو حروف المادة،لكن الاكتفاء بذلك لصدق معنى الإشتقاق بعيد جدا إذ لو كان على نحو القاعدة-و الإشتقاق قاعدة-لأمكن اطراده في غير هذه الألفاظ السماعية و ثانيا أن اصل المشتقات ليس الحروف الثلاثة الأصلية-لو حافظوا عليها-بما هي هي أي لا بشرط الترتيب كما هو ظاهر هذين القسمين بل هي بشرط الترتيب و الاّ فهل يقبل أحد ان تكون كلمة(شهر)و(شره)من سنخ واحد و كلمة(علق)و(قلع)كذلك!إن هذا لغريب فالصحيح ما ذكرناه من كونه ترادف اتفاقي.

3-الإشتقاق الصغير:الذي يكون ملاكه تشابه المشتقات من الأفعال و المصادر و الصفات في المعنى و في الحروف الأصول و ترتيبها مع اختلافها في الصيغة و زيادة بعضها على بعض في المعنى.

و إذا ذكر لفظ المشتق في كلام النحويين فانه ينصرف إلى هذا المعنى الأخير لذا عرّفه أبو الحسن الرماني"اقتطاع فرع من أصل يدور في تصاريفه على الأصل"و قد

ص: 8

شرح أبو البقاء العكبري ما يراد بالفرع و الاصل هنا فقال:"و الاصل ها هنا يراد به الحروف الموضوعة على المعنى وضعا اوليا و الفرع لفظ يوجد فيه تلك الحروف مع نوع تغيير ينضمّ إليه معنى زائد على الأصل(ثم مثل لذلك بالضرب)فانه اسم موضوع على الحركة المعلومة المسماة ضربا و لا يدل لفظ الضرب على اكثر من ذلك فأما ضرب و تضرب و ضارب و مضروب ففيها حروف الأصل و هي الضاد و الراء و الباء و زيادات لفظية لزم من مجموعها الدلالة على معنى الضرب و معنى آخر(1).

هذا هو المشتق عند النحويين و يمكن تقريب معناه بأنه ما يمكن تحليله إلى مادة و هيئة مقابل الجامد الذي وضع وضعا واحدا بمادته و هيئته فلا يتحلل لهما.

اما المشتق الأصولي فيمكن ان ننتزع له من مجموع كلمات الأصوليين تعريفا حاصله(هو العنوان المحمول على الذات بحيث يمكن بقاء الذات منفكة عنه)و على هذا تكون القاعدة في المشتق الأصولي غير مطابقة تماما-على نحو نفي الإيجاب الكلي لا السلب الكلي-لها في المشتق النحوي.

هذا على نحو الإجمال بل العنوان فقط،فما المراد من المشتق الأصولي؟و ما ضابطه؟و ما العناوين الداخلة فيه أو الخارجة عنه؟و هل ان المشتق بسيط أم مركب؟ و ما هو المعنى الحقيقي الذي وضع له المشتق؟

كل هذه الأسئلة و غيرها مع الأجوبة التفصيلية الشافية عليها المدعومة بالبرهان و الوجدان تجدها في غضون التقريرات الآتية التي استفدناها من البحث الشريف لسيدنا الأستاذ سماحة آية اللّه السيد محمد الصدر دامت إفاضاته،و لا تفوتني هذه الفرصة حتى أسجّل باختصار الملامح البارزة لبحث سيدنا الأستاذ،و يمكن ان نجد بهذا الصدد عدة صفات:

1-السعة و الشمول و استيعاب الاحتمالات و الشقوق المتصورة في كل مسألة.ق.

ص: 9


1- نفس المصدر السابق.

2-الموسوعية فانه يخوض في كل علم يمكن ان ينجرّ إليه البحث يساعده على ذلك إحاطته بعلوم عديدة بما فيها العلوم العصرية و الأكاديمية.

3-العرفية فهو أبن اللغة و يعرفها بدون تكلف و تفلسف يجعل النتائج سمجة و بعيدة عن ذوق العرف و الشارع الذي خاطبنا بلسانه.

4-العمق في التفكير لذلك تجده يجيب بعدة مستويات و يتكلم بعدة خطوات تكون اللاحقة اعمق من سابقتها.

5-التدقيق فكم من مرة نبّه فيها إلى الخلط الذي وقع فيه المشهور و الاضطراب في كلماتهم و الإجمال الذي لا محصل فيه سوى ترديد كلمات فارغة من المحتوى.

6-الحداثة و التجديد و هما ناشئان من أمرين:

الأول:انتماؤه إلى الدراسات الحديثة و إطلاعه على أفكارها.

و الثاني:انه وراث مدرسة أصولية متميزة بذلك و بغيره.

و في الختام أودّ التعرض لأمرين:

الأمر الأول:ما علاقة الأصوليين بهذه المباحث التي تبدو و كأنها من اختصاص اللغويين و يفترض ان تؤخذ مبادئ تصديقية مسلّمة في هذا العلم فنجيب:ان مباحث الألفاظ تشغل حيّزا كبيرا من البحث الأصولي و إنما خاض الأصوليون فيها رغم ما ذكر من التوهم لعدة أمور:

1-ان الأصوليين مجتهدون كعلماء اللغة بل هم اعمق تفكيرا و اغزر مادة و ادقّ نظرا،و العقل البشري يتكامل و يتطور،و يأتي الأواخر بما لم يأت به الأوائل،و لدينا ما لديهم و ليس لديهم ما لدينا،و القرآن الكريم و كلام العرب الذي هو مرجعهم لاستنباط القواعد النحوية و الأوضاع اللغوية و معرفة أساليب كلام العرب موجودان بين أيدينا و لهذا كله تعالت صيحات المحدثين من النحويين للتجديد.

و ليست القواعد النحوية من القداسة بحيث لا يمكن الاعتراض عليها و الخروج عن دائرتها و ليس حق الوضع حكرا على الأجيال المتقدمة بل هو حاجة اجتماعية متجددة.

ص: 10

فتجد النحويين يتحيرون في تعيين الخبر في قوله تعالى(وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما..) لأنهم ألزموا أنفسهم ان الإنشاء لا يخبر عنه لكنه من لزوم ما لا يلزم فان الأصولي يرى ذلك ممكنا ما دام الغرض من الإخبار و هو حصول تمام المعنى متحققا.

و قالوا ان(لو لا)لا يتقدم جزاؤها على شرطها لكن الرواية وردت في تفسير قوله تعالى وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ أن يوسف لو لا انه رأى برهان ربّه لهمّ بها لكنه رأى برهان ربّه فلم يهمّ بها و هو تفسير معقول و ان أنكرته قواعد اللغة العربية.

و أنكر مجموعة من الأصوليين المحققين دلالة الأفعال على الزمان خلافا للضرورة النحوية لكن سيدنا الأستاذ ردّ على هذا المبنى.

كما أنكر سيدنا الأستاذ المجاز في الكلمة و قال ان المدلول التصوري يبقى على حاله و لا تغيّره ألف قرينة و أنّ القرائن إنما تغيّر المدلول التصديقي.

2-الاختلاف معهم في المسلك فعلماء اللغة يكتفون بالوصف الظاهري و القوالب الشكلية للكلام و تصنيفه و ذكر العلامات المميّزة لكل صنف رائدهم في ذلك الانسباقات الذهنية و الظهورات العرفية و الذوق اللغوي و استقراء الكلام العربي من دون تفسير لمجموع تلك الظواهر و استكناه حقائقها فهو-أي اللغوي-يستنبط ان صيغة (افعل)تدلّ على الطلب من دون تحديد حقيقته هل هو على نحو الوجوب أم الاستحباب و هل ان هذا الوجوب مستفاد من الوضع اللغوي للكلمة أو من حكم العقل أو بمقدمات الحكمة،فان كل ذلك لا يعنيه.

و لعل ذلك ناشئ من الاختلاف في الغرض،فان غرض اللغوي التراكيب الشكلية للمباني بينما غرض الأصولي هو مداليل تلك التراكيب و معانيها.

و من هذه الناحية تجد اضطرابا في كلمات اللغويين فهم يخلطون بين المدلول التصوري و التصديقي علما بان الوضع متعلق بالأول اما المراد الجدي للمتكلم و ظهورات الكلام فمستفاد من الثاني.

3-و لو تنزلنا عن ذلك و قبلنا كون هذه المباحث من اختصاصهم فان نقصا

ص: 11

واضحا في أبحاثهم على كلا المستويين اما قصورا أو تقصيرا،فعلى المستوى الأول تجد ان اكثر كتب المعاجم لم تفرّق بين المعنى الحقيقي الذي وضع له اللفظ و المعنى المجازي الذي استعمل فيه و إنما جلّ همها ذكر موارد الاستعمال في كلام العرب لذلك اصبح قول اللغوي ليس بحجة في فهم الكتاب و السنة الذي يفترض اعتماده على المعاني الحقيقية كما أنّهم لم يحدّدوا سعة دائرة كثير من الكلمات مفهوما و مصداقا،و لم يحققوا في المجاز هل هو بالوضع أم بالطبع و هل الدلالة تابعة للإرادة أم لا و كثير غيرها.

و في المستوى الثاني يدخل بحثنا فهل المشتق موضوع حقيقة لخصوص المتلبس بالمبدأ أم يعمّه و المنقضي عنه المبدأ.حيث لم يلتفت إليه اللغويون فضلا عن التحقيق فيه.

بينما تجد الأصوليين بفضل ما أوتوا من عمق و اجتهاد و موسوعية ارتقوا بتلك الأبحاث و قطعوا بها شوطا بعيدا.

الأمر الثاني:الجواب عمّا أثير من ان علم الأصول قد توسع اكثر مما ينبغي و شمل موضوعات لا علاقة لها به و لا دخل لها في الاستنباط الشرعي كمبحث الوضع و المعنى الحرفي و المشتق،فنقول ان هذا الكلام صحيح كبرويا الا ان بحث المشتق ليس من صغرياته لأمور:

1-ان معرفة الوضع الحقيقي للعناوين الاشتقاقية لها دخل في تحديد الحكم الشرعي،و أوضح مصاديقه مسألة الرضاع الآتية و غيرها،ففي مسألة في كتاب الشرائع للمحقق الحلي قال(1)(إذا حلف لا دخلت دارا فدخل براحا كان دارا لم يحنث)و هو مبني على القول بوضع المشتق لخصوص المتلبس بالمبدأ فلو قيل بالأعم لكان حانثا.

2-ان البحث و ان كان معنونا بالمشتق الا انه تتفرع عنه مطالب أخرى عملية تأتي إن شاء اللّه تعالى،نظير بحث مقدمة الواجب فانه بعنوانه لا يستحق تلك الأهمية الا ان المباحث التي ألحقت به جليلة و عمليّة و مفيدة.ة.

ص: 12


1- كتاب الأيمان،المطلب الثالث،المسائل المختصة بالبيت و الدار،المسألة الرابعة.

3-الفائدة النظرية أعني تنمية الملكة و تعميقها.

4-سد ثغرة لم يقم به المختصون من غير الأصوليين الذين يدخل هذا البحث في اختصاصهم،و قد مرت الإشارة إليه في الأمر الأول.

منهجية الكتاب:

سيكون الكتاب مكونا من قسمين:

الأول:في تنقيح موضوع المشتق:-و هو هذا الذي بين يديك-و سيضمّ الأمور الستة التي جعلها المحقق الآخوند مقدمة للبحث في مسألة المشتق و كان من حق الأمر السادس و هو تأسيس الأصل العملي في المسألة ان يكون-بحسب القاعدة-متأخرا عن تنقيح المحمول الا اننا أثبتناه هنا حفاظا على تسلسل مطالب الكفاية فالإشكال متوجه إليه (قدس سره)مضافا إلى ان ذلك يناسب تقارب حجمي القسمين و قد استوعب سيدنا الأستاذ البحث في هذه المقدمات الست بمئة و خمس محاضرات امتدت من 2 ذ ق 1414 إلى 9 ج 14152.

الثاني:في تنقيح المحمول و سيضم مبحثين:

1-الأقوال في المسألة و الرأي المختار و الاستدلال عليه.

2-بساطة المشتق و تركيبه و الإشكال فيه عين ما قلناه في الأصل العملي.

أسأل اللّه تعالى أن ينفع بهذا الجهد ليس المتخصصين في الفقه و الأصول فحسب بل في علوم النحو و البلاغة و عموم المثقفين بما يفتح لهم من آفاق جديدة من التفكير.

و أسأله بما وفّقني لإنجاز هذا العمل أن يجعله خالصا لوجه الكريم و يتقبله بقبول حسن و أن يديم إفاضات سيدنا الأستاذ و يمتّعنا ببقائه إنه وليّ كل نعمة و صاحب كل حسنة.

محمد اليعقوبي 4 شهر رمضان 1418.

ص: 13

ص: 14

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

توطئة:في تحديد محل البحث

أختلف الأصوليون في ان المشتق هل يصدق حقيقة على خصوص ما تلبس بالمبدأ في الحال أم على الأعم منه و مما انقضى عنه المبدأ بحيث يكون المتلبس بالمبدأ في الحال هو القدر المتيقن المتفق على صدق المشتق عليه حقيقة بعد الاتفاق على كونه مجازا فيما يتلبس به في المستقبل الا انهم لم يذكروا له وجها.لكنه من الواضح انهم تسالموا على عدم كونه موضوعا له و لذا كان مجازا.لأن الموضوع له مردد بين ان يكون خصوص المتلبس فعلا أو الأعم منه و من المنقضي عنه المبدأ.و لا يحتمل ان يكون اعم من الأزمنة الثلاثة.فيتعين الاتصاف الاستقبالي للمجازية.

الا انهم لم يذكروا لذلك سببا،لأنهم كرسوا بحث المشتق في صورة ما إذا انقضى عنه المبدأ.

فمن هنا يمكن ان يقال:ان من لاحظ اختصاص الوضع بخصوص المتلبس،من حقه ان يقول بالمجازية باعتبار عدم تحقق الوضع لكل غير متلبس في كلا الزمانين الماضي و المستقبل.

و اما من قال بالوضع للأعم من الماضي فقد قال في الجملة بالوضع لغير المتلبس، و لو في إحدى حصتيه،فلا تكون الحصة الأخرى بعيدة.

و من هنا لا بد من استئناف دليل و لو باختصار على المجاز.لا ان نأخذها مسلمة بدون دليل.

غير ان أوضح الأدلة هو صحة السلب أو قل:عدم التبادر أو عدم الاقتران الارتكازي.

ص: 15

الا انه يمكن ان يقال:ان هذا شامل لكل غير متصف.أو ان الجهة التعليلية له، هي عدم الاتصاف،فيعم الماضي.و يختص الاستعمال الحقيقي بالحاضر.مع اننا خصصنا الكلام بمن يقول بالأعم.

اللهم الا ان ندعي وجدانا آخر ثانوي،و هو الاقتران بين اللفظ و المجاز،مضافا إلى الاقتران بين اللفظ و الحقيقة.و هذا الاقتران الجديد بنفسه ينفي الوضع،و الا لم يكن مجازا.و يكون عدم الوضع لازمه المساوي،و هو أمارة يثبت به لازمه.

و هذا الاقتران موجود بالنسبة إلى المستقبل.بان نقول:زيد عالم باعتبار انه سيكون عالما.و غير موجود بالنسبة إلى الماضي.بل الأمر فيه مشكوك و من هنا وقع محلا للخلاف.فمن حكم وجدانه بالاقتران مع التلبس في الماضي قال بالوضع للأعم، و من لم يحكم وجدانه بذلك قال بالوضع لخصوص المتلبس.

الا ان الصحيح ان الاقتران بين اللفظ و المجاز لا معنى له.بل الاقتران يلحظ دائما بين اللفظ و المعنى.فان وجد ذلك،فهو حقيقة و الا فهو مجاز.و لا يلحظ الاقتران بين اللفظ و بين حالته،و هو العنوان الانتزاعي الناشئ من الوضع و عدمه.الذي هو اما الحقيقة و اما المجاز.

فان هذا لا يكون على مختلف مسالك تفسير الوضع،اما المسلك المشهوري فواضح.لأن الجعل الاعتباري خاص باللفظ و لا يعم هذه الصفات.و كذلك(التعهد) الذي قال به(1) المحقق الخوئي.إذ لم يقل به أحد كذلك.و كذلك الاقتران الذي قلنا به.

فان صفة الحقيقة و المجاز إنما تكون للفظ في طول الاقتران و عدمه بين اللفظ و المعنى لا في عرضه و لا قبله.

و نحن و ان كنا نشعر بوجود هذا الاقتران،الا انه يكون باللحاظ الثاني،و في المرتبة المتأخرة،و كذلك هو حاصل لمن يعرف معنى الحقيقة و المجاز لا لمن يجهلهما.

و لكن لا يبعد القول بالمجازية في الوصف الاستقبالي،لعدم الاقتران بين اللفظ1.

ص: 16


1- محاضرات في أصول الفقه:48/1.

و المعنى،و صحة سلبه عنه.

فان قلت:إنما يصح السلب في الحاضر،لا بلحاظ المستقبل.

قلنا:هذا بحث يأتي في ما بعد بان لحاظ الزمان هل هو دخيل في معنى المتلبس أو دخيل في غيره.

الا انه لا يبعد أيضا وجدان صحة السلب بعنوان عدم الاتصاف الحالي من الماضي و الاستقبالي.و معه يتعين القول للمتصف بالحال فقط.

فمن التزم بعلية عدم الاتصاف للمجازية لزمه القول بالمجازية عندها مطلقا.و اما من يبني على الأعم،فهو يرى ان الوضع للحصة المنقضية تعبد لغوي،بمعنى ان قوله موقوف على هذا التعبد.مع ان العرف و اللغة لا تعبد فيها،و إنما اللغة توقيفية.

و نفس ما قلناه من علامات الحقيقة و المجاز بالنسبة إلى مجازية المستقبل،ينبغي استعماله في البرهنة على الحقيقة في الحاضر.إذ لا ملازمة بين الأزمنة الثلاث من هذه الناحية.أو قل:لا ملازمة بين الماضي و الحاضر،فتحتاج الحصة الحاضرة إلى تبادر مستقل و صحة حمل مستقل،و هي متوفرة فعلا.

و بعد تحديد محل البحث قال الآخوند(1):(و قبل ان نخوض في المسألة و تفصيل الأقوال فيها و بيان الاستدلال عليها ينبغي تقديم أمور)ستة لم يذكر لها عناوين لكن يمكن تحصيل ذلك من مضامينها و سيكون العنوان المتحصل من كل أمر عنوانا لفصل تتشعب منه تفاصيل بحسب ما يقتضيه البحث لكن لا على ترتيب(أمور)الآخوند فإنها متداخلة و غير منقحة لذا سنحاول-ان شاء اللّه تعالى-تهذيب المطالب بعناوين واضحة.1.

ص: 17


1- الكفاية:58/1.

ص: 18

الفصل الأول ما المراد من المشتق الأصولي

و يدخل الأصوليون في هذه المرتبة من المبحث في أقسام الألفاظ،لنرى ما هو المصطلح عليه بالمشتق،و ما النسبة بينه و بين المشتق النحوي.

و لعل افضل تقسيم لذلك صدر من المحقق الأستاذ(قدس سره)(1).و يرجع إلى تقسيم الألفاظ إلى أربعة أقسام:

و محصله:وجود تقسيمين،لكل منهما قسمان:

التقسيم الأول:تقسيم اللفظ إلى مشتق و جامد.

التقسيم الثاني:تقسيمه إلى ما يمكن ان يحمل على الذات و غيره.

فتكون الأقسام أربعة:

القسم الأول:المشتق المحمول على الذات كأسماء الفاعل و المفعول و المكان و الزمان.

القسم الثاني:المشتق غير المحمول على الذات كالمصادر و أسماء المصادر.

القسم الثالث:الجامد المحمول على الذات،كالزوج.فان حمله على الفرد مجاز.أو بنحو الاشتراك اللفظي.

القسم الرابع:الجامد غير المحمول على الذات.كالإنسان و الحيوان و الشجر و الحجر.

و يمكن ان نجعل التقسيم الثاني باعتبار النسبة إلى الذات فتكون الأقسام أربعة أيضا.

القسم الأول:المشتق المنتزع من مقام الذات كالناطق.

القسم الثاني:المشتق غير المنتزع من مقام الذات كالماشي.

ص: 19


1- محاضرات في أصول الفقه:227/1.

القسم الثالث:الجامد المنتزع من مقام الذات كالإنسان و الحيوان.

القسم الرابع:الجامد غير المنتزع من مقام الذات.كالزوج و الرق و الحر.

و إذا كان هذا تقسيما ثالثا أصبحت الأقسام ثمانية،بضرب الأربعة السابقة في اثنين.و نو كل تفاصيلها إلى فطنة القارئ.

و من هنا نعرف وجه الإشكال على تقسيم المحقق الأستاذ،لأنه لم يذكر في المشتقات ما كان منتزعا عن مقام الذات كالناطق.بل مجرد انه محمول عليها.كما لم يذكر في الجوامد ما لا يكون محمولا على الذات،كالزوج و الشفع.و نحوهما.

و قد ذكر المشهور للمشتق ركنين يكونان بمنزلة القاعدة في قبول أو رفض أحد الأقسام السابقة.

الركن الأول:كونه محمولا أو جاريا على الذات المتلبسة بالمبدأ و متحدا معها خارجا نحوا من أنحاء الاتحاد.

الركن الثاني:كون الذات قابلة للبقاء بعد-أو عند-زوال الوصف.

و بالركن الأول تخرج المصادر،و كل ما لا يحمل على الذات سواء كانت جوامد أو مشتقات.

و بالركن الثاني:تخرج الأمور الذاتية لأن عدمها يستلزم عدم الذات،و ان كانت مشتقة كالناطق.

و قد نتج من ذلك:ان بين المشتق النحوي و المشتق الأصولي عموما من وجه.

يشتركان في المشتقات النحوية الجارية على الذات و التي تبقى الذات بعد زوالها، كالعالم و القائم.و يختص النحوي بالمشتقات التي لا تجري على الذات كالمصادر.

و يلحق بها المشتقات التي لا تحفظ معها الذات.

و يختص الأصولي بالصفات الجامدة المحمولة على الذات من خارجها،كالزوج و الحر و الرق و الوقف.

و لا نريد الآن ان نحقق:ان الزوج و الحر و الرق مشتقات أم لا.و إنما الإشكال ان

ص: 20

المشتقات النحوية يشترط فيها في علم الأصول شرطان:

1-ان تحمل على الذات.

2-ان لا تكون ذاتية.

اما الأول فواضح:لأن عدم الحمل يقتضي عدم صدقه دائما حتى في المتلبس الا بنحو المجاز كزيد عدل.و نحن نريد الحمل الحقيقي.و اما في الثاني،فقد أنكر مشهور الأصوليين اندراجه في البحث لانعدام الذات بزواله،سواء كان مشتقا أم لا.

غير ان السيد الأستاذ(1) حاول التفصيل من هذه الناحية بين نحوين من عدم انحفاظ الذات بزوال الصفة.باعتبار ان الذات هل هي متصورة عرفا بعد زوال الصفة أم لا.

و بتعبير آخر:ان الاستحالة اما فلسفية أو منطقية.و عند الاستحالة الفلسفية تبقى الذات متصورة،غاية الأمر انه قام البرهان على عدمها،بدون لزوم تناقض في البين.

كصفة الوجوب و الإمكان.

و عند الاستحالة المنطقية لا يمكن حفظ الذات،للزوم التناقض،كسلب الإنسانية عن الإنسان.ففي مورد الاستحالة الفلسفية يدخل في محل النزاع،دون مورد الاستحالة المنطقية.

فان قلت:فانه في كلا الموردين لا تنحفظ الذات.

قلنا:النزاع ليس في إمكان حفظ الذات و إنما في صحة استعمال اللفظ فيها.فإذا أمكن تصور الذات عرفا بعد زوال الصفة أمكن الحمل عليها.

جواب ما قاله السيد الأستاذ على مستويين مستوى شكلي و مستوى معمق.

اما المستوى الشكلي فبأن نقول:ان الخلاف إنما هو في الوضع الحقيقي للذات التي زال عنها المبدأ.و المفروض في الاستحالة الفلسفية عدم الذات.و تصورها العرفي1.

ص: 21


1- ما ينقل من كلام سيدنا الأستاذ من دون ذكر المصدر فهو من تقريراتنا لبحثه الشريف و تجد الجواب في تقريرات الهاشمي:364/1.

لا يعني استمرارها ليصدق عليها الحمل.

و اما المستوى المعمق:فلأن هنا فرقا بين صورة حفظ الذات،و استحالته من جهتين:

الأولى:صدق الحمل فعلا باعتبار الجري عليها سابقا.و هو غير متوفر في الفرض.

الثانية:انه مع عدم انحفاظ الذات يكون عدم الصدق عليها أوضح.بمعنى ان الخلاف و ان وقع في صورة انحفاظ الذات.لكن لا ينبغي ان يقع في صورة عدمه.

لوضوح عدم الصدق و كونه مجازا.

فان قلت:ان الذات عندئذ متصورة.

قلنا:نعم.الا انه تكون قضية تهافتية يعني بشرط عدم المحمول.بان يقال:هذا الذي زال عنه الوجوب واجب.لأننا إنما نتحدث عن هذه الصفة التي زالت لا عن غيرها.و لا معنى عندئذ للحمل الحقيقي.

فان قلت:فان الاستعمال فيه صحيح.

قلنا:نعم،الا ان الكلام في الوضع لا في صحة الاستعمال الذي هو اعم من الحقيقة و المجاز.

فان قلت:فان هذا إشكال يأتي في الاستعمالات العرفية أيضا.بأن من زال عنه القيام قائم.فانه تهافت أيضا.

قلنا:ان رجع هذا القول إلى نفس الوضع للأعم فهو صحيح.و الا فحفظ اصل الذات كاف عرفا للحمل،لا بشرط زوال القيام بل في ظرف زواله.فيرتفع التهافت.

اما في مورد الاستحالة فكلا الأمرين يكون واحدا في النتيجة.لأن ظرف زواله هو ظرف انعدام الذات.فلا يمكن ان يشار إليه أو يحمل عليه إلا بنحو من التجوّز.

و الكلام هنا عن الحمل الحقيقي.فالحق مع المشهور في ذلك.

ان قلت:ان هذا إنما يتم في الذوات الخارجية كزيد الجزئي الخارجي إذا مسخ زالت عنه صفة الناطقية فحمل النطق عليه مجاز لكن هذا لا يأتي في الحصة الكلية فانها

ص: 22

متصورة و يصح الحمل عليها فنقول الذات التي زال عنها الذاتي و الواجب الذي زال عنه الوجوب يحمل عليه انه واجب فهو متصور في العقل أي ان البرهان الفلسفي قام على استحالة و تعذر الوجود الخارجي للذات التي زالت عنها الصفة لا الوجود الكلي الواقعي.

قلنا:البرهان قائم على كلا الشقين الخارجي و الكلي معا فالواجب بعد زوال الوجوب لا وجود له أصلا حتى حصته الكلية و لا اختصاص للاستحالة بالوجود الخارجي.

فان قلت:ان هذا إنما يصدق في صورة ما إذا كان المحمول نفس الصفة التي فرضنا زوالها فإذا حملنا غيرها فهو ممكن فمن زالت عنه الناطقية تحمل عليه الإنسانية.

قلنا:ان هذا غير كاف لأمرين:

1-ان السيد الأستاذ تكلم عن الجهة الفلسفية و لم يتعرض للعرف و من ناحية الفلسفة فالذات متعذرة بدون الناطقية

2-انه حتى لو تنزلنا عن الاستحالة العقلية فان العرف لا يستسيغ مثل هذه البراهين و يكفي إلفات نظر العرف المتوهم إلى ان الذات غير موجودة و مستحيلة الوجود فيحكم بالمجازية في حين ان المطلوب ان العرف يحكم بالحمل الحقيقي.

و نعود الى ضابط المشتق الاصولي فنقول ان الاصوليين و ان ذكروا الركنين الا انهم لم يذكروا سببا له.بل أخذوها كالمسلمات و لم يبرهنوا عليه.فينبغي بيان ذلك و لو مختصرا:

اما الركن الأول:و هو إمكان الجري أو الحمل.

فسببه عدم إمكان التأكد من الوضع بدونه.لتوقف كلتا العلامتين عليه.اما الحمل فواضح.و اما التبادر فيحتاج إلى الحمل أيضا،بل هو نحو من الحمل الذهني و الهوهوية.

الا ان الصحيح إمكان التأكد من الوضع بالرجوع إلى الاقتران الذهني الباطني، و من هنا يعم سائر الألفاظ و الهيئات و الأدوات.و لا يختص بالأسماء.و الا لاختصت حجية التبادر بها و هو غير محتمل.

ص: 23

غير ان المشتق بكلا الاصطلاحين خاص بالأسماء.و فيها يكون الجانب الظاهري لعلامات الحقيقة هو الحمل.

فان قلت:الوضع يثبت بالمعنى التصوري،و الحمل معنى تصديقي،فيكون مباينا له.

قلنا:نعم،و لكن بصحة الحمل،يبدو طرفه التصوري.

فان قلت:فان الحمل لا دخل له،و إنما لا بد من إثبات الهوهوية.

قلنا:نعم.و لكن لا تثبت صحتها الا بالحمل.بل هي معنى تصديقي حملي على أية حال.

و اما الركن الثاني:و هو بقاء الذات مع زوال الوصف.

فانه أيضا يرجع بالدقة إلى صحة الحمل و إمكانه.لأن ما يتصور ان يكون برهانا على دخل هذا الركن في فهم المشتق أحد وجهين محتملين:

الوجه الأول:إمكان صدق الحمل صدقا حقيقيا،إذ بدون الذات يمتنع ذلك، لوضوح استحالة ان يكون طرف الحمل معدوما.

الوجه الثاني:صدق عنوان ما زال عنه المبدأ.أو قل:صدق العنوان على الذات بعد زواله.الذي هو أحد شقّي المشتق.

الا ان الصحيح ان هذا العنوان يصدق في كلتا الحصتين.فانه يصدق مع حفظ الذات و يصدق مع عدمها أيضا.فلماذا قيدوا المبحث بالحصة الأولى،و هي بقاء الذات.

فيرجع هذا الوجه إلى الوجه الأول.إذ مع عدم الذات يكون الحمل واضح المجازية بل ممتنعا حقيقة.

فان قلنا:باشتراط زوال الوصف مع بقاء الذات،رجع إلى إمكان الحمل أيضا،إذ لولاه لأمكن تحرير محل النزاع بدون الذات أيضا.

ثم اننا إذا أمعنا النظر في الركن الثاني وجدناه ينحل إلى ركنين،قد ركب بينهما علماء الأصول،و جعلوهما مفهوما وحدا.

الأول:بقاء الذات.

ص: 24

و الثاني:زوال الوصف.

فما هي النسبة بينهما؟

هنا أربعة احتمالات:اما زوال الذات و الوصف،و لا كلام فيه.و اما زوال الذات و بقاء الوصف،و هو مستحيل.فيبقى احتمالان:

أحدهما:بقاء الذات و الوصف معا،و هو القدر المتيقن للحمل الحقيقي و الآخر:

بقاء الذات و زوال الوصف.و هو محل الخلاف.و بينهما نسبة العموم المطلق عمليا.

و يكون الاتصاف و عدمه،هو المائز بين الحصتين.

ينتج من ذلك:اننا ينبغي ان نخرج من المشتقات ما كانت موادها مستحيلة،يعني لا تبقى الذات ببقائها.كالواجب و الممكن.

و معناه اننا نفصل في أسماء الفاعل و المفعول و نحوها،مما هو القدر المتيقن في جريان النزاع فيها،بين ما كان ممكنا و ما كان مستحيلا.

و بتعبير آخر:ان مادة هذه الهيئات،دخيلة في تحديد دخولها في محل النزاع و ليس الهيئة فقط.

و قد أجاب عن ذلك في المحاضرات(1) و قال:ان المبحث في المشتق عن الهيئة فقط،دون المادة.لما سبق من ان وضع الهيئة نوعي لا شخصي.و كون بعض مواده ممتنعة لا يوجب لغوية النزاع في الهيئة التي تعم ما يعقل فيه بقاء الذات مع زوال المبدأ.

و هذا الكلام غريب لعدة وجوه:

الأول:من الواضح،ان كون وضع الهيئات نوعيا لا يعني اختصاص النزاع بها بغض النظر عن المواد.بل ظاهر الأصوليين و ظاهر عنوان المشتق على خلافه.فانه اسم للمادة و الهيئة معا لا للهيئة فقط.

الثاني:ان الركنين الأساسيين السابقين للمشتق.إنما هو في المواد،أو في مجموع1.

ص: 25


1- 240/1.

المادة و الهيئة.و لا يصح في الهيئة وحدها.لا الحمل:فان الهيئة وحدها لا تحمل.و لا بقاء الذات مع زوال الوصف.فان المراد بالوصف المادة أو المجموع،لا الهيئة فقط قطعا.

الثالث:ان إمكان انطباق الهيئة على ما هو داخل في محل النزاع،لا يجعل لها عموما إلى ما لا يمكن دخوله في محل النزاع.بل مقتضى الركن الثاني هو خروجها.

و كون البحث عن كلي الهيئة لا ينافي تعذر بعض أفراد ذلك الكلي.

و على أية حال،فالمواد لها دخل في بحث المشتق إلى جنب دخل الهيئات.

و ظاهر عنوان الباب هو ذلك.و لا بد من الالتزام بكلا التقييدين:إمكان الحمل و إمكان بقاء الذات،حتى في المشتقات النحوية.و بدونهما تكون المجازية واضحة.

ص: 26

الفصل الثاني عناوين توهم خروجها عن محل النزاع

1-إسم الزمان:

قد وقعت أسماء الزمان أو الصيغ الزمانية،محل إشكال من حيث دخولها في محل النزاع،اكثر من غيرها.لوجود دعوى الاستحالة الفلسفية.لأن الركن الثاني للمشتق غير متوفر.

و ذلك:لأن الزمان متدرج و متصرم الذات.فالذات تزول بزوال الصفة.فقد زال يوم مقتل الحسين(عليه السلام).و يستحيل بقاؤه.و بالدقة فقد زالت الذات بزوال لحظة التلبس و هو القتل في المثال،فلا ذات و لا صفة.

و اقدم المتأخرين الذين أجابوا على ذلك صاحب الكفاية.حيث يقول(1) ما مؤداه:ان انحصار مفهوم عام بفرد،كما في المقام من حيث ان عنوان الزمان عام و له فرد واحد هو آن التلبس،هذا لا يوجب ان يكون اللفظ موضوعا بازاء الفرد دون العام.

و الا لما وقع الخلاف في لفظ الجلالة.و ان الواجب موضوع للمفهوم العام،مع انحصاره فيه تبارك و تعالى.

و قد دافع المحقق الخوئي(قدس سره)(2) عن ذلك يعني:إمكان الوضع لمفهوم عام ليس له الا فرد واحد عقلا،أو ليس له أفراد أصلا،كالمستحيل و الدور و التسلسل

ص: 27


1- الكفاية 60/1.
2- محاضرات في أصول الفقه 243/1.

(بغض النظر عن ان هذه الألفاظ ليست موضوعة لهذه المعاني لغة،بل اصطلاحا.

فتكون هنا لمجرد التوضيح).

فيكون حاصل مرادهم:اننا لو قلنا بالوضع لخصوص المتلبس فلا إشكال.و ان قلنا بالوضع للأعم،فهو مفهوم عام شامل للفرد الممكن(و هو المتلبس)و المستحيل(و هو المنقضي)و هذا ليس نادرا في اللغة.

فأسم الزمان موضوع لكل الآنات،و ان لم يوجد لم الا فرد واحد.و هو آن التلبس.و هو مما لا مانع منه.

الا ان هذا لا يتم لأمور:

أولا:ان معنى اشتراط الركن الثاني و هو بقاء الذات،كون الجري بعد زوالها متسالم المجازية.فهو غير محتمل ان يكون موضوعا له،ليكون موضوعا للجامع الذي يعمه.و الإمكان لا يقتضي الوقوع،بل هو ممكن غير واقع.

ثانيا:ان غاية ما أنتجه هذا التفكير:هو إمكان الوضع للعام الذي يكون منحصرا بفرد،لا ان الوضع حقيقة حاصل.فنحتاج إلى تحكيم علامات الحقيقة و المجاز،بما فيها التبادر و الاقتران الكامل.فهل ان الاقتران موجود حتى مع انصرام الزمان؟ننفي ذلك بمقتضى الركن الثاني.

فان قلت:ان الاستعمال حقيقي و الاقتران متكامل في النفس.

قلنا:ان هذا يرجع إلى جواب آخر نقول فيه:ان الذات باقية بزوال الصفة،و الا فصحة السلب في المقام دليل على المجازية.

ثالثا:ان المشتقات لم توضع بوضع واحد.كالوضع العام و الموضوع له الخاص، بل بأوضاع متعددة.و كل مشتق وضع لمعناه.

نعم،لو وضعت المشتقات بوضع واحد،بعنوان ما زال عنه المبدأ و بقيت الذات -لو قلنا بالأعم-فحينئذ إذا تعذرت بعض حصص الكلي،كاسم الزمان،لكونه متصرما، فنقول:انه حتى لو انحصر الوضع بواحد،فانه يمكن الوضع له.

ص: 28

لكن الواقع ليس هو هذا،إذ من الواضح ان المشتقات وضع كل منها بوضع مستقل.فمثلا:أسم الزمان لم يوضع للجامع بينه و بين غيره،لكي يقال:ان قسما منه ممكن و يكون الوضع له.

فالمشتقات وضعت بأوضاع على عددها،فما انحفظ فيه الركن الثاني،أمكن فيه الوضع،و ما لم ينحفظ لا يمكن القول بالوضع لوضوح المجازية.

و من هنا يظهر الفرق بين محل الكلام،و الوضع للأنواع التي لا أفراد لها.فان تلك الأنواع متحققة في عالم الواقع،و متصورة في الذهن.و ان كانت مصاديقها يستحيل ان توجد في عالم الخارج.

و ما دامت متصورة ذهنا،أمكن الوضع لها،فيكون الاستعمال فيها حقيقيا،بغض النظر عن أفرادها الخارجية.

و اما في محل الكلام فلم يقل أحد بالوضع لخصوص الحصة الزائلة الصفة، ليقال:انها من زوال الذات و عدمه.بل وضع للأعم من وجود الصفة و عدمها،مع استمرار الذات.و اما مع انتفائهما معا،أعني الذات و الصفة،فالوضع لها أول الكلام، و مقتضى علامات الحقيقة و المجاز نفيه.فيكون الالتزام بذلك تنزلا عن الركن الثاني.

مع العلم ان التنزل عن هذه النتيجة هو الأولى.

و السيد الأستاذ أيضا لم يرتض هذا الوجه من الشيخ الآخوند.الا انه عرض له فهما معينا،و أجاب(1) عليه طبقا لفهمه.

و انه لا بأس من الوضع للجامع بين الممكن و المستحيل.لأن المهم تصوره،لا وجوده الخارجي.و إذا أمكن تصوره،أمكن الوضع له.و إذا أمكن الوضع له أمكن الاستعمال فيه.

قال:و كأن صاحب الكفاية يريد ان يبين بيانا قريبا مما قلناه في إمكان وضع1.

ص: 29


1- تجد الجواب مختصرا في تقريرات الهاشمي:368/1.

اللفظ للذات المستحيلة فلسفيا،باعتبار انها غير متعذرة ذهنيا و لا تمنع الاستحالة الفلسفية من تصور الذات.

و أجاب على ذلك:بان الاستحالة هنا منطقية لا فلسفية،فيتعذر الوضع.لأنه يشتمل على التناقض.لأن فرض انقضاء المبدأ مع فرض بقاء الزمان تناقض.فرأي الآخوند،جامع بين الممكن و المستحيل منطقيا،و هو غير ممكن.

و هذا يجاب بعدة وجوه:

أولا:اننا ناقشنا مسألة الاستحالة الفلسفية،و قلنا بالمجازية على كلا التقديرين.

و ان المسألة غير منوطة بذلك التفصيل.لأنه مع زوال الذات يكون الحمل مجازيا جزما فالخلاف مبنائي.

ثانيا:ان هذا الفهم لكلام الآخوند ليس بصحيح،و لا يوجد في عبارة الكفاية ما يدل على التمييز بين الاستحالتين.

ثالثا:ان مسألة إمكان الوضع شيء،و مسألة تحققه شيء آخر.و الكلام في تحقق الوضع بمعنى:انه وضع اسم الزمان للأعم أو لخصوص المتلبس.و اما الإمكان فغير كاف.

و غاية ما يستنتج من كلامهم هو الإمكان.و هو لا يقتضي الفعلية.و قد قلنا ان الفهم العرفي يقتضي المجازية،لانخرام الركن الثاني.

رابعا:ان التناقض الذي استدل به السيد الاستاذ على الاستحالة المنطقية واضح العدم.لاختلاف المتعلق.و ان الزوال للمبدأ و البقاء للذات.

نعم،هما متلازمان بالبرهان الفلسفي.باعتبار ان الزمان متصرم و زائل.فهذه استحالة فلسفية و ليست منطقية.حسب اصطلاحه.

الوجه الثاني:للمحقق الخوئي،في المحاضرات(1).

و حاصله:ان اسم الزمان لم يوضع بوضع مستقل عن اسم المكان.بل الهيئة1.

ص: 30


1- المحاضرات 245/1.

المشتركة(مفعل)وضعت بوضع واحد و كلي.و هو ظرف وقوع الفعل خارجا،سواء كان مكانا أو زمانا.

قال:و قد سبق ان النزاع إنما هو في وضع الهيئة بلا نظر إلى المادة.و عندئذ يكون وضعها لخصوص المتلبس أو الأعم،نزاعا معقولا.غاية الأمر انها إذا أريد بها المكان، كان حفظ الذات ممكنا،بخلاف ما إذا أريد بها الزمان.

و ما يمكن ان يجاب عدة أمور:

أولا:اننا ننكر ان يكون محل النزاع هو الهيئة،بل المركب من الهيئة و المادة للمشتق.فيختص النزاع باسم الزمان الذي تدل مادته عليه.و بذلك ينتفي أصل الجواب، و لا يعني وضع الهيئة لمطلق الظرفية:وضع اسم الزمان للأعم.

ثانيا:اننا ننكر وحدة الوضع،لأن معنى الظرف الجامع بين الزمان و المكان،دقي غير عرفي.و الاختلاف بين الزمان و المكان شديد عرفا.فلا يحتمل وضعهما بوضع واحد.و إنما حصل ذلك بتعدد الوضع و على نحو الاشتراك اللفظي.

فإذا تم ذلك،جاز الإشكال من ناحية الوضع للأعم من اسم الزمان.و تشابه لفظ المشتق لا يعني وضعه بوضع واحد.لأن الألفاظ المشتركة متشابهة دائما.

لا يقال:ان الواضع رجل عالم و حكيم،فيمكن ان يضع للمعاني الدقية.

قلنا:هذا خلاف المشهور.و احتمالات تفسير الواضع ثلاثة،ليس منها احتمال ان يكون فردا بشريا معينا.

ثالثا:ان انطباق أي وضع على مورد تزول فيه الذات.يعني ارتفاعه و تحقق المجازية،في طول اشتراط الركن الثاني.

و كون ذلك ممكنا لا يعني كونه واقعا.بل الواقع المجاز وجدانا.بغض النظر عن أجوبة آتية.و النزاع إنما هو في وقوع الوضع لا في إمكانه كما هو معلوم.

و على هذا،فلو تنزلنا عن الجوابين السابقين،فان الركن الثاني يقيد الوضع للظرف الجامع،و يكون استعماله حقيقيا في ثلاث صور:

ص: 31

1-بقاء ذات اسم المكان و الصفة.

2-بقاء ذات اسم الزمان و الصفة.

3-بقاء ذات اسم المكان بدون الصفة.و لا يشمل الصورة الرابعة،و هي زوال اسم الزمان و الصفة.فلا بد من إخراج هذه الحصة عن محل النزاع.يعني اننا اما ان نتنزل عن الركن الثاني أو نقول بالمجازية.

و أجاب السيد الأستاذ على هذا الوجه المذكور في المحاضرات:

ان أسماء الزمان و المكان،و ان كانت متداخلة،كما أفيد.الا انه من تداخل اللفظ لا من تداخل المعنى.فان هذه الكلمة صارت اسما للزمان بلحاظ و اسما للمكان بلحاظ آخر.لا ان لها معنى وحدانيا ينطبق على الزمان و المكان معا.و لا يمكن ان تكون ظرفية الزمان و المكان ملحوظة دفعة واحدة.لأنه على ذلك لا بد ان توضع كلمة(مقتل)للذات الملحوظة ظرفا للقتل.

فنسأل:ان عنوان الظرفية المقترح هل هو مفهوم اسمي للظرفية أم هو واقع الظرفية.

فان كان الأول أي المكان بصفته ظرفا و الزمان بصفته ظرفا فهو غير ممكن،إذ لازمه اننا نفهم من اسم الزمان معنى الظرفية بالدلالة المطابقية و هو باطل.و بتعبير آخر:

ان نفهم الظرفية كمفهوم انتزاعي في طول الاستعمال،لا انها أخذت في المعنى الموضوع له.

و إنما يؤخذ في المشتق واقع الظرفية بمعنى وجود نسبة.و النسبة المكانية،مباينة للنسبة الزمانية عقلا و وجدانا.اما عقلا فلأن ظرفية المكان مقولة الأين و ظرفية الزمان مقولة المتى.و لا جامع بين المقولات الأساسية،فيستحيل وجود الجامع بينها.

و اما وجدانا فنحن نفهم ان احتواء المكان على المبدأ،كالقتل،يباين احتواء الزمان عليه نفسيا و عقليا،فهما لا يشتركان فلسفيا و وجدانيا.فهما موضوعان بلحاظين مختلفين،لا بلحاظ ظرفية واحدة.

ص: 32

و معه،فلا بد من وضع اللفظ لكلا النسبتين،بان يكون له مدلولان.و حينئذ يقال:

ان جريان النزاع بلحاظ أحدهما،و يبقى الباقي على حاله.

و نعلق على ذلك فنقول:ان هذا الذي قاله السيد الأستاذ،ينبغي إرجاعه إلى ما قلناه من ان صيغة الزمان و المكان موضوعان بنحو المشترك اللفظي لا المشترك المعنوي،ليكون صحيحا.

لكن لا يلزم منه ما قال من وقوع النزاع في إحدى الصيغتين دون الأخرى.لأننا نتكلم عن الصيغة بهذا اللحاظ.

لكنه(قدس سره)لم يصرح بالاشتراك اللفظي للصيغة.لورود إشكال مشهوري عليه،من حيث ان المشترك لا يصلح للمعنى التحليلي،و إنما يكون للمعنى الاستقلالي.

و لكننا قلنا في تحقيق المعنى الحرفي انه ممكن،و ان الهيئة موضوعة بنحو الاشتراك اللفظي.

و عندئذ ينبغي ان يقول:ان اسم الزمان استعمل بوضع،و اسم الزمان بوضع آخر.

لا كما قال:ان الأول استعمل بلحاظ و الثاني استعمل بلحاظ آخر.

و ان أبى ذلك و قال بالوضع الواحد:رجع الإشكال لأن الوضع الواحد لا يمكن ان يشمل ماهيتين متباينتين،لا جامع بينهما عرفا و لا عقلا.و يلزمه ان هذا الوضع الواحد، لا بد انه لجامع انتزاعي،يكون هو الموضوع له.فيكون تحقيقا لرأي المحاضرات الذي ناقشناه.فلا يكون مسلك السيد الأستاذ مسلكا مستقلا.

الوجه الثالث:للشيخ المحقق(1) العراقي قدس سره.

و حاصل مراده:ان الزمان الذي ينقضي بانقضاء المبدأ،إنما هو القطعة الخاصة من الزمان التي وقع فيها الفعل أو الوصف،و لا يعقل بقاؤها مع انقضاء المبدأ.لكن حقب الزمان يتصل بعضها ببعض،فيتشكل وجود وحداني طويل،له بقاء بعد انقضاء المبدأ،و هذه).

ص: 33


1- نسبه إليه سيدنا الأستاذ(لا حظ مباحث الدليل اللفظي-محمود الهاشمي:368/1).

الوحدة الطويلة هي المتصفة بالمبدأ،و هي الذات الباقية بعد زوال التلبس.

أجاب عليه(1) الشيخ الأصفهاني:بان هذا الاتصال بين قطعات الزمان لا يجعلها واحدة من حيث الاتصاف،بل متعددة.و ما هو المتصف بالحدث إنما هو تلك القطعة لا هذا الوجود الوحداني.

و شبه ذلك بالأجسام الخارجية.فانه كما ان اللحظات واحدة بالاتصال،كذلك الأجسام الخارجية.و الحدث وقع في لحظة منها.فلو كانت نقطة حمراء على جزء من صخرة،فالمتلبس هو ذلك الجزء،و لا يوصف الجسم كله بأنه احمر.فكذلك الحال في عمود الزمان.فان الحدث وقع في لحظة،فتكون هي المتصفة بالفعل،لا مجموع الأجزاء.

أجاب عليه(2) السيد الأستاذ:ان هناك فرقا بين الواحد المتصل الذي أجزاؤه عرضية،و الواحد المتصل الذي أجزاؤه طولية أي تدريجية.فالعرضي كالجسم لا تكون حمرة جزئه-كما في المثال-حمرة للأجزاء الأخرى.لأن هذا الجزء ليس هو تمام وجوده بل جزء وجوده.فتكون نسبة الحمرة إلى الباقي من الأجزاء أو إلى المجموع مجازية.

و اما الواحد التدريجي كالزمان،فتمام وجوده في ذلك الحال هو ذلك الجزء، فإذا اتصف هذا الجزء بالمقتلية،فقد اتصف الواحد العمودي بها.لأن وجوده بتمامه هو وجود هذا الجزء.فمن صلى في زوال يوم الاثنين صح له ان يقول:صليت في يوم الاثنين،و يكون اليوم كله ظرفا لصلاته.

الا ان هذا بمجرده لا يتم:لأننا اما ان نلحظ لحظة التلبس أو كل مجموع الزمان، كاليوم.فان لاحظنا خصوص الحصة المتلبسة من الزمان كان الاتصاف حقيقيا.

و لكنه بهذا اللحاظ يأتي عليه الإشكال الرئيسي،و هو زوال الذات بزوال المبدأ.1.

ص: 34


1- مباحث الدليل اللفظي:369/1.
2- المصدر السابق:369/1.

لأن الحصة المتلبسة زالت بزوال التلبس.و دخل زمان مغاير ذاتا و صفة للمتلبس.

و ان لاحظنا المجموع،فلا يمكن القول:ان وجود المجموع بوجود الجزء المتلبس.و إنما يكون حاله من هذه الناحية حال الجسم الذي اتصف بعضه بالحمرة،في المثال.و لا ملازمة بين تلبس البعض و تلبس الكل.

و يمكن تنظير ذلك،أي القاعدة الكلية في الواحد التدريجي:بحركات متتابعة، كألف ذبذبة.فلو أصبحت اثنتان منها في الوسط أسرع أو اكثر إنتاجا،فهل ان جميع الذبذبات أصبحت كذلك.

مضافا إلى إمكان القول:بان الشيخ المحقق العراقي،إذا أراد الوحدة العرفية بين الأجزاء،فهذا راجع إلى وجه آخر يأتي مستقلا،في الكلام عن ألفاظ الذات الزمانية.

و اما إذا فهمنا ما قاله بنحو عقلي،فهو لا يصح.فانه لا يحكم بنظره الدقي ان وحدات الزمان واحدة،و لا يجعل اللحظة الثانية عين الأولى المتلبسة بل غيرها.و من هنا يصدق انقضاء الذات بالدقة بانقضاء المبدأ.

و قد أورد(1) السيد الأستاذ على المحقق العراقي إشكالا و أجاب عنه.

و حاصله:ان مقتضى اتصال و وحدة أجزاء الزمان ملاحظته على طوله،فإذا قال لنا بالأعم،رجع الأمر إلى ان زمان مقتل الحسين(عليه السلام)مستمر إلى يوم القيامة.

و هذا ما لا يساعد عليه العرف.

و أجاب عنه:ان بقاء الذات في الزمان إنما هو بالنظر إلى الفهم العرفي لا الدقي.

و العرف يقطع الزمان إلى ساعات و أيام و اشهر و سنوات.و يرى ان كل قطعة لها شخصية و ذاتية غير ذاتية الشخصية الأخرى.فما دام اليوم متصلا،فالذات باقية،و الا فقد انقضت.

جوابه:ان هذا المقدار بمجرده لا يكفي للدفاع عن المحقق العراقي.

أولا:لأن المحقق العراقي لم يلحظ الجانب العرفي.و إنما لا حظ الجانب العقلي.1.

ص: 35


1- المصدر السابق:369/1.

و من حيث هذا الجانب فان الذات تنقضي بانقضاء المبدأ.

ثانيا:اننا لو تنزلنا،فالنظر العرفي يقطع الزمان قطعا غير متساوية المقدار،كاليوم و الشهر و السنة و القرن.

و عندئذ نتورط في تحديد الذات الباقية بعد زوال المبدأ،فانها ستكون مرددة بين كل تلك القطعات،بين اليوم و السنة و القرن.فقد قال هو:ما دام اليوم موجودا،و نحن قد نقول:ما دامت السنة موجودة.و ذاك يقول:ما دام القرن موجودا.و هكذا.و هذا الترديد غير معقول عندهم.

و إذا أمكن ذلك،لم يكن محذور من ملاحظة الزمان على طوله،إلى يوم القيامة، بحيث يكون كله مقتلا للحسين(عليه السلام).و إنما لا بد في ذلك من عرضه بوجه عرفي جديد غير موجود في المصادر.

الوجه الرابع:و هو مقتنص من العرف،في مناقشة الإشكال الرئيسي في زوال الذات بزوال المبدأ في اسم الزمان.

و هو يتوقف على عدة مقدمات:

المقدمة الأولى:اننا إذا أردنا ان نفهم الأمور فهما عرفيا،فيجب ان نفهم الموضوع و المحمول معافهما عرفيا.لا اننا نكون دقيين موضوعا و عرفيين محمولا.لأن موضوع العرف عرفي و موضوع العقل عقلي.و الاستعمال المتداخل غير صحيح.

و حينئذ يقرب ذلك بأحد تقريبين:

التقريب الأول:ان نقول:اننا ينبغي ان نخص كلا من العرف و العقل بمورده و لا نخلط بين مواردهما،لا موضوعا و لا محمولا.من حيث ان العرف اختص بأمور خاصة لا دخل للعقل فيها،كالمعاملات و اللغة،التي نحن بصددها.و شأن مباحث الألفاظ لغوي، فيجب إدخال العرف فيها لا العقل.اما ما يكون خاصا بالعقل فالعرف يفسده لضحالته.

التقريب الثاني:ان الشارع خاطبنا بصفته عرفيا،و بصفتنا عرفيين،لا بصفته دقيا و لا بصفتنا دقيين.

ص: 36

و إنما نزل نفسه منزلة شخص عرفي من اجل مصلحتنا و إفادتنا.فان فهمناه فهما عرفيا أو فهمنا لغته كذلك،فقد فهمناه من الزواية التي اقرها و أمضاها و تحدث بها.و لذا كانت ظواهره حجة.

و لو كان قد تحدث بالدقة لما فهمه الا اقل القليل.و لو تحدث بالدقة التي هو يعرفها،إذن لم يفهمه أحد إطلاقا.إذن،فلا بد له من التنزل عن مستواه الحقيقي الدقي، قليلا أو كثيرا و قد فعل.

إذن فاستعمال العقل فيما هو مورد العرف،كما عليه المشهور ليس بصحيح.كما ان العكس ليس بصحيح.

المقدمة الثانية:ان نقبل حكم العرف فيما هو محال عقلا.إذ قد يقال:اننا إنما نقبله فيما هو ممكن عقلا.اما إذا كان الأمر مستحيلا،فان العرف لا اثر له.و منه مورد كلامنا.فان العقل يقول:ان بقاء الذات بعد زوال التلبس مستحيل.فحكم العرف هنا حكم على الممتنع عقلا.و حكم العقل اسبق رتبة و اهم حكما،فيجب اختصاص الحكم به.

نقول في جوابه:ان العرف يستطيع الحكم بما هو مستحيل عقلا.فان حكمه منوط بإمكان الامتثال و التطبيق.فيستحيل عند ما يستحيل التطبيق عرفا،كما لو أمر بجمع المتناقضين.لكن هذا لا يصدق في المقام لأن العرف عملي و حياتي،و هو وليد المجتمع.فلا يوجد ارتكاز شرعي أو عرفي هو مستحيل تطبيقا و امتثالا.

و رغم ان السيد الأستاذ مشى على العرف يقينا و المحقق العراقي احتمالا.الاّ انهم لم يجيبوا على هذا الإشكال.

المقدمة الثالثة:في إعطاء فكرة موجزة عن الناحية العقلية للزمان:و به يختلف حكم العقل عن حكم العرف،فيكون من موارد تطبيقات ما قلناه في المقدمة الثانية.

فانه عقلا غير موجود لا خارجا و لا واقعا،و بذلك ينحصر ان يكون وجوده عرفيا صرفا.

و إنما هو أمر منتزع من منشأ انتزاعه،و هو واقع التقدم و التأخر بين الحركات.

و الموجود الواقعي هو التقدم و التأخر،و من اجل هذا الانتزاع نتصور الزمان.فهو مفهوم

ص: 37

انتزاعي ثانوي لا وجود له،بل الوجود لمنشأ انتزاعه.

فان قلت:بان الزمان هو عبارة عن حركة الشمس و الأرض و القمر و الليل و النهار و الأشهر و السنين.فهو أمر انتزاعي عن هذه الأمور الخارجية.

قلنا:اما الليل و النهار،فصفتهما النور و الظلمة و لا دخل لهما في الزمان.و اما حركة الشمس و الأرض،فيرجع إلى ما قلناه من ان منشأ انتزاع الزمان هو الحركات، غايته اننا هنا عممنا الحركات لكل ما في الكون.

مضافا إلى ما يمكن ان يقال:من ان الزمان كان ثابتا قبل خلق الشمس و الأرض، و ذلك هو ظاهر القرآن في عدة آيات أهمها قوله تعالى:خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ (1).و هذه الأيام و ان لم يرد منها الليل و النهار،الا انها تعطي مفهوما زمانيا.

فان قلت:ان التقدم و التأخر يحتاج إلى ظرف عام يكون فيه و ينسب إليه، كالزمان و المكان.و بدونهما لا معنى له.

قلنا:يجاب بعدة أجوبة:

أولا:اننا لا نسلم الكبرى.فانه من الممكن ان يثبت التقدم و التأخر بدون أي ظرف عام.و لا دليل على المدعى.بل يكفي في ثبوته نسبة أمرين إلى بعضهما البعض.

ثانيا:لو سلمنا الكبرى،كان في الإمكان ان نقول:ان الظرف العام هو الدهر،و هو الذي يمر على الزمانيات و غيرها.و منه قوله تعالى:وَ ما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ (2).أي أسباب عليا و من التقدم و التأخر ننتزع مفهوم الزمان.

فان قلت:اننا ننقل نفس الكلام إلى الدهر،لأن التقدم و التأخر فيه يحتاج إلى ظرف.

قلنا:لو سلمنا الكبرى،فان هناك ظرفا آخر خلفه.لأن الفلاسفة يقسمون الوقت إلى:الزمان و الدهر و السرمدية.فيكون التقدم و التأخر في الثالث.و منه ينتزع مفهوم4.

ص: 38


1- سورة الأعراف/آية 54.
2- سورة الجاثية/آية 24.

الدهر.و الظرف ثابت في السرمدية.

فان قلت:ان السرمدية بسيطة ليس فيها تقدم و تأخر،فكيف تصلح ظرفا للدهريات فضلا عن الزمانيات.لأنها منتزعة عن ذات اللّه سبحانه،و هي بسيطة من جميع الجهات،و ليس له ملازمات أو مقارنات لينتزع منها مفهوم الدهر.

و ذلك انهم قالوا:ان الزمان متعلق بالعالم المحسوس،و الدهر بالمجردات، و السرمدية باللّه سبحانه،أو عالم اللاهوت.

قلنا:ان هذا يجاب بعدة أجوبة:

أولا:الطعن في الكبرى،من حيث ان التقدم و التأخر لا يحتاج إلى ظرف،و إنما ينتزع من قياس الأشياء بعضها إلى بعض.

ثانيا:ان السرمدية ليست بسيطة بهذا المعنى،بل فيها تقدم و تأخر استظهارا من بعض الكلمات الواردة عن المعصومين عليهم السلام.كقولهم:لا أول لأوليته و لا آخر لآخريته.و قولهم:هو الأول قبل الإنشاء و الآخر بعد فناء الأشياء(1).

إذن،فهناك تمييز بين ما هو أول للسرمدية و ما هو وسط و ما هو آخر لها،و هذا ينافي بساطتها الكاملة.

عندئذ يقال:بان هذه التجزءة تلازم التقدم و التأخر المنتزع منه مفهوم الدهر و الزمان.

الا انه يرد إشكال:لو سلمنا الكبرى و أن في السرمدية تقدما و تأخرا،فما هو الظرف الذي تتقدم فيه أجزاء السرمدية على بعضها.

و هذا قد يجاب بأحد جوابين:

أحدهما:ان نقول:ان التقدم و التأخر في السرمدية ذاتي،لا عرضي لكي يحتاج إلى ظرف.فينقطع السؤال برجوع العرضي إلى الذاتي.ة.

ص: 39


1- من دعاء الإمام السجاد(عليه السلام)يوم الجمعة.

ثانيهما:ان نقول:ان العوالم لا متناهية،خلافا لظاهر كلام الفلاسفة الذين حصروا العوالم في هذه الثلاثة.و الا فمن سعة رحمة اللّه وجود عوالم طولية عديدة،و رحمة اللّه غير متناهية،فلا تكون العوالم متناهية.

و معه،يمكن ان نتصور للسرمدية ظرفا آخر،يكون فيه التقدم و التأخر.

فان قلت:فان هذا يلزم منه التسلسل.و هو محال.فكيف نقول بوقوعه.

قلنا:انه ليس هناك دليل من العقل أو الشرع على الاستحالة،لكل تسلسل.و إنما المبرهن عليه فلسفيا هو ان التسلسل الباطل هو الذي يلزم منه عدم وصول العلل و المعلولات إلى الواجب.اما ما لا يلزم منه ذلك،فلا دليل على استحالته.

و معه فيمكن ان نتصور ان اللّه سبحانه بقدرته ينشئ تسلسلا لا نهائيا من العلل و المعلولات.

و قد كان الشيخ محمد رضا المظفر،يقول(1):ان العلل على قسمين:ما به الوجود و ما منه الوجود.و يراد بالأول:الأسباب الطبيعية و بالثاني:ما منه الفيض.

و كان رحمه اللّه يقول:انه لا بد من اجتماع كلا السنخين من العلة لوجود المعلول،و لا يوجد بأحدهما دون الآخر.و انهما ليسا على نحو الشركة،لأنه يعني الشرك.

فإذا تمت هذه القاعدة،فالتسلسل محال،لأن أي تسلسل يفرض إنما هو في العلل،أي فيما به الوجود.و المفروض انه وحده لا يكفي لوجود المعلول،بل لا بد من فيض(ما منه الوجود).و مع عدم الانتهاء إلى الواجب فالمعلولات كلها منتفية.

و هذا التقريب لا يأتي هنا لأننا نفترض ان هذه المخلوقات اللامتناهية،يتوفر فيها كلا السنخين من العلة،اما سنخ ما به الوجود فلأنها مترتبة علّيا.و اما سنخ ما منه الوجود، فلأننا نعترف ان اللّه سبحانه افاض عليها من رحمته.و ليست انها وجدت مستقلة عنه.

فالمستحيل هو الوجود الاستقلالي،اما الوجود المنتسب إلى اللّه سبحانه،فليسه.

ص: 40


1- من محاضراته التي املاها علينا في درس الفلسفة الاسلامية في كلية الفقه.منه دام ظله.

بمستحيل.

و من جملة براهين التسلسل ما كان يذكره السيد الأستاذ قدس سره:من ان المعلول إنما يكون واجب الوجود(بالغير)إذا انسد باب عدمه من جميع الجهات،فما دامت العلل متسلسلة لا ينسد باب العدم،بل يضعف تدريجا،و لكنه يبقى و لو بكسر ضئيل.

لكن هذا فرع ان يكون التسلسل غير منتسب إلى اللّه تعالى.و اما إذا انتسب إليه، فانه لا يكون محالا.لعدم ورود ذلك البرهان فيه.فان أية فقرة من التسلسل،يمكن ان ينسد باب عدمها بانتهائها إلى الواجب.

لا يقال:ان الواجب إنما هو في نهاية السلسلة،أي هو العلة الأخيرة،فانه يقال:ان نسبة العلة الإلهية إلى كل واحد من الفقرات نسبة واحدة.فان الخلق من ناحية إلهية، يخالف سنخا العلية من الناحية الطبيعية.فهي ليست متسلسلة بهذا المعنى،لأنه سبحانه يستوعب كل السلسلة،لا انه يقف في نهايتها و يقطع سلسلتها.

ثم انه-و لو من باب الاستطراد-يحسن ان نفهم ان ما قلناه عن الزمان ينطبق على المكان أيضا.فانه أيضا لا وجود له بالدقة،و إنما يؤخذ من مفهوم التقدم و التأخر و الفوقية و التحتية،المنتزع من واقع منشأ انتزاعه.

ان قلت:فان التقدم و التأخر،يحتاج إلى ظرف أوسع منه،كما قلنا في الزمان،فما هو الظرف هنا.

قلنا:احسن الأجوبة هو الطعن في الكبرى،و انه لا حاجة إلى ظرف،و إنما التقدم و التأخر،منتزع رأسا ما بين الطرفين أنفسهما.و ليس شيئا زائدا،لأننا اجبنا في جانب الزمان،بوجود أزمنة لا متناهية.لكننا لا نستطيع ان نفترض ذلك في جانب المكان،لأن المجردات ليس لها مكان،و السرمدية خالية من المكان جزما.نعم،تنتزع عن المجردات،ما هو مناسب لها،لا مفهوم المكان الخاص بالماديات.

و من هنا ينشأ عندنا توهم عدم الفرق بين المكان و الزمان.من حيث أنهما معا غير موجودين في الواقع.و كلاهما منتزعان عن التقدم و التأخر.

ص: 41

و يجاب عليه:

أولا:من زواية فلسفية،بان يقال:ان الزمان من مقولة المتى و المكان من مقولة الأين،و المقولات من ماهيات عالية و حقيقية،من قبيل كونها أجناس عالية.و من هذه الناحية يكون الزمان و المكان في نظرهم حقيقيين.

الا ان هذا بمجرده لا يكفي،لأن الأين و المتى،إنما هو مصدر اصطلاحي من، أين و متى.و هما اسما استفهام عن الزمان و المكان.و معه يمكن ان يقال:ان الأين و المتى مفاهيم انتزاعية منتزعة في طول فهم الزمان و المكان،و هي منتزعة من التقدم و التأخر،فلا يصلحان ان يكونا مقولتين ماهويتين في أنفسهما.

و حينئذ يقال:ان منشأ انتزاع التقدم و التأخر هو الوجود الحقيقي.و منه ينتزع مفهوم التقدم و التأخر.و منهما ينتزع في الرتبة الثانية معنى الزمان.و منه ينتزع في المرتبة الثالثة معنى الأين و المتى.فلا يبقى لها محصل حقيقي.

و كثير من الأمور الذاتية عندهم هي غير ذاتية بالدقة.بما فيها الأجناس و الفصول، و لا يعلم بحقائق الماهيات الا الخالق سبحانه و تعالى.

ثانيا:اننا كزمانيين و مكانيين،محتاجون إلى الزمان و المكان،فننظر إليهما من الداخل لنجد الفرق واضحا،من التقدم و التأخر الزماني و المكاني.

و اما لو ارتفعنا إلى عالم أعلى من الزمان و المكان،فلا نرى فرقا بينهما،و يكون انتزاع الزمان كانتزاع المكان لحاظيا.

و بتعبير آخر:ان الفرق بين المكان و الزمان،إنما هو إحساس ناشئ من التأثر بهما.

فإذا انتفت هذه الصفة في السرمدية،اتحدت النظرة،و اتحد مفهوم المكان و الزمان.لأن أساسهما سيكون واحدا،و من هنا قيل في العالم الأعلى لا زمان و لا مكان لتساوي الأشياء بالنسبة إلى المدرك الأعلى.

هذا حال الزمان عقلا.

و نتيجة هذه المقدمة الثالثة التي نظر فيها إلى الزمان من زواية عقلية،حيث

ص: 42

عرض الإشكال الرئيسي من زواية عقلية.فنقول:اننا بعد ان أنكرنا وجود الزمان يشتد الإشكال وضوحا،لأن مؤداه:ان الذات تزول بزوال المبدأ،أي الاتصاف الذي هو فرع وجود المتصف.فإذا لم تكن الذات المتصفة موجودة،فالوصف غير موجود.فضلا عن الحديث عن زوالها،فانه فرع وجودها.

اما المبدأ فموجود لا لكونه صفة لذات،بل هو قائم وحده.و قد وجد و انعدم، بصفته عرضا من الأعراض،أو حتى جوهرا من الجواهر.و لا يوجد ما يسمى بالزمان خارجا و لا واقعا.و إنما هو مفهوم انتزاعي ثانوي يكون في طول نسبة حدثين إلى بعضهما البعض.

و اما الحدث الواحد،فلا معنى للزمان فيه.و إنما نحس فيه بالزمان باعتبار قهرية الإحساس بنسبته إلى الأمور الأخرى.أو باعتبار الشعور العرفي بالزمان،كما سيأتي.

إذن،فذات الزمان غير موجودة لا حال التلبس و لا بعده.فيكون الإشكال أوضح ورودا،بناءا على هذه النظرة،و أولى بالخروج عن محل النزاع.

و لو تنزلنا و قبلنا وجود الزمان عقلا،كما قبله الأصوليون بشكل ساذج،أمكن ان نتصور تصورين لوجود الزمان لكي تترتب عليهما نفس النتيجة:

التصور الأول:ان نقبل وجود الزمان عقلا،مكونا من مجموع الآنات،لكن هذه الآنات غير متلازمة.و لا تشكل-عقلا-ذاتا مستمرة.و إنما كل لحظة قائمة بنفسها.

و في كل مجموع الآنات تتكوّن الحركة.إذن،فمجموعة من الآنات كانت متصفة بالمبدأ،فيكون زوال الذات بزوال المبدأ صحيحا.

التصور الثاني:ان نتصور للزمان وجودا واقعيا معلوم الحركة و الصفة،و يكون معلولا واقعيا للزمانيات،و في طولها.الا انه واقعي أولي و ليس انتزاعيا ثانويا.و مع ذلك لا وحدة بينها.نعم يكون الزمان واحدا بوحدة الحادث فيه.لأن الواحد يصدر منه الواحد.فإذا زال الحادث زالت العلة،فزال المعلول.

فعلى كل صورة لا يمكن بقاء الزمان عقلا،بعد زوال الاتصاف.

ص: 43

المقدمة الرابعة:ان ننظر إلى الزمان من زواية عرفية.

و لا شك انه من هذه الزاوية له ذات موجودة بغض النظر عن الزمانيات،أي الحوادث التي تقع فيه.بحيث يمكن ان نتصور زمانا خاليا من الحوادث.و هو من الناحية العقلية و هم-كما أسلفنا-إلاّ انه من الوضوح في الأذهان بمكان.

و ذات الزمان مقسمة عرفا،بثلاث تقسيمات:

التقسيم الأول:تقسيمها إلى الماضي و الحاضر و المستقبل.

التقسيم الثاني:تقسيمها إلى وحدات الزمان المعروفة،كالساعة و اليوم و الشهر.

التقسيم الثالث:تقسيمها بصفتها ظرفا للحوادث.فننظر إلى الزمان كظرف لحياة النبي(صلى اللّه عليه و آله و سلم)أو لمحاضرة دراسية.و حينئذ،و بهذه النظرة،نقسم الزمان إلى الحوادث الواقعة فيه،طالت أم قصرت،قلّت أم كثرت.

و الشيء الرئيسي من هذه التقسيمات هو الأول و الثاني.و كل منهما عرفي.و اما الثالث فسنؤجله إلى الاعتراضات الآتية.

و هنا تعترضنا عدة أسئلة ينبغي الإجابة عليها.

فاننا في التقسيم الثاني نلحظ أمرين:

أحدهما:ان الزمان موجود و طويل في نفسه بغض النظر عن تقسيماته،ما لم نصل إلى شيء غير عرفي كعشرة الآف سنة.اما في المدى المنظور،فهو ملحوظ عرفا.

ثانيهما:ان الزمان مقسم في نفسه إلى سنين و ساعات.

فأي من هذين اللحاظين ملحوظ أصلا،و الآخر بالتبع.فهل ان الزمان واحد مستمر، و آناته و أيامه من قبيل الأعضاء لجسم واحد.أو بالعكس بحيث يكون لكل يوم شخصية مستقلة و لكل سنة كذلك.و بضم هذه الشخصيات ضما مجازيا يحصل الزمان الطويل.

و الجواب ليس حديا و لا عقليا ثابتا،بل هو وجداني،و كلاهما ممكن.و في نظري ان الأوضح عرفا هو التقطيعات و ليس هو الزمان المتصل.الا ان نلحظ التقطيعات جزءا من وحدة زمانية اكبر،أي 30 يوما في شهر و 100 سنة في قرن.

ص: 44

و نتسائل ثانيا عن نسبة أحد هذين التقسيمين إلى الآخر.و هذا يكون باعتبارين.

الأول:ان تعيين الحاضر و المستقبل،هل يؤخذ بلحاظ اللحظات أو الوحدات.إذ ما معنى الحاضر و الماضي و المستقبل،هل بلحاظ آنات الزمان أم بلحاظ وحدات الزمان.

و على الثاني يعتبر اليوم كله حاضر و الشهر و السنة و القرن.فمثلا:أنا ادرّس و اخرج فيصدق ان يوم السبت يوم تدريس.فمتى يصبح ماضيا،هل بانتهاء الدرس.أم بحصول المغرب الذي هو نهاية اليوم؟

إذا لا حظنا الوحدات الزمانية فاللحظات متصفة،و انتهى الزمان بانتهاء اللحظات.

و إذا بدلنا اللحظات و قلنا ان وحدة الزمان هي اليوم،فالحاضر بالنسبة إلى هذه الوحدة هو النهار و اليوم.و هو المتصف بالتدريس.و هو لا زال مستمرا.اما ان نلحظ كلا اللحاظين فهذا تهافت.

الثاني:ان التقسيم الثاني هل هو منوط بكونه حاضرا في التقسيم الأول.بحيث لا يمكن لحاظه في الماضي و المستقبل.فمثلا عند ما يصبح يوم الجمعة أو شهر رمضان ماضيا هل يفقد شخصيته المستقلة؟الظاهر انه لا يفقدها.بل حتى في المستقبل حيث يقال عرفا:افعل كذا في شهر محرم الآتي أو في الجهة الآتية.و هكذا.

لكن هذا مقيد بالمقدار العرفي،يعني اكبر حقبة زمانية يفهمها العرف،و هو العمر أو القرن.و من هنا يجد إجمالا و غموضا في الماضي السحيق و المستقبل السحيق.

إذن،فينبغي التفصيل في مقام الإجابة على هذا السؤال،بين الحدود التي يفهما العرف،و الحدود التي لا يفهمها.

المقدمة الخامسة:و هي النتيجة.

حيث نعرض فيها عدة اطروحات محتملة لإمكان القول ببقاء ذات اسم الزمان بعد زوال المبدأ،و لكن بعد تذكر كبريين نضمهما معا:

الأولى:ان اللغة عرفية لا دقية،و الشارع أيضا خاطبنا بصفته عرفيا لا دقيا.

الثاني:ان الشيء العرفي نقبله و ان كان محالا عقلا،ما دام تطبيقه ممكنا.فإذا ثبت

ص: 45

عرفا ان ذات الزمان تبقى عرفا،بعد زوال التلبس،فهي باقية،و ان منع العقل.

فإذا تم ذلك،أمكن القول في اسم الزمان ببقاء الذات بعد زوال المبدأ،غاية الأمر ان لذلك عدة اطروحات محتملة،منها:

الأطروحة الأولى:و هي المشهورة و الارتكازية عند الأصوليين.و التي تؤخذ عندهم و كأنها مسلمة الصحة:

ان الزمان المتصف هو وقت حصول الحادث فقط،لا قبله و لا بعده،و ان قل.فإذا زال الحادث زال الزمان.

و هذا يعني أحد أمرين:

الأمر الأول:اننا قسمنا الزمان إلى وحدات لحظات فقط.فإذا زالت اللحظات المتصفة زالت الذات معها.

نعم،يبقى الزمان بمعناه الممتد الخالي من الوحدات،فيمكن ان نقول فيه ببقاء الذات بعد زوال المبدأ.

فان قلت:ان هذا التصور يعني:ان اللحظات هي المتلبسة و قد زالت.فتصور:ان الجزء الآخر مستمر و موجود،إنما هو تهافت في اللحاظ.

قلنا:ان التهافت في اللحاظ يكون فيما إذا أخذنا وحدة زمانية أوسع.أي بدلنا تصور اللحظات إلى الساعة أو اليوم مثلا.و اما التبديل من المصداق إلى الكلي فليس تهافتا.لأن الزمان المستمر غير الملحوظ فيه الوحدات،إنما هو بمنزلة الكلي.

فالزمان الذي وقع فيه الحادث نفسه،و هو اللحظات.و الزمان الكلي ما يزال ساري المفعول،و من هذه الناحية فالذات مستمرة.

الأمر الثاني:اننا قسمنا الزمان إلى تقسيم آخر غير التقسيمين الأولين في المقدمة الرابعة.و هذا ما وعدنا به.و هو لحاظ انشغاله بالحوادث.فتأخذ زمانها كوحدة زمانية.فإذا زالت الحادثة زالت الذات معها،الا الذات العامة المستمرة.بعد دفع الإشكال السابق.

الا ان هذا التقسيم غير عرفي.و هو التقسيم بلحاظ الحوادث،لأنه يكون للزمان

ص: 46

عندئذ تقسيمات متداخلة كثيرة،في حين ان التقسيمات العرفية طولية غير متداخلة بهذا النحو من التداخل.

الأطروحة الثانية:ان الزمان المتلبس هي الوحدة الزمانية المتعارفة،كاليوم أو الشهر،من حين وقوع الحادث إلى نهاية اليوم أو إلى نهاية الشهر.

و هذا هو الذي يظهر من كلمات السيد الأستاذ في التعليق على كلام المحقق العراقي.

و هذا أيضا قابل للمناقشة لأننا في الحقيقة نكون قد جمعنا في اللحاظ بين اللحظات و الأيام أو بين وحدتين زمانيتين مختلفتين.و هذا تهافت في اللحاظ.

و يوضحه ما سنقوله في الأطروحة الثالثة،من اننا إذا لا حظنا وحدة زمانية واحدة، كانت هي المتصفة حتى قبل حصول الحادث.فاليوم كله هو المتصف عرفا.

الأطروحة الثالثة:ان المتلبس هو الوحدة الزمانية كلها،و بذلك تفترق عن الثانية.

فهنا يلحظ اليوم-مثلا-من أوله إلى آخره،هو زمان وقوع الحادث،حتى قبل وقوع الحادث فعلا.و لذا نقول:انه وقع بتاريخ كذا.

و ليس هذا من إطلاقه عليه قبل حصوله،ما دام هو في علم اللّه متلبسا،و هذا متصور عرفا.

اما إذا قلنا ان الوحدة متصفة،الا ان الجزء السابق على الحادث غير متصف،فهذا يعني اختلاف اللحاظ،و اننا أسقطنا هذه الوحدة عن اللحاظ و نقلنا اللحاظ إلى وحدة أخرى.هذا خلف.

فان قلت:ان هذا يلزم منه زوال الذات بزوال التلبس.و ذلك بعد انقضاء الوحدة و هو اليوم،مثلا.

قلنا:يمكن ان يجاب بعدة أجوبة:

أولا:ان نجعل الوحدة اللاحقة لها،أو الوحدة الأكبر منها ذاتا باقية عرفا.فإذا كانت الوحدة المتصفة يوما فنلحظ أياما متتابعة فتكون الذات محفوظة في الوحدة الأخرى.

الا ان هذا غير تام،باعتبار التهافت في اللحاظ.لأنه خلف لحاظ ان الوحدة

ص: 47

المتصفة هي هذه.و الوحدة الثانية و ان كانت مثلها الا انها ليست عينها.

ثانيا:ان ننظر إلى وحدة أوسع.فكما ان الحادث وقع في اليوم الفلاني.فكذلك هو واقع في الشهر الفلاني أو السنة.

و هذا ليس تهافتا في النظر،لأننا لم ننظر إلى تقسيمات جديدة في عرض واحد.

لكن تبقى المشكلة الأساسية هي نفسها.و ذلك لوضوح اننا إذا كبرنا الذات،فقد كبرنا الاتصاف معها.فيأتي الإشكال على الذات الكبيرة،أي انه ما دامت الذات الكبيرة موجودة فالاتصاف موجود.و إذا زالت،فقد زالت الذات و الاتصاف.فلم نعمل شيئا.

ثالثا:ان ننظر إلى الزمان المستمر الخالي عن الوحدات.فان الوحدة إذا انقضت، نبقى نلحظ الذات المتصفة خارج الوحدة،و هي ذات تبقى بعد زوال الاتصاف.

و قد عرفت ان كلا التصورين للزمان مفهوم عرفا،نعم،قيدناه بان لا يكون سحيقا،و إنما منظور عرفا.

و هذا ليس تهافتا في اللحاظ لأنه انتقال من الوحدة إلى العام و هما ليسا متغايرين عرفا.

فان قلت:فان المتلبس حقيقة هو الذات العامة و هي باقية.

قلنا:نعم،و لكن العرف يوافق على ان المتلبس إنما هو لخصوص اليوم،أو نحوه.

فان قلت:ان لحاظ الزمان العام لحاظ غير عرفي.قلنا:بل هو عرفي في حدود ما هو المنظور لهم.

فان قلت:فانه ينافيه وجود وحدات أخرى ملحوظة عرفا.

قلنا:يمكن ان نلحظ الوحدات المتجددة بلحاظين:استقلالي و اندكاكي في المجرى العام للزمان.فان لا حظناها بالاستقلال،كان المبدأ و الذات زائلين.و ان لا حظناها ضمن المجرى العام للزمان،كان المبدأ زائلا و الذات باقية.

فان قلت:فان الأول أوضح في ذهن العرف،فيكون هو الأولى في الأخذ به.

قلنا:هذا يبرر الإمكان لا يبرر الفعلية.

ص: 48

فبقاء الذات متوقف على أمرين:الأول:التعدد في اللحاظ،بمعنى لحاظ وحدتين في الزمان.الثاني:لحاظ الزمان العام بعد انقضاء الذات المتلبسة.و تكون الوحدات بمنزلة المصاديق لها.و يكون الإطلاق الحقيقي على الذات إطلاقا لحاظيا.

و على أي حال،فهذه النظرية تختلف عن المشهور بأمور:

الأول:تحديد الذات المتلبسة بالوحدة الزمانية لا باللحظات.

الثاني:تصور إمكان بقاء الزمان ذاتا بعد زوال المبدأ.

الثالث:ان الذات متصفة بالمبدأ حتى قبل وقوع الحادث،ما دامت الذات وحدة زمانية واحدة.و إنما يكون الإطلاق المجازي قبل حصولها.

الأطروحة الرابعة:و هي مبتنية على التقسيم الثالث للزمان و هو التقسيم بلحاظ الحوادث.فكلما حدث حادث كانت حقبة زمانية.

و هي افضل من الأطروحة السابقة،من جهة عدم كون الوقت السابق على الحادث متصفا.و لكنهما يشتركان في ورود الإشكال الرئيسي،و هو زوال الذات مع المبدأ.و الدفاع عنهما واحد.بلحاظ الزمان المستمر كذات باقية خالية عن التلبس.فهما ينجحان معا أو يفشلان معا.

الا ان لهذه الأطروحة نقطتي ضعف أخريين:

الأولى:انها غير متصورة عرفا،فان هذه الحوادث متداخلة،مما يخل بفهمها العرفي.

الثانية:انه متعدد،في حين ان التقسيمات الأخرى خيط واحد مقسم و متسلسل.

فبأي الحوادث نأخذ لتقسيم الزمان مع ان هنا تسلسلات متعددة.

الأطروحة الخامسة:اننا نلغي أي تقسيم للزمان،و ننظر إلى الزمان العام،و نعتبره هو المتصف.و يبقى بعد زوال المبدأ عرفا.فهي ليست كالاطروحات السابقة من حيث زوال الذات،عنه زوال الاتصاف.

و هذا تماما مثل(زيد)المستمر الذي يتصف بالقيام تارة و بالقعود أخرى.و له

ص: 49

زمن ما قبل الاتصاف و زمن ما بعد الاتصاف.

و كذلك تمتاز عن الأطروحة الثالثة بان الزمان السابق على الحادث،و لو بلحظة غير متصف.

و ليس هذا كما قال الشيخ الأصفهاني(1) قدس سره-فيما مر ذكره و الرد عليه-:

بأنه نقطة في صخرة أو خشبة.لأن اتصاف الزمان بكله لا ببعضه.كما لو صبغت الخشبة كلها حمراء ثم كلها صفراء.فيأتي النزاع ان الخشبة بعد صبغها صفراء هل يصدق انها حمراء،باعتبار زوال التلبس مع بقاء الذات،فالزمان من هذا القبيل.

الا ان الإشكال في هذه الأطروحة من ناحيتين:

الأولى:إلغاء تقسيماته كلها.أو قل:إلغاء التقسيم الأهم و هي الساعات و الأيام و السنين.و إذا كان هذا التقسيم هو الأصل أشكل فهم هذه الأطروحة حتى عرفا.فان الحادث واقع عرفا في وحدة زمانية لا في الزمان المطلق.

الثانية:ان الذات المتصفة تبقى مستمرة لا تزول،لكي تقع محلا للكلام.

اتضح من كل ذلك:ان بقاء الذات الزمانية متوقف على ما سميناه التهافت في النظر،بحيث نحسب الزمان المتصف بحساب الثواني و الآنات.أو بحساب التقسيم الثالث،و نحسب استمرار الزمان بحساب آخر كالتقسيم الثاني أو في الزمان المستمر.

و من الممكن القول:بان هذا الإشكال عقلي و ليس عرفيا.في حين اننا نتكلم عن فهم العرف لا العقل.و معه لا يكون تعدد النظر و تهافته محذورا.

و معه يمكن الأخذ بأوضح الاطروحات،و هي التقسيم الثاني.الا اننا لا نعتبر اليوم كله متصفا بل خصوص وقت وقوع الحادث.و يكون استمرار اليوم من قبيل بقاء الذات بعد زوال المبدأ.و هذا ما يقبله العرف عادة و لا يلحظ فيه تهافتا في النظر.

فان قلت:فانه لا تعين لليوم،بل لا تعين لهذا التقسيم أصلا.6.

ص: 50


1- صفحة 26.

قلنا:نعم.هذا يختلف باختلاف اللحاظ أو التقطيع الزماني الملحوظ.فقد تكون الذات الباقية بعد زوال المبدأ هو اليوم أو هو الشهر أو هو السنة أو هو الدهر.كله ممكن عرفا،فارتفع الإشكال الأصلي.

ص: 51

2-اسم الآلة:

ذكر المحقق النائيني(قدس سره)،ان أسماء الآلة خارجة عن حريم النزاع، كالمكنسة و المفتاح،لأنه يصدق على الذات حقيقة قبل فعلية الآلة و بعدها و من أول وجود الذات إلى نهايته.و يبقى صدقها حقيقيا إلى ان تنكسر و تزول الذات.

فيكون زوال الصفة و وجودها،مع وجود الذات و زوالها.فلا يكون ركن المشتق الأصولي فيها متوفرا.

مضافا إلى انهم تسالموا على ان إطلاق الصفة قبل التلبس مجاز،مع اننا نرى ان إطلاق اسم الآلة حقيقي قبل التلبس و بعده.

و قد أجاب الأستاذ المحقق(1) ،بما اصبح مشهورا بين المتأخرين من اختلاف أنحاء التلبس،فان التلبس على أربعة أنحاء:

1-الفعلية كالمشي.

2-الشأنية كالمثمرة.

3-الحرفة كالنجار.

4-الآلية كالمكنسة و المفتاح.فقد تكون الصفة صادقة على نحو دون آخر، فما دام المفتاح قابلا للفتح فهو مفتاح.و ان لم يتلبس فعلا بالفتح.و ما دامت مبادئ هذه الأمور موجودة،فالتلبس موجود حقيقي.

و لنا على ذلك عدة تعليقات:

أولا:انني اعتقد ان هذه الأقسام جميعا ترجع إلى قسمين:الفعلية و الشأنية، و الأقسام الأخرى كلها مندرجة في الشأنية.بل يمكن القول انه حتى الفعلية ترجع إلى الشأنية،باعتبار فعلية الشأنية.فتجمعها الشأنية،و هي على أقسام كثيرة لا ثلاثة كما قيل:

ص: 52


1- المحاضرات:250/1.

1-الصلاحية كالمفتاح.

2-الملكة كالمجتهد.

3-النوعية كالناطق.

4-الجنسية كالنامي.

5-الحالة كالممطرة.

6-الحرفة كالنجار.

7-المكان كالمسجد.

8-الزمان كالمجمع.كما في قوله:جعلته عيدا و مجمعا للمسلمين.

و يقابلها شيء واحد هو الفعلية المطلقة،أي الفعلية بالمعنى الأخص.أي قيام نفس المبدأ و تزول بزواله.

ثانيا:ان الاختلاف ما بين الفعلية و الشأنية،هل هو بالوضع أو باللحاظ.

إذ تشعر بعض عبارات(1) المحاضرات:انه بالوضع.مثلا وضع الحداد لما هو شأني و وضع القاعد لما هو فعلي و المجتهد لما هو ملكة.و هكذا.و في الحقيقة:ان هذه الألفاظ الشأنية،ليست كلها بالوضع بل باللحاظ،و هو لحاظ عرفي متعارف،و من هنا فهمناه من الألفاظ.و يكون هو الذي يخطر في الذهن ابتداءا،بالاقتران الكامل.

ثالثا:انه قدس سره بعد ان تصور ان الأمر راجع إلى الواضع تذبذب:هل هو وضع المادة أو الهيئة أو بهما معا.

قال قدس سره:ان بعضه مربوط بوضع الهيئة،كالمفتاح و المكنسة،فان المادة فيها ظاهرة بالفعلية و الهيئة فيها ظاهرة بالشأنية.فهنا ظهور الهيئة كالقرينة المتصلة على صرف ظهور المادة في الفعلية.و لم يمثل للبعض الآخر المربوط بالمادة.و نمثل له هنا بأمثلة تكون للمادة فيها أثر.كما في الصنعة كالحداد و النجار،حيث يدعى وضع المواد لها.ق.

ص: 53


1- المصدر السابق.

و الذي يبدو للنظر:انه ليس من الهيئة و لا المادة.اما المادة فموضوعة للطبيعي بغض النظر عن الفعلية و الشأنية و اما الهيئة فموضوعة لإفادة النسبة كالفاعلية في اسم الفاعل و المفعولية في اسم المفعول.فمن أين جاءت هذه الصفات التفصيلية.

و جواب ذلك بأحد شكلين:

الشكل الأول:إنكار دخل الوضع في ذلك،و إنما مرجعه إلى اللحاظ،أي لحاظ الحصة.لأن الهيئة و المادة معا موضوعتان للجامع بين الفعلية و الشأنية.و استعمال اللفظ العام في إحدى حصتيه جائز بل حقيقي.و هذا الاستعمال إنما يكون باختلاف اللحاظ كما قلنا.

الشكل الثاني:انك ان أبيت الا دخالة الوضع،فيقال:ان المجموع من الهيئة و المادة،وضع للشأنية أو الفعلية،أو ان الوضع الأول كاف للفعلية،و لكن نحتاج في الشأنية إلى وضع جديد.اعني استعماله مجازا أولا بعلاقة الأول و المشارقة،ثم حصل وضع تعيني جديد في المعنى الجديد.

و أوضاع اللغة غالبا عرفية اجتماعية،ففي يوم ما،لم يكن هناك نجار،فسمي نجارا مجازا،لأن استعمالها ابتداءا لغير المتلبس فكان مجازا ثم اصبح مجازا مشهورا، ثم حصل فيه اقتران كامل،فاصبح حقيقة فيه.

و المجتهد ابتداءا،وضع لمن يمارس عملية الاجتهاد،فلو لم يمارس و بقيت الملكة فهو مجاز ثم اصبح مجازا مشهورا،ثم حقيقة،و هكذا.

ان قلت:ان هذا الوضع تفسير للشأنية،و حينئذ يكون استعمال المشتقات في الفعلية استعمالا في غير ما وضع له فهو مجاز.

قلنا:ان الفعلية إنما هي مصداق للوضع الأصلي،و هو استعمال حقيقي.و الشأنية مصداق للوضع الثالث الجديد و هو وضع المجموع.

ان قلت:انه على هذا يصبح مشتركا لفظيا،و هو خلاف الأصل.

قلنا:ان هذا الاختلاف غير متعلق بالوضع.فالوضع الأول للمادة بحيالها و للهيئة كذلك.اما الواضع الجديد فهو للمجموع.و المشترك اللفظي لا يكون الا إذا وضع

ص: 54

اللفظ بنفسه مرتين.

و توجد هنا نقطتان مختصرتان يحسن التعرض لهما.لأن جملة من اطلاقات الصفات الشأنية تقتضيها،كالحداد و نحوها،خاصة كما في الأمثلة لكونها حرف و صناعات.

الأولى:انهم و ان خصوا النزاع باسم الفاعل،بعنوان كونه على وزن(فاعل)الا ان من يتخيل ان النزاع مختص به فهو ضيق في النظر.فانه يشمل امورا أخرى أهمها الصفة المشبهة باسم الفاعل،و اغلبها كذلك،فتكون مندرجة في محل النزاع.من قبيل(فعال).

ما لم تكن الصيغة دالة على بقاء الصفة طيلة وجود الذات،كطويل و قصير.و قد يقال في مقابله:ان هذا إنما استفيد من الهيئة لا المادة.فالسمن و الضعف يرد فيه النزاع.

الثانية:ان بعض صيغ الصناعات ليست اشتقاقية،و إنما هي موضوعة للدلالة على الحرفة رأسا.و ان ادخلوها سهوا أو جهلا أو نسيانا في محل النزاع.كالحداد،فانه ليس من(الحد)لكي تعني قاطع الحديد.و البزاز ليس من(بز)لكي تعني قطع القماش.و تعم الحطاب و الحشاش كذلك.

فهذه ان دخلت في محل النزاع،فليس من جهة فعليتها المطلقة،لعدم دخولها في الاشتقاق بل من جهة شأنيتها.

استطراد:في اسم المكان

بمناسبة الكلام عن أسماء الآلة و أنحاء تلبسها بمبادئها و صفاتها.نقول:ان نفس الشيء آت في أسماء المكان.فقد تكفي الشأنية لصدق التلبس حقيقة،كالمسكن و المطبخ فتصدق قبل الفعلية،و لكن لا تصدق قبل الشأنية الا مجازا.و بعد زوالها تكون محل الخلاف.

كما ان بعض المبادئ يؤخذ فيها الفعلية،كالمأكل و الملبس و المقتل.و معه يأتي كلام الشيخ النائيني قدس سره،من انه قبل الفعلية يكون إطلاقها مجازا.و بعد انقضائه

ص: 55

يكون محلا للخلاف في هذا الباب.

و الأمر نفسه بالنسبة الى الافراد و صفاتهم.فتارة تفرض فيها الشأنية،و أخرى تفرض فيها الفعلية.حسب الذوق العرفي،فالصفات الشأنية كالكاتب و المفكر، و الفعلية،كالقاتل و الضارب.و ان كان بالدقة يمكن أخذها جميعا باللحاظين.

و لكن قد يقال:انها إذا لو حظت الشأنية،فانها تبقى مع الذات و تزول بزوال الذات و لا تبقى بعدها.ما لم نتصور فردا سقط عن الشأنية لمرض و نحوه.و ان أبيت فننقل الكلام إلى الكلي.

و سيأتي مزيد بيان عن ذلك عند ما نتكلم عن أنحاء التلبسات.

ص: 56

3-اسم المفعول

قال الشيخ النائيني قدس سره،بخروج اسم المفعول عن محل النزاع في المشتق.

لأن هيئته وضعت للدلالة على وقوع المبدأ على الذات.و هذا المعنى مما لا يعقل انقضاؤه فيه.ضرورة ان الشيء لا ينقلب عما وقع عليه.فيصدق دائما عليه انه مضروب -مثلا-و ان زال عنه التلبس.

و أجاب الأستاذ المحقق(1) ،بأمرين أحدهما نقضي و الآخر حلي:

الأمر الأول:النقض بأسماء الفاعلين.فانها بعد وقوعها فعلا أو شأنا لا تكون قابلة للزوال أصلا الا بزوال الذات.فيصدق عليه انه ضارب ما دام حيا.لنفس التفسير العقلي الذي ذكره،و هو ان الشيء لا يعقل ان ينقلب عما وقع عليه.غاية الأمر ان قيام المبدأ بأحدهما صدوري و بالآخر وقوعي أو حلولي.

الثاني:انه قال:اننا قلنا في مبحث الوضع و غيره:ان أسماء الفاعلين و المفعولين، لم توضع بازاء الموجودات الخارجية بما هي خارجية،لاستحالة حضورها للذهن.

و إنما وضعت للأعم،أي للماهية الأعم من الخارجية و الذهنية.

و من هنا قد يكون للموضوع مطابق و قد لا يكون.فالمضروب قد يكون موجودا و قد لا يكون.فما دام المبدأ-و هو الضرب-موجودا يصدق الحمل،و إذا زال المبدأ كذب الحمل.أي انه عند انقضاء المبدأ يدخل في محل النزاع في صدق المشتق بعد الانقضاء و عدمه.

و نجيب إلى النقض تارة و على الحل أخرى.

و جوابنا على النقض:ان الإشكال المذكور يصدق على اكثر المشتقات.فإذا أخذناه بنظر الاعتبار،فلا بد من سد باب المشتق كله أو أكثره،لعدم توفر الشرط الثاني

ص: 57


1- المحاضرات:252/1.

و هو انتفاء الصدق مع بقاء الذات.بل يبقى الصدق ما دامت الذات،و إنما ينتفي بانتفائها.

و هذا يصدق أيضا على الفعل الماضي،فمن(ضرب)فسوف يصدق عليه باستمرار انه ضرب.و يصدق على الفعل المضارع،فلو كان في علم اللّه انه سيضرب و لو بعد سنة،فمن الآن يصدق عليه انه(يضرب).و كذلك يصدق على اسم الفاعل و اسم المفعول كما مر.

بل يصدق على اسم المكان و الزمان أيضا،فنفهم إلى الآن بل إلى الأبد ان كربلاء هي مقتل الحسين(عليه السلام)و ان يوم عاشوراء كذلك.

نعم،صدقه على اسم الآلة محل نظر،و خاصة إذا قصدنا الشأنية.لأن المكنسة مثلا،قد تسقط عن شأنية الكنس و هي موجودة.

فهل يقبل الأصوليون،بان يكون باب المشتق خاصا باسم الآلة،أو ينبغي سده لو كان إشكال الشيخ النائيني ثابتا.

و ما ذكره الأستاذ المحقق من الحل لا يكفي،لأنه قال:فالمضروب قد يكون موجودا و قد لا يكون،فيقع النزاع انه موضوع لخصوص المتلبس أو للأعم.

و من الواضح الفرق بين الموجود و المتلبس.فإذا زال وجوده زال تلبسه،و إذا زال تلبسه أمكن استمرار وجوده.فالتلازم بالاقتضاء،من طرف واحد.و المبحوث عنه هو صورة زوال التلبس مع بقاء الوجود.و في هذه الشبهة يفترض عدم ذلك و استمرار الصدق ما دامت الذات موجودة.

فالقول بان المضروب قد لا يكون موجودا في الخارج لا يحل الإشكال.و إنما لا بد ان يقول:ان المضروب قد لا يكون متلبسا بالصفة في الخارج،فيكون الكلام مصادرة على الإشكال،لأنه يقول باستحالة ذلك مع بقاء الذات.

و إنما ينبغي النظر إلى الحل من زوايا أخرى ضمن مرحلتين:

المرحلة الأولى:اننا لا ينبغي ان ننظر من ناحية عقلية،بل من ناحية عرفية.فان الصدق العقلي يخرجه عن حيز أوضاع اللغة لا محالة.

ص: 58

بل قلنا:ان الفهم العرفي ما دام عمليا،فانه يمكن التمسك به،بل يتعين و ان كان محالا عقلا.

و معه،فلو فرضنا ان الصدق الدائم المدعى لاسم المفعول،أو لاسم الفاعل،إنما هو صدق عقلي و ليس عرفيا،كما لا يبعد،فانه لا يكون دخيلا في اللغة.

المرحلة الثانية:ان هناك ثلاث مراحل من التلبس لا ينبغي الخلط بينهما،لا بد من عرضها لنجد أيا منها دخيل في صدق المشتق:

1-الفعلية المطلقة.

2-الشأنية.

3-صرف الاتصاف و التحقق،بحيث يكون التلبس آنا ما علة محدثة للصدق على الذات مهما طال الزمان.

مثاله:القارئ.فان الإنسان إذا كان أمامه كتاب يقرؤه،فهذا من النحو الأول.و ان كان بلحاظ قابلية القراءة فهو من القسم الثاني.و اما الثالث،فباعتبار انه يصدق عليه انه قارئ ما دام قد قرأ في يوم ما كتابا أو قرآنا.

و لا شك اننا نجد عرفا و لغة:ان الأمرين الأولين،دخيلان في المعنى الموضوع له،دون الثالث،لصدق السلب.فيكون استعماله مجازا.لأنه ليس بقارئ لا فعلا و لا شأنا.

لأننا لا نقصد هذا المعنى على أية حال.

و بذلك يحصل لنا وجه آخر من الفرق،و هو ان القسم الثالث يحتاج إلى ضم عناية لصحة استعماله،بخلاف القسمين الأولين،فالقسم الثالث يصدق بلحاظ زمانه و مكانه فيكون لحاظه لحاظ التلبس.و اما إذا قصدنا الفعلية،فهو مجاز قطعا باعتبار نحو من العلاقة بين الماضي و الحاضر.

فان قلت:فان هذا المورد الذي ذكره الشيخ النائيني إنما هو من المنقضي عنه المبدأ.فالبرهان على مجازيته،إنما هو برهان على مجازية المشتق في المنقضي،و تعين الوضع لخصوص المتلبس،و ليس وجها جديدا.

ص: 59

و جوابه على مستويين:

المستوى الأول:ان يقال:انه منه فعلا،و لكن الشيخ النائيني قدس سره،حسب استعماله حقيقيا قطعا،فأخرجه عن محل النزاع.في حين اننا برهنا على مجازيته.لأننا سوف نبرهن على ان المشتق موضوع لخصوص المتلبس.

و معلوم ان عنوان المنقضي عنه المبدأ،لا يتحدد بزمان معين،بل يبقى صادقا ما دامت الذات موجودة.فإذا قلنا بالوضع للأعم،كان الاستعمال كله حقيقيا،الا ان الشيخ النائيني قدس سره تخيل كونه حقيقيا بغض النظر عن ذلك.

المستوى الثاني:في إبراز بعض الفروق بين مورد الإشكال في كلام الشيخ النائيني و مورد النزاع،و هو المنقضي عنه المبدأ.

لأنه قد يقال:ان بينهما عموما مطلقا.و لعله في بعض مستويات التفكير يقال:ان بينهما عموما من وجه.

فمن جملة الفروق التي يمكن عرضها ما قلناه من ان الصدق المطلق لصرف الاتصاف موجود في الفعل الماضي و الفعل المضارع.و هما خارجان عن محل النزاع في المشتق.

نعم،هي صادقة على اسم الفاعل و اسم المفعول.و هو مورد الاجتماع.

و الفرق الثاني:ان الصدق لصرف التحقق و الاتصاف موجود كما أشرنا قبل الاتصاف.كما قلنا في الفعل المضارع.فلو كان في علم اللّه يكتب بعد عشر سنين، فيصدق عليه من الآن انه يكتب.

و الصدق قبل الاتصاف قالوا عنه انه خارج عن محل النزاع المتعين فيما زال عنه المبدأ،و دخوله لم يلتفت إليه الشيخ النائيني نفسه.

و الفرق الثالث:اننا يمكن ان نلتفت إلى ان الصدق المستمر لصرف الاتصاف، و هو مورد كلام النائيني،فرع الفعلية المطلقة أي الحقيقة.فإذا كتب الإنسان يبقى اسمه كاتبا و إذا ضرب فهو يبقى مضروبا.

ص: 60

فالعلة المحدثة لهذا الصدق هو الفعلية المطلقة لا الشأنية.فلو كان كاتبا بالقوة و زالت شأنيته،فهل يصدق انه كاتب بالقوة،من زواية فكرة الشيخ النائيني؟كلا.في حين ان مورد النزاع يشمل كلا الحقلين،و ان المنقضي عنه المبدأ هو الفعلية و الشأنية معا.اما فكرة النائيني فتصدق على الفعلية فقط.

و حينئذ نستنتج من الفروق انه إذا ثبت فرق بين تفكير النائيني و مشهور الأصوليين،فلا ملازمة بين هذا و هذا.فحتى لو قلنا بان المشتق موضوع للأعم،و ان الاستعمال لحال الانقضاء حقيقي،فلا يلازمه ان نقول:ان الصدق المطلق استعمال حقيقي.بل يمكن ان يكون مجازا،كما برهنا خلافا للشيخ النائيني قدس سره.

و هنا نقول:انه حقيقي بعد الانقضاء الا في مورد اجتماعهما،ما دام بينهما عموم من وجه.فيبقى النزاع في صدق اسم الفاعل صدقا مستمرا و صدق اسم المفعول صدقا مستمرا.

فإذا قلنا بان المشتق موضوع للأعم من المتلبس و غيره،فهذا استعمال حقيقي.

و اما إذا قلنا بكلا الفكرتين بالمجازية،فحينئذ يكون مورد الاختلاف و الاتفاق مجازا،ما لم يصدق صدقا حقيقيا على المتلبس بالمبدأ.

و هنا أجاب السيد الأستاذ(1) على إشكال الشيخ النائيني قدس سره:بأن أسماء المفعول ليست كلها كذلك.فان مثل:المعلوم و المطلوب و المصبوغ لا تصدق بعد الانقضاء.فانه إذا زال العلم بالشيء أو طلبه،فلا يبقى اسمه كذلك.و إذا كان هذا محسوسا في مضروب مثلا،فلعله لخصوصية في مادة الضرب،لذلك نحسّها في اسم المفعول و اسم الفاعل.

و يجاب عليه:

أولا:اننا لا نعتقد ان لمادة الضرب خصوصية زائدة عن المواد الأخرى.و من غير المحتمل لغة ان مادة الضرب قد قيدت بنحو من أنحاء الاستمرار بالصدق.و يشهد1.

ص: 61


1- مباحث الدليل اللفظي:367/1.

لذلك ما سمعناه من وجود نفس المعنى في غيرها من أسماء الفاعل و غيره،كما سبق.

ثانيا:كان الأولى به ان يقول عارضا الجواب بهذا الترتيب و هو ان ينكر ان بعض المشتقات صادقة صدقا دائميا،كالتي مثل بها.و حينئذ فينبغي ان يقول:ان الأفعال كلها على نسق واحد متشابه في اللغة.

و لما يكن لبعضها هذه الخصوصية،إذن،فهذا الصدق الدائمي المتوهم مجازي و ليس حقيقيا.

و حينئذ يكون للشيخ النائيني ان ينكر ان بعض المشتقات لا تصدق صدقا دائميا، إذ ان جميع المشتقات تصدق صدقا دائميا كما سمعنا،فينسد هذا الجواب.و نحتاج إلى ضم وجدان آخر،للبرهان على ان الأفعال لا تصدق صدقا دائميا.

ص: 62

الفصل الثالث خروج المصادر و الأفعال عن محل النزاع

اشارة

اما المصادر فغير داخلة لعدم تحقق الشرط الأول،و هو إمكان الحمل و الجري على الذات.

و الحمل إنما يصدق مع الهوهوية و مع نحو من أنحاء الاتحاد،اما مفهوما أو مصداقا.مع ان بين المصادر و الذوات مباينة،لأن المصادر وضعت للدلالة على المبدأ أو الطبيعة المباينة للذات خارجا،بحيث لا تقبل الحمل عليها.

و بحسب الفهم العرفي لا شك في المجازية في الحمل،و إذا تأكد انه مجاز في مرتبة سابقة أو كان ذلك واضحا،كان الأمر خارجا عن محل النزاع.أي انه حتى في وقت التلبس يكون مجازا،نحو زيد عدل.حتى في وقت عدالته فضلا عن زمن الانقضاء.فلا معنى للدخول في محل النزاع.

بل الأمر اكثر من ذلك،فان الحمل كثيرا ما يكون مستقبحا.فلا يقال:زيد ظلم أو زيد قوم أو زيد جلوس.فانه غلط و قبيح.

و لكن يمكن المناقشة:بأننا لو لا حظنا الدلالة المطابقية لكان الأمر كما قيل.الا اننا لو لا حظنا القصد الأصلي و الأساسي و هو الاتصاف بالعدالة دخل في محل النزاع.

فيجاب بان مهمة اللغويين و الأصوليين هي ملاحظة الحمل الظاهري في المنطوق أي الدلالة المطابقية لا المقصود اللبي و قد اعترفنا بالمجازية من هذه الجهة.

فان قلت:فانه حمل مجازي على كل حال،حتى حال الاتصاف فضلا عن غيره.قلت:

في حال الاتصاف يكون مجازا واحدا،و في غيره يكون من سبك مجاز في مجاز.

ص: 63

فلو قلنا بالوضع للأعم،كان مجازا واحدا لا مجازين.و هذا صحيح،الا ان مبحث المشتق مبني على الاستعمال الحقيقي لا المجازي.

فان مثل هذا التدقيق لا يقبله الأصوليون لما عرفنا من ان المهم هو الحمل الحقيقي.فهم لا يقبلون المجاز الواحد فضلا عن الاثنين أي سبك المجاز في المجاز.

و يهوّن الخطب ان سائر المصادر يقبح حملها عدا القليل النادر جدا،كالعدل، فينبغي القول بخروج المصادر عن محل النزاع.

و اما الأفعال فقد قالوا-كما في المحاضرات(1)-:انها وضعت للدلالة على نسبة المادة إلى الذات على أنحائها المختلفة باختلاف الأفعال من الماضي و المضارع و الطلب و غيرها.

فالفعل الماضي يدل على تحقق تلك النسبة،و المضارع يدل على ترقبها،و الأمر يدل على طلبها.

و من المعلوم ان معانيها هذه تأبى عن الحمل على الذات.

و هذا بهذا المقدار واضح الدفع لوضوح انها غير آبية عن الحمل،فانه يمكن ان نقول:زيد جاء،بناء على ان زيد مبتدأ و ليس فاعلا مقدما،كما هو المشهور.

فان قلت:ان الحمل يقتضي الهوهوية،و هي غير متحققة.بل هي محال،لأخذ قيد زائد في الفعل غير موجود في المبتدأ.

قلنا:ان الهوهوية لكل حمل بحسبه،فان دل المحمول على الذات انطبق عليها كلها،و ان لم يدل عليها كالفعل انطبق على صفة منها و هذا يكفي.

فان قلت:ان هذا لا يكفي بل لا بد من الهوهوية الكاملة.

قلنا:هذا له أحد جوابين:

الأول:حمل الفعل الماضي على معنى المشتق المناسب عندهم.فزيد جاء أي1.

ص: 64


1- 245/1.

زيد جائي.فيكون متصفا بالمبدأ.و ليس هذا تأويلا بعيدا بل مطابق للظهور العرفي،و هو قصد المتكلم.

الثاني:ان الهوهوية كاملة.كل ما في الفرق ان المشتق يعطي صورة ثابتة و الفعل يعطي صورة متحركة.

فان قلت:ان هذا إنما ينطبق على الفعل الماضي و المضارع لإمكان الحمل فيها.

و اما فعل الأمر،فالحمل فيه متعذر فلا يعطي صورة لكي تتحقق الهوهوية.

قلنا:هذا له أحد جوابين:

أولا:اننا نستطيع ان نفسره باسم المفعول لأنه يستخلص منه انه مأمور.و هذا كاف هنا.

ثانيا:انه غير قابل للحمل و لا يصلح مسندا إليه.فلا يصلح للقياس بالأفعال القابلة للحمل.فينبغي ان يختص الكلام في الفعل الماضي و المضارع.

إذن،فخروج الأفعال عن محل النزاع ليس لعدم توفر الركن الأول من الركنين و هو عدم إمكان الحمل.بل باعتبار عدم صدق الركن الثاني و هو بقاء الذات مع زوال المبدأ.

اما في الماضي فلأنه يصدق حتى مع زوال الذات أيضا سواء زالت بزوال المبدأ أو بعده.و اما في الفعل المضارع،فلأنه لا يفرض فيه بقاء الذات بعد ذهاب صفتها.

فان قلت:فان الأصوليين يكتفون باحتمال إمكان بقاء الذات بعد زوال التلبس.

و ان لم يكن محرزا.و هذا يكفي للإندراج في محل الكلام.

قلنا:يجاب هذا بوجهين:

أولا:انه لا يكفي عندهم احتمال بقاء الذات،بل لا بد من إحراز بقائها بعد زوال المبدأ.

ثانيا:اننا نضم مقدمتين مشهوريتين بعضها إلى بعض:

المقدمة الأولى:ان هم الأصوليين هو ان الحمل هل هو حقيقي أم مجازي بعد زوال التلبس.

المقدمة الثانية:ان المشهور يرى ان المجاز و الحقيقة في أسماء الأجناس فقط.

ص: 65

فهو لا يصدق على الأفعال و الحروف إطلاقا.إذن،فلا معنى للبحث فيها،و ان توفر فيها كلا الركنين.فتكون الأفعال خارجة عن محل الكلام.و هذا هو مقصودهم و ان لم يعبروا عنه.

فان قلت:فنحن نقول بالمجاز في الجميع،فلماذا لا تدخل الأفعال في محل النزاع و خاصة مع إمكان بقاء الذات و زوال المبدأ،و إمكان لحاظ هذه الحصة.

قلنا لأمرين:

الأمر الأول:اننا لا نستطيع ان نؤكد وجود ذات زال عنها التلبس بالمبدأ،لا في الماضي و لا في المضارع.

اما الفعل الماضي فلأنه يبقى صادقا باستمرار،حتى مع زوال الذات فضلا عن زوال المبدأ.

و اما المضارع فاننا إذا لا حظنا الحصة الاستقبالية،فالتلبس غير موجود أصلا الآن.

فيكون الصدق فيما قبل التلبس لا حين التلبس و لا بعده.

و اما إذا قصدنا منه الحصة الحالية،نحو(يجيء)أي انه متلبس بالمجيء.فهذا لا يفترض فيه زوال التلبس،لأنه لا علم ببقاء الذات بعد زوال التلبس إذ لا نعلم بعد انتهاء المجيء ماذا سيكون حال الذات فانه غير ملحوظ فيها.

الأمر الثاني:ان إمكان ذلك لا يقتضي لحاظه عرفا.بل نرى ان حمل الأفعال بكل صورة على نسق واحد سواء لاحظنا فيها حال التلبس أم غيره.و اننا لا نجد في الحمل مسامحة مجازية في كل الحصص المتصورة.

و هذا معناه:انه من الأكيد وجود الاستعمال الحقيقي حتى بعد زوال التلبس.

و ما دام أكيدا فيخرج عن محل النزاع.و إنما يدخل فيه ما هو مشكوك فقط.

ص: 66

استطراد:(دلالة الأفعال على الزمان)

ثم انه بمناسبة الكلام حول دخول الأفعال في محل النزاع،اقترح صاحب(1) الكفاية قدس سره،استطراد الحديث عن دلالة الأفعال على الزمان.كما قال النحويون و البلاغيون.

و هو يعتبر استطرادا،و بعده استطراد آخر عن الحروف،في كلامه.قال:للاطراد في الاستطراد.و الاستطراد هو الخروج عن محل الكلام و موضوع النقض و الإبرام.و هو ممنوع في البحوث الدقيقة.و إنما يدل ذلك على ضعف المنهج.و لكن لا بد من متابعة سلفنا الصالح في ذلك.

و قد اتفق صاحب الكفاية و الأستاذ المحقق على عدم دلالة الأفعال على الزمان خلافا لمشهور اللغويين.

و ما قيل أو يمكن ان يقال للاستدلال عدة أمور،كلها من قبيل النقض.أي ان القول بدلالة الأفعال على الزمان يلزم منه اشكالات عديدة.و لم يذكروا دليلا حلّيا.و لم يطبقوا علامات الحقيقة و المجاز،و نحوها.

و يمكن تقسيم الاشكالات إلى سنخين:اشكالات عقلية و اشكالات لغوية.

اما السنخ الأول فيتضمن أربعة أو خمسة نقوض:

الإشكال الأول:النقض بفعل الأمر،حيث دل على الطلب و الإنشاء و ليس دالا على الحال،و ان كان الإنشاء في الزمن الحالي،كما في الأخبار عن الماضي و المستقبل.لأن كل أمر زماني لا بد من وقوعه في زمان.و اما ان يكون الزمان مأخوذا في مدلوله فلا.

و نتمم استدلالهم فنقول:إذن،فقول المشهور:ان الأفعال قد أخذ فيها الزمان غير صحيح،لأن واحدا منها لم يؤخذ فيه الزمان لخروج واحد منها.فتنتقض الموجبة الكلية بفرد واحد.

و نضيف أيضا:ان فعل الأمر لما لم يؤخذ فيه الزمان بصفته فعلا،لا بصفته امرا،

ص: 67


1- 61/1.

فنوع الفعل و سنخه لم يؤخذ فيه الزمان.فلو دخل الزمان على الفعل،لأخذ في فعل الأمر.إذن،فالفعل مطلقا،لم يؤخذ فيه الزمان مطلقا.

و هذا قابل للمناقشة لعدة أمور:

الأمر الأول:ان فعل الأمر دال على الزمان و هو فيه استقبالي،لاستحالة الامتثال في حالة الأمر لعدم وجود الأمر أو لعدم تماميته.هذا هو كذلك عقلا و عرفا.

فيكون المأخوذ فيه زمن الامتثال،و ان لم يحصل،و هو الاستقبال بدون تحديد للقلة و الكثرة.و هو مطلق يمكن ان يبقى على إطلاقه و يمكن تحديده.

فان قلت:هذا يستفاد من الطلب لا من فعل الأمر.لان الامتثال متعلق بالطلب، لأنه امتثال له حقيقة.

قلنا:الطلب هنا بمعنى الطلب التشريعي،و هو مؤدى و مدلول فعل الأمر،فما تعلق بالطلب تعلق بفعل الأمر.

الأمر الثاني:اننا لو تنزلنا عن الأمر الأول،و هذا التنزل بلا موجب على أية حال، ففي الإمكان القول بإخراج فعل الأمر عن محل النزاع.و يختص الحديث بدلالة الماضي و المضارع،دون الأمر.لأن الأمر ليس فعلا أصلا.

لأن الفعل إنما يكون فعلا،بهيئته لا بمادته.و الأمر تدل هيئته على الطلب،فهي موضوعة للأمر لا اكثر.

و اما تسميته(فعلا)فهو اصطلاح علمي في علم النحو و الصرف.و ليس مطابقا للواقع.لأن الفعل ما دل على حصول فعل بالحمل الشايع خارجا،و هذا لا يدل على حصوله بل على طلبه.و هو قد يحصل و قد لا يحصل.

فان قلت:فان الفعل الماضي أيضا كذلك،فانه قد يكون مطابقا للواقع و قد لا يكون.

قلنا:الامتثال لا ربط له في مطابقة فعل الأمر للواقع.فانه لا يدل على اكثر من الطلب و قد حصل.و ليس له واقع اكثر من ذلك.

و بتعبير المشهور:انه إنشاء،و الإنشاء ليس له ما بازاء في الخارج بخلاف الإخبار.

ص: 68

و من الواضح ان فعل الماضي و فعل المضارع من سنخ الإخبار.

و جزى اللّه الأصوليين خيرا عندما سموه:صيغة الأمر أو صيغة(افعل)،و لم يسموه فعلا،فهو لفظ موضوع لبيان الطلب و الإرادة التشريعية،و ليس مماثلا للأفعال الماضية و المضارعة.

و يمكن تلخيص الفرق بين الأمر و بين الأفعال الماضية و المضارعة،بعدة أمور:

1-ان الضابط في معنى الفعل:ما دل على حصول شيء،أي ان الهيئة تدل على حصول المادة.و ذلك غير موجود في فعل الأمر،لأن دلالة الحصول منافية للطلب.إذ سيكون ذلك من تحصيل الحاصل و هو مستحيل.

2-ان الفعل الماضي و المضارع،دال على الزمان،اما بالمطابقة-كما هو المشهور و الذي نفاه المتأخرون-أو بالالتزام،لكن فعل الأمر غير دال على ذلك لا بالمطابقة و لا بالالتزام.و إنما الزمان له لازم عقلي،من حيث انه زماني و كل زماني لا بد له من زمان.

3-ان الأمر إنشاء،في حين ان الماضي و المضارع من جنس الإخبار.فكيف نسمي سنخين بعنوان انتزاعي واحد.

فالأمر ليس فعلا،و صدق قولنا:ان الأفعال متضمنة لمعنى الزمان،و نقصد كلتا الحصتين:الماضية و المضارعة.

الأمر الثالث:انه بعد التنزل عن الوجهين السابقين،و اعتبار الأمر فعلا.فيمكن الالتزام بالتبعيض،بأن يكون الماضي و المضارع دالا على الزمان دون الأمر.و نلتزم بنتيجة النقض.و لا يكون ذلك محذورا.

و أولى من ذلك:النقض بالجملة الخبرية التي يراد بها الإنشاء مثل يتوضأ و يغتسل و نحوها.فانها ان أريد بها الإنشاء بالدلالة المطابقية كانت مجازا جزما.و ان أريد بها الإنشاء التزاما،لم تخرج عن وضعها اللغوي الأصلي،فان كان الزمان مأخوذا فيها، كانت كغيرها من هذه الناحية.

ص: 69

الإشكال الثاني:من النقوض التي ذكرت للاستدلال على عدم دلالة الأفعال على الزمان:ما ذكره الشيخ صاحب الكفاية(1) ،من النقض بالنهي،و انه طلب الترك،و لا يدل على الحال،و ان كان الطلب في الحال.

و هذا من الغرائب،لأن النهي ليست له كلمة واحدة في اللغة،بل هو من كلمتين وضعا واحدا لمعنى واحد.بل هما موضوعان بوضعين.فإذا حذفنا(لا)الناهية التي هي حرف.يبقى الفعل المضارع الذي سيأتي الكلام عنه.

و لو تنزلنا جدلا لا مكن ان نورد فيه ما أوردناه في الأمر من الوجهين أو الوجوه.

فان الفرق بين الأمر و النهي إنما هو في طلب الفعل و طلب الترك.

و ان أبيت الا إفادته الزجر عن الفعل و هو مضاد للطلب،جاء الوجهان الآخران من زواية جديدة:

1-انه دال على الزمن في المستقبل

2-ان النهي ليس فعلا أصلا،و ليس راجعا إلى شيء من الأفعال الثلاثة حتى عند المشهور.و يكفينا ان نلتفت ان المجموع المركب من الفعل و الحرف ليس بفعل، لإضافة الحرف(لا).و النتيجة تتبع أخس المقدمتين.

3-اننا لا نتحاشى من القول:بان الفعل الماضي و الفعل المضارع أخذ فيها الزمن، دون الأمر و النهي معا.

الإشكال الثالث:كما في الكفاية:النقض باستعمال الفعل في الزمان نفسه.

كقولنا:ذهب يوم أمس و يأتي يوم غد.و الزمان ليس في الزمان،و الا لدار أو تسلسل.

و ذلك:انه يدور الأمر بين عدة احتمالات:اما ان الفعل لا يدل على الزمان و هو المطلوب.أو يتضمن نفس الزمان الذي تتحدث عنه الجملة،فيلزم الدور.أو يتضمن زمانا آخر غيره،فيلزم التسلسل.و هما محذوران.فيتعين الأول./1

ص: 70


1- 61/1

بعد ضم مقدمة،و هي:ان حكم الأفعال كلها فيما يجوز و ما لا يجوز واحد.فإذا تعين في بعضها عدم أخذ الزمان،فهو المتعين في الجميع.

نقول في الجواب:ان هذا الإشكال عقلي قبل ان يكون لغويا.فما أجبت عليه هناك يأتي هنا كحل لغوي

حيث يقال:كيف ذهب أمس.هل ذهب بزمان أم بدونه و هل يأتي غد بزمان أم بدونه.

فان قلت:بدون زمان.فقد حصل شيء بدون زمان و هو مستحيل.و ان قلت بزمان لزم التسلسل.لأن تصرم الزمان الثاني المفروض أيضا يحتاج إلى زمان،فننقل الكلام إلى هذا،و هكذا.

و الجواب على ذلك عقلا و لغة:ان الزمان زماني بالذات،لا يحتاج إلى زمان،كالضوء لا يحتاج إلى ضوء و الحركة لا تحتاج إلى حركة.و هكذا و قد قالوا:الذاتي لا يعلل.

و ان أبيت الا بالبرهان فيكفي ان نلتفت إلى بعض الوجوه:

الوجه الأول:اننا نأخذها وجدانية قطعية و هذا يكفي.

الوجه الثاني:ان نأخذها هنا مسلمة كنتيجة مبحوثة في علم آخر،يستدل به على ذلك،و ليس هنا محله أي تكون من المبادئ التصديقية لهذا العلم لأن محلها الفلسفة.

الوجه الثالث:ان نأخذ بالقاعدة المشهورة في الفلسفة من ان ما بالعرض يجب ان ينتهي إلى ما بالذات و الا لتسلسل و ما بالذات للزمان هو الزمان نفسه.

الوجه الرابع:انطباق تعريف الذاتي له،لأن الذاتي ما كان زواله ملازما لزوال الذات:فإذا زالت الزمانية عن الزمان لم يبق الزمان.

و نعود إلى اصل الجواب بتعبير عرفي و نقول:ان الأشياء تتغير بالزمان،اما الزمان فيتغير بنفسه.و قد سبق ان أنكرنا وجود الزمان،و إنما توجد الزمانيات فقط،فينسد الإشكال.

و إذا تم ذلك،و هو ذاتية الزمانية للزمان،و ان الزمان يتغير بنفسه لا بزمان.أمكن القول بأخذ الزمان نفسه في الأفعال المسندة إلى الزمان.و لا يلزم الدور،كما لا يتعين

ص: 71

كونها مجازا لتجريدها عن معنى الزمان.بل يتعين كونه حقيقة.

الإشكال الرابع:ما ذكره صاحب الكفاية أيضا:و هو النقض بالأفعال المسندة إلى المجردات.قال(1):و الالزم القول بالمجاز و التجريد عند الإسناد إلى غيرها من نفس الزمان و المجردات.

فماذا قصد الشيخ الآخوند من(المجردات).و قد أخذها إجمالية،يعني شاملة للّه عز و جل.كأنه اعتبر اللّه تعالى من المجردات.أو انه اغفل النقض بالأفعال المسندة إليه تعالى.

و كلا الأمرين غير مناسب مع شأن الآخوند.اما اعتبار اللّه سبحانه و تعالى من المجردات فغير ممكن،لأنه لا يشبهه شيء،لا من الماديات و لا من المجردات.و مع جهلنا بحقيقته كيف نصفه بما لم يصف به نفسه.

و اما الغفلة عن ذلك الإشكال،فهي أيضا غير مستحسنة.لأنه أهم الاشكالات، و كان الشيخ المظفر يحذر منه كثيرا.و يقول:انه إذا قلنا بدلالة الأفعال على الزمان تلزم اشكالات مهمة.أقول:و قد وردت في القرآن كثيرا،كقوله تعالى:وَ كانَ اللّهُ سَمِيعاً عَلِيماً .و سيأتي الكلام عنه.

اما بالنسبة إلى الإسناد إلى المجردات من الخلق كالملائكة و الجن و الروحانيات، فيمكن ان يجاب بأمور:

الأول:وجود الدهر عندهم،فانه زمان.الا انه يختلف عنه بأمرين:أحدهما:عدم إسناده إلى الماديات.و ثانيهما:عدم استناده إلى حركة الشمس و القمر.

و اما مجرد مرور الزمان هنا و هناك،فهو نفسه.و معه يمكن دعوى أخذ الأعم من الزمان و الدهر في الأفعال.بل هو المتعين لوضوح عدم أخذ واحد منها بالخصوص.لا حركة الشمس و القمر،و لا المجردات بعنوانها.

الثاني:إنكار الوجدان الذي يبتني عليه الإشكال،و هو ان الأفعال لا تختلف في1.

ص: 72


1- 61/1.

كون الاستعمال فيها حقيقيا دائما.بل يمكن القول-بعد التنزل عن الوجوه السابقة-:ان الإسناد العرفي إلى الزمانيات حقيقي و الى غيرها مجازي.

و تقريب ذلك:انعدام الفرق فيها بين الماضي و المضارع،لأن الفرق العرفي بينهما -على كلام يأتي-هو الزمان.فإذا انعدم الزمان انعدم الفرق بينهما،و إذا انعدم الفرق بينهما كان في الأمر تسامحا لا محالة.و معه يكون لذلك سببا للمجازية.

الإشكال الخامس:النقض بالأفعال المسندة إلى اللّه سبحانه.حيث يقال:ان الوجدان يقضي بكونها حقيقية،كما يقضي بان الأفعال على طور واحد.فيتعين كونها خالية عن معنى الزمان.لأن اللّه سبحانه لا يمر عليه أي زمان و لا دهر.فانه غني عن كل شيء غير ذاته المقدسة.

و جواب ذلك من وجوه:

الوجه الأول:التمسك بمفهوم السرمدية،كما تمسكنا في مرتبة المجردات بالدهر.

حيث يقال:انها من سنخ الزمان.و هي معنى عرفي لا عقلي فقط.فيقال:كان اللّه و لم يكن شيء.و ان اللّه موجود من الأزل إلى الأبد.و انه تعالى:لا نهائي الماضي و هو لا نهائي المستقبل.فالاستعمالات العرفية تقره.

فندعي هنا:ان المأخوذ في الأفعال هو الأعم من الزمان و الدهر و السرمدية.و هي جميعا مشمولة للزمان كمعنى عرفي.و هو الجامع للحصص الثلاثة.

فان قلت:ان السرمدية الزائدة عن ذاته،لا معنى لها في صقع ذاته،لأنه يلزم تعدد القدماء.

قلنا:انها عين ذاته،لأنه بذاته سرمدي،و هذا كاف في صدق الأفعال عليه.

فان قلت،إيضاحا-:ان السرمدية صفة واقعية.و ينتج من ذلك أمران:أحدهما:

انها ليست عين ذاته.و ثانيهما:تعدد القدماء.

قلنا:أما عن التعدد فالمحال هو التعدد في الخارج لا في عالم الواقع،كما هو محرر في محله.و لو فرضناها صفة خارجية،فهي عنوان انتزاعي و منشأ انتزاعها ليس الا الذات.

ص: 73

مضافا إلى ان الاتصاف بصفة واقعية ممكن خارجا،حتى لو كانت ذاتية.يكفي مثالا لذلك انهم قالوا:ان الجزئي يحتوي على الكلي،و هو واقعي لا خارجي.

مضافا إلى ما سبق ان قلناه من ان التسلسل الذي يكون مستحيلا و القدم الذي يكون مستحيلا،إنما هو إذا تصورناه مستقلا عن اللّه تعالى،فتعدد القدماء بغض النظر عن وجود اللّه مستحيل.و تعدد واجب الوجود مستحيل.اما ان تكون هناك مخلوقات قديمة،ممكنة بالذات.فلا بأس به و لا محذور منه.و هو أمر ممكن بمشيئة اللّه سبحانه، و ليس رغما عليه.

كالأنوار العليا للمعصومين عليهم السلام.فإذا قلنا بقدمها فهل هو قول بتعدد القدماء.بل هو نور رشحة من رشحاته،و لم يخرج منه الا إليه.و الخلق كله مندك في ذاته سبحانه،حتى ما كان منه أزليا.

فان قلت:ان السرمدية صفة واقعية،أي في عالم الواقع،لا في عالم الخارج.

فيلزم حينئذ أحد محذورين:

أ-اما ان يكون الواقع بصفة الواقعية جزء الذات الخارجية و هو مستحيل.

ب-إذا لم نقل بان السرمدية جزء من الذات بل هي عينها،الا انها زائدة على الذات الإلهية،فيلزم تعدد القدماء.

و جوابه:ينبغي ان يكون ميسورا:

و ذلك:اما المحذور الأول.و هو ما زعمه من الاستحالة،فهو مما لا ينبغي التسليم له به.إذ يمكن ان نتصور ذاتا ما متكونة من عدة عوالم.فالنفس الإنسانية كذلك،فان الجسم من عالم الناسوت و العقل من عامل الجبروت و النفس من عالم الملكوت.

و ينقض على هذا المستشكل بما قاله مشهور المناطقة و الفلاسفة،من ان الكلي هو جزء الجزئي.فان الجزئي الخارجي،كالفرد من الإنسان،متكون من كلي مع خصوصيات و صفات زائدة فصار الكلي الذي هو أمر(واقعي)جزء من الفرد الخارجي.

و أدل دليل على الإمكان الوقوع.

ص: 74

و اما المحذور الثاني،و هو اننا سلمنا ان السرمدية ليست جزءا من الذات الإلهية، فيلزم تعدد القدماء.فله أحد جوابين:

1-ان السرمدية عنوان انتزاعي و ليس له وجود حقيقي بحيال الذات الإلهية و مستقلا عنها،و منشأ انتزاعه ذات اللّه سبحانه،لأنها عين ذاته،فلا يلزم التعدد.

2-ان تعدد القدماء المحال-ان سلمناه-فهو محال في عالم الخارج أي التعدد الاستقلالي عن اللّه تعالى.و ليس محالا في عالم الواقع.فان عالم الواقع يحتوي على كليات كثيرة و أزلية،و لم يلزم من ذلك تعدد القدماء بل كل ما فيه قديم(استحالة اجتماع النقيضين)فهي قديمة و أزلية لا تكذب طرفة عين.

و بذلك انتهى الوجه الأول من الأجوبة على النقض الرئيسي على دلالة الأفعال على الزمان،من حيث انطباقها على اللّه سبحانه بحصة من الجامع و هي السرمدية.

ثانيا:ما قلناه في النقض السابق من تقريب المجاز،لانعدام الفرق بين الماضي و المضارع.فصار انعدام الزمان سببا للمجازية لا محالة.

ثالثا:ان الأفعال المسندة إلى اللّه تعالى تارة لها طرف واحد و هو اللّه تعالى، و أخرى يكون لها اكثر من طرف.

فان تعددت الأطراف،فلا إشكال في زمانيتها،باعتبار الطرف الثاني مثلوَ كَلَّمَ اللّهُ مُوسى تَكْلِيماً وما كانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ و رزقني اللّه ولدا ولا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً و غيرها.

فيكون ذلك من صفات أفعال اللّه تعالى،و هي متصفة بالزمان باعتبار متعلقها و تكون مناسبة مع العالم الذي وقعت فيه.زمانا أو دهرا و نحو ذلك.

و اما التي لها طرف واحد،و هو اللّه سبحانه،فهي مختصة بفعل واحد هو(كان) بصيغة الماضي.كقوله تعالى:وَ كانَ اللّهُ سَمِيعاً بَصِيراً .و لم يسند في الكتاب و السنة فعل آخر إلى ذاته سبحانه غيره.

ص: 75

حينئذ ان فسرناه بتفسير معتد به فقد اجبنا على النقض،و يرتفع المحذور عن كون مدلول الأفعال مدلول زماني.و نعود إلى الظهور اللغوي الطبيعي فيها.

و يمكننا ان نطرح هنا أطروحة تقول:ان(كان)هنا لبيان الحال و الشأنية و الصفة، و ليست للزمان،و ليس المراد منها الماضي و لا غيره.

أو قل:ان كان موضوعة بوضعين:

الأول:بصفتها دالة على الزمان الماضي.

و الثاني:مباين للأول:و هو بيان الحال و الصفة و الشأنية.فهو من المشترك اللفظي.

و ان منعوه في غير أسماء الأجناس.فمن حاله و شأنه سبحانه و تعالى:انهكانَ سَمِيعاً بَصِيراً وعَزِيزاً حَكِيماً .

و الأطروحة تقول:ان هذا ثابت مطلقا و ليس فيه سبحانه فقط.كقوله تعالى:

وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى أو قوله:أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاّ خائِفِينَ أو قوله تعالى:ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ .و قوله تعالى:وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ .ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ ثم يقول.وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ .وَ لَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَ أَطَعْنا وَ اسْمَعْ وَ انْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ .يعني في الماضي و الحاضر و المستقبلوَ كانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً يعني من شانه ذلك في الأزمنة الثلاثة.

وَ ما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللّهِ ،يعني ليس من شأنه ذلك.

و هكذا قوله:وَ ما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ و قوله:ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللّهِ... الخ.

فتحصل ان لكان معنيين وضعيين حقيقيين:

1-الكون في الزمن الماضي

2-الشأنية و الحال،بغض النظر عن الزمن اساسا.

ص: 76

و لعله كان هذا بالأصل مجازا،باعتبار انه كان في الزمن الماضي،و لا يمكن زواله في المستقبل،لأنه ليس من شأنه ذلك.فاصبح لازم الذات،ثم لكثرة الاستعمال فيه اصبح حقيقة.كما يحتمل ان يكون هذا مصطلحا قرآنيا لم يسبق له استعمال في اللغة.

فاصبح من المشترك اللفظي في الأفعال،و لهذا لا نحس بكونه مجازا.الا ان مشهور الأصوليين لم يعترفوا بوقوع المجازية في الأفعال،و لا بوقوع الاشتراك اللفظي فيها.فوقعوا في حيرة من أمرهم.

و حيث يستحيل الحمل على الزمان،يستحيل المعنى الأول،فيتعين المعنى الثاني في اللّه سبحانه.فلا يفيد قوله:وَ كانَ اللّهُ سَمِيعاً بَصِيراً ،و نحوه،الا اصل الاتصاف لا وجود الزمان فيه.

و نحوه قوله تعالى:إِنَّ اللّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً ،إِنَّ اللّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ شَهِيداً ،إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً ،وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً ،وَ كانَ اللّهُ غَنِيًّا حَمِيداً .و غيرها.

و هذا المعنى لا يعم غير هذا اللفظ،و هو(كان)بصيغة الماضي،دون أية مادة أو هيئة أخرى،حتى المضارع و الأمر من كان نفسها.

و هذا التفسير يناسب الاشتراك اللفظي اكثر من الاشتراك المعنوي،لو قيل به بتصور جامع بين المعنيين.و ذلك باعتبار أمرين:

الأمر الأول:ان الاشتراك المعنوي هو الأصل في اللغة و الآخر مترتب عليه.

الأمر الثاني:ان الاشتراك اللفظي فرع التباين بين الماهيات.و هنا هذا التباين غير موجود.فان المادة تدل على اصل الوجود و الهيئة تدل على الماضوية.فمن أين نعرف تعدد الوضع و لا دليل عليه.

فلا يكون هناك ماهيتان متباينتان لكي يقال:بالوضع المتعدد.إذ هو فرع التباين، و هو هنا غير متصور.

ص: 77

و جوابه:ان التباين هنا لا يراد به التباين المنطقي،كالتباين بين الأجناس و الأنواع.

و إنما يراد به تعدد المعنى لغة و مفهوما.فالمطلق بصفته مطلقا مباين للمقيد.و المقيد بقيد مباين للمقيد بقيد آخر.

فإذا علمنا ذلك،فاستعمال كان في الماضوية أو حال كونها متضمنة للزمان، مباين مع استعمال كان في الشأنية غير المتصفة بالزمان.لأن القيدين مختلفان،فصح و أمكن القول بتعدد الوضع.

فان قلت:ان في الآية الشريفة:وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ فعلين أحدهما ماضي و هو كان و الآخر مضارع و هو تموت.و قد استنتجنا ان كان سقطت عن إفادة الماضوية بقرينة المضارع.فلماذا لا يحصل العكس و يكون الماضي قرينة على إسقاط المضارع.

قلنا:اننا لم نقدم هذا لأجل القرينة.و إنما سقط مدلول كان عن الماضوية لأمرين:

1-انها استعملت بوضع آخر غير الزمان.

2-اننا نستطيع ان نجعل أحدهما قرينة متصلة على الآخر،فيتعارضان و يتساقطان.

فلا تكون هناك دلالة على الماضي و لا المضارع،لأن الشأنية خالية من الزمان.

و يحسن هنا الإشارة إلى ان(لويس معلوف)قال في المنجد(1):ان كان قد تكون بمعنى ينبغي نحو:ما كان لزيد ان يفعل.

فقد يخطر في البال ان(الانبغاء)افضل هنا من(الشأنية)المطروحة في هذه الأطروحة.

لكن هذا المعنى لا يصح الا في موارد ضيقة من سياقات النفي.اما الإثبات فلا مجال لها سواء في الخالق أو المخلوقين.فما معنى ينبغي في مثل قوله تعالى:وَ لَوْ أَنَّهُمْ قالُوا... لَكانَ خَيْراً لَهُمْ .

و ينبغي ان يلتفت صاحب المنجد ان النفي قسمان:تشريعي و تكويني.و ينبغي).

ص: 78


1- ط 17 ص 704 مادة(كون).

تعطي مفهوم التشريع لا التكوين.اما ما نتكلم عنه فهو اعم منهما.و عندئذ لا يمكن تقديرها في التكوينيات:نحو قوله تعالى:ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ .وَ ما كانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ .

فان قلت:-مناقشة لأصل الأطروحة-:ان المشهور يقول:ان الأفعال كلها على غرار واحد،و حيث انعدم الزمان في بعض الأمثلة،انعدم في الكل.

قلنا:هذا قابل للمناقشة من عدة وجوه:

أولا:ان الأفعال على غرار واحد في الاستعمال الحقيقي في المادة و الهيئة،لا في الدلالة و عدمها على الزمان.بل في المرتبة السابقة على هذه الدلالة.

ثانيا:اننا ناقشنا بهذه القاعدة،كما في فعل الأمر الذي ألحقوه بالأفعال،و قلنا انه ليس منها.

مضافا إلى ان اصطلاح(الأفعال)اصطلاح متأخر موجود في علمي النحو و الصرف.و ليس هو مبنى عقلائي عام،لنحاول فهمه العرفي.

ثالثا:انه يمكن القول:بان الأفعال على غرار واحد في أوضاعها الأصلية،و اما هذا الفعل بالذات،و هو(كان)،فله وضع آخر يختلف عن الباقي.و لو لا اختلافه في المعنى لم يحتج إلى الوضع و ستأتي بعض المحتملات في ذلك.

رابعا:ان مصاديق كل من الحصتين لو كانت متساوية أو متقاربة أمكن القول بعدم الفرق بينهما،لكن قد علمنا ان فعلا واحدا فقط،هو الخارج عن ذلك،و هو كان الشأنية.

فهي لا تدل على الزمان مقابل كل الأفعال الأخرى.و لا تنطبق عليها كبرى:ان الأمثال فيما يجوز و ما لا يجوز واحد.علما ان كان في وضعها الأول،ملحقة بالدال على الزمان.

و يمكن هنا تقديم بعض الاطروحات المحتملة لتفسير وضع كان.و هي قد تنجح في بعض الأمثلة و تفشل في الأخرى.الا انها كافية لتفسير عدم دلالة كان الشأنية على الزمان.

الأول:و هو المشهور و المتعارف:انها فعل ناقص يرفع المبتدأ و ينصب الخبر.

و مع ذلك نقول:حتى لو استعملت كان فعلا ناقصا فهي دالة على الشأنية لا الماضوية.

ص: 79

الثاني:انها كان التامة الدالة على اصل الوجود،و يكون المنصوب بعدها حالا أو نحوها.و لا يراد من الوجود الحدوث،بل اصل الوجود.ففي قوله تعالى:ما كانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ أي ما كان اللّه(موجودا)ليطلعكم.و في مثل قوله:وَ ما كانَ لِنَفْسٍ .أي لا توجد نفس تدري ماذا تكسب غدا و بأي ارض تموت.

و بناءا على الاحتمال الثاني،يكون المعنى تركيزا شديدا على الشأنية،أي ان الشأنية مربوطة بأصل الوجود،فلا توجد نفس تعلم ماذا تكسب غدا.فكأنها صفة أساسية لازمة للذات.فهذا من تركيز الشأنية.

الثالث:ان تكون كان زائدة.و قد يشكل ذلك نحويا،و أنا لا اقصد الزيادة النحوية بل الزيادة في المعنى.فقوله:ما كانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ أي ما اللّه يطلعكم.

و قوله:وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ .أي:ما النفس تموت الا بإذن اللّه.

و قوله تعالىوَ كانَ اللّهُ سَمِيعاً بَصِيراً ،يعني:هو اللّه سميع بصير.

الرابع:ان تكون كان بوضعها الثاني لفظا مستقلا لا يشبه الأفعال الاعتيادية،لأن هذه متكونة من هيئة و مادة.و كل منها تدل على شيء،فينتج منها الاشتقاق إلى ماضي و مضارع.و هذا ثابت لكان بوضعها الأصلي.

لكن كان الشأنية من قبيل الألفاظ الجوامد،ليس لها مادة مستقلة عن هيئتها.و قد استعملت باستعمال مشابه لكان الماضوية،الا انها ليست بمعناها.

ثم انه بعد رد جميع النقوض المنتجة لاستحالة دلالة الأفعال على الزمان،يعني الماضي و المضارع،بحيث أمكن عقلا وجوده و عدمه.جاز لنا ان نستخدم علامات الحقيقة و المجاز في فهم الزمان.

و لا شك ان التبادر،و الاقتران النفسي الكامل على ذلك.

اما صحة الحمل فعلى شكلين:

أحدهما:مثل قولنا:الفعل الماضي دال على الزمان الماضي و الفعل المضارع دال

ص: 80

على الزمان الحاضر أو المستقبل.و هو صادق.و لذا سمي الفعل الماضي ماضيا.

الا ان هذا لا يتم:

أولا:ان موضوع الحمل ينبغي ان يكون نفس اللفظ المشكوك ثم نحمل عليه المعنى.اما ان يكون الموضوع عنوانا انتزاعيا من الأمر المشكوك فلا.و هو هنا كذلك، لأننا لم نأت(بقام)و(قعد)بل أتينا بعنوان الفعل الماضي و المضارع.و هو عنوان انتزاعي من الجزئيات التي ينبغي استعمالها بنفسها.

ثانيا:ان هذا الحمل إنما يصدق نتيجة للتبادر.فيرجع إليه و ليس هو علامة مستقلة.فان حصل التبادر من الفعل الماضي،للزمان الماضي،صح هذا الحمل و الا فلا.

الا ان هذا ليس إشكالا في هذه المسألة،و إنما هو إشكال على اصل علامية الحمل،لأنه يجعلها فرعا للعلامة الأخرى،و هي التبادر.

ثالثا:ان هذا مصادرة على المطلوب.من حيث ان الحمل في قولنا:الفعل الماضي دال على الزمان الماضي.هو محل الخلاف،فأخذه مسلم الصحة أول الكلام،فيكون مصادرة على المطلوب الا ان يقترن بحجة كالتبادر أو الاقتران.

ثانيهما:ان ندخله في جملة،نحو قام زيد أو زيد قام.فان كان الفعل قد وقع في الزمان الماضي،فقد صدق.و نحوه في المضارع.و لو كان العكس كذب بلا شك.و لو كان الفعل مجردا عن الزمان لم يفرق في ذلك.

نعم،من نفى دلالة الفعل على الزمان،فسر ذلك بما يناسبه و سيأتي الحديث عنه.

السنخ الثاني:من الاشكالات على دلالة الفعل على الزمان:الاشكالات اللغوية، و هي عدة:

الأول:ما يستفاد من المحاضرات(1).من ان الفعل هل يدل على الزمان بمادته أو هيئته.

ان قلت:بمادته،فهو ليس بصحيح،لأن المادة لا تدل الا على الطبيعة المهملة1.

ص: 81


1- 246/1.

التي هي المصدر.

و ان قلت:بالهيئة.فهي تدل على نسبة المادة إلى الذات،بنحو من أنحاء النسبة.و هذا لا ربط له بالأمر.فالفعل لا يدل بمادته و لا بهيئته على الزمان،و لا شيء ثالث في البين.

و يمكن في الجواب ان نختار:ان الفعل دال بهيئته على الزمن اما المادة فهي موضوعة للطبيعة المهملة،أو انها موضوعة بوضع أسماء الأجناس،فلا ربط لها بالزمن.

و المربوط بالزمن إنما هو الهيئة لأنه إنما اصبح فعلا بهيئته.و كذا اسم الفاعل و سائر المشتقات.و السبب الذي جعله فعلا ماضيا هو الزمن بدلالة الهيئة المميزة له من بين المشتقات.

و يرد على ما قاله في المحاضرات عدة اشكالات:

أولا:قوله:ان الهيئة تدل على نسبة المادة إلى الذات،غير صحيح،لعدم افتراض ذات في مدلول الفعل و عدم افتراض اندراجه في جملة.و الزعم بدخول الذات في مدلول الفعل أشنع من الزعم بدخول الزمان.

و المشهور اختار القول ببساطة المشتق،في أسماء الفاعل و المفعول،يعني خلوها عن الذات،فيكون دلالة الفعل عليها أشنع.

فان قلت:اننا نحس بالوجدان الدلالة على الذات في(قام)يعني:ان شخصا يقوم.

قلنا:يأتي جوابه في مبحث بساطة المشتق.الا ان ما يقال هنا هو:ان الارتكاز العقلي الواضح ان لكل فعل فاعلا.و هذا الارتكاز يسيطر علينا ثبوتا،في مثل:اننا إذا رأينا دخانا قلنا انه صادر من نار.و إثباتا و هو ان نفهم ان الأفعال صادرة من فاعلين.و هذا ليس فهما لغويا و إنما هو ملازمة عقلية و عرفية نفهمها بوضوح.

و للنحويين الحق في تقدير ضمير فاعل للفعل،تقديره(هو)-مثلا-بهذا الارتكاز،لأنه بدونه يستحيل صدور فعل بلا فاعل ظاهرا و باطنا.

الثاني:قوله:بنحو من أنحاء النسبة،لا بد انه يريد بها اختلاف الأنحاء باختلاف المشتقات.فنسبة هيئة اسم الفاعل إلى مادته نسبة فاعلية و نسبة هيئة اسم المفعول إلى

ص: 82

مادته نسبة مفعولية.و هكذا نحو النسبة في الأفعال.

و هذا لا يتم لأمرين واضحين:

الأمر الأول:ان المصدر و اسم المصدر،خاليان من معنى الذات جزما.مع ان هيئتهما اشتقاقية.فإذا كانت كل هيئة اشتقاقية دالة على نسبة المادة إلى الذات،فماذا هو الحال في المصدر و اسمه؟!مع العلم ان القاعدة العقلية في احتياج الفعل إلى الفاعل لا تتخلف.

الأمر الثاني:ان النحو المشار إليه بقوله:(نحو من الأنحاء)معلوم في اسم الفاعل و اسم المفعول،و لكنه غير معلوم في الأفعال،و هذا لا يكفي لأننا عرفيون،و يمكننا ان نفهم اللغة.فان كنت لا تعرف فنحن نعرف:ان هذا النحو هو الزمان.

الثاني:من الاشكالات اللغوية على الدلالة على الزمان.

و صورته إجمالا:ان يقال:ان سنخية دلالة الفعل على الزمان.على عدة محتملات،فإذا اثبت المستشكل بطلانها جميعا تعين عدم دلالة الفعل على الزمان.

و يكفي في جوابه اختيار أحد هذه المحتملات.فنكون قد فهمنا بالدقة أحد احتمالات دلالة الفعل على الزمن.

فيجب عرضها بالتفصيل انطلاقا من إشارة و تلميح ورد في المحاضرات(1) ،و لم يدخل في التفاصيل،بناءا على مبناه في عدم الدلالة على الزمان.فقال:ان المتصور احتمالات:اما ان الفعل دال على الزمن،أي دخوله فيه قيدا و تقيدا أو دخوله فيه تقيدا لا قيدا.

أقول:و هذه التسمية منقولة إلى الأصول من تعريف الجزء و الشرط في العبادات.

من حيث ان الجزء عند المشهور داخل قيدا و تقيدا أي ذاتا و اشتراطا،و الشرط داخل تقيدا و خارج قيدا.أي داخل اشتراطا و خارج ذاتا.

فننطلق من هذه الإشارة إلى تفصيل الصور.و ذلك:ان صور أخذ الزمان في مداليل الأفعال عديدة:1.

ص: 83


1- 246/1.

1-ان تكون الهيئة موضوعة للزمان مطابقة،قيدا و تقيدا.

2-ان تكون دالة على الزمان مطابقة تقيدا لا قيدا.

3-ان تكون دالة على الزمان بالتضمن.

4-ان تكون دالة عليه بالالتزام.

5-انها دالة على اصل الزمان و على صفة الزمان.

و لا بد للجزم بذلك من تحكيم علامات الحقيقة و المجاز العرفية.

اما الصورة الأولى:و هي أحد الاحتمالات المستفادة من المحاضرات،و هي دخول الزمان مطابقة قيدا و تقيدا.

فدخول الزمان هنا قيدا،أي بذاته،بحيث تكون ذات الزمان قيدا في الفعل.و هذا له عدة أنحاء،لأن الدخيل اما المفهوم أو الذات و على كلا التقديرين اما مطلق أو مقيد.

فهنا عدة أنحاء:

النحو الأول:ان القيد هو مفهوم الزمان بالحمل الأولي.و معناه اننا نفهم من هيئة الفعل بالمطابقة،معنى الزمان،أي معنى كلمة(الزمان).و هذا وجداني البطلان.

النحو الثاني:ان القيد هو حصة من الزمن بالحمل الأولي،و ليس مطلق الزمان أو مفهومه.بل هو حصة منه كالزمن الماضي و الزمن الحاضر،و نحو ذلك.

و هذا ليس بصحيح،و هو وجداني البطلان،و الا لفهمناه منه بالمطابقة.لأن معناه ان هناك نحوا من الترادف بين الهيئة و هذا المفهوم.فمن هيئة الفعل الماضي،نفهم معنى(الزمن الماضي).و لازمه:ان الجزء التحليلي للكلمة يحمل معنى كلمتين أو اكثر.

لأن الهيئة جزء تحليلي من(قام)و معناه كلمتان:الزمان الماضي.و في المضارع اكثر من كلمتين و هي:الزمن الحاضر و المستقبل.و كله غير محتمل و خلاف الوجدان.

النحو الثالث:ان يكون مطلق الزمان قيدا بالحمل الشايع لا الأولي.أي واقع الزمان قد وضعت له الهيئة.

و بذلك يشبّه بالجزء الداخل قيدا و تقيدا.لأن القيد في الجزء هو الذات بالحمل

ص: 84

الشايع،يعني الذات الخارجية لا المفهومية.

إلاّ انه-مع ذلك-لا يتم،لأكثر من وجه:

أولا:انه من الأكيد وجود الاختلاف بين الفعل الماضي و الفعل المضارع.و هما غير مختلفين في اصل الدلالة على الزمن،و إنما الاختلاف في الحصة.فهذا مقيد بالحصة الماضوية و هذا مقيد بالحصة المستقبلية.فإذا قلنا ان الموضوع له اصل الزمن، لم يختلف الماضي عن المضارع.

ثانيا:لأن الخارج بما هو كذلك لا يكون قيدا للمفهوم.للزوم السنخية بين القيد و المقيد.

فان قلت:المادة أيضا دالة على الخارج،فيكونان من سنخ واحد،و هذا يكفي.

قلنا:كلا.فان المعنى الموضوع له،و ان كان كذلك،الا انه في طول الاستعمال سيكون معنى مفهوميا،أي صورة ذهنية.و الهيئة طارئة على المادة في طول الاستعمال، يعني بما هي لفظ.

فان قلت:فان الحال في الهيئة كذلك.

قلنا:المفروض انها موضوعة لواقع الزمان فتأمل.

و على أي حال،فانهم ان تخيلوا ان معنى دلالة الفعل على الزمان هو ذلك،فهو كما قالوا يقيني العدم.و ما نثبته-كما سيأتي-ليس هو كذلك كله.

و المهم كأننا حصلنا إلى الآن على صورة معقولة لدلالة الهيئة على الزمان،و هو انها موضوعة لواقع حصة زمانية معينة،و مستعملة فيها.و في طول الاستعمال تصبح مفهوما ذهنيا مقيدا للمفهوم المستعمل في المادة.

لا يقال هنا:ان الهيئة لو كانت دالة على حصة خارجية من الزمن لفهمناها بالدلالة المطابقية و دلت على مفهوم الزمان،ضمن تلك الحصة،و هو منفي بالوجدان.

فهنا يقال:انها استعملت في الزمان بالمعنى الحرفي لا الاسمي.و بذلك أصبحت قيدا للمادة،لا مفهوم الزمان.و إنما هو مقيد للمادة على نحو الاستعمال الحرفي،

ص: 85

و الهيئات كالحروف قيد حرفي للمادة.

الصورة الثانية:و يصار إليها بعد فشل الصورة الأولى،و هو دخول الزمان في دلالة الأفعال قيدا أو تقيدا.

فهنا يقال:بدخولها تقيدا لا قيدا.يعني ان الزمن مرتبط بالأفعال،دون ذاته.و بهذا يختلف عن الأول حيث كان يفترض فيها كون ذات الزمان موضوعا له.و ان الزمان داخل ذاتا اما بمفهومه أو بواقعه كما فصلنا.

اما هنا فهو خارج عن المعنى الموضوع له.و إنما الداخل هو التقيدية.و هذا معنى سينفعنا في بعض التفاصيل.فتكون المادة موضوعة لمعنى الضرب مثلا.و الهيئة موضوعة لمعنى التقيد بالزمان.فالإشكال الساري في عدد من الصور السابقة لا يأتي هنا.لعدم دخول ذات الزمن.و الدلالة هنا بملازمة لا بالمطابقة،لأن وجود التقيد دال على وجود القيد.

و حينئذ ترد هنا تقسيمات تشبه التقسيمات السابقة،فان طرف التقييد هل هو مفهوم الزمان بالحمل الأولي أو هو واقعه بالحمل الشايع.مضافا إلى ان طرف التقييد هل هو مطلق الزمان أو هو مصداقه و حصة منه.كما هو الصحيح وجدانا مضافا إلى كون المقيد هل هو المادة أو الهيئة.فالاحتمالات ثمانية.

و ينبغي الإشارة هنا إلى إخراج ما هو غير محتمل من التقسيمات المحتملة.

و ذلك:اننا نخرج أولا كل ما ارتبط بالتقييد بالزمان بالحمل الشايع أي واقع الزمان،سواء أريد به واقع الزمان المطلق أو واقعه المقيد.لما قلناه من ضرورة وحدة العالم بين القيد و المقيد.و المفروض ان المقيد هنا عالم المفهوم أي الوجود الذهني، و القيد موجود خارجي.

فخرجت بذلك عدة احتمالات،كلها تندرج تحت هذا العنوان بل هذا أولى بالبطلان من النحو السابق.لأن المفروض ان واقع الزمن غير الموضوع له يكون قيدا.بخلافه على النحو السابق.فان المفروض انه يكون موضوعا له،إذن،فكونه قيدا اكثر احتمالا.

ص: 86

فان قلت:اننا اجبنا عن هذا الإشكال هناك:بان واقع الزمان يصبح مفهوما بالاستعمال.فلا يكون فيه بأس.

قلنا:ذلك الجواب لا يأتي هنا،للفرق الذي أشرنا إليه،بين النحويين.فان ذات الزمان خارجة في النحو الثاني عن الموضوع له.فهي خارجة عن المستعمل فيه الحقيقي.فإذا لم يستعمل فيه اللفظ لم يتحول من واقع إلى مفهوم.

فالمادة المفهومية المستعمل فيها اللفظ،تكون مقيدة،بواقع الزمان الخارجي،لا بمفهومه.و هو أوضح إشكالا هنا و أولى بالخروج عن الصور الممكنة.

و يبقى إخراج شيء آخر،و هو كون مطلق مفهوم الزمان على سعته قيدا.فانه غير محتمل.فيخرج هذا سواء كان قيدا في المادة أو الهيئة.لأن مطلق الزمان لم يؤخذ لا في الماضي و لا في المضارع.و إنما أخذت حصة خاصة منه.

و يبقى من المحتمل عمليا:أخذ مفهوم حصة من الزمن،خارجة عن المعنى الموضوع له.و تكون الهيئة دالة على الربط به،أي الوقوع في الزمن الماضي.

بقيت احتمالات بسيطة،مربوطة بالتقييد بمفهوم الزمان.و أحدها غير محتمل، و هو ان يكون مطلق الزمان الساري قيدا.لأن الفعل الماضي لا بد ان يكون مقيدا بالماضي و كذا المضارع،لا بد ان يكون مقيدا بالحصة.فاحتمال كون الفعل دالا على مطلق الزمن باطل.

بقي احتمال دلالته على مفهوم حصة خاصة من الزمن،على ان يكون التقيد داخلا و ذات الزمان خارجة.

و في المقيد احتمالان هو ان يكون المقيّد هو المادة و الآخر ان يكون هو الهيئة.

فنقول:اما تقييد المادة الدالة على الكلي أو الماهية المجردة،فهو في نفسه غير محتمل دخول الزمان فيها.

و إنما تقيد بقيد خارجي عنها،أي بقرينة متصلة كالهيئة،فإذا كان الزمان قيدا للمادة فإنما هو باعتبار الهيئة.

ص: 87

و اما لو كان قيدا للهيئة ابتداءا،فيقع السؤال عما هو الجزء الثاني لها و هو المقيد.

و يمكن ان يجاب:بان المقيد هو الوقوع أو الحدوث،يعني الوقوع في الزمن الماضي.

فالهيئة تدل على الربط الحرفي بين الحدوث و الزمان و الفعل.

و هذا و ان كان قريبا من الذوق،الا انه غير صحيح،لأن اللازم من ذلك ان نفهم معنى الوقوع و الحصول بالدلالة المطابقية أو التضمنية من الهيئة.مع اننا لا نفهم معنى الحدوث بل مصداقه.

لكن يجاب عليه:بأننا نرفع اليد عن مفهوم الوقوع في الهيئة،و إنما هو مأخوذ في معنى المادة،أي ان مادة الذهاب،تدل على حصول الذهاب.و تدل الهيئة على ربط الحصة المفهومية من الزمن بالمادة ربطا حرفيا،من حيث حصوله في الزمن الماضي.

فالهيئة لا تدل على الزمن لا مطابقة و لا تضمنا،بل تدل على تقييد المادة بالزمن.

و هذا هو النحو الثالث الذي نسميه بالالتزام،و ان لم يكن كذلك بالاصطلاح.فقد تحصل عدة أشكال من الفهم و الاطروحات الممكنة في دلالة الفعل على الزمن بالمعنى الحرفي الذي يناسب الهيئة،و لا إشكال فيه.

كل ما في الأمر ان هيئة الماضي تدل على الوقوع في الزمن الماضي و هيئة المضارع تدل على الوقوع في المستقبل.

و أنا اعتقد ان المضارع يدل على المستقبل إذا لم توجد قرينة و عناية للدلالة على الحاضر.و من هنا ينسبق إليه.

لا يقال:انه موضوع للجامع بين الحاضر و المستقبل.

فانه يقال:ان الجامع لا ينبسق،بل الحصة.مع ان هذا الانسباق حاصل في المستقبل.نعم يصلح هذا ان يكون دليلا على عدم الانسباق إلى الحاضر خاصة.

فان قلت:فان استعماله في الحاضر،لا يحتاج إلى قرينة و هي علامة الحقيقة.

قلنا:يمكن إنكار ذلك.كل ما في الأمر ان القرينة ارتكازية معتادة.

فان قلت:فان تعيين المستقبل يحتاج إلى قرينة بالسين أو سوف.و لو كان دالا

ص: 88

على ذلك لغة،لما احتاج إلى ذلك.

قلنا:في هذا الكلام غفلة عن العرف و اللغة.لأن الجواب يكون على مستويين:

المستوى الأول:ان الاستقبالية في المضارع إذا تركت بدون قرينة تكون اقل وضوحا،لكنها تزداد وضوحا بها.

المستوى الثاني:ان المستقبل الموضوع له الفعل المضارع هو الأعم من القريب و البعيد.فاستعماله لوحده يكون مجملا.و يفسره السين و سوف.فالأول للقريب و الثاني للبعيد.

و مما تقدم نعرف عدم دلالة فعل الأمر على الزمن.لأن الفعل الماضي و المضارع يدل بهيئته على الزمن.في حين يدل فعل الأمر بهيئته على الطلب.و لا إشعار فيه للزمان.

نعم،لازمه الغالبي هو الامتثال.أو قل:ان المطلوب فيه هو المادة.و هو لا يكون الاّ في المستقبل.الاّ انه أمر عقلي غير ملحوظ لغة بدليل عدم وجود الاقتران مع الزمان.

ثم ان الأستاذ المحقق بعد ان أنكر دلالة الأفعال على الزمان،كان مسؤولا عن التفريق بين الماضي و المضارع.لأنه مع سلب الزمن لا يبقى فرق بينهما،و هذا يلزم منه إمكان استعمال أحدهما في محل الآخر،و هو خطأ فاحش على ما زعم(قدس سره)(1).

غير ان هذه المقدمة غير تامة،لوضوح إمكان استعمال الماضي و المضارع في محل بعضهما البعض.و له شواهد من الآيات الشريفة.كقوله تعالى:اِقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ ،إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ ،إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ، وَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً ،وَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ .أقول:مع اننا لا نعترف-كمشهوريين-بالمجاز في الأفعال.

فان قلت:بان هذا منظور فيه الزمن الذي يصح فيه الاستعمال.بمنزلة الحكاية عن ذلك الوقت.1.

ص: 89


1- المحاضرات:247/1.

قلنا:كلا،بل المفهوم ظهورا هو لحاظ الزمان الحاضر،الا بقرينة على خلافه.

إذن،فاستعمال أحدهما في محل الآخر يصح حقيقة.اما من حيث وجهة نظرنا، فلأنه مجاز مقترن بقرينة حالية.و الهدف فيه هو التأكيد.و اما من وجهة نظر المشهور فبإسقاط الزمان.و لا حاجة إلى تبريرها اكثر من ذلك

الا اننا لو تنزلنا و قبلنا المقدمة،فجوابه مبني على اعتقاده بان الألفاظ تدل على القصد النفسي،و خاصة في التصديقات كالإخبار و الإنشاء،و قد قال نحو ذلك في الأفعال.بان الماضي دال على قصد المتكلم عن تحقق المادة مقيدة بكونها قبل زمان التكلم.و المضارع مقيد بكونها حينه أو بعده.

و قال:ان هذا يصلح ان يفسر موارد الاستعمال في موارد الاشكالات على الدلالة على الزمن،كالنسبة إلى اللّه و الى الزمان و غير الزمانيات.

و قد ناقشنا هذا الفهم في مبحث الوضع،و قلنا:ان مقدماته لا تصح اساسا،و ذلك لأنه يقول:ان الوضع هو التعهد.و ان كل فرد من أهل اللغة يتعهد انه إذا أراد إبراز أحد المعاني،فأنه يأتي بلفظ معين.

و قد اشكلنا هناك باشكالات سبعة،و قلنا:ان الوضع ليس هو التعهد بل هو القرن الجعلي الكامل بين اللفظ و المعنى نفسيا أو ذهنيا.من باب تداعي المعاني.

و قولنا:الكامل،إخراج للمجاز الشائع الذي لا يحتاج في استعماله إلى قرينة، و مع ذلك فالاقتران فيه ليس كاملا بل ناقص.فالعلقة الوضعية لا تكون الاّ بالاقتران الكامل.

ثم انه قدس سره فرّع على مسلكه عدة نتائج و تفريعات:

منها:ان ما هو الموضوع له ليس هو ذات المعنى.فلفظ الماء ليس موضوعا للماء الثبوتي،أي ما هو بالحمل الشايع ماء.و إنما هو موضوع لقصد إبراز إرادة معنى الماء(1).1.

ص: 90


1- المحاضرات:48/1.

و هذا التصور يخالف طبعا الفهم العرفي و العقلائي،بان اللفظ موضوع لذات الأشياء.

و منها:و هو ما نص عليه(1):ان الدلالة تابعة للإرادة،و ان الإرادة مأخوذة في نفس الوضع لأن التعهد يعني ذلك.فإذا كانت الإرادة موجودة فشرط الوضع موجود، و المعنى الموضوع له موجود.و اما إذا كانت الإرادة غير موجودة،و صدر اللفظ من ناطق غير مريد.فهو استعمال غير وضعي.لأن قيد الوضع و شرطه الأساسي غير متحقق.

و ينبغي الالتفات:انه بناءا على هذا لا يستطيع القول:ان الاستعمال حقيقي لفقدان شرط وضعه،و لا مجازي لأن المجاز أيضا يحتاج إلى قصد و إرادة.و المفروض عدمها عند المتكلم.فهذا الاستعمال لا حقيقي و لا مجازي.

و من هنا قال الشيخ المظفر(2)-الذي يذهب إلى نفس الرأي-:بان هذا و هم لتداعي المعاني.فليس لأجل علقة وضعية أو مجازية.

و نحن بعد ان قلنا:ان الوضع ليس هو التعهد،نرفض كل هذه النتائج.و الوضع هو الاقتران الكامل بين اللفظ بالحمل الشايع و المعنى الخارجي أو الواقعي.على إيضاح ذكرناه هناك.

و هذا ينتج نتائج مخالفة لنتائج مسلك التعهد.

منها:ان ما يراه العرف و أهل اللغة إجماعا من ان المعاني هي ذوات الأشياء،و ليس القصد النفسي لابرازها،هو الصحيح.لأن ما هو طرف القرن هو ذاك و ليس هو القصد.

و منها:ان الدلالة ليست تابعة للإرادة.بل لسماع اللفظ.فانها وظيفة السامع و ليست وظيفة المتكلم أو الناطق.و المفروض ان السامع يوجد في ذهنه هذا الاقتران الجعلي الكامل.فإذا تذكر اللفظ تذكر المعنى،بقانون تداعي المعاني.

و منها:-و هذا لم يشر إليه الأستاذ المحقق-:ان الموضوعات في اللغة لا تختص1.

ص: 91


1- المحاضرات:111/1.
2- اصول الفقه:20/1.

بأسماء الأجناس،كما خصها الأصوليون،بل هناك الهيئات و النسب الخاصة و العامة، و كلها موضوعة في اللغة.

و قلنا:ان استعمالها في المعنى الموضوع له حقيقي و في غيره مجازي.و معه، فنقول:ان هذه الأمور كلها غير تابعة للإرادة.

يبقى عندنا شيء لا بد من التحقيق فيه،في انه هل هو موضوع للأمر الثبوتي أم للقصد النفسي.و هو(الإنشاء).

فان الإخبار موضوع للأمر الثبوتي.و لذا إذا طابقنا النسبة للواقع كانت صادقة و إذا خالفته كانت كاذبة.و اما على ما فسره الأستاذ المحقق فانه يكون صادقا دائما!!لأن القصد إلى إبراز المعنى متحقق.

اما الإنشاء فقد يقال:انه موضوع للقصد النفسي لأنه غير قابل للصدق و الكذب.

و لو دققنا النظر نجد ان كليهما موضوع لعالم الثبوت.الا ان عالم الثبوت في الإخبار هو الواقع،اما عالم الثبوت في الإنشاء،فهو الحالة النفسية.

و ينبغي ان نفرق بين ما هو ذهني و ما هو نفسي.فالترجي و التمني عواطف نفسية و ليست صور ذهنية.لأن الصور الذهنية لا يفرق بين كون متعلقها اخبارا أو انشاءا.

و اما المعاملات،فليست من هذا القبيل،و ان لم يصدق الكذب و الصدق فيها.

و إنما هي تواضع عرفي بحيث تكون سببا للنتيجة على نحو العلة الغائية.و العلة الغائية تكون في أولها فكرة و في آخرها حصول الغاية و تطبيقها.فمعاملة البيع في أولها قصد البيع و في نهايتها إيجاد البيع.

و من هنا يكون من قال بان الإنشاء مطلقا قصدي أو بان الوضع كله انه قصدي، لا حظ الأمر الأول،و من قال بان الإنشاء إيجادي لا حظ الأمر الثاني.مع العلم ان المعاملات تختلف عن غيره من أقسام الإنشاء.بان غيرها لا يوجد بعده شيء و في المعاملات يوجد شيء في عالم الاعتبار.

كما ان المعاملة ليست حالة نفسية كالاستفهام و التمني،بل حالة عقلية.فهما

ص: 92

يختلفان في المنشأ و المآل.

و حيث انه لا توجد ألفاظ خاصة بالمعاملات،استعملت فيها ألفاظ الإخبار كبعت و قبلت مسلوخا عنها معنى الإخبار.و هي-بهذا المعنى-من جنس المجاز.

اللهم الا ان تقول بالاشتراك اللفظي،يعني يوجد وضع آخر خاص بالمعاملات، و يلاحظ هنا انها وضعت بهذا الوضع،بدون مادة و هيئة.و الا لكانت اخبارا كما هو واضح أو وضعت هيئتها للإنشاء لا للدلالة على الماضي.

و من نتائج ذلك بطلان كلتا المقدمتين للأستاذ المحقق:

الأولى:ان الفعل الماضي و الفعل المضارع،لا يمكن استعمال أحدهما في محل الآخر.بل يمكن ذلك مجازا.و إذا جاز مرة جاز مرات.

فان قلنا بدخول الزمان فيها،حصل الفرق بين الفعلين،و الا لم يحصل.بل كان استعماله في معنى الزمان مجازا لدخول شرط أو عنصر غير وضعي فيه.و يكون الفرق بينهما على مستوى المجاز لا الحقيقة.بخلاف العكس،و هو ما إذا قلنا بان الزمان قيد وضعي للأفعال.فان الاستعمال بدونه مجاز،و في صورة المجاز لم يفرق بينهما.

و هذا صحيح لما قلناه من ان استعمال أحدهما في محل الآخر مجاز.و هذا يعني أحد أمرين:

1-اما انها مستعملة بدون الدلالة على الزمان.

2-و اما انها مستعملة في زمان مضاد للزمان الموضوع له.و كلاهما مجاز.

الثانية:ان الألفاظ موضوعة لابراز قصد المعاني.و ليس لذات المعنى واقعا و ثبوتا.و هذا ناشئ عن مسلك التعهد.و قد نفيناه مع مقدماته.

فما هو المشهور و الصحيح من ان كل اللغة موضوعة للمعاني الثوبتية لا المعاني القصدية تصورا أو تصديقا.و هو إخبار بقصد الواقع،و هذا احتمل الصدق و الكذب، و على ما قال يكون صادقا دائما،و ان كان مخالفا للواقع،ما دام مبرزا للقصد النفسي.

و لو تنزلنا و قبلنا كلتا مقدمتي المحقق الأستاذ.فهل تكون النتيجة صحيحة؟قال

ص: 93

في المحاضرات(1) عن تفاصيل دلالة الماضي و المضارع،و مقدار دلالتها على الزمن.

قال:الفعل الماضي موضوع للدلالة على إبراز قصد المتكلم بيان وقوع الحادث أو المادة قبل زمن التكلم.قال:ان هذا صادق سواء في الأمور الزمانية كقمت أو غير الزمانية، كالزمان نفسه تقول:مضى يوم أمس و يأتي غد.أو ما فوق الزمان(علم اللّه.كان اللّه).

فالمهم ان المتكلم قصد إبراز ذلك،و هذا لا يعني ان الفعل الماضي مقيد بالزمان.

و يرد على ذلك أمران رئيسيان:

الأول:ان هذا من سنخ دلالة الفعل على الزمان.لأننا لا نريد به الا كونه مقيدا بأحد مراتبه بالزمان.و هذا يكفي سواء كان القيد هو القصد أو الحكاية أو التحقق أو المادة.

كل ما في الأمر:ان الأستاذ المحقق صرف الدلالة من المطابقية إلى التضمنية أو الالتزامية.و لكنه اثبت اصل الدلالة.

الثاني:اننا لو تممنا الاشكالات الرئيسية التي أوجبت القول بعدم الدلالة على الزمن،لوردت هنا أيضا.

و بتعبير آخر:انها ترد ما دام الزمان قيدا في دلالة الفعل،فبالرغم من ان قصد الحكاية خارج عن الزمن عنده،الا ان تحقق المادة مقيد بالزمان و هو كونه قبل زمن التكلم.و مدلول المادة هو المتعلق بالزمن،أو بما فوق الزمن.فتحققه قبل زمان التكلم يعني وقوعه في الزمن الماضي،و تسمية زمان التكلم كأمر فني لا يعني أي شيء.

فان زمان التكلم هو الحال أو الحاضر،و ما قبله يكون هو الماضي و ما بعده يكون هو المستقبل.فرجع الأمر إلى الزمان.فمتى كان الزمان مستحيلا،استحال ذلك أيضا.بل هو بعينه لا يختلف،كل ما في الأمر انه ليس بالمطابقة.

إذن،فما زعمه من ان المتكلم في قولنا:علم اللّه و إرادة اللّه،و ما شاكل،يدل على ان المتكلم قاصد للإخبار عن تحقق المادة و تلبس الذات بها قبل زمان التكلم.و ان كان1.

ص: 94


1- 247/1.

الفعل مما هو فوق الزمان أو لا يقع في زمان.

أقول:يكون المعنى:أراد اللّه قبل زمان التكلم.و هو معنى الماضي.يعني ان تلبس الذات بالمبدأ و هو الإرادة،عندئذ أي في الماضي فيكون محالا لو تمت تلك الاشكالات.

ثم قال(1) نعم بين الإسناد إلى الزماني و غيره فرق من ناحية أخرى.و هي ان الإسناد إلى الزماني يدل بالالتزام على وقوع الحدث في الزمن الماضي.بخلاف غيره.

و هذه الدلالة ناشئة من معنى تكويني،و ليست مستندة إلى أخذ الزمان قيدا في الموضوع له.

أقول:افضل نقض على ذلك تطبيقه على المشتقات الأخرى،كاسم الفاعل أو المفعول كعالم و معلوم أو كاسر و مكسور.هل يدل على وقوعه في الزمان مع انه أمر زماني تكوينا.لا يدل عليه باللفظ قطعا،و إنما بالدليل العقلي فقط.فهل الفعل هكذا؟ قطعا لا.بمعنى انه يدل على الزمن اكثر من أسماء الفاعل و المفعول.

و هذا معناه انه يدل عليه دلالة لفظية،سواء سميناها مطابقية أو التزاما،و سواء قيدنا بها المادة أو زمان التكلم.

ثم قال،و اما الخصوصية في الفعل المضارع،فهي انه وضع للدلالة على قصد المتكلم الحكاية عن تحقق المادة في زمن التكلم أو ما بعده.و لا يدل على وقوعها في الحال أو الاستقبال.

أقول:و في الحقيقة اننا لم نخرج عن الحال أو الاستقبال.لأن زمان التكلم هو الحال و ما بعده هو الاستقبال.و لكن ليس للمادة بل لزمان التكلم الذي تدل عليه الهيئة.

مع انه قال:وقوعه بعد زمان التكلم،يعني وقوع المادة.فإذا فهمنا من قوله:قبل زمان التكلم،أي في الماضي.فيكون:عند زمان التكلم أي في الحاضر.فرجع الأمر بالالتزام إلى المادة،سواء كان ماضيا أو مضارعا.و هذا يكفي في دلالة الفعل على الزمان.1.

ص: 95


1- المحاضرات:248/1.

بقيت بعض المناقشات مع صاحب الكفاية:

المناقشة الأولى:انه اعترف الشيخ الآخوند(1):ان الأفعال تدل على الزمان بأحد أسلوبين:

أحدهما:الإسناد إلى الزمانيات كقام زيد.

ثانيهما:الإطلاق.بمعنى ان الفعل لو لم يقيد بغير الزمان كفى في الدلالة على الزمان.

و هذا يثير عدة استفهامات:

أولا:اننا نسأل هل ان هذين العنوانين(الإسناد إلى الزمانيات و الإطلاق)أمر واحد أو أمران.فان كانا امرا واحدا،كفى فيهما عنوان واحد لكي يناسب دقة كلامه و ضغط عبارته.

و ان كانا أمرين،كما هو ظاهر العطف و ظاهر العبارة،لأن العطف التفسيري خلاف الأصل.فمعناه ان الفعل دال على الزمان.إذ في صورة الإطلاق لا توجد قرينة على الزمانيات.فإذا كان هذا يعتبر الفعل بحد ذاته دالا على الزمان،فدلالته على الزمان وضعية.لأن الاستعمال المجازي بدون قرينة غلط.الا ان يكون الفعل موضوعا للزمان حتى في غير الزمانيات،ما لم يقيد بالخلاف.لأن مقتضى التغاير بين الأمرين هو ذلك.

ما لم يدل دليل على استحالته بقرينة متصلة أو منفصلة.

ثانيا:ان هذا يحمل على أحد ثلاث احتمالات لا رابع لها.

الأول:ان يقول بوضع الأفعال للزمان و انها مقيدة به.و هو ما نقوله.و ظاهر عبارته.

إذ لولاه لما دل بالإطلاق على الزمان و لاحتاج إلى قرينة.

الثاني:انها موضوعة للزمان في الزمانيات.و اما في غيرها فهي مجردة عن الزمان.

و هذا معنى انها موضوعة بوضعين مثل المشترك اللفظي.و الا كان أحدهما مجازا.و يلزم1.

ص: 96


1- 61/1.

منه اختلاف وضع الفعل باختلاف المسند إليه.و هو غير محتمل.

الثالث:انها غير موضوعة للزمان،الا إذا دلت عليه قرينة،فتدل على الزمان بالالتزام.

الا ان هذا ينافي دلالتها على الزمان بالإطلاق،لأنه مع الإطلاق لا توجد قرينة على الزمان.و ان كانت موجودة عند الإسناد إلى الزمانيات.

إذن يمكن ضم الآخوند إلى الأصوليين القائلين،بدلالة الأفعال على الزمان، بالرغم من إنكاره ذلك بنفسه.

و هنا لصاحب الكفاية ان يقول:ان كون الأفعال موضوعة مع عدم الزمان له شكلان:

فتارة:انها موضوعة مع قيد عدم الزمان.و أخرى:ان يكون عدم الزمان ظرفا له.

فعلى الأول:يكون استعمال الفعل في الزمانيات مجازا.كما زعمت.و اما على الشكل الثاني،فيكون عدم الزمان خصوصية وضعه و ليس قيدا لاستعماله فيها بدونه.فلا يكون مجازا.لأنه لا يكون فاقد للقيد

الا ان هذا ليس بصحيح،إذ ان الاستعمال على كلتا الصورتين مجاز.لأننا لا نقصد بالمجاز الا الاستعمال بغير المعنى الموضوع له.سواء لانعدام القيد أو لعدم الذات أصلا.فالدلالة الوضعية خالية من الزمان،فيكون استعمالها في الزمانيات تغييرا للذات.و بتعبير آخر:اننا أضفنا قيدا زائدا على المعنى الموضوع له.لم يؤخذ في وضعه.

المناقشة الثانية:انه قال(1):بل يمكن منع دلالة غيرها من الأفعال على الزمان،الا بالإطلاق و الإسناد إلى الزمانيات.

مع ان الكلام ليس في اصل الدلالة بل في الدلالة الوضعية.و اما مطلق الدلالة فلا تنافي المجاز.و لا يكون إرادة المجاز محذورا،لأنه دلالة لفظية.

المناقشة الثالثة:قوله:و الا لزم القول بالمجاز و التجريد عند الإسناد إلى غيرها من نفس الزمان و الزمانيات.ة.

ص: 97


1- الكفاية:61/1 و هو نفس موضع النص في المناقشة الآتية.

و جوابه:ما سبق من أخذ الجامع بين الزمان المعهود و الزمانيات العليا،كالدهر و السرمدية في الفعل.و ليس خصوص الزمان المعهود،ليلزم المجاز و يحتاج إلى تجريد.

و الا كان العكس تجريدا و مجازا أيضا عند استعمالها بمعنى الزمان.و هو غير محتمل.

المناقشة الرابعة:قوله(1):و يؤيده ان المضارع يكون مشتركا معنويا بين الحال و الاستقبال.و لا معنى له الا ان يكون له خصوص معنى صح انطباقه على كل منهما.لا انه يدل على مفهوم زمان يعمهما.

أي ليس لجامع الزمان الذي يكون الحاضر حصة منه،و المستقبل كذلك،شأنه في ذلك شأن الجملة الاسمية كزيد ضارب.التي لها نحو معنى التزامي صح انطباقه على كل واحد من الأزمنة،مع عدم دلالتها على واحد منها أصلا.و نحو هذه الدلالة دلالة المضارع على الزمانين:الحال و الاستقبال.

و قد اتضح جوابه مما سبق،من حيث ان الدلالة الالتزامية على قسمين:عقلية صرفة غير موضوع لها.و دلالة التزامية ظهورية تعد من المعنى الموضوع له.

و هنا ندعي،و يدعمه الوجدان و الاقتران النفسي الكامل،ان الدلالة في الفعل هي من القسم الثاني أي الدلالة الظهورية،لا العقلية.

و به يتضح الفرق بين الجملة الاسمية و الفعلية،فالأولى من الأول،و الثانية من الثاني.

المناقشة الخامسة:ان صاحب الكفاية أشار(2) إلى عدم انضباط الزمان بضابط معين.و لو كان موضوعا له الزمان،لأنضبط.إذن فهو غير موضوع له الزمان.

و ذلك:ان المستقبل و الماضي قد لا يلحظان بالنسبة إلى الحاضر،بل إلى الماضي أو المستقبل،فيكون المستقبل ماضيا حقيقة،و الماضي مستقبلا حقيقة.1.

ص: 98


1- الكفاية:62/1.
2- الكفاية:62/1.

و جوابه:ان هذا ان دل على شيء فإنما يدل على مدّعانا من أخذ الزمان بنظر الاعتبار.و لو لم يكن مأخوذا لما فهمنا كل ذلك الا على سبيل المجاز.و ليس الأمر غير منضبط لكي يكون طريقا إلى نفسه.

بل هو منضبط،و ذلك:ان الأزمنة الثلاثة قد تكون ملحوظة بالنسبة إلى الأزمنة الثلاثة كلها.فتكون الأزمنة تسعة.

و المتعارف هو نسبتها إلى الحاضر.الا ان ذلك غير متعين.و الانضباط إنما يكون في النقطة التي تكون مركزا للأزمنة الثلاثة.و هذا واضح عرفا،و غير منافي مع دلالة العقل على الزمان.و له تطبيقات في الكتاب و السنة.

هذا و قد قال الأستاذ المحقق عن هذا في المحاضرات(1):بأنه لا يكون الماضي ماضيا حقيقة و لا المستقبل مستقبلا كذلك،و إنما يكون ماضيا و مستقبلا بالإضافة إلى شيء آخر.

أقول:و هذا كله انسياق مع المعتاد من كون الماضي و المستقبل ملحوظا من جهة الحاضر(المطلق)،و الا لم يكن كذلك حقيقة.و في كلام الشيخ الآخوند ما يدعمه كما مر.و ان الماضي يصبح مستقبلا و المستقبل ماضيا.

و ما يمكن ان يستدل به على ذلك أمران:

الأول:ان لحاظ الحال في غير الحاضر،مجاز عقلا و لغة،فيكون نسبة الزمانين الآخرين إليه مجاز باللازم.

جوابه:ان الحاضر بالقول المطلق،و ان كان كذلك.الا ان الماضي بالنسبة إلى حادثة معينة،ليس هو ذلك،و لا يمكن ان يكون كذلك.و من هنا كان حاضرها الحقيقي هو نقطة اللحاظ دون سواها.

فان قيل:ان لازمه جعل الحاضر المطلق ماضيا تارة(بالنسبة إلى المستقبل) و مستقبلا أخرى(بالنسبة إلى الماضي).و هذا فاسد.فيكون لازمه فاسدا.1.

ص: 99


1- 249/1.

قلنا:هذا بخصوصه غير عرفي لوقوع التزاحم بين ما هو حسي و ما هو وهمي أو اعتباري.و الحسي مقدم على الاعتباري عرفا.لأنه الأقرب ذهنيا و وجدانيا.

فمن المستطاع القول:بان لحاظ الأزمنة،يمكن ان يكون بمختلف اللحاظات، الا ما خرج بدليل عرفي.و هو لحاظ الحاضر ماضيا أو مستقبلا.

الثاني:دعوى ان لفظ الماضي موضوع للماضي الحقيقي،أو المطلق.و المضارع كذلك،فيكون استعماله في غير ذلك مجازيا.

الا ان جوابه:ان هذه الدعوى مما لم تثبت.اما على القول بعدم أخذ الزمان في الأفعال فواضح،فانه لم يؤخذ شيء منها لا الحقيقي و لا الوهمي أو قل لا المطلق و لا النسبي.

و اما على القول بأخذ الزمان قيدا في مدلول الأفعال،فقد أخذ فيها الزمان الماضي و المستقبل،بغض النظر عن نقطة البداية فيه،أو لحاظ الحاضر المطلق.

فان قلت:فان تلك أمور غير عرفية،فكيف يوضع لها اللفظ.

قلنا:أولا:هي عرفية في مراتب عديدة منها،و مستعملة في لسان أهل المحاورة.

و لها شواهد في اللغة و القرآن و السنة.

ثانيا:ان الوضع إذا كان للجامع و كان اغلب أفراده عرفية،لم يضر به ان القليل من أفراده ليس عرفيا.

ثالثا:اننا لو استعملنا علامات الحقيقة و المجاز،كان الاقتران الكامل موجودا لكل الأزمنة التسعة.و بتعبير آخر:ان الاقتران موجود بالنسبة إلى الجامع الذي يعمها، فالأفراد تدخل في الضمن.

رابعا:ان الإشكال لو تم لحصل في أربعة من التسعة،لأن مستقبل المستقبل مستقبل،و ماضي الماضي ماضي.مضافا إلى الثلاثة الحقيقية،فهذه خمسة.و يقع الإشكال في أربعة هي:نقطة الحاضر في الماضي و المستقبل،و ماضي المستقبل و مستقبل الماضي.

ص: 100

اطراد في الاستطراد:(المعنى الحرفي)

تعرض الشيخ الآخوند في هذه المرحلة من التفكير،لأجل الاطراد في الاستطراد في تمام الأقسام،على حد تعبيره(1) إلى معاني الحروف أخذا بالانقسام النحوي للكلمة، فتحدث عن الأسماء ثم الأفعال من حيث دلالتها على الزمان،ثم الحروف من باب تداعي المعاني.

و الا فمقتضى القاعدة منع الاستطراد في الأمور المعمقة و الدقيقة.و لكننا جريا معه في الجملة،نعطي شيئا عن المعنى الحرفي.

و لا أود الآن التعرض لكل ما ذكره في البحث الأصلي عن المعنى الحرفي.و إنما نتعرض فقط لرأيين فقط،هما:رأي الشيخ الآخوند الذي ذكره هنا و لم يستدل عليه لوجود استدلاله هناك فيما سبق.و الرأي الآخر هو الرأي المختار.

اختار الشيخ صاحب الكفاية:ان المعنى الذي وضعت له الحروف-كما في الأسماء-عام أو كلي و ليس خاصا أو جزئيا،كما عليه المشهور.

قال:لأن الخصوصية المتوهمة اما ان تجعل المعنى المتخصص بها جزئيا خارجيا أو جزئيا ذهنيا و على كلا التقديرين تكون النتيجة باطلة و إذا كان اللازم باطلا فالملزوم مثله فالمعنى الحرفي ليس جزئيا.اما الخصوصية الخارجية فغير محتملة دائما،لأنها قد تنتفي أحيانا يقينا،كما في الأمر و النهي.لعدم وقوعهما بعد،و متعلقهما كلي دائما.و ينبغي كونه كذلك في جميع الموارد بضميمة التماثل في الاستعمال فيجعلها واحدا.

و اما الخصوصية الذهنية فباعتبار ان المعنى لا يكون حرفا،الا إذا لو حظ آلة في غيره،كالعرض الذي يكون في غيره.فيكون المعنى الذهني جزئيا باعتبار تعدد اللحاظ.

و أجاب صاحب الكفاية على ذلك بوجوه:

ص: 101


1- الكفاية:63/1.

أولا:ان هذا اللحاظ لا يمكن ان يأخذه المتكلم في المعنى المستعمل فيه،و الا لزم طرو لحاظين على ملحوظ واحد.لأن المعنى الموضوع له مقيد ذهني بالآلية و الاندراج و الفنائية،و الاستعمال حينما يأتي إلى ذهن المتكلم يحتاج إلى لحاظ و هو أيضا لحاظ ذهني،فاجتمع لحاظان في ذهن المستعمل في آن واحد،أحدهما للوضع و الآخر للاستعمال.

ثانيا:ان المعنى الموضوع له حينما يقيد بقيد ذهني،يصبح كليا عقليا غير قابل للانطباق على الخارج الا بالتجريد و المجاز(لأن المعنى الموضوع له مقيد و المعنى المستعمل فيه غير مقيد).

ثالثا:انه يمكن قياس الحروف على الاسماء.و ذلك في مرتبتين:

1-انه كما ان الأسماء لم يؤخذ فيها المعنى الاستقلالي قيدا،كذلك الحروف لم يؤخذ فيها المعنى الآلي قيدا.فالاسم و الحرف وضعا لذات المعنى.و هو كلي قابل للانطباق على كثيرين.فالموضوع له عام

2-انها لو حظت كذلك،فكما ان اللحاظ الاستقلالي للأسماء لم يوجب كونها جزئية.كذلك اللحاظ الآلي في الحروف لم يوجب كونها جزئية.

ثم انه قدس سره أشكل على نفسه:بان البحث انتج:ان الأسماء و الحروف بمعنى واحد،فالابتداء يعبر عنه تارة بهذا الاسم و تارة بمن.و حينئذ لم يبق فرق بين الأسماء و الحروف،و لكنه موجود بالضرورة.و للزم جواز استعمال بعضها في محل بعض و هو من أفحش الاغلاط.

و أجاب قدس سره بما لا يخلو من إجمال،من حيث ان المعنى الاسمي وضع ليراد به المعنى بما هو هو،و المعنى الحرفي وضع ليراد به كونه أداة لغيره.

فقوله:ليراد.قد تفسر بشرط الواضع أو هدف الواضع أو أمر الواضع أو هدف الاستعمال.و نحو ذلك.

و نجيب على هذا الأخير:انه اما ان يكون أمر الواضع أو شرطه أو هدفه.و كلها فاسدة.

ص: 102

اما أمر الواضع،فمن المعلوم انه ليس ممن تجب طاعته،و لو سلمنا فانه إنما يوجب عصيانه العقوبة لا الغلط في الكلام.

و اما ان يكون المراد هدف الواضع و حكمته و ملاكه،فهذا الهدف اما ان يكون على نحو الاقتضاء أي الحكمة،و اما على نحو العلية.اما الأول،فلا تكون مخالفته غلطا، لأن تخلف الحكمة غير عزيز.و اما على الثاني،فلا دليل على ثبوته.

و اما ان يكون المراد شرط الواضع.فان كان شرطا في الوضع،لزم عدم الوضع عند عدمه.و ان كان شرطا في الاستعمال-كما هو الأقرب إلى العبارة-كان الوضع تاما بدونه.بل حتى لو كان الشرط شرطا في الوضع،فان تخلفه يلزم منه المجاز لا الغلط.مع ان استعمال الحرف محل الاسم من افضع الاغلاط.

ثم ان اللام هنا،في قوله:ليراد:للتعليل.و العلة-كما هو معروف-على أقسام أربعة:فاعلية و مادية و صورية و غائية.و لا يحتمل ان يراد هنا الا الغائية.أي لأجل أو لكي يستعمل بهذه الكيفية.أي استعماله آلة و حالة في غيره في الحروف.و استعماله مستقلا في الأسماء.

فاللام تدل على الهدف لا على الشرط،كما هو المشهور حوزويا.و هو هدف الواضع في الاستعمال،لأن الإرادة تكون في الاستعمال.

و قلنا:انه فهم ناقص و لا دليل على تماميته،فانه لو أراد الشرط،فهو اما تكويني و هو التقييد أو تشريعي.و هذا الأخير لا تجب طاعته،و الأول لا يلزم منه الغلط،لأنه ان كان شرطا في الوضع فهو المجاز.و ان كان في الاستعمال،فهو حقيقة،و ان عصى يتخلف شرطه.في حين اننا نرى ان استعمال الحرف في المعنى الاستقلالي غلط فاحش.

ثم ان قياسه بالأسماء غير صحيح لأن لحاظ الاستقلال في الأسماء ليس قيدا،بل هو عدم التقييد بالحمل الشايع.يعني تصور المعنى في نفسه.و يكون فهم استقلاله باللحاظ الثاني لا بنفس اللحاظ بخلاف الآلية و الفناء،فانه يحتاج إلى لحاظ التقييد.لأن الفناء و الآلية معنيان لا يصلحان الا بذلك.يعني بالتقييد،يعني ان يفنى شيء في شيء.

ص: 103

فإذا لزم ان نجعل هذا التقييد في الحرف جزئيا،لم يلزم ذلك في الأسماء،لأنه ليس تقييدا أصلا.و كذا العكس.يعني إذا كان الاستقلال لم يجعل المعنى جزئيا لأنه كذلك بالحمل الشايع بدون لحاظ قيد،فليس معناه كون الحرف كذلك.

و اما الجواب الآخر الذي عرض،و هو تقييد الماهيات بالآلية تقييدا ذهنيا،فيصبح بهذا القيد كليا عقليا،و الكلي العقلي غير قابل للانطباق على الخارج.في حين ان الماهيات الذهنية قابلة للانطباق على الخارج.إذن فالفنائية غير موجودة،و ان الحرف موضوع لذات المعنى كالاسم.

فانه قابل للمناقشة كبرى و صغرى.اما صغرى فلأن تقييد الحرف بالآلية إنما هو في الاستعمال لا في المعنى الموضوع له.في حين ان مراد المستشكل هو كونه مقيدا في مرحلة الوضع ليلزم الإشكال.

و إذا لم يكن مقيدا في مرحلة الوضع كان قابلا للصدق على الخارج.و إذا تم ذلك في الوضع تم في الاستعمال لضرورة التطابق في الاستعمالات الحقيقية،بين المعنى الموضوع له و المعنى المستعمل فيه،و الا كان الاستعمال بقيد زائد أو ناقص، و على كلا التقديرين يصبح المعنى مجازيا.

فان قلت:ان المشكلة باقية،فقد نحينا المعنى الموضوع له في ذهن الواضع عن الإشكال في الانطباق على الخارج.لكننا نقول بوروده في ذهن المستعمل أي المتكلم، لأنه في ذهنه مقيد بالآلية،فيكون كليا عقليا في ذهن المستعمل،و ان لم يكن كذلك في ذهن الواضع.

الا ان جواب ذلك واضح:لما قلناه من ان الضرورة اللغوية تقتضي مطابقة المعنى المستعمل فيه للمعنى الموضوع له ليكون حقيقيا،و هذه المطابقة تقتضي ان يكون المعنى المستعمل فيه قابلا للانطباق على الخارج كالمعنى الموضوع له.مضافا إلى كون التجريد في هذه المرحلة لا يلزم منه المجاز.

إضافة إلى ان ما شرطه الواضع هو تقييد الاستعمال لا المعنى المستعمل فيه.و إنما

ص: 104

يصح الإشكال الأخير إذا كان القيد للمعنى المستعمل فيه،يعني:يستحضر المستعمل معنى و يقيده بالآلية،فيصبح كليا عقليا.

لكن هذا ليس هو كلام الشيخ الآخوند.فانه يقيد الاستعمال أي الكلام الخارجي،و ليس كعملية ذهنية.و هذا لا يجعل أية صورة ذهنية لا في ذهن المستعمل و لا في ذهن الواضع مقيدة،بحيث تكون كليا عقليا.

و اما كبرويا:فانه لا يحتمل ان يؤخذ في اللغة شرط ذهني،غير قابل للانطباق على الخارج،و إنما العرف يستهزئ بأمثال هذه القيود.و إنما كل القيود ذهنية بالحمل الشايع لا بالحمل الأولي.و هي بالحمل الأولي قابلة للانطباق على الخارج،فلا تكون كليا عقليا.

و لا دليل على تقييد الحرف بالآلية اكثر من ذلك.

فكما ان الإنسان له حصتان:عالم و جاهل مثلا.فكذلك:مفهوم الابتداء فيه حصتان:الاستقلالي و الفنائي.فقوله:انه بذلك يصبح كليا عقليا ليس بعرفي.

و اما مسألة تعلق لحاظين بملحوظ واحد،فهو إنما يستحيل في مرتبة واحدة،لا في مرتبتين.لأنه قدس سره،يعترف ان أحد اللحاظين في الوضع و الآخر في الاستعمال.

و المفروض ان الواضع يشترط وجود اللحاظ الآخر في الاستعمال.

ثم انه بغض النظر عن إشكاله الثاني،فان اللحاظ مهما تعدد،فانه قيد ذهني،و هو يجعل الصور الذهنية جزئية،لا ذي الصورة الذي هو المعنى.بل يبقى ذوها كليا قابلا للصدق على كثيرين و ان ضاقت حصته.و لو كان المعنى جزئيا من جميع الجهات لما صدقت اللغة بحال.هذا في قيد ذي الصورة فضلا عن قيد الصورة.

و الكلام في المقام إنما هو عن قيد الصورة لا عن قيد ذيها.لأن الكلام في ان المعنى الحرفي وضع ليراد به أي بصورته الذهنية بما هي كذلك،لا المعنى المدلول عليه بها.فمع تعدد القيود و اللحاظات للصورة يبقى ذوها كليا ينطبق على كثيرين.

و على أي حال،فالخصوصية الذهنية التي نسبها الآخوند إلى المشهور،أمر

ص: 105

ممكن و ليس بمتعذر،و لم نجد فيما أقامه الآخوند دليلا ضدها،فانها لا تجعل القيد بها كليا عقليا،بل حصة من كلي اعتيادي.الا انها-مع ذلك-لا تحل معضلة المعنى الحرفي:الا بذكر وجه محدد في فهمه.و الخصوصية الذهنية عنوان انتزاعي،قابل للانطباق على عدد منها.

و بقيت الخصوصية الخارجية و حاصلها:ان ما هو محتمل ثبوتا في اللغة أحد ثلاثة احتمالات:اما ان تكون الألفاظ موضوعة لما هو خارجي أو موضوعة لما هو ذهني،أو هي مبعضة،فأيها الأرجح؟

فقد نختار الاحتمال الأول،و نقول:ان الألفاظ موضوعة بازاء الخارج.لوضوح ان العرف و العقلاء يفهمون منه الأمور الخارجية.نحو:دخلت المسجد.أي ان شخصا معينا خارجيا قد دخل مسجدا خارجيا.

و هنا يرد إشكال الشيخ الآخوند غير الصريح،و هو ان الألفاظ لا تدل كلها على ما هو خارجي،بل يدل بعضها على ما هو ذهني انحصارا.كالأوامر و النواهي،لأنها متعلقة بالمستقبل و هو غير حاصل حال التكلم.و كذا الاستفهام و الترجي و سائر المعاملات و الإخباريات عن المستقبل،بل الفعل المضارع الذي يقصد به الحال بلحاظ ما لم ينجز منه.إذن،فالإشكال ينتج التبعيض.

الا ان هذا يمكن ان يجاب عليه-كأطروحة-بان نقول:ان القرينة العامة المسيطرة على اللغة هي دلالتها على الخارج.غاية الأمر ان بعضه خارج منجز و بعضه خارج غير منجز.و نحن لا نعني بالخارج:الماضي و هو المنجز فعلا،بل نعني بالخارج:

الأزمنة الثلاثة.و لو باعتبار الأولى و المشارفة بملاحظة الزمن المستقبل.

فكلها أمور خارجية،فالأوامر يفترض إنجازها في الخارج،و النواهي كذلك.أي لا تشرب الخمر في الخارج.

و الاحتمال الآخر:ان نقول:ان مداليل الألفاظ كلها ذهنية،و ليس فيها شيء خارجي،انطلاقا من عدة مقدمات-عرضية و ليست طولية-كلها تنتج نفس النتيجة.

ص: 106

فاما ان نقول بشكل من أشكال السفسطة باعتبار ان الخارج غير موجود،كما عليه جملة من السفسطائيين،و جملة من العرفانيين.و إنما الموجود هو الفكرة فقط.

و بأي عذر اعتذرنا،فاننا ننفي الخارج،فلا يبقى الا الذهن،و لم يخلق الخالق شيئا الا شيئا واحدا،هو وجود الفكرة،فلا فرق بين النوم و اليقظة.فكلاهما فيه أكل و شرب و عمل،فاما كلاهما و همي و اما كلاهما واقعي،لأنهما معا حسيان.

و المقدمة الأخرى التي تنتج نفس النتيجة،هي اننا نقول-كما عليه مشهور المحققين-:ان الواقع موجود،و لكننا لا نصل إليه و إنما نصل إلى إدراكنا فقط،في حدود الصورة الذهنية التي تأخذها الحواس من الخارج.

فالمعلوم بالذات،أي بالعلم الحضوري الذي هو العلم الحقيقي،إنما هو الصورة الذهنية لا الخارج.و اللغة كلها موضوعة لما هو ممكن إدراكه و العلم به.و هو الصورة الذهنية ليس الا.و هذه الصورة كانت في ذهن الواضع ثم أصبحت في ذهن المتكلم.

فقد نقول:انها موضوعة لما هو خارجي،لكن الوضع و الاستعمال لما هو دال على الخارج،و هو الصورة الذهنية لا الخارج نفسه.

و الاحتمال الآخر الذي يمكن ان يسار عليه،هو التفرقة بين بعض المداليل و بعض.بان بعضها وضع للخارج و بعضها وضع لما هو ذهني مباشرة و لا يمكن وضعها لما هو في الخارج.

إذ من المحتمل ان اللغة تنقسم إلى ما هو موضوع لما هو ذهني و ما هو موضوع لما هو خارجي.فالأعلام موضوعة لأمور جزئية خارجية.و اما أسماء الأجناس فهي كليات و الخارج ليس ظرفا للكليات.فاسم الجنس ليس موضوعا لما هو خارجي.

هذا.فضلا عما قاله الشيخ بأنه توجد أمور ذهنية خالصة لا يمكن ان يوجد لها مصداق في الخارج،كشريك الباري أو جبل من ذهب.

فهذا نحو من التفصيل بين الأمور اللغوية.و إذا قلنا بنحو من هذا التفصيل،فلا بأس ان يقول الآخوند:ان بعض الألفاظ تدل على ما هو خارجي،و بعضها لا تدل

ص: 107

كالأمور المستقبلية.لأن التبعيض ان أمكن في جزء من اللغة أمكن في جزء آخر.

لكن قد ظهر انه حتى الأعلام الموضوعة للخارج،لا طريق إلى معرفتها و تعقلها، الا الأذهان.فلا بد من مرور المعنى اللغوي في الذهن،على ما هو دال على الخارج،لا الخارج نفسه.

ثم ان الشيخ الآخوند:كأنه احتمل ان الخصوصية المأخوذة في المعنى الحرفي تجعله جزئيا(أو خاصا)خارجيا.

و هو قابل للمناقشة من وجوه:

أولا:ان اللغة لو كانت موضوعة لجزئيات خارجية لما كانت لغة أصلا،لفناء الجزئيات و زوالها،فتزول اللغة بزوال الجزئيات.كاسم علم شخصي يزول بوفاته.

ثانيا:ان ما هو قابل للتقييد هو الكلي لا الجزئي.و من غير المحتمل ان يكون القيد سببا لجعل الكلي جزئيا.و إنما ينتقل الكلي بالقيد من الأوسع إلى الأضيق،أو يجعله حصة من الكلي،لكنه يبقى كليا.

و من المحتمل ان المشهور يقول بتقييد الصورة الذهنية،لا لتصبح خارجية،بل لتصبح حصصا.لكن قال بعضهم ان النسبة قائمة بطرفيها الخارجيين،فتكون خارجية.

الا ان هذا يعني ان الاستعمال هو في الأمر الخارجي ابتداءا،و ليس كما قاله الآخوند من ان الخصوصية تجعله خارجيا.

و من جملة الاشكالات التي يمكن توجيهها إلى الشيخ الآخوند:انه ميز في كلامه بين الخارج و الذهن،و قال:ان الخصوصية المأخوذة في الحرف تجعله جزئيا خارجيا أم ذهنيا.و لو دقق اكثر لوجد انه لا يوجد تمييز واقعي بين الخارج و الذهن.

على تفصيل يأتي.

فلذا يقال عادة:ان الذهن جزء من عالم الخارج و مشمول لبعض قوانينه.فإذا كان الذهن جزئيا خارجيا،فكذلك الخارج.لا يمكن ان يكون كليا.فإذا كان الذهن مصداقا للخارج،فلا تمييز بينهما

ص: 108

فينبغي ان يشير إلى ان كلامه إنما هو بناء على بعض المصطلحات و الآراء.

و توضيح ذلك:ان الخارج يمكن ان يفهم على عدة مستويات:

المستوى الأول:ان الخارج هو العالم المحسوس خارج الذهن،أو قل:خارج الذات.و هو الوجه المشهوري الساذج،و هو اقرب إلى الوجه المادي القائل:ان كل غير محسوس غير موجود.

المستوى الثاني:انه العالم الموجود خارج الذات،و لكن ليس هو المحسوس فعلا، بل ما فيه مقتضي الإحساس لا العلية التامة له.كالنجوم البعيدة بمليون سنة ضوئية مثلا.

المستوى الثالث:انه العالم الموجود خارج الذات،و ان لم يكن محسوسا أصلا، كعالم الجن و عالم الملائكة.و يكون هذا المعنى الأخير أوسع الثلاثة.

الا انه مع ذلك يرد عليه إشكال بالنقض بأمرين:

أحدهما:عالم الأمر،و هو مقابل عالم الخلق الذي ذكرناه.و مغايرتهما إنما هي لخصوصية فلسفية مبينة في قوله تعالى:أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ (1).

و ثانيهما:الخالق عز و جل.فانه في عالم الخارج.

فإذا اعتبرنا عالم الخارج هو عالم الخلق،فقد عزلنا هذين العالمين.و هو قصور في النظر.

فنضطر ان نأخذ بالقيد الأول فقط،و هو انه خارج الذات أو الذهن.

و هنا يأتي إشكال.و هو ان ما هو خارج الذهن أمران:

الأول:ما اصطلح عليه:انه عالم الخارج و هو عالم الجزئيات.

الثاني:ما اصطلح عليه:انه عالم الواقع،و هو العالم الذي يسع الكليات، كالماهيات الثابتة.

و المهم اننا إذا أخذنا هذا القيد،و هو خارج الذهن،فهو يشمل عالم الواقع،لأنه خارج الذهن ايضا.4.

ص: 109


1- سورة الأعراف/آية 54.

فان قلت:اننا أشرنا إلى ان الذهن أيضا من جملة المخلوقات الخارجية.فلا بد من إزالة هذا القيد،لأن النفس و الإنسان بكل وجوده من عالم الخارج،و الذهن كذلك.

يبقى شيء واحد:و هو الصورة الذهنية،فيمكن استشفافها من عالم الخارج،لأنها مدلول ما في الذهن و هذا عالم آخر.فيمكن ان يقال:ان عالم الخارج هو غير الصورة الذهنية أو ما عداها.

و من هنا يأتي الإشكال على الشيخ الآخوند،فقد اصبح الخارج يشمل الذهن، و لا تمييز بين الخارج و الذهن،كما زعم المشهور بسذاجة.

و نستطيع السير قدما آخر،و هو ان الصورة الذهنية التي عزلناها عن عالم الخارج لها نحوان من اللحاظ:

1-الصورة بما هي بالحمل الشايع.

2-الصورة بما هي بالحمل الأولي.

و الصورة بالحمل الشايع جزء الذهن و معلول النفس،و هي جزئي خارجي.فهي من جملة عالم الخارج.نعم الصورة الذهنية بما هي كاشفة ليست عين الذهن بل غيره.

فلا تكون من جملة عالم الخارج.

و هنا يأتي إشكال آخر،يقول:ان الصورة الذهنية بكلا الحملين خارجية.اما بالحمل الشايع فلما قلناه من انها جزء الذهن.و هو جزئي خارجي.و اما بالحمل الأولي، فلأنها فانية في الخارج،فهي عين الخارج.فرجعنا إلى الخارج مرة ثانية.

فان قلت:ان هنا تمييزا دقيا ما بين الدال و المدلول،بين ما هو فاني و المفني فيه.

فالثاني هو العالم الخارجي الذي له الصورة.اما الصورة فليست فانية،و هي ليست من الخارج،كل ما هناك انها تدل على الخارج.

قلنا:بأننا نستطيع ان نقول:ان الصورة الملحوظة بالحمل الأولي الفانية في الخارج،و التي هي ليست من عالم الخارج،هي أمر واقعي و ليست أمرا خارجيا.

و إذا وصلنا إلى هنا فقد قلنا:ان الخارج قسمان:اصطلاحي و واقعي.و الخارج

ص: 110

جزء من الواقع.فأصبحت الصورة الذهنية بكل مراتبها هي من عالم الخارج.فرجع الأمر إلى تسجيل الإشكال على الشيخ الآخوند.

و نعقد هنا مقارنة بين آراء الآخوند في الموردين،يعني بين حديثه هنا عن المعنى الحرفي و حديثه عنه في مبحث المعنى الحرفي السابق.لنطبق أحدهما على الآخر.و ذلك في نقاط:

النقطة الأولى:انه قال(1):و قد بيناه في الفوائد(2).أقول يعني المعنى المشهوري.

و الظاهر انه تبناه هناك الا انه نقضه في الكفاية.

النقطة الثانية:انه قال:(و انه فيهما لم يلحظ فيه الاستقلال و لا عدمه)-أي عدم الاستقلال يعني ذات الطبيعة-أقول:في حين ظاهر العبارة السابقة انه لو حظ كلا الأمرين فيه.و لذا قال:انه كما ان لحاظ الاستقلالية و تقييد الاسم به لم يصبح به المعنى جزئيا،كذلك لحاظ الآلية و تقييد الحرف به فكأن تصور الآخوند ان التقييد بالاستقلالية و الآلية موجود أو ان ظاهر العبارة ذلك.

النقطة الثالثة:انه هناك قال:(ليراد)و هنا قال:(ليستعمل)أيضا بلام التعليل و هو أصرح في مرتبة الاستعمال.و ان كان المقصود بالآخر إرادة الاستعمال ايضا.

النقطة الرابعة:انه قال:(ليستعمل و أريد منه)معناه حالة في غيره.أقول:و الفصيح ان يقول:ليستعمل و يراد(أي يريد المستعمل)أو يقول:و قد أريد.

و الا ورد عليه اشكالان محتملان:

الأول:ان يراد بالإرادة هنا إرادة الواضع في المرتبة السابقة على إرادة المستعمل، فتكون الآلية قيدا للطبيعة الموضوع لها.فيكون الاستعمال في ذات المعنى مجازا،لأنه يكون بعد التجريد عن قيده.و كذلك في الأسماء إذا كانت الاستقلالية قيدا.ة.

ص: 111


1- الكفاية:63/1.
2- كتاب للآخوند في الأصول ألّفه قبل الكفاية.

الثاني:انه تثبت تبعية الدلالة للإرادة،مع اننا نفينا ذلك.فانه إذا صدر كلام غير مراد فان الإرادة لا تكون متحققة،فلا يكون شرط الواضع موجودا.

و قد دافع الآخوند عن هذا المبنى و انه إذا صدر كلام غير مراد كانت الدلالة سالبة بانتفاء الموضوع و إذا صححنا مبناهم فإنما أريد به الفرد الغالب باعتبار ان الغالبية العظمى من الناطقين مريدون و ان نسبة ضئيلة جدا ناشئة من اصطكاك الحجرين-كما مثلوا-أو النائم أو السكران.

النقطة الخامسة:انه قال:(و عليه يكون كل من الاستقلال بالمفهومية و عدمه إنما اعتبر في جانب الاستعمال لا في المستعمل فيه).

أقول:و هذا كالنص في انه أريد به ما قلناه من إرادة الاستعمال كعملية خارجية، لا كمفهوم في ذهن المستعمل،فضلا عن الواضع حيث نرى تذبذب كلام الآخوند بين هذا و ذاك.

النقطة السادسة:قوله:(فلفظ الابتداء لو استعمل في المعنى الآلي،و لفظ من في المعنى الاستقلالي لما كان مجازا و استعمالا له في غير ما وضع له.و ان كان بغير ما وضع له).

و تعليقنا على ذلك أمران:

الأمر الأول:انه يحتوي-و لو ضمنا-على تصور المعنى المجازي في الحرف، على ما قلناه،و رفضه المشهور.و لكن يشفع له إلى جانب المشهور وجهان:

1-ان لفظ الابتداء الذي هو اسم جنس،و صار الحرف تحت شعاعه،فكأنه غير ملحوظ المجازية.

2-انه نفى المجازية و النفي كما يصح بسلب المحمول كذلك يصدق بانتفاء الموضوع.

الأمر الثاني:انه عند وجود التعاكس في الاستعمال لا يكون الاستعمال مجازا، بل حقيقة لأنه مطابق للمعنى الموضوع له.و مخالفة غرض الواضع،و هدفه لا يكون محدثا للمجاز.و هذا هو الذي قلنا انه لازم قوله.و قد اعترف به هنا.مع انه من اشد

ص: 112

الاغلاط بلا إشكال.

النقطة السابعة:قوله:(و ان كان بالوجود الذهني.فافهم و تأمل).

أقول:كان الشيخ محمد رضا المظفر(1) يقول:ان خلافا بين طائفتين من الفلاسفة في تفسير الصورة الذهنية،أحدهما يقول بالوجود الذهني و الآخر بالصورة الشبحية فالسماء و الأرض و الماء موجودة في الذهن مع اختلاف خصائص العوالم في مقابل من يقول ان الموجود في الذهن هو صورة شبحية لها نحو من الدلالة على الخارج فليست هي ماء أو نار بالحمل الشايع و إنما بالحمل الأولي و كان(قدس سره)يذهب إلى الأول و يستدل عليه بصدق الحمل نحو(الماء بارد)فهذا الحمل ان كان في الخارج فهو كاذب لعدم وجود الماء و إذا لم نقل بالوجود الذهني فهو كاذب في الذهن أيضا مع اننا نحسّ بصدق القضية فالماء موجود ذهني.

أقول:فالوجود الذهني أحد تفسيري الصورة الذهنية في الفلسفة في مقابل(الشبحية).

و ما قاله ينطبق على الشبحية.و اما الوجود الذهني فهو للكلي كلي و للجزئي جزئي.

النقطة الثامنة:و ليس شعري...الخ.هذا اجبنا عنه بان الاستقلالية ليست قيدا، بخلاف الآلية.

النقطة التاسعة:قوله(2):كليات عقلية.اجبنا عليه كبرى و صغرى،كما سبق.لأن مراده تقييد عملية الاستعمال،لا الصورة الذهنية لدى الواضع و لا المستعمل.فلا تكون كليا عقليا.

بل حتى لو قيد الصورة،فانها ستكون(حصة)لا كليا عقليا.لأن ذلك هو المقيد بشرط لا عن الانطباق على الخارج،أو قل:بشرط شيء من حيث الوجود في الذهن.

و هو قيد غير عرفي و لا لغوي.1.

ص: 113


1- من محاضراته(رحمه اللّه)على الدورة الأولى من طلبة كلية الفقه في النجف سنة 1962/1961.
2- الكفاية:64/1.

النقطة العاشرة:قوله(1):و بما حققناه الخ بناءا على رأيه ان كلا من الآلية و الاستقلالية نحو قيد للمعنى.و قد عرفنا ان الاستقلالية ليست قيدا للمعنى بل لعملية الاستعمال.

و الشيخ الآخوند من هذه الناحية متذبذب بين الأمرين.و حتى لو كانت الآلية و الاستقلالية قيدا للمعنى فأنه لا يكون كليا عقليا بل حصة من حصتين.

النقطة الحادية عشرة:قوله:بل يعم غيره،يعني:الحرف و غيره،يريد به الاسم على زعم ان الاستقلالية نحو من القيد.

النقطة الثانية عشرة:قوله:(توهم كون الموضوع له أو المستعمل فيه).أقول:هل ان إتيانه(بأو)يدل على انه جاهل أو متردد بان القيد هل هو للوضع أو للمستعمل فيه.

ثم ان هذه القيدية إذا كانت في إحدى المرتبتين دون الأخرى فلا يكون الاستعمال حقيقيا في كلا الفرضين و عذر الآخوند انه يستشكل على هذا الكلام لا انه يتبناه.

النقطة الثالث عشرة:قوله:(و الصدق على الكثيرين)(2).أقول:كأن هذا تهافت فإذا كان جزئيا فما معنى صدقه على كثيرين و المصنف يعلم ان القيد لا يحوّل المعنى من الكلية إلى الجزئية أعني قيد الاستقلالية و الآلية فبالنسبة للاسم يجب ان يطرح السؤال على المشهور و بالنسبة للحرف ينبغي طرحه على الآخوند نفسه لأنه يدعي ان الموضوع له الحرف هو الموضوع له الاسم.

النقطة الرابعة عشرة:قوله:(بلحاظ نفس المعنى)(3) فنفس المعنى كلي قابل للصدق على كثيرين فكأن الآخوند-و هذا مما لم يلتفت إليه أحد-حل الإشكال بالتناقض أي بلا حل و كأن الحل بإضافة(نفس).

و ينبغي تذكر ما عليه مشهور المتأخرين عن الآخوند من تعميم المعنى الحرفي إلى جميع النسب التامة و الناقصة.فماذا يقول الشيخ الآخوند فيها،و كيف وضع لها1.

ص: 114


1- الكفاية:65/1.
2- 65/1.
3- 65/1.

الواضع،مع انها لا تقابلها ألفاظ محددة.و لا يوجد هناك معنى اسمي يقابلها لكي تكون موضوعة للطبيعي بما هو كذلك.

فهذا هو تمام الكلام في رأي الشيخ الآخوند في المعنى الحرفي.

اما ملخص الرأي المختار في الحروف،فيتكون من مقدمات و نتيجة:

المقدمة الأولى:ان اللغة ينبغي ان نفهمها بذوق عرفي و عقلائي،لا دقي و عقلي.

و لا تقوم لغة على الفهم العقلي.بل لو تزاحم حكم العقل و حكم العرف،قدم حكم العرف فيما يمكن فيه ذلك خارجا.فان العرف يفهم امورا كثيرة يراها العقل مستحيلة.

و له أمثلة كثيرة،منها:فهم الكلام التدريجي،فانه بالرغم من تدريجيته يراه العرف موجودا واحدا متحققا في الخارج.

و منها:فهم النسب التي لا وجود لها لفظا،و منها:وضع المركبات بناءا على رأي السيد الأستاذ.

المقدمة الثانية:التعريف بعالم الواقع،و ان النسب واقعية و ليست خارجية.حتى لو كان طرفها اعتباريا أو لغويا،فضلا عما إذا كان خارجيا.

و هذه المقدمة رئيسية لفهم الرأي المختار للمعنى الحرفي.

و عالم الواقع أو عالم نفس الأمر،هو ما عبر عنه بعض الكلاميين:انه عالم الماهيات الثابتة،و لا يأتي ما زعمه بعض المتكلمين بما يسمى(الحال)باعتبار كونه وسطا من الماهيات لا موجود و لا معدوم.

و النسبة بين عالم الواقع و عالم الخارج هي العموم المطلق بالحمل الشايع،أي تطبيقا و خارجا و موردا.فكل خارج واقع،و لا عكس.و بعض الواقع ليس بخارج.

فحينما نتحدث عن الواقع إنما نتكلم عن حصة خاصة منه،و هو ما ليس بخارج.

و ينتج من هذا ان قوانين عالم الخارج،لا تشمل الحصة الأخرى من عالم الواقع، لكن قوانين عالم الواقع تشمل عالم الخارج.

و من جملة ما ينتج من ذلك:ان الخارج الذي بين يدينا ليس كله خارجا،بل هو

ص: 115

مركب بالدقة بين ما هو واقع و ما هو خارج.

مثلا:الفوقية:فان ما هو موجود في الخارج هو السقف و الأرض.لكن نسبة أحدهما إلى الآخر ليست خارجية،بل جزئي واقعي لأن فرق الخارج عن الواقع هو ان الخارج من قبيل عالم الأجسام و المحسوسات.و لكن الإضافة كالفوقية و البنوة هي صادقة موجودة حقيقة،لكنها غير موجودة في الخارج كخارج،و نتخيل انها محسوسة، بالرغم من انها ليست كذلك.

فعالم الواقع يستوعب و يحتوي كل ما هو كلي و ما هو جزئي،و ما هو تصديقي و ما هو تصوري،و لكن عالم الخارج يحتوي على ما هو تصوري و جزئي فقط.فهو أضيق بكثير من عالم الواقع.

فالقضايا التصديقية،كلها تصدق في عالم الواقع،اما الموجود خارجا،فهو تصورات أطرافها فقط.لا تصديقاتها.فضلا عن وجود النسب و المعاني الحرفية فانها كلها موجودة في عالم الواقع.و كذلك سائر الهيئات و النسب التامة و الناقصة.

و يمكن الاستدلال على عالم الواقع بأحد شكلين:

الاستدلال الأول:القرآن الكريم.و ما يمكن ان يستدل به على ذلك آيتان كريمتان:

الأولى:قوله تعالى:أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ (1).على ان يكون المراد بالخلق عالم الخارج و يراد بالأمر عالم الواقع.

و تقريب ذلك:ان الفلاسفة الذين غضوا النظر عن عالم الواقع فهموا المراد على شكل،و فهم المتكلمون منها امرا آخر.و نحن نفهم شيئا ثالثا.

اما ما فهمه المتكلمون فهو ابسطها،و هو ان نقول:ان اللّه تعالى له صلاحيتان:

أحدهما:الخلق بالإرادة التكوينية.4.

ص: 116


1- الاعراف:54.

و الأخرى:الأمر بالإرادة التشريعية.

و اما الفلاسفة فحملوا الأمر على نوع آخر من الخلق أعلى من عالم الخلق.سموه بعالم الأمر.و صدر من بعضهم انه قال:ان ما قال له اللّه سبحانه:كن فيكون،هو عالم الخلق.و اما عالم الأمر فلم يقل له كن فيكون.كما في قوله تعالى:خَلَقْتُ بِيَدَيَّ .

فهذا ليس من عالم الخلق بل هو أعلى منه في عالم السنخية و التجرد.

و كلاهما من صنع اللّه و تدبيره،و كلاهما خارجي جزئي و منتسبان إلى اللّه سبحانه.

فالخلق ينتسب(بكن)و الأمر عبّر عنه بخلقت بيدي.و قالوا:ان الروح العليا للإنسان هي من عالم الأمر و ليس من عالم الخلق.و كذلك سنخ من الملائكة كالكروبيين.

و الفهم الثالث الذي نقدمه هو ان عالم الخلق هو عالم الخارج،و عالم الأمر هو عالم الواقع،فقوله:بيده الخلق و الأمر:أي عالم الخارج و عالم الواقع.

و هنا يأتي إشكال:و هو ان كون عالم الخلق بيد اللّه سبحانه،أي إيجاد الخلق و تدبيره،أمر مفهوم و متصور.و لكن كون عالم الواقع كذلك يحتاج إلى دليل.لأنه ليس موجودا خارجيا متصف بالوجود بالمعنى المفهوم ليكون للّه سبحانه.بل هي أمور ثابتة و أزلية،لا ترتبط بإرادة اللّه تعالى.

و جوابه:ان هناك عدة قنوات يستطيع الفاعل المختار،خالقا و مخلوقا،التأثير من خلالها على عالم الواقع،و هو-مجملا-:ان الخالق له لا اقل من حصتين من التأثير في عالم الواقع،حصة اثباتية و حصة ثبوتية.

اما الأولى:فإجمالها انه عرّفنا على عالم الواقع و أوصل خبره إلينا،لأنه لا تدركه أية حاسة،فقد كشفه سبحانه لنا إثباتا و جعل لعقولنا قابلية فهمه و استيعابه.فاصبح كلنا يعرف صغريات و تفصيلات عالم الواقع.

و اما الحصة الأخرى الثبوتية و هي:ان اللّه تعالى ينقل مصاديق من عالم الواقع إلى عالم الخارج.أي ان شيئا ما يقول له كن،فهو موجود حتى يخاطبه،و ليس معدوما.

فالمخاطب هو الماهية الواقعية.و هذه السيطرة ثبوتية.فإذن بيده الخلق و الأمر.

ص: 117

الثانية:قوله تعالى:إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ .فانها بحسب الفهم المشهوري:ان الأمر هنا مفرد أوامر.و الشيء هو الشيء الخارجي.

و أريد ان اقترح فهما آخر:بان يكون الأمر هنا مفرد أمور.و يكون إشارة إلى عالم الأمر و الواقع.ان المعدوم لا يخاطب بهذا الخطاب.فهذا الخطاب يتحقق في شكل من أشكال الوجود:نسميه عالم الواقع لا الخارج.

فيكون معنى(إنما أمره)أي عالم الواقع المضاف إلى اللّه سبحانه(إذا أراد)ان ينقل(شيئا)واقعيا ليجعله خارجيا،فإنما يأمره فيطيع،فيلبس ثوب الخارج بعد ان كان واقعيا.و كلا العالمين موجودان.

و قد يناقش هذا:بأنه من الفهم الباطني للقرآن الكريم.و هو ليس بحجة.و جوابه:

اننا لا ننفي الحجية عن الفهم الباطني للقرآن مطلقا،بل نقول:انه ما دام الوجدان يفهمه و يلتفت إليه و يناسب حاله و مستواه،فهو حجة عليه.

الثاني:الاستدلال بالعقل.

و ما يمكن ان يستدل به نحوان:

النحو الأول:ان اللّه سبحانه خلق الذهن كاشفا عن الواقع و عن خارج الذهن و خارج الذات.و ان الصورة الذهنية تدل صاحبها على ان شيئا ما هو خارج الذهن موجود.

فنستطيع ان نقول:ان الأصل مطابقة الصورة الذهنية للخارج،الا ما ثبت بدليل كجبل من ذهب أو بحر من نار.

ثم ان ما يصل إلى الذهن على أشكال:

منها:ما يصل عن طريق المحسوسات،فهو الخارج.

و منها:ما نعلم بصحته كمفهوم تصوري و خطور ذهني،ككلي الإنسان أو الحيوان،في حين ان الكلي لا يوجد في الخارج و ليس الخارج ظرفا للكليات،فمن هذه الناحية فهو معدوم في الخارج.و لكنه مع ذلك صادق و مطابق للواقع،بدلالة الصورة الذهنية،فيتعين ان يكون موطنه عالم الواقع.

ص: 118

النحو الثاني:صدق القضية التصديقية:شرطية كانت أو حملية،مثل قولنا:

النقيضان لا يجتمعان،و الدور مستحيل.فهي صادقة وجدانا لكن لا وجود لطرفيها في الخارج.فلا بد من وجودها في الحصة الثانية من عالم الخارج،و هو الواقع.

و يمكن ان يكون النحو الأول خاصا بالتصورات و الثاني بالتصديقات.و بذلك لا يرد إشكال اختصاص عالم الواقع بأحدهما لاختصاص الدليل به.بل يمكن ضمهما، فيتم الدليل.

و لكن يمكن تعميم الأمر الأول للتصديق ايضا،لأن التصديق أيضا له صورة ذهنية.و في الحقيقة:فان ماهية التصديق هو الإذعان النفسي.لكن هذا الإذعان له في الذهن وجود و صورة.لأن الفرد يعلم انه مصدق و ان الصورة صحيحة.و ان لم تكن هي حقيقة التصديق.

و كذا الدليل الثاني يمكن تعميمه إلى التصورات،باعتبار طرفي القضية و هما تصوريان.

ص: 119

خصائص عالم الواقع

الخصيصة الأولى:ثم ان عالم الواقع أزلي،

لأن العقل يحكم بثبوت الدليل عليه على مدى السرمدية.

لا يقال:ان هذا يلزم منه القول بتعدد القدماء و هو محال.

فانه يقال:ان هذا يجاب على مستويين:

المستوى الأول:ان المهم هو الشهادة بالوحدانية للّه سبحانه،و بطلان الشرك و الاعتقاد بكل قديم موازي للّه تعالى في الوجود.فإذا لم يحصل ذلك،فلا مانع من الاعتقاد بالقديم:سواء كان في الخارج فضلا عن الواقع.

لأننا ان قلنا بقدم شيء فلا نقول انه واجب الوجود،حتى يكون شركا.و إنما نقوله في حال كونه ممكنا خاضعا لتدبير اللّه تعالى.و قد برهنا في محله ان علة الحاجة إلى العلة هي الإمكان لا الحدوث،و هو سبحانه و تعالى باختياره أوجده منذ الأزل.

فإذا كان القول بأشياء سرمدية خارجية لا يلزم منه القول بتعدد القدماء،بالمعنى المرفوض،فكيف بالأشياء الواقعية التي لا وجود لها في الخارج.فانها أولى بالجواز.

المستوى الثاني:اننا لو تنزلنا و قبلنا باستحالة تعدد القدماء،فان هذه الاستحالة مختصة بعالم الخارج.اما وجودها في عالم أدنى بالشرف منه،فلا مانع منه.فنفس دنوه في الشرفية.دليل على ان هذا القديم ليس شريكا للّه عز و جل.

ان قلت:ان اللّه سبحانه يستطيع ان ينقل الماهية من عالم الواقع إلى عالم الخارج.

و هذا نحو من العلو له سبحانه.و كذلك نعترف بان العالم الاشرف مؤثر في العالم الأدنى شرفا.أي ان الخارج مؤثر في الواقع.فيكون الواقع متغيرا بعلة الأمور الخارجية.و المتغير حادث،فكيف نقول بسرمديته.

ص: 120

و جوابه:ينبغي ان يكون على مستويين:لأن عالم الواقع يحتوي على الكليات و الجزئيات

فالأول:مستوى الكليات الواقعية كالماهيات و الأجناس و الأعداد.و من الواضح فلسفيا ان الكلي بصفته كليا لا يكون علة و لا معلولا.لأن العلية فيها جنبة خارجية،و لا تستطيع علة ما ان تنقل الكلي بما هو كلي إلى الخارج.لأن الخارج ليس ظرفا للكليات.

فالكلي لا يكون معلولا.بل هو القدر المتيقن من البرهان على عدم العلية و المعلولية في عالم الواقع.

و المستوى الثاني:مستوى الأفراد.

و الأفراد الواقعية تختلف على قسمين:لأنها اما انها مما لا يمكن ان توجد في الخارج أو مما يمكن وجودها فيه.

و اعني بالأفراد غير الممكنة:انها بحد ذاتها واقعية،و ان ساهمت في بناء الكون.

من قبيل الإضافات و النسب و التقدم و التأخر.فوجودها في الخارج لا يعني انها خارجية بذاتها و حقيقتها.بل هي واقعية.و ان الذي يحصل:ان الفاعل المختار يوجد في الخارج طرفيها لا انه يوجد النسبة حقيقة و دقة.

و هذا القسم لا نتوقع إيجاد اللّه تعالى له في الخارج،لعدم إمكان وجوده عمليا.

و ان ساهم في بناء الكون الخارجي.

نعم.يأتي الإشكال في القسم الثاني أي في الفرد الذي يكون قابلا للوجود الخارجي.كأفراد الإنسان و الحيوان و غيرها كثير.

و هذه هي الحصة الوحيدة التي يدعى ان اللّه سبحانه يلبسها بعد واقعيتها ثوب الوجود الخارجي.

و هنا يمكن المناقشة بالتشكيك في ان الفرد الخارجي كان واقعيا،بل انه لم يكن واقعيا أصلا بل هو خارجي من أول وجوده.فلا انتقال من عالم الواقع إلى عالم الخارج.

و معناه انه لا تأثير في عالم الواقع من قبل عالم الخارج.و ان الأفراد المتحققة في عالم

ص: 121

الواقع هي من القسم الأول لا من القسم الثاني.

فان قلت:فان شخصا يستطيع ان يجعل ما فوق تحت أو ما تحت فوق،فتتغير النسبة بين الطرفين.و النسب أفراد واقعية جزئية.فهذا نحو من التأثير للخارج في عالم الواقع.

قلنا:ان هذا يمكن الجواب عليه بعد الالتفات إلى مقدمتين:

المقدمة الأولى:ان هذا من قبيل تغير الموضوع.و العلية إنما تكون مع حفظ الذات.فلا يكون التغير في عالم الواقع من سنخ العلية.فان النسبة الحاصلة بالتغير نسبة أخرى.لا ان نفس النسبة قد تغيرت مع حفظ ماهيتها.

المقدمة الثانية:ان هذا التغير إنما حصل في وهمنا و إدراكنا بعد اخذ الزمن بنظر الاعتبار.فيقال:ان هذه النسبة كانت كذا و أصبحت كذا.و إنما نشعر بالزمان بصفتنا خارجيين،و الأشياء في الخارج متحركة بترتيب ينتزع منه معنى الزمان.

اما في عالم الواقع الثابت،فان الزمان غير ملحوظ فيه أصلا.فإذا نظرنا إلى كل نسبة في(منطقة)وجودها من عالم السرمدية،نجدها محفوظة بكل قيودها من الأزل إلى الأبد.كل ما هنالك ان الفرد انكشف لنا بعد ان اصبح المستقبل حاضرا.اما عالم الثبوت فهو موجود و لم يتغير،لعدم وجود ماضي و لا حاضر و لا مستقبل.

فان قلت:ان نفس التقريب الذي انتج ان عالم الواقع ثابت لا يتغير،و ان كل تطبيقاته بالحمل الشايع تصدق من الأزل إلى الأبد آت في عالم الخارج ايضا.فان شيئا من عالم الخارج لو لو حظ بكل خصائصه و صفاته،فانها صادقة من الأزل إلى الأبد.

فهل نقول:بسكون عالم الخارج،و هو خلاف الوجدان،أم ببطلان الدليل السابق، و ان عالم الواقع متحول و متحرك.

قلنا:انه في مقام الجواب ينبغي الالتفات إلى فكرتين:

الفكرة الأولى:ما قلنا في حينه من ان عالم الخارج حصة من عالم الواقع، فالصفات الرئيسية التي يتصف بها عالم الواقع شاملة لعالم الخارج،دون العكس.

فالثبات الذي تكلمنا عنه قانون أو إدراك عقلي مشترك بين كلتا الحصتين

ص: 122

الخارجية و غير الخارجية من عالم الواقع،من الأزل إلى الأبد.

الفكرة الثانية:و هي المتكفلة بالفرق بين الحصتين:و ذلك:ان عالم الخارج متحرك،بينما الحصة الأخرى من عالم الواقع ساكنة و لو كان الخارج ثابتا كالحصة الأخرى لكانت الحركة ممتنعة.مع العلم انها وجدانية و حقيقية.

و هذا يبرهن اختلاف الحصتين.فالخارج قابل لتعلق الحس به دون الواقع، و الخارج له قابلية الفاعلية و التأثير دون الآخر.

فان قلت:ان هذا غير شامل للواجب تبارك و تعالى،مع العلم انه من عالم الخارج.إذ هو موجود حقيقة في عالم الخارج.و هو ليس متحركا و لا محسوسا.

قلنا:لا نستطيع ان نستنتج من كلامنا ذاك:ان اللّه تعالى غير موجود في عالم الخارج بل في عالم الواقع،باعتبار كونه ليس متحركا و لا محسوسا.لأن البرهان قام على وجوده الخارجي.و لا يلزم من ذلك اتصافه بأوصاف مخلوقه من الحس و الحركة، لأنه لا يشبهه شيء جل جلاله.

و بتعبير آخر:اننا لم نقل ان كل ما هو خارجي يتعين فيه الحس و الحركة.بل هو كذلك في الجملة.بينما عالم الواقع،منسد من هذه الناحية تماما.

و ملخص الدليل على ان اللّه تعالى موجود خارجي.عدة تقريبات:

أحدها:ان فاقد الشيء لا يعطيه.و قد أعطى الصفة الخارجية لخلقه،إذن فهو خارجي.

ثانيهما:ان مقتضى وحدة السنخية بين العلة و المعلول،هو كذلك،أي كون الفاعل خارجيا،لأن معلولاته خارجية،فيتعين كونه خارجيا،و الا لاختلف السنخ.

ثالثهما:ان نقول:اننا عرفنا ان ما هو واقعي يستحيل ان يكون مؤثرا في عالم الواقع و لا في عالم الخارج.فلو كان اللّه سبحانه واقعيا(من الحصة الأخرى)لما اثر في الخارج.فيتعين كونه خارجيا.

و قد يقال هنا:ان هذا يستلزم سلب السيطرة الإلهية على عالم الواقع.فتنحصر السيطرة الإلهية و التدبير على عالم الخارج.لأننا ذكرنا نحوين من السيطرة:اثباتية

ص: 123

و ثبوتية.فالأولى و ان بقيت سارية المفعول،و هي الأهم.

لكن يمكن ان يقال:ان السيطرة بنحو من الأنحاء على الكليات الواقعية موجودة، و تتمثل بإيجاد جزئيات خارجية لهذه الكليات،الواقعية.لأن الكلي،مهما كان حاله، فانه يفتقر إلى جزئي،بل لا يوجد الا بالجزئي.

ان قلت:ان عالم الواقع موجود في علم اللّه سبحانه،فيكون خارجيا.لأن المعلوم عين العلم،و علمه عين ذاته،و اللّه سبحانه خارجي،إذن فعالم الواقع خارجي.

و جوابه نقضا و حلا:

اما النقض فواضح:لأن الكلام نفسه يأتي في عالم الخارج.فلو تمت تلك المقدمات،ينتج ان عالم الخارج عين ذات اللّه سبحانه.فما يقال هناك عن الاستقلال النسبي،يقال هنا أيضا.مع إيضاحات تأتي في الجواب الحليّ.

اما الجواب الحلي:فينبغي النظر إلى عدة مستويات:

المستوى الأول:عرفاني:فان أهل العرفان يدعون:انه لا وجود الا للّه عز و جل.

و كل التفاصيل مندكة فيه.فعالم الخارج عين ذات اللّه سبحانه.و كذا عالم الواقع.

لكننا لا نتكلم الآن من الناحية العرفانية،بل من الصحيح القول بالاستقلال النسبي عن ذات اللّه سبحانه.

المستوى الثاني:ان ندعي ما كان يدعيه أو يحتمله السيد الأستاذ(قدس سره)، من ان اللّه تعالى يعلم الأشياء بالصورة الذهنية،كالإنسان.

و هو خلاف المشهور و خلاف الضرورة،باعتبار ان علم اللّه تعالى حضوري، و الصورة الذهنية عبارة عن العلم الحصولي.

مضافا إلى استحالة الحدوث و التجدد في ذاته،بتجدد الصور الذهنية.

فإذا قلنا بما قاله قدس سره،و تنزلنا عن إشكاله،أمكن الجواب على قولهم:ان عالم الواقع عين ذات اللّه تعالى و كذا عالم الخارج.لأن الصورة الذهنية غير ذي الصورة.و حينئذ تصبح هذه المقدمة و هي:ان العلم عين المعلوم،في المعلوم بالذات،

ص: 124

و اما عالم الخارج و عالم الواقع فهو المعلوم بالعرض،و هو ليس عين العلم.فلكل منهما نوع استقلال عن اللّه سبحانه.

المستوى الثالث:ان يقال:ان عالم الواقع إثباتي لا ثبوتي.بمعنى ان نكون سفسطائيين في طرف ثبوته.لأنهم لا يعترفون بعالم الخارج و نحن لا نعترف بعالم الواقع.بل نقول فيه ما يقولون في عالم الخارج.

بان إدراكنا لا يناله.و إنما نتوهم و ندرك ان القضايا صادقة.فهي ليست صادقة مطلقا،بل في وعينا و ذهننا.

و عندئذ يندفع الإشكال لأن عالم الواقع ليس ثبوتيا،لكي يكون معلوما للّه تعالى و موجودا،بل هو من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع.

الا ان هذا الجواب غير صحيح،لأن لازمه ان يكون عالم الواقع غير موجود مع انتفاء العالم و المتيقن-بالكسر-فان عالم الواقع إذا كان اثباتيا،فانه يزول بزوال المدرك -بالكسر-في حين ان هذا باطل.فالنقيضان لا يجتمعان سواء وجد مدرك لهذه أو لا.

إذن،فعالم الواقع ثابت بغض النظر عن الإدراك،و ليس اثباتيا فقط.

المستوى الرابع:ان عالم الواقع مخلوق للّه تعالى،كعالم الخارج.فانه سبحانه خالق لكل مستويات الوجود.و معه فما يقال عن استقلالية الخارج النسبية عن اللّه تعالى، يقال عن عالم الواقع ايضا.

و كأنه إلى هنا لا إشكال فيه.الا ان مقتضاه:ان الملازمات العقلية البديهية مجعولة و ليست ذاتية،أي ان استحالة اجتماع النقيضين خلقها اللّه تعالى،و كذا استحالة اجتماع الضدين،و نحو ذلك،و هو خلاف المشهور من انها ذاتية لا مجعولة.

اللهم الا ان يقال:ان الشيء الذي يريده الفلاسفة و المناطقة و المتكلمون،حاصل على كل حال.لأننا إذا قلنا بنحو من أنحاء الخلق للملازمات الواقعية،فإنما نقول به ازليا،أي ان اللّه تعالى بصفته أزليا قد أوجد الملازمات منذ الأزل.فهي ليست حادثة، و القول بحدوثها جزاف.و هذا يكفي في تلك الملازمات.و لا دليل على اكثر من ذلك،

ص: 125

فيكون لهذا القول نحو من الصحة.

المستوى الخامس:و هو مبتن على التنزل عن الأجوبة السابقة.

و حاصله:ان الملازمات العقلية ذاتية غير قابلة للجعل،اما عالم الخارج،فهو مخلوق للّه عز و جل و قائم به.و بهذا القيام يعلمه علما حضوريا.

اما عالم الواقع،فليس مخلوقا للّه سبحانه،بل كما هو المشهور انه(لم يجعل اللّه المشمشة مشمشة)بل معلولا و ليس قائما به.و النتيجة انه ليس معلوما له علما حضوريا.

بل هو سنخ ما في أنفسنا كما في الحديث(خلق اللّه النفس على مثاله).فما يوجد في النفس من الصور الذهنية نعلم به علما حضوريا،و غيره نعلمه علما حصوليا.

و بذلك يندفع الإشكال الرئيسي،لما لم يكن عالم الواقع مخلوقا للّه تعالى و لا قائما به.فهو ليس عين ذاته و هو موجود بنحو من أنحاء الوجود.و ليس خارجيا.

و لكن تنشأ هنا شبهة اصعب.فقد يقال:انه على هذا يترتب ان اللّه لا يعلم عالم الواقع.إذ هو يعلم ما خلق لا ما لم يخلق.

و أوضح رد على هذه الشبهة الشيطانية:ان فاقد الشيء لا يعطيه،و قد أعطانا اللّه عقولا مدركة لعالم الواقع،إذن فهو مدرك له.

و لكن لنا ان نتساءل عن كيفية إدراكه سبحانه،لعالم الواقع،و هو سؤال ناتج عن الفكر المشهوري:بان الملازمات و عالم الواقع ليست مخلوقة للّه تعالى.و لم يجب عن هذا السؤال أحد في حدود إطلاعي،اما قصورا أو خوفا من بيان الجواب.

و المحتمل فيه ثبوتا ثلاثة أمور:

الأمر الأول:الصورة الذهنية.لو قلنا بإمكانها له.كما احتمله السيد الأستاذ.الا ان هذا الرأي عهدته على مدعيه.و ليس هنا محل بحثه.

الأمر الثاني:اننا لا نعلم كيفية و لا سنخ إدراكه سبحانه.بعد فشل الكيفيتين المعروفتين:

و هي الصورة الذهنية و العلم الحضوري.لأن الصورة الذهنية مستحيلة عليه سبحانه،و العلم الحضوري فرع القيام به.و المفروض ان عالم الواقع ليس قائما به و لا مخلوقا له.

ص: 126

إذن،فنحن نعلم انه مدرك للواقع و عالم به إجمالا،دون ان نعرف سنخه.و إنما نوكل علمه إليه سبحانه،و إدراك ذلك فوق العقل.

الأمر الثالث:الطعن في الكبرى التي أخذناها مسلمة،و هو ان ما هو المعلوم حضوريا للّه سبحانه ليس الا ما قام به و ما خلقه.و نقول-الآن-:ان اللّه سبحانه يعلم حضوريا بكل الموجودات سواء كانت مخلوقة له أم لا.فانه قادر على نيل أي شيء في نفس مرتبة وجوده.

الخصيصة الثانية:ان عالم الواقع ثابت مستقر،

ليس فيه كون و لا فساد و لا حركة، يعني ليس فيه علية و معلولية،لا فيه و لا في غيره.و لا العكس.

و بيان ذلك:ان العلية و المعلولية المتصورة،بهذا الصدد،أحد أشكال:

الأول:ان يكون بعض عالم الواقع علة،و بعضه معلولا.

الثاني:ان يكون بعض عالم الواقع علة و بعض عالم الخارج معلولا.

الثالث:ان يكون عالم الخارج أو بعضه علة و بعض عالم الواقع معلولا.

الرابع:ان يكون بعض عالم الخارج علة و بعضه معلولا.و هي العلية الخارجية المتعارفة.و لا كلام فيها.و إنما الكلام في الإشكال الثلاثة الأولى:حيث انها منتفية جميعا.

اما الأول:فلأن هذا البعض الذي يفرض معلولا،ثابت في المرتبة السابقة عن العلية المفترضة.فيكون من تحصيل الحاصل و هو محال.

و اما الثاني و الثالث:فلاختلاف السنخية التي يشترط لزومها بين العلة و المعلول.

و هنا لا سنخية لان كلا من العلة و المعلول من عالم غير عالم الآخر.فلا يمكن تأثير أحدهما بالآخر.

مضافا إلى محذور آخر:فقد قالوا:ان عالم الخارج اشرف من عالم الواقع.و ما هو متصور إنما هو تأثير الاشرف في الأدنى.اما العكس فغير ممكن.اما كون عالم الخارج اشرف من عالم الواقع،فلأمرين على اقل تقدير:

الأول:ان عالم الخارج محسوس و أوضح في الحس و الإدراك من عالم الواقع،

ص: 127

فهو يرى بالانكشاف التام.و عالم الواقع قاصر عن ان يكتشف اكتشافا كاملا.

الثاني:ان مرتبة وجود عالم الخارج اقرب إلى مرتبة وجود اللّه سبحانه.أو قل:

بمعنى من المعاني:هو من سنخ وجود اللّه سبحانه.و هذه الصفة لم تتوفر في عالم الواقع.

لأن اللّه تعالى من عالم الخارج.و كل ما هو من عالم الخارج فهو من سنخ وجود اللّه سبحانه من هذه الجهة.فيكون اشرف.

و تؤخذ الكبرى مسلمة:و هي:ان ما كان اشرف يؤثر في الأدنى دون العكس.

و يكفي مراجعة الوجدان.فانه هل يمكن ملاحظة شيء واقعي يخطر في الذهن يؤثر في شيء خارجي؟أستطيع ان أجيب بالنفي.

ثم انه ما الضابط صغرويا،لكون الشيء واقعيا أو خارجيا؟فان هذا مما ينفعنا في محل الكلام.و هو المعنى الحرفي.و فيه عدة وجوه غير متكاذبة:

الوجه الأول:ان ما يستحيل وجوده في الخارج يكون واقعيا،كالكليات.لأن الخارج ليس ظرفا للكليات،بما فيها أسماء الأجناس و الأرقام.و هي غير متناهية، و الحروف بحسب وضعها اللغوي،كما سنختار،فانها واقعية كلية،و اما استعمالها في نسب معينة فهي مصداقه.

و هذا الوجه لا يشمل محل الحاجة،و هو المعنى الحرفي الذي ندعي انه جزئي واقعي،فكيف نميز الجزئيات الواقعية عن الجزئيات الخارجية؟

الوجه الثاني:ان ما تناله الحواس فهو خارجي و ما لا تناله فهو واقعي.

و هذا يواجه إشكالا أشرنا إلى مثله.لأننا ان قصدنا الحواس الفعلية،فهو يخص الحاضر القريب و لا يشمل الماضي و لا البعيد.

فلا بد من التوسع إلى ما له قابلية ان تناله الحواس.و هذا غير جامع لأنه يشمل عالم الناسوت فقط.و لا يشمل عالم الروح و الملكوت.فانها لا تحس و ليس لها قابلية ذلك.و مع ذلك فهي خارجية.

و هنا يجاب:انه في الإمكان ان نعمم إلى الحواس الباطنية أو القلبية.فتلك تنال

ص: 128

بعلم العقل و القلب لتلك العوالم.حيث أودع اللّه سبحانه و تعالى في الروح الإنسانية ما يدرك تلك العوالم.إذن،فهي خارجية،من حيث انها محسوسة.

و حينئذ،فينقض على هذا الوجه بوجود اللّه سبحانه.من حيث انه في غاية البساطة و اللطافة و عدم المحدودية.فلا ينال بأي حس أوجده في أي مرتبة من مراتب خلقه.فأنه حتى إدراك خير الخلق(صلى اللّه عليه و آله و سلم)لا يدركه،بكنهه.مع انه خارجي.

فلا يبقى دفاع عن هذا الوجه الا ان يقال:ان الواقعي هو ما ليس بخارجي.و هذا مصادرة على المطلوب.لأننا نحتاج إلى ضابط للخارجية و الواقعية.

لكن يمكن عرض وجوه أخرى تصلح بمجموعها ان تكون إشارة إلى الوجود الخارجي.لأن هذا الوجود بذاته غير مدرك بمعنى من المعاني.و إنما نحصل على صورة منه و ندركه،بمقدمات متكثرة،في عدة جوانب و تكون النتيجة هي الإشارة إلى الموجود الخارجي و التعريف به.و ان لم يحصل تعريف بالمعنى الفلسفي.لأن الوجود أعلى الأجناس،و ليس له جنس و فصل.لكن الدلالات عليه موجودة.

فهذه الوجوه الآتية،إنما هي إشارات أو مؤشرات،على فهم الوجود الخارجي، لكي نقول:ان الأشياء التي ثبت صدقها و تحققها،مع انه لا ينطبق عليها فهم الوجود الخارجي فهي موجودات واقعية.

و سنحافظ على نفس التسلسل السابق،لأنها تؤدي إلى نفس النتيجة.

الوجه الثالث:ان يدرك الذهن:ان الصورة ليست من الخارج.بل هو اما و همي أو واقعي أو اعتباري.

و الذهن قابل لادراك صفة مدركة-بالفتح-،و هو حجة فيه و من هنا نعرف ان الأمور الاعتبارية ليست خارجية و لا واقعية:

بيان ذلك:ان اللّه تعالى خلق الذهن لكي يفهم الأشياء،أو ليدل صاحبه عليها.

و هو حجة على صاحبه فيما يدرك.عدا ما خرج بدليل كمغالطات الحس و الوهم.

فالقاعدة تقتضي حجية المدركات الحسية.

ص: 129

و كما يكون الذهن و العقل حجة في إدراك اصل الوجود.كذلك يكون حجة في إدراك تفاصيله و خصائصه و أوصافه.

و محل الشاهد:ان الذهن إذا أوصل لنا إدراكا صحيحا على ان هذا الشيء المدرك-بالفتح-واقعي و ليس خارجيا.فعلينا ان نصدقه.

فالمسألة تعود إلى مقدار إدراك الذهن لهذه الحقيقة.و الذهن مخول في ذلك و حجة فيه.فهذه هي الكبرى.

اما الصغرى:فان بعض الجزئيات،كالنسب،إنما قال ذهننا و أدرك انها واقعية و ليست خارجية.

الوجه الرابع:ان الصورة الذهنية جزء من النفس،و مفاضة من قبل النفس.فإذا ضممنا إلى ذلك مقدمة تقول:ان العلم عين العالم،و هو النفس.و النفس خارجية،إذن فالصورة الذهنية التي هي جزء منها،هي من عالم الخارج.

ففي أي قضية،كقولنا:البساط ازرق،مثلا،تكون الصورة الذهنية للطرفين جزء من النفس.اما النسبة بينهما فهي توجد تكوينا في عالم النفس،و ليست مفاضة من قبل النفس.و ذلك بعد الإذعان بصدق القضية.

و لو كانت النسبة مفاضة من قبل النفس لكان التصديق مفاضا،و هذا خلاف الواقع.بدليل انه قد يكون موافقا للواقع و قد يكون مخالفا.

فيتعين ان تكون النسبة ليست مفاضة:أي ليست خارجية.

الوجه الخامس:ان عالم الخارج هو عالم العلل و المعلولات،ابتداءا من الواجب جل و علا،و انتهاءا بالجزئيات التفصيلية.و ليست العلل و المعلولات من الكليات،لأن ظرفها الخارج الذي هو ظرف العلية و المعلولية،و كذلك فان الخارج ظرف الجزئيات و ليس ظرف الكليات.

ينتج من ذلك:ان ما لا يندرج ضمن هذه السلسلة،مما ثبتت صحته،فهو ليس خارجيا بل واقعي.

ص: 130

الوجه السادس:ان ما لا يناسب ان يكون ظرفه الخارج،مع كون الوجدان يشهد على صحته،إذن،فهو واقعي.و لا تقول:انه كاذب أو مصادرة على المطلوب.

الوجه السابع:ان يقال:ان الوجود الخارجي مفاض من قبل اللّه سبحانه إفاضة خلق،لأنه سبحانه هو العلة له ابتداءا و استدامة.و لو انسحبت العلة طرفة عين زال الخلق.

و هو بحسب ما يسمى بالحركة الجوهرية في اتصال مستمر في إفاضة الوجودات،من الأزل إلى الأبد.فهذا يحصل في الخارج.

اما عالم الواقع،فبعد ان علمنا ان الملازمات الواقعية،ثابتة في نفسها،و ليست من عالم الخلق.بل هي تصدق صدقا أزليا بغض النظر عن قدرة اللّه تعالى.إذن فهي ليست مفاضة من قبل اللّه تعالى.و ما ليس مفاضا من قبل اللّه سبحانه،فهو واقعي و ليس خارجيا.

الوجه الثامن:ان الوجود الخارجي،الذي هو الوجود اصطلاحا.و قولهم:اننا لا ندرك الوجود،إنما يعنون به عدم إدراك ذات اللّه سبحانه.لأنه محض الوجود و إدراك ذاته مستحيل.

لكننا الآن،لا نتكلم عن الوجود الواجب،بل عن الوجود الممكن.و هو ممكن الإدراك و التحصيل عن طريق كلا العلمين الحضوري و الحصولي.اما الأول،فكالنفس و عللها و معلولاتها.و اما الثاني،فلأننا ندرك بالحواس الخمس ما لا يحصى من الموجودات الإمكانية.

فالوجود،كأنه وجداني،حتى قالوا:انه أوضح الأشياء.و هذا لا ينطبق على ما هو واقعي.إذن،ندرك وجدانا انه ليس من سنخ الوجود الذي نتحدث عنه.فاننا لا ندرك منه الا صدق القضية.و هو اقل رتبة من الوجود،بالمعنى المصطلح،و هو في غاية الضعف.حتى قال بعضهم:انه ربما يجتمع فيه النقيضان.

و نحن بحاجة إلى قليل من التأمل لندرك:ان عالم الواقع،ضعيف،و ليس بتركيز عالم الخارج.

الوجه التاسع:ان الفلاسفة العارفين،قالوا:ان العلم و الحياة و القدرة،متضمنة في

ص: 131

الوجود و مساوقة له.فكل موجود متصف بمقدار استحقاقه،و رتبته،بهذه الأوصاف الثلاثة.

اما القدرة،فهي الفاعلية و التأثير،و اما الحياة،فهي الوجود أو قل:استمرار الوجود.و اما العلم فهو الإدراك.و كل موجود،فهو مدرك لنفسه و لعلته،و لغيره،اما بالعلم الحضوري او بالعلم الحصولي أو بهما معا.

إذن،فالعلم الخارجي،مدرك-بالكسر-و مدرك-بالفتح-وجدانا.في حين ان عالم الواقع مدرك-بالفتح-و ليس بمدرك-بالكسر-.

فالكليات،و كل الموجودات الواقعية،عمياء،مهما قلنا بوجودها،و ليست لها حياة و لا علم و لا قدرة.و هذا معلوم وجدانا و حدسا.

و الفرق بين العالمين،هو في تلك اللطيفة التي أوجدها اللّه تعالى حينما أفاض الوجود الخارجي،و لم يفضها في عالم الواقع.و هذه اللطيفة اقتضت الأوصاف الثلاثة و هي غير موجودة في عالم الواقع.

و بتعبير آخر:ان الوجود الممكن الخارجي.سنخيته مع وجود اللّه سبحانه، الواجب،يشتركان في كونهما خارجيين و في عمود العلية و المعلولية.كلها بنحو من أنحاء الاتصال و التداخل.

فاللطيفة الموجودة في ذات اللّه سبحانه،من العلم و القدرة و الحياة،تنتقل إلى ما هو تحته من مخلوقاته،أو المتأخرة عنه رتبة.و هذا غير متوفر في عالم الواقع،لأنه ليس مفاضا من قبل اللّه سبحانه،و ان كان معلوما له.

و يحسن الآن ان نتعرض إلى فرع أشبه بالمطالب الكلامية مختصرا لأن الماديين قالوا:انه يمكن التعويض عن وجود اللّه سبحانه بالقوانين التكوينية العامة.و بذلك يترتب الكون.و اما اصل خلقته،فان لم نقل بالصدفة قلنا انها أزلية.

و أجبت على ذلك في بعض مؤلفاتي:بان هذه القوانين التي يدعون وجودها، غير موجودة في الخارج.لأنها ادراكات ذهنية،و الادراكات الذهنية كلية:و الكلي لا يوجد في الخارج،و ما هو كذلك لا يمكن ان يكون فاعلا و مؤثرا في الخارج.

ص: 132

و هنا يمكن ان يجيب الماديون بناءا على بعض ما قلناه من صفات و خصائص عالم الواقع:بان هذه القوانين واقعية و ليست خارجية و لا ذهنية.و قد قلنا:ان عالم الواقع يشمل عالم الخارج.دون العكس.فان بينهما نسبة العموم المطلق بالحمل الشايع.و كأنه ينتج صحة كلام الماديين،و ان القوانين موجودة في عالم الواقع و مؤثرة في عامل الخارج.

و يمكن ان يجاب على ذلك:بان هذه القوانين لا تخلو من عوالم ثلاثة:اما عالم الخارج أو الذهن أو الواقع.و كلها باطلة،فتبطل نظريتهم بإمكان التعويض عن التدبير الإلهي بالقانون.

اما كون هذه القوانين موجودة في عالم الخارج.فلأمرين:

الأمر الأول:بحسب الكبرى التي آمنوا هم بها،و هو ان كل ما ليس بمحسوس فليس بموجود.و القوانين بصفتها العامة غير محسوسة إذن،فهي ليست موجودة.و إنما نحس بالجزئيات لا بالقانون العام.

الأمر الثاني:بتطبيق ما قلناه قبل قليل:و هو ان هذه القوانين على تقدير صحتها إنما هي كليات،و عالم الخارج لا يمكن ان يحتوي على شيء من الكليات.إذن فالقوانين غير موجودة في عالم الخارج.

و اما وجودها في عالم الذهن،فالمسالة تكون أسوأ بكثير،لأن أحدا لم يقل بان ما هو في الذهن مؤثر في عالم الخارج بمجرد كونه ذهنيا.

هذا بغض النظر عن القول:بان الوجود الذهني إنما يوجد حين الالتفات اما في حالة النوم و الغفلة فلا يكون موجودا.فأين هذه القوانين في تلك الحالات؟

مضافا إلى الإشكال في تأثير عالم الواقع في عالم الخارج.و قد مرّ.فنقول:ان نفس الاشكالات الواردة على العلية و المعلولية بين عالم الواقع و عالم الخارج تأتي فيما بين الذهن و الخارج بتقريبين:

أحدهما:ان عالم الخارج اشرف من عالم الواقع،و ما كان أدون في الشرف لا يؤثر فيما هو أعلى منه.و عالم الخارج اشرف من عالم الذهن كذلك.

ص: 133

ثانيهما:انا نحتاج إلى السنخية ما بين العلة و المعلول.و هي غير موجودة.

فان قلت:فان عالم الخارج يؤثر في الذهن عن طريق الحواس.مع ان السنخية غير موجودة.

قلنا:انها خصيصة خلقها اللّه تعالى،و هي ليست بنحو العلية و التأثير.و إنما الذهن يتلقى معلوماته من الخارج في الحواس.

و اما الاحتمال الثالث،و هو ان يكون القانون من عالم الواقع أي الحصة الأخرى التي هي غير عالم الخارج.فيأتي فيه نفس تقريبي الاحتمال الثاني لنفي العلية و المعلولية بين العالمين.

و لئن كان تأثير أحد الطرفين في الآخر موجودا هناك أحيانا،(أعني تأثير الخارج في الذهن)فانه غير موجود هنا.كما ان المدعى هنا تأثير عالم الواقع في عالم الخارج، لا تأثير الخارج في عالم الواقع ليكون محتمل الإمكان.

مضافا إلى ان هذه القوانين التي يدعونها،ليست قوانين،و إنما هي عمومات و كليات انتزاعية.و في الحقيقة لا فرق بين قولنا كل جسم يجذب جسما آخر(المسمى بقانون الجاذبية)و قولنا كل نار محرقة.و هي قضايا ذهنية و لا تسمى قانون.

بقيت خطوة يحسن التعرض لها:و هي انه يمكن القول بان النظام الذي يحكم عالم الخارج إنما هي أنظمة تشريعية و ليست تكوينية.و نريد بالتشريع:الأمر و النهي.فانه يقال للملائكة أو للأرواح العليا:افعلوا كذا فيفعلون.فتعطى الأوامر المتعلقة بكل عالم في ذهن تلك المخلوقات العليا لتنفيذها في عالم الخارج.فهذه كبرى كلية تنطبق على ملايين الأفراد.فيخاطب الضوء:سر بسرعة كذا.

فهي قوانين صحيحة لكن بمعنى انها قائمة بالنفوس العليا.و هي ليست من سنخ الذهن و لا من سنخ عالم الواقع.بل من سنخ عالم الخارج.فينتج ان ما يؤثر في عالم الخارج خارجي.في حين ان القوانين ليست خارجية في مصطلح الماديين،إذ لا ينطبق عليها تعريفهم،فيبطل ما قالوه من التعويض بالقوانين.

ص: 134

فهذه هي المقدمة الثانية و كانت للتعريف لعالم الواقع.و قد كانت مقدمات للرأي المختار في المعنى الحرفي.

و على أية حال،فهي تنتج:اننا ندعي هنا ان النسب الجملية التامة و الناقصة و الشرطية و الحملية و غيرها،إنما هي من عالم الواقع لا من عالم الخارج.و هي دعوى يدعمها الوجدان.فهي نسب واقعية جزئية قائمة بين طرفين خارجيين.

المقدمة الثالثة:انه وفاقا لمشهور المتأخرين ان النسبة لا تقوم الا بطرفين،لأن معنى مفهوم النسبة،و مصداقها هو ذلك.و هذا ثابت في اللغة و في الواقع و في الخارج.

و ينتج:انه إذا زال أحد الطرفين زال الوجود الجزئي للنسبة،فزال الوجود الكلي لها.

المقدمة الرابعة:ان المعنى الحرفي الواقعي للنسبة لا يتعين ان يكون جزئيا،فان المشهور إنما قال بتعينه ذاك،باعتباره امرا خارجيا،و الخارج عالم لا يتحمل الكليات.

و اما إذا كانت النسبة واقعية،فيمكن ان تكون كلية و يمكن ان تكون جزئية.

و النسبة بين كليين لا تكون الا كلية.لأن النسبة حقيقة بين المعنيين لا بين اللفظين،فلا يمكن ان تكون جزئية.لأنها ترجع إلى وجود النسبة بين جميع مصاديق هذا الطرف و جميع مصاديق الطرف الآخر.و هو معنى الكلية.

و إذا قلنا انها جزئية،فقد خصصناها بفرد واحد،و نفيناها عن سائر موارد النسبة في باقي الافراد.

و إذا كان طرفا النسبة من عالمين،كما لو كان أحدهما جزئيا و الآخر كليا،كزيد إنسان.تبعت النسبة أخس الطرفين و هو الجزئي في المثال.

المقدمة الخامسة:ان النسبة واقعية دائما،سواء وقعت بين طرفين خارجيين أو واقعيين أو ذهنيين أو لفظيين.و نحن نصفها باعتبار وصف طرفيها،فنقول:انها نسبة ذهنية أو خارجية.تجوزا.باعتبار العالم الذي يتحقق فيه الطرفان.

و قد يختلف الطرفان فيكون أحدهما واقعيا مثلا و الآخر خارجيا أو ذهنيا.فمثال الخارجيين:الفوقية و التحتية بين هذا السقف و هذه الأرض.و مثال الذهنيين كأية صورة

ص: 135

ذهنية بالنسبة إلى طرفيها الذهني بالذات.و مثال الكليين:كالنسبة بين كلي النار و كلي الحرارة.و مثال اللفظيين كنسبة الفاعل إلى المفعول و الحال إلى ذي الحال.و اللغة كلها على ذلك.

و من أمثلة الطرفين المختلفين:كالنسبة بين الذهن و الخارج،كحمل فكرة عن موجود خارجي،مثل هذا المسجد.و كالنسبة بين الذهن و الواقع،كحمل فكرة عن كلي الإنسان أو كلي النار.و كالنسبة بين ما هو خارجي و ما هو واقعي.كالنسبة بين الأرض و التحتية و بين الأرض و الفوقية.من حيث ان الأرض و السقف خارجيان و الفوقية و التحتية واقعيان.

إذن،فالنسبة دائما واقعية،و من لا يلتفت إلى عالم الواقع،فيسميها باعتبار عالم طرفيها خارجية أو ذهنية.

بل قد تقوم النسبة بين طرفين من عالمين مختلفين،و لا يرد عليها إشكال لزوم اتحاد السنخية بين العلة و المعلول.لأكثر من وجه:

1-لأن هذا ليس من قبيل العلة و المعلول،إذ لا اختلاف في الرتبة بينهما و إنما هما في رتبة واحدة.أعني النسبة و طرفها.

2-ان عالم الواقع كما قلنا يشمل الموجودات كلها،فما هو في الخارج فهو في الواقع،دون العكس.و كذا الذهن.و نحو ذلك.فإذا كانت النسبة واقعية بين طرفين خارجيين كان الجميع من سنخ واحد،هو عالم الواقع،و ان كان كل منهما من حصة من حصصه.

عندئذ يقال انه إذا اختلفت أطراف النسب فبأيها تسمى؟في الحقيقة نجيب كأطروحة ان العرف هو الحاكم في ذلك حيث تنسب إلى الأوضح و الأقرب إلى الفهم العرفي من هذه العوالم الثلاثة فإذا كانت بين الخارج و الواقع فالخارج اقرب أو بين الذهن الواقع فالذهن اقرب فتسمى الأولى خارجية و الثانية ذهنية.

قد يقال:ان لجملة من الأشياء وجودات في العوالم الثلاثة(الخارجي و الواقعي

ص: 136

و الذهني)و النسب كما انها لا تقوم بطرف واحد كذلك لا معنى لأن تقوم بثلاثة أطراف.

فانه يقال:لا مانع من ذلك فانه إذا قامت بين طرفين حصلت نسبة واحدة و إذا بين ثلاثة أطراف قامت ثلاث نسب و لا ضير في ذلك.

المقدمة السادسة:في انقسامات النسبة:

من حيث انها تنقسم إلى افرادية،كهيئة اسم الفاعل و اسم المفعول،أو النسبة بين الهيئة و المادة فيهما.و الى نسبة تركيبية.و هذه اما ناقصة و اما تامة.فالناقصة اما إضافية أو وصفية أو حالية أو تأكيد،و نحو ذلك.و التامة اما إخبارية أو إنشائية.و التامة الإخبارية اما حملية أو شرطية،و الإنشائية:اما طلب أو استفهام أو تمني أو ترجي...و هكذا.

المقدمة السابعة:انه يمكن تقديم أطروحة محتملة قريبة من الوجدان،و لكن لا سبيل لإقامة برهان عقلي عليها.

و ذلك:بان يقال:ان الألفاظ في اللغة الأولى الأصلية وضعت للجزئيات،خصوصا الموضوع له الخاص ثم استعملت مجازا في الكليات ثم أصبحت بكثرة الاستعمال حقيقة فيها،باعتبار التجريد الذهني.

و من نتائج ذلك:ان الأصل في الألف و اللام هو العهد،ثم أصبحت للجنس.

و يمكن ان يقرب ذلك بعدة تقريبات:

التقريب الأول:ان الإنسان و خاصة الإنسان الأولي الذي وضع اللغة فتأثر بالمحسوسات حوله في مكانه و زمانه.فهو يرى الجزئيات لا الكليات،فالاقتصار على الحس يقتضي الاقتصار في الوضع اللغوي على ما هو محسوس و مفهوم.

و هذا ينتج ان الألفاظ إنما وضعت للصغريات و الجزئيات أولا،ثم توسعوا بعد ذلك.

ص: 137

التقريب الثاني:ما قاله السيد الأستاذ(1) ،و لعله مشهور اللغويين من ان الوضع تعيني ناشئ من كثرة الاستعمال البسيط بين الناس.حيث بدأوا يقلدون أصوات الطبيعة مثل سقوط الحجر و عواء الكلب.ثم بعد ذلك تشعبت المطالب فأصبحت لغة يمكن التفاهم بها.و هي اللغة الأصلية.

و ليس الآن محل نقاش هذه النظرية،فقد تقدم تفنيدها في مبحث الوضع.و إنما نتكلم هنا على تقدير صحتها.

و هي تنتج:ان الإنسان الأولي ذا الفهم المتدني لم ير الكليات و لم يعايشها،و إنما رأى الجزئيات فوضع لها الألفاظ و استعملها فيها.

التقريب الثالث:من الواضح ان المتكلم عند ما يقول مثلا:رأيت اسدا،فإنما راى أسدا جزئيا،و القضية جزئية خارجية بالنسبة إليه،بينما هي للسامع كلية،لأن السامع يستحيل عليه ان يدرك جميع الخصوصيات التي يتميز بها ذلك الأسد المرئي.بل تبقى بعض الخصائص مرددة و مجملة،فتكون قابلة للانطباق على كثيرين.فيكون كليا.

و هذا المعنى لا تختلف فيه الأسماء و الأفعال و الحروف.فندعي هنا ان وضعها كلها كان خاصا ثم اصبح عاما.

و التعبير هنا بلفظ العام افضل و اشمل من الكلي.لان معنى الكلي:صحة الانطباق على كثيرين.و هي خاصة بالأسماء.و نحن ندعي شمول الأطروحة للأسماء و الحروف.

اما العام بالمعنى الذي اصطلحناه،فهو قريب المعنى من الكلي.لأن فيه نحوا من الإجمال و التسامح و الجهالة،تجعله قابلا للصدق على كثيرين،كما قلنا ان الصور الذهنية في ذهن المتكلم جزئية،لكنها في ذهن السامع عامة أو كلية.و مهما أضاف السامع من صفات على المعنى الذي سمعه،فانه يبقى كليا أو قل:عاما،بالنسبة إلى صفات أخرى،و لا يتحول الكلي جزئيا.1.

ص: 138


1- مباحث الدليل اللفظي:81/1.

و على أي حال،فالأولى هنا ان نستعمل لفظ العام،ليكون الوضع خاصا و الموضوع له عام في كل من الأسماء و الأفعال و الحروف.

اما العمومية في الأسماء فهي واضحة،باعتبارها أسماء أجناس.

و اما العمومية في الأفعال،فبأحد تقريبين:

التقريب الأول:الخفاء و الإهمال-لو صح التعبير-في جملة من خصائصها و مميزاتها.من حيث المكان و الزمان و الفاعل،و غيرها.و كلها خصوصيات مهملة، فيكون الاستعمال في معنى عام.

التقريب الثاني:ان مواد الأفعال موادها أسماء أجناس طرأت عليها هيئة أحد الأزمنة الثلاثة.فهي قابلة للصدق على كثيرين.

و قد تقول:ان الهيئة-في حدود الفهم المشهوري للأصوليين-:جزئية،و هي قيد لمدلول المادة الكلي،فيصبح جزئيا.لأن النتيجة تتبع أخس المقدمتين.فلو سلمنا ذلك، بقيت دلالة الفعل عامة بالالتفات إلى التقريب الأول.

و اما الحروف،فان لها نحوا من العمومية،و ذلك في عدة مستويات:

الأول:اننا نستطيع ان ننتزع معنى كليا من جزئيات النسب الواقعية الصغروية،من قبيل كلي الاستعلاء و كلي الابتداء و نحوه لكننا لا نأخذه كمفهوم اسمي كلي،بل مفهوم منتزع عن مجموع الاتجاهات التي عبر عنها حرف(من)مثلا.فليس مقصودي الابتداء المطلق،بل الابتداء المنتزع الحرفي و هو كلي،و لنطلق عليه:الابتداء الحرفي.

الثاني:ما قلناه في الأفعال من ان الخفاء و الإهمال عدم بيان الخصائص،تجعل المفاهيم-فضلا عن الألفاظ-لها نحو من العمومية و الشمولية،تجعلها قريبة من مفهوم الكلي،و قابلة للاستعمال فيه.

و بالرغم من ان مشهور الأصوليين،يقول:ان(من)ليس لها معنى وحدها،لأنها لم توضع الا مقيدة بالطرفية،و انها إذا استعملت بدون التقييد بطرفين،تكون لفظا مهملا.

لكن في ذلك جناية لغوية،و مخالفة للوجدان.لأن نفهم منها معنى لكنه عام.

ص: 139

و في الإمكان استعمالها مع أي طرفين.و إنما معناها غامض الا من جهة الابتداء.

الثالث:و هو يصلح ان يكون مقدمة مستقلة:انني ذكرت فيما سبق ان النسبة الحرفية يستحيل على المشهور ان تكون كلية،بل هي جزئية بين طرفين جزئيين.لكنني كررت ان النسبة ان كانت بين طرفين جزئيين فهي جزئية،و لا يمكن ان تكون كلية، و ان كانا كليين فهي كلية،و يستحيل ان تكون جزئية.

اما الحصة الأخرى من عالم الواقع،فهي عالم الكليات،فتكون النسبة كلية و إذا كان أحد الطرفين كليا و الآخر جزئيا،فالنسبة جزئية.لأن النسبة تتبع أخس المقدمات و يستحيل تعلق النسبة الكلية بطرف جزئي.

فتحصل ممّا في هذه المقدمة أمران على الأقل:

الأمر الأول:انه خلافا للمشهور،فان المعنى الحرفي يمكن ان يتصف في بعض حصصه بالكلية و بالعمومية.

و من هنا ان يقال:بان حصص المعنى الحرفي،إذا لا حظناها من هذه الجهة على ثلاثة أشكال:

1-الحصة التي لا تتصف بالكلية و لا بالعمومية،و هي ما إذا كان طرفاها أو أحدهما جزئيا.و تكون خاصة غير عامة،فلا تتصف بالإجمال و الإهمال،لتحددها بحدود طرفيها معا،و هما موجودان.

2-الحصة التي تتصف بالكلية لا بالجزئية و لا بالعمومية فيما إذا كان طرفاها واقعيين كليين.فتكون النسبة كلية،و ليست عامة لأنها متقومة بطرفيها.و المفروض انها موجودان.

3-الحصة التي تتصف بالعمومية دون الكلية.كما لو كانت الحروف أو الهيئات غير مرتبطة بطرفين كاملين.كما قلنا ب(من)أو(على)أو غيرها.نحو قولنا:من البصرة.

فماذا حصل من البصرة الجواب مهمل و مجمل.لكنها ليست كلية،لأنها حصص خارجية و العالم الخارجي لا يتحمل الكليات.

ص: 140

الأمر الثاني:ان المشهور في طول غفلته عن النسبة الواقعية،قال:ان المعنى الحرفي جزئي،لأن طرفيه خارجيان أو ذهنيان.و الذهن جزء من عالم الخارج،فهو لا يتحمل الكلي بالحمل الشايع.و هو على حق لو أسقطنا عالم الواقع عن نظر الاعتبار.

و يمكن ان نستنتج هنا شيئا ينفعنا في مبحث الوضع و هو إلغاء احتمال ان الواضع شخص بشري لتعذر التفاته إلى عموم النسب المختلف حصصها و تعذر تعبيره عنها في الوضع الأول فيتعين بذلك الوضع التعيني الاجتماعي لإمكان الكثير في الكثير.

ثم ان المشهور قالوا:ان النسبة تزول بزوال طرفيها أو أحدهما،لأنها متقومة بها تقوما ذاتيا.إذ لا معنى لحقيقة النسبة الا بطرفين.

و المشهور بهذا لا حظ عالم الخارج،فانه عالم حركة و كون و فساد و تغير.فوجد ان طرفي النسبة قد لا يكونان محفوظين.فزيد كان قائما فقعد أو قاعدا فقام،فحينئذ تتغير النسبة و تزول السابقة و تأتي غيرها.باعتبار التغير الطارئ في كلا الطرفين أو أحدهما.

الا اننا إذا لاحظنا عالم الواقع،وجدنا ان المسألة مختلفة،لأن عالم الواقع ثابت ليس فيه تغير و لا حركة.و النسب القائمة فيه غير قابلة للزوال.فإذا وافقنا على كبرى:ان النسبة تزول بزوال طرفيها،فهذا لا صغرى له في عالم الواقع.لأن الطرفين ثابتان بخصائصهما باستمرار.

فان قلت:انه قد مرّ ان عالم الخارج من عالم الواقع،و متصف بالثبات بمعنى من المعاني.لأن قيام زيد بتمام مواصفاته و خصائصه و لحاظاته،يصدق صدقا أزليا سرمديا.

فلا تبقى لهذه الكبرى صغرى لا في عالم الخارج و لا في عالم الواقع.

قلنا:جوابه يكون على عدة مستويات:

المستوى الأول:ما قلناه من ان عالم الخارج و ان كان يأخذ نفس الصفة من عالم الواقع بصفته واقعيا،و لكننا قلنا:اننا لو خطونا خطوة زائدة عن عالم الواقع،لرأينا التغير الموجود في عالم الخارج.و معه يكون هذا صغرى لكبرى الأصوليين،إذ تكون النسب

ص: 141

قابلة للزوال و التبدل.

المستوى الثاني:انه بعد التنزل عن المستوى الأول،نقول:ان الشيء الذي يحصل للنسبة ليس هو تغير الطرفين،و إنما هو تغير الموضوع.فالنسب تتغير بتغير موضوعاتها.

و ذلك:لأن موضوع النسبة كشيء أساسي هو الطرفان،زيد و القيام،لكن زوال الطرفين لا يعين ان القيام انعدم و حصل الجلوس.فاننا إذا لا حظنا القيام بتمام خصائصه، فانه لم ينعدم و إنما نشأت علاقة جديدة بين زيد و الجلوس.فحصل تغير الموضوع.

و بكلمة أخرى إيضاحا و تدقيقا:ان زيد عند ما بقي واقفا ربع ساعة مثلا،فيمكن ان يقال:ان الموضوع واحد من الناحية اللغوية و الأصولية و الفقهية.الا انه فلسفيا غير مقبول،بناءا على ما قال صدر المتألهين من الحركة الجوهرية،فزيد غير زيد في كل آن.ففي الآن الأول زيد و قيام و في الآن الثاني زيد و قيام آخر.فتتعدد النسب بتعدد الآنات.فتغيرت النسبة بتغير موضوعها.فزيد و القيام الأول،غير زيد و القيام الثاني.

و يكون ذلك أوضح لو تغير إلى الجلوس.

و حينئذ،نستطيع ان نؤكد ان تغير النسبة بتغير الموضوع إنما هو في عامل الحركة و التغير،لا في عالم الثبات.فان الحصة الثانية من عامل الواقع لا يتغير فيها الموضوع.

لأنه على عدد الطرفينات-لو صح التعبير-توجد نسب بعددها.

اما هنا في عالم الحركة و التغير يكون الموضوع-لا الطرفين-قابلا للتغير.أو قل:انها نسبة ثابتة،و ليست الثانية هي الأولى.و لو تبدل القيام إلى الجلوس كان التغير في النسبة واضحا،و ليس فلسفيا فحسب بل عرفيا و أصوليا.

و ينبغي الالتفات إلى ان ما يقوله صدر المتألهين من الحركة الجوهرية إنما هي في الماهيات الخارجية لا الواقع،فلا تثبت حركة الواقع بذلك.

المقدمة الثامنة:ان الألفاظ عموما يقيد بعضها بعضا،كالفعل للفاعل و الخبر للمبتدأ،و بالعكس.و هو تقييد واقعي لا اصطلاحي.أو قل:هو تقييد أصولي لا نحوي.

و كذلك تقييد الهيئة للمادة و بالعكس،فان في هيئات الجمل التامة و الناقصة

ص: 142

يكون المقيد الأساسي هو الطرفان لبعضهما البعض.

و نسأل هنا عن العلاقة بين النسبة و التقييد.و فيه احتمالان:

الأول:التساوي.و ان النسبة هي القيد،و انهما تعبيران عن معنى واحد.

الثاني:ان تكون النسبة في طول التقييد،أو بالعكس.و ليس هو هي.ففي مثل قولنا:النار حارة.نقيد مفهوم النار بالحرارة،و في طول التقييد تحصل نسبة واقعية هي نسبة الخبر إلى المبتدأ.

و عندئذ يصل الحديث إلى العلاقة بينهما بالحمل الشايع.إذ ان الأستاذ المحقق(1)

ادعى ان الحروف موضوعة لتقييد الأسماء.فقد يقال دفاعا عنه:بأنه ليس مراده عالم المفهوم بل عالم المصداق.فالحروف وضعت لتقييد الأسماء بالحمل الشايع،فهما متحدان خارجا،و ان اختلفا مفهوما.

و في الحقيقة فان أوضح تقريب يمكن ان يستدل به على التساوي بينهما هو ما تقدم من ان التقييد و النسبة يحتاجان إلى طرفين،و ان زوال أحد الطرفين،مخلّ بكل منهما،فلا يبقى أي فرق بينهما.

و يمكن الجواب على هذا التقريب بعدة أجوبة،كل منها ينظر إلى زاوية خاصة:

التقريب الأول:ان طرفي النسبة استقلاليان بخلاف طرفي التقييد،فان أحدهما يكون فانيا و مندكا في الآخر.

فالكبرى التي طبقها المستشكل إنما نجد لها صغرى في النسبة.إذ ان زوال أحد طرفيه الاستقلاليين،يعني زوالها.في حين ان التقييد ليس له طرفان استقلاليان حتى تكون صغرى لهذه الكبرى.

التقريب الثاني:اننا نعرف بوضوح في علم الأصول ان التقييد فرع الإطلاق أي انهما مفهومان متضادان متواردان على مورد واحد.اما النسبة فليست كذلك،فانه ليس1.

ص: 143


1- المحاضرات:80/1.

لها مضاد.بل لو قلنا ان التقييد هو نسبة لوجدت النسبة في الإطلاق ايضا.فهل نقول:ان الإطلاق مندرج في التقييد؟لا طبعا.لأن لكل منهما نحوا من المفهوم،فيتعين ان التقييد غير النسبة.

التقريب الثالث:ان النسبة تصدق في جميع العوالم الأربعة:(اللفظ الذهن الخارج الواقع).اما التقييد فلا يصدق الا في عالمين،في اللفظ،و هو واضح،و الذهن أي في الصورة الذهنية للألفاظ.اما عالم الخارج فلا يقبل التقييد يتعلق بالكليات فيحصصها،و ليس في عالم الخارج كليات.بل فيه نسب جزئية ذات أطراف جزئية.

اما عالم الواقع،فصحيح انه يوجد فيه ما يشبه الإطلاق أو المفهوم الكلي نحو (كل نار محرقة).و النسبة نحو النار الناشئة من الحطب محرقة.

و لكن هذا ليس تقييدا،إذ ان كلا منهما صادق بحياله،فالإطلاق صادق أزلي لوحده و التقييد صادق أزلي أيضا.فكل نار محرقة و بعض النار محرقة ايضا.و كل منهما صادق،لا ان أحدهما مضيق الآخر،كما يحصل للفظ و الصور الذهنية.

بقي ان نشير إلى شيء و هو انه يمكن تقسيم النسب إلى قسمين:

1-نسب لغوية أو على مستوى اللغوية.

2-نسب عقلية،لا ربط لها باللغة.

ففي قولنا:النار حارة،توجد نسبة بين المبتدأ و الخبر و هي نسبة لغوية،و لكن هناك نسبة بين المبتدأ و النسبة و بين الخبر و النسبة ثم هناك نسبة بين النسبة و النسبة.

و يستمر إلى ما لا نهاية.و الأطراف لا متناهية.و هذا في نفسه معقول لا دليل على استحالة،لأن المستحيل هو التسلسل العلي،لا التسلسل الاعتباري اللحاظي.

و لا يمكن لهذه النسب ان تكون لغوية،لأنه يلزم تكثر الوضع إلى ما لا نهاية،في حين ان الوضع محدود.لأن الواضع محدود.

فان قلت:فان الواضع غير محدود،و هو اللّه سبحانه و تعالى.اجبنا:جوابا إثباتيا عقلائيا بان هذا الوضع ليس عرفيا و غير دخيل في التفاهم و لا فائدة فيه.فيقع لغوا.و الفائدة تحققت

ص: 144

في نسبة المبتدأ إلى الخبر قطعا.و ما لا يلحظه العرف و العقلاء لا وضع فيه.

المقدمة التاسعة:انه قال المشهور ان النسب كلها ذات طرفين و لا يمكن ان تقوم بطرف واحد،و لا اكثر من طرفين.

اما الأول:فلأن معنى النسبة هو ذلك،إذ لا معنى لتقومها بطرف واحد.و إنما ننسب شيئا إلى آخر.و بدون الآخر يصبح بمنزلة السالبة بانتفاء الموضوع.

و اما الثاني:فلأن الأطراف إذا كثرت يكون لكل شيء نسبة مستقلة،و هذا واضح بالنسبة إلى النسبة التامة و الناقصة بكل أنواعها.

الا انه قد يستشكل،و ينقض على هذه المقدمة بالهيئات الافرادية،كاسم الفاعل و المفعول و المكان و الزمان و غيرها.فقد يظهر ان لهيئتها طرفا واحدا،و هو المادة،فما هو الطرف الثاني؟

توجد لذلك ثلاثة أجوبة:

أولا:ان الفعل إذا كان في سياق،كان الطرف متحققا،نحو:قام زيد.فالطرف الآخر هو زيد.

ثانيا:ما تحصل من بعض المقدمات السابقة من مفهوم العموم الذي أسسناه.

و يكون الطرف الآخر عاما و غير معين،و لكنه مفهوم ارتكازا.لأننا نعلم انه موجود لكنه قابل للانطباق على أي شيء.فأي شيء اندرج في سياقه،اصبح هو المعني،فينفي العام في هذا الخاص،فيتعين الطرف الثاني بالقرينة ففي قولنا(عالم)الطرف الأول للنسبة محرز و هو العلم و الطرف الآخر هو الذات المتصفة بالعلم و هي مهملة مرددة قابلة للتعيين بالقرينة.

غير ان هذا فرع القول بتركب المشتق،على ما يأتي،اما إذا قلنا بالبساطة،فلا ينفع الجواب.

ثالثا:انه يمكن ان يقال:ان طرفه هو الضمير المستتر فيه.فان الفعل(قام)وحده جملة تامة متكونة من فعل و فاعل.و قد قال النحويون ذلك،منطلقين من الارتكاز

ص: 145

اللغوي،و ان لم يلتفتوا إلى ان النسبة تحتاج إلى طرف ثان.فبدلا من ان يكون الطرف الثاني مشوشا و عاما،قالوا انه(هو)المستتر فيه.و الا فمن الناحية المنطقية،لا يتضمن الفعل ضميرا.

غير ان هذا الجواب الأخير،لا ينفع في صيغ المصادر،و يكون فيها سمجا.و عليه:

فان المصادر إذا جاءت في سياق ما تعين الطرف الثاني للهيئة بحسب السياق.و مع عدمه،يكون الطرف هو المضاف إليه.لأن المصدر يضاف إلى الفاعل و الى المفعول.

و هو بالدقة المنطقية هو فاعل،و اعتبروه مضافا إليه نحويا،فيصلح طرفا ثانيا للنسبة،لأن النسبة الأساسية فيه،هي نسبة الفاعلية أو المفعولية،و ليست نسبة الإضافة.

بقي التساؤل عن ناحيتين:

الأولى:ان الألفاظ كلها لها هيئات حتى الجوامد.فهل يقال:عنها جميعا بأنها تحتاج إلى طرفين؟

و جوابه:ان الكلام هنا في الكليات التي وضعت مستقلا عن موادها.اما الألفاظ الجامدة فقد وضعت هيئتها و مادتها وضعا واحدا،و لا تقبل التحديد.

الثانية:في الحروف الموضوعة للنسبة فقط بدون طرفين كحروف الجر و الاستفهام فانها إذا وردت وحدها مثل(من)فأين يكون طرفاها و هما غير موجودين؟

و في الحقيقة هذا صحيح.و إنما يفهم من معنى النسبة الواقعية الخالصة،بغض النظر عن الطرفين.و يكون الطرفان عامين.و إنما يتعينان بالسياق.

و يترتب على ذلك صحة ما قالوه من ان الحرف لا يتضح معناه الا بضمه إلى غيره.لأنه بذلك تتعين أطراف النسبة.لا انه لا معنى له مطلقا،و انه كالألفاظ المهملة.

و معه يمكن تعريف النسبة:بأنها الأمر الواقعي الذي ينحصر وجوده بطرفين.

و من هنا تنقدح:

المقدمة العاشرة:و هي ان بعض أساتذتنا كان يقول:ان الضمائر و أسماء الموصول و الإشارة حروف،بالرغم من ان النحويين جعلوها أسماء.

ص: 146

و ذلك:لأنها تفيد معنى الإشارة،و هي ذات معنى نسبي بين المشير و المشار إليه.

و كل ما أفاد الإشارة فهو حرف.و تعريف الحرف ينطبق عليه،لأنها لا تقوم الا بطرفين، مضافا إلى تعريف المشهور،و هو عدم إفادتها معنى الا مع انضمامها إلى غيرها.بنحو ما ذكرناه من كون معناها اقتضائيا و عاما،و ليس انها بدون الطرف،تكون فاقدة المعنى تماما،كالألفاظ المهملة.و هذا معنى شامل لكل الحروف.

و لكن هذه الثلاثة أصناف،فيها إشكال واضح،و هو انها تقع طرفا للنسبة كالمبتدأ و الفاعل،فتكون أسماء،على ما هو المشهور عند النحويين و البلاغيين و غيرهم.

لكن هذا يمكن ان يجاب بعدة أجوبة:

الجواب الأول:الطعن في الكبرى التي أسس عليها الإشكال و هي:ان ما يقع طرفا للنسبة،هي المعاني الاستقلالية،أو الأسماء،و ليس الحروف.

فنقول:ان النسبة يمكن ان تقع طرفا للنسبة.و لا يتعين ان يكون طرفها معنى اسميا استقلاليا.و ذلك:مثل النسبة الثانوية الطارئة على النسب التامة الأولية،كما في الشرطية المتصلة أو المنفصلة.كما في قولنا:إذا طلعت الشمس فالنهار موجود.

فان(طلعت الشمس)فيها نسبة و طرفان.و النهار موجود كذلك.فربطتهما النسبة الشرطية.فتكون النسبة قائمة بين النسبتين،لا بين الأطراف الأصلية.

و معه لا يتعين في أسماء الإشارة و الموصولة،كونها أسماء لمجرد كونها طرفا في النسبة.

الجواب الثاني:ان أسماء الإشارة و الأسماء الموصولة،و ان ظهر لنا انها وقعت وحدها طرفا للنسبة.الا ان طرف النسبة-بالدقة-هي بعد استيفاء طرفيها و استكمال معناها.أي اسم الموصول مع طرفيه،و ليس هو فقط.و المجموع معنى اسمي استقلالي على أي حال.و الكلام الآن،ليس في المجموع،بل في الموصول و اسم الإشارة وحده.

و هذا الرأي و الذي يليه أصوليان،و ان لم يفهمها النحويون.

الجواب الثالث:ان هذه الأدوات،تستعمل طرفا للنسبة حال كونها فانية في

ص: 147

مراجعها،و ليس بالاستقلال.و مراجعها أسماء.فيكون المسند و المسند إليه حقيقة هو المرجع لا الضمير.ففي مثل قولنا:هو قائم يكون المسند إليه حقيقة هو زيد،أي مرجع الضمير هو.فانه هو المقصود منه.

و على أي حال،إذن،لا تنافي بين كونها حروفا،و وقوعها طرفا للنسبة.

و عندئذ:إذا عرّفنا الحروف:بأنها ما لا يتم معناها الا بغيرها.شملت هذه الأدوات،اعني أسماء الإشارة و الموصول و الضمائر.

و كذا إذا عرّفناها بأنها ما هو قائم بطرفين،و كذا إذا عرّفناها:بأنها ما كان موضوعا للنسبة الواقعية الخالصة.

و لكن إذا عرّفنا الحروف،بأنها ما لا تقع طرفا للنسبة لم تشملها لأنها تقع طرفا للنسبة على إشكال سبق.

و ان عرّفنا الحروف:بأنها الأمور الواقعية المتقومة بطرفين لم يشملها،الا ما كان واقعيا.لأن مرجعها ان كان واقعيا كانت واقعية.و ان كان خارجيا كانت خارجية،فلا اختصاص لها بالواقع لتشابه الحروف تماما.و ليست من سنخ النسب بخلاف الأدوات.

و يأتي على الجواب الأول:إشكال،و حاصله:انه قائم على افتراض ان النسبة تقع طرفا للنسبة.فإذا مشينا بهذا الصدد،لزم التسلسل.لوجود النسب بين النسب.فيلزم وجود نسب لا متناهية في كل جملة.

و الجواب عليه له عدة مراحل:

الأول:ما قالوه:من ان(كل ما بالعرض ينتهي إلى ما بالذات).فان النسبة ذاتية الانتساب لا تحتاج إلى نسبة أخرى لكي تربطها بطرفها.

و ذلك:بعد التمييز بين النسبة الفعلية و النسبة الافتراضية.فالنسبة الفعلية،تكون بين طرفين استقلاليين أو طرفين نسبيين.و لا تحتاج النسبة الفعلية إلى نسبة افتراضية ليلزم التسلسل إلى ما لا نهاية.لأنها ذاتية الانتساب.

الثاني:اننا لو تنزلنا عن الوجه الأول،و فرضنا ان النسب متسلسلة،فليس كل

ص: 148

تسلسل هو لا نهائي.فان من التسلسل ما لو تصورته استمر،فإذا غفلنا عنه انقطع.

و استمرار مثل هذا التسلسل إلى ما لا نهاية يحتاج إلى دليل.و المقام منه.فاننا إذا أعرضنا عن تصور النسبة انقطع التسلسل.

الثالث:و هو جواب على إشكال معين،من حيث اننا لو تنزلنا عن الوجهين السابقين،يلزم لا تناهي الأوضاع.على اعتبار ان النسب كلها موضوعة.و هي لا متناهية.

و حاصل هذا الوجه:التمييز بين النسب الوضعية أي الموضوع لها.و غيرها.فان تنزلنا و قبلنا انها نسب لا متناهية،قلنا:انها ليست كلها وضعية.و إنما النسب الفعلية فقط وضعية دون النسب الافتراضية،لأنها غير دخيلة في التفاهم.و كلما يكون خارجا عن التفاهم العرفي،يكون خارجا عن الوضع.فلا يلزم وضع لا متناهي.

و لو تنزلنا و سلمنا حصول الواضع اللامتناهي،فإنما يكون محذورا،لو كان الواضع محدودا.لكن الواضع-على ما اخترنا-غير محدود،و هو اللّه سبحانه،و هو يستطيع ان يضع أوضاعا لا متناهية.

و لو قبلنا النسب اللامتناهية،فهي ليست خارجية،بل كلها:الفعلية منها و الافتراضية،أو قل:الموضوعة و غير الموضوعة،هي كلها واقعية،و عالم الواقع وسيع قابل لتحمل الموجودات اللامتناهية فيه.و عدد الكليات الموجودة فيه لا متناهي.و ليس هو من سنخ العوالم الثلاثة الأخرى:الذهن و الخارج و اللفظ.

نعم،على القول المشهوري،بان عالم الواقع لا وجود له.فانه لا معنى للنسب اللامتناهية،لأن العوالم الثلاثة المذكورة،لا تقبل الوجود اللامتناهي.فيكون ذلك برهانا على بطلان التسلسل.و نثبت انها نسبة واحدة.

و يتفرع على هذا إشكال،لعل فيه انتصارا للمشهور.و نفرده بمقدمة مستقلة،كالآتي:

المقدمة الحادية عشر:انه قد يقال:-كأطروحة-بوجود نسبتين طوليتين،في كل مورد:نسبة تكون بمنزلة الدال و نسبة تكون بمنزلة المدلول.و الثانية واقعية،و هي غير لغوية.لأن المعاني عموما غير لغوية،و إنما الألفاظ لغوية و الدوال لغوية.

ص: 149

و النسب الدوال ليست واقعية بل لفظية،و النسب عموما،اما لفظية أو ذهنية أو خارجية.فإذا كانت لفظية،كانت من الدوال،و من هنا نعود إلى ما عليه المشهور من ان المعنى الحرفي معنى لفظي و ليس واقعي.فان ذلك يكون بلحاظ النسب الدالة لا المدلولة،و كل الألفاظ اللغوية دالة،و معانيها مدلولة.

فلا يأتي على المشهور،كون النسب واقعية،فان ذلك بلحاظ النسب المدلولة، و هي التي تكلم عنها المستشكل.و هي غير لغوية.فانها بمنزلة المعاني،فلا بد ان تكون النسب من سنخ هذه العوالم الثلاثة غير عالم الواقع.

و يؤيد ذلك تقريبين:

الأول:انه لا حاجة إلى وجود نسبتين:لفظية و واقعية.بل نكتفي بواحدة،و هذه الزيادة في النسب لا حاجة إليها.و القدر المتيقن هو النسب الدالة أي اللفظية،و ليس المعاني.

الثاني:ان ما هو قابل للوضع هو كل شيء عرفي،ففي قولنا:الماء بارد،يشمل ذلك الاسمين:المبتدأ و الخبر،و النسبة اللغوية القائمة بينهما.

و اما النسب الواقعة بينهما في عالم الواقع،فالوضع مستحيل لها عرفا،و ليست طرفا للوضع.فيتعين ان يكون ما هو طرف للوضع هو النسب الدالة لا المدلولة.

و الجواب:على ذلك يتضمن عدة فقرات،فان الإشكال كذلك،يحتوي على عدة فقرات،و لكل فقرة جواب.

فنقول:ان عدم وجود نسبتين لفظية و واقعية صحيح،الا ان الصحيحة منهما هي الواقعية،و ليست اللفظية.

و هنا لا بد من ان نتذكر ما قلناه من ان النسب تنسب إلى طرفيها عرفا.فان كان طرفاها لفظيين،كانت لفظية.و ان كانت هي من عالم الواقع و هي بالتأكيد ليست من نوع الألفاظ لأنها لم تنطق.و لم يوضع أي لفظ بازائها.فان الطرفين هما اللذان ينسبان إلى العوالم الأربعة المذكورة.اما النسبة نفسها فهي منسوبة إلى عالم واحد و هو عالم الواقع.

ص: 150

اما قضية:ان مطالب المعنى الحرفي صعبة الفهم،فلا تكون عرفية.و حينئذ لا تكون لغوية.فمن الممكن ان ننكر ان يكون كل مطلب صعب هو غير عرفي.فقد يكون المطلب صعبا و عقليا،و مع ذلك يكون له أساس عرفي يعتمد عليه.

فلا يقال:ان النسب بالمعنى الذي فسرناه هي دقية و عقلية،بل هي مفهومة عرفا،فان العرف يفهم ان هذا فوق و هذا يمين.و كلها نسب مدركة و لها أوضاع لغوية و معنى عرفي.

و تعبيرنا عنها انها نسب واقعية،لا ينافي كونها معاشة و محسوسة للعرف.فانها محسوسة بطرفيها على أي حال.

و اما فكرة:ان النسب فيها دال و فيها مدلول،فهو لطيف و صحيح،و لا محذور فيه.و لكنهما معا واقعيتان.و ان كانت الدالة تسمى لفظية.

و يمكن الجواب أيضا كأطروحة:ان المستشكل اخذ مسلما انه في الجملة التامة نحو:الماء حار.ثلاثة أوضاع:أحدها للفظ الماء و الآخر للفظ الحار،و الثالث للنسبة بينهما.

قلنا ان نستشكل على المشهور:ان النسبة غير موضوعة،و إنما الواضع الحكيم التفت إلى وجود النسب الواقعية بين الأشياء كلها.و في الجمل التركيبية كلها سواء كانت تامة أو ناقصة،مفردة أو مركبة،و اكتفى بوجودها الواقعي للتفهيم،فهي نسب واقعية قائمة بالوجدان و محسوسة،فلا حاجة إلى وضعها.

و ليست هي كالألفاظ قبل وضعها،تكون نسبتها إلى المعاني على حد سواء، فلا بد من ربط اللفظ إلى معنى معين بالوضع لكي يفهم.

اما النسب فليس نسبة معناها إلى كل المعاني على حد سواء،بل هي نسب موجودة تكوينا،و يكفي تعقلها،عن الحاجة إلى الوضع.

و على أي حال،فإذا تنزلنا و سلمنا ان الأمور الواقعية غير قابلة للوضع،فالواقع لا يفشل لغويا،بعدم الوضع،بل تبقى النسب قائمة و موجودة.

بقي هنا إشكال على المبنى الذي نختاره في المعنى الحرفي،بان يقال:ان المعنى

ص: 151

الحرفي بعد الالتفات إلى شموله للنسب و الحروف معا،يرجع إلى حصتين:

أحدهما:النسب غير الملفوظة أصلا.إذ لا يوجد بازائها حرف و لا كلمة أصلا.

من قبيل النسب التامة و الناقصة.نحو زيد عالم و زيد العالم.فليس بازائها أي لفظ.فيقال لنا:ان الذهن يختار انها واقعية لعدم وجود مقابل لها في التلفظ اللغوي.

ثانيهما:المعاني الحرفية التي وضع بازائها الحروف و الأدوات.فهي بازائها ألفاظ معينة.فنسأل عن معنى نسبتها إلى عالم الواقع.

و هي على حصتين:

الأولى:ما وضعت الأدوات بازائه.و لعل أوضحها حروف الجر.

الثانية:ما لم يوضع لها لفظ معين،و إنما لفظيتها باعتبار الترتيب و التناسق بين الألفاظ.كتقديم الخبر على المبتدأ و الموصوف على الصفة.أو باعتبار الحركات التي تختلف في المشتقات.كالمخرج بالكسر و المخرج بالفتح.أو ضرب بالفتح و ضرب بالكسر.و نحو ذلك.

و نقول في الجواب على القسم الأول:انه من الناحية النظرية أو التجريدية،فانه من الممكن ان نتصور ان كل النسب خالية من الألفاظ،و ليس لها ما بازاء لفظي.لكن هذا يلزم منه لازم باطل و هو اشتباه النسب بعضها ببعض لأن النسب إذا لم توضع لها الآلات و الأدوات،كان مجرد وجودها التجريدي السياقي غير كاف للدلالة عليها،الا بقرائن متصلة تعينها.

فالنسب التي لم تحتج إلى قرائن لفظية متصلة،أبقاها الذوق اللغوي خالية من الحروف و الأدوات،كالحصة الأولى السابقة،فانها في نفسها واضحة الدلالة بعد التحاقها بطرفيها،فلا تحتاج إلى حرف يكون بمنزلة القرينة عليها.

و كشاهد عرفي على ذلك:اننا في كثير من النسب نستطيع استعمال النسب السياقية،كما نستطيع إبراز الحروف.نحو صعدت السطح و صعدت على السطح.

و دخلت الدار و دخلت إلى الدار.فيجوز في اللغة جعل النسب سياقية و جعلها حرفية.

ص: 152

لكن ليس كل النسب يمكن تجريدها،لأن جملة من النسب إذا جردت عن معنى الحرف و استعمال الأداة،لم يتعين معناها أصلا.فاحتاجت إلى الأداة،كحروف الجر و الاستفهام و التمني و الترجي.

و يخطر في الذهن التنظير بعمر و عمرو.فقد وضعت الواو للتمييز بينهما وضع الاختلاط.

و كذا وضع الألف بعد واو الجماعة للتمييز بين إسنادها إلى المفرد و إسنادها إلى الجمع.

فاقتضت الضرورة التفهيمية،و الذوق اللغوي،استعمال الأدوات و جعلها قرينة متصلة على معنى النسب الواقعية،لأنها لو كانت سياقية فقط،لما تضح معناها.

و من المفيد ان نضيف:انه يوجد نفس الشيء في اللغات الأخرى.و عندي إطلاع نسبي على اللغتين الفارسية و الإنكليزية،و فيها إقامة قرينة متصلة على النسبة التامة الخبرية.و مثاله في الفارسية(است)و في الإنكليزية )si( .و وجوده لا ينافي النسبة الواقعية بل يؤكدها.

فان قلت:كيف تكون النسب واقعية،مع انها خارجية أو لفظية.متشخصة بترتيب الحروف تارة و ترتيب الكلمات أخرى و ترتيب الجمل ثالثة.و هذا الترتيب لفظي خارجي و ليس واقعيا.

و جوابه:

أولا:ان الترتيب أصلا،واقعي و ليس خارجيا،كالفوقية و التحتية.و إنما يكون منشأ انتزاعها خارجيا.

ثانيا:اننا لو سلمنا بخارجيته،فليس هو النسبة حقيقة،بل هو دال على النسبة، و تكون النسبة في طوله.و من أمثلته:تقديم اللفظ للدلالة على التأكيد أو الاختصاص.

مثل:إياك نعبد.و الا فنسبة المفعولية هي نفسها لم تتغير.

و من هنا يمكن تعريف النسب و الحروف،بأنها:الأمور الواقعية التي تقوم بطرفين ذاتا،على ان تكون منسوبة إلى عالم الألفاظ أو عالم الذهن.لوضوح ان ما في عالم الخارج أو الواقع من النسب لا يصدق عليها انها حروف.

ص: 153

بل ما في عالم الذهن أيضا ليست حروف الا ما كان من الصور الذهنية للألفاظ نفسها.فتكون الفاظا بالحمل الأولي،و ان كانت ذهنية بالحمل الشايع.

و منه يتبين:ان النسب الحرفية حصة من مطلق النسب،و هي النسب اللغوية.و ان الأدوات أو الحروف الظاهرة،هي حصة من النسب اللغوية.

ص: 154

الفصل الرابع الكلام في الجوامد التي لها علاقة بالمشتق الأصولي

اشارة

و قد تقدم في الكفاية الكلام عن الجوامد،على الاستطراد في الأفعال و الحروف، و لكننا أخرناه،لأن له ربطا بمسألة الرضاع.

و لم تهتم المصادر الأصولية بمبحث إلحاق الجوامد بالمشتق الأصولي،الا لماما.

فمثلا:ان التعرض لها في الكفاية لا يبلغ السطرين(1) ،و في المحاضرات(2) لا يتجاوز الصفحة.

و هذا محل نقاش،فان الكلام في الجوامد معتد به نسبيا و لا يمكن التسامح فيه، و ان كان واضحا على مستوى التحقيق.

و بإلحاق الجوامد بالمشتق الأصولي،أصبحت النسبة بين المشتق الأصولي و المشتق النحوي هي العموم من وجه،و قد تقدم بيانها.

ثم ان هذا الإلحاق اما ان يكون موضوعيا أو محموليا.فقد حاول المشهور إلحاقها موضوعا باعتبار توفر ركني المشتق الأصولي فيها.و هما:إمكان حمله على الذات و بقاء الذات مع انقضاء التلبس به.

و قد يستشكل على ذلك بعدم صدق الحمل و صحة السلب،لأن قولنا:الجوامد

ص: 155


1- 59/1.
2- 229/1.

مشتقات،قضية كاذبة.و قضية الجوامد ليست مشتقات قضية صادقة.فيتعذر إدراجها ضمنها موضوعا.

لكنه يجاب:ان هذا صحيح بالمعيار النحوي لا المعيار الأصولي.فهذا خلط بينهما.و هما مختلفان مفهوما.فيصدق الحمل أصوليا و ان كذب نحويا.

و كذلك:يندفع ما يقال:من انه من المتعذر الإدراج المحمولي للجوامد في المشتقات.و ذلك لاختلاف حقيقتها ذاتيا و جوهريا.و معه لا يمكن ان يصدق محمول المشتقات عليها.

و لا اقل من الالتفات إلى ان المشتقات وضعت موادها وضعا مستقلا،و وضعت هيئاتها وضعا مستقلا.اما الجوامد فوضعت وضعا واحدا.فيكون بينهما اختلافات أساسية و جوهرية.

و يجاب:بان هذه الاختلافات إنما محلها النحو و اللغة و البلاغة،لا الأصول.اما فيه فلا اثر لتعدد المادة و الهيئة في الوضع.إذ يمكن ان نصطلح هنا،و لا مشاحة في الاصطلاح،بمفهوم خاص يجمعهما.

و بتعبير آخر:اننا يمكن ان نلحظ جهة الاتحاد بين ما يسمى بالمشتقات في النحو و ما يسمى بالجوامد فيه،و هي كونها جامعة للشرطين السابقين.و لا شك انهما مشتركان من هذه الناحية.

فان لم يمكن إدخالها موضوعا في المشتقات الأصولية،أمكن إلحاقها محمولا و حكما،على غرار ملحقات المثنى و الجمع السالم في النحو.فانه من الإلحاق المحمولي.إذ لو كانت منه موضوعا،لكانت أصلية لا ملحقة.

ثم انهم مثلوا للجوامد بثلاثة عناوين:زوج و حر و عبد.فهل الملحوظ في ذلك هذه الأفراد بنفسها.أم الملحوظ اندراجها في عنوان جامع واحد منطبق عليها.

و العنوان الذي ذكروه-تأثرا بالنحويين-هو عنوان الجوامد.فهل هذا كاف؟ كلا.و الا لشمل كل جامد كالأرض و السماء و النهار و الليل.مع انه خلاف مقصودهم.

ص: 156

و في الحقيقة ان مرادهم،و لو ارتكازا،ان يكون مشمولا لشرائط أربعة:اثنين منها هي شرائط المشتق السابقة.

و الثالث:هي ان تكون جامدة باصطلاح النحويين،يعني ليس من المشتقات، و من هنا سميت بذلك.و الا فستكون ملحقة تكوينا بمبحث المشتق الأصولي،و ليست بحثا مستقلا،لعدم الملازمة بين العملين في الاصطلاح.

الرابع:ان تكون موضوعا لحكم شرعي.و الا لم يكن لها دخل في الأصول و الفقه،بطبيعة الحال.

فتكون هذه الأمثلة الثلاثة السابقة،جامعة لهذه الشرائط الأربعة.و قد يكون الشيخ الآخوند على حق في حصرها بها.

غير اننا يجب ان نتذكر ان الشرط الثاني للمشتق ليس هو ان لا يكون الوصف ذاتيا،بل هو:ان تبقى الذات بعد زوال المبدأ.و الذاتي ليس حاويا على هذا الشرط.الا ان من جملة الأمور غير الذاتية ما لا يكون حاويا عليه ايضا،كالعقد و الإيقاع و الحد و الليل و النهار و الفجر،من أسماء الزمان و غيرها.

كما ينبغي ان نتذكر:ان اسم الزمان الذي اختلفوا فيه ليس هو ذلك،بل هو صيغة اسم الزمان كمقتل و مشهد و غيرها.

و على أي حال لو سلمنا صحة الإطلاق مجازا ببقاء الليل،فلا نسلمه حقيقة ليكون موضوعا للحكم الشرعي.

و قد يقال:ان الشرط الأخير مما لم يصرح به الشيخ الآخوند و لا غيره،فما الوجه في اشتراطه،خصوصا و اننا لم نشترطه في المشتق،مع العلم أننا نريد ان ندرجها في محمول واحد.و المسألة لغوية لا شرعية،فلا حاجة إلى هذا القيد.

فانه يقال:انه و ان لم يصرح بهذا الشرط الا انه هو مقتضى لسان حاله قدس سره، لحصره الأمثلة بهذه الثلاثة.و لو كانت المسألة لغوية صرفة،فلماذا لم يذكر أمثلة أخرى لها.

مضافا إلى إمكان القول:بأننا في الفقه و الأصول،لا نتكلم كلاما لغويا خالصا،

ص: 157

و إنما نتكلم عن الشرع،فيكون ما لا اثر شرعي له خارجا عن محل الكلام.

و هنا أطروحتان-كاشكالين-لو تمت إحداهما أو كلاهما،يلغى البحث في الجوامد أصلا،أو-على الأقل-لا يكون بحثا مستقلا.

الأطروحة الأولى:ان هذه الأمثلة الثلاثة إنما هي مشتقات و ليست جوامد.فهي إذن،داخلة في المشتق موضوعا،فلا وجه لتحرير بحث مستقل عنها.

و كونها من المشتقات له عدة تقريبات،منها:

أولا:وجود اشتقاق من نفس المادة،كما هو واضح،أعني:زوج و حر و عبد،فيمكن انتزاع أفعال و مصادر و أسماء مفعول منها.و لا نقصد في النحو من المشتقات الا ذلك.

ثانيا:ان الأصوليين مثلوا للمشتقات باسم الفاعل و اسم المفعول،و غفلوا عن الصفة المشبهة.و من الممكن القول ان هذه الألفاظ هي من الصفة المشبهة باسم المفعول.فعبد أي معبّد و زوج أي مزوّج و هكذا.فتكون حقيقة من المشتقات.

و عندئذ يكون المشهور-و منهم الشيخ الآخوند-امام أجوبة ثلاثة،كلها لا تنفع مبررا لتسجيل هذا البحث المستقل.

فاما ان تقول:ان هذه ليست مشتقات بل جوامد.و هذا مخالف للوجدان.و اما ان يأتوا بأمثلة أخرى جامعة للشرائط بما فيها كونها موضوعا لحكم شرعي.و لم يذكروا شيئا.و اما ان يقول:ان البحث لتشييد الكبرى و ان لم يكن لها صغرى،بعد سقوط تلك الأمثلة.و هو كما ترى.

ان قلت:لا يمكن ان تكون هذه الأمثلة من الصفة المشبهة،لأن لها أوزانا معينة ليس هذا منها.

قلت:ان الأوزان التي ذكرها اللغويون للصفة المشبهة لا تخلو من أحد احتمالات أربعة:

الأول:انهم يذكرون تعريفا محددا للصفة المشبهة،و تكون أمثلته و أوزانهم بمنزلة المصاديق له،لا بنحو الانحصار.بل يمكن وجود مصداق آخر،ما دام صغرى

ص: 158

للتعريف.و هذا هو الذي وجدته صحيحا لدى الفحص.و هو لا ينافي ما طرحناه.

الثاني:انهم لم يعرفوا الصفة المشبهة،و إنما اكتفوا بذكر الأمثلة و الأوزان.و ليس هناك تعريف محدد.

و هو احتمال غير واقع،و ان وقع فهو لا ينافي الزيادة في أمثلة الصفة المشبهة، لإمكان تحكيم ذوقنا اللغوي و العرفي في إيجاد جامع ذوقي عرفي،لنطبقه على ألفاظ أخرى،كالتي نحن بصددها.

الثالث:انهم عرفوا الصفة المشبهة بنحو ينحصر بالأوزان التي ذكروها،فتتعذر الإضافة.و هو احتمال غير موجود و غير ثابت عند التدقيق.

الرابع:انهم يصرحون بالانحصار،و عندئذ لا تستطيع الإضافة.و هذا غير واقع أيضا.و لا يتمكن أحد من ادعاء الانحصار.

الأطروحة الثانية:ان ندعي بفهم فلسفي أو باطني:ان هذه الألفاظ الثلاثة غير جامعة للشرائط.

فان أحدها:هو ان لا تزول الذات بزوال الوصف،و هو غير متوفر،بان يقال:ان الزوج نفس الإنسان،لأن كل موجود إمكاني،فهو زوج تركيبي.فإذا زالت الزوجية فقد زالت الذات.

و نحو ذلك في الحر،فان الحر من درجات الحكمة المتعالية،من كان منزها عن الشرك الخفي.فإذا زالت الحرية فقد زالت ذاته.

و العبد هو الإنسان ذاته،إذا وصل إلى مرتبة العبودية.فترجع كل هذه الأمور إلى نفس المتصف.فتزول الذات بزوال الصفة.

و جوابه:انه و ان قلنا بتصحيح بعض هذه الطرق في الفهم،الا انها كلها دقية في حين ان الكلام في علم الأصول عرفي غير دقي.أو قل:اننا نتكلم هنا عن المعاني غير الذاتية،و إنما التي وردت موضوعا للحكم الشرعي.

و هنا إشكال آخر:يؤدي إلى عدم شمول النزاع للجوامد،باعتبار وضوح عدم

ص: 159

صدقه بعد زوال الصفة،كما استشكلوا في اسم الزمان.فإطلاق العنوان عليه مجاز بلا إشكال.فانه من المستهجن استعمال الحر محل العبد و بالعكس.و هذا الإشكال لا يأتي في المشتق النحوي.

و جوابه:ان هذا الإشكال وارد على كلتا الحصتين معا.و الاستهجان-لو كان- فهو ثابت فيهما بلا فرق.و إذا تم فينبغي ان نحذف كل مبحث المشتق.

و على أي حال،ففي الإمكان القول بان هذه الأمثلة الثلاثة المذكورة،كلها مشتقة على نحو صفة مشبهة كما سبق.

و قد عرفوا الصفة المشبهة،بما مضمونه القريب:انها اسم مشتق يدل على صفة مأخوذ فيها الدوام و الثبات و الاستمرار.و من أوزانه:فعل و فعيل و فعال و فاعل إذا كان صفة ثابتة كفاضل.و بذلك يتميز عن اسم الفاعل الذي يدل على صفة قابلة للزوال عرفا و عادة.

و على هذا تكون الألفاظ الثلاثة كلها مشتقات:أولا:لأن لها اشتقاقات أخرى من لفظها و مادتها،كفعل الماضي و المضارع و المصدر.و ثانيا:انها صفة ثابتة غالبا،كما هو واضح في الزوج و الحر و العبد.

مضافا إلى ان هذه الثلاثة كلها،هي فعلا على وزن أعطوه في الصفة المشبهة، و هو(فعل)بفتح فسكون نحو صعب و سهل.كما هو واضح.

و هنا أود الالتفات إلى ان صاحب المنجد له عدة شطحات،عند الكلام عن الصفة المشبهة.لأنه قال:"الصفة المشبهة هي ما دل على حال علّقت على ذات مطلقا.

و المراد بالإطلاق نسبة الحالة إلى الموصوف،بدون اعتبار الزمان،بخلاف اسم الفاعل(1).

و الظاهر من العبارة:ان الصفة المشبهة غير متضمنة للزمان،و ان اسم الفاعل متضمن للزمان.و هو ضعيف جدا.ب.

ص: 160


1- المنجد في اللغة/مقدمات الكتاب.

نعم،يمكن تصحيح كلامه بما يناسب التعريف السابق،و هو ان المراد بالإطلاق في الصفة المشبهة:الاستمرار و الثبوت.في حين يكون اسم الفاعل قابلا للتغيير.فيكون التعبير بعدم اخذ الزمان عبارة عن الاستمرار.و هو أيضا تعبير ضعيف.

و قال ايضا:"تبنى الصفة المشبهة من الثلاثي سماعا،و تبنى مما فوق الثلاثي على وزن اسم الفاعل"و هذا غير صحيح بطبيعة الحال.نحو(سهل فهو سهل)فان أراد بالسماع ان اللفظ لا شبه له و لا قاعدة،بل اخذ سماعا،فهذا ليس كذلك،بل له صيغة و قاعدة.

فان قلت:انهم اشترطوا في الصفة المشبهة الدوام و الثبوت في حين ان أمثلة الشيخ الآخوند قابلة للتحول،إذن،فهي فاقدة للشرط المأخوذ في التعريف،و ليست مصداقا منه.

قلت:يجاب ذلك نقضا و حلا:

اما نقضا:فلأن كثيرا مما مثلوا به غير دائم حقيقة،بل يمكن تحويله،كالسهل و الصعب و الصديق و العدو و الكريم.

و اما حلا،فلأن الاستمرار المقصود هو الاستمرار العرفي و الغالبي،و ليس الدقي.

و نحن إذا لا حظنا كل هذه الأمثلة نجد ان اقتضاء الاستمرار فيها موجود.

ان قلت:على ذلك تكثر مصاديق الصفة المشبهة،و منها:أسماء القرابات كالأب و الخال و العم.و منها ما يكون موضوعا لحكم شرعي،نحو قوله تعالى:وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ،

و قوله تعالى:وَ رَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ .

قلت:هذا مجرد خدعة،لأكثر من وجه واحد:

1-انه يمكن ان يقال:ان هذه الألفاظ ليست مشتقة و ليس لها أفعال ماضية و مضارعة.فهي فاقدة لشرط التعريف.

2-اننا لو تنزلنا و فرضناها صغرى للصفة المشبهة،الا انه ليس صغرى للمشتق،إذ لا تبقى الذات بزوال الصفة.لوضوح علّية الاتصاف بها.و ان لم تكن ذاتية لوضوح علّية

ص: 161

الاتصاف بها فتبقى مع بقاء الذات عرفا و شرعا و ان لم تكن ذاتية منطقيا.

3-انه يمكن-بنحو الأطروحة-بعد التنزل عما سبق ان نفترض لها أفعالا ارتكازية تكون هي مشتقة منها أهمل العرب الدخول فيها لأنها منافية لأذواقهم.

مسألة الرضاع:

يحسن النظر الآن بشكل سريع إلى مضمون عبارة الإيضاح،لأنها واضحة و لو سياقا في ان المسألة الأولى فيها،غير متوقفة على صدق المشتق على الأعم،في حين ان المسألة الثانية فيها متوقفة عليه.

لكن من الواضح ابتناء كلتا المسألتين على صدق المشتق على الأعم.فإذا كان المشتق موضوعا لخصوص المتلبس،احتاجت الفتوى إلى تعبد بالحرمة،لا على مقتضى القاعدة،لأن الزوجية و البنوة لم يجتمعا طرفة عين،في كلتا الزوجتين.و إذا لم يحصل فلا بد من الاستغناء عن هذه الفتوى،و يكون الجزم بالحرمة مشكلا.اما الاحتياط فهو حسن على كل حال.و ان قلنا بالوضع للأعم،لم يفرق فيه مقدار الزمان،فالأولى طرفة عين،و الثانية بعد حين.

و المسألة كما ترى فقهية خارجة عن علم الأصول.الا انه في الإمكان درجها ضمن الاستدلال الأصولي،من حيث إمكان القول:ان هذا التحريم مما لا يتوقف عليه القول بالوضع للأعم في المشتق.أو مما لا يتوقف عليه إلحاق عنوان الزوجية بالمشتق.

كما قال الشيخ الآخوند،و استدل عليه بعبارة الإيضاح.

فاما ان نطعن بهذه الفكرة كصغرى،أو بتلك الفكرة ككبرى.أي انها حتى لو كانت الفاظا مشتقة،فلا اثر للاستدلال هنا،و إنما الاستدلال بالكتاب و السنة ابتداءا.

و على أي حال،فهي إذا كانت مشتقة دخلت في العنوان بلا إشكال.و ان كانت جامدة،لم يكن الاستشهاد بعبارة الإيضاح سببا لدخولها.

نعم،لو أخذناه كما أخذه الشيخ الآخوند مسلم الجمود.و اعتقدنا ان الإيضاح يعتقد

ص: 162

ذلك ايضا،كان له وجه.الا ان عبارته نص باندراجه في المشتق و الا لما جعله صغرى له.

و مثال الإيضاح(1):من له زوجتان صغيرة و كبيرة دخل بها.فأرضعت الكبيرة الصغيرة،ثم أرضعتها أخرى.فتحرم الأولى و يتوقف تحريم الثانية على صدق المشتق.

مع انهما معا محل إشكال،و في الحقيقة يتوقف القول بحرمة كلتا الزوجتين على إطلاق المشتق على الأعم.لأن الزوجية و البنوة لم يجتمعا طرفة عين في كلتا الزوجتين.

ما لم يحصل تعبد شرعي أو القول بوضع المشتق للأعم.

مضافا إلى عدم صدق الربيبة بالرضاع.و إذا سلمناه فهي ممن كانت بنتا قبل الزواج من أمها.

و في الحقيقة ان هذه المسألة تنحل إلى ثلاث مسائل:

الأولى:تحريم البنت أي الزوجة الصغيرة على الزوج.

الثانية:تحريم الزوجة الكبيرة أي المرضعة الأولى على الزوج.

الثالثة:تحريم الزوجة الكبيرة الأخرى أي المرضعة الثانية عليه.

اما المسألة الأولى:ففيها صورتان:فانه اما ان تكون الكبيرة أرضعتها بلبنه،فتحرم مسلما لأنها بنته.

لكن الكلام فيها يبدأ فيما لو أرضعتها من لبن غيره،فتكون بنتا للغير،فيحتاج التحريم إلى استئناف دليل من الكتاب و السنة.

اما من الكتاب فقوله تعالى:وَ رَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ (2).بتقريب:انها ربيبة و كل ربيبة حرام.

و يمكن مناقشته من عدة وجوه،فاننا ندعي كأطروحة:ان الربيبة هي البنت النسبية لا السببية.و العرف يرى ذلك.و يكفي الشك لجعلها شبهة مصداقية للعام.3.

ص: 163


1- الكفاية:59/1.
2- النساء:23.

و لو تنزلنا و قلنا ان البنت الرضاعية ربيبة بنظر العرف،الا ان الربيبة هي بنت الزوجة قبل زواجها من الثاني،و لا يصدق عنوان(اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ) الا إذا كانت قبل العقد.و الصغيرة في مورد المسألة ليست كذلك،لأن الرضاعة متأخرة عن العقد، و يكفي الشك أيضا لجعلها شبهة مصداقية.

و للشك منشأ آخر،و هو انها قبل الرضاع كانت موضوعة بوصف الزوجية،فهل يوافق العرف على نقل عنوانها و صفتها من الزوجة إلى الربيبة.

فالآية الشريفة،إذن لا تصلح دليلا على حرمة الصغيرة.

نعم،السنة الشريفة كافية بعد ضم مقدمتين:

الأولى:ان بنت الزوجة المدخول بها محرمة مطلقا يعني سواء صدق عليها عنوان الربيبة أم لا.لكن الأخبار تخصصها(1) بصفتين:

1-ان تكون بنتا نسبية.

2-ان تكون متقدمة وجودا على الزواج،لا متأخرة عنه.

و كلتا الصفتين غير موجودة هنا،فلا بد من نحو من التجريد عن الخصوصية،لكل الأفراد،بلا فرق بين الرضاع و غيره و لا فرق بين التقدم و التأخر.

الثانية:ما دل على(2) ان لحمة الرضا(ع)لحمة النسب.و ان البنت الرضاعية نسبية.

و في المحاضرات(3) ،استدل بالسنة فقط.و لعل ذلك للتشكيك بعنوان الربيبة،كما سبق،فلا تكون مصداقا من الآية الشريفة.كما انه يحتاج المورد إلى ضم دليل الرضاع لتتم الصغرى و لم يشر إليه،فكأنه أخذه مسلما.

المسألة الثانية:في حرمة الزوجة الكبيرة المدخول بها التي أرضعت أولا.

و المسألة يمكن ان تصدق سواء كانت الزوجة الصغيرة أرضعت بلبن زوجها أو1.

ص: 164


1- وسائل الشيعة،كتاب النكاح،أبواب ما يحرم بالمصاهرة و نحوها باب/1.
2- وسائل الشيعة،كتاب النكاح،أبواب ما يحرم بالرضاع،باب/1.
3- 231/1.

بلبن شخص آخر.بان تكون قد طلقت فتزوجت آخر،و أرضعت.فهل يحرم إذا طلقها الثاني ان ترجع إلى الأول تحريما مؤبدا؟

و الاستدلال على حرمتها،تارة يكون على طبق القواعد العامة أي في باب المشتق.و أخرى من أدلة خاصة من السنة الشريفة كما يأتي.

اما الاستدلال على مقتضى القواعد:فقد قرّب في المحاضرات(1) وجوها ستة للاستدلال:

الوجه الأول:صدق عنوان أم الزوجة عليها،و أم الزوجة محرمة في الكتاب و السنة.و الكبرى خارجة عن بحث المشتق و إنما هو تنقيح للصغرى.

و أجاب عليه قدس سره،بأنه يتوقف على القول بالأعم،لأن الزوجية انتهت ثم تحققت البنتية،و لم يجتمعا.فالطعن إذن،في الصغرى من هذا الوجه.

الوجه الثاني:صدق عنوان(وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) .و أجاب عنه انه أيضا متوقف على وضع المشتق للأعم.و هو خلاف ظهور الآية بالفعلية.

و تعليقنا عليه:

أولا:ان هذا الدليل تكرار للدليل السابق.فان السابق اخذ عنوان أم الزوجة،و هنا اخذ عنوان أمهات نسائكم،و هو هو عرفا.

ثانيا:ان لفظ أم غير مشتق.و قد قربنا ذلك فيما سبق.و حينئذ لا ربط له بوضع المشتق للمتلبس أو الأعم.

و تستطيع القول:انه إذا أمكن جر الخلاف في المشتق إلى خارجه.فانه يكون موضوعا يقينيا لخصوص المتلبس و لا يشمل غيره.فان الجدار إذا هدم لا يبقى اسمه جدار.و كان الأولى بالمحقق الأستاذ ان يقول هذا،فلم يجتمع عنوان الأمية و الزوجية في زمن واحد،ليصدق أمهات نسائكم.9.

ص: 165


1- 231/1-239.

الوجه الثالث:أننا لو سلمنا الوضع للمتلبس.الا ان المراد بالآية هو الأعم.لذكر الربائب اللاتي في حجوركم.و لا يعتبر في الربيبة ان تكون أمها زوجة فعلا.و بوحدة السياق يستكشف ذلك في الأمهات ايضا.

أجاب قدس سره:ان حكم الربائب ثبت بقرينة خارجية.و لو بقينا نحن و الآية، لقلنا بفعلية الزوجية مع الأم.

و تعليقنا عليه:

أولا:ان الآية الكريمة ذكرت ستة عنوانين أو اكثر:كلها محرزة ان الحكم يدور مدار ثبوتها و يرتفع بارتفاعها،الا واحدة،حسب زعم المستدل،و هو بقاء عنوان الربيبة.

فكيف نطبق وحدة السياق،و هل هذا الا من تحكيم الواحد في الأكثر منه.

ثانيا:الصحيح في الجواب ان يقال:ان عنوان الربيبة ليس هو الزائل،و إنما هو عنوان الزوجيّة،و قد ثبت من الخارج ان عنوان الزوجية كاف حدوثا لحرمة الربيبة بقاءا مؤيدا و لو بالاستصحاب.و لا يعتني بعد ذلك انه طلق أمها أم لا.فلا ربط بين العنوانين.

الوجه الرابع:ان زمان زوجية الصغيرة و زمان انقضائها،و ان كانا مختلفين بالدقة:

الا انهما متحدان عرفا لأن أول زمان أمية الكبيرة متصل بآخر زمان زوجية الصغيرة.

و هو كاف عرفا في صدق عنوان أم الزوجة.فتكون مصداقا له عرفا.

أجاب عنه في المحاضرات:ان العرف إنما هو محكّم في فهم اصل الكليات و المفاهيم،كعنوان أم الزوجة،من الكتاب و السنة.و ليس من مصاديقها.و البحث هنا في المصداق لا في المفهوم.

و لنا تعليقان على ذلك أحدهما كبروي و الآخر صغروي:

1-ان هذا الذي زعمه المحقق الأستاذ لا يلتزم به هو نفسه في الفقه.فانه يرى هو و غيره:ان العرف محكم في الكبريات و الصغريات.

2-انه لا يجتمع هذان العنوانان حتى بالنظر العرفي.و يكفي ان نتصور ان العرف إذا الفت إلى هذا المورد فانه يقر بعدم الاجتماع.و إنما لغفلته يتوهم ذلك.

ص: 166

الوجه الخامس:و له مقدمتان:

المقدمة الأولى:ان العلة و ان تقدمت على المعلول رتبة.الا انها متحدة معه زمانا.

المقدمة الثانية:ان المتضايفين متساويان في الرتبة و في الزمان و مشتركان في القوة و الفعل.

فالأمية و ان تأخرت على فسخ الزوجية رتبة الا انها متفقة معها زمانا.كما هو الحال في الحكم و الموضوع.لأن نسبتهما نسبة العلة و المعلول.

و حيث ان ارتفاع الزوجية عن الصغيرة معلول لحدوث عنوان البنوة لها،فكان متأخرا عنها رتبة و متحدا معها زمانا،قضاءا لحق العلية و المعلولية.

و بما ان عنوان أمومة الكبيرة تحقق في ظرف ثبوت عنوان بنوة الصغيرة،فانهما متضايفان،و المتضايفان متكافئان في القوة و الفعل.فتكون الكبيرة أما للصغيرة في رتبة ثبوتها،التي هي علة لارتفاع الزوجية،فتجتمع معها زمانا.ففي مرتبة الأمية لم تكن الزوجية زائلة،و تكون مشمولة لأدلة التحريم.

أجاب عنه بجوابين نعرضهما مع مناقشتهما:

الجواب الأول:انه لا اثر للرتبة في موضوعات الأحكام الشرعية.و إنما الأثر على الموجودات الزمانية.فكونهما متحدين رتبة(أعني الأمية و زوال الزوجية)لا اثر له.

الا انه لا يتم:

1-لأن المدعى،كما نص عليه في المحاضرات،هو الاتحاد الزماني و ليس الرتبي.

2-لعدم تمامية كبرى الجواب،فان الرتب ان كانت ملحوظة عرفا،أمكن جعلها موضوعا للحكم الشرعي.نحو جاء زيد من السفر فزرته فان الترتب هنا و ان كان عقليا، الا انه مفهوم للعرف.و هنا يمكن ان يكون كذلك،و خاصة مع إلفات العرف إليها.

الجواب الثاني:ان العلة و ان تقدمت على المعلول رتبة،و كذلك الشرط و موضوع الحكم،الا ان المقام ليس صغرى له.لأن الأمية لا تقدم لها على ارتفاع

ص: 167

زوجية الصغيرة.و إنما تتقدم على عنوان البنتية،لأنها علتها،و لا علّية هناك.

و جوابه:انه من الغرائب،لأننا ان جعلنا الأمية و البنتية من المتضايفين،و كان أحدهما علة و العلة متقدمة على المعلول،فالمضايف للعلة متقدم على المعلول ايضا.

و ان جعلناهما علة،كانت علة العلة،لفسخ الزوجية،لأنها علة البنتية،التي هي علة الفسخ فثبت التقدم ايضا.

الا ان الصحيح في الجواب على اصل الوجه الخامس ان يقال:

1-ان المتضايفين لا يتقدم أحدهما على الآخر،إذ ليس بينهما علية و معلولية.

2-ان العلة تتقدم على وجود المعلول لا على عدمه.و المعلول بالمدعى هنا عدمي،و هو هدم الزوجية.

3-ان العلة لارتفاع الزوجية حكم الشارع و ليست البنتية علة حقيقة.و إنما ارتفعت لاختلال موضوعها لحرمة الزواج بالمحارم.بعد ضم مقدمة شرعية أيضا،بأنها من المحارم الرضاعية.

فالمحصل هو وجود المانع و الرافع،و ليس وجود العلة لا حقيقة و لا تعبدا.

و تصور الموضوعات الشرعية كالعلل ليس بصحيح.

الوجه السادس:الروايات.

و ما يمكن ان يستدل به من الروايات ثلاثة اثنان منها معتبرة سندا،لكن دلالتها قابلة للمناقشة.و واحدة ضعيفة السند.

الأولى:صحيحة(1) عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام:في رجل تزوج بجارية صغيرة فأرضعتها امرأته و أم ولده.قال:تحرم عليه.أقول:هذا الضمير يعود إلى الصغيرة حسب السياق.كما ان الظاهر ان الرضاع جامع للشرائط،كما انه من لبنه لأنه يقول:أم ولده.2.

ص: 168


1- وسائل الشيعة،كتاب النكاح،أبواب ما يحرم بالرضاع،باب 10 حديث 2.

و قد يقال:انها لا تدل على حرمة الكبيرة،اما حرمة الصغيرة فقد سلمنا بها و هو مضمون المسألة الأولى،دون هذه المسألة.و اما الكبيرة فمسكوت عنها.

الا انه يمكن الجواب عن ذلك بإحداث احتمالات-كأطروحة على الأقل- لإدخال الكبيرة في محل الكلام:

الأول:ان يكون الضمير في الجواب راجعا إلى الكبيرة،خصوصا و انها قريبة عليه، فعوده إليها اقرب.فتكون الرواية دالة على حرمة الكبيرة و ساكتة عن الصغيرة.و منشأ هذا السكوت-كأطروحة ايضا-وضوح حرمة الصغيرة،اما الكبيرة فتحتاج إلى بيان.

لكن هذا الاحتمال غير صحيح،لأن هذه الكبرى إنما تكون صحيحة في السياق الواحد.و الظاهر ان مناسبة الجواب للسؤال،يقتضي عود الضمير إلى الصغيرة.

الثاني:إدخال كبرى لغوية غير معهودة عرضناها في بحث الفقه.

و حاصلها:ان هناك شيئا اصطلحنا عليه بالإيهام الاثباتي.

و حاصل فكرته:ان المقصود الظاهري لكلام ما يكون واحدا،بينما يكون المقصود الواقعي متعددا.و كان مثاله في الفقه،قوله تعالى:حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى (1).

فقد قيل في الصلاة الوسطى عدة أقوال مبنية على ظاهر الحال من انها صلاة واحدة مرددة بين الصلوات.و توجد رواية معتبرة تعينها بصلاة الظهر(2).و قلنا انه بحسب الظاهر:ان المراد منها صلاة متساوية النسبة إلى الصلوات كلها،و هي معنى منطبق عليها جميعا.فكل فريضة هي صلاة وسطى بلحاظ معين.فيمكن ان يكون المراد كل الصلوات على نحو العموم الاستغراقي لا المجموعي.و يكون المراد الإشارة إلى كل واحدة بحيالها و استقلالها،فيكون في المورد إيهام إثباتي.

فنطبق نفس الكبرى في المقام:5.

ص: 169


1- البقرة/238.
2- وسائل الشيعة،كتاب الصلاة،أبواب أعداد الفرائض و نوافلها و ما يناسبها،باب 5.

فقوله:تحرم عليه،فاعله ضمير مستتر تقديره:هي.و المراد منه ظاهرا واحد.

و لكنه ربما يكون المقصود الثبوتي الواقعي كلتيهما.فتحرمان عليه معا.لا واحدة منهما بعينها بشرط لا عن الزيادة.

لكن مثل هذه الأساليب و البيانات،إنما يلجأ إليها عند وجود مصلحة ثانوية لا مع الاقتصار على المصلحة الأولية للبيان.خصوصا إذا كانت المسألة مرددة بين الحرام و الحلال.فكل واحدة ثبوتا اما حرام أو حلال.اما صياغة الكلام في الجواب على نحو الإيهام الاثباتي فهو إجمال و تضليل.و هو بالعنوان الأولي غير صحيح ثبوتا و إثباتا.

و خلاف وظيفة الإمام عليه السلام.الا بالعنوان الثانوي،كمصلحة اجتماعية أو نفسية في عدم البيان و إيحاء معنى معين لا تتحمله العبارة.

و مقتضى السياقات الظاهرة للسنة الشريفة،هي العناوين الأولية،فهذه الرواية كذلك.و النتيجة عدم دلالة الرواية،على حرمة الكبيرة.

الثانية:صحيحة(1) محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام:قال:لو ان رجلا تزوج جارية رضيعة فأرضعتها امرأته فسد النكاح.

و يرد على الاستدلال بها نفس الإشكال الأساسي في الاستدلال بالرواية السابقة، في عدم تعرضها لمسألتنا هذه،فان نكاح الصغيرة هو الذي يفسد دون نكاح الكبيرة.

لكن في مقابل ذلك،يمكن عرض عدة تقريبات لأجل فهم العود إلى الكبيرة، أو إليهما معا.فتحرم الكبيرة.

التقريب الأول:ان الألف و اللام و ان كانت عهدية في المقام،الا انه يمكن ان يدعى عودتها إلى الكبيرة دون الصغيرة،لما قلناه سابقا،من وضوح حرمة الصغيرة،فلا تحتاج إلى بيان.

الا انه مردود:بان العهدية لا تتعين إلى خصوص الكبيرة.بل هي اما عائدة إلى1.

ص: 170


1- وسائل الشيعة،كتاب النكاح،أبواب ما يحرم بالرضاع،باب 10/ح 1.

الصغيرة،أو مجملة في العود إلى أي منهما.فتعيين الكبيرة خلاف الظاهر.

التقريب الثاني:ضم كبرى الإيهام الاثباتي.بان يقال:ان المقصود الظاهري من العهد هو الواحد،اما الواقعي فاثنان.و قد مرّ الرد عليه.

التقريب الثالث:ان تقول:ان الألف و اللام هنا للجنس لا للعهد.أي ان النكاحات المذكورة في السؤال كلها تفسد.و هو يشمل نكاح الكبيرة و الصغيرة معا.

لكنه وجه غير صحيح.لأمرين:

الأمر الأول:ان الأصل في الألف و اللام و ان كانت الجنسية،الا ان ذلك مع عدم القرينة على الخلاف.و هي هنا موجودة تدل على العهد.و لا اقل من الاحتمال المبطل للاستدلال لأنه يؤدي إلى الإجمال.

الأمر الثاني:ان حمل الألف و اللام على الجنس يفترض فيه استيعاب جميع الأفراد.و اما شموله لفردين فقط،فهو فهم غير عرفي.

التقريب الرابع:ان تغيير مادة الجواب عنها في السؤال،قرينة على ان المراد به غيره.فان السؤال كان بمادة:تزوج و الجواب بمادة النكاح.فلا بد ان يراد منها نكاح آخر غير ما يراد من التزويج،و ليس هناك نكاح آخر الا الكبيرة.

الا ان هذا قابل للمناقشة طبعا،و ذلك:لأن التزويج و النكاح و ان كانا مختلفين مفهوما من حيث تضمن الثاني للدخول دون الأول.لكنهما عرفا واحد.و لا اقل من الاحتمال،فالمتكلم مخير بينهما.و المهم إبطال المعنى بأية مادة.

فهذه الوجوه الأربعة غير تامة للاستدلال على حرمة الكبيرة.

تبقى خطوة واحدة،إذ يمكن ان يقال:ان الروايتين الصحيحتين سندا،يمكن ان تكونا ظاهرتين في صحة عقد الأولى بتقريبين:

الأول:مفهوم جملة فسد النكاح.أي نكاح الصغيرة.فيكون مفهومها ان نكاح الكبيرة صحيح.

لكن هذه الجملة ليس لها مفهوم،فانها اضعف من الجملة الوصفية.

ص: 171

ص: 172

صالح بن أبي حماد و هو ضعيف(1) و مع ذلك فهي مرسلة لأن المراد بابي جعفر حيث يطلق الباقر(عليه السلام)و بقرينة قول ابن شبرمة في مقابله لأنه كان في زمنه و ابن مهزيار لم يدرك الباقر(عليه السلام)و لو أريد بابي جعفر الثاني و هو الجواد(عليه السلام)بقرينة انه أدركه و اخذ عنه فليس فيه انه سمع منه ذلك بل قال قيل له و جاز ان يكون سمع ذلك بواسطة فالإرسال متحقق على التقديرين مع ان هذا الثاني بعيد لأن إطلاق أبي جعفر لا يحمل على الجواد(عليه السلام).

فيكون الإشكال ذا شقين:

اما الشق الأول:فباعتبار ما ثبت تاريخيا من ان ابن مهزيار لم يعاصر الباقر عليه السلام،بل عاصر الرضا و الجواد عليهما السلام.

و اما الشق الثاني:فمن جهة قوله:قيل له.فيثبت الإرسال لمجهولية القائل.

و قيل في الدفاع ضد الإشكال الأول:ان المشهور قد عمل بها،فانهم حرموا المرضعتين و عمل الأصحاب يجبر السند،فيكون الضعيف حجة.

الا ان الصحيح ان هذا الدفاع غير صحيح لا كبرى و لا صغرى:

اما كبرى فان عمل المشهور لا يجبر ضعف السند و لا الدلالة.و ان حصل إجماع،بل الإجماع يسقط لأنه مدركي.فالشهرة المدركية أولى بالسقوط.

و اما صغرى،فلأنه لم يحرز استناد عمل المشهور إلى هذه الرواية،فهو اما مشكوك أو محرز العدم.

اما كونه مشكوكا فلا يحتاج إلى زيادة مؤونة فلعل لهم أدلة عديدة لم تصل إلينا.

و أما كونه محرز العدم فقد قربه في المحاضرات(2) بان المشهور أفتى بحرمة كلتا المرضعتين الكبيرتين،في حين ان الرواية صريحة في حلية الثانية.إذن،فلم يستند عملهم إليها.1.

ص: 173


1- قال النجاشي:كان أمره ملتبسا يعرف و ينكر(معجم رجال الحديث:57/9).
2- 236/1.

لكن هذا التقريب غير تام.فانهم ذكروا في وجه انجبار الرواية الضعيفة بعمل القدماء:انه من المحتمل جدا وجود قرائن حالية أو مقالية أو مقامية على نقص الرواية أو كمالها،قد خفيت علينا،لبعد الزمن و حصول الكوارث الكثيرة في تلف الكتب فنطبق نفس هذه الفكرة،و نقول:انه من المحتمل انهم عملوا بصدر هذه الرواية دون ذيلها،لقرائن وصلت إليهم و خفيت علينا.

أقول:ينبغي التنبيه هنا إلى شيء مؤسف و هو التعبير بالمشهور عن رأي اثنين فقط من علمائنا.فان ابن ادريس و العلامة قالا بحرمة الثانية.فهل ان فتوى اثنين مشهور.

و بعض من عنده رسالة عملية يسمي رأي سلفه بالمشهور لا لشيء الا ليرد عليه.

و اما الإشكال الثاني:المبني على ظهور عنوان أبي جعفر بمجرده في الإمام الباقر عليه السلام،في حين ان ابن مهزيار متأخر عنه.و اما انصرافه إلى الإمام الجواد عليه السلام،فيحتاج إلى تقييد بالثاني.فيتعين الإرسال،لأنه-كما يقول في المحاضرات- معارض بإدراك علي بن مهزيار للجواد و روايته عنه في غير مورد،و عدم إدراكه للإمام الباقر(عليه السلام).

و هذا غير تام لعدة وجوه:

الأول:اننا لم نحرز عدم إدراك علي بن مهزيار لعنوان أبي جعفر.لوجوه سوف تأتي،منها:ان أبا جعفر هو الجواد عليه السلام،أو ان عليا غير هذا،بحيث يقاس وجوده في زمن الباقر عليه السلام.

الثاني:ان هنا فردين من القياس:

أحدهما:ظهور الرواية في معاصرة الراوي للمروي عنه،و كبراه حجية الظهور.

ثانيهما:عدم معاصرة ابن مهزيار للإمام الباقر عليه السلام،و كبراه حجية النقل التاريخي.

و الكبرى الأولى حجة في نفسها،دون الثانية:فان اكثر ما نقل تاريخيا،غير معتبر.

فيكون من تعارض الحجة و اللاحجة،و يقدم الظهور اللفظي في المعاصرة،على هذا النقل التاريخي.الا ان يقال:ان هذا الظن يبلغ درجة اليقين أو الاطمئنان،فيقدم.

ص: 174

الثالث:ظهور الرواية في معاصرة ابن مهزيار لأبن شبرمة،المعاصر للإمام الباقر عليه السلام.فان ادعينا اتحاده،فيتعين وجود ابن مهزيار في زمن الإمام الباقر عليه السلام.مع قطع النظر عن كونه كان موجودا في زمن الإمام الجواد عليه السلام.باعتبار تعدد المصداق.و ان تعدد كان وجها آخر،فيكون الراوي أولهما.

فينتج:ان الرواية ليست مرسلة لعدم الحاجة إلى افتراض راو محذوف بين ابن مهزيار و أبي جعفر الأول.و عدم الإرسال يساوي-عرفا-الإسناد.إذ لا ثالث لهما، سواء كان تقابلهما من تقابل الضدين أو من تقابل النقيضين.

و اما الشق الثاني لإثبات الإرسال،و هو قول الراوي:قيل له.فليس بصحيح.

قال في المحاضرات:لأن مجرد عدم ذكر السائل لا يكون قرينة على الإرسال.

بل لعل عدم ذكره له دخل في المقصود.

أقول:هذا إنما يتم لو كان عدم ذكر السائل لعنوان ثانوي كعدم توريطه اجتماعيا.اما إذا كان السبب هو العنوان الأولي،فهو الإرسال.و مع الترديد يبقى احتمال الإرسال موجودا،و تسقط الرواية عن الحجية.

الا ان الإنصاف انها ظاهرة في الإسناد من هذه الناحية،فكأنه قال:قيل له و أنا حاضر،و لا أهمية لشخص السائل.

الا ان الذي يهون الخطب هو وجود عيب اسبق في الرواية،و هو ضعف صالح بن أبي حماد.

فالنتيجة:ان كل الروايات التي سردناها غير مثبتة لبطلان زوجية المرضعة الأولى.و لم يثبت إجماع و لا شهرة.و مقتضى القاعدة استصحاب الزوجية،ما لم نقل بوضع المشتق للأعم.فهذه هي ثمرة البحث في المشتق.فليس بحثه بدون ثمرة،كما يستشكل المتأخرون.

و تكون الثمرة أوضح في المسألة الثالثة،لوجود الفصل الزماني العرفي.

و على أي حال،يبقى في النفس شيء من القول بالحلية،لوجود شهرة و نحوها بالقول بالحرمة.فيكون من الجرأة القول بالحلية.فيكون مقتضى الاحتياط الوجوبي

ص: 175

حرمة الكبيرة.

الا ان مقتضى الاحتياط أيضا،ان يؤمر الزوج بطلاقها،ليصح نكاحها من غيره لترتيب آثار النفقة و التوارث.

المسألة الثالثة:حرمة المرضعة الثالثة التي أرضعت الصغيرة،بعد ان حرمت.و ما يحتمل ان يكون دليلا على الحرمة أمران:

الأمر الأول:ان نزعم ان المشهور ذهب إلى الحرمة،و الشهرة حجة.

الا ان هذا ليس بصحيح كبرى و صغرى.اما كبرى فللطعن بحجية الشهرة في نفسها،كما يأتي في محله.

و اما صغرى فلأنه لم يثبت عندنا اكثر من ذهاب ابن ادريس و العلامة إلى الحرمة،و مستندهما وضع المشتق للأعم.باعتبار ان الصغيرة لا يزال يصدق عليها انها زوجة،فتكون المرضعة فردا من عنوان:أمهات نسائكم فتحرم.فيرجع هذا الوجه إلى الوجه الثاني.و لا يكون وجها مستقلا.

و لم يثبت ان غيرهما من الفقهاء ذهب إلى ذلك.و قد قلنا:ان مجرد احترام بعض الفقهاء،لا يجعل فتواهم مشهورا.بل المشهور في هذه المسألة خلافه.

الأمر الثاني:القول بوضع المشتق للأعم.و المورد صغرى له.إذ الصغيرة لا يزال يصدق عليها انها زوجة.فتكون المرضعة لها فردا من عنوان أمهات نسائكم،المحرم في الآية الكريمة.

لكن هذا الوجه ممنوع كبرويا،و غير محتمل في نفسه،كما سيأتي بيانه.و عليه شهرة الأصوليين و الفقهاء.فالوجهان غير تامين.

اما القول بالحلية،فنستدل عليه بعدة وجوه:

الوجه الأول:التمسك بخبر علي بن مهزيار-لو صح سندا-.فهو ينص بصراحة:

على ان المرضعة الثانية لا تحرم،لأنها أرضعت البنت الرضاعية.لكن الخبر ضعيف السند،كما سبق.

ص: 176

الوجه الثاني:ان نتمسك بقاعدة الرشد في خلافهم(1).فان ابن شبرمة يذهب إلى الحرمة،فيكون الرشد في الحلية.

و هذا قابل للمناقشة كبرى و صغرى:اما صغرى فلأنه لم تثبت فتوى ابن شبرمة الا بهذا الخبر غير المعتبر.

و اما كبرى فلأن مورد تطبيق القاعدة هو وجود الشهرة عندهم أو انه مذهب السلطة.اما مجرد وجود قائل به فلا يكفي لذلك.فان الاختلافات بينهم كثيرة.

الوجه الثالث:التمسك بقوله تعالى:فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ (2).

و هذه كانت امرأته حلالا.فتكون صغرى للآية.

الا انه قابل للمناقشة،لأننا نفهم من الآية استحداث اصل النكاح،لا استمراره.

و الكلام هنا في الثاني دون الأول.

الوجه الرابع:استصحاب حلية هذه المرأة،فانها كانت زوجة محللة قبل الرضاع و نشك في حرمتها بعده،فنستصحب الحلية.و الموضوع ثابت و هو الزوجة نفسها.

لا يقال:ان الموضوع قد تغير،فانه كان سابقا:ذات الزوجة.و اصبح الآن بقيد الرضاع.

فانه يقال:ان في هذا غفلة عن المطلب،لأن كل استصحاب فيه تغيّر ما و الا لم يحصل الشك في اللاحق.الا ان تكون الخصوصية الحادثة مغيرة للموضوع اساسا فلا يجري الاستصحاب.و المقام ليس منه.

الوجه الخامس:ان عنوان الزوجية لو سلمنا بقاء صدقه على الصغيرة،لأجل القول بوضع المشتق للأعم،إنما يكون مؤثرا إذا لم يكن موضع تزاحم بين العنوان السابق و العنوان الفعلي.و هذا التعارض حاصل في المورد بين زوجية الصغيرة و بنتيتها.3.

ص: 177


1- راجع روايات الترجيح بمخالفة العامة في باب تعارض الأدلة الشرعية.منها مقبولة عمر بن حنظلة و فيها قال الإمام الصادق(عليه السلام)(ما خالف العامة ففيه الرشاد)وسائل الشيعة،كتاب القضاء،أبواب صفات القاضي،باب 9 ح 1.
2- النساء/3.

و في مثله يحكم العرف بالعنوان الفعلي،و هو البنتية،فتكون المرضعة الثانية قد أرضعت بنت الزوج و ليس زوجته.

فان قلت:ان كل مشتق يكون حاله هكذا.فإذا زال الفقر ثبت الغنى و إذا زالت الحركة ثبت السكون.فيحصل هذا في جميع أحوال صدق المشتق على الأعم.فإذا قبلنا الوضع للأعم،إذن لا ينافيه الاتصاف بالضد.و هنا يصدق على المرضعة انها زوجة مع صدق البنتية،و هذا يكفي للحرمة.

قلنا:نعم عموما،لكننا يمكن ان نفرق،من حيث كون أحد الوصفين ذا اثر شرعي أو لا.فلو نذرت ان أتصدق على زيد الفقير.فاصبح غنيا،أمكن التصدق عليه لبقاء عنوان الفقر عليه بناءا على الوضع للأعم.و ان عنوان الغنى لم يترتب عليه اثر شرعي،و ليس موضوعا لحكم شرعي من هذه الناحية.

اما إذا كان كلا العنوانين موضوعا لحكم شرعي،و كل واحد مضاد للآخر:

كالمتوضئ يجوز له الدخول في الصلاة،و غير المتوضئ لا يجوز له الدخول في الصلاة،فنأخذ بالعنوان الفعلي.و لا يحتمل البناء على العنوان السابق أكيدا.و المقام من هذا القبيل كما هو واضح لمن يتأمل.

و هذان الوجهان،كافيان لإثبات حلية الكبيرة الثانية.

و حينئذ أقول هنا:اننا إذا قلنا بالحلية في المسالة الثانية،و هي حرمة الكبيرة الأولى،فبالأولى ان نقول بالحلية في المسألة الثالثة،و هي حرمة الكبيرة الثانية.

اما إذا قلنا بالحرمة في المرضعة الأولى،فانه لا يلزم منه ان تقول بالحرمة في المرضعة الثانية.لعدة فروق بين مدارك المسألتين:

1-ان الصحيحتين السابقتين المذكورتين كوجه للتحريم في المسالة الثانية،لا تعرض فيهما للمسألة الثالثة،فهي بالنسبة إليهما كالسالبة بانتفاء الموضوع.

2-ان خبر علي بن مهزيار نص في الحرمة للمرضعة الأولى،و نص في الحلية للمرضعة الثانية.

ص: 178

3-ذهاب المشهور-كما احدس-إلى الحرمة في المسألة الثانية مع ذهابه إلى الحلية في الثالثة.

4-ذهاب المشهور إلى وضع المشتق لخصوص المتلبس لا للأعم،و خاصة مع الفصل الزماني.و هو فرق هذه المسألة عن الثانية لأن الزمان هناك متصل.

و لا يبقى-مع ذلك-حتى وجه للاحتياط الاستحبابي في عدم الحلية للمرضعة الثانية.

ص: 179

ص: 180

الفصل الخامس في أنحاء التلبس

اشارة

قال في الكفاية(1):رابعها:أي رابع الأمور التي تقع مقدمة للمشتق،أو للرأي المختار فيه.

و لم يذكر الأصوليون هنا عنوانا معينا،بل يدخلون في المعنون مباشرة.و ما يمكن ان يتحصل من كلامهم هو البحث عن أنحاء التلبس.و فيه توسيع لمعنى(التلبس)غير ما يبدو منه عندما تعرض له الأصوليون الأقدمون.

فقد كان يراد بالتلبس الفعلي.و حيث انه يصدق الاستعمال في بعض المشتقات وجدانا بعد زوال الفعلية،توهموا ان المشتق موضوع للأعم.فمن اجل ذلك عقد هذا البحث لإيضاح:ان التلبس و ان زال بنحو الفعلية،الا انه موجود بنحو آخر.

ففي الإمكان صدقه الحقيقي،بلا حاجة إلى القول بالوضع للأعم.

فليس البحث إذن،تصوريا صرفا،يراد به ان يكون مقدمة من مقدمات المشتق، كما هو ظاهر الكفاية و المحاضرات و غيرها.

مع ان للقدماء ان يناقشوا في هذه التفاصيل و يصرّوا على ظهور المشتق بخصوص المتلبس الفعلي.فيكون في كل الموارد الأخرى مجازا أو صادقا إلى الأعم.

و من هنا يكون المتأخرون مسؤولين عن إعطاء مبررات عرفية و ظهورية تجعل معنى التلبس و الفعلية أمرا آخر غير ما تصوره القدماء.و من هنا يتحول البحث إلى بحث تصديقي ذي غرض مهم.و هو رفع أحد المناشئ المحتملة للقول بالأعم عند القدماء من الأصوليين.

ص: 181


1- 65/1.

ثم انه يمكن القول كأطروحة:ان كل المشتقات فيها تلبس فعلي و تلبس واقعي، فالمجتهد متلبس فعلا عند قيامه بعملية الاستنباط.فإذا تركه فقد انقضى عنه التلبس.اما تلبسه على نحو الملكة فيبقى.

فقد يقال:ان مثل هذه العناوين الاشتقاقية الظاهرة بالتلبس الواقعي يكون إطلاقها على المتلبس الخارجي أو الفعلي مجازا لاستعماله في الجزء.

و جوابه:أولا:ان استعمال اللفظ الأعم في الأخص ليس مجازا بل حقيقة لأنه استعمال في الحصة.

ثانيا:اننا ان سلمنا المجازية فان مجازية المبدأ لا تقتضي مجازية الصدق لو قلنا بالأعم،كما في رجل شجاع اصبح جبانا فنقول عنه انه أسد.فزال عنه التلبس بالاسدية المجازية.فإذا كان المشتق موضوعا للأعم،فان هذا المعنى الذي هو مجاز،يكون استمرار صدقه حقيقة.فهو من حيث المشتق يكون استعماله حقيقيا،و من ناحية المادة يكون استعماله مجازيا.

و اعتقد انه يكفي في تقسيم المشتق ان يقال:انه اما ان يكون بنحو الفعلية أو غيرها.فانهم قسموا ما لا يكون فعليا إلى أقسام،بالرغم من انه لا اثر له الا الإيضاح و مجرد الإطلاع،و لا تختلف نتيجته لا أصوليا و لا فقهيا.مع انه ثبت في المنطق ان القسمة إنما تصح عند الحاجة إليها،و ترتب الأثر عليها.

و لعل احسن من قسم ذلك هو السيد الأستاذ(1) حيث قال ما مؤداه:ان هذا المعنى اما مستفاد من المادة أو من الهيئة.و على أي تقدير فاما ان يكون بقيد الفعلية كقائم و قاعد،أو بقيد القابلية و الملكة كالمجتهد و المهندس و اما الصنعة كالبناء و النجار.

الا ان الأمر الأساسي اكثر من ذلك فاننا:

أولا:يجب ان ننظر كبرويا إلى العرف لنرى الصدق الحقيقي على الفعليات التي تكلموا عنها.7.

ص: 182


1- مباحث الدليل اللفظي:376/1-377.

ثانيا:ان ننظر صغرويا إلى معاني الألفاظ.

و في فهمي ان كلا الأمرين يمكن فيه فقط ان تلحظ الفعلية،فنقول:مهندس أو نجار.و بدونه يزول المبدأ و هو الفعلية.و مرة نريد ما هو أوسع من ذلك،و لا يكون زوال المبدأ الا بزوال القابلية و الصنعة.و تكون الفعلية:فعلية الصنعة.

و هذا معنى عام على كل المشتقات حتى الضاحك و الآكل و الضارب و القائم و القاعد.لأن المراد مرة فعلية العمل و أخرى فعلية القابلية.

فان قلت:ان الفهم العرفي في هذه الأمور هو فعلية العمل.

قلنا:أولا:ننكر ذلك.ثانيا:ان مجازية المبدأ لا تقتضي مجازية الصدق لو قلنا بالأعم.كما لو قلنا:زيد أسد،بعد ان اصبح جبانا.فمن حيث المشتق يكون استعمالا حقيقيا،و ان كان من ناحية المادة،يكون استعمالا مجازيا.

و لا ينقض على هذه الأطروحة ما قد يقال:من ان عددا من المشتقات ظاهرة بالفعلية لا الواقعية،كالقائم و القاعد،فان العرف يرى ان إطلاق هذه العنوانين على كلا المقامين حقيقي.فالقائم من له قابلية القيام،فيكون التلبس المقصود هو التلبس،الذي نسميه بالتلبس الواقعي.و هو إطلاق عرفي صحيح و ليس فيه مجازية.

و يكون زوال المبدأ تبعا لقصد المتكلم،فان قصد التلبس الفعلي،كان زوال المبدأ بزواله،و ان قصد التلبس الواقعي كان الزوال بزواله أيضا.

و هنا ينبغي ان نلتفت إلى ان المحقق الأستاذ مثل في المحاضرات(1) للأنحاء المختلفة من التلبسات بالمصادر،لا بالعناوين الاشتقاقية منها.و قد سبق ان عرفنا ان المصادر ليست مشتقات بالمعنى الأصولي.و لو مثل بالمشتق كاسم الفاعل و غيره لكان أوضح في التطبيق على الفعلية و القابلية.

إضافة إلى اختلاف نحو التلبس حسب العنوان الاشتقاقي من نفس المادة،1.

ص: 183


1- 249/1.

فالماشي ظاهر بالفعلية و الممشى ظاهر بالشأنية و كذلك اسم الفاعل من كنس ظاهر بالفعلية و مكنسة ظاهر بالشأنية.فنحو التلبس يتبع الهيئة لا المادة.

إضافة إلى الاختلاف الظاهر بين ذات المادة و المصدر أحيانا.فقد يقبل الأول الشأنية و الفعلية معا،على حين لا يقبل الثاني الا الفعلية.

و أعود إلى اصل الأطروحة فأقول:ان الأمر فيها صادق حتى على المستويات الأزلية،كالأفعال الإلهية مما هو مربوط بالخلق من الأسماء الحسنى،لأنها مشتقات فتدخل مصداقا لهذه الأطروحة.

و هو ان لها نحوين من التلبس،فتارة يراد بها الفعلية و أخرى يراد بها الشأنية،و ان كان اعتيادنا في اغلب الاستعمالات على الشأنية.و ذلك:كالرازق،فانه يكون فعليا إذا قصد ان اللّه قد رزقني فعلا.و يكون شأنيا إذا قصدت به القابلية و الشأنية،فان اللّه تعالى هو الرزاق المطلق.فيكون التلبس واقعيا.

كل ما في الأمر ان التلبسات الواقعية،يمكن زوالها بالنسبة للمخلوقين.اما بالنسبة للّه سبحانه و تعالى،فلا.إذا قصد المتكلم التلبس الواقعي.و اما إذا قصد التلبس الفعلي بالفعلية،فيمكن زواله أيضا،فانه سبحانه قد يرزق و قد لا يرزق،و كل يوم هو في شأن.

جل جلاله.

و كذلك القضايا الضرورية الواقعية،كالإنسان حيوان ناطق أو النار محرقة أو الضدان لا يجتمعان،فبالرغم من ان هذه المشتقات غير جامعة لشرط المشتق الأصولي، لعدم بقاء الذات بزوال الوصف.الا انه مع ذلك يمكن ان يراد بها تارة الفعلية و التطبيق و أخرى الشأنية.أو قل:يراد بها تارة الخارجية و أخرى الواقعية.

ثم اننا يجب ان نعرض أطروحتنا هذه على العرف لنرى مقدار صدقها.في زعمين تضمنتهما:

الأول:هل ان لمثل قائم و قاعد صدق واقعي غير صدقه الفعلي.بحيث يوافق العرف على إطلاق مثل هذه الأوصاف على مجرد شأنية القيام و القعود.فان العرف قد

ص: 184

ينكر ذلك و ينفيه،باعتبار ان وضع المادة للفعلية لا للقابلية،فيختص بالتلبس الفعلي.

الثاني:هل ان الصدق في المهندس و العالم-مثلا-هو في حدود القصد،فيكون الفرد مخيرا بين قصد الصدق الفعلي و الصدق الواقعي.أو انه يلزم ما هو متعارف و هو القصد الواقعي.و لا يكون للصدق الفعلي دخل و معه تنتج أطروحة المشهور و السيد الأستاذ.

هنا،و لكي ندعم أطروحتنا باجتماع الفعليتين،في سائر المشتقات،فاننا نعرض أمرين:

الأمر الأول:ان نعتبر ان هذه المشتقات موضوعة بوضعين،لا بوضع واحد، أحدها:تعييني و الآخر تعيني.فالأول:للتلبس الفعلي:

و ذلك:لأن الفكر القديم الذي وضع اللغة الأصلية،لم يكن يفهم معنى التلبس الطويل الأمد.أو ما سميناه بالتلبس الواقعي،و من هنا وضع العناوين للأوصاف الفعلية.

لأنه رأى نجارا يعمل أو حدادا يعمل.

ثم اصبح الاستعمال أوسع،و اصبح ارتباطه باللفظ ارتباطا واقعيا.و هذا ليس من قبيل النقل بل من قبيل ضم وضع إلى وضع.

و حينئذ،تكون مسألة المشتق المرددة بين الوضع لخصوص المتلبس أو للأعم منه و من المنقضي،محرزة على كلا الوضعين،بحسب النحو الذي وضعت له من الفعلية أو الواقعية.

الأمر الثاني:اننا لو تنزلنا و قلنا ان الوضع واحد،و هو للأعم،من الفعلية و الشأنية، فنقول:ان استعمال العام في الخاص حقيقي لا مجازي.فيكون كلا الاستعمالين حقيقيين.و يكون المائز بينهما هو القصد.

الا انه-مع ذلك-يواجهنا هنا أمران محتملان:

أحدهما:ان اسم الفاعل أو الصفة المشبهة موضوعة لخصوص التلبس الواقعي، بحيث يكون استعمالها في التلبس الفعلي مجازا.باعتبار ان استعمال العام في الخاص

ص: 185

مجاز.و لو باعتبار كونه ليس مصداقا حقيقيا تام المصداقية.

و عندئذ يكون الخلاف في المشتق صادقا كما سبق كما في مثال زيد أسد إذا زالت منه الشجاعة الا انه من ناحية الاستعمال مجاز و لا يشفع له القول بوضع المشتق للأعم لكي يصبح حقيقة.

ثانيهما:ان الألفاظ موضوعة لخصوص المتلبس الفعلي.و ان استعماله في التلبس الواقعي مجاز.

و تقريب ذلك بضم فكرتين:الأولى:ما ذكره من ان اللغات موضوعة لما هو حسي و فعلي دون غيره.و الثانية:ان الأجيال المتأخرة ليس لها حق الوضع و النقل و التغيير،كما يقولون-فيكون إطلاق التلبس على الواقعي مجازا على الرغم من وجود التبادر،و لكنه متأخر و لا حجية فيه.فلا بد ان يكون التبادر غير دال على الوضع الحقيقي و إنما هو ناشئ من الاعتياد لدى الأجيال المتأخرة فليست علته الوضع.و لو قلنا به لكان دليلا على القول بالأعم ما دام التبادر علامة الحقيقة و هو موجود في صورة عدم مباشرة المهندس لمهنته و مع ذلك يصلح وصفه بأنه مهندس و هو تبادر قهري فينتج انه موضوع للأعم.

و في الحقيقة،فان النقاش في الكبرى التي مفادها ان الأجيال المتأخرة ليس لها حق الوضع.

فإني اعتقد،و كلهم يعتقدون،لا شعوريا على الأقل-ان هذه الأجيال و كل الأجيال من حقها الوضع.فانك تجدهم يمثلون بالمنقول و المشترك و غيرهما،و هي عمليا من وضع الأجيال المتأخرة.فان الجميع بشر و عقلاء،فلهم حق التصرف في اللغة الأوائل.

و من ذلك:اننا نجد المحقق الأستاذ يمثل لصدق المشتق على الأعم أو المتلبس، بالمجتهد.و مقصوده الحائز على ملكة الاجتهاد.مع انه في اللغة من يبذل جهدا في أي شيء كان،و ليس معناه في اللغة هو هذا المعنى الاصطلاحي الخاص.

و إنما معناه الخاص هو من وضع الأجيال المتأخرة.و كذا لفظ(المقلد)و ان لم يذكره في المحاضرات،لكنه موجود في ذهنه جزما.

ص: 186

و في هذا أمران:

الأول:ان هذه اللفظة الاصطلاحية ليست من الوضع اللغوي العام،بل من الوضع الخاص،كأسماء الأعلام و المخترعات.فلا تصلح ان تكون مثلا و صغرى للمسألة.

الثاني:ما ذكرناه من ان المجتهد-بالمعنى الاصطلاحي-من وضع الأجيال المتأخرة.فإذا اقره الأستاذ المحقق أو غيره،فقد اقر الوضع أو حق الوضع للأجيال المتأخرة.بالرغم من انهم نفوه.

و اما نحو المتفلسف و الفيلسوف،فانه غير عربي،و لا اعتقد شمول كلامهم له.نعم، القاعدة تشمل غير العربية،الا ان ما كان منقولا لغويا،لا تشمله القاعدة،و لو احتمالا.

و بحسب النتيجة:ان الجزء الأول من الأطروحة التي طرحناها،و ان كان فاشلا، أي الذي ادعى المشهور فعليته في مورد القابلية.كقابلية الماشي للمشي.فقد رفضناه.

الا ان الجزء الآخر صحيح بالنسبة للتلبس الواقعي الطويل الأمد.فنحن نقر ان للمجتهد مثلا تلبسين فعلي و ملكي.و لكن هل هو بوضع واحد أو بوضعين؟.و لعل الأرجح هو الثاني.بعد ضم مقدمتين:

إحداهما:ان التلبس الخارجي ليس مصداقا من التلبس الواقعي.

ثانيهما:ان استعمال المشتق في التلبس الخارجي حقيقة وجدانا.إذن،لا يكون ذلك الا بوضع ثاني.

و بأيهما بدأ الواضع كان تعيينيا،و كان الثاني تعينيا.و لا بأس بان يكونا معا تعينيين،إذا نفينا الواضع البشري أو المشهوري.فان هذا غير مضر في المشتق،لأن المهم هو الاقتران النفسي الكامل،و لا يهم بعد ذلك سببه من أي من القسمين.لأن كل الأوضاع اللغوية هكذا.و يترتب عليه ان كل وضع منهما قابل لأن يكون صغرى من الخلاف في المشتق من كون الوضع للمتلبس أو الأعم.

فان قيل:ان كل وضع يستتبع ظهورا في اللفظ،و حيث اجتمع الوضعان،كان اللفظ مجملا،و معه لا سبيل إلى جعله صغرى للخلاف في المشتق.

ص: 187

و جوابه:ان الكلام تارة ثبوتي في قصد المتكلم،و أخرى إثباتي في فهم السامع.

اما قصد المتكلم فواضح لأنه يميز في قصد أي من الوضعين،شاء باستقلاله.و أيا منهما قصد كان نفسه مصداقا للخلاف في الأعم.و من هنا قلنا:ان ذلك يختلف باختلاف القصد.

و اما إثباتا و هو فهم السامع،فلا شك انه محتاج في تعيينه إلى قرينة حالية أو مقالية،و هي قرينة لأحد المعنيين الوضعيين،و ليست هي قرينة المجاز.

فان قيل:ان القرينة ما دامت موجودة،كانت كافية و هي التي تدل على ان المشتق استعمل في المتلبس أو الأعم.

قلنا:كلا،فانها تدل على ان المشتق استعمل في التلبس الخارجي أو الواقعي،لا على كونه في خصوص المتلبس أو الأعم.لوضوح ان كلا التلبسين الخارجي و الواقعي، يمكن فيه كلا النحوين من الاستعمال.فيبقى إمكان الخلاف مع وجود تلك القرينة موجودا.

و منه يظهر:ان ما زعمه القدماء كدليل على الوضع للأعم،من صدق المشتق بعد زوال الصفة،إنما هو خلط بين أمرين:

أحدهما:ان الاستعمال قصد به التلبس الفعلي.

ثانيهما:ان الأعم قصد به التلبس الواقعي الطويل الأمد.

و لا يمكن الجمع بين القصدين.فان الصدق بعد زوال التلبس الفعلي،و ان كان موجودا،الا انه ليس بنفس الوضع و بنفس المعنى،بل بمعنى آخر هو التلبس الواقعي.

و الذي له بدوره وصفه بالاعمية بعد زواله.و من هنا لا يكون هذا دليلا على الوضع للأعم.

و مما ينبغي البحث عنه في هذا المجال:السؤال عن الضابط بين النحوين من التلبس.لأنه قد يقال:ان التلبس الفعلي قد يكون طويلا بطول التلبس الواقعي أو ان الواقعي قد يكون قصيرا كالفعلي.فلا يكون جعل المناط في ذلك هو الزمان،صحيحا.

و حسب فهمي ان ما يسمى في الأصول بالفعلية كاف جدا لإعطاء الضابط،لأن

ص: 188

شيئا ما يكون بمنزلة الكبرى،و شيئا ما يكون بمنزلة الصغرى.فكبراه هو التلبس الواقعي، و صغراه هو التلبس الفعلي.كالاجتهاد ملكة مع ممارسته في مسألة معينة،و به يتضح الفرق عموما.

و هذا يترتب عليه عدة أمور:

الأول:ما أشرنا إليه من ان ذكر الأقسام للتلبس الواقعي ليس مهما،كالملكة و الحرفة و الشأنية،ليس مهما،فانها تكون باعتبار علل التلبس و منائشه.و المهم في باب المشتق هو المعلول.أي نفس التلبس الخارجي.فأصبحت القسمة لا اثر لها فلا معنى لها.

الثاني:انه قد يقال:ان بعض المشتقات ليس فيها جانب فعلي أصلا.باعتبار كونها متمحضة للتلبس الواقعي،و ليس فيها تلبس فعلي.مثل عالم حكيم متفقه أصولي.

و بعضها بالعكس.يعني ان بعض المشتقات ليس فيها جانب واقعي أصلا.

و جوابه على مستويين:

الأول:اننا ننكر ما شعر به المستدل من ان التلبس واقعي فقط.بل ان هذه العناوين لها تلبسات فعلية،فحصول الصورة في الذهن هي فعلية(العالم)اما جهة اللاشعور فهي الجانب الواقعي.و كذا الحكيم فان له جانبه الفعلي إذا تكلم بالحكمة.و نفس هذا تقريبا،يقال في جانب العكس.

الثاني:اننا لو تنزلنا عن ذلك،فانه لا يضر بما قلناه من تعدد الوضع.لأن أي مشتق إذا كان له جانبان:واقعي و فعلي،فقد وضع بوضعين،و إذا تنزلنا و قبلنا ان له جانبا واحدا،فله وضع واحد.و لا شك ان كثيرا من المشتقات لها كلا الجانبين.

ثم انه ذكر المحقق الأستاذ أمرين(1):

أحدهما:ان الموضوع للتلبس الفعلي أو الواقعي إنما هو الهيئة فقط دون المادة.

و اما المادة فموضوعة لأصل المعنى أو المعنى المصدري.1.

ص: 189


1- المحاضرات:250/1-251.

أقول:هذا أمر محتمل في نفسه،فان فرق المشتقات عن بعضها البعض إنما هو بالهيئة.

الا انه يوجد احتمال آخر،و هو وضع المشتق بما هو مركب من مادة و هيئة.و هذا لا ينافي وضع المادة و وضع الهيئة في المرتبة السابقة.لأننا لو لا حظنا معنى المادة أو معنى الهيئة لم نجد معنى التلبس الفعلي و لا الواقعي.و إنما يحصل ذلك بعد التركيب بينهما و هذا معنى وجود استفادة جديدة غير مفادة مما سبق،و ليس هذا مجرد تركيب.

و إذا اعترفنا بكونها استفادة حقيقة،إذن،فهي موضوعة.و هذا أيضا موافق مع العرف و الوجدان.حيث تستعمل عالم أو مهندس بغض النظر عن هيئته و مادته،و لا تخطر على البال.

ثانيهما:انه يظهر من مطاوي عبارة المحاضرات:ان المشتق موضوع للجامع بين التلبسين الفعلي و الواقعي،بحيث يكون كل منهما مصداقا له.كانطباق الكلي على أفراده أو حصصه.

و يكون المقسم الموضوع له هو مطلق التلبس أو ماهيته.و بهذا نفسر الصدق الحقيقي على كلا التلبسين.

في حين اننا قلنا:ان هذا الصدق إنما نفهمه من وضعين مستقلين،فقد يقال:ان الوضع للجامع كاف في فهم الحقيقة،من دون الحاجة إلى وضعين.

و جوابه متكون من أمرين:

الأمر الأول:انه ماذا يراد بقوله:ان المشتق موضوع لمطلق التلبس،هل هو مفهوم التلبس أو واقعه.اما مفهوم التلبس فهو غير موضوع له قطعا،و الا لفهمناه عند الاستعمال.و بالتأكيد ان هذا غير حاصل من اللفظ.و هو خلاف الوجدان.و لو تم لكان جامعا بين اكثر من هذين الفردين لأنه يشمل التلبس الذي تزول بزواله الذات.و لو تنزلنا فالحصتان أو الفردان،متباينان،و لا جامع بين المتباينين.و يرد عليه ثالثا إشكال لغوي و هو ان مفهوم التلبس لغة هو لبس الثوب و التغطية به و اما تغطية الموصوف

ص: 190

بالصفة فهو تلبس مجازي فالأصوليون جعلوه وضعا اصطلاحيا لا لغويا فالتمسك بمفهوم التلبس ليس تمسكا بالوضع اللغوي نعم لو عبّر بالاتصاف فله وجه.

و اما واقع التلبس فهو معنى حرفي خارجي أو واقعي،يحتاج إلى طرف،هو المتلبس به.بحيث تتعلق به تعلقا ذاتيا،و إذا زال زالت النسبة.

فإذا كان موضوعا لواقع التلبس،فننقل الكلام إلى المتلبس به هل هو معنى الفعلية أو معنى الواقعية،و لا يصلح ان يكون كليا موضوعا له اللفظ.فان الماهية الجامعة ليست جامعا بين التلبسين لأنها بدون ظرف و لأنهما متباينان،فلا تصلح تلك الماهية ان تكون كليا موضوعا له اللفظ.فيتعين القول بالوضعين المستقلين.

فالماهية الجامعة بين الحصتين الفعلية و الواقعية،ليست جامعا مفهوميا بين المتلبسين،بل مباينة معهما،لأنها بدون طرف و لا تصلح ان تكون كليا موضوعا له اللفظ.فإذا ثبت عدم وجود جامع لهما لأنهما فردان متباينان فحينئذ لا يصح الوضع الواحد لأنه فرع وجود جامع يوضع له فلا بد من التفسير بالوضعين المستقلين.

الأمر الثاني:ان طرف التلبس هو المادة لا محالة،و هذان الفردان معنيان لا جامع بينهما أو لم يلحظ الجامع بينهما،و هي فعلية الهندسة و ملكة الهندسة في(المهندس).

و لا يمكن استعمال المشتق بشكل يفهم منه العرف الجامع بين العلم و العمل،أو التلبس الفعلي و الواقعي.الا بعنوان اقتران أحدهما بالآخر غالبا.و هو معنى خارجي و ليس وضعيا جزما.

إذن،فالجامع على تقدير وجوده،غير ملحوظ عرفا جزما.و فكرة التلبس بمجردها غير ملحوظة أيضا جزما.إذن فالتلبسان فردان متباينان،فلا بد من وضعين،و لا يكفي الوضع الواحد.

نعم قد يعرض شكلان آخر ان للجامع:

الأول:ان نتصور جامعا مفهوميا يجمع بين هاتين الحصتين الجامعتين لشروط المشتق الأصولي و نعبّر عنه بأي شيء و يكون كل من التلبسين حصة من قبيل بعض

ص: 191

الكليات و الجوامع التي قيلت في الصحيح و الأعم لكننا نريد هنا جامعا واضحا يمكن الوضع بازائه و لا يكفي مجرد تصور إمكانه.

الثاني:الجامع الانتزاعي و هو مفهوم إحدى الحصتين فكأن المشتق موضوع لأحد التلبسين بعنوان كونه أحد التلبسين اما هذا تعيينا أو هذا.

و هذا فاشل لأكثر من أمر:

1-اننا نتكلم عن أمور موضوع لها لغة،و العرف لا يفهم من المشتق أحد هذين التلبسين.

2-ان عنوان أحدهما يكون مصداق أحدهما بشرط لا عن الآخر فلا ينطبق عليهما بل اما هذا أو ذاك مع العلم ان المحقق الأستاذ و المشهور يريدون من الجامع ان يكون جامعا لهما لا بشرط.

و بعد فشل كل الأشكال المطروحة للجامع يتعين القول بالوضعين المستقلين.

فان قلت:ان تعدد الوضع ينتج الاشتراك اللفظي مع اننا لا نحس به وجدانا و ليس هو من سنخ المشتركات اللفظية كلفظ(عين).

قلنا:ان هناك فرقا وجدانيا بين الاشتراك في لفظ(عين)و بين الاشتراك في لفظ المشتق كمهندس فان الأول موضوع لمعاني متباينة عرفا بحيث يدرك العرف فيدرك الاشتراك اما في المشتق فالحصتان متشابهتان عرفا فقد يخلط بينهما و ان تباينا دقة فلا يحس العرف بالتباين فكأنه بمنزلة المشترك المعنوي.

ص: 192

تفريع دعوى خروج اسم الآلة و اسم المفعول عن محل النزاع

يجاب هنا عن الخلط الذي وقع من قلم الشيخ النائيني(قدس سره)تبعا لصاحب الفصول حيث قال بخروج اسم الآلة و اسم المفعول عن محل النزاع في المشتق بدعوى ان أسماء الآلة وضعت للدلالة على القابلية و الاستعداد و هذا موجود و ان لم يتلبس بالمبدأ فعلا،و اسم المفعول بدعوى انها دائمة الصدق ما دامت الذات و لا تكون قابلة للانتفاء مع بقائها فتخرج عن شرط المشتق.

و قد عرضناه في الفصل الثاني عند مناقشة العناوين المدعى خروجها عن محل النزاع لأنه أليق به و إنما ذكروه هنا كالمحقق الأستاذ(1) فلأجل ان الجواب عن هذا الخلط مبتن على ما أسّس في المقام من التفريق بين أنحاء التلبسات و قد مرّ تقريب دعوى الشيخ النائيني(قدس سره)واجبنا بأننا نلاحظ معنيي التلبس الفعلي و الحقيقي و كل منهما يصلح ان يكون محلا للنزاع في المشتق و قابلا للخلاف فيه من الوضع لخصوص المتلبس أو الأعم فإذا لا حظنا التلبس الفعلي فيكون تسمية الآلة باسمها قبل اتصافها بالفعلية(كالمكنسة قبل فعلية الكنس)مجازا.و يمكن ان تزول الصفة و تبقى الذات فيتحقق شرط المشتق،و ان لاحظنا التلبس الشأني فكلا الأمرين موجودان فان الآلة قبل إنجاز صنعها بشكل كامل يكون إطلاق المشتق عليها مجازا،و يمكن ان تدخل في حريم النزاع عندما تفقد شأنيتها كالمفتاح تزول أسنانه و يصبح غير قادر على الفتح.

و التلبس الواقعي قد يسبق التلبس الفعلي،كملكة الهندسة قبل العمل،أو قابلية

ص: 193


1- 251/1-253.

الكنس في المكنسة،قبل فعلية الكنس.و لا شك ان كليهما يصدقان على اسم الآلة، و زوال كل واحد يكون مستقلا عن زوال الآخر.غاية الأمر ان زوال القابلية يلازم زوال الفعلية،دون العكس.و هذا معنى لا دخل له في وضع المشتق.

و أجاب المحقق الأستاذ ان أسماء الآلة موضوعة للشأنية و القابلية و غير موضوعة للفعلية،فالمكنسة لما من شأنه الكنس لا الكنس الفعلي.و هذا قابل لزوال الصفة و بقاء الذات،كالمشط إذا انكسر بعض أسنانه.

و هذا فيه اشكالان:

الأول:انه أجاب عن الأمر الثاني،و هو بقاء الذات مع زوال الوصف.فكأنه تهرب من الجواب على الأثر الأول،و هو ما قبل التلبس.

الثاني:انه قال:ان أسماء الآلة وضعت لمن له شأنية الآلية،و أنا أقول:ان ذلك لا يكفي،فانه يمكن ان نكنس بالثوب أو بالفرشة.فشأنية الكنس ليست مربوطة بالمكنسة.

فينبغي تبديل المطلب إلى ما قلناه من التلبس الواقعي للكنس و هو خاص بالآلة المعدة للكنس،دون غيرها.

و اما اسم المفعول،فقد قال عنه الشيخ النائيني قدس سره:انه يبقى صادقا ما دامت الذات،فيصدق على زيد انه مضروب دائما،فيخرج اسم المفعول عن محل النزاع لانعدام شرطه.

و أجاب عنه المحقق الأستاذ بجوابين،أحدهما نقضي و الآخر حلي:

اما الأول فللنقض باسم الفاعل:فانه كما ان أسماء المفعول تبقى صادقة ما دامت الذات كذلك أسماء الفاعل.غاية الأمر:ان قيام هذا صدوري و قيام ذاك وقوعي.فان (ضارب)يبقى صادقا طيلة حياة زيد.فما يقال في أسماء الفاعل يقال في أسماء المفعول و الشيخ النائيني يرى جريان النزاع في اسم الفاعل.

فلو اقتصرنا على هذا المقدار من البيان،إذن،يكون كلاهما خارجا عن محل النزاع.و يشملهما إشكال النائيني.

ص: 194

و الصحيح في الجواب ان يفرّق في اللحاظ بين التلبس الواقعي و الفعلي إذ كل منهما مصداق مستقل للمشتق فلو لا حظنا التلبس الواقعي يكون ما قاله الشيخ النائيني قدس سره صحيحا ما دامت الذات على إشكال سوف يأتي،و لو لا حظنا التلبس الفعلي أو الخارجي كما هو المقصود غالبا و ذلك عند انتهاء الضرب فتنتهي الفعلية و تبقى الذات و يكون داخلا في محل النزاع اعني كلا من أسماء الفاعل و المفعول معا كما هو واضح.

و يمكن هنا ان نلتفت إلى دعوى أو أطروحة يمكن عرضها،و حاصلها:ان صدق الضارب و المضروب بعد الضرب،صدق مجازي لا حقيقي،ليتم كلام النائيني.و أدعي المجازية بغض النظر عن التلبس الواقعي.و ذلك لصحة السلب،فلا يصدق عليه لغة انه ضارب بعد انتهائه،و عليه فيبطل إشكال الشيخ النائيني.

و اما الثاني،و هو الجواب الحلي،فحاصله:ان أسماء الفاعلين و المفعولين وضعت للمفاهيم الكلية،لأن الألفاظ وضعت بازاء المعاني التي هي قابلية للانطباق على ما في الخارج تارة،و على ما في الذهن أخرى،لا بازاء الوجودات الخارجية،لأنها غير قابلة لأن تحضر في الذهن.و من هنا قد يكون للموضوع مطابق في الخارج و قد لا يكون له مطابق.فالمضروب-مثلا-قد يكون موجودا و قد يكون معدوما.

و المناقشة فيه،كبرويا و صغرويا:

اما الكبرى فمحلها ليس هنا،و لكن نقول باختصار:ان الألفاظ موضوعة للأمور الخارجية لا للمعاني الذهنية.و اما الذهن،فهو طريق العبور إلى المعنى،بل هو المعنى بشرط ان يكون دالا على الخارج،الذي هو المعنى المقصود.

و اما الصغرى،فهي ان الموضوع له،كالمضروب،تارة يكون موجودا و أخرى لا يكون موجودا.فيمكن الإشكال عليه باشكالين:

الأول:ان ما قاله الشيخ النائيني،بالنسبة إلى أسماء المفعول،من الإشكال،يمكن ان ينطبق على الذهن،كما يمكن ان ينطبق على الخارج.

اعني لو كانت الصورة الذهنية غير مطابقة للخارج،فيمكن ان يأتي إشكال

ص: 195

الشيخ النائيني.خصوصا عند القائلين بان المعاني في الذهن،على نحو الوجود الذهني، لا الصورة الشبحية،و هو مختار محققي الفلاسفة.

و أوضح مثاله:صدق الحمل،من قبيل شريك الباري مستحيل.فانها تصدق صدقا ذهنيا،و لو كانت على نحو الصورة الشبحية،كانت كاذبة لاستحالة وجوده في الخارج، فتكون سالبة بانتفاء الموضوع.مع ان العقل يذعن بصدقها.

فالصورة الذهنية هي ذات المعنى،غاية الأمر ان العالم الموجود فيه يختلف.فان النار الذهنية ليست محرقة.لأن عالم الذهن غير مناسب مع الإحراق،بينما عالم الخارج يناسب ذلك.

و بذلك:يندفع الإشكال:بان الوجود الذهني يجب ان يجمع شروط الماهية.

و إنما هي تجتمع في عالم الخارج،دون عالم الذهن.

فاسم المفعول حين يخطر في الذهن،نحو:زيد مضروب.و كان كاذبا.فبناءا على الوجود الذهني هناك زيد مضروب في الذهن.لوجود الذات و الصفة في الذهن.

فما دامت الذات الذهنية دامت الصفة الذهنية،يعني المفعولية و الفاعلية.فإذا زالت الصفة زالت الذات.كما في الخارجية تماما.

الثاني:قوله:ان الصورة الذهنية،قد تطابق الواقع و قد لا تكون مطابقة.

فالمضروب قد يكون موجودا و قد لا يكون.فهذا النفي للمضروب هل هو سالبة بانتفاء الموضوع أم سالبة بانتفاء المحمول.فان كان الأول،فلا كلام لنا فيه.و ان كان بلحاظ نفي المحمول ورد إشكال النائيني.

و الصحيح:ان نتأمل ان هذا الصدق المدعى للشيخ النائيني،هل هو حقيقي أم مجازي.فان ثبتت مجازيته أو احتمل فيه ذلك،لم يدخل في باب المشتق.فانه مجاز بصفته الاستقلالية عن باب المشتق.

و ما هو الحقيقي انه مضروب في الزمان و المكان المعينين،دون مطلق الزمان، و أوضح ما يدل عليه صحة السلب حين نقول:هو مضروب الآن.

ص: 196

الفصل السادس في تحقيق معنى الحال

اشارة

قال في الكفاية(1):خامسها:أي خامس الأمور التي يقدمها مقدمة لبحث المشتق:

هو في تحقيق معنى الحال.

و ذلك عندما يقولون:ان حمل المشتق و جريه في الحال يكون حقيقة و في الاستقبال يكون مجازا.و هل هو زمان التلبس و الاتصاف،أو هو زمان النطق و الكلام، الذي هو الحال بالمعنى المطلق.

و هنا ينبغي الالتفات إلى ان هذه المسألة يمكن ان تعرض أصوليا على نحوين:

النحو الأول:اخذ الزمان في المدلول التصديقي للمشتق يعني عند إلحاقه بجملة تامة.

النحو الثاني:اخذ الزمان في المدلول التصوري للمشتق،يعني ملحوظا في نفسه كمعنى إفرادي.

ففي قولنا:زيد عالم غدا.كلا النحوين محتمل.فاننا ننظر إلى الزمان(غدا)هل يعود إلى المدلول التصديقي للجملة،أو المدلول التصوري لعالم.و أي هاتين المسألتين هو المبحوث عنها في المقام،حيث يوجد خلط في كلمات الأصوليين في المقام.

و هذان غير مسألتين أخريين:

إحداهما:اخذ الزمان في مدلول الأفعال.و يلاحظ هنا اننا إذا أثبتنا دلالة الأفعال على الزمان،كما فعلنا فعلا،ففي الإمكان إثباته للمشتقات.بخلاف ما إذا نفيناه،فانه

ص: 197


1- 66/1.

يكون في المشتقات أولى بالنفي.اما ما فعله الآخوند و المحقق الأستاذ،من نفي الزمان في الأفعال،و إثباته في المشتقات،أو على الأقل ليس ضده كثيرا،بنفس الحماس الموجود لديهم في جانب الأفعال،فهو غريب غايته.

ثانيهما:تركب المشتق.و هو موضوع يأتي في نهاية باب المشتق.و ليس المراد تركيبه من الزمان.بل من المادة و الذات الفاعلة المعلومة بالإجمال.و قد قربنا ذلك فيما سبق باختصار.

و إذا أثبتنا كلتا الناحيتين للمشتق أمكن تركيبه زمانا و ذاتا.فيكون في المشتق تركيبان:الأول بمعنى دخول الزمان فيه و عدمه و الثاني و هو المصطلح بتركب المشتق و يعنون به دلالته على الذات و هذا غير تركبه من المادة و الهيئة.و لا ملازمة بينها جميعا، فقد نقول:ببعضها،أو قد نقول بكلها حسب البرهان.كما لا ملازمة بين إثبات قيد الزمان لأحد المدلولين:التصديقي و التصوري.فيمكن إثباته لأحدهما و نفيه عن الآخر.

و على أية حال،فالغرض الأساسي هنا،في هذه المقدمة هو إثبات أو نفي اخذ الزمان في المدلول التصديقي للمشتقات لا المدلول التصوري.و ان كان الظاهر انهم يتعرضون بعد ذلك للمدلول التصوري،و لعلنا نتابعهم في ذلك.

و قد قالوا:ان المراد بالحال أحد أمور ثلاثة:حال النطق و حال الجري و هو الحمل و حال التلبس أو الاتصاف.

و بهذا يتضح ان هذا الباب عقد لدفع إشكال محتمل الورود،كما في الباب السابق،و حاصله هنا:اننا نسلم أولا:ان المراد بالحال عامة حال النطق و التكلم،فيكون قولنا زيد ضارب غدا مجازا.حتى لو قصدنا وقوع الضرب في غد.و يكون قولنا زيد ضارب بالأمس.و الجري هو اليوم،يكون داخلا في محل النزاع.

و اكرر انه لا ينبغي لنا الخلط-كما حصل في المحاضرات و غيرها-بين المدلولين التصوري و التصديقي للمشتق،من حيث ان(زيد عالم)قد يفهم منها الحال، بالاعتبارين.و من هنا حصل الخلط بينهما.

ص: 198

الا ان الاعتبار التصوري اردأ و أدنى من الاعتبار التصديقي بأمرين:

أحدهما:ان المدلول التصوري لعالم-مثلا-إجمالي،و لا يتكفل في دلالته المطابقية اكثر من مدلول المادة و الهيئة.و استفادة أي شيء آخر،إنما هو من الدلالة السياقية للفظ.اما المدلول التصديقي،فانه كما يكون مدلولا للطرفين يكون مدلولا للنسبة أيضا،اعني وقوعه بأحد الأزمنة الثلاثة.

ثانيهما:ان المدلول التصوري حالي دائما،و لا يحتمل فيه الماضوية و الاستقبال، بخلاف المدلول التصديقي.

مضافا إلى أمرين آخرين نذكرهما بنفس الترقيم:

ثالثهما:ان القرائن المتصلة و القيود الموجودة في الجملة مثل:زيد عالم الآن أو أمس أو غدا.ظاهرة عرفا في الرجوع،إلى المدلول التصديقي جزما،دون التصوري.

رابعها:انه لو حصل تهافت بين زماني المدلولين التصوري و التصديقي،بان كان زمان أحدهما على الحال و الآخر:الماضي أو الاستقبال.فان العرف يقدم ما هو الأظهر و هو زمان المدلول التصديقي.

و حينما يكون من المحتمل اخذ الزمان في مدلول المشتق في مثل(زيد عالم).

فهذا فيه أربعة احتمالات تكاد تكون محصورة:

1-اخذ الزمان في المدلول التصوري للمشتق

2-اخذ الزمان في النسبة بغض النظر عن كون طرفها مشتقا أو غيره.

3-ان يكون الملحوظ اخذ الزمان في علاقة النسبة بالمشتق.فإذا كان طرفها مشتقا دلت على الزمان وضعا.

4-ان يكون المشتق دالا على الزمان من حيث علاقته بالنسبة عكس السابق.

اما اخذ الزمان في المدلول التصوري للمشتق وحده،بدون لحاظ النسبة.فان أثبتناه فانه يغني عن اخذ الزمان في المدلولات التصديقية الآتية،لكن هذا المعنى غير محتمل في نفسه،و ان أمكن القول به في الأفعال.

ص: 199

و أوضح المحتملات الثلاثة الأخرى،هي كما يلي:

1-اخذ الزمان في النسبة بغض النظر عن طرفها،يعني سواء كان مشتقا أم لم يكن.و لم أجد من يتعرض له.نحو:النار في الموقد.فكأنه اخذ فيه(الآن)ضمنا،أو اخذ فيها مطلق الأزمنة الثلاثة،و يعين أحدها بالقرينة.و عندئذ لا تكون المسألة مربوطة بالمشتق بل بكل الجمل الخبرية.

و اما الاحتمالان الآخران:منها:كون النسبة لم يلحظ فيها الزمان لوحدها،و لا في المشتق لوحده،بل تلحقهما الدلالة على الزمان،عند أضافتهما لبعضهما،و عندما ينسب أحدهما إلى الآخر.فيدخل الزمان في ضمن المدلول التصديقي.

ثم انهم قسموا الحال إلى ثلاثة أقسام فقالوا:زمان النطق،و هو الذي اسميه بالحال المطلق.و زمان الحكم أي زمان الإذعان و النسبة.و الثالث هو زمان التلبس و هو زمان الاتصاف.

لكن هذا التقسيم ينبغي ملاحظته باعتبار آخر،و هو ثبوته في أحد الأزمنة الثلاثة.

فاذا ضربنا الأحوال الثلاثة،و هي:حال النطق و حال الجري و حال التلبس.بالأزمنة الثلاثة،كان الحاصل تسعة.فإذا لاحظنا ان كل حال من الثلاثة متصف بالأزمنة الثلاثة فسوف ينتج الضرب 3*3*3-27.

و كلها ممكنة اما حقيقة أو مجازا.و الخلاف إنما هو حول ذلك.فان القدر المتيقن من الصدق الحقيقي،هو ما إذا كان الكل حاليا.نحو:زيد عالم الآن.و اما إذا اختلف الاستعمال عن ذلك،فان كان الاختلاف في ما هو شرط الحقيقة،كان الاستعمال مجازا.و ان كان بما هو غير ذلك،كان أيضا حقيقة،لكونه واجدا للشرط.

و لا إشكال عند عدم القرائن العرفية و السياقية:ان مقتضى الظهور العرفي الاطلاقي و السياقي هو كون الأمور الثلاثة حالية،اما النطق فبالتكوين.و اما التلبس فبالإطلاق،لأنه لو كان التلبس في زمن آخر لقيده و لم يقيده،فيتعين في الحاضر المطلق.

ص: 200

و اما الحكم فقد ذكر السيد الأستاذ(1):انه ناشئ من قرينة الهوهوية بين المحمول و الموضوع.أي زيد و عالم في قولنا:زيد عالم.و لم يبين وجهه!

و لعله من اجل ان الحكم إذا كان مقيدا بغير الحال لم تكن الهوهوية ثابتة،بل تثبت الغيرية بين الموضوع و المحمول.كما لو كان زيد في الماضي و عالم في الحاضر.

الا ان جوابه:ان هذا إنما يثبت لاختلاف زمان الحكم عن زمان التلبس،فيكون عالما في زمان،و محكوما عليه بالعلم في زمن آخر.فيكون هناك تباين بين الذات و الصفة و لا هوهوية.

و اما إذا كان زمن الحكم و التلبس واحدا،يعني كان الحكم صادقا،فلا يختلف فيه الحاضر عن غيره،لأن نظر الحاكم في حكمه إلى زمن التلبس.و هو زمن صادق.

و معه لا يتعين ان يكون هو الحاضر من اجل إثبات الهوهوية فإن الهوهوية اعم من ذلك،من حيث انها تثبت مع صدق الحكم في أي من الأزمنة الثلاثة.

و إنما المثبت لحالية الحكم،هو ظهور حال المتكلم بالتزامن و المعاصرة بين النطق و الحكم.و هو تبادر عرفي واضح في كل القضايا و الحمول و الجمل في ان الأحكام ما لم تقيد،فانها تنصرف إلى الحاضر.

فالهوهوية ان كانت،فبين النطق و الحكم،لا بين الموضوع و الحكم أو الصفة.

على انه لا هوهوية بين النطق و الحكم بل هما متباينان مفهوما و مصداقا.لأن الحكم هو مضمون النطق و لا يحتمل ان يكون ذاته.و إنما المحتمل هو الهوهوية بين الموضوع و الحكم.و قلنا بأنها لا تثبت فيها الحالية كما سبق.

فالهوهوية الصحيحة،و هي الحاصلة بين الموضوع و الحكم،غير دالة على الحالية،و ما تثبت به الحالية من الهوهوية و هي الهوهوية بين النطق و الحكم،ليست هوهوية،بل هي منتفية و إنما هو التزامن بين النطق و الحكم.فصار الحال كما قيل:ان ما1.

ص: 201


1- مباحث الدليل اللفظي:371/1.

وقع لم يقصد و ما قصد لم يقع.

هذا إذا كانت الجمل خالية من القيد.اما إذا كانت مقيدة،نحو:زيد عالم غدا أو أمس.فلا يحتمل رجوع القيد إلى النطق،لأن حاليته أمر تكويني لا يمكن إقامة قرينة على خلافه.

فبقي احتمالان:هما رجوعه إلى النسبة أو الحكم و رجوعه إلى التلبس أو الاتصاف.و الظاهر الثاني لأنه مدلول النسبة.

لكن قد يقال برجوعه إلى الحكم باعتباره مضمون النسبة.ففي المثال:يحكم المتكلم ان زيدا عالم غدا.

لكن الذي يرجح رجوعه إلى التلبس أمران:

1-ان القيد يرجع إلى الأسبق رتبة منهما.و صحيح انهما معا مدلولان للنسبة،الا ان الاتصاف و التلبس رتبة من الحكم به.فيرجع القيد إليه.

2-ان هذه القيود لغوية،و المفروض رجوعها إلى ما هو لغوي منهما.و هو التلبس و الاتصاف الذي هو مدلول النسبة حقيقة.اما الحكم فهو مدلول سياقي عقلي.

و عليه فيكون الحكم حاليا بالإطلاق،و التلبس استقباليا،بالقرينة.فيكون من القسم الذي اجمعوا على مجازيته،لسبق الحكم على التلبس.

اما لو كان القيد قيدا للحكم،فيكون استقباليا،بينما يكون التلبس حاليا فيدخل في محل النزاع و إنما قال في الكفاية انه متفق على مجازيته بالمعنى الأول و ظاهر الكفاية(1) المعنى الثاني.

ثم يدخل السيد الأستاذ(2) هنا،في ذكر ما هو الموضوع له المشتق حين يقال:انه موضوع للمتلبس في الحال.1.

ص: 202


1- 66/1.
2- مباحث الدليل اللفظي:370/1.

و هذا منه قدس سره،كمشهور الأصوليين،باعتبار الخلط بين المدلولين التصوري و التصديقي للمشتق،حيث اخذوا القيد بخصوص المدلول التصوري للمشتق و حيث اننا عنونا ثلاثة أمور هي النطق و التلبس و الحكم فتكون الاحتمالات ثلاثة:

الأول:ان يكون موضوعا للمتلبس بدون قيد الزمان.

الثاني:ان يكون موضوعا للمتلبس مقارنا للنطق لا للزمان.بل يلحظ النطق كوجود تكويني زماني.

الثالث:ان يكون المشتق موضوعا للذات المتلبسة،بحيث يكون تلبسها مقارنا مع الجري و الحكم.يعني حتى لو كان الحكم في زمن آخر غير زمان النطق.

أقول:و هي قسمة حاصرة،لأن التلبس اما غير مقرون بشيء،و هو الأول،و اما مقرون بأحد الأمرين اما النطق و اما الحكم.

و في الحقيقة لو فتحنا اتجاهين من التفكيز،لأمكن عرض احتمالات عديدة أخرى.

الأول:ان نلاحظ المدلول التصديقي للمشتق و إذا كان المدلول التصوري منحصرا بالأمور الثلاثة فان التصديقي اشمل و إذا كان المدلول التصوري غير مقيد بالزمان مشهوريا فالتصديقي ليس كذلك فيمكن تقييده بالحال و بالماضي و الاستقبال مشروطا بالحكم أو بالتلبس أو بكليهما فتكون الاحتمالات عديدة.

الثاني:اننا حتى لو قصرنا النظر على المدلول التصوري للمشتق فان هذه الاحتمالات الثلاثة إنما هي من ناحية النظر إلى النطق و الحكم مستقلين اما إذا ركّبنا بينهما فتكون الاحتمالات اكثر.

فمنها:ان يكون المشتق موضوعا للذات المتلبسة مع كلا القيدين:النطق و الحكم.و هو يعني اشتراط الحال في الجميع لأن النطق لا يكون الا حاليا.فما فرضناه فيما سبق ظهورا اطلاقيا ندعي هنا كونه ظهورا وضعيا.

و منها:ان المشتق موضوع للذات المتلبسة إذا كان الجري و النطق حاليين،و ان كان التلبس في زمن آخر.

ص: 203

و منها:ان المشتق موضوع للذات المتلبسة إذا كان الجري و النطق منفصلين زمانا.

و على أي حال فإذا كان الاقتران الوضعي موجودا في أحد هذه الاحتمالات أو أي منها،فهو،و الا كان مستفادا من الإطلاق أو السياق،كما سبق.

فعلى الاحتمال الثالث،يكون الاقتران بين التلبس و الحكم وضعيا،و الاقتران بين الحكم و النطق اطلاقيا.و على الثاني:يكون الاقتران بين التلبس و النطق وضعيا و الاقتران بين التلبس و الحكم اطلاقيا.

و كل من الدوال،إذا قيد بخلافه،كأمس أو غد.فان كان الدال وضعيا،كان المجموع مجازيا.و ان كان اطلاقيا،كان المجموع حقيقيا.

قال قدس سره:و الصحيح من هذه الاحتمالات هو الاحتمال الأول.و هو ان يكون المشتق موضوعا للذات المتلبسة بدون قيد الزمان.فيكون مطلقا لكل الأزمنة، و حينئذ،يكون قدس سره،مسؤولا عن إبطال الاحتمالين الآخرين:

اما إبطال الاحتمال الثاني:و هو ان المشتق موضوع للمتلبس مقيدا بالنطق نفسه من دون دخالة الزمان.

فأجاب عليه بجوابين:

أحدهما:ان التلبس لو كان مقيدا بالنطق للزم ان يكون قولنا:زيد ضارب بالأمس.

مجازا.لأنه غير متلبس في زمان النطق.بل في زمان الجري مع انه لا إشكال انه حقيقة.

و جوابه:

1-انه كيف ثبت قوله:لا إشكال في كونه حقيقة؟و إنما القدر المتيقن من الاستعمال الحقيقي،هو ما إذا اتحد زمان الحكم مع زمان التلبس.و المفروض عنده انهما مختلفان.

2-ظهر انه لو كان زمن الحكم حاليا لكان مجازا.و لكن لو كان زمن الحكم سابقا أيضا،كان حقيقة،بمعنى رجوع القيد إلى الحكم و التلبس معا.الا ان هذا لا يخلو من كونه خلاف الظاهر،إذ الظاهر فعلية الحكم.

ص: 204

3-ان الحكم لو كان حاليا،فهو من المنقضي عنه المبدأ،فيكون داخلا في محل النزاع.و ليس مسلما كونه من الاستعمال الحقيقي.

ثانيهما:من جوابي السيد الأستاذ قدس سره:انه هل يراد اخذ مفهوم النطق قيدا أم واقعه.

اما مفهومه فهو واضح البطلان،لأنه لا يخطر على بالنا من كلمة(عالم)أو قل:انه يلزم ان يخطر في بالنا من كلمة النطق و كلمة عالم معنى واحد،كالمترادفين.و هو غير محتمل.

و ان أريد جعل واقع النطق قيدا،فيلزم منه:انه حيث لا نطق واقعي لا معنى للكلمة أصلا.مع ان كلمة عالم لها معنى محفوظ سواء نطقها إنسان أو لا.

و يمكن ان يستشكل عليه:

أولا:ان هذا التشقيق الذي ذكره من احتمال اخذ مفهوم النطق أو واقعه،تطويل للمسافة.و الا فلا أحد من الأصوليين و اللغويين يحتمل هذا المعنى.فان كان هناك قيد فهو واقع النطق لا مفهومه.

ثانيا:ان مفهوم النطق لو كان مأخوذا،لا يلزم-كما زعم-ترادف عالم و ناطق.

لان غاية ما يدعي المدعي:ان النطق قيد في المشتق،لا انه موضوع له.فليس هو كل مفهوم المشتق.كل ما في الأمر:اننا نفهم من عالم:العالم المنطوق به أو المربوط بالنطق.و لا يراد اكيدا فهم النطق منه.

ثالثا:ما قاله:من لزوم انه لا معنى له،حيث لا نطق.و ليس بصحيح.بل يصبح مجازا.لأنه ليس موضوعا له.و لكن من الممكن القول:بان المجاز أيضا منوط بالنطق،لأن اللغة هي النطق.و لا معنى لها بغض النظر عنه.و خاصة و ان المعنى المجازي يحتاج إلى قصد،و ان قلنا بان المعنى الحقيقي لا يحتاج إلى قصد،باعتبار عدم تقييد الدلالة بالإرادة.

رابعا:ان قوله:ان كلمة عالم لها معنى محفوظ سواء نطقها إنسان أم لا.ان فهمنا منه عالم الواقع،يعني كونه محفوظا في عالم الواقع،فهو المطلوب.

ص: 205

الا اننا لو غضضنا النظر عنه ظاهرا،و أغفلناه،كما فعل المشهور.فان اللغة هي الملفوظة حتما و لا ظهور لها في غيره.نعم،شرطية الاختيار و القصد في اللفظ محتمل، الا ان هذا كلام آخر.

خامسا:اننا نطرح أطروحة مقابل إشكاله،من انه إذا لم يكن منطوقا فلا معنى له.

لأن شرط الواضع أو قيد الوضع غير موجود.

فنقول:ان شرط الواضع هو واقع النطق مع تحققه و حصوله،و اما مع عدم تحققه فليس قيدا.

لا يقال:انه يلزم منه تعدد الوضع،باعتبار ان الواضع يلتفت إلى الكلمة مع النطق فيضع لها،ثم يلتفت إليها مع عدم النطق فيضع لها وضعا ثانيا.فانه يقال:بل يكفي فيه وضع واحد،و هو اشتراط النطق مع حصوله.و مع وجوده يكون النطق قيدا،و لا مانع من كونه ذا معنى في حالة عدم النطق.

فان قلت:ان قيد الوضع يكون لغوا،لأن الوضع مع عدم قيد النطق يكفي.يعني ان الكلمة موضوعة سواء نطقت أو لم تنطق.فإذا نطقت فهي حصة،و إذا لم تنطق فهي حصة.فيكون اشتراط النطق لاغيا.

قلنا:ان الإشكال وارد من الناحية العملية،الا انه يمكن إجابته نظريا،بأحد تقريبين:

الأول:ان النطق في نفسه فائدة زائدة،و هذه الفائدة يمكن أخذها بنظر الاعتبار للواضع،عند تحقق سببها،و هو النطق.

الثاني:ان الحصة الثانية،غير المنطوقة،ان كان وضعها مطلقا يعني:سواء نطقت أم لا.لزم الإشكال.لكننا يمكن ان نتصورها بدون لزوم الإشكال،و ذلك:بان نقول:ان الوضع الأصلي لهذه الكلمة بوضعين مستقلين أحدهما:غير المنطوق،و هذه غير مشترطة بالنطق.و الحصة الثانية:كلمات المشتق المنطوقة،و هي مشترطة بالنطق.

و قال السيد الأستاذ قدس سره:و اما الاحتمال الثالث،و هو الوضع للمتلبس المقارن مع الجري.ففيه اشكالان أيضا:

ص: 206

الأول:سنخ الإشكال على الاحتمال الثاني.و حاصله:ان المأخوذ قيدا في مدلول (عالم)هل هو مفهوم الجري أو واقعه،فان قيل الأول فهو باطل بالضرورة.لأن هذا المفهوم لا يلتفت إليه،حين نسمع كلمة عالم.و ان هذا يعني ترادفهما،و هو غير محتمل.

و ان قيل الثاني:يلزم ان لا يكون لكلمة عالم معنى حين يؤتى بها مفردة لا في جملة تامة لأن الحكم لا يكون الا في جملة تامة.و بدونها لا يكون الجري موجودا،مع ان لكلمة عالم معنى سواء صارت وحدها أو في ضمن جملة.

و تتلخص مناقشته بعدة وجوه:

الأول:سنخ ما قلناه في الجواب السابق،و هو ان القائل بأخذ الجري لا يريد به مفهوم الجري حتما،إذن،فاحتماله ليس الا تطويلا للطريق بدون طائل.

الثاني:عدم لزوم الترادف بين الجري و المشتق.بل يلزم منه أخذه قيدا فيه.يعني المشتق المجري عليه.فنفهم من(عالم)العالم المحمول من جملة أو المحكوم في قضية.و ليس القيد هو مفهوم الجري استقلالا ليلزم منه ذلك.

الثالث:ان نعرض سنخ الأطروحة التي مرت في الجواب على الاحتمال الثاني بان يقال:ان الجري يكون قيدا في حالة التحاقه في جملة.أي مع وجوده،و غير مأخوذ قيدا مع عدمه.و يأتي هنا نفس الاشكالين السابقين من تعدد الوضع و لغوية الوضع مع جوابهما.

و لعل أوضح الفوائد فيه:هي ان المشتق المتضمن لماهية مبهمة كلية مستنبطة فيه إلى جانب المادة،على القول بتركبه،يكون مع الحمل معينا للموضوع المفني فيه، فيحق للواضع ان يجعله حصة مستقلة في عالم الوضع عن الحصة المفردة المستقلة عن الجملة.فانها مبهمة لا معيّن لها.فيحصل تغاير بين الحصتين.

الرابع:انه لا يلزم من عدم توفر شرط الواضع،و هو تقييد المشتق بمفهوم الجري، كون المشتق بدونه بدون معنى.بل يلزم منه المجاز على المشهور،و يكون من استعمال اللفظ الموضوع للكل في الجزء.و المجاز له معنى.

ص: 207

بل يمكن تقريب الصدق الحقيقي،فانه مع انتفاء شرط الواضع يبقى الوضع.لأن النسبة ما بين المشروط و غيره هو العموم و الخصوص مطلقا،فغايته تحول القيد إلى مطلق.فإذا انتفى القيد ثبت الإطلاق.و عندئذ يكون صدقه على مصاديقه حقيقة،من قبيل صدق الإنسان على حصة منه.

لكن لو سرنا مع تفكير المشهور،بغض النظر عن الرأي المختار.فالكلام هنا لا يخلو من خدشة،لأن فقد شرط الواضع سيستوجب المجاز.فإذا كان صدق اللفظ على الكلي مجازا،لم يشفع لكونه حقيقة صدق الكلي على أفراده،ما دام صدق اللفظ عليه مجازا لفقد الشرط.

الخامس:انه يمكن القول:ان المراد بالجري نفس كلمة عالم باعتبارها شبه جملة.و يكون الجري على الذات الكلية المأخوذة فيه.تماما كالفعل الماضي الذي قدروا فيه ضميرا.

بيان ذلك:ان قوله(قدس سره):ان الكلمة المفردة مع عدم الجري تكون بلا معنى،لأن شرط الواضع غير متوفر،هذا يكون تاما لو أريد بالجري،الجملة ذات النسبة التامة و الإذعان الكامل.

الا انه لا حاجة إلى ذلك إذ يمكن ان نفهم منه مطلق النسبة سواء كانت تامة أو ناقصة.و عندئذ يكون الجري موجودا في كل مشتق و ان كان مفردا.بالضبط كالأفعال:

ضرب،يضرب.فانها جملة و فاعلها ضمير مستتر فيها تقديره(هو).و فيه نسبة تامة.

فالمشتق كذلك،فان فيه ثلاثة أشياء،بناءا على تركيب المشتق،الذي أقول به:

و هي الهيئة و المادة و الماهية الكلية.و هناك نسب ثلاثة بين الأمور الثلاثة.و مع وجودها تكون بمنزلة الجملة الناقصة الوصفية أو الإضافية.و تكون الماهية الكلية المجملة،هي الفاعل في اسم الفاعل و المفعول به في اسم المفعول.

السادس:ان هذا المورد المذكور في عنوان الاحتمال،هو القدر المتيقن من الوضع.و اما إذا اختلف زمان الحكم مع زمان الجري فان كان زمان الحكم متقدما كان

ص: 208

مجازا جزما.و ان كان متأخرا كان مجازا على المشهور،من وضع المشتق لخصوص المتلبس.و المفروض اننا لم نشترط الحال،كما لم نشترط اجتماعه مع النطق.

إذن،يتعين فيه الوضع الحقيقي اما هو وحده،أو هو و صورة تأخره عن الحكم.

باعتبار وضع المشتق للأعم.و جامعها عدم التقدم على الحكم.و ان الحكم يجب ان يكون مع التلبس أو متأخرا عنه لا متقدما عليه.

و اما لو قلنا بان المشتق موضوع لخصوص المتلبس،فليس ذلك الا الموضوع له.

على نقاش يأتي في الرأي المختار.

الثاني:من إشكال السيد الأستاذ على الاحتمال الثالث:

انه قال:ان الجري في طول الموضوع و المحمول،و هما الذات و المشتق،في قولنا زيد عالم.فكيف يؤخذ قيدا في أحدهما.و لم يزد(قدس سره)على ذلك.

و جوابه:ان هذه الاستحالة اما عقلية أو عرفية.اما العقلية فهي-في الأصول-من سنخ استحالة اخذ قصد القربة المتأخر عن الأمر في المأمور به المتقدم عن الأمر.

و هناك نقول عادة:بان الأمر لو كان من سنخ العلل و المعلولات العقلية،لورد الإشكال و لاحتاج الشارع المقدس إلى ما يسمى بمتمم الجعل لأجل ان يأمر بقصد القربة.

الا ان الأمر ليس كذلك،بل الإنشاء خفيف المؤونة،فان غايته تقييد المفاهيم الكلية بعضها ببعض.سواء كان منشأ انتزاعه متقدما أو متأخرا أو مقارنا.و الا وقع الإشكال،في الشرط المتقدم كالاستطاعة و الوقت،لاستحالة تقدم العلة على المعلول.

و غايته ان المأمور به هو الحصة السابقة على كذا من الصلاة أو اللاحقة له.يعني واقع اللحوق لا مفهومه.

فالحال هنا كذلك،و هو ان الموضوع له المشتق هو الحصة الواردة في جملة، يعني مع الجري،دون سواها على الفرض.فللواضع ان يجعل اقترانا بين اللفظ و المعنى، و ليس ذلك من قبيل الملازمات و العلل العقلية.

ص: 209

و ان كانت الاستحالة عرفية،يعني من حيث عدم تعارف هذه القيود،فهذا صحيح في هذا التسلسل الفكري،بغض النظر عن الرأي المختار الآتي.الا اننا من اجل رفع الاستغراب نقول:ان العرف قد يقدم المتأخر و يؤخر المتقدم في اللغة.كتأخير المبتدأ على الخبر و الفاعل عن المفعول،و نحو عود الضمير إلى متأخر لفظا و رتبة أو متأخر لفظا لا رتبة نحو:زان نوره الشجر.

و المنع و ان كان حاصلا من قبل النحويين،الا اننا لا نعدم من الشواهد عليه.و منه الحديث:اراهمني الباطل شيطانا.كما في شرح الألفية.

يبقى الكلام في الاحتمال الآخر الذي لم يتعرض له السيد الأستاذ.و هو اشتراط وضع المشتق بكل من من النطق و الحكم معا.و هذا معناه اشتراط الحالية،لأن النطق لا يكون الا حاليا.

و هذه هي الحصة الغالبية العرفية من الاستعمال في المجتمع.و هي القدر المتيقن من الصدق الحقيقي.فهاتان نقطتا قوة في هذا الاحتمال.

صحيح اننا قلنا:إذا اتحد التلبس مع زمان الحكم انتج القدر المتيقن من صدق المشتق صدقا حقيقيا،سواء كان مجموع التلبس و الحكم،متقدما على زمان النطق أو متأخرا عنه.لكن تساوي هذا الزمان مع النطق هو القدر المتيقن من القدر المتيقن.

الا انه مع ذلك يبقى سنخان من الاشكالات:

السنخ الأول:ان هذا الوجه يرد عليه كل الاشكالات التي قيلت في كلا الوجهين السابقين،لأنه يحتوي على كلا الأمرين اللذين حصل الإشكال فيهما.

و جوابه:

1-اننا اجبنا على كل تلك الاشكالات،فليس ثمة نقطة ضعف حقيقية.

2-ان بعض تلك الايرادت السابقة ترتفع بعد الجمع بين القيدين:الجري و النطق.

و منها:الإشكال الأول لكل من الوجهين السابقين.و هو احتمال:اخذ مفهوم الجري أو النطق حيث قلنا بعدم احتماله.فهنا هذا الاحتمال اضعف و أشنع إلى حد لا يمكن إيراده.

ص: 210

و منها:ما قاله هناك السيد الأستاذ من ان الكلمة إذا لم تكن في حالة نطق و جري لا يكون لها معنى.لأن الوضع منتف.

و قلنا في جوابه:انها يكون لها معنى،غايته اننا نصير عندئذ إلى المجاز لا الحقيقة.و هنا يكون هذا الجواب أوضح لكثرة المصاديق المتخلفة،أي الخارجة عن القيد المشترط في هذا الوجه.

السنخ الثاني:ان هذه الحصة و ان كانت هي القدر المتيقن،من الوضع،الاّ انها ليست مختصة به.بل هو أوسع منها لحصول التبادر و صحة الحمل في موارد أخرى خالية من مجموع القيدين.

و من تلك الموارد ما ذكرناه في الاحتمال السابق،و هو ان اتحاد التلبس مع الحكم،يكون استعمالا حقيقيا،مع غض النظر عن النطق.

و حينئذ،يلغو هذا الشرط ما دام الصدق الحقيقي متحققا بدونه،و هذا-في الجملة.صحيح-و سيأتي تحقيقه.

غير انه يمكن ان يجاب إجمالا:

1-بما قلناه من ان فاقد القيد يكون مطلقا،و صدق المطلق على المقيد،الذي هو حصة منه،يكون حقيقيا.إذن،فوجود القيد و عدمه لا يضر بصدق المفهوم على المصداق.

2-أو نقول:ان اشتراط الواضع ليس بنحو الانحصار،بحيث يفهم من كلام الواضع مفهوم المخالفة،و نفي الحصة الزائدة الفاقدة للقيد،بل الوضع شامل للوصف و عدمه.غاية الأمر انه ذكر الوصف لأهميته أو انه القدر المتيقن أو انه الغالب.و لو كان الوصف أو القيد احترازيا،لتم الإشكال من هذه الناحية.

و على أية حال،فقد كان الأولى بالسيد الأستاذ ان يعرض هذه الاحتمالات على علامات الحقيقة و المجاز،بدلا من هذه الاشكالات.و سنقوم بذلك،بعد ان ثبت بمناقشة اشكالاتها إمكانها العقلي.فمتى رأيناها أوسع بطل الوجه.و نحن نسير على التسلسل المشهوري للتفكير.و طريقة استخراجه هي النظر إلى صحة الحمل و صحة

ص: 211

السلب عن الحصص التي لا تنطبق عليها الوجوه السابقة،فان صحت بمقدارها تعين الوجه.و ان زادت عليها أو نقصت بطل الوجه.

اما الاحتمال الأول الذي اختاره السيد الأستاذ،و هو عدم دخل الزمان أصلا في مفهوم المشتق،فبعد غض النظر عن الخلط الذي وقع به الأصوليون بين المدلولين التصوري و التصديقي.حيث انه لا يحتمل ان يكون الزمان قد اخذ في مدلول المشتق تصورا،بينما الاحتمالات الأربعة المتعلقة بالتقييد بزمان الحكم أو زمان النطق أو بهما معا،هي مربوطة بالمدلول التصديقي.

أقول:لو تناسينا ذلك،فيلزم من هذا الاحتمال كون الاستعمال حقيقيا حتى لو كان زمان النطق و زمان الحكم معا مختلفين عن زمان التلبس.مع العلم انهما لو كانا سابقين عليه كان مجازا،و ان كانا لا حقين له كان حقيقة على القول بالأعم.

فلو قال(قدس سره)،بالوضع لخصوص المتلبس،بقيت هذه الحصة،و هي تقدم الحكم و النطق على التلبس مجازا،لا محالة،أو اجماعا.

و اما الاحتمال الثاني:و هو اشتراط وضع المشتق بالتلبس مع النطق.بغض النظر عن الحكم و الجري،فهذا معناه ان الحكم إذا كان متقدما و التلبس و النطق حالية كان حقيقة،مع انه حكم قبل التلبس،فيكون مجازا اجماعا.

و اما الاحتمال الثالث:و هو اشتراط وضع المشتق بالتلبس مع الحكم بغض النظر عن النطق،فمعناه ان صور اجتماعهما،تكون حقيقة على كل حال،و لا يتقدم الحكم على التلبس فيكون مجازا،و لا يتأخر عنه،فيكون اعميا.و هذا معناه صحة هذا الاحتمال بناءا على التسلسل المشهوري للتفكير.و يؤيده الوجدان و علامات الحقيقة و المجاز.

و اما الاحتمال الرابع و الأخير،و هو اشتراط وضع المشتق بالتلبس حال الجري و النطق معا.فهذا معناه اشتراط ان تكون جميع العناصر حالية.و هذا ينتج المورد القدر المتيقن من القدر المتيقن.و هو الغالب في الاستعمال.

غير ان اشتراط ذلك خلاف الوجدان،إذ يصدق المشتق حقيقة في صور غيرها،

ص: 212

كما لو اتحد الحكم و التلبس.فانه يكون حقيقة بحسب التبادر.بينما يكون مجازا بحسب زعم هذا الاحتمال لعدم توفر شرطه.

فالصحيح بناءا على هذا التسلسل الفكري هو الاحتمال الثالث.

بقي ان نشير إلى معنى الحال في كل الوجوه السابقة.فعلى الوجه الثاني يكون المراد بالحال حال النطق،و على الثالث يكون حال الحكم،و هو المختار جريا مع التسلسل المشهوري للتفكير.و على الرابع يراد بالحال حال اجتماع التلبس و الحكم و النطق.

اما على الوجه الأول الذي اختاره السيد الأستاذ،و هو ان المشتق غير مقيد بالزمان مطلقا،يكون عندئذ،كل واحد من الأزمنة مصداقا حقيقيا للمعنى الموضع له.

لكن يتحصل من كلماته(قدس سره)،جواب معين،و لو لم يكن بالمطابقة،ان الحال عند الإطلاق و عدم التقييد،ينصرف إلى زمن النطق و حاله حال النطق،لكن هذا لا ينافي التقييد بما يصرفه إلى زمان آخر،يكون عندئذ هو الحال المقيد نحو:أمس أو غد.

أما الرأي المختار:

فيحتاج بيانه إلى تمهيد مقدماته:

المقدمة الأولى:اننا ينبغي ان نتوخى الفهم العرفي لأن الظهور الذي يكون حجة إنما هو الظهور العرفي،فأي من هذه التدقيقات لم يكن عرفيا أهملناه.و عندئذ لا بد لنا ان نلحظ النسب بين هذه الأمور الثلاثة:النطق و التلبس و الحكم،و علاقتها بالزمان لنختبر عرفيتها.

أولا:النسبة بين النطق و الحكم،هي نسبة التساوي،فان الحكم يكون عند النطق عرفا.و لا معنى للتفكيك بينهما.

ثانيا:النسبة بين النطق و التلبس:لا مانع عرفي من اختلافهما في الزمان.فيمكن ان احكي ان موسى(عليه السلام)كان نبيا و ان المهدي عليه السلام سوف يظهر.

ثالثا:النسبة بين التلبس و الحكم أو الجري.و يتحصل مما تقدم إمكان الاختلاف

ص: 213

في الزمان بينهما.

فان الحكم مساوق للنطق،و التلبس يمكن ان يكون زمانه مختلفا عن النطق.إذن، فالحكم و التلبس يمكن ان يختلفا.

لكن هذا الاختلاف يلقيه العرف على التلبس لا على الحكم.حيث قلنا:ان الحكم فوري دائما،و يكون مساوقا للنطق.

اما تأخر الحكم عن التلبس و تقدمه و نحو ذلك،فانها و ان كانت مذكورة في كلام الأصوليين،الا انها غير عرفية،و اما انها غير دخيلة في وضع المشتق أصلا.حيث تكون من المدلول التصديقي له،و ما هو وضعي هو المدلول التصوري.و قد خلط المشهور بينهما.

و على كلا التقديرين،اعني سواء كانت دخيلة أم لا،لا يكفي مجرد القصد الباطني للمتكلم،بل ذلك محتاج إلى قرينة واضحة الدلالة لا محالة،و مع عدمها يتعين الحال،فان أردنا غيره في أي مرتبة،فلا بد من إقامة القرينة عليه.و مع وجود القرينة على القصد،يتعين المقصود،و لا يهم-بعد ذلك-عرفا ان يكون التعبير مجازا أو حقيقة.

فان قيل:ان القرينة هنا على التعيين لا على المجازية.

قلنا:هذا لا يحدد سنخ القرينة أو المقصود منها،و إذا توخينا ذلك،احتجنا إلى قرينة أخرى للدلالة على ان القرينة،إنما هي على التعيين،لا على المجازية.و هذا أمر غير عرفي و مستنكر.

المقدمة الثانية:ان المشهور يرى ان استعمال المشتق،في مورد تقدم الحكم و تأخره عن التلبس،مجاز إجماعا.و خاصة بناءا على وضعه للمتلبس خاصة.فانه إذا تأخر الحكم عن التلبس كان مجازا على هذا المسلك.

مع العلم ان هذا خاص بصورة انتفاء التلبس تكوينا،و اما مع استمرار التلبس.كما لو كان زيد عالما بالأمس و اليوم.و لكن الحكم يخص الأمس،و كذا في المستقبل من دون التفات إلى الحصص الزمانية الأخرى.فهل يكون هذا الاستعمال مجازيا أي هل

ص: 214

يعتبر المشهور الحكم منفصلا عن التلبس أم متصلا به؟أقول:كلا ما دام المتكلم صادقا فيما يقول.

إذن،فاختلاف زمن الحكم و التلبس لا يضر إطلاقا في حقيقة الاستعمال.ما لم يكن الاستعمال كذبا،يعني من دون تلبس أصلا.

و خلاصة الكلام:ان الاتصاف إذا كان مستمرا في الأزمنة الثلاثة،و قلت:زيد عالم بالأمس،كان حقيقة،و كذا لو قلت:الآن أو غدا.و ذلك لكونه صادقا في النقاط الثلاث.

و هذا يعني عدم النظر إلى الزمان مقطعا،أو قل عدم تقطيع الزمان،في مقابل ما قد يقال:انه يمكن تقطيع الزمان،فليحظ من هذا التلبس المستمر،تلبس معين،و ليكن هو الحال أو التلبس في الحال،فيكون الأمس،قبل التلبس الخاص الملحوظ،و يكون الغد بعد هذا التلبس،فيكون مجازا أو من المجمع على مجازيته.

فتكون هذه المقدمة دفعا لمثل هذا الاحتمال،و ذلك بان نقول:ان تقطيع الزمان غير صحيح سواء بوجوده التكويني أو اللحاظي.فان كل هذه التقطيعات غير عرفية و غير مؤثرة في مجازية استعمال المشتق.

و ينتج:انه ما دام التلبس موجودا،فالإطلاق حقيقي و إنما يكون مجازيا لو تقدم الإطلاق على اصل التلبس و ليس على قطعة من زمانه.

و ينتج من ذلك:انه ليس المراد من التلبس:التلبس بالحد المنظور،أو بقيد زمان معين.بل المراد مطلق التلبس أو وجود التلبس،في مقابل عدمه.

المقدمة الثالثة:في تحقيق معنى الجري الاصطلاحي.من حيث انه قد يدعى ان المراد به الحكم،أو المراد به التلبس أو المراد به كلاهما،أو المراد به أمر آخر.

فهنا قد يكون الجري إثباتيا و قد يكون ثبوتيا.و الثبوتي هو الاتصاف و التلبس، يعني القضية الواقعية التي هي منشأ انتزاع القضية اللفظية.

و فرق الجري الاثباتي عن الحكم،هو كون الحكم أو التصديق فوريا دائما.لأنه منوط بحالة نفسية و لغوية ملازمة مع النطق،و النطق فوري فيكون الحكم فوريا.في

ص: 215

حين رأينا الجري يمكن فصله عن النطق.و هو منشأ انتزاع الحكم.

فقد يقال:هو التلبس،لأنه ليس هناك منشأ انتزاع غيره،الا ان هذا لا يكفي فيمكن إيجاد عدة فروق بينهما:

1-ان التلبس ليس نسبة بل هو مجرد اتصاف أي وجود الصفة في الموصوف بغض النظر عما قلناه من وجود عالم الواقع و النسب الواقعية في حين ان الجري من قبيل النسب لا الاتصاف لكن هذا غير مقبول على مسلكنا لأننا قربنا وجود عالم الواقع و وجود الصفة هناك أي المتلبس و المتلبس به و حينئذ نقول انه نسبة خارجية خالية من التصديق الاثباتي.

2-اننا يمكن ان نلحظ التلبس كأمر متعلق للحكم أي محكوم به مبرز في قضية ذهنية هي فورية الا ان التلبس المحكوم به قد يكون في أحد الأزمنة الثلاثة فالتلبس الخارجي بلحاظ كونه محكوما به جري و هو بذاته بدون هذا اللحاظ ليس جريا.

3-ان الجري و همي و التلبس واقعي اما الثاني فواضح فان قولنا(زيد عالم)يعني انه متلبس فعلا في عالم الواقع و اما الأول فلأن الجري ليس له منشأ انتزاع الا الحكم الفوري أي في الحال المطلق فما هو الجري الذي يحكم به غدا أو في الأمس و المفروض ان النسبة الواقعية اما انها لم تحصل بعد أو حصلت و انتهت فهذا المسمى بالجري و همي،قد يقال:ان ذاك بلحاظ عالم الخارج اما في عالم الواقع فهو ليس كذلك!و هذا قد يكون صحيحا الا انه لا يمكن القول به لأننا إنما عملنا به بواسطة الصور الذهنية و هي غير موجودة في عالم الخارج و لأن الماضي قد انتهى بسائر علله و معلولاته فلا يمكن إضافة شيء عليه و كذا المستقبل لم يأت بسائر علله و معلولاته فلا محيص من اعتبار الجري معنى و هميا لأنه ليس خارجيا و لا واقعي لكن له منشأ عقلائي كوجود المفاهيم الاعتبارية مثل الرقّية و الزوجية فهي و همية لها منشأ انتزاع و ليس لها أي ثبوت الا في عالمها المناسب لها.

المقدمة الرابعة:ان الحال قد لا يكون دائما،هو الحال المطلق،و هو حال النطق،

ص: 216

و ان كان هو الأكثر في الاستعمال العرفي.بل هو الحال الذي عليه التركيز عند الحديث و المناسب مع القضية التي هي محل الكلام.كما في القصص عن الماضي و عن المستقبل أو القصص الوهمية،و كذلك في الوصايا و الإقرارات،و غيرها.

و قد سبق ان قسمنا الأزمنة الثلاثة إلى أزمنة ثلاثة،فتصبح تسعة.إذ ان للماضي ماضي و حال و مستقبل.و للحاضر و المستقبل كذلك.فمثلا،لا يمكن القول الآن:ان فرعون مدع للربوبية،الا مجازا.فانه كان مدعيا للربوبية و قد مات.

فالحال في المثال،بالنسبة إلى الحال المطلق ماضي،اما بالنسبة إلى القضية التي تتحدث عنها،فهو حال له ماض و مستقبل.

فإذا قلنا ان المراد بالحال حال النطق،فليس معناه الحال المطلق،بل الحال المناسب مع حال النطق.و لئن كان زمان نطق نفس الفرد،لا يكون الا بالحال المطلق، فان زمان نطق غيره يختلف.

و هذه فكرة أخرى:لأننا قد نقيس الأزمنة الثلاثة تجاه حادثة معينة،و قد نقيسها تجاه النطق.و كله له أزمنة ثلاثة.و هذا أمر عرفي في القصص و غيرها.

و ما قلناه من ان انفصال زمان الحكم عن زمان النطق غير عرفي ليس بهذا المعنى،بل بلحاظ كل نطق بحسبه.

و بذلك نفهم الاصطلاحات السابقة،كقولنا حال الجري أو حال التلبس.باعتبار ان الجري و ان كان وجوده الحقيقي الآن،الا ان وجوده الوهمي قد يكون قبل عدة قرون.و هذا معناه انها تنطبق على الحال المطلق و على الحال المناسب.و هذا أمر عرفي -كما سبق-في القصص و غيرها.

المقدمة الخامسة:ان ما ادعاه السيد الأستاذ من ان تقييد التلبس بالنطق لا يراد به زمان النطق،و إنما يراد به النطق ذاته،أي بوجوده التكويني،هو محاولة منه للتخلص من نسبة الزمان إلى المشتق.و قد لجأ إليها في طول الخلط المشهوري الذي مشى فيه،بين المدلولين التصوري و التصديقي،و وضوح ان المدلول التصوري للمشتق خال من الزمان.

ص: 217

في حين اننا عرفنا ان الصحيح هو التفصيل بين المدلولين،و إذا كان الزمان غير دخيل في التصورين،فلا مانع من دخوله في التصديقي.و عندئذ يصح ان يكون اشتراط النطق يعني زمانه و ان أنكره(قدس سره)،كما ان اشتراط الحكم و الجري،يعني زمانهما.و هكذا.

فان قلنا:ان الزمان دخيل في المشتق بوضعه الأصلي،كان نحو إشكال عليه،بعد الخلط بين المدلولين.و الا فلا بأس بدخوله في المدلول التصديقي للمشتق دون المدلول التصوري.كما هو الصحيح.و لو لم نميز بينهما لزم المحذور.

و نود هنا ان نبين انه متى يمكن لهذه التقييدات ان تكون زمانية و متى لا يمكن؟

حيث يمكن عرض حصتين من التقييد غير الزماني،إحداهما:تقييد الأمور غير الزمانية كالمجردات،على فرض الزمان الاصطلاحي لا المراتب فيكون تقييد الزمان غير صحيح بمثل قولنا:جبرائيل يقول كذا أو يفعل كذا.لا بالنسبة التامة و لا الناقصة.

ثانيهما:ما كان راجعا إلى الذات و الذاتيات،نحو الإنسان حيوان ناطق،حتى ما كان من الخاصة نحو الإنسان حيوان ضاحك.

و هناك حصتان يمكن تقييدهما زمانيا:

أولاهما:الصفة و الموصوف نحو رقبة مؤمنة.فانها مقيدة بالزمان.بتقريب:ان الإيمان الذي و صفت به الرقبة(الذات)هو حصة معينة من الإيمان لا مطلقة.لأنه لو كان مطلقا،لم يلزم تزامنهما،و كفى وجودهما في علم اللّه تعالى و من ثم يكون الوصف كاذبا.و قد فرضنا صحته.

و في مقابل هذا يقرب عدم الزمانية في هذه التقييدات،باعتبار ان ما يرجع إلى تقييد الذات و صفاتها غير زماني،لأنها موجودات ذات وحدة مفهومية،و لا حاجة إلى دخل الزمان فيه.و لكن إذا قربنا الزمان في هذه الحصة،كانت أوضح و أخرى في الحصة الثانية الآتية.

ثانيهما:التقييد بين مفهومين منفصلين و ذاتين مستقلتين.نحو زيد في الدار.فلا

ص: 218

يفهم عرفا التقييد بين مطلق الذاتين في علم اللّه تعالى.و ان تباعدا زمانا،بل ان العرف يفهم المتزامنين.

و حينئذ نأتي إلى محل الكلام،فاننا حينما نقيد التلبس بذات النطق،بشرط الا يكون زمانيا،فإذا قصدنا ذلك حقيقة،فمعناه التقييد بين اصل النطق و اصل التلبس الموجودين في علم اللّه تعالى،و هذا فاسد عرفا.لأن المطلوب تقييد أحدهما بزمان وجود الآخر.

و كذا الجري و الحكم،أي في زمانهما،و لو تباعدا زمانا لم يكن المطلب عرفيا.

فاتضح مما قلناه:ان التقييد بالمفاهيم المذكورة،في تركيب الذات و الصفات أو الذوات المستقلة،كله زماني لا محالة كالمدلول التصديقي ما دام حاله مناسبا مع الزمان،أي ليس من المجردات و لا من الذاتيات.و إنما نمنع الزمان عن المدلول التصوري الخالص.

المقدمة السادسة:في التفصيل بين المدلول التصديقي و التصوري.و ان ما هو دخيل في الوضع في المشتق و غيره،إنما هو المدلول التصوري،كدخل الزمان فيه،أو دخل الذات فيه،بناءا على تركب المشتق.أو انه دال على التلبس يعني تلبس الهيئة بالمادة و بالعكس.و يكون المتلبس هو الذات العامة أو الكلية التي تدل عليها الهيئة أو الذات الجزئية،عند حصول الجري أو الحمل.

و لا يمكن ان يشمل الوضع المدلول التصديقي،لأنه إنما يأتي في طول انحفاظ المعنى التصوري للفظ،سواء فيه المعنى المجازي أو الحقيقي يعني في طول الوضع.

و عنوان المسألة،و هو المراد بالحال،إنما هو في المدلول التصديقي عند الحمل و الجري،و لا معنى له في المدلول التصوري الوضعي.

و من هنا نعرف خطأ المشهور،حين يبحث عن شكل الوضع للمشتق في هذا الباب.و إنما هو خلط بين المدلولين،و حسبان المدلول التصديقي تصوريا،بحيث يكون له دخل في وضع المشتق.و هو غريب غاية.

ص: 219

و منه نعرف ان الحال لا يمكن ان يكون دخيلا في المدلول الوضعي.و على تقدير إمكانه فهو غير داخل.لأن الصحيح هو عدم دخل الزمان في المدلول الوضعي التصوري للمشتق.

و اما المدلول التصديقي،فهو مدلول سياقي قد يكون الزمان مقصودا فيه.و لكن ليس ذلك دائميا،لإمكان استعمال المشتق مفردا مستقلا عن الجملة،أو في نسبة ناقصة.

و هي لغة مجردة عن الزمان أيضا.

و إنما المحتمل هو أخذه في المدلول التصديقي،باعتبار ان الكلمة المفردة لها معنى.و إذا اندرجت في سياق جملي،يكون لها معنى آخر،يمكن ان يدخل فيه الزمان.

و يكون السياق بمنزلة القرينة المتصلة.

فيكون المدلول التصديقي،قرينة متصلة على المدلول التصوري،و من هنا نشأ خلط المشهور بين المدلولين.

و من هنا يمكن ان يقع الحديث عن الكبرى و عن الصغرى.و نقصد بالكبرى السؤال عن انه هل يمكن اخذ الزمان عموما و الحال خصوصا في المدلول التصديقي، بحيث يفهم بدون قيام قرينة عليه.

قد يقال:بوجوده باعتبار انسباق الحال منه،إلى حد إذا كان مخالفا للواقع كان كذبا و حنثا لليمين.و هذا عرفا صحيح،فقد يقال:ان التبادر علامة الحقيقة،و ان اخذ الحال فيه،كان غيره مثله،بعد التجرد عن الخصوصية.

الا انها ليست دلالة وضعية.و إنما هي دلالة سياقية من جنس الإطلاق.و ليس ثمة دلالة وضعية دالة عليه،لا في الموضوع و لا المحمول و لا النسبة و لا المادة و لا الهيئة.

و هذه الدلالة السياقية ناشئة من العادة،كأكثر الدلالات السياقية بل كلها،فان الوضع يحتاج إلى موضوع،و هنا فاقد له.

و المدلول التصديقي غير قابل للوضع و لا وضع له،فان المداليل الوضعية مداليل محددة،ذات وجودات محددة.و اما المدلول السياقي التصديقي فليس له وجود محدد،

ص: 220

و لا يوجد لفظ موضوع لكي يقع له اللفظ و يستعمل فيه.فإذا لم يكن هناك لفظ موضوع فالوضع مستحيل.

و ليس ذلك كالمداليل التصورية و النسب التامة و الناقصة،فانها قابلة للوضع لأن لها وجودات و مداليل محددة،و إنما هذه النتيجة إنما هي للمداليل السياقية،التي تكون من جنس الإطلاق.

و لو كان المشتق دالا على الحال،لكان تقييده به مستأنفا،مع العلم انه إفادة جديدة،و كذلك:لحصلت منافاة في التقييد بغير الحال.مع انها غير حاصلة.

فظهر ان هذا ليس تبادرا،حتى يقال:انه علامة الحقيقة.

ان قلت:اننا ما دمنا أثبتنا دلالة السياق المتضمن للمشتق على الحال،فلا بأس ان يكون دالا على مطلق الزمان،لا الحال فقط.بالتجريد عن الخصوصية،لأنه حصة من الزمان و لا خصوصية فيه.

و جوابه واضح:

1-ان الخصوصية موجودة:و هو الانصراف العرفي إلى الحال،لا إلى مطلق الزمان،بحسب شهادة الوجدان.

2-ان مورد التجريد عن الخصوصية،إنما هو متعلقات الأحكام الشرعية لا الأوضاع اللغوية الثابتة بعلامات الحقيقة و المجاز.و لا يمكن التعدي من حصة إلى أخرى بالتجريد عن الخصوصية،سواء كان الوضع تعيينيا أم تعينيا.و لا يحتمل كون الوضع اللغوي حكما من الأحكام ليجري فيه هذا التوسع.

لا يقال:ان الوضع للمدلول السياقي من قبيل الوضع للمركبات الذي قالوا بإمكانه فان السياق مركب من المركبات.

فانه يقال:ان هذا قياس مع الفارق ففي وضع المركبات كالنسبة الوصفية و هي من النسب الناقصة نحو(البساط الأزرق)يوجد الطرفان في مفهوم تقييدي واحد ذي صورة ذهنية واحدة و ليس هناك أمران الا بالنظر التحليلي ففي المثال يكون لكل من

ص: 221

الكلمتين صورة ذهنية استقلالية و اما مع اندماجهما فلا يكون مشمولا للوضع السابق فنحتاج إلى وضع جديد و معنى جديد لمجموعهما.

و هذه الفكرة عن وضع المركبات أجنبية عن الاطلاقات و الانسباقات فانها كثيرة عمليا و هي غير وضعية و ان وجدت صغرويا.

و اما الصغرى فقد يقال:ان المدلول التصوري للمشتق و ان لم يكن دالا على الزمان،الا انه حين يقع في مدلول تصديقي أو سياقي،يدل على الزمان.

و هذا فيه ضحالة في التفكير،فان الذي يدل على الزمان هل هو المشتق أو النسبة أو السياق؟لا شك ان المشتق وحده غير دال عليه،و لا يتغير مدلوله الوضعي بذلك.

و إنما الدال هو السياق فيكون بمنزلة القرينة المتصلة عليه.و هذا أمر آخر،لا انها تغير نفس مدلوله التصوري الوضعي.و الخلط بينهما من الأوهام.

و إذا فسرنا الحال السياقي وجدناه:الحال المناسب،كما قلنا في مقدمة سابقة.

و هو حال مطلق من حيث التلبس و الجري مضافا إلى النطق و النسبة التامة.فانها كلها حالية تكوينا و دلالة.إذ لو كان خلاف ذلك لبين.

و من هنا ظهر ان المناسب للإطلاق هو الحال المناسب،و ليس الحال المطلق،الا إذا كان هو الحال المناسب.فما صدر عن السيد الأستاذ مما يدل-كما سبق-من ان الإطلاق يقتضي الحال المطلق دائما،قابل للمناقشة.

فهذا مختصر الكلام بالنسبة لدلالة المدلول التصديقي للمشتق على الحال،و قد أثبتناه،لكن لا بدلالة وضعية،كما عنونه بعضهم،بل بدلالة سياقية عرفية.و المشتق لا دلالة له على الحال وضعا لا تصورا و لا تصديقا.و المطلوب عند الأصوليين الدلالة الوضعية،لا الدلالة الخارجية المتحققة بالانسباقات و الاطلاقات.

و ندخل الآن،فيما يصلح ان يكون دليلا على دخول مطلق الزمان أو الحال في المدلول الوضعي التصوري للمشتق.

و نبدأ أولا،بما استدل به على استحالة ذلك.فإذا تمت الأدلة فهو،و الا فينتج

ص: 222

إمكان أخذه،و عندئذ ينفتح الباب للاستدلال على دخوله فيه اثباتا.

و أدلة الاستحالة ثبوتا ثلاثة:

الأول:ان المشتق من الأسماء،و الأسماء-نحويا-مجردة عن الزمان،و لم يؤخذ فيها الزمان،إذن،فالمشتق خال من مدلول الزمان.و هذا هو فرق الأسماء عن الأفعال في ذهن المشهور.

و جوابه:ان للاسم حصتين جامدة و مشتقة،و القدر المتيقن من تلك القاعدة هي الجوامد.

اما المشتقات فهي وسط بين الأفعال و الأسماء،و هي تشبه الأفعال من حيث انها تعمل عملها،فتأخذ فاعلا و مفعولا حتى سمي بعضها بالصفة المشبهة بالفعل.و ليس في الجوامد شيء من ذلك.

فللمشتق إذن،بعض خصائص الأفعال جزما،فليس من المستبعد من هذه الناحية ان تكون لها دلالة على الزمان.

الثاني:انه بناءا على المشهور،من عدم إمكان اخذ الزمان وضعا في الأفعال، يكون ذلك في المشتقات أولى.لأنها ابعد عن مضمونه وجدانا.

و هذا صحيح،لو تمت الكبرى في المقيس عليه،الا اننا ناقشناها في محلها و أثبتنا دلالة الأفعال على الزمان.

الثالث:ان ما دل على الاستحالة في جانب الأفعال،دال عليها في جانب المشتقات.

و اهم الأدلة هو نسبتها إلى ما هو خارج عن الزمان،نحو:وَ كانَ اللّهُ سَمِيعاً بَصِيراً .و اللّه سبحانه ليس زمانيا.فالإشكال،كما يجري في الفعل(كان)كذلك يجري في المشتقات(سميعا بصيرا).

و جوابه:اننا لم نقل بالاستحالة.و جوابنا هناك أولى ورودا هنا.لان الأفعال و ان جردها المشهور عن الزمان.الا انها تعطي عرفا معنى التبدل و التغير الذي يستحيل على اللّه تعالى.و لكن المشتقات مجردة عن الدلالة على التبدل و التحول،بل تدل على صفة ثابتة ليست زمانية.فالإشكال لو استحكم في الأفعال،فانه لا يأتي في المشتقات.

إذن،فهذه الأدلة الثلاثة لا تتم في إثبات الاستحالة في عالم الثبوت.

ص: 223

و اما الدليل على دلالتها على الزمان،يعني الحال،فقد ورد في عبارة الكفاية دليلان لانسباقه من الإطلاق أو مقدمات الحكمة.

حيث قال(1):(لا يقال:يمكن ان يكون المراد بالحال في العنوان زمانه،كما هو الظاهر منه عند إطلاقه.و ادعي انه هو الظاهر في المشتقات،اما لدعوى الانسباق من الإطلاق،أو بمعونة قرينة الحكمة...الخ).

و قد يناقش بمناقشتين:

المناقشة الأولى:ان مقدمات الحكمة منتجة للإطلاق،و علة له.فهما دليل واحد، لا اثنان.و هذا وارد عليه.

الا انه يمكن ان ندافع عنه،بان الإطلاق كمصطلح أصولي،و ان عنى السعة و الشمول،سواء كان ناتجا من مقدمات الحكمة أو غيرها لكنه قد استعمل في معنى آخر،منها:إطلاق اللفظ و إرادة المعنى،و لا يمكن ان يراد منه في المقام المعنى الاصطلاحي،الذي يعني الشمول لكل الحصص الذي هو المستفاد من مقدمات الحكمة ما لم يحصل التقييد الذي يصرفه إلى الحصة.

فبينما نريد إثبات تقييد المشتق بالحال،بنفس الإطلاق،أي ان نفس الإطلاق ظاهر في الحصة،و التقييد يصرفه إلى حصة أخرى.فيكون هذا المعنى معاكسا للمعنى الاصطلاحي.لعدم ثبوت الشمول،مع التقييد بل العكس.و إنما يسمى اطلاقا،لانخرامه بالتقييد الناشئ من القرينة،فظهر ان الإطلاق هنا مغاير لنتيجة مقدمات الحكمة.

المناقشة الثانية:انه من الخلط المشهوري بين المدلولين التصوري و التصديقي.

فان ما يدل على الزمان بالإطلاق إنما هو التصديقي دون التصوري.يعني ان الانسباق و الإطلاق إنما هو للتصديقي خاصة.و لا معنى لكونه في المعنى التصوري.إذ لا إطلاق في المعنى الجزئي.1.

ص: 224


1- الكفاية 67/1.

و جوابه:

أولا:ان المعنى الجزئي المفرد قابل للانسباق و الإطلاق.و لذا قالوا:له إطلاق أحوالي و إطلاق ازماني.و إطلاق مقامي.و غير ذلك.

نعم،ليس له إطلاق افرادي،لأن ذلك من شأن الكلي لا الجزئي،و هو جزئي و ليس كليا.

الا ان الظهور الذي نحن بصدده ليس من قبيل ذلك،بل هو ظهور سياقي آخر يمكن ثبوته للمفرد و المركب.

2-مضافا إلى انه ليس إطلاقا اصطلاحيا،فيمكن ثبوته للمفرد و المركب بمعنى اشتراط دلالة المشتقات وضعا على الحال،كما قيل.

و لكن مع ذلك،فان المراد منه هو الظهور التصديقي،لوضوح عدم الانسباق مع الانفراد في لفظ المشتق فيبقى المدلول التصوري مطلقا و لا يتغير مدلوله الوضعي بالسياق الذي قد يكون قرينة على إضافة معنى آخر إلى المعنى الوضعي.كما ان معنى (الرقبة)لا يتغير مدلولها،بقيد المؤمنة،و إنما يضاف لها معنى آخر.

و اما استعمال مقدمات الحكمة،لو لا الانسباق المذكور فهو غير تام،لأنه يثبت عموم الزمان،و ليس الحصة الحالية:فيكون على الخلاف أدل.

لأنه كما يمكن ان يقال:انه لو أراد الماضي لقيده به،كذلك يمكن ان يقال:انه لو أراد الحاضر لقيده به.

و اما إثبات عموم الزمان بها،فهو فرع ثبوت اشتراطه وضعا،و هو أول الكلام بل لم يثبت،كما سيأتي.و إمكان التقييد لا يعني إمكان الإطلاق،بل يكفي فيه عدم وجود المانع من الإطلاق،و ان لم يكن المقتضي موجودا.كما لو كان في الجوامد.فانه يمكن ان يقيد أي لفظ بالزمان و لو كان من الجوامد،و هو لغة غير محتمل.على ان التقييد إنما هو للمدلول التصديقي للجوامد و المشتقات،فكذلك الإطلاق.

و الآن وصلنا إلى المبحث الرئيسي الذي عقدت هذه المقدمة لأجله،و هو دخول

ص: 225

الزمان في المدلول التصوري للمشتق.و هل ان الحال مشترط وضعا في المشتقات،أم لا؟

و الجواب بالنفي لدليلين وجدانيين.و ذلك بعرضه على علامات الحقيقة و المجاز، فان حصل الاقتران النفسي الكامل،فهو،و الا فلا.

الدليل الأول:التبادر،لأننا لا نفهم منه الزمان لا بالحمل الأولي أي مفهوم الزمان،و لا بالحمل الشايع أي واقعه،و اما الانسباق إلى ما هو زماني،فهو بحسب السياق التصديقي،لا التصوري،الذي يفهم من حاق اللفظ.

الدليل الثاني:ان الزمان لو كان مأخوذا في المدلول التصوري لكان منافيا إذا استعمل في خلافه مع القرينة،لأنها ستكون خلاف شرط الواضع.و كذلك لو كان مطلق الزمان مأخوذا في المشتق و استعملناه في غيره.كان مجازا،و كله خلاف الوجدان.فبالقياس الاستثنائي نعلم عدم دخول الزمان في المدلول التصوري للمشتق.

و إذا لم يثبت اخذ الحال وضعا في المدلول التصوري،فمعناه ان الاستعمال في غيره حقيقي أيضا.و ان كان هو القدر المتيقن من المعاني الحقيقة.و لو قلنا به فاننا نقول بالحال المناسب لا الحال المطلق،كما قال السيد الأستاذ من ان الإطلاق يعين خصوص الحال المطلق و الفوري،فانه ليس بصحيح،الا إذا كان الحال المناسب هو الحال المطلق و الفوري و لا توجد أية قرينة بخلافه.

ان قلت:كيف ان المدلول التصديقي و القرائن المتصلة لا تغير من المدلول التصوري شيئا،و هل ذلك الا نفي للقرائن المجازية.فانها مغيرة للمعنى الحقيقي لا محالة.

قلنا:هذا ثبوتا يختلف باختلاف القصد.فان كان القصد الأساسي هو تغيير المدلول التصوري الحقيقي،إلى المجاز.أمكن إقامة القرينة عليه.

و اما إذا كان القصد هو العكس،أمكن إقامة القرينة المجازية مع قصد الحقيقة، لأن القرائن ليست نصا في مدلولها.أو قل انها ليست علة تامة للمجازية،فلا تكون القرائن بنفسها سببا ثبوتيا لتغير المعنى.

نعم،من ناحية اثباتية تكون هي الأساس و يكون البدء بها لمعرفة القصد من ذيها،

ص: 226

باعتبار ان مرحلة الثبوت من شغل المتكلم،فهو يستطيع ان يقصد المعنى الحقيقي و المعنى المجازي.و اما مرحلة الإثبات فهي للسامع الذي يبدأ بالقرائن المثبتة للظهورات العرفية،ليعلم المقصود هل هو المعنى الحقيقي أو المعنى المجازي.فتكون نحو ملازمة اثباتية بين المعنى المجازي و القرينة.و لكنها لا تؤثر ثبوتا الا إذا كان قصد المتكلم بخلاف ذلك.

و في محل الكلام حيث علمنا بعدم اخذ الزمان في المدلول التصوري للمشتق، فهذا مما لا تغيره القرائن،و لو غيرته،فإنما هو مدلول خارجي تصديقي،و ان فرض انه اصبح مدلولا تصوريا،بقصد المتكلم،كان ذلك مجازا لكونه خلاف وضع الواضع.

و يمكن الاستشهاد لذلك بقولهم(كثير الرماد)فان الرماد لم يغيّر المدلول التصوري لكثير و لذا يستعمل في كثرة كل شيء و نستطيع ان نضم أي قيد إليه و هذا يعني ان المدلول التصديقي لا يغير التصوري إذا قصد المتكلم المجاز فيتعين على المتكلم نصب القرينة و على السامع فهمها خصوصا مع الالتفات إلى عدم الملازمة بين القرينة و عدمها فقد يسمع القرائن و يحتمل عدم إرادة المجاز إذ لا ملازمة بين الظهور الاثباتي و القصد الثبوتي.

نعم،يمكن استعمال المشتق مجازا و إقامة القرائن عليه،بمعنى أجنبي أو مباين للمعنى الحقيقي،الا ان هذا خارج عما نحن بصدده.و اما ان يكون عمل القرائن على تضمين مدلول الزمان في المدلول التصوري للمشتق،في حين انه خال من ذلك وضعا، فهذا مما لا يعقل.ففي مثل(زيد عالم)و حيث قد استنتجنا بالتبادر ان المشتق غير متضمن للزمان و لم يؤخذ الزمان فيه شرطا كما استنتجنا ان المدلول التصديقي فيه إشعار زماني غير ناشئ من الوضع بل من الاعتياد أو الظهور الاطلاقي فيكون قرينة متصلة بالمشتق على الزمانية.

فإذا كانت الكبرى المشهورية:ان القرينة تؤثر على المدلول التصوري،بحيث يندك المدلول التصوري في التصديقي،مع ان الأمر ليس كذلك.بل تبقى الكلمة مستقلة و لها نفس المعنى.بدليل اننا إذا غيرنا القيود لا يتغير معناها اللغوي.

ص: 227

ص: 228

الفصل السابع في تصوير الجامع لخصوص المتلبس أو الأعم

و هي مسألة لا بد من التعرض لها في مسألة المشتق،و لم يذكرها الشيخ الآخوند في الكفاية.مع انها ضرورية في وضع المشتق.و لكن ذكرها سيدنا الأستاذ.

و هي تصوير الجامع لخصوص المتلبس على تقدير الوضع له،أو الأعم على تقدير الوضع له.فان الوضع لا بد ان يكون لمفهوم واحد كلي يكون هو الموضوع له لغة و عرفا.لأن الوضع اللغوي بدون جامع غير ممكن و غير محتمل عقلائيا و عرفا،و هو مما يتجنبه الأصوليون في أبحاثهم،إذ لا يكون له محصل معلوم.

فعلى تقدير الوضع للمتلبس لا بد من تصوير جامع مانع،لا يعم المنقضي.و على تقدير الوضع للأعم،لا بد من تصوير جامع يشملهما،بحيث يكون الإطلاق على المنقضي حقيقيا.لأنه مندرج في الجامع الموضوع له.

و لو فرض تعذر هذا الجامع كفى في نفس الوضع لتعذر الوضع بدونه.إذ يراد كون الوضع عرفيا لا دقيا،كما تصوره الشيخ الآخوند في الجامع الصحيحي(1) ،في باب الصحيح و الأعم.

و قبل بيان الاشكالات المتصورة على الجامع على كلا التقديرين،نحاول ان ندافع-ان أمكن-عن المشهور الذي ترك التعرض إلى هذه المقدمة في حين انهم استوفوا البحث في الصحيح و الأعم.فنتبرع لهم بالوجوه المحتملة:

الوجه الأول:اننا إنما نحتاج إلى الجامع،فيما إذا احتجنا إلى الوضع اما

ص: 229


1- الكفاية:36/1.

لخصوص المتلبس أو للأعم منه و من المنقضي.

لكنا هنا ندعي عدم الحاجة إلى وضع جديد.و ذلك:بان يعرض محل الخلاف هكذا:هل ان المشتق يصدق على خصوص المتلبس أم على الأعم منه و من المنقضي.

مع الالتفات إلى ان هذا الصدق ليس ناشئا من الوضع للمشتق بما هو مشتق،بل من مرحلة سابقة عليه،و هو وضع هيئته و وضع مادته،و لا يوجد وضع ثالث لمجموعهما.بل يكفي ذلك سببا للصدق الحقيقي.

و جواب ذلك:ان هذا له منشأ انتزاع يأتي الحديث عنه ان شاء اللّه تعالى.لكننا هنا لما كنا ندافع عن المشهور:فلا بد ان نتكلم بلسانه.و قد قالوا:هل ان وضع المشتق لكذا أم كذا.و هذا معناه الملازمة بين الاستعمال الحقيقي و الوضع الثالث.و هو محتاج إلى عنوان جامع لا محالة.

الوجه الثاني:ان هذا الجامع تصوره مستحيل لأنه جامع بين النقيضين.

و جوابه:ان الوقوع أدل دليل على الإمكان.و المفروض وقوع أحد الوضعين على أي حال،على نحو مانعة الخلو.و هذا الإشكال ان كان مستحيلا،فهو خاص بالأعمى و لا يشمل المتلبس،و سيأتي الحديث عن الجامع الاعمي بعونه سبحانه.

الوجه الثالث:ان الجامع لا حاجة إلى تصوره،بل يكفي نفس معنى المشتق و عنوانه.سواء أردنا به خصوص المتلبس أو الأعم.

و الجواب:ان هذا لا يحل المشكلة.فانه إنما يراد بالجامع:المعنى الجامع للحصص.فان كان متصورا،فمدلول المشتق أو معناه محدد و محصور و وحداني و وجداني.و هو الذي وضع المشتق بازائه.

و اما إذا تكثرت الحصص،و لا اقل من حصتين،و كانت متباينة،فيحتاج كل معنى و حصة إلى وضع جديد.و لا يمكن اتحاد الوضع فيهما،لفرض تباينهما.فلا بد من تصور المشتق.

إذن،فنحن بهذه التقريبات لم نستطع ان نجد مبررا لعدم تصوير الجامع،فلعل المشهور حذفها سهوا.

ص: 230

و ندخل الآن في تصوير الجامع.و ينبغي ان نقدم الحديث عن الجامع الأخصي ثم الحديث عن الجامع الاعمي.

اما الجامع لخصوص المتلبس،فقد قال سيدنا الأستاذ(1) انه يمكن تعقله و تصويره،و هو الذات المتلبسة بالمبدأ،و لا يفرق في ذلك سواء كان مفهوم المشتق مركبا أو بسيطا.

فان كان مركبا فما قلناه هو الجامع و هو مركب من الذات و الحدث.و ان كان بسيطا،فالجامع لا محالة بسيط،و يكون الجامع هو الحدث-كالعلم مثلا-مأخوذا لا بشرط عن الحمل.أي بشكل يمكن حمله،و ليس كالمصدر المأخوذ بشرط لا عن الحمل،فلا يمكن حمله.

فالجامع يكون واضحا،و هو نفس العلم،و يكون محفوظا في جميع موارد التلبس.

و يمكن مناقشته في ذلك على كلا المستويين،اعني مستوى القول بتركيب المشتق و مستوى القول ببساطته.

اما بناءا على التركيب فقد قال:ان الجامع هو الذات التي لها التلبس.و هذا ان اخذ بدلالته المطابقية كان جزافا.لأن المراد ان كان مفهوم التلبس فهو باطل لأننا لا نفهمه منه وجدانا.و ان كان واقع التلبس أي نفس الاتصاف الخارجي.فهنا عدة مراحل متدرجة في إنتاج الجواب:

أولا:ان التلبس معنى اصطلاحي غير عرفي و غير عقلائي،و لا يلتفت إليه ابن اللغة،فيمتنع الوضع له لأن الوضع فرع التصور.سواء كان الوضع تعيينيا،من قبل واضع بشري أو تعينيا من عمل المجتمع.بل الوضع التعيني أولى بالمنع لأن المجتمع في ذلك، اقل فهما من الواضع البشري.

ثانيا:انه لو تنزل عن مادة التلبس و قال:ان المقصود معناه،و هو الاتصاف.فيكون1.

ص: 231


1- مباحث الدليل اللفظي:371/1.

المراد:الذات المتصفة،و هو معنى عرفي يمكن ان يقصده الناس،و هذا معقول في نفسه،ما لم نلتفت إلى المرحلة الثالثة.

ثالثا:انه(قدس سره)أهمل ذكر المتلبس به،و هو المبدأ.و تقديره:الذات التي لها التلبس و الاتصاف بالمبدأ.فرجع المطلب دوريا،و تعريفا للشيء بنفسه!

و اما بناءا على البساطة فقال:ان الجامع هو ذات الحدث مأخوذا لا بشرط عن الحمل.و هذا غير عرفي لا إثباتا و لا ثبوتا.

اما إثباتا،فان اللابشرط معنى دقي و ليس عرفيا.فلا يتيسر للواضع أخذه،سواء كان بالوضع التعييني أو التعيني.

و هذا الإشكال وارد على مبنى المتقدمين من ان الواضع بشري واحد.و اما على مبنى المتأخرين من ان الواضع هو اللّه سبحانه،فقد يقال:ان علمه محيط بكل شيء، و يأخذ بنظر الاعتبار مصلحة اللغة إلى جنب مصلحة أهلها،و لا يتعذر عليه اخذ هذه المفاهيم.فتأمل.

و اما ثبوتا فلأمور:

1-ان الحدث بما هو حدث معنى مصدري،و هو مباين للذات فزيد شيء و العلم شيء آخر،و حمل المباين على المباين متعذر.و هذا المعنى لا تختلف فيه التعابير التي تقال عنه.فصياغته بلفظ الفاعل لا يبرر ذلك ان كان المراد به ذات الحدث.

و لا يمكن لنا ان نلحظ الحدث لا بشرط عن الحمل،لأنه بذاته،بشرط لا عن الحمل و مباين للموضوع.فلا يجوز حمله و يبقى الحمل ممتنعا،حتى مع التقييد.

و بتعبير آخر:ان اللابشرط و البشرط لا متباينة.و من المعلوم ان الحدث بشرط لا عن الحمل،فلا يمكن ان نقيده بمباينه و هو اللابشرط.

2-ان الفرق-بناءا على ذلك-ينعدم بين اسم الفاعل و اسم المفعول،و سائر المشتقات،فان كليهما قابل للحمل،و كلاهما بسيط.فهل ان معناه ان معناها ذات الحدث،بدون فرق بينهما.و هذا في واقعه إشكال على بساطة المشتق.

ص: 232

ان قلت:ان الفرق ينبغي ان يكون واضحا بين المشتقات،فان الفرق إنما هو في هيئتها.

قلنا:هذا صحيح.لكن هذا يصح عند من يرى ان المشتق كمركب من المادة و الهيئة.فيصبح كل منهما قرينة على الآخر،مما يكفي في فهم جميع الظهورات.الا ان المشهور الذي عنون هذه المسألة و ان المشتق هل وضع لكذا أو كذا.معناه انه وضع بوضع ثالث جديد للمركب،بغض النظر عن مادته و هيئته،و كأنه لا وضع سابق له.

3-ان الحدث هو مادة اسم الفاعل و اسم المفعول،فهو جزء منها،و لا يصح ان يكون جزؤها جامعا لها.لأن الجزء ثابت في المرتبة المتقدمة عليه،و الجامع ثابت في المرتبة المتأخرة عنه،لأنه منتزع عنه،بنحو من أنحاء الانتزاع،فيلزم تقديم ما هو متأخر و تأخر ما هو متقدم و هو مستحيل.

لا يقال:ان الكلي أيضا،هو جزء من الجزئي،كما قال الفلاسفة.

فانه يقال:ان الكلي كذلك بالتحليل العقلي لا الخارجي،كالحيوان بالنسبة للإنسان.و المادة جزء خارجي للمشتق.فهذا قياس مع الفارق.

4-ان الجامع ينبغي ان يكون مانعا عن الاغيار،مع ان هذا الجامع المقترح يشمل الأفعال،فانها محتوية على الحدث و لا بشرط عن الحمل.و هي خارجة عن المشتق الأصولي أكيدا.

كما يمكن النقض على مجموعة من الأصوليين المتأخرين،كالشيخ الآخوند و المحقق الأستاذ،باسم الزمان،الذي أخرجوه عن المشتق الأصولي،مع كونه مندرجا في هذا الجامع المقترح.

5-إذا كان الجامع هو الحدث،و المفروض ان الحدث الذي هو مدلول المادة، يصدق ما دامت المادة موجودة،فما دام الفرد متصفا بالعلم فهو عالم.و اما مع زوال الحدث،أي ارتفاع الصفة مع بقاء الذات،فقد تبدلت المادة إلى نقيضها.و لا يصدق الشيء مع نقيضه لا حقيقة و لا مجازا.مع ان الأصوليين تسالموا على صدقه اما حقيقة، بناءا على القول بالأعم،أو مجازا،بناءا على القول بالوضع لخصوص المتلبس.

ص: 233

نعم،يمكن ان نوحد بين الفكرتين،و هما:ان الحدث هو المادة،و ان الحدث غير قابل للحمل.فينتج:ان الحدث ما دام هو المادة،فلا حاجة إلى حمله.فتصلح ان تكون هي الجامع.الا ان المشهور لا يقبل ذلك.

على انه يرد عليها أمور:

أولا:ما قلناه من ان المادة جزء المدلول،فلا تكون جامعا.

ثانيا:ان ذات الحدث،معنى مباين للمعنى المستخلص و المفهوم من المشتق ككل،كاسم الفاعل أو غيره.

ثالثا:انه،لو تم،فهو يشمل أحد الاسمين:اسم الفاعل أو اسم المفعول،و لا يحتمل ان يكون شاملا لهما معا،و الا لترادفا،لوضوح ان المادة فيهما واحدة،كعالم و معلوم.فهو لا يكون شاملا لهما،فضلا عن غيرهما.

رابعا:ان المادة جزء تحليلي لا تلفظ وحدها بدون هيئة،فكيف يضع لها الواضع العرفي-بدون الإطلاع على التدقيقات-الا انه و ان كان يمكنه ان ينتزع منها معنى اسميا مشيرا إليها،الا انه غير عرفي.أو قل:ان هذه العملية غير عرفية،لأنها تتوقف على تصور طرفها،و هو المادة،و هو غير عرفي.

خامسا:انه يراد مشهوريا من استعمال المشتق استعماله محمولا في جملة ليكون مجازا أو حقيقة،و هذا جزء من الخلط بين المدلولين التصديقي و التصوري.و لم يلاحظه الأصوليون وحده لنتكلم عن وضعه مستقلا.

سادسا:يمكن ان يقال:ان المادة ما دامت جامعا،فانها لا تصدق على نقيضها،يعني حال زوال الصفة،لا حقيقة و لا مجازا،و هو خلاف التسالم بين الأصوليين،كما سبق.

و الصحيح ان الجامع يحتاج تصوره إلى بيان عدة مقدمات:

المقدمة الأولى:قد عرفنا اننا نحتاج إلى تصور الجامع إذا قلنا بالوضع الثالث زائدا على الوضع الأولي للمادة و الهيئة.فلو لم نحتج إلى الوضع الثالث لم نحتج إلى الجامع.و اكتفينا بوضع المادة و الهيئة.

ص: 234

و هذان الوضعان الأوليان،لهما جامع في أنفسهما،فجامع الهيئة هو ما كان على زنة فاعل أو مفعول.و جامع المادة هو الحدث أو الصفة.و هما كافيان في وضعهما للدلالة على حقيقة ما ينطبقان عليه،سواء كان هو خصوص المتلبس أو الأعم.

و في الحقيقة يكون الانطباق على المنقضي عنه المبدأ حقيقة مستحيلا لأن الدال على الصفة هو المادة،و هي إنما تصدق في صورة وجودها،و لا تصدق على نقيضها.

كما لو زال العلم،فلا يصدق عليه انه(عالم)الا بضرب من التأويل و المجاز.و هذا كاف في البرهنة على صدق المشتق حقيقة على المتلبس.

إذن،فالقائل بالوضع للأعم هو الذي يحتاج إلى تصور الجامع.لأنه هو الذي يحتاج إلى القول بوضع ثالث،تخلصا من هذه الاستحالة.

و حيث ان القول بالانطباق الحقيقي على الأعم غير محتمل تقريبا،و لم يقل به المشهور،إذن،لا نحتاج إلى جامع.

نعم،لو تنزلنا إلى عنوان المشهور،و قلنا بالحاجة إلى الوضع على كلا التقديرين، احتجنا إلى الجامع على كلا التقديرين.و من هنا قلنا انه بناءا على العرض المشهوري نحتاج إليه،مع ان المشهور لم يتعرض إليه.

المقدمة الثانية:ان القول ببساطة المشتق ليس قولا صحيحا.كما يأتي في محله، و كل الذي أوردناه على الجامع بناءا على البساطة كترادف المشتقات و نحوها.إنما هو ناشئ من القول بالبساطة.

إذن،فلا نكون مسؤولين عن تصور الجامع الا بناءا على تركب المشتق.و قد رأينا انه بناء على البساطة،فالجامع غير صحيح.إذن،فالوضع متعذر حتى بناءا على التلبس فضلا عن الأعم.

و واضح انه في الأعم غير معقول،لأن الحدث لا ينطبق على نقيضه،و لا جامع بين النقيضين.و هذا ما يأتي لدى التعرض للجامع الاعمي.

المقدمة الثالثة:ما قلناه من ان الجامع ينبغي ان ينطبق على خصوص المشتق

ص: 235

الأصولي،دون المشتق النحوي.فيكون جامعا بين حصص المشتق الأصولي حتى الجوامد،أو ما قيل عنها انها جوامد،كالزوج و الحر و العبد.و مانعا عن المشتق النحوي كالمصادر و الأفعال.

المقدمة الرابعة:ان الجامع الماهوي للمشتق،و ان تحدثنا عنه في الأصول على أساس كونه واحدا،الا انه في الحقيقة انحلالي إلى عدة جوامع بتقسيمين:

التقسيم الأول:التقسيم إلى حصص المشتق،كأسماء الفاعل و المفعول و الزمان و غيرها.إذ لا يحتمل ان يكون الجامع المنطبق على أحدهما منطبقا على الآخر، للاختلاف الوجداني بين الموارد.

التقسيم الثاني:التقسيم من حيث المواد،كعالم و مهندس.إذ لا يحتمل ان يكون الجامع في أحدهما منطبقا على الجامع في الآخر.

فالتقسيم الأول للهيئة و الثاني للمادة.و ان كنا هنا،بعد التنزل عما سبق قد ألغينا المادة و الهيئة،و قلنا بالحاجة إلى الوضع الثالث.فيكون عنوان التقسيم الأول:حصص المشتق، و تشير إليها الهيئة،و يكون عنوان التقسيم الثاني مداليل المشتق،و تشير إليها المادة.

و هذا الجامع يمكن ان يقال عنه انه هو الذات المتصفة،و عندئذ ندفع الاشكالات التي قلناها على ما اقترحه سيدنا الأستاذ،كقولنا:ان التلبس أمر غير عرفي و اللابشرطية أمر غير عرفي.كما تخلصنا من إشكال الدور الناشئ من اخذ مفهوم المعرف في التعريف.

و ينبغي لهذه الذات ان تقيد بالحال المناسبة لها.لأن المادة تعطينا الاتصاف،اما الهيئة فهي بمنزلة القرينة المتصلة،و تعطينا الانطباع المعين عن كيفية الاتصاف.فهذا منفعل بالضرب و هذا فاعل للضرب،و هذه صفة دائمة،ككريم.و ينبغي كونها قيدا مناسبا لحصص الجوامع المتعددة.

و بمضمون الهيئة هذا اختص كل جامع بمورده،فاختصت الجوامع بالمشتقات الأصولية،و لم تعم النحوية،لأن تلك و ان كانت لها جوامعها،الا انها لا تندرج في الجوامع الأصولية.لأننا قلنا انه لا يمكن ان يوجد جامع واحد لعموم المشتق ليمكن ان

ص: 236

يندرج فيه المشتق النحوي.

و نحن فيما يلي نذكر الجامع مطبقا على اسم الفاعل،كما ذكره السيد الأستاذ.ثم ذكر الفروق مع غيرها من الموارد.فان الموارد تختلف حتى في اسم الفاعل.فهناك الصادر منه الفعل كالضارب.و هناك القائم به الفعل كالمائت و المتهدم.و هناك اسم الفاعل بمعنى اسم المفعول،كالداحضة،بمعنى المدحوضة في قوله تعالى:حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ (1).و نحو وزن(فعيل)الذي يكون على معنى فاعل تارة و على معنى مفعول أخرى.

و اما اسم المفعول و الصفات المشبهة و غيرها،فكل بحسبها.فلا بد من تقييد الجوامع المتعلقة بها كل بحسبها.مثل ان تقول:الذات المتصفة بالضرب اتصافا صدوريا.أي الفاعلة للضرب.أو الذات المتصفة بالضرب اتصافا انفعاليا.أو الذات المتصفة بالدحض اتصافا انفعاليا.و نحوه كل اسم مفعول.

و كذلك نقول:الذات المتعلقة بالوصف اتصافا مستمرا،كالحسن و الوقور و الكريم.و نحوها،في الصفات المشبهة.أو الذات المتصفة اتصافا مكانيا،أو المكان المتصف.و نحوه الزمان و نحو الآلة.و هكذا

و نحن في هذه الجوامع لم نتعد معنى المادة و الهيئة،فان الصفة هي معنى المادة، في حين ان الفاعلية و الانفعال و الدوام و غيرها،هي معنى الهيئة.

و هذا يقرّب ما قلناه من عدم الحاجة إلى وضع ثالث للاستغناء بوضع المادة و وضع الهيئة عنه.

و هنا شيء يجدر الالتفات إليه،و هي النسبة الوصفية بين المادة و الهيئة،ففي قولنا الذات المتصفة يعني وجود نسبة ناقصة بين الصفة و الموصوف ناشئ من اقتران الهيئة بالمادة،و يعتبر كل واحد منهما قرينة على الآخر،و هي نسبة واقعية موجودة تكوينا6.

ص: 237


1- الشورى/16.

بينهما.و هي تعبير آخر عن النسبة المتحققة بين الهيئة و المادة.

بقي ان نجيب على إشكال قد يتوجه إلينا بخصوص ما قاله الشيخ الآخوند و المشهور،حيث اعتبر حصة من المشتق ما يسمى بالجوامد كالحر و العبد و الزوج.فهل ان هذه الجوامع المقترحة شاملة لها،أم لا.حيث يفترض عدم وجود هيئة و مادة مستقلين لها،و لا نسبة ناقصة وصفية بينهما.

و هذا له عدة أجوبة:

الأول:ما قلنا سابقا من ان هذه العناوين ليست جوامد.بل هي صفات مشبهة، و هي حاصلة على مادة و هيئة موضوعة وضعا استقلالي.

و بهذا التقريب قلنا ان بين المشتق النحوي و الأصولي عموما مطلقا.فسقط هذا الإشكال على نحو السالبة بانتفاء الموضوع.

الثاني:اننا لو تنزلنا و قلنا انها جوامد لم توضع هيئاتها وضعا مستقلا،كالمشتقات.

فمادمنا لا نحتاج إلى الوضع الثالث،فنقول:ان المعنى أو الصفة موجودة و مفهومة من المادة.و اما الهيئة،فيكون بدلا عنها السياق،لكنه ليس كسياق الجمل و الهيئات المركبة،حتى يقال:ان هذا لم يقل به أحد.فان ذلك سياق تركيبي ناشئ من اجتماع الكلمات.و هذا سياق إفرادي،باعتبار انه مستفاد من كلمة واحدة.

الثالث:و لو تنزلنا أمكن ان نقول:ان الجوامد قسمان:وصفية و غير وصفية.

و الثانية ليس لها مادة و هيئة،بل وضع المجموع المركب لمعناه،كأرض و سماء،و هي خارجة عن محل الكلام.

اما الأولى،فينبغي ان نقول:ان لها نحوا من أنحاء الهيئة.و انها ملحوظة و لو ارتكازا للواضع.و منها يعرف نحو الاتصاف و الكيفية المناسبة له.من قبيل ان نقول:انه الاتصاف الدائم في الحر و العبد.و الاتصاف المعاملي أو العقدي في زوج.

و لا شك ان المادة لا تفيده،لأنها تدل على صرف المعنى المصدري.فتكون الاستفادة من هيئة موجودة بنحو من أنحاء الوجود.

ص: 238

و يحسن بنا ان نشير هنا إلى مقارنة بين الجامع الذي تكلم عنه الأصوليون في مبحث الصحيح و الأعم،و الجامع المذكور هنا،فان بينهما فروقا،تنفع في فهم الجامع هنا و هناك.منها:

الفرق الأول:ان الجامع الاعمي في الصحيح و الأعم،كان هو الأسهل تصورا.

و هو الصلاة العرفية أو معظم الأجزاء أو الحركة و الذكر،و نحوها.بخلاف الجامع الصحيحي أو الأخصي،فانه معقد،مع اختلاف الصلوات الصحيحة اختلافا كثيرا.

حتى قال عنه الشيخ الآخوند(1) بأننا نعرفه من آثاره،و هي النهي عن الفحشاء و المنكر و المعراجية،و لا اسم له في اللغة.فتورط بأمر غير عرفي لا يعرفه حتى الاختصاصيون.

بخلاف الجامع في المشتق،فان الصعب فيه و المتعذر هو جانب الأعم،مع سهولة الجامع الأخص نسبيا.

الفرق الثاني:ان الجامع في الصحيح و الأعم،حيث انه جامع للعبادات فالصحيح له اثر أي معلولات و نتائج.و كذلك الأعم لعل له نفس النتائج،لكن اقتضاءا لا فعلا.

فالصلاة مقتضية للمعراجية و للنهي عن الفحشاء و المنكر.غاية الأمر انها باطلة،لوجود بعض الموانع أو فقد بعض الشرائط.و لولاها لكان مقتضي الملاك مؤثرا.و على أي حال فمقتضي التأثير موجود في الصحيح و الأعم.

اما جامع المشتق سواء كان اخصيا أم اعميا،فليس له آثار لتعرفه منها.بل هي جوامع لغوية صرفة.

الفرق الثالث:اننا هناك لم نحتج الا جامعا واحدا،لأننا كمشهور الأصوليين،كنا نتحدث عن عبادة واحدة هي الصلاة،و هي موضوعة بوضع واحد لجامع واحد اما صحيحي أو اعمي.و لا يجتمعان.1.

ص: 239


1- الكفاية:36/1.

اما هنا فالجامع اما صحيحي(للمتلبس)أو للأعم،و لكن على كلا التقديرين لا بد له من جوامع متعددة على عدد المشتقات حصصا و أفرادا.و قد صح هذا في جامع المتلبس،كما سمعنا.فان صح أيضا في الأعم فهو،و الا كان دليلا على بطلانه،لوضوح ان جامعا واحدا غير كاف فيه.

ان قلت:اننا في الصحيح و الأعم،أيضا نحتاج إلى عدة جوامع بعدد العبادات.

و هذا صحيح.غير ان المشهور اقتصر الحديث عن الصلاة،و في الواقع ان الجامع الصعب الذي لا نعرفه الا بآثاره،إنما هو الصلاة،دون سائر العبادات.و ذلك لامتيازها بأنها لا تسقط بحال،و انها يجب الإتيان بالممكن منها،دون سواها من العبادات.و لذا لو لم تكن تتصف بذلك كان الجامع معقولا،تركيبيا كان أم بسيطا.و كذلك سائر العبادات.

الفرق الرابع:انهم اختلفوا في مبحث الصحيح و الأعم ان الجامع هل هو تركيبي أم بسيط.يعني انه هل هو محتوي على الأجزاء و الشرائط أم لا.

اما هنا في المشتق،فنحتاج إلى جامع وحداني معبر عن معنى واحد للمشتق، و بالتالي فهو بسيط.

فان قلت:فاننا اخترنا التركيب في الجامع هنا،و هو الذات المتصفة.فالجامع تركيبي و ليس بسيطا.

قلنا:هذا التركيب غير ذاك.فان الصحيحي جمع بين أمور متباينة بالماهية و المقولة،كالأجزاء و الشرائط.اما هنا فالتركيب تحليلي بين صفة و موصوف فقط.

فان قلت:فانها أيضا ماهيات متباينة،أحدها من صنف الجوهر و هي الذات، و الأخرى من صنف العرض،و هي الصفة.و كل من الجوهر و العرض مقولة مستقلة عن الأخرى.إذن،فالجامع مركب بالمعنى الفلسفي.

قلنا:نعم،هذا صحيح،و لكن مع ذلك فان بينهما فروقا:

الأول:ما قاله السيد الأستاذ في مناسبات أخرى من تركب مفهوم وحداني بين

ص: 240

القيد و المقيد:بحيث يبقى الفرق بينهما تحليليا.في حين انه لا يوجد هناك مثل ذلك، لتعدد مفاهيم الركوع و السجود و القراءة،اما هنا فيوجد مفهوم واحد هو الذات المتصفة،كعالم.

الثاني:ان المأخوذ في جانب المشتق وحدة الزمان،في حين ان المأخوذ في الجامع الصحيحي تتابع الأزمنة.

ففي نحو:(زيد العالم)،توجد الصفة في نفس زمان وجود الذات،و لو وجدت الذات أولا،ثم الصفة بعدها،فالاتصاف غير موجود.إذن،فالتقارن الزماني مأخوذ فيها.

و اما بالنسبة إلى أجزاء الصلاة،فالتتابع الزماني مأخوذ.إذ يسبق الركوع و يلحقه السجود.

فان قلت:ان الصلاة كذلك فان فيها تقييدا،أي تقييد الركوع بالسجود و هكذا.

و التقييد،يرجع إلى التقارن الزماني.

قلنا:ان القيد المقارن،هو كون الركوع متبوعا بالسجود.اما نفس السجود فهو متأخر.و ليس هو بذاته وصفا،بل بلحاظ لحوقه الزماني.فالصفة الدقية مقارنة،الا ان متعلقها متأخر.بخلاف المشتق،فان العالم بنفسه قيد مقارن للذات.

الفرق الخامس:ان ننظر إلى الجامع الذي هو الماهية المتصفة،نظرا فنائيا أو باطنيا،فنقول كما قال الحكماء:ان الصفة عين الموصوف و العلم عين المعلوم.و ليس أمرا زائدا عليه وجودا و حقيقة.و الموجود حقيقة هو الذات فرجعنا إلى البساطة.لكن من جهة انه موضوع للذات لا للصفة،لأن الصفة فانية في الذات دون العكس.

و هذا بخلاف الجامع الصحيحي،لأنه لا معنى لفناء جزء من الصلاة في جزء آخر.بل لا بد من استقلالها و تتابعها لتكون مجزية.

هذا تمام الكلام في الجامع على الوضع للمتلبس.

اما الجامع بناءا على الوضع للأعم من المتلبس و المنقضي.فهو اما جامع بسيط بناءا على بساطة مفهوم المشتق أو مركب بناءا على تركيبه.

اما الجامع البسيط،فغير معقول،و إذا لم يكن معقولا،فيتعين الوضع لخصوص

ص: 241

المتلبس بناءا على بساطة المشتق.

و تقريب عدم المعقولية تقريبان:

التقريب الأول:ما ذكره السيد الأستاذ من ان بساطة المشتق تعين انه موضوع للحدث لا بشرط عن الحمل.و ليست الذات دخيلة فيه أصلا،لأن ذلك خلاف فرض بساطته.

و من الواضح:ان الحدث الذي هو معنى الصفة،لا يكون في الانقضاء متحققا، و إنما في خصوص حال التلبس.فليست الصفة محفوظة في المنقضي عنه المبدأ لكي يكون جامعا بين المتلبس و المنقضي.

التقريب الثاني:انه بناءا على البساطة لا يكون مدلول المشتق الا الحدث،و هو صادق في مورد وجود مصداقه،يعني في مورد وجود العلم لا في مورد عدمه.لأن ماهية الحدث،لا تصدق على نقيضها(يعني عدم العلم)،فلا يكون عدم العلم حصة من العلم ليكون العلم جامعا بين الحصتين.

و كلا التقريبين مؤداهما واحد،لا اننا في الثاني استغنينا عما هو قابل للمناقشة في التقريب الأول،مما سبقت مناقشته.كقوله:لا بشرط عن الحمل بل تحدثنا عن الصفة بنفسها و انها لا تصدق على نقيضها.

مضافا إلى اننا استعملنا القاعدة الواضحة:و هي استحالة انطباق الماهية على نقيضها.و اما هو فقد اكتفى بالقول:بان حالة الانقضاء لا يمكن صدقها على الاتصاف.

و لم يبين الكبرى التي هي القاعدة المذكورة.

و اما قوله:و الذات إنما تكون متحدة مع التلبس.فان أراد بالذات مفهوم المشتق، و انه ينطبق مع التلبس دون عدمه.فهو صحيح.الا انه خلاف المصطلح،فان مرادهم من الذات هي الذات المبهمة،و انها متحدة مع المبدأ و فانية فيه.و مراده انه يبقى مفهوم المشتق واحدا.

الا ان هذا قابل للمناقشة من عدة جهات:

أولا:ان الذات لا تفنى في الوصف.و إنما الوصف هو الذي يفنى في الذات.

ص: 242

ثانيا:ان هذا قول بتركيب المشتق حتى لو قلنا بان الوصف و الموصوف مرجعهما إلى جزئين تحليليين.فان مراد القائل بالتركيب ليس اكثر من ذلك في مقابل الوحدة و هو الدلالة على الوصف خاصة.و لا يشفع له فناء الذات في الوصف الا إذا زالت الذات بالمرة فتعود الوحدة.

و اما الجامع التركيبي بناءا على وضع المشتق للأعم،بناءا على تركيب مفهوم المشتق،فيكون بعدة تقريبات:

التقريب الأول:ما ذكره السيد الأستاذ(1):من ان الجامع هو الذات المقترنة بأحد الزمانين:زمان التلبس و زمان الانقضاء.في مقابل زمان ما قبل التلبس.و حينئذ يصدق المشتق صدقا حقيقيا،على كلا الحالين:التلبس و ما بعده،دون ما قبله.

قال:و هذا الجامع معقول في نفسه،الا انه يستلزم اخذ الزمان في مفهوم المشتق.

و قد عرفنا فيما سبق عدم اخذ الزمان فيه.فهذا الجامع لا يصلح للجامعية.

و لنا عدة تعليقات على اصل تصور الجامع،و على ما أشكل عليه به،نوردها كما يلي:

أولا:ان وجود جامع مفهومي أو ماهوي،لحصتين من ثلاث،بحيث يكون مانعا عن دخول الثالثة،غير معقول.فالإنسان كلي قابل للصدق على حصص كثيرة، كالعراقي و الهندي و التركي،على السواء.فإيجاد جامع ماهوي لاثنين منها دون الثالث، غير متصور في اللغة و لا العرف.

و حتى الجامع الانتزاعي،و هو عنوان أحدها أو أحدهما،فانه غير عرفي هنا.لأنه يتحصل منه جامع مردد بين الحصتين.لا انه ينطبق عليهما معا بالسوية،إذ يستحيل ان ينطبق أحدهما على مجموعهما.و نحن نريد ان يكون زيد المتلبس بالعلم و المنقضي أيضا،مصداقين حقيقيين معا.و إنما يصح ذلك في الجامع المفهومي الوحداني،لا مفهوم أحدهما.

ثانيا:انه لو حصل هذا الجامع لكان جامعا بين النقيضين.و هو التلبس و الانقضاء.1.

ص: 243


1- مباحث الدليل اللفظي:372/1.

لأن الأول معناه الصفة،و الثاني عدمها.و الجامع بين النقيضين يستحيل عرفا و عقلا.

ثالثا:ان فيه خلطا بين المدلول التصوري و المدلول التصديقي.فان التلبس و الانقضاء يكون في التصديقي.و اما المدلول التصوري،فلا يعقل فيه الانقضاء لأنه كلي لا جزئي.و ما ينقضي هو الجزئي لا الكلي.

و هذا منه سير على طبق مشرب المشهور،في الخلط بين المدلولين.و قد سبق ان قلنا ان المدلول التصديقي لا يمكن دخوله في الوضع.

رابعا:ان هذه الذات التي تصورها هنا،ذاتان محتملتان لا ذات واحدة.

إحداهما:في داخل المشتق،بناءا على التركيب الذي نتحدث عنه الآن.و هي ذات مبهمة.

ثانيهما:ذات في خارج المشتق و يحمل عليها المشتق،كزيد في(زيد عالم).

فالذات التي يصدق عليها التلبس و الانقضاء هي الذات الخارجة.و لكنها من المدلول التصديقي أو الجملي،و هو لا دخل لها في الوضع.و إنما المدلول التصوري هو الموضوع له.

و اما الذات الداخلة في المشتق فهي مبهمة لا تتعين لزمان و هي متساوية النسبة للأزمنة الثلاثة.مضافا إلى انها لا يصدق عليها الانقضاء.و إنما يصدق على الذات الخارجة.فحصة الانقضاء عندئذ لا تكون داخلة في الجامع المذكور.

خامسا:انه قال:ان الجامع الموضوع له المشتق هو الذات في أحد الزمانين،في حين انه-مع غض النظر عما سبق-لا ينبغي ان يصاغ الأمر هكذا.بل ينبغي ان نقول:

هو الذات المتصفة.بحيث يكون قيد الحال و الاستقبال قيد للمتلبس لا لأصل الذات.

و عندئذ ينتفي الفرق بين الجامع الأول و الثاني اللذين ذكرهما.

سادسا:يمكن التخلص من إشكال السيد الأستاذ بان نلحظ الزمانيين لا الزمانين.

فان التلبس و الانقضاء زمانيان.و لا بأس بأخذهما في مدلول المشتق بناءا على التركيب.

كما قال هو(قدس سره)،في تفسير الحال بزمان النطق:بأننا نأخذ نفس النطق لا زمانه.

ص: 244

فهنا نأخذ ذات التلبس و الانقضاء لا زمانهما.فالتعبير بالزمان يكون إشارة مجازية إلى الزماني.فلا يلزم اخذ الزمان في مدلول المشتق.

سابعا:اننا لو تنزلنا عن ذلك،فقد سبق ان قلنا:ان كل تقييد بزمان أو زماني يرجع إلى التقييد بالزمان لا بأصل الذات.إذ قد تكون الذات موجودة في زمان آخر و لا يصدق التقييد.إذن،فالفهم العرفي على التعاصر الزماني بين القيد و المقيد.

إذن،فلا يكون هذا التقريب مستنكرا عرفا إذا جرى على حسب قانون التقييدات.

و إنما الإشكال فيه صدقه على المنقضي،و هو باطل على ما سيأتي.

التقريب الثاني:للجامع:هو الذات التي تلبسها اما قبل الجري(ليصدق المنقضي) أو حين الجري.و جامعه:الذات المتلبسة بتلبس ليس بعد الجري.

فحين نقول:زيد عالم الآن،فان كان له تلبس فعلي أو قبل الآن،كان مصداقا للجامع،و إذا كان يتلبس فيما بعد،لم يكن الإطلاق حقيقة بل مجازا.لأنه ليس مصداقا من المعنى الموضوع له.

و بهذا يظهر الفرق بين الجامع الأول و الجامع الثاني.فان القيود ان رجعت إلى الذات،فهو الجامع الأول،و ان رجعت إلى التلبس فهو الجامع الثاني.

و بذلك يندفع-صورة-عدد من الاشكالات السابقة:

منها:الجمع بين النقيضين،إذ لا توجد هنا حصة عدمية بل كل الأمور وجودية.

و منها:ان الجامع كانت فيه القيود راجعة إلى الذات،و قد سبق ان اشكلنا عليها، في حين تعود القيود هنا إلى التلبس.

و منها:عدم العرفية،باعتبار ان قيدية التلبس بالجري في أحد الأزمنة الثلاثة،قد خرج منه ما قبل التلبس للتسالم على مجازيته،فتنحصر حصص الجامع بالقيدين المذكورين.و يكون قريبا إلى الفهم العرفي.على مناقشة سوف تأتي بعونه سبحانه.

و منها:عدم التقييد بالزمان،فبينما كانت الذات في الجامع الأول مقيدة بالزمان، كانت هنا مقيدة بالزماني و هو التلبس.

ص: 245

الا انه بالرغم من ذلك بقيت عدة اشكالات ترد على هذا الجامع.و لعل أوضحها ما نسبناه إلى المشهور من الخلط بين المدلولين التصوري و التصديقي.

و هو هنا أوضح من سابقه،لأن الجري لا يكون الا في المدلول التصديقي،و هو غير دخيل في المفهوم الوضعي.و إنما يأتي في المرتبة المتأخرة عنه.و المفروض اننا نحتاج جامعا تصوريا يكون هو المدلول الوضعي.

فان قلت:اننا نقصد هنا من الذات الماهية المبهمة.بناءا على تركيب المشتق.

قلنا:نعم الا ان هذه الذات المبهمة،ليس فيها جري.إذ يراد النسبة التامة في جملة خبرية،و ليس النسبة التحليلية الموجودة في مفهوم المشتق على تقدير كونه جريا.مضافا إلى ان هذه النسبة التحليلية صادقة صدقا أزليا،و غير قابلة للزوال،فلا تدخل في محل الكلام.

فهذا هو الإشكال الأول على هذا الجامع.

الإشكال الثاني:ما ذكره السيد الأستاذ من ان المشتق اخذ فيه التلبس مقيدا بالجري.و قد سبق منه(قدس سره):ان الجري ليس قيدا للتلبس.و ان مفهومه محفوظ بقطع النظر عن الجري و الحكم.

و قد اجبنا هناك:بان تطبيق علامات الحقيقة و المجاز ينتج ان المشتق يصدق صدقا حقيقيا على الذات المتلبسة حال الجري.و انه بناءا على المشي المشهوري،من الخلط بين المدلولين التصوري و التصديقي،فان تقييد التلبس بالجري ضروري بحيث يكونان متطابقين في زمان واحد،في أحد الأزمنة الثلاثة.و لو كان التلبس وحده كافيا، كان الحكم حقيقيا على كل حال،حتى فيما قبل التلبس،لوجود التلبس في الجملة.

و هو خلاف الإجماع.

الا ان ظاهر كلام السيد الأستاذ جعل القيد قيدا للذات لا للجري و لا للتلبس.

و إنما يجعل التلبس و الجري معا قيدا للذات.و ذلك في قوله:الذات المتلبسة حال الجري أو قبل الجري.و هذا غير ممكن.

ص: 246

بيان ذلك:ان الصور المحتملة لمثل هذه الفكرة ثلاثة:

الصورة الأولى:ان يكون التلبس قيدا للذات في المرتبة السابقة.و يكون الجري قيدا للتلبس في المرتبة التي بعدها.فنقول:الذات المتلبسة تلبسا قبل الجري أو معه.

فنقيد التلبس بالجري.ثم نقيد الذات بالتلبس المقيد بالجري.

الصورة الثانية:على العكس من ذلك:فنقيد الذات بالجري في المرتبة الأولى ثم نقيد الجري بالتلبس.فيكون مفهوم المشتق:هو الذات المجري عليها أو المحكوم عليها بعد التلبس أو حين التلبس.فقد قيدنا الجري بالتلبس و الذات بالجري المقيد بالتلبس.

الصورة الثالثة:و هي الصورة المفهومة من كلامه(قدس سره):بان يكون كل من التلبس و الجري قيدا مباشرا للذات،أي الذات المتلبسة المجري عليها،فليس ان التلبس مقيد بالجري و لا العكس.و إنما كلاهما قيد للذات في مرتبة واحدة.

و هذا غير معقول،لأن التقييد يكون في طول الاستقلالية،و اما التقييد بذات القيد فمتعذر.

الإشكال الثالث:اننا نقع في نفس المحذور الذي سبق ان هربنا منه،و هو اخذ الزمان في الجامع الموضوع له.

لأننا نقول هنا:الذات المتلبسة حال الجري و الذات المتلبسة قبل الجري.و هما زمانان.فقد اصبح الزمان دخيلا في مفهوم المشتق.و المفروض عدم أخذه فيه.

و في الحقيقة يمكن ان يردّ هذا بان نتصور دخول الزمان في مفهوم المشتق بعدة تقريبات:

الأول:دخول الزمان في مفهومه المطابقي،بعنوان كونه زمانا.و هو غير صحيح و غير محتمل.و هو و ان دل عليه لفظ(قبل)و(بعد)،فانهما لا يدلان على الزمان مفهوما بل مصداقا.

الثاني:اخذ واقع الزمان و مصداقه بالحمل الشايع قيدا في مفهوم المشتق.بالدلالة المطابقية،و هو ما يدل عليه لفظ قبل و بعد.

ص: 247

الثالث:اخذ الزماني بما هو زماني.أي المقيد بالزمان،فالتقييد و ان كان بالتلبس، الا ان التلبس نفسه مقيد بالزمان.و المقيد بالمقيد مقيد.

الرابع:ما ذكرناه و كررناه من ان كل التقييدات بين الصفات و الموصوفات هي زمانية.فقولنا:رقبة مؤمنة تدل على اقتران الرقبة بالإيمان.الا ما رجع إلى الذات و الذاتيات أو ما هو خارج عن الزمان،فالتقييد بالزمان لبي،و ان لم يكن بالدلالة المطابقية.

الا اننا هنا لا نحتاج إلى مثل ذلك،و ان كان صحيحا للغنى بالتقريبين السابقين.

الإشكال الرابع:انه يلزم منه دخول النفي في مفهوم المشتق.لأن قوله:اما و اما (اما قبل الجري أو حين الجري)سيكون من قبيل الجامع الانتزاعي(الذي هو مفهوم أحدهما)و المفروض صدقه على كلا الفردين دفعة واحدة.

فالجامع في الحقيقة هو الذات التي لا يكون تلبسها بعد الجري،فتكون هذه الحصة مجازا.فيكون النفي بليس دخيلا في مفهوم الجامع الموضوع له المشتق،و هو ليس محتملا.و لا يفهم منه قطعا لا بمفهومه و لا بمصداقه.

فان قلت:يمكن ان يكون الجامع جامعا مفهوميا يجمع بين الحصتين الحالية و الماضية من التلبس،أي التلبس حال الحكم و الماضي قبل الحكم.و ليس هو عنوان أحدهما،و ذلك بعد إخراج التلبس الاستقبالي.

و يرد عليه:انه لا يوجد جامع مفهومي إثباتي بين حصتين من ثلاث حصص،يكون جامعا مانعا.الا على نحو الجامع الذي اقترحه الشيخ الآخوند للعبادات الصحيحة في باب الصحيح و الأعم.و انه ليس له عنوان و إنما يعرف بمعلولاته.و هذا غير عرفي و لا لغوي.

أو نجعله بعنوان التلبس،فيكون صادقا على الأزمنة الثلاثة،و هو خلاف المفروض في هذا الجامع.

أو نضيف قيد:ان لا يكون التلبس استقباليا.أو التلبس غير الاستقبالي.فدخل النفي مرة أخرى.و قد قلنا:ان فهم النفي من مفهوم المشتق خلاف الوجدان.

ص: 248

التقريب الثالث:للجامع الاعمي:

ما قاله السيد الأستاذ(1):من انه:الذات المقيدة بالفعل الماضي.فالعالم هو من علم و الضارب هو من ضرب،و المضروب هو من ضرب.و هكذا.و هذا يكون مصداقه الحقيقي اثنين من الثلاثة.و هو الوصف القائم فعلا،و الوصف الذي انقضى عنه.و اما الذي لم يتلبس بالمبدأ فلا يصدق عليه الفعل الماضي،كما هو واضح.

قال:و لا يرد عليه دعوى:ان لازمه دخول مدلول الفعل الماضي في المشتق،و هو بديهي البطلان،و خلاف الوجدان.

لأنه ان كان المقصود دخوله بنحو النسبة التامة في مفهوم المشتق فهو أمر صحيح.إذ يكون المشتق جملة تامة و هو غير محتمل.

و لكن المقصود تحويله قيدا ثم أخذه في المفهوم.كما في دخول الفعل الماضي على أداة الشرط،كقولنا:إذا جاء زيد فاكرمه.فقد أصبحت النسبة ناقصة و تحولت إلى قيد.و لم تبق نسبة تامة و لا فعلا ماضيا له استقلالية بالدلالة المطابقية و لا جملة تامة.

فدخوله بهذا النحو معقول،و لا بداهة في بطلانه.

الا ان هذا الجواب غير صحيح للفرق بين اخذ جملة تامة(أي فعل ماضي)في جملة، و أخذه في مفرد.فان أخذه في مفرد غير عرفي و غير محتمل بخلاف أخذه في جملة.

و اما ما ادعاه المجيب من ان الفعل الماضي يخرج عن دلالته المطابقية غير تام، فانه في مثل(إذا جاء زيد)لم يخرج الماضي عن الماضوية.و ان كان فعل شرط في جملة شرطية.فانه ليس بنفسه قيدا،و إنما القيد هو الجملة.فان النسبة الشرطية قائمة في الحقيقة،بين جملتين و بين نسبتين تامتين حمليّتين.

و لو لا كونهما كذلك،كما لو تحول إلى مفرد لما صلح ان يكون فعل شرط.فلا توجد في اللغة العربية حالة يتحول الفعل فيها إلى قيد أو الجملة إلى مفرد.1.

ص: 249


1- مباحث الدليل اللفظي:372/1.

فان قلت:فنحن لا نأخذ الفعل الماضي بمفهومه بل بمدلوله.يعني نعتبر المشتق بمنزلته.

قلنا:هذا خلاف فهم هذا الجامع أكيدا،فانه لم يقل:ذات مع مدلول ماضي بل مع فعل ماضي.

و لو تنزلنا و قبلنا بأخذ الفعل الماضي قيدا:كما قيل،فان مفهوم المشتق فيه هيئة و مادة و نسبة بينهما.و الفعل الماضي أيضا فيه هيئة و مادة و نسبة بينهما.فإذا قيدنا المشتق بالفعل الماضي،فما هي النسب بين مادة هذا و مادة هذا و نسبة هذا و نسبة هذا.و هيئة هذا و هيئة هذا.كل ذلك أمر مجهول لم يبينه.و إذا كانت في المشتق نسب غير معقولة، كانت العبارة مفككة.

الا ان اصل الجامع غير صحيح:لأن المراد بالمشتق(و هو الاتصاف بالقيام مثلا) حدوثه أو استمراره.فان قصد حدوثه،فهو ممن انقضى عنه المبدأ،لأن حدوث القيام آني،و قد سبق في الماضي.و لا يمكن بقاؤه،و ليس المفروض تكرره.إذن،فقد خرجت حصة المتلبس حالا من الجامع.و ان لم تخرج حصة المنقضي،لأن الحدوث على أية حال حاصل سواء استمر قائما أو جلس.

و ان قصد استمرار القيام و وجوده الحالي،فالفعل الماضي لا يصدق على الحال قطعا و وجدانا.فلا يصدق على القائم فعلا انه قام بل هو قائم،فتخرج حصة الحال منه أيضا.

نعم،يمكن الدفاع عن هذا الجامع،و ذلك بضم فكرتين،و عندئذ أمكن ان يصلح حاله بهما نسبيا:

الأولى:ان المقصود بالفعل الماضي ليس هو ما كان كذلك بالحمل الذاتي الأولي،أي بعنوانه و مفهومه،و إنما المقصود(الفعل الماضي)بالحمل الشايع،بما يناسب معنى المشتق.و لذا قيل في المثال:الضارب من ضرب.فلو كان المقصود منه بالحمل الشايع لما صلح مثالا.

الثانية:تصور نحو من الخلط و التركيب بين الحدوث و الاستمرار،و ذلك بأحد تقريبين:

الأول:ان العرف لا يفرق بين الحدوث و الاستمرار.

ص: 250

الثاني:ان ننظر إلى طبيعي المبدأ و اصله إجمالا،بغض النظر عن حدوثه و استمراره.

فهذا الخلط بالإجمال،كما نفهمه عرفيا،نفهمه عقليا.لأن اصل الطبيعة موجودة إجمالا.

الا ان هذا الإصلاح-بغض النظر عن الاشكالات الأساسية-كالخلط بين المدلولين التصوري و التصديقي،و عدم صدق المدلول التصوري على الأعم.

يبقى إشكال و حاصله:اننا بحاجة إلى إثبات صدق الفعل الماضي على الحمل الشايع.فهل يصدق مثل:قام على القائم بالحال؟كلا.فان هذا ليس عقلائيا و لا عرفيا.

و إنما يعني انه قام قبل الحال.

فان قلت:يمكن ضم الحال إلى الماضي،كما خلط بين الحدوث و الاستمرار.

قلنا:هذا لا ينفع في دفع الاشكالات السابقة من قبيل:ما قلناه من ان الجامع بين الحصتين هل هو إثباتي أم منفي.فان كان سالبا أو منفيا دخل النفي في مفهوم المشتق و هو خلاف الوجدان.و ان كان اثباتيا امتنع تصوير جامع مانع لحصتين من ثلاثة.و ان أريد الجامع الانتزاعي بعنوان أحدهما،لم يصدق على المجموع.

التقريب الرابع للجامع:نسبه السيد الأستاذ(1) إلى الأستاذ المحقق(2).

و هو انتقاض عدم المبدأ بوجوده.و هو أمر محفوظ في المتلبس و في المنقضي عنه المبدأ.فان كليهما قد انتقض عدمه بالوجود.

و قال السيد الأستاذ تعليقا على ذلك:ان هذا الجامع يحتاج إلى تمحيص،لأن المشتق هو ذات لها هذا الانتقاض،لا ذات الانتقاض لأننا نتحدث عن التركيب.

و ذلك بعد ان سلم الفريقان:ان تصور الجامع الاعمي بناءا على البساطة متعذر.1.

ص: 251


1- مباحث الدليل اللفظي:373/1.
2- المحاضرات:264/1.

و هذه الصيغة للجامع مفهوم مصدري إفرادي.فلا بد من فهمه تركيبيا،أو بصفته مشتقا مركبا.بان نقول:ان المشتق هو ذات لها هذا الانتقاض لا ذات الانتقاض.

و حينئذ،فهذا الوصف بالانتقاض يمكن له ثلاثة أساليب كلها باطلة:

الأسلوب الأول:ان نصفها على نحو الوصف الاشتقاقي فنقول:الذات المنتقض فيها عدم المبدأ بالوجود.

و إشكاله:اننا إذا أردنا بالوصف المنتقض:المنتقض فعلا،اختص بالمتلبس.و ان أردنا الأعم من المنتقض و مما انقضى عنه المبدأ،اختص بالأعم.إذن فلا بد من تصوير جامع بين هذين الأمرين أيضا،فيلزم الدور أو التسلسل.

الأسلوب الثاني:ان نصفها بنحو الفعل الماضي.أي نقول:ذات انتقض فيها عدم المبدأ بالوجود.فيعود إلى الوجه السابق و مناقشاته.

الأسلوب الثالث:ان نصفها بنحو المعنى الحرفي.أي ذات لها الانتقاض أو ذو انتقاض.

و من المعلوم عندئذ،ان ظاهر ذلك هو فعلية الانتقاض أو الاتصاف،لا الاتصاف الأعم.الا ان يقال:انه انتقاض في أحد الزمانين.فيرجع إلى أحد الجوامع السابقة التي اشكلنا عليها بعدة اشكالات:منها:الخلط بين المدلولين التصوري و التصديقي.و منها:

إشكال الحدوث و الاستمرار،و منها:إشكال دخول النفي فيه.و إشكال:عدم وجود جامع إثباتي بين الحصتين.

التقريب الخامس:و هو للمحقق الأستاذ(1) نقله عنه السيد الأستاذ(2).حيث قال:لو اعوزتنا الجوامع كلها،فلنقل ان الجامع بين المتلبس و المنقضي عنه المبدأ،هو عنوان أحدهما،و هو عنوان انتزاعي،و لا بأس به.

قال السيد الأستاذ:انه ليس بصحيح،لا لأنه جامع انتزاعي.فان الجامع الانتزاعي1.

ص: 252


1- محاضرات في أصول الفقه:264/1.
2- مباحث الدليل اللفظي:372/1.

قد يوضع له اللفظ.

و لكن لخصوصية في هذا الجامع الانتزاعي،و هي ان عنوان أحدهما غير قابل للإطلاق الشمولي بل إطلاقه بدلي دائما.كما لو قيل اكرم أحدهما.فانه ليس المراد إكرامهما معا.

فلو كان الموضوع له في المشتق هو ذلك لما أمكن ان يقال:اكرم كل عالم بحيث يراد الشمول للمتلبس و المنقضي.مع ان المشتق يقبل الإطلاق الشمولي.و هو دليل على ان مفهومه لا يساوق مفهوم أحدهما.

و يمكن الذب عن ذلك:بأننا تارة ننظر إلى العلة و أخرى إلى المعلول،فالعلة هي دلالة اللفظ على الشيء،و المعلول هو الإطلاق الناشئ من مقدمات الحكمة المتأخرة رتبة.

فان كانت الدلالة تفيد الإطلاق الشمولي،فلا نرفع اليد عنها،لكن الأمر ليس كذلك،فالمانع عن إفادة الإطلاق الشمولي موجود في المرتبة السابقة،فانتقاله(قدس سره)إلى المرتبة المتأخرة في غير محله.

كما انه يمكن ان يقال:باستفادة الإطلاق الشمولي من هذا العنوان،إذ يمكن لكلا الحصتين ان يكونا مصداقا لعنوان أحدهما.بحيث لو أكرمت فردا من كلا الحصتين،دفعة واحدة،جاز لكل واحد منهما ان يكون مصداقا من أحدهما.

فلو اقتصرنا على جانب الإطلاق كفى ذلك حتما.و إنما المهم ما قلناه فيما سبق، مما هو اسبق رتبة،من عدم الصدق مدلولا على كليهما.بعد ان كان المدلول أحدهما، لأن الدلالة خاصة بأحدهما.كما هو المدلول المطابقي.فشموله للدلالة على الآخر متعذر،و مصداقية أحد الفردين مكذب لمصداقية الآخر.و إذا لم يكن مدلولا عليه لم يجب إكرامه.اما إذا سلمنا بوجود الدلالة أصلا أمكن ان يكون الإطلاق شموليا.

التقريب السادس:ما ذكره السيد الأستاذ بنفسه،بعنوان يمكن تصويره في المقام بان يقال:ان الجامع بين المتلبس و المنقضي هو الذات غير المتلبسة فعلا بالعدم الأزلي للمبدأ.

ص: 253

و هو عنوان يصدق على المتلبس فعلا بالعلم،و على المتلبس بالعلم سابقا.و اما الذات التي سوف تكون عالمة و لم تكن عالمة قبل ذلك،فهي ذات متلبسة بالعدم الأزلي للمبدأ،فتكون خارجة عن الجامع.و يكون استعمال المشتق فيها مجازا.

قال:و هذا جامع معقول و صحيح،الا انه غير عرفي.فان العرف لا يفهم كلمة عالم عن طريق انتفاء العدم الأزلي لها.

أقول:انه ليس صحيحا و لا معقولا،لورود عدة اشكالات عليه:

أولا:دخول العدم في مفهوم المشتق،و هو وجداني العدم.

ثانيا:ان من كان عالما بعلم سابق،و لكنه نسيه.و نريد ان نتحدث عن علم آخر يحدث له غدا.فانه بحسب الفهم المشهوري الأصولي مجاز لأنه جري قبل التلبس.

و لكن على هذا الجامع سيكون جريا بعد التلبس لأن العدم الأزلي قد انتقض في الجملة،على ما هو المفروض.

اللهم الا ان يقال:ان المراد به:العدم الأزلي للفرد لا للطبيعي.و يقرب:بان الفرد هو المراد من استعمال المشتق.فعلمه الذي يوجد غدا لم يوجد منذ الأزل لهذه الذات، و ان وجد فرد آخر قبله.

و جوابه:النقض بالصدق الحقيقي بالحصة أو بالطبيعي.و لو حصل الفرد قبل سنين.

فان قيل:ان مثل هذا الفرد بمنزلة العدم الأزلي بالتسامح العرفي.و كان مدة الانقطاع كافية لإلغاء اتصافه السابق.فكأنه في حالة عدم أزلي عرفي،و ان لم يكن كذلك بالدقة العقلية.

قلنا:هذا اعتراف بأننا ان قصدنا العدم الأزلي الحقيقي،كان ما قرر في المثال صحيحا حقيقة لا مجازا.

مضافا إلى اننا يمكن ان ننكر تصور العدم الأزلي بالتصور العرفي.فانه غير ممكن.

على ان الاتصاف و ان كان يحصل بالجزئي،الا ان المبدأ المقصود هو الكلي.

و هو ينطبق على كل صفة و موصوف،أي كل جوهر و عرض،فالاتصاف يكون بالمبدأ

ص: 254

أي الكلي،و ان كان هو للفرد حقيقة،الا اننا نأخذ الكلي في مفهوم المشتق.و بذلك يصح هذا النقض على الجامع و يفشل الدفاع عنه بما ذكر.

ثالثا:الخلط بين المدلولين التصوري و التصديقي،لأن الاتصاف و عدمه الأزلي، إنما يكون لذات معينة محمولة،لا لذات مبهمة مستبطنة في المشتق.فإذا أخذنا الذات المحمولة في المشتق كان مدلوله تصديقيا.

رابعا:انه يمكن ان يقال كما قال السيد الأستاذ:ان هذا الجامع قد اخذ في مفهوم المشتق:الذات غير المتلبسة بالعدم الأزلي.و هذا يعني انه اخذ المشتق في مفهوم المشتق.فنسأل:عن ان هذا المتلبس هل يراد به المتلبس الفعلي أم الأعم من المنقضي، فنحتاج إلى جامع آخر.و يلزم منه التسلسل،و هو باطل.

و أجاب(قدس سره)على ذلك بعرض منا:بأننا يمكن ان نقصد به المتلبس الفعلي،و هو القدر المتيقن من الاستعمال الحقيقي.و هو حال النطق الذي هو اظهر أنحاء الاستعمالات.أي الذات غير المتلبسة بالعدم الأزلي فعلا لانتقاضه بالوجود.

الا ان هذا الإشكال يمكن ان يجاب بما هو اسبق رتبة فان المشتق المختلف فيه انه للمتلبس أو المنقضي إنما هو المشتق المثبت،لا المنفي.اما المنفي فهو ظاهر في الفعلية،يعني فعلية التلبس بالعدم.و لا يعم التلبس المثبت،لأنه نقيضه.

خامسا:حول قول السيد الأستاذ:(و لا يضرنا قيد الفعلية كما هو واضح لمن يتأمل).و هذا ظاهر بوجود إشكال مع جوابه.فلا بد من التفكير في ذلك.

فان قيد الفعلية مأخوذ في التعريف طبعا.لأنه قال:الذات غير المتلبسة فعلا بالعدم الأزلي.فلماذا قيد بالفعلية.أليس من الأفضل الاستغناء عنه؟.

و وجه الإشكال:ان القيد ظاهر بفعلية التلبس،فيكون خاصا بصورة الفعلية،فلا تدخل الحصة الأخرى،و هي المنقضي عنها المبدأ.

و قد يجاب ذلك:بان قيد الفعلية ليس لوجود المبدأ و إنما يريد فعلية الاتصاف بالعدم الأزلي أو قل:يريد عدم الاتصاف فعلا بالعدم الأزلي.يعني باعتبار ان عدم العدم

ص: 255

معناه الوجود،فيشار به إلى الوجود الذي هو قطع للعدم الأزلي.و هنا قد يسجل الإشكال،من حيث اشتراط ان يكون الوجود فعليا.و يكون جوابه ان اشتراط الفعلية للعدم لا للوجود.

و يرد عليه:ان اشتراط عدم العدم الذي يرجع إلى الوجود،يكون جامعا بين أفراد المتلبس خاصة و لا يشمل المنقضي.الا ان يقال انه يراد بالفعلية نفي الحصة الثالثة، اعني ما ينقضي في المستقبل،الا انه خلاف ظاهر معنى الفعلية.

فان قلت:إذن،نحذف هذا القيد من التعريف.

قلنا:نعم،يكون ذلك افضل.الا انه يرد عليه:أولا:ان هذا على خلاف مقالة هذا الجامع.

و ثانيا:اننا أوردنا عليه اشكالات أخرى فيما سبق.فلا يكون هذا الجامع تاما في نفسه.

و مع فشل جميع اطروحات الجامع الاعمي،إذن فالجامع الاعمي للمشتق غير موجود،إذن فالوضع له غير موجود.لأن الوضع فرع وجود الجامع.

إذ بدون الجامع،مع زعم الوضع،نحتاج إلى وضعين لكلا الحصتين:المتلبسة و غير المتلبسة،لعدم الجامع بينهما.ما دامت الحصتان حقيقيتين على الفرض.و هو مما لا يمكن الالتزام به في المشتق.

فان قلت:فاننا قد التزمنا بوجود وضعين في بعض الموارد.مع انه خلاف القاعدة.

قلنا:اننا إنما نلتزم بوضعين بعد الالتزام بالمعنى الحقيقي الناتج من التبادر.و هنا لم يثبت ذلك في المنقضي لنقول به بالوضع الثاني.

و قد يقال:انه قد يستدل بعدم الوضع(المدلول عليه بعدم التبادر للأعم)لعدم وجود الجامع.على نحو البرهان الاني أي الاستدلال على عدم العلة(و هي الجامع) بعدم المعلول(و هو الوضع).و هي ليست دلالة باللّم،لأن البرهان اللمي إنما هو من طرف الوجود لا من طرف العدم.

الا ان هذا قابل للمناقشة من وجهين:

الوجه الأول:ان مورد البرهان الاني هو الوجود لا العدم.فيستدل بوجود كل

ص: 256

منهما على وجود الآخر،و لا يصح الاستدلال بالعدم على العدم،لأنه يكون استدلالا بالأعم.

الوجه الثاني:اننا و ان حسبنا الجامع و الوضع كالعلة و المعلول الا ان الملازمة من طرف واحد.فان وجود الوضع يتوقف على وجود الجامع دون العكس.فمع عدم الجامع ينتفي الوضع الواحد المطلوب.و اما مع عدم الوضع فلا ينتفي الجامع.

لأن الوضع و ان تأخر عنه رتبة،الا انه من المحتمل ان يكون الجامع موجودا،غير ان الوضع غير موجود.و من هنا لا نفهم الأعم لعدم الوضع لا لعدم الجامع.و إنما العلة التامة للوضع هي إرادة الواضع لا وجود الجامع.

نعم،قد يصاغ استدلال تقريبي على الملازمة بين الأمرين:و انه لو كان الجامع موجودا لكان الوضع موجودا،و حيث ان الوضع غير موجود،فالجامع غير موجود.

و ذلك بعد ضم ثلاث مقدمات تنتج بالقياس الاستثنائي:

الأولى:ان الجامع الاعمي موجود على الفرض.

الثانية:ان الحاجة إلى التعبير عنه موجودة اجتماعيا و لغويا.

الثالثة:ان المجتمع قابل للوضع التعيني سواء انحصر معنى الوضع في ذلك أم لا.

و هذا الوضع تبع للحاجات و لكثرة الاستعمال.

و مع تمامية هذه المقدمات قد يرجح وجود الجامع.و بعدم وجود الوضع يثبت الخلل في إحدى المقدمات،و هي عدم وجود الجامع،إذ ان المقدمتين الأخريين مسلمة.فيثبت من عدم الوضع عدم وجود الجامع.و ليس كما قلنا:ان الجامع موجود و الوضع غير موجود.

جوابه:ان هذا فرع ثبوت أمرين:أحدهما:الحاجة إلى تداول و استعمال الجامع الأعم اجتماعيا،و الآخر:عدم إمكان الإفصاح عنه الا بالوضع.

و كلاهما غير أكيد،بل يمكن ان يقال:ان الحاجة إلى ذلك الاستعمال منتفية،و على تقدير ثبوتها و لو جزئيا،يمكن التعبير عنه و لو بالمجاز،و لا يتعين الوضع الحقيقي.

ص: 257

ص: 258

الفصل الثامن في تأسيس الأصل الجاري في المقام

و هو الأمر السادس في الكفاية في مقدمات مبحث المشتق و هي الأخيرة.حيث قال(1):انه لا اصل في نفس هذه المسألة يعول عليه عند الشك.

و ينبغي ان نعرف،كمقدمة،ان المراد بالأصل تقسيمان طوليان:

التقسيم الأول:التقسيم إلى الأصل الموضوعي و الأصل الحكمي.أو قل:الأصل في المسألة الأصولية و الأصل في المسألة الفقهية.

التقسيم الثاني:و هو للقسم الأول منهما خاصة:من حيث ان الأصل الجاري في الموضوع الذي هو نفس المشتق لغة تارة يكون أصلا لفظيا،و أخرى يكون أصلا عمليا.

اما القسم الرابع المتصور،و هو الأصل اللفظي الحكمي الفقهي،فهو موكول إلى محله من الفقه،و ليس هنا محل بحثه.

الا ان هذا التقسيم الثاني بكلا شقيه غير تام:

اما الأصل اللفظي،فلأننا و ان سميناه أصلا،الا انه يصلح ان يكون برهانا لغويا و أمارة لغوية على المدعى للأعم أو للأخص.فخير له ان يذكر هناك عند البرهنة على المختار، و ليس هنا عند الكلام في تأسيس الأصل الذي يفترض فيه انه:مع اليأس عن الدليل.

و اما الأصل العملي،مثل أصالة عدم ملاحظة الخصوصية كما سيأتي،فغير صحيح لأمرين:

أحدهما:ما سنذكره من انها كلها من الأصل المثبت،فانه لا يراد هنا دلالاتها

ص: 259


1- الكفاية:67/1.

المطابقية،و إنما يثبت الوضع بالملازمة العقلية.

ثانيهما:ان الأصل العملي إنما يجري فيما له اثر شرعي.و في المقام ليس كذلك.

و إنما نتيجته لغوية صرفة.

فان قلت:فاننا نتكلم عن المشتق الوارد في الكتاب و السنة.

قلنا:أيضا هي اعم من ذلك.فان في القرآن و الأخبار مواعظ و تاريخ و غيرها، و ليس في مثلها آثار شرعية.فبقيت المسألة لغوية.

فان قلت:فاننا نخصها بموارد التشريع و التنجز منها.أي ما يثبت به الأحكام الشرعية منها،كآيات الأحكام و نحوها.

قلنا:ان هذا غير مفيد أيضا،لأن الأصل لا يجري في الموضوع الا إذا كانت نتيجته المباشرة حكما شرعيا.أو قل:انه لا يجري الا في موضوع الحكم.و اما جريانه في مرتبة سابقة على الحكم بحيث يؤدي إلى الحكم في طوله،بمرتبة واحدة أو مرتبتين،كما في المقام،فلا حجية فيه و لا يجري.

فان قلت:ان هذا صحيح لو كان المدلول المطلوب نفس الحكم الشرعي فانه في طول الظهور،كوجوب السورة بعد الحمد مثلا.و لكن الحكم المطلوب هنا،هو حجية ظهور الكلام في الأخص و الأعم.أي في المرتبة السابقة على الحكم الشرعي الفرعي.

و بالأصل العملي ننقح موضوع الحجية.و هذا يكفي.

قلنا:مرادهم إثبات الوضع بالأصل،و في طول الوضع يثبت الظهور.و الوضع ليس حكما شرعيا،بل يبقى بين الأصل و الحكم الشرعي و هو الحجية،أمران طوليان هما الوضع و الظهور.لكي تأتي الحجية في طوله.

و على أية حال،فان أردنا بالأصل العملي إثبات الوضع لم يكن حجة لأنه ليس حكما شرعيا.و ان أردنا إثبات حجية الظهور،فانه من الأصل المثبت.و من هنا نكون متورطين في أحد اشكالين،و نضيف الى الثاني بانه مثبت حتى في إثبات الوضع،لأنه أيضا لازم عقلي.كما سيأتي.

ص: 260

إذن،فلا مجال للأصل العملي في هذا المورد على كل تقدير.

و لكن مع ذلك لا بد لنا ان نتابع صاحب الكفاية في أصوله اللفظية و العملية معا.

بعد التنزل عن هذه الاشكالات.فهنا ثلاث جهات من الكلام:

الأولى:في المسألة الأصولية من ناحية الاستدلال بالأصل اللفظي أو الأمارة النوعية على المطلوب.

الثانية:في المسألة الأصولية أيضا،من حيث الاستدلال بالأصل العملي و الاستصحاب،بعد التنزل عن عدم حجيته من هذه الجهة.

الثالثة:في المسألة الفقهية من حيث الاستدلال بالاستصحاب في موارد الشك في الانطباق على المتلبس و المنقضي.

و يلاحظ ان صاحب الكفاية قدم الأصل العملي على الأمارات.لكن الترتيب الذي ذكرناه هنا أولى.لأن الأمارة متقدمة رتبة على الأصل العملي،فكان يجب تقديم ذكرها عمليا.

الجهة الأولى:و ينبغي ان نتذكر هنا ما قلناه من انها،بصفتها أمارات،تشمل الأدلة المثبتة لإحدى الدعويين في المشتق.الا اننا هنا نتابع صاحب الكفاية،و يأتي الباقي في محله.

و الأصل الوحيد الذي ينطبق على ذلك في الكفاية،هو ترجيح الاشتراك المعنوي على الحقيقة و المجاز،إذا دار الأمر بينهما.

و الصغرى محرزة بمقدار ما،و هو اننا إذا قبلنا بالوضع للأعم كان من قبيل المشترك المعنوي بين المتلبس و المنقضي.يكون كل منهما حصة من الموضوع له.في حين لو قلنا بالوضع لخصوص المتلبس يكون من باب الحقيقة و المجاز.إذ يكون الاستعمال في المتلبس حقيقيا،و في المنقضي مجازيا.فإذا تمت الكبرى،ثبت الوضع للأعم.

و قد استشكل الشيخ الآخوند على الكبرى باشكالين لأنها أيضا منحلة إلى كبرى و صغرى:اما الصغرى فإحراز الغلبة في المقام.و اما الكبرى فكون الغلبة حجة.

و قد منع(قدس سره)كلتا المقدمتين،و لم يبين بيانا تفصيليا فيها.لأنه يكفي

ص: 261

الشك في كل منهما و لا يحتاج إلى إحراز العدم.فانها إنما تكون حجة بعد إحراز صحتها،فعدم الإحراز كاف في البطلان.و خاصة بعد الشك في الصغرى.

و قد اتضح بذلك:انها لو تمت لكانت أمارة عقلائية على صحة الوضع للأعم.الا انها غير تامة لوجوه:

الأول:المناقشة في الكبرى بما قاله الشيخ الآخوند من انه ليس كل غلبة مرجحة.

بل خصوص ما أوجب الاطمئنان،حيث تكون الغلبة بنسبة 90% مثلا.فيكون الطرف الآخر ملحقا بالشاذ النادر.و عندئذ يلحق الفرد المشكوك بالحصة الغالبة.و اما ما لا ينتج الاطمئنان فلا.أي لا ينتج إلحاق الفرد المشكوك،بأي من الطرفين.

الثاني:المناقشة في الصغرى القائلة:ان استعمال المنقضي اكثر من المتلبس.

و يكفينا الشك في ذلك،كما قال الشيخ الآخوند.

فان الغلبة في سائر الموارد قد تتوفر صغرويا بعد التسليم بها كبرويا.الا انها هنا غير متوفرة،لأن الاستعمال الأغلب في خصوص المتلبس و ليس في المنقضي.و لعل هذا هو مراد الشيخ الآخوند من منع الغلبة صغرويا.فإذا كانت الغلبة بالعكس،اعني للمتلبس كان دليلا على الوضع له دون الأعم،بعد التسليم بالكبرى.

الثالث:ان الغلبة لا يراد بها كثرة الاستعمال المنتجة للوضع التعيني بنفسها.بل يراد بها كثرة و زيادة الاشتراك المعنوي على الحقيقة و المجاز.و هذه الكثرة مطعونة صغرويا في كل الموارد فضلا عن المشتق.فان المهم عقلائيا هو التفاهم.و هو محصل بنقل المعاني إلى الذهن،سواء كان باستعمال حقيقي أو مجازي.و لعل المجازات في اللغة أوفر مما تصورها المستشكل.

الرابع:ان هذه الكثرة لو سلمت كبرى و صغرى لا تبرهن على الوضع في مورد الشك.و إنما لعلها ثابتة في طول ثبوت الوضع.و اما بدونه فلا.فان المجتمع ليس مخيرا في استعمال اللفظ بنحو الاشتراك المعنوي أو الحقيقة و المجاز.لأن المسألة تبتني على سبب ثابت في المرتبة السابقة،و هو الوضع.فإذا ساعد الوضع على أي منهما،فهو

ص: 262

المتعين.و اما مجرد كثرة الاستعمال للمشتق في الحصتين(المتلبس و المنقضي)لا يعين انه حقيقة في المنقضي أو في كلتا الحصتين.ما لم يكن في الارتكاز ذلك.لأنه منشأ القصد.و لم يثبت تحققه.

نعم،ان ثبت فيه التبادر و نحوه،فهو،و الا فكثرة الاستعمال و الحاجة إليه،لا يعين الوضع لإمكان المجازية.

الخامس:ان دوران الأمر بين الحقيقة و المجاز،و بين معاني المشترك،إنما يتصور في الفرد الواحد.كما في المقام فان استعمالات المشتق بصفته لفظا افراديا،هو اما حقيقة أو مجاز.يعني،ما هو مستعمل في المتلبس أو في المنقضي،فاستعماله في المنقضي لا يعين الاشتراك المعنوي،بل يبقى مرددا بين الحقيقة و المجاز.

فلا تنطبق عليه قاعدة ترجيح الاشتراك المعنوي،فان محلها هو الاستعمال في الحصتين معا،و يكون الشك في غالبية ذلك،و لكنه نادر أكيدا.اما الاستعمال الافرادي، فهو لا يعين شيئا.

الجهة الثانية:في الأصل العملي الجاري في المسالة الأصولية،أي في موضوع المشتق.

و في الحقيقة هو يجري في قصد الواضع عند الوضع.و قد ذكر الشيخ الآخوند، أصلا واحدا هو أصالة عدم ملاحظة الخصوصية،يعني خصوص المتلبس عند وضع المشتق.فيثبت انه قد وضعه للأعم من المتلبس و المنقضي.باعتبار دوران الأمر بين الأمرين،فإذا انتفى الخاص ثبت العام.

فيراد من الأصل إذن،الاستصحاب،اعني استصحاب العدم الأزلي المحمولي، اما استصحاب العدم المنقضي،فلا يجري،لعدم وجود حالة سابقة على حالة الوضع الذي يفترض الشك فيه.

و تقرب الاستفادة،من هذا الأصل بشكلين:

الشكل الأول:ان نتصور ان النسبة بين المتلبس و الأعم،هي نسبة المطلق

ص: 263

و المقيد،كما هو المفروض و المشهور.فمع انتفاء القيد بالأصل يثبت الإطلاق.

لأن الواضع اما ان يلاحظ المطلق بصفته مطلقا،و ذلك:إذا لم يقيد بالتلبس،أو يلاحظ خصوص الحصة المتلبسة.فالأعم ملحوظ اما بنفسه أو مع الحصة الأخرى،فهو ملحوظ يقينا،فنجري الأصل لنفي الحصة أي الخصوصية.فيثبت الأعم لأنه يقيني القصد.

الشكل الثاني:ان نقول:ان الواضع قصد أحد الأمرين اما المتلبس أو الأعم منه و من المنقضي.فيجري الأصل لنفي الوضع للمتلبس أو لنفي سبب الوضع للمتلبس الذي هو قصد الخصوصية و القيد.فينتفي أحد الطرفين.

و بضم المقدمة القائلة بانحصار الوضع لأحدهما،يتعين الوضع للآخر.

و الشيخ الآخوند(قدس سره)،ناقش الأمر في حدود عرض المسألة على الشكل الأول،كما هو المشهور،فناقش بوجهين:

الوجه الأول:ان استصحاب عدم الخصوصية،يعارض بأصالة عدم ملاحظة العموم.لأن كلا منهما أمر حادث يكون الأصل عدمه.فيتعارضان و يتساقطان.فتنتفي حجية الأصل المطلوب هنا،و هو أصالة عدم ملاحظة الخصوصية.

الوجه الثاني:انه لا دليل على حجية هذا الأصل في تعيين الموضوع له.و لم يبين الآخوند الوجه في ذلك.فلعل الأصل ساقط كبرويا.

و قد فسر في الشروح بعدة تفسيرات تأتي،و بأي منها أخذنا كفى.و يكفينا الآن مجرد الشك في حجية مثل هذا الأصل كبرويا.فان الشك في الحجية سبب للقطع بعدمها.

أو من جهة كونه أصلا مثبتا،حيث ان كل تقريباته مبنية على ذلك.فتكون جميعها ساقطة.فان إثبات الوضع أو قل قصد المطلق هو من اللازم العقلي لعدم قصد الخصوصية.

و اما ان نقول:ان الأصول إنما تكون حجة في الأحكام الشرعية،أو ما كان له اثر شرعي.و المطلوب هنا إثبات أمر عرفي لغوي،فلا يكون معتبرا.

فان قلت:فانه معتبر من هذه الجهة،لأنه يثبت الظهور الذي له اثر شرعي.قلنا:ان

ص: 264

هذا يكون اكثر إغراقا في اللازم العقلي،لأنه ستكون عدة رتب عقلية بين مجرى الأصل،و اثبات اللازم العقلي الذي هو الظهور.

و كل هذه الاشكالات صحيحة في أنفسها،لو لم يدقق الأمر اكثر من ذلك.و من هنا يحسن ان ننقل أجوبة أخرى على هذا الأصل.فقد أجاب السيد الأستاذ بعدة وجوه(1):

الوجه الأول:مكون من صغرى و كبرى.اما الكبرى فان أصالة عدم لحاظ الخصوصية تجري فيما إذا دار الأمر بين مفهومين أحدهما مقيد و الآخر مطلق.كالرقبة و الرقبة المؤمنة.فيجري استصحاب عدم لحاظ الخصوصية لإثبات نفي قيد الإيمان،بعد إحراز ملاحظة المطلق على كل حال.

و اما إذا كان المفهومان متباينين،و لكن أحدهما أوسع من الآخر.و مثل له:بأننا شككنا في ان الإنسان موضوع للحيوان الناطق،أو للشاعر.و كل شاعر حيوان ناطق.فلا تجري أصالة عدم لحاظ الخصوصية لإثبات الوضع للأول،لدوران الأمر بين مفهومين مشكوكين متباينين.

و اما صغرى،فلأن موردنا من القسم الثاني و هما المتباينان.فان المتلبس و الأعم ليس بينهما نسبة الأقل و الأكثر،فانهما ذاتان متباينتان في عالم المفهومية.و معه لا مجال لإجراء استصحاب عدم الخصوصية.

و جوابه انه لا يتم لا كبرى و لا صغرى:

اما الكبرى فلعدة وجوه:

الأول:ان أصالة عدم لحاظ الخصوصية لا يثبت الاستعمال في الأعم،الا باللازم العقلي.و لو سلمناه لكان إثباتا للحكم باللازم العقلي.و إنما العمل فقهيا على جريان البراءة عن القيد بعد الشك في أخذه.و هو أمر طولي بغض النظر عن الاستعمال.

الثاني:ان انتفاء القيد يستلزم انتفاء المقيد لعدم تعلق إرادة بعنوانه.فيحتاج إثبات1.

ص: 265


1- مباحث الدليل اللفظي:379/1.

العموم إلى دليل آخر،و هو مفقود على الفرض.هذا مع التنزل عن الوجه الأول و التسليم بقبول اللازم العقلي.

الثالث:ما أشار إليه من تباين مفهوم المطلق و مفهوم المقيد.و هذا عام في كل مطلق و مقيد إذا لو حظ كل منهما بحياله.فلا يكون نفي أحدهما مثبتا لوجود الآخر.

بيان ذلك:ان فهم نسبة العموم و الخصوص أو الإطلاق و التقييد،بين مفهومين، يكون على مرحلتين أو رتبتين:الثبوت و الإثبات.

اما في مرحلة الثبوت فالمفاهيم متباينة،لأن كل واحد منهما يلحظ بحياله و استقلاله،فالرقبة المؤمنة مباينة لمطلق الرقبة.فلا يكون معنى للتخصيص أو التقييد.

و إنما يحصل التقييد في مرحلة الإثبات.

و ليس حاصل مرحلة الإثبات:ان الدليل المقيد يقيد المطلق تقييدا ثبوتيا.بمعنى ان الجعل الأصلي هو المطلق ثم يقيد.و إنما يدل على ان المراد الجدي للمتكلم من المطلق من أول الأمر هو المقيد لا المطلق الذي فهمناه بدوا.و لو كان المقصود هو المطلق حقيقة،لما أمكن تقييده و لوقع التعارض بينهما.و كذلك العكس يعني لو كان المراد المقيد.

إذن،فنفي القيد بالدليل المعتبر،لا يثبت المطلق المباين له.الا إذا استطعنا بالدليل الثاني إثبات ان المقصود هو المطلق.و كيف يمكن ذلك بعد ان كان الظهور بالمقيد الذي نفيناه.

و ذلك:ان طرو التقييد أسهل عرفا من عكسه.إذ قد يقول المتكلم المطلق و يريد المقيد،بدون قرينة عليه،فيكون المقيد الخارجي دليلا عليه.و اما العكس فممتنع عرفا،بان يقول الفرد المقيد و يريد المطلق.بحيث يكون دليل نفي المقيد معينا للحصة المطلقة.

فان لم تتم الكبرى كانت الصغرى أولى بالفساد،لأنها من العكس.أي إثبات عدم التقييد لا إثبات وجوده الذي هو اسهل،كما قلنا.

لكن هذا الأمر كله في المفاهيم في ذاتها ثبوتا.و معه يتعذر كل تقييد.

و اما في عالم الإثبات و الفهم من الأدلة،بحيث يثبت من دليل المقيد عدم قصد

ص: 266

المطلق.فهذا ممكن كما قلنا.كما ان العكس ممكن و هو ان نفهم من القرينة المنفصلة عدم قصد المقيد بعد الشك في مدلول الكلام السابق.كما لو قام دليل على استحبابية قيد الإيمان في الرقبة.

إذن،فإذا مشينا على معنى الإطلاق و التقييد الاعتيادي أمكن ما نفاه(قدس سره)، و ان مشينا على كلامه تعذر التقييد طردا أو عكسا.

الوجه الثاني:مما ذكره السيد الأستاذ على استصحاب عدم لحاظ الخصوصية.

فيه مقدمة و نتيجة:

اما المقدمة،فأنه يقال:ان المباني في الإطلاق و التقييد ثلاثة:

الأول:ان التقابل بينهما من تقابل السلب و الإيجاب.و الإطلاق أمر عدمي هو مجرد عدم لحاظ التقييد،و هو المختار.

الثاني:ان تقابلهما تقابل التضاد،و كلاهما أمر وجودي.فيكون التقييد لحاظ القيد،و الإطلاق لحاظ عدمه.و هو ظاهر كلام المحقق الأستاذ.

الثالث:ان تقابلهما من تقابل العدم و الملكة.فالإطلاق هو عدم التقييد في الموضع القابل.و هو مختار المحقق النائيني.

و اما النتيجة:ان استصحاب عدم الخصوصية لإثبات الإطلاق إنما يكون له صورة على المبنى الأول من الثلاثة.فان الإطلاق يكون أمرا عدميا،و معه يثبت باستصحاب عدم الخصوصية.لأنه ليس الا عدم الخصوصية.

و اما بناءا على المبنى الثاني فكل من الإطلاق و التقييد مسبوق بالعدم،فيجري استصحاب عدم كل منهما،فيتعارضان و يتساقطان.و كل من هذين الاستصحابين لا يثبت موضوع الآخر الا بالملازمة العقلية،من باب ان نفي الضد إثبات لضده.

و كذلك على المبنى الثالث:فان الإطلاق يكون أمرا عدميا مطعّما بالملكة،و معه لا يمكن إثباته باستصحاب عدم لحاظ الخصوصية،لأنه لا يثبت العدم الخاص المطعم بالملكة، كما ان استصحاب عدم البصر لا يثبت العمى الا بالملازمة العقلية،و بناءا على الأصل المثبت.

ص: 267

و جوابه بوجوه:

أولا:ان لهذه المسالك الثلاثة في الإطلاق و التقييد،قدرا جامعا في معنى الإطلاق و هو عدم التقييد.و هذا معنى واضح المناقشة و البطلان.و إنما الإطلاق هو انتشار الحكم على سائر الأفراد.بمعنى ان يكون مطلق السراح من هذه الجهة،و يكون عدم لحاظ الخصوصية مقدمة له،لأنه يثبت انتفاء القيد.و مع عدمه يكون الموضوع مشمولا لحكم المطلق.فشمول الحكم هو الإطلاق.

فان قلت:ان هذا مخالف لضرورة الفقه و الأصول،حيث تسمى مقدمات الحكمة، بمقدمات الإطلاق.و إنما تثبت هذه المقدمات عدم التقييد.فهذا إذن،هو معنى الإطلاق.

قلنا:نعم،هي مقدمات الإطلاق،الا ان الذي يثبت بها مباشرة أو قل:بالدلالة المطابقية،ليس هو الإطلاق بل نفي القيد فقط.و في طوله يثبت الإطلاق.فهي من قبيل التعليل برفع المانع،لا بوجود المقتضي.فعدم التقييد يكون جزء العلة للإطلاق،و يكون بالطبع متقدما عليه رتبة.

نعم،لو تنزلنا عن ذلك،و لا حظنا موضوع الإطلاق،لزمنا القول الثالث.لأن الثاني باطل لكفاية عدم لحاظ القيد لا لحاظ عدمه.و لا ان مقدمات الحكمة تثبت لحاظ العدم.

و القول الأول منفي بالثالث،لأن من الأكيد ان جملة من الكلمات و الموارد لا معنى للإطلاق فيها حتى في اللغة فضلا عن الشرع،كما في الإنشاء.إذن،فاشتراط المحل القابل ضروري.

نعم،لو قلنا:ان الإطلاق يثبت في كل موارد ثبوت مقدمات الحكمة،لكان وجها،فيثبت المبنى الأول.الا اننا ننقل الكلام إلى هذه المقدمات،فانها لا مورد لها الا في المورد القابل للإطلاق.

و بتعبير آخر:ان بين الإطلاق و مقدمات الحكمة نسبة التلازم بالتساوي،فيثبتان معا،و ينتفيان معا.ففي المورد الذي لا يصدق فيه الإطلاق لا تثبت فيه المقدمات و العكس أيضا صحيح.

ص: 268

ثانيا:اننا عرفنا الآن من السيد الأستاذ انه لا يرى ورود الإشكال بناءا على المبنى الأول الذي هو مختاره.إذن،فعلى مختاره لا يكون هذا الإشكال واردا،و إنما على مبنى القوم.الا انه لا أحد منهم قد تبنى جريان الاستصحاب في عدم الخصوصية جزما، لكي ينقض عليه بمبانيه.و إنما يعرض كأطروحة.

ثالثا:ان هذا الاستصحاب غير جار حتى بناءا على نسبة التناقض التي قال بها.

حتى لو قلنا بعدم اشتراط ترتب الحكم الشرعي عليه،أو قلنا:ان الوضع حكم شرعي.

و ذلك:لكونه من الأصل المثبت حتى في هذه المرحلة.لأن عدم التقييد،يعني عدم قيد التلبس،و ان ثبت بالاستصحاب.الا انه لا يثبت الوضع للأعم الا بناءا على الملازمة العقلية.و الملازمة و ان كانت صحيحة الا انها عقلية و ليست عرفية.إذ لو كانت عرفية لامكن ان تكون بمنزلة القرينة على لحاظ الأعم،فيثبت الوضع له.

الا انها ملازمة عقلية،و هي وحدها غير كافية للقرينية،و لا لجريان الاستصحاب.

و هذا معنى ما قلناه من ان الإطلاق ليس هو مجرد عدم القيد،بل شمول الحكم الآخر، و هو الوضع هنا.

رابعا:انه(قدس سره)أشكل:بأنه على مبنى كون النسبة هي العدم و الملكة،لا يجري هذا الاستصحاب لأنه لا يثبت به كون المحل قابلا.

و كلامه صحيح،فيما لو أريد إثبات قبول المحل بنفس الاستصحاب.كما ان استصحاب عدم البصر لا يثبت العمى.لكننا يمكن ان نفترض قبول المحل في المرتبة السابقة على جريان الاستصحاب.فيقال في المثال:ان استصحاب عدم البصر للإنسان يثبت العمى.فيؤخذ الإنسان و هو المحل القابل مفروضا.

و بتعبير آخر:اننا نثبت به عدم القيد لا عدم القيد في المورد القابل.بل تكون قابلية المورد مسلمة سلفا.فلا يكون مثبتا من هذه الناحية.

الوجه الثالث:في الإشكال للسيد الأستاذ على أصالة عدم لحاظ الخصوصية:

ان إثبات الإطلاق في عالم ذهن الواضع ليس موضوعا لحكم شرعي.و إنما هو

ص: 269

سبب لتكون ظهور للمشتق بالأعم.و الظهور موضوع للحكم الشرعي بالحجية.إذن،فلا يمكن إثبات الحكم الشرعي الا بتوسط لازم عقلي.

أقول:و قد سبق ذلك بعدة تقريبات.الا ان قوله:ان عدم لحاظ الأخص سبب للحاظ الأعم أو الظهور فيه،خطأ.لأنه جزء العلة و الجزء الآخر الانحصار،أي من قبيل إثبات أحد الضدين من نفي الضد الآخر.و لو لاه لما ثبت لحاظ الأعم،و لا يتعين، و الانحصار لازم عقلي.

يعني:ان عدم لحاظ التلبس لا يلازم لحاظ الأعم أو الظهورية،الذي هو موضوع للوضع،فضلا عما زاد عليه من الحكم الشرعي.

على انه يمكن ان يقال فيه:انه مجرد تكرار لإشكال الشيخ الآخوند(قدس سره).

الوجه الرابع:الذي يمكن إيراده على اصل الاستدلال بأصالة عدم لحاظ الخصوصية حين الوضع:

ان هذا العدم إنما يتصور لو كان الواضع واحدا بشريا.لكن مشهور الأصوليين و إجماع المتأخرين على نفي هذا الاحتمال في الواضع.و يقولون:ان الواضع اما هو المجتمع بأجياله المتعاقبة على نحو الوضع التعيني أو هو اللّه سبحانه على نحو الوضع التعييني.فكيف غفلوا عن هذا الكلام في المقام.

فان كان الواضع هو المجتمع-كما هو الأعم الأغلب-فاللحاظ غير موجود إطلاقا،لا للأعم و لا للأخص.و هذا هو فرقه عن التعييني.فليس له عندئذ حالة سابقة، بل الوضع وضع تلقائي شارك فيه مجموع أفراد المجتمع بأجياله المتعاقبة،إلى ان اصبح الاستعمال حقيقيا.

و إذا لا حظنا،كما هو الصحيح و قد اخترناه في باب الوضع:ان الواضع هو اللّه سبحانه،فنفي الحالة السابقة أوضح،لأنها ممنوعة في حقه تعالى.لأن الحوادث لا تدخل عليه،و ليس له حالة سابقة.فما هو ثابت له،فهو ثابت له منذ الأزل،و ما ليس ثابت له،يستحيل ثبوته له مجددا،فلا يمكن استصحاب عدم لحاظ الخصوصية.

ص: 270

الوجه الخامس:اننا لو تنزلنا عن الوجه السابق،و قلنا ان الواضع بشري،فان الاستصحاب اعتيادي و ليس أزليا،بالتقريب الذي قلناه و هو استصحاب حال الواضع ممّا قبل الوضع إلى حين الوضع،بعدم لحاظ الخصوصية.

الا اننا يمكن ان نحوله إلى استصحاب أزلي،و ذلك بان نقول:بان المستصحب ليس هو حال الواضع في ذاته،و إنما حاله حال الوضع:إذ لا دخل لذاته في الواضع، و إنما الملحوظ لحاظه بصفته واضعا.أي بلحاظ عملية الوضع،و هي اللحظة التي ربطت بين اللفظ و المعنى.

فهل توجد في الواضع حال سابقة بهذه الصفة؟كلا.إذ من المعلوم ان حاله في عملية الوضع من أول الأمر لا نعلم انه لا حظ فيها الأعم أم لا حظ فيها المتلبس.من قبيل المرأة التي لا نعلم من حين ولادتها انها قرشية أم لا.فليس له حالة سابقة الا بالعدم الأزلي.

و ذلك:بان يقال في المقام:انه قبل وجود عملية الوضع لم يكن لحاظ الخصوصية موجودا فالآن كما كان.

و هذا استصحاب مثبت،لأنه لا يثبت انه لا حظ الأعم الا بالملازمة.مضافا إلى النقاش في جريان استصحاب العدم الأزلي نفسه.بل عرفنا كونه مثبتا لازم حتى لو كان استصحابا اعتياديا.

الجهة الثالثة:في جريان الأصل في المسألة الفقهية.

و قد تعرض إلى ذلك سيدنا الأستاذ(1) ،دون غيره،في حدود المصادر التي أراجعها.و هو التفصيل بين الأصل الموضوعي و الحكمي.

و تصوير الأصل الموضوعي هو استصحاب عنوان العالم بعد ان سبق ثبوته له في حال التلبس.و ذلك:ان نقول:ان هذا الرجل كان عالما في يوم السبت و انقضى عنه1.

ص: 271


1- مباحث الدليل اللفظي:379/1.

المبدأ.فهل بقي صدق العالم عليه مستمرا أم لا.فنستصحب الصدق إلى يوم الأحد.

و تصوير الأصل الحكمي ان يقال:ان هذا الرجل كان في حال تلبسه محكوما بوجوب الإكرام.فالآن حينما انقضى عنه المبدأ هل يبقى وجوب الإكرام عليه أم يرتفع،فنستصحب وجوب إكرامه.و يكون الشك في تحقق الموضوع من قبيل الجهة التعليلية لاستمرار الحكم.

اما الأصل الجاري في الموضوع،فقد ناقشه السيد الأستاذ ببيان:انه في المقام أمور ثلاثة:

الأول:مقطوع الارتفاع و هو فعلية التلبس بالمبدأ.فلا يمكن استصحابه.

الثاني:مقطوع البقاء و الاستمرار،و هو الجامع بين المتلبس و المنقضي،و هذا له حصتان حصة كانت موجودة في صورة التلبس،و قد ارتفعت يقينا،و حصة المنقضي و هي موجودة يقينا،فلا معنى للاستصحاب فيها.

اما كون الجامع موجودا أم لا،فقد قال:انه هو كونه ممن(علم)يعني يتضمن معنى الفعل الماضي،كما سبق.و قلنا عنه انه لا جامع بين الشيء و نقيضه.و لكن هنا نسلم بالأمر جدلا.

الثالث:مشكوك البقاء و الارتفاع،و هو مدلول كلمة عالم،فانه على الأول مقطوع الارتفاع،و على الثاني مقطوع البقاء.أقول:يكون هذا الأمر بمنزلة الجهة التعليلية للشك.

ثم قال:ان استصحاب مدلول اللفظ غير صحيح،لأن مدلول اللفظ بهذا العنوان،أي بالحمل الأولى،ليس موضوعا لحكم شرعي.فان الحكم غير متوقف على عنوان مدلول اللفظ بل على واقع مدلوله،و ما هو مدلوله بالحمل الشايع،يعني المتلبس أو الأعم.

فان الأحكام الشرعية مرتبطة بملاكاتها و موضوعاتها الواقعية.لا بمداليل الألفاظ.

نعم دلالة اللفظ تكون طريقا إلى الموضوع لا ان لها دخلا فيه.

أقول:و النقص الأساسي في هذا الكلام:انه لم يذكر شيئا عما إذا قلنا ان مورد الاستصحاب هو مدلول اللفظ بالحمل الشايع.و مراده:ان هذا المدلول لا يخلو اما هو

ص: 272

المتلبس أو الجامع.و المتلبس مقطوع الارتفاع،و الجامع مقطوع البقاء.فلا يجري الاستصحاب على كلا التقديرين.

الا اننا يمكن ان ندافع عن جريان الاستصحاب،و ذلك بان نضيف وجوها أخرى محتملة إلى ذلك:و ذلك:بان نتصور حاله في طول هذا التردد،كالتردد بين البقة و الفيل.

الذي هو من استصحاب الكلي.فنستصحب كلي الحيوان،مع ان كلا الجزئين غير قابل للاستصحاب لأن الموجود اما الفرد القصير و هو يقيني الارتفاع أو الطويل و هو يقيني البقاء و في المقام يكون التردد بين خصوص المتلبس و الأعم فانه اما الأول و هو مقطوع الارتفاع أو الثاني فمقطوع البقاء فهنا يمكن ان نستصحب المعنى الثبوتي للفظ.

الا ان هذا-على تقدير جريان استصحاب الكلي-لا يتم لأمرين:

الأمر الأول:انه قياس مع الفارق.ففي المثال يكون للكلي وجود واقعي يمكن ان يستصحب.اما في مورد كلامنا فليس كليا بل هو جزئي مردد في واقعه بين مقطوع البقاء و مقطوع الارتفاع،و هذا الجزئي لا واقعية له الا بواقعية أحد هذين الأمرين الذي لا يجري فيهما الاستصحاب.

الأمر الثاني:انه مبني على حجية الأصل المثبت.لأن ثبوت الحكم فرع الظهور، و الاستصحاب لا ينقح الظهور،الا بالملازمة العقلية.لا اقل من رتبة واحدة.

الا ان هذا الوجه غير تام،لأن موضوع الحكم ثبوتي لا إثباتي ظهوري.الا بمقدار التعرف عليه.فيكون جريان الاستصحاب ممكنا مع التنزل عن الأمر الأول.

و يمكن ان ندافع ضد كونه مثبتا:بان الموضوع ينقح هنا بضم الوجدان إلى الأصل.فان الموضوع هو كونه عالما و هو وجداني.و الصفة المشكوكة هي فعلية التلبس و هي مشكوكة فتدفع بالأصل.

الا انه لا يتم بكلتا فقرتيه:

أولا:انه ليس بعالم وجدانا،و كونه عالما أول الكلام.

ثانيا:ان هذا الأصل غير ذلك،لأن الشك هنا هو في اخذ فعلية المتلبس بعنوانها

ص: 273

في الدليل.فيستحب عدمها.في حين ان المراد استصحاب صدق المشتق بعد الانقضاء.

و هو مما يحصل في طول إحراز الموضوع.و هذا الإحراز غير متحقق.

و هناك تقريب آخر للاستصحاب:بان يقال:اننا نستصحب عنوانا ساذجا عرفيا، و هو ان هذا المشتق كان يصدق على زيد عند التلبس،فهل يرتفع بعد الانقضاء أم لا.

فهو كما كان بالاستصحاب.

الا ان هذا وحده لا يتم لوضوح عدم الشك في استمراره لأنه مقطوع الارتفاع بعنوان كونه متلبسا.و إنما يجب النظر إلى ذات المتلبس.بان يقال:ان ذات زيد كان يطلق عليها المتلبس(العالم)و الآن يصدق استصحابا.

الا ان هذا في نفسه غير صحيح أولا:لأن موضوع الدليل ليس هو ذات زيد بل عنوان العالم،و هو متضمن لفعلية التلبس.فإذا زال كان العنوان المستصحب منتفيا.

ثانيا:ان الذات بما هي ذات،بغض النظر عن الاتصاف مما لا يصدق عليها المشتق عندئذ.فان كان هناك استصحاب فإنما هو يثبت عدم صدق المشتق.عكس ما هو مطلوب الاعمي.

ثالثا:ان الجامع بين المتلبس و المنقضي-لو تم-فهو مقطوع الاستمرار ضمن الحصة المتحققة في الانقضاء.فيتعذر الاستصحاب.

رابعا:ان المنقضي عنه المبدأ هو مقطوع الاستمرار.على انه ليس له حالة سابقة حال الانقضاء:لأنه من أول الانقضاء يشك في صدق المشتق.فان كان هناك استصحاب فهو العدم الأزلي للصدق،فيثبت خلاف المطلوب.فتأمل.

و هناك تقريب آخر للاستصحاب الموضوعي يتحصل من بعض كلمات المحاضرات(1) ،و ان ذكره في الأصل الحكمي-.و حاصله:

جريان الأصل في بقاء الموضوع بوصف موضوعه بعد الشك في ارتفاعه،1.

ص: 274


1- 258/1.

و اليقين بحدوثه.بان يقال مثلا:ان زيدا كان بحال التلبس موضوعا لوجوب الإكرام، فنستصحب موضوعيته للحكم بعد زوال التلبس.

و أجاب(قدس سره)عنه:بأنه عبارة أخرى عن جريان الأصل في بقاء الحكم نفسه، لأنه بدون الحكم لا يكون موضوعا للحكم.فيكون الحكم هو المستصحب حقيقة.قال:

و قد عرفنا عدم جريانه.فيكون استصحاب الموضوع الراجع إليه باطلا أيضا.

الا انه بهذا المقدار لا يمكن ان نأخذ المسألة ساذجة،لوضوح الفرق بين الحكم و الموضوع.و نحن نعلم بالتغاير بين الموضوع و الحكم،إثباتا و ثبوتا.فالحكم جعل و الموضوع تكوين.مضافا إلى الاختلاف الثبوتي،و هو كون الموضوع متقدما رتبة على الحكم،و لا يرجع المتقدم إلى المتأخر.فاستصحاب الموضوع ممكن من هذه الناحية.

الا انه يرد عليه:انه ماذا يريد باستصحاب موضوع الحكم.هل بصفته موضوعا بالحمل الأولي أو بصفته كذلك بالحمل الشايع.

فان أراد الأول،فهو غير وارد في الكتاب و السنة.لأنه لم يرد فيهما بعنوان كونه موضوعا.و ان قصد الثاني بمعنى ان الموضوع هو المصداق الخارجي،فيكون أمره دائرا بين مقطوع البقاء و مقطوع الارتفاع،فلا يجري الاستصحاب،كما تقدم تقريبه.

و اما الكلام في الأصل الحكمي:فاحسن من عرضه هو سيّدنا الأستاذ حيث قال(1):

اننا تارة نفترض ان التكليف قد تعلق بصرف الوجود للمشتق،كما إذا قال:اكرم عالما.

و أخرى نفترض كونه متعلقا بمطلق الوجود،يعني كونه منبسطا على الأفراد،نحو:اكرم كل عالم.و جعل تفريع صاحب الكفاية الآتي ذكره(و هو ان التكليف تارة يتعلق قبل زوال التلبس و أخرى بعد زواله)من أقسام الثاني.اما في المحاضرات(2) ،فقد عنون تفصيل صاحب الكفاية بدون زيادة.1.

ص: 275


1- مباحث الدليل اللفظي:379/1.
2- 255/1.

قال:اما إذا كان التكليف قد تعلق بصرف الوجود،فيشك في مقام الامتثال في إكرام المنقضي عنه المبدأ.إذ لعله لا بد من إكرام شخص متلبس بالفعل.

فهذا الشك يكون من قبيل دوران الأمر بين التعيين و التخيير في الشبهة الحكمية.

لأن هذا الوجوب مردد بين ان يكون وجوبا تخييريا بين المتلبس و المنقضي،أو تعيينيا للمتلبس خاصة.قال:و في مثله تجري البراءة عن التعيين كما بيّنّا في مباحث البراءة و الاشتغال.فتكون النتيجة هي إجزاء الفرد الأعم.

و قال في توضيحه:اننا اما ان نفترض ان نسبة المتلبس مع الجامع الاعمي،كنسبة الأقل و الأكثر،يعني ان هذا الجامع محفوظ في المتلبس و إنما يزيد عليه المتلبس بزيادة هي فعلية التلبس،كالرقبة مع الرقبة المؤمنة.و أخرى نفرض ان نسبتهما هي التباين في عالم المفهومية و ان كانت هي العموم المطلق في مقام الصدق.

اما بناءا على الأول فتجري البراءة-ان قلنا بها هناك-لأن وجوب إكرام الجامع معلوم و تقييده بالخصوصية و هي التلبس مشكوك فندفعه بالبراءة.

و ان فرضنا النحو الثاني،فهنا لو لا حظنا عالم عروض الوجوب،فالدوران يكون بين المتباينين،لأن أحد المفهومين يباين الآخر.و كل منهما طارد للآخر،و غير محفوظ فيه.

و لكن بحسب عالم الكلفة-بالطاعة و التنفيذ،التي هي نتيجة الوجوب-يكون الأمر دائرا بين الأقل و الأكثر،لأن كلفة الجامع الاعمي،اقل من كلفة خصوص المتلبس،لأن دائرة صدق الجامع الاعمي،أوسع من دائرة صدق المتلبس.

قال:و قد بيّنّا في محله:انه مع دوران الأمر بين الأقل و الأكثر،تجري البراءة.سواء كان الدوران في عالم عروض الوجوب أو في عالم الكلفة.فتجري البراءة عن الكلفة الزائدة،يعني وجوب إكرام خصوص المتلبس.فيجوز الاجتزاء بإكرام المنقضي عنه المبدأ.

أقول:يمكن ان يندفع ذلك بأكثر من سبيل:

منها:القول بالاحتياط أو أصالة الاشتغال لدى دوران الأمر بين الأقل و الأكثر، لكننا هنا ينبغي ان نسلم بذلك،باعتباره نتيجة لمسألة أخرى.

ص: 276

الا ان المورد ليس صغرى له،لأنه سبق ان قال:ان نسبة المتلبس إلى الأعم ليس هو نسبة العموم المطلق بل نسبة التباين و سلم على هذا التقرير بعدم جريان البراءة في عالم عروض الواجب.

هذا مضافا إلى إنكارنا للجامع الاعمي بكل صورة،و الذهاب إلى استحالة تصوره،لأنه من قبيل الجامع بين النقيضين.إذن،فليس هناك شيء اعم مفهوما،لكي تكون النسبة بينه و بين المتلبس هو العموم المطلق.

هذا مضافا إلى إنكار الصدق على الأعم،و اعتبار المنقضي ممن لا يصدق عليه المشتق حقيقة.إذن،فهو ليس فردا لإكرام العالم ابتداءا،لا مفهوما و لا تطبيقا،لأنه ليس بعالم بل جاهل.

و لكن لو تنزلنا عن كل ذلك و أخذنا بوجود الجامع الاعمي و بالوضع له،أيضا، فاننا نناقش في الفرض الثاني الذي ذكره،لأننا ان قبلنا كبرى البراءة في الفرض الأول، فاننا لا نقبلها في الفرض الثاني.

و ملخص الوجه في ذلك:

أولا:ان عالم الكلفة متأخر رتبة و معلول لعالم.عروض الوجوب.فان الكلفة إنما تتعين بمقدار ما يتعين فيه الوجوب،و تدور معه إثباتا و نفيا.

فهنا اما ان نقول:انه مع عدم جريان البراءة في الوجوب لامكان تباين المفهومين و ثبوت وجوب الاحتياط في جانب العلة،فيكون المعلول معها و مثلها.و يجب الاحتياط فيها كالاحتياط في عالم الوجوب.و نتيجته:وجوب الاقتصار على خصوص المتلبس.

ثانيا:و اما ان نقول:ان قلة الكلفة اما ان نعتبرها ناشئة من سعة المفهوم،و اما ان نعتبرها من كثرة الأفراد خارجا.اما الأول فهو مفروض العدم لتباين المفهومين.و اما الثاني فهو لا يدخل تحت ضابط معين،بل هو موكول إلى الصدفة،فأي منهما كانت أفراده اكثر،جرت البراءة عن الآخر،و هو كما ترى.بل يمكن القول:ان أفراد المتلبس اكثر من المنقضي.

ص: 277

ان قلت:ليس الأمر كذلك،بل هما متساويان.إذ ان كل تلبس فيه انقضاء.فليس التلبس اكثر.

قلنا:بل أفراد التلبس اكثر،لأن عددا من الصور و الحصص،تندرج في جانب التلبس و لا تندرج في جانب المنقضي،كالذاتيات و الأوصاف الواجبة كالأسماء الحسنى،فانها سرمدية بسرمدية الذات.و منها الأوصاف الباقية ببقاء الذات و لو صدفة و هي كثيرة.

ان قلت:ان النسبة بين الجامع الاعمي و خصوص المتلبس،هي العموم المطلق، فيكون الأعم اكثر لا محالة،و ان قلّ.لدخول الأقل فيه.

قلنا:ان عليه اكثر من جواب:

1-اننا قد تنزلنا فيما سبق عن كون النسبة هي العموم المطلق،بل التباين،و الا لكانت النتائج غير هذه.فيمكن لأحدهما ان يكون اكثر من الآخر،كأي مفهومين متباينين.

2-ان الارتكاز لدى الأصوليين في المقام جار على التمثيل للأعم بالمنقضي.

فكان الارتكاز على ان الوضع دائر بين المتلبس و المنقضي لا الجامع.و بناءا على هذا يكون لنا الحق فيما قلناه.

ثالثا:و اما ان نقول:بان جريان البراءة عن الكلفة الزائدة،بدون ان تكون جارية عن التكليف الزائد كما هو المفروض،لا يثبت ان المأتي به مجزئ عن المأمور به الا بالأصل المثبت،و هو الملازمة.و أصالة البراءة أسوأ في هذا الجانب من الاستصحاب.

و مجرد انهم لم يذكروا البراءة عند الحديث عن عدم إثبات الأصل للوازمه.لا يعني انها مثبتة له،بل لا يحتمل فيها ذلك.

بل لا ملازمة بين الإتيان بالأعم و سقوط التكليف المعلول بالإجمال الا بناءا على كونه من مصاديقه،و المفروض الشك في ذلك.فيجري استصحاب اشتغال الذمة.

و بتعبير آخر:انه لا ملازمة بين جريان البراءة عن الكلفة الزائدة و سقوط ما في الذمة من التكليف الإجمالي.

ص: 278

هذا بناءا على تعلق التكليف بنحو صرف الوجود.

و اما بناءا على تعلق التكليف بمطلق الوجود،كما لو قال:اكرم كل عالم،و كان انحلاليا على كل أفراد العلماء،فيكون كل فرد موضوعا مستقلا للوجوب.فزيد المنقضي عنه المبدأ هل يجب إكرامه أم لا؟

هنا فصل صاحب الكفاية بين صورتين:

الأولى:ان يحدث الوجوب بعد انقضاء المبدأ عن العالم-مثلا-بان نسي علمه.

و يشك في حدوث الوجوب في حقه و عدمه.فيجري استصحاب عدم حدوث الوجوب له و أصالة البراءة عنه.

الثانية:ان يفرض ان وجوب إكرام العلماء كان فعليا،من حيث اتصاف الفرد بالمبدأ.ففي هذه الصورة كان الوجوب شاملا له قبل الانقضاء.و حين يرتفع عنه المبدأ، فيجري استصحاب بقاء الوجوب.

اما في الصورة الأولى،فينبغي التفصيل فيها بين حالتين:

الحالة الأولى:ان يكون اصل جعل الوجوب قد حدث بعد انقضاء المبدأ،و لم يكن متحققا حال وجوده.ففي مثله يكون الأمر كما ذكره صاحب الكفاية(قدس سره)،من جريان استصحاب عدمه أو البراءة.

الحالة الثانية:ان يفرض ان اصل الجعل كان موجودا و لكن المجعول لم يكن فعليا،لتوقفه على شرط معين،كما لو جعل المولى وجوب إكرام العلماء مقيدا بالزوال أو بدخول شهر رمضان.و كان زيد عالما لكنه زال علمه قبل شهر رمضان

فهنا قد يقال:بجريان الاستصحاب التعليقي لإثبات وجوب إكرامه،بناءا على ما سلكه صاحب الكفاية نفسه و وافقه عليه السيد الأستاذ في الجملة من جريان الاستصحاب التعليقي.

فيقال هنا:لو ان هذا الشخص قد دخل عليه شهر رمضان حال تلبسه لوجب إكرامه.فنستصحب هذه القضية المشروطة.فانها كانت ثابتة لزيد حال تلبسه،و بعد

ص: 279

الانقضاء نشك انها باقية على حالها أم لا.فنستصحب.و يثبت بذلك وجوب إكرامه إذا دخل شهر رمضان،يعني عند حصول شرط القضية الشرطية.

و لا تصل النوبة إلى أصالة البراءة عن الوجوب،لحكومة استصحاب الوجوب عليها.

أقول:و الكلام في ذلك مبنائي،و الصحيح عدم جريان الاستصحاب التعليقي مطلقا.

و اما في الصورة الثانية:فقد استشكل المحقق الأستاذ(1) فيها باشكالين:

الإشكال الأول:انه استصحاب للحكم في الشبهة الحكمية،لأن الشك في بقاء الوجوب من جهة إجمال المفهوم،و تردد الحكم بين ان يكون شاملا لحال الانقضاء أو مخصوص بحال التلبس.فالشبهة حكمية.و هو(قدس سره)،لا يرى جريان الاستصحاب فيها مطلقا.

و قد قال بهذه المناسبة في المحاضرات(2):لأن الاستصحاب فيها دائما معارض باستصحاب عدم سعة المجعول.و بالتعارض يتساقطان لا محالة،لأن استصحاب عدم سعة المجعول ينتج الاختصاص بالمتيقن،فلا يثبت كل من السعة و الضيق معا.

و المفروض اننا نريد باستصحاب الحكم إثبات نتيجة السعة.فاننا نشك ان المجعول أساسا في اصل الجعل هل هو الحكم على خصوص المتلبس أم الجامع و حيث اننا نشك في ذلك فنشك في سعة المجعول و نحن هنا في حصة الانقضاء فباستصحاب عدم سعة المجعول فيتعارضان فلا يثبت الوجوب و نجري أصالة البراءة.

و جواب ذلك:مبنائي ليس هنا محله.الا اننا نشير إليه إجمالا لإشارة المحقق الأستاذ إليه،فنقول:

انه يرد على هذا التعارض اشكالان:

الأول:ان هذين الاستصحابين ليسا في مرتبة واحدة،فلا يتعارضان،لأن استصحاب1.

ص: 280


1- محاضرات في أصول الفقه:270/1 بنقل مباحث الدليل اللفظي:380/1.
2- 256/1.

عدم سعة المجعول،سواء جرى في الموضوع أو المحمول،يعني عدم الجعل على الموضوع الواسع.إنما هو في رتبة متقدمة على استصحاب الحكم المجعول.لأن المستصحب هنا هو الحكم الجزئي الثابت في طول فعلية المجعول و الموضوع معا.

الا ان هذا الوجه ينتج جريان استصحاب عدم سعة المجعول،و عدم جريان استصحاب الحكم.الا ان المهم هنا هو نفي التعارض.

الثاني:ان استصحاب عدم سعة المجعول غير جار في نفسه لا محمولا و لا موضوعا.

اما محمولا فلأنه من استصحاب العدم الأزلي لأنه لا حالة سابقة له.لأن الجعل من أوله مشكوك السعة و الضيق.و نحن لا نقول بحجية استصحاب العدم الأزلي.و اما موضوعا فلأنه مثبت لأن استصحاب عدم السعة لا يثبت الضيق.

فان قلت:ان الاستصحاب الآخر،و هو استصحاب الحكم لا يثبت السعة.قلنا:

نعم،يعني انه لا يثبت سعة المجعول،بل استمرار الحكم فقط.يعني نتيجة السعة فقط.

و لذا قلنا انهما في رتبة واحدة.

فان قلت:اننا لسنا في حاجة في إثبات الأقل إلى الاستصحاب.لأنه هو القدر المتيقن،فيثبت باليقين.

قلنا:نعم،و لكن يراد نفي الزائد باستصحاب عدم المجعول للزائد.الا انه من الواضح تلازم مرحلة الجعل مع مرحلة المجعول،لأنهما بمنزلة العلة و المعلول.فما لم يجر الاستصحاب في مرحلة الجعل لأنه بسيط،(حيث انه يمثل إرادة المولى،و هي أمر بسيط)،كما هو المفروض،و لم يقل به المحقق الأستاذ.لا يمكن جريانه في مرحلة المجعول.بل يبقى احتمال سعة الجعل قائما بدون مؤمن.

و حينئذ لا بد من الاحتياط عقلا،لتنجز احتمال اشتغال الذمة دون اصل ناف.

و يمكن ان يقال هنا بجريان البراءة العقلية،لكنها مطعون فيها كبرى،إذ ان أصالة البراءة العقلية غير صحيحة.بل الصحيح هو الاحتياط العقلي،كما سيأتي الإشارة إليه و بنى عليه السيد الأستاذ.

ص: 281

و ملخص فكرته:ان احتمال التكليف منجز عقلا،يجب الاحتياط فيه،من حيث ان وجوب طاعة المولى عالية جدا حتى في التكاليف المحتملة.فلا مؤمن عقلي من هذه الناحية في طرف الجعل.فكيف يجري الأصل المؤمن في طرف المجعول،و هما متساويان وجودا و عدما.

الإشكال الثاني:للمحقق الأستاذ(1):انه حتى بناءا على المشهور من جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية،فان هذا الاستصحاب لا يجري لعدم إحراز بقاء الموضوع.لأنه يشترط في جريان الاستصحاب إحراز بقاء الموضوع و وحدة القضية المتيقنة موضوعا و محمولا.

لأن موضوع الحكم ان كان هو المتلبس بالفعل فهو مرتفع،و ان كان هو الجامع بين المتلبس و المنقضي،فهو باق.فموضوع القضية المتيقنة مردد بين المتلبس و الجامع الاعمي.فان كان هو خصوص المتلبس فهو مرتفع،و ان كان هو الجامع فهو محفوظ.

إذن فلم نحرز وحدة الموضوع،فلا يجري الاستصحاب.

و إنما يجري الاستصحاب فيما هو متعين مفهوما من حيث السعة و الضيق.و كان الشك متمحضا في سعة الحكم المجعول و ضيقه.كما لو شككنا في بقاء حرمة و طي الحائض بعد انتفاء أو بقاء نجاسة الماء المتغير بعد زوال التغير بنفسه،أو بقاء نجاسة الماء المتمم كرا،بناءا على نجاسة الماء القليل بالملاقاة.فالمرجع في جميع ذلك إلى استصحاب الحكم و به تثبت سعته.

الا ان هذه الأمثلة في نفسها قابلة للمناقشة،لإمكان تصور عدم التعين فيها من حيث السعة و الضيق.و مع ذلك اعترف المحقق الأستاذ بجريان الاستصحاب فيها.

ففي مورد الحائض يكون مفهوم الحائض مرددا بين الحائض التكويني و الحائض الحكمي.لأننا هنا لا نعلم ان موضوع الحكم هي حالة الدم أو حالة الحدث.1.

ص: 282


1- المحاضرات:256/1.

فان كانت حالة الدم فقد ارتفعت جزما و ان كانت حالة الحدث فهي باقية جزما.

و اما في مورد الماء المتغير،فهناك صيغتان:

الأولى:غير عرفية لكنها تعرض كأطروحة،و ذلك:بان يقال:ان التغير عرفا.و ان كان هو التغير الفعلي.الا اننا نحتمل ان الشارع ينزل الماء الذي زال تغيره بنفسه منزلة المتغير.فهو متغير شرعي.فيكون مرددا بين التغير الفعلي و التغير الشرعي.

الثانية:ان نقول:ان علة التغير محدثة و مبقية أو محدثة فقط.فعلى الأول لا بد من الحكم جزما بالطهارة و على الثاني لا بد من الحكم جزما بالنجاسة.

و نحوه يقال:في الماء القليل المتنجس،هل القلة علة محدثة فقط و الحيثية تعليلية يعني ما دام قليلا.إذن فهو مرتفع بعد الكرية.أو انها حيثية تقييدية،يعني علة محدثة و مبقية،إذن فهو نجس جزما.

فالمتردد بين الأقل و الأكثر موجود في كل الموارد بنحو آخر،و لأجله يجري الاستصحاب،لأن هذا التردد يكون بنحو الحيثية التعليلية،و سببا للشك الجاري في موضوع الاستصحاب،فلا ينافي جريانه.

ثم قال(1):اما في التردد بنحو الشبهة المفهومية،فلا يجري الاستصحاب لا حكما و لا موضوعا،اما عدم الجريان موضوعا،فباعتبار اشتراط وحدة القضية المتيقنة مع القضية المشكوكة،ليصدق نقض اليقين بالشك.

و في الشبهة المفهومية لم يحرز الاتحاد بين القضيتين.و مثل له بالتردد في الغروب،هل هو استتار القرص،أو ذهاب الحمرة.فعلى الأول يكون الموضوع و هو جزء النهار منتفيا،و على الثاني باقيا.و بما اننا لم نحرز الموضع لم نحرز الاتحاد بين القضيتين فلا يمكن جريان الاستصحاب.

و يمكن ان يورد عليه عدة اشكالات في اكثر من مستوى واحد.بعضها يرجع1.

ص: 283


1- المحاضرات:257/1.

إلى المثال،و بعضها يرجع إلى اصل المطلب الذي نتكلم عنه.

الأول:انه يمكن ان يقال:ان اتحاد القضية المتيقنة مع المشكوكة،و هي اما ان نعبر عنها بوقت الصوم و اما ان نعبر بالنهار،أو بأي تعبير آخر،هو موجود قبل سقوط القرص.فلو شككنا شكا عرفيا،أمكن ان نستصحبه موضوعا،فيثبت ان وقت الصوم لا زال مستمرا،فيلحقه حكمه،و هو وجوب الاستمرار بالصوم.

الثاني:ان بين المثال و بين المشتق عدة فروق:

1-ان الأقل آني في المثال و زماني في المشتق.

2-ان القدر المتيقن و الموافق للاحتياط في جانب المثال في الغروب هو الأوسع و تأجيل الإفطار إلى زوال الحمرة،في حين ان القدر المتيقن في جانب المشتق هو الدائرة الأصغر.لوضوح ان إكرام المتلبس،أحوط من إكرام المنقضي.

3-ان الأقل في المثال مسبوق بحالة سابقة ثالثة هي حال النهار.دون المشتق لأنه اما متلبس أو منقضي.

4-ان الأقل في المشتق هو موضوع الدليل،في حين ان المثال موضوعه شيء ثالث.الا ان يراد الحكم بجواز الإفطار فيستصحب عدمه-لا وجوب الاستمرار بالصوم -الا انه لا يثبت وجوب الصوم الا بالأصل المثبت لامكان الملازمة.و مجرد جواز الإفطار لا يكفي في جواز النية القطعية.

مضافا إلى انه ذكر مثالا يجري فيه استصحاب الحكم لا الموضوع،و هو مثال بقاء النهار.و العبارة مشوشة حول ذلك.

و النتيجة:ان النقاش في ذلك نقضا و حلا:

اما النقض:فلأن كل الأمثلة التي ذكرها لتعين الموضوع من حيث السعة و الضيق، ذكرنا انها مرددة كما سبق.و معه يصدق اننا لم نحرز بقاء الموضوع،و أوضح ذلك:اننا لم نحرز بقاء عنوان الحائض بعد النقاء،فلا يجري استصحاب الحرمة،و غيره كذلك.

و اما حلا:و ذلك بعد التنزل عما سبق و القول بتعدد القضية المتيقنة مع المشكوكة

ص: 284

و لكن مع ذلك يمكن إجراء الاستصحاب و القول بوحدة القضية بمعنى آخر و ذلك بأحد وجوه ثلاثة:

1-و محله في بحث الاستصحاب و حاصل فكرته الأساسية،ان القضية المتيقنة ليست هي الموضوع بل هي الحكم.فإذا علمنا بثبوت حكم و شككنا باستمراره، لاحتمال تغير موضوعه أمكن استصحابه.و هو ان نفهم لا تنقض اليقين بالحكم بالشك بالحكم.و يكون التردد في الموضوع من باب الحيثية التعليلية أو السبب للشك الذي هو موضوع الاستصحاب.

و بتعبير آخر:يكفي انحفاظ الموضوع عرفا في جريان الاستصحاب شرعا.و اما إذا تغير الموضوع عرفا،لم يمكن جريانه.و هذا ما هو المحفوظ في الجميع،في مثال الحائض و هو حرمة الوطئ و استتار القرص و هو حرمة الإفطار و المشتق و هو وجوب الإكرام.

2-انه يمكن ان يقال،بناءا على مذاق بعضهم ممن حضرت درسه،بعرض مني:

من ان الذات ليست هي الموضوع بتمامه،و هو الذات المتلبسة،بل هو زيد نفسه،الذي كان يجب إكرامه ذاتا.فالذات و هو زيد مستمر بعد انقضاء المبدأ.

3-ما سبق ان قلنا من إمكان استصحاب نحو من الكلي.يعني القضية العامة أو الإجمالية.لأننا لو لاحظنا الأفراد،لكان الفرد مرددا،بين متيقن البقاء و متيقن الارتفاع.و لكن نلاحظ الكلي على نحو مثال البقة و الفيل.في القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلي.

و هنا ليس هو الجامع،بل هو المعنى العام بين الحصة(المتلبس)و الجامع الاعمي.إذن،فيمكن جريان الاستصحاب الحكمي،لكن يقطعه العلم-كما يأتي- بارتفاع عنوان المشتق بعد الانقضاء.فيرتفع الموضوع و بارتفاعه يرتفع الحكم.

و أود هنا مناقشة الوجهين الثاني و الثالث.فما قاله بعضهم ليس بصحيح،لأن الموضوع هو ما اخذ بلسان الدليل موضوعا،و هو زيد المتلبس.لأنه قال:اكرم العالم.

و هو ليس زيد مطلقا،بل بصفته عالما.فهي حيثية تقييدية لا تعليلية.

إذن،فموضوع الحكم هو انضمام كلتا الصفتين:زيد و التلبس.و هو مقطوع

ص: 285

الارتفاع،فلا يكون مجرى للاستصحاب.بعد التنزل عن الاشكالات السابقة.

و اما الكلي الذي وصفناه بالذات الإجمالية أو المبهمة،فهو و ان كان له نحو من الثبوت نفسيا و عقليا،الا انه أمر دقي و ليس عرفيا.إذن،يعود الإشكال جذعا،و هو ان الأمر يكون مرددا بين ما هو مرتفع يقينا،و هو المتلبس و ما هو باق يقينا،و هو المنقضي.

ثم ذكر(قدس سره)عدم جريان الاستصحاب في الشك في الموضوع بنفس التقريب و هو التردد في المفهوم بين ما هو متيقن الارتفاع و متيقن البقاء.كل ما في الأمر انه في جانب الحكم قال بعدم الجريان،للتردد في موضوعه،فكيف في جانب الموضوع نفسه.و عبارته مشوشة،و قد سبق ما يكفي للجواب عليه.

الا اننا يمكن ان نناقش ما قلناه أخيرا،لأن التقريب الأول للاستصحاب،و هو كون الموضوع ذات الإنسان،لا بصفته عالما،ليس بصحيح،لأنه خلاف موضوعية الموضوع.

و التقريب الثاني باطل لأن هذه الفكرة العامة غير عرفية،فلا تكون صغرى للاستصحاب.

لكننا يكفينا في النتيجة اننا لو تنزلنا عن الاشكالات كلها،و قلنا بالاستصحاب.

فإنما هو في طول الشك و الشك في طول احتمال وضع المشتق للمتلبس أو المنقضي، فإذا شككنا أمكن جريان الاستصحاب.و لكننا نحرز ان المشتق لا ينطبق الا على خصوص المتلبس و عندنا اطمئنان عرفي و عقلائي على صدقه،فلا يجري الاستصحاب لأنه يكون من نقض اليقين باليقين.

ص: 286

المشتق عند الأصوليين

القسم الثاني

اشارة

تقرير بحث سماحة آية الله العظمى الشهيد السيد محمد الصدر(قدس سره) بقلم الشيخ محمد اليعقوبي

ص: 287

ص: 288

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

مقدمة القسم الثاني

سنتان قضيتهما في رحاب تقريرات بحث المشتق-بقسميها الأول و الثاني-فهما و تنقيحا و تدوينا،كانت سعيدة بقدر ما هي جهيدة و ممتعة بمقدار ما هي نافعة،تجوّلت خلالها بين أفكار الأعاظم من محققينا الأصوليين أخذا وردا،فكم كانت نعمة اللّه عليّ عظيمة و آنّى لي شكرها و شكري اياها نعمة جديدة تستوجب الشكر عليها.

و قد وفر لي هذه الفرصة سيدنا الأستاذ سماحة آية اللّه السيد محمد الصدر(دام ظله الشريف)فقد كان بحثه منصبا بشكل رئيسي على عرض أفكار أستاذيه الكبيرين صاحبي المحاضرات و التقريرات(1)(قده)على ما ستعرف و هما من نعلم درجتهما في الهرم الأصولي لا سيما الثاني الذي ارتقى بالعلم سنامه ففاق من سبقه و أتعب من لحقه بتحقيقاته و تدقيقاته و استيعابه و شموله فقام سيدنا الأستاذ بعرض أفكارهما و مناقشتها بالمستوى الذي يحافظ على تقدّم هذا العلم الذي هو عنوان فخر الحوزة العلمية الشريفة و ازدهاره،فكان يحاسب كل فكرة محاسبة الناقد البصير و يضع النقاط على الحروف-كما يعبرون-بفكر ثاقب.

ص: 289


1- الأول هو آية اللّه المرحوم السيد ابو القاسم الخوئي(قدس سره)و قد قرّر ابحاثه الاصولية سماحة آية اللّه الشيخ محمد اسحاق الفياض في كتابه(محاضرات في اصول الفقه)و الثاني هو الشهيد السعيد سماحة آية اللّه السيد محمد باقر الصدر(قدس سره)و قد قرر ابحاثه سماحة آية اللّه السيد محمود الهاشمي و قد المحنا إلى الاسماء دون التصريح لانها يومئذ من الممنوعات في عهد البطش الصدامي الزائل.

و البحث الذي بين أيدينا من اهم الشواهد على ذلك فهو من اوسع ما كتب عن المشتق و أغزرها مادة و اكثرها عمقا و اغناها فائدة،و قد حاولت ان اعرضه بالشكل الذي هو أهله لا أنا أهله،فاني قاصر عن ذلك لو لا لطف ربي سبحانه و رعاية سيدنا الأستاذ.

و قد حظى الكتاب بأنظاره الشريفة فأقر ما فيه و امضاه و جعله حلقة مكملة لكتابه (منهج الأصول)حيث شغل الجزء الثاني منه كما هو معلوم.

و ساعد إخراج بحث المشتق بكتاب مستقل على إعطاء فرصة للأكاد يميين ليطّلعوا على جهد و نتاج علماء الحوزة الشريفة و مفكريها في علوم اللغة العربية،و لا أظن انهم سيترددون في إلقاء القياد إليهم و الإذعان بتفوقهم.

يحتوي هذا القسم على مقصدين:

الأول:في تحقيق المعنى الذي وضع له المشتق و هو الجزء الرئيسي من الكتاب.

الثاني:في أمور لا حقة لبحث المشتق.

و يتضمن كل منهما مطالب عديدة.

و قد لا قيت أثناء تأليف الكتاب و تنقيح أفكاره ما اللّه يعلمه من العنت،و لكنني بفضل اللّه سبحانه واصلت المسير و بمباركة سيدنا الأستاذ تجاوزت العسير،و قد كانت للصعوبات مناشئ:

ان عهدي بهذه المباحث بعيد فان تاريخها يعود إلى اكثر من ثلاث سنين و لم أهذب المطالب في حينها،و انما الآن بدأت باستعادتها و التعايش مع أفكارها ثم تنقيحها و تهذيبها،و كم كنت امضي من الوقت في التأمل قبل تقرير أية فقرة و كم تتعرض الكتابة للتبديل و التغيير قبل ان تأخذ صيغتها النهائية.

ان انشغالي بالتدريس و حضور الأبحاث العالية منع من الاستمرار بالكتابة و انما كنت استغل أيام التعطيل لهذا الجهد فهذه الانقطاعات المتكررة تتطلب إعادة المشكلة الأولى في كل تصد للتأليف و الكتابة.

أنني حاولت ان استقصي كل ما القى سيدنا الأستاذ من أفكار و لا أهمل شيئا

ص: 290

منها(1) ،و كم أمضيت أوقاتا طويلة في استعادة فهم بعض الأفكار و تنظيمها و الخروج منها بمحصّل لائق.

و قد ترددت في اتمام المشروع و قصرت همّتي عن متابعته لو لا دعم سيدي الاستاذ فقد اعاد الثقة إلى نفسي و بارك لي جهدي عندما عرضت عليه أول مطلب معتد به من التقريرات(في اسم الزمان)راجيا الاستفادة من ملاحظاته و توجيهاته قبل الاستمرار بالكتابة و شرحت فيه بعض الصعوبات التي تواجهني و كان ذلك مطلع شهر رمضان سنة 1417.

فكتب اليّ رسالة جوابية جاء فيها:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

بعد التحية و السلام و الشكر و الدعاء لكم بالموفقية و طول العمر.

في حدود فهمي ان أتلو هذه الآية الكريمة:وَ اصْبِرْ وَ ما صَبْرُكَ إِلاّ بِاللّهِ وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ لا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمّا يَمْكُرُونَ،إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ .

و في حدود فهمي:ان هذه التقريرات التي تفضلتم بها هي(أطروحة)جيدة جدا، يمكن فيها-على أي حال-إضافة ما تحتاج أليه من مطالب و لكنها مشجعة جدا و الأمل ان تكون(مبيضة للوجه)في الحوزة و في المجتمع و في المذهب عموما، و خاصة و هي تجمع إلى حد ما بين القديم و الحديث و يمكن ان يستفيد منها الحوزويل.

ص: 291


1- الأول هو آية اللّه المرحوم السيد ابو القاسم الخوئي(قدس سره)و قد قرّر ابحاثه الاصولية سماحة آية اللّه الشيخ محمد اسحاق الفياض في كتابه(محاضرات في اصول الفقه)و الثاني هو الشهيد السعيد سماحة آية اللّه السيد محمد باقر الصدر(قدس سره)و قد قرر ابحاثه سماحة آية اللّه السيد محمود الهاشمي و قد المحنا إلى الاسماء دون التصريح لانها يومئذ من الممنوعات في عهد البطش الصدامي الزائل.

و المثقف و المتفقه،و هذا امر اهل ان تبذل فيه المتاعب و المصاعب،فحيّا اللّه جهودكم و أوصلها إلى النتائج المطلوبة للنفع الخاص و العام معا.

و على أي حال فهو عمل جليل جدا و يحتاج إلى تضحية كبيرة حسب تقديري و كل التقادير،فاجد(اقتضاءا لا عليّة)ان الأفضل و الأنسب هو الاستمرار بهذا المشروع الجليل و لا اجد في مورد التزاحم بازائها شيئا معتدا به،و الأمر إليكم أولا و اخيرا.

و جزاكم اللّه خير جزاء المحسنين.

و الحمد للّه رب العالمين

و دمتم لمخلصكم الاحقر

**** فشمّرت عن ساعد الجدّ فخرج هذا الكتاب بتوفيق اللّه سبحانه و عظيم نعمه متضمنا أفكار هؤلاء الأعاظم.

و من ثمرات ذلك ان الكتاب اصبح فرصة معتدا بها لعرض أفكار سلفه الشريف (قد)مما لم يسجلها قلم التقريرات المطبوعة بعنوان(مباحث الدليل اللفظي)حيث لا تشكل مما هو معروض هنا إلا نسبة ضئيلة خصوصا في بحث بساطة المشتق و تركيبه و بيان الفرق بين المشتق و مبدأه و ما تبعه من تفسيرات اللابشرطية و البشر طلائية فقمنا بتقريرها مع مناقشة سيدنا الأستاذ لها حيث تمثل جانبا من الفكر الأصولي الراقي الرصين.

و من هذه الفكرة انتقل إلى التنبيه إلى ان كثيرا مما نقل عن هذا المفكر الجليل لم نذكر له مصدرا لانه مأخوذ مباشرة من كتابات سيدنا الأستاذ لبحث سلفه الشريف و هو مصدر بنفسه بل(مصدر إعلائي)على مصطلحهم و لم تذكر في التقريرات المطبوعة كما ان كثيرا من أفكار العظماء الثلاثة(النائيني،الأصفهاني،العراقي(قد) منقولة بحسب عرض ذلك السيد لها و لا يهم بعد ذلك تدقيقها على كتبهم المطبوعة لأن المهم هو التقدم من حيث انتهى السلف المباشر.

ص: 292

و ينبغي الالتفات هنا إلى ان كثرة تفاصيل البحث و تشعباته قد تجعل من الصعب ضبط الابحاث الفرعية و نسبتها إلى اصولها،لذلك يحسن الاستفادة من الدليل المفهرس في نهاية الكتاب لمعرفة ذلك.

يتناول الكتاب مجموع المحاضرات التي ألقيت في الفترة من 10 جمادى الثانية 1415 ه و حتى 24 ذي الحجة 1415 ه و هي(90)محاضرة.

نسأل اللّه تعالى ان يديم افاضات سيدنا الأستاذ.

و يمد في عمره الشريف و ينفعنا بعلومه و علوم أساتذتنا الآخرين.

و ان يحفظ حوزتنا العزيزة حتى تسليمها إلى راعيها صاحب العصر و الزمان أرواحنا له الفداء.

محمد اليعقوبي-النجف الأشرف

ص: 293

ص: 294

المقصد الأول الأقوال في المسألة أو الاستدلال على المعنى الذي وضع له المشتق

اشارة

و هو العنوان الرئيسي في بحث المشتق الذي عقدت المقدمات السابقة لتنقيحه حيث يستدل فيه على ما وضع المشتق له حقيقة.

و المشهور عند المتأخرين ان في المسألة قولين لا أكثر و هما الوضع لخصوص المتلبس أو الوضع للأعم إلا إنها على ما يبدو عند القدماء اكثر من ذلك فقد ذكروا تفصيلات بين بعض المشتقات و بعض،بلحاظات عديدة و قد نفاها كلها المتأخرون و أسست المقدمات السابقة للرد عليها فكل مقدمة عبارة عن دفع دخل و انما عزلت لحفظ الفكرة،فمن التفصيلات التمييز بين الفعلية و الشأنية و منها التمييز بين وقوعه مبتدا أو مسندا(و قد وقع في بعض تعبيراتهم تسمية المبتدأ مسندا و الخبر مسندا إليه و العكس هو الصحيح)فاذا وقع مسندا فهو خاص بالمتلبس،نحو(زيد عالم)بخلاف ما لو وقع مبتدأ نحو(العالم في النجف)إلا ان هذه التفصيلات أمور غير محتملة احتمالا معتدا به فيبقى الأمر مطلقا من حيث الوضع اما لخصوص المتلبس أو الأعم بدون تفاصيل.

ثم ان الآخوند و غيره بما فيهم المحقق الأستاذ عنونوا مجموعة من الأدلة على الوضع لخصوص المتلبس و مجموعة اخرى على الوضع للأعم و هو غلط واضح لان الوضع للمتلبس قدر متيقن لا معنى للاستدلال عليه فلا قيمة للإمارة مقابل مقابل اليقين اذ الوضع اما لخصوصه أو له باعتباره حصة من الأعم الموضوع له و انما المستدل عليه

ص: 295

وجود الوضع أو عدمه للاعم،فالعمدة في المسألة:هو نفي الحصة الثانية لدى القول بالمتلبس.

و يوجد تشويش في عباراتهم فاستدل الآخوند بالتبادر و رأى انه غير كاف فضم اليه صحة السلب و سنقول انها وحدها التي تكفي اما الباقي فهو يقيني عند الفريقين، و لذا كان من المنطقي اولا عرض أدلة الاعم و مناقشتها فإن تمت فهو و الا تعّين الوضع للمتلبس باليقين و لا معنى للحديث عن الوضع للمتلبس إلا ان يراد به مفهومه و هو نفي الحصة الأخرى و هو ما عبروا عنه(خصوص المتلبس)و نحن نتابعهم على ذلك لان المتن هو كلام الآخوند في الكفاية.

ص: 296

أدلة القول بالوضع لخصوص المتلبس

اشارة

و قد استدل الآخوند على ذلك بعدة أدلة نعرضها ثم نلحقها بأدلة الآخرين:

الدليل الأول:التبادر:

أي تبادر خصوص المتلبس في الحال و هو قطعي و وجداني و هو القدر المتيقن الذي يكون تبادره صحيحا و ما دام قطعيا فلا يحتاج إلى الإثبات بالإمارات الظنية.

لا يقال:اننا في باب علامات الحقيقة و المجاز اخترنا ان التبادر ليس بحجة و انما الحجة في اثبات الوضع الحقيقي هو الاقتران النفسي الكامل فكيف يستدل به،فانه يقال:ان علامة الوضع الحقيقي هو الاقتران النفسي الكامل لكن التبادر علامة على العلامة فهو كاشف عن العلامة الفعلية لكن التبادر وحده لا يكفي هنا لوضوح ان المراد ليس إثبات الوضع الحقيقي للمتلبس فانه قطعي كما قلنا بل المطلوب نفيه عن المنقضي فهل ينفع هذا الدليل في ذلك؟

نقول:ان ما يستفاد من هذا الدليل اما عدم تبادر المنقضي أو تبادر عدمه فان كان الأول فيناقش صغرى و كبرى اما الصغرى فلان العدم أي كونه غير متلبس ليس مفهوما لغويا بالحمل الشايع حتى يكون التبادر دليلا على وجوده،مضافا إلى المناقشة في الكبرى و هو ان ما ثبت في باب التبادر انما هو حجيته فيما هو موجود من المفاهيم لا فيما هو معدوم لان التبادر خطور المعنى في الذهن و هو موجود لا معدوم.

و اما الثاني:اعني عدم التبادر فهو لا يمثل شيئا لانه عدم امارة و هو ليس إمارة كما هو واضح،نعم يمكن تقريب الاستدلال به عرفا بنحو من القياس الاستثنائي بان يقال ان أبناء اللغة إذا قيل لهم لفظ و لم يتبادر لهم منه معنى معين فانه لا يصدق عليه حقيقة،لانه لو كان موضوعا له لوجد الاقتران النفسي و حيث ان التبادر غير موجود

ص: 297

فالاقتران غير موجود و الوضع كذلك.

فإذا حصل هذا الوثوق العرفي الناتج من القياس الاستثنائي فهو الحجة لا الانتقال من عدم الامارة إلى الامارة على العدم فانه مخدوش كبرويا.

و من هنا نعرف وجه الاشكال على صاحب الكفاية و المحقق الأستاذ(1) في استدلالهما بالتبادر فانه لا معنى له لان الصدق على المتلبس لا حاجة للاستدلال عليه فانه القدر المتيقن على كلا المسلكين و اما نفي الحصة الثانية فلا تكون بالتبادر.

ثم انه(قد)و تابعه عدد من الأصوليين كالمحقق الأستاذ استدلوا بالتبادر في اللغات الأخرى،حيث يفهم من مشتقاتها خصوص المتلبس فينتج ان المسألة عقلائية و عامة و ان التبادر في كل اللغات كذلك.

أقول:ان هذا الأسلوب من التفكير ان أريد به ان التبادر في كل لغة حجة على الأوضاع في اللغة العربية فهذا جزاف من القول،لان المجتمعات البشرية و حضاراتها تختلف جدا في أسلوب التفكير،فلعل أقواما كثيرين يرون صدق المشتق على المنقضي دون آخرين لان ارتكازهم التاريخي غير ما للآخرين فلا ملازمة اذن،نعم إذا تحقق ذلك في كل اللغات الرئيسية في العالم كمئة لغة مثلا فلا يعقل شذوذ العربية عنه فيفيد الاطمئنان بالنتيجة و يصلح مؤيدا لكن صغراه صعبة التحقيق و ان نفي الوضع في لغات أخرى ممكن و على أية حال فإن دخول الاحتمال كاف في بطلان الاستدلال.

و اعتقد ان الذي خدعهم هو وضوح صدق المشتق على خصوص المتلبس في كل اللغات و هو صحيح،و لكنه القدر المتيقن الذي لا يحتاج إلى الاستدلال و انما المطلوب نفي صدقه على المنقضي و هو ما لا نستطيع التأكد منه في سائر اللغات،و ان كنا نقول به في لغتنا لكن وجداننا ليس حجة عليهم و لا وجدانهم حجة علينا لاختلاف الارتكازات التاريخية و الأسس التربوية و الثقافية،فربما يوافق بعضهم على الصدق على المنقضي.1.

ص: 298


1- المحاضرات:265/1.

ثم ان المحقق الأستاذ ذكر ان المتبادر هو المتلبس في الحال لدى اهل اللغة و مراده المتلبس في حال النطق و لا نفهم غيره،و هذا على خلاف ما سبق من أن المراد بالحال حال الحكم لا حال النطق و لا حال التلبس،و انما يلحظ الانقضاء بمقدار ما يلحظ الحال،فان كان المراد حال النطق كان الانقضاء خلافه و هكذا.و الأغلب و ان كان حال النطق إلا انه ليس كذلك دائما لوضوح صدقه في موارد أخرى جزما في حال الحكم كالحديث عن الماضي و المستقبل عند اهل اللغة.و ان أراد بالحال و الفعلية ما يقابل الانقضاء فمعناه اننا فسرنا الحال بما هو ضد الانقضاء لا اننا فسرنا الانقضاء بما هو ضد الحال،و هو كما ترى لاعتماد معنى الوجود على معنى العدم مع ان الأصح اعتماد معنى العدم على معنى الوجود.

و كذلك قوله:(و صدقها على المنقضي عنه المبدأ و ان امكن إلا انه خلاف المتفاهم عرفا)(1).

و هذا و ان تمّ إلا انه استدلال على نفي الأعم لا على صحة الصدق على المتلبس كما هو المدعى اما نفي الأعم فله باب آخر.

و في الكفاية تشويش في المطالب فانه يذكر التبادر ثم صحة السلب ثم يشكل على التبادر ثم يذكر صحة السلب ثانيا ثم يرد عليه،و المفروض ترتيب المطالب لذا سنعرض الآن عن مناقشات دليل التبادر لانها بحسب متن الكفاية تكون مناقشة للدليل الثالث و هو التضاد لا التبادر.

الدليل الثاني:صحة السلب عما انقضى عنه المبدأ

و هذا في نفسه ينفع لنفي الحصة الثانية و هي المنقضية و قد قلنا في محله انها ليست بنفسها علامة على الوضع بل على معلوله و هو الاقتران النفسي الذي هو الدليل على الوضع،و لما كان هذا امرا وجدانيا لا نستطيع اقناع الاخرين به فنعرض العلامة عليه و هي صحة السلب حتى

ص: 299


1- المحاضرات:265/1.

يحصل الوجدان عندهم،اما صحة الحمل على المتلبس فقد سبق ان قلنا بعدم الحاجة إلى إثباته بالإمارة لتيقنه،و بانضمام هذه العلامات الثلاثة يتكون دليل كاف لاثبات ان الوضع لخصوص المتلبس.

فان قلت:ان غاية ما يثبت بعلامة صحة السلب هو عدم العلم بالوضع و عدم حصول الاقتران النفسي بين اللفظ و المعنى و هذا غير كاف لامرين:

1-ان عدم الاقتران الذاتي أعم من عدم الوضع،فلعل الوضع يكون موجودا و لا يوجد معه الاقتران النفسي.

2-ان الالتفات إلى عدم الاقتران امر عدمي،و العدم ليس معنى لغويا مفهوما.

قلت:انه توجد لدى ابن اللغة المطلّع على مهماتها المتتبّع لمفرداتها ملازمة عرفية عادية بين عدم الاقتران النفسي و عدم الوضع بنحو القياس الاستثنائي الذي قربناه في العلامة الأولى،فلما لم يحصل الاقتران النفسي فالوضع غير موجود،و بتعبيرا آخر نقول:ان الاقتران معلول للوضع و عدمه معلول لعدم الوضع و ان صح انه اعم منه عقلا إلا انه بعد الملازمة العرفية اصبح بمنزلة المعلول،فنعرف من عدم الاقتران بدليل البرهان الانّي ان الوضع غير موجود و ان كان عدم المعلول لا ينشأ-في المقام-من عدم العلة عقلا،إلا ان هذه الملازمة موجودة عرفا.

و قد أورد الآخوند(1) على الاستدلال بصحة السلب إشكالا حاصله:(انه ان اريد بصحة السلب صحته مطلقا فغير سديد و ان اريد مقيدا فغير مفيد لان علامة المجاز هي صحة السلب المطلق)و قد فسرّه مجموعة من الشراح و لعله صحيح في الجملة لكنني غير مسؤول عنه:ان المراد بالمطلق،المطلق بالازمنة الثلاثة و صحة السلب تعني حينئذ ان هذا الذي انقضى عنه المبدأ لا يصدق عليه الاتصاف فهو ليس بعالم مثلا في الازمنة الثلاثة فليس بسديد فانه ان كان في الماضي عالما فالسلب المطلوب كذب،و ان اعتذر1.

ص: 300


1- الكفاية:71/1.

بان المراد هو السلب المقيد بأحد الأزمنة الثلاثة فالمنقضي الآن ليس بعالم فغير مفيد، لانهم زعموا بان المهم في نفي الوضع و الاستعمال الحقيقي هو النفي المطلق لا المقيد و كأنه يتعين على هذا صحة السلب المطلق لتكون علامة على المجازية و لا يكفي فيه السلب المقيد و سوف يأتي ان كان هذا صحيحا أو لا.و المهم ان هذا الاشكال اكتسب أهمية عند مشهور الأصوليين فاجاب عنه الآخوند و السيد الأستاذ لكنني ابدأ بجوابي على الإشكال ثم نستعرض تلك الأجوبة و مناقشتها:

و جوابي يكون على ثلاثة مستويات كلها صالحة لدفع الإشكال:

المستوى الأول:ان نختار السلب المقيد و نقول انه مفيد و يكفي في المجازية لانه يثبت ان الحصة المنقضية ليست مصداقا للمعنى الحقيقي و لو كان موضوعا لها أو لما يعمّها كانت مصداقا له فينتج ان الوضع ليس للأعم،لان الخلاف إنما هو على نفي هذه الحصة لا إثبات تلك إذ الصدق على المتلبس فعلا قدر متيقن على المسلكين.

المستوى الثاني:ان نختار السلب المطلق و نقول انه سديد يعني أن الاقتران بين المشتق و بين الجامع الأعمى غير موجود،فان من كان عالما بالمعنى الأعم يصح سلب العالمية عنه.

المستوى الثالث:ان المقصود من السلب المطلق أحد أمرين:

اما-:المطلق في الزمان كما يفسره شراح الكفاية و من المظنون انه مقصود الآخوند باعتبار انه كان عالما فهو عالم في الجملة و لا يمكن النفي المطلق و قد عرفت ان محل الكلام هو نفي الحصة الثانية أو نفي الحمل الحقيقي عن الجامع فان حصلت صحة السلب فيها كفى.

و اما ان-:يراد بالمطلق أي الاعم من الحقيقة و المجاز يعني لو كذب الحمل الحقيقي صدق المجازي اذن فهو صادق في الجملة و لا نستطيع ان نقول بالكذب المطلق إلا انه من الواضح ان هذا لا ينبغي ان يكون مرادا لان الحمل انما يكون باعتبار الحقيقة فان كذب كذلك كان كافيا و هو لا ينافي الصدق مجازا.

ص: 301

اما صاحب الكفاية فقد أجاب بما حاصله بتقريب منا:ان القيد(و هو الآن في مثل قولنا زيد عالم الآن)اما ان يعود إلى المحمول و هو المشتق أو الموضوع أي المبتدأ و هو زيد أو يعود إلى النسبة و هي النفي(لان المفروض اننا نتحدث عن صحة السلب) و دليل المستدل على عدم دلالة صحة السلب على الوضع الحقيقي فيما إذا رجع القيد إلى المشتق لما قاله من ان سلب المطلق غير صادق و ما يتعيين به المجاز هو السلب المطلق و لكن يمكن ارجاعه إلى احد الأمرين الآخرين و هما:الذات أو النسبة المنفية، اما رجوعه إلى الذات فمعناه ان زيدا الآن غير ضارب في الازمنة الثلاثة و هو صادق.

و نظّر ذلك بما كان بالعكس يعني متلبسا أو مقيدا بالتلبس فلا يصدق النفي المطلق فزيد العالم الآن عالم في الجملة و لا يصدق انه ليس عالما اطلاقا أي في الازمنة الثلاثة فإذا صدق السلب الآن كان ذلك علامة على المجازية،و اما إذا عاد إلى النسبة المسلوبة أو السلب حسب تعبيره فغير ضائر بكونه علامة على المجاز و ذلك لفرض بقاء المشتق مطلقا في الأزمنة الثلاثة فإذا صدق على افراده كان حقيقة و لو على هذه الحصة المنقضية و لكن المفروض عدم صدقه و صحة السلب فيتعين ان المطلق مجاز على هذه الحصة فيكون في المنقضي مجازا.

و مع دوران الأمر بين هذه المحتملات في مرجع المنفي اختار الآخوند النفي على الاحتمال الأول و هو عود النفي إلى المشتق و قال:إلا ان تقييده ممنوع،و لم يبّين الوجه في المنع و يكفي عندئذ جوابا على استدلاله انه لا وجه للمنع مع احتمال عوده إلى المحتملات الثلاثة و مع الاحتمال يبطل الاستدلال.أو يقال في جوابه اكثر:ان الظاهر العرفي رجوع القيد إلى المشتق فما منعه هو المتعين،و مع تعينه فكأنه يزول الجواب و يتعين الإشكال لانه اعترف بتعينه في هذه الصورة.

و اما مع عوده إلى الذات فالأمر يكون اشد إشكالا لان الذات المقيدة باي زمن يستحيل ان تتصف بالمبدأ في زمن آخر لضرورة لزوم تزامن الذات و المبدأ لصدق الاتصاف.و لذا قلنا ان كل وصف لزمانيين يعود إلى التقييد بالتزامن،فقولنا زيد الآن لا

ص: 302

يتصف بالعلم مطلقا يعني بالأزمنة الثلاثة و ان كان صادقا إلا انه لذلك البرهان العقلي و ليس لاجل حمل لغوي.اذ لو جاز عدم التزامن بين الصفة و الموصوف كذب السلب لوجود الاتصاف السابق لزيد.

و اما عود القيد إلى النسبة المنفية يعني انفي الآن ان زيدا المطلق متصف بالعلم المطلق في الأزمنة الثلاثة فهذا كاذب لا محالة.إلا ان يعود إلى النفي بالحمل الشايع فيعود إلى ان تقييد الثلاثة كلها بالحالية فيصدق إلا ان صدقه عندئذ لا يدل على كذب أو مجازية المطلق لان سلب المقيد اعم من سلب المطلق،فصدق المطلق على هذا التقدير غير تام جزما.

إذن فكلام الآخوند بكل فروعه غير تام.

و قد أجاب سيدنا الأستاذ(1) عن هذا الإشكال بانه ناشئ من الخلط بين تقييد الوصف و الاشتقاق(يعني المشتق)الذي يعود إلى تقييد الهيئة لانها الأساس في الاشتقاق و بين تقيد مبدأ الوصف الاشتقاقي و هو معناه المصدري الذي يعود إلى تقيد المادة فالأول مثل زيد ليس بعالم الآن و الثاني مثل زيد ليس بعالم موجود الآن.

قال:فان كان الاستدلال بالجملة الأولى بحيث يكون قيد للمشتق(العالم)صح الاستدلال بهذه الجملة لان الخلاف بين الأعمى و الاخصي في المشتق انما هو في الصدق على المنقضي فإذا صح السلب دل على انه ليس موضوعا للأعم بل لخصوص المتلبس.

و اما إذا كان القيد(الآن)قيدا للهيئة لا للمشتق فهذا كلام يعترف به حتى القائل بالأعم فإن زيدا و ان لم يكن عالما بعلم فعلي و لكنه متصف بعلم قبلي لان المفروض عنده ان اتصافه بالعلم آنا ما كاف في اتصافه بالعالمية إلى اخر عمره:

و جوابنا على ذلك يكون من وجهين:1.

ص: 303


1- مباحث الدليل اللفظي:376/1.

الأول:ان هذا الذي قاله من رجوع القيد إلى المادة امر دقي غير عرفي و هو تطويل للمسافة بل يمكن ان يقال ان تقييد المداليل التحليلية دائما أمر غير عرفي ما لم تدل عليه قرائن عرفية فلا معنى إذن للتشقيق في إرجاع القيد إلى المادة أو الهيئة على نحو مانعة الجمع فالحق مع الآخوند ان القيد يرجع إلى المشتق بصفته مشتقا نعم يمكن القول بإرجاع القيد إلى الهيئة فكأنه إرجاع إلى المجموع لان المشتقات إنما أصبحت كذلك بهيئاتها.

و من هنا يظهر عدم معقولية التشقيق الذي ذكره(قد)لانه انما يكون معقولا حين يكون مختار الخصم باطلا و على الشق الآخر الذي اغفله صحيحا و اما إذا كان الاستدلال على الشق الذي اختاره صحيحا و على الشق المفروض باطلا فهذا اعتراف بصحة الشق موضوعا و ان ناقشة محمولا و ليس في المسألة خلط كما زعم و لا حاجة إلا إبداله.

الثاني:ان ما قاله من انه إذا صح السلب عن المنقضي ثبت عدم الوضع للأعم هو عين ما قلناه في الوجه الأول مما ناقشناه(من اختيار سلب المقيد و هو المنقضي).و لكنه يحتاج إلى ضم الملازمة بين الأمرين اعني عدم صدق المشتق على المنقضي أو قل صحة السلب و ثانيهما عدم الوضع للاعم و الثاني هو اوسع القضيتين و هو المطلوب إثباته و كأنه(قد)أخذها ارتكازية فهل يلزم دائما من نفي الصفة عن الحصة نفيها عن الجامع؟كلا طبعا إذ قد لا يكون السلب عن الحصة سلبا عن الجميع فإذا صح السلب في مثل قولنا(كل عراقي ليس بأسود)لا يلزم منه صحة السلب في(كل انسان ليس باسود).و ان صحت الملازمة في حصة أخرى كما لو قلنا(الإنسان العراقي لا يحرك فكه الأعلى)فيلزم منه(كل إنسان لا يحرك فكه الأعلى)لان الإنسان العراقي انما اخذ الصفة من العام أي من حيث كونه إنسانا.

فلا بد إذن من البرهنة على الملازمة و اثبات ان صحة السلب عن المنقضي إنما هي لكونه حصة من الأعم في مرحلة سابقة و منه يستكشف بطريق الان عدم الوضع للأعم.

ص: 304

فان قلت:على هذا يلزم صحة السلب حتى عن المتلبس باعتباره الحصة الاخرى من الجامع.

قلت:نعم و انما صدق المشتق على المتلبس خاصة لأمر اخر و هو الوضع لخصوصه.

و قد أشار الآخوند في المقام إلى تفصيلين إذ قد يدعى ان صحة السلب خاصة ببعض الموارد دون بعض.

التفصيل الأول:قال(1):(ثم لا يخفى انه لا يتفاوت في صحة السلب عما انقضى عنه المبدأ بين كون المشتق لازما و كونه متعديا)ففي اللازم يكون مجازا في المنقضي و في المتعدي يكون حقيقة و مثال الأول كما لو كان طويلا ثم انقضى عنه الوصف فهنا يصدق السلب على المنقضي فيصح قولنا ان هذا ليس بطويل و مثال الثاني ما لو أكرمه يوم الأحد فيصدق عليه يوم الاثنين انه مكرم له و لا يصح السلب عنه.و عندئذ اما ان نبحث عن دليل آخر أو نقول بصحة الوضع للأعم في اللازم دون المتعدي.

و في هذا التفصيل إشعار بالصدق حتى بعد الانقضاء و هذا يلتقي مع الشبهة التي أثارها الشيخ النائيني(قد)في محل آخر من المشتق و هو ان الحدوث كاف للصدق الأزلي و قد خص كلامه باسم المفعول و قال انه خارج عن محل الكلام لان صدقه يبقى ازليا و حينئذ قلنا ان هذه الأزلية لا تختص باسم المفعول بل تشمل غيره كاسم الفاعل فكما يصدق على عمرو انه مضروب إلى الأبد كذلك يصدق على زيد انه ضارب إلى الأبد لان الضرب له طرفان.و قد اجبنا على ذلك هناك بتوسيع معنى الزمان و إلا فانه مع حفظ تعدده بان ننظر إلى فعلية الاتصاف بالضرب مثلا يكون نقيضا لا محالة،كما إننا إذا تصورنا الأزلية أي ازلية الثبوت للفعل لم نتصور الانقضاء فيكون خارجا عن محل النزاع موضوعا لانه انما يتم مع تصور الانقضاء.و لو سلمنا كلام النائيني بدلالته1.

ص: 305


1- الكفاية:72/1.

المطابقية كان للتفصيل بين المتعدي و اللازم وجه فانه قد خص الصدق الأزلي(أي حتى بعد الانقضاء)في اسم المفعول و هو انما يتحقق في الفعل المتعدي دون اللازم اما لو قلنا ان الصدق حدوثا يلازمه بقاء فلا يفرق بينهما.

غير ان الشيخ الآخوند اجاب(و اصل المطلب هنا ان الفعل اللازم يكون صدق السلب فيه صحيحا)بانه ان اريد حال التلبس فلا اشكال في حمله حملا حقيقيا و ان اريد به بعد الانقضاء(أي حال النطق)فانه و ان صح الاستعمال إلا انه لا دلالة فيه على الحقيقة لان الاستعمال اعم منها و من المجاز.

و في الحقيقة فان هذا الكلام ينبغي ان ننسبه إلى نظريتين واحدة لي و الاخرى للشيخ النائيني(قد)و اعني بها ازلية الصدق.

فاذا قسناه إلى كلامنا فانه يأتي عليه جوابان:

الأول:ان الاستعمال و ان كان اعم إلا انه مبني على الاقتران الباطني و هو شيء وجداني لدى المتكلم لا معنى للتشكيك فيه فاما ان يرى في نفسه صحته أو لا فاذا صح لدينا ذلك تم الدليل على الحقيقة و الا فلا،و انما يتصور التشكيك لو كان في مقام السامع فان قصد المتكلم من الأمور الباطنية التي لا نعرفها فنقول ان الاستعمال اعم كالعبارات الموروثة من العرب السابقين فنشك ان قصدهم هل هو الحقيقة ام المجاز.

الثاني:ان هذا الكلام انما هو في الحمل الاثباتي لا المنفي و كلامنا في المنفي أي صحة السلب فالكلام في المجازية و الحقيقية يأتي في اثبات الصفة لا نفيها و هو يفيدنا حين الاستدلال على الاعمي فصحة السلب ليست فيها حقيقة و مجاز فلا يقال عن العالم انه ليس بعالم مجازا.

و اذا قست ذلك إلى كلام النائيني و هو التأبيد في الصدق رأينا الآخوند يأخذ ذلك مسلم العدم يعني مسلم الانقضاء فهنا تعليقان:

الأول:مع الأخذ بازلية الصدق النائينية يخرج عن محل النزاع الذي هو في زوال الصفة و بقاء الذات فمع ابدية الاتصاف لا زوال فان قلت ان باب المشتق ينسد بعد

ص: 306

توسيع نظرية الشيخ النائيني لعدم توفر احد ركني المشتق قلت:ينبغي الالتفات إلى التعليق الآتي.

الثاني:اني احس وجدانا أو احدس على الاقل ان الانقضاء و الازلية للوصف لهما لحاظان كلاهما عرفي و يختلف كل منهما عن الآخر فاننا ان قصدنا الحدث نفسه كان قابلا للانقضاء و ان قصدنا اصل الفعل و الانفعال أي ان حدوثه و لو آنا ما يوجد حالة نفسية مستمرة فان مجرد الحدوث كاف في البقاء فالباقي ليس فعلية التلبس بل الصفة النفسية غير القابلة للزوال اما الآخوند فلاحظ الفعلية فقط فسلّم بصحة الانقضاء مقابل الازلية.

و اذا كان ازليا فأما انه ليس له انقضاء أو ان انقضائه بزوال الذات أو ان الحمل بلحاظ حال التلبس الفعلي أو يمكن ان نلحظ الذات موجودة بعد الموت و منتقض عنها المبدأ إلا ان من حق الشيخ النائيني ان يناقش في الانقضاء عندئذ ايضا.

التفصيل الثاني:قال الآخوند:(كما لا يتفاوت في صحة السلب عنه بين تلبسه بضد المبدأ و عدم تلبسه)(1) و في هذا اشارة إلى تفصيل منسوب إلى الشهيد الثاني انه مع عدم تلبس الذات بضد مبدأ الاتصاف يكون المشتق صادقا حتى مع الانقضاء بخلاف ما لو تلبس بالضد،قال الآخوند:(لما عرفت من وضوح صحته-أي صحة السلب-مع عدم التلبس ايضا و ان كان معه-أي مع التلبس بالضد-اوضح)فهو تحويل على الوجدان.

اقول:ان التلبس بالضد لا دخل له في صدق الاتصاف و عدمه إذ قد يقال بالصدق رغما عنه و قد يقال بعدم الصدق حتى بدونه كما انه يمكن ان يقال:بالتلبس بالضد دائما لان أي حال يدخل فيه فهو ضدا أو نقيض و هو اسوأ من الناحية العقلية لا العرفية فالحق خلاف هذا التفصيل لان ما هو الدخيل الحقيقي في الصدق و عدمه انما2.

ص: 307


1- الكفاية ج 1:ذيل صفحة 72.

هو الوضع فان كان للاعم صدق المشتق و ان اتصف بالضد و ان كان لخصوص المتلبس -و هو الاصح-فيصح السلب و ان لم يتصف بالضد اما في صورة التلبس بالضد فهو ما اعترف به الآخرون و اما بدونه فبدليل آخر.

و سيأتي في دليل التضاد الآتي إنشاء اللّه ما يوضح المطلب أكثر.

الدليل الثالث:دليل التضاد:

و يمكن فهمه و تقريبه على مستويين عقلي و عرفي و كلام الاصوليين من هذه الناحية مجمل فلم يظهر ان مقصودهم التضاد العقلي ام العرفي ام انه مركب من مقدمة عقلية و اخرى عرفية و هل العرف يراه صحيحا ام لا.

المستوى الأول:العقلي:بان يقال ان الضدين هما الذاتان الوجوديتان اللتان يستحيل اجتماعهما فاذا كان الوضع للأعم صدق على المنقضي انه عالم(بلحاظ الوضع للمنقضي)و جاهل(بلحاظ الفعلية)و هو مستحيل لانه يلزم منه اجتماع الضدين،إذن فالصدق على المنقضي محال،إذن فالوضع للأعم محال.

و يمكن النقاش في ذلك من عدة وجوه:

1-ان هذا الدليل كما يشمل الضدين فانه يشمل النقيضين بل هو أسوأ في التنافر و أوضح استحالة،فلماذا لا نقول بدليل التناقض،و هو اوسع مما ادعي من دليل التضاد لان كل ضد يحتوي على نقيض فالقاعد غير قائم مثلا بخلاف العكس.

فان قلت:ان مشهور الاصوليين لم يستنكروا اجتماع النيقيضين فقد تسالموا على الصدق على المنقضي حقيقة أو مجازا و انما استنكروا التضاد.

قلت:هذا التسالم منهم على المستوى العرفي و لسنا بصدده و انما نتكلم عن الفهم العقلي الصرف.

2-ان الدليل اخص من المدعى،بيان ذلك:ان التضاد انما يقع بين امرين وجوديين و بعض الامثلة العرفية للتضاد لا تنطبق على مفهومه لان احد طرفيها عدمي كالعلم و الجهل فان بينهما تقابل النقيضين فيستحيل اجتماعهما لانهما نقيضان لا لانهما ضدان فلا تكونان مصداقين من البرهان بعد التنزل عن الوجه الاول من المناقشة رغم

ص: 308

انها و امثالها كالحركة و السكون من الامثلة المشهورية،نعم القيام و القعود ذاتان وجوديتان فهل يقبل المشهور التفصيل بين المشتقات فنقول إذا صدق التضاد العقلي بين المواد كالقيام و القعود فيتم الدليل و يكون الوضع لخصوص المتلبس اما إذا لم يصدق كالعلم و الجهل فيكون الوضع للاعم.فيكون الدليل اخص من المدعى لاختصاصه بالذوات التي اتصفت بضد المبدأ المنقضي،و لعدم امكان القول بالتفصيل بين المشتقات من هذه الناحية.

3-انه يحتاج إلى ضم البرهان على الملازمة بين استحالة الصدق على المنقضي و عدم الوضع للاعم و لا توجد أيّة اشارة في كلامهم إلى ذلك.

4-ان المسألة عرفية لا عقلية و لا ينبغي ادخال الفهم العقلي في موارد الفهم العرفي فالتشقيق العقلي غير نافع عرفا و الا فسيختلّ نظام المحاورة و لا يسلم لنا مصطلح عرفي،و ان كثيرا من الامور المستحيلة عقلا مقبولة عرفا و احسن مثال على ذلك ما نحن فيه فان الصدق على المنقضي يلزم منه اجتماع النقيضين(احدهما بلحاظ الفعلية و الآخر بلحاظ الوضع للاعم)و هو مستحيل عقلا إلا انه لم يستنكره احد و قالوا بصحته حقيقة أو مجازا.

المستوى الثاني:العرفي:بان يقال:ان التضاد ليس معنى خاصا بالعقل بل هو مفهوم سار إلى العرف ايضا فاذا رأى العرف استحالة اجتماع الضدين الذي هو لازم القول بالاعم و الوضع امر عرفي فيستحيل الوضع للاعم للملازمة بين عدم الصدق على المنقضي و عدم الوضع للاعم.

و بهذا التقريب نتخلص من اشكال التفصيل بين الذوات الوجودية و العدمية لان العرف يراها اضداد كالعلم و الجهل و العمى و البصر و النطق و السكوت و ان كانت نقائض عقلا لان العرف ينظر إلى الصورة الذهنية التي يفهمها و هذه الاعدام العقلية لها صورة ذهنية وجودية بالحمل الاولي و ان كانت بالحمل الشايع إعداما،فالعرف يراها أمورا وجودية لا عدمية فصحّ التضاد بينهما.

ص: 309

و مع ذلك تبقى اشكالات اخرى:

1-ان هنا خلطا في كلام الاصوليين فانهم يرون انه إذا صدق على المنقضي انه عالم و انه جاهل لزم اجتماع الضدين المستحيل و هو من غرائبهم لان الصدق العرفي امر اثباتي و استحالة الاجتماع العقلي امر ثبوتي واقعي فهذا خلط في النظر-اذ لا ملازمة بينهما-فاذا غضضنا النظر عن الاستحالة العقلية و كان الوضع للاعم صادقا عرفا فهذا يعني انه لا مانع عرفا من صدق الصفتين معا كالقيام و الجلوس مثلا،اما القيام فبلحاظ انقضائه و اما الجلوس فبلحاظ فعليته و لا يلزم اجتماع الضدين،و يحتاج اثبات عدم عرفية الوضع للاعم إلى دليل آخر كالتبادر و نحوه.

2-انه-كالتقريب العقلي-بحاجة إلى البرهنة على الملازمة بين عدم امكان الاجتماع في حال الانقضاء و عدم الوضع للاعم لكنها هنا على المستوى العرفي.

نعم يصلح هذا الوجه ان يكون منبها عرفيا غالبيا إلى تبادر عدم الوضع للاعم و عدم الاقتران.

بقيت نكتة حاصلها ان الاصوليين اخذوا مسلما انه مع تضاد الصفتين المنقضية و الفعلية فانه يقدّم المتلبس أو الفعلي و لم يحتملوا تقديم المنقضي فلتشييد الذهن نتسائل لماذا لا يكون العكس فيكون عالما بعنوان المنقضي و لا يصدق عليه جاهل بتقريب ان المنقضي عنه العلم يصدق عليه انه عالم على القول بالاعم فنضم له كبرى التضاد بان كل عالم لا يصدق عليه انه جاهل.و ليس هذا التساؤل ساذجا إلى هذه الدرجة بل له مبرراته منها:

1-ان في بعض المبادئ المتضادة يكون السابق-أي المنقضي-متقدما رتبة على اللاحق أي المتلبس كما لو كان علة له كالاكل و الشبع و الشرب و الارتواء فيكون اولى بالصدق.لان فيه جهتين للصدق احدهما الوضع للاعم و الثانية انه علة متقدم رتبة و لولاه لم يوجد المتلبس الفعلي.

2-امكان الاتصاف بصفة اخرى منافية و ليست مضادة عرفا كالامثلة السابقة أي

ص: 310

اجتماع العلة و المعلول و كالوقوف و المشي فان الانسان يمشي و هو واقف فلا تضاد بينهما و يمكن صدق العنوانين معا و يكون صدق احدهما لكونه نقيضا و الاخر لانه فعلي و حتى لو لم يكن المشتق موضوعا للاعم فيصدقان ايضا احدهما حقيقة و الاخر مجازا، و لو كان تدليل التضاد صحيحا لما جاز فضلا عن الحقيقة.

3-ان استعمال كل منهما ان كان بنفس الوضع اللغوي كان قابلا للتهافت عرفا اذ يلزم اجتماع الحصتين في مورد واحد و هو محال عرفا و لكن إذا كان الاستعمال بوضعين أحدهما للمتلبس و الآخر للأعم فلا تهافت و يمكن ان يكون حقيقيا فيهما فصدقه على المنقضي للوضع للاعم و على المتلبس للوضع له بخصوصه.

لا يقال:ان الوضع الثاني لغو بعد شمول الاول له.

فانه يقال:ان اللغوية تحصل لو كان الوضعان قد تمّا بهذا الترتيب أي كان الوضع اولا للاعم و ثانيا لخصوص المتلبس فانه لغو و خلاف الحكمة لوجوده ضمن الاول.اما لو حصل العكس بان وضع الواضع لخصوص المتلبس اولا ثم رأى عدم كفايته لكل المشتقات فوضع للاعم باعتبار ان الوضع الثاني لخصوص المنقضي غير محتمل فلا يكون لغوا.

و على اية حال فهو مجرد تشييد للذهن فان العرف لا يوافق عليه و ان التهافت العرفي متحقق سواء كان بوضع واحد ام بوضعين.

هل التضاد و صحة السلب دليل واحد ام دليلان؟

عرف صاحب الكفاية(1) دليل التضاد على شكلين:

الأول:و هو الاسبق انه جعله كمؤيد و مستند لصحة السلب فبما ان الذات اتصفت بضد المبدأ فينبغي ان يكون السلب عن المنقضي صحيحا.

الثاني:قال:(و قد يقرّر هذا-أي التضاد-وجها على حدة و يقال...الخ)1.

ص: 311


1- الكفاية:69/1.

و هذا يعني ان دليل صحة السلب ضعيف و دليل التضاد قوي حيث لم يتم الاول بنفسه بل احتاج إلى الثاني دون العكس،في حين ان العكس هو الصحيح حيث ان دليل التضاد لا اثر له لامكان التصادق مع عدم صدق السلب في حين ان صدق السلب قائم سواء تم دليل التضاد ام لا.و احسن منبه على ذلك ما ذكرناه من دليل التناقض فان النقيض هو السلب نفسه.و قلنا انه اعم من التضاد لان كل تضاد متضمن للتناقض دون العكس.اذن فدليل التضاد اضيق من دليل صحة السلب فكيف يكون مؤيدا له إلا في موارد صدقه و هي موارد تلبس الذات بضد المبدأ المنقضي و ليس هذا دائميا كما اعترفوا فهو اضيق من المدعى في دليل صحة السلب و اذا كانت النتيجة تتبع احسن المقدمتين فضم دليل التضاد الاخص إلى دليل صحة السلب الاعم يفسدهما معا لا ان الاخس يتمم الاخر و يصححه.

مضافا إلى عدم استغناء دليل التضاد عن الخلط الذي وقع فيه الاصوليون بين الصدق الاثباتي اللغوي و استحالة اجتماع الضدين الذي هو امر ثبوتي واقعي حيث تصوروا ان اتصاف الذات بالعلم(لاجل القول بالاعم)و الجهل(لفعلية التلبس)صغرى لهذه الاستحالة في حين يمكن قبول اجتماع الصدقين لاختلاف الاعتبارين فهو عالم باعتبار الانقضاء و جاهل بلحاظ الفعلية لذا لم يجتمع ثبوتا العلم و الجهل إلا من ناحية الصدق اللغوي فاذا كان الوضع لخصوص المتلبس فهذا جاهل حقيقة و عالم مجازا و ان كان الوضع للاعم فهذا عالم حقيقة و لو استحال اجتماع الصدقين لما كان الاتصاف صحيحا على كلا التقديرين.

بينما دليل صحة السلب لا يحتاج إلى دليل التضاد،و ذلك لان دليل صحة السلب ان تم فانما يتم على مستويين كما علمنا.

1-ان الفهم العرفي لا يساعد على الصدق بل ان هذا المنقضي ليس بمتصف.

2-انه ينبه على الاقتران النفسي الكامل الذي هو ناتج مباشرة عن الوضع فاذا صح السلب فلا اقتران لان الاقتران معلول للوضع فاذا لم يتحقق دل بالإنّ على عدم الوضع.

ص: 312

فكلا النتيجتين لم تستند إلى دليل التضاد.

فالصحيح هو العكس اعني احتياج دليل التضاد-لو تنزلنا عن اشكالاته و تممناه- إلى دليل صحة السلب لانه اضيق من المدعى لاختصاصه بالذوات التي اتصفت بضد المبدأ فنحتاج في الحصة الاخرى لدليل صحة السلب أو نقول بالاعم فيها و هو كما ترى.

نعم يصلح دليل التضاد كمنبه عرفي للذهن على عدم صحة الحمل على المنقضي و اما انه دليل مستقل فلا،أي على عكس ما افاده الشيخ الآخوند(قد).

بقى ان نوضح شيئا ذكرناه و هو ان دليل صحة السلب هو دليل التناقض أي أن دائرتيهما متطابقة إلا ان صحة السلب اثباتية و التناقض ثبوتي واقعي و نحن نريد الاثبات أي الصدق العرفي.

قال الآخوند(1):(و لا يرد على هذا-أي دليل التضاد-ما اورده بعض(2) الاجلة المعاصرين من عدم التضاد على القول بعدم الاشتراط).

و هذا له تفسيران:

الأول:و هو الظاهر بان يريد بالاشتراط خصوص التلبس و بعدمه عدمه و نتيجة الصدق على المنقضي فيرجع قوله(عدم التضاد بناءا على عدم الاشتراط)إلى ان التضاد بين الصفتين لا يلزم بناءا على الوضع للاعم فلا تضاد.

الثاني:ان تفهم من هذه العبارة مفهوما محذوفا عرفا إلا انه ثابت اصوليا فمن قوله:(عدم التضاد بناءا على عدم الاشتراط)يفهم ان التضاد موجود بناءا على الاشتراط أي ان التضاد يلزم من القول بوضع المشتق لخصوص المتلبس اما على القول بالاعم فلا يلزم فينعقد حينئذ دور قربّه في عناية الاصول(3) بان التضاد مبني على الوضع للمتلبس كما يفترض على هذا التفسير فاذا توقف الوضع للمتلبس على التضاد لزم الدور.1.

ص: 313


1- الكفاية:69/1.
2- و هو المحقق الميرزا حبيب اللّه الرشتي-منه مد ظله الشريف-
3- عناية الاصول:138/1.

أقول:لا اعلم وجها لهذا التفسير اعني لزوم التضاد من القول بالوضع لخصوص المتلبس مع ان المشهور و المعروف لزومه من القول بالصدق على المنقضي كما قربّناه.

اللهم إلا ان يقرّب ذلك بان المفروض على القول بخصوص المتلبس انه عالم متلبس بالعلم فاذا تلبس بالجهل لزم اجتماع الضدين فاجتماع اتصافه بالجهل مع اتصافه بالعلم و لزم التضاد و لا يأتي هذا القول بالاعم لانه لا يتصف بالعلم حقيقة.و على اية حال فهذا التفسير خلاف الظاهر و لا وجه له.

اما الاول و هو الاقرب إلى ظاهر العبارة أي عدم التضاد بناءا على الوضع للاعم فان رجع إلى ما قلناه من التفريق بين الصدق الاثباتي و الاجتماع الثبوتي لانه على الاعم يصدق الاجتماع و لكن لا يحصل واقعا أي ان الصدق اثباتا لا يعني الاجتماع ثبوتا فلا يلزم التضاد لانه في مرتبة الصدق لا تضاد و في مرتبة التضاد لا صدق كان صحيحا و ان رجع إلى الفهم المشهوري من الخلط بين الأمرين و عدم التمييز بينهما فكأنه إذا صدق (عالم)على المنقضي فهو متصف واقعا و نفترض انه جاهل فعلا فاجتمع الضدان فعلى هذا تكون العبارة غير صحيحة.لفرض الملازمة مشهوريا بين الإثبات و الثبوت فالقول بالاعم يكون ملازما لاجتماع الضدين.

و هذا يرد عليه ما قلناه من عدم صحة دليل التناقض و الا لزم اجتماع النقيضين في حين لم يقل فيه احد و سره التمييز و لو ارتكازا بين الصدق الاثباتي و الاجتماع الثبوتي.

و اما التفسير الثاني:و هو وجود التضاد بناءا على قول بالاشتراط و لزوم الدور فله جوابان:

الأول:جواب صاحب الكفاية:بمنع احدى الملازمتين و هي ان التضاد مبني على الاشتراط فان التضاد امر واقعي مركوز لا يبتني على مذهب دون مذهب و لا دخل للاوضاع اللغوية فيه بل حتى لو نظرنا بالفهم العرفي للتضاد فلا دخل للوضع لخصوص المتلبس أو الاعم في فهمه فالقيام و القعود متضادان عرفا و عقلا و لا يلزم منه القول باحدهما اذن فانحلّ الدور لان التضاد غير مبني على الاشتراط و لكن الاشتراط مبني على التضاد.

ص: 314

و تعليقنا عليه:

1-ان هذا كله خلط بين المرحلتين(الصدق و الاجتماع)و لا ملازم بينهما فيبطل الدليل اذ لا يلزم من دليل التضاد الوضع للمتلبس أو الاشتراط.

2-ان دليل التضاد-لو تم-فانه ينتج نفي الوضع للاعم فقط و ليس هو دليل الاشتراط بالتلبس.

الثاني:جوابنا و حاصله:ان التضاد في الملازمة الاولى ثبوتي و في الثانية إثباتي فالملازمة الاولى و هي ان التضاد إنما يلزم بناءا على اشتراط التلبس باعتبار ان تلبس الذات بالعلم يضادّ اتصافها بالجهل واقعا فهذا تضاد واقعي بغض النظر عن الصدق اللغوي الاثباتي و هذا التضاد لا دخل له في المعاني اللغوية لانه مستحيل في عالم الخلقة و التكوين فلا معنى لتكلف الاستدلال به على الاوضاع اللغوية.

اما الملازمة الثانية:و هي ان الاشتراط مبني على دليل التضاد أي صدق الضدين المشتقين بغض النظر عن انهما مجتمعان في الخارج حقيقة أو لا.فهو تضاد اثباتي و قلنا انه لنفي الوضع للاعم لا لاثبات الوضع للمتلبس اللهم إلا بضم مقدمة اضافية و هي انحصار الاحتمال للوضع بالمتلبس و الاعم فاذا انتفى الثاني ثبت الأول.

فالملازمة الثانية غير صحيحة لان نفي الاعم مبني على دليل التضاد لا اشتراط التلبس فاذا كان التضاد في الملازمتين مختلف المعنى فلا دور.

و هنا سؤال ينبغي طرحه و ذلك ان هذا المستشكل لماذا حوّل الاشكال على المتلبس في حين ان تصويره في غاية التكلف مضافا إلى انه مبني على وجود مفهوم للجملة الوصفية اعني الملازمة بين العدمين(عدم التضاد بناءا على عدم الاشتراط)و هو اشد تكلفا و هذا له تبرير واحد إذا تم و هو:شعور المستشكل بعدم صلاحية جواب الآخوند(لما عرفت من ان التضاد بينها كالتضاد بين مبادئها)و عدم مطابقيته للاشكال و حاصل جواب الآخوند:انه كما ان المبادئ كالقيام و القعود متضادة فيما بينها كذلك المشتقات فاذا صدق القائم على المنقضي بعد ان قعد و يفترض انه يصدق عليه انه قاعد

ص: 315

فكأنه صدق عليه القيام و القعود أي نفس المبادئ فلعل بعض الأجلّة فهم ان هذا الكلام بناءا على صحة المنقضي لان فكرة الانقضاء مبتنية على ذهاب احد الضدين فأمكن ثبوت الضد الثاني اذن فعدم التضاد بناءا على عدم الاشتراط أي المنقضي فكيف يأتي صاحب الكفاية و يثبت التضاد.

و الخلاصة ان عدم انطباق الجواب على السؤال جعل بعض الأجلّة يحوّله إلى اشكال حقيقي على القول بالتلبس من لزوم الدور لان جواب الآخوند-على فهم بعض الاجلّة-ينطبق على المتلبس،لكن هذا الفهم غير سديد لما قلناه من ان التضاد حال التلبس تضاد خلقي تكويني لا علاقة له بالاوضاع اللغوية اما هذا الذي يقال انه إذا اتصف بالحمل لزم التضاد فهو لا يثبت الوضع اللغوي و لا عدمه.

فحسنا فعل الآخوند اذ طبقها على الاعم لاجتماع الصفة المنقضية و الجارية،فلا يوجد اجتماع حقيقي بل اجتماع في الصدق و بذلك نفرق بين المشتقات و مبادئها لا كما قال الآخوند ان التضاد في المشتقات كما في مبادئها فان القيام و القعود ضدان لا يجتمعان اما القائم و القاعد فيمكن اجتماعهما مع الاعتراف بزوال الاولى و لو لا هذا الاعتراف لما صح المجاز فضلا عن الحقيقة لانه كذب.

ثم قال الآخوند:(إن قلت لعل ارتكازها-يعني التضاد في المشتقات-لاجل الانسباق من الاطلاق لا الاشتراط)يعني كون التضاد ناتجا من عدم التقييد بالمنقضي لا الوضع أي المعنى المفهوم من حاق اللفظ و ما يدلنا على نفي الوضع للاعم و اثبات الوضع لخصوص المتلبس انما هو التضاد الناشيء من الاوضاع اللغوية لا من الانسياقات و الاطلاقات الثانوية و في هذا انتصار لبعض الأجلّة المعاصرين.

حينئذ لا بد ان نفهم معنى للاطلاق و الانسباق لان الجواب الذي سيأتي يصلح جوابا على بعض احتمالات الانسباق فلا بد من عرضها لمعرفة استيفاء الجواب لها و الا فستبقى الاحتمالات الاخرى بدون جواب.

و هنا ثلاثة احتمالات لمعنى الانسباق:

ص: 316

الأول:بمعنى الانصراف و هو يكون عادة إلى الحصة الغالبة التدوال و الاعتياد فإذا قلت إنسان هنا انصرف إلى الأبيض و على هذا يكون التضاد للانسياق أي الانصراف إلى الفرد الذي يحصل فيه التضاد مع ان الانصراف قابل للمعنى المضاد فيمكن انه قصد المعنى الممكن للاجتماع لا الممتنع.

الثاني:الإطلاق الناتج من مقدمات الحكمة التي منها انه يستطيع التقييد و لم يقيد فإطلاق عبارته تكون منتجة للانصراف إلى الحصة التي يجتمع فيها الضدان و قد قيّد بالحصة التي لم يجتمع فيها الضدان.

الثالث:الانسباق الناتج من كثرة الاستعمال و هو المعنى الذي تحمل عبارة الكفاية فبما ان كثرة الاستعمال في المتلبس أو المنقضي فهذه الكثرة هي المنتجة للانسباق،و فرقه عن الأول انه ناتج من كثرة الاستعمال بغض النظر عن كونه اكثر افرادا في الخارج أو لا.

و إذا كان كذلك فنتيجته ان التضاد الذي زعمه الآخوند بين المشتقات ليس ناتجا من الوضع اللغوي لها بل من اطلاقات ثانوية و لا يلزم منه نفي الوضع للأعم لمناسبته له غاية الأمر ان تعيين المنقضي يحتاج إلى قرينة زائدة و إلاّ إنصرف إلى الحصة المتلبسة فمنشأه الانصراف لا الوضع.

و جوابه:

1-ما ذكرناه من التمييز بين الصدق و الاجتماع،و الصدق و ان كان لازما بناءا على الوضع للأعم إلا ان الاجتماع غير لازم،فإذا كان الوضع المنتج للصدق لا يلزم منه اجتماع الضدّين فكيف بالاطلاق اذ غايته الصدق أو احتماله و هو غير كاف في الاجتماع الواقعي مع الاعتراف بانقضاء الصفة.

2-ان هذه الانسباقات ان أوجبت الاطمئنان بالاقتران الباطني فهو معنى الوضع و إلا فهو معنى المجاز.

3-يمكن ان نعرض تفسيرا رابعا للانسياق غير تلك المعاني الثلاثة و حاصله:ان

ص: 317

المتلبس هو القدر المتيقن من الصحة على كلا التقديرين لاننا حتى لو قلنا بالاعم فان المشتق إذا لم يحتفّ بقرينة على الانقضاء يتعين فهم المتلبس،و الوضع للأعم لا يعني تساوي التخيير بين المتلبس و المنقضي بل خصوص المتلبس ما لم تقم قرينة معتد بها على صرفه إلى المنقضي.

و منه يعرف:انه على كلا التقديرين نحتاج إلى قرينة فيما إذا قصدنا الحصة المنقضية اما لكونها مجازا على الوضع للمتلبس و اما لانها الحصة الأضعف و الخارجة عن القدر المتيقن و ان كانت مشمولة بالوضع الحقيقي.

و من هنا لا يفرّق الحال بين ان يكون الاستعمال الأكثر في المتلبس أو المنقضي ليصح جواب الآخوند بان الأغلب هو الاستعمال في المنقضي فلا موجب للانصراف، بل هناك موجب له لانه القدر المتيقن حتى لو كان الاستعمال في المنقضي اكثر.

4-يفترض في جواب الأشكال ان يكون دفاعا عن الوجه الأصلي و ليس جواب الآخوند كذلك لان كثرة الاستعمال و عدمه لا تنفي التضاد بين الصفات اذ لو كان الاستعمال الأكثر في المنقضي لم يثبت الانسباق إلى خصوص المتلبس بل الانسباق إلى المنقضي كما لا يكون الانصراف أو القدر المتيقن في المتلبس دليلا على عدم الانسباقات الأخرى،و على كل تقدير لا يثبت عدم التضاد بينهما في المنقضي و اما التضاد في المتلبس كما فهم من كلام بعض المعاصرين فليس دخيلا في الاستدلال كما سبق.

5-اننا نمنع كثرة الاستعمال في مورد الانقضاء فضلا عن ان يكون اكثر،و موارد الشك ملحقة بالمتلبس لانه القدر المتيقن و لو تنزلنا فان هذه الكثرة في المنقضي ان عرفت مجازيتها و لو من القرينة-كما اعترف الآخوند بعد قليل-لم تكن دليلا على عدم الوضع للمتلبس أو الوضع للاعم و انما تكون كذلك مع الشك على الأقل.

و النكتة في ذلك ان اللفظ حينما يوضع فانه يكون كليا لمعنى كلي و كذلك المجاز عندما تجيزه اللغة و الكلي لا يتأثر بعدد افراده قلة و كثرة و معنى ذلك ان كثرة

ص: 318

الاستعمال في المجاز لا تعيّن الحقيقة و المجاز فلا بد من استئناف دليل جديد في مرتبة سابقة على كونها مجازا.

ثم قال:(على هذا يلزم ان يكون في الغالب أو الأغلب مجاز).

أقول:هذا يلزم على تقدير الوضع للمتلبس خاصة،و على تقدير الوضع للاعم فلا بد ايضا من قرينة للاعم يحتاج اليها على كل حال،و لا يكون في ذلك انتصار لبعض الأجلّة لان المظنون ذهابه إلى الوضع للاعم و معه لا يمكن ان يعترف بالمجازية،و على تقدير التنزل لا محذور من كثرة المجاز فاللازم غير باطل لان الموضوع له هو اللفظ الكلي و كذا المستعمل مجازا،و الافراد لا دخل له قلة أو كثرة.

قال:(و هو بعيد و ربما لا يلائمه حكمة الوضع)و قد قرب ذلك بتقريبين:

الأول:ان اللفظ وضع ليستعمل حقيقة لا مجازا،غير ان هذا مطعون كبرى و صغرى،اما الكبرى فان الغاية لو ثبتت في ذهن الواضع فانما هي على نحو الداعي لا على نحو القيد و الداعي يمكن ان يتخلف المعنى عنه اما لو كان على نحو القيد فالحق مع المستشكل،و اما المناقشة في الصغرى فمن وجوه:

1-ما قلناه من انه لا يضر بالوضع للكلي قلة أو كثرة افراده و هما-أي القلة و الكثرة-لا تؤثران سلبا و لا ايجابا في الحكمة من الوضع.

2-انكار كون الاستعمال في المنقضي اكثر من المتلبس بل العكس هو الصحيح فمن الواضح في ذهن العرف ان المنقضي يصح السلب عنه و استعماله فيه خلاف الذوق.

3-ان اكثر الاوضاع انما هي تعينية بفعل المجتمع و هو فاعل غير ملتفت و لا قاصد و انما يقع ذلك نتيجة لقانون تكويني و هو الترسخ في الذهن من كثرة الاستعمال حتى يصل إلى حد الاقتران النفسي الكامل فيصبح موضوعا له و لا نتوقع الحكمة من امثال هذه الافعال و اكثر المشتقات من هذا القبيل فهل نقول بالتفصيل بينها؟

فان قلت:انك اخترت ان الواضع هو اللّه سبحانه فالحكمة ضرورية.

ص: 319

قلت:انما اخترنا ذلك في اللغة الأصلية الأولى اما اللغات المتطورة المتعاقبة فهي ليست من وضع اللّه سبحانه بذلك المعنى.

الثاني:ان الواضع يعلم ان الاستعمال للمنقضي سيكون اكثر منه في المتلبس فيكون من الحكمة ان يضع اللفظ لما فيه فائدة في اللغة و المجتمع و هو الأعم فيدور أمره بين ثلاثة أمور على نحو مانعة الخلو:

1-ان يضع للمتلبس خاصة و هو خلاف الحكمة لانه وضع للنادر فلا يفيد المجتمع و لا اللغة.

2-ان يضع لخصوص المنقضي لانه ذو الاستعمال الأكثر و هذا غير محتمل لان الاستعمال في المتلبس حقيقة على كل حال.

3-الوضع للأعم من المتلبس و المنقضي و هو المتعيّن.

و يجاب بجميع الوجوه المتقدمة مضافا إلى احتمال وجود مصلحة لتعيين مركز الحقيقية من المجاز،و إذا دار الأمر بين الموردين تعيّن الحقيقي اما بدون ذلك التمييز فلا يكون للحقيقة مركز متعين لان كلا الشقين يكون على وجه الحقيقة و يحصل ترديد بين الحصتين كما لو فرض ان لفظ(أسد)موضوع للحيوان المفترس و لكل شجاع اما لو فرض ان وضعه الحقيقي لخصوص الحيوان المفترس و ان استعماله في غيره بعلاقة الشجاعة أو غيرها مجاز لارتفع الاجمال و الترديد.

ففي محل الكلام إذا كان اللفظ موضوعا للاعم فلا يوجد مركز للمعنى الحقيقي متميز عن المجازي لان الاستعمال في كلتا الحصتين حقيقي بخلاف ما لو كان موضوعا لخصوص المتلبس فتكون دائرة الحقيقة متعينة.

مضافا إلى اشكال آخر و هو لازم المجازية-على القول بالوضع للاعم-عند استعمال المشتق في خصوص المتلبس بشرط لا عن الزيادة و هو قاعدة مطردة في كل عام إذا استعمل في الخاص بشرط لا عن الزيادة في حين اننا نشعر وجدانا و بوضوح ان الاستعمال في المتلبس حقيقة لا شائبة فيها اذن فليس هذا الاحتمال واردا.

ص: 320

هذا و لكن الآخوند سلّم الكثرة المدعاة لكنه اجاب على الاشكال بالمناقشة في اصل وجود المجاز في الاستعمال في المنقضي فان المشتق ان كان موضوعا للاعم فالمنقضي حصة حقيقية من الموضوع له فكثرة الاستعمال فيه كثرة حقيقية و ان كان الوضع لخصوص المتلبس فان الاستعمال في المنقضي له صورتان أحداهما حقيقية و الأخرى مجازية و لما لم تتعيّن المجازية فيحمل على الحقيقية لان الاستعمال المجازي بحاجة إلى نحوين من المؤونة نكون في غنى عنهما إذا حملناه على الاستعمال الحقيقي:

الأولى:لحاظ المجاز أي استعمال اللفظ في غير ما وضع له.

الثانية:العلاقة المجوزّة مضافا إلى ذلك القرينة الصارفة.

ففي المقام لو كان حال الحكم غير حال التلبس كان مجازا،و اما لو كان مورده زمان المتلبس و هو الماضي كان حقيقة و قال ان هذا بمكان من الامكان.

و هذا المقدار يكون جوابه واضحا و هو ظهور كون زمان الحكم هو الحال لا الماضي إلا بقرينة اضافية و المفروض عدمها،و كونه ممكنا لا يلازم كونه مقصودا بل المحاورات العرفية بعيدة عن التدقيق فالمفروض انها تأخذ بمقدار الظهور و هو حالية الحكم فيكون مجازا.

فاذا كان كذلك و قد سلّم الكثرة فبقي الاشكال واردا عليه.

ثم قال:(ضرورة انه لو كان للاعم لصح استعماله بلحاظ كلا الحالين).

و هذا التعبير بحسب الشرح الاعتيادي ساذج و يكون حاصله:ضرورة ان المشتق لو كان موضوعا للاعم لصح استعماله استعمالا حقيقيا بلحاظ كلا الحصتين-حال التلبس و حال الانقضاء-و على هذا فلا يصلح دليلا على ما سيق من المعنى و لنفترض انه مع وجود الوضع للاعم يصبح استعمالا حقيقيا لكلا الحصتين لكن هل يبرر ان يكون الحكم بلحاظ حال التلبس لا الانقضاء مضافا إلى النقاش في نفس التعبير فقوله:(لصح استعماله)فان الاستعمال يصح في المجاز كما في الحقيقية و كان عليه ان يقول:(لكان

ص: 321

استعمالا حقيقيا).

لكن يمكن تفسير هذه العبارة بما يقرب الاستدلال على المطلب السابق و حاصله لو كان الحكم-و ليس الوضع-لكلا الحالين لصح استعماله-أي المشتق-في كلا الحالين أي ما سبق و ما لحق أو قل حال التلبس و حال الحكم،مما يجعل الاستعمال حقيقيا على كلا التقديرين،و نقطة ضعفه في جعل اسم كان هو الحكم لا وضع المشتق و هو مشكل لانه خلاف الظاهر.

ثم أمر بالفهم،و لعله إشارة إلى ما قلناه و يتلخص بأمرين:

أحدهما:انه و ان كان الاستعمال الحقيقي بلحاظ حال التلبس ممكنا إلا انه ليس متعينا بل يبقى بيد المتكلم قصده و عدمه.

ثانيهما:ما قلناه من ان الظاهر كون الحكم في حال النطق لا في حال التلبس و كونه في حال التلبس غير عرفي بخلاف علاقات المجاز فان جملة منها عرفية و صحيحة و خاصة بعد قرب الانقضاء عن التلبس فيكون اولى عرفا،إلا ان هذا فرع تسليم كثرة الاستعمال في المنقضي و نحن ننكره كما سبق.

ص: 322

أدلة القول بالوضع للأعم

الدليل الأول:التبادر:

و قد أجابه الآخوند بالنفي البسيط(و قد عرفت ان المتبادر هو خصوص حال التلبس)(1) فقد قابل الوجدان بالوجدان،و قد قلنا في ادلة الوضع لخصوص المتلبس ان دليل التبادر وحده لا يكفي لان المهم هو نفي الحصة الثانية فلا بد من اقامة الدليل على هذا النفي لتعين الوضع للمتلبس و هذا ما تكفله الدليلان الاخران(صحة السلب عن المنقضي و التضاد)و لم يتم دليل التضاد لاننا قلنا انه تضاد اثباتي مربوط بالصدق اللغوي و هو ليس محالا في نفسه و هو غير التضاد الثبوتي و لكن دليل صحة السلب عن المنقضي صحيح و هو يؤدي نفس النتيجة اعني نفي الاقتران الباطني الكامل بين عنوان المشتق و المنقضي عنه المبدأ و يلازمه نفي الاقتران بينه و بين الوضع للأعم لانه لو كان موضوعا له لكان مقترنا مع كلتا الحصتين مع انه ليس كذلك وجدانا اذن فدليل التبادر ليس بسديد و كان على الآخوند(قد)الاّ يكتفي بجوابه البسيط.

الدليل الثاني:

عدم صحة السلب في بعض المشتقات

كمضروب و مقتول ممن انقضى عنه المبدأ،و هذا دليل يتضمن عدة مقدمات مرتكزة في ذهن المستدل و هي:

1-التجريد عن الخصوصية إلى كل المشتقات فقد ذكر اثنين فقط و بدون هذا التعميم يمكن ذكر عدد اكبر من المشتقات التي لا تصدق على المنقضي فتتعارض و تتساقط و يفشل الدليل اذ لا قائل بالتفصيل.

ص: 323


1- الكفاية:73/1.

2-لا بد من رفع اليد عن السرمدية التي قال بها الشيخ النائيني(قد)في صدق المشتق كما سبق اذ لو اخذنا بها كان التلبس باقيا و الانقضاء مستحيلا فيسقط الاستدلال اذ المستدل يعترف بالانقضاء و هو خلاف مفروض السرمدية النائينية.

3-ان صحة الحمل و السلب و عدمها امور تابعة للقصد فيمكن ان يكون زيد عالما بحيثية و ليس عالما بحيثية اخرى فعدم صحة السلب انما يكون دليلا على الحقيقة مع قصدها أي عدم صحة السلب الحقيقي.

و هذا تابع للوجدان فهل يقبل الوجدان ان الحمل صحيح حتى مع قصد الحقيقة، عندئذ تتوجه المناقشات التالية:

1-ان عدم صحة السلب المدعاة انما كانت باعتبار السرمدية التي ذكرها النائيني،و هي قائمة على ان السلب المحدث يكفي في الصدق المستمر و قد سبق ان ناقشناها.

2-ان هذا الحمل المدعى هل هو بلحاظ حال اصل وقوع الحادث ام بلحاظ الاعم من الحدث و اثره الحاصل بسببه فعلى الأول نجده منقضيا و لا يصدق الحمل بل يصح السلب،و على الثاني يصدق عليه التلبس لكنه يخرج عن محل الكلام لعدم كونه منقضيا.

3-الالتفات إلى دليل التضاد فانه شاهد على صحة السلب عن المنقضي و لا اقل من الحصة التي تلبست بضد المبدأ فيصلح منبها ذهنيا إلى صحة السلب إذا ابتلى بالضد،و هو و ان لم يكن ثابتا في المثالين إلا ان القول بالتفصيل غير محتمل بل ان المشتقات وضعت وضعا متشابها فلا بد من التعميم باتجاه صحة السلب لا الاتجاه المعاكس الذي يستند اليه المستدل لوضوح النقض بالحصة التي تلبست بضد المبدأ و لا اقل من التعارض و التساقط.

4-المناقشة في الكبرى فان صحة السلب و عدمه ليس دليلا في نفسه و انما هو امارة منبهة على الاقتران الباطني فاذا علمنا بقرائن اخرى(كالدليل على المتلبس)عدم وجود الاقتران فهذه الامارة(أي عدم صحة السلب)لا تكون مؤثرة باعتبار ان الامارات

ص: 324

لا تؤثر مع اليقين بعدمها أو قل انها انما تكون معتبرة مع عدم العلم بالخلاف و هنا عندنا علم وجداني بالخلاف حيث نجد الاقتران الكامل إلى جنب المتلبس.

ان قلت:ان الاستدلال على الوضع المتلبس هو ايضا امارة و ليس يقينا فغايته التعارض و التساقط.

قلنا:

أ-ان التساقط هنا يكفي لنفي الوضع للاعم.

ب-ان الاقتران الباطني وجداني و ينتج علما عرفيا و اذا عرضنا عليه الامارتين المتعارضتين كان إلى جانب المتلبس فيكون هو الحجة.

5-جواب الآخوند:و هو عبارة عن اطروحة محتملة-و الاحتمال يكفي- حاصلها ان عدم صحة السلب المدعاة في هذا الوجه قد تكون ناشئة من التوسع في تصور المبدأ تصورا عقليا و لو مجازا فنتخيل الضرب و القتل مستمر إلى الان على نحو العلة المحدثه و المبقية باعتبار آثارها فهي موجودة و في طول هذا المجاز العقلي يصبح الاستعمال حقيقيا في المتلبس فلا يصح السلب عنه لكنه هنا باعتبار التلبس بمبدأ مجازي فالصدق الحقيقي على المنقضي ليس ناشئا من الوضع للاعم.

و هذا يتوقف على هذه الفكرة و هي ان التلبس بالمبدأ المجازي يقتضي الاطلاق الحقيقي فالمجاز ليس في الاستعمال و انما هو في التصور العقلي للمبدأ،و هذا ان تم بالدقة إلا انه خلاف الفهم العرفي لان العرف يريد النتيجة و هي واقعية الاطلاق بعد الانقضاء و عدم الواقعية قد تنشأ من التصرف في المبدأ أو في المشتق و كلاهما مجاز -على البدل-على الفرض فاذا رجع الامر إلى امر مجازي فانه مجاز عرفا لا يختلف الحال في المقدمة التي انتجت ذلك،فان النتيجة تتبع أخس المقدمتين.

ص: 325

الدليل الثالث:

ما ذكره في المحاضرات(1) من كثرة الاستعمال في من انقضى عنه المبدأ

فلو كان المشتق موضوعا للمتلبس لزم كثرة المجاز و هي بعيدة في نفسها بل لعلها تنافي حكمة الوضع اذ لا بد ان يكون الوضع للفرد الاكثر و لما كان الوضع لخصوص المنقضي غير محتمل فيتعين الوضع للاعم،و هذا التتمييم للاستدلال منّا.

و هذا يكاد يكون استنساخا لكلام صاحب الكفاية الذي لم يذكره كدليل على القول بالوضع للاعم و انما لمناقشات على دليل التضاد الذي ذكر ضمن ادلة الوضع لخصوص المتلبس و قد جر إلى تلك المناقشات نفي بعض معاصريه للتضاد على القول بالاعم لان التضاد ضد القول بالاعم فاذا نفيناه بطل كدليل على التلبس.

و قد مرّت مناقشته لكن الغريب من المحقق الأستاذ موافقته لصاحب الكفاية في التسليم بكثرة الاستعمال في المنقضي و هو اول الكلام.

الدليل الرابع:

ما ذكره السيد الاستاذ(2) من ان بعض المشتقات و هي تلك التي تدل على الحرف و الصناعات تصدق حقيقة على المنقضي

كالصائغ و الشاعر و المذبح و ان لم يذبح فيه فعلا و هكذا،و قد حصر(قده)الاحتمالات في صحة هذه الاستعمالات يعني كونها حقيقية في خمسة احتمالات اولها الوضع للاعم فان انتفت الوجوه الاربعة الاخرى تعين ذلك فيكون المستدل مسؤلا عن نقض الوجوه الاربعة الاخرى ليتم دليله،و هي كما يلي:

الثاني:و مرجعه إلى التصرف في المادة بان يقال ان منشأ هذا الاستعمال هو التوسع في مادة المشتق حيث يراد بها الحرفة و الصناعة دون الفعلية.

ص: 326


1- 269/1.
2- مباحث الدليل اللفظي:376/1.

و يمكن للاعمي ان يجيب عليه:انه لو تم ذلك لتم في المادة بكل اشتقاقاتها ك(صاغ،يصوغ)مع اننا نرى وجدانا ان الصياغة في الفعل الماضي و المضارع يدل على الحدث لا على الحرفة.

الثالث:و مرجعه إلى التصرف في الهيئة فيقال ان منشأ ذلك هو ان الهيئة في المشتق(صائغ)موضوعة للمتلبس الشأني لا الفعلي فيصدق الاطلاق لان شأنية الصياغة موجودة.

و يمكن للاعمي ابطاله:بان هيئة صائغ لو كانت موضوعة بوضع شخصي لامكن ذلك بان يقال ان هيئة صائغ موضوعة للتلبس الشأني و هيئة ضارب موضوعة للتلبس الفعلي و لكن هذا باطل لان كلا الهيئتين على صيغة(فاعل)و قد وضعت الهيئات وضعا نوعيا واحدا،فهذه الهيئة هل اخذ فيها التلبس الفعلي أم الشأني فعلى الاول نقض بمثل صائغ فانها تصدق عليه حتى و هو نائم و على الثاني ينقض بمثل ضارب فلا يصح هذا وحده و لا هذا وحده بل الصحيح الوضع للاعم من التلبس الشأني و الفعلي و هو معنى الوضع للاعم من المتلبس و المنقضي.

الرابع:ان ذلك ليس للتوسعة في مادة صائغ و لا هيئته بل في مدلول كلمة صائغ فانها تدل على الهوهوية بين الموضوع و المحمول فيكون مدلولها الجري الشأني لا الجري الفعلي أي الهوهوهية الشأنية أو الاقتضائية لا الفعلية فامكن بذلك الحمل في (زيد صائغ)شأنا و اقتضاءا قال و بذلك يسلم عن الاشكالين السابقين اللذين كان موردهما المادة و الهيئة و المفروض هنا ان التوسعة في غيرهما و هو الجري،و هنا يجيب الاعم بان هذا لو تم فانه ناشئ من الجملة لا من الكلمة و نحن انما نتكلم في المشتق ككلمة مفردة و من هذه الجهة فان الوجدان يقضي بان(صائغ)وحدها بدون اجرائها على ذات و بصفتها كلمة افرادية لها مفهوم اوسع من ضارب.مع ان لازم هذا الوجه كون صائغ حالها كحال ضارب و هو خلاف الوجدان المذكور.

الخامس:ان نعمل عناية خارجية في امر خارجي غير الهيئة و المادة و الجملة بان

ص: 327

نقول في مثال الصائغ انه يقضي اكثر اوقاته في الصياغة كأن العرف يقيس الزمن الخالي من الصياغة مع المشغول بها فيعتبر الصائغ كأنه في صياغة دائمية بصفته محترفا للصياغة عرفا تنزيلا و في طول هذا التنزيل يصبح الاطلاق حقيقيا لانه على المتلبس.

و ابطاله من جهتين يمكن للاعمي ان يجيب بهما:

1-ما قاله السيد الأستاذ من انه لو صحت هذه العناية العرفية الارتكازية لصح ان نقول انه متلبس بالصياغة فعلا مع انه لا يصدق ذلك جزما فيدل ذلك على بطلان هذه العناية.

2-ان هذه العناية انما تصح فيما إذا كان العمل اكثر من الترك بنسبة معتد بها و هو غير حاصل في المثال المذكور.

فاذا فشلت هذه الوجوه الاربعة يتعين القول الاول و هو كون صحة الاطلاق ناشئة من كون هيئة المشتق موضوعة للاعم في هذا الصنف من المشتقات و هو ما دل على الحرفة و الصناعة.

و ما يمكن ان يجاب به على هذا الدليل هو انه لا تعيّن للوجه الأول إذ يمكن تصحيح وجهين من الوجوه الاربعة و هما الثاني و الثالث اعني التصرف في المادة و الهيئة و ان كان الوجهان الاخران ضعيفين إلا ان أيا من الوجوه الاربعة كان صحيحا بل محتملا كفى لعدم تعيّن الأول فنقول انه يمكن تصحيح الوجهين الثاني و الثالث:

اما الوجه الثاني:و هو توسيع معنى المادة من الفعلية إلى الحرفة و الصناعة،فقد كان اشكاله انه مما لا يفهم من سائر الاشتقاقات كالافعال و لو كانت الحرفة مستفادة من المادة لفهم منها جميعا على حد سواء فهل يفهم من(صاغ)احتراف الصياغة؟

و جوابه:باحدى اطروحتين:

الأولى:ان هذا غير مستفاد من المادة وحدها ليعم جميع المشتقات بل من الوضع للمشتق ككل أي كمركب تام من المادة و الهيئة و ذلك بان اسم الفاعل كصائغ استعمل اولا في الصائغ الفعلي و بسبب كثرة الاستعمال سمي الصائغ الحرفي كذلك حتى في

ص: 328

حال الانقضاء باعتبار ان كل صائغ حرفي هو صائغ فعلي دون العكس و استمر هذا الاستعمال حتى انتج وضعا جديدا للمركب من دون هجر المعنى الاول فكان من قبيل الاشتراك لا النقل.و المشتقات مختلفة عرفا فيما بينها من هذه الجهة فلو استعمل الفعل الماضي كثيرا في الحرفة و الصناعة لافاد ذلك ايضا و من هنا لا نجد في اسم المفعول معنى الحرفة،نعم نجده في المصدر و اسم الفاعل و اسم المكان.

الثانية:ان المشتقات من المادة الواحدة تختلف فبعضها اشارة إلى عمل شخصي واحد و بعضها إلى عمل كلي أو عام،فما كان من الأول لم يفد الحرفة و هي الافعال و اسم المفعول و ما كان اشارة إلى عمل كلي امكن ارادة الحرفة منه،و من هنا إذا كان المقصود من(صائغ)العمل الجزئي لم نرد الحرفة و ان كان المراد العمل الكلي اردناها، و هذا ملحوظ حتى في الافعال فلو اردنا منها العمل الكلي امكن قصد الحرفة بما يناسبها من المعنى يعني(صاغ الذهب بحرفته)و قصد الكلية و الجزئية امر خارج عن وضع المادة و انما هي موضوعة للاعم منها،فيمكن ان نطلق الصائغ على من كان قائما و لا يلزم منه الوضع للاعم بل ارادة المعنى الكلي للصياغة أو هي في الجملة و هو معنى مناسب أو ملازم للحرفة،و على هذا يكون متلبسا و ليس ممن انقضى عنه التلبس و هنا لم نتورط في فرض وضعين بل وضع واحد لكن بقصدين فيقال(هذا صائغ هذا الخاتم) أي المعنى الجزئي أو الفعلية و(هذا صائغ)أي المعنى الكلي أو الحرفة.

و اما الوجه الثالث:فكان اشكال الاعمي عليه بصيغتين:

الأولى:ما ذكرناه من انا ان قصدنا الفعلية انتقض بقصد الحرفة و ان قصدنا الشأنية انتقض بغيرها كالضارب و القاتل،و ان قصدنا الاعم منهما فهو معنى الوضع للاعم.

إلا ان هذا واضح الدفع لان الوضع للاعم منهما ليس وضعا للاعم من المتلبس و المنقضي بل للمتلبس الشأني و الفعلي و ليس للمنقضي،و انقضاء الفعلية لا يعني انقضاء الشأنية فانه نحو من التلبس.

الثانية:ما ذكره السيد الاستاذ نفسه و هي مبنية على الغاء احد الاحتمالات الثلاثة

ص: 329

المذكورة في الصيغة السابقة و قد الغى الوضع لخصوص الفعلية باعتبار منافاته و انتقاضه بكثير من المشتقات الصادقة مع عدمها كالحرف و الصناعات،حينئذ يقال اننا ان قصدنا الشأنية انتقض بالضارب لانه خال منها و ان قصدنا الاعم من الشأنية و الفعلية انتقض بالصائغ لانه غير متلبس فعلا،و هذه الاطروحة واضحة الاشكال لاننا يمكن ان نختار الثاني و هو الوضع للاعم و لا ينتقض بالصائغ لانه حصة من الاعم فهو يناسب كلتا الحصتين الفعلية و الشأنية من التلبس و على أي حال لا يتعين الوضع للاعم لا في بعض المشتقات و لا في جميعها،اذ يمكن الاعتراف بوضع الهيئة للاعم من المتلبسين، و يكون استعمال كل مشتق بما يناسبه من الحال و المناسبات،و لاننا صححنا وجها آخر غير الوجه الأول الذي هو الوضع للاعم فلا يتعين المصير اليه حينئذ.

و اما جواب السيد الاستاذ فهو منطلق من اختيار الشق الثالث خاصة و نحن قد صححنا احتمالين لا احتمالا واحدا اما هو(قد)فاكتفى بتصحيح وجه واحد و حاصل ما أفاده ثلاثة أمور:

أولا:ان هذا الوجه مبتن على فكرة ارتكازية و هي ان الهيئة أو صيغة فاعل موضوعة بوضع واحد لكل المشتقات كما هو المتسالم عليه إلا انه(قد)يقول ان هذا لا يتعين بالضرورة كيف و ان اساس الدعوة المفروضة في هذا الدليل ان المشتقات الدالة على الحرف و الصناعات تختلف دلالتها عن المشتقات الدالة على الفعلية فلماذا لا نقول بتعدد الوضع و ان صيغة فاعل موضوعة بوضعين أحدهما للفعلية و الأخرى للشأنية فلا ينتقض عليه شيء لان كل حصة من المشتق تكون مستعملة بما وضعت له،فقائم من النحو الأول و صائغ من الثاني.

ثانيا:ان الصحيح-عنده-ان هيئة فاعل ليست موضوعة بوضع شخصي بل بوضع نوعي لطبيعي صيغة فاعل و ذلك للتلبس الاعم من الفعلي و الشأني على ان مرادتا من التلبس الشأني هو التلبس الاحترافي لا مجرد امكان التلبس و قابليته و الا فان لكل الناس القابلية على ان يكونوا صائغين،و هذا النحو محفوظ في سائر انحاء اسماء

ص: 330

الفاعلين غايته انه ليس له مصداق في ضارب و قائم لانه لا يتخذ حرفة في السوق و لكن له مصداق في صائغ لانه اتخذ حرفة و قال:و هذا التوسع يمكن ان ناخذه في سائر الاشتقاقات كاسماء الزمان و المكان و المصادر و غيره.

غير ان هذا غير تام صغرى و كبرى:

اما الصغرى:فواضح لان المراد من التلبس الشأني ليس هو خصوص الحرفة السوقية بل الديدن و العادة كما في قارئ و كاتب و مفكر و غيرها،و هو واضح العدم في مثل ضارب و قاتل،إلا ان الديدن موجود في مشتقات لا نفهم منها ذلك كالقائم و القاعد و النائم فان الديدن جار على ذلك مع انه لا يصدق بعد الانقضاء فمن المتسالم عليه انها كالضرب من الفعليات التي لا تصدق بعد الانقضاء،فالتلبس الشأني موجود إلا ان الصدق غير موجود و في مقابلها تصدق هذه المشتقات على مبادئ اقلّ اعتيادا نحو (مصلي).

و اما كبرى:فلانه قال ان المشتق موضوع للاعم من الشأنية و الفعلية و استعمال العام في الخاص أي الحصة(كالانسان في الانسان العراقي)يكون حقيقيا على ان لا تكون بشرط لا عن الزيادة اما إذا كان كذلك فهو مجاز و نحن نحس وجدانا في مثل (صائغ)انه موضوع لهذه الحصة بالتعيين لا للجامع فكيف نفهم منه احدهما بالخصوص اما الشأنية أو الفعلية،و هذا انما يفسر بناءا على الاطروحتين السابقتين اللتين عرضناهما و هما الوضع الثانوي للمشتق أو باعتبار استعماله في كل معنى الفعل و ليس الشخصي منه،و لولاه لم يتم المطلب.

ثالثا:انه ليس صحيحا ان نفسر هذه الظاهرة بالوضع للاعم الذي هو الوجه الأول للزوم أمرين واضحي البطلان:

1-إمكان استعمال الصائغ حتى بعد ترك الحرفة كما لو اصبح بقالا.

2-لو ان شخصا غير محترف صاغ شيئا فيصدق-على القول بالاعم-انه صائغ طول عمره.

ص: 331

فالمثال الأول على انقضاء الشأنية و الثاني على انقضاء الفعلية.

اقول:يعني بغض النظر عن السرمدية النائينية.

الدليل الخامس للقول بالأعم:

ما ذكره صاحب الكفاية،و قال عنه في عناية الاصول انه من اهم الادلة عندهم و هو استدلال الامام عليه الصلاة و السلام تأسيا بالنبي(1) صلوات اللّه عليه كما في غير واحد من الاخبار(2) بقوله تعالى(3):لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ على عدم لياقة من عبد صنما أو وثنا لمنصب الإمامة و الخلافة(4) تعريضا بمن تصدى لها ممن عبد الصنم مدة مديدة،حيث يتوقف ذلك على كون المشتق موضوعا للأعم و الا لما صح التعريض لانقضاء تلبسهم بالظلم و عبادتهم للصنم حين التصدي للخلافة و لو كان المشتق موضوعا لخصوص المتلبس لما صدق عليه وصف الظلم.و لا بد من ضم السنة الشريفة إلى الكتاب لانها تقدم فهما له و الا فان الآية وحدها لا تكفي اذ لا تدل لا بالمطابقة و لا

ص: 332


1- لم اظفر بشاهد على استدلال النبي(صلى اللّه عليه و آله و سلم)بالآية لنفي إمامة من صدر منه الظلم.
2- في منتهى الدراية للسيد المروج(293/1):(روي في الكافي عن الصادق انه قال:(من عبد صنما أو وثنا لا يكون إماما)و عن العيون عن مولانا الرضا(عليه السلام)في حديث طويل:(ان الامامة خص اللّه عز و جل بها ابراهيم الخليل بعد النبوة و الخلة مرتبة ثالثة و فضيلة شرفها بها)و اشار بها جل ذكره فقال عز و جل:إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماًفقال الخليل،سرورا بها:وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي؟قال اللّه عز و جل:لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ فابطلت هذه الاية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة و صارت في الصفوة).
3- تمام الاية الشريفة هكذا:وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ سورة البقرة:124.
4- في تلخيص الشافي للشيخ الطوسي(253/2):و قد استدل اكثر اصحابنا على إمامته-علي (عليه السلام)-بقوله تعالى ثم قرّب وجه الاستدلال و عرضه تفسير الميزان بشكل اخر فراجع.

بالالتزام ففي الكافي(1) للكيني(رضوان اللّه تعالى عليه)عن ابي عبد اللّه(عليه السلام) قال:(ان اللّه تبارك و تعالى اتخذ ابراهيم عبدا قبل ان يتخذه نبيا و ان اللّه اتخذه نبيا قبل ان يتخذه رسولا،و ان اللّه اتخذه رسولا قبل ان يتخذه خليلا و ان اللّه اتخذه خليلا قبل ان يجعله اماما فلما جمع له الاشياء قال:إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قال:فمن عظمها في عين ابراهيم قال:قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ،قال لا يكون السفيه امام التقي).

أقول:أودّ الاّ يكون الكلام في الآية أصوليا صرفا بل اشرح أولا ما افهمه من الاية الكريمة ثم نعود إلى الاستدلال الاصولي و قبل ذلك اود الإشارة إلى امر قاله السيد الطباطبائي في الميزان:و هو ان جعل الإمامة لإبراهيم كانت في آخر عمره بعد ان انتهى من بناء البيت مع إسماعيل(عليه السلام)و ليس على ذلك من دليل إلا ان الاطمئنان بصحته يستند إلى ثلاثة أمور:

1-سياق الاية نفسها لانه يتعرض إلى البيت في الاية التي بعدها:وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنّاسِ وَ أَمْناً وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَ عَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ و هو كما ترى اذ لا ملازمة بين موضوعي الحديثين و ان كان مظنونا.

2-قوله(عليه السلام):(وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي) ظاهر في الذرية الفعلية أي الموجودين فعلا و هي بصيغة الجمع مما يؤيد استظهار صاحب الميزان،إلا انه يقال في مقابله و ان كان احتماله اضعف ان المراد منها الذرية المحتملة الوجود و هو ليس جزافا باعتبار ان الأصوليين فهموا الأجيال المستمرة إلى يوم القيامة و مع هذا الاحتمال فكيف نستظهر وجود إسماعيل و اسحق عليهما السلام.

3-ان منصب الإمامة أعلى من النبوة و الرسالة و كلها مراتب روحية عالية لا تنال2.

ص: 333


1- الكافي،كتاب الحجة،باب 2:طبقات الأنبياء و ارسل الائمة،ح 2.

إلا بجهد جهيد و زمان طويل من الابتلاء و الامتحان و مع ذلك يمكن ان يقال بتحصيلها بزمن اقل من ذلك و لا تحتاج ان تكتمل في زمان هرمه(عليه السلام).

فما ذكره السيد الطباطبائي غير واضح،و نعود إلى اصل الرواية و قوله(عليه السلام)في ذيل الخبر الشريف:(لا يكون(1) السفيه امام التقي)على القاعدة اذ المفضول لا يكون اماما للفاضل.

و بحسب فهمي و ذوقي فان هذه المراتب الاربعة المذكورة لا يستحق المتأخر منها إلا بعد وجود المتقدم لانه اعظم منه،فاول الدرجات جعله عبدا أي خالص العبودية باعتبار ان الانسان إذا اعطي أي منصب الهي و كانت له انانية فسيستعمله في مصالح نفسه و هذا لا يريده اللّه تعالى فاول ما يأخذه سبحانه العبودية و هو ما يسمى الفناء عرفانيا و الا فلا يستحق منصبا الهيا،فاذا صار بهذه المرتبة استحق النبوة ثم الرسالة،و حسب حدسي فان النبي هو الذي يكون مسددا لهداية نفسه و الرسول هو المسدد لهداية الاخرين،و اما ان يكون رسولا للاخرين مع عدم هداية نفسه فهذا شطط من القول لان فاقد الشيء لا يعطيه.

فالنبوة اسبق من الرسالة،و بعد الرسول يكون خليلا،و الخلة بدلالتها المطابقية لم تعط إلا لابراهيم(عليه السلام)لكننا نعلم بالذوق العرفاني ان من هو اكمل من ابراهيم (عليه السلام)كانت له تلك المرتبة و المراتب التي اعلى منها و لا يحتمل ان يكون فاقد لها فبحسب الترتيب المنطقي لا يكون الخليل إلا رسولا،و بحسب فهمي ان الرسالة نحو ابتلاء و امتحان شديدين و مسؤولية ضخمة في الدنيا و الاخرة فان قام بها خير قيام استحق ان يكون خليلا و عندنا مثالان ممن قصر بالتقصير الدقي لا العرفي و هما آدم (عليه السلام)فأنه عصى ربه فغوى(2) ،و يونس(عليه السلام)فانه يأس قبل ان يحصل1.

ص: 334


1- اشارة إلى قوله تعالى:وَ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ سورة البقرة:130.
2- سورة طه:121.

اليأس الحقيقي فلم يستمر بهداية قومه(1) فهذا كأنه نحو سوء تصرف بالمسؤولية فالرسول إذا احسن التصرف و جاهد حق الجهاد استحق المرتبة التي تليها و الكمال لا ينتهي و الرسالة مرتبة من مراتب الكمال فاستحق درجة الخلّة فاذا حصلت له استحق مرتبة الإمامة فلذا يقال ان الإمامة أعلى درجة من النبوة و الرسالة معا.

فان قلت:ان ائمتنا عليهم السلام لم يكونوا انبياء و لا رسلا و لا اخلاء مع انهم ائمة فهل للامامة مراتب دانية و عالية لا ينالها إلا ذو حظ عظيم ام الامامة هي هي واحدة و لها مفهوم محدد يعطيها اللّه سبحانه من يستحق فتعطى بنفس المنزلة لنفس المنزلة،فإعطاؤها للائمة عليهم السلام دليل علمي على انهم قطعوا الأشواط مضافا إلى دليل آخر انّي عملى انهم افضل الخلق و انهم افضل من أنبياء بني إسرائيل و من إبراهيم (عليه السلام)فمن هذه الناحية تكون كل صفات إبراهيم(عليه السلام)ثابتة لأئمتنا مع زيادة فقد يقال إذن هم أنبياء و رسل و هذا على خلاف ضرورة الدين و اجماع المتشرعين.

و هذا في الحقيقة له جوابان:

1-ان الأئمة عليهم السلام قد نالوا مستوى النبوة و الرسالة و ان لم يجعلوا انبياء و رسلا فقد بلغوا ذات المقام ثبوتا بغض النظر عن العناوين الاثباتية.

2-ان تعريف النبي و الرسول ينطبق عليهم فالنبي هو المسدد لاصلاح نفسه و هم كذلك بلا شك،و الرسول هو المسدد لاصلاح غيره و هم كذلك بلا شك و مأمورون به.

فان قلت:قد ثبت بالتواتر من النبي صلى اللّه عليه و اله انه لا نبي بعدي.

قلنا:

1-نعم فهم ليسوا انبياء و لا رسلا اثباتا.

2-ان معنى قوله صلى اللّه عليه و اله لا نبي بعدي أي لا نبي بعد نبي الإسلام له7.

ص: 335


1- سورة الانبياء:87.

شريعة غير شريعته صلى اللّه عليه و اله فهم مبلغون لنفس شريعة النبي صلى اللّه عليه و اله و توجد جملة من الاخبار الواردة من طرق الطرفين في تأييد ذلك منها الخبر المروي عن النبي صلى اللّه عليه و اله:(علماء أمتي كأنبياء بني اسرائيل)و في نسخة(خير)و هنا نتكلم تارة عن الموضوع و اخرى عن المحمول،فالموضوع هو عنوان علماء أمتي و الائمة المعصومون هم القدر المتيقن من العنوان سواء تمسكنا باطلاقه ام لا،و اما المحمول فان قوله(عليه السلام)(كانبياء)يعني المطابقية التامة بين المثال و الممثل و النبي صلى اللّه عليه و اله لا يقول شططا من القول و لا مجازا فهما مثلان و الامثال فيما يجوز و لا يجوز واحد و اذا بنينا على النسخة الاخرى كان الامر اوضح.

و كذا الخبر المروي عن النبي صلى اللّه عليه و اله من كلا الطرفين:(علي مني بمنزلة هرون من موسى)فما هي منزلة هرون من موسى حتى تثبت لامير المؤمنين(عليه السلام)،و بحسب الظاهر المشهور ان هرون كان وصيا لموسى فعلي كذلك،و لا اريد ان أنفي الوصاية فانها ثابتة بادلتها الخاصة،و انا اقول ان هرون لم يكن وصيا لموسى إلا فترة قليلة و هي عند ذهابه إلى المناجاة عدة ايام،و ما عدا ذلك فهو ليس وصيا و المطمأن تاريخيا و التوراة تنطق به و كذا بعض المصادر التاريخية ان هرون مات في حياة موسى و انما وصيه يوشع(عليه السلام)،فنحتاج إلى معنى اخر من علاقة هارون (عليه السلام)بموسى(عليه السلام)لعله اهم من الوصاية التي يتكلم عنها الشيعة، يستفاد من قوله تعالى:فَأْتِياهُ فَقُولا إِنّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ (1) و من ايات عديدة اخرى فهرون نبي و رسول كموسى(عليه السلام)و كل ما في الامر ان الدين الرئيسي بيد موسى(عليه السلام)لا بيد هرون فنفس المنطوق يثبت لعلي(عليه السلام)ان الدين الرئيسي بيد النبي محمد صلى اللّه عليه و اله و فيما عدا ذلك فهما مثلان و هكذا اقتضت المصلحة الالهية و اذا زدنا على ذلك قلنا ان هذا التشبيه انما هو7.

ص: 336


1- سورة طه:47.

بيان لما تتحمله عقولنا و الا فمحمد صلى اللّه عليه و اله و علي(عليه السلام)اكثر اقترابا و عينية من موسى و هرون فلم يكن هرون عين موسى،لكن علي(عليه السلام)عين محمد صلى اللّه عليه و اله.

و هو معنى ليس بعيد فقد كانت الحاجة في الامم السابقة إلى انبياء(هم اولوا العزم)يأتون برسالات و شرائع و لما كانت النبوات لا تنقطع و لا تخلو الارض من حجة فبعث عدد معتد به من الانبياء ليسوا اصحاب دين مستقل فيدعون إلى نبي عصرهم و ليس لهم شريعة ناسخة،فنفس الفكرة تثبت لائمتنا عليهم السلام إلا انه مع سحب العنوان اثباتا حين اقتضت المصلحة ان لا يسمّوا امام المجتمع انبياء و رسلا احتراما للنبي صلى اللّه عليه و اله و اشعارا إلى ان شريعة الاسلام اخر الشرائع إلى يوم القيامة.

و بحسب تسلسل الفاظ الآية فان المراد من الجعل في(جاعِلُكَ) الجعل التشريعي أو التكويني،و هما متلازمان عادة،و هو اسم فاعل يتضمن الجعل و يحتمل فيه ان يكون انشاءا أي الجعل الفعلي في تلك اللحظة أو اخبارا و ليس هو باعتبار المستقبل ليكون مجازا بل اما باعتبار الحال أو الماضي و من هنا قد يستدل بها على الوضع للاعم من هذه الناحية طبقا للرواية السابقة لانه استعمل المشتق و هو اسم الفاعل بعد الانقضاء و هو الجعل لان الجعل كان ثابتا قبل الاخبار فكأنه اخبره بعد انتهاء الجعل و هو التلبس بعد ضم مقدمة كون الاستعمال حقيقيا و هذا الاستدلال غير استدلالهم الاصلي بلفظ (الظّالِمِينَ) في الآية.

إلا ان هذا قابل للمناقشة من عدة جهات:

الأولى:الطعن في سند الرواية اذ لا يعلم اعتبارها.

الثانية:ظهور الآية بالانشاء الآني حين الخطاب فتكون الرواية مخالفة لظهور الكتاب من هذه الناحية أي إذا فهمت انها إخبار عن جعل سابق للامامة قبل الخطاب فيكون ظهور الرواية زخرفا باطلا.

الثالثة:لو تنزلنا و قلنا ان الجعل ثابت قبل الخطاب فيمكن تقديم تفسير للتلبس

ص: 337

و الانقضاء لا يصح في ضوئه استدلال الاعمي هذا فان الجعل ان اريد به اصل التلبس بالانشاء فهو منقضي و ان اريد به بقاء اثره بمعنى امكان سحبه و اسقاطه فيكون دائما بمنزلة الجعل الجديد استمرارا فيكون التلبس حاليا لا منقضيا،و توضيحة بامثلة عرفية ان من قدّم طعاما إلى جائع يسمى(مشبع)فعندنا في صدق هذا العنوان ثلاث حالات فان قصدنا انه مشبعه بالاشباع الفعلي أي تقديم الطعام اليه حتى شبع أو قل اصل الاشباع فهو من المنقضي الآن لان الحدث قد انتهى و ان اردنا الحالة التي حصلت للجائع و اثر الاشباع فهو مستمر ما دام الشبع موجودا و يصدق التلبس على المشبع لانها حالة نفسية تستمر إلى حالة الجوع التي بعده فلو زالت هذه الحالة كان التلبس بالاشباع منقضيا، ففي المقام ان اريد من(جاعِلُكَ) اصل الجعل فهو من المنقضي و ان اريد حالة الجعل المستمرة فهو من المتلبس ما لم يسحب الجاعل جعله فيكون منقضيا و من هنا ظهر ان الجعل اوضح من مثال الشبع في تطبيق هذه الفكرة باعتبار ان الشبع امر تكويني لا يستطيع المشبع سحبه و ازالته اما الامامة فيمكن إلغاؤها في اية لحظة فالجعل بالمعنى الثبوتي أي ارادة اتصاف ابراهيم(عليه السلام)بالامامة مستمر و مجعول هذه الارادة مستمر فلّما لم يسحبها فارادته التي هي روح الجعل مستمرة و التلبس موجود و لعل المثال العرفي الاقرب إلى ذلك الوكالة فاذا وكّلت زيدا فهنا ثلاث حالات الاولى حال انشاء الايجاب و القبول و العنوان بهذا اللحاظ منقضي الآن و ان اريد به استمرار ارادة الوكالة فاني(موكل)زيد إلا ان تحصل الحالة الثالثة و هي عزله عن الوكالة،و الخلاصة ان اللّه سبحانه و تعالى متلبس بوصف كونه(جاعلا)ما دامت ارادته مستمرة في الجعل.

و من المطالب التي اود الاشارة اليها في الاية قوله تعالى:إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً فقد يستشكل في اهمية الامامة المجعولة بعدة تقريبات:

الأول:ان الامامة للناس هي عين الرسالة لهم.

الثاني:ان استقراء الآيات القرآنية يشعر ان عنوان الناس يستعمل في الطبقات

ص: 338

المتدنية من المجتمع الذي يمكن تسميتهم بالهمج و الامامة على امثالهم ليس امرا عاليا في مقابل ما ورد في الآية على لسان فئة من المؤمنين:وَ اجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (1)

و المتقون درجة عالية فليست اذن امامة ابراهيم(عليه السلام)اعلى من النبوة و الرسالة كما زعم.

و شواهد هذا الاستقراء كثيرة منها قوله تعالى:يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النّاسِ (2)

أي الذين لا حظ لهم من المراتب العليا.و منها قوله عز من قائل:اَلَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ (3) ،بكلا لفظي الناس و قوله تعالى:وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يُشْهِدُ اللّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (4) ، وفَأَبى أَكْثَرُ النّاسِ إِلاّ كُفُوراً (5) ولَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ (6) ، ووَ ما أَكْثَرُ النّاسِ وَ لَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (7).

و يجاب عن التقريب الأول:بأن الرسالة هي التبليغ اللساني و الامامة هي القدوة و الاسوة.

و يجاب عن الثاني بأمور:

1-النقض في آيات كثيرة استعمل فيها لفظ الناس في معنى يشمل الصالحين3.

ص: 339


1- سورة الفرقان:74.
2- سورة الناس:5.
3- سورة آل عمران:173.
4- سورة البقرة:204.
5- سورة الإسراء:89.
6- سورة السجدة:13.
7- سورة يوسف:103.

كقوله تعالى:اَللّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَ مِنَ النّاسِ (1) و قوله تعالى:يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللّهِ (2) و ليس الفقر هنا بالمعنى الاقتصادي و ان كان الامر كذلك بل بالمعنى الدقي أي كلنا محتاجون تكوينا إلى الاسباب إلا اللّه تعالى فالسبب الحقيقي لرفع الفقر هو الاتصال باللّه تعالى.و قوله تعالى:هذا بَصائِرُ لِلنّاسِ وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (3) فهذه الرحمات الثلاثة لا يتحملها الهمج و المتدنون بل هي للمحسنين فعبرّ بالناس هنا عن المحسنين.و قوله تعالى:وَ رَأَيْتَ النّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللّهِ أَفْواجاً (4) و نفس الايات التي استدل بها المستشكل تصلح للنقض بمفهومها فقوله تعالى:وَ ما أَكْثَرُ النّاسِ وَ لَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ أي ان البعض الاخر مهما قلّ من المؤمنين.

2-إن ما ذكر و ان كان صحيحا إلا انه لا ينافي التمسك باطلاق لفظ الناس الذي يشمل اجناسا مختلفة بما فيهم الطبقات الدنيا و العليا و ان كان الامر كذلك فابراهيم (عليه السلام)امام لجميع الناس و امامته على الداني و ان لم تكن مهمة إلا ان امامته على العالي لها اهمية عالية فيدل على انه(عليه السلام)عالي المقام.

فمن الممكن القول ان لفظ الناس يستعمل في المعنى الاعم و تدخل سائر الحصص و منها المتقون فيه و من هو اعلى منهم ايضا.

3-يمكن القول ان قوله تعالى:(لِلنّاسِ) انما هو من قبيل الشرح اللغوي لحفظ الظاهر و الا فالامامة العليا غير مربوطة بالامور الدنيا إلا بعللها المتأخرة لا بالمباشرة.2.

ص: 340


1- سورة الحج:75.
2- سورة فاطر:15.
3- سورة الجاثية:20.
4- سورة النصر:2.

قوله تعالى:(وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي) من المحتمل ان يراد بالذرية أحد أمرين:

1-الذرية المباشرة ايّ أولاده الصلبيون و أحفاده القريبون دون الأجيال المتأخرة.

2-ان يراد بها الذرية مطلقا و لو بعد آلاف السنين.

و على التفسير الاول ينسد باب الاستدلال لان المشايخ الذين عناهم الاستدلال من الاجيال المتأخرة كثيرا عن ابراهيم(عليه السلام)فهم غير مشمولين بالدعاء.

و يجاب بعدة وجوه:

1-انه متى تصدق الابوة تصدق الذرية و بالعكس،فهما معنيان متضايفان فاذا لم تصدق الذرية لا تصدق الابوة،و هذا باطل اذ العرف يشهد على صدق الابوة فينتج صدق البنوة و الذرية فيشمل كل الاجيال الآتية بعده.

2-يمكن القول ان اكثر ما ذكر في القرآن من الذرية اريد بها البعيدة كقوله تعالى:ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ (1) و بين بني اسرائيل و نوح اجيال عديدة و:ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ (2) و:كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (3) و:أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ (4) و:وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ -أي إبراهيم(عليه السلام)-داوود و سليمان و أيّوب(5) و:وَ جَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (6).7.

ص: 341


1- سورة الاسراء:3.
2- سورة آل عمران:34.
3- سورة الانعام:133.
4- سورة مريم:58.
5- سورة الانعام:84.
6- سورة الصافات:77.

فان قلت:انه يوجد استعمال في القرآن يستفاد منه الذرية القريبة و هو قوله تعالى:وَ لَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ (1) أي اولاد ضعفاء و اذا كان بعض القرآن قرينة على تفسير بعض فيفهم منه ان الذرية يراد بها القريب.

قلنا:ان الآيات التي ذكرناها تدل باطلاقها على شمول لفظ(الذرية)للقريبة و البعيدة.فلا تنافي و لو تنزلنا فان هذه الاستعمالات تتعارض فيما بينها فتتساقط و لا ينفع هذا الوجه.

اما التفسير الثاني فيمكن ان يرد عليه:

1-ان العرف لا يفهم من الذرية الاجيال المتأخرة كثيرا و قد علمت جوابه.

2-ان الدعاء حينئذ يشمل اليهود من بني اسرائيل و هم شر الخلق و من غير المحتمل ان يدعو إبراهيم(عليه السلام)لهم بالامامة فاختص اللفظ بالذرية القريبة.

و يجاب هذا:

1-ان اجيالا من بني اسرائيل قبل موسى(عليه السلام)و بعده كانوا صالحين و على حق و منهم انبياء كثيرون فليس كلهم كما نتصور شر الخلق،نعم ازدادوا ظلما و عتوا بعد موسى و عيسى عليهما السلام.

2-ان الدعاء في مصلحة الفاسق ليس حراما،فيدعوا له بالصلاح و الكمال المعنوي اذ لا يراد من الفاسق ان يبقى على فسقه و ما داموا ذريته(عليه السلام)فهم اولى الناس باتباعه بأن تصل اليهم الامامة التي وصلت اليه.

و كلمة(ذُرِّيَّةٌ) مدخولة ل(من)التبعيضية أي بعض ذريتي فكأنه سأل أنه من من ذريتي ينال الإمامة؟و لا ينالها إلا ذو حظ عظيم و لا يصلح لها إلا القليل فلم يجعل (عليه السلام)ضابطا لمن يدخل و من يخرج فكان الجواب بجعل القاعدة العامة و هو (لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ) .6.

ص: 342


1- سورة البقرة:266.

قوله تعالى:(عَهْدِي) :ظاهر المفسرين ان المراد بالعهد الامامة،مع العلم انه ليس هناك عهد مسبق و لا جعل عام بنحو القضية الحقيقية و انما هو جعل شخصي في مورد جزئي فيرد الاشكال عليهم جميعا.

و بحسب فهمي ان عهدا آخر يوجد و هو العهد باستجابة الدعاءوَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (1) و هو كقانون موجود منذ القدم و ان كان بحسب اللفظ مما نزل في القرآن متأخرا عن ابراهيم.فاذا كان الدعاء جامعا لشروط الاستجابة و فى اللّه سبحانه بعهده و لا شك ان إبراهيم(عليه السلام)جامع لهذه الشروط فقول إبراهيم(عليه السلام):(وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي) اصبح صغرى لهذا القانون أي اعط الامامة لبعض ذريتي فيتعلق الوعد بالاجابة فيوجد تلازم في المقام بين إجابة الدعاء و جعل الإمامة فيكون العهد بالاجابة خاصا بغير الظالمين و اما هم فلا ينالون العهد بالاستجابة فمن حق المفسرين ان يفسروا العهد بالإمامة لانها ملازمة للعهد الذي هو استجابة الدعاء فهو تفسير باللازم أي بالدلالة الالتزامية.

بقيت الاشارة إلى نكته ظاهرة من الآية فقد عبّرت(لا يَنالُ) و لم يقل مثلا(لا اعطي عهدي)أو(الإمامة)و لعل في ذلك اشارة إلى ان هذه المراتب و غيرها من مراتب الكمال إنما تنال بالتكامل و التصاعد في عالم الملكوت الاعلى فكلما تكامل الفرد إلى درجة معينة استحق فيضا مناسبا لتلك الدرجة و منها الإمامة فغير الظالمين ينالون الإمامة فهم يصعدون اليها لا هي تنزل اليهم.

إن قلت:ان هذا على خلاف ظاهر الآية من جعل الإمامة لإبراهيم(عليه السلام) فهي تنزل إلى العبد لا انه يصعد اليها.

قلنا في جوابه اشكال:

الأول:ان نقول ان المراد بالجعل الجعل التكويني لا التشريعي الانشائي أي ان0.

ص: 343


1- سورة غافر:60.

مرتبة كمالك-يا إبراهيم-ملازمة لهذا الوصف الإلهي.

الثاني:اننا نعلم ان هذا الجعل هو انشائي لكنه ليس اعتباطيا لكل من هب و دب و انما يعلم تعالى من هو اهل فينشئ له الجعل التشريعي فانه كريم لا بخل في ساحته فيفيض هذا الجعل إلانشائي على مستحقه و لا يتخلف عنه طرفة عين فهو طبيعي الوجود بالنسبة اليه تعالى.

الثالث:اننا لو قصدنا من التكوين العلة القهرية لكان مخالفا للجعل و هذا صحيح لكننا لا نقصده اذ لا توجد في أي خلق مهما تسافل أو تصاعد علة قهرية خارجة عن ارادته تعالى اذن فوجود الامامة بعلّتها لكن باختياره تعالى فهو جعلها لمن يستحقها كما انه هو جعل الحرق للورقة الملقاة في النار فهذا تكويني لكنه غير خارج عن ارادة اللّه تعالى بل بقانونه لذا قال:اني جاعلك للناس سواء فهمنا الجعل التشريعي أو التكويني.

ان قلت:على هذا التقرير(أي ان العبد هو يصعد و ينال الامامة لا انها تنزل إلى العبد)ينبغي ان يكون لفظ(الظّالِمِينَ) مرفوعا على انه فاعل اما قرائتها بالنصب على انه مفعول به فيؤدي عكس المعنى.

قلنا:ان هذا الاشكال و ان كان في نفسه لطيفا إلا انه يمكن الاجابة عليه بان نتصور في الخيال المعنوي أحد أمرين:

الأول:ان نتصور ان الإنسان غير الظالم يتكامل إلى درجة معينة بعلم اللّه سبحانه فتنزل عليه الإمامة من فوق و يلتقيان في مرتبة معينة فيكون الاشكال بلحاظ نزول الإمامة العهدية إلى تلك المرتبة الطاهرة من الظلم و هي على غير استعداد لتنزل اكثر فتنال من لا يستحقها فالنيل كما يكون بالتنازل يكون بالتصاعد.

الثاني:ان كل منزلة من المنازل الكمالية لها صفاتها و مميزاتها الموجودة فيها فاي شخص يصل إلى مرتبة ما يتناول الوصف الذي يستحقه فيها فتكون الإمامة ملازمة لمرتبتها الخاصة تنتظر و تشتاق إلى من يصل اليها نظير ما ورد في الروايات ان الحور العين تشتاق...

ص: 344

فالإمامة لم تتحرك و لم تنزل و انما المؤمن و العبد الصالح هو الذي تحرك و اذا ضممنا فكرة عامة و هي ان(أ)إذا نال(ب)فان(ب)نال(أ)ايضا و هذا النيل غير متوقف على مقدماته كالأول فاذا نال العبد الإمامة نالت الإمامة العبد و ان لم يتحرك من مكانه الذي وصل اليه كما ان الانسان لو دخل المسجد و ناله فان المسجد نال الانسان ايضا لكن ليس من قبيل العلّية و انما العلّية من طرف واحد.

كما انه ينبغي ان نشير-و اللّه العالم-إلى ان ابراهيم(عليه السلام)لم يلتفت إلى هذا النظام الذي قلناه و انما حسب-في ضوء فهمي-ان الإمامة تكون بالجعل الانشائي تعبدا لا بالاستحقاق فقال و من ذريتي.

اللهم إلا ان يقال:ان هذا الكلام منه لاجل افهام الناس من قبيل(كلموا الناس على قدر عقولهم)أي ان الناس إنما يتحملون بهذا المقدار من البيان و هذا الاسلوب.اما اكثر من ذلك فلا ينبغي التصريح بل تلميحا لمن يستحق فهمه من البشر.

قوله تعالى:(الظّالِمِينَ) الظلم الذي نتكلم عنه له ثلاث مراتب لكل منها شقان:

الأول:الفساد في العقيدة،فظالم أي كافر أو مشرك أو ملحد.

الثاني:الفساد في التصرف الذي هو العصيان فقد يعصي حسن العقيدة سلوكا ما كأن يترك بعض الواجبات أو يرتكب بعض المحرمات.

الثالث:المعنى الدّقي كما جاء في الاثر(حسنات الابرار سيئات المقربين)فهذه السيئات ليست ترك الواجبات و فعل المحرمات العامة بل يعرفها كل شخص بحسب تكليفه الخاص و حسب مستواه و مقامه و بهذا المعنى تتصاعد الذنوب إلى اعلى المستويات لانه يثبت بالدليل الصحيح حسا و حدسا ان اللّه تعالى يستحيل ان يطاع حق طاعته لان فضله من الكثرة بحيث لا يشكر حق شكره فمن المستحيل ان يؤدي المحدود حق غير المحدود بما فيهم خير الخلق(صلى اللّه عليه و اله)و ان قلة الطاعة و قلة الشكر عصيان و بعض الالتهاء بالامور الدنيوية عصيان لذا كانوا عليهم السلام يقدمون ذنوبهم بين يدي اللّه سبحانه مع العلم انهم ليس لهم ذنوب بالمعنى العام.

ص: 345

و لكل شكل من هذه الاشكال الثلاثة شقان لانه اما ان نفترض ان الظلم هو اصل صدور هذه الامور من الانسان أو نفترض انه اثره الباقي في القلب بعد زوال الفعل.فان سوء التصرف خصوصا على المعنيين الاولين للظلم يوجب رينا قابلا للبقاء فترة طويلة و عليه فليس الظلم هو نفس السرقة أو شرب الخمر بل القسوة الباقية أو قل المجموع من الفعل و اثره فما دامت قسوة القلب موجودة فالفرد ظالم و لا ضير في عدم كونه اختياريا ما دام سببه اختياريا و ما ليس بالاختيار لا ينافي الاختيار و لا يعاتب على قسوة القلب و انما يعاتب على شرب الخمر الذي سبب ذلك.

فاصبحت الصور المحتملة ستة و في عدد منها تتم دعوى الاعمي دون بعض.

فالشق الأول:الرئيسي الذي عليه مشهور الاصوليين هو ان نفسر الظلم بالمعنى الأول و الذي وردت فيه رواية الامام(عليه السلام)انهم كانوا يعبدون الاوثان و لا يستحق مثلهم ان يكون إماما فمن عبد الاوثان طرفة عين لا يكون اماما طرفة عين،و هنا ينبغي ان نغض النظر عن الاثر القلبي لعبادة الاوثان لان الاثر القلبي له كلام يأتي،و انما نفترض ان الظلم هو عبادة الاوثان نفسها و على هذا تنعقد صورة دليل الاعمي بأن يقال:

ان عبادة الاوثان زالت و مع ذلك يسمى ظالم و كل ظالم لا ينال الإمامة فيسمى ظالما بعد زوال تلبسه بالظلم.

و يجاب هذا الاستدلال بعدة وجوه:

الأول:احتمال عدم تحقق الصغرى منهم فلم يتحقق الانقضاء.

الثاني:الطعن في سند الرواية و الآية وحدها لا تفسر الظلم و حتى لو كانت الرواية معتبرة فانما هي حجة في الامور الفقهية لا اللغوية.

الثالث:اننا لو فسرنا الظلم في الآية بعبادة الاوثان نتورط في محذور اكبر لان لازمه ان كل من كانت عقيدته صحيحة يستحق الامامة و كثير من اولاد ابراهيم(عليه السلام)لم يتلبسوا من اول حياتهم إلى نهايتها بعبادة الاصنام فهم ليسوا ظالمين على هذا التفسير فهل كل هؤلاء ائمة؟لا طبعا بل اقل القليل من ذريته(عليه السلام)و هذا

ص: 346

مما لم يلتفت اليه الاصوليون حيث فسروه من جهة و غفلوا من جهة اخرى.

الرابع:لو تنزلنا و قبلنا كل المطالب الاصولية المشهورية بان من عبد الاصنام قليلا في عمره أو كثيرا فانه لا يستحق الامامة إلى اخر عمره و انه يكفي هنا التلبس آنا ما كما عليه الآخوند أي ان العلة المحدثة كافية للبقاء بينما يمكن فهم معاني اخرى من الآية الكريمة بحيث يكون الظلم و عدم الإمامة متقارنين دائما أي انه علة محدثة مبقية،اقول لو سلمنا كل ذلك فينقض عليه بمثل سلمان الفارسي.

بيان ذلك بضم مقدمتين تنتجان هذا النقض:

الأولى:ان سلمان مرّ بعهود مختلفة و جرب عددا من الاديان خلال تاريخه السابق على الاسلام بحسب الحكمة الالهية ليرى ان الاسلام هو الدين الصحيح فقد كان ظالما على هذا النحو.

الثانية:ما ورد عنه صلى اللّه عليه و اله بسند معتبر و مشهور ظاهرا(سلمان منا اهل البيت)أي في مستوانا الكمالي و النوراني فهم عصبة عالية المقام و هو منهم،و لما كانت الإمامة ثابتة لهم فهي ثابتة له ثبوتا مع اننا اثبتنا انه ظالم بالمعنى الذي قاله الاصوليون فهذا نقض على ما قالوه ان الظلم آنا ما لا يجعله مستحقا للإمامة.

و اما العلة المحدثة البقية من الظلم بحيث يكون حال الاستعمال متلبسا أو طول عمره متلبسا و به ينفتح الباب لرد استدلال الأعمى فلا اقل من أمرين و الا لاصبح كل ذرية إبراهيم(عليه السلام)غير عابدي الأصنام ائمة و هو غير محتمل.

الأمر الأول:ان الذنب لدى حصوله يوجد اثر سرمديا في القلب و هذا الأثر هو المانع عن الإمامة فلا بد لكي ينال العهد الاّ يكون له ذنب اصلا.

فان قلت:فانه في الرواية و الارتكاز المتشرعي(التائب من الذنب كمن لا ذنب له)و هذا يشمل الاثر القلبي أو النفسي.

قلنا:أولا:انه نزّله منزلته و ليس هو هو و لم يقل(التائب من الذنب لا ذنب له) لانه له ذنب و هذا تنزيل و هو و ان كان في الفقه له تأثير و يدل على الهوهويه نحو

ص: 347

(الطواف بالبيت صلاة)و لكنه في الامور الواقعية لا اثر له و خاصة تلك الأمور المعنوية العالية كالإمامة و الرسالة فانها لا تنال بالتنزيل و التشبيه فالمذنب حقيقة-و ان تاب-ليس له ان يصل إلى تلك الحدود العليا كالإمامة.

و يجاب ذلك:بان هذا اما ان نأخذه باعتبار الاثر الباقي في قلبه بعد فساد عقيدته و اما ان ناخذه بدون ذلك و مفروض هذا القسم ان نأخذه بدون ذلك فالمؤثر هو السبب فقط لا هو و المسبب أي عمل الذنب قبل التوبة لا بعدها فيرتفع عنوان الظلم بالمرة فالتعبير بصيغة التشبيه و التنزيل مجاراة للعرف و ليس له اتجاه تنزيلي حقيقة كما هو مفاد الدلالة المطابقية و وجود الكاف كعدمها و انما المقصود حقيقة هو ان التائب من الذنب لا ذنب له و هما متشابهان من جميع الجهات بما فيها عدم الذنب.

ثانيا:اننا لو سلمنا ان التوبة تزيل الاثر النفسي و القلبي و العقلي لكن هذا لا يشمل سوء العقيدة كعبادة الاصنام و الشرك الصريح فان ظاهر لفظ الذنب هو العصيان و ترك الواجبات و فعل المحرمات و نحوها من الامور المتعارفة التي تصدر من حسني العقيدة لا التي ترجع إلى فساد العقيدة لوضوح اننا لا نسمي الكافر مذنبا بل هو اسوء من المذنبين جميعا فلا يكون صغرى للقاعدة المذكورة.

و جواب ذلك من جهتين:

الأولى:النقض بمسلمي صدر الاسلام و غيرهم ممن كانوا على ديانات فاسدة و يسلمون و بعضهم ترقى إلى مراتب عالية من الايمان بغض النظر عن الإمامة فلو كان (لا ذنب له)لا يشمل فاسد العقيدة فيبقون فاسدين و هو لازم واضح البطلان.

الثانية:انه مبني على ان الكفر و نحوه من اشكال فساد العقيدة ليس ذنبا و هو ضيق في النظر اذ الذنب كل نقص امام اللّه تعالى في العقيدة و السلوك لا يختص بالذنوب المتعارفة فاذا زال الذنب-أي ذنب بهذا المعنى الوسيع-بالتوبة فيصبح كمن لا ذنب له و يصبح الكافر الذي يسلم كالمؤمن بالاصل و يؤيده ما اجمع عليه الفريقان(من ان الاسلام يجب ما قبله) فتكون حياته السابقة ملغية بالمرة.بل قد يصبح اعلى منهم حسب الاستحقاق،نعم قد يقال

ص: 348

بان تكامله اصعب و أبطأ لضعف استعداده بسبب المدة الطويلة من الكفر.

الأمر الثاني(1):ان المراد من الذنب:الذنب الدقي و ان كان في درجة المتقين و الورعين و غير ذلك و من هنا لم ينل الإمامة اغلب اولاد إبراهيم(عليه السلام)و ذريته، بل ان إبراهيم نفسه لم ينلها إلا بعد النبوة و الرسالة و الخلّة.و هي تحتوي على درجات من التنزيه عن الذنوب تدريجا،و معه لا حاجة إلى القول بانها علة محدثة فقط أو محدثة للأثر،و أنما نفس الذنوب مع عدم التصدي للتوبة الجدية عنها كاف في ذلك، أو قل:ان المستوى النفسي الذي هو علة الذنوب(لا معلولها)لا يناسب أو لا يتحمل جعل الإمامة و ثقلها،و اذا تم ذلك لم يتم دليل الاعمي لانه لا يراد به إلا المتلبس و لا يتم الاستدلال على كل تقدير،و اما إذا زال عنه التلبس و اثره فهو يستحق الإمامة بالضرورة،و نريد بها الإمامة الثبوتية بغض النظر عن العنوان.

و الى الآن كأننا انتهينا من القسم الاول من اقسام الظلم و رأينا انه لا ينبغي القول انه بعد زواله بالتوبة و الاخلاص يبقى أمامه الباب منسدا في طريق التكامل و الإمامة بل يبقى مفتوحا بفضل اللّه وسعة رحمته و يكون قوله تعالى:لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ

خاصا بالمتلبس و لا يعم المنقضي فما دام ظالما و لم يتلبس فالمحمول هو الامامة لا يكون شاملا له و اذا تاب فهو من المنقضي و تترتب عليه نتيجتان:

1-إمكان الحصول على الإمامة.

2-اننا ننكر ان استعمال الظالم فيما انقضى و حصلت منه التوبة حقيقي بل مجازي بعد ان برهنا على ان المشتق موضوع لخصوص المتلبس و طبقا لاصالة الحقيقة الجارية في المقام فلا يكون المنقضي مشمولا بقوله تعالى:لا يَنالُ عَهْدِي لانه أكيد المجازية.

ان قلت:إذن لماذا استدل الإمام(عليه السلام)به و كأن تهافتا بين ما زعمتم و الخبر.

قلنا:جوابه من وجوه:ل.

ص: 349


1- و هو يرجع إلى قسم آخر من الأقسام الستة و انما ذكر في حدود الرد على الإشكال.

1-الطعن بسند الرواية فلا اعتقد لها سندا معتبرا.

2-ما ذكرناه من عدم تحقق الصغرى.

3-انه انما ذكره لالزام الراوي و افهامه لان الذي ذكرناه من أقسام الظلم ليس واضحا في الأذهان العرفية و انما الواضح عبادة الأوثان و قد باشروها فيكون الزاما للسائل بغض النظر عن المقدمات.

4-ما يمكن تصيده من ذيل الرواية لانه تضمن قاعدة عامة لهذا المورد و غيره و هو ان السفيه لا يكون إمام التقي أي ان الادنى لا يكون إماما على الاعلى فهم بمجموع حياتهم كانوا اقل من أمير المؤمنين(عليه السلام)فلا يكونون ائمة عليه، فاعطاء الكبرى يكون بمنزلة التنازل عن المقدمات المستفادة من الرواية.

القسم الثاني من الظلم ان ننظر اليه بلحاظ الاثر الناتج نفسيا و عقليا و ينبغي ان نعبّر عنه بالاثر القلبي للذنوب فنتصور ان شخصا ما كان فاسد العقيدة و اثر هذا على قلبه و زال تلبسه بفساد العقيدة أي بالمعنى الأول بالإسلام إلا ان اثره القلبي لا زال موجودا فلا يكون مستحقا للتكامل إلى درجة الإمامة و انما ينفتح الطريق إذا ازال الاثر عن نفسه.و يترتب عليه أمران في الاستدلال للمشتق:

1-ننكر ان من تاب و امن و عمل صالحا ثم اهتدى غير مستحق للإمامة أو ان طريقها منسد أمامه.

2-ان وصف هذا الشخص بالظالم على نحو الحقيقة-على القول بالوضع للمنقضي-ظلم له بعد زوال عمله و اثره فانه من باب تسميته بالمبدأ بعد تلبسه بالضد.

و كما امكن البرهنة على ان التوبة مزيلة للقسم الأول من الظلم كذلك يمكن تقريب نفس البرهان على ازالة التوبة للظلم من القسم الثاني و خاصة بعد ان قررنا فيما سبق انه لا يقدح فيه تنزيل المذنب التائب كمن لا ذنب له لانه تنظير حقيقي و ان التائب في جملة الذين ليس له ذنوب اصلا،نعم توجد اشكالات تختص بهذا القسم دون سابقه من قبيل ان نقول ان خبر(التائب من الذنب كمن لا ذنب له)يشمل الذنوب

ص: 350

العملية لا آثارها التي هي محل الكلام فلا دليل في هذا القسم على التنزيل فيبقى الظالم متلبسا بهذا الاثر طيلة حياته و لا يكون مستحقا للإمامة.

و جواب ذلك ببساطة:انه لا يمكن ان تزيد اهمية الاثر على المؤثر فإذا

كان المؤثر و هو فساد العقيدة قابلا للزوال بكل تفاصيله و اثاره كعدم الإمامة فكذلك اثره القلبي لان هذه الزيادة في الاهمية معلول بلا علة و الخبر كما يشمل العلة يشمل المعلول.

ان قلت:ان الذنوب القلبية ليست ذنوبا حتى تكون مشمولة بالخبر أو يقال انها ليست اختيارية باعتبارها من صفات القلب و انما يدخل في الاختيار اعمال الجوارح.

قلنا:ان هذا جزاف من القول و ليس بصحيح فان هذا الاثر القلبي ايضا عمل اختياري باعتبار التسبب فيه و السبب المنتج له كان اختياريا فالمعلول اختياري و قد قيل (ان ما ليس بالاختيار لا ينافي الاختيار).فمن القى نفسه من شاهق و لم يتمكن من انقاذ نفسه اثناء السقوط للعجز لا ينافي تحميله المسؤولية.

كما ان تسمية الأفعال القلبية أعمالا ليس بمستبعد فقد قسم الفلاسفة و اضرابهم الفعل إلى فعل الجوارح و الجوانح فالإنسان يتصرف باختياره في التفكير و التكلم في باطن النفس و غيرها،فالعصيان القلبي ذنب و كل ذنب يزول بالتوبة و عندئذ تتحقق النتيجتان المذكورتان و هي انفتاح طريق التكامل أمامه حتى للإمامة و ان تسميته ظالما بعد التوبة المناسبة استعمال مجازي بعد الاستدلال السابق ان المشتق موضوع لخصوص المتلبس.

و بذلك انتهى الكلام في القسمين الأولين الذين محورهما فساد العقيدة و معلولها.

ثم يقع الكلام في القسمين الثالث و الرابع و ضابطهما العصيان العملي و معلوله النفسي و العقلي و القلبي و عندئذ يكرّر نفس الكلام بل هنا اسهل و أهون لان الفرض هنا حسن الاعتقاد.

القسم الخامس:و هي الذنوب الدقية التي يمكن ان تناسب حتى مرحلة الورع

ص: 351

و التقوى لان الورع هو عبارة عن الالتزام بايجاد الواجبات العامة و ترك المحرمات العامة و هو لا ينافي مطلقا صدور مطلق الذنب كنظرة ما أو حركة ما أو شعور كالعجب أو الرياء فهذه ذنوب في مستويات خاصة دقيقة و هو القسم الذي نتكلم فيه:

و هنا ينبغي ان نلتفت إلى أمور:

الأول:ليس كل المستويات المذكورة من الذنوب تنتج اثارا قلبية فالقسمان الأول و الثالث منتجان لها اكيدا اما الخامس فغير منتج بالضرورة لقسم سادس(و لا ننسى ان القسم الخامس هو الذنوب الدقية بلحاظ اصل صدور الذنب و السادس بلحاظ اثره القلبي)لانها مناسبة للإنسان عالي المقام و مثله لا يحتمل ان يتأثر قلبه بها أمام اللّه سبحانه.

و ببيان آخر نقول:ان الذنوب في تلك المستويات ليست ذنوبا حقيقية بل ضرب من الأعتراف بالقصور أمام اللّه سبحانه فما فعله طاعة محضة لكنها ناقصة مقابل حق اللّه سبحانه فهو من جهة نقصانه يستغفر و يعتبرها ذنوبا.

و من ناحية أخرى ينبغي ان نلتفت إلى ان مثله يكون حصول الذنب منه مقترنا بالتوبة بحسب ما يناسبه من الحال طبقا لرواية:(ان من اذنب و شعر ان ذنبه أمام اللّه سبحانه عدّ من المستغفرين قبل ان يستغفر و من شعر ان النعمة من اللّه عد من الشاكرين قبل ان يشكر)فالذنب في المراتب العالية مقترن بالتوبة و التوبة ماحية فلا يبقى ذنب و لا اثر و هي مقبولة و مخلصة في تلك المراتب.

الأمر الثاني:ان مثل هذه الذنوب الدقية في المراتب العالية ليست معيقة للإمامة لانه لا أحد ينجو من التقصير أمام اللّه سبحانه فحتى المستحق للإمامة هو مذنب بهذا المعنى الدقي و لا ينافي جعله اماما.

الثالث:ان إبراهيم(عليه السلام)لم ينل الإمامة إلا بعد طيّ تلك المراحل و معناه ان كل مرحلة مقترنة بأمرين:

أحدهما:إيجابي وجودي و هو الكمال الذي أحرزه في هذه المرحلة.

ص: 352

و ثانيهما:سلبي عدمي و نعني به عدم الكمال المناسب لما فوقه فهو من هذه الناحية له درجة من الذنوب و كلما تكامل الإنسان تقل نقائصه و ذنوبه فهذه الدرجات الأربعة التي مرّ بها إبراهيم(عليه السلام)كانت في طريق التكامل و أول تلك المراحل العبودية و هي ليست شيئا هيّنا فهذا رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و هو خير الخلق يقول:

(اختارني عبدا قبل ان يختارني رسولا)و العبودية الحقيقية بالبراءة مما عدا اللّه حتى من ذاته و عندئذ لا نتعقل ما فوقها و لكنهم عليهم السلام يتعقلون ففوقها النبوة و الرسالة و الخلّة و فوقها الإمامة و في كل مرتبة لها ما يناسبها من النقائص و الذنوب و العيوب أعم من الذنوب العامة بل هو حد عدمي يزول بالوصول إلى الكمال الذي فوقه.

الرابع:اننا كما قلصنا سلسلة أقسام الظلم إلى خمسة بعد إلغاء القسم السادس، يمكن ان نحذف القسم الخامس فتبقى الأقسام الأربعة الأولى هي القدر المتيقن من الاتصاف بالظلم،و وجه عدم اتصاف القسم الخامس بالظلم لانه ملازم مع درجات عالية من اليقين و من غير المحتمل ان يكون امثال هؤلاء مصداقا للظالمين بل ان بعض هذه المراتب كانوا يشعرون بالذنب و الظلم و التقصير أمام اللّه سبحانه و هم ائمة فاذا كان هذا الظلم مصداقا للآية الشريفة كان مخالفا للقاعدة التي اسستها الآية:قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ .

و الذي استطيع بيانه بهذا الصدد اننا إذا قصدنا من الظلم ظلم الآخرين فهم منزهون عنه جزما،بل مثله يسعى بينه و بين غيره برضا اللّه سبحانه لكن هناك قسم من الظلم ادق من ذلك نص عليه القرآن الكريم:ظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ اَلَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ و هذا الظلم بحسب فهمي يبقى مرافقا للإنسان طويلا لانه نوع تسبب لحرمان النفس عن الدرجات المتوقعة للكمال و كل فرد ما دام لم يتسبب للوصول إلى المرتبة اللاحقة لمرتبته فهو ظالم و الظلم للنفس موجود و خاصة في المراتب الدنيا من هذه المراتب العليا التي نتكلم عنها و لا نتعرف عليها إلا بالدليل الانّي لا اللمّي فلا نعرف ان

ص: 353

هذا مستحق للإمامة بل كل من وصلته الإمامة نعلم انّا انه ليس بظالم و ليس بالعكس بل نعلم باليقين بقاء الظلم إلا ان يستره اللّه تعالى و يغفره إلا ان يقيم اللّه تعالى دليلا على ذلك بان يعطيه بعض تلك المراتب.

الخامس:اننا إلى الآن تكلمنا عن معلول الظلم فان الظلم بآية مرتبة فسرناها يكون علة لعدم الإمامة،و بتعبير أدق يكون سببا لشيء ملازم مع عدم الإمامة و هذا في نفسه صحيح لكن ينبغي ان نلتفت ان الظلم سيء علة و معلولا فما تكلمنا عنه هو معلول الظلم و أريد ان أتكلم عن علته و هو المستوى النفسي المنتج للظلم بكل أقسامه واضحا أو دقيا فهذا المستوى لا يمكن ان يكون محلا للنبوة و الرسالة و الإمامة أي لا يتحملها لان الإمامة و النبوة ثقل في المسؤولية و انما يعطاها الإنسان بعد وجود المقتضي للقيام بمسؤولياتها و مثل هذا الإنسان الذي فيه سبب الظلم لنفسه لا يكون مطيقا لاعباء الإمامة و الرسالة و نحوها.

و نشير هنا إلى نفس ما ذكرناه في الأمر السابق بان نفس هذه الحالة و هي القصور عن المنصب تستصحب ما لم يثبت بالإّن انتفاؤها و يثبت ذلك بجعل اللّه سبحانه المنصب له فنعلم انه زال ضعفه و عدم استحقاقه اذ لو كان كذلك لما حملّه اللّه تعالى هذه المسؤولية لان اللّه تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها،و من المستحيل بحسب الحكمة الآلهية ان يعطي شيئا اكثر من طاقة الفرد فما دام قد اعطى فالفرد مطبق.

السادس:ان الظلم بمعناه المتدني لم يكن دليلا على الوضع فكيف بالمعنى الدقي أو قل:ان الوجوه السابقة لم تصلح دليلا للاعمي فكيف بهذا الوجه لاننا انكرنا ان المنقضي عنه الذنب و اثره باي درجة يصدق عليه انه ظالم حقيقة لاننا برهنا بمرتبة سابقة على عدم الوضع للاعم.

و بهذا انتهى جوابنا على استدلال الاعمي بالاية الكريمة منضمّه إلى الرواية الشريفة التي تكلموا عنها و عرضها صاحب الكفاية و فيما يلي من الكلام نذكر الوجوه التي قيلت في جواب الاستدلال ثم ننسبها إلى ما قلناه لنرى النتيجة،و نكتفي بنقل

ص: 354

جواب صاحب الكفاية و المحقق الاستاذ و سنرى ان ما هو موجود في المحاضرات انما هو استنساخ عن الكفاية و ليس فيه زيادة معتد بها فالجواب بالدقة واحد لا اثنان.

و قد قدّم الآخوند(1) له مقدمة في ان العناوين المأخوذة في موضوعات الاحكام على ثلاثة اقسام:

الأول:ان يكون لمجرد الاشارة إلى واقع الموضوع و ليس له دخل فيه اصلا كعنوان(خاصف النعل)في امير المؤمنين(عليه السلام)عندما اشار اليه به رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و قد سئل عن خليفته من بعده فقال:خاصف النعل،و مثله ما نقل عن السيد الميزا الشيرازي حينما سئل عمن يخلفه من بعده فقال:هذا المتوضئ و لا اريد ان اذكر اسمه فلا دخل لعنوان خاصف النعل أو المتوضئ في الاستخلاف.

الثاني:ان يكون العنوان المأخوذ في العبارة اثباتا لاجل الاشارة إلى علّية المبدأ للحكم مع كفاية مجرد صحة جري المشتق عليه و لو فيما مضى يعني أنّ الاتصاف بالموضوع آنا ما كاف في ثبوت الحكم إلى الابد أو ان العلة المحدثة مبقيه كالحدث فإن صدوره آنا ما يعني استمرار صفة الحدث و لو طويلا.

الثالث:ان يكون الحكم دائرا مدار صحة الجري و الصدق عليه وجودا و عدما أو حدوثا و بقاءا،و امثلته الفقهية كثيرة كوصف العدالة المشترط في الشهود و امامة الجماعة.

ثم يرتب الآخوند على ذلك ان الاستدلال بالآية على الوضع للاعم إنما يكون بناء على النحو الثالث يعني انه يدور عدم جعل الإمامة مدار الظلم وجودا و عدما فنضّم اليه مقدمة و هي ان التلبس بعبادة الاوثان و الظلم قد انقضى عنهم و مع ذلك فالحكم بعد استحقاقهم الإمامة باق.

لكن النحو الثالث لا يتعين و اذا دخل الاحتمال بطل الاستدلال لو لم نقل بنهوض1.

ص: 355


1- الكفاية:74/1.

القرينة على استظهار النحو الثاني الذي لا يتم عليه الاستدلال لانه بمجرد صدور الظلم منه يصبح متلبسا بالظلم طول عمره فلا يتحقق فيه الانقضاء.و بيّن وجه الاستظهار بقرينة ثبوتيه حاصلها أن الإمامة ذات اهمية عظيمة و محل رفيع و من المناسب لذلك الاّ يكون التقمص بها متلبسا بالظلم طول عمره و اما من ظلم و لو طرفة عين فلا يستحق الإمامة.

اما المحق الأستاذ(1) فقد استظهر ذلك بقرينة اثباتية حاصلها ان الذي مارس عبادة الاصنام أو شرب الخمر لا يصدقه الناس فمقتضى الحكمة ان يجد اللّه تعالى إنسانا غير ذي عيوب و غير منتقد من الآخرين لصعوبة التأسي بمن صدر منه الظلم و لو آنا ما.

و أوضح ما يمكن بيانه بصدد مناقشة جواب الآخوند:

أولا:ان ما قالوه من ان الإمامة لعظم منزلتها لا يستحقها من تورط بالظلم و لو آنا ما(و هو النحو الثاني)إنما هو ترتيب من عقولنا و من ثم تحميله على مرادات اللّه سبحانه و هو مرفوض لذا لا يستطيع القائل به انه يقسم عليه،مع ان ظاهر القرآن الكريم استعمال المشتق(الظالم)حقيقة و نحن نعلم انه في المنقضي مجاز،اذن يتحصل من الآية نفسها النحو الثالث و هو دوران الأحكام مدار الصدق الحقيقي للموضوعات وجودا و عدما، فان لم يصدق عليه الظالم امكن ان تصل اليه الإمامة يعني ينال عهد اللّه اقتضاءا لا فعلا و لكن بعد ان يسعى لها سعيها،و نحن نرى النظالم الإلهي مبنيا على ذلك بعد ضم آيتين:

وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (2) مع قوله:وَ سَعى لَها سَعْيَها وَ هُوَ مُؤْمِنٌ (3) و التوبة من جملة السعي لا محالة فيكون سعيه برحمة اللّه مقبولا و هو لا بخل في ساحته،نعم بالسعي و الجهاد الاكبر يجب ان ينقضي اثر الذنب كما انقضى المؤثر و هو الذنب.9.

ص: 356


1- المحاضرات:254/1.
2- سورة طه:82.
3- سورة الإسراء:19.

إن قلت:(و هو حاصل القرينة الاثباتية للمحقق الاستاذ التي ذكرناها)ان هذا و ان صحّ ثبوتا إلا انه لا يصح اثباتا لان الناس لا يخضعون لمن كان قد عبد الاصنام.

قلنا:

1-لعل ذلك لاستصحابهم عدم التوبة و عدم الاستحقاق ما لم يثبت لهم تحققهما بوضوح فاذا تمت التوبة و الاستحقاق فلا اشكال في الاقتداء بهم كرابعة العدوية و بشر الحافي و الشاعر الرومي في قصص معروفة و شهد لهم الناس بالعدالة و الهداية و لو أرادوا ادعاء النبوة و لا يوجد مثل قوله صلى اللّه عليه و اله(لا نبي بعدي)لصدقهم الناس.

2-ان الناس قد خضعوا فعلا إلا القليل منهم لنفس هؤلاء الذين يتحدثون عنهم و لا زالوا كذلك.

ثانيا:اننا قلنا انه من المحتمل عدم تحقق الصغرى منهم فهم متلبسون فعلا إلى حصول الخلافة.

ثالثا:تقدم ان الظلم غير منحصر بعبادة الاوثان فان كانت تلك مرتفعة فغيرها موجود قطعا.

رابعا:ان الاصل أو الظاهر من كل عنوان انه يدور الحكم مداره وجودا و عدما كالعدالة في الإمامة و الشهادة ما لم يثبت الخلاف،اذن فظاهر الآية هو ذلك فيكون الخبر معارضا لظاهر القرآن الكريم فيسقط عن الحجية.

خامسا:إننا ان فهمنا من الظلم مطلق الظلم لم يتم دليلا على الوضع للاعم،و ان فهمنا منه عبادة الاصنام مع حصول التوبة و تنزلنا عما سبق سقط دليل الاعم للاحتمال (و هو كون الحدوث كافيا للبقاء)و لم يتعين خلافه لوجود الاحتمال المقابل(و هو الاستعمال في الاعم حقيقة أو مجازا)فانه امر باختيار المتكلم.

ص: 357

ثم يشكل الآخوند(1) بان ظاهر الإمام(عليه السلام)انه استدل بالاستعمال الحقيقي للعنوان لا المجازي فيكون الوضع للأعم و الا لما تم استدلال الإمام(عليه السلام).

أقول:ان هذا الاشكال مبتن على التسليم بعدة أمور ناقشناها كلها و هي:

1-ان المراد بالظلم هو عبادة الاوثان.

2-اعتبار الرواية.

3-صدور التوبة ممن شملهم الاستدلال بالرواية.

4-ان اخذ العنوان في الحكم على النحو الثالث أي ان الحكم يدور مدار موضوعه وجودا و عدما.

5-كون الاستعمال على نحو الحقيقة و لو باجراء أصالة الحقيقة في الاستعمال و لو سلمنا كل ذلك لم يكن هذا الاشكال واردا بل هو غير واضح الورود على كلام الآخوند لانه قال ان الاتصاف بالظلم آنا ما كاف في عدم الإمامة،اذن يتم كلام الإمام (عليه السلام)في الرواية و ان لم يكن موضوعا للاعم،و لا يتعين ان يكون قد استعمل الظالم في المنقضي حقيقة،نعم لو قلنا ان الحكم دائر مدار موضوعه فانه لا يتم كلام الإمام(عليه السلام)إلا بالوضع للاعم لانهم لا بد ان يتصفوا بالظلم فعلا حال الخلافة، فاما ان نقول بعدم التوبة أو بمعنى آخر للظلم و نحو ذلك و لو تنزلنا كان استحقاقهم الاقتضائي للإمامة ثابتا.

و انما هذا الاشكال من الاشتباه و التركيب بين الوجهين الثاني و الثالث في كلام الآخوند بحيث بنى ارتكازه على الوجه الثالث(و هو دوران الحكم مدار الموضوع مطلقا)و لكنه وافق على الوجه الثاني(و هو الاكتفاء بالصدور آنا ما)صورة،و بارتكازية الوجه الثالث نتصور انه لا بد من استمرار صدق الظلم حقيقة،فلا بد من تعين الوضع للاعم لانه لا يكون حقيقيا إلا بالبناء عليه.1.

ص: 358


1- الكفاية:75/1.

و اعتقد ان الآخوند تنازل عن علم أو غير علم عن بعض مسلمات كلامه السابق و اورد على نفسه هذا الايراد توصلا إلى الدخول في جوابه لتنبيه القارئ على امكان ارادة المتكلم لزمان التلبس،و هي نكتة تحتاج لبيانها إلى مقدمة فاختار لها هذا الاشكال كمقدمة مع ان فيه تضحية له بها.

و في طول هذا الاشتباه يكون الاشكال مسجلا،و حينئذ يجيب عليه الآخوند بان الاستعمال لا يتعين بلحاظ الحال بل يمكن ان يكون بلحاظ التلبس فيكون حقيقة فيكون المراد من الآية:ان من كان ظالما آنا ما لا ينال عهدي مطلقا و هو معنى لا يتعين فيه الاستعمال في المنقضي.

و جوابه:ما قلنا في حينه ان الظاهر العرفي للمشتق هو ان يكون الاستعمال و الجري مشتركين في الزمان و هو الحال المطلق ما لم تقم قرينة على الخلاف،فبناءا على تصورات الاصوليين يكون الحال المطلق هو زمان تولي الخلافة،فيتعين صدق الظلم عندئذ،و هذا لا يكون إلا بصدق الاعم،إلا ان حال التكلم في الحقيقة ليس هو ذلك بل هو زمن إبراهيم و مما يترتب عليه من آثار ان الأحرى بالآخوند ان يقول عكس ما قال فبدلا من ان يقول ان الحكم يجري بعد انقضاء التلبس كان عليه ان يقول ان الحكم سابق على التلبس الذي هو مستقبلي بالنسبة لزمان النطق و هو مجاز قطعا عند الاصوليين.

و من الاثار ان الكلام في الآية الشريفةلا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ هو جعل بنحو القضية الحقيقية لا نعلم مقصود المتكلم فيه هل الحكم فعلي و التلبس استقبالي ام يقصد الاعم من المتلبس و المنقضي عنه المبدأ فلا نستطيع ان نطبق زمان الحكم بالظلم على زمان الاستعمال و نحن نشك في قصد المتكلم على كلا التقديرين.

و منها:اننا إذا بنينا على الوضع للمتلبس يكون استحقاقهم الاقتضائي قائما بناءا على مسلمات الاصوليين،و لكن لان الشرط مفقود فلا يكون الاستحقاق فعليا.

و بقي الكلام في جهتين:

ص: 359

الأولى:ان هناك نتيجة و هي من سنخ علم الكلام حيث نذكر الآن الصور التي يتم الاستدلال بها في الآية الكريمة على عدم استحقاق الإمامة لمن يراد سلبها عنه:

1-ما قالوه من ان المشتق موضوع للاعم من المتلبس فعلا و المنقضي فيكونون متلبسين بالظلم.

2-ان المشتق موضوع لخصوص المتلبس إلا انه يمكن ان نطبق الوجه الثاني من الوجوه الثلاثة أي ان الظلم آنا ما يمنع استحقاق الإمامة.

3-ان الظلم هو عبادة الاصنام و انما يرتفع بالتوبة و هي لم تحصل منهم أي انها محرزة العدم فهم متلبسون به فعلا و لم ينقض عنهم المبدأ فيكونون صغرى للقدر المتيقن من صدق الوصف الاشتقاقي(الظالم).

4-ان الظلم هو عبادة الاصنام و هو يقيني الحصول و نشك في حصول التوبة فنستصحب عدمها.

5-ان الظلم ليس هو التفسير الأول أي عبادة الاصنام بل هو التفسير الثاني أي ترك الواجبات و فعل المحرمات فكل ظالم لا يستحق الإمامة ما لم تحصل التوبة و الانابة و هي محرزة العدم.

6-نفس الصورة الخامسة مع الشك في حصول التوبة فيستصحب العدم.

7-كون اثر الظلم باقيا من عبادة الاصنام أو غيرها و هو ظلم بالحمل الشايع لان سببه بالاختيار و لم تحصل التوبة.

8-نفس السابعة مع الشك في حصول التوبة.

9-انه حتى مع حصول التوبة و النقاء فان ذلك هو المقتضي لا العلة التامة و هو يعني ان اقتضاء الاستحاق موجود و نشك في الفعلية.

الجهة الثانية:ان في الآية اشعارا بالاستقبال و ليس بالماضوية و قد اهمله الاصوليون فان الآية كالنص في الاستقبال و اطلاق الوصف على من سيتلبس بالمبدأ مستقبلا مجاز لغرض عقائدي لا لغوي فيكون استدلال الاعمي بالآية في غاية السقوط،

ص: 360

و القرائن على ذلك عديدة:

1-قوله تعالى:(ينال):و هو فعل مضارع لا يراد به الحال فهو نص في الاستقبال بقرينة السياق.

2-سياق الدعاء(وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي) و هو لا يكون لشيء حاصل فهو خاص بالمستقبل.

3-قوله:(ذُرِّيَّتِي) :و هي ليست الذرية المباشرة بل المستقبلية.

فالظالمين موضوع في سياق نص في الاستقبال فيكون صغرى لكبرى قطعية المجاز.

فان قلت:في مقابل ذلك توجد قرائن على الحالية:

1-قوله:(جاعِلُكَ) :يعني في الحال لانها للانشاء الحالي بينما القرائن السابقة مرددة بين الحالية و الاستقبالية فتتعين الحالية بهذه القرينة.

و يمكن الجواب عنه بعدم الملازمة بل القرينة في ذيل الآية على ذلك و السياق قطعي الاستقبال.

2-قوله:(ذُرِّيَّتِي) :يعني الحاليين المباشرين و هو خلاف المفروض عند الاصوليين و مبنى الرواية.

3-ان الخطاب يتوجه لدى الاستحقاق للإمامة و هو يكون متأخرا عن الظلم.

و جوابه:ان الظالم لا استحقاق له في نظرهم و غير الظالم له،نعم بناءا على صحة التوبة يكون ذلك إلا انه خلاف مبناهم.

4-ان الاصوليين اجمعوا على ثبوت الجامع بين الحصتين و نفي الثالث فالظالم اما خصوص المتلبس أو المنقضي عنه المبدأ و نفوا حصة من يتلبس به مستقبلا فاثبات القسم الثالث على خلاف الاجماع،و الجواب ان حجية الاجماع لو ثبتت فهي في الامور الشرعية لا اللغوية.

فثبت بذلك ان المنقضي للاستدلال على الحالية غير موجود مع ان المانع موجود و هو القرائن المفيدة للاستقبال.

ص: 361

ثم انه لا يحتمل فيهم الجعل الالهي اجماعا و الاختيار من قبل الناس مفروض البطلان قبل الدخول في الاستدلال على النفي.

و دعوى ان أمير المؤمنين(عليه السلام)قد حصلت منه البيعة و هو اقرار منه بإمامتهم و اقرار المعصوم حجة فإمامتهم من اللّه سبحانه.

مدفوعة كبرى و صغرى لان إقرار المعصوم عندهم غير حجة و اما صغرى فان اقراره(عليه السلام)انما كان للتقية فلم يكن يستطيع الاّ يبايع.

ثم ان الاستدلال بالآية على إمامة ائمتنا عليهم السلام قضية سالبة بانتفاء الموضوع لعدم صدور الظلم منهم اجماعا سواء فسرناه بسوء العقيدة فهو مقطوع العدم حتى بالنسبة إلى أمير المؤمنين(عليه السلام)قبل الاسلام أو فسرناه بترك الواجبات و فعل المحرمات فانهم معصومون و لو تنزلنا فهم من المتقين الذين لا يصدر منهم ذلك فموضوع النفي غير موجود فيهم.

ص: 362

بعض التفاصيل التي ذكرها الآخوند للمشتقات

يدخل الآخوند في التفاصيل المحتملة بين حصص المشتق بأن يكون بعضها موضوعا لخصوص المتلبس و بعضها الآخر للاعم.

فالتفصيل الأول:بين ما لو كان العنوان الاشتقاقي محكوما به فيكون موضوعا لخصوص المتلبس و اما إذا كان محكوما عليه فهو موضوع للاعم و دليله عندهم السارق و الزاني فانه يصدق عليه مع انقضاء المبدأ و يبقى وجوب الحد عليه،بعد ضم مقدمة ضرورية و هي كون الاستعمال على نحو الحقيقة باجراء اصالة الحقيقة لوضوح انه لو كان مجازا لم يصح الاستدلال،و قد سلم الآخوند هذا الاصل و ناقش من جهة و اخرى.

و ما قيل أو يمكن ان يقال في جوابه عدة امور:

الأول:ان اصالة الحقيقة انما تجري في طول احراز الوضع مع الشك في المراد الجدي بعد الفراغ من تعيين المراد الاستعمالي كلفظ الاسد إذا علم انه موضوع حقيقة للحيوان المفترس و شك في ان مراد المتكلم هل هو المعنى الحقيقي ام المجازي فتجري اصالة الحقيقة،و اما مع عدم احراز الوضع بحيث تكون اصالة الحقيقة مقدمة لاثباته فهذا مما لا يصح لان اصالة الحقيقة في طول الوضع فكيف يكون الوضع في طولها،و قد قال الآخوند في موضع آخر:انها تجري مع الشك في المستعمل فيه لا في جهة الاستعمال،و هنا المستعمل فيه محرز و هو المنقضي و الجهة مشكوكة،و يكون المعنى تاما سواء كانت الجهة هي الحقييقة أو المجاز.

الثاني:ان لهذه المشتقات خصوصية و هي كونها تعبيرا عن الجريمة،و العقوبة لا تكون حين التلبس بل بعده،اذ لا عقوبة قبل الجناية،فالقرينة هنا قطعية على ارادة المنقضي سواء كان موضوعا له ام لا،و ليس ذلك باعتبار كونه مسندا اليه أو محكوما

ص: 363

عليه لوضوح ان سائر المحكومات ليست كذلك كما في اكرم هذا العالم بعد الانقضاء.

الثالث:ما ذكره الآخوند نفسه من احتمال كون الحكم في زمان التلبس فيكون المعنى:من حكمت حال سرقته كونه سارقا فاقطعوا يده الآن،و هذا جوابه من وجوه:

1-ما قلناه من ان الظاهر هو ان الحكم في الحال المطلق زمن النطق و لا قرينة في الآية على خلافه.

2-انه لا يصدق عليه انه سارق إلا بعد انتهاء عملية السرقة لانه خلال العملية لم تتم السرقة بعد،اذن فزمان التلبس ليس هو زمان عملية السرقة.

3-انه يمكن ان يقال:ان زمان التلبس هو ما بعد السرقة باعتبار حيازته للمسروق بسبب السرقة عرفا فيكون متلبسا إلى حين الحد ما لم يتب و يرجع المسروق،و لو اجاب الآخوند بذلك لكان اولى له فيكون لحاظ الحكم في زمن التلبس هو لحاظ الحال.

4-ان لفظ(السّارِقُ وَ السّارِقَةُ) ظاهرة في المستقبل أي ان التلبس استقبالي فيكون صغرى لما اتفق على مجازيته و ليس هو في المتلبس و لا المنقضي فيراد بالسارق و الزاني من سرق وزنى في المستقبل.

لا يقال:ان لكل آية سبب نزول فالآية المعهودة تعني وجود سارق خارجا فنزلت الآية فيكون الاستعمال فيمن انقضى عنه المبدأ فانه يقال:ان الآية الكريمة تكفلت جعلا كليا على موضوع كلي حتى لو كان هناك مورد معين حاصلا فعلا بل يراد أي سارق و سارقة فيكون نظره عاما إلى الازمنة الثلاثة فيشمل حتى السارق في المستقبل و معنى ذلك ان الاستعمال اعم من الحصتين الحقيقية و المجازية و النتيجة تتبع أخس المقدمتين و هي المجازية،بل الامر اوضح من هذا التقريب البدوي لان القانون أي التشريع إنما ينظر إلى المستقبل أي من الآن فصاعدا أي شخص يسرق فاقطعوا يده فيتعين ان يكون بهذه القرينة السياقية ارادة المستقبل.

نعم يمكن توجيه الاشكال بتقريب ان الالف و اللام هنا للعهد لا الجنس أي للاشارة إلى السرقة التي حصلت فعلا فانقلبت الآية إلى الجزئية لكنه غير محتمل فان

ص: 364

الدلالة السياقية قوية في كونه على نحو القضية الكلية.

و النتيجة اننا لو أخذنا باقتراح الآخوند و قلنا ان الحكم يكون في ما سماه زمان التلبس أي زمان الاشتغال بالسرقة فيكون من الحكم مجازا لانه لم يتلبس بعد فانتج كلامه(قد)المجاز لا الحقيقة و لو قال ان الحكم بعد انتهاء العملية لكان اولى عرفا.

الرابع:ما ذكره الآخوند ايضا من بطلان تعدد الوضع في المشتقات سواء على اساس كونه محكوما به و محكوما عليه أو على أي اساس آخر فانها موضوعة بوضع نوعي واحد متشابه فاما كلها للمتلبس أو كلها للاعم فاي تفصيل باطل.

و هذا هو مذاق المشهور و منهم الآخوند لكن لا ينبغي التسليم ببطلانه إذ يوجد في مقابله احتمالان:

أحدهما:ما ذكروه و ذكرناه عن السيد الاستاذ من التفصيل بين ما دل على الصناعات فيكون للاعم و غيرها فتكون لخصوص المتلبس و لم يكن الجواب حينئذ انه تفصيل قطعي الفساد.

ثانيهما:ما قلناه من عدم تصور وضع المشتق وضعا واحدا بعنوانه لا اقل من اختلاف اسماء الفاعلين و المفعولين و الصفات المشبهة و المصادر و غيرها فمن ضروريات العرف و اللغة ان كل مجموعة موضوعة لغير ما وضعت له المجموعة الاخرى.

مضافا إلى تقريبات اخرى سبقت،مثل اننا قلنا:ان الهيئة لا تدل على اكثر من مدلول بسيط و اما التفاصيل ككونه للصناعة أو غيرها فلا.

و قد ندافع عن الآخوند فنقرب مراده بالتفريق بين التفاصيل التي نقضنا بها و ما نفاه الآخوند فان هناك حصصا من المشتق تكون بينها فروق عرفية أو محتملة فيمكن التفصيل فيما بينها من ناحية الوضع،و اما مجرد كون الحصة هي المحكوم عليه أو المحكوم به مع كونه نفس المشتق مستعملا كقولنا:زيد عالم و اكرم العالم فهذا في نفسه غير محتمل،فان الحصص الكلية لاي شيء بما فيها المشتقات تارة تقع ملحوظة

ص: 365

عرفا و عقلائيا و اخرى غير ملحوظة فعلى الأول يمكن التفصيل كما بين أسماء الفاعل و المفعول أو بين عناوين الحرف و الصناعات و غيرها اما على الثاني فلا يحتمل التفصيل و هو ما نفاه الآخوند.

و لا يقال:اننا نأخذ الأغلب،فاذا كان الأغلب في لفظ المشتق في اللغة وجوده محكوما عليه كان موضوعا للاعم و ان كان الأغلب كونه محكوما به كان للمتلبس، و مثاله:اننا نجد ان السارق و الزاني محكوم عليه غالبا،و جوابه من وجوه:

أولا:ان هذا لا يتعين في شيء لانه حسب حاجات المجتمع و الاجيال فقد يكون غالبا في جيل و نادرا في جيل آخر و لا يمكن القول بتبدل الوضع حينئذ.

ثانيا:ان الغالبية ان سلمناها في بعض المشتقات لا نسلمها في البعض الآخر فماذا تقول فيما ليس له غالبية.

فان قلت:ان الذي يغلب عليه المحكوم عليه فهو موضوع للاعم و ما سواه فهو للمتلبس.

قلنا:لماذا لا يكون العكس فانه ترجيح بلا مرجح.

ثالثا:ان حالة كثرة الاستعمال تكون في طول الوضع و يأتي في المرتبة اللاحقة له فلا يمكن ان نجعلها سببا ثبوتيا و لا اثباتيا له و الا لزم الدور فكثرة الاستعمال معلولة للوضع فلا تكون علة له.

رابعا:لو سلمنا هذا التفصيل و قلنا بوضعه للاغلب كما لو كان محكوما عليه و عندئذ ماذا نفهم منه لو استعمل في الحصة النادرة أي المحكوم به؟ان هذا يعني انه دال على الاعم ايضا،و هو تفصيل آخر غير ما قيل.

فالدليل غير تام على المدعى.

ص: 366

المقصد الثاني أمور لاحقة لبحث المشتق:

الأمر الأول هل المشتق بسيط ام مركب؟

اشارة

و بقي من كلام الآخوند أمور(1) ينبغي التعرض لها اولها البحث في بساطة المفهوم الاشتقاقي و تركبه فقد اختلف الاصوليون في ذلك،و كأن الأمر يحتاج إلى مقدمة اضافية،و قد التفت سيدنا الأستاذ(2) إلى الحاجة إلى هذه المقدمة و ذلك لنكتة و هي ان بساطة المشتق تعني ان له معنى الحدث الذي هو المعنى المصدري فلا بد من الفحص عن معنى المصدر و في ضوء النتيجة نبحث عن المشتق و توفر هذا المعنى فيه و عدمه،و حاصل المقدمة ببيان منا:

ان المعروف عند النحويين و اللغويين و الصرفيين و كذا البلاغيين،ان المصدر أصل المشتقات فهل الامر كذلك عند الاصوليين؟

قال سيدنا الأستاذ:اننا لو قصدنا ان المصدر بلفظه يكون هو الاصل للمشتقات فهذا غير صحيح لوضوح التباين بين لفظ المصدر و باقي المشتقات فلا معنى لان يكون المباين اصلا لمباينه.

ص: 367


1- الكفاية:76/1.
2- مباحث الدليل اللفظي:314/1.

اقول:لا ضير في ذلك حتى بهذا اللحاظ لانهم متسامحون و ليسوا مدققين كالاصوليين.

و اضاف:فالمصدر بمعناه و مدلوله الذي هو الحدث أصل المشتقات و هذا المعنى الحدثي ساري المفعول في جميع المشتقات بصفته معنى المادة و لا يتم هذا إلا إذا كان المصدر موضوعا مادة و هيئة وضعا واحدا لان هذا الوضع الواحد هو الموجود في سائر المشتقات،و لكن المصادر لها هيئات نوعية خاصة بها فعندئذ اما ان يقال بالوضع الواحد المذكور لمجموع المادة و الهيئة أو يقال ان مادة المصدر موضوعة للحدث اما هيئته فلم توضع لشيء بل هي مهملة اما إذا كان المصدر موضوعا بوضعين احدهما للمادة و الاخر للهيئة فلا يكون اصلا للمشتقات بل هو واحد منها كغيره.

فهل ان المصدر موضوع بهيئته و مادته لمعنى واحد أو قل هل ان هيئته مهملة لم توضع؟أو انه موضوع بوضعين و بتعبير آخر هل ان هيئة المصدر موضوعة ام لا؟

قيل ان المشهور بين المحققين المتأخرين ان الهيئة موضوعة لمعنى مقابل للمادة السارية في جميع المشتقات،لكن هذا المعنى الذي وضعت له هيئة المصدر له عدة وجوه:

الوجه الأول:ان هيئة المصدر وضعت لبيان النسبة الناقصة التقييدية

و هو المعروف بين المحققين المتأخرين ان هيئة المصدر وضعت لبيان النسبة الناقصة التقييدية فإن النسبة اما تامة نحو(زيد ضارب)أو ناقصة نحو(ضرب زيد) فقالوا:ان هيئة المصدر موضوعة لاضافة المبدأ إلى فاعل أو مفعول،مثل(ضرب زيد) بالنسبة الناقصة سواء كانت جملة و صفية أو ظرفية أو اضافية،و بهذا اختلف عن اسماء المصادر كحسن و عذر و غسل أو اسماء الاجناس حيث لم يؤخذ فيها أي معنى نسبي.

و يمكن ايراد عدة اشكالات على هذا الوجه:

الاشكال الأول:ما نسب إلى الشيخ النائيني من ان معنى النسبة الناقصة أي ان لها

ص: 368

معنى حرفيا و يلزم من ذلك كون المصادر مبنية لا معربة،فمن ضوابط البناء مشابهة الحروف و تضمن معناها كاسماء الاشارة و الموصولة،قال ابن مالك(لشبه من الحروف مدني)مع وضوح كونها غير مبنية.

و جواب ذلك من وجوه حاصلها ما ذكره سيدنا الاستاذ من ان ما عدّ سببا للبناء انما هو تضمن الاسم لمعنى الحرف بمادته لا بهيئته كاسماء الاشارة و الموصول التي تدل على معاني غير متحصلة إلا بضم غيرها اليها،و اما المصادر فليست كذلك اذ ان لها مواد تدل على معاني مستقلة و انما هيئتها التي لها معاني حرفية.

ثم كأنه أورد على نفسه بأنه لا ينبغي ان يتوهم ان تضمن هيئة الكلمة للمعنى الحرفي يكفي لجعلها مبنية بدليل بناء الافعال كالماضي و الامر فانها بنيت لتشابه هيئتها مع الحروف فلا فرق اذن في الشبه الموجب للبناء بين الهيئة و المادة.

و قد اجاب سيدنا الاستاذ عن هذا الايراد بوجه واحد و نحن نضيف اليها اكثر فأجاب:

1-ان الافعال مبنية بالاستقلال لا لشبهها بالحروف لان ملاك البناء ليس مشابهة الحروف فقط فهناك اسباب اخرى فاذا بنيت به اسماء الاشارة و الموصولة فغيرها بني بغيره.

2-ان ابن مالك و من وافقه من النحاة مسؤولون عن تعليل البناء بمشابهة الحروف فإن هيئات المشتقات كلها لها معاني حرفية فهل يحتمل بناؤها جميعا؟ثم اليس من الافعال الفعل المضارع و هيئته حرفية و مع ذلك فهو معرب و إذا كانت النتيجة تتبع احس المقدمات فلا يصح ان يقال ان الافعال مبنية.

فالصحيح في علة البناء و الاعراب هو ذوق العرب في كلامهم و ان ابينا إلا العلة التي ذكرها النحاة فإن شبه الحروف ليس من ناحية الهيئة فقط و لا المادة فقط و إلا فإن اسماء الاشارة و الموصولة التي هي القدر المتيقن من الحروف ليس لها هيئة مستقلة بل الصحيح هي المشابهة لمجموع المادة و الهيئة،فشبه الحروف الموجب للبناء له عدة مناشئ:

1-قلة الحروف.

ص: 369

2-لا معنى لها إلا في غيرها.

3-ليس لها هيئة مستقلة عن المادة،أي لم توضع مادتها بوضع و هيئتها بآخر و هذه المناشئ كلها لا تنطبق على المشتقات لا المصادر و لا غيرها فلا موجب لبنائها، و من هنا ظهر ان ما قاله سيدنا الاستاذ من كون اسماء الاشارة تشبه الحرف بمادتها محل نظر بل بكونها ليست موضوعة بوضعين.

الاشكال الثاني:ما ذكره سيدنا الاستاذ(1):اننا إذا بنينا على ان مفاد هيئة المصدر لنسبة الحدث إلى ذات نسبة ناقصة،يلزم في قولنا:(ضرب زيد)ان يكون عندنا نسبتان ناقصتان تقييديتان في عرض واحد و هو امر غير معقول،فإن النسبتين الناقصتين إذا كانتا طوليتين جاز نحو(ماء الورد الجيد)بالاضافة و الوصف،و إذا كانتا في عرض واحد فهو غير معقول،لان كون شيء طرفا للنسبة عبارة عن اندكاكه في مفهوم تركيبي و إذا اندك زال و فني وجوده فلا يبقى له وجود مشار اليه يصلح لطرفية النسبة الثانية المدعاة و لا يمكن ان يندك الشيء الواحد في مفهومين تركيبيين في مرتبة واحدة.في المثال (ضرب زيد)صار الحدث الذي هو مدلول المادة طرفا لنسبتين ناقصين في عرض واحد للهيئة و الاضافة.

قال و لا يمكن التخلص من ذلك بان يقال:ان طرف النسبة الثانية ليس هو الحدث بل الذات يعني ضرب صادر من ذات هي زيد فانه يقال:انه مخالف مع الوجدان العرفي فإن ما هو طرف الاضافة لزيد ليس هو الذات بل هو مدلول المادة و هو الضرب،فصار الحدث طرفا لنسبتين ناقصتين،فوقع المحذور.

غير ان ما قاله سيدنا الاستاذ هنا غير متين لوجوه:

1-المناقشة في الكبرى لان ما يتصوره من الاندكاك و الفناء لم نوافق عليه في مبحث المعنى الحرفي،فإن الفناء ليس له معنى العدم الفلسفي لتستحيل طرفيتيه لنسبة1.

ص: 370


1- مباحث الدليل اللفظي:315/1.

اخرى أي ليس هو اندكاكا حقيقيا بحيث ينشأ مفهوم تركيبي على انقاضه فاللفظ موجود و المفهوم موجود فيمكن ان يكون طرفا لنسبة آخرى عرضية تعقلا و امكانا مثل خبرين لمبتدأ واحد بلا عطف بينها نحو(زيد عالم فاهم)فنفس مفهوم زيد الوحداني اصبح طرفا لنسبة تامة و لا يفرق من هذه الناحية بين كونها ناقصة أو تامة.

2-المناقشة الصغرى:فقد اعترف ان الاشكال يلزم لو كانت النسبتان عرضيتين و في المقام فإن النسبتين طوليتان اثباتا و ثبوتا.

اما اثباتا:فلتعدد الدال عليهما فإن الدال على النسبة المصدرية هو هيئة المصدر نفسه و على الاضافية هيئة الجملة الناقصة و الهيئة المصدرية سابقة عليها و هي ذات مراتب عقلية طولية.

و اما ثبوتا:فيمكن القول ان ما هو طرف النسبة ليس هو الحدث كما في اصل الوجه و لا الذات كما في الاحتمال الآخر بل مجموع المصدر بمادته و هيئته معا و هذا يعني ان هيئة المصدر اصبحت في الرتبة السابقة على الهيئة الاضافية لان هيئة المصدر من جملة الاجزاء التحليلية لطرف النسبة الاضافية فكما ان المادة متقدمة برتبة على النسبة الاضافية فكذا الهيئة المصدرية متقدمة على الهيئة الاضافية فهما طوليتان.

3-يمكن عرض نحو من الاندكاك الذي يفهمه العرف فيرتفع المحذور لان كل ما حصل هو وجود دالين على نسبة ناقصة واحدة و هذا لا ضير فيه،أو قل:ان النسبتين المتماثلتين لا يكون لهما وجود لغوي مستقل بل اندكاكي كانهما يعبران عن شيء واحد عرفا.

و لإيضاح هذه الفكرة نذكر بعض الامثلة فرؤية العين اليمنى مستقلة عن رؤية العين اليسرى لذا يجد الاحول صورتين لا صورة واحدة و انما ركبت العينان بشكل تندك احدى الصورتين على الاخرى.و لو وضع شخص عضوين من بدنه على بعضهما فلكل منهما احساس بالآخر لكن الاحساسين مندكان باحساس واحد.و كذا لو كان مستحضرا لسورة قرآنية عن ظهر غيب ثم صار بناؤه ان يقرأ غيرها فيندك الامران في

ص: 371

امر تركيبي واحد.فنخرج من هذه الامثلة بكبرى عرفية-و اللغة عرفية-ان كل امرين مظنونين متشابهين يمكن اندكاكهما.

و المقام صغرى له فاذا تم اصل الوجه فهنا نسبتان ناقصتان من سنخ واحد و متشابهتان فيمكن حصول هذا الاندكاك العرفي و يتحصل لدى السامع شعور بنسبة ناقصة واحدة لا حاجة معها إلى ادراك و تفصيل النسبتين.

و اضيف هنا ان العرف يلتفت إلى اوضح الامرين المندكين إذا لم يكونا على غرار واحد(كنظر العينين المتساويتين)ففي المقام فإن النسبة المصدرية الناقصة في الهيئة هي الاضعف و النسبة الاضافية هي الاقوى فيفهم العرف الثانية.

4-و كما تصورنا الاندكاك في النسبتين المتشابهتين نتصوره في الذاتين المتشابهتين فاذا كان طرف النسبة في المصدر هو الذات و طرفها في الجملة الناقصة هو زيد،اندكت الذات في زيد و كان تعبيرهما العرفي عن شيئ واحد و هو زيد الملفوظ، و ليس الوجود المفروض(في المصدر)فهنا طرف اقوى و هو لفظ زيد و هو كالجزئي و طرف اضعف و هو الذات المبهمة في المصدر و هي كالكلي فيذوب الكلي في الجزئي و لا حاجة إلى لحاظهما مستقلين عن بعضهما و متغايرين بل يكفي لحاظ واحد.

غير ان الكلام في صحة دلالة المصدر على الذات و هو محل الكلام.

الاشكال الثاني:و هو ايضا لسيدنا الاستاذ(1):ان الهيئة المصدرية تدل على النسبة الناقصة و هيئة الاضافة تدل على تعيين طرف النسبة،فقولنا(ضرب زيد)يدل على تعيين طرف النسبة لكننا نعلم ان هيئة الاضافة لا يدل على طرف النسبة فقط بل على النسبة و طرفها كقولنا:(غلام زيد)فاذا كانت المصادر دالة على نسبة لزم تعدد الدال على النسبة،مع ان الوجدان قاض بعدم الفرق بين قولنا(ضرب زيد)و(غلام زيد)من حيث وحدة النسبة و وحدة الدال عليها في كلا المثالين.1.

ص: 372


1- مباحث الدليل اللفظي:316/1.

و جواب ذلك من وجوه:

أولا:ما قلناه من امكان اندكاك النسبتين ببعضهما و يكون محصلهما العرفي واحدا حتى لو كانتا-ثبوتا-نسبتين فيكون محصل المثالين واحدا فلا يتعين ما يريد ان يستنتجه هو(قد)من ان النسبة بالاصل هي واحده و هي الاضافية و لا وجود للنسبة المصدرية في الهيئة و إذا دخل الاحتمال بطل الاستدلال.

ثانيا:ان هنا فرقا بين(غلام زيد)و(ضرب زيد)من حيث ان الاول لم يتضمن النسبة الناقصة بخلاف الثاني فكون الوجدان قاض بتساويهما في الفهم خلاف الوجدان يعني مصادرة على الموضوع فما اخذه من كون عدم الفرق مسلما غير مسلّم.و ان القائل بوضع المصدر للنسبة الناقصة التقييدية يقّر باللازم.

ثالثا:ان اشكالاته كلها ناشئة من فهم معين لهذا الوجه و هو كون المصدر مستبطن لنسبة ناقصة بين هيئته أو مادته و ان يقال:ان هيئة المصدر دالة على النسبة الناقصة التقييدية مع اهمال النسبة بين المادة و الهيئة.و هذا غير تام لان المفروض هنا ان الهيئة غير موضوعة لوحدها و انما للمصدر دلالتان احداهما دلالة المادة على اصل الحدث و الثانية دلالة الهيئة على النسبة الاضافية الناقصة اما الهيئة فلم توضع وحدها فالنسبة بين المادة و الهيئة نسبة بين موضوع و هو المادة و غير موضوع و هو الهيئة و هذا لا يكون لان النسبة اللفظية الواقعية تقوم بين لفظين موضوعين.

لكن مراد القائل بهذا الوجه لا ينحصر بذلك بل هناك تفسيران آخران أحدهما:

ان هذا القائل لما طرق سمعه كلام النحويين ان من جملة خصائص المصدر انه لا يقع طرفا لنسبة تامة فلا يقع مسندا أي خبرا و لا فاعلا إلا مثل(زيد عدل)و هو مجاز.و اما وقوعه مبتدأ فهو بصفته اسم مصدر لا مصدر و لفظهما واحد،اذن فهو لا يصلح ان يكون طرفا لنسبة تامة أو جملة تامة و حينئذ فاما الاّ يقع طرفا لنسبة و هذا يعني عدم دخوله في اللغة و الكلام أو انه وضع ليكون طرفا لنسبة ناقصة هي النسبة الاضافية مثل (ضرب زيد)فاعلا أو مفعولا.و لا يريدون غيرها من النسب و هذا غير متوفر في باطن

ص: 373

مفهوم المصدر فإن النسبة بين المادة و الهيئة ليست اضافية لكن وقوع المصدر طرفا لنسبة ناقصة يتوقف على وضع الهيئة للنسبة الناقصة فإن المادة وحدها لما كانت دالة على اصل الحدث فقط فيتعذر وقوعها بمجردها طرفا لنسبة ناقصة فضلا عن التامة فاحتاجت إلى(مهيّئ لفظي)لتصلح لهذه الطرفية و هذا المهيّئ هو الهيئة فالتحقت بالمادة لتحقيق ذلك.

و إذا عرض الامر على هذا المستوى فجوابه واضح و هو ان الحدث وحده كاف للطرفية للنسبة الناقصة يعني ان المادة وحدها كافية في ذلك،كل ما في الامر ان المادة لا بد لها من هيئة و ليس المعنى متوقفا على وضع الهيئة بل على وجودها التكويني فيكون حاله حال الالفاظ الجامدة التي تقع طرفا للنسبة باستقلالها.

ثانيهما:ما فهمه سيدنا الاستاذ و هو ان الهيئة في نفسها موضوعة للنسبة التقييدية الناقصة حينئذ تكون المادة موضوعة لذات الحدث و الهيئة للنسبة.

و قد عرفنا جوابه:ان النسبة بين الهيئة و المادة ليست ناقصة تقييدية و انما هي نسبة افرادية تحليلية،لان طرفها الآخر-يعني الهيئة-نسبة ايضا كما ان طرفها المادة.

و إن قلت:انهم قالوا:ان هيئة المصدر بنفسها موضوعة للنسبة الناقصة،قلنا هذا له عدة محاذير:

1-يكون بنفسه جملة ناقصة كما ان الفعل وحده يكون جملة تامة مع ان الوجدان قاض بكون المصدر معنى افراديا.و لا نفهم منه إلا اصل الحدث و ليس هو كاسم الفاعل حيث يفهم من باطنه التحليلي انه متضمن للذات المبهمة.

2-ان المصدر وضع لكي يستعمل في نسبة ناقصة أي يضاف إلى فاعله و مفعوله نحو(ضرب زيد)فلو قلنا ان الهيئة موضوعة للنسبة الناقصة فتجتمع نسبتان ناقصتان احداهما دلّت عليها الهيئة و الثانية دلّت عليها الجملة الخارجية حينئذ لا نقول ان اجتماع هيئتين مستحيل و انما يكون وجود احدهما لغوا و مستغنى عنها و تكفي النسبة الخارجية.

3-ان نعرض هيئة المصدر على علامات الحقيقة و المجاز و هو الاقتران الكامل

ص: 374

في النفس بين اللفظ و المعنى فلا تجد لها هذا الوضع المدعى.

الوجه الثانيان مادة المصدر و اسم المصدر موضوعة لاصل الحدث

في فهم الهيئة المصدرية ما ذكره النائيني(قده)(1) بعد مناقشة الوجه السابق و حاصله:ان مادة المصدر و اسم المصدر موضوعة لاصل الحدث كالضرب مثلا لكن الهيئة في اسم المصدر موضوعة لملاحظة عدم انتساب الحدث إلى الذات و هيئة المصدر موضوعة لالغاء هذا القيد أي عدم الانتساب إلى الذات لا انها موضوعة لملاحظة الانتساب.

اقول في بيان ذلك:ان الحالات المتصورة بدويا في الانتساب إلى الذات و عدمه ثلاثة:

الأولى:ملاحظة الانتساب و هو حاصل الوجه الأول لانه عبارة عن وضع الهيئة المصدرية للنسبة الناقصة التقييدية يعني تقييدها بالذات و هو ما نعنيه بالانتساب للذات، و قد سبق بطلانه.

الثانية:ملاحظة عدم الانتساب إلى الذات و هو الذي قاله النائيني(قده)في اسماء المصادر فتكون النتيجة استقلال المفاهيم في اسماء المصادر بلا حاجة إلى اعتماد على الغير بخلاف المصدر الذي لا يظهر له معنى إلا بالالتحاق بمدخوله.

الثالثة:ان يكون وضع الهيئة وسطا بين الانتساب و عدمه فلم يلاحظ فيه أي منهما و هذا ما يمكن ان يقول به الشيخ النائيني(قده)في هيئة المصدر.

إلا ان العبارة المنقولة عنه(قده)ليست بهذه البساطة فهل ان قوله:ان هيئة المصدر موضوعة لالغاء قيد عدم الانتساب يعني انها موضوعة للانتساب باعتبار ان نفي النفي اثبات لكن هذا عين ما ابطله النائيني نفسه و لم يرتضه في الوجه الاول.أو ان نفي النفي لا يلازم الاثبات فيلزم منه ارتفاع النقيضين،و هو مستحيل.

ص: 375


1- بنقل سيدنا الاستاذ:مباحث الدليل اللفظي:316/1.

مضافا إلى اشكال اخر لعله اوضح و ذلك ان الترتيب الذهني لهذا الوجه يبدأ باسماء المصادر و انها موضوعة لعدم الانتساب ثم يثنّي بهيئات المصادر و انها موضوعة لنفي هذا القيد و هذا يلزم منه محذوران:

1-ان اسماء المصادر تكون اسبق زمانا من المصادر و لم يثبت ذلك تاريخيا.

2-فرعية وضع المصادر و توقفها على وضع اسمائها بحيث يكون وضع مجموعة من الالفاظ متقدما رتبة و بمنزلة العلة لوضع المجموعة الاخرى و هذا قطعي العدم في اللغة سواء كان الوضع تعينيا أو تعيينيا اما الاول و هو الغالب فلأن هذه الطولية متعذرة في مثله أي وضع الالفاظ عبر اجيال متعاقبة و اما الثاني فلم يدّع احد ان وضع أي كلمة متوقف على وضع كلمة اخرى فيكون هذا الوجه كله خلاف الاجماع.

و قد اورد سيدنا الاستاذ على هذا الوجه بالتساؤل عن معنى ان هيئة اسم المصدر موضوعة لملاحظة عدم الانتساب إلى الذات،فانه احد أمرين:

الأمر الأول:انها موضوعة لتقيد الحدث بان لا يكون منسوبا إلى الذات،و يرد عليه حينئذ:

أولا:لزوم محذورين ثبوتي و اثباتي:

اما الأول:فانه يلزم منه عدم صدق اسم المصدر على الغسل الخارجي مثلا لان أي غسل يقع فهو منسوب إلى الذات فيكون مخالفا لشرط الواضع!!

و اما الثاني:فانه يلزم منه عدم صحة الاضافة في اسم المصدر مع انه يقبلها بلا اشكال فيقال(غسل زيد).

ثانيا:يلزم منه بان يراد بهيئة المصدر عدم هذا الانتساب و هو يكفي في عدم وضع الهيئة اصلا في المصدر و لا يحتاج إلى وضعها لعدم التقييد.فيكون وضعها لغوا.

الأمر الثاني:ان يراد ان اسم المصدر من حيث هو لا يدل على الانتساب لا انه يدل على عدم الانتساب اما الانتساب في الواقع فهو حاصل إلا ان اسم المصدر لا يدل عليه و يرد عليه:

ص: 376

1-انه يكفي في عدم الانتساب عدم الوضع و لا يحتاج إلى الوضع إلى العدم فيكون الوضع لغوا.

2-و في مقابل ذلك يكون المصدر دالا على الانتساب و هو الوجه الاول الذي انكره.

و تعليقنا على ما قاله سيدنا الاستاذ بعدة أمور:

أولا:ان الاحتمالات في المراد من وضع هيئة اسم المصدر ليست اثنين بل ثلاثة فيحتمل اضافة إلى ما ذكره ما سبق منّا ان هيئة اسم المصدر موضوعة لا لالغاء القيد المأخوذ في المصدر و هو الانتساب إلى الذات أي بملاحظة عدم الانتساب.

و يرد عليه طولية الاوضاع اللغوية و هو غير محتمل كما سبق.

فانتفت ايرادات سيدنا الاستاذ لدخول احتمال ثالث و بطل اصل الوجه لبطلان كل احتمالاته.

ثانيا:ما ذكره من كفاية عدم وضع الهيئة للمصدر إذا اريد عدم ملاحظة الانتساب فيرد عليه:

1-ان القائل بذلك اخذ وضع الهيئة مسلما كما في سائر المشتقات فإن القاعدة فيها هو وضع هيئاتها غير وضع المواد.

2-ما ذكرناه من ان ظاهر كلامه المنقول عنه انها موضوعة لالغاء القيد الوارد في هيئة اسم المصدر و هو ملاحظة عدم الانتساب إلى الذات و هذه الطولية عكس ما احتملناه فما اقترحه الوجه ان هيئة اسم المصدر موضوعة اولا لعدم الانتساب و المصدر موضوع لالغائها و كلتا الطوليتين غير عرفية فإن كل لفظ موضوع بذاته مستقلا و لم يلاحظ فيه وضع أي لفظ آخر.

ثالثا:انه لا ضرورة للقول بان النائيني يرى وضع الهيئتين(في المصدر و اسمه) لمعنيين متقابلين هما الانتساب و عدمه و لو كان هذا الاحتمال في ذهنه لكان الاشكال به اولى لكنه اهمل هذا الجانب أي ان نفي النفي اثبات و انه يلزم منه اجتماع النقيضين

ص: 377

فلعله اراد ان بينهما اصل الاختلاف أو كلي الاختلاف فمن الاحتمالات التي ليس فيها مقابلة التناقض أو التضاد ما هو ظاهره الذي نقلناه عدة مرات ان هيئة اسم المصدر موضوعة لملاحظة عدم الانتساب و هيئة المصدر موضوعة لالغاء ذلك القيد فلم يؤخذ الانتساب و عدمه في وضع هيئة المصدر و ليس هذان المعنيان متقابلين فإن المهم هو رفع اصل القيد اما ماذا يحل محلّه فلم يذكر عنه شيئا.

(و منها)ان هيئة اسم المصدر موضوعة لملاحظة عدم الانتساب ثبوتا و هيئة المصدر موضوعة لعدم الانتساب اثباتا فلا تقابل بينهما لانهما من عالمين مختلفين.

و نشير الآن إلى مجموعة من المحتملات للتفريق بين وضع هيئة المصدر و اسمه ترجع إلى الترتيب العلّي بين المدلولين.

احدها:ان يقال ان النسبة بينهما كنسبة الفعل و الانفعال فإن هيئة المصدر موضوعة للفعل و اسم المصدر للانفعال و التأثر به كالكسر و الانكسار فالكسر هو المصدر و الانكسار هو اسم المصدر أجاب سيدنا الاستاذ ان هذا ليس بصحيح لان الكسر و الانكسار ليسا من مادة واحدة فاحدهما ثلاثي و الآخر رباعي،و الانفعال بنفسة من المصادر المزيدة و ليس هو اسم مصدر.

اقول:و هذا نحو سوء فهم للوجه لان اسم المصدر مع المصدر له نفس اللفظ لا يختلفان إلا بالقصد و اللحاظ.فهذا الوجه يقول انا إذا لا حظنا الفعل كان مصدرا و ان لا حظنا الانفعال كان اسم مصدر إلا انه لا يتم لوضوح امكان اضافة المصدر إلى مفعوله فيؤدي معنى الانفعال نحو(ضرب زيد)أي المنفعل به و هو مصدر و ليس اسم مصدر.

ثانيها:ان المصدر هو الفعل و اسم المصدر هو الاثر المتولد منه و النتيجة المتحصلة له كالبيع و الملكية فما يحمل فكرة السبب فهو المصدر و المسبّب فهو اسم المصدر.

قال(قده):و هذا ايضا بظاهرة غير صحيح لانه في كثير من الاحيان لا يوجد شيئان في الخارج بل شيئ واحد يعبّر عنه ب(غسل)و(غسل).

ص: 378

و جوابه:ما قلناه من اختلافهما بالقصد ليس الاّ،فإن قصدنا الفعل-من كلا اللفظين-كان مصدرا و إذا قصدنا النتيجة كان اسم مصدر،فالغسل و الغسل كلاهما مصدر و اسم مصدر.لكن اصل الوجه غير تام لان في هذا الفرق احتمالات ثلاثة:

1-ان الفعل و النتيجة متغايران خارجا كما مثلّوا بالبيع و الملكية بحيث يكون التعبير عن احدهما مغايرا لصيغته عن الآخر فالوجه باطل لعدم انحفاظ مادته فمادة البيع غير مادة الملكية و نحن نتكلم عن الهيئة مع انحفاظ المادة.

2-الاحتفاظ بوحدة المادة لهما و يكون الفرق اعتبارا تحليليا فهو ما قلناه.

3-الاحتفاظ بالمادة مع كون التغاير بينهما حقيقيا أي خارجيا و هذا غير موجود في اللغة و يمكن إنكاره.

فالاحتمالات لهذا الوجه كلها باطلة فلا يتم.

ثالثها:و قد قلنا انها كلها تفيد ان المصدر بمنزلة العلة و اسم المصدر معلول-ان يقال اننا إذا لا حظنا الفعل مع نتيجته فسوف نجد ثلاث حالات من الترتيب العلّي:

الحالة الأولى:ما إذا انصب الفعل على ذات مفروغ عنها كنساجة البساط و خياطة القماش فالعمل و نتيجته هنا امران متغايران خارجا لان القماش الذي حاكه كان له وجود قبله.

و انا اقول:ان المغايرة على شكل آخر و ذلك لان البساط موجود خارجي و العلة هي العلة الفاعلية أي الحركات الاختيارية للنساج.

الحالة الثانية:ان الفعل نفس نتيجته خارجا و ليس بينهما إلا اختلاف تحليلي و مثّل له بخلق اللّه تعالى فزيد كفعل هو خلق اللّه و خلق كعين هو زيد و ليس بينهما تغاير.

و بحسب فهمي:فهاتان الحالتان بعيدتان عن المصدر و اسمه و انما ذكرهما لاجل التوصل لفهم الحالة الثالثة.

الحالة الثالثة:ان الفعل لم يحقق ذاتا مستقلة كالقيام و القعود و الاكل و الشرب

ص: 379

فنقول:ان العرف يتعمّل في التحليل من سنخ التحليل الذي تعّمله في الحالة الثانية فيحلل القيام بنحو من الاعتبار إلى المرحلتين،التكون و التكوين أو الايجاد و الانوجاد، و ان كان خارجا احدهما عين الاخر فالايجاد هو المصدر و الانوجاد هو اسم المصدر.

اقول:و هذا يعني ملاحظة العلة تارة و عدم ملاحظتها اخرى فالايجاد فعل العلة و الانوجاد بدونها،و يرد عليه:

1-انه مبني على ملاحظة العلة و عدمها و هو تفريق دقي لا يفهمه العرف.

2-اننا لا نحس به وجدانا لو عرضناه على علامات الحقيقة و المجاز.

3-انه من لزوم ما لا يلزم فقد جعل الفرق لازما لملاحظة العلة و عدمها و هو امر غير لازم جزما،فالوجه غير تام و ان كان الظاهر من سياق كلامه انه مبناه.

الوجه الاخير و هو الوجه المختار للتفريق بين المصدر و اسمه.

و اعرض الآن الوجه الرابع و هو المختار مع قطع النظر عن الاشكالات النحوية و الصرفية الآتية فإن كانت محكّمة انتقلنا إلى الوجه العرفي الآخر و ليس بينهما فرق في المعنى بل في الصيغة و الصرفيون يهتمون بها اما هذا الوجه بل كل الوجوه فهي تنطلق من هذا الارتكاز الاصولي و هو ان الفرق بينهما في المعنى و ليس في اللفظ على الاطلاق و قبل بيانه اودّ الاشارة إلى امر لم يلتفت اليه احد من الاصوليين و لا النحويين و هو هل ان للمصدر اسما كما لزيد بن ارقم و هل كان العرب في الجاهلية الذين هم المرجع في تحديد الاوضاع اللغوية يفهمون ذلك؟و لا يشفع له انه اصطلاح قديم حتى اصبح حقيقة عرفية خاصة عند اهل اللغة كالحقيقة المتشرعية في مثل الصلاة و الصوم و الزكاة لان المشهور يقول ان اللغة توقيفية و ليس من حق الاجيال الوضع و قد خالفناهم إلا انني الزمهم بما الزموا به انفسهم.

و لو تنزلنا عن ذلك فيحتاج بيان الرأي المختار إلى مقدمات:

ص: 380

الأولى:ما قلناه من ان الوجدان يحس بان الفرق في المعنى بين المصدر و اسمه إنما هو قصدي و ارادي.

الثانية:انني اعتقد ان هذا اللفظ المصدري الواحد لم توضع هيئته لشيء اصلا سواء قصدنا المصدر أو اسمه،فهنا اما ان نقول:ان مادته موضوعة للحدث و هيئته مهملة عن الوضع و اما ان نقول:ان اللفظ ككل وضع بازاء الحدث فقط كالجوامد و ليس عندنا كبرى تقول ان كل المشتقات قد وضعت فيها الهيئات،و لو كانت كذلك ففي الامكان المناقشة في الصغرى و هو ان المصدر ليس مشتقا لانه اصلها و ليس منها، و يشمل ذلك اسم المصدر لاننا ادعينا انه عينه لغة و لفظا.

إذن فكل من المصدر و اسمه يدل على الحدث فقط إلا ان المنظور في الحدث امران عبّرت عنهما الوجوه السابقة بانها مترتبة رتبة،كما لو قلنا اننا إذا نظرنا إلى العلة كان مصدرا و ان نظرنا إلى المعلول أو الاثر كان اسم مصدر،إلا انني اقول:ان نظرنا إلى الحدث بلحاظ وجوده الحدوثي المتحرك و المستمر كان مصدرا و ان نظرنا اليه كمعنى قار و ثابت كان اسم مصدر،فاسم المصدر بمنزلة العلم للحدث في حين اننا لو لاحظنا فيه الحدثية كان مصدرا،و هذا بنفسه يفسر التدرج في الرتبة،فإن الحدوث سابق رتبة على الحادث مضافا إلى ان الحدوث من فعل العلة،و الحادث مستقل لحاظا عنها مضافا إلى ان الحدوث بمنزلة العلة و الحادث بمنزلة المعلول أو الاثر الناتج منها،فكل هذه الوجوه المذكورة تعبيرات مجازية عما هو المختار.

فإن قلت:بان هذا فرق دقي لا يفهمه العرف فيرد عليه ما ورد على الوجوه السابقة.

قلت:بل ان هذا الوجه يفهمه العرف فانه يفرّق بين حال الانشغال بالفعل و حال الانتهاء منه فالأول مصدر و الثاني أسمه.

فإن قلت:انه ينقض على هذا الوجه للمصادر بمصادر اسماء اللّه الحسنى لان معانيها قارة ثابتة و لا يتصور المعنى الحدثي فيها كالسمع و البصر في السميع و البصير

ص: 381

و المفروض على المشهور ان المصادر كلها موضوعة وضعا واحدا نوعيا.

قلت:يجاب هذا بعدة وجوه.

1-ان الاسماء الحسنى توقيفية فنقتصر منها على الموروث في الكتاب و السنة و لا نحاول تطبيق قواعد الاشتقاق عليها فنقول(سميع)و لا نقول(سامع)فإذا لم يصح اشتقاق اسم الفاعل فكذا المصدر.

2-ان الاشكال وارد على اسم المصدر كالمصدر و المستشكل فرق بينهما لان في كليهما جهة حدوث من الناحية التكوينية غاية الامر ان الحدوث في المصدر ملحوظ وضعا و في اسم المصدر غير ملحوظ وضعا.

3-ان المستحيل على اللّه تعالى هو نسبة التجدد و الحدوث إلى ذاته اما نسبة ذلك إلى افعاله فهو ضروري و اسماء اللّه الحسنى كلها افعال في الخلق فلا بأس ان يكون فيها تجدد و حدوث.

4-ان الوجوه كلها تشترك في هذا الاشكال بحسب الظاهر فكان فيها علّة و معلول و تعدد رتبي و كلها مستحيلة في حقه تعالى فما يقال هناك يقال هنا و الحقيقة ان الاشكال لا يرد عليها جميعا.

فإن قلت:ان مفاد المعنى المصدري على هذا الوجه هو الاستمرار بالفعل و معنى اسم المصدر الثبات فاذا طبقناه على مثال كالقيام فيشكل بان الحركات القيامية ليست قياما بل هي نهوض و مقدمات للقيام فهي قيام مجازا و انما القيام حقيقة هو المعنى الثابت الحاصل بعد انتهائها فسقط المعنى المصدري و انما الصدق الحقيقي لاسم المصدر.

قلنا:ان الاستمرارية لا بمعنى المقدمات بل نفس العمل و الاستمرار بذات الفعل نعم هي بلحاظ المعنى الثابت تعتبر مقدمات لكن هذا تهافت في اللحاظ.

فإن قلت:ان النحويين قالوا ان المصدر اصل المشتقات و قد عرض هذا الوجه معنيين للمصدر احدهما مصدري و الآخر اسم مصدري و ان لفظهما واحد موضوع

ص: 382

بوضعين على نحو الاشتراك اللفظي فما هو اصل المشتقات منهما؟

قلت:ان هذا المعنى موجود في سائر المشتقات ففي قولنا(زيد قائم)هل قيامه بالمعنى المصدري فنتصور قيامه الحدثي مستمرا ام بالمعنى اسم المصدري فنتصوره قارا ثابتا و كلاهما ممكن في كل المشتقات فاي منهما الاصل فيها؟

و النحويون في فسحة من هذا الاشكال لانهم انما سلسلوا العلّية و المعلولية-لو صح التعبير-بين الالفاظ لا المعاني،اما الاصولي فيحتاج إلى الاجابة و له عدة اطروحات محتملة:

الأولى:ان نقول ان المعنى المصدري وضعت له المادة فقط،اما الهيئة فمهملة و ان المعنى اسم المصدري وضع له مجموع اللفظ بغض النظر عن مادته و هيئته و هذا له احدى نتيجتين:

1-النتيجة الاصولية التي يبتني عليها مشهور الاصوليين:ان المادة هي السارية المفعول في المشتقات جميعا فالمعنى المصدري الذي وضعت له المادة هو الساري المفعول لان اللفظ بمجموعه مباين للمشتقات.

2-النتيجة النحوية:فيزعمون ان اللفظ كمجموع هو اصل المشتقات أي المعنى اسم المصدري و هذا ناشئ من وهمهم ان المجموع هو الموضوع للمصدر و عندئذ يعود السؤال الرئيسي من جديد.

الثانية:يمكن ان نحدس ان المعنى اسم المصدري هو الاصل و هو الساري في المشتقات لان اغلب المشتقات كاسم الزمان و المكان لها معاني ثابتة قارة و ان احتمل بعضها المعنى الحدثي المتحرك نحو(مقتل)لكن الصفة العرفية التي تخطر في الذهن هو المعنى الثابت و إذا كان الاصل هذا فتلحق المشتقات التي يتساوى فيها المعنيان كاسم الفاعل بالاعم الاغلب.

و يمكن ان نخطو خطوة اخرى لارضاء النحويين بان نقول بان المصدر هو اصل اسم المصدر فيكون هو اصل المشتقات بالواسطة حيث ترجع إلى المعنى الثابت و هو

ص: 383

-تكوينا-يحصل بعد المعنى الحدوثي المستمر لان المعنى المصدري متقدم رتبة فرجع المصدر اصلا للمشتقات مباشرة أو بالواسطة.

الثالثة:ان في المقام ثلاثة أمور:

1-ماهية الحدث أي الحدث بما هو.

2-الحدث بصفته امرا مستمرا و متجدد الحدوث.

3-الحدث بصفته أمرا ثابتا قارا.

فالأمر الأول:و هو اصل الماهية يكون بمنزلة الجنس للمصدر و اسم المصدر و يكون الثاني فصلا للمصدر و الثالث فصلا لاسم المصدر،حينئذ نقول ان الاصل للمشتقات ليس هو المصدر بحدّه أي بفصله و لا اسم المصدر بحدّه بل الجنس الجامع أي ماهية الحدث.و يكون له بذلك نقطة قوة حيث يقال ان هذا المعنى هو الموجود في مواد المشتقات حيث انها موضوعة لاصل الحدث فتكون ماهية الحدث سارية في جميع المشتقات و يكون فرق بين معنى المصدر و معنى المادة فالمصدر مكون من جنس و فصل هما ماهية الحدث و صفة الاستمرار و تجدد الحدوث اما مادة المشتقات فموضوعة رأسا لاصل الحدث من دون فصل محدّد.

ان قلت:على هذا لا يكون المصدر هو اصل المشتقات لان الماهية من دون فصل ليست هي المعنى المصدري.

قلت:جوابه احد أمرين:

1-ان نتنزل عن كون المصدر أصل المشتقات فإن النحويين هم الذين قالوا ذلك.

2-أو نقول ان المعنى المصدري بعد تجريده عن فصله هو اصل المشتقات فيكون استعمالا مجازيا للمعنى المصدري.

فإن قلت:ان المجاز ينبغي ان يكون وفق الطبع و الذوق العرفي و هذه التدقيقات في التفريق بين اصل الماهية و الفصل ليست عرفية،فاصل الماهية معنى مصدري

ص: 384

و المواد كذلك معنى مصدري فقولنا انه مجاز بعد تجريد المعنى المصدري عن فصله خلاف الاصطلاح.

و من هنا نصل إلى اطروحة معتد بها فنقول ان الجنس الذي ينطبق على المصدر و اسمه هو أصل المشتقات،لان اصل المشتقات له معنيان:

1-ما عليه فهم النحويين:و هو ان نفهم انه ثابت في رتبة سابقة على اشتقاق المشتقات فتتفرع عنه.

2-هو المعنى الساري في سائر المشتقات مصدرا كان أو اسم فاعل أو مفعول و استطيع ان اقول ان كلا المعنيين متوفر في ماهية الحدث بغض النظر عن فصولها الاشتقاقية اما المعنى الثاني و هو الاصولي فواضح و اما الأول و هو النحوي فلو سلمناه فهو واضح ايضا لانه معنى ثابت للمصدر في الجملة لاننا قلنا ان هيئة المصدر غير موضوعة لمعنى و لا هيئة اسم المصدر فلا بأس ان نقول ان المصدر بما هو دال على اصل الماهية يكون هو الثابت في الرتبة السابقة على المشتقات كما عليه فهم النحويين.

فإن قلت:ان في هذا تجريدا للمصدر عن فصله.

قلنا:نعم لكنه لا ينافي كون دلالته عليه حقيقية بالدلالة التضمنية و ان كانت المطابقية عليهما معا و الدلالة التضمنية دلالة لغوية على اية حال و هي مفهومة و حقيقية.

و يمكن عرض عدة فروق بين الوجه المختار و الوجوه السابقة:

الأول:ما اخترناه في هذا الوجه ان الهيئة غير موضوعة و ان الوضع لخصوص المادة و هو الحدث الذي نتصوره تارة كمعنى حادث متحرك و اخرى كقار،و اما الهيئة فهي غير موضوعة لاي معنى اذ لو كانت موضوعة لاستفدنا معنيين من المصدر أو اسمه كسائر المشتقات مثل اسم الفاعل و المفعول اما المصدر فلا نفهم منه إلا معنى الحدث أو جامع الحدث.

فإن قلت:فاننا نفهم من هيئة المصدر معنى المصدرية فهذان معنيان هما ذات الحدث و مصدريته و اصبح كسائر المشتقات.

ص: 385

قلت:ان معنى المصدرية بالحمل الشايع مستفاد من المعنى الاصلي الذي هو معنى المادة و منتزع منها و ليس له ربط بالهيئة أي واقعها.

الثاني:و هو بمنزلة المترتب على الاول ان نقول:ان الهيئة المصدرية التي ذهب المشهور إلى وضعها في اكثر الوجوه السابقة كيف وضعت،يوجد هنا احتمالان:

أولها:ان يكون العنوان الموضوع هو الهيئة المصدرية بالحمل الاولي أي مفهوما.

ثانيهما:ان يكون الموضوع هو الهيئة المصدرية بالحمل الشايع أي ذات الهيئة المصدرية و كلاهما باطل فاللازم باطل و هو وضع الهيئة المصدرية:

اما الأول:فلأنه معنى اسمي موضوع لكلي الهيئة المصدرية و لا ربط له بالموضوع له و هو الهيئة الحرفية الممتزجة بالمادة.

و أما الثاني:فلأن ذوق المشهور ان المشتقات وضعت وضعا نوعيا واحدا و لا ينطبق ذلك على الهيئة المصدرية بالحمل الشايع لاختلاف الهيئات المصدرية من جهة اختلاف الالفاظ فيوجد مصدر لثلاثي أو رباعي أو مجرد أو مزيد فهي موضوعة باوضاع متعددة،و من الواضح ان الوضع النوعي الواحد لا يكون إلا للهيئة بالحمل الاولي و هي غير موضوع لها.

فإن قلت:فانه يمكن الجمع بين الاحتمالين بأن يكون الوضع عاما و الموضوع له خاصا،يعني ان الواضع أخطر في ذهنه المعنى الاسمي و توصل من ذلك إلى وضع الجزئيات.

قلنا:هذا صحيح إلا ان عنوان الهيئة المصدرية ليس عرفيا جزما،و اللغة مبنية على فهم العرف و هذا مما لا يفهمه،فإن قبلنا هذه التقريبات(الآخوندية)فانما نقبلها في العناوين العرفية.

الثالث:عدم الطولية بينهما فإن هذا الوجه و ان شابه الوجوه السابقة من حيث لحاظ الطولية في المعنى و حين الاقتران بين الهيئة و المادة كصورتين ذهنيتين احدهما

ص: 386

بمنزلة العلة و الآخر بمنزلة المعلول و لا ضير في ذلك،لكن الوجوه السابقة ذهبت اكثر من ذلك فقالت بالطولية المقترنة بنفس اللفظ أي انها طولية في داخل المعنى اللفظي الواحد اما في هذا الوجه فنقول بأن هناك وضعين مستقلين احدهما لمعنى المصدر و الآخر لاسم المصدر و لا يجتمعان في استعمال واحد و إلا كان من استعمال اللفظ في اكثر من معنى و هو متعذر عرفا و ان قلنا بامكانه عقلا فاللفظ يستعمل مستقلا في احد اللفظين ثم مستقلا في المعنى الآخر فالطولية في ذاتي المعنيين لا في لفظ واحد فاذا قلنا(ضرب)فإما ان نريد به المصدر أو اسم المصدر.

الرابع:ان هذا الوجه كالوجوه السابقة يحتوي على تعدد الوضع فلا محذور إذن من هذه الجهة غاية الامر انه يختلف بشكل التعدد و اسلوبه فهناك قالوا بتعدد الوضع المستقل لامرين مختلفين احدهما المادة و الآخر الهيئة اما هنا فتعدده للمادة فقط فيكون لفظا واحدا له معنيان على نحو المشترك اللفظي لمعنيين هما المصدر و اسم المصدر بينهما ترابط و تشابه لا الاشتراك اللفظي بين معاني متباينة كما في(عين).

الخامس:قد يستشكل المشهور على الوجه المختار بان لازمه الاشتراك اللفظي الذي ملاكه تعدد الوضع و هو على خلاف القاعدة و الاصل فيكون نحو محذور عليه، و اما بناءا على الوجوه الأخرى فقد يقال انه لا يوجد اشتراك لفظي لان ملاكه وحدة اللفظ و هناك يقال:بوضع المادة مقابل وضع الهيئة فالوضعان على موضوعين لا على موضوع واحد ليكون اشتراكا لفظيا.

و جوابه:ان الاشتراك اللفظي موجود حتى بناءا على الوجوه السابقة و لكن بتقريب آخر،بيانه:ان الوجوه السابقة تقول بوضع المادة للحدث و انما الكلام في الهيئة فهيئة المصدر موضوعة لمعنى و هيئة اسم المصدر موضوعة لمعنى آخر يعني بوضع آخر و لا يمكن ان يتم ذلك بوضع واحد لان تعدد المعنى امارة قطعية على تعدد الوضع،فالاشتراك اللفظي حصل في الهيئة المصدرية،و هي لفظ واحد وضع بوضعين لمعنيين،فاذا انضمت إلى المادة كانت النتيجة تتبع أخس المقدمتين و ذلك ان

ص: 387

المجموع اللفظي المركب بينهما يصبح من قبيل المشترك اللفظي لان جزءه مشترك لفظي،اذن فالاشتراك اللفظي متعين على كل حال.

الوجه الاخير:و هو الخامس:للتعريف لمعنى اسم المصدر و هو مأخوذ من مصادر اللغة لا الاصول و النحويون لم يتجشموا كالاصوليين عناء المعنى و الفرق فيه بين المصدر و أسمه و انما اكتفوا باللفظ فقط.

و حاصل هذا الوجه:ان اسم المصدر هو ما ساوى المصدر في الدلالة على الحدث و لم يساوه في اشتماله على جميع احرف فعله بل خلت هيئته من بعض احرف فعله لفظا و تقديرا من غير عوض نحو(توضا،توضؤا و وضوءا)و(تكلّم،تكلّما و كلاما) و(أيسر،إيسارا و يسرا)و يجب ان تتوفر في المصدر جميع احرف فعله بالتمام مثل تفهّم تفهما و سمع سمعا و بصر بصرا أو بزيادة في المزيد مثل أعلم اعلاما و كتب كتابة(كان اصله كتبة أو كتبا)و استغفر استغفارا و ان كان النقص نقصا لفظيا لا تقديريا اعتبر مصدرا،مثل قاتل قتالا أصله(قيتالا)و ان كان النقص لفظا و تقديرا و عوّض عنه اعتبر مصدرا ايضا مثل:وهب هبة و وعد عدة،فالتاء عوض الواو.

أقول:لي عدة تعليقات اشير إلى المهم منها:

1-من الواضح ان هذا التفريق بين المصدر و اسمه انما هو باللفظ فقط و كأن معناهما واحد و حينئذ ينسد باب السؤال عن الفرق بين معنييهما و هذا خلاف الوجدان اللغوي الاكيد فانهما يجتمعان بجامع ماهوي و يختلف كل منهما بفصله و لازم هذا الوجه اشتراكهما في الدلالة على الحدث بالدلالة المطابقية.

2-انه قيل لا بد في أي تقسيم من ثمرة ليكون له معنى فتفريقهم هذا بين المصدر و اسمه لا ثمرة فيه لان معناهما واحد و عملهما في مدخولهما واحد نعم لو التزموا بان المصدر دون اسم المصدر يعمل عمل فعله فيرفع فاعلا و ينصب مفعولا لكان للتقسيم فائدة لكنهم لم يلتزموا بذلك فلم يعد للتفريق اية فائدة.

3-انه لا معيّن لتسمية هذه المجموعة أو تلك مصدرا أو اسم مصدر إلا

ص: 388

الاصطلاح و لذا قيل ان كان كذا اعتبر مصدرا أي اصطلح عليه اهل اللغة مع انه يحمل معنى اسم المصدر بالاصطلاح الاصولي و بكل التفاسير مثل السمع و البصر و الكتابة مما ذكروه،اما الاصولي فيجعل ضابطا عرفيا للتفريق بينهما و لا يعذر في اهماله.

4-انه على هذا الوجه يصبح المصدر و اسمه مترادفين لاننا لا نريد بالترادف إلا الاتحاد في المعنى و الاختلاف في اللفظ و هو متحقق على هذا الوجه فهل يقبلون هذه النتيجة.

5-انهم اهملوا هنا التعرض إلى الهيئة فأخذوا مسلما ان اللفظ ككل وضع للمصدر أو اسم المصدر كما ينظر إلى الالفاظ الجامدة،بينما في اسم الفاعل و المفعول نظروا إلى الهيئة مستقلة عن المادة.فما الذي حداهم إلى ذلك؟اللهم إلا ان يرجعوا إلى الوجه الذي قلناه من عدم وضع الهيئة و ان المادة وحدها هي الموضوعة و لا اعتقد ان هذا مقصودهم و مع ذلك فعدم ذكرها غير مغتفر.

حينئذ ينفتح لنا باب جديد من الكلام لا يخلو من دقة في المقارنة بين الوجه المختار و الوجوه المشهورة عند الاصوليين و بين الوجه النحوي لان التسالم عند الاصوليين ان اساس التفريق بينهما هو المعنى و عند النحويين هو اللفظ فكيف يجمع بينهما.

في الحقيقة وجوه الجمع بين الرأي المختار و النحوي عديدة:

الأول:ان نركّب بين الوجهين بأن نقّيد أحدهما بالآخر فنعطي المعنى الاصولي للمصدر للمجموعة التي عزلها النحويين بعنوان المصدر و المعنى الاصولي لاسم المصدر للمجموعة التي عزلوها بعنوان اسم المصدر.فعلى المختار يكون معنى الفاظ المصادر هو الحدث المستمر و المتجدد و معنى اسماء المصادر-التي هي غير المصادر لفظا عند النحويين-هو القار و الثابت فالمصادر لمعنى الاستمرار و اسمائها لمعنى الاستقرار.

فإن قلت:اننا مع التمييز اللفظي الذي حصل من هذا الوجه للجمع لا نحتاج إلى التمييز المعنوي.

ص: 389

قلت:

1-ان هذا خلاف محل البحث و هو التصدي للجمع بينهما.

2-اننا نحتاج لملاحظة المعاني دفعا لاحتمال الترادف و قد ابطلناه فيتعين الاختلاف.

إلا ان اصل الوجه غير تام:

1-لانه خلاف الوجدان العرفي لاننا قلنا ان لفظ المصدر و اسمه واحد فيمكن لنفس اللفظ ان يستعمل مصدرا أو اسم مصدر و المهم لحاظ الاستمرار أو الاستقرار من غير فرق بين كون اللفظ حافظا للمادة كلها أو لا.

2-ان هذا خروج عن الاجماع المركب من الاصوليين و النحويين حيث تسالم الاصوليون على اتحادهما في اللفظ و النحويون على اتحادهما في المعنى.

الثاني:ان نعطي كلا المعنيين لجميع الصيغ المصدرية و اسم المصدرية نحوا، على اعتبار انها جميعا موضوعة بمعنيين كما سبق في المعنى المصدري،غاية الامر ان الاغلب في استعمالها في ما سموها مصادر هو المعنى المستمر و فيما سموها اسماء مصادر هو المعنى المستقر و هذا شيء ليس راجعا إلى الوضع بل الاستعمال و تعيّنه القرائن السياقية و اللفظية المتصلة و المنفصلة و الحالية فاذا لم توجد قرينة و لا اغلبية- و هي بنفسها قرينة-فلا يعلم قصد المتكلم لاي منهما لان كليهما معنى موضوع له.

الثالث:ان نقول ان كل هذه المجموعة التي تعرض لها النحويون و قسموها إلى مصادر و اسماء مصادر موضوعة لاصل الحدث من دون فصل لاحدهما فيشتركان في الدلالة على اصل الحدث و اما الفصل المستفاد من القرائن السياقية و اللفظية سواء كان صفة التجدد و الاستمرار أو الثبات و الاستقرار فهو لحاظ نفسي زائد و لا يوجب المجاز لانه معنى موضوع له،غاية الامر انه لا بد من وجود فصل لهذا الكلي و به يتعيّن المقصود و تؤيده فكرتان:

أولاهما:ان المصدر اصل المشتقات فالمصدر الدال على اصل الحدث هو اصل المشتقات و لو كان منفصلا بفصل لما كان اصل المشتقات و لو كان بحياله.

ص: 390

ثانيهما:ان المواد في اسم الفاعل و المفعول و نحوهما دالة على اصل الحدث بدون فصل معين بل هي مناسبة لهما معا،فاذا ضممنا الفكرتين ينتج ان معنى المادة هو عين معنى المصدر فهي القسم الجامع بين الفصلين فهذا هو اصل المشتقات،نعم في مواد المشتقات كأسم الفاعل و أسم المفعول تبقى الدلالة على ماهية الحدث بدون الحاجة إلى الفصل المصدري أو اسم المصدر لانضمام الهيئة الاشتقاقية اليها،فلا يشعر العرف بالفصل و ان كان موجودا.

و على هذا الوجه لا تكون-ما سموها مصادرا أو اسماء مصادر-كلها مصادر اصطلاحية و لا اسماء مصادر كذلك لا في الاصول و لا في النحو.

فإن قلت:يتعين الفرق النحوي اللفظي عندئذ.

قلنا:لا قيمة للفرق لفظا مع الاتحاد في المعنى كاللفظين المترادفين.

و اما المقارنة بين الوجه النحوي و الوجوه الاصولية مما عدا الوجه المختار و عمدتها وجهان نذكر شيئا عنهما تمهيدا للمقارنة:

أحدهما:ما نسب إلى المشهور و هو ان المصدر موضوع للنسبة الناقصة التقييدية أي لاضافة المبدأ إلى فاعل أو مفعول كضرب زيد و به اختلف عن اسم الجنس و لم يذكر لاسم المصدر معنى و كأن الوجه الآخر مكمل له.

ثانيهما:للنائيني(قده):ان هيئة اسم المصدر موضوع لملاحظة عدم انتساب الحدث إلى الذات و هيئة المصدر موضوعة لالغاء هذا القيد،و يقصد بالانتساب الاضافي أو الفنائي و كأن المصدر عرض على الفاعل و المفعول كالضرب في(ضارب) فهذا منتسب إلى الطرف اما في اسم المصدر فنريد عدم الانتساب فنلحظ الماهية الكلية و المقسمية كشيء قائم بذاته و كأنه جوهر لا عرض،أي لو حظت الجوهرية في اسم المصدر و في مقابله المصدر الموضوع لالغاء هذا القيد و بحسب فهمي انه موضوع لالغاء ملاحظة قيد عدم الانتساب إلى الطرف و بذلك يرجع إلى نفس الوجه المشهوري لان نفي النفي اثبات فالنفيان المستفادان من(الغاء)و(عدم)يثبتان القيد الذي ذكره

ص: 391

المشهور و هو ان المصدر موضوع بقيد الانتساب و يكون معنى الانتساب هو ملاحظة العرضية و عدمه يعني ملاحظة الجوهرية.

و من هنا يتحصل نحو دفاع عن المشهور في غفلته عن تعريف اسم المصدر و كأنه لوجود مضادة و لو ارتكازية بينهما غاية الامر انها مستفادة بالصراحة من كلام النائيني و بالالتزام من الوجه المشهوري.

فهذه فكرة تصورية عن التفريق المشهوري بين المصدر و اسمه و حينئذ ندخل في المقارنة بينه و بين الوجه النحوي الذي لا يهتم بالمعنى و نتج من ذلك عدة نتائج:

أولا:ان مشهور الاصوليين يقدّس القواعد النحوية و يسلّم بها فلماذا تصدوا للبحث هنا و المفروض ان التفريق النحوي سابق في اذهانهم فيعدّ هذا النوع عصيانا لهم.

اما نحن فنجد ان المطلب اجتهادي و الباب مفتوح للجميع و ليس قول أي مجتهد حجة على غيره و ان هذا التفريق من اجتهادات المتأخرين لا العرب الاوائل فانهم لم يكونوا يفرقون بين المصدر و اسمه.

ثانيا:ان النحويين اسقطوا وضع الهيئة من المصدر و اسمه تماما و هذا يؤيد ما قلناه من عدم وضعها و ينفي ما قالوه من وضعها أيا كان معناها عندهم.

ثالثا:اننا سمعنا من كلام اللغويين عدم انحفاظ الحروف في اسم المصدر مع انحفاظها في المصدر و هذا ينتج ان المصدر محفوظ المادة و الهيئة لان الهيئة و المادة مفاهيم انتزاعية من انحفاظ الحروف في الاشتقاقات المتعددة فنفهم منه معنى المادة من جهة و الهيئة من جهة و اما إذا نقصت الحروف في اسم المصدر فلا نحرز الهيئة و لا المادة فيه.و هذا النقصان سواء نسبناه إلى الهيئة أو المادة فهو يدعم فكرة وضع اللفظ بمفرده بغض النظر عن هيئتة و مادته للعلم اجمالا بنقصان احدهما فلا يمكن وضع أي منهما.

رابعا:إن النحويين صرحوا بالتساوي بينهما في الدلالة على الحدث فيكون اصل الحدث هي الماهية المقسم بغض النظر عن الفصل الذي يضاف بحسب ارادة المتكلم اما هنا-عند المشهور-فليس فيه هذا الجنس بل جنسه اللحاظ لانهم قالوا ان اسم المصدر

ص: 392

هو لحاظ عدم الانتساب و المصدر هو عدم لحاظ هذا العدم و هو يمثل نتيجة رديئة.

إن قلت:ان هذا يرد على تعريف الشيخ النائيني(قده)لا على كل المشهور.

قلنا:تعالوا نستعرض وجه المشهور التقليدي و هو ان المصدر موضوع للنسبة الناقصة التقييدية و هو الآخر ليس جنسه الحدث مضافا إلى عيب آخر و هو انه تعريف للمصدر فقط و ليس هناك في لغة المتقدمين على الآخوند من عرف اسم المصدر.

نعم التعريف الذي يمكن نجاحه للمشهور هو ما استخلصته من كلامهم و لم يذكروه فلعلهم يقصدونه و لو ارتكازا و كان محصلّه ان المصدر هو الحدث كعرض و أسم المصدر هو الحدث كجوهر فاذا نسب إلى الذات صار عرضا و إلا فهو جوهر أي أخذ في اسم المصدر عدم الانتساب و هو مرادنا بالجوهرية.و نجح هذا الوجه في اعتبار ان مجموع الالفاظ التي كرسها اللغويون للمصادر و اسمائها معناها اصل الحدث.

إن قلت:ان هذا ايضا يرجع إلى اللحاظ لان المستعمل يلحظ المعنى المصدري كعرض فيكون مصدرا و يلحظه كجوهر فيكون أسم مصدر،فسقط كون أصل الحدث جنسا و يزداد الطين بلة شمول هذا الاشكال لتعريفنا و تفريقنا ايضا فإن المعنى هو نفس الشيء الثبوتي الواقعي غاية الأمر انه تارة يلحظه مستمرا متدرجا فيكون مصدرا و اخرى قارا ثابتا فيكون أسم مصدر.

و هذا له جوابان:

أحدهما:ملاحظة الواقع و الواقع واحد و ليس له حصتان و انما ذلك باللحاظ فتكون للحاظ صفة الطريقية للواقع سواء لحاظه الحدث مستمرا أو مستقرا.

ثانيهما:اننا لو لا حظنا عالم الثبوت بالمعنى الدقي و الفلسفي لكان الاشكال ثابتا لكننا نبني عالم ثبوت لغوي و همي نعترف به خارج العقل كالصور الذهنية نحو(جبل من ذهب).

و تحصل في النتيجة ان الحصة التي عزلها اللغويون و سموها مصادر و التي سموها أسماء مصادر لا تختلف عن أصل الحدث عرفا و عقلائيا.

و اما المقارنة بين الوجه المختار و الوجه الذي استخلصناه للمشهور فهو ان بينهما

ص: 393

عموما من وجه بالحمل الشايع لان العرض قد يكون مستمرا و قد لا يكون و المستمر قد يكون عرضا و قد لا يكون و كذا الجوهر بهذا المعنى قد يكون مستقرا و قد لا يكون كما ان المستقر قد يكون جوهرا و قد لا يكون،كل هذا يتم في عالم الواقع و في عالم اللحاظ لان المشهور قال ان المصدر هو العرض و اسم المصدر هو الجوهر و قلنا ان المصدر هو الحدث بصفة الاستمرار و اسم المصدر هو الحدث بصفة الاستقرار و طبعا نقصد بالجوهر ما يلحظ مستقلا عن الذات مفهوما واقعيا كالعلم و الذهاب و المجيء.

لكن تصور الجوهرية في معنى اسم المصدر يحتوي ضمنيا على غم الاستقلال الكامل عن الذات و هو الموجود في الجواهر الواقعية كالانسان و هذا لا يخلو من مبالغة فالعلم و الضرب مربوط بالذات و لا يمتنع ذلك كما في الجواهر الواقعية.

إذن فالاصل في المشتقات يعني المعنى الساري في المشتقات هو المعنى المصدري أي الحدث الجامع بين الاستقرار و الاستمرار لعدم تمييز العرف بينها كما قلنا،و انما يتعين ذلك بالقرينة و يدل على انه مناسب مع كلا الأمرين،و إذا قلنا بان المشتق بسيط فهو يدل على هذا الجامع-أو بأي معنى أخترناه للمصدر-خاصة و من هنا حاول محققو الأصوليين ان يستخرجوا فروقا دقية بين معنى المشتق على القول ببساطته و بين معنى المصدر مع اشتراكهما في الحدث،لكن هذه الفروقات ليست عرفية بل دقية و إذا لم يفهمها العرف رجع الاشكال جذعا و حينئذ نستطيع تحصيل عدة لوازم باطلة بسبب القول ببساطة المشتق:

1-الترادف بين المصدر و سائر المشتقات لانهم قالوا ببساطته بجميع أصنافه بل ان المشتقات-كأسم الفاعل و المفعول-تصبح على هذا مترادفة بينها و حينئذ فما الفرق بينها و بين المصدر عرفا و عقلائيا.

2-يلزم عدم وضع هيئة المشتق لمعنى بل اما انه وضع كلفظ مستقل و لا هيئة له -كالجوامد-أو اهملت فيه الهيئة،فنزعم ان(عالم)وضع للحدث كلفظ واحد لمعنى بسيط اسمه مصداق الحدث.

ص: 394

فإن قلت:ان الكلام في المشتق إنما هو عن الهيئة لا عن المادة التي هي لاصل الحدث و انما يصبح المشتق مشتقا بالهيئة فيكون أسم فاعل أو أسم مفعول و هي التي يقول الاصوليون ببساطة وضعها،قلنا يرد عليه:

1-خلاف ظاهر كلامهم من ان المشتق كله بسيط يعني بكلا جزئيه.

2-انهم قالوا بالبساطة و انه موضوع لاصل الحدث فإن كانت الهيئة بناءا على ذلك موضوعة لاصل الحدث لزم وضع المادة و الهيئة كلا على حدة لاصل الحدث و هذا جزاف غير محتمل،و انما يحتمل اهمال الهيئة،و وضع المشتق بمادته لاصل الحدث و لا معنى للهيئة و هذا في نفسه ايضا غير محتمل و مسلّم العدم عندهم.

ص: 395

الأقوال في بساطة المشتق و تركيبه
اشارة

و قبل الدخول في البرهان على بساطة المشتق و تركيبه ينبغي ان نحمل فكرة تصورية عن الأقوال(1) في معنى المشتق للاحاطة بها اجمالا و لنعلم ان بعضها يرجع إلى بساطة المشتق و بعضها إلى تركيبه:

القول الأول:ما نسب إلى المحقق الدواني:ان الوصف الاشتقاقي موضوع بمادته لذات الحدث كالمصدر،

و اما هيئته فلم توضع لاية نسبة من النسب و انما وضعت للابشرطية عن الحمل بخلاف هيئة المصدر فانها وضعت بشرط لا عن الحمل فنقول(زيد عالم)و لا نقول(زيد علم).

القول الثاني:و هو المنسوب إلى ظاهر الكفاية:ان المشتق موضوع لعنوان بسيط منتزع من الذات بلحاظ قيام المبدأ بالذات

بحيث تكون نسبة هذا العنوان إلى الذات نسبة العنوان الانتزاعي إلى منشأ أنتزاعه،فانه بضم المبدأ إلى الذات يصح ان ننتزع منها عنوانا بسيطا يكون مدلولا لضارب و عالم و بذلك يختلف عن المصدر.

القول الثالث:ما عليه المحقق العراقي من ان المشتق بمادته موضوع للحدث و بهيئته موضوع للنسبة الناقصة التقييدية

بحيث يكون حاله حال المصدر على القول المشهور،و لكنه يدعي ان النسبة في المصدر غيرها في المشتق على ما يأتي.

القول الرابع:ان مدلول المشتق مركب من الذات و الحدث
اشارة

و نسبة قيام الحدث بالذات أي الظرف و المظروف و الظرفية فالقيام يختلف باختلاف المشتقات فهو اما قيام صدوري كما في اسم الفاعل أو انفعالي كاسم المفعول أو الظرفية،و نسب هذا القول لمعنى مختلف فيه إلى المحقق الاصفهاني و المحقق الاستاذ و غيرهما و لعله مختارنا ان شاء اللّه تعالى.

ص: 396


1- نقلناها عن مباحث الدليل اللفظي:321/1.
المانع الثبوتي من القول بالتركيب

و قبل الدخول في تفاصيل الاقوال ينبغي ان نبدأ باقوال المحقق الشريف في شرح المطالع لان المحذور من تركيب المشتق تارة ثبوتي و اخرى اثباتي،و اشكالات المتأخرين اكثرها اثباتية غير ان اشكال المحقق الشريف ثبوتي فيحسن ان نبدأ به لانه متقدم رتبة فاذا امتنع التركيب ثبوتا فنكون في غنى عن الخوض فيه اثباتا.

و أفضل من سلسل الفكرة المحقق الاستاذ في المحاضرات(1) حيث بيّن ان صاحب شرح المطالع-و هو كتاب في المنطق لا الاصول لو لا ان صاحب الكفاية نقل هذا الاشكال هنا-فقد عرّف صاحب المطالع الفكر بانه ترتيب أمور معلومة لتحصيل شيء مجهول و أورد عليه صاحب الشرح بانه تعريف غير جامع و انما يشمل الحدود و الرسوم التامة فقط و يصح ان يكون التعريف بالخاصة وحدها أو الفصل وحده أي بالحد و الرسم الناقصين و ليس فيها ترتيب أمور بل التعريف بأمر واحد.

فأجاب الشارح عن الاشكال-و هذا كله بعرض مني-بأن هذا اللفظ و ان كان واحدا ظاهرا إلا انه ينحلّ بالدقة و الواقع إلى أمرين:ذات و مبدأ ف(ضاحك)هو(ذات و ضحك)أي(شيء له الضحك)فليكون التعريف جامعا لها لانها ستصبح ترتيب أمور معلومة لا أمر واحد لتحصيل شيء مجهول.

و هنا دخل المحقق الشريف فاشكل في الهامش:بانه لا يمكن أخذ الشيء في مفهوم المشتق و هو الناطق أو الضاحك،لان المأخوذ اما مفهوم الشيء أو مصداقه،فإن كان المأخوذ مفهوم الشيء لزم دخول العرض العام في الفصل و هو محال و ان كان مصداقه يلزم انقلاب القضية الممكنة إلى ضرورية ففي قولنا الانسان ضاحك قضية ممكنة فعلى هذا تصبح الانسان انسان ضاحك فتكون ضرورية أو بشرط المحمول لان ثبوت الشيء لنفسه ضروري.و لم يذكر وجه البطلان في هذين اللازمين.

ص: 397


1- محاضرات في أصول الفقه:279/1.

و أول تعليق:على ذلك و اوضحها و اني لأعجب من عدم التفات محققينا الكبار له ان التعريف لا يريد بترتيب الامور المعلومة الحد و الرسم لا التامين و لا الناقصين للشيء المجهول و لا يتعرض لها فإن مقتضى كونه مجهولا انه لا يمكن ان يعرّف و مقتضى كونه ممكن التعريف انه ليس بمجهول و لا يشفع له تطبيقه على شخص عالم يعرّفه لشخص جاهل لان الفكر المراد تعريفه يفترض كونه في عقل واحد لا أثنين، و انما المراد هو مقدمات القياس و الأمور المعلومة هي الصغرى و الكبرى و الأقيسة المتعددة التي تقع في الاستنتاج لامر مجهول و هو فعلا مجهول و التجربة تشهد بذلك فعندما تبدأ بترتيب اقيسة متعددة-و اغلب البراهين تحتاج إلى ذلك و المذكور في المنطق الصوري من الاقيسة البسيطة مجرد امثلة-نصل في النهاية إلى نتيجة مجهولة تماما قبل البدء بالبرهان و لا يلتفت اليها إلا بعد ترتيب تلك الاقيسة و المقدمات التي عبّر عنها بترتيب أمور معلومة.

إذن ففهم شارح المطالع لهذا التعريف خاطئ،فلا حاجة إلى جوابه حتى يستشكل عليه المحقق الشريف.

الثاني:ان ما دافع به شارح المطالع غير كاف ما دام المفهوم واحدا-كما اعترف-و لا يشفع له كونه متعددا تحليليا،لان التعريف يخرج الشيء من المجهول إلى المعلوم و لا يصبح معلوما إلا بكونه كذلك من اهم جهاته،لا من حيثية واحدة بحيث يبقى الباقي مجهولا،و في الحد و الرسم الناقصين يبقى الباقي مجهولا فلا يصل فيه الفكر إلى معرفة الشيء حقيقة و لا يشفع في ذلك كون المفهوم الواحد يتحلل إلى شيء له النطق أو الضحك لكون الامر الثاني مجهولا على الفرض بكلا وجوديه البسيط و التحليلي.و ما هذا التحليل إلا تكرار للجنس الواحد لا انه تعدّد للمفاهيم ليتحقق التعريف.

الثالث:ان سياق كلام الشريف منطقي لا اصولي،فقد يقال ببساطة المشتقات في المنطق التي تؤخذ في الحدود و الرسوم،و يقال بتركيبها في الاوضاع اللغوية باعتبار ان

ص: 398

في المنطق تستعمل الالفاظ بالمعاني الدقية الاصطلاحية و في غيرها-كاللغة-بالتسامح العرفي،و هذا له أكثر من جواب:

1-ما عليه المشهور من كون المشتقات كلها على غرار واحد و انه لا يراد بالمعنى الاصطلاحي إلا المعنى العرفي فيستشكل القول بالتفصيل.

2-ان جميع المشتقات يمكن ان تقع في الحدود و الرسوم لانها اما ذاتية أو عرضية و هي ترجع إلى بعض الاجناس العالية أو السافلة أو الخواص العالية أو السافلة أو نحو ذلك.

فإن قلت:اننا قد نسلّم ذلك فيما إذا التحقت بالتعريف دونما إذا انفصلت عنه.

قلنا:هذا غير محتمل في لفظ مشتق واحد،بل هو على غرار واحد لا محالة.

فإن قلت:ان بعضها مفاهيم انتزاعية و ليست مقولات حقيقية لتندرج في الحدود و الرسوم فما يندرج فيها فهو بسيط و إلا فهو مركب.

قلنا:انها لا محالة داخلة تحت مقولة معينة فنتكلم عنها من تلك الزاوية فإن كل معنى انتزاعي يرجع إلى معنى مقولي لانه لا وجود في عالم الوجود إلا للمقولات و اما الامور الاخرى فهي ذهنية.فنتمسك بحقائق هذه المشتقات و كونها دالة على تلك المناشئ الانتزاعية.

الرابع:انه لم يذكر المحذور من اللازمين الباطلين للقضيتين اللتين ذكرهما الشريف فلا بد من الكلام فيهما:

اما المحذور الأول:و هو دخول العرض العام في الفصل،فهذا مما لا معنى له اصلا بغض النظر عن المناقشات الآتية يعني،هل هو لازم باطل ام لا،لاننا اما ان نتكلم على مستوى الثبوت أو الاثبات و العمدة هو الاول،و من الواضح عدم دخول شيء في شيء ثبوتا و استحالته إلا إذا كان متضمنا في اصل الخلقة كتضمن الجنس للنوع و الفصل و كتضمن النوع للجنس،و بهذا نعرف ان ما هو دخيل في الخلقة يستحيل فصله ثبوتا و ما هو مفصول يستحيل دخوله ثبوتا.و من الواضح اننا إذا نظرنا إلى العرض العام

ص: 399

بمعنى استقلالي عن النوع استحال دخوله الثبوتي و ان نظرنا اليه بالنظر الاندماجي تعين دخوله الثبوتي لان الفصل من حصص النوع و كل حصة نازلة فهي متضمنه لما فوقها، فحتى لو كان الشيء جنسا فهو جنس للجنس و الفصل معا فيتضمنان له،فدخولها متعين لا مستحيل.

فاذا لا حظنا زيدا الذي يأكل و يمشي فهو مستقل عن عمرو كذلك و يستحيل اندراج أحدهما في الآخر لكن كلامنا في الكليات ذاتيّها و عرضيها و هي متداخلة فالحيوان داخل في الانسان حتى قيل ان الكلي موجود في ضمن مصداقه.

و اما اثباتا-بعد التنزل عن المستوى السابق-فغايته اننا اخطأنا في التعريف و ان ما حسبناه تعريفا فهو ليس بتعريف لانه يعود إلى المدلول اللغوي للمشتق،و معه لا يصلح ان يكون المشتق فصلا لانه دال على امرين في حين ان الفصل أمر واحد،إذن فاستعمال المشتق في الحدود و الرسوم التامة و الناقصة ليس بصحيح،و هذا لا يعني كما هو واضح ان الدلالة اللغوية للمشتق ليست تركيبية،كل ما في الامر انها ليست فصلا حقيقيا و انما هي تعبير عنه أو صوة ناقصة منه بمقدار طاقة اللغة لا أكثر لعدم وجود لفظ مطابق للفصل الواقعي.

فإن قلت:فإن الفصل في الحقيقة ليس هو الناطق و انما ما دل على النطق فقط.

قلنا:ان سلمنا ذلك فهو معنى مصدري و هو متعذر الحمل لانه على المشهور اخذ بشرط لا عن الحمل و هذا عيب آخر في اللغة،فما دل على الفصل يتعذر حمله و ما أمكن حمله لا يدل على الفصل.

و اما المحذور الثاني:و هو انقلاب القضية الممكنة إلى ضرورية فمن الطريف انه حسب انها تصبح(الانسان انسان له النطق)و لم يناقشه أحد رغم وضوح ان الذات ليست هي الانسان بل هي-عند القائل بالتركيب-ذات اجمالية أو شيء مندرج في مفهوم المشتق و انطباقها على الانسان في طول الحمل لا يعني انها تصبح إنسانا فغايته انها تصبح الانسان شيء له الضحك و هذه ليست ضرورية بشرط المحمول،اما من

ص: 400

الناحية اللغوية فواضح لتعدد المفاهيم في الموضوع و المحمول،و كذلك عقلا لكون (شيء)اما عرض عام أو جنس عال للانسان و ليس هو عينه فحمله عليه على القاعدة كما لو اقتصرت عليه فقلت:الانسان شيء فيكون من حمل الجنس على النوع و لا مانع منه.

فإن قلت:ان الشريف بنى هذا المحذور على الشق الثاني من كلامه و هو اخذ مصداق الشيء و مصداقه ليس إلا الانسان في محل الكلام فتعود القضية ضرورية.

قلنا:هذا توهم منه لان الكلي ليس مصداقا للكلي بل حصه منه،و المصداق ليس إلا الجزئي في الخارج و هو ما يتعذر اخذه في المفاهيم إذن فلا يمكن اخذ المصداق اصلا لكي يشقّق الكلام:اما المفهوم و اما المصداق.

فإن قلت:اننا نبدل(المصداق)الذي ذكره الشريف إلى(الحصة)و نعني به الكلي الاضيق مما فوقه فيعود المحذور و تكون القضية ضرورية بشرط المحمول، و جوابه من وجوه منها:

1-انه لا ينبغي تحميل كلام احد غير ما يريد و قد فشل ظاهر كلامه.

2-ان اختيار احد الشقين(مفهوم الشيء أو الحصة)ليس راجعا لنا بل إلى ذوق اللغة.

3-هل الحصة المأخوذة مفهوم الحصة ام واقعها؟اما الأول فغير محتمل و لو اخذ لما كانت قضية بشرط المحمول و ان اخذنا واقعها فإن الشيء و هو جنس الاجناس له حصص كثيرة بالحمل الشايع فاذا كانت احدى الحصص يلزم منها محذور و هو كون القضية بشرط المحمول فنأخذ حصة اخرى ليس فيها محذور.

4-ان السيد الشريف لعله يوجد في ارتكازه-و ان لم يشعر به-ما قلنا من ان هذه الذات المأخوذة في المشتق تندمج في الموضوع حين الحمل فعندما نقول(زيد عالم)فإن الذات المستبطنة في(عالم)تفنى في(زيد)و لا يكون لها معنى اخر بحياله و استقلاله و هذه فكرة صحيحة عرفا فللسيد الشريف ان يطبق هذا المعنى على المقام و يرتفع توهمه بتكرار الذات مرتين باعتبار الفناء هذا مضافا إلى ان هذا التكرار-لو فرض-انما هو في طول الحمل أي في النسبة التامة و نحن نتكلم عن مفهوم المشتق في

ص: 401

المرحلة السابقة عن الحمل و فيها ما زالت الذات كلية مجملة شاملة لحصص عديدة أي لا يوجد إنسان متضمن في معنى المشتق و بعد الحمل يزول الانسان و يفنى في الموضوع.

و الآن نبدأ بمناقشات المحققين له باختصار نسبي و ينبغي ان نلتفت إلى ان كل المتأخرين لم يقبلوا كلامه لكنهم أجابوا بصيغ مختلفة و سنتعرض لاجوبة الآخوند و النائيني و الخوئي و سيدنا الاستاذ(قده)على كل من المحذورين اللازمين من شقي الكلام:

الشق الأول:و هو لزوم أخذ العرض العام في الفصل

فذكر في الكفاية(1) انه اورد عليه في الفصول بان جعل الناطق فصلا مبني على عرف المنطقيين حيث اعتبروه بسيطا مجردا عن مفهوم الذات.و ذلك لا يوجب كون المشتق موضوعا كذلك،و كل ما دل عليه برهان الشريف استحالة كون المشتق المستعمل في الحدود و الرسوم مركبا.و اجاب الآخوند-و كأن وجدانه متيقن-ان المناطقة استعملوا المشتقات و اعتبروها فصلا بما له من المعنى اللغوي.و حيث نجدها في التعريفات بسيطة إذن فكل اوضاعها اللغوية بسيطة.

و هذا يجاب بأكثر من جواب:

1-حلا:بان اليقين بذلك عهدته على مدعيه بل الدليل على خلافه إذ سيأتي أنشاء اللّه أن التبادر و الفهم اللغوي دال على تركيب المشتق و استبطان الذات و هو فرقة عن المصدر.

2-نقضا:فإن كثيرا من المصطلحات المستعملة ذات قيود زائدة عن اللغة كالبراءة و الاستصحاب و الاشتغال و غيرها حتى المشتق حيث اعتبرت الجوامد من المشتقات في الاصول كما سبق.1.

ص: 402


1- الكفاية:78/1.

فاذا ثبت بدليل كالتبادر و نحوه تركيب المشتق ثبت اما توهم المنطقيين و اما تغييرهم لمعناه حسب اصطلاحهم،و الملازمة بين الاستعمالين الموجبة للماثلة في المعنى تكون بعد اليقين بعدم التغيير الاصطلاحي و هو اول الكلام.

ثم اورد عليه صاحب الكفاية نفسه بان الناطق ليس فصلا حقيقيا،و قرّبه في المحاضرات(1):بان المراد هل هو النطق الكلامي أو الادراك و الاول من الكيف المسموع فلا يعقل ان يكون مقدما للجوهر النوعي،و الثاني عرض للانسان فلا يعقل ان يكون مقدما له فإن العرض إنما يعقل عروضه بعد الذاتي و الذاتيات و تحصّله بفصله.

أقول:و هذا بهذا المقدار واضح الجواب:لان المراد جزما للمناطقة ليس جانب المعلول في كلا المعنيين بل نجلّهم عن ذلك و انما المراد جانب العلة فيها بعين قابليته للنطق و الادراك و لعل هذه القابلية مرجعها إلى امر واحد باطنا(و هي تلك النفس الناطقة التي بها اصبح ناطقا مدركا)لتلازمهما في الخارج لان من لا يدرك لا يتكلم و العكس بالعكس،فالمهم اتصافه بالعلة المشتركة لهما و هي الفصل.

فالنفس الناطقة هي الفصل للانسان و مما يؤيده تسميتها بالناطقة و الانسان بالحيوان الناطق و الانسان نفس(كل نفس ذائقة الموت).

إلا ان هذا مع ذلك يواجه عدة اشكالات و يمكن الجواب عليه:

1-ان النفس الناطقة أو ما نفترضه من العلل الباطنة فصول بمقدار ادراكنا و معرفتنا اما في علم اللّه فربما توجد صفة اهم من ذلك و تكون هي الفصل بل الاقرب للذوق العرفاني ان النفس الناطقة هي النوع و ليست فصلا.

2-ان التعبير عن ذلك يكون بالمعنى اسم المصدري و هو مأخوذ بشرط لا عن الحمل إلا بالمشتق لانه ليس حدثا مستمرا بل مستقر كالجوهر يؤخذ بحياله و استقلاله، فالنفس الناطقة لا تحمل إذ لا يقال(حيوان نفس ناطقة)بل لا بد من تقدي(ذو النفس)1.

ص: 403


1- 283/1.

و فيه مناقشة اخرى ستأتي انشاء اللّه تعالى.

3-لماذا تقرن الفصول بالاصوات فنقول(ناطق،صاهل،باغم)فما المانع من قرنها بالمعلولات الاخرى لهذه العلة الباطنة كالآكلة و الهاضمة و لعل صفة الحس المشترك اهم بكثير من النطق.

و استدل في الكفاية و المحاضرات(1) على عدم كون الفصل هو ذلك انه ربما جعلوا الفصل أمرين أو اكثر كالحساس و المتحرك بالارادة في حين لا يمكن ان يتعدد الفصل فيرجعان إلى خاصتين-و الناطق كذلك-و ليسا فصلا.

و جوابه مضافا إلى عدم الملازمة:

1-امكان ارجاع الامرين-فانها ليست إلا الفاظ متعددة-إلى كونها تعبيرا عن أمر واحد ذاتي أو نفسي باطني هو الذي يكون فصلا حقيقة و لكن لا نملك التعبير عن هذا المعنى الثبوتي الوجداني إلا بهذه الالفاظ المتعددة.

2-و هو واضح-ان الحساس المتحرك بالارادة هو الحد التام للحيوان فالحساس هو الجنس و المتحرك بالارادة هو الفصل،لانهم قسموا الجسم إلى نامي و غيره و النامي إلى حساس و غيره،و الحساس إلى متحرك بالارادة و غيره فاتحد الفصل و هو المتحرك و يمكن ان يكون فصلا للجنس الذي هو فوقه لان الحد التام للنوع يمكن ان يكون فصلا لما فوقه و لو كان كلاهما فصلا فما هو الجنس الداني المنطبق عليه غير الجسم النامي الذي يعمّه و النبات،إذن فالحساس جنسه و المتحرك فصله.

و ما قلناه من كون النظر إلى سبب النطق و منشأه قريب مما نقله في المحاضرات عن الشيخ النائيني حيث فسره بصاحب النفس الناطقة،و اشكل عليه بان صاحب النفس الناطقة هو الانسان لا فصله.

و جوابه:ان الفصل في الحقيقة هي النفس الناطقة بدون كلمة صاحب و من هنا1.

ص: 404


1- 284.1.

اشرنا إلى انه لا يمكن ان يحمل في اللغة إلا بتجوز،و من هنا ايضا لا يرد عليه ما قاله النائيني نفسه من انه يلزم منه اخذ مفهوم الشيء في مفهوم المشتق باعتبار كلمة صاحب فيلزم دخول العرض العام في الفصل.

أقول:لان كلمة صاحب غير موجودة و لا دخيلة في الفصل ثبوتا و ان كانت دخيلة به اثباتا لمجرد تصحيح العمل اللغوي.

و يوجد هنا اشكال لا يخلو من شهرة تبناه الشيخ النائيني(قده)كما في المحاضرات(1):و غيرها:ان تعبير الشريف عن الشيء انه عرض عام خطأ و إنما هو جنس الاجناس،و قال في وجهه:ان العرض العام ما كان خاصا للجنس القريب و البعيد كالماشي و المتحيز،في حين ان الشيئية تعرض لكل الماهيات و تنطبق عليها،و ليس هناك وراءها جهة اعلى لتكون الشيئية عارضة عليه و خاصة له كما هو شأن العرض العام،و معه يلزم أخذ مفهوم الشيء في المشتق دخول الجنس في الفصل لا العرض العام و كلاهما مستحيل،و ان كل واحد من الجنس و الفصل ماهية تباين ماهية الآخر ذاتا و حدا فلا يكون احدهما ذاتيا للآخر(و هذا الكلام بسذاجة منهم و عدم الالتفات إلى ما قلناه سابقا بان هذا التباين و استحالة التداخل فيما إذا لو حظت كماهيات مستقلة بحد ذاتها اما إذا لو حظت متداخلة فيتعين تداخلها و يكون بعضها اعم و بعضها اخص)، فالحيوان ليس ذاتيا للناطق و بالعكس بل هو لازم اعم بالاضافة اليه و ذاك لازم اخص، و عليه فيلزم من دخول الجنس في الفصل انقلاب الفصل إلى نوع و هو محال.

و هذا يمكن المناقشة فيه من عدة وجوه:

الأول:انه-اي النائيني(قده)-لم يعرّف العرض العام بحدّه التام حتى نعرف عدم انطباقه على الشيء بل اكتفى بتعريفه ما كان خاصا للجنس القريب و البعيد كالماشي و المتحيز و هذا لا يكفي لنفي ان يكون الشيء ليس بعرض عام لانه قابل لان1.

ص: 405


1- 284/1.

يكون الشيء صفة لجنس عال-على مناقشة تأتي-و الجنس العام هو الوجود أو الماهية و كل مصاديقهما اشياء.

فالعرض العام يشترك مع الخاصة بكونه عرضيا غير ذاتي و فرقه انه ان ساوى النوع أو الكلي أو الجنس فهو خاصة و ان زاد عنه فهو عرض أي يعمه و غيره،فالماشي خاصة للحيوان و عرض عام للانسان و المتحيز خاص للجسم و عرض عام لما دونه.و لم يبّين النائيني متعلق الماشي هل يريد منه الحيوان أو الانسان ليكون عرضا عاما أو خاصة.

الثاني:انه قال ان الشيء جنس عال و ليس عرضا عاما لكونه اعم الاشياء و اهمها و صادق على كل الماهيات فهل يكفي هذا لكونه جنسا عاليا؟نعم هو يجعله عاما لكنه لا يعني كونه ذاتيا و انه ليس فوقه جنس اشمل منه فان الصفة و ان كانت واسعة بسعة متعلقها إلا انها تارة تكون ذاتية و اخرى عرضية فحتى لو لم تكن هناك جهة اشمل منها لا يمكن الحكم عليها بالذاتية فان الانقسام الرئيسي للموجودات هو الوجود و الماهية، و ليس الوجود جنسا اعلى للماهيات و الا امكن القول بكون الشيئية من خواصها لان كل موجود شيء،و بهذا يندفع الاشكال الآتي بانطباقه على الأعدام و الممتنعات،لانه تطبيق و همي.

و حسب فهمي فان الموجودات في عالم الخارج على ثلاثة انواع:وجود و ماهية و مفاهيم انتزاعية و في ضوء هذا فان الوجود بما هو وجود ليس كليا منطقيا للماهيات بل مستقل عنها و اما هذه الذاتيات(اجناس و فصول و انواع)فكلها خواص للماهيات و اما الوجود فليس هو قسما من شيء و لا مقسما و انما هو مقولة مشككة لها مراتب متعددة و هذا ينتج ان مفهوم الوجود له مصاديق عديدة مختلفة المراتب و التشكيك لكن لا بالمعنى الواقعي لان اصل الوجود الذي يمثله اللّه سبحانه بسيط غاية البساطة و التقسيمات كلها للماهية.

فالشيخ النائيني و السيد الشريف-على هذا-قد تسالما على ان الشيئية من

ص: 406

الماهيات لانه سواء كان عرضا عاما او جنسا عاليا فهو من الماهية لا من الوجود و حينئذ كيف يطبقان لفظ شيء على اللّه تعالى في حين انه وجود و ليس له ماهية.

أقول:ان هذا التسالم منهما مع العلم انه يمكن القول بوجود أحد أمرين آخرين:

أولهما:كونه مفهوما أنتزاعيا فلا يكون واقعيا لانحصار الواقعيات بالوجود و الماهية.

ثانيهما:كونه خاصة للوجود أو الموجود،أي انه مركب من الماهية و الوجود و لذا لا يكون في عالم الواقع اشياء لانها غير موجودة في الخارج.

و من هنا قد نجيب على اصل كلام الشريف بان دخله لا يلزم منه محذور لانه انتزاعي أو لانه غير لا حق للماهية بما هي بل بما هي موجودة.

فنحصل من هذا الجواب على عدة أمور ينبغي التنبيه عليها:

1-ان الشيء ما دام خاصة للموجودات فما سميناه عالم الواقع الذي ليس له وجود خارجي ليس شيئا بل كليات و ماهيات فلا يصدق عليها اشياء إلا مجازا.

2-ان الوجود مستقل عن الماهية و لكل منهما احكام مستقلة و الشيئية ليست من خواص الماهية و لا الوجود بما هما هما،نعم يمكن ان يكون كذلك للموجود لان له ماهية موجود في الخارج.

3-لو كانت الشيئية عرضا عاما لكان مما يلحق الماهية بعد وجود ذاتياتها كالغنى و العلم التي تلحق الانسان بعد كونه حيوانا و ناطقا و وجودا و ماهية و هذه كلها في مرتبة واحدة و معها الشيئية فليست هي متأخرة عنها حتى تكون عرضا عاما.

الثالث:اننا لا نعلم بأي اعتبار تحدث الفلاسفة و قسموا الأمور إلى ذاتي و عرضي مصداقا،إذ لا يوجد ضابط لذلك يمكن الركون اليه،فهو شعور ذاتي يرجع إلى الحدس،و النفس تذعن بلا برهان فان كان حقا فحجته الحدس أو باطلا فهو و هم، و هذا يؤيد ان العلم بها موكول إلى اللّه سبحانه و حتى التمييز بين ذاتيها و عرضيها له سبحانه كما انه يفسر لماذا ان الشيخ النائيني و السيد الشريف لم يستطيعا ان يبرهنا على مدعاهما حقيقة.

ص: 407

و اورد في المحاضرات(1) على دعوى شيخه الاستاذ بان الشيء جنس عال:بانه يشمل الواجب و الممتنع على حد سواء فلا يمكن ان يكون ذاتيا بداهة استحالة الجامع الماهوي بين المقولات المتأصلة و الماهيات المنتزعة و الامور الاعتبارية بل لا يعقل الجامع الماهوي بين المقولات المتأصلة و الماهيات المنتزعة و الامور الاعتبارية بل لا يعقل الجامع الماهوي بين المقولات المتأصلة بانفسها.

و هذا يرد عليه بوضوح-و هو مستبطن في عبارة المحاضرات-بان النائيني لا يدعي شموله للامور الاعتبارية و الانتزاعية و المستحيلة لمنافاتها مع الجامع الماهوي الواقعي،بل ندعي انه جامع بين مجموع الامور الذاتية الواقعية،و اجاب عليه بان الفلاسفة قالوا:لا جامع بين المقولات العشر نفسها مع انها كلها اشياء.

و اجاب سيدنا الاستاذ(2):بان هذا بنفسه و ان ذكره مشهور الفلاسفة إلا انهم لم يبرهنوا عليه،إلا انه مع ذلك قال ان الشيء ليس جنسا عاليا لامر يخصه،و حاصله:ان مفهوم الشيء لو كان جنسا عاليا لاحتاج-لكي يصير نوعا-إلى ضم فصل اليه فننقل الكلام إلى هذا الفصل هل هو شيء أو ليس بشيء فان لم يكن شيئا فليس معقولا و ان كان شيئا فنسأل:ان مفهوم الشيء الذي انطبق عليه هل هو تمام حقيقة الشيء أو جزؤها فان كان تمام حقيقتها يلزم كون الجنس عين الفصل و هو محال،و اصبحت القضية تكرارية بشرط المحمول و الموضوع نفس المحمول،و ان كان جزء حقيقته،فلا بد لكي يتحدد ان ينضم اليه فصل آخر فننقل الكلام اليه فنحتاج إلى فصل الفصل و يلزم التسلسل،و تركب الماهية من اجزاء تحليلية لا متناهية.

و جواب ذلك:

أولا:ان قوله:(ان مفهوم الشيء لو كان جنسا لاحتاج لكي يصير نوعا إلى ضم1.

ص: 408


1- 285/1.
2- مباحث الدليل اللفظي:ج 1،ص 331.

فصل اليه)مع العلم ان جنس الاجناس لا يحتاج إلى فصل لعدم وجود غيره و الا كان البرهان شاملا للوجود ايضا و يتسلسل،و انما نحتاج إلى فصل في الاقسام لكي يكون هو ملاك التقسيم و الا كان القسم عين المقسم بدون فصله.

ثانيا:قوله:(ان هذا الشيء هل انطبق عليه تمام حقيقة الشيء أو اجزاؤها)فنختار كلا الامرين و لا يلزم محذور،فنختار الاول و ننقض بسائر الاشياء لان ذلك لو كان سببا للعينية لكان كل الاشياء عين بعضها و لانتفت الكثرة و التمييز بين الاشياء بالمرة،مع العلم ان الكثرة وجدانية على اشكال يأتي.

و لو أخترنا الثاني و نعبّر عنه بحصة من الحقيقة لا جزئها لان الحقيقة بسيطة و عندئذ لا بأس ان يكون فصلا في الحقيقة فان الفصول كلها مندرجة تحت الاجناس التي فوقها،فالناطق حصة من الحيوان و الحساس المتحرك بالارادة حصة من الجسم، فالفصول دائما جزء حقيقة الجنس في الحد التام.

و هنا اشكال يوجه على اختيار الشق الأول حاصله:

ان هذه الاشياء المتكثرة إنما هي مصاديق الشيء لا مفهومه و الذي نتكلم عنه هو الثاني.

و جوابه:بان هذا الكلام مبني على نحو من الوحدة بين الكلي و الجزئي و هو مبني على ذوق اقرب إلى العرفاني الاشراقي منه إلى المشّائي المنطقي و ذلك اننا ندعي بقرينة ان الكلي-كالانسان-بسيط و ذو ماهية واحدة بسيطة غير قابلة للتجزئة،فكيف تنقسم هذه الماهية إلى مصاديق لعلها لا متناهية؟ان هذا إلا تهافت اذ انها لو كانت بسيطة لصدقت على واحد.

جواب ذلك من ناحية الحدس العرفاني:ان نقول ان الكلي المتمثل بالمصداق هو مفهوم الكلي كله فانسانية زيد هي كلي الانسانية كلها و كذا إنسانية عمرو فالكلي يتمثل بكلّه في مصداقه.

إن قلت:هذا زيادة في الطين بلة،اذ لو كانت المصاديق جزء الحقيقة فنعم اما هنا فاصبحت الحقائق لا متناهية بلا تناهي الافراد.

ص: 409

و جوابه عرفاني:ان الكثرة عين الوحدة و راجعة اليها و كذا العكس فانسانية زيد هي كلي الانسانية و انسانية عمرو هي الانسانية نفسها و انما الاختلاف في المشخصات فاذا فكرنا بهذا المستوى امكن تصحيح النقص لانه كان يقول بان انسانية زيد و عمرو متشابهة فتنتفي الكثرة-و كان جواب المناطقة ان انسانية زيد جزء الانسانية و نحن نرفضه بل ان انسانية زيد كل الانسانية فرجع إلى اتحاد المصاديق و ان الجنس و الفصل هو هو فالاشكال وارد.

ثالثا:ان تركب الماهية من اجزاء لا متناهية ليس بمستحيل تحليلا(و ان كان كذلك خارجا ببرهان التطبيق و نحوه)فان لكل نوع جنسا و فصلا و لكل جنس جنس و فصل و لكل فصل جنس و فصل و هكذا إلى ما لا يتناهى و لا محذور في ذلك،نعم هو نحو قصور في المنطق الارسطي في تصور الكليات و قد الزموا انفسهم ببعض القوانين و الضوابط التي توصل إلى هذه النتيجة و لو او كلناها إلى علم اللّه تعالى لما كان كذلك.

و لو قال انه يلزم اللغوية في التفكير لان الجنس مفهوم الشيء و الفصل مصداقه فلا يكون له محصل،فاذا لزم التسلسل كانت اللغوية اوضح،و هذا يبرهن ما نقلناه من عدم حاجته إلى الفصل.

رابعا:ان تسلسل تفكيره يظهر منه ان الشيء يدور بين أمرين،بين كونه جنسا عاليا أو عرضا عاما فاذا انتفى احدهما ثبت الآخر لكن الحقيقة ليست كذلك فان فيه احتمالات أخرى لا اقل من واحد،و هو كون الشيء مفهوما انتزاعيا مما هو موجود، و من هنا يصدق على كل من الجنس و الفصل و النوع،فاذا بطل كونه جنسا عاليا لا يتعين ما زعمه السيد الشريف مع ان سيدنا الاستاذ اختار ما اختاره السيد الشريف.

ثم انه قال في المحاضرات(1):-عرضا-(و لذا ذكروا ان الوجود من عوارض الماهية)و قد ذكروه و كأنه مسلّم الصحة و مجمع عليه رغم انه غير صحيح و شاذ و أردأ1.

ص: 410


1- المحاضرات:287/1.

الاحتمالات المتصورة في المسألة:ان الاصل هل هو الوجود ام الماهية و الا فان محققي الفلاسفة المشائين و منهم صاحب المنظومة الملا هادي السبزواري الذي هو -حسب فهمي-اهم في الفلسفة و العرفان من صاحب الاسفار على اصالة الوجود و ان الماهية عرض له،قال في المنظومة:

ان الوجود عندنا أصيل *** دليل من خالفنا عليل

و لا يضاح المطلب ينبغي ان نعرف الماهية أولا،فنقول:ان لها أحد احتمالين:

الأول:انها مفهوم الشيء أو ما نعبّر عنه في مبحث الوضع انه المعنى الموضوع له كالانسان أو الماء أو الحيوان و له وجود في عدة عوالم و الماهية محفوظة فيها جميعا اما عالم الخارج فواضح و كذا عالم الذهن بناءا على الوجود الذهني لا الصورة الشبحية التي ينفيها المحققون،و لذا يصدق(الماء بارد)في الذهن رغم عدم وجود البرودة في الذهن و انما الذهن مرآة يعرض ما فيها،و العالم الثالث هو عالم الواقع و هو موطن الكليات التي تنكشف بالصورة الذهنية فان الانسان ككلي موجود قطعا و لو لم يكن موجودا لم يكن متصورا لان العدم بالحمل الشايع غير موجود فهو موجود اذن في عالم نفس الامر و هو موطن الكليات الواقعية اللامتناهية و هي الماهيات و كل منها ماهية مستقلة و من امثلتها الاعداد التي لا تتناهى.

الثاني:انها حد الوجود،فان الوجود بمعناه المطلق ليس له ماهية و انما يتحدد بعروض الماهية عليه حتى لو كان واقعيا،فالانسان بالمعنى الكلي له طول و عرض و قصر،فهذا التحديد الذي هو مرجعه إلى النقص هو الماهية.

إذا اتضح ذلك فنقول:ان الاحتمالات المتصورة في المسألة اربعة،و هي اصالة الماهية،أو اصالة الوجود،أو اصالتهما معا،أو عدم اصالتهما معا:

الأول:اصالة الماهية:و هو ارادأ الاحتمالات و تصويره ان الماهيات الواقعية الثابتة في عالم نفس الامر تلبس الوجود في الخارج لتكون موجودات خارجية فاصبح الوجود من عوارضها.

ص: 411

الثاني:اصالة الوجود و هو المشهور عند الفلاسفة المشائين أي الوجود الحقيقي و هو وجود اللّه سبحانه اللامتناهي زمانا و مكانا فالاصل واجب الوجود فلذا يقولون ان اللّه تعالى صرف الوجود و بحت الوجود أي ليس فيه ماهية و ليس فيه نقص اذ الماهية و التحديد نقص عرضا على الوجود و يؤيده الكتاب العزيز:(أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ ،نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) فانزل أي حدد و الانزال هو التحديد و معناه الخلق أي ايجاد الماهية و التحول من وجود كامل إلى وجود ماهوي،و يبقى الوجود الكامل الذي لا ماهية و لا نقص فيه هو وجود اللّه سبحانه.

الثالث:هما معا اصلان لكن كل في عالمه المناسب له،فالوجود هو الاصل في عالم الخارج و الماهية هي الاصل في عالم الواقع،فان لا حظنا ابتداء الخلق في عالم الخارج كان الوجود هو الاصل و الماهية عارضة عليه و ان لا حظنا عالم الواقع كان العكس.

و لتطبيق هذا الاحتمال على المعنيين الذين ذكرناهما للماهية نقول:انهما و ان ظهرا مختلفين بحسب الدلالة المطابقية إلا انهما متساوقان مئة بالمئة لان ما هو موجود في عالم الواقع كلي الانسان فان اريد له ان يوجد في الخارج لا يبقى على كليته بل بانقاص وجوده بالتحديد فيكون جزئيا فتحصل حركتان:حركة الوجود نحو الماهية بالنقص و التحديد و حركة الماهية نحو الوجود بتشرفها به.

الرابع:عدم اصالتهما معا:و هو فهم عرفاني شامخ فيفهم ان كل الوجود هو وجود اللّه سبحانه،و ان كل وجود بسيط متشابه لا حد معه و لا نقص بل وجود اللّه سبحانه و لا وجود غيره فلا وجود لاصالة الماهية بمعنى النقص و التحديد و لا لما يقابلها من أصالة الوجود،و هذه المصطلحات المذكورة كواجب الوجود و بحت الوجود لا يعترف بها العرفاني لانها مضافة على ما وصف اللّه به نفسه في الكتاب و السنة و لا ينبغي لنا ان نغفل ذلك و العرفان يدرك بالروح لا بالعقل.

و من ذلك ظهر ان ما في المحاضرات يصح بناءا على الاحتمال الاول بل يتعين

ص: 412

ان الوجود عارض على الماهية و ان الاصل الثابت في عالم الواقع هو الماهية اما الوجود فله عالمان في الخارج و الذهن حيث يعرض عليهما.

و اما على الثاني:فبالعكس و ان الماهية تعرض على الوجود و هو الاصل ثم يتحدد و يتنزل بعروض الماهية عليه في الخارج اما في الواقع فماهيات فقط.

و كذا لا يصح كلامه على الثالث لان كلا منهما مستقل بمثابة الجوهر فلا يعرض احدهما على الآخر و انما التقيا في الخارج بعد ان فقدا استقلالهما فتنزل الوجود و لم يصبح صرفا و تنزلت الماهية من الكلية إلى الجزئية.

و اما على الرابع:فاوضح لان عروض كل شيء فرع تحققه و وجوده و بحسب الفرض لا وجود امكاني و لا واجب و لا ماهية.

ثم ذكر سيدنا الاستاذ(1) انه لو كان الشيء جنسا عاليا لزم دخول الجنس في الفصل سواء قلنا ببساطة المشتق أو تركيبه اما على التركيب فلأن قولنا(الانسان ناطق) يرجع إلى(الانسان شيء له النطق)و اما إذا كان المشتق بسيطا فيلزم منه المحذور لوضوح ان الناطق-و هو المبدأ على القول بالبساطة-شيء من الاشياء أي مصداق من الشيء و ان الشيء كجنس عالي منطبق على الناطق لا محالة فيكون الجنس العالي مأخوذا في التعريف.

و قد ظهرت جملة من الاجوبة عليه لكننا الان نكتفي بأحدها لتوضيح حقيقة الأمر و ذلك بالتفريق بين مفهومين هما الاخذ و الانطباق:أي أخذ مفهوم الشيء في الناطق و انطباق مفهوم الشيء على الناطق و ما هو محذور-لو سلمناه-هو الاول دون الثاني الذي هو واقع فعلا فما قصد من المحذور لم يقع و ما وقع لم يقصد،على ما يعبّرون.

بيان ذلك:ان أخذ الشيء في تعريف المشتق أخذا لغويا يكون زائدا لانه1.

ص: 413


1- مباحث الدليل اللفظي:331/1.

مستبطن فيه و مأخوذ بحسب اللغة في المشتق نفسه و لا يفرق في ذلك كونه جنسا عاليا أو عرضا عاما فيقع المحذور.

اما الانطباق فهو قهري و هو جار في كل الكليات حتى لو لم تدخل في قضية حملية و لا يضر ببساطة المفهوم فالانسان-كلي-مفهوم بسيط في نفسه و مع ذلك هو مركب من(حيوان ناطق)و هذا موجود في كل المفاهيم و الحصص(إلا جنس الاجناس إذ ليس فوقه جنس و لا يفصله فصل)و ليس ذلك مضرا بالتعريف و لا يعني اننا أخذنا الجنس فيه بل انطبق عليه.

و الخلاصة ان المحذور انما يحصل بالاخذ-و هو مقصود الشريف و النائيني و الآخرين و عليه المشهور-و هو غير واقع و انما الذي يحصل هو الانطباق و لا محذور فيه.

و بهذا ينتهي الكلام في المحذور الاول الذي ذكره السيد الشريف و هو اخذ الجنس في الفصل و ظهر انه ليس اخذا بل انطباق و ان الشيء ليس جنسا عاليا و لا عرضا عاما بل هو مفهوم انتزاعي من كل الاشياء و مساق لكل الموجودات بخلاف الموجودات الواقعية فانها ليست اشياء لانها ليست بين يدي العرف حتى يحكم عليها.

و قد مرّت وجوه في الجواب منها ان دخول الجنس في الفصل لا محذور فيه مضافا إلى ان الشريف لا يقول انه جنس عال،و النائيني لا يقول ببساطة المشتق بهذا الدليل بل بدليل آخر.

فالشق الاول من كلام الشريف لا محذور فيه.

الشق الثاني(1):

من برهان السيد الشريف الجرجاني و هو انقلاب القضية الممكنة إلى ضرورية أي بشرط المحمول أو تكرارية إذا أخذ مفهوم الشيء من المشتق باعتبار ان صدقه على جميع الاشياء ضروري.2.

ص: 414


1- مرّ عنوان الشق الاول ص 402.

و يبغي أولا بيان موضوع المسألة و هو مراد السيد الشريف قبل مناقشة كلامهم في محمولها و فيه ثلاثة محتملات خلط بينها المحقق الاستاذ في المحاضرات(1):

الأول:اننا لو قلنا بتركيب المشتق و أخذ مفهوم الشيء في المفهوم التصوري للمشتق لا في التعريف يلزم انقلاب القضية الممكنة إلى ضرورية و هذا هو ظاهر المحاضرات أي حتى بدون حمل خارجي في جملة تامة و هذا غير محتمل و لا يخطر في بال محقق و هو خلاف قصد الشريف فان نفس قوله(انقلاب القضية)يعني افتراض المشتق محمولا في قضية و دخوله في نسبة تامة هي التعريف إذ التعريف دائما يشكل قضية حملية و لو لا ذلك لا يلزم المحذور في القضايا الفردية التصورية.

الثاني:انه على هذا التقدير يلزم اخذ مفهوم الشيء عند الحمل فيقال الانسان شيء له الضحك و هو من القضايا الضرورية لما قاله في المحاضرات من ان صدق الشيء على جميع الاشياء ضروري،و هذا ايضا واضح الجواب لانه من حمل الكلي على حصته و هو ليس ضروريا و ليست قضية تكرارية لا عقلا و لا عرفا حتى تكون قضية ضرورية و كل كلي فهو ضروري الصدق على اية حال حتى مثل الماهية و الذات و الجسم و غيرها و لا محذور فيه سواء كان جنسا عاليا أو عنوانا انتزاعيا لان هذه العناوين لم تؤخذ فيه و انما تصدق و تنطبق في طول تمامية الماهية و تكونها من ذاتياتها.

و ليس هذا هو مقصود الشريف على ما فهمه المشهور.

الثالث:ان يؤخذ مصداق الشيء في التعريف بان نختار مصداقا له في المحمول مماثلا لموضوع القضية و حيث ان الموضوع هو(الانسان)فيكون المحمول(إنسان له النطق)و تصبح القضية:الانسان انسان له النطق و هو حمل ضروري و يمثّل قضية تكرارية إلا ان هذا واضح الجواب لان ما هو المأخوذ في المشتق ليس هو الانسان بل الشيء أو الذات المجملة.1.

ص: 415


1- المحاضرات:283/1.

و يبدو ان مشهور الاصوليين فهم هذا المعنى من كلام السيد الشريف و بنوا عليه مناقشاتهم و كان هذا الخلط في اذهانهم هو الذي حداهم إلى ما قالوه من الاجوبة.

و قد اجاب عليه في الكفاية(1) و هو متوجه إلى الفرض الثالث نقلا عن صاحب الفصول و هو اول من نقلت عنه المناقشة:ان المحمول حقيقة ليس هو مصداق الشيء أو الذات مطلقا لكي يصبح المحمول ضروريا بل هو مجموع القيد و المقيد أي (الانسان الذي له النطق)و ما يلزم منه الانقلاب هو الاول،اما الثاني فليس الموضوع نفس المحمول فلا يكون ثبوته له ضروريا.و يصحح هذا على بعض المسالك في المعنى الحرفي حيث ابتنى على كبرى تقول:ان الصفة و الموصوف أو القيد و المقيد أو قل ان في النسب الناقصة فان طرفي او اطراف النسبة تندرج في مفهوم تصوري واحد فتصبح مفهوما واحد حقيقة كقولنا(النار في الموقد)فان له مفهوما تصوريا واحد رغم وجود ثلاث نسب ناقصة و عندئذ يصح كلام صاحب الفصول لان المحمول سيكون ذاك المعنى المحصل منهما و هو ليس عين الموضوع لان بقاء محمولات النسب الناقصة مستقلة في عالم المفهومية عن موضوعاتها يعني ان المحمول هو القيد(الانسان في المثال)لكنه وصف في مرتبة بان له النطق فتكون القضية في المرتبة الاولى ضرورية.

و لعل هذا هو الذي قصده صاحب الكفاية و لو ارتكازا حين قال(2):ان التقييد لا ينافي الانقلاب فان المحمول لا يخلو من احد احتمالين:

الأول:ان يكون القيد خارجا و ان كان التقييد داخلا بصفته معنى حرفيا فالمحمول حقيقة هو الانسان فيكون ضروريا.

أقول:و هذا معناه عدم وجود مفهوم واحد من القيد و المقيد.

الثاني:ان المحمول و هو المقيد بما هو مقيد على ان يكون القيد داخلا ضمن المحمول.1.

ص: 416


1- 79/1.
2- الكفاية:79/1.

أقول:و هذا ليس امرا قصديا أو اقتراحيا بل يرجع إلى فهم تراكيب المعاني الحرفية،فان قلنا باندماج المفهومين لم يفد القصد بتفريقهما كما انه لو لم نقل بذلك لم يفد القصد بدمجهما.

مضافا إلى انه ما مراده من طرف دخول القيد و عدمه هل هو المحمول أي المقيد و هو الانسان في المثال ام الحمل فيكون القيد قيدا للحمل لا للمحمول.

فان كان قيدا للحمل لم تصبح القضية ضرورية لان وجود القيد يكون زيادة على معنى الموضوع،ففي(الناطق)معنى غير معنى القضية التكرارية.

و ان كان قيدا للمحمول فيعني انه قد طعم بمعنى جديد مستفاد من قيده و هو غير موجود في الموضوع فتخرج القضية عن كونها ضرورية و تصبح ممكنة،و قد اعترف الآخوند بان التقييد داخل و ان كان القيد خارجا،و ذكر في وجهه:ان مقتضى المعنى الحرفي للتقييد ذلك لان القيد إذا كان خارجا قيدا و تقيدا فهو لغو فتعين كونه داخلا.

و قال في الكفاية:انه عندئذ تنحل القضية(الانسان ناطق)إلى قضيتين:الانسان إنسان،و الإنسان له النطق،و هما ضرورية و ممكنة.

أقول:ان ما زعمه من الانحلال هل هو عقلي ام عرفي؟فان كان عقليا فلا محذور فيه لانحلال كل القضايا التي تكون اطرافها كلية إلى قضايا كثيرة لان كلا من الموضوع و المحمول قابل للانطباق على افراد كثيرة لا متناهية.

و ان قصد الانحلال العرفي فهذا ما ننكره حتما لوضوح ان موضوع القضية واحد لا يتكرر و الحمل أو النسبة واحدة لا تكرر كل ما في الامر ان في طرف المحمول يوجد قيد و مقيد فينحل إلى اثنين و لا يلزم منه انحلال الموضوع و النسبة بعد بساطتهما فهذا باطل عرفا و نحن نتكلم في اللغة على المستوى العرفي.

و اجاب في العناية(1) بان القضية و ان كانت انحلالية إلى قضيتين إلا انهما ليستا1.

ص: 417


1- عناية الاصول:155/1.

كما يتخيل الآخوند أو المشهور ذواتي نسبتين تامتين بل احداهما ذات نسبة تامة و الثانية ذات نسبة وصفية ناقصة و هي في طرف المحمول(إنسان ناطق)و اما الحمل الأصلي بالنسبة التامة فهو واحد و هذا صحيح لا محذور فيه.

أقول:ان ما قاله و ان كان صحيحا وجدانا إلا انه تحميل للآخوند غير ما يريد لان الآخوند حينما قال ان الحكم ينحل إلى قضيتين فانه يريد بالقضية النسبة التامة لا الناقصة لان لغته اصطلاحية و القضية اصطلاحا تطلق على النسبة التامة.

مضافا إلى ان الانحلال المدعى انما يصح على مبناه من ان المعنى الحرفي كلي من غير فرق بين الادوات و النسب و اما على ما هو المشهور و الصحيح اجمالا من جزئية النسب فلا تكون قابلة للانحلال لانها جزئي خارجي بسيط لا يتعدد حتى لو كان المحمول مركبا.

ثم ان الآخوند علّل الانحلال بان الاوصاف قبل العلم بها اخبار كما ان الاخبار بعد العلم بها أوصاف،و في المقام قبل العلم بها فيكون الوصف و هو الناطق خبرا فيكون قضية ثابتة في نفسه.و على هذا فمحل الشاهد هو الفقرة الأولى و اما الثانية فذكرت استطرادا،فكأن هذا سبب انحلال القضية إلى قضيتين لان الأولى(الإنسان إنسان)و هذا هو الحمل في القضية التامة،و الثانية(الإنسان ناطق)فالوصف بالناطقة لما كان قبل العلم به فهو اخبار لان المفروض اننا لا نعلم به فيشكل قضية مستقلة إلى جنب من القضية الأولى.

و جواب ذلك من وجوه:

أولا:ان مفاد القضية الضرورية معلوم سلفا فيكون مفادها وصفا لا خبرا فلا تنعقد به قضية لانه ليس حملا بل نسبة ناقصة و بقيت القضية الثانية وحدها فلا انحلال.

ثانيا:ان المراد بالقاعدة الجهة المعنوية بين المتكلم و السامع لا الاصطلاحات النحوية و ان اريد بها المصطلح فهو مجاز أكيدا و الا كذبت يقينا و اوضح مثال قولك (رأيت زيدا العالم)امام الجاهل بهذا الوصف فانه اخبار رغم انه وصف نحوي و كذا

ص: 418

في مثل(زيد كريم)لو قيلت امام العالم بالوصف فهو خبر واضح و نسبة تامة رغم انه وصف معنويا فكأنه يراد بالقاعدة ان الشخص الجاهل يكون الوصف بمنزلة الخبر له، اما العالم فيسقط الخبر عن الخبرية بالنسبة اليه و يصبح مجرد وصف اما ان يصبح خبرا حقيقة و طرفا لنسبة تامة و لقضية انحلالية فنطعن فيه.

و في الحقيقة فاذا دققنا اكثر يمكن التساؤل عن مراد الآخوند من ايراد هذه الكبرى حيث توجد احتمالات ثلاث و ليس في الكفاية شيء منها لكنه محتمل ثبوتا، اما انه يريد البرهنة على ثبوت القضية الضرورية إلى جنب القضية الاخرى أو يبرهن هلى ثبوت القضية الممكنة إلى جنب الاول أو يبرهن على فكرة الانحلال اليها.

و الإيرادان المذكوران يصلحان لرد كل هذه الاحتمالات و ان كان الذي فعلته موجها إلى الاحتمال الأول.

ثم قال في الكفاية(1):(فعقد الحمل ينحلّ إلى القضية)و كان الاولى ان يقول إلى قضية(كما ان عقد الوضع ينحلّ إلى قضية مطلقة عامة عند الشيخ و قضية ممكنة عند الفارابي فتأمل).و اثباته بالفاء يعني التفريع على المطلب السابق و هو الانحلال و قد ناقشناه فلغى التفريع أصلا و مع قطع النظر عما قلناه من ان النسب معاني حرفية و الصحيح فيها اجمالا انها معاني جزئية لا تتعدد،لكن إذا سلمناه كان هذا منتجا-في عقد الحمل-لقضية موضوعها موضوع القضية الاصلية و محمولها(ناطق)الذي يصبح خبرا و كلام الآخوند يمكن تفسيره بوجهين:

أحدهما:ان المراد بعقد الوضع ما سماه بالقضية الضرورية لان محمولها عين موضوعها.

و جوابه:انها ليست مطلقة و لا ممكنة بل ضرورية.1.

ص: 419


1- 80/1.

ثانيهما:ما فسره في العناية(1) و هو النظر إلى الموضوع بدون محموله فان المناطقة من قبيل ابن سينا و الفارابي يرون ان الاوصاف-حتى الجامدة-منحلّة بطبعها إلى موضوع و محمول هو نفسه فالإنسان ينحلّ إلى قضية الإنسان له الإنسانية فيعود كل لفظ-سواء كان جامدا نحويا أو مشتقا-إلى كونه جملة نحوية أو قضية منطقية،و هذا له اكثر من جواب واحد:

1-ان هذا دقي و ليس لغويا و لا عرفيا.

2-إنه غير مرضي في علم الاصول لاستحالة وجود محمول بلا نسبة تامة و وضوح عدم وجود النسبة التامة في الالفاظ المفردة و انما هو تقدير منطقي لا اكثر.

3-اننا لو نظرناها من زاوية اصولية فهي ضرورية لا تفرق عن الضرورية التي قالها و لاجل هذا ذكرها هنا فكيف سماها بالمطلقة أو الممكنة و انما لا حظوا ذلك من جهة المصداق و الفرد لانه إنسان بالفعل أو بالامكان.

4-ان هذا الانحلال ان كان قضية فليس بالمعنى الاصولي و لا يصلح للاستدلال على الانحلال لانها ليست ذات نسبة تامة و لا ناقصة،و لعله لاجل ذلك أمر بالتأمل.

فعقد الوضع ليس قضية فما زعمه الفارابي و ابن سينا لا يدعمه الاصوليون.

ثم قال الآخوند(2):لكنه-اي صاحب الفصول-تنظر فيما افاده بقوله:و فيه نظر لان الذات المأخوذة مقيدة بالوصف قوة أو فعلا ان كانت مقيدة به واقعا صدق الايجاب بالضرورة و إلا صدق السلب بالضرورة مثلا لا يصدق زيد كاتب بالضرورة لكن يصدق زيد الكاتب بالقوة أو بالفعل كاتب بالضرورة.

أقول:ينبغي ان نذكر ان هذا الكلام من صاحب الفصول ضمن التسلسل الفكري الذي سار عليه في الرد على اشكال السيد الشريف باننا يمكن ان نختار كلا الشقين1.

ص: 420


1- عناية الاصول:156/1.
2- الكفاية:80/1.

الذين ذكرهما و ننفي لازمهما الباطل.

اما الأول:و هو دخول العرض العام في الفصل-فيما لو كان الدخيل مفهوم الشيء-فنفاه باعتبار ان المناطقة لم يتكلموا كلاما لغويا مطابقا لشرائط اصل اللغة بل اصطلاحيا فقد يكون المشتق مركبا و لكن المناطقة اعتبروه بسيطا مع مناقشات مرت.

و الثاني:انقلاب القضية الممكنة إلى ضرورية إذا كان الحمل متعددا فيكون الحمل الاول(الإنسان إنسان)و الثاني(الإنسان ضاحك)لكن المحمول واحد و هو الإنسان الناطق و المطلق غير المقيد و المحمول غير الموضوع فالقضية ليست تكرارية فلا تكون ضرورية،فإذا بطل جوابه عاد اشكال الانقلاب صحيحا.

و عبارة الفصول يمكن ان تفهم على أربعة وجوه:

الأول:ما فهمه الآخوند و هو ان المراد بالواقع في عبارته:الواقع الخارجي أي خارج الذهن فيصبح المراد ان القضية إذا كانت مطابقة للواقع(اي عالم الثبوت)كانت ضرورية الصدق و الا فهي ضرورية الكذب و سلبها ضروري،و على هذا الفهم تصدى للجواب نقضا و حلا.

اما النقض فبالممكنة الصادقة فانها ليست ضرورية و ان صدق الايجاب كما لا تكون مع السلب ضرورية العدم،و الا كانت كل القضايا ضرورية لانحصار الجهة بين السلب و الايجاب أو بين الصدق و الكذب.

و اما الحل فلأن هذا ليس هو مراد المنطقيين من الجهة بل مرادهم نسبة الموضوع إلى المحمول من أي جهة كانت سواء كانت صادقة أو كاذبة و جهات الموجهات فوق الاحصاء فحصرها بالسلب و الايجاب خلاف الاصطلاح و الواقع فلا تكون ضرورية بلحاظ تلك الجهات كالامكان و غيره.

و هذا جواب من الآخوند على ما فهمه صحيح لكن كلام صاحب الفصول يحتمل وجوها اخرى من الفهم.

الثاني:ان التعبير بالتقييد في عبارة الفصول يعني ان محل الكلام هو عالم اللغة

ص: 421

و الالفاظ أو عالم الذهن اما لو كان المقصود عالم الخارج أو عالم الواقع لناسبه التعبير بالاتصاف فزيد الخارجي يتصف بالبياض لا انه مقيد به فكيف نفسر كلام صاحب الفصول على هذا الفهم عندئذ يقال ان المراد بالواقع:واقع الارادة و القصد في النفس ففي جملة(الإنسان ضاحك)ان كان في واقع ارادة المتكلم التقييد و ابرزه في هذه الجملة فهي ضرورية بشرط المحمول و ان كانت غير مقيدة به واقعا كان له نحو من الكذب لان المراد ليس جديا و لا مطابقة بين واقع الارادة و المبرز اللفظي فيكون السلب ضروريا.

و هذا و ان كان محتملا موضوعا إلى ان محموله غير محتمل لوضوح ان قصد التقييد لا يجعلها ضرورية(الصدق عند المطابقة للارادة الجدية و الكذب عند عدمها) و الا كانت كل القضايا المقيدة ضرورية مع انها قد تكون موجهة بجهات اخرى.

كما ان قوله(و الا)أي و ان لم تكن هناك ارادة جدية و هذا له حصتان:تعلق ارادة السلب و عدم تعلق ارادة و على الاول فقط تكون ضرورية السلب لكنه غير متعين من عبارته.

الثالث:ما ذكره في العناية:ان مصداق الذات المأخوذ في مفهوم المشتق لا يخلو اما ان يكون مقيدا بالوصف واقعا فالايجاب ضروري و الا فالسلب ضروري.

و هذا ينحلّ إلى عدة أمور يبدو ان الفيروز آبادي أخذها بنظر الاعتبار:

1-ان المراد بالواقع العالم الخارجي-كما فسره الآخوند-لا واقع الارادة-كما فسرناه-مع انه من غير المحتمل ارادة ذلك لاقامة القرينة على الخلاف اولا و لانه يلزم منه انحصار جهات القضايا بالضرورة لاستحالة اجتماع النقيضين و الموجهات كلها اما سالبة أو موجبة و نجلّ صاحب الفصول عن هذا.

2-انه يتصور ان القائل بتركيب المشتق يقول بان المستبطن في المشتق هو مصداق الذات و ليس أمرا كليا أو ذاتا اجمالية في حين ان الصحيح هو الثاني و فيه تحميل على صاحب الفصول ما لا يظهر منه.

ص: 422

3-ان مراده بالوصف لا يخلو من احد أمرين،اما ان يكون مادة المشتق فالذات التي يتحلل لها المشتق مقيدة بمضمونه و مادته فعالم:ذات لها العلم أي مقيدة بالعلم و على هذا يتم كلام صاحب الفصول لان الاتصاف ان كان واقعيا فصدق الايجاب ضروري و الا فصدق السلب ضروري إلا انه ليس بقضية إلا بناءا على كلام الفلاسفة و لا يصدق لغة إذ ما معنى ان يظهر كذب مفهوم عالم فتطبيقه على كلام الفصول ليس صحيحا مضافا إلى ان هذا إنما يصحح مضمون المشتق نفسه أي الدلالة الداخلية-إذا صح التعبير-فتكون ضرورية و هو غير الكلام الذي عليه الاصوليون و السيد الشريف من ان الوصف الخارجي يكون قيدا فتصح القضية بشرط المحمول.

و ان اريد بالوصف الخارج عن معنى المشتق بان يدخل عليه من قبيل(ضاحك) للإنسان و هو مراد السيد الشريف و في مدخول هذا الوصف احتمالان:

أحدهما:انه وصف المشتق السابق عليه بكل مداليله التحليلية و ليس هو الذات المستبطنة فقط فنخرج عن محل كلام صاحب العناية.

ثانيهما:ان الضاحك في قولنا(الناطق ضاحك)وصف للذات المتضمنة و المستبطنة في المشتق السابق عليه أي الذات المقيدة بالنطق و هذا المعنى قريب من عبارة العناية إلا ان العرف لا يوافق عليه اذ لا شك ان الموصوف هو مجموع المشتق و ليس خصوص تلك الذات الاجمالية فالذات جزء تحليلي من المدخول لا انها هي.

الرابع:انهم يريدون من الوصف في قوله(مقيدة بالوصف)يعني القوة و الفعل بحسب نقل الكفاية ففي تقييدها بالقوة و الفعل تصبح بالضرورة،و يجاب من عدة جهات منها:

1-ان كل جهة مقيدة بشيء تصبح-مع مطابقتها للواقع-ضرورية الصدق في طول التقييد بها فتصبح كل الموجهات ضرورية و هو غير محتمل و الصحيح ان لا تنظر القضية في طول انتسابها للقيد بل في ذاتها كمقيد لا مرتبة متأخرة عن الانتساب.

2-لو تنزلنا و قبلنا انها في حال الايجاب ضرورية لكنها ان كانت كاذبة-باي

ص: 423

معنى سبق-لا تكون ضرورية العدم بل تبقى موجهة بدلالتها المطابقية.

ثم(1) عرض الآخوند ما اعتبره في المحاضرات دفع دخل و لا يتحصل منها و لا من غيرها أية اشارة للدخل المحتمل و السياق واضح في ان الآخوند لا زال بصدد مناقشة صاحب الفصول:فالدخل مطلب ذكره صاحب الفصول و قد اوضحه في العناية و نقله عنه حيث قال:و لا يذهب عليك انه يمكن التمسك بالبيان المذكور على بطلان الوجه الاول و هو أخذ مفهوم الذات في المشتق لان لحوق مفهوم الذات أو الشيء لمصاديقهما ايضا ضروري و لا وجه لتخصيصه بالوجه الثاني،و قال في تقريبه في العناية:انه و ان لم يلزم دخول العرض العام في الفصل و لكن يلزم الانقلاب إلى الضرورة لان مفهوم الذات أو الشيء المقيد بالوصف ان كان مقيدا به واقعا صدق الايجاب بالضرورة و الا صدق السلب بالضرورة.

فيلزم الانقلاب على كلا الاحتمالين أي سواء اخذنا مفهوم الذات أو الشيء في الشق ام مصداقه حينئذ اجاب الآخوند،و سأذكره مع عدة وجوه من الجواب:

1-ما ذكره فيما سبق من ان المراد من المصداق المقابل للمفهوم الحصة و ليس المصداق الخارجي لان المصداق الخارجي جزئي خارجي و هو يستحيل ان يكون قيدا للمفاهيم الكلية و لا معنى له.

2-انه يحتاج إلى ضم كبرى و هي ان انطباق الكلي على مصداقه أو حصته يجعل القضية بشرط المحمول أي ضرورية في قولنا(الإنسان ضاحك)و ليس الأمر كذلك فان الكلي المنطبق أحد أمرين:

أولهما:الكلي الواقعي يعني واقع كلي الحيوان ينطبق على واقع كلي الانسان و هو صحيح في نفسه على تصور المناطقة.

ثانيهما:الكلي المتضمن في المشتق كانطباق كلي الضاحك على كلي الناطق).

ص: 424


1- الكفاية:80/1 في ذيل الصفحة قوله(و لا يذهب عليك).

و هو انطباق ممكن لا ضروري فلا تتحول القضية كما زعم.

3-ان الانطباق الضروري في هذه النسبة التامة-لو سلم-فهو بين الجزء التحليلي للمحمول و جزئه الآخر و مثله لا يجعل القضية ضرورية و انما تكون كذلك لو كان انطباق المحمول على الموضوع ضروريا و هو غير متوفر في المقام.

4-ما اجاب به صاحب الفصول نفسه عن الشق الثاني و يأتي نفسه عن الأول من ان المحمول ليس هو الكلي وحده بل الكلي المقيد فيكون الموضوع جزء المدلول للمحمول و لا تكون القضية ضرورية.

5-ما ذكره الآخوند ان حمل المطلق على المقيد أو العكس لا يجعل القضية ضرورية،نعم مع التشاكل فيهما تكون ضرورية فالمطلق كقولنا(الإنسان إنسان) و المقيد نحو(الإنسان الضاحك إنسان ضاحك)فهاتان قضيتان ضروريتان اما إذا اختلفا في الاطلاق و التقييد نحو(الإنسان ناطق)بل حتى لو قلنا(الإنسان إنسان ناطق)فليست ضرورية إذ يوجد الكلي مقيدا في جانب المحمول و مطلقا في جانب المحمول.

و قد فهمه في(عناية الاصول)بشكل آخر فقال اننا يجب ان ننظر إلى المحمول فان كان مطلقا فالقضية ضرورية أو مقيدا فلا لختلاف الموضوع و المحمول و هذا الفهم مخالف لظاهر الكفاية اولا و ثانيا انه عين جواب صاحب الفصول فالاقرب ما قربناه.

و كأنه لم يلتفت إلى عبارة الكفاية(1):(إنما يكون ضروريا مع اطلاقهما لا مطلقا و لو مع التقّيد إلا بشرط تقّيد المصاديق به ايضا)

ثم أمر الآخوند بالتأمل و الفهم في كفاية مغايرة الموضوع و المحمول،بالاطلاق و التقييد لجعل القضية غير ضرورية و للتأمل وجوه:

(منها):ما قيل في الشق الثاني من ان المحمول ان كان هو المقيد إلا انه ينحل إلى أمرين القيد و المقيد فتنحل القضية إلى قضيتين احداهما حمل المطلق على المطلق1.

ص: 425


1- الكفاية:82/1.

و الثانية حمل المطلق على المقيد و الأولى ضرورية.

(و منها):اننا لو سلمنا كبرويا ان انطباق الكلي على مصداقه يكفي في جعلها ضرورية لم يفد الفرق في الاطلاق و التقييد فكلاهما صغرى لذلك.

ثم قال الآخوند(انه)أي الشريف(لو جعل التالي)أي المحذور(في الشرطية الثانية)و هي أخذ مصداق الشيء في الشق(لزوم أخذ النوع كالانسان)(في الفصل) كالناطق(ضرورة ان مصداق الشيء الذي له النطق هو الانسان)و كان يقابله محذور أخذ الشيء و هو عرض عام في الفصل في الشق الأول(كان اليق بالشرطية الثانية)لان فيه جمالا لفظيا(بل اولى لفساده مطلقا)أي اولى من المحذور الذي ذكره و هو تحول القضية من ممكنة إلى ضرورية و كأنه يريد ان يوحّد الاشكال على الشقين(و لو لم يكن مثل الناطق بفصل حقيقي)في حين كان المحذور الذي ذكره مختصا بما لو كان فصلا حقيقيا-و ما زلنا نشرح سطح الكفاية-لا عرضا عاما(ضرورة بطلان أخذ الشيء في لازمه و خاصته)ثم أمر بالتأمل جيدا فاتحا باب المناقشة عليه فانه واضح الفساد.

1-لان وجه الاليقية لفظي و هو لغو من الكلام لدى المحققين فان المطلوب هو الحق و ليس السجع في البراهين.

2-ان ما زعمه الآخوند لا محذور فيه بينما كان لما قاله السيد الشريف وجه باعتبار ان أخذ العرض في الفصل محذور لان النتيجة تتبع أخس المقدمتين فالمركب من الذاتي(و هو الفصل)و غير الذاتي(و هو العرض العام)ليس ذاتيا فنكون قد نزلنا بالفصل عن كونه فصلا و فسد الحد التام اما فيما ذكره الآخوند و هو اخذ النوع في الفصل فبقي المركب على ذاتيته لكونهما معا ذاتيان و كذا على التقدير الآخر و هو اعتبار الشيء جنسا عاما فهو ذاتي ايضا.و دائما فان الجنس العام منطبق على الفصل و لا يضره كما ان أخذ مصداق الشيء لا يضر لوجود المصداقية بكل حال.

3-ما قلناه من ان اخذ المصداق غير أخذ الحصة و ما يلزم منه أخذ النوع هو أخذ الحصة و ما قاله الشريف هو أخذ المصداق و لا يلزم من أخذ النوع.

ص: 426

4-يظهر من الترديد في عبارة الآخوند عدم الجزم بكون(الناطق)فصلا حقيقيا للانسان و معه لا يبقى دليل على كونه ما هو هل خاصة أو لازم و ربما اردأ من ذلك فانه فعل من الافعال كالاكل و الشرب و عندئذ لا يوجد محذور في أخذ النوع فيما دون الفصل من الصفات.

5-انه ما المحذور في أخذ الشيء في لازمه أو خاصته فانهما من العرضيات فان كان الشيء عرضا عاما فهو مثلهما في العرضية و ان كان جنسا أو نوعا(أي مصداقه) فهو من أخذ الذاتي في العرض و ليس العكس فان كان العكس مستحيلا لم يكن هذا مستحيلا.

6-بحسب ظاهر عبارة الكفاية فان المحذور الذي قاله السيد الشريف خاص بما إذا كان الناطق فصلا حقيقيا مع العلم انه لا يتوقف على ذلك قطعا لان محذوره و هو الانقلاب إلى الضرورية لا يختلف فيه الحال في كل تقريباته بين ان يكون الناطق فصلا أو حتى لو ابدلت الناطق إلى الضاحك لزم المحذور بوضوح لانه ناشىء من النسبة التامة القائمة بين الموضوع و المحمول سواء كان المحمول ذاتيا أو عرضيا.

7-منع الاولوية بل هما(أي محذور السيد الشريف و الآخوند)مثلان في التعميم و التخصيص بعد الالتفات إلى ما قلناه فان انقلاب القضية إلى ضرورية لا يتوقف على كون الناطق ذاتيا بل يعم حتى لو كان خاصة و كذا محذور الآخوند من دخول النوع في الفصل.

و بعد ما عرفناه من ان اخذ النوع في الخاصة ليس محذورا لانه من أخذ الذاتي في العرضي لا العكس و انما يكون محذورا لو كان الناطق فصلا ذاتيا و كذا محذور الآخوند يتوقف على كون الناطق ذاتيا فهما مثلان على كلا التصورين.

و بهذا ينتهي الكلام في المانع الثبوتي المدعى على القول بتركيب المشتق و هو ما قاله السيد الشريف.

ص: 427

الموانع الاثباتية عن القول بالتركيب و هي أدلة القائلين بالبساطة و ما استدل به على البساطة وجوه:
الوجه الأول:

ما ذكره في الكفاية(1) و هو منسوب إلى المحقق الدواني و هو لزوم التكرار

فان قضية(زيد عالم)تصح على القول بالتركيب(زيد زيد له العلم)و هو واضح الفساد.

فان قلت:ان مدعي التركيب يقول ان المستبطن في المشتق هو ذات كلية اجمالية و هو مفهوم مغاير لزيد.

قيل:ان هذه الذات و ان كانت مجملة إلا ان العرف يراها زيدا لانها منطبقة عليه في هذه الجملة التامة فلزم التكرار.

و جوابه:انه تصور بدوي خال من التحقيق لأكثر من وجه:

1-ما قلناه من الاندكاك يعني فناء الذات الكلية الاجمالية التي في المشتق في الذات المذكورة في الموضوع عندما يدخل في نسبة تامة بحيث لا تلحظ اطلاقا فلا يراها العرف موجودة في طول الحمل و تصبح عين زيد و يبقى في جانب المحمول العلم فقط،نعم لو ورد لفظ المشتق وحده فتكون هذه الذات الاجمالية ملحوظة.

2-منع كون تلك الذات بمنزلة زيد عرفا ليلزم التكرار بل يرى المغايرة بين الموضوع و المحمول،فزيد بصفته موضوعا شيء و الذات الاجمالية بصفتها جزءا من

ص: 428


1- الكفاية:82/1.

المحمول شيء آخر فلا يلزم التكرار.و الشاهد على ذلك(أي فهم الارتكاز العرفي لها على اجمالها)أمران:

1-ان العرف يطبقها على كل موضوع سواء كان زيد أو غيره فكيف تشخص بهذا الموضوع أو ذلك.

2-ان العرف يفهم هذه الذات الاجمالية الكلية من لفظ المشتق منفردا بدون حمل.

الوجه الثاني:

ما نسب في كلمات سيدنا الاستاذ إلى المحقق الدواني و تقريبه على شكل قياس استثنائي

إننا لو قلنا بتركيب المشتق كان لازمه أخذ النسبة بين الذات الاجمالية و المبدأ في مدلول هيئة المشتق و هو باطل فالملزوم مثله فلا بد من القول بالبساطة.

و قد استدل على عدم أخذ النسبة في المدلول التصوري الوضعي للمشتق بثلاثة وجوه يصلح ان يكون كل منها دليلا مستقلا على البساطة يجمعها عنوان هذا الوجه:

اولها:ما نسبه سيدنا الاستاذ إلى المحقق الدواني من اننا إذا نظرنا إلى شبح ابيض امامنا لا نتبينه فنقول:هذا ابيض و لا شك في صحته عقلا و عرفا و لغة فالمحسوس بالعين هو الضوء و اللون أي البياض و هو العرض لا الذات التي هي معروضة.فلو فرض انه لم يتم البرهان على اشتراط وجود المعروض لقيام العرض به-و ظاهر كلام سيدنا الاستاذ وجود قائل بذلك-و كنا نحتمل قيامه بذاته فقد سمينا البياض ابيض و صح التعبير و لا نحتاج إلى البرهان الفلسفي الذي يقول لا بد للعرض من معروض و هذا دليل على ان مفهوم ابيض لم يؤخذ فيه النسبة إلى الذات و الا لم يمكن استعمال المشتق في المقام بأن نصف البياض بانه ابيض و هذا يدل على بساطة المشتق اذ لا فرق بين كلمة ابيض و بياض و علق عليه سيدنا الاستاذ أي عمّقه و وسعه و دافع عنه بما يزيد الطين بلة فقال:

بان هذا الكلام تعقيد بلا موجب اذ نستطيع ان نتخذ خطوتين اوضح من هذا الكلام لصالح المحقق الدواني:

ص: 429

الأولى:اننا يصح في اللغة ان نصف العرض بالمشتق من دون التوقف على طروه على معروض و ذلك بان نقول:النور منير أو الوجود موجود-و المثال له-و السرعة سريعة فهي مقبولة عرفا فاصبح العرض ذاتا،اذ لا يوجد هناك ذات لها بل هناك شيء واحد هو نفس النور و حيث انه اطلاقه صحيح عرفا فيستدل به على عدم النسبة في المشتق و الا لما صح الاطلاق.

الثانية:انه يمكن اجراء هذا البيان فيما إذا قام البرهان على ان المبدأ ذات لا عرض كما في اسماء اللّه الحسنى فان صفاته جل جلاله عين ذاته سبحانه فليس هناك عارض و معروض و نسبة لا ثبوتا و لا واقعا و انما هو شيء واحد واقعي أو خارجي هو ذات اللّه سبحانه فنقول:(اللّه عالم)فنسب المشتق إلى الذات من دون اخذ نسبة في مدلوله و الا لم يصح اطلاقه على العلم الذي هو الذات.

قال سيدنا الاستاذ(قد)و الجواب على كلتا الناحيتين واحد حاصله:انه لو كان القائل بوجود النسبة في مدلول المشتق يريد بها كون الذات مغايرة مع المبدأ فهذا الاشكال وارد عليه و اما إذا كان المدعى انها ذات مبهمة قابلة لان تكون غير المبدأ تارة و عينه اخرى و تكون النسبة مأخوذة لا بمعنى التلبس المستلزم للمغايرة بل بمعنى (الوجدان)و كون الذات واجدة لهذا المبدأ فتصح كل تلك الاستعمالات(النور منير، اللّه عالم)فان الوجدان حاصل،غايته انه وجدان ذاتي لا وجدان عرضي.

أقول:و هذا البيان فيه مستويان من الجواب:اجمالي يعني عرض فكرة واضحة عن تركيب المشتق بشكل لا يرد عليه اشكال مما قالوا و تفصيلي في مناقشة كلماتهم و يكون المستوى الاول من الجواب هو الاهم.

اما المستوى الاجمالي فيتم نقضا و حلا:

اما النقض:فبالجمل التامة نفسها حيث لا اثنينية بين الذات و المبدأ ك(النور نير، و اللّه عالم)فكيف صح الحمل فلو نفينا الذات المستبطنة فلا ننفي النسبة بين الموضوع و المحمول في الجملة التامة فاذا كان المورد لا يتحملها و لا توجد نسبة واقعية بينهما

ص: 430

فلا نحتاج ان نقول(اللّه عالم)لان العلم عين الذات و يكفي ان نقول(اللّه)ما دامت النسبة ممنوعة،فما يجاب به على الجملة التامة يجاب على النسب الاندماجية المستبطنة بل يكون النقض عليهم اشد لانه ان جاز في النسب التامة الملحوظة عرفا فهو اولى بالجواز في النسب التحليلية الاندماجية التي ليس لها وجود عرفي بحيالها.

أن قلت:ان هذا يرد على توسيع سيدنا الاستاذ الذي مثّل بالنور نيّر لا على اصل كلام المحقق الدواني الذي مثل بالشبح الابيض.

قلت:ان أصل كلام المحقق الدواني كذلك لاعترافه بصحة حمل الابيض على البياض نفسه و لو لم يتم برهان على وجود الذات المعروضة له فيكون مثاله مندرجا في نفس المورد،نعم اضاف سيدنا الاستاذ ما لو كان العرض ذاتا أي ان الصفة نفس الذات.

و اما الحل:فان النسبة المستبطنة في المدلول التصوري الوضعي للمشتق لا بد منها في تركيب المشتق اذ لا يعقل تركبه من جزئين احدهما مدلول المادة أي الحدث و الثاني الذات الاجمالية الكلية من دون نسبة فيكونان مفهومين منفصلين.

لكن لا ينبغي ان يراد بالتركيب ان يكون جملة تامة باجزائها و شرائطها فانه غير عرفي و غير عقلي ان يتصور للمشتق ثلاثة اجزاء ملحوظة عرفا هي الذات و النسبة و المحمول بل لا بد من اختصار هذا المركب و ارجاعه إلى مجموع افرادي واحد عرفا و يكون انحلاليا بالدقة العقلية و يكون ذلك على مستويين تصوري و اندماجي.

1-انه معنى تصوري و ليس فيه تصديق و اذعان في حين ان الجمل كلها يفترض في كونها خبرية ان فيها تصديقا و اذعانا و هذا له عدة اشارات:

أ-ان الذات الموجودة طرفا للنسبة في باطن المشتق ذات كلية لا تشير في نفسها إلى أي موضوع خارجي ليمكن تصور الصدق فيه فوجوده سالبة بانتفاء الموضوع.

ب-ان هذه النسبة قد تقاس بالنسبة التامة غير المحتمل فيها الاذعان و التصديق و كمن يجرب لسانه على النطق فيقول(زيد عالم)أو يعلّم على اللغة فالنسبة موجودة لكنها خالية عرفا من التصديق.

ص: 431

ج-يمكن تشبيهها بالنسب الناقصة من هذه الناحية كالجمل الوصفية فانها مجرد تصور تركيبي فكذا النسب الاشتقاقية إلا انها ليست ناقصة لانها عندئذ لا تنطبق على التامة و لا تفنى فيها لانها من سنخ آخر لغة و عرفا و فناء نسبة في نسبة من سنخين مستحيل عرفا.

2-اننا ندعي بنحو الاطروحة اندماجية الذات في المحمول لدى الحمل و اندماج النسبة في النسبة و لا يبقى في الطرف الآخر إلا مدلول المادة و هو الحدث و هذا هو الوجدان العرفي و لعله هو الذي حمل القائلين بالبساطة على رأيهم ذلك.

فان قلت:ان هذا انما يتم مع الحمل في جملة تامة لا بدونه فلو لا حظنا المشتق منفردا لم يكن مندمجا في شيء،فلا بد حينئذ ان نلحظه كجملة تامة ذات نسبة،إلا انه يدفعه امران:

أ-ان النسبة المدعاة في المشتق اقتضائية لا علّية فهي ليست كالنسبة القائمة فعلا بين الموضوع و المحمول و انما هي معدة فقط للاندماج مع النسبة التامة لدى الحمل دون صورة عدمه و لدى الافراد تبقى غير ملحوظة لانها ليست فعلية التأثير لعدم الشرط و هو الحمل فلا يؤثر المقتضى اثره.

ب-اننا يمكن ان ندعي بنحو الاطروحة ان النسبة فانية في الذات الاجمالية، و هذا و ان لم يكن صحيحا تحليلا أو عقلا،لكنه صحيح عرفا لان الجملة التامة يلحظ العرف طرفيها،و في طوله يلحظ أو يلتفت إلى وجود النسبة و اما إذا لم يلحظ العرف طرفي النسبة لم يلحظها هي ايضا من باب آخر،فيبقى لها وجود شبحي اندماجا لا أكثر.

و بهذا التسلسل في التفكير نستطيع ان نجيب على كل ما قالوه من البرهان على بساطة المشتق،لانه ليس تركيبا تفصيليا بل تحليليا اندماجيا.

و اما الجواب على المستوى التفصيلي ففي مناقشة أهم ما في كلامهم من النقوض التي وردت على القول بتركيب المشتق و كانت ثلاثة:

النقض الأول:تسمية البياض ابيض لعدم الحاجة إلى ملاحظة معروضه.

ص: 432

و جوابه:واضح لابن اللغة و العرف و عند من لم تسيطر عليه الفلسفة فتفسد ذوقه اللغوي ففي المقام يفيض العرف اللغوي من نفسه و وهمه شيئا يتوهم ان البياض عارض عليه سواء دل الدليل عليه عقلا ام لا،فحينما يرى العرف عرضا يحكم ارتكازا انه لا بد ان هنا شيئا يتصف به إذن فهو اطلاق على المعروض بما هو كذلك لا على العرض فقط كما قال الدواني فهو إما ثابت عقلا أو عرفا فقط.

إن قلت:على هذا يكون الاستعمال مجازيا لا حقيقيا لغرض كون المعروض متوهما و الاستعمال فرع هذا التوهم و المفروض كونه استعمالا حقيقيا.

قلنا في جوابه وجوه:

1-ان هذا يعني توقف المفاهيم اللغوية على واقع الاشياء فان كان موجودا في الواقع كان الاستعمال حقيقيا أو منتفيا في الواقع فيكون مجازا أي ترتبط الحقيقة و المجاز بعالم الواقع الثبوت و هو غير محتمل في نفسه.

2-ان الاستعمال العرفي في طول فرض وجود المعروض فالتجوز في فرض وجود المعروض لا في الاستعمال،و هذا التجوز ارتكازي و ثبوتي و ليس لغويا.

النقض الثاني:ما افاده سيدنا الاستاذ من التوسيع و ان الاستعمال غير مختص بالشبح المرئي بل هي دائما موجودة للصفات الذاتية للاعراض،و يجاب بوجوه:

1-ما اجاب به سيدنا الاستاذ من ان النسبة المتضمنة في المشتق مناسبة مع كل من الذاتي و العرضي و هو أمر قابل للتصديق عرفا،بناءا على صحة هذه الاستعمالات يعني بعد التنزل عن الوجوه التالية و المناقشات الآتية:

2-ان هذه الاستعمالات مجازية و ليست حقيقية و النقض انما يتم بعد التسليم بكونها حقيقية.

3-ان هذه الاستعمالات ليست عامة لكل الصفات فلا يقال الموت ميت و الحياة حية و العلم عالم كما نقول النور نير و السعة واسعة فكما ان الاستعمال في هذا صحيح اكيدا فانه في تلك باطل اكيدا،و هذا دليل مجازيتها.

ص: 433

إن قلت:انها لو كانت مجازية لسرت ايضا في كل الاستعمالات.

قلنا:ان المجاز يحتاج إلى ذوق لغوي و لا يتوقف فقط على المشابهة بجهة ما فيمكن ان يقع في موارد دون اخرى و الامثلة التي نقضنا بها لا يساعد الذوق عليها.

4-نقول على نحو الاطروحة ان العرف يجرد من الصفات الذاتية صفات عرضية فيتوهم للصفة معروضا و ان لم يكن بالدقة كذلك فيتوهم للوجود ذاتا و وجود و للنور ذاتا و نور و هذا ليس بصحيح طبعا إلا ان هذا التوهم هو الذي يبرر مثل هذه الاستعمالات و يجعلها حقيقية بعد التنزل عن الوجوه السابقة.

و يأتي هنا نفس اشكال المجازية في النقض الأول و جوابه انه لا يكون مجازا كما قلنا هناك لان التسامح بالتجريد السابق عليه رتبة.

النقض الثالث:هو لسيدنا الاستاذ بصفات اللّه جل جلاله فانها عين ذاته و النسبة بين الصفة و الذات عقلا غير موجودة فاستعمال الاسماء الحسنى لا بد ان يكون خاليا من النسبة فتكون دالة على الحدث فقط و ليس انها مركبة و هذا في الحقيقة اضافة إلى كونه نقضا فانه دليل مستقل على بساطة المشتق.

و له عدة أجوبة:

1-ان العرف لا يفهم عينية الصفات بل يجردها عن العينية و يتوهم وجود ذات زائدة كما قلنا في الذاتيات و لا يكون استعمالها مجازا.

2-ان هذه النسبة ضرورية الثبوت لغة و عرفا حتى مع القول ببساطة المشتق فان مؤدى هذا القول ان معنى المشتق هو معنى الحدث أو معنى المصدر فاذا نسبناه في جملة تامة كان لا بد في الجملة التامة من النسبة كما لو قلنا اللّه عالم و اللّه علم لان مرجع عالم إلى علم على القول ببساطة المشتق فهناك حينئذ صفة و ذات و نسبة بين الذات و الصفة بالرغم من قيام الدليل العقلي على ان الذات عين الصفة و المفروض انه يمكن الاستغناء بالاسماء الحسنى باعتبارها مستبطنة للصفات كمن رغب برسم فرعون و البحر و هو يغرق فيه.

ص: 434

3-لو غضضنا النظر عما سبق واردنا الدقة العقلية امكن القول بأحد اطروحتين:

أ-اندماج الذات و النسبة في الذات و النسبة في الجملة التامة فلا يبقى إلا الحدث كما قلنا.

ب-اسقاط النسبة المدعاة في المشتق في الذاتيات دون العرضيات و لا يصبح التعبير مجازا،لاننا ندعي ان المعنى الموضوع له أمران:الذات و الحدث و اما النسبة فهي وجود عقلي بينهما و غير دخيلة في المعنى الموضوع له بعنوانها التفصيلي فلا يضر وجودها في المجازية و لا عدمها.

اما الأول:فلان وجوده ليس معنى استعماليا ليكون غير ما وضع له بل هو ادراك عقلي و الاستعمال فقط في الجزئين الموضوع لهما.

و اما الثاني:أي كون عدمه في فرض العكس ليس مضرا،فلكونه عقليا و ليس ملحوظا للواضع أو دخيلا في شرطه.

4-ما سمعناه من سيدنا الاستاذ من ان النسبة المستبطنة في المشتق موضوعة للاعم من الذاتي و العرضي فاذا استعملناها في العرضي فقد ناسب وجودها ذلك.

و هذا بعد التنزل عن الوجوه السابقة قابل للمناقشة من حيث اننا بغض النظر عن التوهم العرفي للذات بحيث نفترض ان العرض موافق للعقل في عدم النسبة و العقل يرى استحالة وجود النسبة بين الذاتي و الذاتيات فيكون وجودها غير عرفي ايضا.

و وجود نسبة منطبقة على الاتصاف في الذاتيات لا معنى له لانها تكون بدون منشأ انتزاعي أصلا سواء في ذلك النسب التامة أو الناقصة أو النسب المتضمنة في الكلمات كالمشتقات و الافعال و تنحصر موارد استعمال النسب في الاوصاف الزائدة عن الذات، و انما يصح ذلك في ضوء ما قلناه من ان العرف يجرد من الذاتي ذاتا و صفة زائدة عليها و ان كان خلاف العقل فلا يحتاج إلى زعم ان النسبة غير مناسبة غير مناسبة للذاتي لان العرف يخرج النسبة من الذاتية و يجعلها عرضية و في طول التسامح يستعملها كعرضي لا ذاتي و لا يكون الاستعمال مجازا لان التسامح حصل في المرتبة السابقة على الاستعمال

ص: 435

فيصح في الجمع سواء في ذلك الجمل التامة نحو(اللّه عالم،البياض ابيض،النور نير) و هي نسب عرفية صحيحة،و الجمل الناقصة كالنسبة الوصفية أو الاضافية نحو(علم اللّه، وجود الوجود)و كذا النسب المستبطنة في الالفاظ كالمشتقات و الافعال فان في الفعل الماضي فاعلا مقدرا و كذا المشتق سواء قلنا بتصور الواضع لها بحيث تصبح الاجزاء الموضوع لها ثلاثة أو لا.

ثانيها(1):أي ثاني الوجوه للبرهان على عدم وجود النسبة في المشتق مما يؤدي إلى القول بالبساطة ما ذكره الشيخ النائيني(قد)من ان المشتق-على القول بالتركيب- اما مأخوذ فيه الذات وحدها أو الذات و النسبة بعد تسليم دلالته على الحدث و كلاهما باطل فيتعين ان مدلوله هو ذات المبدأ بلا زيادة،اما ان الذات مأخوذة بلا نسبة فلا محصل له لانه لا يكون ارتباط بين مدلول الهيئة و مدلول المادة أو الذات و الحدث و هذا خلاف الوجدان،و ان كان مأخوذا فيه كلاهما فيلزم تضمن الكلمة لمعنى حرفي لان النسبة معنى حرفي و هو يوجب البناء في لغة العرب مع ان الاوصاف الاشتقاقية غير مبنية عندهم.

و لو لا ان يكون هذا الوجه صادرا من الشيخ النائيني لما ذكرناه لكننا نذكره احتراما له.

فنقول و جوابه:انه بعد التسليم بأمرين:أحدهما:أخذ الحدث في مادة المشتق.

ثانيهما:بطلان براهين السيد الشريف،فيمكن ان نختار الشقوق الثلاثة في وضع المشتق بدون محذور.

1-تركيب المشتق من الحدث-المسلم وجوده-و النسبة-و هو ما لم يذكره الشيخ النائيني(قد)-فتصح ان تكون النسبة إلى الموضوع في الجملة التامة أو الناقصة و فانية فيها اما الطرف الآخر للنسبة فهو الحدث بحسب الغرض،و يكون المشتق مكونا من جزئين فقط.9.

ص: 436


1- مر اولها في ص 429.

2-تركب المشتق من الحدث و الذات فقط اما النسبة فهي موجودة لكنها غير مأخوذة في ذهن الواضع باعتبار انها ادراك عقلي لا وضعي فيكتفي الواضع و المستعمل بكونها كذلك و عليه فلو سلخنا المشتق عن النسبة لم يكن مجازا لانها ليست جزءا من المعنى الموضوع له.

3-تركيبه من الحدث و الذات و النسبة و لا يلزم ان يكون معنى حرفيا مبنيا لوجهين:

أ-انه يحتاج إلى ضم كبرى لم تثبت و لم يقم عليها برهان نقول:كل معنى حرفي فهو مبني حتى لو نطقه العرب معربا بحيث يكونون مجبورين على بنائه أو يفهم من اعرابه عدم كونه حرفيا فهذا باطل،كما ان ليس كل لفظ أخذت فيه نسبة هو حرفي فكثير من الاسماء أخذت فيها النسب و لم تصبح معاني حرفية.

ب-ما ذكره سيدنا الاستاذ من ان المعنى الحرفي المبني هو ما لا يستعمل وحده كاسماء الموصول،و اما هذا فهو معنى اسمي غايته انه بالتحليل مقيد و المقيد منسوب لان النسبة قائمة بين المقيد و قيده و مع ذلك هي معاني اسمية و الا لزم كون كثير من الاسماء مبنية لانها موضوعة لمقيدات كالكرسي و الباب و السرير،و هذا اشكال صحيح في نفسه.

ثالثها:أي الوجه الثالث لابطال أخذ النسبة في المدلول الاوصاف الاشتقاقية و هو للمحقق النائيني ايضا.

و حاصله:ان النسبة التي يدعى أخذها في مدلول المشتق اما مأخوذة مع الذات أو بدونها مع التسليم بدلالته على الحدث،اما معها فيلزم عليه اشكالات السيد الشريف -و هي محكّمة عنده-،و اما بدونها فغير معقول لان النسبة تتقوم بطرفين و لا يمكن استغناؤها بطرف واحد.و هما لازمان باطلان فيتعين عدم أخذ النسبة و بساطة المشتق.

أقول:كان على النائيني لكي تكون احتمالاته حاصرة ان يذكر الاحتمال الثالث و هو كون المأخوذ مع الحدث المسلّم هو الذات وحدها و يكون لازمه الباطل انعدام الرابطة بينهما فيكون للمشتق معنيان مستقلان غير مترابطين و هو وجداني البطلان.

ص: 437

و هذه اللوازم الباطلة المتخيلة قد دحضناها فيما سبق،و هنا اجاب سيدنا الاستاذ على الشق الثاني و هو أخذ النسبة وحدها فقال بعد التسليم بالكبرى و هي احتياج النسبة إلى طرفين،ان الطرف الآخر لا يلزم ان يكون مدلولا لنفس الدال على النسبة أي في باطن معنى المشتق بل قد يكون خارجا عن وضع المشتق كما لو كان هو زيد أو عمرو أي الموضوع في الجملة و مثّل له بالحروف فهي موضوعة للنسبة بلا اطراف و انما تحصل اطرافها بعد انضمامها في جمل تامة أو ناقصة،و هذا الكلام منه-قد-صحيح و متين.

ثم قال سيدنا الاستاذ:و كان الاحسن-من باب التنظير و المناسبة-له ابطال الشق الثاني بان يقول:ان براهين الشريف تبطله ايضا،فانها تبطل تقوم المشتق بالذات،و لو كان مشتملا على نسبة متقومة بالذات كان متقوما بالذات في الجملة فيلزم المحذور لو تم.

أقول:إلا ان سيدنا الاستاذ الذي قال الوجه السابق ينبغي ان يكون ملتفتا إلى بطلان هذا الكلام،فان النسبة متقومة بالذات ثبوتا لا اثباتا،و براهين الشريف تبرهن على استحالة أخذ الذات اثباتا يعني وضعا و الا ورد النقض بالحروف التي لم تؤخذ بها الذات اثباتا.مضافا إلى ان المحذور لدى الشريف هو أخذ المفهوم استقلالا لا تحليلا و هنا أخذ المفهوم تحليلا لا استقلالا.

ثم قال سيدنا الاستاذ:بانه يمكن ان يكون مراد الشيخ النائيني(قد)امرا آخر و ان كانت العبارة قاصرة عن ادائه و ذلك بضم محذور اثباتي إلى المحذور الثبوتي المتقدم بان يقال ان المشتق إذا كان مركبا من حدث و نسبة من دون ذات منسوبة يلزم إلا يكون المشتق مفهوما و معلوم المعنى إذا سمعناه وحده و يكون مدلوله ناقصا بل يتوقف فهم معناه على حمله في جملة و هو باطل وجدانا و عرفا لاننا نفهم للمشتقات معانيها من دون الحاجة إلى اسناد.

و جواب ذلك:

1-اننا نعترف بنقصان معنى المشتق إذا أخذ الحدث و النسبة من دون ذات لكن

ص: 438

جبرانه لا يتعين بالقول ببساطة المشتق بل يعين ان نعطي للمشتق معنى مفهوما و لو بالقول بتركيبه.

2-انه لا محذور في كون معاني المشتقات ناقصة و لا شك ان المعنى الافرادي (لكل كلمة)إذا انظم إلى المعنى المجموعي اتضح معناه و لوازمه و ارتباطاته اكثر فليس في اللغة لفظ يؤدي معنى متكاملا.و خذ لذلك مثلا الحروف و الاسماء الموصولة التي اعتبرها النحويون اسماء اضافة إلى الادوات و هي ذات معاني ناقصة،و ليس هناك وجدان يقتضي كون المشتق كامل المعنى بعد التنزل عن الجواب الأول.

3-ما اجاب به سيدنا الاستاذ من ان ذلك يتوقف على صحة براهين السيد الشريف و ليست صحيحة.

أقول:إلا ان هذا لا يعالج المشكلة،لان بطلان ادلة السيد الشريف انتج امكان أخذ الذات في المشتق و القول بتركيبه و هو لا يعني تعيّنه و مع عدم التعيّن يبقى الاشكال ناجزا.

رابعها:و هو منسوب إلى الشيخ النائيني(قد)ايضا ان النسبة إن أخذت مع الذات فاقتصر الناقل على القول بانه يلزم محاذير السيد الشريف و نحن نعلم ان هذه المحاذير لو قبلناها فهي تدور مدار اخذ الذات في المشتق سواء أخذت النسبة معها أو لا فلا يفترض هنا اكثر منها و على اية حال فالاهتمام ليس بهذا الشق و انما بالآخر و هو ان أخذت النسبة من دون الذات يلزم اباء المشتق عن الحمل على الذات لان النسبة مساوقة للمغايرة و الاثنينية بين الطرفين فيكون الحمل على الذات ممتنعا،في حين اننا نستطيع اجراء مثل هذا الحمل نحو(زيد عالم)بلا اشكال و الحمل مساوق للاتحاد بينهما و كانه لا تكون هناك سنخية بين النسبة و الحمل و حيث يصح الحمل تمتنع النسبة فثبت بطلان اللازم فالملزوم مثله و هو أخذ النسبة.

و أود قبل الجواب عليه ان اعقد مقارنة بين الوجوه الثلاثة الاخيرة المنسوبة إلى الشيخ النائيني(قد)ففي اولها(اي الثاني بحسب ترقيمنا)كان أحد احتماليه:أخذ

ص: 439

الذات و النسبة و الآخر أخذ الذات،و الثاني كان أحد احتماليه ان الذات و النسبة مأخوذة و الآخر ان النسبة مأخوذة فتبدل الشق الثاني فيهما،و الثالث-الذي بيدنا-كان أحد احتماليه ان الذات مأخوذة-بغض النظر عن النسبة للنكتة التي ذكرناها من عدم مدخلية أخذ النسبة في بطلان هذا الشق-و ثانيهما ان النسبة مأخوذة و بهذا العرض ظهر ان اختلافه عن السابق موضوعا لا محمولا.

و جوابه اننا يمكن ان نختار كلا الشقين من دون محذور.

اما الأول:فمحذوره براهين السيد الشريف و قد دحضناها و هم يأخذون هذا الشق مسلّم البطلان.

و اما الثاني:فقد أدعى فيه ان النسبة توجب المغايرة بين الطرفين فيمتنع الحمل و لم تتضمن العبارة بيان طرفي المغايرة و لها اربعة احتمالات:

الأول:المغايرة بين نسبتين هما النسبة المفترض وجودها في المشتق و النسبة الموجودة فعلا في الجملة التامة أو الناقصة بنحو قولنا:(زيد عالم)و وجود نسبتين خلاف الوجدان و قد اجبنا عنه فيما سبق بوجود النسبة في كلا العالمين(الجملة التامة و المشتق)إلا انه مع الحمل تندك النسبة الموجودة في الجملة التامة أو الناقصة و لا يلحظ العرف وجود أية نسبة أخرى معها حتى يتنافيا.

الثاني:المغايرة بين الذات المأخوذة في المشتق و الذات المأخوذة في الجملة التامة أو الناقصة و هو(زيد)في مثل(زيد عالم)و محذوره ما قيل هناك من انه يقتضي التكرار و يجاب بأمرين واضحين:

1-ان هذا الشق لا يفترض وجود الذات في المشتق بل النسبة وحدها بدون الذات.

2-لو تنزلنا و قبلنا وجود الذات فقد قلنا ايضا بالاند كاكية بين الذات في المشتق و في الجملة فلا يشعر العرف في طول الحمل باية ذات موجودة و متضمنة في المشتق و انما الذات المصرح بها في الجملة و مع الاندكاك لا تنافي.

الثالث:المغايرة بين الموضوع و المحمول في الجملة التامة أي بين زيد و عالم

ص: 440

فلو كانت النسبة موجودة و متضمنة لوقع هناك تغاير مانع للحمل الذي يقتضي الاتحاد و الهوهوية و اثنينية منافية للحمل مع انه أكيد الصحة.

و للاجابة عليه نسأل:هل ان مطلق النسبة تقتضي المغايرة و كل حمل يقتضي الاتحاد بحيث يكونان متباينين سنخا اذن يمتنع الحمل دائما في حين انهما متساوقان دائما كما هو واضح لان كل حمل تاما كان أو ناقصا فيه نسبة و اوضح شاهد على ذلك ان النسبة الصريحة في الجملة التامة(و هي اقوى من النسبة التحليلية المتضمنة في المشتق)لم تمنع من الحمل فهذه الضعيفة اولى بعدم المنع.و منه يظهر انه حتى لو قيل بان بعض النسب يمنع من الحمل دون بعض فلا يحتمل ان تكون هذه الضعيفة مانعة.

الرابع:التنافي بين النسبة و الحمل كما هو ظاهر عبارته ان النسبة تقتضي المغايرة و الحمل في الجملة التامة أو الناقصة يقتضي الاتحاد و لا تجتمع المغايرة مع الهوهوية و الاستقلالية مع الاتحادية.

و هذا خطل من القول لاننا نعلم ان الحمل و النسبة متساوقان بالحمل الشايع ما دام الطرفان موجودين و هذا يقتضي الاتحاد لا المغايرة،و بتعبير آخر ان الحمل و النسبة تقتضي المغايرة من جهة و الاتحاد من جهة كما عرفنا في المنطق و الا لم يجز الحمل، و نفس ذلك نقوله في النسبة المأخوذة في المشتق.

و قد اجاب سيدنا الاستاذ باختصار مخلّ:و هو اننا لا نقول بصحة براهين السيد الشريف.

أقول و هذا له احد تفسيرين:

1-انه اختيار للشق الأول بتقريب ان الشق الثاني الذي هو أخذ النسبة اشكاله صحيح و بما اننا لا نقول بمحاذير السيد الشريف فالشق الأول صحيح و هو أخذ الذات.

2-على العكس من ذلك فلا بأس في أخذ النسبة لان أخذها يناسب مع أخذ الذات و بذلك لا تقتضي النسبة الاثنينية و المغايرة.

و قد اجبنا على مثله فيما سبق بان بطلان ادلة الشريف تقتضي امكان أخذ الذات

ص: 441

لا تعيّن أخذها،و لو سلمنا ذلك فاخذ الذات يكون اسوأ إذا اقتضت النسبة المغايرة و الاثنينية لان المغايرة المحذورة ستكون في داخل كلمة واحدة هي نفس المشتق.

هذا تمام الكلام في الأدلة التي تعيّن بساطة المشتق،و لم يتم أي واحد منها،بقي ان نشير إلى:

الادلة على التركيب
اشارة

و لم أجد من تعرّض إلى ذلك و كأنهم يرون انه مع عدم تعيّن البساطة يتعين التركيب مع ان هذا ليس بصحيح إذ كون التركيب ليس فيه محذور لا يكفي بل لا بد من اثباته بدليل فان الناتج إلى الآن ان كلا الوجهين لا محذور فيه،فان انصار البساطة حاولوا ايجاد المحذور على التركيب بخلاف انصار التركيب فانهم لم يحاولوا ايجاد المحذور على البساطة فنبقى نحن و ادلة التركيب فان تم بعضها أو كلها تعيّنت كما سيأتي:

و ما يمكن ان يستدل به على التركيب وجوه اهمها تطبيق علامات الحقيقية و المجاز:

فالأول:التبادر

فيمكن ان ندّعي قيام الوجدان و حصول الاطمئنان على الاقتران الكامل-الذي هو المدار الحقيقي و دليله الظاهري التبادر-بين المشتق و المعنى المركب له.

الثاني:عدم صحة حمل المعنى البسيط الذي هو الحدث المصدري عليه بل هو مستنكر عرفا للاختلاف بينهما مفهوما،

فمفهوم(عالم)غير مفهوم العلم و كذا مصداقا فليس هما كقولنا(السيف صارم)إذ لا يصح ان نقول العالم علم،و لو كان المشتق بسيطا لصحّ حمله على المصدر.

و هذا التفريق الوجداني في المعنى بين المصدر و المشتق اسبق رتبة مما قالوه من ان معنى المشتق هو الحدث لا بشرط عن الحمل في حين ان معنى المصدر الحدث

ص: 442

بشرط لا عن الحمل فان هذا و ان كان صحيحا إلا انه يظهر الفرق بين المعنيين من جهة الحمل و ما ذكرناه في المرتبة السابقة عن الحمل.

الثالث:صحة الحمل في المشتق دون المصدر:

و قد دخل القائلون بالبساطة في مباحث مطولة و معقدة عن اللابشرطية عن الحمل و معناها لكي يبرروا الحمل و يفرقوا المشتق عن المصدر،لكن امكان الحمل يدل على أحد أمرين:اما التركيب و اما اللا بشرطية،فان دلّ دليل على نفي التركيب تعيّنت اللا بشرطية،و لكننا عرفنا فساده،و معه ففي الامكان القول بامكان الحمل بسبب التركيب،و لا حاجة إلى اللا بشرطية فان اللا بشرطية اخذت على تقدير البساطة و الا فتكون سالبة بانتفاء الموضوع.

فان قلت:ان امكان التركيب لا يعيّنه كما قلنا في البساطة،و قد عرضت سببين لامكان الحمل فلا يتعين باحدهما.

قلت:

1-ان القول بالتركيب يتعيّن بادلة سابقة كالتبادر و صحة السلب على البسيط.

2-سيأتي ان اللابشرطية لا تبرر الحمل ما دام معنى الحدث محفوظا فبضمّ هذه الامور يتعين التركيب و تكون صحة الحمل دالة عليه لعدم كفاية اللابشرطية لتصحيحه.

الرابع:التفريق في المعنى بين المشتقات انفسها و لو كان معناها الحدث فقط لما اختلفت مع اننا نجد الفرق واضحا بين أسم الفاعل و اسم المفعول و الظرف و غيرها،كما ان قيد اللابشرطية عن الحمل مشترك بينهما فتتشابه من كلتا الناحيتين.و المشهور لا يقدّم فرقا بين المشتقات انفسها فنحاول عرض اطروحة لتفسير ذلك بعد تسالم كلا الفريقين(القائلين بالبساطة أو التركيب)على أخذ المفهوم المصدري و هو الحدث في المشتق فيبقى التفريق من ناحية الأمرين الآخرين و هما النسبة المفهومة من الهيئة و الذات المفهومة من مجموع الهيئة و المادة،و هذا التفريق يمكن تصوره على مستويين تنشأ من ضمهما ستة اسباب:

المستوى الأول:ان نلحظ السبب في أحد الأمرين دون الآخر أي اما النسبة فقط

ص: 443

و اما الذات فقط بان نقول ان المسألة على شكلين أو ثلاثة:

1-ان الذات مستعملة استعمالا عاما لا اختلاف فيه بين المشتقات و هي الذات الاجمالية الكلية و انما الاختلاف في الهيئة فيلحظ فيها الفاعل و المفعول كما في الهيئات الكاملة و الجمل التامة و الناقصة فقد تكون محتوية على نسبة فاعلية و مفعولية و نحوها فنطبق نفس الكلام على النسبة الانحلالية المتضمنة في المشتق.

2-ان الاساس في التفريق هو الذات و ليس النسبة التي تلحظ فيها جميعا لحاظا متشابها و نطعّم أو نلحظ مفهوم الفاعلية و المفعولية و الزمانية و المكانية و غيرها في الذات الاجمالية.

3-ان كليهما سبب لاختلاف المشتقات لانهما ليسا متنافيين فيمكن اجتماعهما فكما نلحظ الذات فاعلة فكذا النسبة فاعلية و هكذا.

المستوى الثاني:ان كليهما سبب لاختلاف المشتقات و لحاظهما معا امر ضروري إذ لا معنى لالباس احدهما ثوبا لا نلبسه الآخر لان احدهما قيد للآخر فيتصف القيد بوصف المقيد لا اقل من ناحية عرفية،لكن ما هو الملحوظ الاساسي منهما و ايهما التابع،فهنا ثلاثة احتمالات:فاما ان يكون الملحوظ الاساسي هو الذات و تكون النسبة تابعة أو العكس أو كلاهما اساسيان،و ان اشكل على الاخير عقلا من حيث تعدد العلة على معلول واحد.

و لو سألنا العرف عن تعيين أحدهما فانه لا يملك جوابا سوى الاعتراف و التسليم بوجدانية الفرق بين المشتقات،نعم،قد يعطي بعض المؤشرات في هذا المجال ففي صيغ المبالغة(فعال)-و هي آخر ما يخطر ببال الاصوليين من المشتقات و انما تركيزه على اسم الفاعل و المفعول-تكون النسبة و الشدة المأخوذة فيها هي المؤثرة و كذا في الصفة المشبهة التي عرّفوها بانها تدل على أمر ثابت كالحسن و القبيح و الكريم فمعنى الدوام مستفاد من النسبة لا من الحدث(و هو مدلول المادة)و لا من الذات سواء كانت بالمعنى الفاعلي أو الانفعالي.

ص: 444

و مع عجز العرف عن الاجابة فتبقى منوطة بالاطروحات من غير جزم بالظهور التام،بعد التسليم بان الدال على الحدث الذي هو المعنى المصدري هي المادة.

نقول توجد عدة وجوه للدلالة على الذات و على الهيئة التي تربط الذات بالمادة:

الوجه الأول:و هو الظاهر من بعض سياقات سيدنا الاستاذ القائل بتركيب المشتق لا بساطته يدل على ان الدال على الحدث هو المادة و الدال على الذات هو المشتق،أي مجموع الهيئة و المادة.

الوجه الثاني:ان الدال عليهما معا-أي الذات و النسبة-لعدم وجود دال آخر عليهما غير الهيئة بعد دلالة المادة على الحدث.

الوجه الثالث:ان الدال على النسبة هي الهيئة باعتبار ان الهيئة معنى حرفي فهو مناسب للدلالة على النسب التي هي معنى حرفي اما الدال على الذات فهو نحو ارتباط الهيئة بالمادة أو قل النسبة المنتزعة من ارتباط الهيئة بالمادة.

الوجه الرابع:ان الدال على الحدث هو المادة و الدال على الذات هو الهيئة اما الدال على النسبة فهو نحو ارتباط الهيئة بالمادة،أو قل هي الهيئة المتشكلة من ارتباط الهيئة اللفظية للمشتق بالمادة و نسميها بالهيئة التحليلية تمييزا لها عن الهيئة الاساسية للمشتق.

و رغم ان الوجوه كلها محتملة و لا دليل يعيّن أحدها إلا ان المختار هو الأخير و ان ورد عليه اشكالان فلا بد من الدفاع عنه ضدهما لتتأكد فكرته:

الاشكال الأول:انه لا يناسب الهيئة(و هي معنى حرفي)الدلالة على الذات و هي معنى اسمي و هو مردود للطعن في كبراه و هي ان كل هيئة موضوعة لمعنى حرفي،نعم، اغلب الهيئات كذلك اما هي بحسب ذاتها فهي نحو من اللفظ تابع لوضعه و لا ضير في جعلها بازاء معاني اسمية كتقديم ما حقه التأخير لافادة الاختصاص أو التأكيد و تقديم المفعول به لافادة الحصر فهذه هيئات افادت معاني اسمية،و نقصد بها منشأ انتزاع مفهوم التأكد و الحصر.

ص: 445

الاشكال الثاني:انه لا توجد نسبة لفظية بين الهيئة و المادة لكي تكون دالة على النسبة المعنوية لان الدوال اثنان:المادة و قد دلت على الحدث و الهيئة و قد دلت على الذات.

و يمكن الجواب عنه كبرويا و صغرويا:

اما كبرويا:فلان الهيئات خاصة الهيئات الجملية التامة و الناقصة كلها ليس عليها دلالات لفظية بحرف أو اشارات و انما هي تراكيب معنوية و معاني انتزاعية أو عقلية لها وجود عرفي ناشيء من الترابط بين الهيئة و المادة،و لو توخينا بكل نسبة دالا لفظيا من حروف و اشارات لفشلت كثير منها.

اما صغرويا:فيمكن ان يقال ان الهيئة موجودة بين معنى الهيئة و معنى المادة باعتبار العلاقة اللفظية بينهما(علم هذه الذات الكلية).

فان قلت:ان النسبة انما تكون بين معنيين اسميين من قبيل المبتدأ و الخبر و الفاعل و المفعول و النسبة المدعاة هنا بين الهيئة و هيئة أخرى و جوابه:

1-اننا اخترنا هنا ان الهيئة في المشتق دالة على معنى اسمي و ليس حرفيا و هو الذات فطرفا النسبة التحليلية المدعاة هي معاني اسمية احدها الذات و الآخر الحدث، و هذا على تقدير تمامية الكبرى.

2-ان الهيئة قد ترتبط بالهيئة و النسبة بالنسبة و لا محذور فيه و قد سبق ذلك في المعنى الحرفي كثيرا.

بيان ذلك:ان الهيئة على شكلين:هيئة افرادية و هيئة جملية:

و نريد بالاولى:هيئة الحروف و حركاتها و بالثانية:انتساب بعض الالفاظ إلى بعض في جملة تامة أو ناقصة،و هذان سنخان من الهيئة و حصتان لا يكاد ان يتشابهان فان الهيئة في الجملة مختلفة اساسا عن الهيئة المقصودة في داخل لفظ واحد كعالم و معلوم،فان كانت النسبة من سنخ واحد فقد نسلم ان الهيئة لا تكون طرفا للهيئة و اما إذا كانت من سنخين-كما في العالم-فلا محذور في ان يكون احد السنخين طرفا للاخر و هيئة المشتق الاصلية افرادية و الهيئة التحليلية من سنخ الجملية.

ص: 446

و هذا الكلام بمنزلة المقدمة للخلوص إلى سبب الاختلاف بين المشتقات و هل هو الذات ام النسبة بين الذات و الحدث؟

و نقول في الجواب:انه الذات بعد ضم فكرتين:

الأولى:-و هي مسلمة-ان الاختلاف اللفظي بين المشتقات انما هو بالهيئة لا بالمادة.

الثانية:اننا قلنا في الاطروحة الأخيرة ان المدلول للهيئة هو الذات و ليس المدلول لها هو النسبة و النتيجة ان الفرق الاساسي بين المشتقات كما هو في الدال و هو الهيئة كذلك هو في المدلول و هو الذات،غاية الأمر ان الذات تلاحظ تارة بشكل اجمالي كلي غير ملحوظ و لا مطعم بمعنى الفاعلية و المفعولية و نحوها و آخر تلحظ مطعمة بذلك،فهنا نحوان من التصور:

1-ان يكون معنى الفاعلية و المفعولية مستبطنا في معنى الذات و تكون النسبة أمرا تحليليا انتزاعيا ساذجا و لا يكون لها أي فاعلية و انما تتصف بالفاعلية و المكانية و غيرها تبعا للذات و ذلك في المشتقات التي هي محط انظار المشهور كأسم الفاعل و المفعول حيث تكفي فيها دلالة الذات وحدها على الفاعلية و المفعولية و لا حاجة إلى دال آخر.

2-ان تكون الذات كلية ساذجة و متساوية النسبة بين كل المشتقات و يكون الاختلاف في الفاعلية و المفعولية منوطة بالنسبة لا بالذات فتكون النسبة فاعلة أي ذات تأثير في المعنى كما وصفنا فيما سبق في الصفات المشبهة و صيغ المبالغة حيث لا تفي الذات وحدها في افادة معنى المجموع فانه في الصفة المشبهة تكون الذات فاعلة و تدل الهيئة على الدوام و الاستمرار،و في صيغ المبالغة على الزيادة و القوة و هكذا.

و ندعي هنا:-على تقريب يأتي ان شاء اللّه تعالى-ان الغالب فعلا هو النحو الأول فنتصور حصصا من الذات الاجمالية الكلية بحسب تنوّع المشتقات و تبقى النسبة غالبا ساذجة و غير دالة إلا على مجرد الارتباط بين الحدث و الذات الفاعلة فيحصل

ص: 447

معنى اسم الفاعل أو الحدث و الذات المنفعلة فيحصل معنى اسم المفعول،و هكذا.

و اما ما قد يقال بالعكس من دلالة الهيئة على النسبة الفاعلية و المفعولية دون الذات مع بقاء الذات على اجمالها فذلك له نقطة قوة و نقطة ضعف:

اما نقطة القوة:فباعتبار مناسبة دلالة الهيئة على النسبة لا الذات و قد ناقشناه.

اما نقطة الضعف:فلان الذات التي هي طرف النسبة اقوى عرفا بل عقلا من النسبة فتأثير النسبة عليها من تأثير الاضعف على الاقوى و لا شك ان تأثير الاقوى هو الاقرب عرفا و الارجح اثباتا.

فان قلت:إلا ان هذا لا يلزم دلالة الهيئة على الذات و انما يدل على ان المعنى الاساسي للمشتق مأخوذة من الذات لا من النسبة بغض النظر عما دل على الذات.

قلنا:بعد ان نعرف ان المعنى الاساسي لفظيا للمشتق مأخوذ من الهيئة اللفظية له و هو في نفس الوقت مأخوذ من الذات لقوتها كما عرفنا،فان دلت الهيئة على الذات فهو المطلوب و الا تعاكس الحال،فما كان اهم ثبوتا كان اضعف اثباتا و بالعكس،و هذا بعيد في نفسه،و على أي حال فالمجال قابل للتفلسف و العرف لا يفهم هذه التدقيقات.

فان قلت:قد سبق ان في صيغ المبالغة و الصفة المشبهة تكون كل من الذات و النسبة مطعمة،اما الذات فبمعنى الفاعلية أو المفعولية،و اما النسبة فبمعنى الدوام.

قلت:هذا صحيح و نحن لم نمنع من استفادة المعنى من النسبة مطلقا و انما انكرنا ان تكون هي المناط في التفريق بين المشتقات و إلا لم يبق فرق بين صيغ المبالغة الدالة على الفاعلية و بين اسم الفاعل و هكذا كما ان الذات وحدها لو كانت المفرّق يحصل المحذور فيمكن إذن حصول المعنى منهما معا احيانا.

و يمكن ان نأخذ مثالا لرفع الاستغراب،و ان كان خلاف ذوق الاصوليين:ذلك هو الفعل الماضي نحو(ضرب)فان فيه مادة و هيئة و نسبة بين المادة و الهيئة،كما قلنا في المشتق تماما،و الفعل الماضي احد المشتقات بالمعنى الاعم للتصرف في مادته، حينئذ نقول ان مادة الفعل الماضي دالة على الحدث فبقي لدينا مدلولان:

ص: 448

احدهما:أصل الزمان،كما اخترناه في حينه.

و ثانيهما:حصة الماضوية و النسبة على أصل الزمان أو بالعكس و ان كان الاقرب عرفا.

فهذا تقريب ذهني لمسألة المشتق.

فتحصّل ان الدال على الذات هو الهيئة التحليلية و على النسبة الهيئة اللفظية للمشتق التي تندمج و تندك عند الحمل،اما المادة فتدل على أصل الحدث.و في مقابل ذلك ما قاله سيدنا الاستاذ حينما رأى عدم المناسبة لا عقلا و لا عرفا بين الهيئة-و هي معنى حرفي-و الذات فلا تكون دالة عليها(1) فادعى ان الدال على الذات هو مجموع المشتق و يرد عليه:

1-انه يلزم منه تعدد الوضع و هو خلاف الاصل،بيان ذلك ان المشتق سيكون موضوعا لمعنيين أحدهما معناه الأصلي و الثاني هو الدلالة على الذات.

2-ان المشتق حينما يكون محمولا فسيحتوي على نسبتين:

احداهما:النسبة المدلولة للهيئة المستفادة من الحمل في الجملة،و هي نسبة الحدث إلى الذات الخارجية.

ثانيهما:النسبة التحليلية المستبطنة أو قل نسبة الذات إلى الحدث تحليليا، و المفروض عنده ان الهيئة الاصلية هي الدال على الهيئة التحليلية فهي غير قابلة للاندكاك في هيئة الجملة فتبقى ملحوظة عرفا و النتيجة اجتماع نسبتين حال الحمل أحدهما مدلول الهيئة و الاخرى مدلول الجملة.

بقي أمر لا يخلو الالتفات اليه من تدقيق و هو ان القائل بالبساطة كيف سيطبق قوله على الصناعات و الحرف كالنجار و الحداد فانهم نسوا هذه الامثلة الرئيسية عندما وصل البحث إلى هنا،و القائل بالتركيب في فسحة من الاشكال و ذلك لان النجار عنده ذات متصفة بهذه الصناعة اما القائل بالبساطة فيقع في مأزق.0.

ص: 449


1- و قد علمت الجواب عليه حينما رددنا على الاشكالين على الوجه المختار ص 159-160.

فان لمشتقات الحرف و الصناعات معان مستقلة بغض النظر عن الحمل فلا ينفعه تفسير معنى المشتق بالدلالة على الحدث(و هو المعنى المصدري و كذا اللابشرطية التي حملوا همّها.

و هذا له حلان:

الأول:القول بتركيب المشتق.

الثاني:القول بتعدد وضع المشتق.

و على الاول ينسد باب الكلام عن بساطة المشتق و على الثاني يلزم القول بتعدد الوضع و هو محذور عندهم.

(ارشاد)(1):

و اعتقد انه دفع دخل غير مصرح به موجه إلى القول بالبساطة حاصله:انه يمكن القول ببساطة المشتق التي هي بحسب المفهوم وحدته ادراكا و تصورا بحيث لا يتصور عند استحضاره إلا شيء واحد لا شيئان،مع العلم انه يتحلل بالتعمل العقلي إلى اجزاء فهل يعني هذا إلا القول بالتركيب،و ضرب له مثالين:قال كانحلال مفهوم الحجر و الشجر إلى شيء له الحجرية أو الشجرية.

فاجاب الآخوند بان:القول بالبساطة لا ينافي القول بالانحلال لان هذا الانحلال عقلي و ليس عرفيا و يكفي الوحدة في الادراك الاولي و التصور و الى ذلك يرجع الاجمال و التفصيل الفارقان بين الحد و المحدود مع ما هما عليه من الاتحاد ذاتا باتحاد المحدود و انحلال الحد فالانحلال يوجب فتق الرتق و هذا انما نحتاج اليه في طول القول ببساطة المشتق فالعقل بالتعمل يحلّل النوع و يفصّله إلى جنس و فصل بعد ما كان امرا واحدا ادراكا و شيئا فاردا تصورا.

و جوابه:1.

ص: 450


1- بحسب عنوان الكفاية:82/1.

أولا:انه ما يريد من كون الشيء القابل للانحلال واحد هل بالوحدة العرفية ام العقلية،ان اراد الثاني فهو خلف لفكرة الانحلال و التعمل العقلي لا يحفظ له وحده، و ان اراد الأول فالقائل بالتركيب لا يخالفه إذ هو ايضا يقول بالبساطة في الفهم العرفي و انما يتحلل عقلا إلى حدث و ذات و نسبة،نعم،يفهم العرف اثارها و معانيها من دون ان تكون مفاهيم متعددة بل ينظم بعضها إلى بعض ليتشكل مفهوم عرفي واحد.

ثانيا:ان هذا الكلام لا يعود إلى الاعتراف بالبساطة بل بالتركيب؟!و هو للتركيب اقرب لان القائل به لا يدّعي انه على نحو لفظين مستقلين بل هو انحلالي على كل حال،و اما الظاهر الاولي فلا شك في انه مفهوم واحد،و انما الخلاف بين الفريقين ان هذا المفهوم الواحد ما هو؟هل هو الحدث أو الذات و الحدث،فاذا كان هو الحدث وحده كما عليه القائل بالبساطة فلا يكون قابلا للانحلال بالتعمل بل يكون بسيطا عرفا و عقلا كالمصدر،و ان كان هو الحدث و الذات إذن فهو متحلل في المرتبة السابقة و هو الاخف و الاسهل من التعمل لانه وضع مفهوم عرفا و عليه دلالة،فيكون الآخوند قائلا بالتركيب حقيقة،كما هو الانسب عرفا.

كما ان ما مراده بالوحدة و الادراك،فالمفاهيم التحليلية ايضا مدركة فمن ادرك الانسان ادرك الناطق و صور الانسان محتوية عليه بناءا على الوجود الذهني أي وجود نفس الماهية المركبة من حيوان ناطق في الذهن بل حتى لو قلنا بالصورة الشبحية فان صورة الانسان بصفتها جزءا من النفس لها تعريف بوجودها بالحمل الشايع كما لها بوجودها بالحمل الاولي،بل حتى لو قلنا بالبساطة و كان(عالم)بمعنى(علم)فله جنس و فصل فتحصّل انه لا وجود للوحدة بالادراك و التحليل العقلي و انما ترجع إلى الفهم العرفي و المقيدات عموما تحليلية إلى قيد و مقيد بالرغم من وحدتها فهو لا يقول بذلك و ان المقيدات ايضا بسيطة،و من يقول بالتركيب لا يقول بهذا المقدار بل اقل منه،لان وحدة المقيد من مفهومين مستقلين عرفا بخلافه في باطن المشتق.

ص: 451

الأمر الثاني في بيان الفرق بين المشتق و مبدئه

اشارة

الأمر الثاني(1) في بيان الفرق بين المشتق و مبدئه

و هو بحث يحتاج اليه القائل بالبساطة لان المشتق عندئذ يكون بمعنى المصدر فما الفرق بينهما و نحن نرى المشتق قابلا للحمل دون المصدر و هذا الاشكال يكون سالبة بانتفاء الموضوع على القول بالتركيب لان الهوهوية-و هو ملاك صدق الحمل- ثابتة في المشتق دون المصدر لوجود الذات في الأول دون الثاني و هي تندك في الموضوع حين الحمل.

و قد عرض الآخوند الفرق كالتالي:بان الواضع لا حظ أمرين حين الجعل بازاء المعنى الحدثي فوضعه تارة بحيث لا يتحد مع الذات كما في(زيد علم)و مع انعدام الهوهوية لا يصدق الحمل و اخرى وضعه مع امكان الحمل و الاتحاد مع الذات فقال(2):

(ان المشتق لا يأبى عن الحمل على ما تلبس بالمبدأ و لا يعصي عن الجري عليه لما هما عليه من نحو من الاتحاد بخلاف المبدأ فانه بمعناه يأبى عن ذلك بل إذا قيس و نسب اليه كان غيره لا هو هو و ملاك الحمل و الجري إنما هو نحو من الاتحاد و الهوهوية و الى هذا يرجع ما ذكره اهل المعقول في الفرق بينهما من ان المشتق يكون بلا شرط و المبدأ يكون بشرط لا)يعني غير قابل للحمل و انما نسبها إلى اهل المعقول لانها اصطلاحات منطقية لا اصولية.

ص: 452


1- من الأمور التي قال عنها الآخوند انه بقي أمور،و قد مرّ أوّلها في:ص 367،و كان معقودا للبحث في بساطة المشتق و تركيبه.
2- الكفاية:83/1.

أقول:اننا هل يمكن ان نتصور الحدث قابلا للحمل على الذات بحيث يكون هو هو مع بقائه على معنى الحدث لا أكثر!هذا غير ممكن عقلا و لا عرفا،اما عرفا فواضح و اما عقلا فللتباين بين المفهومين:الذات الخارجية(و هو من الذات)و الحدث(و هو من العرض)و هما متباينان و حمل المتباينين متعذر و لا يدل عليه حمل المشتق لان القول بالبساطة اول الكلام و نقول انه يمكن باعتبار التركيب.

و بتعبير آخر ان الحمل يحتاج إلى تغاير مع اتحاد،و هنا التغاير موجود و الاتحاد غير موجود و اضافة اللابشرطية لا تجدي أي نفع في ذلك لانها اعتبارات ذهنية لا دخل لها في تصحيح الحمل لان الملاك هو الاتحاد في الوجود لا في الذهن لان موطنه الخارج و هذا بتعبير سيدنا الاستاذ.

و بغض النظر عما قلناه من التباين بين الجوهر و العرض فان هذا وحده لا يكفي، لان الحمل حملان اولي و شائع و كلاهما مستعمل في المشتق فالأول نحو(زيد ناطق، و زيد إنسان)و الثاني(زيد عالم)و المشتق كما هو قابل للحمل الشايع الذي ملاكه الاتحاد الخارجي فانه قابل للحمل الأولي الذي ملاكه الاتحاد مفهوما.

و يرد عليه:

أولا:اننا ان سلمنا كلامه(قد)في الحمل الشايع فلا نسلمه في الحمل الأولي إذا كان تقيد المفهوم أو الصورة الذهنية كافيا فيه و قد قبلنا تقييد الصورة الذهنية للمحمول باللاشرطية في نفس حملها و هو الذهن،و ليس الحمل الأولي إلا حمل الصورة الذهنية للمحمول على الصورة الذهنية للموضوع.

ثانيا:اننا لا نسلّمه في الحمل الشايع ايضا لان الحمل الشايع و ان كان ملاكه الاتحاد في الوجود إلا ان المهم دائما هو التوصل إلى الوجود الخارجي بالصورة الذهنية و المفروض انها ذات قيد يمكن معه الحمل في حين ان الأمر بالعكس فاننا لو لا حظنا الخارج وجدنا نحو الاتحاد بين الجوهر و العرض و إذا لا حظنا مفاهيمهما لم نجد الاتحاد فيمكن القول ان الحمل الشايع ممكن لان الاتحاد موجود في الخارج و ان لم

ص: 453

يكن متحققا ذهنيا.

إلا ان الصحيح هو المغايرة بين الحدث و الذات مفهوما و خارجا فلا يصح كلا الحملين و هذا ثابت حتى في نظر العرف،أو نقول ان كلا الحملين اصلهما ذهني و الصورة متغايرة على أي حال بين الذات و الحدث و التباين يسري من الصورة إلى ذيها و من الكلي إلى الجزئي فكما ان الكليين متباينان كذلك هما مصداقا و لا نستطيع ان نقول ان قيام زيد هو زيد لا مفهوما و لا مصداقا،فهذا كاف في احراز التباين و معه يمتنع كلا الحملين،و التقييد التعبدي باللابشرطية لا يوجد أي نحو من الاتحاد،و لذا قال(قد)في بعض كلماته:فلو اعتبرنا الحجر لا بشرط في الحمل على الانسان لم يصح حمله عليه بل حتى لو اعتبره الواضع كذلك.

و قال سيدنا الاستاذ ان هذا التفسير للابشرطية الذي أخذه اصحاب البساطة ليس هو المعنى الرئيسي لها أو المعمق و ان فهمه الاصوليون منهم بل هناك تفسيرات اخرى.

التفسير الثاني:للابشرطية و البشرط لائية

على ما هو ظاهر كلماتهم كالمحقق الدواني و المحقق النائيني حيث قالوا:ان مفهوم المشتق و المصدر مفهوم وجداني محفوظ و يطرأ عليه قيد اللابشرطية و الشرط لائية لا بلحاظ الحمل و انما بلحاظ خصوصية قبل الحمل يترتب عليها جوازه و عدمه.

و قد اوضح الشيخ النائيني(قد)ذلك فقال:ان العرض له حيثيتان فتارة نلحظ العرض بذاته كمفهوم من المفاهيم و اخرى بصفته قائما بموضوعه،و هما وجود واحد لا وجودان متباينان حتى يتعذر الحمل فمفهوم الحدث كالعلم هو عين مفهوم موضوعه ك(زيد)،و لكن له حيثيتان و الأول عين الثاني نظير الصورة في المرآة التي هي وجود للصورة و وجود للمرآة و بصفته قائما بموضوعه وضع له المشتق فاصبح له نحو علقة و نحو اتحاد مما أنتج صحة الحمل.

و عليه فان لا حظنا الوجود بدون عناية صح حمله على الذات لانه طور من

ص: 454

اطواره،و اذا اعملنا عناية و فككناه عن موضوعه لحاظا جعلت مغايرة عن موضوعه فلا يمكن الحمل فيظهر من احتياج المصدر للعناية انه(قد)قد تصوّر ان الموضوع له العرض أولا و بالذات هو قيامه بموضوعه أي كونه قابلا للحمل و هو مادة المشتقات و هي الموافقة لخلقته الاصلية لان الاعراض في عالم الخارج دائما قائمة بموضوعاتها و احتاج إلى عناية زائدة لكي يتصور العرض تصورا مستقلا قائما بذاته ليكون معنى مصدريا ممتنعا عن الحمل،و لذا قال:ان هذا يحتاج إلى عناية ليلحظ بشرط لا عن الحمل لكن في طبعه فان الحدث عين موضوعه الخارجي.

و قد حلل سيدنا الاستاذ ذلك دفاعا عن النائيني(قد)بان مفهومين أو ماهيتين قد يكون لهما وجود خارجي كزيد و علم و لكنهما بالتحليل شيئان كالحد و الرسم فبحسب الوجود الخارجي يمكن ان يحمل عليه و بالتحليل لا يمكن الحمل فالمصدر وضع للامر التحليلي و المشتق وضع للأمر الخارجي.

و اوضح اشكال يرد عليه:ان العرض الذي يتحدث عنه غير العرض الذي وضع له المعنى المصدري و الاشتقاقي فان ما وضع له المصدر و مادة المشتقات معنى كلي استطيع ان اسميه اسم جنس فلفظ(علم)كلفظ(اسد)من هذه الناحية و ما هو قائم بموضوعه هو هذا العرض الجزئي المقيد بالزمان و المكان و الذات الجزئية في زيد ليس اسم الجنس قائما بموضوعه لان القيام بموضوع من خصائص عالم الخارج و هو ليس ظرفا للكليات و استعمال هذه الدوال على المعنى الكلي استعمال حقيقي و هو الذي يصح محمولا في القضايا الحقيقية نحو(احل اللّه البيع)،و في قولنا(زيد إنسان)نريد كلي الانسان و انه منطبق عليه مصداقا كذلك(زيد عادل)،اما استعمال شيء منها في الجزئي بشرط كونه جزئيا أي بحدّه فهو استعمال مجازي لانه غير موضوع له و ما توقعه النائيني ان يكون وجوده عين وجود موضوعه إنما هو العرض الجزئي لا الكلي و ليس هو المحمول،فما وضع له الكلي لم يحمل و ما حمل-في المشتق-و هو الجزئي لم يوضع له اللفظ إذ لا توجد في اللغة لفظة وضعت للجزئي بحدّه.

ص: 455

و لم يقل أحد بدلالة المادة على العرض الجزئي سواء في المصادر أو المشتقات.

فان قلت:ان العرض الكلي ايضا كالجزئي يمكن ان يلحظ قائما بموضوعه و يحصل نتيجة له نحو من الهوهوية و الاتحاد بينه و بين موضوعه.

قلت:هذا و هم فان كلي العرض ليس له موضوع اصلا كالعلم و الاحساس فانها مفاهيم قائمة بذاتها و لم تلحظ موضوعاتها اطلاقا و كيف يكون موضوع الكلي جزئيا!!

فان قلت:يمكن ذلك بان نتصور له موضوعا كليا قابلا للقيام به.

قلت:ليس هذا الموضوع الكلي إلا الذات الاجمالية الكلية التي يقول بها التركيبي فرجع الكلام إلى القول بتركيب المشتق لا بساطته.

على انه لا يمكن حمل العرض الجزئي على معروضه-لو سلمنا قيام العرض بمعروضه و حصول نحو اتحاد بينهما يصحح الحمل-نحو(زيد علمه)إلا مجازا من باب اطلاق الجزء على الكل كما يقال(زيد وجهه)فيكون نحو اتحاد بين زيد و علمه القائم به لكن هذا يحتاج إلى تنزيل و عناية زائدة و الا فهو غلط.

فان قلت:ان له نظائر يسلّم بها العرف حيث يعبّر عن العبد بالرقبة فليكن العرض الجزئي المتحد مع زيد عين زيد تنزيلا.

قلنا:

1-ان هذا لا يخرجه عن المجازية حتى في الرقبة و كلامنا في الحمول الحقيقية بلا تنزيل.

2-ان المفسرين و اللغوين تحيروا في وجه العناية بهذا التنزيل فقيل لان الرقبة جزء رئيسي في الانسان و قيل لانها سريعة القطع خلافا لكل اجزاء البدن و سريعة التسبب للقتل فهل هذا صادق على كل المشتقات؟لا طبعا فان صحت تلك فلا تصح هذه.

فالمحصل انه لا يمكن حمل العرض الكلي و لا الجزئي حملا حقيقيا.

فان قلت:يمكن علاج ذلك بجعل اللابشرطية عن الحمل فرقا فيكون الحدث المأخوذ بشرط لا عن الحمل القائم بموضوعه بمنزلة موضوعه!

ص: 456

قلنا:سبق منّا ان القابلية للحمل لا تعيّن القول بالبساطة بل هي تجتمع مع القول بالتركيب و لو تنزلنا فان حساب اللابشرطية هنا كحساب تنزيل علم زيد منزلة زيد الذي ذكرناه في مثل(زيد علمه)بل هو اوضح منها حيث يصبح علم زيد زيدا و الطواف بالبيت صلاة،و هو تنزيل مجازي و يكون في الكلي اسوأ و مجازيته اوضح إذا قلنا(زيد العلم،أو زيد علم)بحيث لو قبلناه في الجزئي فلا نقبله في الكلي.

اللهم إلا ان يقال ان تنوين التنكير يراد به الوحدة،و لكن يرد عليه:

1-ان هذه الحصة مجهولة و غير متعينة بعلم زيد نفسه.

2-انه حتى لو اريد بذلك لا يكون الحمل حقيقيا.

و بعد ان تم جوابنا على التفسير الثاني للابشرطية المنسوب الى الشيخ النائيني (قد)نبدأ باجوبة الآخرين له،حيث نقل سيدنا الاستاذ انه قد اعترض عليه بعدة اعتراضات:

الاعتراض الأول:انه لا يعقل ان نتصور مفهوما وحدانيا يكون تارة قابلا للحمل (اذا لو حظ قائما بموضوعه)و تارة غير قابل للحمل(إذا لو حظ بذاته)لانه اما ان يكون وجوده واقعا عين وجود الذات أو مغايرا لها:فعلى الأول:يصح حمله و ان قيل عنه انه بشرط لا،و على الثاني:لا يصح و ان قيل عنه انه لا بشرط و لا يعقل اجتماعهما وحداني، و لذا اتفقوا على مغايرة مفهوم المصدر للمشتق و ان مفهوم المصدر هو الحدث و هو مغاير مع الذات فلا يصح حمله عليها،و مفهوم المشتق عين الذات فيصح حمله عليها.

و يمكن الجواب من جهتين:

الأولى:ان ما قاله من ان مفهوم المشتق عين الذات فيصح حمله عليها هذا فرع القول بالتركيب و اما مع البساطة فيستحيل ان يكون عين الذات لا عرفا و لا عقلا كما سبق و مع انتفاء العينية لا يصح الحمل.

الثانية:النقض بما ذكره سيدنا الاستاذ دفاعا عن النائيني و تعميقا لكلامه بالنظر إلى المصادر المنحوته نحو(عالمية،ارتكازية،شيئية)دون الاعتيادية(ضرب،ذهاب)

ص: 457

و قد ركّز النقض بمصدر منحوت واحد و هو الشيئية فيصح ان يقال(زيد شيء)و لا يصح ان يقال(زيد شيئية)و هما مفهوم واحد لبطلان الاحتمالين الآخرين و هما كون مفهوم(شيء)قد طعّم بمعنى زائد عن مفهوم الشيئية أو اننا نفهم من شيء:شيء له الشيئية.

اما بطلان الأول:فلان الشيء هو اعم الاشياء و اعلى الكليات فلا يوجد مفهوم اعم منه حتى يطعم به.

و اما بطلان الثاني:فلانه من اخذ العرض في موضوع نفسه و هو مستحيل فتعيّن كون الشيء و الشيئية مفهوما واحدا و قد امكن فيه لحاظ حيثيتين:احداهما قابلة للحمل و الأخرى غير قابلة للحمل فليكن مثله في المقام.

و يجاب هذا الدفاع بعدة وجوه:

1-ان هذا الكلام راجع إلى الوحدة في الماهية بين الشيء و الشيئية و هما ليسا كذلك بل هما امران متباينان بدليل عدم امكان حمل احدهما على الآخر و العرف و العقلاء يفهمون من احدهما غير ما يفهمون من الآخر.

2-ان اعتراضه على قضية(الشيء:شيء له الشيئية)بانه يلزم اخذ العرض في موضوع نفسه مبني على كون الشيئية عرضا للشيء لتلزم الاستحالة للاستغناء بالذاتي عن العرضي،اما إذا كانت أمرا ذاتيا فلا استحالة فيه لانها ليست امرا جديدا بل عين ذاته و أخذ الشيء في موضوع نفسه ليس مستحيلا.

3-قال(انه ليس هناك شيء اعم من الشيء لكي نطعم به الشيء ليصبح ممكن الحمل)و هو من لزوم ما لا يلزم فان التطعيم بشيء لا يتوقف على كونه اعما بل المهم كونه مغايرا له في المفهوم ليصبح قابلا للحمل و هو مفهوم الذات و بدونها لا يمكن الحمل.

4-نقول:-بنحو الاطروحة-انه كما ان سائر المصادر لها مشتقات كالصفات المشبهة و اسم الفاعل و غيرها كذلك المصادر المنحوتة لها مشتقات و هي الجوامد التي

ص: 458

نحتت منها كالحجر و الشجر،فاننا في المرتبة السابقة على النحت لا بد من تصور الجامد مشتقا ليصح منه الاشتقاق لغة فيصح الحجر بمنزلة اسم الفاعل أو الصفة المشبهة و الحجرية مصدرها،و في طول هذا التصور يمكن ان نقول،ان سائر المشتقات (التنزيلية)مركبة فيها ذات مستبطنة دون مصادرها،أو نقول باختلاف معنى المصدر عن معنى المشتق لذا لا يمكن حمله في المصدر و يمكن في المشتق،فالشيء بمنزلة الصفة المشبهة و لا يمكن حمل المصدر عليها،و ليست متفقة في المعنى مع المصدر كما زعم سيدنا الاستاذ.

5-ان المصادر المنحوتة يمكن ان تؤخذ من كثير من المشتقات انفسها(عالم:

عالمية)و قد مشت عليه اصطلاحات الاصوليين(أعلم:أعلمية)و حينئذ يصبح معناها الحال المناسب لتلك الصفة و هو معنى خال من الذات كالمصادر،و يمكن تقريبه إلى الذهن بتحويل معناه إلى(الكون)أي كون الإنسان عالما أو اعلم و الكون مصدر خال من الذات و انما يتصف بالحدث فقط فلا يقال زيد عالمية أو أعلمية للمباينة بينهما لان المشتق الذي أخذ منه هذا المصدر المنحوت فيه ذات دون المصدر نفسه فصح الحمل في الأول دون الثاني.

6-يمكن ان يقال:ان الحديث هنا عن المصادر الاعتيادية في اللغة لا عن المنحوتة فانها غير متداولة و انما هي تعمّل عقلي فاتصافها باي وصف لا يلزم اتصاف سائر المصادر بها بعد التنزل عما قلناه قبل قليل،فحتى لو كان هناك مفهوم واحد قابل للحمل تارة و غير قابل تارة اخرى-كما زعم سيدنا الاستاذ-إلا ان هذا خاص بالمنحوت و لا يشمل المصدر الاصلي في حدود هذا الجواب بل خاص بالمثال فقط (الشيء و الشيئية)و المحذوران الذان ذكرهما(عدم وجود عرض اعم منه يطعّم به، لزوم اخذ العرض في موضوع نفسه)لا يحصلان في غير المورد لوضوح وجود عرض اعم من العالمية و المعلومية و غيرها.

الاعتراض الثاني:ان ما قاله من ان وجود العرض في نفسه عين وجوده

ص: 459

لموضوعه إنما يصح في الاعراض الحقيقية كالعلم و البياض و السواد،و لا يصح في الاعراض الانتزاعية كالزوجية و الإنسانية و الوجود،فان المفاهيم الانتزاعية ليس لها وجود في الخارج حتى يقال ان وجودها في نفسها عين وجودها لموضوعها.و عالم الذهن لا يسري إلى الخارج،و لم يقل أحد بالفصل بين القسمين علما بأن أكثر المشتقات هي من القسم الثاني.

و قد اجاب عليه سيدنا الاستاذ:ان هذا لو تم فانه يهدم مبنى القائلين بالتركيب أنفسهم لانهم يقولون:ان المصدر و المشتق متباينان لان المشتق اخذ فيه مفهوم شيء و لذا صح حمله،فنقول:ان مفهوم شيء بنفسه انتزاعي فان لم نتصور نحوا من الاتحاد بين المفاهيم الانتزاعية و مناشئ انتزاعها فكيف صح حمل سائر الاعراض بادخال مفهوم (شيء)الذي هو انتزاعي.فاذا اعترفتم بالوحدة بينها بنحو مناسب من الاتحاد فقد ارتفع الاشكال فكما ان العرض الحقيقي عين موضوعه وجودا كذلك العرض الانتزاعي و ان انكرتم الوحدة مع منشأ الانتزاع لم يصح الحمل اطلاقا.

أقول:لنا هنا عدة تعليقات:

1-ما سبق من ان ما وضع له المصدر و مادة المشتقات هو الكلي و ما هو متحد مع موضوعه في الخارج هو العرض الجزئي الخارجي و هو غير موضوع له و لا يقصد حمله و لم يقل احد بوضع المادة للعرض الجزئي،سواء في ذلك الاعراض الحقيقية و الانتزاعية.

2-كان الاوضح و الافضل ان ينقض على الشيخ النائيني بانه لو سلمنا اتحاد العرض و موضوعه و قيامه به فانما يتم في القضايا التي لها منشأ انتزاع و وجود و اما لو لم يكن كذلك فلا معنى لقيامه بموضوعه كما في القضايا الكاذبة و المستحيلة و الوهمية اذ لا يوجد موضوع و لا محمول و انما مجرد صور ذهنية فاذا توخينا الاتحاد الخارجي بين العرض و معروضه لتصحيح الحمل كما يقول الشيخ النائيني(قد)فتكون هذه الاشكالات من الحمل باطلة و مجازية في حين هي صحيحة عرفا و مستعملة مثل غيرها فيما وضع له اللفظ.

ص: 460

3-ان من شروط صحة الحمل التغاير و لو في الجملة فاذا توخى النائيني(قد) الاتحاد خارجا فينبغي ان يكون التغاير كذلك فينسد باب الحمل في الذاتيات نحو (النور نيّر)و ما كان عين الذات كالصفات الحسنى لعدم تغاير خارجي رغم ان الحمل صحيح عقلا و مستعمل عرفا.

فان قلت:بان مشهور المناطقة قال بلزوم كون الاتحاد خارجيا في الحمل الشايع اما المغايرة فيكفي ان تكون ذهنية تحليلية.

قلت:

أ-إذن يكفي الاتحاد الذهني ايضا.

ب-النقض بالكلي و فرده فإن كلا الشرطين متوفران فيه فهما متغايران مفهوما متحدان خارجا فهل نستطيع ان نقول(زيد إنسان)؟لا طبعا فلماذا لا يصح حمل المصدر على الذات مع انها مصداقه فلا بد من وجود مبرر آخر لصحة الحمل.

ج-ان عالم الخارج و عالم الذهن مستقلان متغايران لا يمكن ان يسري من أحدهما إلى الاخر و لا ان يقيده فكيف يمكن تقييد عالم الخارج بعالم الذهن لتصحيح الحمل بالاتحاد الخارجي و التغاير الذهني و نتيجته بطلان كل اشكال الحمل الشايع و هو كما ترى!

فالصحيح ان المبرر لحمل المشتق دون المصدر هو وجود الذات و لو لاه لم يصح.

4-لو تنزلنا عن كل ذلك كفى مفهوم الشيء:

أ-انه(قد)(1) بنى اشكاله و نقضه على كون الشيء مفهوما انتزاعيا و هو ما لم يقل به أحد بل هو اما جنس عال و به ردّ اشكال المحقق الشريف أو عرض عام.

ب-ما معنى(الانتزاعية)عنده حتى عدّ الزوجية و الإنسانية و الوجود مفاهيم انتزاعية،اللهم إلا ان يريد به مجرد كونه كليا و هو خلاف الاصطلاح و الا فالانسانية منذ.

ص: 461


1- أي سيدنا الاستاذ.

الكليات الذاتية المتكونة من جنس و فصل.

ج-اننا-كتركيبين-ننكر ان يكون المأخوذ في المشتق هو مفهوم الشيء حتى يرد عليه ما قيل و لا الذات و لا أي مفهوم استقلالي كما توحي به الفاظهم لانها غير قابلة للاندكاك عند الحمل و لا يفهم ذلك منه أكيدا و ان عبّر عنه بها تسامحا و من باب ضيق اللغة عن اداء المعنى و انما المأخوذ مفهوم الذات و هو مفهوم إجمالي غامض و مندك في طرف الجملة لا يصدق عليه انه مفهوم ذاتي و لا عرضي و لا انتزاعي و انما هو معنى اجمالي مبهم ليس له تعبير في اللغة إلا معنى الذات اخذ في المشتق ليساعد على فهم معناه الافرادي الاستقلالي فيفهم من(عالم)ذات لها العلم و ليساعد على حمله و لو لا وجود هذا المعنى الغامض في الذهن لما صح الحمل.

الاعتراض الثالث:انه مع قطع النظر عما سبق فان ما قاله إنما يتم في غير اسماء الزمان و المكان و اما فيهما فلا يتم لانه ليس وجود العرض فيها في نفسه عين وجوده لموضوعه كما قال في سائر المشتقات لان جهة اتصاف الزمان و المكان بالعرض تختلف عن جهة اتصاف سائر المشتقات بها و حينئذ لا محيص عن الالتزام باحد امرين لا يقول بهما النائيني(قد)فاما ان نقول بالتفصيل بين المشتقات فبعضها بسيط لكنها مأخوذة لا بشرط عن الحمل و بعضها-و هما اسما الزمان و المكان-مركب و انه أخذ فيها مؤونة زائدة صححت الحمل أو نقول بان المشتقات كلها وضعت وضعا نوعيا واحدا فما دام قد ثبت تركيب بعضها فكلها كذلك و يتعين القول بتركيب المشتق.

و قد أجاب سيدنا الاستاذ:دفاعا عن الشيخ النائيني(قد):بانه يمكن له(قد)ان يدّعي دعوى لحاظية و حيثية اضافية يحافظ فيها على كون العرض قائما بموضوعه حاصلها ان المبدأ في مقتل ليس هو ذات القتل كما في اسم الفاعل و المفعول و نظائرهما بل محلّية القتل،و ذلك بأن يقال:بان مقتل عين المبدأ و هو القتل و لا يراد به عملية القتل بل ظرفية القتل في الزمان و المكان و هي عرض قائم بالزمان و المكان و نسبته اليهما نسبة العرض إلى موضوعه كسائر المشتقات.

ص: 462

أقول:و هذا يرد عليه أكثر من اشكال:

1-انه يلزم منه اختلاف معنى الحدث في المصدر عنه في مادة المشتق فيكون معنى الأول ذات القتل و الثاني ظرفية القتل و لا احد يقول بهذا التفصيل و انما معناهما واحد هو ذات القتل.

2-ان هذا لا يتم إلا إذا ساعد العرف على هذه الدعوى لاننا نتكلم عن اوضاع اللغة و مرجعها و الحاكم فيها العرف لا التعملات العقلية و التدقيقات الفلسفية و لا شك بان ارادة المحلّية من القتل مسامحة و مجاز في نظر العرف و الكلام انما هو في الاستعمالات و الحمول الحقيقية إلا انه مع ذلك يمكن الدفاع عن الشيخ النائيني بدعاوى اخرى:

الأولى:ان العرض و ان كان بالدقة العقلية له معروض واحد و لكنه من الناحية العرفية فيه معروضات متعددة و ليس واحدا كالفاعلية و المفعولية و المحلّية و نحوها و قيامه بأي منه إنما يكون بالمقدار المناسب له و بنحو من اتحاد القيام و المشتقات من هذه الناحية لا تختلف،فكما ان القتل قائم بالفاعل و المفعول كذلك هو أي نفس القتل لا ظرفيته قائم بالمكان لان المكان كما هو مكان القاتل و القتيل كذلك القتل فيتصف المكان به.

الثانية:ان يقبل اختلاف اسماء الزمان و المكان عن سائر المشتقات بان يدّعي انها مركبة و غيرها بسيطة،و لا يقال ان المشتقات لا بد انها موضوعة بوضع نوعي واحد،لانه يقال ان هذه على القاعدة لكن ما من عام إلا و قد خصّ-كما قالوا-فما لا يمكن تطبيقه عليها فهو شاذ عنها و يكون مركبا.و انا اعتقد حدسا ان النائيني(قد)لا يقبل بهذه الدعوى لانه و المشهور يرى جميع المشتقات من سنخ واحد.

الثالثة:ان يدّعي ان هناك تسامحا في نحو تعلّق المكين بالمكان و الزمان في المرتبة السابقة على الاستعمال بل على الوضع،فقد اعتبر الواضع ان اسماء الزمان و المكان معروضة لما يقع فيها فيأتي الوضع و الاستعمال في المرتبة المتأخرة حقيقيا لان المسامحة ليست فيه بل في الرتبة السابقة عليه.

ص: 463

فهذا الاشكال غير وارد على الشيخ النائيني(قد).

الاعتراض الرابع:و قد تبنّاه سيدنا الاستاذ و ان لم ينسبه له صراحة لكن سياقه يوحي بذلك و حاصله:ان الميرزا قال:ان مدلول المشتق و ان كان نفس الحدث و لكن وجود العرض بنفسه عين وجوده لموضوعه،و لذا لو حظ العرض على طبعه صح حمله على موضوعه.

فنقول:-و الكلام لسيدنا الاستاذ-بان هنا عبارتين متغايرتين:أحداهما:ان العرض وجوده في نفسه عين وجوده لموضوعه،و الاخرى:عين وجود موضوعه.

اما الأولى:و هي التي قالها النائيني فلا تصحح الحمل لانحفاظ التغاير بين العرض و موضوعه،فان وجود العرض مضاف باضافتين:أحداهما:إلى ماهية العرض، و الثانية:بالاضافة العرضية إلى موضوعه باعتبار انه عارض له و مرتبط به.

و هذا المعنى لا يصحح الحمل،لان معنى العبارة هو:ان الوجود الذي هو طرف الاضافة إلى ماهية البياض هو عين الوجود الذي هو طرف الاضافة إلى الموضوع،و معه يحفظ التغاير بين وجود العرض و وجود الموضوع فكيف يصح الحمل.

و نظّر ذلك بالعلة و المعلول فان المعلول قائم بعلته كالمخلوقات قائمة به سبحانه و منسوبة اليه و من مراتب علمه و مع ذلك لا يجوز حمل المعلول على علته و توصيف العلة بالمعلول.

و عندئذ يكون المنع في جانب العرض و المعروض لان العينية اوضح و الاتصال اكثر بين العلة و المعلول و مع ذلك لم يمكن الحمل.

إلا انه يمكن الجواب على ذلك:

1-ان اختلافا ثبوتيا بين الموردين فان ملاك الحمل-و هو الاتحاد من جهة و التغاير من جهة اخرى-موجود في العرض و معروضه دون العلة و المعلول لان وجود العرض و معروضه خارجا واحدا في حين ان وجودهما الذهني متعدد فكل منهما ماهية و مقولة غير الآخر،فاحدهما من الجوهر و الآخر من العرض،اما العلة و المعلول فهما

ص: 464

متغايران خارجا و مفهوما و لا يوجد اتحاد بينهما اما تغايرهما مفهوما فواضح و اما خارجا فلانه لا يحتمل عينية الوجود الواجب للوجود الممكن خصوصا و ان القول بوحدة الوجود مما يستنكره الفلاسفة عادة.

2-ان ما قاله من عدم صحة الحمل مبني على قوله بالتركيب اما على القول بالبساطة فالحمل ممكن في كلا الموردين فيقال:(اللّه خلق)و(النار احراق)و يراد بهما خالق و محرقة إذ ليس للمشتق معنى إلا اصل الحدث المصدري و المشتق يصح حمله و هو غاية الفرق بينه و بين المصدر،فاذا قبل العرف بهذا الحمل فهو و الا فهو اشكال على اصل القول بالبساطة.

3-اننا يمكن ان نقول كما قلنا في مثله:ان العرف يرى بنظرة مسامحة في فهم الاشياء في المرتبة السابقة للوضع-فضلا عن الاستعمال-فيفهم للعرض و المعروض وجودا متلاصقا واحدا و كذا العلة و كأنها متصفة بمعلولها بهذا النحو من الاتصاف اكثر مما هو واقعي في عالم الخلقة و الخارج فيتوفر ملاك صحة الحمل و هو الاتحاد خارجا بعد التسليم بالمغايرة مفهوما و هذا اتصاف عرفي لتصحيح الحمل و ان لم يكن عقلا كذلك.

ثم قال سيدنا الاستاذ:إذن فالصيغة الأولى لا تصحح الحمل(و هي وجود العرض لموضوعه).

و اما العبارة الثانية:(و هي وجود العرض وجود موضوعه)بحيث يدّعي وجودا واحدا لماهية العرض كالبياض و معروضه كالإنسان و سائر الماهيات العرضية رغم انها ماهيات متباينة و لا دليل على استحالة وجود ماهيات متعددة بوجود واحد فتحقق ملاك الحمل و هو الاتحاد خارجا.

و نظّر لذلك بما يسمى ب(أفعال النفس)و اوضحها انطباع الصور الذهنية فيها فان لها تفسيرين فلسفيين،أحدهما:ان نسبة الصور الذهنية إلى النفس كنسبة العرض إلى معروضه، و الآخر:ان نسبة الصور الذهنية إلى النفس كنسبة العلة إلى معلولها،و على الثاني فان الصور الذهنية و النفس توجد بوجود واحد بانبساط الوجود الخارجي عليهما معا.

ص: 465

فلا استنكار ان يدعي الميرزا(قد)انه كما ان الصور الذهنية عين وجود النفس، كذلك الوجودات الخارجية للاعراض عين وجود موضوعاتها.

إن قلت:ان عينية الصور الذهنية للنفس يلزم ثباتها كثبات النفس في حين ان الوجدان يذعن بتبدل الصور الذهنية بكثرة.

أجاب(قد):ان تغير صور الذهن باختلاف اعراض الجسم كالابيض يصبح أحمر إنما هو في حدود الوجود لا اصله فليس ان الوجود زال و حصل بدلا منه وجود آخر و انما اختلفت حيثياته مع بقاء اصل الوجود-كما قيل في النفس ذلك ايضا كما لو تصور شيئا ثم تصور شيئا آخر.

و ما يقال في بعض الكلمات من ان العرض مباين ماهية و وجودا للجوهر لان وجود العرض وجود رابطي و وجود الجوهر استقلالي ينفع للخطابة و لا يوجد عليه برهان في الفلسفة فاذا ادعى الشيخ النائيني(قد)العينية بهذا المعنى فنحن عاجزون فلسفيا عن البرهنة على عدمه.

نعم،لا اشكال ان الالهامات العامية للإنسان العرفي تفترض المباينة بين وجود العرض و وجود موضوعه،و حينما نتكلم في اللغة لا نتكلم عن براهين الفلسفة،إذن فلا بد من الالتزام بان علم و عالم مفهومان متغايران عرفا إذ لو كان عينه لما صح حمله على الذات.

أقول:هذا عليه عدة تعليقات:

1-ان ما قاله من امكان وجود عدة ماهيات بوجود واحد يمكن التفصيل فيه بين الماهيات الطولية و العرضية فيصح كلامه في الأول فان من المسلّم به وجود ماهيات متصاعدة بوجود الإنسان نحو(حيوان،جسم،متحرك،شيء)و لا يتم هذا في الماهيات العرضية فبوجود الانسان لا يوجد الصاهل مثلا لانها ماهيات متنافية متباينة،و المقام من الثاني لوضوح ان العرض و معروضه و العلة و معلولها من مقولتين:فالأول:من الكيف، و الثاني:من الجوهر فوحدة الوجود لها مجازية لا بالدقة فهما اثنان و ان كان واحدا ظاهرا.

ص: 466

2-و هو تعليق فلسفي إذ بالامكان التفريق بين معنيين:القيام به و القيام له بحيث يكون القيام به وجوده واحدا و ان تعدد المفهوم لان المهم في الخلقة هو الخارج لا المفهوم الذهني و في الخارج وجود واحد لا اثنان حتى ان معنى الوجوب و الامكان انتزاعيان ذهنيان.و هذا له حصتان:

الأولى:معلولية الخلق للّه سبحانه و نسبتهم اليه فانها قائمة به و هو أحد تفسيرات الحديث ان اللّه تعالى خلق النفس أو ادم على صورته.

الثانية:افعال النفس التي اوضحها الصور الذهنية فانها قائمة بالنفس.

ففي هاتين الحصتين يمكن القول بوحدة الوجود و ان تعددت الماهيات.

و المعنى الثاني:هو القيام له،و هو وجود متغاير خارجا و ليس ذهنا فقط غاية الأمر انهما قد يكونان ماهيتين متلازمتين لان خلقتهما التكوينية تقتضي ذلك،و هذا ايضا له حصتان:

الأولى:العلل التامة و معلولاتها و نقصد بالعلة مستقلة عن الفيض الالهي الذي هو من المعنى الأول و التفريق بينهما اثباتا ان علّية الفيض الالهي تتعلق بالباء و العلل الأخرى باللام.

الثانية:نسبة العرض إلى معروضه فانه قائم له لان ماهيتها تختلف و وجودهما ايضا يختلف.

فما قاله سيدنا الاستاذ من عدم امكان رد الشيخ النائيني لو ادعى نحوا من الاتحاد بين العرض و معروضه كالذي بين النفس و الصور الذهنية امكن دفعه بهذا التفريق.

3-و هو تعليق عرفي:بان يقال ان هذا الحديث الفلسفي غير عرفي و قد اسسنا كبرى انه في الموارد التي هي شأن العرف-كالاوضاع اللغوية-فنحكّمه فيها و نقبل حكمه و ان خالف العقل أو كان عند العقل مستحيلا لانها من بابين مختلفين،و ما هو الثابت عرفا الغيرية في كل هذه المجالات الاربعة سواء كانت الغيرية ثابتة فعلا أو منتفية بل التباين ثابت بحيث لا يصح الحمل،و الا لقلنا الجوهر عرض و العرض جوهر،

ص: 467

و الصور الذهنية النفس و بالعكس،و الخلق اللّه و بالعكس،و كل ذلك باطل عرفا بالرغم من صحة حمله لان المحمولات ليست اشتقاقية،و هو دليل وجود التغاير العرفي في المرتبة السابقة على الحمل و على وضع المشتق،فلو لا تقدير الذات لم يصح الحمل و هو المطلوب.

التفسير الثالث للابشرطية و البشرط لائية:

التفسير الثالث(1) للابشرطية و البشرط لائية:

ما فهمه سيدنا الاستاذ بعمق من عبارة الكفاية و ان كانت الفاظها قاصرة عنه حاصله:ان المشتق عنوان بسيط منتزع من الذات بلحاظ تلبسها بالمبدأ و مفهوم المبدأ مع مفهوم المشتق متغاير ذاتا و سنخا،و أخذ البشرط لا-و هو المعنى المصدري-يعني أخذ المفهوم الذي بذاته بشرط لا أي فيه مانع ذاتي عن الحمل و لا حاجة إلى أخذ عنوان البشرط لائية.و أخذ اللابشرط-و هو المشتق-يعني اخذ المفهوم الذي بذاته كذلك،فان احدهما بذاته لا يأبى عن الحمل و هو معنى اللابشرط،و الآخر بذاته يأباه و هو معنى البشرط لا.

و اما حقيقة هذين المفهومين المتغايرين،فمفهوم المصدر هو الحدث و كذلك مدلول المادة،و اما مفهوم المشتق فهو مفهوم انتزاعي بسيط عن الذات بلحاظ تلبسها بالمبدأ،و تكون الذات منشأ لانتزاع هذا العنوان و يكون الحدث مصححا لهذا الانتزاع و كونه بسيطا في مقابل كونه مركبا،فالمأخوذ في المشتق ليس هو الحدث و لا الفاعل و لا النسبة بل عنوان بسيط منتزع من هذه الثلاثة بخلاف مفهوم المصدر الذي هو الحدث لا غير فاللابشرطية و البشرط لائية بمنزلة المفاهيم الانتزاعية من طبع المفهوم فطبيعة الحدث المصدري مباينة مع الحمل و طبيعة المعنى الاشتقاقي مناسبة له.

و من ذلك يظهر ان مدلول المصدر بذاته بشرط لا عن الحمل،لان الحدث مغاير ذاتا مع الذات و اما المشتق فمفهومه بطبعه لا يأبى عن الحمل على الذات لانه عنوان

ص: 468


1- مرّ الثاني ص 467.

بسيط منتزع عن الذات إذن فهو متحد مع الذات،لان منشأ الانتزاع متحد مع منشأ انتزاعه،و هذا هو معنى اللابشرطية.

أقول:اننا لو فسرنا كلام الآخوند بذلك لم يكن كافيا لعدة مناقشات اذكرها قبل الدخول فيما سماه سيدنا الاستاذ مواقع للنظر في كلام الآخوند:

1-إنه إحداث قول ثالث-و هو محذور عندهم-لان الاصوليين ذهبوا إما إلى التركيب أو البساطة بمعنى ان المشتق موضوع لمعنى الحدث الذي هو معنى المادة و المصدر و لم يقل أحد بمثل هذا المفهوم الانتزاعي الزائد عن الحدث و لو كان الأمر كذلك ما احتجنا إلى اللابشرطية.

2-ان هذا التفسير يعني الالتفات إلى و فهم اربعة امور من المشتق لا خصوص الامر المنتزع و هي المادة،الذات،النسبة،المعنى الانتزاعي إذ لا شك ان الملتفت إلى معنى انتزاعي يلتفت إلى منشأ انتزاعه كما يلتفت إلى العلة عند الالتفات إلى معلولها، و لا اقل من ان يلتفت إلى معنى المادة كالعلم و اتصاف الذات به و هو كما ترى تكليف للعرف اكثر مما يطيق و أكثر مما يقول به التركيبي الذي قال بالالتفات الضمني إلى ثلاثة امور.

3-انه اعتراف ان المعنى الاساسي للمشتق مركب و متحقق في الذات و الحدث و النسبة بينهما غاية الامر انه لم يوضع له اللفظ بل لمعنى انتزاعي في طوله و المرتبة المتأخرة عنه و يكون التركيب في معنى المشتق متفقا عليه و انما الخلاف بأنه هل وضع له ام لا.

4-اننا نجد وجدانا عرفيا ان هذا المعنى المنتزع غير مفهوم فيدلّنا ذلك على انه غير موضوع له و لو كان موضوعا له لحصل التبادر إلى معناه،و انما المفهوم عرفا هو التركيب.

5-اننا لو تنزلنا عن كل هذه الامور و قلنا بتمامية التفسير فان هذا المعنى المنتزع لا يمكن حمله على الذات لانه غير متحد معها بل مباين لها لانه ليس منتزعا عن حاق الذات بل من العناوين الثلاثة كلها و هو بذلك ليس عين أي واحد منها ليحمل عليها.

ص: 469

6-اننا نسأل عن الذات المنتزع منها هل هي الذات الاجمالية ام الخارجية؟فان كانت الذات الاجمالية فهو اعتراف بالتركيب في المرتبة السابقة عن الانتزاع أو منشأه.

و ان كانت الذات الخارجية(الموضوع في الجملة التامة أو الناقصة)فوجودها خلاف المفروض لانه يلزم عدم انتزاعه ما دام المشتق وحده فيلزم احد محذورين اما انه لا معنى له أو معناه مركب.

إلا ان في استفادة هذا الوجه من عبارة الكفاية نظرا إذ لا اثر للمعنى الانتزاعي فيها اطلاقا،نعم،قال:ان المشتق بمفهومه لا يأبى عن الحمل و هذا قريب إلى ما فهمه سيدنا الاستاذ بان هذه الصفة منتزعة من ذاته بلا حاجة إلى قيد اللابشرطية أو بشرط لائية في الحدث و اما ان هذه الصفة هل هي صفة لنفس المشتق أو لمفهوم منتزع منه، فهذا غير موجود في العبارة،بل الانسب بها هو التفسير الأول و هو الانسب بمذهبه بالبساطة إذ ظاهرها البساطة في أصل المعنى لا في المعنى المنتزع فيرجع كلام الآخوند إلى ان معنى المشتق و ان كان هو الحدث و انه بسيط إلا انه بطبعه قابل للحمل بخلاف معنى المصدر.و هذا غير تام إذ لا نتصور ذلك في الحدث ما دام على معناه بدون تغيير بل قلنا فيما سبق ان اضافة قيد اللابشرطية لا تنفع في تغيير الحال فضلا عن محاولة الاستغناء عنها،و الاستغناء عنها لا يكون إلا بتغيير معنى المشتق عن معنى الحدث اعني القول بالتركيب.

و نعود إلى مناقشات سيدنا الاستاذ لهذا التفسير حيث قال:و فيه مواضع للنظر:

الموضع الأول:

انه يدعي ان هناك عنوانا بسيطا رابعا منتزعا من العناوين الثلاثة الاولى و هي الحدث و الذات و النسبة و هذا لا نتعقله فاننا لو قطعنا النظر عن الالفاظ و نظرنا إلى ذوات المعاني لا نجد ذلك و انما حصل باعتبار لفظ عالم و لو قطعنا النظر عن الالفاظ لم نجد إلا المركب الثلاثي،فاما ان نقول بوضعه له فهو القول بتركيب المشتق،و اما ان نقول انه

ص: 470

موضوع لمعنى بسيط ينتزع منها فهو غير موجود في اذهاننا فلا يكون موضوعا له لان الوضع فرع خطوره في الذهن العرفي.

و البرهان على ذلك:انه لو كان قيام المبدأ بالذات يوجب انتزاع عنوان بسيط من الذات بلحاظ تلبسها بالمبدأ للزم التسلسل في الامور الانتزاعية،لان هذا العنوان مبدأ أو حدث متلبس بالذات فينتزع منه مفهوم ثالث و هكذا فيتسلسل،و هو محال،فلا يكون هناك مفهوم بسيط منتزع ليكون هو مدلول المشتق.

فان قلنا باستحالة التسلسل في الأمور الانتزاعية فهو و الا كان على خلاف الوجدان فان الوجدان قاض بان العقل لا يقدر على ان ينتزع مفاهيم غير متناهية عند ملاحظة الذات،فهذا منبه على انه لا يوجد مفهوم انتزاعي وراء المركب الثلاثي.

إلا ان هذا قابل للمناقشة:

1-ان التسلسل حصتان:قهري علّي و هو مستحيل و آخر لحاظي يسمى التسلسل الذي لا يقف و هو ليس مستحيلا و لا يكون لا متناهيا لانه فرع اللحاظ و الالتفات إلى منشأ الانتزاع فان كان الذهن عاجزا عن تصور اللامتناهي كان واقفا بمقدار امكانه أي يقف حينما لا يحصل التفات ذهني.

2-ان هذا الاعتراض لا يبرهن على عدم وجود مفهوم انتزاعي بسيط عن العناوين الثلاثة بل يؤكده إذ لولاه لما حصل التسلسل فالاعتراف بوجود التسلسل اعتراف بوجوده.

3-إننا نمنع التسلسل اصلا فانه فرع ان يكون هذا المعنى الانتزاعي صفة للذات حتى ينتزع منها هذا المفهوم البسيط ثم ينتزع منه مفهوم بسيط آخر مع انه لم يقل ذلك بل هو صفة للحدث كالعلم للذات المتصفة به و الفرق ان الحدث في رتبة الذات و على ما ادعي يكون المفهوم الانتزاعي متأخرا عنها بل في طول الالتفات إلى اتصافها و اذا كان الحدث أو المبدأ في عرض الذات و صفة حقيقية لها امكن ان ينشأ منه مفهوم انتزاعي اما نفس المفهوم الانتزاعي فهو في طول الذات و اتصافها لا صفة لها فلا ينشأ

ص: 471

منه مفهوم انتزاعي حتى يتسلسل.

4-انه حتى لو لزم التسلسل فانه يمكن وضع اللفظ للمفهوم الانتزاعي الأول من السلسة،و هو الاكثر عرفية،و اما الباقي فهو دقي فلا يكون موضوعا له اللفظ و لا مستعملا فيه.

الموضع الثاني لنظر سيدنا الاستاذ:

ان اشكالات الشريف واردة عليه لانها تبرهن على عدم أخذ الذات في المشتق فكذلك العنوان البسيط المنتزع منها لانه منتزع في طول أخذ الذات و هو اشكال وارد عليه من هذه الناحية لانه قبل براهين الشريف و اعترف بصحتها و هذا النظر عليه عدة أجوبة:

1-اننا سبق و ان رفضنا هذا التفسير لكلام الآخوند و ان المستفاد من عبارته الالتفات إلى اصل مفهوم المشتق في المرتبة السابقة للانتزاع و يكون بطبعه قابلا للحمل و على هذا لا يرد هذا الاشكال لانه غير متوقف على الذات.

2-ان معنى ورود اشكالات الشريف على هذا الوجه له تقريبان كلاهما باطل:

الأول:انه لما كان هذا المفهوم البسيط ينتزع من ثلاثة أمور:الذات و الحدث و النسبة فحينما ترد اشكالات الشريف تسقط الذات و يتبعها سقوط النسبة للاستغناء عنها فيصبح الانتزاع سالبة بانتفاء موضوعه و منشأه فلا يمكن الانتزاع لان الآخوند زعم انه من الثلاثة كلها،فإذا اراد سيدنا الاستاذ هذا المعنى اجيب بان اشكال الشريف اساسا انما هو على المعنى الوضعي للمشتق فنفى امكان أخذ الذات فيه و لم يستشكل على كون الذات مأخوذة في المشتق في المرتبة السابقة كما يدّعي هذا الوجه نسبته إلى الآخوند،فما استشكل الشريف شيء و ما قال به الآخوند شيء آخر.

الثاني:ان براهين الشريف كما تنفي أخذ الذات في مفهوم المشتق فانها تنفي أخذ أي بديل عنها يراد تضمينه في معنى المشتق كهذا المفهوم الانتزاعي.

ص: 472

و هذا التقريب اردأ من سابقه لانه مبني على تنزيل هذا المفهوم الانتزاعي منزلة الذات و وجود نسبة بينه و بين الحدث كما بين الذات و الحدث و هو وهم لم يخطر في ذهن الآخوند لان المفهوم الانتزاعي متصور متأخرا عن النسبة و الحدث و الذات فاذا فرضناه في موضعها فقد فرضنا ما هو متأخر متقدما و هو مستحيل.

الموضع الثالث للنظر:

ان هذا العنوان الانتزاعي الذي فرضتموه مدلولا للمشتق إنما صح حمله على الذات لانه متحد معها نحوا من انحاء الاتحاد و عندئذ لا يخلو الحال من احد أمرين اما ان يقال ان العنوان البسيط متحد وجودا مع زيد لان العنوان الانتزاعي متحد وجودا مع منشأ انتزاعه،و اما ان يقال ان العناوين الانتزاعية مغايرة وجودا مع المنشأ،و لكل منها لازم باطل،إذ على الأول يلزم امكان حمل المصادر على موضوعاتها فنقول(الانسان امكان)و(الاربعة زوجية)و على الثاني لم يصح حمل هذا العنوان الانتزاعي ايضا.

اذن فمجرد كونه مفهوما انتزاعيا لا يكفي للحمل.

و جوابه:

1-ما ذكرناه مكررا من ان الآخوند لم يقل هذا الوجه اصلا و لا يوجد في عبارته ما يشعر به فكلام سيدنا الاستاذ و ان كان له وجه إلا ان كلام الآخوند ليس صغرى له.

2-للآخوند ان يقول:ان منشأ الانتزاع ليس هو ذات الاربعة حتى يستشكل بعدم صحة حمله في الامثلة المذكورة بل حيثية تحليلية فيها و لا دليل على عدم صحة الحمل عليها فتحمل الزوجية على تلك الحيثية و ليس على كل الاربعة بكل خصائصها و ما نقض به من امتناع حمل المصادر على الذات صحيح لكن ليس مطلقا إذ يمكن على تلك الحيثيات التي هي منشأ الانتزاع.

3-و للآخوند ان يجيب:ان قياس الامثلة المذكورة على المقام مع الفارق فان العناوين الانتزاعية في الامثلة قهرية الانتزاع بمعنى ان لها منشأ يشعر به كل انسان

ص: 473

كزوجية الاربعة اما المقام فهو منشأ اختياري ممكن رتبه الواضع في ذهنه قبل الوضع لاجل تحسين المعنى و جعل له صفة ذاتية هي عدم منافاته مع الحمل و من هنا صح حمله دونها لان الامثلة المذكورة(و منها المصادر غالبا)هي من الأول و هو الذي لا يصح حمله.

4-ان منشأ الانتزاع لو كان هو الذات للزم المحذور و هو حمل المصادر عليها و لكن منشأ الانتزاع هو المركب من الحدث و الذات و النسبة فيدعى وضع المشتق للمفهوم المنتزع منها جميعا ثبوتا و ان لم ندعه وضعا اثباتا.

ص: 474

الأمر الثالث ملاك الحمل

الأمر الثالث ملاك الحمل(1)

و قد عقد هذا الامر للرد على صاحب الفصول بما يتعلق بملاك الحمل،و نمهّد له بمقدمة:فقد قال المناطقة:ان ملاك الحمل أيا كان هو نحو من الاتحاد و نحو من المغايرة و بدونهما لا يصح الحمل لانه ان كان اتحاد فقط فهو من حمل الشيء على نفسه و هو لغو و ان كانت المغايرة فقط موجودة فهو من حمل المباين على مباينه و هو باطل.

و قد قسموا الحمل إلى ذاتي اولي و شايع صناعي فملاك الأول الاتحاد ذاتا و الاختلاف تحليلا من حيث الاجمال و التفصيل.اما الحمل الشايع فملاكه الاتحاد خارجا و الاختلاف مفهوما،فهل هذا الكلام صحيح؟للاجابة ينبغي ان ندقق هذا الكلام على مستويي الثبوت و الاثبات فان لا حظنا عالم الثبوت،كان الاتحاد موجودا في الحمل الاولي و الاختلاف غير موجود فيكون من حمل الشيء على نفسه،و كان الاختلاف موجودا في الحمل الشايع و الاتحاد غير موجود،اما الاختلاف في المفهوم فمسلّم عندهم و اما عالم الخارج فهما غير متحدين ايضا لان وجود المعروض شيء و وجود العرض شيء آخر فهما مختلفان ماهية و وجودا و مقولة.

إذن لا يصح كلا الحملين،و ليس عندنا ثالث:

و ان لا حظنا عالم الاثبات لم يكن الحمل الاولي إلا تفصيلا بعد اجمال أو حملا تعليميا أو ما يسمى بالقضية التكرارية التي لا تفيد شيئا لفرض حمل الذات على نفسها.

و ان لا حظنا الحمل الشايع فملاك التغاير مفهوما مفروغ منه و في عالم الخارج

ص: 475


1- الكفاية:84/1.

ندّعي ان العرف يرى كالعقل ثبوتا ان المعروض و العرض متغايران فيتعذر الحمل مفهوما و خارجا و كون الجوهر واحدا لا يعني كونه واحدا مع العرض.

إذن فالحمل على تقدير القول بالبساطة متعذر.

و اما على تقدير القول بالتركيب فالامر مختلف لوجود الذات المتحدة و المندكة مع الذات الخارجية و هو موضوع القضية فيتحصل المعنى عرفا في عالم الاثبات و قد قلنا ان الحدث وحده معنى مصدري لا يمكن حمله،و الباسه باللابشرطية لا يكفي فلا بد من تقدير الذات و اندكاكها في الموضوع الخارجي هو نحو من الاتحاد فيكون هو المبرر للحمل الشايع.

اما الحمل الاولي كالحد التام و الرسم التام فلا بد من الاعتراف بكونه من القضايا التكرارية التعليمية اما الحد الناقص و الرسم الناقص فهما من الحمل الشايع لا الاولي الذي معناه الاتحاد ذاتا و معلوم ان مثل(الانسان ناطق)ليس فيه اتحاد ذاتا لانه جزءه فهو إنسان متصف بالنطق خارجا.

و هنا وقع القائلون بالبساطة في حيص و بيص لتصحيح حمل المشتق على الذات و توفير ملاك الحمل،و للهروب من ضيق الخناق عرضوا بعض النظريات و منها لصاحب الفصول،و مجمل اطروحته:ان المحمول و الموضوع لما كانا متغايرين مفهوما و ان لم يكونا متحدين خارجا فقد ملاك الحمل(و هو الشايع هنا و ان لم يصرحوا به)فلا بد من فرضه و حيث انه غير موجود حقيقة لان المشتق البسيط ليس إلا المعنى المصدري و هو مغاير مفهوما و خارجا مع الذات فلا بد من اضافة لحاظ ذهني هو لحاظ وحدة بين جزئين تكون هذه الوحدة بمنزلة الكل و يكون كل من الموضوع و المحمول بمنزلة الجزء لها و هو لحاظ اعتباري يمليه المستعمل عند الحمل فتحصل نحو وحدة كلية بين الموضوع و المحمول.

و يمكن ان يورد على ذلك بسنخين من الاجوبة احدهما ما نذكره و نختاره و ثانيهما ما ذكره الآخوند مع مناقشته:

ص: 476

فأقول:في السنخ الأول:ان اعتبار الوحدة بهذا الشكل له تقسيمان:

الأول:ان هذا الاعتبار هل هو بالمرتبة السابقة على الحمل أو في المرتبة المتأخرة عنه،و مراده السابقة طبعا لانها وحدة تصحح الحمل فلا بد ان تسبقه اما إذا اريد المتأخرة فهو لا يفيد في الحمل المتقدم إلا على وجه رديء و هو تصحيح الحمل المنتج لهذه الملاحظة أي ان هذا الحمل المتقدم انما وجد لوجود هذا اللحاظ في المرتبة المتأخرة،و هو كما ترى.

الثاني:ان هذه الوحدة الاعتبارية بين الموضوع و المحمول لا تخلو اما دقية أو اختيارية أي بحسب ارادة و اختيار المستعمل أو عرفية،لا سبيل إلى الأولى لعدم وجودها ثبوتا لان العقل يدرك وجودين متغايرين للجوهر و العرض أو الموضوع و المحمول،و كذا لا سبيل إلى الاختيارية أي ان المستعمل باختياره يضيف وحدة على ما ليس له وحدة اذ يرد عليه اشكال المشهور من النقض بعدم امكان حمل المصادر على موضوعاتها نحو(زيد علم)فإذا صححت الوحدة الاختيارية المقترحة بين الحدث و الذات حمله عليها في المشتقات-و هي بسيطة-فلماذا لا تصححها في المصادر؟

و اما إذا اراد الوحدة العرفية فلا اشكال من هذه الناحية،و انما ننكر الصغرى و هو عدم وجودها عرفا بين الحدث و الذات الخارجية إلا بعد ملاحظة الذات الداخلية.

و اما السنخ الثاني:و هو جواب الآخوند فهو على مستويين ثبوتي و اثباتي:

ففي الأول:قال الآخوند(1)(لاستلزامه المغايرة بالجزئية و الكلية)أي لاستلزام نظرية صاحب الفصول من اعتبار المجموع شيئا واحدا المغايرة بالجزئية و الكلية و قد فسّر بانه يصبح الموضوع جزء هذا الكل الاعتباري و المحمول جزءه الآخر،و حمل الجزء على الجزء غير معقول عقلا و لا عرفا،فلا يقال(الخل سكر).

و هذا يمكن الجواب عليه بعدة اجوبة:1.

ص: 477


1- الكفاية:84/1.

1-انه من الممكن حمل الجزء على الجزء كما يقال(الحيوان ناطق)و بالعكس أو(الجسم نام).

فان قلت:اننا الآن منعنا من صحة الحمل في القضية(الخل سكر).

قلنا:نعم،لكن إذا لاحظناهما مستقلين و عندئذ هما متغايران فعلا لا يمكن حملهما اما إذا لو حظا كجزئين من مركب(السكنجبيل)فالامر مختلف.

2-ان الآخوند اعترف بصحة اللحاظ و كفايته فقال:(و من الواضح ان ملاك الحمل لحاظ بنحو الاتحاد بين الموضوع و المحمول)فاذا كان هذا كافيا فهو عين ناقله عن الفصول،و ان لم يكن كافيا فكلاهما فاشلان و هو غير كاف فعلا لان الاتحاد المأخوذ في جواز الحمل الشايع ثبوتي أو قل الوحدة الخارجية و ما اقترحاه اثباتي لانهما عبّرا عنه بلحاظ الوحدة فهو امر ذهني غير منسوب إلى عالم الخارج.

3-لصاحب الفصول ان يقول:ان اعتبار الوحدة على شكلين احدهما يصحح الحمل و الآخر لا يصححه فمقامنا من الأول و الامثلة المنقوض بها من الثاني.

بيان ذلك:ان الوحدة في المقام بين الموضوع و المحمول فتصحح الحمل و الا كان خلف كونه محمولا،اما الثاني فهي وحدة بين أمرين تكوينيين كالخل و السكر أو قل ان ما يمتنع حمله من الاجزاء غير ما كان محمولا بطبعه،و اما ما كان محمولا فليس كذلك لانه خلف هذه الصفة.

إلا ان هذا لا ينفع صاحب الفصول لانه ارادها بين الذاتين لا بين الموضوع و المحمول بعنوان كونهما موضوعا و محمولا لان الوحدة مع المحمول بصفته محمولا في طول الحمل و الوحدة المقترحة في المرتبة السابقة و يكون الحمل في طولها من اجل تصحيحه و في مرتبتها لا يكون المحمول عنونا بهذا العنوان و الوحدة المتأخرة لا تنفع في الحمل كما ان الوحدة بين الذاتين ترد عليها الاشكالات السابقة اللهم إلا ان يقول:اعتبار الوحدة مع الجزء الذي سيكون محمولا أو ما يمكن ان يكون محمولا،لا تمنع من الحمل و هو تمحل كما ترى.

ص: 478

و اما الاشكال الاثباتي:فحاصله ان اعتبار هذه الوحدة امر غير عرفي في التحديدات و سائر القضايا في طرف الموضوعات و المحمولات و لا تلحظ إلا نفس معانيها لا بصفتيهما جزئين من كل مجموعي يضمّهما.

و هذا في نفسه صحيح و ان كنا في غنى عنه باعتبار القول بالتركيب و انما ذلك كلّه لضيق الخناق مع القول بالبساطة.

هذا كله على ما ذكروا من التفسير لعبارة الآخوند لكن الفهم الاقرب لها:ان نظرية صاحب الفصول تجعل النسبة بين الموضوع و المحمول هي العموم المطلق لاستلزامها المغايرة بينهما بالكلية و الجزئية و النسبة بين الكل و الجزء هي العموم المطلق فينتفي ملاك الحمل الذي هو في نظرة التساوي بين الموضوع و المحمول بحيث يكون هو هو،لكن الحمل صحيح و ملاكه متوفر فتكون النتيجة-بالقياس الاستثنائي-ان النظرية باطلة و هذا التفسير اقرب إلى عبارته(قد)من الأول الذي ذكروه و افترضوا فيه التساوي بينهما بالجزئية رغم انه يصرح بالمغايرة بينهما بالجزئية و الكلية.

و يناقش هذا التفسير بعدة وجوه:

1-عدم استلزام ذلك الاعتبار شيئا من المغايرة بعد فرض كونهما متساويين،إذ من الواضح ان اضافة اعتبار لحاظي زائد على المجموع لا يجعلهما أعم و أخص،و لو كان هذا الاعتبار خاصا بأحدهما لامكن ذلك و لكنه شامل لكلا الجزئين و نسبته اليهما متساوية فلا يجعل احدهما اوسع من الآخر.

2-النقض بصحة الحمل إذا كان المحمول اعم من الموضوع نحو(الانسان حيوان)و اما العكس فكاذب نحو(الحيوان انسان)إلا إذا كانت(ال)عهدية فعاد الموضوع جزئيا خاصا اضيق من المحمول،كما انه يكذب بين العامين من وجه إذا اريد بهما عنوانهما الكلي لا جزئيا أو حصة معينة نحو(الطويل اسمر)،و على اية حال فعموم المحمول قطعي الصدق.

3-الجواب الحلّي:و هو انه ليس المراد من الاتحاد و الهوهوية بين الموضوع

ص: 479

و المحمول التساوي،فانه غير متحقق على تفاسيرهم،لان المراد من العنوان الكلي المحول أحد أمرين:

أ-فاما ان يراد الكلي على سعته فيكون المحمول اعم و يكون الموضوع مصداقا للمحمول نحو(زيد إنسان)و هو معنى الحمل الشايع.

ب-أو يراد الحصة من الكلي الذي هو جزء الجزئي،لان أي مصداق لكلي هو مركب من حصة الكلي فيه و خصوصياته المشخصة له و حينئذ يصبح المحمول أخص من الموضوع ف(زيد)إنسانية و خصوصياته الفردية و لا يحتمل التساوي بينهما حين الحمل لانه يعني ذوبان الخصوصيات الفردية،كما انه خلاف المشهور ان يكون الكلي موجودا بوجود المصداق كله أي ان حصة الكلي مساوية للمصداق بل المصداق يزيد عليه بمشخصاته الفردية.

و حينئذ تكون النسبة بين الكلي و مصداقه هي العموم من وجه فيزيد الجزئي بخصوصياته الفردية و يزيد الكلي بالحصص الاخرى.

و يمكن ارجاع هذه النسبة إلى التساوي باحد شكلين:

الأول:اننا يمكن ان ندعي بفهم عرفاني ان الكلي كله موجود في الجزئي فزيد هو عين الانسانية و مع ذلك فليس عندنا انسانيات متعددة بل الكثرة عين الوحدة فالتساوي متحقق.

الثاني:ان يراد من الجزئي حصة الكلي فقط،فيقال:انها انسان أي انها عين الكلي و ان بدت انه غيره فما عبر عنه انه جزء الجزئي غير صحيح بل هو كل الجزئي و ليس في ذلك الغاء لخصوصياته الفردية بل هي صفات لا حقة للانسانية و لا تخرج الجزئي عن حريمها فان الكلي يستوعب الصفات كلها.

إلا ان في ذلك خلافا للظاهر العرفي بان نفهم من زيد خصوص حصته من الكلي.

و على اية حال:فاستلزام المعنى الاعتباري الذي اقترحه صاحب الفصول المغايرة بين الموضوع و المحمول بالكلية و الجزئية غير صحيح كبرى(لانه لا يستلزم كما سبق) و لا صغرى(لان استلزامه غير باطل).

ص: 480

الأمر الرابع كفاية المغايرة المفهومية لتصحيح حمل الصفات الذاتية

و نبدأ أولا بذكر دعاوى صاحب الفصول التي من اجلها عقد الآخوند الامور الثلاثة الاخيرة في نهاية بحث المشتق(الامر الرابع و الخامس و السادس)حيث يظهر انها لمناقشة صاحب الفصول،فقد ادعى ثلاث دعاوى نقل نصها السيد الفيروز آبادي في عناية الاصول(1) فعقد الآخوند ثلاثة امور لمناقشتها اثنان منها متداخلان و هما الرابع و الخامس و يمثلان مقدمات لنتيجة ذكرها الآخوند هي الدعوى الرابعة.و نضيف نحن نتيجة اخرى تفهم من مطاوي كلام الآخوند و ان لم يصرح بها،فهذه دعاوى خمسة:

نقل في العناية عن صاحب الفصول انه(قال في التنبيه الثالث من تنبيهات المشتق:يشترط في صدق المشتق على شيء حقيقة قيام مبدأ الاشتقاق به من دون واسطة في العروض ان كان صفة كالضارب و القاتل(الى ان قال)و اما إذا كان المبدأ ذاتا فلا يعتبر فيه القيام كما في البقال و الحداد(الى ان قال)و خالف في ذلك جماعة فلم يعتبروا قيام المبدأ في صدق المشتق و استدلوا بصدق الضارب و المؤلم-بالكسر- مع قيام الضرب و الألم بالمضروب و المؤلم-بالفتح-(الى ان قال)و انتصر لهم بعض افاضل المتأخرين بصدق العالم و القادر و نحوهما عليه مع عينية صفاته تعالى كما هو الحق أي ليست صفاته تعالى قائمة به بل هي عينه تعالى و بصدق الخالق عليه مع عدم

ص: 481


1- العناية:167/1.

قيام الخلق به،و كلا الوجهين ضعيف:

اما الأول:فلانه مشترك الورود إذ الظاهر اطباق الفريقين على ان المبدأ لا بد ان يكون مغايرا لذي المبدأ و إنما اختلفوا في وجوب قيامه به و عدمه،فالوجه التزام وقوع النقل في تلك الالفاظ بالنسبة اليه تعالى و لهذا لا يصدق في حق غيره(الى ان قال)...

و اما الثاني:فلان الخلق ان اعتبروا بمعنى الفاعل كان بمعنى الجعل و التأثير و لا نسلم عدم قيامه به تعالى بل هو قائم به تعالى(الى ان قال)و ان اعتبر بمعنى المفعول و ليس مبدءا لصيغة الخالق فليس في عدم قيامه به تعالى ما يخلّ بالمقصود(انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه)(1).

ثم بدأ بذكر المواضع الثلاثة التي اختارها الآخوند من هذا الكلام للتعليق عليها و التي عبّرنا عنها مع ما اضفنا اليها من نتائج مترتبة عليها بالدعاوى لتصبح خمسة:

الدعوى الأولى:و قد عقد لها الامر الرابع:انه اتفق الفريقان-يعني القائلين بالبساطة و التركيب-على لزوم مغايرة المبدأ مع الذات لصحة الحمل بدليلين:

1-الاجماع و هو مطعون صغرى و كبرى كما سيأتي بيانه.

2-انه لا بد من زيادة الصفات على الذات لتصحيح الحمل و بدونها لا يتحقق ملاك الحمل لان الصفات إذا كانت عين الذات فيكون من قبيل حمل الشيء على نفسه فيبطل.

ورده مختصرا:ان هذا ينتج امتناع الحمل الاولي الذاتي و حمل الصفات الالهية حمل شايع و فيه-كما قال صاحب الكفاية و هو صحيح-لا نحتاج إلى اكثر من التعدد المفهومي و هو متحقق و ان اتحدت خارجا فالحمل الشايع صحيح،نعم،إذا اخذنا بالقول الشاذ من انها متفقة مفهوما و مصداقا يتعذر كلا الحملين لكنه قول غير صحيح.

الدعوى الثانية:انه يشترط في صدق المشتق على شيء حقيقة و نحن ننشد8.

ص: 482


1- العناية:167/1-168.

الحمل الحقيقي طبعا لا المجازي قيام مبدأ الاشتقاق به لا ان يكون ذاته،و هي التي عقد لها الامر الخامس،و نتيجة هذه الدعوى عدم صحة الحمل عند قيام المبدأ بالذات و لا يراد طبعا بعدم القيام عدم الاتصاف اصلا بان يقال للجاهل عالم و انما يريد به ان ما يصحح الحمل هو الصفات الزائدة عن الذات لانها التي تقوم بها اما الذاتيات و ما كانت عين الذات فلا يصدق الاتصاف بها و لا يصح الحمل،و هذا مرجعه إلى الدعوى الاولى اعني اشتراط المغايرة بين المبدأ و الذات أو انه من لوازمها و سيأتي ردها في الجواب المشترك عليها.

الدعوى الثالثة:و ناقشها في الأمر السادس و حاصلها:انه يشترط في صدق المبدأ على شيء حقيقة قيامه به من دون واسطة في العروض لانه معها يكون قائما بالواسطة لا بذيها إلا مسامحة و مثلوا له بتوسط الماء في نسبة الجريان إلى الميزاب في قولهم(جرى الميزاب)أو(الميزاب جار).و لتمحيص هذا الشرط نسأل العرف و نراه يوافق عليه في اغلب الوسائط في العروض لا الثبوت فقد يوافق العرف على تسمية كل الشخص مريضا إذا اصيب بمرض في معدته مثلا فيرتفع هنا شرط صاحب الفصول.

الدعوى الرابعة:و هي مذكورة في الكفاية غير المواضع الثلاثة المتقدمة من كلام صاحب الفصول و هي بمنزلة النتيجة لتلك المقدمات اذ مع تماميتها كيف تحمل الصفات الالهية على الذات و هي عينها و المفروض انه لا يقبل ما سيأتي من الاطروحة العرفية فلا بد من التسامح و المجاز في فهم و حمل هذه الصفات ثم اصبح مجازا مشهورا ثم نقل إلى معنى جديد خاص بها و نفترض هنا ان الاجيال المتأخرة لها حق الوضع،فتكون تلك المقدمات و رطة لصاحب الفصول لان المجاز خلاف الوجدان.

الدعوى الخامسة:و هي التي نفهمها من مطاوي صاحب الكفاية و حاصلها:ان العرف لا يفهم الصفات الذاتية بل تحوم تعقّلاته حول الصفات الزائدة فيضع لها فاذا لم تكن الصفات الذاتية و التي هي عين الذات زائدة فلا يفهمها العرف و لا يكون موضوعا لها فاستعمال الاوصاف الاشتقاقية كالعالم و القادر فيها استعمال في غير ما وضع له

ص: 483

فيكون مجازا أو لزوم النقل.

و مختصر الجواب المشترك:على كل هذه الدعاوى ان العرف يرى كل الصفات زائدة عن الذات و ليس هناك اية صفة هي عين الذات لا في الخالق و لا في المخلوق و هذا نظر تسامحي و ضحل لكن قامت عليه اللغة فالعرف يجرّد بتسامحه صفة زائدة فيحملها و هذا ينتج منه عدة أمور:

1-انه لا يلزم منه المجاز لان هذا التنزيل أي تنزيل الذاتي منزلة غير الذاتي تنزيل طبعي موجود في فهم العرف في المرتبة السابقة على الوضع و الوضع يأتي عليه و يكون الاستعمال مطابقا للمعنى الموضوع له فيكون حقيقيا و ان احتوى على التنزيل و المسامحة.

فلا تجوز في اللفظ و لا في الاسناد،كما سيأتي عن صاحب الكفاية.

2-ان الحمل لا يصدق إلا في طول المغايرة العرفية و الا كان من حمل الذات على نفسها و هو لغو و لا يكون ملاك الحمل الصناعي موجودا لاتحاد المفهوم فضلا عن الحمل الاولي و هذا معناه صحة الدعوى الاولى و الثانية.

3-انه لا حاجة إلى القول بوجود الواسطة في العرض كما سيأتي،و المهم موافقة العرف بصدقه عليه سواء كان بواسطة ام لا،كما سيأتي.

و ندخل الآن في المناقشات التفصيلية لهذه الأمور.

فالأمر الرابع في تصحيح جري الصفات الحسنى على الذات الالهية مع انها عين الذات بكفاية مغايرة المبدأ مع ما يجري عليه المشتق مفهوما،و قد عقد الآخوند هذا الامر-و هو الرابع-لمناقشة مسألة الاتفاق على لزوم المغايرة بين المبدأ و الذات و الذي حدا بصاحب الفصول إلى الالتزام بالمجاز أو النقل في الصفات الذاتية و الالهية،و قد ناقشه صاحب الكفاية بأمرين:

الأول:و هو كبروي و هو عدم وجود مثل هذا الاتفاق على لزوم المغايرة و الاجماع المنقول بخبر الثقة-كصاحب الفصول في المقام-ليس حجة لانه ناشئ عن

ص: 484

حدس و اجتهاد و خبر الثقة يكون حجة في الحسّيات.

أقول:يفهم من العبارة انه لو احرز الاجماع لكان حجة و الصحيح انه حتى لو علمنا بوجوده فليس حجة لان المورد-و هو الوضع اللغوي-ليس حكما شرعيا حتى يثبت بالتعبد الشرعي فحدود حجية الاجماع هي الاحكام الشرعية فقط.

اللهم إلا ان يراد بالاجماع إتفاق اهل العرف و العقلاء على ان كل الصفات زائدة عن الذات و ان هذه الزيادة ضرورية لصدق الحمل بحيث لا يصح في ما هو عين الذات،و قد مرّ الكلام في ذلك.

الثاني:صغروي:و هو ان المغايرة المفهومية متحققة بين الصفات و الذات و هذا كاف لصحة الحمل الشايع-و قد قلنا ان حمل الصفات الالهية منه-و ان اتحدت معها خارجا لتحقق ملاك فيهما.

و في نهاية الامر الرابع:قال الاخوند(1)(و قد عرفت المغايرة بين الذات و مبادئ الصفات)و لم يقل الصفات و هذا له اكثر من احتمال:

الاول:ان يريد بمبادئ الصفات ما يسمى متشرعيا بالاسماء و هي صفات الافعال المتعلقة بالخلق مقابل الصفات التي هي صفات الذات و عينها و على هذا التفسير تكون المبادئ غير الذات مفهوما و خارجا أي في الواقع و الذهن بينما هو يحاول الدفاع عن المغايرة المفهومية فقط.

الثاني:و ان قصد من الصفات معناها الحقيقي أي صفات الذات التي هي عينها فمعنى المغايرة زيادة الصفات عن الذات و هو قول بتعدد القدماء و عندئذ يريد بمبادئ الصفات اما منشأ انتزاعها أو حقائقها الذاتية الواقعية-و الكلام لا زال في الذات الالهية-فان قال بالمغايرة فقد قال بالزيادة و هو عين الكفر و التسليم للخصم بما يريد، التي يريدها صاحب الفصول صحيحة و هي ضرورة الزيادة عن الذات.1.

ص: 485


1- الكفاية:86/1.

الثالث:ان يريد بمبادئ الصفات نفس العناوين الاشتقاقية كالعالم و القادر و فيه:

1-ان هذا خلاف الاصطلاح الاصولي و الكلامي معا حيث يراد بالمشتقات الصفات لا المبادئ.

2-ان هذا الاتحاد إنما يكون موجودا على تقدير القول بالبساطة حيث يكون معنى المشتق هو الحدث فنقصد من(اللّه عالم)أي ذات علمه و يكون عين ذاته،اما على القول بالتركيب-و هو الصحيح-لم يمكن ذلك.

الرابع:ان يريد بالمبادئ المعاني الكلية للمشتقات،فمبدأ(العالم)كلي العلم و مفهومه و هذا و ان انتج المغايرة المفهومية إلا ان الكلام عن القدرة و العلم المنسوبة إلى اللّه سبحانه فلا يقال(اللّه عالم)و يراد به اللّه مفهوم العلم فهو غلط.

و يعمم العنوان إلى مطلق الذاتيات لوحدة محل البحث بينها،و يمكن ان يعرض هذا الامر بثلاثة اشكال مختلفة:

الأول:ما هو ظاهر الكفاية من ان الصفات الذاتية مطلقا و الصفات الالهية خاصة بصفتها ذاتية أو عين الذات هل يمكن حملها على الذات أو لا.

و وجه الاشكال:ان ما يحمل على الذات انما هي الصفات العرفية الزائدة أي غير الذاتية اما إذا كانت ذاتية فحملها قد يكون مجازا،لكن هذا الطرح للبحث يصطدم باشكالين:

1-ان المسألة تخرج عن بحث المشتق و تصبح كلامية من ناحية و لغوية من ناحية اخرى إلا من جهة ان جملة من الصفات على شكل مشتقات كسميع و بصير لكن القضية غير منحصرة بها ف(حيوان)ذاتي و كذا(إنسان)و غيرهما فبينها و بين المشتقات عموم من وجه.

2-على هذا لا يكون ارتباط واضح بين هذا السؤال و كلام صاحب الفصول الآتي.

الثاني:ان نتنزل عن الشكل الاول و نسلّم حمل الصفات الذاتية على الذات و لكن

ص: 486

نسأل من ناحية اخرى و هي انه على القول بالبساطة هل يمكن حملها كمشتقات و ليس كصفات ذاتية على الذات ام لا؟و يرد عليه انه بحث مستأنف لا حاجة اليه إذ له محل آخر قد سبق و قد حلّت كلتا المشكلتين(كونها صفات ذاتية سواء كانت مشتقات أو غيرها و حمل المشتق على القول بالبساطة سواء كانت ذاتية أو لا)و بينهما عموم من وجه كما هو واضح.

الثالث:ما هو ظاهر الكفاية نقلا عن صاحب الفصول و لعل مراد الفصول ذلك هو ان الاوضاع اللغوية للصفات اوضاع عرفية و العرف بتسامحه لا يرى إلا الصفات الزائدة و غير الذاتية فاذا استعملنا أي عنوان في صفة ذاتية فهو على خلاف الفهم العرفي و قد خاطبنا الشارع كعرفيين فيكون قد وضع الصفات و المشتقات بازاء الصفات الزائدة و عليه يكون استعمالها في الصفات الذاتية في غير ما وضع له و لذا اضطر صاحب الفصول إلى ان يقول ان استعمال الصفات في ذات اللّه اما بنحو المجاز أو النقل حيث نعطي للاجيال المتأخرة فرصة الوضع الجديد من دون نسخ الوضع السابق فيحصل اشتراك لفظي.

و على هذا الشكل لا يكون للمسألة ربط ببحث المشتقات.

و قد اتضح بذلك ان الشكل الثاني اوضحها ربطا بالمشتق إلا انه لا يحتاج إلى بحثه من جديد لتناوله في محله و الاول و الثالث لا ربط له بالمشتق و على اية حال فالاستطراد و الاطراد في الاستطراد من دأب الطريقة القديمة في البحث و ان كانت مستهجنة في الطريقة العلمية الحديثة و لكننا نسفّ معهم إذ أسفّوا و نطير إذ طاروا فنقول انه يمكن عنونة هذا البحث:هل ينطبق ملاك الحملين الاولي و الشايع عليه ام لا و تفصيل الكلام:

اما الحمل الاولي فملاكه المشهوري هو الاتحاد مفهوما و الاختلاف في التفصيل و التحليل و عندئذ قد يقال بتحققه:اما الاتحاد مفهوما فباعتبار ان الصفات عين الذات، و اما التفصيل فباعتبار الالتفات إلى صفة معينة مع ان الجميع عين ذاته،إلا ان هذا غير

ص: 487

صحيح و كلا جزئي الملاك غير متوفرين لان الصفات عين الذات خارجا و مصداقا و ليس عينها مفهوما و لم يدع في ذلك أحد إلا الشواذ من اهل العقائد.و اما التفصيل فيراد به مشهوريا التحليل أو قل حمل معنى جملي على معنى افرادي نحو(الانسان حيوان ناطق)و ليس في حمل الصفة على الذات الالهية تحليل بناءا على بساطة المشتق كما في(اللّه كريم)فهو حمل معنى افرادي على معنى افرادي،فالحمل الاولي متعذر.

اما الحمل الشايع:فملاكه الاتحاد خارجا و الاختلاف مفهوما و كلاهما متحقق، فلو قلنا بامكان حمل المشتق البسيط كان الحمل في كل ذلك شايعا و ليس اوليا.

و كذلك لو قلنا بالتركيب،إلا انه يرد الاشكال بعدم امكان الحمل بعد القول بالبساطة و تعيّن صحته بناءا على التركيب إلا ان الكلام هنا بعد التنزل عن ذلك.

و هنا اشار الآخوند إلى مسألة كلامية و هي عينية صفات الجلال و الكمال للذات الالهية فقال(1)(على ما ذهب اليه اهل الحق من عينية صفاته)و قد مثل لها بالعالم القادر و الرحيم و الكريم و هنا ينفتح أول اشكال فان بعض هذه الصفات عين الذات و بعضها زائدة عن الذات،فالتي عين الذات هي فقط(الحي،القادر،العالم)و ما عداها خارجة عن الذات بأحد تقريبين:

الأول:ما ذكره المحقق الاستاذ(2) من انها من صفات الافعال لا الذات لخروج متعلقها عن الذات.

الثاني:ان هذه الصفات مربوطة بالمخلوقين و يحتاج تصورها إلى وجودهم بينما الصفات التي عين ذاته يمكن تصورها فيه سبحانه مع قطع النظر عن أي مخلوق.

و قد اعتبر المحقق الاستاذ(3) صفتي(السميع و البصير)من صفات الذات بعد ان ارجعهما إلى العلم و انهما علم خاص و هو العلم بالمسوعات و المبصرات مع انه تهافت1.

ص: 488


1- الكفاية:85/1.
2- محاضرات في اصول الفقه:304/1.
3- المحاضرات:303/1.

إذ لا يفرق بينهما و بين مثل(الرحيم و الكريم)إذ ينطبق على الجميع كلا التقريبين و التعليق الثاني على صاحب الكفاية ان كلامه مجمل مع ان الامر يحتاج إلى تفصيل حيث يمكن تقسيم الصفات على تقسيمين:

التقسيم الأول:تقسيم الصفات إلى صفات الكمال و الجلال و هو المشهور إلا انه متأخر رتبة عن التقسيم الثاني الآتي إلى الاسماء و الصفات ثم الصفات إلى ما ذكروه.

و الصفات الكمالية مرجعها إلى الوجود اما الجلالية فإلى العدم و معنى مرجعية الصفات الجمالية إلى الوجود انها موجودة في الخارج أو الواقع الاعم من الخارج و غيره،المهم انها خارجية بخارجية الذات نفسها و ذاتية،و انما الاشكال يقع في الصفات الجلالية لان مرجعها إلى العدم و الاتصاف بالعدم غير ممكن اما مطلقا أو لخصوص الباري سبحانه و الاتصاف بالعدم تنزّل في المرتبة لانه نقص و مرجعه إلى الامكان فلا يناسب واجب الوجود.

و هذا له أكثر من جواب:

1-و هو الرئيسي و الاقرب إلى الحدس الحقيقي و المشهور كلاميا ان هذه الصفات العدمية كعدم تحيزّه مرجعها إلى الاتصاف بنقائض هذه الصفات المنفية و اضدادها(لا جسم)أي يتصف بشيء غير جسم كما في الروح أو غيرها.

2-ان هذه الالفاظ إنما هي استعمالات لغوية و هي عرفية عقلائية و هما قاصران عن ادراك تلك المراتب العالية فلم يضعوا لها ما يناسبها فعبّروا بالنفي كأقصى ما يفهموه و إلا فالصفات إثباتية لا منفية.

3-ان هذه الصفات الجلالية ترجع إلى الصفات الجمالية الكمالية التي مرجعها إلى الاثبات من قبل ان يقول انها مقيدّة لها فهي عين وجودها في الحياة مقيدة بكونها لا متناهية و لا جوهر و لا عرض.

فان قلت:ان التقييد مناف لاطلاق الذات الالهية و اللامتناهية و صفة الوجوب لها.

قلنا:هذا و ان كان صورته صورة التقييد إلا انه تقييد بعدم النقص فيرجع إلى

ص: 489

ضده و هو الكمال.

4-ما نقله الشيخ المظفر(قد)في بعض كتبه في مؤلف صغير في العقائد، و اشرحه من زاوية فهمي و ذلك باننا يصعب علينا كعرفيين تعقل عينية الصفات الكمالية و الوجودية للذات الالهية لاختلافهما مفهوما لكن إذا ارجعناها إلى صفات عدمية(غير متحيز،غير متناهي)امكن ذلك فغير المتحيز و غير المتناهي هو الذات و هكذا لا يبقى إلا الذات و تكون العينية اوضح،فكأن الاصل عنده هو الصفات الجلالية اما الكمالية فترجع اليها لكن المشهور المنصور هو العكس.

اما التعقل و امكان التصور فلا حاجة اليه و قد نهينا عن الخوض في الذات الالهية فلا ينبغي تحكيم العقل فيها إلا ما قام البرهان عليه و هو ارجاع الجلالية إلى الكمالية لان الجلالية مجرد تنزيه اما الكمالية فصفات كمال ذاته عينها،و يكفي الالتفات إلى ان الوحدة عين الكثرة و ان النفس وجه الرب.

التقسيم الثاني:و هو اسبق رتبة من الاول فان المقسم الاصلي هو المفاهيم المنسوبة إلى اللّه سبحانه و هذه تقسم إلى صفة و اسم.

و اغلب الالفاظ المنسوبة اليه سبحانه اسماء و ليست صفات،و حدسي في الفرق بينهما هو انتسابها إلى الخلق فتكون اسماء و عدم ذلك فتكون صفات،و الضابط في ذلك وجود الصفة مع عدم الخلق كله بخلاف الاسماء،و الاسماء مخلوقة و ليست عين الذات و هو احد تفاسير قول أمير المؤمنين:(و كمال توحيده الاخلاص له،و كمال الاخلاص له نفي الصفات عنه)(1) أي لحاظ الذات وحدها بدون لحاظ المخلوقين و هي مرتبة عالية و لكنها كلها ترجع إلى بعض تلك الصفات و هو بمنزلة منشأ الانتزاع لها فيحمل عليها ان كان مشتقا و خاصة بعد ان قلنا بتركيبه و عدم امكان حمل البسيط،و الصفات التي هي عين الذات ليست أكثر من ثلاثة:حي بمعنى موجود،و عالم أي بذاته و قادرى.

ص: 490


1- نهج البلاغة،ج 1،الخطبة الأولى.

أي بالقدرة الاقتضائية أو الشأنية.

و اما كونه لا متناهيا فقد يقال انه لا علاقة له بالخلق فيكون عين الذات و هذا صحيح،إلا انه متضمن في معنى الحي الذي يعني لا متناهي الحياة أو الوجود.

فان قلت:ان القدرة ايضا من متعلقات الافعال لانها مربوطة بالخلق فبقى من الصفات الذاتية اثنتان:الحياة و العلم.

قلنا:

1-ان القدرة مرجعها إلى الحياة و هي متأخرة رتبة عنها و القدرة انما تتحقق بعد وجود الخلق.

2-ان يراد بالقدرة القدرة الشأنية لا الفعلية حتى تحتاج إلى مقدور.

3-ان نقول كأطروحة قابلة للنقاش:انه يمكن تأويلها بالقدرة على ذاته-بعد ان نفينا وجود المخلوقات-فهو يتصرف في ذاته لكن من جهات نقصر عن معرفتها.

و الآن لا بد من مقارنة بين التقسيمين و قد اتضح ان الاسماء كلها مربوطة بالخلق، و الصفات كلها غير مربوطة بهم سواء منها الجلالية أو الكمالية.

و الشي الآخر الذي ينتج من المقارنة بين التقسيمين ان الاسماء لا بد و انها راجعة إلى صفة من الصفات لا إنها تقوم بذاتها لانها ستكون شريكة للباري فالخالق يرجع إلى القادر،و السميع و البصير يرجعان إلى العالم.

ص: 491

الأمر الخامس اعتبار تلبس الذات بالمبدأ و قيامه بها هل يقتضي الاثنينية

قال المحقق الاستاذ(1)-بتصرف يسير-(عندما يكون المبدأ عين الذات فانه صحة اطلاق المشتق على الذات يشكل عليها-كما تقدم عن صاحب الفصول-من جهتين:

الأولى:اعتبار التغاير بين المبدأ و الذات و قد عقد الامر الرابع لمناقشتها.

الثانية:اعتبار تلبس الذات بالمبدأ و قيامه بها بنحو من انحاء القيام،و هذا بنفسه يقتضي التعدد و الاثنينية،و لا اثنينية بين صفاته تعالى و ذاته،بل فرض العينية بينهما يستلزم قيام الشيء بنفسه،و قد عقد الآخوند هذا الامر لمناقشتها.

فاجاب-بنقل المحقق الاستاذ-(2) بانه لا مانع من تلبس ذاته تعالى بمبادئ صفاته العليا،فان التلبس على انحاء متعددة:تارة يكون القيام بنحو الصدور كالضارب و اخرى بنحو الوقوع كالمضروب و ثالثة بنحو الحلول كالميت و رابعة بنحو الانتزاع كالفوقية و خامسة بنحو الاعتبار(3) كالزوجية و سادسة بنحو الاتحاد و العينية كما في قيام صفاته العليا بذاته المقدسة.فان مبادئها عين ذاته الاقدس و هذا ارقى و اعلى مراتب القيام و التلبس و ان كان خارجا عن الفهم العرفي.

ص: 492


1- المحاضرات:303/1.
2- المحاضرات:304/1-305.
3- لم يفصّل المحقق الاستاذ بين القسمين الرابع و الخامس.-منه دام ظله-

و قد ذكرنا في غير مرة ان نظر العرف لا يكون متبعا إلا في موارد تعيين مفاهيم الالفاظ سعة وضيقا،و المتبع في تطبيقات المفاهيم على مواردها النظر العقلي،فاذا كان هذا تلبسا و قياما بنظر العقل،بل كان من اتم مراتبه لم يضر عدم ادراك اهل العرف ذلك،و عليه فلا وجه لما التزم به في الفصول من النقل في الصفات الجارية عليه تعالى عما هي عليه من المعنى،فانها ان كانت مستعملة بغير معانيها في ذاته تعالى فتكون صرف لقلقة لسان لان غير هذه المفاهيم غير معلومة لنا.

و قال الشيخ النائيني(قد)(1):ان الالتزام بالنقل و التجوز يستلزم تعطيل العقول عن فهم الاوراد و الاذكار بالكلية و يكون التكلم بها مجرد لقلقة لسان،انتهى كلام المحقق الاستاذ(قد).

و لنا على ذلك عدة تعليقات:

1-ان التلبس العيني لا معنى له لا عقلا و لا عرفا فان التلبس يعني وجود(متلبس و متلبس به)و نتجته الاثنينية،و اما بدونها فيكون من حمل الذات على نفسها نعم مطلق الاتصاف ثابت إلا انه ليس اتصافا حقيقة بل الذات نفسها فقط فعندما تقول اللّه عالم فكأنك قلت اللّه اللّه لان الصفة عين الذات.

و ما قاله من انه تلبس بنظر العقل و ان لم يكن كذلك عرفا غير صحيح بل الامر بالعكس كما سبق،فهو تلبس عرفي و ان لم يكن كذلك عقلا،أما انه ليس عقليا فلان العقل يدرك انه لا وجود لغير الذات خارجا لان الصفات عين الذات و ان التلبس يحتاج إلى اثنينية و اما انه غير عرفي فلان العرف يرى ان كل الصفات إنما هي زائدة عن الذات و لا توجد صفة في الخالق أو المخلوق هي عين الذات و ان كان ذلك محالا عقلا.

2-ما قاله من ان المتبع في تعيين مفاهيم و معاني الالفاظ هو العرف اما تطبيقها فالمرجع هو العقل فهو مطعون كبرى و صغرى.1.

ص: 493


1- المحاضرات:304/1.

اما كبرى:فلان العرف ينبغي تحكيمه في أمور اللغة العرفية في التعيين و التطبيق معا و معرفة المعنى الموضوع له امر عرفي و لو كان الكلام في امور عقلية أو فلسفية امكن ايكال التطبيق إلى العقل،فلا بد إذن ان يكون المفهوم و المصداق معينا عرفا و لا يكفي تعيين احدهما و إذا لم يقبل العرف بتطبيق احد المفاهيم فقد يسري إلى نفس المفهوم.فلو كان بيع الصبي المميز مما يرضى العرف عن مصداقيته لمفهوم البيع امكن التمسك باطلاق(أحل اللّه البيع)اما إذا لم يرض كبيع المجنون فلا يكون مصداقا لهذا المفهوم و صغرى لهذه الكبرى.

و يمكن تطبيقه على المقام فقد يقول العرف ان صفات اللّه سبحانه ليست مصاديق من المفاهيم التي وضعت لها الالفاظ بل هي اعلى منها فالعالم موضوع لمن علمه زائد على ذاته لا لمن كانت صفاته عين ذاته و من هنا يبدأ الجواب على الصغرى فان صفات الباري سبحانه من التعيين أي تعيين المفاهيم و المعاني لا من التطبيق يعني هل هو علم متعارف أو بنحو آخر و العلم الآخر غير الأول مفهوما و حقيقة بالدقة فان كان الأول موضوعا له لم يكن الثاني موضوعا له لو اردنا الدقة،و كذلك سائر الصفات لانه تعالى لا يشبهه شيء و لا صفة من خلقه.

3-ما قاله الآخوند و الشيخ النائيني و المحقق الاستاذ(قده)من ان الاسماء و الصفات إذا كانت مستعملة مجازا أو نقلا في غير معانيها العرفية فتصبح لقلقة لسان لا يفهم له معنى سواء في الالفاظ الفردية أو الادعية أو الاذكار،فان قصدنا العرف فهي مفهومة،فالعلم-مثلا-موضوع للجامع المنطبق على كلا السنخين باعتبار ما قلناه من الاعتقاد العرفي بالزيادة،غاية الامر ان العرف يرى ضخامة هذه الحصة عن تلك ليس إلا إذ الكيفية واحدة و انما النسبة بينهما نسبة اللاشيء إلى اللامتناهي.

و ان قصدنا الفهم العقلي فهو مما يناله العقل بمقدار قابليته و استحقاقه،و قابليته خلقية و استحقاقه فتح و رحمة و لا عيب فيها إذا لم تحط بكنه معرفته يكفي ان جبرئيل (عليه السلام)و هو العقل الفعّال و عقل العقول الجامع للعقول يقول للنبي(صلى اللّه عليه

ص: 494

و آله و سلم)لو تقدمت انملة لاحترقت(1) فليس عدم الفهم لازما باطلا بل لازم حق، و نحن عاجزون عن معرفة انفسنا فكيف نعرف الخالق.

ثم قال المحقق الاستاذ(2):(انه لا دليل على اعتبار المغايرة بين الذات و المبدأ حتى مفهوما فضلا عن كونها حقيقة،بل قد يكون مفهوم المبدأ بعينه هو مفهوم الذات و بالعكس كما في قضية الوجود،فهو موجود و الضوء مضيء،و هكذا...بل اطلاق العنوان الاشتقاقي عليها حينئذ اولى من اطلاقه على غيرها و ان كان خارجا عن الفهم العرفي).

و كأنها مناقشة كبروية مع صاحب الفصول فعلى القول بالبساطة يكون معنى موجود هو الوجود نفسه فلا مغايرة حتى مفهوما بين الذات و الصفة.

و جوابه بعدة أمور:

1-قلنا:ان العرف يجرد من كل صفة ذاتية صفة عرضية فهي واحدة عقلا متعددة عرفا.

2-ان كلامه مبني على بساطة المشتق و اما بناءا على التركيب لا يحتمل ان يكون المشتق عين الذات بكل صورة لا في الذاتيات و لا العرضيات لفرض تركيبه الجملي التحليلي.

3-اننا إذا ضممنا مقدمتين:

الأولى:بساطة المشتق-و قد علمت ان كلامه مبني على هذا القول-فيكون معناه معنى الذات تاما.

الثانية:انه لا يصح حمل الذات على نفسها و لا محصل له عرفا و لا عقلائيا.

انتج نتيجة لا يرضاها(قده)و هي:امتناع الحمل في المشتقات كلها في طول كون الصفات عين الذات خارجا لا مفهوما.1.

ص: 495


1- في حديث المعراج.
2- المحاضرات:305/1.

4-ان ملاك الحمل الشايع هو الاتحاد خارجا و الاختلاف مفهوما و بدونه يمتنع الحمل فاذا لم يشترط(قده)المغايرة المفهومية بين الصفات و الذات بحيث يكون- على القول بالبساطة-كما قال هو ايضا عينها خارجا و ادراكا يعني مفهوما في الصورة الذهنية له فلا يكون شرط الحمل الشايع متحققا و هو الاختلاف المفهومي.

5-ان الاعتراف بالامثلة:الوجود موجود و غيره ليس اعترافا بصحة ذلك الكلام بل لها تخريجات اخرى لكل من زاويته،اما التركيب أو النقل أو الزيادة على الذات و غيرها.

ثم ان المحقق الاستاذ اما ضغط الاعتراف بان التلبس يقتضي وجود متلبس و متلبس به و اتحادهما يعدّ من خطل القول عرفا و عقلائيا فمن اجل تصحيح حمل الصفات الذاتية على الذات قال(1):(فالمراد بالتلبس و القيام ليس قيام العرض بمعروضه و تلبسه به بل واجدية الذات للمبدأ في قبال فقدانها له،و هي كما تنطبق على ما هو مغاير للذات وجودا و مفهوما كغالب المشتقات تنطبق على ما هو عين الذات خارجا و ان كان يغايره مفهوما بل هو اتم و اشد من واجدية غيره كواجدية ذاته تعالى لصفاته الذاتية و تنطبق بنحو اوضح و اتم على ما يتحد مع الذات مفهوما و مصداقا و هي واجدية الشيء لنفسه نحو الوجود موجود فان وجدان الشيء لنفسه ضروري.و في هذا الكلام نقطتا قوة:

الأولى:عدم الحاجة إلى الاثنينية.

الثانية:ان التلبس مفهوم مجازي اكيدا من لبس الثوب اما الواجدية فذات معنى حقيقي،و مع ذلك فانه قابل للمناقشة من عدة جهات:

1-اننا لا ينبغي ان نفكر من عند انفسنا بل لا بد من عرض الفكرة على العرف فان اللغة تفهم في ضوء فهم العرف و من الواضح عدم عرفية هذا الاصطلاح بدليل عدم1.

ص: 496


1- المحاضرات:306/1.

التفات الاجيال منذ الاف السنين فلا يحّمل العرف ما لا يلتفت اليه،و انما العرفي هو الاتصاف و هو يقتضي الاثنينية:صفة و موصوفا.

2-انه قال هنا بالاختلاف مفهوما و قال قبل قليل بالوحدة ادراكا و هذا تناقض لا دافع له.

3-ان مصطلح(الواجدية)هو الآخر من المشتقات كالعالمية فيأتي فيه نفس اشكال صاحب الفصول من قابلية انطباقه على الصفة الذاتية و عدمها إلا نقلا أو مجازا و لم يأت بلفظ خارج المشتقات.

4-اننا قلنا في سائر المشتقات-و في هذا المصطلح ايضا-انها بحسب الفهم العرفي انما تصدق مع زيادة الصفات عن الذات و هي موضوعة لذلك و مستعملة فيه و لو بتخيل انها زائدة و ان لم تكن كذلك فعلا و نتيجة ذلك في المقام ان الفهم العرفي للواجدية انها زائدة عن الذات فتكون الذات واجدة لصفتها الزائدة.

5-ان الواجدية هنا في الذاتي ليس إلا من وجود الذات لذاتها فاذا تم ذلك امكن حمل الذات على ذاتها مع انه قبيح عرفا و لغة و حيث ان الصفة عين ذاتها تماما إذن يلزم منها ذلك لو لا ما قلناه من المغايرة العرفية.و كأنه اعترف بذلك و قال-في الذاتيات-ان واجدية الذات لذاتها اتم انحاء الواجدية و لذا يصدق على الوجود.

و هو(قده)بصفته قائلا بالبساطة لا بد ان يقول هكذا لان محصل(الوجود موجود):الوجود وجود.

و بتعبير آخر:ان من يقول بالبساطة يتورط دائما بحمل الشيء على نفسه إذا كان من نفس المادة و لو كان من الاعتباريات و الانتزاعيات كالمبيع مباع،و العطية معطاة، و التجربة مجربة،فان المفروض ان اسماء الفاعل و المفعول و كل المشتقات ترجع إلى معنى الحدث فيكون من حمل الذات على نفسه فمعنى المبيع مباع:البيع بيع...الخ.

فان قلت:ان ما هو قبيح انما هو حمل الذات على نفسها و هذه الامثلة المذكورة مفاهيم انتزاعية و اعتبارية و لا ذوات لها في انفسها فلا تكون صغرى لهذا القبح.

ص: 497

قلت:هذا واضح الجواب:

أ-ان لكل شيء ذاتا في عالمه و حصة وجوده و لا تختص بالمقولات العشر الجوهرية،بل هي بمعنى المفهوم الاستقلالي الموحّد بكل ما له من السعة.فتشمل كل شيء.

ب-ان هذا مبني على القول بالبساطة و عليه لا بد ان يكون للمصدر و للمشتق نحو ذات لكل شيء كالضرب.

و على اية حال فنحن نريد ان نستدل بهذه الكبرى(قبح حمل الشيء أو المفهوم على نفسه)سواء كان ذاتا بالمعنى الذي فهمه المستشكل ام لا فيكون شاملا لهذه الانتزاعيات.

ثم رد المحقق الاستاذ(1):اشكال لقلقة اللسان و قال:انه لا يلزم ذلك إلا انه لا يراد به العلم المتعارف بل العلم الذي يكون عين الذات بنحو من المجاز،و ربما كان هذا هو مراد صاحب الفصول اه فرجع إلى قوله و هذا من ضعف التحقيق ان يظهر انه ناقد له ثم يختم بموافقته.و معه لا يلزم اللقلقة لان المجاز مفهوم.و قد سبق ان قلنا انه لا يلزم ذلك لان العرف يفهم الجامع بالمعنى الزائد عن الذات و ما كان عين الذات ليس هناك له وضع لغوي اصلا و لا مستعمل فيه اصلا فلا يكون مجازا لان الاستعمال مطابق للمعنى الموضوع له.كما لا يكون لقلقة لسان لانه مفهوم لهذا المقدار.

و انما لا يلزم المجاز لان التنزيل سابق رتبة و الاستعمال مطابق للمعنى الموضوع له في طول هذا التنزيل.

بقيت-من الامر الخامس-نكتة ذكرها الآخوند(قده)في البداية فقال:انهم اختلفوا في اعتبار المغايرة بين المشتق و موضوعه في اعتبار قيام المبدأ به و عدمه في صدقه عليه على نحو الحقيقة،و قد استدل من قال بعدم الاعتبار بصدق الضارب1.

ص: 498


1- المحاضرات:307/1.

و المؤلم مع قيام الضرب و الالم بالمضروب و المؤلم-بالفتح-و هي امثلة عرفية صحيحة رغم عدم وجود تلبس و اتصاف-على زعمهم-إذن التلبس و القيام ليس ضروريا لصدق الحمل و ليس انه لا بد لصحة الحمل من قيام الصفة بموصوفها.

و يبدو ان هذا محاولة منهم للطعن في الكبرى و هو لزوم القيام و عليه فلا تعتبر المغايرة بين المشتق و موضوعه،لانه مع عدم المغايرة فلا قيام و هو ليس مشترطا.

و النتيجة هي صحة حمل الذاتي على الذات و الصفات التي هي عين الذات إذ لا قيام فيها و لا مغايرة و هو المطلوب.

و هذا قابل للمناقشة من عدة جهات:

الأولى:ما ذكروه من قيام الضرب بالمفعول دون الفاعل امر عاطل،لوضوح ان جهة الفاعلية قائمة بالفاعل دون المفعول و جهة المفعولية قائمة بالمفعول دون الفاعل و لا يمكن الحمل بالعكس بحمل جهة المفعولية على الفاعل لصدق السلب فالحدث -هو الضرب-له حيثيتان اما الالم فهو شيء آخر،فما زعمه المستدل من ان المبدأ قائم بالمضروب و مع ذلك صح الحمل على الضارب من الغرائب.

الثانية:لو تنزلنا عن الجهة الأولى و سلّمنا صحة الحمل على الفاعل مع ان المبدأ قائم بالمضروب فهذا لا ينتج ما قالوه من عدم الحاجة إلى القيام اصلا لصدق الحمل لوجود ذات متلبسة في البين فلا بد إذن من ذات يقوم بها الحدث لصحة الحمل و ان لم تكن هي المتلبسة بالمبدأ.

و اين هذا من ما اراده من قياسه على حمل الصفات الذاتية على الذات فان الذاتي ليس فيه قيام اصلا لا بالذات لعدم الاثنينية و لا بغيرها بالأولوية.

فلا يلزم من الصدق هناك الصدق هنا.

الثالثة:من الممكن ان يدعي العرف التفصيل فيقبل عدم القيام في الصفات العرضية الزائدة-كالامثلة المذكورة-و لا يقبله في الصفات الذاتية و لا دليل على نفي القول بالفصل.

ص: 499

فان قلت:ان هذا غير محتمل بل المحتمل هو العكس و هو عدم اشتراط الاتصاف في الذاتي دون الزائد.

قلنا:هذا ان تم فلأمرين:

1-بطلان ما فرضوه من قبول العرف عدم القيام في الصفات اساسا و ان اقاموا عليه ادلة عقلية فان العقل لا يحكّم في الاوضاع اللغوية التي هي امور عرفية.

2-ما قلناه من قبول العرف الزيادة في الصفات و عدم تصوره الصفات الذاتية، و حيث انها غير متصورة عرفا إذن فاشتراط عدم الاتصاف بها غير موجود كما ان اشتراط الاتصاف غير موجود،لان الحكم على شيء فرع تصوره و لا يمكن الحكم على المجهول المطلق،و العرف لا يعرف الصفات الذاتية.

ص: 500

الأمر السادس هل يشترط في صدق المشتق حقيقة الا يكون التلبس بواسطة في العروض

الأمر السادس(1) هل يشترط في صدق المشتق حقيقة الا يكون التلبس بواسطة في العروض

و قد عقد هذا الامر لمناقشة الدعوى الثالثة لصاحب الفصول و توضيح المطلب يتوقف على بيان أمور:

الأمر الأول:في معنى الواسطة في العروض:و يذكر عادة في أول مباحث الالفاظ و هناك قالوا ان الصفات تثبت للذات اما بلا واسطة بل اقتضاء الذات نفسها كالزوجية للاربعة أو بالواسطة و هي شكلان،فاما ان تكون على نحو الواسطة في الثبوت أي بتوسط صفة أخرى كالفصل البعيد أو القريب أي المساوي كالتكلم الثابت لزيد بما هو ناطق و المشي الثابت له بما هو حيوان.و اما ان تكون على نحو الواسطة في العروض و فيه قالوا ان الاتصاف حقيقة يكون للواسطة و ليس للذات اما اتصافها فيكون مجازيا و مثلوا له بقولهم:(جرى الميزاب).

أقول:التلبس و العروض هنا غير موجود اطلاقا فان الميزاب لا يجري و لا يتحرك قطعا فسلب الجريان عنه صادق و انما صح الاتصاف مجازا لكن الحديث عن المجازات في العلوم الدقيقة بلا موجب فاللازم اعطاء معنى آخر للواسطة في العروض و هو ما يكون كلاهما متصفا مع كون احدهما علة لاتصاف الآخر كالراكب في السفينة فكلاهما متحركان لكن الواسطة و هي السفينة اصبحت علة لعروض الحركة على

ص: 501


1- الكفاية:88/1.

الراكب اما الواسطة في الثبوت فهي ما لا تكون متصفة في نفسها و ان سببت الوصف للذات كما مثلوا له بالتكلم الثابت للانسان بما هو ناطق،فالنطق سبب للتكلم إلا انه غير متصف به.و انما نقول ذلك لان المناقشة مع صاحب الفصول تتوقف عليه.

الأمر الثاني:ان المجازات على اقسام.

الأول:المجاز في الكلمة و هو المشهور عند اهل البلاغة نحو(رأيت أسدا يرمي) فقد استعملت الكلمة نفسها في الرجل الشجاع و هو غير ما وضع له لفظ الاسد فيكون مجازا.

الثاني:المجاز في التطبيق و المصداقية و هو المنسوب إلى السكاكي حيث ادعى ان الكلمة مستعملة في معناها و هو الاسد و انما يدعي المتكلم ان حقيقة الاسد قد وسعت تسامحا في ايجاد مصداق اخر غير متعارف للاسد و هو الرجل الشجاع و بهذا يكون الاستعمال اجمل من النحو الاول حيث لم نسلخ الكلمة من معناها و عندئذ تكون المجازية في تطبيق الكلي على مصداقه لا في الكلمة و فيما لم يوضع له اللفظ فكأنني جعلت زيدا اسدا لمناسبة الشجاعة في المرحلة السابقة على التطبيق و في طول هذا التنزيل اصبح مصداقا حقيقيا للاسد.

الثالث:المجاز في الحمل و الاسناد و هو الذي اشار اليه الآخوند و المحقق الاستاذ في قضية(الميزاب جار)فتستعمل الكلمة في معناها و على مصداقها الحقيقي إلا ان التجوز يكون في الحمل ف(جاري)استعمال في معناه الموضوع له و على مصداقه إلا ان في انتسابه إلى الميزاب تجوز.

لكن المجاز في هذا المثال يمكن فهمه على عدة اشكال غفل عنه المحققون:

1-المجاز في الكلمة باستعمال الجاري في مكان الجري.

2-المجاز السكاكي:بان يقال اننا استعملنا(جاري)في معناه الموضوع له و هو الجريان و لكننا ادعينا مصداقا للجريان غير متعارف بالرغم من انه غير جار لكن مكان الجريان ينزّل منزلة الماء الجاري.

ص: 502

3-المجاز في الحمل الذي قالوه.

4-ان يقال ان الجريان هنا بمعنى التسبيب اليه و المساعدة عليه أي بمعنى الفعل الرباعي(اجرى)و لا شك انه خارجا كذلك،فالتجوز هنا باستعمال الفعل الثلاثي بمعنى الرباعي و اللازم بمعنى المتعدي باي نحو من انحاء المجاز المتقدمة اما المجاز في الكلمة لكن غير ما سبق أو المجاز السكاكي باعتبار ان المجرى مصداق تجوزي للجاري.

الأمر الثالث:ان صاحب الفصول قال انه يشترط في صدق المشتق حقيقة كون الصفة عارضة بدون واسطة في العروض بل يكون اما مباشرة أو بواسطة في الثبوت اما لو كان بواسطة في العروض فلا يكون المشتق صادقا حقيقية و لا التلبس كذلك.

و قد اتضح مما سبق الجواب عليه من عدة وجوه:

1-إنّ نظره إن كان للمثال المشهوري و هو جري الميزاب فالحق معه لانتفاء الجري عن الميزاب حقيقية و اختصاصه بالماء،فيكون المثال تجوزا و معه لا يكون المعنى الحقيقي تاما و لا الاتصاف صادقا لان الذات غير متصفة.

إلا اننا عرفنا المثال الثاني و هو حركة السفينة-و هو معروض امام صاحب الفصول لانه ليس جديدا-و فيه يكون الاتصاف و التلبس بالحركة حقيقيا و ان كان بسبب الواسطة فلا يكون هناك مجاز لا في الكلمة و لا في الحمل و لا في المصداقية:

فلا موجب لهذا الشرط.

و النتيجة انه على احد المثالين،او المسلكين-في فهم الواسطة في العروض- نطعن في الصغرى و هو ان المثال ليس بصحيح إذ فيه اتصاف و على الآخر-و هو الاقرب-نطعن في الكبرى أي رأي صاحب الفصول في الاشتراط.

2-ما قلناه فيما سبق من اننا نعرض الامر على العرف فان وافق على الاتصاف حقيقة في فهمه قبلناه كما في حركة السفينة و ان رفضه رفضناه كما في حركة الميزاب.

3-ان نظر صاحب الفصول ان كان إلى المجاز في الكلمة كان له وجه،و لكن مع الاخذ بالمجاز السكاكي في التطبيق و المصداقية فلا يتم قوله لانه يكون المشتق قد

ص: 503

استعمل في معناه الحقيقي و ان كان في طول التنزيل و التسامح،و إذا صح الأمر في سائر الكلمات و المسميات فليصح في المشتقات ايضا.

4-ما ذكره صاحب الكفاية و المحقق الاستاذ من المجاز في الحمل،حيث يقال:

ان المشتق عندئذ يستعمل فيما وضع له،و انما يكون حمله مجازيا،إذن فلا يشترط عدم كونه بواسطة في العروض.و هذا قابل للمناقشة من وجوه:

أ-ان تصحيح الاتصاف ورد كلام الفصول لا ينحصر بالمجاز في الحمل بل يمكن بالمجاز السكاكي و هو المجاز في التطبيق.

ب-ما قلناه من ان المدار هو قناعة العرف بالتلبس.

ج-ان المعنى الاساسي للواسطة فالعروض ليس هو ذلك في نظره أي(الميزاب جار)بل لا بد من مثال حقيقي كالذي قلناه من عروض الحركة على راكب السفينة فلا يكون مجاز في البين.

د-لعل نظر صاحب الفصول(قده)إلى التلبس الواقعي من جميع الجهات و الخالي من المسامحة في جميع المراتب و هو منتف لدى التجوز بكل اشكاله سواء كان في الكلمة أو في التطبيق أو في الحمل لوجود العناية في جهة أو مرتبة ما و يكون الحق معه في الاشتراط لكن بالنسبة إلى المثال غير المشهوري ليس فيه أي مجاز و يكون التلبس ثابتا حقيقة.

و نلاحظ ان هناك خلطا في المحاضرات(1) بين المجاز في الاسناد و المجاز في التطبيق و حسبهما واحدا.و هو ما سميناه بالمجاز في الاسناد لانه نحو تطبيق على المسند بالحمل عليه و هو من هذه الزاوية ممكن إلا ان فيه نسيانا للمجاز السكاكي الذي هو في المصداقية و التطبيق و هو لا يلازم المجازية في الحمل،فلا كبرى تقول(متى تجوزنا في المصداقية تجوزنا في الحمل)بل انحاء المجاز مرتبطة طولا فاولها المجاز في1.

ص: 504


1- 308/1.

الكلمة ثم المجاز في التطبيق و في طول هذا اللحاظ التنزيلي السكاكي يكون الحمل حقيقيا ثم المجاز في الحمل.

ثم قال(1)(و اوضح من ذلك موارد الخطأ فاذا قيل هذا زيد ثم بان انه عمرو فلفظ زيد ليس بمجاز،لانه استعمل في ما وضع له و الخطأ انما هو في التطبيق و هو لا يضر باستعماله فيه أو قيل هذا اسد ثم بان انه حيوان آخر و اذا رأى احد شبحا من بعيد، و تخيّل انه انسان فقال هذا إنسان ثم ظهر انه ليس بإنسان و هكذا).

أقول:هنا لا يوجد مجاز في الكلمة و لا في التطبيق لانه لا يوجد تنزيل نحو(هذا حاتم)لمناسبة الكرم و لا في الحمل لاعتقاد صحته غاية الأمر انه كاذب فملاكات الانحاء الثلاثة من المجاز غير متوفرة،و لو تنزلنا احتمل فيه الأول و الثالث اما الثاني فمنتف جزما و ان كان انطباقه على الحمل أولى لانه لم يسمّ زيدا عمرا و إنما استعملنا الكلمة فيما وضعت له و حينئذ يكون الأمر كما قال.

ثم قال:-بتصرف-و كذا المشتقات،فان كلمة الجاري في مثل قولنا النهر جار أو الميزاب جار فانه مجاز في الحمل و الاسناد لا في الكلمة و نسي السكاكي،و الميزاب و ان لم يوافق العرف على اتصافه بالجري حقيقة إلا انه يوافق عليه في النهر فهو جار حقيقة عرفا و ان لم يكن كذلك دقة لانه متكون من ارض و ماء و المجموع يتبع أخس المقدمتين إذن فهو ليس بجار إلا ان العرف يرى جريانه حقيقة اما لان النتيجة عند العرف تتبع اوضح المقدمتين و اما ان النهر هو الماء خاصة و على كلا التقديرين فان الجريان يكون حقيقيا.

ثم قال المحقق الاستاذ(2)(قده)كما قال الآخوند(قده)لكن من دون نسبة اليه و هو خلاف الامانة العلمية:ان كلام صاحب الفصول(قده)مبني على الخلط بين

ص: 505


1- المحاضرات:308/1.
2- المحاضرات:309/1.

المجاز في الكلمة،و المجاز في الاسناد بتخيل ان الثاني يستلزم الاول.

أقول:ان صاحب الفصول-كفرد من المشهور-بنى على امرين مشهورين اولهما ان المجاز هو النحو الاول منطلقا من تناسي نحوي المجاز الآخرين معا و ليس خصوص المجاز في الحمل،و ثانيهما ان الواسطة في العروض يراد منها ما مثّلوا به من جريان الميزاب.

اما إذا كان مراده المثال الآخر اعني راكب السفينة فهو أصلا خطأ لان الذات متصفة حقيقة لا مجازا عرفا و عقلا.

و قد يقال:انه بناءا على نحوي المجاز الأخرين لا حاجة إلى المجاز في الكلمة إذ من الافضل ان يكون استعمال الكلمة حقيقيا و ليكن التجوز في التطبيق أو الحمل، و معه ينتفي المجاز الاصطلاحي اصلا لانهم عرفوه انه الاستعمال في غير ما وضع له فيكون بابه منسدا لان الاخيرين ليس هكذا و ليس مجازا اصلا،و من نتائج ذلك:

1-ان اطلاق المجاز على النحوين الاخيرين مجاز لان اللفظ قد استعمل فيما وضع له و ينحصر المجاز بالنحو الاول المشهوري.

2-إذا اطلق لفظ المجاز فيتعين حمله على النحو الاول دون الأخيرين لاشتهاره و الاجماع عليه دونهما.

3-بطلان جواب الآخوند و المحقق الاستاذ(قده)على صاحب الفصول لانسداد باب المجاز في الحمل لانه ليس بمجاز حقيقة لان المجاز ذاك دون غيره و انما يحمل عنوان المجاز في كلام المحققين عليه و منهم صاحب الفصول فيما إذا اراد من الواسطة في العروض المثال المشهوري.

و جوابه الذي يفيد في تعيين نحو المجازية يمكن ان يستند إلى عدة مستويات من التفكير:

1-الأخذ بالشهرة فان النحو المجمع على صحته هو المجاز في الكلمة.

2-انه يختلف باختلاف القصد،و القصد يختلف باختلاف الذوق،و الشهرة للمجاز في الكلمة لا تعني انسداد باب الآخرين كما ان العكس ليس بصحيح فيبقى لكل مجاله.

ص: 506

3-ان لكل واحد منها مورد خاص به و ان كانت الموارد المشتركة هي الاكثر، فالمجاز في الحمل لا يأتي بدون حمل كما لو وقع حالا أو تميزا أو جارا و مجرورا أو مضافا اليه نحو(مررت امام الاسد)إذ يكون سالبة بانتفاء الموضوع.

و المجاز في الكلمة لا يكون مع نصب قرينة متصلة و منفصلة للدلالة على التنزيل المنتج للمجاز السكاكي نحو قولنا(زيد حاتم)كما ان المجاز في الكلمة يتعيّن كسبب للنقل و الاشتراك و نحوهما إذ مع التنزيل يكون الاستعمال في المعنى الحقيقي محفوظا و لا يكون مستعملا في المعنى المجازي لينتقل اليه تدريجيا إلى كونه استعمالا حقيقيا.

4-انهم قالوا ان المجاز السكاكي-المناسب للذوق و ليس دائما-اجمل و اوقع.

فتحصل من كل هذه الامور انه يمكن القول ان المقتضي متوفر دائما للمجاز في الكلمة و يكون الحمل على المعنيين الآخرين خلاف الاصل،و لا يحول دون ذلك المقتضي إلا القصد للتنزيل أو الحمل في موارد امكانه من غير تعيين لهما حتى الجمال السكاكي لان المقتضي اللغوي للآخرين غير موجود.

و النقض بهما على صاحب الفصول لمجرد ابراز الفن،و الا فالاصل هو ذاك، نعم،على ما قلناه من ان الواسطة في العروض ليس معناها ذلك لا يكون كلامه تاما لعدم تحقق المجازية بكل معانيها.

تم بفضل اللّه سبحانه ليلة الخامس و العشرين من شهر رمضان المبارك لسنة 1419 ه

نسأل اللّه تعالى ان يمنّ علينا بالقبول و ان يجعله خالصا لوجه الكريم و لبنة في بناء الطود الشامخ للحوزة العلمية الشريفة المصونة بانظار صاحب الأمر بقية اللّه الاعظم ارواحنا له الفداء.

و الحمد للّه كما هو اهله و صلى اللّه على رسوله و آله الطاهرين

ص: 507

ص: 508

الفهرس

القسم الأول 3

مقدمة و تمهيد 7

منهجية الكتاب:13

توطئة:في تحديد محل البحث 15

الفصل الأول:ما المراد من المشتق الأصولي 19

الفصل الثاني:عناوين توهم خروجها عن محل النزاع 27

1-إسم الزمان:27

2-اسم الآلة:52

استطراد:في اسم المكان 55

3-اسم المفعول 57

الفصل الثالث:خروج المصادر و الأفعال عن محل النزاع 63

استطراد:(دلالة الأفعال على الزمان)67

اطراد في الاستطراد:(المعنى الحرفي)101

خصائص عالم الواقع 120

الفصل الرابع:الكلام في الجوامد التي لها علاقة بالمشتق الأصولي 155

مسألة الرضاع:162

الفصل الخامس:في أنحاء التلبس 181

تفريع:دعوى خروج اسم الآلة و اسم المفعول عن محل النزاع 193

الفصل السادس:في تحقيق معنى الحال 197

أما الرأي المختار:213

الفصل السابع:في تصوير الجامع لخصوص المتلبس أو الأعم 229

الفصل الثامن:في تأسيس الأصل الجاري في المقام 259

ص: 509

القسم الثاني مقدمة القسم الثاني 289

المقصد الأول:الأقوال في المسألة أو الاستدلال على المعنى الذي وضع له المشتق 295

أدلة القول بالوضع لخصوص المتلبس 297

هل التضاد و صحة السلب دليل واحد ام دليلان؟311

أدلة القول بالوضع للأعم 323

الدليل الأول:التبادر:323

الدليل الثاني:323

الدليل الثالث:326

الدليل الرابع:326

الدليل الخامس للقول بالأعم:332

بعض التفاصيل التي ذكرها الآخوند للمشتقات 363

المقصد الثاني:أمور لا حقة لبحث المشتق:367

الأمر الأول:هل المشتق بسيط ام مركب؟367

الوجه الأول:368

الوجه الثاني 375

الوجه الاخير 380

الأقوال في بساطة المشتق و تركيبه 396

المانع الثبوتي من القول بالتركيب 397

الشق الأول:و هو لزوم أخذ العرض العام في الفصل 402

الشق الثاني:414

الموانع الاثباتية عن القول بالتركيب و هي أدلة القائلين بالبساطة 428

الوجه الأول:428

الوجه الثاني:429

الادلة على التركيب 442

(ارشاد):450

الأمر الثاني:في بيان الفرق بين المشتق و مبدئه 452

ص: 510

التفسير الثاني:للابشرطية و البشرط لائية 454

التفسير الثالث للابشرطية و البشرط لائية:468

الموضع الأول:470

الموضع الثاني لنظر سيدنا الاستاذ:472

الموضع الثالث للنظر:473

الأمر الثالث:ملاك الحمل 475

الأمر الرابع:كفاية المغايرة المفهومية لتصحيح حمل الصفات الذاتية 481

الأمر الخامس:اعتبار تلبس الذات بالمبدأ و قيامه بها هل يقتضي الاثنينية 492

الأمر السادس:هل يشترط في صدق المشتق 501

حقيقة الاّ يكون التلبس بواسطة في العروض 501

الفهرس 509

ص: 511

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.