موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 15 کتاب البیع المجلد 1

هوية الکتاب

عنوان واسم المؤلف: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 15 کتاب البیع المجلد 1/ [روح الله الامام الخمیني قدس سرة].

مواصفات النشر: طهران: موسسة تنظیم و نشر آثار الامام الخمیني قدس سرة، 1401.

مواصفات المظهر: 753ص.

الصقيع: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة

ISBN: 9789642123568

حالة القائمة: الفيفا

ملاحظة: الببليوغرافياً مترجمة.

عنوان: الخميني، روح الله، قائد الثورة ومؤسس جمهورية إيران الإسلامية، 1279 - 1368.

عنوان: الفقه والأحكام

المعرف المضاف: معهد الإمام الخميني للتحرير والنشر (س)

ترتيب الكونجرس: BP183/9/خ8 الف47 1396

تصنيف ديوي: 297/3422

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 3421059

عنوان الإنترنت للمؤسسة: https://www.icpikw.ir

جمعية خيرية رقمية: مركز خدمة مدرسة إصفهان

محرّر: مهدي ملك محمّد

ص: 1

اشارة

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 3

ص: 4

مقدّمة التحقيق

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّدٍ وآله الطاهرين

كانت الطريقة المتبعة لدى الفقهاء منذ الصدر الأوّل لتدوين الفقه عند البحث في «كتاب البيع» أن يجعل ضمن أبواب المعاملات في بحوثهم وتآليفهم، فكانت في مقابل سائر الأبواب واستمرّت هذه السيرة إلى زمن الشيخ الأنصاري رحمه الله علیه.

أمّا الشيخ الأنصاري؛ فقد جعله بحثاً مستقلاًّ مستوفىً في كتابه القيّم «المكاسب» حاوٍ لاُصول بحوث المعاملات، ولعلّه قد استلهم تنقيح مباحث العبادات أو المعاملات بشكل مستقلّ من بعض الفقهاء المتقدّمين كالشهيد الأوّل في «القواعد والفوائد»، والشهيد الثاني في «تمهيد القواعد»، والشيخ كاشف الغطاء في كتابه المعروف، فحذا حذوهم، ولكنّه وسّع المباحث سعة بحيث جاء بثورة فقهية في الحوزات العلمية ونقطة تحوّل في تأريخ الفقه. وقد اتّضحت آثار هذه الثورة في هذا العصر حيث دوّنت القوانين المدنية في الدول الإسلامية فاحتاجت إلى فقه مدني مبنيّ على العرف والبنائات العقلائية فاُتّخذ كتاب «المكاسب» مصدراً للفقهاء والحقوقيين في تدوين الحقوق الإسلامية

ص: 5

الخصوصية في مقابل الحقوق الغربية.

وقد أصبح هذا الكتاب نموذجاً ومصدراً مهمّاً لكتب العلماء المتأخّرين لما يحويه من مادّة علمية وعملية غزيرة قلّ نظيرها في كتب من سبقوه. وكدليل على علوّ شأنه وعظيم درجته العلمية والعملية فقد كثرت الحواشي والتعليقات عليه بين ناقدةٌ ومؤيّدةٌ لآرائه القيّمة، ومن بين تلك الحواشي والتعليقات ما صنّفه العلماء الأعلام والآيات العظام: الملاّ حبيب اللّه الرشتي، الآخوند الخراساني، الميرزا محمّد تقي الشيرازي، السيّد محمّد كاظم اليزدي، الحاج آقا رضا الهمداني، الميرزا أبوالفضل الطهراني، الميرزا محمّد حسين النائيني، الشيخ عبدالكريم الحائري، الشيخ محمّد حسين الأصفهاني، الآقا ضياء الدين العراقي، الميرزا علي الإيرواني، الشيخ محمّد كاظم الشيرازي، السيّد أبوالقاسم الإشكوري، التنكابني والشهيدي وغيرهم رحمهم اللّه تعالى أجمعين.

أمّا الإمام الخميني قدّس سرّه فإنّه لم يكتفِ بشرح ولا تعليق، بل أفرد كتاباً خاصّاً - وهو الذي بين يديك أيّها القارئ الكريم - وأسماه «كتاب البيع» الذي جمع فيه كافّة المباحث المتعلّقة بهذا الباب، ولكثرة الدقائق والأدلّة وتنقيح المباحث ونقل الآراء ونقدها صار من أحسن الكتب التي دوّنت في هذا السياق سواء على مستوى كتب المتقدّمين أو المتأخّرين.

ويقف القارئ الكريم على صحّة ما ذكرنا حينما يطّلع على تحقيقات الإمام قدّس سرّه في مسألة ماهية البيع، مسألة المعاطاة، بيع الفضوليّ، مبحث المثلي والقيمي، ملكية الإمام المعصوم علیه السلام، ولاية الفقيه، معاملات الصبيّ، الغرر والشرط المخالف للكتاب وغيرها كثير، إذ سيجد الفرق الشاسع بين الكتب

ص: 6

المؤلّفة في هذا الموضوع وهذا الكتاب الذي بين يديه.

ومن أراد تتبّع آراء الإمام الخميني قدّس سرّه الفقهية والاُصولية وتبحّره في مباحثهما وكذلك معرفة تضلّع الإمام قدّس سرّه في علوم الحكمة واللغة والتفسير وفقه الحديث فليرجع إلى مباحث هذا الكتاب القيّم.

ولا يخفى أنّ الفائدة من هذا الكتاب بالنسبة إلى المحقّقين والفضلاء، لا تختص بالبيع فقط، بل إنّه يفيدهم كذلك في سائر أبواب الفقه، وحيث إنّ المباحث المطروحة بين طيّات الكتاب غير التي ذكرت سابقاً كثيرةٌ، فإنّا سنشير إلى بعضها هاهنا وهي:

فمن الآيات: «أَوفُوا بِالعُقُودِ»، «تِجارَةً عَن تَراضٍ»، «أَحَلَّ اللّهُ البيعَ»، آية «الاعتِداءِ»، «وَلا تَقرَبُوا مالَ اليَتیمِ»، آية «نَفي السَّبِيلِ»، آية «الإبتِلاء» وغيرها.

ومن الأحاديث: حديث «السلطنة»، «لا يَحِلُّ مالُ امرِئٍ مُسلِمٍ»، «حُرمَةُ مالِ المُؤمِنِ»، حديث «الرفع»، حديث «رفع القلم»، «عمد الصبيّ»، «إنّما يَحَلِّلُ الكَلامُ»، «لا تبع...»، حديث «الشرط» وغيرها.

ومن القواعد الفقهية: قاعدة «على اليد»، «ما يَضمَنُ بِصَحِيحِه» وعكسه، «الإتلاف»، «الغرور»، «عدم ضمان الأمين»، «لا ضرر»، «الخِراجُ بالضِّمانِ»، «لا حرج»، «التقية»، «التسبيب»، «نفي السبيل»، «الوقوفُ على حَسَبِ...»، «كلُّ مَبيعٍ تَلَفَ قَبلَ قَبضِهِ»، قاعدة «اليد»، «التِّلَفُ في زَمَنَ الخِيارِ»، «كلُّ ما تَجرِي فيهِ الإقالةِ...»، «البَيِّنَةُ عَلى المُدَّعِي»، «القرعة» وغيرها.

ومن التعاريف وبيان حقيقة بعض العقود تعريف حقيقة الإنشاء والعقد، المعاطاة، الضمان، البيع والإجارة، الخيار والفسخ، النكاح والتمتّع، الوقف،

ص: 7

وماهية الكسر المشاع والفرد المنتشر والكلّي في المعيّن وفي الذمّة، ومعنى الكذب والتورية، الإكراه والاضطرار، الغرر والغبن، العيب والأرش، الشرط، التلف، القبض و....

ونقّح بعض المسائل التي هي معركة الآراء أو كثيرة النفع مثل: مسألة الحقّ والحكم، جريان المعاطاة في العقود والإيقاعات، أركان العقد بالصيغة، اختلاف المتعاقدين في شروط الصيغة، التعليق والتنجيز في الإنشاء، المثلي والقيمي، ضمان بدل الحيلولة، امتنانية الأحكام الشرعية، معاملات الصبيّ، وحجر الصبيّ، الخطأ في التطبيق، معرفة العوضين في المعاملات، الفضوليّ في العقود والإيقاعات، ناقلية الإجازة وكاشفيتها، الربا المعاوضي والقرضي والحيل فيها، ولاية الأب والجد والفقيه وعدول المؤمنين، حكم سهم الإمام علیه السلام والأنفال وكيفية تعلّق ملكية الإمام، أحكام الأراضي من المفتوحة عنوةً والموات والتي صولح عليها والخراجية وغيرها، تعلّق الجعل بالأحكام الوضعية، تشخيص المدعي والمنكر، أصالة اللزوم في المعاملات، تعلّم أحكام الدين، الاحتكار والتسعير، ثبوت واشتراط الخيار في العقود الجائزة، بيع الخيار وأقسامه، اشتراط الخيار في العقود والإيقاعات، حكم امتزاج الأموال، الشروط المخالفة للكتاب والمخالفة لمقتضى العقد، إرث الخيار، والبحث عن الحقيقي والاعتباري من التلف والزيادة والتصرف والموضوعات الخارجية والاعتبارية، ورعاية المصلحة والغبطة في الولايات.

ومن المباحث الاُصولية من جهة تأثيرها في الفقه مثل: مسألة الإجزاء، العموم الأزماني والأفرادي، تعارض العموم والاستصحاب، المرجع عند الشكّ

ص: 8

في المفاهيم والمصاديق، استصحاب الكلّي القسم الثالث، حكم الجاهل والعالم في الأحكام وغيرها.

وينبغي للفضلاء المحقّقين التدقيق في اُسلوب الإمام قدّس سرّه في فصل الفقه عن الفلسفة، وينظروا إلى تأثير الفهم العرفي في بحوثه، وآرائه حول بناء العقلاء في تشخيص الأحكام وفي تعيين المراد من التعابير الواردة في الأدلّة وبناء العقلاء في تأييد الروايات وتقييدها، والسيرة العقلائية والشرعية، وفي الرجوع إلى أهل الخبرة، ثمّ ينظروا كيفية تهذيبه المباحث العقلائية والعرفية عن الدقائق العقلية التي شاع ورودها في فقه المتأخّرين، فإنّ الإمام قدّس سرّه كثيراً ما أورد المباحث العقلية الموجودة في كتب المتأخّرين واستشكل عليها حذراً من دخالتها في الفهم العرفي وابتناء الفقه عليها.

مختصر حول تأريخ الكتاب

صنّف الإمام الراحل هذا الكتاب عند تدريسه الدورة الفقهية في الحوزة العلمية بقم المقدّسة والنجف الأشرف، وكان الإمام الخميني قدّس سرّه قد أفاد قبل ذلك، كتاب الزكاة (ولم يصنّفه) والطهارة والمكاسب المحرّمة في حوزة قم، وقد حضر في درسه كثير من الفضلاء والطلاّب بأضعاف بالنسبة إلى سائر الدروس الاُخرى حتّى صار متميّزاً بينها.

ولم يكن ذلك إلاّ لدقّة نظره وحسن بيانه وسلاسة تدريسه وتبحّره في الفقه والاُصول والحكمة وحسن سلوكه وأخلاقه، وكذلك لبعثه المعنويات السامية والشجاعة والحرّية التحرّر على طلاّبه ولآرائه المشهورة في مجابهة

ص: 9

الفساد والحكومات الظالمة واستلهام عقائده من المنابع الحديثية والقرآنية حتّى عُرف بين الطلبة بأنّه هو القائد الوحيد المخصوص بحمل راية الإسلام وزعامة الشيعة، ولهذا السبب نشاهد تلاميذه عارفين بمقاماته العلمية والعملية، عاشقين لسلوكه السياسي والاجتماعي، خاضعين لتدبيراته، مجاهدين في سبيل اللّه بهدايته.

ويجد الناظر في كتبه العلمية أنّها شاملة للمباحث الاجتماعية في الإسلام نحو ما ذكره من شؤون الفقيه في كتاب «الاجتهاد والتقليد» وولاية النبي صلی الله علیه وآله وسلم في كتاب «لا ضرر» وما ذكره في كتاب «أربعين حديث» و«كشف أسرار» وكذلك المسائل الهامّة التي أوردها في كتاب «المكاسب المحرّمة» في حرمة إعانة الظالمين والولاية من قبل الجائر ومباحث رسالة «التقية» وأبواب «تحرير الوسيلة» التي كانت منسوخة في أكثر كتب المتأخّرين مثل أبواب الدفاع، والحدود والديات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصلاة الجمعة، وأضاف إلى ذلك أيضاً المسائل المستحدثة.

وفي هذا الكتاب قد بحث عن مسألة «ولاية الفقيه» بنحو أوفى مع مخالفة أقرانه واعتراض بعض الفضلاء من حوزة النجف وتركهم مجلس بحثه حيث كانوا يرون أنّ الإمام قدّس سرّه سيعترض على ما وقع في إيران ولم يلتفتوا إلى أنّه قد أراد بذلك بثّ فكرة الحكومة الإسلامية والكفر بالطاغوت وعلوّ الإسلام واقتدار الشيعة وخروج إيران من ذلّ الاستعمار.

ثمّ إنّ الإمام قد شرع في تدريس بحث البيع في حوزة قم المقدّسة يوم الأحد/ 9 أو 10 جمادى الاُولى 1380 ه. ق. وصنّف الكتاب حين التدريس

ص: 10

- كما هو دأبه في تأليف الفقه والاُصول - إلى مباحث البيع الفضوليّ، ولكن بعد وقوع النهضة الإسلامية ونفى الإمام من إيران، وإقامته الجبرية في تركيا وبعد وصوله النجف الأشرف بدأ بالبحث من أوّل البيع يوم الثاني 21 رجب 1385 ه.ق. لكنّ التصنيف قد اُكمل بعد وصول البحث إلى ما تركه سابقاً، إلاّ بعض الحواشي التي اُضيفت إلى المتن السابق فترى خطّ المصنّف في مطاوي الكتاب مختلفاً - يأتي تصويره في المجلّد الصفر من التراث - وتأريخ إتمام التصنيف هو يوم السبت 15 جمادى الاُولى 1393 ه. ق.

منهجنا في التحقيق

1 - تصحيح نسخة الكتاب، فإنّ للكتاب نسخة خطّية بيد المؤلّف العلاّمة، وعليه بعض الحواشي المضافة عند تدريس الدورة الثانية في النجف الأشرف، ومن المؤسّف له أنّ النسخة التي بأيدينا ناقصة أوّلاً وآخراً ومن الوسط، وقابلنا كلّ ما بأيدينا مع المتن المطبوع، لكنّ النسخة المطبوعة في النجف الأشرف تختلف بعض الأحيان مع خطّ الإمام الخمينى قدّس سرّه وهو من جهة أنّ النسخة كانت مسوّدة وقد قام آية اللّه الرضواني رحمه الله علیه من تلامذة الإمام بتصحيح الكتاب وتقويم متنه وقد عرض ما يرى أنّه الأصحّ أو الأقوم على حضرته فكان يقبله أو يردّه، فصار الكتاب مصحّحاً حقيقة بيد الإمام الراحل، وطبعت النسخة ما بين سنوات 1390 - 1397 ه. ق في النجف الأشرف، فنحن راعينا هذه التصحيحات أيضاً.

2 - وضع علامات الترقيم.

ص: 11

3 - التقطيع وجعل العناوين: وينبغي أن يعلم أنّ الفهارس المذكورة آخر

الطبعة السابقة للنجف كانت من قلم المصنّف ظاهراً على حسب دأبه في سائر كتبه، وهي من المسقطات عن النسخة الخطّية الموجودة، فلهذا قد حفظنا الظرائف الموجودة في مطاوي تلك الفهارس عند جعل العناوين وتنظيم فهرس المطالب في هذه الطبعة وأضفنا إليها اُخرى. وحيث إنّ العناوين المجعولة في الكتاب كثيرة، لم نميّزها ولم نجعلها بين المعقوفتين [ ] وعلى هذا فكثير من عناوين الكتاب من جانب لجنة التحقيق.

4 - استخراج الآيات والروايات على حسب ما هو المتعارف في إحياء الآثار.

5 - استخراج الأقوال المصرّح بها وغير المصرّح من الآراء الفقهية والاُصولية واللغوية والتفسيرية والحكمية وغيرها على حدّ ما أصبناه وحقّقناه.

6 - ذكر وجه ضعف الأحاديث الضعيفة أو المردّد فيها على حسب آراء الإمام الرجالية، وقد ذكرناها على وجه الاختصار.

7 - وضع الفهارس الفنّية للكتاب آخر كلّ مجلّد مستقلاًّ حتّى يسهل الرجوع.

وأخيراً، فإنّ مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه قامت بتصحيح وطبع «كتاب البيع» في سنة 1421 ه. ق - 1379 ش، وتعيد الآن وفي ضمن موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه تصحيحه مرّة اُخرى ولفت النظر في المتن وتحديث الحواشي وتطبيقها لكتب المنشورة أخيراً.

وليعلم أنّ الأجزاء الخمسة التي بين يدي القارئ هي نفس الأجزاء

ص: 12

الخمسة المطبوعة آنفاً أوّلاً وآخراً حتّى لا تختلط الأجزاء ويسهل الأمر على الناظرين والمراجعين إلى الطبعة السابقة واللاحقة.

وفي الختام تقدّم المؤسّسة بالشكر الجزيل إلى كلّ الإخوة الفضلاء الذين ساهموا في تحقيق هذا الكتاب راجية لهم دوام التوفيق وحسن الختام.

والحمد للّه أوّلاً وآخراً

مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه

فرع قم المقدّسة

ص: 13

ص: 14

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين

والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين

ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين

ص: 1

ص: 2

كتاب البيع وانقسامه إلى مباحث

كتاب البيع

وهو ماهية ذات إضافة إلى المتبايعين، وإلى المثمن والثمن، وله أحكام، ولهذا تنقسم مباحثه:

إلى ما يبحث فيه عن ماهيته وما هو مربوط بها، كألفاظ الإيجاب والقبول، وما هو بحكمها كالمعاطاة.

وإلى ما يبحث فيه عن شرائط المتبايعين، وما يتفرّع عليها.

وإلى ما يبحث فيه عن شرائط العوضين والأقسام التي باعتبارهما، كباب الصرف، والسلم، والربا، والنقد، والنسيئة، والقبض وغيرها.

وإلى ما يبحث فيه عن أحكامها وما وقع في ضمنها، كالخيارات

والشروط وأحكامهما.

ولمّا كان بحثنا على طبق كتاب «البيع» للشيخ الأعظم قدّس سرّه، اقتفينا أثره، وإن كان الترتيب يقتضي غير ذلك.

ص: 3

ص: 4

المبحث الأوّل

اشارة

في ماهية البيع

ولا بدّ في تحصيل تعريفها من تقديم اُمور :

اشارة

ص: 5

ص: 6

الأمر الأوّل

في المراد من البيع الذي يبحث عن ماهيته

إنّ ما رمناها من ماهية البيع هي التي تترتّب عليها أبواب الكتاب؛ من شرائط العوضين والمتبايعين وغير ذلك، وليس ما ذكر هو البيع المقابل للشراء ولو كان ذلك موافقا للعرف واللغة(1)، بل المراد تحصيل معنى ما هو المصطلح عند الفقهاء، وهو المتقوّم بالإيجاب والقبول والتمليك والتملّك، فتعريفه في المقام: بتمليك العين بالعوض(2) أو تبديل مال بمال(3) ونحوهما ممّا هو فعل البائع(4) غير وجيه.

كما أنّ الظاهر أن البيع من مقولة المعنى لا اللفظ، فليس الإيجاب والقبول مطلقا، أو المستعملان استعمالاً إيجادياً، أو المؤثّران عرفا أو شرعاً، بيعاً عرفاً

ص: 7


1- راجع معجم مقاييس اللغة 1: 327؛ مفردات ألفاظ القرآن: 155؛ لسان العرب 1: 556.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 5؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 271 و298.
3- منية الطالب 1: 93.
4- راجع ما يأتي في الصفحة 63.

ولغةً وإن اُطلق عليهما أحياناً، فيقال: «بيع صحيح» أو «فاسد» فإنّهما يطلقان على الأسباب، وأمّا المسبّبات فلا تتّصف بهما، بل يدور أمرها بين الوجود والعدم.

إلاّ أن يقال: إنّ المسبّب الإنشائي أيضاً يتّصف بالصحّة والفساد كما هو التحقيق(1).

كما أنّ الإنشاء - أي الاستعمال الإيجادي للإيجاب والقبول - ليس بيعا، وكذا الأثر الحاصل اعتباراً عقيب إنشاء التمليك والتملّك، بل هو عبارة عن التمليك والتملّك، أو التبديل والتبدّل، وسيأتي الفرق بينهما وما هو الحقّ في المقام(2).

وما ذكرناه يجري في المعاطاة أيضاً، فليس بيع المعاطاة عبارة عن التعاطي الخارجي الحسّي، بل هو قائم مقام اللفظ في البيع بالصيغة، وإنشاء فعلي له، كالإشارة القائمة مقام هيئة الأمر.

وليس المراد بالقيام مقامه أنّ البيع بالصيغة أصيل والمعاطاة نائبة منابه، بل لعلّ الأصيل الأقدم في باب المعاملات هو المعاطاة.

وكيف كان: يكون البيع من مقولة المعنى - بما ذكر - حتّى في المعاطاة.

إشكال ودفع

ثمّ هاهنا إشكال عقلي في جميع العقود المتقوّم تحقّق أثرها بالقبول، وهو أنّه لا إشكال في أنّ الإيجاب - قبل لحوق القبول به - لا يكون مؤثّرا فعلاً في

ص: 8


1- مناهج الوصول 1: 123.
2- يأتي في الصفحة 13 - 14 و18 - 20.

تحقّق التمليك والتملّك الاعتباريين، لا عند العقلاء، ولا عند المنشئ والموجب؛ ضرورة أنّ الموجب أيضاً لا يرى خروج المثمن عن ملكه ودخول الثمن فيه بمجرّد إيجابه، فمع العلم بعدم تأثير إنشائه في تحصيل المعنى الاعتباري المطلوب كيف يمكن له الاستعمال الإيجادي للإيجاب والقصد إلى حصول الملكية، ضرورة أنّ القصد إلى حصولها وتحقّق الجدّ به متوقّف على التصديق بترتّب الأثر عليه، وبكونه آلة للإيجاد، ومع التصديق بعدم ذلك وبتوقّفه على فعل الغير لا يعقل القصد إلى إيجاده، فكيف يمكن إنشاء ما لا يمكن أن يتحقّق ويحصل(1)؟ !

ولو قيل بإمكان تعلّق القصد بشيء لا يترتّب عليه أثر إلاّ بالقصد، كالتعظيم والتوهين من الاُمور القصدية - فإنّ القيام ليس تعظيماً وتوهيناً إلاّ بقصدهما - فمن الممكن أن يتعلّق القصد بما لا يترتّب عليه الأثر إلاّ به.

يقال له: إنّ القيام والركوع والسجود آلات للتعظيم، فإذا أدرك الإنسان عظمة الطرف، فصار ذلك الإدراك وسائر المبادئ محرّكة له للقيام ونحوه من آلات التعظيم، يصير ما فعل إظهاراً لعظمته وتعظيماً له، وإذا كانت في النفس مبادئ التحقير والسخرية فأوجد آلات التعظيم بتلك المبادئ صار ما فعل إظهارا لحقارته وتحقيراً له، وليس في شيء من ذلك قصد التعظيم والتحقير علّةً لهما.

مع أنّ القياس باطل؛ فإنّ فيما نحن بصدده ليس قصد الإيجاد موجباً للوجود

ص: 9


1- مقابس الأنوار: 115 / السطر 7؛ اُنظر البيع (تقريرات المحقّق الحائري) الأراكي 1: 23.

حتّى يقال: إنّ الموجب لمّا علم أنّ قصده كذلك موجب لترتّب الأثر عليه، يقصده لا محالة.

والتحقيق أن يقال: إنّ ألفاظ المعاملات - إيجاباً أو مع قبول - لا يعقل أن تكون مؤثّرات لتحقّق ما يتوقّع منها، كالملكية في البيع؛ لأنّ الملكية والزوجية وغيرهما من الماهيات الاعتبارية المتقوّمة باعتبار العقلاء حدوثاً وبقاءً، وليس لها حتّى بعد الاعتبار حقيقة غير متقوّمة به، فلا يصحّ أن يقال: إنّها وإن كانت اعتبارية، لكن بعد الاعتبار القانوني الكلّي لا يحتاج تحقّقها إليه(1)؛ ضرورة أنّ مصاديق الأمر الاعتباري اعتبارية أيضاً.

وبالجملة: ليست للملكية والزوجية ونحوهما حقيقة مع الغضّ عن اعتبار العقلاء.

لا أقول: إنّ اللازم فعلية اعتبار العقلاء، بل أقول: إنّه لو عرضت عليهم الأسباب المملّكة ليعتبرون الآثار والنتائج.

وإن شئت قلت: تكفي الفعلية الارتكازية، وعليه لا يعقل أن يكون الإيجاب والقبول موجبين لإيجاد الملكية ووجودها، فضلاً عن الإيجاب المجرّد؛ إذ لازمه أن تكون ألفاظ المعاملات مؤثّرات في نفوس العقلاء ونفس الموجب والمنشئ لها، مع أنّ للاعتبارات مبادئ ومناشئ حاصلة في صُقْع النفوس لا يعقل أن تكون تلك الألفاظ منها، فضلاً عن كونها علّة تامّة وسبباً وحيداً لها.

فالتحقيق: أنّ الأسباب المملّكة - بحسب المعروف - ليست أسبابا حقيقة،

ص: 10


1- مقالات الاُصول 1: 62 - 63 و67؛ نهاية الأفكار 1: 286 - 287 و4: 101 - 102.

فالحيازة ليست سببا لحصول الملكية؛ أي هذا المعنى الاعتباري المتقوّم بالاعتبار، بل هي كسائر الأسباب موضوعات لاعتبار العقلاء، فإذا تحقّقت الحيازة تصير موضوعة لاعتبار الملكية عقيبها من غير أن تصير علّة للاعتبار أو الأمر الاعتباري المتقوّم به.

وكذلك ألفاظ العقود، فإنّها أيضاً موضوعات لاعتبارهم؛ بمعنى أنّهم يعتبرون الملكية إذا استعملت هذه الألفاظ في معانيها جدّاً، فإذا علم المتبايعان أنّ انتقال السلعة إلى أحدهما والثمن إلى الآخر - في اعتبار العقلاء - موقوف على إنشاء التمليك والتملّك جدّاً، فلا محالة يقصدان بألفاظهما ذلك جدّاً ولو مع العلم بأنّ الألفاظ ليست موجدات لمعانيها حقيقة، بل موضوعات للاعتبار.

وبالجملة: إنّ الإشكال مبنيّ على مبنى فاسد، وهو موجدية الإيجاب للتمليك أو الملكية؛ ومع عدم صحّته ينفسخ الإشكال، فمع العلم بترتّب الأثر المطلوب على الإنشاء جدّاً - ولو بنحو الموضوعية - يتمشّى القصد لا محالة إلى ذلك.

ولو سلّم أنّ العقود مؤثّرات كالتأثير التكويني، فلا مجال لتوهّم تأثير الإيجاب في حصول الملكية للمتبايعين قبل لحوق القبول به، ولا إشكال عند كافّة العقلاء في أنّ الأثر حاصل بعد لحوق القبول وتمامية المعاملة، فتكون ألفاظ الإيجاب جزء المؤثّر، لا تمامه، فإذا علم الموجب أنّ جزئيتها للتأثير موقوفة على إنشاء التمليك جدّاً، واستعمال الألفاظ في معانيها بقصد تحقّق آثارها في موطنها، فلا محالة يتعلّق قصده به.

ولا إشكال في جزئيتها للأثر بعد انصرامها وتقضّيها بعد ما كان لها اعتبار بقاء

ص: 11

وبقاء اعتباري، كالعقد الفضولي المتعقّب بالإمضاء بناءً على النقل، والوصيّة المعلّقة على الموت.

وعلى ذلك يسهل دفع الإشكال إن قلنا: بأنّ الإيجاب مؤثّر في ظرف القبول(1) أو بضمّه(2)؛ فإنّ الموجب مع علمه بذلك ينشئ سبب التمليك أو جزءه ليؤثّر في ظرفه؛ أي بعد القبول، وهذا وإن لم يكن من قبيل التعليق في الإنشاء، لكن يتوقّف تأثيره على تحقّق القبول، وعلى الظرف الخاصّ، فلا تغفل.

وممّا ذكرناه يظهر النظر في كلام الشيخ الأعظم حيث قال: تحقّق القبول شرط للانتقال في الخارج، لا في نظر الناقل؛ إذ الأثر لا ينفكّ عن التأثير، فالبيع وما يساويه معنىً من قبيل الإيجاب والوجوب، لا الكسر والانكسار، كما تخيّله بعض(3)، ثمّ أمر بالتأمّل(4).

ولعلّه ناظر إلى أنّ الانتقال كما لا يحصل في الخارج، لا يحصل بنظر الناقل أيضا؛ لوضوح أنّ الآثار المتوقّعة من العقود إنّما تترتّب عليها بعد تماميتها وبضمّ القبول إلى الإيجاب، وأنّ الإيجاب فقط لا يؤثّر في النقل، وهذا أمر واضح لا يغفل عنه الناس.

مع أنّ التأثير إن كان مشروطاً لا يعقل ترتّب أثره على الإيجاب بلا شرط، ولا يكون توقّفه على الشرط من قبيل انفكاك الأثر عن التأثير.

ص: 12


1- اُنظر منية الطالب 1: 94.
2- اُنظر مقابس الأنوار: 107 / السطر 29.
3- مقابس الأنوار: 107 / السطر 30.
4- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 17 - 18.

وأوضح منه نظراً كلام بعض أعاظم العصر حيث قال: إنّ البيع الذي من فعل البائع، لا ينفكّ عن تحقّق اسم المصدر وإن لم يترتّب عليه الأثر خارجاً، فهو نظير الكسر الذي لا ينفكّ عنه الانكسار، وإن كان - من جهة ترتّب الأثر - مثل الإيجاب الذي لا يكون منشأً للآثار إلاّ إذا صدر ممّن له الأهلية له(1).

ضرورة أنّ اسم المصدر في التمليك هو «الملك» فإذا تحقّق في الخارج، لا يعقل معه عدم تحقّق الأثر الذي هو الانتقال، فالتفكيك بين تحقّق اسم المصدر والأثر لا يرجع إلى محصّل.

وتوهّم: أنّ مراده من الأثر ليس ما هو المعهود بينهم، بل المراد منه أحكام الملكية، من قبيل وجوب التسليم وحرمة التصرّف، غير وجيه، ولو أراد ذلك فهو أفسد.

الأمر الثاني في أنّ البيع هو التبادل في الإضافة

لا شبهة في أنّ ما هو عمل المتبايعين - بحسب الغالب - هو التمليك والتملّك، وتبديل الإضافة المالكية والمملوكية بإضافة اُخرى، فالتبادل يقع بين الإضافات.

كما لا شبهة في أنّ مراد صاحب «المصباح» من تفسيره البيع ب «مبادلة مال بمال»(2) هو المبادلة في الملكية ونحوها، وإلاّ فلا معنى معقول له؛ فإنّ المبادلة

ص: 13


1- منية الطالب 1: 95.
2- المصباح المنير: 69.

بين الشيئين لا بدّ وأن تكون في شيء وحيثٍ: إمّا في جوهر ذاتهما، أو صفاتهما الحقيقية، أو إضافاتهما غير الإضافة الملكية، كالإضافة الزمانية، والمكانية، وغيرهما.

ومعلوم أنّ شيئاً منها لا معنى له في المقام، ولا يمكن أن يكون مراده، فلا محالة يكون مقصوده التبادل في الملكية ولو بالمعنى الأعمّ الذي سنشير إليه(1)، وهو عبارة اُخرى عن التمليك بالعوض من هذه الجهة، وإن كان بينهما اختلاف من جهة اُخرى.

حول كلام المحقّق النائيني في المقام

وقد يقال: إنّ بين التعريفين فرقا معنوياً؛ فإنّ ظاهر تعريف «المصباح» أنّ المقابلة تقع بين المملوكين، والتعريف الآخر أنّ المقابلة بين السلطنتين، والمتعارف تبديل الأموال، لا تبديل الملكية التي هي عبارة عن السلطنة على الأموال؛ فإنّ «الناس مسلَّطُون على أموالهم»(2) لا على سلطنتهم، وباب الإعراض عن الملك ليس من جهة شمول السلطنة؛ فإنّ الإعراض إذهاب موضوع السلطنة، وليس مندرجا في موضوعها، فالمعاوضات عبارة عن تبديل المملوكين، عكس باب الإرث الذي هو تبديل المالكين.

والحاصل: أنّه في عالم الاعتبار كلّ من المتبايعين واجد لإضافة بينه وبين المملوك والتبديل عبارة عن حلّ الإضافة القائمة بالمثمن، وجعلها قائمةٌ

ص: 14


1- سيأتي في الصفحة 19.
2- الخلاف 3: 176؛ عوالي اللآلي 1: 222 / 99؛ بحار الأنوار 2: 272 / 7.

بالثمن، وهذا الحلّ من آثار واجدية الإضافة، لا أنّ الإضافة بتمامها تتبدّل بإضافة اُخرى، فالإضافة هي السلطنة، وليس للناس سلطنة على السلطنة، وهكذا.

فالحقّ: أنّ البيع مبادلة مالٍ بمالٍ، وليس عبارةٌ عن تمليك العين بالعوض، فالملكية جدة اعتبارية، لها نحو تحقّق في الاعتبار، وبها تتبدّل الأموال، وأمّا هي بنفسها فليست قابلةٌ للتبديل؛ لأنّه ليس للمالك ملكية على الملكية.

بل لا فرق بين البيع وغيره في ذلك، حتّى مثل الهبة المجّانية؛ فإنّ الواهب لا يملّك المتّهب ابتداءً، بل يعطيه المال، فإذا أعطاه إيّاه تنخلع عنه الإضافة، ويلبسها الآخر(1)، انتهى ملخّصاً.

وفيه موارد كثيرة للنظر، نذكر مهمّاتها:

منها: ما عرفت من أنّ التعريفين من هذه الجهة يرجعان إلى معنىً واحد، وإن اختلفا من جهة اُخرى كما سيأتي(2).

ومنها: أنّ السلطنة ليست هي الملكية، بل هي من الأحكام العقلائية للملكية، وتوهّم وحدتهما أوقعه في الإشكال، فقال ما قال.

وقوله صلی الله علیه و آله وسلم: «الناسُ مُسَلَّطُونَ على أموالِهِم» ينادي بما ذكرناه؛ فإنّ إضافة الأموال إلى الناس هي الإضافة المملوكية، فقوله صلی الله علیه و آله وسلم: «النّاسُ مُسَلَّطُون عَلى أموالِهِم» مساوق لقوله: «النّاسُ مُسَلَّطُون عَلى أملاكِهِم» فإنّ النّاسَ لا يُسَلَّطُونَ

ص: 15


1- منية الطالب 1: 92 - 93.
2- يأتي في الصفحة 56.

عَلى الأموالِ بِلا إضافةِ مالكيةٍ بَينَها وَبَينَهُم.

فلو رجعت السلطنة إلى الملكية، يكون قوله ذلك عبارةُ اُخرى عن قوله: «النّاسُ مالِكونَ لأملاكِهِم» وهو - كما ترى - من قبيل توضيح الواضح، فلا شبهة في أنّ السلطنة من أحكام الملكية لا نفسها.

وأمّا باب الإعراض، فهو أيضاً من شؤون السلطنة على الأموال، ولا ضير في إيجابه إعدام موضوع السلطنة؛ إذ هو في جميع المعاملات كذلك، فالبيع موجب لذهاب موضوع السلطنة على السلعة، فلا فرق بين الإعراض، والبيع، والصلح، والهبة من هذه الجهة، فكما أنّ السلطنة على الأموال لازمها السلطنة على البيع، وإعدام سلطنة البائع على المبيع بإعدام موضوعها، كذلك لازمها السلطنة على الإعراض، وإعدامها بإعدام موضوعها، فما هو منشأ إشكاله منفسخ، وبه ينفسخ ما يترتّب عليه.

ومنها: أنّ ما ذكره من أنّ التبديل عبارةُ عن حلّ الإضافة القائمة بالسلعة، وجعلها قائمةُ بالثمن، وهو من آثار واجديتها، لا أنّ الإضافة بتمامها تتبدّل بإضافة اُخرى. غير وجيه؛ لأنّ حلّ الإضافة من طرف المملوك، وبقاءها في طرف المالك، ممّا لا يعقل، من غير فرق بين الاعتباريات وغيرها؛ ضرورة أنّ المملوك - بما هو مملوك - مملوك المالك، والمالك مالك المملوك، وهما متكافئان؛ لا يعقل المملوك بلا مالك، ولا المالك بلا مملوك، فلا يعقل خلع إضافة المملوكية، وبقاء إضافة المالكية، ولا تبديل إضافة المملوكية، وعدم تبديل إضافة المالكية، وعليه يكون ما التزمه كرّاً على ما فرّ منه، مع توالٍ فاسدة.

ص: 16

وبما ذكرناه يظهر: أنّ ما تخيّله في باب الإرث أيضاً غير صحيح، بل مخالف لظواهر أدلّة الإرث.

ثمّ إنّ هذا الحلّ - أي خلع الإضافة، وجعلها قائمة بالغير - لا يعقل أن يكون من آثار تلك الإضافة؛ لأنّ الإضافة قائمة بالطرفين، والفرض أنّ الملكية عبارة عن السلطنة، ولازمه كونها أيضاً قائمة بالطرفين، فحينئذٍ خلع طرف الإضافة خلع حيثية ذاتها، أو جزء ذاتها، وهو لا يمكن أن يكون من آثارها، بل ولا يمكن أن تكون للناس سلطنة على سلطنتهم، والفرض أنّ السلطنة هي الملكية القائمة بالطرفين، فخلع الإضافة تصرّف في السلطنة - ولو ببعض حقيقتها - على مبناه غير الوجيه، فيكون من قبيل السلطنة على السلطنة.

ومنها: أنّ ما ذكره - من أنّ الملكية من قبيل الجدة الاعتبارية - ينافي تفسيرها ب «الإضافة» والحقّ أنّها من الإضافة الاعتبارية بوجه بعيدٍ.

وإن شئت قلت: إنّها أقرب في الاعتبار إلى الإضافة، والأمر سهل.

ومنها: أنّ قوله في الهبة: إنّ الواهب لا يملّك المتّهب ابتداءً، بل يعطيه المال، فإذا أعطاه إيّاه تنخلع عنه الإضافة، ويلبسها الآخر، من غرائب الكلام؛ ضرورة أنّ الإعطاء الخارجي ليس بهبة.

فالمراد من قوله: يعطيه المال، إن كان الإعطاء الخارجي بلا قصد هبته، فلا يعقل انخلاع الإضافة، وإن كان الإعطاء هبة فهو التمليك مجّاناً، فعدم التمليك وانخلاع الإضافة لا يجتمعان، وهو واضح.

ص: 17

الأمر الثالث في المراد من تبادل الإضافات

إنّ ما ذكرناه في الأمر المتقدّم من أنّ ماهية البيع عبارة عن تبديل الإضافات، إنّما هو في مقابل من قال: إنّ ماهيته تبديل المال بالمال أو العين بالمال، فيقع التبادل بين المالين ابتداءً(1).

ولا يتوهّم من ظاهر ما قلناه، أنّ المراد هو التبادل بمعناه المعهود؛ بمعنى أنّ البائع يبدّل إضافته الخاصّة التي بينه وبين العين، بإضافة خاصّة بين المشتري والثمن؛ فإنّ ذلك غير معقول حتّى لدى العرف، لعدم معقولية استقلال الإضافة - ولو الاعتبارية منها - بلا طرف ولو آنا ما، ولازم انتقالها من البائع إلى المشتري استقلالها وجوداً واعتباراً بلا طرف، وهو كما ترى.

ولا يتوهّم: أنّ عدم إمكان استقلالها عقلي لا عرفي، والمقام متقوّم بتشخيص العرف؛ فإنّ العرف والعقلاء أيضاً لا يتعقّلون إضافة الملكية بلا مالك ولا مملوك، بل ما هو المتعارف لدى العقلاء هو تمليك العين بالعوض غالباً ولازمه سلب المالكية عن نفسه، وإيقاع الإضافة المالكية للطرف، وهما - بما هما سلطانان على السلعة والثمن - كان لهما أنحاء التصرّفات فيهما؛ من التمليك المجّان، وبالعوض، والإعراض.

والأخير سلب المالكية عن نفسه، والأوّلان إيقاع المالكية لغيره، ولازمه

ص: 18


1- منية الطالب 1: 93 - 94.

سلبها عن نفسه، وهو عبارةٌ اُخرى عن تبديل العين بالعوض في الملكية؛ أي إعطاء الملكية للغير بالعوض، وعن تمليك العين بالعوض.

ثمّ إنّ حقيقة البيع عبارة عن مبادلة مال بمال، ولا دخل في الإضافة المالكية فيها، ووجود الإضافة المالكية بحسب الغالب، لا يوجب دخالتها في الماهية وتقوّمها بها، والدليل عليه صدق عنوان «البيع» على بيع الأعيان الموقوفة فيما يجوز بيعها، مع أنّه لا مالك لها، ولا سيّما الموقوفات العامّة، فإذا ملّكها وليّ الأمر - كالمتولّي والحاكم - بالعوض، صدق عليه «البيع» عرفاً ولدى العقلاء بلا ريب.

وكذا بيع الحاكم الأجناس الزكوية وأمثالها لو قلنا: بأنّها ليست ملكاً لأحد، بل عيّنها الشارع لمصارف خاصّة(1).

وكذا الحال في بعض أقسام البيع الفضولي، الذي يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه (2).

وكذا بيع الكلّي في الذمّة مع عدم مالكية الشخص له؛ إذ لا يعتبر العقلاء مالكية الإنسان لما في ذمّته، ولا يعدّ مالاً له، لكن لمّا كان للذمم اعتبار على حسب اختلافها فيه، يكون لصاحبها سلطنة على تمليك كلّي فيها حسب مقدار الاعتبار العقلائي، فيكون ذلك تمليك مال، لا تمليك مال مملوك، أو تبديل الإضافة التي بين المالك والمملوك.

فإذا ظهر أنّ في الأمثلة المتقدّمة ونظائرها يصدق عنوان «البيع» ومن الواضح

ص: 19


1- راجع ما يأتي في الصفحة 46.
2- يأتي في الجزء الثاني: 206.

عدم اختلاف ماهية البيع في تلك الموارد وغيرها من موارد تحقّق الإضافة المالكية، نستكشف أنّ ماهيته لا تتقوّم بالإضافة المالكية وإن كانت متحقّقة في غالب الموارد.

فالمراد ب «تبادل الإضافات» هو إعطاء إضافة بعوض، وهذا عين تمليك عين بعوض؛ فإنّ التمليك إعطاء الإضافة، لا تبديل إضافة محقّقة بإضافة اُخرى محقّقة، فتدبّر جيّدا.

الأمر الرابع في عدم تقوّم البيع بكون المبيع أصلاً والثمن بدلاً

لا شبهة في أنّ المتعارف عند الناس في أوائل تمدّنهم - قبل تعارف الأثمان - هو تبادل الأمتعة بعضها ببعض، حسب ما مسّت الحاجات إليه، فكانوا يعاوضون الحنطة بالشعير، والمزروع بالملبوس وهكذا، والآن أيضا تكون المعاوضة بين العينين متعارفة، ولا سيّما بين أهل البوادي والقرى، فهل هي معاملة مستقلّة غير البيع، أو هي هو؟

قد يتوهّم من التعبير في البيع ب «التمليك بالبدل» أو ب «العوض» أنّ ماهية البيع متقوّمة بكون المبيع أصلاً، والثمن بدلاً؛ بمعنى أنّ المبيع مطلوب بالذات، والثمن بدل لماليته(1).

وهو وهم؛ فإنّ التعبير بذلك ليس لأجل كون المبيع مطلوباً ذاتاً بخصوصياته

ص: 20


1- اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 19 و72.

الذاتية، والثمن مطلوباً لأجل بدليته، ومطلوبية بدليته عرضية، مع أنّ ذلك أيضاً لا يصحّ كلّياً، بل المراد ب «العوض» هو العوض في المعاملة؛ أي يكون التمليك في مقابل التمليك، لا مجّاناً وبلا عوض.

ومجرّد تعارف كون المبيع سلعة وعروضاً ومقابله الأثمان، لا يوجب تقوّم حقيقة البيع بذلك وصحّة سلبه عن بيع الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم، وعن البيع الربوي والصرف، مع شيوع إطلاقه عليها عرفاً وفي الشرع، فالبيع تمليك عين بعوض، أو مبادلة مالٍ بمالٍ، سواءٌ كان العوض من الأثمان أم لا.

نعم، البائع والمشتري في بيع الأعيان بالأثمان معلومٌ لدى العرف، لكن في بيع الدرهم بالدرهم يمكن أن يكون كلّ واحد منهما بائعاً، فمن أوجب التمليك بالعوض بائعٌ، فلا يتعيّن فيه البائع لدى العرف ولا المشتري.

فلو باع ديناراً بدينارين أو بدراهم وقبل الآخر، صار الأوّل بائعاً، والثاني مشترياً، ولو انعكس انعكس إذا لم نقل بجواز بيع الأثمان بالعروض؛ لعدم التعارف، ومخالفته لبناء العرف والعقلاء، وإلاّ - كما لا يبعد وحكي عن العلاّمة أنّه لو باع ديناراً بحيوان يثبت الخيار للبائع، مدّعيا عليه الاتّفاق(1)، فيدلّ على صحّته لدى الفقهاء - انتفى الفرق من هذه الجهة أيضاً.

بل لو فرض إنشاء العقد بصيغة المعاوضة والمبادلة من غير تقدّم أحدهما - كما لو وكّلا ثالثاً لإجرائه - لم يكن خارجاً عن حقيقة البيع، بل هو أيضاً تمليك العين بالعوض.

ص: 21


1- الحاكي هو قطب الدين الرازي، اُنظر مسالك الأفهام 3: 333؛ الحدائق الناضرة 19: 277.

نعم، يمكن الفرق بينه وبين البيع بالأثمان: بأنّ كلاًّ من المتبايعين ملّك عينه بالعوض، وهو لا يوجب الخروج عن حقيقة البيع، ولا التفاوت الجوهري بينه وبين البيع بالأثمان.

الأمر الخامس فيما يعتبر في صدق البيع من خصوصيات العوضين

اعتبار كون المبيع عيناً في صدق البيع

قالوا: لا إشكال ولا خلاف في اعتبار كون المبيع عيناً، فلا يعمّ المنافع والحقوق(1).

وربّما يتشبّث لذلك بانصراف الأدلّة إلى ما هو المعهود خارجاً، أو الشكّ في شمول المطلقات لغير بيع الأعيان(2).

وأنت خبير: بأنّ ما هو المقصود هاهنا تحصيل مفهوم البيع عرفاً، سواء كان صحيحاً شرعاً أم لا، لا ما هو المؤثّر شرعاً، وإلاّ كان اللازم تقييد الموضوع بكلّ ما يعتبر في مؤثّريته شرعاً.

وعليه لا يتّجه التمسّك بالإجماع، أو تسالم الأصحاب وعدم الخلاف، ولا بانصراف الأدلّة، أو الشكّ في إطلاقها؛ إذ كلّ ذلك أجنبيّ عن المقصود، إلاّ أن يتشبّث باتّفاق الأصحاب لتحصيل معناه العرفي، وهو كما ترى؛ لأنّهم بصدد

ص: 22


1- جواهر الكلام 22: 208؛ منية الطالب 1: 101.
2- منية الطالب 1: 101.

بيان التفاوت بين البيع والإجارة المؤثّرين، ولا أقلّ من احتمال ذلك، فلا يمكن استكشاف المعنى العرفي منه، فلا تغفل.

نعم، ربّما يتمسّك بالتبادر عرفاً، وصحّة سلب «البيع» عن تمليك المنفعة بالعوض(1).

وفيه: منع التبادر، والتبادر الناشئ من الغلبة غير مفيد.

وأمّا صحّة السلب، فمع رجوعها إلى التبادر على ما حقّق في محلّه(2)، فهي ممنوعة أيضاً؛ ضرورة تعارف البيع لدى العقلاء والعرف في موارد بيع غير الأعيان، كما يتعارف بين الزرّاع بيع آثار الأعمال في الأرض - مثل «الشيار»(3) وحفر الجداول، وتصفية الأراضي إلى غير ذلك - إذا أرادوا ترك الزرع أو الهجرة من قريتهم، ولا أظنّ بأحد منهم التردّد في صدق «البيع» عليه.

وقد تعارف في عصرنا بيع حقّ عقلائي أو اعتبار كذلك، يتخيّلونه في الدكاكين وغيرها، يسمّونه: «سرقفلي» أو «حقّ الماء والطين» ولا أظنّ بأحدهم عدّ ذلك غير البيع، ولا الشبهة في صدق مفهوم «البيع» عليه.

بل الظاهر صدقه على بيع السلطان قطعة من مملكته وحومة تصرّفه، مع قيام الضرورة على عدم بيع الأراضي والدور المملوكة للأشخاص، ولو فرض كون جميع تلك الناحية معمورة لأشخاص معلومين، يصحّ بيعها

ص: 23


1- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 272.
2- مناهج الوصول 1: 83 - 85.
3- الشيار: كلمة فارسية تطلق على الشقّ الذي يحدثه الثور ونحوه في الأرض الزراعية عند الحرث. اُنظر فرهنگ معين 2: 2100.

لدى العقلاء، وهو ليس من بيع الأعيان، بل هو بيع معنىً اعتباري، ولو نوقش في المثال فلا تنبغي المناقشة في أصل الدعوي، فبيع المنافع والحقوق بيع عرفا ولغةً ولو فرض بطلانه.

الإشكال في بيع الكلّي في الذمّة والدين

ثمّ إنّه لو اعتبر كون المبيع عيناً فيراد منها ما تقابل المنفعة والحقّ، فتعمّ العين الشخصية، والملك المشاع، والكلّي في المعيّن، والكلّي في الذمّة، والدين.

وربّما يقال: لا إشكال في شيءٍ منها إلاّ الأخيرين؛ فإنّ فيهما إشكالاً، وهو أنّه لا بدّ في المبيع أن يكون ملكاً ومعروضاً للملكية، وهما ليسا كذلك؛ لعدم وجودهما، مع أنّ الملكية عرض محتاج إلى المحلّ(1).

أقول: الإشكال جارٍ في الكلّي في المعيّن والمشاع أيضاً؛ ضرورة أنّ الكلّي - بأيّ وجه فرض، وبأيّ قيد تقيّد - لا يخرج عن الكلّية، ففي الكلّي في المعيّن ما هو موجود في الخارج هو المتشخّصات المتعيّنات، التي هي غير قابلة للصدق على الكثيرين، والكلّي في المعيّن ماهية صادقة على كلّ واحد من الأفراد الموجودة في المعيّن، فصاع من صُبْرة يصدق على كلّ صاع متحقّق فيها، ولهذا يصحّ تعيينه في أيّ صاع أراده البائع، وما هو كذلك لا يعقل أن يكون موجوداً متشخّصاً.

ص: 24


1- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 272.

ولا فرق بينه وبين الكلّي في الذمّة إلاّ من جهة التقيّد، فالكلّي في المعيّن كلّي مقيّد بقيد، لا ينطبق لأجله إلاّ على المصاديق المتحقّقة في الصُبْرة، والكلّي في الذمّة لو لم يتقيّد بشيء، يصدق على كلّ فرد من الطبيعة، وهذا لا يوجب الافتراق في الكلّية، ولا يخرج الكلّي به عن الكلّية إلى الشخصية المتقوّمة بالوجود.

وهكذا الكلام في المشاع، فإنّ النصف والثلث وغيرهما من الكسور، لم تكن متعيّنة متشخّصة في الخارج، وما ليس كذلك ليس بموجود خارجي.

وبالجملة: الموجود في الخارج هو العين، وأبعاضها المعيّنة موجودة بتبعها لو قلنا: بموجوديتها فعلاً، وإلاّ - كما هو التحقيق - لا يكون الموجود إلاّ نفس العين، وقبل القسمة الفرضية لم تكن الأجزاء موجودة بوجه، وبعدها تصير موجودة فرضاً، ومع التقسيم الخارجي تخرج من الجزئية إلى الاستقلال، وتصير موجودة بوجودها الشخصي، وهذا الجزء - بهذا المعنى المتشخّص أو المتعيّن ولو بالقوّة - ليس الكسر المشاع، بل هو أمر معيّن، والمشاع لا يعقل أن يكون معيّناً، ومع عدم التعيين يأتي الإشكال المتقدّم فيه.

والجواب في الجميع: هو التشبّث بأنّ الملكية ليست من الأعراض الخارجية، بل من الاعتبارات العقلائية، ولا مانع من اعتبارها في موضوع اعتباري آخر، والكلّي في الذمّة وكذا سائر الأمثلة، ليست معدومة مطلقا حتّى في الاعتبار، بل هي موجودات اعتبارية، مورد اعتبارها قد يكون في الذمّة، وقد يكون في خارجها ومع موجوديتها يعتبرها العقلاء ملكاً ومملوكاً، فلا إشكال من هذه الجهة.

ص: 25

وأمّا تحقيق اعتبار العقلاء في الملك المشاع، والكلّي في المعيّن، والفرق بينهما، فموكول إلى محلّه(1).

والإنصاف: أنّ الإشكال فيهما أقوى، والجواب أصعب من الأخيرين.

وأمّا الإشكال الآخر المختصّ بالكلّي في الذمّة من بين الأمثلة، والجاري في عمل الحرّ: من عدم ماليته لصاحب الذمّة والحرّ(2)، فقد مرّ دفعه(3).

ويؤيّد ما ذكرناه: - من عدم اعتبار كون المبيع عينا في نظر العقلاء - عدم الإشكال في عدم اعتبار كون العوض عيناً، وعدم الخلاف فيه(4)، ولا شبهة في صدق عنوان «البيع» عليه، واحتمال الإلحاق شرعاً مقطوع الفساد.

ووجه التأييد: أنّ العوض والمعوّض يختلفان بالاعتبار حسب إنشاء البيع، وأمّا بحسب الواقع فكلّ من المثمن والثمن عوض عن الآخر، فماهية البيع هي المبادلة بينهما، وجعل كلّ منهما عوضا عن الآخر، وبدلاً عن صاحبه، فالعين بدل الثمن وعوضه، والثمن بدل العين وعوضها، فكما لا يعتبر في العوض - بمعنى الثمن - كونه عينا، كذلك في العوض الآخر الذي هو مبيع؛ لعدم الفرق بينهما من جهة العوضية والمعوّضية، ومن وقوع التبادل عليهما.

ولعلّ التزام الأعاظم بالفرق بينهما، ناشٍ:

إمّا من كلام الفقهاء في مقام الفرق بين البيع والإجارة: بأنّه نقل الأعيان،

ص: 26


1- يأتي في الجزء الثالث: 426 و436.
2- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 274.
3- تقدّم في الصفحة 19.
4- اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 8.

وهي نقل المنافع(1) وقد أشرنا (2) إلى أنّ اتّفاقهم - على فرض تحقّقه - لا يكون كاشفاً عن المفهوم العقلائي، ولا تثبت به اللغة والمعنى العرفي.

وإمّا من نحو قوله: البيع هو تمليك العين بالعوض(3) فالتزموا في المبيع أن يكون عينا دون العوض. وفيه: أنّ صحّة هذا التعريف أوّل الكلام.

والإنصاف: أنّ توهّم الفرق بينهما عرفاً تكلّف، وشرعاً - لو فرض ثبوته - خارج عن محطّ بحثنا.

حول صدق البيع مع كون العوض عمل الحرّ

ثمّ لا إشكال في صدق «البيع» مع كون العوض منفعة.

وأمّا عمل الحرّ فقد استشكل فيه الشيخ الأعظم: باحتمال اعتبار كون المبيع مالاً قبل المعاوضة، واحتمال عدم مالية عمل الحرّ(4).

أقول: هذا وإن كان أمراً مستقلاًّ، وكان علينا بيانه في تحصيل مفهوم البيع، لكن نتعرّض له - تبعاً - في ضمن هذا الأمر، فنقول:

قد مرّ(5) عدم اعتبار كون المبيع ملكاً للبائع، كبيع وليّ الوقف الموقوفة

ص: 27


1- اُنظر جامع المقاصد 7: 128؛ جواهر الكلام 22: 208؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 8.
2- تقدّم في الصفحة 22 - 23.
3- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 15؛ حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 5؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 298.
4- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 8.
5- تقدّم في الصفحة 19.

العامّة، بل ولا يعتبر في العوض ذلك أيضاً، كما إذا اشترى الحاكم بالصدقات أو بالخراج شيئاً، وقلنا: بعدم كونهما لمالك، بل جُعلاً لمصرف خاصّ، وكتبادل الوقف العامّ بمثله إذا اقتضت المصالح، فيرجع إلى تبادلهما في الولاية أو السلطنة، ولا بأس به؛ للصدق العرفي، فهل يعتبر كونهما مالين قبل وقوع المعاوضة عليهما أم لا؟

الظاهر عدم الاعتبار، فإذا فرض كون شيء غير مال لدى المشتري أو البائع، لكن بعد النقل صار مالاً، يكون تبادلهما بيعاً عرفاً، ومورداً لاعتبار العقلاء، وموافقاً لأغراضهم، فإذا فرض عدم مالية عمل الحرّ قبل وقوع المعاوضة عليه، وصار مالاً بعده، يكون بيعه بيعاً عرفياً عقلائياً.

بل قد يقال بعدم اعتبار كونهما مالاً رأساً؛ فإنّ المعاوضة عليهما بيع وإن كان فاسداً (1).

وفيه ما لا يخفى؛ فإنّ المنظور هاهنا هو البيع الذي من مقولة المعنى، لا ألفاظ المعاملة حتّى تتّصف بالصحّة والفساد، وأمر المعنى دائر بين كونه مورداً لاعتبار العقلاء وعدمه، ومع عدمه لا يكون بيعاً؛ فإنّه ماهية اعتبارية.

ومعلوم أنّ اعتبارات العقلاء إنّما هي لأغراض واحتياجات ومصالح التمدّن والعيش، ولا معنى لاعتبار ما لا يتعلّق به غرض ولا فائدةٌ له رأساً، فهل يصحّ اعتبار عقد الزواج بين الشجرتين، فيقال: «إنّه نكاح فاسد» أو إنّه ليس إلاّ اُضحوكة؟ !

ص: 28


1- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 274.

فتبديل منّ من ماء البحر بمنّ منه في البحر - كتبديل كفّ من تراب بكفّ منه في البرّ - اُضحوكة، لا بيع، ولا معاملة اُخرى.

ثبوت الضمان في حبس الحرّ الكسوب

ثمّ إنّ عمل الحرّ مال سواء كان كسوباً أم لا؛ ضرورة أنّ خياطة الثوب أو حفر النهر، مال يبذل بإزائه الثمن، وليس المال إلاّ ما يكون موردا لرغبة العقلاء وطلبهم، ومعه يبذلون بإزائه الثمن.

نعم، ماليته باعتبار توقّع حصوله ووجوده، لكن لا بمعنى أنّه قيد لها، بل بمعنى كونه مالاً بلحاظه، فيكون ذلك كجهة تعليلية لذلك، فالفرق بين عمل الكسوب وغيره من جهة صدق «المال» في الأوّل دون الثاني - كما التزم به الطباطبائي قدّس سرّه في «تعليقته»(1) - ليس على ما ينبغي.

نعم، فرق بينهما في تحقّق الضمان بحبسه؛ فإنّ الظاهر أنّ حبس الحرّ الكسوب موجب للضمان لدى العقلاء، بخلاف غيره.

وهذا جارٍ ظاهراً في العبد، وفي سائر الأموال أيضاً، فإنّ العبد أو الفرس أو غيرهما، قد يكون معدّا للإجارة وتحصيل مال الإجارة، وقد لا يعدّ لذلك، كما في عبيد السلاطين والخلفاء، فإنّهم لمجرّد زيادة الشوكة والعظمة، ولا يكون عبيدهم معدّين للكسب، فحبس مثل هذا العبد لا يوجب ضمان المنافع لدى العقلاء.

وكذا أفراس السلاطين والأشراف، ممّا لا تكون معدّة للإجارة، بل لركوبهم، فليس غصبها موجباً لتقدير منفعة لها وتضمين الغاصب إيّاها.

ص: 29


1- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 278.

وكذا الحال في بيت معدٍّ لإقامة العزاء لا غير، فيجري فيه ما ذكر، ففي جميع تلك الموارد، يفترق المعدّ للإجارة عن غيره لدى العقلاء.

نعم، مع استيفاء الغاصب منفعة منها يكون ضامناً لها، وهو واضح، والظاهر عدم تعبّد في المقام من قبل الشارع غير ما لدى العقلاء، فتدبّر.

وأمّا حصول الاستطاعة بمجرّد كون الحرّ كسوبا (1) فممنوع؛ لأنّ الاستطاعة عبارة عن واجدية الزاد والراحلة فعلاً، وعمل الحرّ - ولو كان كسوباً - يوجد بالتدريج، فتحصيل الزاد في طريق الحجّ من قبيل تحصيل الاستطاعة، وليست حاصلة بالفعل.

نظرة في الحقوق

اشارة

وأمّا الحقوق ففيها جهتان من البحث:

الاُولى: في ماهياتها وأقسامها وأحكامها على سبيل الإجمال.

الثانية: في صحّة جعلها عوضاً أو معوّضاً.

الجهة الاُولى : ماهية الحقوق وأقسامها

أمّا الاُولى: فلا شبهة في أنّ الحقّ ماهية اعتبارية عقلائية في بعض الموارد، وشرعية في بعض الموارد، كاعتبارية الملك، والسلطنة، والولاية، والحكومة وغيرها، فهو من الأحكام الوضعية.

كما لا ينبغي الريب في أنّه ماهية واحدة ومعنى وحداني في جميع الموارد،

ص: 30


1- اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 278.

وليس له في كلّ مورد معنىً مغاير للآخر.

وبعبارة اُخرى: أنّه مشترك معنوي بين مصاديقه كأخواته. فهل اعتباره عين اعتبار السلطنة، أو عين اعتبار الملكية، أو لا هذا ولا ذاك، بل هو اعتبار آخر مقابلهم؟

يظهر من الشيخ الأنصاري قدّس سرّه أنّه عبارة عن السلطنة مقابلاً للملك(1) ومن عدّة من المحقّقين أنّه مرتبة ضعيفة من الملك ونوع منه(2).

وربّما يقال: إنّه نحو سلطنة وملك(3)، فيكون الحقّ والملك والسلطنة معنىً واحداً، وإن كان الحقّ أخصّ منهما.

ويظهر من بعض محقّقي المحشّين على «بيع الشيخ» أنّه في كلّ مورد لاعتبار مخصوص، له آثار خاصّة، فحقّ الولاية، وحقّ التولية، والنظارة، والرهانة، والاختصاص، ليس إلاّ نفس تلك الاعتبارات، والإضافة فيها بيانية، وحقّ التحجير عبارة عن اعتبار كونه أولى بالأرض، وحقّ القصاص والشفعة والخيار عبارة عن السلطنة(4).

أقول: قد أشرنا إلى أنّ الاعتبار في الحقوق ليس مختلفا وإن اختلف متعلّقاتها، وما ذكره من الأمثلة المتقدّمة - أي الولاية، والتولية، ونحوهما - ليس شيء منها من الحقوق، بل هي اعتبارات اُخر غير الحقّ والملك والسلطنة.

ص: 31


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 9.
2- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 282؛ منية الطالب 1: 106.
3- اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 288؛ منية الطالب 1: 108.
4- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 20 و44.

فالولاية والوصاية من الاعتبارات المجعولة بذاتها، غير مربوطة بالحقّ، والظاهر أنّ الاختصاص في الخمر ليس من الحقوق أيضاً.

فالقول بأنّ المذكورات كلّها من الحقوق، والالتزام بأنّ الحقّ في كلّ مورد له معنىً على حدة، في غاية الإشكال، ومخالف لارتكاز العقلاء والعرف.

فإذا صحّ ما ذكرناه من وحدانية حقيقته - كما هو كذلك عرفاً ولغةً وتبادراً - فالتحقيق أنّه غير الملك والسلطنة.

والشاهد عليه: - مضافاً إلى فهم العرف وارتكاز العقلاء - صدقه في موارد لا يعتبر فيها الملك ولا السلطنة، فلو سبق إلى مكان في المسجد والأراضي المتّسعة من الأملاك والموقوفات، فلا شبهة في أنّه لا يملك المكان المسبوق إليه بوجه من الوجوه؛ لا ملكا ضعيفاً، ولا شديداً، لو سلّم تصوّر الشدّة والضعف في الملك، مع أنّ المعروف أنّه أحقّ به من غيره، ويتعلّق به حقّ له على المكان(1).

وتوهّم مالكيته للتمكّن فيه، كلام شعري لا ينبغي الإصغاء إليه، ومخالف لاعتبار العقلاء.

ولو حفر نهراً وأوصله إلى الشطّ، فما لم يدخل الماء في نهره لا يكون مالكاً للماء - بلا شبهة - بوجه من الوجوه، ولكن يمكن أن يقال: إنّ له حقّ الحيازة، وفي مورد التحجير يثبت حقّ على الأرض، ولا تصير ملكاً له بلا ريبٍ.

ومن أمثال ما ذكر يظهر: أنّ اعتباره غير اعتبار الملك، ولا يكون مساوقاً له، ولا أخصّ منه.

ص: 32


1- شرائع الإسلام 3: 220 - 221؛ مفتاح الكرامة 7: 33 و36.

كما أنّ تخلّفه عن السلطنة أحياناً دليل على عدم مساوقته لها، ولا أخصّيته منها، فإذا انتقل حقّ التحجير والاستحلاف والقذف وغيرها إلى الصغير، أو كانت تلك الحقوق للمحجور عليه بسفه وغيره، فلا شبهة في اعتبار الحقّ لهم كاعتبار الملك، كما لا شبهة في عدم اعتبار السلطنة لهم حتّى لدى العقلاء بالنسبة إلى بعضهم، كالصغير غير المميّز والمجنون، فالسلطنة فيها لوليّه القانوني العرفي أو الشرعي.

وما قد يقال: من أنّ سلطنتهم سلطنة القاصر(1) ليس بشيء؛ لأنّ القاصر مسلوب السلطنة لا مفوّضها، وللوصيّ، والقيّم، والجدّ، والأب، والحاكم، سلطنة مستقلّة عليه وعليها، وليس حالهم حال الوكيل، وهو واضح.

وربّما تعتبر السلطنة في بعض الموارد، ولا يعتبر الحقّ ولا الملك، كسلطنة الناس على نفوسهم؛ فإنّها عقلائية، فكما أنّ الإنسان مسلّط على أمواله، مسلّط على نفسه، فله التصرّف فيها بأيّ نحو شاء، لولا المنع القانوني لدى العقلاء، والشرعي لدى المتشرّعة.

فما أفاده الشيخ الأعظم: من عدم إمكان قيام السلطنة بطرفيها بشخص واحد(2) إن أراد الامتناع العقلي؛ للتضايف الذي بينهما، فلا دليل على الامتناع كلّية، بل في كثير من الموارد يقوم طرفا الإضافة بشيءٍ واحد.

وإن أراد اعتبار العقلاء فهو أيضاً ممنوع؛ فإنّ الناس لدى العقلاء مسلّطون على أنفسهم، كما أنّهم مسلّطون على أموالهم، بل في هذا العصر تعارف بيع

ص: 33


1- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 290.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 9.

الشخص دمه وجسده للاختبارات الطبّية بعد موته، وليس ذلك إلاّ لتسلّطه على نفسه لدى العقلاء، فسلطنة الناس على أنفسهم عقلائية.

وأمّا كون الشخص ذا حقّ على نفسه فغير عقلائي؛ إذ لا يعتبر العقلاء أنّ الإنسان ذو حقّ على نفسه.

فلو قال الشيخ الأعظم: إنّ الحقّ لا يقوم بطرفيه على شخص واحد فيكون محقّاً ومحقّاً عليه، كان وجيهاً، وإن بقي الإشكال عليه من جهة تخيّل أنّ الحقّ مطلقا أو في الشفعة والخيار، يتعلّق بالطرف، فيكون مطلقا أو في الشفعة والخيار، سلطاناً وسلطاناً عليه، مع أنّ الأمر ليس كذلك كلّياً ولا في المثالين؛ لأنّ حقّ الخيار قائم بالعقد، وحقّ الشفعة قائم بالعين لا بالطرف، فتوجيه بعضهم كلامه(1) ليس على ما ينبغي.

نعم، يمكن توجيه كلامه بوجه آخر سيأتي التعرّض له(2).

بل الظاهر عدم اعتبار ملكية الإنسان لنفسه، وقد تقدّم أنّ ماهية البيع لا تتقوّم بكون المبيع ملكاً، بل يكفي في تحقّقها السلطنة على التمليك(3).

فتحصّل ممّا ذكر: أنّ الحقّ ليس ملكاً، ولا مرتبة منه، ولا سلطنة، ولا مرتبة منها؛ أي لا يكون عينهما، ولا أخصّ منهما، وإلاّ لما تخلّف عنهما.

ويؤيّد المدّعى بل يدلّ عليه: أنّ الملك في جميع الموارد إضافة بين المالك والمملوك، حتّى في مالكية شيءٍ في ذمّة الغير؛ لأنّ الملكية متقوّمة بالإضافة

ص: 34


1- منية الطالب 1: 109؛ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 54.
2- يأتي في الصفحة 46 - 47.
3- تقدّم في الصفحة 19.

الحاصلة المذكورة، وتكون ذمّة المديون كمحفظة للمال، لا دخالة لها في

اعتبار الملكية.

وإن شئت قلت: حال الذمّة حال الخارج بالنسبة إلى الأعيان الخارجية المملوكة، فكما أنّ الخارج ظرف للمملوك من غير دخالة له في اعتبار الملكية، كذلك الذمّة.

وأمّا الحقّ، فكثيراً ما يعتبر بين ذي الحقّ ومن عليه الحقّ، ففي حقّ الاستحلاف يكون للمدّعي حقّ على المدّعى عليه لأن يستحلفه، فيكون الاستحلاف مورد الحقّ، والمدّعي صاحبه، والمنكر من عليه الحقّ، وإذا حلف المنكر أدّى ما عليه، وليس في شيءٍ من الموارد حال الملك كذلك، حتّى في ملكية ما في الذمّه كما عرفت.

وما يرى من اعتبار «عليه» في الذمم، فإنّما هو باعتبار الدين لا الملك؛ إذ الدين له إضافة إلى الدائن وإلى المديون، فيكون فيه اعتبار «له» و«عليه» دون الملك؛ فإنّ اعتبار «عليه» ليس في شيءٍ من موارده دخيلاً في اعتباره.

ويؤيّده أيضاً: أنّه يعتبر في الحقّ أحياناً الأداء كالدين، دون الملك؛ لأنّ الحقّ - كالدين - يعتبر في بعض الموارد على الغير، فيصحّ فيه الأداء، ويصدق عليه، وأمّا الملك فلا تعتبر فيه العهدة، ولا يصحّ فيه الأداء والتأدية، كما لا يصحّ ذلك الاعتبار في السلطنة، فلا يقال: «أدّى سلطنته أو سلطانه» كما يقال: «أدّى حقّه».

ثمّ إنّ الظاهر أنّ الحقّ في مثل استحقاق العقوبة في العاصي واستحقاق الثواب في المطيع بل وحقّ الجار على الجار في الجملة وأنحائها، من هذا القبيل

ص: 35

فيكون للّه تعالى حقّ على العاصي أن يعاقبه، وللمطيع - على ما قالوا (1) - حقّ على اللّه تعالى أن يثيبه، مع عدم اعتبار الملكية والسلطنة في نحو الأخير بالضرورة.

ثمّ إنّه بعد ما علم أنّ الحقّ اعتبار مقابل الاعتبارات الاُخر المتقدّمة، فهل يكون مقتضاه ذاتاً جواز النقل والإسقاط، أو تستتبعه عند العقلاء سلطنة على ذلك، كما قلنا في الأموال المملوكة: إنّ الملكية اعتبار عقلائي، ومن أحكامها السلطنة على التقليب والتقلّب(2)؟

الظاهر هو الثاني؛ فإنّ واجدية الحقّ ليست عبارة اُخرى عن السلطنة والقدرة الاعتبارية على المذكورات، بل لدى العقلاء كلّ ذي حقّ سلطان على حقّه، وله التقليب والتقلّب فيه.

نعم، قد يعبّر عن السلطنة ب «الحقّ» بالمعنى الأعمّ، فيقال: «له حقّ على إسقاط حقّه أو نقله» ولا شبهة في عدم اعتبار حقّ على الحقّ، بل له السلطنة على الحقّ، وبها تجوز المذكورات.

فالسلطنة القائمة على الأموال والأملاك والحقوق، مقوّمة لنفوذ المعاملات لدى العقلاء، لا نفس الملك، ولا نفس الحقّ، لهذا قد يتحقّق الملك والحقّ ولا سلطنة على المذكورات، كالمحجور عليه، وقد تتحقّق السلطنة لشخص بلا واجديته للملك والحقّ كالأولياء.

ص: 36


1- كشف المراد: 407 - 408؛ إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين: 413.
2- تقدّم في الصفحة 15.

وقد فسّر بعض الأعاظم الحقّ بالسلطنة الضعيفة(1)، ومع ذلك التزم بجواز نقله(2)، مع إنكاره فيما تقدّم إمكان نقل الملك؛ لكونه سلطنة، ولا تعقل السلطنة على السلطنة، و«الناس مسلّطون على أموالهم» لا على سلطانهم(3).

مع أنّ نقل الحقّ الذي هو سلطنة - على زعمه - لازمه السلطنة على السلطنة.

نعم، قال في خلال كلامه: فإذا كان الحقّ عبارة عن اعتبار خاصّ، الذي أثره السلطنة الضعيفة على شيء، ومرتبة ضعيفة من الملك، فهو بجميع أقسامه وأنحائه قابل للإسقاط(4)، انتهى.

وأنت خبير: بأنّ صدر كلامه هذا مخالف لما تقدّم منه من أنّه سلطنة ضعيفة، كما أنّه مخالف لقوله في ذيله: ومرتبة ضعيفة من الملك بعد ما فسّر الملك بالسلطنة، ولازم كلامه هذا مع ما تقدّم منه أنّه سلطنة ضعيفة، أثرها سلطنة ضعيفة، وهو كما ترى، فلو اكتفى بالجملة الاُولى - وهي قوله: اعتبار خاصّ الذي أثره السلطنة - بلا تقيّدها بالضعيفة كان حقّاً.

ثمّ إنّ الظاهر من ذيل كلامه أنّ قوام الحقّ بقابليته للإسقاط، فإذا لم يقبل

فلا يكون حقّاً، واستظهر من الشهيد أيضاً (5)، وفي الاستظهار نظر.

ص: 37


1- منية الطالب 1: 106.
2- منية الطالب 1: 108.
3- تقدّم في الصفحة 14.
4- منية الطالب 1: 107.
5- القواعد والفوائد 2: 43؛ منية الطالب 1: 107.

كما أنّ قوام الحقّ بقابليته للإسقاط؛ بمعنى أنّ عدمها مساوق لعدمه، غير ظاهر إن كان المراد قابليته فعلاً؛ بمعنى لزوم سقوطه بالإسقاط، وما ليس كذلك فليس بحقّ، كما لا يبعد ذلك بالنظر إلى جميع كلامه، لا بمعنى اقتضائه لذلك وإن أمكن حصول المانع له.

وبالجملة: إن أراد الثاني فلا بحث، وإلاّ ففيه إشكال؛ لأنّ الحقّ - كما مرّ(1) - اعتبار خاصّ، ومن أحكامه السلطنة على اُمور، كالإسقاط والنقل، فلو فرض سلب جميع آثاره فلا شبهة في عدم اعتباره، كما أنّ سلب جميع آثار الملكية، مساوق لسلب اعتبارها لدى العقلاء، وأمّا سلب بعض الآثار مع بقاء بعضها فلا، فالحقّ يعتبر مع حفظ السلطنة ولو في بعض الآثار.

وبعبارة اُخرى: ليس حال الإسقاط في الحقّ كحال النقل في البيع؛ من حيث إنّ شرط عدم الإسقاط كان مخالفا لمقتضاه، كما أنّ شرط عدم النقل مخالف لمقتضى البيع؛ ضرورة أنّ شرط عدم الإسقاط غير منافٍ لمقتضاه لدى العقلاء.

ولعلّ مراده أنّ الحقّ في حدّ نفسه قابل للإسقاط، لكن لو كان مراده ذلك لم يتّجه إشكاله على السيّد الطباطبائي قدّس سرّه (2)؛ فإنّه أيضا صرّح بأنّ الحقّ بحسب طبعه يقتضي جواز إسقاطه ونقله لولا المنع التعبّدي(3).

ثمّ إنّه قد يقال: إنّ الحقوق على أقسام:

ص: 38


1- تقدّم في الصفحة 36.
2- منية الطالب 1: 107.
3- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 282.

منها: ما لا ينتقل بالموت ولا يصحّ إسقاطه ولا نقله، وعدّ منه حقّ الاُبوّة، وحقّ الولاية، وحقّ الاستمتاع بالزوجة، وحقّ السبق في الرماية قبل تمام النضال، وحقّ الوصاية(1).

وأنت خبير: بأنّ شيئاً منها ليس من قبيل الحقوق، فمثل الولاية والوصاية ونحوهما من الوضعيات المقابلة للحقّ والملك والسلطنة.

والاستمتاع بالزوجة جائز شرعاً، ويجب عليها التمكين، والزوج مسلّط عليها في الاستمتاعات، وأمّا كونه حقّاً فغير معلوم.

وفي السبق قبل تمام النضال لم يثبت حقّ، بل هو عقد لازم ظاهراً، يجب الوفاء به، فقبل تمامه يجب الإتمام بناءً على لزومه(2) ولو قيل: إنّه مثل الجعالة(3)، فلا شيء قبل تمامه، وبعده يملك عليه الجعل.

وكيف كان: لم يثبت مورد اُحرز كونه حقّا، ومع ذلك لم يكن قابلاً للإسقاط والنقل والانتقال.

ومنها: ما يصحّ نقله وإسقاطه، وينتقل بالموت، كحقّ الخيار، والقصاص، والرهانة، والتحجير ونحوها (4).

وربّما يقال بعدم قبول حقّ الخيار والشفعة والرهانة للنقل إلى الغير؛ بحيث يكون له الخيار، وله تملّك حصّة الشريك، أو له استيفاء الدين؛ فإنّ

ص: 39


1- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 281.
2- السرائر 3: 149؛ شرائع الإسلام 2: 185.
3- الخلاف 6: 105؛ مختلف الشيعة 6: 219.
4- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 282.

ذلك غير صحيح أو غير معقول(1).

أقول: الخيار حقّ قائم بالعقد، ولصاحب الخيار سلطنة على الفسخ والإمضاء، ولازم الفسخ رجوع كلّ من العين والثمن إلى محلّه الأوّل، فترجع العين إلى البائع، والثمن إلى المشتري بالفسخ، وهذا المعنى قابل للنقل إلى الغير، وليس مقتضاه إلاّ فسخ العقد بالمعنى المذكور، من غير فرق بين النقل إلى الأجنبيّ أو إلى طرف المعاملة، فكما يصحّ جعل الخيار أوّلاً لأجنبيّ ولأيّ طرف من المتعاملين، وليس لازمه إلاّ ما ذكر؛ أي فسخ العقد ورجوع العوضين إلى صاحبهما الأوّل لا إلى الأجنبيّ، فكذلك حال النقل.

ومن ذلك يعلم حال حقّ الشفعة أيضاً؛ فإنّه حقّ قائم بالعين المشاعة المبتاعة ليضمّها إلى ملكه، وهذا - بهذا المعنى - قابل للنقل إلى الأجنبيّ وإلى الطرف، فيثبت لهما ذلك الحقّ؛ أي حقّ ضمّ المبتاع إلى ملك الشفيع.

وأمّا الرهن فليس بحقّ، بل الحقّ - بعد الشرائط المذكورة في محلّها - قائم بالعين المرهونة لاستيفاء الدين منها، وهذا قابل للانتقال إلى الأجنبيّ، ليكون له حقّ استيفاء دين الدائن منها.

نعم، لا يصحّ جعله للراهن؛ لأنّ له ذلك قبل الجعل، فلا معنى لنقل ما هو حاصل، إلاّ أن يرجع إلى الإسقاط، وهو - على فرض صحّته - أمر آخر.

ومنها: ما هو قابل للنقل إلى من هو مثله، كحقّ القسم القابل للانتقال إلى الضرّة لا غير(2).

ص: 40


1- اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 49.
2- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 282.

أقول: بل الظاهر جواز نقله إلى الغير حتّى إلى الرجل، ولا سيّما إذا قلنا: بجواز أخذ العوض بإزائه(1)، كما هو الأشبه؛ لإمكان أن يشتري الأجنبيّ هذا الحقّ ويبيعه أو يتصالح مع الضرّة، وليس معنى انتقال هذا الحقّ أن يكون للمنتقل إليه حقّ الاستيفاء مباشرة، بل معناه كونه صاحب قسم الزوجة، فله الإسقاط، وله الاستيفاء لولا المانع، وله النقل إلى غيره.

ثمّ إنّ الحقّ - بما هو معنى اعتباري قائم باعتبار العقلاء، وبما أنّه إضافة

خاصّة تتقوّم بالأطراف - لا يكون معنى نقله ما هو المتفاهم من ظاهر «النقل والانتقال» بل حاله حال البيع بما مرّ ذكره(2): من أنّ إنشاء النقل جدّاً موضوع لاعتبار العقلاء ذلك الحقّ لغيره، وإلاّ فلا يعقل النقل بمعناه الواقعي، اللازم منه استقلال الإضافة بلا طرف، حتّى لدى العرف.

ومنها: ما يشكّ في صحّة إسقاطها أو نقلها وانتقالها، وعدّ منها ما لا يكون حقّا جزماً، وما يشكّ في كونه حقّاً، وما يكون قابلاً للإسقاط والنقل، على فرض ثبوت حقّيته، كحقّ السبق في إمام الجماعة(3).

مقتضى الأصل عند الشكّ في الحقّ

ثمّ إنّه لو شكّ في كون شيء حقّاً أو حكماً، فلا أصل لإثبات أحدهما، فلابدّ من الرجوع إلى الاُصول العملية.

ص: 41


1- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 282؛ جواهر الكلام 31: 189.
2- تقدّم في الصفحة 10 - 11.
3- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 282.

وأمّا لو شكّ في كون حقّ قابلاً للإسقاط أو النقل، فإن كان الشكّ لأجل الشكّ في القابلية العرفية، فلا يصحّ إحرازها بالعمومات؛ لرجوع الشكّ إلى الصدق.

وإن كان في القابلية الشرعية، فقد يقال: بجواز التمسّك بعمومات تنفيذ العقد والصلح والشرط وسلطنة الناس على أموالهم؛ لتصحيح المعاملة وكشف القابلية؛ إذ شأن العمومات رفع هذا الشكّ(1).

وربّما يردّ ذلك: بأنّ أدلّة إنفاذ المعاملات في مقام بيان إنفاذ الأسباب شرعاً عموماً أو إطلاقاً، فإذا اُحرزت قابلية النقل، وشكّ في اعتبار سبب خاصّ، فدليل عموم المعاملة - كدليل الصلح والشرط - يرفع هذا الشكّ، وأمّا إذا شكّ في قبوله للنقل، لا من حيث خصوصية سبب من الأسباب، فلا يمكن رفعه بأدلّتها (2).

وفيه: أنّه لا شبهة في أنّ قوله تعالى: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(3)، أو قوله علیه السلام: «الصلح جائز بين المسلمين»(4) أو «المؤمنون عند شروطهم»(5) ظاهر في لزوم الوفاء بكلّ معاقدة أو صلح أو شرط تصدق عليها تلك العناوين عرفاً، فعدم وجوب الوفاء في مورد أو موارد، مخالف لهذه العمومات والإطلاقات.

ص: 42


1- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 283.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 50 - 51.
3- المائدة (5): 1.
4- الفقيه 3: 20 / 52؛ وسائل الشيعة 18: 443، كتاب الصلح، الباب 3، الحديث 2.
5- تهذيب الأحكام 7: 371 / 1503؛ وسائل الشيعة 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 4.

فإذا اُلقيت تلك العمومات إلى العقلاء، لا يشكّون في أنّ الشارع بصدد إنفاذ كلّية العقود والشروط وماهية الصلح بلا قيد وشرط، والشكّ في عدم القابلية الشرعية، راجع إلى الشكّ في اعتبار الشارع شرطاً وقيداً في المثمن أو الثمن؛ وبالجملة إلى عدم إنفاذه معاملة خاصّة، فإذا شكّ في أنّ البيع الربوي صحيح، يرجع ذلك الشكّ إلى احتمال اعتبار الشارع شرطاً في العوضين بعد كون المعاملة عقلائية، ولا شبهة في أنّ العمومات رافعة له، ولا دليل على دعوى كونها بصدد إنفاذ الأسباب فقط، حتّى ترجع إلى الحكم الحيثي، بل الظاهر منها أنّها أحكام فعلية، بصدد إنفاذ المعاملات العقلائية والعقود العرفية، ولا يزال الفقهاء - الذين هم من العرف والعقلاء - يتمسّكون بها لإثبات صحّة المعاملات.

هذا مع عدم جريان الإشكال في مثل: «الناس مسلّطون على أموالهم»(1) مع شموله للحقّ الذي هو مال، وبإ لغاء الخصوصية أو الفحوى يسري الحكم إلى ما ليس كذلك، لكنّه يأتي الكلام فيه(2).

نعم، هنا شبهة اُخرى، وهي أنّه استثني من أدلّة نفوذ الشرط ما هو مخالف لكتاب اللّه (3)، أو غير موافق له(4)، أو حرّم حلالاً، أو أحلّ حراماً (5).

ص: 43


1- تقدّم في الصفحة 14.
2- يأتي في الصفحة 122 و125.
3- الكافي 5: 169 / 1؛ تهذيب الأحكام 7: 22 / 94؛ وسائل الشيعة 18: 16، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 1.
4- نفس المصدر.
5- تهذيب الأحكام 7: 467 / 1872؛ وسائل الشيعة 18: 17، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 5.

وكذا استثني من دليل إنفاذ الصلح ما أحلّ حراماً أو حرّم حلالاً(1).

والظاهر من مخالفة الكتاب مخالفة حكم اللّه تعالى، ولو ثبت من سنّة رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أو أخبار الأئمّة الطاهرين سلام اللّه عليهم.

كما أنّ الظاهر أن لا خصوصية للتحليل والتحريم، بل المراد تغيير حكم اللّه تعالى، كما يشهد به اختلاف التعبير في الشرط، فيراد في الصلح أيضا ظاهراً استثناء مطلق ما يخالف حكم اللّه، ولا يبعد إسراء العرف والعقلاء هذا الاستثناء إلى سائر المعاملات، بل لا يبعد أن يكون ذلك حكما عقلياً واستثناءً لبّياً يدركه العقل.

ولو قلنا بأنّ الشرط أعمّ من الشرط الضمني والابتدائي، بل مطلق العقود والمجعولات العقلائية، فالأمر أوضح.

وعلى هذا: لو شكّ في معاملة؛ من جهة اعتبار الشارع الأقدس قيداً أو شرطاً في العوضين، به يخرجان عن القابلية للانتقال، لا يصحّ التمسّك لرفعه بالعمومات؛ لكونه من التمسّك بها في الشبهة المصداقية، وهو غير جائز ولو في المخصّصات اللبّية، كما قرّرنا في محلّه(2)، وإحراز المصداق بالأصل محلّ إشكال يطول التعرّض له، ولعلّه يأتي الكلام فيه(3).

نعم، يمكن أن يقال: إنّ دليل سلطنة الناس على أموالهم - الشامل للحقوق المالية لفظاً، ولغيرها بالفحوى - يرفع الشكّ في اعتبار الشارع قيداً للعوضين؛

ص: 44


1- الفقيه 3: 20 / 52؛ وسائل الشيعة 18: 443، كتاب الصلح، الباب 3، الحديث 2.
2- مناهج الوصول 2: 217.
3- يأتي في الجزء الخامس: 272.

ضرورة أنّ كلّ قيد يوجب عدم قابلية العوضين للنقل، تضييق لسلطنة المتعاملين، ومنافٍ للعموم المذكور.

فالعموم يكشف عن عدم اعتبار الشارع قيداً، ويكشف عن عدم كون المعاملة مخالفة لحكم اللّه تعالى، وينقّح بهذا الدليل موضوع عمومات الصلح والعقد والشرط، فيتمسّك بها لإنفاذ المذكورات، ولكنّه لا يخلو من مناقشة، يأتي الكلام فيها (1).

الجهة الثانية: صحّة جعل الحقّ عوضا أو معوّضا

الجهة الثانية - وهي مورد البحث الأصيل -: أنّه هل يعتبر في البيع أن لا يكون الحقّ عوضاً ولا معوّضاً؛ أي يكون الاعتبار فيه على وجه لو جعل الحقّ عوضاً أو معوّضاً لخرج عن صدق «البيع» ولا بدّ في صدقه أن يكونا عينين أو منفعتين، أم لا مطلقاً، أو يفصّل بين العوض والمعوّض؟

يمكن تقريب الأوّل: بأنّ المعتبر في البيع تمليك العوضين، فيقوم كلّ منهما مقام الآخر في الملكية، وهذا المعنى غير متصوّر في نقل الحقوق؛ لأنّ اعتبار الحقّ غير اعتبار الملك والسلطنة كما مرّ(2).

وأيضا: لا يكون الحقّ مملوكا لذي الحقّ، بل له إضافة خاصّة بها يستحقّ، لا بإضافة مالكية حتّى تكون له إضافتان: إضافة حقّ، وإضافة مالكية الحقّ.

نعم، لكلّ ذي حقّ وملك سلطنة عليهما، وهي من الأحكام العقلائية لهما،

ص: 45


1- يأتي في الصفحة 122 و125.
2- تقدّم في الصفحة 32.

فإن لم يكن الحقّ ملكاً ولا مملوكاً - وإن اُطلقا عليه بنحو من المسامحة - لا يكون نقله بيعا، سواء كان من طرف أو طرفين.

وفيه: منع اعتبار التمليك والتملّك في ماهية البيع، كما مرّ(1) من صدق «البيع» على بيع الوقف العامّ مع عدم دخول ثمنه في ملك أحد، وكما في بيع الغلاّت الزكوية بالنقد الزكوي، بناءً على عدم مملوكية الزكاة لأحد، بل تكون الأصناف مصارف لها كما لا يبعد، ففي أمثال ذلك يكون التبادل بين المالين في السلطنة من طرف أو طرفين، لا في الملكية، مع وضوح صدق «البيع» عليه، وهو شاهد على عدم اعتبار التمليك والدخول في الملك في العوضين لدى العقلاء، وقد مرّ ضعف التفصيل بين العوض والمعوّض(2).

وتوهّم: صحّة المبادلة بين العينين في السلطنة دون الحقوق، في غاية الضعف.

والإنصاف: أنّ نقل الحقوق بالعوض بل بالحقوق، والأملاك بها أو بالعكس، بيع عرفاً، فبيع حقّ التحجير بالثمن بيع لدى العقلاء.

تفصيل الشيخ الأعظم بين الحقوق في صحّة بيعها

ثمّ إنّه يظهر من الشيخ الأعظم تقسيم الحقوق - ولو تصوّراً - إلى أقسام:

منها: ما لا يقبل المعاوضة بالمال، وهذا لا إشكال في عدم صحّة بيعه.

ومنها: ما لا يقبل النقل، كنقل الحقّ إلى من عليه الحقّ، فجعل المانع فيه لزوم قيام طرفي السلطنة الفعلية بشخص واحد.

ص: 46


1- تقدّم في الصفحة 19.
2- تقدّم في الصفحة 26.

ومنها: ما لا محذور فيه من هذه الجهة، كحقّ التحجير، وكالحقوق التي على الأشخاص من غيرهم، وجعل المانع فيها عدم ماليتها (1).

وأنت خبير: بأنّ ما ذكرناه - الذي هو بمنزلة التفسير لكلامه، ولا يبعد أن يكون المتفاهم من جملة كلامه - يدفع به الإشكال عنه: بأنّ الحقوق مطلقاً ليست كذلك حتّى نحتاج إلى الدفع بما فعله العلمان في «تعليقتيهما» من اختصاص كلامه بحقّ الشفعة والخيار(2).

فيرد عليه: أنّهما ليسا على الأشخاص، بل الأوّل متعلّق بالأعيان، والثاني بالعقود كما مرّ(3).

أو يرد عليه: أنّ دليله أخصّ من مدّعاه كما قال الطباطبائي قدّس سرّه (4).

نعم، إنّ مدّعاه في القسم الثاني حقّ، وإن كان دليله غير وجيه؛ لعدم كون الحقّ سلطنة أوّلاً؛ لما مرّ(5) من اختلاف اعتبارهما، وعدم امتناع قيام طرفي السلطنة الاعتبارية بشخص واحد ثانياً.

والأولى أن يقال: إنّه لا يعتبر العقلاء كون الشخص ذا حقّ على نفسه، كما لا يعتبرون كون الشخص الواحد دائناً ومديوناً؛ أي مديونا لنفسه، فالحقّ على الأشخاص من الاعتبارات التي تتقوّم بشخصين.

ص: 47


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 8 - 9.
2- منية الطالب 1: 109؛ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 54.
3- تقدّم في الصفحة 34 و40.
4- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 288.
5- تقدّم في الصفحة 32.

وأمّا القسم الثالث فلا يمكن مساعدته فيه؛ لأنّ بعض الحقوق أموال تبذل بإزائها الأثمان، ولا يعتبر في المالية إلاّ ذلك.

توجيه الشيخ الأعظم بيع الدين على من هو عليه

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم دفع توهّم النقض عليه في القسم الثاني ببيع الدين على من هو عليه(1)؛ بالفرق بين اعتبار الملكية، والسلطنة على الأشخاص(2)، فإنّ هذه السلطنة متقوّمة بأطراف ثلاثة: السلطان، والمسلّط عليه، وما فيه السلطنة، فالسلطنة على المنكر في استحلافه - على فرض كون الحقّ سلطنة - متقوّمة بالمدّعي والمنكر والاستحلاف، وأمّا اعتبار الملكية فلا يتقوّم إلاّ بالمالك والمملوك، وأمّا الذمّة فكالخارج، لا دخالة لها في اعتبارها، فليس في الملك مملوك عليه، وهو كلام متين.

وما قيل من عدم قابلية ما في الذمّة لأن يكون مملوكاً لمن عليه، وعدم قابلية نقل الغير إليه ولو آناً ما، فصيرورة الإنسان مالكاً على نفسه آناً ما - حتّى يسقط عنه، وتبرأ ذمّته - مستحيل(3).

مدفوع بما أفاده الشيخ قدّس سرّه ومرّ تقريره؛ ضرورة أنّ اعتبار مالكية ما في الذمّة ليس اعتبار المالكية على النفس، بل هو اعتبار المالكية لما في الذمّة، وهو ليس بمستحيل، بل هو - نظير بيع الدين على من هو عليه - من الاعتبارات العقلائية،

ص: 48


1- جواهر الكلام 22: 209.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 9.
3- منية الطالب 1: 110.

فنرى أنّ العقلاء يبيعون كرّاً من الحنطة التي على العهدة على من عليه، كبيعهم على غيره.

نعم، هذا الاعتبار له أمد خاصّ، وليس كاعتبار ملكية الأعيان، فنرى أنّهم لا يرون بعد البيع والانتقال إليه أنّه مالك لما في ذمّته مطلقاً وبلا أمد.كمالكيته لسائر الأشياء، ولهذا تكون نتيجة مالكيته براءة ذمّته أو السقوط منها.

والمسألة ليست عقلية حتّى يقال: لو صحّت مالكيته حدوثا لصحّت بقاءً(1).

أو يقال: لا يعقل أن يكون أثر الملكية سقوطها؛ للزوم كون الشيء معدما لنفسه(2).

بل هي عقلائية اعتبارية، لا بدّ من تبعية العقلاء فيها في أصل الاعتبار، ومقداره، وأمده، ولا شبهة في اعتبار الانتقال حدوثاً، لا بقاء الملكية، ولا إشكال فيه.

توجيه المحقّق النائيني بيع الدين على من هو عليه

ثمّ إنّ بعض الأعاظم بعد الإشكال في مالكية الشخص لما في ذمّته، أراد توجيه بيع الدين على من هو عليه، فقال: إنّ البيع لم يقع على ما في الذمّة بقيد كونه فيها؛ لأنّ هذا القيد يوجب امتناع تحقّقه، بل يقع البيع على الكلّي، وهو مَنّ من الحنطة مثلاً، فيصير المشتري - أعني المديون - مالكاً لذلك الكلّي على

ص: 49


1- حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 22 و23؛ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 56.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 56 و67.

البائع، وحيث كان البائع مالكاً لمنّ من الحنطة على ذمّة المديون وهو المشتري، فينطبق ما على البائع على ما كان له على المديون، فيوجب سقوط ذمّتهما، وهو أشبه شيء بالتهاتر(1)، انتهى.

وهو غريب؛ لأنّ المتعارف لدى العقلاء بيع ما في الذمّة، لا بيع كلّي بغير اعتبار ذلك، فحينئذٍ لا بدّ من تصحيح هذا الاعتبار بأن يقال:

إنّ هنا اعتبارات ثلاثة: أحدها: منّ من حنطة. ثانيها: المنّ المتقيّد بالذمّة. ثالثها: المنّ الذي ظرفه الذمّة، واعتبر على العهدة.

ولا شبهة في أنّ الدين اعتبر على العهدة والذمّة، ومع ذلك فهو قابل للتحقّق الخارجي؛ وذلك لأنّ الاعتبار فيه على النحو الثالث، وعدم كون الذمّة والعهدة إلاّ مخزن الأمر الاعتباري، لا قيده ليمتنع معه تحقّقه، فكما يقال: «إنّ فلاناً أدّى دينه وما في ذمّته، فبرأ منه» ولا يكون من قبيل التهاتر ونحوه بالضرورة، فكذا في المقام تقع المعاملة على الدين؛ أي الحنطة التي في الذمّة، لا على حنطة كلّية بلا علامة، ولا على الحنطة المتقيّدة بكونها في الذمّة.

والإنصاف: أنّ الخروج عن الاعتبارات العقلائية - التي هي محطّ هذه المباحث - إلى العقليات الأجنبيّة منها، يوقع الفقيه فيما لا ينبغي لشأنه.

حول إنكار المحقّق النائيني قابلية الحقّ للعوضية

ثمّ إنّه رحمه الله علیه أنكر قابلية الحقّ للعوضية، بعد تسليم كونه قابلاً للنقل، واستدلّ عليه: بأنّه يعتبر في البيع أن يكون كلّ من الثمن والمثمن داخلاً في ملك مالك

ص: 50


1- منية الطالب 1: 110.

الآخر، ولا شبهة في أنّ الحقّ لا يكون قابلاً لذلك؛ فإنّه مباين للملك سنخاً وإن كان من أنحاء السلطنة بالمعنى الأعمّ، ومن المراتب الضعيفة للملك، ولكن كونه كذلك غير كافٍ لوقوعه عوضاً؛ لأنّه لا بدّ من حلول الثمن محلّ المثمن في الملكية، فلا بدّ أن يكون كلّ منهما من سنخ الآخر(1).

وفيه: - مضافاً إلى التناقض بين الاعتراف بكونه من المراتب الضعيفة للملك، مع دعوى مباينتهما سنخاً؛ ضرورة عدم التباين السنخي بين مراتب شيءٍ واحد، ومضافاً إلى عدم صحّة دعوى كونه من أنحاء السلطنة وكونه من مراتب الملك كما مرّ(2) - أنّه لا دليل على اعتبار ذلك في البيع، بل قد تقدّم(3) تعارف تبديل الملك بالسلطنة وبالحقّ لدى العقلاء، وصدق «البيع» عليه عرفاً.

فلو أراد بما ذكر أنّه يعتبر في البيع أن يكون كلّ الثمن والمثمن في درجة واحدة في الملكية ولا يكفي فيه مبادلة مرتبة قويّة بمرتبة ضعيفة منها، وأراد بالمباينة السنخية المباينة في المرتبة؛ بتقيّد كلّ مرتبة بالحدّ التي هي فيه، كان الإشكال أوضح؛ ضرورة عدم اعتبار وحدة الدرجة في صدق «البيع» على فرض صحّة كون الملك ذا مراتب، وإلاّ لزم على مبناه عدم صحّة جعل المنافع عوضاً؛ لتصريحه بأضعفية مرتبتها من ملك الأعيان(4).

ص: 51


1- منية الطالب 1: 111.
2- تقدّم في الصفحة 32 - 34.
3- تقدّم في الصفحة 19 و46.
4- منية الطالب 1: 107.

ولو رجع كلامه إلى ما تقدّم منّا؛ من أنّ الحقّ سنخ اعتبار مخالف للملك، ويعتبر في البيع التمليك والتملّك، فقد مرّ جوابه(1).

هذا كلّه في الحقوق القابلة للنقل.

حكم الحقوق القابلة للإسقاط

وأمّا الحقوق القابلة للإسقاط - سواء كانت قابلة للنقل أم لا - فهل يصحّ جعل إسقاطها أو سقوطها مقابلاً أو معوّضاً ويكون عنوان «البيع» معه صادقاً عليه عرفاً، أم لا؟

أقول: لا ينبغي الإشكال في الصدق إذا جعل الإسقاط - بالمعنى المصدري - عوضاً بل معوّضاً؛ بمعنى جعل عمل صاحب الحقّ ملكاً للطرف على عهدته، كجعل الخياطة والكتابة - بالمعنى المصدري - على عهدة الخيّاط والكاتب، وإن قلنا: باعتبار التمليك والتملّك في البيع؛ ضرورة أنّ العمل الكذائي صار بالتمليك وجعله عوضاً ملكاً للطرف على عهدة صاحب الحقّ، كسائر موارد جعل أعمال الحرّ والعبد عوضاً، طابق النعل بالنعل.

وكذا الحال لو جعل السقوط - بالمعنى المصدري - على عهدة صاحب الحقّ القادر على تحصيله بالإسقاط، كجعل خياطة الثوب، وكناسة المسجد - بالمعنى المصدري - على عهدة الخيّاط والكنّاس، فيكون هذا المعنى ملكاً للطرف على عهدتهما، وتكون لهما القدرة على إيجاده وتسليمه.

ص: 52


1- تقدّم في الصفحة 46.

كلام المحقّق النائيني في المقام ودفعه

وما قيل من أنّ الإسقاط بالمعنى المصدري، والسقوط - بما أنّه اسم المصدر - ليسا كالخياطة ونحوها ممّا يملكه البائع؛ لأنّ هذا معنى حرفي غير قابل لأن يتموّل إلاّ باعتبار نفس الحقّ(1).

ليس بوجيه؛ فإنّه - مضافاً إلى أنّ الخياطة وسائر أعمال الحرّ والعبد أيضاً من المعاني المصدرية، وليس شيء منها بذاتها متموّلة، بل اعتبار ماليتها لأجل الآثار المرغوبة المطلوبة منها لدى العقلاء، وهذا كافٍ في جعلها عوضاً، ومضافاً إلى عدم كون حاصل المصدر معنىً حرفياً - أنّ دعوى الفرق بين الخياطة وسائر أعمال الحرّ والعبد، وبين هذا العمل غير صحيحة؛ لأنّ كلاًّ منهما قابل للنقل والتمليك.

والعجب أنّه بعد ما ادّعى أنّ المصدر واسمه لا يقبلان الدخول في ملك الغير والخروج عن ملك المشتري؛ ليكون البائع مالكاً لهذا العمل، قال: ولا يقاس ذلك بشرط الإسقاط في ضمن عقد لازم؛ لأنّ في باب الشرط يملك المشروط له على المشروط عليه إسقاط الحقّ أو سقوطه، ولا ملازمة بين قابليته للدخول تحت الشرط، وبين قابلية وقوعه ثمناً؛ لأنّ إسقاط الحقّ يصير بالشرط مملوكاً للغير على صاحب الحقّ، ولكن لا يمكن أن يكون بنفسه مملوكاً، ويحلّ محلّ المبيع في الملكية(2)، انتهى.

ص: 53


1- منية الطالب 1: 111.
2- نفس المصدر.

وأنت خبير بما فيه؛ ضرورة أنّ دعوى عدم قابليته للدخول في ملك الغير - ليكون مالكاً على صاحبه - تنافي دعوى قابليته للدخول في ملك الغير بدليل الشرط؛ لأنّ دليل الشرط لا يجعل غير القابل قابلاً، بل هو من النواقل لما هو قابل له، فلو جعل انتقاله بدليل الشرط دليلاً على قابليته للتملّك، فالنقل بالبيع أولى؛ فإنّه بعد ثبوت قابليته له لا يبقى وجه لقصور تمليكه بالبيع.

وأمّا قوله: لا يمكن أن يكون بنفسه مملوكاً، ويحلّ محلّ المبيع في الملكية، فغير متّضح المراد فإن أراد أنّه لا يصير بلا سبب كذلك فهو حقّ، لكنّه غير مربوط بالمدّعى؛ ضرورة أنّ البيع سبب للنقل والتمليك.

وإن أراد أنّه بغير الشرط من سائر الأسباب لا يمكن أن يصير مملوكاً، ليرجع إلى قصور الأسباب في السببية، أو تقيّد القبول بوجه خاصّ، فهو كما ترى، مضافاً إلى سوء التعبير.

والإنصاف: أنّ التفرقة بين هذا العمل وغيره لا ترجع إلى محصّل.

اعتبار انتقال العوضين في صدق البيع

بقي شيء وهو أنّه هل يعتبر في صدق «البيع» أن يكون العوضان منتقلين إلى الطرف بنحو من الانتقال؛ أي في الملكية، أو السلطنة، أو الحقّ، أو لا يعتبر ذلك، فيصحّ جعل نفس السقوط عوضاً أو معوّضاً؟

قال البعض: يكفي في طرف العوض كلّ ما يصلح للعوضية وإن لم يكن على وجه النقل، كما في الإجارة بالنسبة إلى المعوّض، فإنّه لا إشكال في صحّة إجارته ليعمل عملاً للغير، أو لكنس المسجد، أو نحو ذلك ممّا لا ينتقل العمل فيه

ص: 54

إلى المستأجر، بل يملك عليه أن يعمل ذلك للغير(1).

ثمّ قال في مورد آخر: ليس المراد بعوضية الإسقاط كون التمليك بإزاء العمل، بل المراد أن يكون العوض هو الدين مثلاً على وجه الإسقاط، فلو قال: «بعتك هذا بدينك عليّ؛ بأن يكون ساقطاً» كفى؛ لصدق «البيع» عليه، فتشمله العمومات، وكذا الحقّ الذي لا يقبل إلاّ الإسقاط(2)، انتهى.

أقول: أمّا الإجارة فلم يتّجه قياسها بالمقام، بعد الاعتراف بأنّ المستأجر يملك على المؤجر العمل للغير وللمسجد؛ فإنّ المعوّض فيها على وجه النقل بلا شبهة، لأنّ المنقول هو العمل للغير أو المسجد، والمنقول إليه المستأجر.

وأمّا دعوى عدم اعتبار النقل في العوض، فيصحّ جعله سقوط الحقّ أو الدين، فغير وجيهة؛ لأنّ البيع عرفاً متقوّم بالنقل، فالإعراض مقابل الإعراض، والتمليك مقابل الإعراض، لا بنحو يكون ذلك المعنى المصدري على عهدته، وكذا السقوط مقابل التمليك أو السقوط، ليس شيء منها بيعاً عرفاً، ولا أقلّ من الشكّ في الصدق.

وقوله: المراد أن يكون العوض هو الدين على وجه الإسقاط؛ بأن يقول: «بعتك هذا بدينك؛ بأن يكون ساقطاً» لا يصحّح الأمر؛ لأنّ هذا عبارة اُخرى عن التمليك في مقابل سقوط الدين أو الحقّ، فلا يكون الدين عوضاً، بل سقوطه عوض، وهو ليس ببيع عرفاً، فلو قال: «بعتك هذا بسقوط دينك» لا يكون بيعاً عرفاً.

ص: 55


1- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 286.
2- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 287.

تعريف البيع

اشارة

إذا عرفت ما تقدّم فاعلم: أنّه قد عرّف البيع بتعاريف عديدة(1)، لا داعي لنقلها وتضعيفها، إلاّ ما أفاده المحقّقون المتأخّرون.

تعريف الشيخ الأعظم وردّه

فقد عرّفه الشيخ الأعظم بعد الإشكال في سائر التعاريف: ب «إنشاء تمليك عين بمال»(2).

وهو قريب ممّا عرّفه بحر العلوم - على ما حكي عنه - بأنّه: «إنشاء تمليك العين بعوض على وجه التراضي»(3).

نعم، يرد على الثاني ما لا يرد على الأوّل، وهو أنّ مقتضى إطلاقه جواز جعل العوض ممّا ليس بمال، وقد تقدّم(4) اعتباره في ماهية البيع عرفاً.

وكذا يرد عليه: إخلال زيادة قيد «التراضي» بالمقصود؛ لعدم اعتباره في مفهوم البيع عرفاً بلا شبهة.

ويرد عليهما: أنّ الإنشاء غير البيع؛ فإنّ حقيقته نفس التبديل لا إنشاؤه، وكذا لا يعتبر فيه التمليك، وكذا لا يعتبر أن يكون المعوّض عيناً كما تقدّم(5).

ص: 56


1- اُنظر مفتاح الكرامة 12: 475؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 10.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 11.
3- اُنظر مفتاح الكرامة 12: 482؛ جواهر الكلام 22: 205 - 206.
4- تقدّم في الصفحة 28.
5- تقدّم في الصفحة 22 - 26.

تعريف المحقّق النائيني وردّه

ومن ذلك يعرف الإشكال في تعريفه بأنّه: «تمليك عين بعوض في ظرف تملّك المشتري»(1).

والعجب أنّ من عرّفه بذلك أراد التخلّص عن كون البيع إيقاعاً، فقال: لازم تعريف الشيخ أن يكون البيع إيقاعاً، وغير متوقّف على القبول(2).

وأنت خبير: بأنّ تعريفه بهذا أيضاً يقتضي كونه إيقاعاً لو كان ذلك إيقاعاً؛ لأنّ تمليكه في ظرف تملّك المشتري إيقاع ومن فعل البائع، وما لا يكون إيقاعاً هو التمليك والتملّك؛ أي الماهية الاعتبارية المتقوّمة بهما، ولا يخرج التمليك - بمجرّد كونه في ظرف القبول - عن كونه إيقاعاً.

تعريف المحقّق الأصفهاني وردّه

وأردأ من الكلّ ما عرّفه بعض أهل التحقيق في «تعليقته» بعد النقض على تحديد الشيخ بجملة من الموارد التي يشكل التزام كونها تمليكاً.

منها: بيع العبد ممّن ينعتق عليه؛ فإنّ الملك التحقيقي إن كان ممتنعاً شرعاً أو عقلاً، فلا فرق بين زمان طويل أو قصير.

ومنها: بيع الدين على من هو عليه قائلاً: إنّه لا فرق في امتناع مالكية الشخص لما في ذمّته بين زمان طويل وقصير.

ص: 57


1- منية الطالب 1: 114.
2- نفس المصدر.

ومنها: بيع العبد من نفسه في بعض الموارد؛ لعدم الفرق في الامتناع بين الزمانين أيضاً.

ومنها: شراء العبد تحت الشدّة من الزكاة.

ومنها: اشتراء آلات المسجد والقنطرة من الزكاة.

ومنها: البيع بإزاء سقوط الحقّ.

قال: «ولا يبعد أن يقال: إنّ البيع جعل شيءٍ بإزاء شيءٍ، فيختلف أثره بحسب الموارد»(1)، انتهى.

وأنت خبير: بأنّ كثيراً من موارد النقض بين ما لا يرد عليه، وما لا يصدق عليه «البيع»، فبيع العبد ممّن ينعتق عليه لا شبهة في كونه تمليكاً لدى العرف؛ إذ لا فرق لدى العقلاء في ملكية العمودين، وغيرهما من العبيد والإماء، فالبيع عرفي عقلائي، والمالكية محقّقة، والتعبّد الشرعي بالانعتاق بعد الشراء لم يظهر منه عدم تحقّقها، والدليل على عدم مالكية العمودين منصرف إلى المستقرّة كسائر الأملاك، مع أنّه تعبّد، والكلام في مفهوم «البيع» عرفاً.

وقد مرّ الكلام في بيع الدين ممّن هو عليه(2).

وكذا الحال في بيع العبد من نفسه؛ فإنّه بعد فرض صدقه لدى العقلاء لا مانع من الالتزام بمالكيته لها آناً ما، كما تقدّم نظيره(3).

ص: 58


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 64 - 66.
2- تقدّم في الصفحة 48 - 49.
3- تقدّم في الصفحة 48 - 49.

وأمّا فيما إذا كان العوض سقوطاً، فقد تقدّم عدم صدق «البيع» عليه(1).

نعم: يرد عليه نحو الشراء من الزكوات كما تقدّم(2).

وأمّا تعريفه بما ذكر فلا يوافق العرف واللغة، ويرد عليه من النقض إلى ما شاء اللّه، كجعل شيءٍ بإزاء شيءٍ مكاناً، وكالجعالة، والطلاق خلعاً ومباراةً، والإجارة، والهبة غير المجّانية، والصلح، وكذلك جعل اللّه الثواب مقابل العمل... إلى غير ذلك.

والعجب منه حيث قال: هذا المسلك وإن كان غير معروف ولا مألوف، إلاّ أنّ المتّبع هو البرهان(3).

وفيه: أنّ كون ما ذكر خلاف المعروف والمألوف لدى العقلاء جميعاً، أقوى دليل على بطلانه؛ فإنّ البيع من المعاني العرفية الاعتبارية، ولا سبيل للبرهان فيه إن كان مراده البرهان الاصطلاحي، ولو أراد أنّ معناه عرفاً ولدى العقلاء ذلك، فلا معنى لعدم معروفيته ومألوفيته، مع أنّ ما ذكر ليس معناه العرفي والعقلائي جزماً.

أسدّ التعاريف تعريف المصباح

والظاهر أنّ أسدّ التعاريف هو ما حكي عن «المصباح» أي مبادلة مال بمال(4)

ص: 59


1- تقدّم في الصفحة 55.
2- تقدّم في الصفحة 19 و27 - 28 و46.
3- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 66.
4- المصباح المنير: 69.

على ما هو الظاهر المتفاهم من كونها بين طرفين، والبيع بالمعنى المعهود لدى العقلاء، أمر اعتباري مضاف إلى الطرفين.

ولا يصغى إلى ما قيل: إنّ هيئة باب المفاعلة لمجرّد تعدية المادّة وإنهائها إلى الغير، فلا فرق بين «كاتَبه» و«كتب إليه» ولا بين «ضاربَه» و«ضربه» إلاّ في أنّ «كاتب» بهيئته دالّ على ما أفاد الحرف أو كان لازم النسبة، والدليل عليه استعمال باب المفاعلة في الكلام الفصيح في غير ما كان بين الاثنين(1).

وذلك لأنّ الاستعمال أعمّ، ولا سيّما مع قيام القرينة العقلية أو غيرها على معنىً، ولا شبهة في أنّه إذا كتب إلى زيد لا يقال: «بينهما مكاتبة» وإذا أنهى البحث إلى طرفه لا يقال: «بينهما مباحثة» أو «باحثه» إلى غير ذلك من الأمثلة.

والسند هو التبادر والمعروفية عند أهل اللغة والعرف، كما اعترف بها (2)، وليس شيء أقرب إلى إثبات اللغة من التبادر، ولا سيّما عند أهل اللغة والعرف.

نعم يبقى كلام، وهو أنّه هل يعتبر في باب المفاعلة أن يكون التفاعل بين الشخصين والفاعلين، أو تختلف الموارد، ففي مثل تقابل جسم بجسم تكون المقابلة بين الشيئين، وإن كان موقعها شخصاً واحداً، ففيما نحن بصدده لو أوقع البائع المبادلة بين العوضين كفى في تحقّق معنى «المفاعلة»؟

لكنّ الظاهر أنّ المعتبر فيها أن يكون كلّ من الطرفين فاعلاً، والآخر

ص: 60


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 10.
2- نفس المصدر.

مفعولاً به، ففي المبادلة يقال: «بادل زيد ماله عمراً، وعمرو زيداً».

ثمّ لو سلّمنا عدم اعتبار التفاعل في الباب، يمكن أن يقال: إنّ التعريف للبيع المصطلح في كتاب البيع؛ أي الماهية المتقوّمة بالإيجاب والقبول؛ وذلك لأنّ الظاهر من كلّ عنوان موضوع للحكم أو مأخوذ في الحدود وغيرها؛ هو الفعلية، مقابل الشأنية والإمكان، وكذلك الألفاظ موضوعة للعناوين الفعلية، فالنار موضوعة للماهية الحارّة بالفعل، لا الأعمّ منها وممّا هي بالقوّة.

لا أقول: إنّها موضوعة للموجود؛ فإنّه واضح البطلان، بل الألفاظ موضوعة للطبائع، لكن للمتّصفة بالوصف العنواني فعلاً، فلا تصدق «النار» على ما هي نار بالقوّة والشأنية، ولا «العالم» على المتلبّس بالعلم شأناً وبالقوّة.

فعلى هذا: يكون البيع هو المبادلة الفعلية، وهي متقوّمة بالإيجاب والقبول؛ ضرورة عدم فعلية التبادل في الإضافة إلاّ مع القبول، فالإيجاب لا يكفي في فعلية التبادل، كما لا يخفى.

دفع ما يرد على تعريف المصباح

ثمّ إنّه يرد على هذا التعريف اُمور قابلة للدفع:

منها: أنّه تعريف بالأعمّ؛ فإنّ المبادلة بين المالين يمكن أن تكون في ذاتهما، أو صفتهما، أو سائر الإضافات غير إضافة الملكية أو نحوها.

ويدفع: بأنّ الظاهر من المبادلة بين المالين أن تكون المالية دخيلة فيها، فتكون المبادلة بين المالين بما هما كذلك، وسائر المبادلات ليست بما هما مالان.

ص: 61

وتوهّم: شموله لتبادل مالية أحدهما بمالية الآخر؛ بمعنى أنّ ما كانت ماليته عشرة دراهم صارت بالتبادل عشرين وبالعكس.

مدفوع: بأنّه غير معقول عادة، فالقرينة العقلية دالّة على عدم إرادته.

وتوهّم: عدم جواز الاتّكال على القرائن اللفظية أو العقلية في الحدود وهم، بعد فهم العقلاء من الكلام ما هو المقصود، ولا شبهة في أنّ المتفاهم من هذا الكلام هو التبادل في الملكية ونحوها.

ومنها: أنّ الظاهر منه اعتبار المالية الفعلية للمتبادلين حال التبادل، وقد مرّ(1) عدم اعتبارها، فلو فرض أنّ عمل الحرّ ليس مالاً إلاّ بعد النقل، فهو بيع لدى العقلاء.

ويدفع: بأنّ ما تقدّم مجرّد فرض وتخيّل لا واقع له، وإلاّ فكلّ مورد يبذل العقلاء في مقابل شيءٍ ثمناً، يكون ذلك الشيء مالاً فعلاً، فعمل الحرّ مال بلا شبهة، وكذا كلّ ما يجعله العقلاء في قبال الثمن، ولو كان لأثر مترقّب فيه، ولم يكن ذلك الأثر فعلياً، فتوقّع ترتّب الأثر على الشيء يوجب فعلية ماليته، ولا شبهة في أنّ المراد بالتعريف تحديد ما لدى العقلاء من المعاملة، لا ما لا وجود له إلاّ فرضاً وتخيّلاً.

وأمّا النقض بمثل الصلح، والإجارة، والهبة، ونحوها (2)، فقد تصدّى الأعلام لجوابه(3) فلا نطيل بالبيان.

ص: 62


1- تقدّم في الصفحة 28.
2- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 271.
3- منية الطالب 1: 94؛ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 11.

تغاير البيع الاصطلاحي واللغوي

ثمّ إنّ ما ذكر من التحديد، يكون للمعنى المصطلح عليه لدى الفقهاء، حيث قالوا: «كتاب البيع» مقابل الإجارة، والصلح، وغيرهما، وهو غير المعنى اللغوي بلا شبهة، سواء قلنا: بأنّ البيع اللغوي هو التمليك(1)، أم قلنا: بأنّه التمليك المتعقّب بالقبول أو التملّك(2).

أمّا الأوّل: فظاهر.

وأمّا الثاني: فلأنّ التمليك المتعقّب عبارة عن فعل البائع، مع التقيّد بأمرٍ آخر يحصل بفعل المشتري، ومعلوم أنّه ليس المراد بالبيع المصطلح في قولهم: «كتاب البيع» هو المعنى المصدري المتقيّد، بل المراد منه هو الماهية المتقوّمة بالتمليك والتملّك، من غير نظر إلى اعتبار تقدّم فعل البائع، فضلاً عن كونه فعله مع تقيّد.

فهذا المعنى المصطلح عليه من البيع، ليس مادّة للمشتقّات ك «باع» و«يبيع» ولا هو معنى مصدرياً، حتّى يدّعى: أنّ المتبادر من المصدر ومشتقّاته هو التمليك المتعقّب(3).

فيرد عليه: لزوم التفكيك بين «بعت» الإخباري والإنشائي(4)؛ لعدم إمكان

ص: 63


1- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 271.
2- اُنظر مقابس الأنوار: 107 / السطر 28، و: 275 / السطر 10؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 16؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 307.
3- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 307.
4- اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 309.

إنشاء التمليك المتعقّب بالقبول الذي هو فعل الغير، ضرورة أنّ إنشاء التمليك المتعقّب فعلاً غير ممكن؛ لأنّ وصف «التعقّب» لا يحصل له إلاّ بعد تحقّق القبول، لأنّه عنوان إضافي متضايف للمتعقّب بالفتح، وهما متكافئان.

ومجرّد وثوق الموجب بحصول القبول، لا يوجب إمكان إنشائه للمتعقّب فعلاً، كما توهّم بعضهم(1).

ولو اُريد به الذي يتعقّب بعد، فيكون كرّاً على ما فرّ منه من المفاسد، مع أنّ صريح كلامه هو المتعقّب بالفعل(2).

وقد أورد بعض أهل التحقيق على دعوى التبادر: بأنّ جميع الألفاظ موضوعة لنفس المعاني المجرّدة عن أنحاء الوجود، فالبيع إذا كان التمليك فالموضوع له طبيعي التمليك، القابل لأنحاء الوجود، لا الطبيعي الموجود بوجود إنشائي، ولا الطبيعي الموجود بوجود حقيقي.

فعليه: دعوى تبادر التمليك الحقيقي أو الإنشائي منه بلا وجه؛ لعدم دخل كلا الوجودين في الموضوع له والمستعمل فيه قطعاً.

ثمّ برهن على دعواه بما لا يخلو عن الخلط.

ثمّ قال ما حاصله: إنّ المعاني المعاملية والطلبية لها وجود إنشائي، ووجود حقيقي، هو في المعاملات عين كونها معاني اعتبارية، فالمستعمل فيه فيها نفس الطبيعي، وإن كان المستفاد منه تارةً: نفس الطبيعي كما في تحديد

ص: 64


1- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 310.
2- نفس المصدر.

البيع، واُخرى: أحد الوجودين من الإنشائي والحقيقي بمناسبات الحكم والموضوع.

ثمّ قال ولا تستوحش من مخالفته لكلمات الأعيان بعد موافقته للبرهان المساوق للعيان(1)، انتهى.

أقول: كأنّه رحمه الله علیه لم يصل إلى مغزى مرامهم من دعوى التبادر وصحّة السلب(2)، فزعم أنّ المراد تبادر نحو وجود من الطبيعي، وهو خلاف الواقع؛ لعدم احتمال إرادة أحد منهم أنّ «البيع» ونحوه موضوع لوجود التمليك أو المبادلة، على نحو عموم الوضع، وخصوص الموضوع له، بل هنا اُمور ثلاثة:

الأوّل: طبيعي التبادل الجامع بين الإنشائي والحقيقي، لو سلّم تحقّق الجامع بينهما.

والثاني: طبيعي التبادل الإنشائي، وطبيعي التبادل الحقيقي.

والثالث: مصاديق التبادلين ووجوداتهما الإنشائية والحقيقية.

والمدّعي للتبادر يدّعي تبادر التبادل الحقيقي؛ أي طبيعيها الذي ينطبق على الكثيرين، ولا يدّعي تبادر الوجود الحقيقي حتّى يتوهّم ورود الإشكال عليهم، وإلاّ فأوّل ما ورد عليهم: لزوم كون البيع موضوعاً للأشخاص، ولم يقل به أحد، وعلى ما ذكرناه لا يرد على القائل بالتبادر شيء ممّا ذكره؛ وزعم أنّه موافق للبرهان المساوق للعيان.

ص: 65


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 73 - 76.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 16؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 307.

ثمّ إنّ دعوى وضع ألفاظ المعاملات للطبيعي الجامع بين الوجود الإنشائي والحقيقي فرع وجود الجامع بينهما:

والظاهر عدمه، إن قلنا بأنّ الوجود الإنشائي ليس إلاّ إنشاء المبادلة والتمليك، من غير أن يكون هنا تبديل وتمليك، ولا جامع بين نفس المبادلة والتمليك، وبين إنشائهما.

مع أنّ الإنشاء من المعاني الحرفية الإيجادية، وقد حقّق في مقامه عدم الجامع بين المعاني الحرفية(1)، فضلاً عن الجامع بينها وبين المبادلة التي هي معنى اسمي أو حرفي مباين للإنشاء، ومع عدم الجامع ينهدم أساسه.

وعلى هذا، لو قيل بأنّ «البيع» صادق حقيقة على مثل البيع الفضولي، لا بدّ من الالتزام بالاشتراك اللفظي.

ويؤيّده: أنّ تقسيم المعاملات إلى الصحيحة والفاسدة صحيح بلا تأوّل وتجوّز، وهو آية وضعها للأسباب، أو صيرورتها حقيقة فيها بكثرة الاستعمال.

وأمّا إن قلنا بأنّ الوجود الإنشائي عبارة عن المبادلة الإنشائية الحاصلة بإنشائها، فيكون الإنشاء سبباً، والمنشأ - أي المبادلة الإنشائية - مسبّباً، فلا إشكال في وجود الجامع، ويكون بيع الفضولي بيعاً حقيقة كسائر البيوع كما هو الحقّ.

بل لا يبعد القول بأنّ البيع موضوع للتبادل الإنشائي بنحو ما ذكر، وحصول التبادل حقيقة خارج عن الماهية وأثر لها.

ص: 66


1- مناهج الوصول 1: 29 و41 و43.

في وضع ألفاظ المعاملات للصحيح أو الأعمّ

ثمّ على فرض وضعها للمسبّبات فلا تتّصف ب «الصحّة والفساد» بل أمرها دائر بين الوجود والعدم، إلاّ على بعض الصور التي أشرنا إليها في الاُصول(1) ممّا لا يخلو من إشكال.

نعم، على ما ذكرنا أخيراً - من كونه موضوعاً للتبادل الإنشائي - فلا إشكال في اتّصافه ب «الصحّة والفساد».

وعلى فرض وضعها للأسباب، فالتحقيق: أنّها موضوعة للأعمّ من الصحيح منها، ولو فرض وضعها للصحيح فلا شبهة في عدم وضعها للصحيح الشرعي؛ ضرورة عدم اصطلاح خاصّ ووضع مستقلّ للشارع الأقدس، ولو فرض وضعها للصحيح عنده فلا ينبغي التأمّل في لزوم كون اختلافه مع العرف في المفهوم.

والقول بعدم اختلافهما فيه، ورجوع ردع الشارع إلى التخطئة في المصداق(2)، غير تامّ، لأنّه مع اتّفاقهما في المفهوم لا يعقل الردع والتخطئة في المصداق، بعد كون تطبيق المفاهيم على المصاديق في المقام ضرورياً؛ لأنّه إذا كان البيع عرفاً هو الإيجاب والقبول بلا اعتبار العربية والتقديم والتأخير مثلاً، وكان الشارع لا يخالف العرف فيه، فوجد البيع بلا عربية مع جميع الخصوصيات المعتبرة فيه عرفاً، فلا يعقل رجوع تخطئة الشارع إلى عدم مصداقية ما وجد

ص: 67


1- مناهج الوصول 1: 123.
2- هداية المسترشدين 1: 492؛ كفاية الاُصول: 49.

للماهية؛ ضرورة أنّ تطبيقها عليه وجداني بداهة، فلا بدّ من اعتبار الشارع قيداً فيها حتّى لا تنطبق على الفاقد، وهذا هو الاختلاف مفهوماً.

إلاّ أن يقال: إنّ الألفاظ وضعت للصحيح بالحمل الأوّلي أو للمؤثّر كذلك، وهو بديهي البطلان، فاختلاف نظر الشارع والعرف على فرض وضعها للصحيح - أي لماهية إذا وجدت في الخارج كانت مؤثّرة صحيحة - إنّما هو في المفهوم.

نعم، يصحّ للشارع المقنّن أن يعتبر في التأثير زائداً على ماهية البيع، قيوداً اُخر، وهو خارج عن البحث، كما هو واضح.

في التمسّك بالإطلاقات في المعاملات

ثمّ على فرض وضعها للأسباب الصحيحة - الراجع إلى الاختلاف في المفهوم - لا يصحّ التمسّك بالإطلاق إذا شكّ في اعتبار قيد أو شرط.

وقد يقال بجوازه في العبادات والمعاملات على مذهب الصحيحي، والسرّ فيه أنّه ليس الموضوع له عنوان «الصحيح» بل ما يكون جامعاً للشرائط الشرعية بحسب ما يستفاد من الأدلّة؛ بمعنى أنّها طريق إلى الموضوع له الواقعي.

وهو نظير ما يقال في دفع الإشكال على الأعمّي: من أنّ المطلوب هو الصحيح قطعاً، فكيف يتمسّك بالإطلاق؟ !

فيقال في جوابه: إنّ عنوان «الصحّة» ليس شرطاً حتّى يمتنع معه التمسّك به.

ثمّ مثّل القائل بأمثلة أجنبيّة عن باب الإطلاق، نحو قوله علیه السلام: «لا يضرّ

ص: 68

الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال»(1) وغيره ممّا هو ظاهر في تحديد الموضوعات(2).

ويرد عليه: أنّ أدلّة إثبات الأجزاء والشرائط، لا يعقل أن تكون طريقاً إلى الموضوع له الواقعي، إلاّ أن يكون لها - مضافاً إلى لسان إثبات ما يعتبر في الموضوع - لسان نفي الغير، وإلاّ فمجرّد لسان الإثبات لا يحرز الموضوع له الواقعي، ومن الواضح أنّه ليس لها مفادان، وإلاّ لوقع التعارض بين الأدلّة المثبتة بعضها مع بعض.

وبالجملة: الأمارة على ثبوت قيد لموضوع، لا تكون أمارة على نفي اعتبار قيد آخر، ومع الشكّ فيه لا يجوز التمسّك بالإطلاق.

والتنظير بدفع الإشكال عن الأعمّي في غير مورده؛ لأنّ ماهية العبادة والمعاملة - على الأعمّ - ليست غير ما لدى العرف، ولم يخرج من أدلّة الإنفاذ عنوان «الصحيح» حتّى ترجع الشبهة مصداقية، وإنّما خرج منها بعض عناوين خاصّة، فيرجع عند الشكّ إليها بلا إشكال.

وقد يقال: بناءً على كون الأسامي للمسبّبات يشكل التمسّك بالإطلاق؛ لأنّ أمرها دائر بين الوجود والعدم، لا الصحّة والفساد، إلاّ أن ترجع الأدلّة الرادعة إلى التخصيص الحكمي، فيجوز التمسّك بأدلّة الإمضاء للمسبّبات، لكن التخصيص الحكمي - مع إمضاء الموضوع - موجب للغوية الاعتبار، فلا معنى

ص: 69


1- الفقيه 2: 67 / 276؛ وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 1.
2- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 318.

لاعتبار ما لا أثر له، فلا بدّ من القول برجوع الردع إلى التخصّص ورفع الموضوع وعدم الاعتبار، فتكون الشبهة مصداقية لدى الشكّ في الردع؛ لرجوعه إلى الشكّ في إعدام الموضوع(1).

لكنّ التحقيق: جواز التمسّك بإطلاق أدلّة الإمضاء؛ إذ لا يعقل رجوع الردع إلى إعدام موضوع أدلّة الإنفاذ؛ لأنّ موضوعها هو المسبّبات العقلائية المتقوّمة باعتبار العقلاء، وليس رفع اعتبارهم تحت قدرة التشريع، فلا مجال فيه إلاّ للتخصيص الحكمي، ومعه يصحّ التمسّك بالإطلاقات، وحديث اللغوية إنّما يصحّ إذا كان الشارع معتبراً لما لا أثر له، والفرض أنّ أدلّة الإنفاذ إنّما ترد لإمضاء ما لدى العقلاء، وليس للشارع اعتبار مستقلّ.

نعم، له التصرّف والتخصيص الحكمي، فلا إشكال من هذه الجهة.

مع أنّه قد عرفت(2): أنّها موضوعة للمسبّبات، ومع ذلك تتّصف ب «الصحّة والفساد» فالإشكال مندفع من أصله.

ثمّ إنّ التحقيق: عدم جواز التمسّك بالإطلاق لو وضعت الألفاظ للأسباب الصحيحة، وكانت أدلّة الإنفاذ ناظرة إلى الأسباب، لا المسبّبات.

وأمّا إذا كانت ناظرة إلى المسبّبات، فلا ينبغي الريب في أنّ إطلاقها ملازم لإنفاذ الأسباب العرفية، وكشف الأسباب الصحيحة؛ بمعنى كاشفية إطلاق إمضاء المسبّب عن كون ما هو السبب لدى العرف هو السبب شرعاً، وأنّ ما

ص: 70


1- اُنظر بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1: 140 - 141.
2- تقدّم في الصفحة 67.

لدى العرف هي الأسباب الصحيحة؛ ضرورة عدم مخالفة الشارع للعرف والعقلاء في معنى البيع المسبّبي، وكذا في سائر المسبّبات من العقود والإيقاعات، فالبيع عند الجميع مبادلة مال بمال، أو تمليك عين بعوض، والاختلاف - لو كان - إنّما هو في الأسباب فقط، وينشأ منه الاختلاف في تحقّق المسبّبات، لا في ماهيتها.

فحينئذٍ إذا قال: )أَوْفُوا بِالْعُقُودِ((1) وكان المراد منه وجوب الوفاء بالمسبّبات؛ أي المعاني المنشأة بالألفاظ، أو المعاني التي تعتبر لدى الإنشاء الجدّي للإيجاب والقبول - على اختلاف المسالك(2) - وكان مقتضى عمومه لزوم الوفاء بكلّ معاقدة مسبّبية، فلا محالة تكون الأسباب التي تنشأ تلك المسبّبات منها أسباباً عنده، وإلاّ فلا يعقل إنفاذ المسبّب بنحو الإطلاق.

فمن يرى المعاقدة باللفظ الفارسي غير محقّقة، ولا واجبة الوفاء، لا يعقل منه الإطلاق والعموم في لزوم الوفاء بكلّ معاقدة عقلائية، والمفروض أنّ العقد المسبّبي لدى العقلاء عين ما لدى الشارع مفهوماً وعنواناً، ودليل الإمضاء متعلّق بالعناوين لا بالخارجيات، وإنّما تنطبق العناوين على الخارجيات في الخارج.

فما أفاده بعض الأعاظم: من أنّ إمضاء المسبّب لا يلازم إمضاء السبب؛ لعدم الاتّحاد بينهما ولا الملازمة(3) في غاية السقوط.

وفي كلامه محالّ أنظار، تركناها مخافة التطويل، كقوله: إنّ نظر العرف متّبع

ص: 71


1- المائدة (5): 1.
2- راجع ما تقدّم في الصفحة 10 - 11.
3- منية الطالب 1: 99.

في تشخيص المفاهيم، لا تطبيقها على المصاديق(1)، تبعاً لبعض المحقّقين(2).

وقوله: إنّ تنفيذ المسبّب يفيد تنفيذ السبب إن لم يحكم العقل بالاحتياط في الشكّ في المحصّل(3) إلى غير ذلك.

وأعجب ممّا ذكر أنّه بعد الإشكال على ما ذكره تشبّث بأمرٍ آخر لجواز التمسّك بإطلاق دليل إمضاء المسبّب لإمضاء السبب، بما حاصله: أنّ المنشآت بالعقود ليست من باب المسبّبات، بل المنشأ من قبيل الإيلام بالضرب، وعنوان ثانوي لفعل الفاعل، ويكون متعلّق إرادته أوّلاً، فالمتكلّم يوجد المعنى ابتداءً بلا واسطة، والألفاظ آلات لا أسباب، نظير الكتابة بالقلم، والنجارة بالقدّوم ممّا هي أفعاله بلا وسط وإن كانت بالآلة.

فإذا كان التلفّظ بهذه الألفاظ فعلاً له، فالأثر الحاصل منها فعل له أيضاً بلا واسطة؛ لأنّ المصدر متّحد مع اسمه، ولا يباينه إلاّ اعتباراً، ولا تفاوت بين الإيجاد والوجود، فلو تعلّق الإمضاء بالأثر الحاصل من الأفعال، يكون إمضاءً للمصدر أيضاً؛ لاتّحاد الأثر مع التأثير، فإمضاء الأثر إمضاء للمصدر؛ لعدم الفرق بينهما خارجاً (4)، انتهى ملخّصاً.

وأنت خبير بما فيه من الخلط؛ لأنّ الألفاظ - بعد كونها آلات لإيجاد المعاني المنشأة بها - لا يعقل أن تتّحد مع ذي الآلات؛ للزوم آليّة الشيء لإيجاد ما هو

ص: 72


1- منية الطالب 1: 98.
2- كفاية الاُصول: 77.
3- منية الطالب 1: 99.
4- منية الطالب 1: 100 - 101.

عينه خارجاً، وهو بمنزلة آليّة الشيء لإيجاد نفسه، مع أنّ المعاني المنشأة في المقام اعتبارية؛ صقعها اُفق النفس، والألفاظ متحقّقة في الخارج.

مضافاً إلى أنّ وجودات الألفاظ متدرّجة متصرّمة بخلاف المعاني، فكيف يكون الاتّحاد بينهما؟ !

واتّحاد المصدر واسمه أجنبيّ عن المقصود؛ لأنّ المصدر إمّا يراد منه التلفّظ، فاسمه الحاصل منه اللفظ، وهما متّحدان ذاتاً، مختلفان اعتباراً، لكنّه غير مربوط بالمقام.

أو يراد منه مصاديق اللفظ أو التلفّظ، مثل: «بعت» و«آجرت» فهي ليست بمصادر، ولو اُريد المصدر من «بعت» مثلاً - أي البيع بالمعنى المصدري مع اسم المصدر؛ أي البيع بلا انتساب - فهو أجنبيّ عن المقام؛ لعدم التلفّظ به.

أو يراد منه المعنى المنشأ، فالمصدر «التبديل» أو «المبادلة» واسمه الحاصل منه ذات التبادل غير المنتسب إلى الفاعل أو المفعول، فهو أيضاً أجنبيّ. وأمّا الآلات مع ذيها فمختلفات ذاتاً وماهية، ولا اتّحاد بينهما بوجه حتّى يكون إمضاء أحدهما إمضاء الآخر.

وقد اعترف رحمه الله علیه: بأنّ ألفاظ العقود مركّبات، والمنشآت الحاصلة بها بسائط(1) وعليه كيف يمكن الاتّحاد الذاتي بينهما؟ !

ولمّا كان هذا الكلام ظاهر البطلان، حكي عن بعض مقرّري بحثه أنّه قال: إنّ المصدر واسمه لمّا كانا متّحدين، فإمضاء الأثر إمضاء للتأثير بأسبابه.

ص: 73


1- منية الطالب 1: 94 و95.

وفيه: أنّ هذا لا يصلح مطلوبه بل يفسده؛ لأنّ البيع المسبّبي عبارة عن المعنى المصدري؛ أي التبديل أو المبادلة، لا أثره وحاصله.

مضافاً إلى أنّ إتعابه نفسه الشريفة إنّما هو لإثبات الاتّحاد بين المصدر واسمه، حتّى يكون إمضاء أحدهما إمضاء الآخر؛ بتوهّم أنّ السبب والمسبّب غير متّحدين، فلا يكون إمضاء المسبّب إمضاءً لسببه؛ لعدم الاتّحاد، مع أنّ الآلة وذا الآلة أيضاً غير متّحدين ذاتاً، بل متباينان حقيقة، فكيف يكون إمضاء أحدهما إمضاء الآخر المباين له، وهل هذا إلاّ كرّ على ما فرّ منه؟ !

ثمّ لو قلنا وسلّمنا: بأنّ النسبة بين العقد السببي والمسبّبي نسبة المصدر واسمه، يمكن الخدشة في دعوى كون إمضاء أحدهما إمضاء الآخر - على ما ذهب إليه: من أنّ المناط في كون إمضاء اسم المصدر إمضاء المصدر وحدتهما ذاتاً - بأن يقال: لا شبهة في أنّ المصدر واسمه مختلفان عنواناً ومفهوماً واعتباراً، كما صرّح هو بتباينهما (1)، فحينئذٍ نقول: إنّ أدلّة الإنفاذ من الإطلاق والعموم، إنّما تعلّقت بالعناوين أو المصاديق الذاتية، لا المصاديق مع كلّ ما يتّحد معها:

أمّا المطلقات فواضح؛ لأنّ في قوله تعالى: )أَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ((2) مثلاً إنّما جعل الحلّية - لو فرض كونه في مقام الجعل - على طبيعي البيع وماهيته المطلقة، لا على الأفراد، وإنّما يحكم بحلّية الأفراد؛ لكون الماهية موجودة بعين وجودها؛ لا لكون متعلّق الحكم هو الأفراد.

ص: 74


1- المكاسب والبيع (تقريرات المحقّق النائيني) الآملي 1: 114؛ منية الطالب 1: 101.
2- البقرة (2): 275.

وأمّا في العمومات نحو: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(1) فإنّ العقد عبارة عن نفس الطبيعة، والدالّ على الكثرة - كالجمع و«اللام» - يدلّ على كثرة نفس الطبيعة.

وإن شئت قلت: إنّ وجوب الوفاء متعلّق بالأفراد الذاتية للعقد، لا بها. وما يتّحد معها، فإذا فرض كون المطلقات والعمومات بصدد تنفيذ المعاملات المسبّبية - أي حاصل المصدر على زعمه - فلا يكون إمضاء اسم المصدر إمضاء المصدر؛ لأنّ متعلّق الإمضاء عنوان اسم المصدر، وهو يخالف المصدر ويباينه عنواناً ومفهوماً، والاتّحاد الخارجي لا يفيد بعد الاختلاف في المتعلّق.

ألا ترى: أنّه لو قيل «اسم المصدر لا يكون منتسباً إلى فاعل» لا يسري هذا الحكم إلى المصدر لمكان اتّحادهما خارجاً؛ لأنّ الحكم تعلّق على مورد الاختلاف؛ أي الماهية والعنوان، والتشبّث بالاتّحاد الخارجي غير مفيد.

والإنصاف: أنّ ما أفاده تبعيد للمسافة، مع عدم صحّته في نفسه، ولا يحتاج تصحيح الدعوى إلى تلك التكلّفات، فتدبّر.

ثمّ إنّه بما ذكرناه يظهر النظر فيما رامه في الاُصول، وبنى على هذا المبنى

غير المسلّم، وهو إدخال المعاملات - على فرض وضعها للمسبّبات - في النزاع في باب الصحيح والأعمّ(2)، فراجع.

هذا كلّه هو الكلام في مقام الثبوت والتصوّر.

وأمّا في مقام الإثبات، فلا شبهة في أنّه ليس للشارع في باب المعاملات

ص: 75


1- المائدة (5): 1.
2- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 81 -82؛ أجود التقريرات 1: 72 - 73.

اصطلاح خاصّ ووضع مخصوص مقابل العقلاء، فما هو المسمّى لدى العقلاء هو المسمّى لدى الشارع، وإن تصرّف في بعضها أو كلّها بزيادة قيد أو شرط على المسمّى.

فعليه لا ينبغي الريب في جواز التمسّك بالعموم والإطلاق لرفع الشكّ في اعتبار شيء زائد على المسمّى، سواء كانت الألفاظ لدى العقلاء موضوعة للصحيح عندهم أو للأعمّ.

نعم، بناءً على وضعها للأعمّ عندهم قد يختلج بالبال صحّة التمسّك بالإطلاق؛ لرفع القيود المعتبرة في الصحّة زائدة على المسمّى العرفي، فتكون المعاملة عند الشارع - بهذا اللحاظ - أوسع نطاقاً ممّا لدى العقلاء.

وبعبارة اُخرى: يدفع بالإطلاق القيد العقلائي مع احتمال عدم اعتباره شرعاً، لكنّه مجرّد تصوّر لا واقعية له ظاهراً.

وضع ألفاظ المعاملات للمسبّبات

ثمّ إنّ الظاهر أنّ ألفاظ المعاملات موضوعة للمسبّبات؛ للتبادر، وإن لم يبعد وضعها للأسباب أيضاً، ولعلّ وضعها لها تعيّني؛ بدعوى أنّ تقسيمها إلى الصحيحة والفاسدة صحيح بلا تأوّل وتجوّز، فلو كان بين الأسباب والمسبّبات جامع لكانت موضوعة له، لكن بعد عدم تعقّله - كما مرّ(1) - لا بدّ من الالتزام بالوضع تعييناً أو تعيّناً.

ص: 76


1- تقدّم في الصفحة 66.

لكن قد عرفت: أنّ المسبّبات الإنشائية تتّصف ب «الصحّة والفساد»(1) فالتوصيف بهما لا يدلّ على وضعها للأسباب، ولا يحتاج إلى التكلّف، فالحقّ أنّها موضوعة للمسبّبات.

وكيف كان: قد تحصّل ممّا مرّ أنّ التمسّك بالإطلاقات مفيد، ويرفع الشكّ عن الأسباب والمسبّبات مطلقاً.

ص: 77


1- تقدّم في الصفحة 67.

ص: 78

المبحث الثاني: فی اقسام البیع بحسب الأسباب

اشارة

في أقسام البيع بحسب الأسباب

وهو على قسمين: المعاطاة والبيع بالصيغة

ص: 79

ص: 80

القسم الأوّل في المعاطاة

ص: 81

ص: 82

المراد من المعاطاة

ولا يخفى: أنّ هذا تقسيم للبيع السببي بالذات، وللمسبّبي بالتبع وبالعرَض؛ أي باعتبار أسبابه، وعلى ذلك: فالمعاطاة - بقول مطلق - هي الأفعال التي هي أسباب لإنشاء معاملة؛ من عقد أو إيقاع، بناءً على جريانها فيهما، سواء كان الفعل بنحو التعاطي، كما هو ظاهر التعبير ب «المفاعلة»، أم بنحو الأخذ والإعطاء، كما في النسيئة، والسلم، والقرض. فليس المقصود بالمعاطاة قصرها على عنوان «التعاطي» و«التفاعل» بل هي اصطلاح لمعنىً أعمّ منه، فللمعاطاة وجوه وأقسام حسب تقسيم العقود والإيقاعات اللفظية. وليست مقصورة على الوجهين المذكورين في كتاب شيخنا الأعظم قدّس سرّه (1).

والظاهر أنّ مراده بالوجهين: إنّما هو في خصوص المقام الذي هو مورد كلام الأصحاب. فقوله ذلك مقدّمة لبيان مراد القوم، لا قصر المعاطاة عليهما.

ثمّ الأولى النظر إلى القواعد في المعاطاة صحّة ولزوماً، ثمّ النظر إلى ما يخالفها من إجماع، أو شهرة، أو غيرهما.

ص: 83


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 23.

أدلّة صحّة المعاطاة

الدليل الأوّل : السيرة العقلائية

فنقول: تدلّ على صحّتها السيرة المستمرّة العقلائية، من لدن تحقّق التمدّن والاحتياج إلى المبادلات إلى زماننا، بل الظاهر أنّ البيع معاطاة أقدم زماناً وأوسع نطاقاً من البيع بالصيغة.

فلا تنبغي الشبهة في أنّ البشر في أوّل تمدّنه واحتياجه إلى التبادلات، كان يبادل الأجناس بالأجناس، من غير إنشاء المعاملات باللفظ أو الالتزام بإيقاعها به، وكان الأمر كذلك في جميع الأعصار، سواء كانت المعاملة بين الأجناس، أو بينها وبين الأثمان في زمان تعارفها ورواجها، وكانت الأسواق في كلّ اُمّة جارية على المعاطاة، وقلّما يتّفق الإنشاء اللفظي في إيقاع نفس المعاملة، وإن كان التقاول قبل إيقاعها متعارفاً.

وقد كانت متعارفة في عصر النبوّة وبعده بلا شبهة، فلو كانت غير صحيحة لدى الشارع، أو غير مفيدة للملكية - مع بناء العقلاء عليها، ومعاملة الملكية مع المأخوذ بها مطلقاً - لكان عليهم البيان القابل للردع، ومعه كان اشتهاره

ص: 84

كالشمس في رائعة النهار؛ لأنّ ردعها موجب لتغيير أسواق المسلمين في المعاملات كما هو واضح.

أضف إلى ذلك سيرة المتشرّعة من العلماء والصلحاء وغيرهم، ولم يعهد منهم إجراء الصيغة لدى شراء الخبز واللحم وغيرهما، ولا يكون بناؤهم على صرف الإباحة، بل بناؤهم على الملكية، فلو قيل للمتديّن المبالي بالديانة: «إنّ ما اشتريت من السوق ليس مالك، بل بقي على ملك السوقي» لتعجّب منه، ولرمى القائل بالانحراف والجزاف، فدعوى عدم مبالاتهم(1)، ليست في محلّها، بل الظاهر بناء العقلاء بل المتشرّعة على اللزوم أيضاً.

وبالجملة: لا فرق لديهم بين إنشاء البيع بالصيغة، وبين المعاطاة في شيءٍ من الآثار صحّة ولزوماً، وليس شيء ممّا توهّم صالحاً للردع عن السيرة كما سيأتي بيانه(2).

الدليل الثاني : آية الحلّ

واستدلّ(3) على المطلوب بقوله: (أَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ)(4) ولا بدّ من البحث في مفاده وإطلاقه.

فنقول: الظاهر من صدر الآية وذيلها - أي قوله: (فَلَهُ مَا سَلَفَ)على

ص: 85


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 42.
2- يأتي في الصفحة 215 - 229.
3- جامع المقاصد 4: 58؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 40.
4- البقرة (2): 275.

احتمال، وقوله: (يَمْحَقُ اللّه ُ الرِّبَوا)(1) - هو التعرّض للربا الحاصل بالمعاملة، لا نفس المعاملة الربوية.

فحينئذٍ يحتمل في قوله تعالى: (ذلِكَ بِأنَّهُمْ قَالُوا إِنَّما الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَوا)(2) أن يكون مرادهم بالتسوية مثلية الربح الحاصل بالبيع للربا؛ أي الزيادة الحاصلة بالبيع الربوي، أو الأعمّ منه حتّى يشمل الربا القرضي، أو يكون مرادهم التسوية بين البيع الذي ليس فيه رباً، والبيع الذي فيه ذلك.

وعلى الاحتمال الأوّل: يكون معنى قوله تعالى: (أَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَوا): أحلّ اللّه الزيادة الحاصلة بالبيع غير الربوي، وحرّم الزيادة الربوية؛ ردعاً لزعمهم، ودفعاً لتوهّمهم.

ولا شبهة في دلالة الآية - على هذا الاحتمال - على صحّة البيع غير الربوي؛ ضرورة أنّ تحليل نتيجة المعاملة ليس تحليلاً مالكياً، بل لعلّه لا يعقل أن يكون كذلك؛ لأنّ عمل المتعاملين ليس إلاّ تمليك الأعيان بالأثمان وتملّكها بها، وإباحة تصرّف المشتري في الأعيان، والبائع في الأثمان، من أحكام ملكيتهما لهما، وفي الرتبة المتأخّرة عن حصول الملكية، وهي رتبة قطع يد المشتري عن الثمن، والبائع عن المثمن، فلا تأثير لإباحتهما، ولا معنى لها.

والإباحة في عرض التمليك والتملّك أو المتقدّمة عليهما، غير مقصودة لهما، ولا منشأة بإنشائهما كما هو واضح، فإذا أباح اللّه تعالى الزيادة والربح في البيع،

ص: 86


1- البقرة (2): 276.
2- البقرة 2: 275.

فلا محالة تكون تلك الإباحة لأجل مالكية المشتري أو البائع، ولا سبب للملكية غير البيع؛ ضرورة بطلان توهّم أنّ اللّه تعالى أحلّ الربح الحاصل بالبيع تعبّداً ومستقلاًّ، بلا سببية البيع، وعلى رغم المتبايعين، فيكون ما قصدا غير واقع، وما وقع غير مقصود لهما.

وبالجملة: تحليل الربح تنفيذ لحصول الملكية، لا تحليل مستقلّ تعبّدي، وتنفيذ الملكية تنفيذ السبب المحصّل لها، لا جعل ملكية مستقلّة تعبّداً كما هو واضح.

وبهذا البيان يمكن الاستدلال بالآية على بطلان البيع الربوي؛ بأن يقال: إنّ لازم تصحيحه بلا زيادة - في مثل بيع المثل بالمثلين - هو التعبّد بوقوع ما لم يقصدا، وعدم وقوع ما قصدا، ولمّا كان هذا في غاية البعد لدى العرف والعقل، فلا محالة تستلزم حرمة الزيادة عندهم البطلان.

وعلى الاحتمال الثاني: يكون قوله: (وَأَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَوا)بصدد دفع توهّم التسوية بين البيعين، ولا شبهة أيضاً في دلالته على الصحّة، سواء كان البيع هو السبب أم المسبّب، بتقريب أنّ قوله تعالى ذلك لردع توهّم التسوية، وكانت دعواهم التسوية لتصحيح أكل الربا، لا لمجرّد تسوية إنشاء لإنشاء، أو مبادلة لمبادلة، بل مرادهم أنّ البيع غير الربوي مثل الربوي في تحصيل النتيجة، وأنّ النتيجة الحاصلة منهما غير مختلفة، ولازم ردعهم بأنّهما في هذه الخاصّية - أي ترتّب النتيجة عليهما - ليسا مثلين، بل اللّه تعالى أحلّ البيع، فنتيجته الحاصلة حلال، وحرّم الربا، فنتيجته حرام، هو صحّة هذا، وفساد ذاك.

ص: 87

وبالجملة: مقصود القائلين بالتسوية بين البيعين هو التسوية في الربحين؛ ليدفعوا عن أنفسهم عار أكل الربا، والردع المتوجّه إلى دفعه ينفي التسوية بينهما في هذه الخاصّية، ويثبت العار عليهم، وعليه لا شبهة في دلالة الآية على الصحّة إن كان المراد بالبيع السببي منه، وعلى تنفيذ ما لدى العقلاء إن كان المراد المسبّبي منه.

المراد بالحلّية والحرمة

ثمّ إنّ المراد بالحلّية والحرمة التكليفيتان على الاحتمال الأوّل، وتحتمل التكليفية على الاحتمال الثاني، وإن كان الأظهر هو الوضعية على هذا الاحتمال؛ لأنّ الحلّ والحرمة إذا نُسبا إلى الأسباب التي يتوصّل بها إلى شيء آخر بل إلى مسبّبات يتوصّل بها إلى النتائج، يكونان ظاهرين في الحكم الوضعي؛ وتصحيح الأسباب وتنفيذ المعاملة.

لكن لا بمعنى استعمالهما في الحكم الوضعي أو التكليفي كما يتخيّل(1)، بل بمعنى استعمالهما في معناهما اللغوي؛ أي المنع وعدمه، أو المنع والرخصة، وإنّما يفهم التكليف والوضع بمناسبات الحكم والموضوع.

كما أنّ الأمر كذلك في صيغة الأمر والنهي، فإنّهما في الوضعيات والتكليفيات تستعملان في معنىً واحد، هو المعنى اللغوي؛ أي البعث والزجر، لكنّهما إن

ص: 88


1- راجع ما يأتي في الصفحة 165؛ اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 40؛ المكاسب والبيع (تقريرات المحقّق النائيني) الآملي 1: 132 - 133؛ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 105؛ حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 42.

تعلّقا بالعناوين النفسية - كالصلاة والخمر - يفهم منهما أنّ المطلوب والمبغوض نفسهما، وأنّ البعث والزجر تكليفيان.

وإن تعلّقا بمثل الأسباب ومالها آليّة إلى تحصيل الغير، وكذا بشيء في المركّبات الاعتبارية المتوقّعة منها الصحّة والفساد، يفهم منهما الإنفاذ والإمضاء، والصحّة والفساد، والشرطية، أو الجزئية، أو المانعية ونحوها. فقوله: «لا تشرب الخمر» كقوله: «لا تصلّ في وبر ما لا يؤكل» في استعمال النهي في معناه الحقيقي؛ أي الزجر.

لكن تعلّقه بالعنوان الأوّل، دالّ على ممنوعيته الذاتية ومبغوضيته في نفسه، وبالثاني دالّ على مانعية الوبر عن الصلاة، لا حرمته التكليفية؛ وأنّ لبسه فيها من قبيل وقوع حرام في واجب؛ وذلك بمناسبة الحكم والموضوع.

وكذا الحال في الأمر، بل الظاهر أنّ الحال كذلك في عناوين «الحلّ» و«الحرمة» و«الوجوب» و«الجواز» و«الفرض» و«المنع» و«الرخصة» وغيرها، فإنّها مستعملة في معانيها الحقيقية، لكن يفهم العرف - بمناسبات الحكم والموضوع - الوضع والتكليف.

فقوله تعالى: (أَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ)(1) وقوله: «حلّت الصلاة في كذا» وقوله: «حرّم البيع الربوي» وقوله: «حرّم الصلاة في كذا» كقوله تعالى: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ ويُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)(2) في كون الاستعمال في الجميع إنّما

ص: 89


1- البقرة (2): 275.
2- الأعراف (7): 157.

هو في المعنى اللغوي الحقيقي، وإن اختلفت في إفادة الوضع والتكليف بلحاظ المتعلّقات.

فقول بعضهم: إنّ الحلّ في الآية الكريمة استعمل في القدر المشترك بين الوضع والتكليف(1) كأنّه في غير محلّه في المقام وسائر المقامات؛ لما عرفت.

ثمّ إنّ الدلالة في المقام تكون على الاحتمالين المتقدّمين مختلفة، ولا شبهة في أنّ «البيع» في الآية لم يستعمل في الماهية الاعتبارية والآثار المترتّبة عليها.

وكذا لا يراد بقوله: (أَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ) إفادة التكليف والوضع؛ بمعنى أن يكون المراد أنّ البيع بعنوانه حلال وضعاً وتكليفاً، وكذا في الربا لو كان المراد به

البيع الربوي كما لا يخفى.

الإشكال في إطلاق الآية والجواب عنه

ثمّ إنّ في إطلاق الآية الكريمة إشكالاً:

أمّا أوّلاً: فلأنّ الظاهر أنّها ليست في مقام حلّية البيع وحرمة الربا، بل بصدد بيان نفي التسوية بينهما في قبال من قال: (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَوا)(2) فتكون في مقام بيان حكم آخر، فلا إطلاق فيها يدفع به الشكّ عن الأسباب المحتملة وغيرها (3).

ص: 90


1- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 34.
2- البقرة (2): 275.
3- حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 11 و147 و261؛ جامع المدارك 3: 71.

وأمّا ثانياً: فلأنّ الظاهر من الآية أنّ قوله: (وَأَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ...) إلى آخره، إخبار عن حكم شرعي سابق، لا إنشاء فعلي للحلّ والحرمة؛ بقرينة قوله: (الَّذِينَ يَأْ كُلُونَ الرِّبَوا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِى يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَ نَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَوا)(1).

فلا بدّ وأن يكون حكم البيع والربا مسبوقاً بالجعل، حتّى يتوجّه على القائل بالتسوية التعيير والتوعيد.

مضافاً إلى أنّ قولهم بالتسوية ظاهر في مسبوقية سلبها، لا كلام ابتدائي، فظاهر الآية - والعلم عنده تعالى - الذين يأكلون الربا لا يقومون إلاّ كذا، وذلك لأجل قولهم - مخالفاً لقوله تعالى -: (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَوا) مع أنّ اللّه تعالى كان أحلّ البيع وحرّم الربا، فقولهم بما أنّه في قبال حكم اللّه تعالى، صار موجباً للعذاب والعقاب الاُخروي.

فعليه لا تكون الآية بصدد بيان الحلّ والحرمة، بل بصدد الإخبار عن حلّيةٍ وحرمةٍ سابقتين. ولعلّهما كانتا بلسان رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم.

أو لعلّهما مستفادتان من نحو قوله تعالى: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(2) و(تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ)(3) بضميمة بعض آيات تحريم الربا (4) المخصّصة له.

ولعلّهما كانتا متقدّمتين في النزول على قوله: (وَأَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ...) إلى

ص: 91


1- البقرة (2): 275.
2- المائدة (5): 1.
3- النساء (4): 29.
4- آل عمران (3): 130، (يَا أَيُّها الّذينَ آمَنُوا لا تَأكُلوا الرِّبَوا أَضعافَاً مُضاعَفَةً).

آخره، وإن كانت آية وجوب الوفاء، في «المائدة» التي يقال: إنّها أخيرة السور نزولاً(1)؛ لعدم ثبوت كونها بجميع آياتها كذلك، ولو سلّم - كما يظهر من بعض الروايات(2) - ففيما عداها كفاية.

وبالجملة: لا يصحّ التمسّك بإطلاق الآية؛ لاحتمال أن يكون الحكم المجعول سابقاً بنحو خاصّ، وكأنّ القائل بالتسوية ادّعى التسوية بين المجعولين، فلا يظهر حال المجعول؛ هل هو مطلق، أو مقيّد؟

ويمكن دفعهما: بأنّ قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأنَّهُمْ قَالُوا...) إلى آخره، إخبار عن قولهم، فلا بدّ وأن يكون قولهم: «البيع كالربا» من غير تقييد؛ صوناً لكلامه تعالى عن الكذب، فيظهر منه أنّهم في مقام بيان تسوية مطلق البيع غير الربوي لمطلق البيع الربوي، أو مطلق نتيجة الأوّل للثاني على الاحتمالين المتقدّمين.

فحينئذٍ يكون إخبار اللّه تعالى بأنّ اللّه أحلّ البيع وحرّم الربا موافقاً لقولهم موضوعاً؛ أي يكون الموضوع في قوله: (وَأَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ) هو الموضوع لقولهم: (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَوا) فيكون إخباراً بتحليله مطلق البيع، وتحريمه مطلق الربا.

وبعبارة اُخرى: إنّ قولهم: (الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَوا) ثابت بحكاية اللّه تعالى؛ إذ كان بصدد بيان حكاية قولهم، ولا يعقل تخلّف حكايته عن قولهم إطلاقاً

ص: 92


1- اُنظر التبيان في تفسير القرآن 3: 413؛ الدرّ المنثور 2: 252.
2- تفسير العيّاشي 1: 288 / 2؛ مجمع البيان 3: 231؛ البرهان في تفسير القرآن 3: 277 / 3.

وتقييداً، وقولهم بنحو الإطلاق كاشف عن كونه مرادهم بالطريق العقلائي، فيثبت أنّهم ادّعوا مماثلة مطلق البيعين، وأخبر اللّه تعالى بأنّه أحلّ البيع الذي قالوا إ نّه مماثل للربا، وحرّم الربا، فالإخبار بنحو الإطلاق - بالقرينة المتقدّمة - حاكٍ عن تحليله مطلق البيع، وتحريمه مطلق الربا، فتأمّل(1).

لا يقال: لو كان إخباراً لما أمكنت مطابقته للواقع؛ لأنّ غير البيع الربوي لا يكون حلالاً مطلقاً، كبيع الغرر، والمنابذة، والملامسة وغيرها.

فإنّه يقال: - مضافاً إلى إمكان أن يكون هذا الإخبار قبل ورود تحريم تلك البيوع، وكأنّ البيع قبله على قسمين: صحيح محلّل هو غير الربوي، وفاسد محرّم هو الربوي - إنّه إخبار على فرضه عن التحليل القانوني، ولا يلزم أن يكون إخباراً عنه بمخصّصاته ومقيّداته، كما أنّ إخبارات الأئمّة علیهم السلام وفتاويهم يمكن أن تكون كذلك، أو لمصالح هم أعلم بها، لعلّ منها فتح باب الاجتهاد الذي به بقاء الدين القويم.

ثمّ إنّ هنا كلاماً آخر لدفع شبهة عدم كونه في مقام البيان، وهو أنّ ردع القائلين تارةً: يكون ببيان عدم التسوية، بأن يقال: إنّهما غير مثلين، فإنّ أحدهما حلال، والآخر حرام.

واُخرى: يكون ببيان حكم الموضوعين؛ ليكون ردعاً لهم بلازم الكلام، نحو الآية الشريفة، فإنّها ردع لهم ببيان حكم الموضوعين، فحينئذٍ تكون في مقام

ص: 93


1- وجهه أنّ قولهم: (إِنَّمَاالبَيعُ مِثلُ الرِّبوا) أيضاً في مقام بيان التسوية، فلا إطلاق له، مع إمكان أن يقال: إنّ الظاهر من الآية صدراً وذيلاً أنّها بصدد بيان تحريم الربا لا تحليل البيع، لأنّ تحليله لم يكن محطّ كلامهم، فلا إطلاق فيه من هذه الجهة. ]منه قدس سره]

بيان حكمهما، ليترتّب عليه ردعهم، وهذا لا يضرّ بالإطلاق، فتأمّل.

وبما ذكرناه يدفع توهّم كون الآية في مقام التشريع، فلا إطلاق لها (1).

ويمكن أن يوجّه كون الآية في مقام الإنشاء بوجه بعيد؛ بأن يقال إنّ قوله:

(الَّذِينَ يَأكُلُونَ الرِّبَوا...) إلى آخره، إخبار عن حالهم في القيامة، وقوله: (ذَلِكَ بِأَ نَّهُمْ...) إلى آخره، إخبار عن قولهم في الدنيا بعد تحليل البيع وتحريم الربا، بنحو الإخبار عن الغيب، فيكون قوله: (وَأَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ) إنشاءً.

وحاصل المعنى: أنّ آكل الربا كذا وكذا في الآخرة؛ لقوله: (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَوا) في الدنيا (وَأَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ) أي بعد هذا التحليل والتحريم، فتأمّل.

الدليل الثالث : آية التجارة

ويستدلّ(2) بقوله تعالى: (لاَ تَأْ كُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ)(3).

ويمكن تقريب دلالة الآية على المقصود - أي صحّة البيع - بما تقدّم في الآية السابقة، فيقال: الظاهر أنّ اسم الفعل الناقص هو «الأموال» و(تِجَارَةً) سادّة مسدّ الخبر.

والمعنى: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالأسباب والطرق الباطلة، كالقمار

ص: 94


1- حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 11 و147 و261؛ جامع المدارك 3: 71؛ اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 108.
2- جامع المقاصد 4: 58؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 41.
3- النساء (4): 29.

والسرقة والخيانة ونحوها، إلاّ أن تكون الأموال أموال تجارة؛ أي حاصلة بها، فأحلّ الأموال الحاصلة بها، وهو ملازم لصحّتها عرفاً؛ فإنّ الأموال الحاصلة بها هي ما صارت متبادلة بوسيلتها، كالبيع ونحوه، وحلّية الأكل أثر لهذا التبادل المالكي المترتّب عليه قهراً، لا بجعل المتعاملين.

ولمّا كان الترخيص الاستقلالي التعبّدي - غير المربوط بتبادل المالكين - بعيداً جدّاً، بل خلاف الواقع جزماً؛ إذ يكون من قبيل وقوع ما لم يقصدا، وعدم وقوع ما قصدا، ويرجع الأمر إلى أنّ تحصيل المال بطريق التجارة عن تراضٍ لا أثر له، وتكون التجارة مقارنة لتحليل الشارع، وهو خلاف ظاهر الآية أو نصّها، وخلاف فهم العقلاء، فلا محالة تكون إباحة التصرّف - ولو في الجملة - دليلاً على حصول الملك بالتجارة، وتحقّق الأثر العقلائي لدى الشارع، وهو المقصود.

مضافاً إلى دلالة التقييد ب (الْبَاطِلِ) على أنّ التجارة المقابلة له حقّ وسبب ثابت عند اللّه، وهو عين التنفيذ والتصحيح، فكما أنّ الأسباب الباطلة ملغاة لدى الشارع - ولهذا عدّها باطلة - كذلك التجارة عن تراضٍ معتبرة لديه؛ لأنّها حقّ بمقتضى المقابلة، فلا شبهة في دلالتها على المطلوب.

كما لا ينبغي الإشكال في إطلاقها، ولا سيّما مع كون الاستثناء منقطعاً؛ إذ لا يأتي فيه ما ربّما يقال في بعض الاستثناءات المتّصلة: إنّ المتكلّم في مقام بيان المستثنى منه، لا المستثنى(1)؛ فإنّ ذلك في المنقطع بعيد، لا سيّما في

ص: 95


1- اُنظر بلغة الفقيه 2: 103.

المقام؛ إذ قيّد التجارة بالتراضي منهما، وهو يؤكّد كونه في مقام البيان، فتأمّل.

وبالجملة: يظهر منها أنّ الأكل بالتجارة مرخّص فيه؛ لكونها حقّاً ثابتاً، وطريقاً مستقيماً لتحصيل الأموال.

ويؤكّد إطلاقها مقابلتها بالباطل الذي يشعر بالعلّية، بل يدلّ عليه لدى العرف، فيفهم من المقابلة أنّ التجارة عن تراضٍ - لكونها حقّاً - سبب للملكية، وموجبة لجواز الأكل والتصرّف.

ومن هنا يمكن التوسعة في السبب الحقّ لكلّ ما هو سبب حقّ لدى العقلاء لتحصيل المال، كسائر المعاوضات العقلائية غير البيع، لو قلنا: بأنّ المراد ب «التجارة» في الآية هو البيع، ولعلّ نكتة تخصيصه بالذكر على هذا الفرض، كونه السبب الغالبي لتحصيل الأموال، لا لخصوصية فيه، ولهذا يمكن دعوى إلغاء الخصوصية عرفاً منه، وإسراء الحكم إلى كلّ غير باطل، ولو لم تفهم العلّية من الباطل وبالمقابلة للحقّ.

لكنّ الظاهر عدم اختصاص «التجارة» بالبيع، بل تشمل سائر المكاسب، كالصلح، والإجارة وغيرهما، بل يمكن التوسعة على فرض العلّية لكلّ سبب حقّ ولو لم يكن من قبيل المعاملات، كالحيازة، والصيد ونحوهما وإن قلنا: بعدم صدق «التجارة» عليها، كما أنّ «الباطل» أعمّ من المعاملة الباطلة وغيرها كالبخس (كالنجش خ. ل) والقمار والظلم، كما هو المرويّ عن أبي جعفر علیه السلام (1).

بل يمكن التوسعة لغير الأموال، فيقال: إنّ المفهوم منها سلب سببية كلّ

ص: 96


1- مجمع البيان 3: 59.

سبب باطل، وإثبات سببية كلّ سبب حقّ للمسبّبات مطلقاً، فتشمل النكاح؛ فإنّه سبب حقّ، لكن هذا الاحتمال لا يوافقه العرف.

وبالجملة: استفادة صحّة جميع المعاملات بالمعنى الأخصّ - كالبيع، والصلح، والإجارة ونحوها - منها بلا إشكال، واستفادة صحّة نحو الوصيّة والوقف والحيازة محتملة.

هذا كلّه بناءً على أنّ المراد ب (البَاطِلِ) هو المعنى العقلائي والعرفي، كما هو ظاهر كلّ عنوان اُخذ في موضوع الأحكام.

وأمّا لو اُريد به ما هو بغير الوجه الشرعي، ومن مقابله ما هو بالوجه الشرعي

كما قال به الأردبيلي قدّس سرّه (1)، فيسقط الاستدلال بها على البيع فضلاً عن غيره؛ لأنّه مع الشكّ في اعتبار شيء فيه تصير الشبهة مصداقية، لكنّه احتمال ضعيف.

لا يقال: إنّ في المرويّ عن أبي جعفر علیه السلام (2) عدّ الربا من أكل المال بالباطل، فلا بدّ أن يكون المراد منه بالباطل شرعاً كما قال الأردبيلي قدّس سرّه.

فإنّه يقال على فرض ثبوت الرواية وعدم كون الربا أو بعض مراتبه من الباطل عرفاً لا بدّ من حملها على الباطل حكماً لا موضوعاً.

وبعبارة اُخرى: المراد الإلحاق الحكمي، ولا يظهر من الرواية أنّ المراد ب (البَاطِلِ) في الآية هو الباطل الشرعي، ولهذا لا يزال الأصحاب يتمسّكون بإطلاق الآية الكريمة لرفع بعض الشكوك.

ص: 97


1- زبدة البيان: 427.
2- مجمع البيان 3: 59.

ثمّ إنّ الآية على جميع الاحتمالات، تدلّ على المقصود؛ أي سواء قُرئت «التجارة» مرفوعة حتّى يكون الكون تامّاً، أم منصوبة ويكون اسمه «تجارة» مقدّرة، أم يرجع الضمير إلى «الأموال»، و(تِجَارَةً) خبره؛ بدعوى أنّ الأموال نفس التجارة، أم بتقدير «الأموال» وسدّ «التجارة» مسدّها.

وسواء كان الاستثناء متّصلاً أم منقطعاً، وسواء فهم من قوله: (بِالْبَاطِلِ) العلّية ومن مقابله كذلك، أم لا، ومن غير فرق بين أن يكون المراد من «الأكل» عنوانه، أو يكون كناية عن التصرّف إجمالاً، أو عن جميع التصرّفات، أو كناية عن التملّك، والتقريب في الجميع ما تقدّم.

الدليل الرابع : آية الوفاء

اشارة

واستدلّ(1) أيضاً بقوله تعالى: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(2).

والظاهر أنّ العقد استعارة، إمّا من الحبل الذي ربط بنحو حصلت فيه العقدة؛ بادّعاء أنّ الإضافة الاعتبارية هي الحبل، وأنّ تبادل الإضافتين هو العقدة، فاستعمل العقد الذي بمعنى ربط حقيقي بنحو خاصّ تحصل به العقدة واُريد منه الإضافة الاعتبارية ادّعاءً واستعارة.

وإمّا من «عَقدَ العسلُ» أي غَلُظَ، تشبيهاً للمعقول بالمحسوس.

ويحتمل أن تكون «العقود» جمع العقد بكسر العين؛ بمعنى القلادة، واستعير منه بدعوى أنّ التعاقد بينهما كالقلادة على عنقهما.

ص: 98


1- مجمع الفائدة والبرهان 8: 140؛ حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 43.
2- المائدة (5): 1.

والأوّل هو الأظهر؛ لمساعدة فهم العرف له، ويشهد له قوله تعالى: (وَلاَ تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ)(1) وقوله: (أَوْ يَعْفُوَ الَّذِى بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ)(2).

إذ يظهر منهما أنّ الاعتبار في العقد هو الربط الخاصّ الذي تحصل به العقدة ادّعاءً.

ويؤيّده ما حكي عن «الكشّاف»: والعقد العهد الموثّق، شبّه بعقد الحبل ونحوه، ومنه قول الحُطيئة:

قوم إذا عقدوا عقداً لجارهم شدّوا العناج وشدّوا فوقه الكربا (3)

وقول صاحب «مجمع البيان»: «وأصله عقد الشيء بغيره، وهو وصله به، كما يعقد الحبل»(4).

وأمّا العهد: فالظاهر أنّه الجعل في الذمّة والعهدة، والمعاهدة هي قرار كلّ من الطرفين في عهدته أن يفعل كذا، ومعاهدة اللّه هي التعهّد والقرار على ذمّته مع اللّه أن يفعل كذا، وكأنّ اعتبار العهد والنذر واحد، وإن اختلفا في بعض الاعتبارات.

وكيف كان: يختلف معنى العقد والعهد، وليس العقد هو العهد، أو العهد المشدّد، أو أوكد العهود.

والشاهد عليه: - مضافاً إلى ما مرّ - أنّ العهد حقيقة في المعاهدات الاعتبارية بين الأشخاص، وفي مثل: «عاهدت اللّه» والعقد استعارة ومجاز في المعاني

ص: 99


1- البقرة (2): 235.
2- البقرة (2): 237.
3- ديوان الحطيئة: 16؛ الكشّاف 1: 600؛ اُنظر عوائد الأيّام: 5.
4- مجمع البيان 3: 232.

العقدية الاعتبارية، كما يشهد به الاعتبار والوجدان، ويظهر من بعض أئمّة الأدب واللغة، كصاحب «مجمع البيان»، والبيضاوي(1) وصاحب «الكشّاف» كما مرّ آنفاً.

نعم، الظاهر أنّهما بحسب المصداق من قبيل العموم من وجه، فربّما يتّفق تصادقهما على مصداق واحد باعتبارين.

والعجب ما اتّفق لصاحبي «المجمعين» حيث قالا: «الفرق بين العقد والعهد أنّ العقد فيه معنى الاستيثاق والشدّ، ولا يكون إلاّ بين المتعاقدين، والعهد قد ينفرد به الواحد، فكلّ عهد عقد، ولا يكون كلّ عقد عهداً»(2)، انتهى.

وأنت خبير: بأنّ لازم ما ذكر أعمّية العهد من العقد، لا العكس، ولعلّ الاشتباه من النسّاخ وإن كان بعيداً.

ووقع نظير هذا الاشتباه لبعض أهل التحقيق، فجعل كلّ عهد عقداً، ولا عكس، مع ذهابه إلى أنّ العهد هو مطلق الجعل والقرار، كمجعولاته تعالى في المناصب، كالإمامة والخلافة، وكتكاليفه تعالى، وجعل العقد ربط شيء بشيء(3)، فراجع كلامه.

مع أنّ ما جعله من العهد - كالمناصب والتكاليف؛ تشبّثاً بقوله تعالى: (لاَيَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِينَ)(4) وقوله تعالى: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ

ص: 100


1- تفسير البيضاوي 1: 253.
2- مجمع البيان 3: 232؛ مجمع البحرين 3: 103.
3- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 143 - 144.
4- البقرة (2): 124.

طَهِّرَا بَيْتِىَ...)(1) إلى آخره، ولهذا زعم أنّ العهد مطلق الجعل والقرار - هو معنىً آخر من العهد ظاهراً؛ أي الوصيّة، فقوله: (لاَيَنَالُ عَهْدِى) أي وصيّتي بالولاية والإمامة، وكذا قوله: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ* أي أوصينا إليه.

وأمّا العهد المستعمل في المعاهدات والمعاقدات والعهود للّه تعالى نحو: «عاهدت اللّه على كذا»، فليس نحو قوله: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ) بل هو معنىً آخر منه.

شبهة عدم شمول الآية للمعاطاة ودفعها

ثمّ إنّ من أراد أن يخرج المعاطاة من العقود - بدعوى أنّ العقد هو العهد المشدّد، وتشديده إنّما هو باللفظ(2) - فلا يخلو كلامه إمّا أن يراد بالتأكيد والتشديد اللزوم مقابل الجواز، فترجع دعواه إلى أنّ المعاطاة عقد غير لازم، والعقد اللازم ما عقد باللفظ، فدليله عين مدّعاه.

وإمّا أن يراد بالتأكيد والتشديد المعهود منهما، فيقال في جوابه: إنّ العقد المسبّبي لا يعقل فيه التأكيد؛ لأنّه مبادلة بين المالين مثلاً، وهي دائرة بين الوجود والعدم، لا المؤكّد وغيره، والعقد السببي - على فرض كونه عقداً - لا يعقل فيه أيضاً التأكيد بما هو سبب؛ لأنّ قوله: «بعت هذا بهذا» لا تأكيد فيه بوجه.

ولو قيل: «بعت البتّة هذا بهذا» فمضافاً إلى عدم وقوع العقود المتعارفة

ص: 101


1- البقرة (2): 125.
2- منية الطالب 1: 124 و185.

كذلك، لا يفيد من التأكيد شيئاً؛ إذ لا يحصل به شيء غير ما حصل بالأوّل،

فيكون التأكيد لغواً، فلو فرض كون العقد هو العهد المؤكّد، لا بدّ من إخراج مطلق العقود لفظاً ومعاطاة عن مفاد )أَوْفُوا بِالْعُقُودِ( وتخصيصه بالعهود القابلة للتأكيد، كالعهد على إتيان عمل؛ فإنّه قابل للتأكيد.

ولو اتّفق أحياناً تأكيد بين المتعاقدين على عدم تخلّفهما عن مقتضى العقد، فهو خارج عن عنوان «العقد» لا تأكيد لمضمونه، كما هو واضح.

تحديد المعنى الحقيقي للعقد وبيان المعنى المستعار منه

ثمّ بعد ما تبيّن أنّ العقد بحسب المفهوم ليس بمعنى العهد، أو العهد المؤكّد، أو الموثّق، ويكون - بحسب الاستعمال في المعاني الاعتبارية - استعارة من عقد الحبل ونحوه، فيقع الكلام:

أوّلاً: في المعنى الحقيقي منه؛ هل هو مطلق الربط بوجه حصلت منه العقدة أو الربط المشدّد والمستوثق؟

وثانياً: في أنّ الاستعارة من مطلقه، أو القسم الموثّق والمؤكّد منه، بناءً على أنّ المعنى الحقيقي مطلقه؟

الظاهر المتبادر أنّ عقد الحبل ونحوه هو مطلق الربط الذي حصلت منه العقدة، فقوله: «عَقَدَ الحبل» نقيض حَلّه، و«عَقَدَ الخيط» جعل فيه عقدة، كما في «المنجد»(1) و«العقدة» أعمّ من المشدودة وغيرها، كما ترى في كتاب «المنجد»

ص: 102


1- المنجد: 518.

طبع مثالها بنحو غير المشدّد، وكتب في ذيله: «عقدة»(1).

والظاهر أنّ العقدة بالفارسية: «گره» وفي «منتهى الإرب»: «گره: بستنگاه»(2) وهو مطلق ما جعل في الحبل والخيط؛ بحكم التبادر.

وفي «الصحاح»: «والعاقد: الناقة التي قد أقرّت باللقاح؛ لأنّها تعقد بذنبها»(3). ومن الواضح أنّها لا تعقده مستوثقاً.

وفي «القاموس» فسّر العاقد كما في «الصحاح»(4).

وعلى هذا: يمكن أن يكون مراده من قوله: «عَقَد الحبل والبيع والعهد يعقده: شدّه»(5) هو مطلق الربط الخاصّ، لا تشديده وتوثيقه، فتأمّل.

ويشهد لما ذكرناه شعر الحُطيئة المتقدّم(6) إذ لو كان العقد أوكد العهود أو الموثّق منها، لما صحّ قوله في مدح القوم: بأنّهم إذا عقدوا شدّوا العناج وشدّوا الكرب.

ويشهد لعدم الاستيثاق والتوكيد في معناه قول من فسّره بمطلق العهود، كابن عبّاس، وجماعة من المفسّرين، على ما في «مجمع البيان» وكذا الأقوال التي حكاها فيه في معنى العقود(7).

ص: 103


1- اُنظر المنجد، الطبعة التاسعة: 542، وقد حذفت صورة «العقدة» من الطبعة المتداولة الجديدة.
2- منتهى الإرب 3: 858.
3- الصحاح 2: 511.
4- القاموس المحيط 1: 327.
5- نفس المصدر.
6- تقدّم في الصفحة 99.
7- مجمع البيان 3: 233.

وبالجملة: الظاهر أنّه ليس في المعنى الحقيقي من العقد اعتبار التوكيد والتوثيق.

كما أنّ الظاهر استعارة اللفظ الموضوع للطبيعة له ووجه الاستعارة ومصحّحها هو دعوى أنّ الربط الاعتباري هو الحبل، وتبادل الاعتبارين كتبادل طرفي الحبل، بنحو يرتبط وتحصل فيه العقدة.

ولا سبيل إلى القول: باستعارة اللفظ بمناسبة أحد مصاديق معناه، وهو العقد الموثّق؛ ضرورة أنّ العقد الموثّق ليس معنى العقد، واللفظ لم يوضع إلاّ لماهية المعنى، وخصوصيات المصاديق خارجة عن الموضوع له، فحينئذٍ لو اُريدت الاستعارة من قسم خاصّ، لا بدّ من ارتكاب تأوّل آخر، وادّعاء كون العقد المشدّد والمستوثق هو العقد دون غيره، حتّى يكون اللفظ مختصّاً به ادّعاءً، ثمّ استعارته للربط الاعتباري.

وإن شئت قلت: يلزم منه سبك مجاز من مجاز، واستعارة من استعارة، وهو خلاف الأصل، وخلاف المعهود من الاستعمالات.

فتحصّل ممّا مرّ: أنّ العقد بالمعنى الاستعاري، هو مطلق المعاملة بلحاظ الربط الاعتباري المتبادل.

وممّا ذكر يعلم: أنّه من مقولة المعنى لا اللفظ، وإنّما اللفظ آلة إيجاده، أو موضوعه، على احتمالين تقدّم الكلام فيهما (1)، فعليه لا فرق بين اللفظ والفعل في تحقّقه الاعتباري، ولا دخالة للّفظ في معناه إلاّ إيجاداً لا تقويماً، والمعاطاة

ص: 104


1- تقدّم في الصفحة 10 - 11.

كذلك عيناً، فيكون التعاطي كاللفظ آلة للإيجاد، أو موضوعاً للاعتبار.

فتوهّم: عدم صدق العقد على المعاطاة؛ لأنّ قوله: «بعت» ينشأ به معنيان:

أحدهما: بالمطابقة، وهو تبديل أحد طرفي الإضافة بمثله، وهو يحصل بالفعل أيضاً.

وثانيهما: بالالتزام، وهو التزام كلّ من المتعاقدين بما أوجداه من التبديل، ومن هذه الجهة يسمّى التبديل القولي: «عقداً وعهداً مؤكّداً» وهذا المعنى لا يمكن أن يتحقّق بالفعل؛ لأنّه ليس للفعل دلالة التزامية، نعم قد يوجد هذا المعنى بفعل آخر كالمصافقة(1).

غير وجيه من وجوه بعضها يظهر ممّا تقدّم(2).

ومنها: أنّ الالتزام بما أوجداه ليس معنىً التزامياً لمثل «بعت» وسائر ألفاظ المعاملات، نعم بناء العقلاء على العمل بعقودهم وعهودهم، فإن كان المراد من المعنى الالتزامي ذلك، فمع عدم كونه مدلولاً التزامياً، لا يختصّ بالعقد بالصيغة.

ومنها: أنّه لو فرض كون الالتزام بذلك معنى التزامياً، فلا شبهة في تحقّقه في المعاطاة أيضاً؛ لأنّ المدلول الالتزامي لازم المعنى، لا المعنى المفاد باللفظ، فإذا كانت المعاطاة كالبيع بالصيغة في إنشاء المعنى المطابقي؛ أي المبادلة، فلا محالة يكون لازم معناه منشأً بالتبع، سواء اُنشئ المعنى بالقول، أو الفعل.

ثمّ إنّ لازم قوله الأخير التفصيل بين المعاطاة المقارنة للتصفيق وغيره.

ص: 105


1- منية الطالب 1: 123.
2- تقدّم في الصفحة 101.

معنى الوفاء بالعهد والعقد

ثمّ إنّ معنى الوفاء بالعهد والنذر والعقد ونحوها، هو العمل على طبق مقتضياتها، فإن كان المقتضى العمل الخاصّ - مثل نذر صوم وصلاة - يكون وفاؤه بإتيان المنذور، لا عدم فكّ النذر والعهد.

وإن كان مقتضاها عرفاً تسليم العوضين، يكون الوفاء به، لا بعدم فسخها، فمن لم يفسخ عقد البيع ولم يعمل على مقتضاه بتسليم العين، لا يقال عرفاً: إنّه وفى بعقده؛ لأنّه لم يفسخه، وإن لم يعمل على مقتضاه.

وإن شئت قلت: إنّ الوفاء وعدمه من لواحق العقد بعد مفروضية وجوده، فإعدام العقد خارج عن عدم الوفاء به، كما أنّ إيجاده غير الوفاء به.

إلاّ أن يقال: إنّ الوفاء إبقاء العقد الحادث، وعدم الوفاء إعدامه، وهو غير صحيح.

وكيف كان: المتفاهم عرفاً من مثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و«بالعهود» هو العمل على مقتضاها عرفاً.

ولعلّه يختلف معناه عرفاً في استعماله مع «الباء» كما هو الشائع المتعارف في

العقود، والعهود، والوعد، والنذر، وقلّما يتّفق استعماله فيها مجرّداً عن الباء»(1) مع استعماله بدون «باء» في نحو (أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ)(2) فإنّ الشائع استعماله في نحوه بغير باء».

ص: 106


1- الحجّ (22): 29، (وَليُوفُوا نُذُورَهُم).
2- هود (11): 85.

ولعلّه يراد بالثاني الإتمام مقابل التنقيص والخسران، كما يظهر من موارد استعماله في الكتاب الكريم(1) وغيره(2)، وبالأوّل العمل بالمقتضى وافياً، والقيام بأمر الشيء بجميع مقتضياته، والمحافظة عليه، كما هو أحد معانيه(3)، ويمكن إرجاع الأوّل إلى الثاني بوجه، وبالعكس.

وكيف كان: إن اختصّ العمل بالمقتضى بخصوص تسليم العوضين، فوجوبه في المعاطاة الحاصلة بالتعاطي لا موضوع له.

نعم: فيما حصلت بإعطاء الثمن وأخذه كما في السلم، أو بإعطاء السلعة وأخذها، كما في النسيئة - وبالجملة في كلّ مورد اُنشئ العقد بالأخذ والإعطاء في أحد العوضين - يكون وفاؤه متصوّراً في غير المأخوذ.

وأمّا إن قلنا بعدم اختصاصه به، حتّى يشمل الرجوع إلى ما أعطاه، فيأتي وجوب الوفاء في المعاطاة الحاصلة بالتعاطي أيضاً، فمن أعطى ثمّ استرجع، لم يفِ بعقده.

وليس المراد بالاسترجاع مطلق أخذ ما أعطى، بل المراد أخذه بعنوان إرجاع ما أعطى، فالإيفاء به العمل بمقتضاه وافياً، والمحافظة عليه، فمن لم يسلّم السلعة - كمن سلّمها ثمّ استرجعها - غير موفٍ به، ولا محافظ عليه.

ص: 107


1- الأعراف (7): 85، (فأوفُوا الكَيلَ وَالميزَانَ وَلاَ تَبخَسُوا النّاسَ أَشْيَاءَهُم)؛ الشعراء (26): 181، (أَوفُوا الكَيلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ المُخسِرِينَ).
2- تهذيب الأحكام 8: 209 / 744، «إن لم يكن أوفاها بقيّة المهر حتّى باعها...».
3- اُنظر زبدة البيان: 462؛ مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام 3: 87.

اعتراضات المحقّق النراقي والجواب عنها

ثمّ إنّه قد يستشكل في عموم الآية:

تارةً: بأنّ مسبوقيتها بما علم من الشارع وجوب الوفاء به - كطائفة من العقود

التي بين اللّه وبين خلقه، كالإيمان به، وبكتبه، ورسله، وكالصلاة، والزكاة، وغيرهما، وكبعض العقود التي بين الناس، كالبيع، والنكاح، وغيرهما - مانعة عن الأخذ بأصالة العموم؛ لأنّها بمنزلة القرينة، أو ما يصلح للقرينية، فيظنّ أن يراد بها العقود المعهودة؛ لأنّ المائدة على ما قاله المفسّرون، أخيرة السور النازلة في أواخر عهد النبي صلی الله علیه و آله وسلم (1).

مضافاً إلى أنّ قوله: (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ...)(2) إلى آخره تفصيل لبعض العقود على ما قيل(3) وهذا أيضاً ممّا يوجب ضعف الحمل على العموم.

واُخرى: بأنّ مسبوقيتها بما ذكر توجب - مع الحمل على العموم - استعمال الأمر في التأكيد والتأسيس معاً، وهو كاستعمال اللفظ المشترك في أكثر من معنىً واحد في الفساد.

والحمل على التناسي خلاف الأصل، وترجيح أحد المعنيين يحتاج إلى دليل.

ص: 108


1- اُنظر التبيان في تفسير القرآن 3: 413؛ مجمع البيان 3: 231؛ الدرّ المنثور 2: 252.
2- المائدة (5): 1.
3- الكشّاف 1: 600 - 601.

وثالثة: بأنّ المراد بالآية المعنى المجازي، ومعه تتّسع دائرة الكلام ومجال

الجدال(1)، انتهى.

ثمّ أورد بعض الإشكالات المبتنية على كون العقد بمعنى العهد الموثّق(2).

ولمّا مرّ(3) فساد المبنى، لا يبقى مجال لإشكالاته المبنيّة عليه، فلنرجع إلى جواب ما مرّ.

فنقول: يجاب عن الأوّل بمنع القرينية في كلّ مسبوقية كيفما كانت، أو الصالحية لها، ففي نحو المورد - الذي ورد إنفاذ بعض العقود في سنين طويلة، زائدة على عشرين سنة - لا يعدّ ذلك قرينة أو صالحة لها لدى العقلاء.

ألا ترى: أنّه إذا قال المولى: «أكرم زيداً كلّما جاءك» ثمّ بعد سنين قال: «أكرم عمراً كلّما جاءك» وهكذا أمر بإكرام عدّة أشخاص، وكان كلّهم من العلماء، ثمّ بعد سنين عديدة قال: «أكرم العلماء كلّما جاؤوك» لا يمكن ترك إكرام غير العلماء المذكورين قبله؛ باعتذار احتمال كون المراد بالعموم المعهود.

والتحقيق: أنّ العامّ حجّة ظاهرة عند العقلاء، لا بدّ في رفع اليد عنها من ثبوت القرينة أو ما يصلح للقرينية؛ بنحو يتّكل عليها العقلاء، وهي غير ثابتة في المقام، بل الثابت خلافها.

والعجب من المستشكل؛ حيث مثّل بمثال ظاهر في العهد، وقاس المقام به(4)،

ص: 109


1- عوائد الأيّام: 19 - 22.
2- نفس المصدر.
3- تقدّم في الصفحة 98 - 104.
4- عوائد الأيّام: 19.

مع أنّ في ثبوت نزول المائدة بجميع آياتها في آخر عمره الشريف كلاماً، وإن كان وردت به رواية(1).

مضافاً إلى إمكان أن يقال: إنّ كون المائدة آخر ما نزلت مؤيّد للعموم ومؤكّد له؛ لأنّ الوحي لمّا كان منقطعاً بعدها، فلا بدّ من تقنين قوانين كلّية، يرجع إليها البشر في سائر الأدوار إلى آخر الأبد، فتنزيل آية مجملة لا يصحّ الاتّكال عليها في شيء من الموارد والمحاوج في آخر العهد وآخر الوصيّة والتقنين، لا ينبغي احتماله.

مع أنّ ما ذكره مبنيّ على أنّ جميع المحرّمات والواجبات التكليفية داخلة في

مفهوم «العقد» وهو ضعيف كما تقدّم(2) فحينئذٍ بقي بعض المعاملات التي ورد تنفيذها في الكتاب، ومن البعيد جدّاً أن يراد بذلك العموم خصوص تلك المعاملات.

إلاّ أن يقال: اُريد بالعقود ما ذكر في الكتاب وما أنفذه النبي صلی الله علیه و آله وسلم ولو بالسكوت، وهو أبعد، وكيف كان: لا وقع لهذا الإشكال رأساً.

كما أنّ كون (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ...)(3) تفصيل الآية، مبنيّ على أنّ «العقد» مطلق المحلّل والمحرّم، وقد عرفت ضعفه(4)، ومعه لا موجب لضعف الحمل على العموم.

ص: 110


1- تفسير العيّاشي 1: 288 / 2؛ البرهان في تفسير القرآن 3: 277 / 3.
2- تقدّم في الصفحة 98 - 101.
3- المائدة (5): 1.
4- تقدّم في الصفحة 98 - 99.

وعن الثاني: بمنع لزوم استعمال الأمر في الأكثر؛ لأنّ لفظ «الأمر» لا يستعمل في التأسيس أو التأكيد، بل هو مستعمل في معناه؛ أي البعث، لكنّه ينتزع منه التأكيد إن كان مسبوقاً بأمر متعلّق بعين ما تعلّق به ثانياً وثالثاً، وإلاّ يكون تأسيساً، وفي المورد لم يستعمل الأمر إلاّ في البعث والإغراء، وهذا بمكان من الوضوح.

وعن الثالث: بمنع اتّساع دائرة الكلام مع المجازية؛ لأنّ للمجازات - بواسطة القرائن - ظهوراتٍ عرفية عقلائية، وهي حجّة رافعة للاحتمالات المخالفة، وقد مرّ(1) ما هو الظاهر منها.

هذا كلّه إن قلنا بأنّ العقد غير العهد مفهوماً، فضلاً عن كونه عهداً مستوثقاً، وقد مرّ أنّ الأمر كان مبنيّاً على الاستعارة(2) فلا يعتبر قول أهل اللغة في مصحّح الدعوى؛ لأنّه أمر ذوقي اجتهادي.

وأمّا إن بنينا على تبعية أهل اللسان للّغوي وغيره، فالظاهر منهم إطلاق العقد على نحو البيع:

ففي «الصحاح»: «عقدت البيع والحبل والعهد فانعقد»(3).

وعن الراغب: «العقود باعتبار المعقود والعاقد ثلاثة أضرب... إلى أن قال: وعقد بينه وبين غيره من البشر... إلى أن قال: وظاهر الآية يقتضي كلّ عقد سوى ما كان تركه قربة أو واجباً»(4).

ص: 111


1- تقدّم في الصفحة 98 - 99.
2- تقدّم في الصفحة 98 - 99.
3- الصحاح 2: 510.
4- اُنظر عوائد الأيّام: 10؛ روح المعاني 6: 49.

وعن البيضاوي: «العقد العهد الموثّق ثمّ حكى شعر الحُطيئة المتقدّم، ثمّ قال: ولعلّ المراد ب «الْعُقُودِ» ما يعمّ العقود التي عقدها اللّه وألزمها إيّاهم

من التكاليف، وما يعقدون بينهم من عقود الأمانات والمعاملات ونحوها؛ ممّا يجب الوفاء به، أو يحسن، إن حملنا الأمر على المشترك بين الوجوب والندب»(1)، انتهى.

ومنه يظهر: أنّ المراد بالتوثيق مطلق الربط الخاصّ وإن لم يكن لازماً، ولهذا جمع بين التفسير بالعهد الموثّق، وبين حسن الوفاء به، وهو بمنزلة المفسّر لسائر كلمات أهل اللغة ممّن عبّر بالشدّ ك «القاموس»(2) و«المعيار»(3) ففيهما: «عَقَدَ البيع والحبل والعهد: شدّه».

ولا أظنّ أن يكون مرادهما أو مراد من عبّر بنحوهما من شدّ البيع وإحكامه - كما في «المنجد»(4) - غير إيقاعه، كما هو ظاهر المحكيّ عن «أقرب الموارد»: «عَقَدَ الحبل والبيع والعهد واليمين ونحوها عقداً: أحكمه وشدّه، وهو نقيض حلّه»(5).

وعنه: «حلّ العقدة حلاًّ نقضها وفتحها، ومنه المثل: «يا عاقد اذكر حلاًّ»؛ أي اُترك سبيلاً لحلّ ما تعقد»(6).

ص: 112


1- عوائد الأيّام: 9 - 10؛ تفسير البيضاوي 1: 253.
2- القاموس المحيط 1: 327.
3- معيار اللغة 1: 322.
4- المنجد: 518.
5- أقرب الموارد 2: 807.
6- أقرب الموارد 1: 224.

واحتمال أن يكون المراد به غير البيع المتعارف بين الناس من المعاطاة ونحوها؛ ممّا لا يكون مفاده إلاّ التمليك والتملّك، بل يكون مرادهم - زائداً على الصيغة ونحوها - التشديد والإحكام بقول أو عمل، في غاية البعد، بل لعلّه مقطوع الخلاف، ولعلّ المراد بالشدّ ما يعبّر عنه بالفارسية ب «بستن عقد».

ويشهد لما قلناه - من أنّ البيع ونحوه بمصاديقه المتعارفة داخل في العقود - تمسّك الفقهاء من المتقدّمين والمتأخّرين بالآية الكريمة لإثبات لزوم بعض العقود المتداولة، كالشيخ في مواضع من «الخلاف»(1) وابن زهرة(2) والعلاّمة(3)، والشهيد(4) ومن تأخّر عنه(5) بحيث يظهر منهم مفروغية دخولها في العقد، فلا ينبغي الإشكال في جواز التمسّك بالآية الكريمة لصحّة المعاطاة.

وبما ذكرنا يدفع إشكال النراقي قدّس سرّه: بأنّ العقد(6) الموثّق إمّا العقد اللازم شرعاً، فلا بدّ من إحرازه، ومعه لا حاجة إلى التمسّك بالآية.

أو الموثّق العرفي، فلا بدّ من إثباته، وليس مجرّد بنائهم على الإبقاء على مقتضى العهد توثيقاً له؛ لأنّ ما لا يقصد فيه الإتيان البتّة ليس عهداً،

ص: 113


1- الخلاف 3: 223 و489.
2- غنية النزوع 1: 243 و288.
3- مختلف الشيعة 5: 418.
4- اُنظر الدروس الشرعية 3: 384.
5- جامع المقاصد 7: 344؛ الروضة البهيّة 4: 276.
6- في المصدر «العهد» بدل «العقد».

فحصول التوثيق يحتاج إلى أمر آخر، وعلى المستدلّ إثبات التوثيق عرفاً (1)، انتهى.

وذلك لما مرّ: من أنّ مراد أهل اللسان من التوثيق في المقام ما يشمل اللزوم العرفي ومن الواضح أنّه ليس المراد ب «العُقُودِ» هي اللازمة شرعاً، بل المراد ما هي لدى العرف كذلك، وليس المراد بالوثاقة أمراً زائداً على اللزوم أو الأعمّ منه على احتمال، فيصحّ التمسّك بالآية لصحّة كلّ معاملة على الثاني، ولصحّة المعاملات المبنيّة على اللزوم في محيط العرف على الأوّل.

نعم، مع الشكّ في الموضوع لا يصحّ الاستدلال.

وأضعف من ذلك إشكاله الآخر، وهو احتمال كون المراد ب «العُقُودِ» في الآية سائر معاني العهد، كالوصيّة، والأمر، والضمان.

قال: «ولو سلّمنا أنّ للعهد معنىً يلائم العقود الفقهية، فإرادة ذلك من الآية غير معلومة»(2).

وذلك لما عرفت: من أنّ المتسالم بين اللغويين والفقهاء - من أهل اللسان وغيرهم - شمول العقد للعقود الفقهية.

هذا، مع الغضّ عمّا تقدّم من أنّ العقد غير العهد(3).

ص: 114


1- عوائد الأيّام: 20 - 21.
2- عوائد الأيّام: 21 - 22.
3- تقدّم في الصفحة 98 - 100.

إشكال تخصيص الأكثر وجوابه

ثمّ إنّه قد يستشكل في الآية الكريمة: بلزوم تخصيص الأكثر(1)؛ لخروج المعاملات الجائزة، وهي أكثر من اللازمة، بل وخروج العقود الخيارية، فيخرج بخيار المجلس مطلق البيوع.

هذا على الاحتمال المتقدّم؛ من مباينة مفهوم العقد للعهد.

وعلى فرض أنّ المراد به العهد أو الموثّق منه، وعلى فرض عمومه لكلّ جعل شرعي، يلزم ذلك أيضاً؛ لخروج المستحبّات، وهي فوق حدّ الإحصاء.

وفيه: - مضافاً إلى أنّ كلّ تخصيص أكثري ليس مستهجناً، بل الاستهجان إنّما يلزم لو كان الداخل قليلاً جدّاً، وأمّا مع كثرته إلى ما شاء اللّه كما في المقام، فلا يكون مستهجناً، ولو فرض أنّ الخارج أكثر - أنّ في المقام لا يلزم ذلك:

أمّا على الاحتمال الأوّل: فلأنّ المراد ب «العُقُودِ» الأفراد منها لا الأنواع؛ ضرورة أنّ الجمع المحلّى يدلّ على تكثير الطبيعة فرداً لا نوعاً، كما في جميع المقامات، فالكثرة النوعية تحتاج إلى قرينة.

مع أنّ القرينة في المقام على خلافها؛ لأنّ وجوب الوفاء يلحق العقد بوجوده، لا بطبيعته وماهيته النوعية، فتأمّل.

وكيف كان: لا شبهة في أنّ الظاهر من الجمع المحلّى و«الكلّ» ونحوهما هو

ص: 115


1- رياض المسائل 8: 113 - 114؛ اُنظر عوائد الأيّام: 16؛ الإجارة، المحقّق الرشتي: 10 / السطر 9.

كثرة الأفراد، كما لا شبهة في أنّ أفراد العقود اللازمة ملأت الخافقين، وأفراد العقود الجائزة في جنبها كالمعدوم.

وأمّا الخيارات كخيار المجلس وغيره، فليست من قبيل التخصيص في العموم، بل هي تقييد في الإطلاق، كما هو ظاهر لدى التأمّل، والبيع الربوي والغرري ونحوهما وإن خرجت بالتخصيص، لكن لم تكن في جنب غيرها كثيرة.

وأمّا على الاحتمال الثاني: فإن كان المراد به العقد اللازم، فخروج العقود الجائزة موضوعي.

وإن كان الأعمّ منها فلا يلزم ذلك أيضاً؛ لانصراف الآية الكريمة - بمناسبة

حكمها - عن العقود الجائزة شرعاً، بعد فرض ورود المائدة في آخر عهد رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم والعقود الجائزة عرفاً قليلة لو فرض خروجها.

وإن اُريد بالعهد مطلق المجعول الشرعي، فلا يلزم ذلك أيضاً؛ لأنّ المستحبّات خارجة انصرافاً بمناسبة الحكم والموضوع، كالعقود الجائزة.

ثمّ إنّ مبنى إشكال تخصيص الأكثر، هو أنّ الآية كانت متكفّلة لإثبات الوجوب التكليفي أو اللزوم الوضعي، وأمّا على فرض كونها بصدد الإرشاد إلى الصحّة، فلا إشكال رأساً، فكان الأولى تأخير بيان هذا الإشكال والجواب إلى بحث إثبات اللزوم بالآية، والأمر سهل.

فتحصّل من جميع ذلك: أنّ الآية دالّة على صحّة المعاطاة.

ص: 116

الدليل الخامس : آية القنطار والإفضاء

وربّما يستدلّ للمطلوب بقوله تعالى: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً)(1) كما حكي عن بعض أجلّة العصر قدّس سرّه (2).

ويمكن الاستدلال بالآية الاُولى لصحّة عقد النكاح ولزومه؛ بدعوى أنّ المراد بإيتاء القنطار إيتاؤه مهراً، وعدم جواز الأخذ لأجل صحّته ولزومه، ولازمهما صحّة العقد المشتمل عليه ولزومه، وبإ لغاء الخصوصية يسري الحكم إلى سائر العقود.

وبالآية الثانية؛ بأن يقال: إنّ قوله: (وَقَدْ أَفْضَى...) إلى آخره، كناية عن الجماع، كما قال به عدّة من المفسّرين(3) ووردت به روايات(4) أو عن الخلوة وإلقاء الستر كما عن بعض آخر(5) ووردت به الرواية أيضاً (6).

وعلى أيّ حال: يكون هو علّة مستقلّة للتعجّب من أخذ المهر، وقوله:

ص: 117


1- النساء (4): 20 - 21.
2- حكاه بعض فضلاء بحثه عن العلاّمة البروجردي في بحث القضاء، راجع البيع (تقريرات الإمام الخميني قدس سره) المؤمن القمّي: 165، (مخطوطة).
3- التبيان في تفسير القرآن 3: 153؛ مجمع البيان 3: 42؛ التفسير الكبير 10: 15.
4- البرهان في تفسير القرآن 3: 60 / 1.
5- اُنظر التبيان في تفسير القرآن 3: 153؛ مجمع البيان 3: 42؛ التفسير الكبير 10: 15.
6- اُنظر التبيان في تفسير القرآن 3: 153؛ مجمع البيان 3: 42.

(وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً) علّة مستقلّة اُخرى، فتدلّ على أنّ أخذ الميثاق الغليظ علّة للصحّة واللزوم، فيسري الحكم إلى كلّ عقد؛ لأنّ المراد ب «الميثاق الغليظ» هو ألفاظ عقد النكاح، أو قرار النكاح وعقده.

ولك أن تقول: إنّ المراد بقوله: (وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ) هو المراودات والمواصلات التي تكون قبل عقد النكاح، ويكون ذلك توطئة لبيان العلّة وهي أخذ الميثاق الغليظ، فليس في المقام إلاّ علّة واحدة، فتتمّ الدلالة بعموم العلّة.

هذا غاية ما يمكن الاستدلال به، لكنّك خبير بوهنه:

أمّا دعوى إلغاء الخصوصية عن عقد النكاح والإسراء إلى كلّ عقد، فهي ممنوعة جدّاً؛ لأنّ لعقد النكاح في جميع الملل خصوصية ليست لغيرها.

مضافاً إلى أنّ الظاهر أنّ الآية الثانية مفسّرة للاُولى، ومبيّنة لوجه عدم جواز الأخذ، فلا تكون الاُولى مستقلّة الدلالة.

وأمّا الثانية، فمضافاً إلى أنّ قوله: (وَقَدْ أَفْضَى) كناية - ظاهراً - عن الجماع ويكون الظاهر منها أنّ علّة التعجّب الإفضاء وأخذ الميثاق الغليظ مجموعاً، لا كلّ مستقلاًّ، كما أنّ الأمر كذلك في الأشباه والنظائر.

فاحتمال استقلال كلّ منهما مدفوع بالظهور المؤيّد بمناسبة الحكم والموضوع، وهي أنّ جعل المهر لأجل التمتّع، لا لمحض عقد الزواج، فكأنّه قال: «كيف تأخذون المهر مع أخذ الميثاق الغليظ والتمتّع بها، والتصرّف فيها ذلك التصرّف المهتمّ به؟ !» فتدلّ الآية على أنّ كلّ واحد من الإفضاء، ومن أخذ الميثاق الغليظ، لا يكفي في عدم جواز الأخذ، فلا بدّ من اجتماعهما.

ص: 118

ومع الإسراء إلى غير النكاح لا بدّ من القول: بأنّ العقود في حدّ نفسها لا توجب عدم جواز أخذ ما يعطى عوضاً، فتدلّ على عكس المطلوب.

أنّ دعوى أنّ «الميثاق الغليظ» عبارة عن نفس إيقاع النكاح غير صحيحة، بل الظاهر أنّ المراد ب «الغليظ» هو ما يتعارف في خصوص النكاح، الذي هو في غاية الأهمّية عند عامّة الاُمم؛ من الإلزامات، والالتزامات، وأخذ العهدة والتغليظ في القرار والجعل كما هو واضح، فبيع باقة من الخضرة بدرهم ليس من الميثاق الغليظ، ولو اُطلق عليه لكان مضحكاً.

هذا، مع أنّ الآية الكريمة واردة لبيان استقرار المهر بالدخول، كما عليه الأصحاب(1) وتدلّ عليه الروايات(2) المعمول بها وقد ورد في بعض الروايات الصحيحة: «الميثاق هي الكلمة التي عقد بها النكاح، وأمّا قوله: (غَلِيظاً) فهو ماء الرجل يفضيه إلى امرأته»(3).

ولعلّ المراد أنّ العقد صار غليظاً، والعهد مشدّداً بالإفضاء.

والإنصاف: أنّ الآية لا دلالة لها في باب النكاح على المقصود، فضلاً عن غيره.

ص: 119


1- غنية النزوع 1: 349؛ جواهر الكلام 31: 75.
2- وسائل الشيعة 21: 319، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 54.
3- الكافي 5: 560 / 19؛ وسائل الشيعة 20: 262، كتاب النكاح، أبواب عقد النكاح، الباب 1، الحديث 4.

الدليل السادس : حديث السلطنة

اشارة

وربّما يستدلّ عليه بالمرسلة المشهورة؛ أي قوله صلی الله علیه و آله وسلم: «الناس مسلَّطُون على أموالهم»(1).

بتقريب: أنّ ظاهرها إثبات السلطنة لهم بأنواعها، على النحو المتداول بين العرف، فإذا تداولت المعاطاة بينهم يشملها الحكم، ولازمه كون أسبابها العرفية أسباباً شرعية(2).

وفيه: أنّ ما لدى العرف في إنفاذ المعاملات يتوقّف على أمرين:

أحدهما: سلطنة المالك على ماله، فمثل المجنون والطفل غير المميّز، ليس سلطاناً لدى العقلاء، فلا بدّ في إنفاذ المعاملة من السلطنة على المال.

ثانيهما: إيقاع المعاملة على طبق المقرّرات العقلائية، فبيع المجهول المطلق بمجهول مطلق ليس نافذاً لديهم، لا لقصور سلطنة المالك، بل لمخالفته للمقرّر العقلائي، فتسلّط الناس على أموالهم شيء، ولزوم تبعية العاقد للمقرّرات العقلائية شيء آخر، وليست المقرّرات العقلائية ناشئة عن السلطنة، وليست من شؤونها، بل هي قواعد لديهم لتنظيم الاُمور وسدّ باب الهرج.

فتبيّن من ذلك: أنّ إنفاذ سلطنة الناس على أموالهم - على النحو المقرّر لدى العقلاء - لا يلازم إنفاذ المعاملات العقلائية؛ لأنّ السلطنة على الأموال أحد

ص: 120


1- الخلاف 3: 176؛ عوالي اللآلي 1: 222 / 99؛ بحار الأنوار 2: 272 / 7.
2- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 341.

شرائط النفوذ لدى العقلاء، وليس في محيط العرف والعقلاء السلطنة على الأموال موجبةً للسلطنة على المقرّرات، فالناس مسلّطون على أموالهم، وتابعون للمقرّرات، لا مسلّطون عليها، فالسلطنة على الأموال شيء أجنبيّ عن نفوذها بالنسبة إلى الأسباب المقرّرة للمعاملات.

وممّا ذكرنا يظهر: أنّ البيع ليس نوعاً من السلطنة على الأموال، ولا المعاطاة حصّة منها، أو نوعاً عرفياً منها.

فما قد يقال في جواب الشيخ الأنصاري: «إنّه يمكن أن يقال إنّ المعاطاة أحد الأنواع؛ إذ ليس المراد منها النوع المنطقي، بل الأعمّ منه ومن الصنف»(1). ليس على ما ينبغي.

كما أنّ كلام الشيخ(2) أيضاً غير وجيه؛ لأنّ البيع والصلح ونحوهما ليست من أنواع السلطنة على الأموال، فالناس مسلّطون على أيّ نقل شاؤوا، لا على أسبابه؛ لأنّ أسبابه ليست من شؤون السلطنة على الأموال.

تقريب المحقّق الأصفهاني وجوابه

كما أنّه ممّا ذكرنا ظهر ما في كلام بعض آخر في مقام التقريب.

قال ما محصّله: أنّ السلطنة ليست إلاّ القدرة على التصرّفات المعاملية هنا، المتحقّقة بترخيص الشارع تكليفاً ووضعاً، فتتحقّق - بالترخيص الوضعي، وإنفاذ ما يتصدّى له ذو المال - القدرة على المعاملة بما هي مؤثّرة في مضمونها،

ص: 121


1- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 341.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 41.

فالسلطنة على البيع وعلى المعاطاة حصّة من طبيعي السلطنة، فالإطلاق بلحاظ الكمّ والكيف جميعاً؛ لأنّ السلطنة منتزعة بلحاظ الترخيص التكليفي والوضعي، فلا محالة تكون الأسباب إمّا ملحوظة ابتداءً، أو بتبع لحاظ المسبّبات، وبهذا الاعتبار لها نفوذ ومضيّ بحسب الأسباب(1).

وفيه: - مضافاً إلى أنّ المجعول بالرواية السلطنة على الأموال، من غير لحاظ الترخيص التكليفي أو الوضعي، ومن غير لحاظ الأسباب والمسبّبات، وليست السلطنة منتزعة منهما وبلحاظهما، بل هي حكم وضعي مجعول ابتداءً واستقلالاً - أنّ السلطنة على البيع والمعاطاة ليست حصّة من طبيعي السلطنة على الأموال، ولا دليل على أنّ الجاعل في مقام إنفاذ الأسباب أو المسبّبات، بل الحصص لطبيعي السلطنة على الأموال السلطنة على كلّ نحو من أنحاء التصرّفات، كالتصرّف بالنقل مثلاً، من غير نظر إلى سببه، بل ومن غير لحاظ النقل وسببه والمسبّب منه بوجه.

بل الملحوظ طبيعة السلطنة المجعولة على الأموال، وهي تصحّح أحد أركان نفوذ المعاملة، والركن الآخر هو أسباب النقل، ولا تعرّض للرواية له، بل هي مهملة من هذه الجهة، بل لا معنى لإطلاقها بالنسبة إلى ما ليس حصّة للطبيعي؛ ضرورة أنّ السلطنة على العقد ليست حصّة من طبيعي السلطنة على الأموال.

والسلطنة على النقل وإن كانت حصّة منها، لكن لا تصحّح السلطنة على

ص: 122


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 108 - 109.

النقل السلطنة على العقد؛ للفرق بين نحو قوله: (أَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ)(1) و(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(2) الذي موضوعه البيع والعقد، وبين جعل السلطنة على الأموال.

ودعوى لحاظ الأسباب والمسبّبات في هذا الجعل، غير مرضيّة؛ ضرورة أنّ الإطلاق غير العموم، فليست الماهية المطلقة مرآة لمصاديقها وحصصها، فضلاً عمّا ليس بمصداقها ولا حصّتها، هذا كلّه لو سلّم الإطلاق.

وأمّا لو قيل بعدمه؛ وإنّما هو مسوق لجعل السلطنة في مقابل الحجر، واُريد به أنّ الناس مسلّطون، ولا محجورون عن التصرّفات(3)، فالأمر أوضح.

اعتراض المحقّق الأصفهاني على اُستاذه والجواب عنه

ولعلّ ما ذكرناه هو منظور المحقّق الخراساني(4) لا ما زعم تلميذه المحقّق؛ من أنّ المراد بقوله: «الناس مسلّطون...» أنّهم غير محجورين، فأورد عليه بأنّ الظاهر منه هو ثبوت السلطنة لهم من حيث إضافة المال إليهم، والحكم بالمقتضى استناداً إلى ثبوت مقتضيه - إمّا اقتضاءً، أو فعلاً؛ لعدم المانع - معقول، لكنّ الحكم بعدم المانع استناداً إلى ثبوت المقتضي غير معقول، فلا معنى لحمل دليل السلطنة على أنّ المالك غير محجور في قبال المحجور(5)، انتهى.

ص: 123


1- البقرة (2): 275.
2- المائدة (5): 1.
3- حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 12 و14.
4- نفس المصدر.
5- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 110.

وأنت خبير: بأنّ المحقّق الخراساني بصدد بيان عدم الإطلاق في الرواية، ومراده من أنّه مسوق لعدم الحجر ليس أنّه نفي الحجر بقوله ذلك ابتداءً، بل الظاهر أنّ مراده أنّه جعل السلطنة في قبال الحجر، فلا إطلاق فيه من حيث العقد وكيفيته.

مضافاً إلى أنّ ما أورد عليه: من أنّ الحكم بالمقتضى... إلى آخره، غير وارد، ولو فرض أنّ الرواية بصدد بيان عدم الحجر؛ ضرورة أنّ الملكية ليست مقتضية للسلطنة بالمعنى المعهود للاقتضاء، بل السلطنة من الأحكام العقلائية للأموال، وليس في الرواية ما يشعر باستناد قائلها - في الحكم بالسلطنة - إلى وجود المقتضي أو عدم المانع، فهل ترى أنّه لو ورد من الشارع بدل «الناس مسلّطون...» «الناس غير محجورين عن أموالهم» يجب ردّه؛ لعدم معقولية الاستناد إلى المقتضي في الحكم بعدم المانع؟ !

نعم، ظاهر «الناس مسلّطون...» جعل السلطنة، لا رفع الحجر، وإن كان رفعه لازمه، لكنّه غير عدم المعقولية.

مع إمكان أن يقال: إنّ الحكم بالمقتضى بعد كون مقتضيه مفروض التحقّق، إنّما هو لدفع توهّم الحجر، والمقام كذلك؛ لأنّ المقتضي - وهو كون المال مضافاً إلى صاحبه - مفروض، فالمحتمل وجود الحجر، فلا بدّ من دفعه، فالقائل بصدد دفعه لا محالة.

لكنّ الظاهر عدم إهماله، وكونه في مقام بيان جعل السلطنة فعلاً، وإن لم يدفع بإطلاقه الشكّ في الأسباب المملّكة كما تقدّم(1).

ص: 124


1- تقدّم في الصفحة 120 - 123.

ويمكن أن يقال: إنّ دليل السلطنة حكم حيثي، لا يدفع به الشكّ عن خصوصيات السبب المملّك، نظير حلّية البهيمة، فإنّ قوله: (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ)(1) ليس حكماً فعلياً مطلقاً، حتّى يعارض دليل الغصب، ودليل حرمة الموطوءة، بل حكم بالحلّية الذاتية، مقابل حرمة لحم الخنزير والكلب، وهو لا ينافي حرمة الغصب والوط ء.

ففي المقام أيضاً يقال: إنّ دليل جعل السلطنة حكم حيثي على نفس المال، فلا إطلاق فيه بالنسبة إلى الأسباب، ولا الطوارئ والعوارض، فلا يعارض أدلّة حرمة بعض المحرّمات التي بينها وبينه عموم من وجه، بل لا تكون أدلّة المحرّمات والواجبات - التي بينها وبينه عموم مطلق - مقيّدة له، فتوهّم التعارض ساقط على هذا الاحتمال، كما أنّه ساقط على الاحتمال المتقدّم.

بل لو فرض الإطلاق فيه فلا يتعارض أيضاً معها؛ لأنّ هذا الحديث - على فرض صدوره - ليس بصدد تأسيس حكم، بل الظاهر أنّه بصدد إنفاذ حكم العقلاء؛ لأنّ كافّة العقلاء يحكمون بثبوت سلطنة الناس على أموالهم.

وليس مستند الفقهاء والمسلمين في هذه القاعدة إلى هذا الحديث المرسل، فعليه يكون هذا الحكم على طبق حكم العقلاء، ولا ريب في أنّ حكمهم تعليقي على عدم ورود حكم من السلطان الحقيقي على النفوس والأموال، وهو اللّه تعالى، فإذا ورد حكم من الشارع الأقدس، يكون وارداً على هذا الحكم التعليقي.

ص: 125


1- المائدة (5): 1.

فتحصّل منه: أنّه لا إطلاق له - على فرض إمكانه - يدفع به الشكّ عن الأسباب.

الإشكالات العقلية التي ذكرها المحقّق الأصفهاني وجوابها

ثمّ إنّ هنا بعض إشكالات عقلية، أوردها بعض أهل التحقيق(1):

منها: أنّ السلطنة معلولة للملكية، فمتأخّرة عنها وعن عدمها البديل، فكيف يعقل أن تكون علّة لزوال الملكية؟ ! للزوم تقدّم المتأخّر بالطبع.

ومنها: أنّ الملكية علّة للسلطنة، فإذا كانت السلطنة علّة لزوالها، لزم علّية الشيء لعدم نفسه.

ثمّ أتعب نفسه في الجواب عنهما، وأبعد المسافة، مع أنّ الجواب عن نحوها سهل، وهو أنّ الملكية ليست علّة للسلطنة، بل ولا موضوعة لها كموضوعية الجواهر للأعراض؛ ضرورة أنّ السلطنة أمر اعتباري عقلائي، لا وجود لها في الخارج.

وما أفاد ذلك المجيب: من أنّ السلطنة عبارة عن القدرة التي هي صفة نفسانية(2) في غاية السقوط؛ إذ هي أمر اعتباري قابل للجعل ابتداءً، كجعل الحكومة والولاية ونحوهما من سائر الوضعيات.

نعم، في جعل السلطنة على الأموال المضافة إلى الناس، لا بدّ من تحقّق الملكية حالها؛ لكون السلطنة مضافة إليها، من غير أن يكون الملك علّة

ص: 126


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 110 - 112.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 111.

لوجودها، فالسلطنة اعتبارية، كما أنّ الملكية اعتبارية، فلا علّية ولا معلولية، كما لا علّية للسلطنة على زوال الملكية، بل ولا علّية للعقد على زوالها، نحو علّية العلل التكوينية كما هو واضح، فالإشكا لات العقلية في غير محلّها.

نعم، هنا إشكال آخر، وهو أنّ ظاهر قوله صلی الله علیه و آله وسلم: «الناس...» إلى آخره، أنّ جميع التصرّفات في الأملاك إنّما هي في ظرف تحقّق الملكية، فلا تشمل التصرّفات المزيلة لها، كالبيع، والعتق، والإعراض، ونحوها، فلا بدّ من حملها على التصرّفات التي يبقى معها الملك(1).

وفيه ما لا يخفى: أمّا بالنظر إلى محيط العقلاء وحكمهم بتسلّط الناس على أموالهم، فلا شبهة في أنّ التصرّفات المزيلة للملكية من أوضح أنحاء السلطنة على الأملاك، والرواية إنفاذ لما لدى العقلاء كما مرّ.

ولو اُغمض عنه فلا إشكال أيضاً؛ لأنّ الظاهر لزوم انحفاظ الملك حال إعمال السلطنة، وإخراج المال عن الملكية - بإعمال السلطنة - لا ينافي ذلك.

وإن شئت قلت: إنّ السلطنة على الأملاك أوجبت نفوذ المعاملة عليها، وبإيقاع المعاملة خرجت الأملاك عن الملكية، وانتفى موضوع السلطنة.

مع أنّ لازم ما ذكر عدم السلطنة على الأكل والشرب ونحوهما، وهو كما ترى، بل لازمه عدم صحّة البيع وسائر المعاملات رأساً؛ لأنّها لا تكون

ص: 127


1- حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 45؛ اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 112.

إلاّ في ملك، فلا بدّ على هذا الإشكال أن يكون الملك منحفظاً بعد البيع، وهو كما ترى.

هذا كلّه، مع أنّ السلطنة مجعولة للمالك على المال، فليس المال موضوعاً لها، وسيأتي الكلام فيه في باب الاستدلال على اللزوم(1).

الدليل السابع : حديث الشرط

اشارة

واستدلّ للمطلوب(2) أيضاً بقوله علیه السلام: «والمسلمون عند شروطهم»(3) بدعوى شمول الشروط للابتدائية منها، تمسّكاً بالتبادر، وجملة من الروايات(4).

بحث في معنى الشرط

قال الشيخ الأنصاري: إنّ «الشرط» يطلق في العرف على معنيين:

أحدهما: المعنى الحدثي، ومنه المشتقّات ك «الشارط» ونحوه.

ثمّ حكى كلام صاحب «القاموس»(5) وردّه.

ثمّ قال: الثاني ما يلزم من عدمه العدم، من دون ملاحظة أنّه يلزم من وجوده

ص: 128


1- يأتي في الصفحة 158.
2- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 337.
3- الكافي 5: 169 / 1؛ وسائل الشيعة 18: 16، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 1.
4- تأتي في الصفحة 135 - 139.
5- القاموس المحيط 2: 381.

الوجود أو لا، وهو بهذا المعنى جامد، واشتقاق «المشروط» و«الشارط» منه ليس على الأصل، ولهذا ليسا بمتضايفين في الفعل والانفعال، بل «الشارط» هو الجاعل، و«المشروط» ما جعل له الشرط. ثمّ ذكر اصطلاح النحاة وأهل المعقول(1).

ولقد تكلّف بعض المحشّين، وتصدّى لإرجاع الثاني إلى الأوّل، وجعله من المشتقّات(2). وبعض آخر لإرجاع جميع المعاني إلى معنىً واحد، وهو تقيّد أمر بآخر إمّا واقعاً، أو بجعل جاعل(3).

والذي يظهر من كلمات اللغويين أنّ الإلزام والالتزام - إمّا مطلقاً، أو في البيع ونحوه - أحد معانيه، وأمّا المعنى الثاني فلم أرَ شاهداً عليه في اللغة.

ففي «القاموس»: «الشرط إلزام الشيء والتزامه في البيع ونحوه، وجمعه الشروط»(4)، ونحوه في «أقرب الموارد»(5).

وظاهرهما أنّهما بصدد بيان ماهية المعنى اللغوي، لا بعض مصاديقها، ولو كان الشرط عندهما مطلق الإلزام والالتزام كان التقييد لغواً، بل مخلاًّ.

وكذا الظاهر منهما أنّه الالتزام الذي ظرفه البيع، لا أنّ البيع معلّق عليه أو متقيّد به؛ ضرورة أنّ البيع المعلّق على الشرط لا يكون الشرط فيه، وكذا الحال في المتقيّد، فالظاهر منهما ما لدى الفقهاء من الشروط في ضمن العقد.

ص: 129


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19: 11 - 13.
2- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 3: 245.
3- حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 3: 267.
4- القاموس المحيط 2: 381.
5- أقرب الموارد 1: 583.

ثمّ إنّ قولهما في خلال الكلام: «شارطه: شرط كلّ منهما على صاحبه»(1)، وقول الأوّل: «وذو الشرط عديّ بن جَبَلَة، شرط على قومه أن لا يدفن ميّت حتّى يخطّ هو موضع قبره»(2) لا دلالة فيه على كونه بمعنى مطلق الإلزام، بل كلامهما في شرح الماهية قرينة على المراد منه في خلال الكلام.

وفي «معيار اللغة»: «شرط عليه كذا في البيع ونحوه ألزمه إيّاه، فالتزم هو لما اشترط عليه»(3).

وظاهره أيضاً نحو ما تقدّم، وإن كان دونه في الظهور.

نعم، في «المنجد»: «الشرط إلزام الشيء والتزامه».

وهو ظاهر في الإطلاق، وإن كان مسبوقاً بقوله: «شرط عليه في بيع ونحوه ألزمه شيئاً فيه»(4).

وربّما يشعر بكونه مطلق الإلزام أو العهد ما عن أصبغ بن نباتة وقد سئل: كيف سمّيتم «شرطة الخميس» يا أصبغ؟

قال: لأنّا ضمنّا له الذبح، وضمن لنا الفتح(5).

لكنّه ضعيف؛ لكونه مخالفاً لقول جلّ أهل اللغة في وجه التسمية، مع احتمال كون الضمان في عقد البيعة.

ص: 130


1- القاموس المحيط 2: 382؛ أقرب الموارد 1: 583.
2- القاموس المحيط 2: 382.
3- معيار اللغة 2: 57.
4- المنجد: 382.
5- الاختصاص: 65؛ بحار الأنوار 42: 180 - 181.

وأمّا الشرط بالمعنى الثاني، فهو معنىً عرفي كما ادّعاه الشيخ(1) ولم يظهر من اللغة أنّه أحد معانيه، ولعلّه دعا بعض المحشّين إلى التكلّف بإرجاعه إلى الأوّل، وإلى المعنى الاشتقاقي(2).

ويحتمل بعيداً أخذه من الشريط؛ بمعنى الخوص المفتول، يشرّط به السرير ونحوه(3).

فالعمدة في المقام تحصيل المعنى الأوّل؛ هل هو في اللغة والعرف بمعنى الإلزام والالتزام في البيع ونحوه، أو مطلق الالتزام؟

وقد عرفت: أنّ كلمات اللغويين مختلفة، لا يمكن الاتّكال عليها، ولا تصحّ تخطئة الطائفة الاُولى بمجرّد استعماله في الأخبار(4) في الشرط الابتدائي؛ لأنّه أعمّ، ولا سيّما بعد قيام القرينة كما في بعض الروايات الآتية(5).

وقد عرفت: أنّ صاحب «القاموس» غير متفرّد بذلك، بل فيما رأيت من اللغة أنّ صاحب «المنجد» متفرّد فيما قال، كما أنّ صاحب «مجمع البيان» متفرّد في جعل الشرط في البيع بمعنى العلامة(6).

وكيف كان: لا شبهة في أنّ الشرط ليس بمعنى مطلق الجعل والقرار، فلا يقال

ص: 131


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19: 11 و13.
2- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 3: 245 - 246.
3- العين 6: 234؛ القاموس المحيط 2: 282.
4- تأتي في الصفحة 135 - 138.
5- تأتي في الصفحة 135 - 136.
6- مجمع البيان 9: 154.

لجعل النصب والإشارات: «الشرط» ولا مطلق الجعل المستتبع للإلزام والضيق، كما ادّعاه بعض المحشّين على «بيع الشيخ الأنصاري»(1) فلا يقال لجعل الأمارة الشرعية المستتبعة للضيق والإلزام: «الشرط».

ولا بمعنى لزوم شيء لشيءٍ كما ادّعاه بعض آخر(2) فلا يقال للحجّية المجعولة لخبر الواحد مثلاً باعتبار لزومها له: «الشرط»، ولا لجعل الوجوب للصلاة باعتبار لزومه لها. وإطلاق «الشرط» على الطهارة للصلاة ليس باعتبار اللزوم، بل باعتبار تعليقها عليها، وعدمها بعدمها.

ثمّ إنّه لا شبهة في صدق «الشرط» عرفاً ولغة على الإلزام والالتزام في ضمن المعاملات، سواء كان الإلزام أو الاشتراط بعنوانهما أو بالحمل الشائع، بل الظاهر أنّ مطلق الجعل في ضمنها - سواء كان إلزاماً أم مستتبعاً له، أم كان الإلزام من أحكامه - يكون شرطاً عرفاً.

كما أنّ له معنىً آخر في العرف، وهو ما علّق عليه شيء تشريعاً وجعلاً، أو تكويناً وخارجاً، فيصدق على نحو الجعالة، والسباق وسائر الشروط المتداولة بين الناس؛ ممّا جعل شيء معلّقاً على شيء، فيقال للمعلّق عليه: «الشرط» لا بمعنى الشرط المصطلح النحوي، فلا تغفل.

كما أنّه يطلق بهذا المعنى أيضاً على ما يتوقّف عليه وجود شيء، ويلزم من عدمه العدم، فهل هذا معنىً جامد، فيكون الشرط هو ما يلزم من عدمه العدم - أي الذوات الجامدة الكذائية - كما ادّعاه الشيخ(3)، أو معنىً حدثي

ص: 132


1- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 3: 244.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 5: 104.
3- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19: 13.

اشتقاقي، كما تكلّف لإثباته بعض أهل التحقيق(1)؟

لا تبعد صحّة ما ذهب إليه الشيخ وكونه موافقاً للعرف؛ لأنّ إطلاق «الشرط» عرفاً على مثل الوضوء للصلاة وعلى مطلق الأسباب والعلل، إنّما هو لأجل أنّ عدمها يوجب عدم ما يتوقّف عليها، ولا ينقدح في الأذهان اللزوم والملازمة ونحوهما، وإن كان مثله لازم المعنى العرفي.

ولو سلّم أنّ ذلك معنىً حدثي اشتقاقي، لكن لا تنبغي الشبهة في أنّ هذا المعنى التعليقي غير ذلك المعنى المتقدّم.

فالإلزام والالتزام في ضمن المعاملات معنىً مخالف لكون الشيء موقوفاً عليه أو ملزوماً لشيء، ولا جامع بينهما؛ ضرورة أنّ المجعول في ضمن المعاملة في العرف واللغة ليست المعاملة معلّقة عليه، لعدم توقّف وجودها على وجوده، فهي معنىً تنجيزي، يشترط في ضمنها شيء على أحد المتعاملين مثلاً، فلا يكون قرارهما معلّقاً، بل من قبيل قرار في قرار، وإن كان حكمه العقلائي ثبوت الخيار للمشروط له لو لم يعمل المشروط عليه بالشرط، وهو أمر غير التعليق والتوقّف.

ولا يقال: إنّ التزام المشروط له بالعمل والوفاء بالعقد موقوف على عمل المشروط عليه بالشرط، فإنّ ذلك من الأحكام العقلائية للشرط، لا معنى الشرط في العقد.

وتوهّم: أنّ الجامع بينهما لزوم شيء لشيء(2)، مدفوع - بعد الغضّ عن أنّ هذا

ص: 133


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 5: 110.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 5: 104.

معنىً عامّ لمطلق لزوم شيء لشيء، وهو أعمّ منهما، لا جامع بينهما - بأنّه في الشروط الضمنية ليس شيء لازماً لشيء؛ للفرق بين جعل شيء في ضمن شيء وجعله لازماً له، ولا ملازمة بينهما، ولو فرض تحقّق اللزوم أيضاً يكون ذلك لازم الجعل، لا عينه ومعناه.

بل كون شيء لازم شيء، ليس من الشرط بالمعنى الثاني أيضاً؛ فإنّه - على فرض حدثيته - يكون المجعول الابتدائي والمعنى المطابقي هو تعليق شيء على شيء، فلا يكون ذلك جامعاً بينهما، ولا معنى واحدٍ منهما.

وممّا ذكر علم: أنّ توهّم كون الجامع تقيّد شيء بشيء(1)، ليس بشيء؛ لأنّ الشروط الضمنية ليست قيداً للبيع ولا المبيع، فإذا باع حماراً بدينار، وشرط عليه زيارة بيت اللّه، لا يكون بيعه مقيّداً بها، وهو واضح، وليس المبيع عبارة عن الحمار المقيّد بزيارة بيت اللّه، بل المبيع هو الحمار، والشرط أمر آخر جعل في ضمن البيع، ولهذا كان له خيار تخلّف الشرط لدى العقلاء، لا خيار تخلّف الوصف والقيد.

ثمّ مع عدم الجامع بينهما لا يحمل قوله صلی الله علیه و آله وسلم: «المؤمنون عند شروطهم»(2) على المعنيين؛ إمّا لعدم إمكانه كما قالوا (3)، أو لعدم الحمل عليه إلاّ مع القرينة(4)؛ لكونه خلاف المتعارف، فلا بدّ وأن يراد منه أحد معنييه، وقد دلّت

ص: 134


1- حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 3: 267.
2- تهذيب الأحكام 7: 371 / 1503؛ وسائل الشيعة 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 4.
3- كفاية الاُصول: 53؛ أجود التقريرات 1: 76؛ مقالات الاُصول 1: 161.
4- وقاية الأذهان: 607؛ مناهج الوصول 1: 131.

النصوص على إرادة المعنى الأوّل منه، ولا دلالة على إرادة الثاني إلاّ توهّم دلالة بعض الروايات عليها، وسيأتي الكلام فيها (1).

في شمول الشرط بالمعنى الحدثي للالتزامات الابتدائية

ثمّ على فرض إرادة المعنى الأوّل، فهل تشمل الالتزامات الابتدائية أو لا؟

الظاهر المتبادر من «الشرط» هو الضمني، ولا يطلق على الابتدائي بنحو الحقيقة، فإذا التزم إتيان شيء، لا يقال: «شرط إتيانه» أو «شرط عليه ذلك» ولا أقلّ من الشكّ في الشمول، ودعوى تبادر الأعمّ(2) ضعيفة، واستعماله في الروايات أو غيرها في الابتدائي أعمّ من الحقيقة، مع إمكان التفصّي عن الجلّ أو الكلّ:

أمّا مثل قوله علیه السلام: «شرط اللّه قبل شرطكم»(3) و«شرط اللّه آكد»(4) فقرينة مجاز المشاكلة فيه موجودة.

وأمّا مثل قوله علیه السلام: «الشرط في الحيوان ثلاثة أيّام»(5) فإطلاق «الشرط»

ص: 135


1- يأتي في الصفحة 136 - 137.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19: 12؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 3: 292.
3- تهذيب الأحكام 7: 370 / 1500؛ وسائل الشيعة 21: 297، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 38، الحديث 1.
4- دعائم الإسلام 2: 247 / 935؛ مستدرك الوسائل 13: 300، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 5، الحديث 2.
5- الكافي 5: 169 / 2؛ تهذيب الأحكام 7: 24 / 102؛ وسائل الشيعة 18: 13، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 4، الحديث 1.

فيه على الخيار لا يبعد أن يكون باعتبار أنّ جواز العقد وعدم لزومه معلّق عليه ومشروط به.

ويؤيّده قوله علیه السلام: «حتّى ينقضي الشرط ويصير المبيع للمشتري»(1) وفي بعض الروايات: «فإذا مضت ثلاثة أيّام فقد وجب الشراء»(2).

وأمّا بعض فقرات دعاء التوبة من «الصحيفة الكاملة» وهو «وأوجب لي محبّتك كما شرطت، ولك يا ربِّ شرطي أن لا أعود»(3) فلأنّ الحبّ معلّق على التوبة، والشرط في الفقرة الثانية ضمني.

وأمّا إطلاقه على البيع في روايات باب «من باع سلعة بثمن حالاًّ، وبأزيد منه مؤجّلاً» كقوله علیه السلام: «أمره - أي رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم - أن ينهاهم عن شرطين في بيع»(4)، وفي بعضها: «نهى صلی الله علیه و آله وسلم عن بيعين في بيع»(5)،(6) والمراد منهما واحد ظاهراً، وهو بيع سلعة بثمنين حالاًّ ومؤجّلاً - فلعلّه لأجل كونه في قوّة الشرط،

ص: 136


1- الكافي 5: 169 / 3؛ الفقيه 3: 126 / 551؛ وسائل الشيعة 18: 14، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 5، الحديث 2.
2- قرب الإسناد: 167 / 611؛ وسائل الشيعة 18: 12، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 3، الحديث 9.
3- الصحيفة السجّادية: 154، الدعاء 80.
4- تهذيب الأحكام 7: 231 / 1006؛ وسائل الشيعة 18: 37، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب، الحديث 3.
5- تهذيب الأحكام 7: 230 / 1005؛ وسائل الشيعة 18: 37، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 2، الحديث 4.
6- راجع الحدائق الناضرة 20: 73؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19: 12.

فكأنّه قال: «إن كان حالاًّ فبكذا، وإن كان مؤجّلاً فبكذا» فبهذا الاعتبار يكون شرطاً، وباعتبار التبادل يقال: «بيعان في بيع».

وفي باب «اشتراء الطعام وتغيّر السعر قبل قبضه» روايات(1) يظنّ منها إطلاقه على البيع(2) أو مطلق القرار(3)، وكذا في باب السلف(4) وغيره(5)، والكلّ قابلة للتوجيه والإرجاع إلى الشرط بمعنى التعليق، أو الشرط الضمني، فلا فائدة في نقلها.

وأمّا الروايتان الواردتان في أبواب «المهور» - على فرض دلالتهما - فلا تثبت بهما اللغة، لكن ربّما يقال: يمكن إثبات إجراء حكم الشروط في الابتدائية بهما ولو للإلحاق حكماً.

ففي رواية منصور بزرج(6)، عن عبد صالح علیه السلام، قال: قلت له: إنّ رجلاً من مواليك تزوّج امرأة، ثمّ طلّقها فبانت منه، فأراد أن يراجعها، فأبت عليه إلاّ أن يجعل للّه عليه أن لا يطلّقها، ولا يتزوّج عليها، فأعطاها ذلك، ثمّ بدا

ص: 137


1- راجع وسائل الشيعة 18: 85، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 26، الحديث 4 و5.
2- مرآة العقول 19: 184.
3- اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 3: 291.
4- راجع وسائل الشيعة 18: 299 و300 و302، كتاب التجارة، أبواب السلف، الباب 9، الحديث 1، 2، 4 و8، الباب 11، الحديث 1 و15.
5- راجع وسائل الشيعة 18: 48، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 7، الحديث 4.
6- قد عبّر عن هذه الرواية بالصحيحة في الجزء الخامس: 381.

له في التزويج بعد ذلك، فكيف يصنع؟

فقال: «بئس ما صنع، وما كان يُدريه ما يقع في قلبه بالليل والنهار؟ ! قل له: فليفِ للمرأة بشرطها؛ فإنَّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال: المؤمنون عند شروطهم»(1).

والجواب عنها: - مضافاً إلى أنّ الظاهر منها كون عقد الزواج مبنيّاً على الشرط، إمّا في ضمنه صريحاً، أو بنحو يعدّ في ضمنه عرفاً، كما إذا كان إجراء العقد بعد المقاولة مبنيّاً عليه، ولا مضايقة في كون نحو هذه الشروط مشمولاً للأدلّة، وصادقاً عليه «الشرط» - أنّ الإلحاق الحكمي إنّما يتمّ لو سلمت الرواية عن الإشكال، وهو معارضتها بما دلّت على بطلان هذا النحو من الشروط(2)، ولهذا حملت على التقيّة أو الاستحباب(3)، ومحلّ الكلام فيها باب الشروط(4).

وفي رواية ابن سنان، عن أبي عبداللّه علیه السلام: في رجل قال لامرأته: إن نكحت عليك أو تسرّيت فهي طالق. قال: «ليس ذلك بشيء؛ إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال: من اشترط شرطاً سوى كتاب اللّه فلا يجوز ذلك له ولا عليه»(5).

ص: 138


1- تهذيب الأحكام 7: 371 / 1503؛ وسائل الشيعة 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 4.
2- راجع وسائل الشيعة 21: 275 و276، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 1 و2.
3- الاستبصار 3: 232.
4- يأتي في الجزء الخامس: 264 وما بعدها.
5- تهذيب الأحكام 7: 373 / 1508؛ وسائل الشيعة 21: 297، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 38، الحديث 2.

حيث يظهر من استدلاله أنّ شرطيته مفروغ عنها، وعدم الجواز لمخالفته لكتاب اللّه، ولا أقلّ من إثبات الإلحاق حكماً.

وفيه: - مضافاً إلى قوّة احتمال أن يكون الشرط في ضمن العقد ولو بنحو ما تقدّم - أنّ استدلاله مبنيّ على التقيّة؛ ضرورة أنّ الطلاق لا يقع بهذا النحو، سواء كان الشرط سائغاً أم لا، ولعلّ مبنى الناس دخول هذا النحو من الالتزام في قوله صلی الله علیه و آله وسلم: «المؤمنون عند شروطهم» ولو لقرائن عندهم، لا لاقتضاء العرف واللغة.

عدم شمول الشروط الابتدائية للمعاملات

ثمّ لا يخفى: أنّه لو بنينا على أعمّية الشرط للشروط الابتدائية - إمّا عرفاً ولغةً، أو إلحاقاً وتعبّداً - فلا يوجب ذلك الالتزام بدخول البيع وغيره من المعاملات فيها؛ بداهة أنّه لا يكون الإلزام والالتزام معنىً مطابقياً للمعاملات، ولا التزامياً لها، لأنّ البيع مبادلة خاصّة، أو تمليك عين بعوض، وهو عنوان غير عنوان «الإلزام والالتزام» وبناء العقلاء على لزوم بعض المعاملات غير كونها الإلزام والالتزام، كما أنّ التزام المتعاملين بالعمل على المعاملة غير كونها إلزاماً والتزاماً.

نعم، لو قيل بأنّ الشرط مطلق الجعل والقرار، لكان البيع ونحوه داخلاً فيه، وكذا لو قيل: بأنّه مطلق القرار المستتبع للالتزام، ولو مع عدم الدلالة عليه حتّى الدلالة الالتزامية، لكنّهما ضعيفان كما تقدّم(1).

ص: 139


1- تقدّم في الصفحة 131 - 132.

فتحصّل من ذلك: أنّ تسالمهم على أنّ الشرط لو شمل الابتدائي يكون البيع ونحوه داخلاً فيه، غير مرضيّ.

نعم، لا يبعد إلغاء الخصوصية عرفاً من الشروط الضمنية إلى الابتدائية، بل إلى مطلق القرار والجعل؛ بمناسبة الحكم والموضوع، بأن يقال: إنّ العرف يفهمون من قوله صلی الله علیه و آله وسلم: «المؤمنون عند شروطهم» أنّ ما يكون المؤمن ملزماً به هو جعله وقراره، من غير دخالة عنوان «الشرط» فيه، فالضمنية والابتدائية والشرط وسائر عهوده على السواء في ذلك، فتأمّل، وربّما تأتي تتمّة لذلك(1).

دلالة الحديث على نفوذ الشرط

ثمّ إنّه لا شبهة في دلالة «المسلمون عند شروطهم» على نفوذ الشرط، سواء قلنا: باستفادة التكليف منه - لما أشرنا إليه وإلى وجهه في الأدلّة السابقة فراجع(2) - أم قلنا: باستفادة الوضع منه؛ بأن يقال: إنّ الشروط اُمور اعتبارية، لا معنى لكون المسلم عندها على الحقيقة، فيكون الكلام مبنيّاً على ادّعاء كون الشروط اُموراً متمثّلة حسّاً؛ بحيث يصحّ القيام عندها، ولا تصحّ الدعوى إلاّ إذا كانت الشروط معتبرة عند الشارع، فلو كانت ملغاة عنده وبحكم العدم كانت غير صحيحة، فصحّتها منوطة بإنفاذها واعتبارها.

ثمّ إنّ تلك القضيّة جملة خبرية استعملت في معناها الإخباري، لكن

ص: 140


1- يأتي في الصفحة 211، ويأتي في الجزء الخامس: 310.
2- تقدّم في الصفحة 85 - 86 و94.

بداعي الإنشاء وجعل الداعي، كما في الأشباه والنظائر، فيستفاد منه حكمان: وضعي، وتكليفي.

فهل الحكم التكليفي تعبّدي مولوي إيجابي أو استحبابي، أم إرشاد إلى حكم العقلاء بلزوم العمل بها؟

فيه كلام يأتي(1) إن شاء اللّه تعالى في بحث الشروط مع سائر المباحث المربوطة بها.

ص: 141


1- يأتي في الجزء الخامس: 320 - 321 و329.

أدلّة لزوم المعاطاة

اشارة

هذا كلّه فيما دلّت على صحّة المعاطاة وإفادتها للملكية، كما في البيع بالصيغة. وعليها فهل هي لازمة مطلقاً كما عن ظاهر المفيد(1)؟ أو إذا كان الدالّ على التراضي لفظاً، كما عن بعض معاصري ثاني الشهيدين(2)، وعن جماعة من متأخّري المحدّثين(3)؟ أو غير لازمة مطلقاً كما عن أكثر القائلين بالملكية(4)؟ مقتضى القواعد هو الأوّل.

الدليل الأوّل : الاستصحاب

اشارة

واستدلّ عليه باستصحاب بقاء الملك بعد رجوع المالك الأصلي(5).

فهل الاستصحاب كلّي من القسم الثاني، أو شخصي؟

وعلى الأوّل: هل هو جارٍ في المقام على فرض جريانه في غيره؟

ص: 142


1- المقنعة: 591؛ اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 51.
2- اُنظر مسالك الأفهام 3: 147؛ مفتاح الكرامة 12: 503؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 51.
3- الحدائق الناضرة 18: 355؛ اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 51.
4- جامع المقاصد 4: 58؛ اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 51.
5- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 51.

وعلى أيّ حال: هل هو معارض بأصلٍ آخر أو لا؟

ربّما يقرّر كونه من الثاني بأنّ المعاطاة موجبة للملك، ويتردّد بين كونه متزلزلاً أو مستقرّاً، وبعد الفسخ يتردّد في بقاء الكلّي؛ للشكّ في كونه ما هو مقطوع الزوال، أو مقطوع البقاء، فالأصل على فرض جريانه من القسم الثاني.

وقد قال الشيخ الأعظم: بإمكان دعوى كفاية تحقّق القدر المشترك في الاستصحاب، ثمّ أمر بالتأمّل(1).

ولعلّ وجهه أنّ الكلّي الطبيعي متكثّر الوجود في الخارج، لا جامع بين أفراده خارجاً، بل الجامع - بنعت الجامعية والاشتراك - أمر عقلي، لا موجود خارجي، كما حقّق في محلّه(2)، فالقدر المشترك لا تحقّق له حتّى يستصحب.

لكنّه بعيد عن مذاق الشيخ، مع إمكان أن يقال: حكم العرف في المقام مخالف لحكم العقل الدقيق البرهاني، فكأنّ قول الرجل الهمداني - المصادف للشيخ الرئيس(3) - موافق للحكم العرفي العقلائي، ولهذا اشتهر بينهم: أنّ الطبيعي يوجد بوجود فردٍ ما، وينعدم بعدم جميع أفراده(4).

ص: 143


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 51.
2- راجع الحكمة المتعالية 1: 273 - 274؛ مناهج الوصول 1: 22 - 24.
3- رسائل ابن سينا: 462؛ الحكمة المتعالية 1: 273؛ شرح المنظومة، قسم المنطق: 1: 149، وقسم الحكمة 2: 347 - 348.
4- كفاية الاُصول: 183؛ نهاية الأفكار 4: 126.

ويمكن أن يكون وجهه ما قلنا في غير المقام(1)، بأنّ جريان استصحاب الكلّي موقوف على أن يكون المستصحب حكماً شرعياً، أو موضوعاً له، وهما منتفيان في المقام؛ لأنّ المملوك لدى العقلاء والعرف هو الموجودات الخارجية المتكثّرة، والجامع الانتزاعي منها ليس مملوكاً ولا ملكاً في قبال الخصوصيات، فلا يقال لمن ملك بستاناً ودكّاناً: «إنّه ملك ذاك، وذا، والجامع بينهما».

نعم، يصحّ أن يقال: «إنّه ملكهما» بعين ملكية هذا وهذا؛ فإنّ المجموع عين الجميع ذاتاً بنظر العرف، لكنّ الجامع غيرهما، فلو كان الجامع مملوكاً، يكون في المملوكين مملوكات ثلاثة، وهو كما ترى، والشارع أيضاً اعتبر ملكية هذا وذاك دون الجامع، فالمعنى الانتزاعي ليس ملكاً شرعاً ولا عرفاً، فلا يجري استصحابه.

ويمكن دفعه بأنّ الملك في اعتبار العقلاء أمر كلّي، قابل للصدق على الكثيرين، والخصوصيات الخارجية مصاديقه؛ ضرورة عدم اعتبار العقلاء في كلّ مملوك ملكية مستقلّة باعتبار مستقلّ؛ يقابل الاعتبار الآخر، فالملكية الاعتبارية نظير الماهيات الأصيلة في هذا المعنى، فلا يكون الجامع في قبال المصاديق مملوكاً مستقلاًّ، حتّى تلزم مملوكات ثلاثة في صورة مملوكية المصداقين؛ لأنّ الجامع موجود بعين وجود المصاديق.

فهذا المعنى الكلّي جامع بين الملكية المستقرّة والمتزلزلة، وموجود عرفاً سابقاً، وشكّ في بقائه، فيستصحب، ويترتّب عليه الحكم، وهو حرمة تصرّف

ص: 144


1- تنقيح الاُصول 4: 118.

الغير فيه بلا إذنه، وجواز تصرّفاته الناقلة وغيرها.

إن قلت: تعتبر في الاستصحاب وحدة القضيّة المتيقّنة، والقضيّة المشكوك فيها، وليس في المقام كذلك؛ لأنّ المتيقّن هو وجود ملك قابل للصدق على المتزلزل والمستقرّ، وفي زمان الشكّ لا يكون احتمال البقاء إلاّ للملك المستقرّ، فلا يحتمل الصدق على المتزلزل.

قلت: فرق بين قابلية الصدق على الكثيرين، والصدق الفعلي، والكلّي هو القابل له وما لا يمتنع صدقه عليها، لا ما يصدق فعلاً، والكلّي في القسم الثاني - ومنه المقام - كذلك؛ أي قابل للصدق ولو لم يصدق فعلاً، والمناط في أشباه المقام حكم العرف، لا العقل البرهاني، والمفروض أنّه بنظر العرف تكون الطبيعة الجامعة موجودة معهما بوجود واحد، والاختلاف بينهما في الخصوصيات، وهذا حكم عقلائي قلّما يتّفق التنبّه لخلافه، ولهذا يقال بلا نكير: «إنّ نوع الإنسان والحيوان باقٍ» وهو حكم عرفي، مخالف للتحقيق الفلسفي الدقيق.

وقد يقال بحكومة استصحاب عدم تحقّق الفرد الطويل على الاستصحاب المذكور؛ لأنّ الشكّ في بقائه مسبّب عن الشكّ في حدوث الطويل(1).

وفيه: أنّ عدم الفرد - سواء كان علّة لعدم الكلّي كما قيل(2)، أم عين عدمه - لا يصحّ استصحابه لرفع الشكّ عن بقاء الكلّي:

أمّا على الأوّل فواضح؛ لأنّ عدم المعلول بعدم علّته عقلي لا شرعي ولو

ص: 145


1- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 355.
2- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 355 - 356.

كانت العلّية والسببية شرعية؛ لأنّ ترتّب المعلول على علّته ليس شرعياً مع جعل السببية والعلّية، فضلاً عمّا كانت تكوينية وغير جعلية.

نعم، لو كان المجعول شيئاً عقيب شيء، يمكن استصحاب الثاني لإثبات الأوّل، أو نفيه لنفيه على إشكال في الثاني.

ومن المعلوم: أنّ المقام وأشباهه ليس كذلك؛ لأنّ نفي الطبيعي بنفي أفراده - أو إثباته بإثباتها - عقلي لا شرعي، بناءً على علّيتها له.

وكذا إن قلنا بأنّ عدم الطبيعي بعدم أفراده، ووجوده بوجود فرد منه؛ وذلك لأنّ نفي الكلّي - المشترك بين الفردين - بنفي الفردين ليس شرعياً، والعينية إنّما هي في الخارج، لا في الماهية والاعتبار؛ فإنّ خصوصية الفرد غير الجامع بينهما عرفاً وعقلاً.

فنفي زيد بالاستصحاب لا يثبت به نفي الإنسان، ولو بضمّ الوجدان إلى عدم فرد آخر منه؛ فإنّه عقلي، فنفي الملك المستقرّ بالاستصحاب لا يثبت نفي الملك الكلّي، ولو بضمّ القطع بعدم المتزلزل وعدم سبب آخر للملك.

وممّا ذكرناه يظهر النظر في كلام السيّد الطباطبائي رحمه الله علیه (1).

وقد يستشكل في استصحاب الكلّي في المقام: بأنّ القسم الثاني قد يجري فيه استصحاب الشخصي كالكلّي، وقد لا يجري، فإذا شكّ في إيجاد رافع أحد الحادثين، يجري استصحاب الشخص الحادث، كما لو شكّ في إيجاد الوضوء أو الغسل بعد العلم بالحدث المردّد.

ص: 146


1- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 355 - 356.

وأمّا لو شكّ بعد الوضوء في بقاء الحدث الشخصي، فلا يجري استصحاب الشخص؛ لأنّ الأمر دائر بين مقطوع الارتفاع، ومشكوك الحدوث، فلا مناص عن استصحاب الكلّي.

وأمّا في المقام فلا يجري استصحاب الكلّي أيضاً؛ لأنّ اختلاف الملك ليس إلاّ بنفس الارتفاع والبقاء، فينتفي أحد ركني الاستصحاب؛ لأنّ الجائز مقطوع الارتفاع، واللازم مشكوك الحدوث.

وبعبارة اُخرى: لازم ذلك أخذ ما في عقد المحمول في الاستصحاب في عقد موضوعه، بعد عدم الاختلاف بين الملكين إلاّ من جهة البقاء والارتفاع؛ لأنّ حاصله يرجع إلى استصحاب الملك الباقي، فيكون مفاده الحكم ببقاء الباقي، وهو كما ترى.

ومرجع هذا الإشكال في الحقيقة إلى أنّ النوعين من الملك متباينان بتمام هويتهما (1)، انتهى ملخّصاً.

وفيه أوّلاً: أنّ جريان استصحاب الشخص فيما ذكره ممنوع؛ لأنّ الشخص الموجود - بالحمل الشائع - غير متيقّن؛ إذ لا علم بالوجود الشخصي بخصوصيته الشخصية مع التردد بين الشخصين، ولو اُريد بالشخصي والموجود الخارجي والجزئي الحقيقي هذه العناوين بالحمل الأوّلي، فهي كلّيات صادقات على الكثيرين ولو صدقاً عرضياً.

وبالجملة: مع الشكّ في كون الموجود هذا المصداق أو ذاك، لا يعقل

ص: 147


1- منية الطالب 1: 147 - 148.

العلم بالشخص الحقيقي الخارجي بالحمل الشائع، والظاهر وقوع الخلط بين الشخصي والجزئي بالحمل الأوّلي والشائع، هذا إن اُريد به الشخصي الواقعي المعيّن.

وإن اُريد الفرد المردّد، فإن اُريد المردّد الواقعي فلا يعقل وجوده وتحقّقه، بل وتعلّق العلم به.

وإن اُريد المردّد عندنا، والمعيّن في الواقع - حتّى يرجع الأمر إلى العلم الإجمالي بأحدهما - فالمعلوم أيضاً كلّي قابل للصدق على كلّ من طرفي الترديد.

مضافاً إلى أنّ الفرد المردّد - بما هو كذلك - ليس موضوعاً لحكم، فالأحكام إمّا متعلّقة بالطبائع أو بأفرادها.

وممّا ذكرنا يظهر النظر في كلام الطباطبائي في «تعليقته»(1).

وثانياً: أنّ أساس الإشكال ومرجعه - على ما اعترف به - إلى زعم أنّ الملك الجائز واللازم متباينان بتمام هويتهما، وهو بمكانٍ من الضعف؛ ضرورة أنّ المراد بتباينهما بتمام الهوية:

إمّا التباين بحسب الوجود؛ أي يكون وجود أحدهما غير وجود الآخر، فهو - مع سوء التعبير بل فساده - لا ينافي وحدتهما نوعاً أو جنساً، ومعها يجري استصحاب الكلّي، ولا يرد عليه شيء ممّا زعمه.

وإمّا التباين بحسب الماهية، فلازمه مع سوء التعبير أيضاً:

ص: 148


1- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 356.

إمّا الالتزام بأنّ أحدهما ملك، والآخر ليس بملك، فهو خروج عن محطّ البحث، بعد فساده في نفسه؛ ضرورة أنّ الكلام في اللزوم بعد الفراغ عن سببية المعاطاة للملكية.

أو الالتزام بعدم كون واحد منهما ملكاً، فهو أفسد.

أو الالتزام بأنّ الملك في البيع اللازم والجائز مشترك لفظي، وحقيقتيهما متباينتان بتمام الذات، فهو أيضاً ضروري الفساد، مع أنّه مخالف لتعبيراته: من تنوّعه بنوعين، وأنّ الاختلاف بينهما ليس باختلاف الحقيقة والماهية من غير جهة الارتفاع بالفسخ، واللا ارتفاع به، وأنّ جهة تقسيمه إليهما منحصر بالبقاء والارتفاع ممّا ينادي بوجود ما به الاشتراك بينهما، وهو طبيعي الملك.

فحينئذٍ ينفسخ جميع ما نسج على زعم التباين؛ ضرورة جريان استصحاب الكلّي، وهو معلوم التحقّق، ومشكوك الارتفاع، من غير لزوم أخذ ما في عقد المحمول في الموضوع، ولا يدور أمر طبيعة بين ما هو مقطوع الارتفاع ومشكوك الحدوث، وبالجملة لا فرق بين المقام وغيره.

وأمّا الإشكال: بأنّه من قبيل الشكّ في المقتضي(1)، فمدفوع - مضافاً إلى جريانه فيه كما حقّق في محلّه(2) - بأنّه ليس منه؛ فإنّ العقد الجائز باقٍ ما لم يفسخ، والفسخ رافعه.

ثمّ اعلم أنّه يجري استصحاب الكلّي على أيّ حال، سواء كان الملك مختلفاً

ص: 149


1- حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 13.
2- الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 34.

في الجائز واللازم، أم غير مختلف؛ وعلى الأوّل، كان اختلافهما نوعياً، أو صنفياً، أو بالمراتب، غاية الأمر يتردّد المستصحب بين كونه من القسم الأوّل من الكلّي، أو الثاني منه؛ وسيأتي الكلام فيه؛ وأنّه بحكم القسم الثاني، فانتظر(1).

وأمّا الاستصحاب الشخصي، فلا بدّ فيه من إحراز عدم اختلاف الملك الجائز واللازم بأنحائه.

فقد يقال في دفع احتمال اختلافهما نوعاً (2) أو بالمراتب(3) بأنّ الملكية - عرفاً وشرعاً - ليست إلاّ اعتبار معنىً مقولي، لا يخرج عن مقولة الجدة والإضافة، وليست الملكية المقولية نوعين، ولا مقولة الجدة ذات مراتب، فلا محالة لا يكون اعتبارها نوعين أو ذات مراتب(4).

وفيه: أنّ الملكية الاعتبارية وإن كانت شبيهة بمقولة الجدة أو الإضافة، لكن كون اعتبارها تبعاً للمقولة، أو اعتبار مقولة كذائية، غير ثابت، بل الثابت خلافه؛ ضرورة أن اعتبار الملكية كان بين طوائف في أوائل التمدّن في الجملة، ولم يكن من العلم بالمقولات واصطلاحات الفلسفة وكشف الحقائق عين ولا أثر، والآن أيضاً ليس في اعتبار العقلاء، الملكية أدنى تنبّه وتوجّه بالمقولات، جدة، أو إضافة أو غيرهما.

ص: 150


1- يأتي في الصفحة 156 - 157.
2- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 357.
3- الإجارة، المحقّق الرشتي: 13 / السطر 24؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 378.
4- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 132.

وقد قلنا: إنّ الملكية الاعتبارية شبيهة بمقولة الإضافة أو الجدة، لا أنّها مأخوذة منهما أو أنّها اعتبارهما، فكون الجدة غير متنوّعة بنوعين أو غير ذات مراتب أجنبيّ عن الملكية الاعتبارية.

ولو سلّم كونها اعتبارهما أو مأخوذة منهما، لكن لا دليل على تبعيتها لهما في جميع الخصوصيات، فلعلّ الجدة الاعتبارية ذات مراتب دون الحقيقية.

فالأولى أن يقال في دفع توهّم كونها ذات مراتب شدّة وضعفاً (1): إنّ معنى كون شيء كذلك، أنّ لحقيقتها عرضاً عريضاً، كالنور الذي بعض مراتبه أشدّ في النورية من بعض، وكالبياض والسواد، وأمّا لو كان شيئان في درجة واحدة من الطبيعة، وكان صدقها عليهما متواطئاً، فلا تكون ذات مراتب وإن كان أحدهما غير زائل لبقاء علّته دون الآخر؛ إذ ليس ذلك مناط التشكيك، كما هو واضح.

فحينئذٍ نقول: إنّ الملكية لدى العقلاء ليست ذات مراتب، فلا يكون شخص بالنسبة إلى شيءٍ مالكاً، وبالنسبة إلى شيءٍ آخر أملك، ولا شيء مملوكاً، وشيء أشدّ مملوكية، ولو زالت الملكية في مورد بزوال سببها ولم تزل في مورد، فليس ذلك دليلاً على كونها ذات مراتب.

وأمّا احتمال كون الجواز واللزوم أو الاستقرار والتزلزل، من منوّعات الملك وفصوله، أو مصنّفاته، وكونهما موجبين للتعدّد النوعي، أو الصنفي، أو الفردي(2).

فمدفوع: بأنّ الضرورة قائمة على أنّ اختلاف الملك جوازاً ولزوماً، أو

ص: 151


1- الإجارة، المحقّق الرشتي: 13 / السطر 24؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 378.
2- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 357.

مستقرّاً ومتزلزلاً ونحوهما، ليس بذاته مع قطع النظر عن الأسباب والعقود المملّكة، ولا أظنّ دعواه من أحدٍ، بل المدّعي يدّعي أنّ الاختلاف بسبب الأسباب والمملّكات، فلا بدّ له من تسليم أنّ الأسباب مختلفة لدى العقلاء؛ أي العقد قسمان: لازم، وجائز، وبتبعه يكون الملك كذلك.

فحينئذٍ نقول: إنّ المتصوّر أنّ العقد اللازم إمّا سبب قهراً للملك اللازم، ويكون العقد واسطة للثبوت بالنسبة إلى الملك اصطلاحاً.

أو يكون واسطة للثبوت بمعنىً آخر غير اصطلاحي، وهو اعتبار اللزوم عقيب اعتبار اللزوم، أو عقيب العقد اللازم، واعتبار الجواز كذلك.

أو يكون من قبيل الواسطة في العروض؛ بمعنى أنّه ينسب اللزوم إلى الملك بالعرض والمجاز.

لا سبيل إلى كون العقد سبباً قهراً؛ لأنّ السببية والمسبّبية الحقيقيتين غير معقولتين في الأسباب العقلائية أو التشريعية.

وأمّا الوساطة في الثبوت - بالمعنى الثاني - فلا معنى لها، بل ولا تعقل؛ لأنّ اعتبار اللزوم والجواز في العقد يغني عن اعتبارهما في الملك، فيكون اعتبارهما لغواً محضاً.

وتوهّم أنّ اعتبارهما في الملك لا العقد تدفعه الضرورة؛ بداهة عدم إمكان إنكار أنّ العقد على قسمين لدى العقلاء والشارع الأقدس، وإرجاع الملك إلى صاحبه الأوّل بفسخ العقد، لا بإرجاع العين مستقلاًّ وابتداءً، فلا محالة يكون العقد لازماً أو جائزاً في اعتباراتهم، ومع هذا الاعتبار لا معنى لاعتبار آخر لغو، يكون وجوده وعدمه على السواء.

ص: 152

فلا يبقى إلاّ الوجه الأخير؛ أي كون الوساطة في العروض، والاتّصاف بالعرض والمجاز، وهو لا يوجب الاختلاف نوعاً، أو صنفاً، أو فرداً، كما هو واضح.

فتحصّل من جميع ذلك: صحّة ما أفاده الشيخ رحمه الله علیه (1)، وإن كان في برهانه ضعف.

وممّا ذكرنا يظهر ضعف الاستدلال باختلاف الأسباب لاختلاف المسبّبات(2).

وأضعف منه الاستدلال بأنّ اختلاف الأسباب لو لم يكن موجباً لاختلاف المسبّبات، لا يقتضي اختلاف الأحكام(3).

فإنّ المراد باختلاف الأحكام إن كان اختلاف أحكام الأسباب، فهو لا يقتضي إلاّ اختلاف الأسباب، لا اختلاف المسبّبات.

وإن كان المراد اختلاف أحكام المسبّبات، ويكون المراد بالأحكام الجواز واللزوم، فهو مصادرة واضحة.

وإن كان المراد أنّ الأسباب المختلفة تكشف عن المسبّبات المختلفة، فهو - مع سوء التعبير - غير صحيح؛ لما عرفت من عدم السببية والمسبّبية الحقيقية في أشباه المقام.

حول معارض استصحاب بقاء الملك

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم أشار في المقام إلى ما ربّما يقال(4): من أنّ استصحاب بقاء علقة المالك الأوّل مقدّم على الاستصحاب المتقدّم، كلّياً كان أو

ص: 153


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 51 - 52.
2- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 357.
3- نفس المصدر.
4- جواهر الكلام 22: 220.

شخصياً (1) وفصّله في أوّل الخيارات بما هو غير مرضيّ تقريباً ودفعاً (2).

وما يمكن أن يقال في تقريبه وجوه:

منها أن يقال: كانت للمالك قبل البيع - مضافاً إلى علاقة الملكية - علاقة اُخرى، هي علاقة استرجاع العين إليه لو خرجت عن ملكه، خرجت منه العقود اللازمة، فمع الشكّ في لزوم المعاطاة يشكّ في بقاء العلقة الثانية، فتستصحب، ومع حصول المعلّق عليه تصير علاقة الاسترجاع فعلية، وهو حاكم على استصحاب الملكية؛ لأنّ الشكّ في بقاء الملك ناشٍ من الشكّ في تأثير فسخه ونفوذه، ومع حكم الشارع ببقاء علاقة استرجاع العين، يكون فسخه مؤثّراً.

وفيه: أنّ التعليق في المقام عقلي انتزاعي، لا شرعي؛ لأنّ الشارع حكم في العقود الجائزة بجواز الرجوع تنجيزاً، ولا دليل على هذا الحكم التعليقي شرعاً، وفي مثله لا يجري الاستصحاب، كما قرّر في محلّه(3).

وبالجملة: الحكم الشرعي التعليقي غير متيقّن، والتعليقي العقلي المنتزع غير مفيد.

مع إمكان أن يقال: إنّ الشارع لم يحكم إلاّ بجواز العقد، وأمّا جواز الاسترجاع فليس حكماً شرعياً، بل لازم حلّ العقد استرجاع العين، فجوازه لازمه العقلي.

مضافاً إلى أنّه بعد خروج العقود اللازمة، يكون الحكم بحسب الواقع للعقود

ص: 154


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 51.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18: 22 - 23.
3- الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 149 - 151.

الجائزة أو غير اللازمة، ومع الشكّ لا يمكن إحرازه بحصول الموقوف عليه.

ومنها أن يقال: إنّ للمالك علاقة المالكية قبل البيع، ومن المحتمل حدوث علاقة اُخرى؛ هي علاقة جواز استرجاع العين عند زوال العلاقة الاُولى، فطبيعي العلاقة كان موجوداً، وشكّ في زواله، فيستصحب، وهو من القسم الثالث الجاري على الأقوى(1).

وفيه: أنّ طبيعي العلاقة - الجامع بين علاقة الملكية وعلاقة الاسترجاع - لا أثر له، وإثبات العلاقة الثانية باستصحاب الكلّي مثبت.

ومنها أن يقال: إنّ في زمن خيار المجلس كان فسخه - لو فسخ - مؤثّراً، وبعد افتراقهما يحتمل بقاؤه.

وفيه: أنّ ذلك من تعليق الموضوع، ولا يجري استصحابه.

ومنها: أنّ في زمن الخيار كان المحتمل وجود علاقة جواز استرجاع العين، فيستصحب طبيعي العلاقة.

وفيه: - مضافاً إلى أنّ الخيار من الحقوق، وجواز الاسترجاع حكم، ولا جامع بينهما إلاّ بعض العناوين العرضية الانتزاعية، التي هي ليست بحكم شرعي ولا موضوعه - أنّ طبيعي تلك العلاقة لا أثر له، وإثبات القسم الخاصّ باستصحاب الكلّي مثبت.

ومنها: أنّ في زمان الخيار جاز الفسخ وضعاً، ومن المحتمل وجود جواز وضعي آخر؛ لاحتمال كون المعاطاة جائزة، ومعه يجوز الفسخ وضعاً؛ أي

ص: 155


1- اُنظر الخيارات (تقريرات المحقّق الحائري) الأراكي: 10.

يكون نافذاً، فيستصحب طبيعي الحكم الوضعي، ومع حكم الشارع في زمان الشكّ ببقاء الجواز الوضعي ونفوذ الفسخ، يرفع الشكّ في بقاء الملك وعدمه.

وفيه: أنّ الجواز الوضعي في زمان الخيار ليس حكماً شرعياً، بل حكم عقلي مستفاد من جعل الخيار، وهو حقّ مجعول لذي الخيار، وليس للشارع في زمان الخيار مجعول إلاّ ذلك، نعم، لازم ذلك عقلاً نفوذ الفسخ، وهو ليس بحكم شرعي.

فعليه أنّ الجامع بينه وبين الجواز في العقود الجائزة، ليس حكماً شرعياً، ولا موضوعاً له، وإن كان لازمه تحقّق الفسخ ورجوع العين، لكنّه ليس من قبيل الموضوع الذي يترتّب عليه الحكم حتّى يجري فيه الاستصحاب.

مضافاً إلى أنّ خيار المجلس ليس في جميع الموارد، فالدليل أخصّ من المدّعى.

عدم جريان الاستصحاب عند الشكّ في منوّعية اللزوم والجواز للملك

ثمّ لو شككنا في أنّ اللزوم والجواز من خصوصيات الملك أو مقوّماته، أو من خصوصيات السبب المملّك، فلا ينبغي الإشكال في عدم جريانه، بناءً على عدم جريانه في القسم الثاني.

لا لأنّ الشبهة مصداقية(1)؛ ضرورة عدم معنىً لها في المقام، لأنّ الشبهة المصداقية في دليل «لا تنقض...»(2) لا بدّ أن تلاحظ بالنسبة إلى اليقين والشكّ،

ص: 156


1- اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 357؛ منية الطالب 1: 150.
2- تهذيب الأحكام 1: 8 / 11؛ وسائل الشيعة 1: 245، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 1، الحديث 1.

لا إلى الواقع، ومن الواضح أنّ اليقين لم يتعلّق بالجزئي، بل بطبيعي الملك.

غاية الأمر أنّ في القسم الثاني من الاستصحاب تكون أطراف الشبهة غالباً أمرين: طويل العمر، وقصيره، ولا ثالث لهما، وفي المقام أطراف الشبهة اُمور ثلاثة؛ لعدم إحراز كون اللزوم من خصوصيات المسبّب أو السبب، ومعه يتردّد الموجود الخارجي الجزئي من الملك بين أن يكون ملكاً جائزاً بخصوصيته، أو لازماً بخصوصيته، بناءً على كونهما من خصوصيات المسبّب، أو شخصاً آخر - أي شخص الملك - بلا خصوصيتهما، بناءً على كونهما من خصوصيات السبب.

فالمتيقّن هو طبيعي الملك الجامع بين الثلاثة، وكلّ منها مشكوك فيه، فالكلّي متعلّق لليقين بلا ريب، والخصوصيات الثلاث غير متعلّقة له بلا ريب، فأين الشبهة المصداقية، حتّى يقال في دفعها: بجواز التمسّك بالعامّ في المخصّص اللبّي كما في المقام(1)؟ !

والإنصاف: أنّ الإشكال والجواب أجنبيّان عن المقام، مع ما في الجواب من الإشكال أو الإشكالات.

بل لأنّ الاستصحاب في المقام من استصحاب الكلّي، نظير القسم الثاني، واشترك معه في الإشكالات:

كقولهم: إنّ الشكّ في البقاء مسبّب عن الشكّ في حدوث الطويل، والأصل عدمه(2).

ص: 157


1- منية الطالب 1: 150.
2- اُنظر فرائد الاُصول، ضمن تراث الشيخ الأعظم 26: 192؛ كفاية الاُصول: 462؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 355 - 356.

ويقال في المقام: إنّ الشكّ في البقاء مسبّب عن الشكّ في حدوث الملك اللازم، أو الملك بلا تخصّص بخصوصية، والأصل عدمهما.

وقولهم: إنّ الأمر دائر بين مقطوع الارتفاع، ومحتمل الحدوث(1).

ويقال في المقام: إنّ الأمر دائر بين حدوث الملك الجائز، وهو متيقّن الارتفاع، وما هو محتمل البقاء؛ أي الملك اللازم، أو الملك المتشخّص بلا خصوصية اللزوم والجواز، وهو محتمل الحدوث، فلو صحّت الإشكالات الواردة في القسم الثاني، صحّت في المقام أيضاً.

الدليل الثاني : حديث السلطنة

اشارة

وممّا استدلّ به(2) للّزوم، المرسلة المعروفة: «الناس مسلّطون على أموالهم»(3) وقد قرّبها الشيخ قدّس سرّه بوجه لا يرد عليه الإشكال المعروف: من أنّ الشبهة مصداقية.

وحاصله: أنّ إطلاق السلطنة كما يقتضي السلطنة على جميع التصرّفات، كذلك يقتضي منع الغير عن المزاحمات، وتملّك مال الغير بالفسخ منافٍ لإطلاق سلطنته، فيدفع به، ويستكشف منه عدم نفوذ فسخه(4).

وقد اُورد عليه: بأنّ السلطنة متفرّعة على مالية المال للشخص، تفرّع الحكم

ص: 158


1- اُنظر فرائد الاُصول، ضمن تراث الشيخ الأعظم 26: 192؛ كفاية الاُصول: 461.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 53.
3- الخلاف 3: 176؛ عوالي اللآلي 1: 222 / 99؛ بحار الأنوار 2: 272 / 7.
4- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 53.

على موضوعه، وكلّ إطلاق - مهما بلغت سعته - لا يتجاوز عن سعة موضوعه، فالإطلاق يقتضي ثبوت السلطنة في مرتبة متأخّرة عن انحفاظ المالية، فنفس انحفاظها لا يدخل في مدلول إثبات السلطنة، فلا يكون رفعها برفع المالية قصراً لإطلاقها (1).

وفيه: أنّ السلطنة مجعولة للمالك، مضافة إلى ماله، فيكون المالك مسلّطاً، وماله مسلّطاً عليه، ومقتضى ثبوت السلطنة على المال ليس إلاّ تحقّق ماله - بما هو ماله - في ظرف السلطنة؛ لعدم تعقّل الإضافة بلا مضاف إليه، لا لأنّ المال موضوع الحكم.

فعليه لا بدّ من ملاحظة أنّ إبقاء المال واحتكاره لنفسه وإزالته عن نفسه، هل هما من حصص السلطنة على المال أو لا؟

وعلى فرض كونهما كذلك، لا وجه لخروجهما عن الإطلاق بعد فرض الإطلاق لدليلها، ومن الواضح أنّهما من حصصها.

وما قرع سمع المستشكل: من أنّ الحكم لا يتجاوز عن سعة موضوعه، لا شبهة فيه، لكن ليس المقام كذلك؛ لأنّ السلطنة مجعولة للمالك، وهو سلطان على ماله، والفرض أنّ المال محفوظ في الإبقاء، وهو واضح، وفي الإزالة أيضاً؛ لأنّها تتعلّق بالمال، وزال المال بعد تعلّقها به، فالإعراض مثلاً متعلّق بالمال، وفي الرتبة المتأخّرة عنه يخرج المال عن كونه مالاً له، فإطلاق دليل السلطنة شامل لإبقاء المال وإزالته.

ص: 159


1- حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 58.

ولهذا لو صرّح القائل: «بأنّك سلطان على مالك إبقاءً وإزالة» لا يعدّ منكراً ومنافياً لمقتضى الإطلاق، وأمّا لو قال: «إنّك سلطان على مالك وإن خرج عن ملكك» يعدّ ذلك منافياً لاقتضاء الإطلاق، وحكماً مستأنفاً، لا بياناً لإطلاق حكمه، وهو واضح.

وبالجملة: إنّ الإبقاء والإزالة من حالات الملك اعتباراً، ومن أنحاء التصرّفات فيه، فحفظ المال واحتكاره من أنحاء السلطنة، كما أنّ إخراج المال بالبيع والهبة والأكل والشرب وغيرها ممّا تزيل الملك من أنحائها، بل إعدام الملك وإزالته من أوضح مصاديق التسلّط ومراتب السلطنة.

ثمّ إنّ هذا الحكم موافق للحكم العقلائي في الأملاك؛ فإنّ السلطنة عليها ثابتة لدى العقلاء كافّة، وأنت إذا راجعت محيط العقلاء ترى أنّ إبقاء الملك وإزالته عندهم من شؤون سلطنته على أمواله، كلّ ذلك لأنّ السلطان هو المالك، والمسلّط عليه هو ماله، وهو محفوظ مع أنحاء التصرّف.

مناقشة المحقّق الأصفهاني ودفعها

وممّا ذكرناه يظهر النظر في كلام بعض أهل التحقيق، قال ما حاصله: أنّ مقتضى سلطنته على جميع التصرّفات وإن كان بنحو الالتزام نفي سلطنةٍ مزاحمةٍ لسلطنته، لكنّ المنفيّ بالالتزام ليس أنحاء السلطنة التي لا تنافي سلطنته، فمثل الاشتراء بدون اختيار البائع منافٍ لسلطنته على البيع، فالأخذ بالشفعة منافٍ لسلطنة المالك، لكنّ السلطنة على الاسترداد - التي في الحقيقة سلطنة على إزالة الملكية - غير مزاحمة لسلطنته؛ لأنّ المالك له السلطنة على الملك، لا على

ص: 160

الملكية، فكما أنّه ليست له السلطنة على إزالة الملكية ابتداءً، كذلك ليست له السلطنة على إبقاء الملكية، حتّى تكون سلطنة الغير على إزالتها مزاحمة لها. ولهذا قلنا (1): إنّ الإقالة والتفاسخ على خلاف القاعدة(2)، انتهى ملخّصاً.

وفيه: أنّ سلطنة المالك على ملكه تكفي في كونه سلطاناً على إبقائه وإزالته، من غير احتياج إلى السلطنة على الملكية.

مع أنّ السلطنة على الملك - بما هو ملك - سلطنة على الملكية، فإزالة ملكيته من غير اختياره من أوضح مراتب المزاحمة لسلطنته، كما أنّ سلطنته على إزالة ملكه عن نفسه من أوضح مراتب السلطنة وأقواها.

مع أنّه لو لم تكن له السلطنة على الإزالة، فلا ينبغي التفريق بين الإعراض عن ملكه، وهبته وتمليكه، فلا وجه لتفصيله بين الإزالة ابتداءً، أو بأسباب كالبيع ونحوه.

مع أنّ الإعراض أيضاً غير الإزالة اعتباراً.

فالالتزام بالتفصيل فاسد، والالتزام بعدم السلطنة في جميعها أفسد.

وأمّا دعوى: أنّ دليل السلطنة ورد في مقابل الحجر، فهو في الحقيقة مثبت للسلطنة الإضافية لا مطلقها (3)، كما مرّ تأييده سابقاً (4)؛ بأنّ أصل السلطنة حكم عقلائي ثابت للأموال، فدليل السلطنة لم يرد لإثبات المقتضي، بل - بعد فرض

ص: 161


1- بحوث في الفقه، الإجارة، المحقّق الأصفهاني: 11.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 139.
3- حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 12 و14.
4- تقدّم في الصفحة 124.

ثبوته لدى العقلاء - ورد لدفع توهّم المانع؛ وهو حجر المالك عن التصرّف في ماله، لا بمعنى أنّ معنى إثبات السلطنة رفع الحجر، بل بمعنى ورود دليلها في مقابل الحجر، فلا إطلاق له بالنسبة إلى جميع أنحاء السلطنة.

فمدفوعة: بأنّه لا يصحّ إنكار إطلاقه؛ لأنّ الظاهر كونه بصدد بيان إثبات السلطنة، ومجرّد الاحتمال لا يوجب رفع اليد عن الدليل، وإحراز كون المتكلّم في مقام البيان، ليس المراد منه الإحراز القطعي، بل لو اقتضى ظاهر الكلام أنّ المتكلّم بصدد بيان حكم الموضوع لكفى، وإلاّ لانسدّ باب صحّة التمسّك بالإطلاق، ولا شبهة في أنّ ظاهر دليل السلطنة أنّ المتكلّم بصدد بيان تسلّط الناس على أموالهم، فإنكار إطلاقه في غير محلّه.

ويمكن الإشكال فيه بما مرّ(1): وهو أنّ دليل جعل السلطنة متعرّض لجعلها على الأموال، لا على الأحكام والقوانين، ولهذا قلنا: بعدم رفع الشبهة عن أسباب التمليك، كاعتبار اللفظ أو العربية أو نحوهما.

فيقال في المقام أيضاً: بأنّ السلطنة على الأموال سلطنة عليها نقلاً وإبقاءً في مقابل النقل، وأمّا السلطنة على الإبقاء - في مقابل جعل الشارع جواز الفسخ - فلا تسقط الفسخ عن التأثير؛ لأنّ ذلك سلطنة على حكم الشارع، فكما لا يمكن التمسّك به لإثبات التشريع، لا يمكن لسلبه.

ويمكن الجواب عنه: بالفرق بين ما ذكرناه سابقاً وبين المقام؛ لأنّ الكلام هناك في أنّ إطلاق دليل السلطنة على الأموال، لا يقتضي إلاّ كون المالك سلطاناً

ص: 162


1- تقدّم في الصفحة 120 - 121 و122.

على أيّ تصرّف في أمواله، وأمّا أنّ صيغة البيع كذلك، أو أنّه يحتاج إلى اللفظ، فليس تحديداً لسلطنته، بل هي من المقرّرات القانونية عرفاً أو شرعاً.

نعم، لو منع المالك عن المبيع مثلاً، أو عن البيع من شخص أو أشخاص، أو في وقت كذا، يكون تحديداً لها، ومقتضى الإطلاق دفع احتمالها، فليس مقتضى دليل السلطنة جواز البيع بلفظ الهبة، أو جوازه بغير لفظ.

وأمّا هاهنا، فلمّا كان تملّك ملك المالك منه بغير اختياره تحديداً لسلطنته بلا إشكال - لأنّ له السلطنة على إبقائه، وتملّكه كذلك مخالف لإطلاق سلطنته - فلا محالة يدفع ذلك بإطلاق الدليل، ويكشف منه عدم نفوذ الفسخ ولزوم البيع.

والفارق أنّ إيجاب إيقاع العقد عربياً ليس تحديداً للسلطنة على المال، وأمّا أخذ ماله بأيّ نحو كان فهو تحديد لها، فدليل السلطنة لا يكشف عن التشريع في الأوّل، ويكشف عن عدم التشريع في الثاني، فتدبّر.

فإن قلت: قد اعترفت سابقاً (1) بأنّ دليل السلطنة ليس لبيان حكم تأسيسي، بل لإنفاذ ما لدى العقلاء، وما لديهم هو حكم معلّق على عدم ورود دليل يدلّ على إعمال السلطنة الإلهية، فلا سلطنة للعبد مقابل سلطنة مولاه، بل مع كونه تأسيسياً أيضاً كذلك؛ لعدم جعل سلطنة للعبد مزاحمة لسلطنة مولاه، فهي أيضاً معلّقة لبّاً، ومع احتمال ورود دليل يدلّ على إعمال سلطنته، تصير الشبهة في دليل السلطنة مصداقية، لا يصحّ التمسّك بالعامّ معها.

قلت: إنّ التعليق ليس من قبيل التقييد بالمتّصل، بل نظير التقييد بالمنفصل

ص: 163


1- تقدّم في الصفحة 125.

العقلي، ومعه يكون الشكّ في تحقّق المعلّق عليه نظير الشكّ في ورود المخصّص، فلا تكون الشبهة مصداقية.

ألا ترى: أنّه لو شكّ في ورود دليل وارد على دليل آخر له إطلاق، لا يمكن رفع اليد عن الدليل المورود احتمالاً؛ باحتمال دليل وارد عليه.

وإن شئت قلت: إنّ إطلاق دليل السلطنة أو الدليل المورود احتمالاً، يكشف عن عدم حصول المعلّق عليه أو الوارد، فلو ورد: «كلّ مشكوك الحكم حلال» ثمّ شكّ في أنّ التتن حلال أو لا - لاحتمال ورود أمارة على حرمته - لا ترفع اليد عن الإطلاق؛ باحتمال ورود دليل حاكم أو وارد.

وكذا لو كانت السلطنة معلّقة واقعاً ولبّاً على عدم إعمال اللّه تعالى السلطنة، لكن يكون التعليق بحكم المنفصل، واحتمل في موردٍ إعماله تعالى السلطنة، فلا يصحّ رفع اليد عن إطلاق دليل السلطنة، بل يدفع بإطلاقه احتمال وجود الرافع.

ثمّ إنّ بناء العقلاء وإن كان معلّقاً على عدم ورود ما يخالفهم من الشارع الأقدس، لكن لا يرفعون اليد عمّا لديهم من البناء بمجرّد احتمال ورود دليل مخالف، مع عدم منجّزية الاحتمال، ككونه قبل الفحص، فبناؤهم على العمل بخبر الثقة والظواهر واليد وأصالة الصحّة وغيرها، إلاّ أن يصل إليهم ما يمنعهم عنه بطريق متعارف.

وأمّا توهّم: أنّ حكم سلطنة الناس على أموالهم حيثي، فلا يدفع به احتمال نفوذ الفسخ، كما لا يدفع بدليل حلّ بهيمة الأنعام(1) احتمال حرمتها بالوط ء(2).

ص: 164


1- المائدة (5): 1، )اُحِلَّتْ لَكُم بَهيمَة الأَنعام(.
2- البيع (تقريرات المحقّق الحائري) الأراكي1: 62 - 63؛ وراجع ما تقدّم في الصفحة 125.

فمدفوع: بأنّ إطلاق الحكم الحيثي على موضوعه، يدفع الاحتمال المخالف لتلك الحيثية، فلو احتملنا خروج قسم من بهيمة الأنعام عن الحلّية الذاتية، يدفعه الإطلاق على فرضه، ففي المقام تملّك المال بلا إذن مالكه مخالف لحيثية سلطنته، فهو مدفوع بالإطلاق، ويكشف منه عدم نفوذه.

هذا كلّه مع الغضّ عن ضعف سنده(1).

الدليل الثالث : حديث «لا يحلّ . . .»

اشارة

ومنه يظهر وجه الاستدلال بما عن أبي عبداللّه علیه السلام، في موثّقة سماعة: «لا يحلّ دم امرئٍ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه»(2) فإنّ تملّك مال الغير بغير طيبة نفسه غير حلال، ويكشف منه عدم نفوذ الفسخ(3).

وربّما يتخيّل عدم إمكان إرادة الحكم التكليفي والوضعي منها، فلا بدّ من الحمل على التكليفي لأنّه أظهر(4).

وفيه: أنّ «الحلّ» و«الجواز» و«المنع» و«عدم الحلّ» في موارد التكليف والوضع بمعنى واحد، ولا يستعمل شيء منها في الحكم التكليفي أو الوضعي.

كما أنّ الأمر كذلك في الأوامر والنواهي؛ فإنّ هيئة الأمر في قوله: «صلّ»

ص: 165


1- لأنّه روي مرسلاً عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم كما تقدّم في الصفحة 120 و158.
2- الفقيه 4: 66 / 195؛ وسائل الشيعة 5: 120، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 3، الحديث 1.
3- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 54.
4- حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 59.

و«صُم» وقوله: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلوةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)(1) إلى آخره، لا تستعمل إلاّ في البعث، وإن اختلف فهم العرف بحسب المتعلّقات، كما أشرنا إليه سابقاً (2).

ففي قوله علیه السلام: «التقيّة في كلّ شيء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّه له»(3) لم يستعمل الحلّ إلاّ في معناه، وهو مقابل المنع، فإذا اضطرّ إلى شرب الفقّاع فقد

أحلّه اللّه، ورفع منعه هو الجواز تكليفاً، وإذا اضطرّ إلى غسل الرجلين في الوضوء، أو لبس الميتة في الصلاة، فقد أحلّه اللّه، ويفهم منه رفع المنع أيضاً، لكن رفع منع الميتة في الصلاة ظاهر في الوضع.

فغير الممنوع والحلّ - الذي هو عبارة اُخرى عنه - مستعمل في معناه، ويفهم منه التكليف في مورد، والوضع في آخر، من غير استعمال اللفظ في الحكم التكليفي أو الوضعي؛ فإنّ كلاًّ منهما غير الموضوع له.

وفي المقام إنّ قوله علیه السلام: «لا يحلّ...» إلى آخره، استعمل في معناه؛ أي مقابل المنع، ويفهم التكليف أو الوضع بحسب متعلّقه.

ثمّ إنّ انتساب نفي الحلّ إلى ذات المال مبنيّ على الادّعاء؛ لأنّ ذاته لا تكون حلالاً أو حراماً، والدعوى إنّما تصحّ إذا كان المال بجميع شؤونه غير حلال، فلو حلّ المال ببعض شؤونه البارزة الشائعة، لم تصحّ دعوى أنّ الذات غير حلال،

ص: 166


1- المائدة (5): 6.
2- تقدّم في الصفحة 88 - 89.
3- الكافي 2: 220 / 18؛ وسائل الشيعة 16: 214، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أبواب الأمر والنهي، الباب 25، الحديث 2.

ومن الواضح أنّ من جملة شؤون المال - ومن أوضحها - هي التصرّفات المعاملية، فلو حلّ للغير تلك التحوّلات التي هي من أشيع التحوّلات فيها، كانت دعوى عدم حلّية الذات مستهجنة.

وإن شئت قلت: إنّ إطلاق عدم حلّية الذات يقتضي عدم حلّية جميع تحوّلاتها، سواء سمّيت «تصرّفاً» أم لا، ولا وجه لتقدير في الكلام في أمثال تلك التراكيب كما قرّر في محلّه(1).

ولو فرض لزوم التقدير، فلا وجه لتقدير شيء خاصّ، بل عدم ذكر شيء دليل العموم، بل مناسبة الحكم والموضوع تقتضي عموم المقدّر.

فما قيل من أنّ المقدّر هو «التصرّف» وليس الفسخ تصرّفاً (2)، خيال في خيال، يظهر ضعفه ممّا مرّ.

ثمّ لو سلّمنا أنّ المقدّر «التصرّف» - حتّى يكون ذلك وزان قوله علیه السلام في التوقيع المبارك المحكيّ: «لا يحلّ لأحدٍ أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه»(3) - فالظاهر أنّ التصرّف مطلق التحوّل والتقلّب، حسّياً كان أم لا، كما يشهد به العرف؛ ضرورة أنّ قوله: «له التصرّف في هذا الملك، تصرّف الملاّك في أملاكهم» يراد منه مطلق التصرّفات، معاملية كانت أم غيرها، وظاهر في مطلقها بلا شائبة مجاز وتأوّل، وتقسيم التصرّف إلى المعاملي وغيره صحيح، غير مجازٍ

ص: 167


1- مناهج الوصول 1: 63.
2- اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 59.
3- كمال الدين: 520 / 49؛ وسائل الشيعة 9: 540، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 3، الحديث 7.

بحكم التبادر، فالتصرّف إذا نسب إلى الأموال ظاهر في الأعمّ بلا شبهة.

فما في التوقيع المشار إليه: «وأمّا ما سألت عنه من أمر من يستحلّ ما في يده في أموالنا، ويتصرّف فيه تصرّفه في ماله من غير أمرنا»(1) إلى آخره، ظاهر في الأعمّ، ولا ينبغي الريب في أنّ المراد منه الأعمّ.

وتوهّم: الاختصاص بمثل الأكل والشرب من التقلّبات الحسّية بعيد عن الصواب.

فقوله علیه السلام بعد ذلك: «فلا يحلّ لأحدٍ أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه» أيضاً ظاهر في الأعمّ واُريد منه ذلك.

مضافاً إلى أنّ الظاهر من كلمات اللغويين التعميم، ففي «المنجد»:

صرف الدنانيرَ: بدّلها بدراهم أو دنانير سواها، المالَ: أنفقه، صرّف الشيء: باعه، الدراهم: بدّلها. صرّفه في الأمر: فوّض الأمر إليه، تصرّف في الأمر: احتال وتقلّب فيه، الصرّاف والصيرفي: بيّاع النقود بنقود غيرها، المتصرّف: الحاكم على قطعة من المملكة(2)، انتهى.

وتوهّم: أنّ المراد من التبديل هو التبديل المعاطاتي؛ أي التصرّف الخارجي، كما ترى؛ ضرورة أنّ التبديل المعاملي - كالبيع - هو الأمر السببي، لا الفعل الخارجي، فحينئذٍ يكون التوقيع أيضاً من أدلّة الباب.

ومع الغضّ عن كل ما مرّ، والتسليم بأنّ المقدّر في الرواية المتقدّمة هو

ص: 168


1- تقدّم تخريجه آنفاً.
2- المنجد: 422 - 423.

التصرّف، وهو عبارة عن التصرّفات الحسّية، يمكن إلغاء الخصوصية؛ بمناسبة الحكم والموضوع والتعميم.

اعتراضات وأجوبة

كما يظهر ممّا مرّ الإشكال في مناقشاتهم:

كقولهم: إنّ ظاهر «لا يحلّ» الحرمة التكليفية دون الوضعية(1).

أو إنّ المقدّر هو التصرّف كما في التوقيع(2).

أو إنّ الجمع بين الحكم التكليفي والوضعي لا يجوز باستعمال واحد(3)... إلى غير ذلك.

وقد يقال: إنّ الحلّية المنوطة بالرضا حلّية التصرّف في المال، لا حلّية إزالة إضافة المال إليه، كما مرّ نظيره في دليل السلطنة، بل هنا إشكال آخر، وهو أنّ ثبوت الحرمة المولوية لا ينافي الصحّة، والحلّية هنا تناسب التكليف؛ لانتسابها إلى الأعيان لا الأسباب(4).

وفيه: أنّه على فرض تسليم ورود الإشكال في دليل السلطنة - بدعوى أنّ الناس مسلّطون على الأموال، لا على الملكية، وأنّ المالك لا يسلّط على

ص: 169


1- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 376 - 377؛ حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 59.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 59.
3- اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 374؛ حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 59
4- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 139.

الإبقاء والإزالة، كما تقدّم مع جوابه(1) - لا يرد هاهنا؛ لأنّ عدم حلّية الأموال أعمّ من التصرّفات الحسّية كما مرّ، ولا شبهة في أنّ إزالة الإضافة عن المالك من التصرّفات الناقلة والمعاملية، وأمّا قضيّة الظهور في الحرمة المولوية، فقد مرّ(2) دفعها.

فظهرت ممّا ذكر صحّة الاستدلال بالموثّقة.

فإن قلت: ظاهر صدرها هو الحكم التكليفي، كما أنّ حرمة الدم أيضاً تكليفية، فصارا قرينة على المراد في الذيل، والحرمة التكليفية قرينة على خصوص التصرّفات الحسّية، ومع التعميم لا تنافي الصحّة.

قلت: يظهر النظر في هذا الإشكال بعد نقل الموثّقة، وهي ما عن سماعة، عن أبي عبداللّه علیه السلام في حديث: «إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال: من كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها؛ فإنّه لا يحلّ دم امرئٍ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه»(3).

وأنت خبير: بأنّ قوله صلی الله علیه و آله وسلم: «فإنّه لا يحلّ...» إلى آخره، تعليل للمقصود بإ لقاء كبرى كلّية، ولا معنى لتقييد الكبرى بالمورد، ولا قرينية له، كما يظهر في الأشباه والنظائر.

غاية الأمر: هناك علم بدخول الحرمة التكليفية في الكبرى، فحينئذٍ لو قلنا:

ص: 170


1- تقدّم في الصفحة 161 - 162.
2- تقدّم في الصفحة 166 - 167.
3- الفقيه 4: 66 / 195؛ وسائل الشيعة 5: 120، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 3، الحديث 1.

بأنّ الحرمة التكليفية والوضعية معنيان لعدم الحلّ، ويكون الاستعمال فيهما من قبيل استعمال اللفظ في الأكثر، كان لما ذكر وجه.

وأمّا بعد ما عرفت من أنّ التكليف والوضع من خصوصيات المورد، والمعنى المستعمل فيه شيء واحد(1)، فلا يتّجه ما ذكر.

ثمّ إنّه يظهر من الموثّقة أعمّية التصرّف من التصرّف الحسّي؛ لأنّ عدم ردّ الأمانة وحبسها، ليس تصرّفاً محسوساً كالأكل والشرب، فلو كان التصرّف منحصراً بالتحوّلات المحسوسة، لم تنطبق الكبرى الكلّية على المورد المستدلّ عليه، فتدبّر.

الدليل الرابع : آية التجارة

اشارة

واستدلّ(2) أيضاً للمطلوب بقوله تعالى: (لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ)(3).

ويمكن الاستدلال عليه بالمستثنى منه مع قطع النظر عن الاستثناء، وبالاستثناء مع الغضّ عن المستثنى منه، وبالحصر المستفاد من الجملتين.

وما قيل: من عدم إمكان الاستدلال لمقصود واحد بالمستثنى والمستثنى منه؛ لأنّهما لا محالة متناقضان، فيؤول إلى كون المدّعى أمرين متناقضين(4)

ص: 171


1- تقدّم في الصفحة 88 - 89 و166 - 167.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 54.
3- النساء (4): 29.
4- حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 59.

كأنّه ناشٍ من عدم التأمّل في كيفية الاستدلال بهما، وسيتّضح كيفيته.

تقريب الاستدلال بالمستثنى منه

أمّا الاستدلال بالمستثنى منه؛ فيمكن تقريبه بأنّ المحتمل فيه أحد أمرين:

الأوّل: أن يراد بالنهي عن أكل المال بالباطل، سلب سببية الباطل للنقل والتمليك، فيكون النظر في المستثنى والمستثنى منه إلى عدم نفوذ الأسباب الباطلة، ونفوذ التجارة أو مطلق الأسباب غير الباطلة، فيكون المستثنى منه دالاًّ على بطلان الفسخ ابتداءً، لأنّه باطل ولغو عرفاً ولدى العقلاء، بعد كون المعاطاة عندهم لازمة، كما يظهر بالتأمّل في بناء العقلاء وسيرتهم.

والثاني: أن يراد بالنهي عن الأكل عنوان أكل المال الحاصل بسبب باطل، فيكون النظر ابتداءً إلى حرمة أكله، وإن كان لازمها بطلان السبب وعدم نفوذه، فيدلّ المستثنى منه على حرمة المال الحاصل بسبب باطل، والفسخ سبب باطل عرفاً، فأكل المال به حرام، فيكشف عن كون الفسخ غير نافذ؛ حيث لم يكن وجه لحرمته غيره.

ثمّ إنّ تنفيذ الشارع ما هو باطل لدى العقلاء، إن كان من قبيل التخصيص مع حفظ الموضوع، فلا شبهة في جواز التمسّك بالآية مع احتمال ورود المخصّص.

كما لا شبهة في عدم جوازه لو كان حكم العقلاء بالبطلان واللغوية معلّقاً على عدم ورود التنفيذ والإجازة من الشارع الأقدس المالك للمال والمالك، إذا كان هذا الحكم كالقيد الحافّ بالكلام، ووجهه واضح.

وأمّا لو كان من التعليقات النظرية التي بحكم المنفصلات، فيقع الكلام في أنّ

ص: 172

المقام من قبيل ما قلنا (1) في دليل السلطنة - بأنّ التعليق لمّا كان غير حافّ بالكلام، يصحّ التمسّك بالمطلق؛ لدفع شبهة إعماله تعالى السلطنة - أم لا يكون من هذا القبيل، بل لا يصحّ التمسّك به مطلقاً؟

الأقوى هو الثاني؛ للفرق بين دليل السلطنة وبين المقام، لأنّ التعليق هناك

في الحكم مع حفظ الموضوع، فمع احتمال ورود مزاحم أقوى للسلطنة يتمسّك بإطلاقه كما مرّ(2)، وأمّا في المقام فيكون التعليق في موضوع الحكم؛ لأنّ المفروض أنّه مع ورود دليل من الشارع يخرج الباطل عن كونه باطلاً، فهو من قيود موضوع الحكم، فيكون التمسّك بها نظير التمسّك في الشبهة المصداقية للعامّ.

ثمّ إنّ الظاهر عدم كون الإخراج من قبيل التخصيص؛ لأنّ الآية آبية عن التخصيص الحكمي، فمن المستهجن عرفاً أن يقال: «لا تأكلوا ما حصل بالباطل إلاّ هذا الباطل» فلا يحتمل تجويز الباطل تخصيصاً.

مضافاً إلى أنّ حكم العقلاء في مثل المقام - أي في نحو الفسخ - بالبطلان وعدم التأثير معلّق على عدم ورود التنفيذ من المالك الحقيقي، وبعد وروده لا يرون الفسخ لغواً وبلا أثر.

والمراد بالعقلاء هم الخاضعون للّه تعالى، والذين يرونه مالكاً حقيقياً، له التصرّف في الأموال والنفوس، فيكون المحيط محيط التوحيد، لا الإلحاد وعدم الاعتناء بالمبادئ.

ص: 173


1- تقدّم في الصفحة 163 - 164.
2- تقدّم في الصفحة 163 - 164.

ولو شككنا في أنّ المقام من قبيل التخصيص، أو رفع الموضوع، لا يصحّ التمسّك بها أيضاً؛ بعين ما ذكر.

وربّما يقال: إنّ الاستدلال بها صحيح لو كان الفسخ من الأسباب المفيدة للملك، بخلاف ما لو قلنا: بأنّ شأنه رفع أثر السبب المملّك؛ فإنّ الأكل حينئذٍ بالسبب الأوّل لا الفسخ(1).

وفيه: أنّ ذلك يتمّ لو قلنا بأنّ الآية تدلّ على الحرمة إن حصل المال بسبب باطل مستقلّ، لكنّه خلاف فهم العرف، بل الظاهر منها إلغاء تأثير الباطل - ولو بمناسبة الحكم والموضوع - مستقلاًّ كان أو لا، والفسخ مؤثّر في دفع المانع عن تأثير السبب الأوّل، فيكون الأكل بالسبب الباطل ولو بنحو جزء العلّة.

وبالجملة: الظاهر من الآية الكريمة أنّ الحاصل بالباطل مطلقاً محرّم والاختصاص بالسبب التامّ أو المقتضي خلاف فهم العرف ومناسبة الحكم والموضوع.

تقريب الاستدلال بالمستثنى

وأمّا الاستدلال بالمستثنى، فهو بأن يقال: إنّ إطلاق تجويز الأكل من الحاصل بالتجارة، يقتضي جوازه بعد الفسخ أيضاً، وهو كاشف عن عدم نفوذه، وإلاّ لم يكن وجه لجوازه.

ولا يخفى: أنّ الإطلاق مبنيّ على التقريب الثاني من التقريبين المتقدّمين، وهو أنّ النظر فيها إلى حرمة التصرّف وجوازه، وأمّا إن كان المراد تنفيذ التجارة،

ص: 174


1- حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 60.

وسلب تأثير الأسباب الباطلة عرفاً لدى الشارع أيضاً، فلا إطلاق فيها بالنسبة إلى حالات الأكل والتصرّف حتّى يشمل ما بعد الفسخ؛ لأنّها على الفرض بصدد تنفيذ البيع، لا حرمة الأكل.

وأقوى الاحتمالين ثانيهما، فيصحّ التمسّك بالإطلاق، فما في «تعليقة» الطباطبائي من عدم الإطلاق(1) غير وجيه، إلاّ أن يراد به ما يأتي فيها.

وقد يقال: إنّ الشبهة في المقام مصداقية؛ فإنّ حصر مجوّز الأكل في التجارة عن تراضٍ، إنّما يراد به أكله على أن يكون ملكاً للآكل؛ لئلاّ ينتقض بالإباحات، ولم يعلم بعد الرجوع بقاؤه على ملكه(2).

وفيه: - مضافاً إلى أنّ الاستدلال بالمستثنى غير مبنيّ على إفادة الحصر، وسيأتي الكلام في عدم إفادة الآية للحصر، ويأتي أنّها لو دلّت على الحصر لا ينتقض بالإباحات ونحوها (3) - أنّ التقييد في الآية غير صحيح؛ لأنّ الملك بأيّ سبب حصل يجوز لمالكه أكله، فلا دخالة للتجارة في جوازه، بل تمام الموضوع له كونه ملكاً.

فالآية الكريمة على الظاهر، بصدد بيان جواز أكل ما حصل بالتجارة من الأموال التي بين الناس، ولا تقييد فيما حصل بالتجارة بكونه ملكاً، وإن كان لازم جواز ما حصل بها كونه ملكاً، لكنّ هذا غير التقييد، والمضرّ بالتمسّك هو التقييد، وهو غير صحيح فتدبّر.

ص: 175


1- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 375.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 141.
3- يأتي في الصفحة 178 - 179.

نعم، هنا شبهة اُخرى، وهي أنّ الآية - على الاحتمال الأوّل من الاحتمالين المتقدّمين - بصدد تنفيذ التجارة، فكأنّه قال: «التجارة نافذة» فيأتي فيها ما يأتي في (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(1) من الشكّ في الموضوع بعد الفسخ(2)، وسيأتي الكلام فيه(3).

وعلى الاحتمال الثاني، يكون الموضوع لحلّية الأكل هو المال الحاصل بالتجارة، فحينئذٍ إن قلنا: بتقييد المال بكونه حاصلاً بالتجارة، فمع الفسخ يشكّ في الموضوع؛ لأنّ التجارة تنتفي مع فرض تأثير الفسخ، فلا يكون المال مال التجارة، ومع احتمال الانتفاء تصير الشبهة مصداقية.

وإن قلنا بعدم التقييد، لأنّ المعلول لا يتقيّد بعلّته، وإن كان لا مانع منه في مثل المقام، فلا إطلاق فيه؛ لعدم إمكان إطلاق المعلول حال عدم علّته، فلا محالة يكون موضوع الإطلاق مضيّقاً ذاتاً؛ أي يكون حصّة من المال التي تكون بحسب الواقع معلولة للتجارة، ولا يعقل إطلاق تلك الحصّة لحال فقد علّتها؛ لأنّ حال فقدها حال فقد المعلول.

وتوهّم: أنّ الوجود الحدوثي للتجارة كافٍ في جواز الأكل، ولا يتوقّف الحلّ على بقائها وبقاء العقد(4)، فاسد؛ للزوم حلّية المال الحاصل بالبيع مع فرض مؤثّرية الفسخ واقعاً، وهو ضروري البطلان، فإذا كان مع العلم بمؤثّريته كذلك،

ص: 176


1- المائدة (5): 1.
2- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 372.
3- يأتي في الصفحة 197.
4- حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 3: 15 - 16.

يكشف هذا عن ضيق ذاتي أو قيد في المال؛ بحيث لا ينطبق إلاّ على المال الحاصل بالتجارة مع بقاء السبب فتدبّر جيّداً.

تقريب الاستدلال بالحصر المستفاد من مجموع الجملتين

وأمّا الاستدلال بالحصر المستفاد من مجموع الجملتين، فمبنيّ على كون الاستثناء متّصلاً.

وتقريب الاتّصال: تارةً بأنّ قوله: (بِالْبَاطِلِ) قيد توضيحي ذكر لبيان علّة الحكم، فكأنّه قال: لا تأكلوا أموال الناس إلاّ أن تكون تجارة؛ فإنّ كلّ أكل باطل.

واُخرى: بأنّ المستثنى منه محذوف؛ أي لا تأكلوا أموالكم بوجه من الوجوه إلاّ بوجه التجارة؛ فإنّ الأكل بغير هذا الوجه باطل(1).

وأنت خبير: بأنّ الكلام ليس في إمكان كون الاستثناء متّصلاً، حتّى يوجّه تصوّره وإمكانه، بل في ظهور الكلام، ولا شبهة في أنّ ما ذكر لوجه الاتّصال خلاف الظاهر، وتأويل مخالف لفهم العقلاء، ولكلمات المفسّرين(2) وللروايات الواردة في نزول الآية الكريمة:

ففي صحيحة زياد بن عيسى قال: سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن قوله عزّ وجلّ: (وَلاَ تَأْ كُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)(3). فقال: «كانت قريش يقامر الرجل

ص: 177


1- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 360.
2- راجع مجمع البيان 3: 59؛ زبدة البيان: 427؛ الكشّاف 1: 502؛ تفسير البيضاوي 1: 211.
3- البقرة (2): 188.

بأهله وماله، فنهاهم اللّه - عزّ وجلّ - عن ذلك»(1).

وعن «نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى» عن أبيه قال: قال أبو عبداللّه علیه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ: (وَلاَ تَأْ كُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) قال: «ذلك القمار»(2).

ونحوهما غيرهما (3).

والظاهر منها كظاهر نفس الآية، أنّ النهي عن الأكل بالسبب الباطل، فالقيد احترازي لا توضيحي، والاستثناء منقطع.

وتوهّم: أنّ الاستثناء المنقطع خلاف الفصاحة(4) باطل جدّاً، بل قد تقتضي الفصاحة الانقطاع، وقد ورد في الكتاب العزيز في غير المقام، كقوله تعالى: (لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً * إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً)(5).

ثمّ على فرض كون الاستثناء متّصلاً، يمكن أن يقال: بعدم دلالة الآية على الحصر في التجارة؛ لأنّ قوله: (بِالْبَاطِلِ) تعليل؛ بمعنى أنّ المتفاهم العرفي منه أنّ البطلان موجب لذلك، والظاهر المتفاهم أنّ استثناء التجارة - في مقابل

ص: 178


1- الكافي 5: 122 / 1؛ وسائل الشيعة 17: 164، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 35، الحديث 1.
2- النوادر، أحمد بن محمّد بن عيسى: 162 / 414؛ وسائل الشيعة 17: 167، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 35، الحديث 14.
3- راجع وسائل الشيعة 17: 166، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 35،الحديث 8 و9.
4- اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 72؛ منية الطالب 1: 426؛ ويأتي في الجزء الثاني: 129.
5- الواقعة (56): 25 - 26.

الباطل - لكونها حقّاً والعلّة تعمّم وتخصّص، فيستفاد منه حلّية الأكل بكلّ حقّ، وعدمها بكلّ باطل، فيدخل في الحقّ ما لا يكون تجارة كالإباحات، والقرض، والتملّك في مجهول المالك وغيرها. فلا ينتقض الحصر بها حتّى نحتاج إلى ارتكاب بعض التكلّفات والتوجيهات، كما وقع من بعضهم(1).

كما أنّه على فرض كونه منقطعاً، يفهم من الآية الكريمة التنويع بين الباطل والحقّ؛ بمناسبة الحكم والموضوع، فلا فرق بين الاتّصال والانقطاع في ذلك؛ أي في دلالة الآية عرفاً على أنّ الباطل لبطلانه سقط عن السببية، أو صار موجباً لحرمة الأكل ممّا حصل به، في مقابل الحقّ الثابتة سببيته.

ثمّ إنّه يأتي الإشكال المتقدّم في التمسّك بالمستثنى منه، وهو أنّ الباطل العرفي لمّا كان معلّقاً على عدم تصرّف من الشارع الأقدس، تصير الشبهة مع احتمال تصرّفه موضوعية(2).

فتحصّل ممّا ذكرناه: عدم صحّة التمسّك بالآية لإثبات اللزوم، لا بالجملة المستثنى منها، ولا المستثنى، ولا الحصر المستفاد منهما على فرضه، إلاّ أن يتشبّث بالاستصحاب لإحراز الموضوع، وفيه كلام.

ص: 179


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 142.
2- تقدّم في الصفحة 173.

الدليل الخامس : أخبار خيار المجلس

اشارة

واستدلّ(1) في خصوص البيع بالأخبار المستفيضة في خيار المجلس، كقوله علیه السلام: «أيّما رجل اشترى من رجل بيعاً فهما بالخيار حتّى يفترقا، فإذا افترقا وجب البيع»(2) فإنّ المعاطاة بيع.

والاستدلال تارةً: بجعل الخيار؛ إذ الخيار مختصّ بالبيع اللازم، ومقتضى الإطلاق وجود الخيار في بيع المعاطاة، فهو لازم.

واُخرى: بمفهوم الغاية بأن يقال: إنّ ماهية الخيار مغيّاة بعدم الافتراق، ومعه يسقط الخيار، وهو ملازم للّزوم، ومقتضى الإطلاق دخول البائع بالمعاطاة.

وثالثة بقوله: «فإذا افترقا وجب البيع» إذ الإطلاق يقتضي أن يكون واجباً فعلياً من جميع الجهات، وأدلّة سائر الخيارات مقيّدة له، لا حيثياً.

أقول: إن قلنا بأنّ جعل الخيار للبيع الجائز ذاتاً لا مانع منه، كجعل الخيارات المتعدّدة للبيع، فلا دلالة لجعل الخيار على لزومه؛ لأنّه كاللازم الأعمّ الذي بثبوته لا يحرز الملزوم الخاصّ.

وإن قلنا: بعدم صحّة جعله للجائز ذاتاً بحسب حكم العقل أو العقلاء، فإن كان هذا الحكم كالقيد الحافّ بالكلام، فيكون قوله علیه السلام: «البيّعان بالخيار»(3)

ص: 180


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 55.
2- الكافي 5: 170 / 7؛ الفقيه 3: 126 / 550؛ تهذيب الأحكام 7: 20 / 86؛ وسائل الشيعة 18: 6، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 4.
3- راجع وسائل الشيعة 18: 5، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 1 - 3.

مقيّداً بكون بيعهما لازماً، ففي مورد الشكّ في كون بيع لازماً كالمعاطاة لا يصحّ التمسّك بإطلاقه؛ لأنّ الشبهة مصداقية.

وإن قلنا: بأنّ حكم العقل أو العقلاء كالمخصّص المنفصل، لا يوجب تقييد الموضوع عند صدوره، وكان القيد لبّياً منفصلاً، فإن قلنا: بجواز التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقية في مثله كما قالوا (1)، فيمكن التمسّك بإطلاق «البيّعان بالخيار» لإثبات الخيار في المعاطاة وكشف لزومها، نحو التمسّك بقوله علیه السلام: «لعن اللّه بني اُميّة قاطبةً»(2) في مورد الشكّ في إيمان واحد منهم لجواز لعنه، وكشف عدم إيمانه؛ إذ في المخصّص اللبّي المنفصل يجوز التمسّك بالعامّ.

وإن قلنا: بعدم الفرق بين المخصّصات اللبّية واللفظية في عدم جواز التمسّك في الشبهة المصداقية، كما اخترناه في محلّه(3)، فلا يصحّ التمسّك بإطلاقه لكشف حال الموضوع.

إلاّ أن يقال: إنّ الشبهة المصداقية للمخصّص اللبّي - التي لا يجوز فيها التمسّك بالعامّ - هو ما إذا خرج من العامّ عنوان بحسب حكم العقل، وشكّ في مورد أنّه مصداق الخارج أو لا، وأمّا إذا شكّ في أصل الخروج ولو من جهة عدم إحراز مصداق للعنوان العقلي، كما فيما نحن بصدده؛ حيث لم يحرز أنّ للبيع مصداقاً جائزاً، فليس الشكّ فيه من قبيل الشبهة المصداقية للمخصّص المحرزة مخصّصيته، والتفصيل في محلّه.

ص: 181


1- اُنظر مطارح الأنظار2: 143؛ كفاية الاُصول: 259.
2- كامل الزيارات: 329؛ بحار الأنوار 98: 292.
3- مناهج الوصول 2: 222.

ويمكن أن يقال: إنّه لا فرق في عدم جواز التمسّك بين ما ثبت تحقّق أفراد من العنوان الخارج وشكّ في فرد آخر، وعدمه إذا كان المخصّص عقلياً؛ ضرورة أنّ تحقّق الفرد وعدمه لا دخالة له في الحكم، فحكم العقل بأنّ المؤمن لا يلعن ثابت، موجب لعدم دخول المؤمن في قوله علیه السلام: «لعن اللّه بني اُميّة» من غير نظرٍ إلى خصوصيات المصاديق، وخروجها، ودخولها.

فلو شكّ في فرد أنّه مؤمن أو لا، مع العلم بعدم إيمان غيره منهم، يكون من الشبهة المصداقية للمخصّص، لا الشبهة في أصل التخصيص لأنّ التخصيص بحكم العقل، وهو على النحو الكلّي لا الجزئي، ولا شكّ في خروج المؤمن عن هذا العامّ، والشكّ في المصداق غير الشكّ في التخصيص، وما نحن فيه كذلك، بناءً على كون التخصيص أو عدم الدخول بحكم العقل، فتدبّر جيّداً.

وأمّا الاستدلال بمفهوم الغاية، ففيه: أنّ ماهية الخيار غير الجواز الحكمي؛ ضرورة أنّ الخيار حقّ مجعول لذي الخيار، قابل للنقل، والإسقاط، والإرث، والجواز الحكمي بخلافه؛ فإنّه حكم للمعاملة كالهبة والوكالة، غير مجعول لأحد، ولا قابل لما ذكر، فنفي ماهية الخيار لا ينافي بقاء الجواز الحكمي.

وأمّا الاستدلال بذيل الرواية؛ أي قوله علیه السلام: «فإذا افترقا وجب البيع» ففيه: أنّه لا شبهة في أنّ الموضوع في صدرها وذيلها واحد، فلو كان الموضوع في الصدر مطلق البيع أو مقيّده، كان في الذيل كذلك.

فحينئذٍ نقول: إنّ أصالة الإطلاق في الصدر تقتضي كون البيع - بلا قيد - موضوع الحكم، وإطلاقه شامل للبيع بالصيغة والمعاطاة، سواء كانت لازمة واقعاً أم جائزة، وأصالة الإطلاق في الذيل تقتضي الوجوب مطلقاً، بعد الافتراق

ص: 182

في الموضوع المأخوذ في الصدر، فيقع التعارض بينهما؛ لأنّ الوجوب المطلق يضادّ البيع الجائز، فلا بدّ إمّا من رفع اليد عن إطلاق الذيل أو الصدر.

وعلى أيّ تقدير: لا يصحّ التمسّك بالذيل لإثبات اللزوم في مورد الشكّ.

أمّا على الأوّل: فلأنّ الوجوب الحيثي لا ينافي الجواز، ولو قلنا: بالوجوب الفعلي وارتكبنا التقييد بالنسبة إلى الجائز على فرضه، كان التمسّك به تمسّكاً في الشبهة المصداقية للمخصّص.

وأمّا على الثاني: فلأنّ البيع في الصدر إذا اختصّ بالبيع اللازم، يكون في الذيل كذلك، فتصير الشبهة مصداقية، لا يجوز التمسّك بالعامّ فيها، سواء كان التخصيص متّصلاً، أم منفصلاً، لفظياً، أو لبّياً.

هذا إن قلنا بصحّة جعل الخيار لمطلق البيع ولو كان جائزاً، ولو قلنا: بعدم صحّته، فلا بدّ أن يكون الموضوع في الصدر مقيّداً لبّاً، والذيل تابع له، فصارت الشبهة مصداقية أيضاً.

نقل الأخبار الواردة في خيار المجلس

هذا كلّه مع الغضّ عن الروايات، وأمّا بالنظر إليها فهي على طوائف:

منها: - وهي الأكثر - ما لم يصرّح فيها بالمفهوم، كقوله علیه السلام في صحيحة محمّد بن مسلم: «البيّعان بالخيار حتّى يفترقا، وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام»(1).

ص: 183


1- الكافي 5: 170 / 5؛ وسائل الشيعة 18: 5، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 1.

ونحوها في عدم ذكر المفهوم صحيحة زرارة(1) ورواية علي بن أسباط(2) والحسين بن عمر بن يزيد، عن أبيه(3) وغيرها (4).

ومنها: ما صرّح به، وهي صحيحة الفضيل، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: قلت له: ما الشرط في الحيوان؟ فقال لي: «ثلاثة أيّام للمشتري».

قلت: وما الشرط في غير الحيوان؟ قال: «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا، فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما»(5).

وصحيحة الحلبي، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: «أيّما رجل اشترى من رجل بيعاً فهما بالخيار حتّى يفترقا، فإذا افترقا وجب البيع»(6).

ومنها: ما فيها حكاية فعل أبي جعفر علیه السلام، كصحيحة الحلبي عن أبي عبداللّه علیه السلام أنّه قال: «إنّ أبي اشترى أرضاً يقال لها «العُرَيْضِ» فلمّا

ص: 184


1- الكافي 5: 170 / 4؛ وسائل الشيعة 18: 5، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 2، و: 11، الباب 3، الحديث 6.
2- الكافي 5: 216 / 16؛ وسائل الشيعة 18: 6، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 5.
3- تهذيب الأحكام 7: 26 / 110؛ وسائل الشيعة 18: 7، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 6.
4- تهذيب الأحكام 7: 23 / 99؛ وسائل الشيعة 18: 10، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 3، الحديث 3.
5- الكافي 5: 170 / 6؛ تهذيب الأحكام 7: 20 / 85؛ وسائل الشيعة 18: 11، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 3، الحديث 5، والباب 1، الحديث 3.
6- تقدّم تخريجها في الصفحة 180، الهامش 2.

استوجبها قام فمضى». فقلت له: يا أبة عجّلت القيام ! فقال: «يا بنيّ أردت أن يجب البيع»(1). ونحوها غيرها (2).

عدم دلالة الأخبار على اللزوم

أمّا الطائفة الاُولى: فلا شبهة في عدم دلالتها على المقصود، مع الغضّ عمّا مرّ بيانه؛ فإنّ دلالتها مبنيّة على أن يكون المراد ب «الخيار» ماهيته المطلقة، حتّى تدلّ الغاية على سلبها، فيدّعى أنّه ملازم للّزوم، وهو غير مراد بلا ريب؛ لأنّ جعل الغاية لماهية الخيار المطلقة مع كونها واقعاً لخيار واحد فقط، وسائر الخيارات على كثرتها غير مغيّاة بالافتراق، مستهجن، فلا بدّ من إرادة الخيار الخاصّ؛ أي خيار المجلس ولازمها سلبه خاصّاً، وهو غير ملازم للّزوم.

ومنه يظهر الكلام في صحيحة الفضيل؛ فإنّ قوله علیه السلام: «فلا خيار» محمول على الخيار المذكور في الصدر؛ لتبعية ذيلها لصدرها في ذلك، مع أنّ سلب ماهية الخيار مطلقاً مع ثبوت جميع الخيارات إلاّ واحداً منها، مستهجن.

فإذا كانت جميع الروايات بصدد بيان ثبوت خيار خاصّ، وسلب الخاصّ بعد الغاية - لا لأنّه المفهوم منها؛ ضرورة أنّ المفهوم الاصطلاحي إنّما هو فيما إذا علّق السنخ على الغاية لا الشخص - لا يبقى ظهور لرواية الحلبي في الإطلاق، ولا لبيان حكم آخر غير ما في سائر الروايات، فلا بدّ من حمله على الوجوب الحيثي.

ص: 185


1- الفقيه 3: 127 / 556؛ وسائل الشيعة 18: 8، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 2،الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 18: 8، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 2، الحديث 2 و3.

وبعبارة اُخرى: لو دار الأمر بين الحمل على الوجوب الفعلي المطلق، والالتزام بأنّها بصدد بيان أمر آخر غير ما في الروايات، وكذا الالتزام بخروج جميع الخيارات على كثرتها تقييداً، وبين الحمل على الوجوب الحيثي، فالترجيح للثاني، بل لو لم يكن إلاّ الإخراج الكثير لكفى في تعيّنه.

وأمّا الروايات الأخيرة، فمضافاً إلى ظهورها - باعتبار قوله علیه السلام: «استوجبها» - في البيع بالصيغة، وإلى بعد اشتراء الأراضي والقرى معاطاة، وتعارف البيع بالصيغة فيها، أنّها قضيّة شخصية، لا يعلم الحال فيها، فلا إطلاق لها يشمل المعاطاة، فتدبّر جيّداً.

الدليل السادس : آية الوفاء بالعقود

اشارة

واستدلّ(1) له بقوله تعالى: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(2) وقد مرّ بعض الكلام فيه(3)، ولا نعيد إلاّ التنبيه على أمر، وهو أنّ الوفاء - كما مرّ(4) - عبارة عن العمل بمقتضى العقد أو العهد ونحوهما، ولا يكون إبقاء العقد وفاءً به عرفاً، ولهذا لو ترك العمل بمقتضاه يقال: «ما وفى بعقده مطلقاً» ولا يقال: «وفى به من حيث عدم الفسخ».

وبعبارة اُخرى: إنّ المنظور إليه ليس العقد إبقاءً وإزالةً في وجوب الوفاء، بل

ص: 186


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 56 و18: 17.
2- المائدة (5): 1.
3- تقدّم في الصفحة 98.
4- تقدّم في الصفحة 106.

المنظور إليه مفاد العقد ومقتضاه، ولا شبهة في أنّ مقتضى العقود والعهود مختلف، فالعهد على عمل مقتضاه لزوم إتيانه، والوفاء به هو العمل.

والبيع وإن كان مقتضاه الأوّلي هو التمليك، لكنّ الوفاء به عرفاً عبارة عن تسليم المبيع لا في الجملة، بل مع البقاء عليه، فمن لم يسلّم مطلقاً أو سلّمه ورجع إليه بعنوان استرجاع المبيع، لم يكن موفياً بعقده.

ففي المعاطاة كان الوفاء في السلف معاطاة بإعطاء المبيع في وقته، والبقاء عليه، وعدم الاسترجاع بعنوانه، وبإعطاء الثمن في النسيئة كذلك، وفيما كان التعاطي من الطرفين يكون الوفاء بعدم الاسترجاع، وإبقاء مقتضى المعاملة.

فتحصّل من ذلك: أنّ الوجوب تعلّق بالوفاء بالعقود - أي العمل على مقتضاها حسب اختلاف المقتضيات - لا بإبقائها وعدم فسخها.

التقريبات الثلاثة لإثبات اللزوم

فحينئذٍ نقول: يمكن تقريب دلالة الآية الكريمة على اللزوم:

تارةً بأن يقال: إنّ إيجاب الوفاء والإلزام بالعمل على مقتضاها كناية عن لزوم العقد، وإنّما اُمر به إرشاداً إلى ملزومه؛ بمعنى أنّه اُنشئ بهذا الكلام اللزوم

للعقود، كما في الإخبار عن الملزوم بإ لقاء اللازم في الكنايات، فكما أنّ قوله: «فلان كثير الرماد» إخبار عن جوده الملزوم له عادة، يكون قوله: )أَوْفُوا

بِالْعُقُودِ(كنايةً عن جعل اللزوم للعقود؛ لأنّ لزوم العمل بمقتضى العقد ملازم عرفاً لخروج زمامه عن يد المتبايعين، وإلاّ فمع كون زمامه بيدهما - إبقاءً وإزالةً - لم يكونا ملزمين بالعمل بمقتضاه.

ص: 187

فمن كان له عدم العمل على مقتضى عقده بمجرّد إنشاء كلمة، لا يكون ملزماً بالعمل على طبق عقده، فقوله: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) من قبيل إلقاء اللازم وإرادة الملزوم، كسائر الكنايات.

واُخرى بأن يقال: إنّ إيجاب العمل والوفاء بالعقود إلزام نحو إلزامات العقلاء لا إيجاب تعبّدي متعلّق بعنوان «الوفاء» حتّى يكون المتخلّف عن العمل بالعقود مستحقّاً لعقابين؛ أحدهما: على غصب مال الغير، والثاني: على عدم الوفاء بعقده؛ فإنّه بعيد، فيكون قوله ذلك نظير إلزام العقلاء، أو نظير إلزام العقل بردّ مال الغير إلى صاحبه، إن قلنا: بعدم وجوبه شرعاً، وإنّما غصبه وحبسه محرّم، لا ردّه واجب، ولازم هذا الإلزام والإيجاب لزوم العقد بالتقريب المتقدّم.

والفرق بينهما: أنّ في التقريب الأوّل جعل اللازم كناية عن ملزومه وإرشاداً إليه، وفي الثاني يكون الإلزام ثابتاً للاّزم، ويثبت اللزوم بالملازمة؛ لعدم الانفكاك بين لزوم العمل بالمقتضى، ولزوم العقد، أو للتنافي بين لزوم العمل وجواز العقد.

وثالثة بأن يقال: إنّ وجوب الوفاء مولوي شرعي؛ بحيث يعاقب المتخلّف على تركه بعنوانه.

فحينئذٍ قد يقال: إنّ إيجاب الوفاء بالعقد لأجل إيجاب مولوي آخر، متعلّق بإبقاء العقد، حتّى يدفع التنافي العقلائي بين إيجاب الوفاء، وجواز العقد وإباحة فسخه.

وهو بعيد غايته، ولا أظنّ التزامهم به؛ فإنّ لازمه وجوب إبقاء العقد والعمل بمقتضاه مع نفوذ الفسخ.

ص: 188

وقد يقال: إنّ لازم إيجاب الوفاء لزوم العقد وخروج زمام العقد عن يدهما؛ بالتقريب المتقدّم، والفرق بينه وبينهما واضح.

وعلى أيّ تقدير: يستفاد من الآية لزوم العقد معاطاة كغيرها.

والأقرب بحسب الجمود على اللفظ، هو الوجه الثالث.

ولعلّ الأقرب بحسب الاعتبار، وبعد ثبوت العقابين مع حبس مال الغير تخلّفاً عن مقتضى العقد، هو الوجه الثاني، سيّما مع حكم العقلاء بلزوم الوفاء بالعقود والشروط، ولا أظنّ التزام القوم بالوجوب الشرعي المولوي في الوفاء بعقد البيع ونحوه.

وكيف كان: لا يفترق الأمر على ما ذكرناه في الاحتمالات الثلاثة؛ إذ على جميعها يثبت المطلوب.

ثمّ على ما ذكرنا لا يرد إشكال الشبهة المصداقية، الذي يرد على تقريب الشيخ الأنصاري قدّس سرّه على ما يأتي(1)؛ ضرورة أنّ المدّعى كون الآية مثبتة للزوم العقود، فكأنّه قال: «العقود لازمة» ومقتضى لزومها سقوط الفسخ عن التأثير، ودفع احتمال حلّ العقد به.

كما أنّ توهّم: أنّ مقتضى عقد البيع أنّ المبيع ملك للمشتري بالعوض، والقيام بهذا المقتضى بالتحفّظ عليه بإبقائه وعدم إزالته، وأمّا مقتضى الملك فهو أجنبيّ عن مورد العقد، والوفاء هو العمل بمقتضى العقد، لا مقتضى مقتضاه(2).

ص: 189


1- يأتي في الصفحة 195.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 4: 29.

مدفوع: بما مرّ(1) من أنّ التسليم والتسلّم وعدم الاسترجاع - بعنوانه - من المقتضيات العرفية للعقد، فلو عقد البيع على عشرة أرطال، ولم يسلّمها خارجاً ولم يفسخ العقد، لا يقال: «وفى بعقده» بلا شبهة، كما يظهر بالمراجعة إلى العرف والعقلاء.

نعم، التصرّف في المبيع ونحوه أجنبيّ عن الوفاء بالعقد، فلزوم التسليم - المقتضى للعقد عرفاً - ملازم للزومه.

وربّما يتوهّم: أنّ الأمر بالوفاء بالعقود والشروط إمّا إرشاد إلى حسنه ورجحانه عقلاً ولدى العقلاء أو موعظة حسنة يثبت بها الاستحباب، ولا سيّما مع اختصاص الخطاب ب «المؤمنين» و«المسلمين»(2).

وفيه: - مضافاً إلى عدم الحجّة على ترك حجّة ظاهرة بلا قرينة معتمدة، ومجرّد كون شيء حسناً لا يوجب صرف الأمر عن الوجوب لو كان ظاهراً فيه كما هو المعروف، ولا صرفه عن الحجّية كما عندنا (3)، وبالجملة لا يكون ذلك قرينة عقلائية - أنّ التخلّف عن العهود والعقود قبيح لدى العقلاء أيضاً، والعمل بمقتضاها لازم، وبعض العقود الجائزة لديهم كالوكالة والعارية سنخها مناسب للجواز، ولعلّ سنخها خارج عن سنخ المعاقدة والمعاهدة، لا تخصيص في أمر قبيح.

ص: 190


1- تقدّم في الصفحة 187.
2- اُنظر غاية الآمال، المحقّق المامقاني 8: 29؛ حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 62.
3- راجع مناهج الوصول 1: 198 - 199.

نعم، لا يبعد أن يكون ذلك الارتكاز العقلائي موجباً لترجيح الاحتمال الثاني من الاحتمالات المتقدّمة، كما أشرنا إليه(1)، واختصاص المؤمن والمسلم بالذكر، لا يدلّ على الترجيح الاستحبابي لو لم يكن مشعراً بالوجوب.

تقرير اللزوم بناءً على كون مقتضى الوفاء بالعقود إبقاؤها

هذا كلّه بناءً على ما هو التحقيق؛ من أنّ مقتضى العقود العمل بها أخذاً، وإعطاءً، وتسليماً.

وأمّا لو قلنا بأنّ مقتضاها هو إبقاؤها وعدم فسخها، فيمكن أن يقرّر اللزوم بأن يقال: إنّ عقد المعاطاة مثلاً لو كان جائزاً بحسب بناء العقلاء، لم يكن مانع من إلزام الوفاء به وإيجابه، وكان إيجاب الوفاء وتحريم الهدم دالّين على بقائه على جوازه شرعاً؛ للزوم كون متعلّق التكليف مقدوراً للمكلّف، ولا منافاة بين الحكم الوضعي - أي نفوذ الفسخ - وحرمته.

وأمّا لو كان لازماً لديهم، فلا بدّ من جعله جائزاً شرعاً حتّى يصحّ التكليف به؛ فيرجع الأمر إلى أنّ الشارع جعل المعاطاة اللازمة جائزة، ثمّ جعل فسخها محرّماً، فأقدر المكلّف على التخلّف، ثمّ أوجب الوفاء، وهو ممّا لا تقبله الأذهان المستقيمة، ويردّه العقلاء.

فإذا دار الأمر بينه وبين حمل الأمر بالوفاء على الإرشاد إلى اللزوم - بأن يقال: كأنّه قال: «أوفِ بالعقد؛ لأنّه لا ينهدم بالفسخ، والتخلّف غير ممكن

ص: 191


1- تقدّم في الصفحة 189.

عندي» نحو قوله: «لا تصلّ في وبر غير المأكول» أو «في الدار المغصوبة»، إرشاداً إلى عدم صحّتها، وعدم إمكان إيجادها - فالترجيح للثاني.

إن قلت: يمكن أن يجعل الأمر بالوفاء إرشاداً إلى الجواز؛ فإنّ وجوب الوفاء وحرمة نقض العقد لا تعقل إلاّ بأن يكون العقد جائزاً.

قلت: هذا أشبه شيءٍ بالاُحْجيّة ولا يقبله العقلاء؛ ضرورة أنّ بيان جواز العقود، أو جعله بلسان إيجاب الوفاء بها، من أقبح الكنايات وأفحش الأحاجيّ، ولا يصدر من متعارف الناس.

مضافاً إلى أنّ الإرشاد إلى الجواز لا يصحّ هاهنا؛ لأنّ الجواز لازم التحريم المولوي، ومع عدمه لا يصحّ الإرشاد إلى الجواز، ومع سوق الكلام للحرمة المولوية لا يمكن أن يكون إرشاداً إلى الجواز؛ لأنّ الجمع بين الإرشاد والتحريم المولوي بكلام واحد كأنّه غير ممكن، ولو أمكن لا يحمل الكلام عليه إلاّ مع قيام القرينة.

مع أنّه لا يدفع به الإشكال المتقدّم؛ أي جعل غير المقدور مقدوراً، وجعل الحرمة له، ولا فرق في استبعاده وعدم قبول الأذهان له بين كونهما في كلام واحد، أو كلام متعدّد.

وبالجملة: إنّ الإرشاد إلى الجواز لا يمكن إلاّ مع كون الوجوب مولوياً، والجمع بين الإرشادية الطريقية، والمولوية النفسية، لعلّه غير جائز، ولو جاز لا يخرج الجعل عن القبح العقلائي.

ص: 192

تقرير دلالة الآية على اللزوم بوجهين آخرين

ويمكن أن تقرّر الدلالة على اللزوم بوجهٍ آخر، وهو أنّ وجوب الوفاء مقتضٍ لحرمة نقضه ونكثه، والأمر بالشيء وإن لم يقتضِ النهي عن نقيضه عقلاً، فضلاً عن الضدّ الذي كالنقيض، لكن لا يمكن إنكار الاقتضاء عرفاً؛ بمعنى أنّ لازم جعل الوجوب عرفاً تحريم النقض.

ثمّ إنّ حرمته تختلف عرفاً بحسب اختلاف الموضوعات، فحرمة نقض العهد استعملت في معناها، وهو المنع، لكنّها تفيد التكليف عرفاً إن كان متعلّقها أمراً نفسياً، كحبس المبيع، وعدم تسليمه، واسترجاعه، والوضع إن كان المتعلّق مناسباً له كالفسخ، فكما أنّ النهي عن البيع ظاهر في الإرشاد إلى الفساد، كذلك النهي عن الفسخ، من غير استعمال اللفظ في غير ما وضع له، وسرّ الحمل على الوضع هو السرّ في حمل النواهي المتعلّقة بالمعاملات عليه.

وبالجملة: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) يفيد تحريم النقض، وتحريم الفسخ ظاهر في سلب تأثيره.

ثمّ إنّ هذا الوجه إنّما يصحّ إن قلنا بأنّ الوفاء أعمّ من إبقاء العقد، والعمل على سائر مقتضياته؛ من تسليم العوضين، وعدم الاسترجاع، دون ما لو قلنا: باختصاصه بإبقائه؛ بدعوى أنّه مقتضاه لا غير كما قيل(1)، أو قلنا باختصاصه بغيره من الآثار؛ بدعوى أنّ الوفاء عرفاً هو العمل على مقتضاه؛ من التسليم

ص: 193


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 4: 26 و29.

ونحوه، وإبقاؤه ليس من مقتضياته عرفاً كما قوّيناه(1).

أمّا على الثاني: فواضح؛ لأنّ المفروض استفادة الوضع من تعلّق النهي بالفسخ، وهو فرع تعلّق الوجوب بالإبقاء.

وأمّا على الأوّل: فلأنّ إفادة الوضع - أي عدم تأثير الفسخ - بقوله: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بدعوى أنّه سيق لإفادة عدم تأثير الفسخ؛ بانتقال المخاطب من وجوب الوفاء إلى حرمة النقض، أي الفسخ، ومن حرمته إلى فساده وعدم تأثيره، كالأكل من القفا، وكالإلغاز لا يحمل عليه الكلام.

وأمّا إن كان المراد الأعمّ، فلا يلزم ذلك وإن فهم منه، لكن مع ذلك فكون ذلك من الاستفادات العرفية محلّ إشكال ومنع، إلاّ أن يمنع الرجوع إلى العرف في الاستفادات العقلية بالملازمة.

ويمكن تقرير الدلالة بوجه آخر، وهو أنّ مقتضى إطلاق دليل وجوب الوفاء، حرمة التصرّفات الناقضة للعقد، لا مطلق التصرّفات حتّى يقال: «إنّ حرمتها ليست مقتضاه، بل مقتضى مقتضاه»(2) فمن التصرّفات الناقضة الأخذ بعنوان التملّك وفسخ العقد، فإذا حرم هذا الأخذ، يستكشف منه عدم تأثير الفسخ العملي المبرز ببسط اليد للأخذ؛ إذ مع تأثيره لا وجه لحرمة الأخذ، لأنّه تصرّف في ملكه.

لا يقال: إنّ كلامنا في المعاطاة، وتأثير الفسخ العملي المعاطاتي أوّل الكلام.

ص: 194


1- تقدّم في الصفحة 186.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 4: 29.

لأنّا نقول: إنّ الكلام في اللزوم بعد الفراغ عن صحّة المعاطاة، مع أنّ مورد الشكّ هو البيع المعاطاتي الذي ادّعي الإجماع على بطلانه(1) أو جوازه(2)، ومثل الفسخ ليس داخلاً في معقده، فهو صحيح على القواعد.

ويرد على هذا الوجه: أنّ الفسخ إن حصل على فرض تأثيره بأوّل وجود المبرز - وهو بسط اليد قبل وصولها إلى المال والتصرّف فيه - تكون حرمة التصرّف الواقع بعده غير ثابتة، ولا يمكن إثباتها بالآية؛ لاحتمال حصول الفسخ بأوّل وجود المبرز.

وإن حصل بالتصرّف، فلا محالة وقع التصرّف في مال الغير، وإثبات حرمته بالآية إن أمكن، لكن لا تستلزم الحرمة قبل تحقّق الفسخ اللزوم، كما هو واضح.

تقرير استدلال الشيخ الأعظم

واستدلّ الشيخ الأنصاري قدّس سرّه للمقصود بوجه(3)، يمكن تقريره بما لا يرد عليه بعض الشبهات، وهو أنّ المراد بوجوب الوفاء العمل بمقتضى العقد، فتحرم التصرّفات الناقضة لمقتضاه، كالأخذ للتملّك، وسائر التصرّفات الناقضة للعهد، ومنها التصرّفات الواقعة بعد الفسخ، وكان هذا لازماً مساوياً لدى العرف والعقلاء للّزوم، وهو أمر يعتبره العقلاء عقيب الحكم التكليفي كسائر الوضعيات؛ فإنّها أيضاً معتبرة عقيب الأحكام التكليفية، لا مجعولة أو معتبرة بالذات.

ص: 195


1- غنية النزوع 1: 214.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 56.
3- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18: 18.

وعلى ما قرّرناه، لا يرد عليه: أنّ العقد لا يقتضي حرمة التصرّف، بل هي مقتضى مقتضاه(1)؛ لما عرفت من أنّ المراد بالتصرّفات ظاهراً - بمناسبة استفادة الحكم من (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) - هو التصرّفات الناقضة للعهد، كالتصرّف بعنوان الاسترجاع في المعاملة، وتملّك ماله، ونحو ذلك، لا بعنوان غصب مال الغير، والتصرّفات الناقضة منافية لمقتضى العقد بلا شبهة.

وكذا لا يرد عليه: أنّ مقتضى انتزاعية شيء من شيءٍ صحّة حمل المنتزع على المنتزع منه؛ إذ تحقّق الأمر الانتزاعي بتحقّق منشئه، ومع تحقّقه تجب صحّة الحمل، كحمل الفوق على ما انتزعت منه الفوقية، وفي المقام لا يصحّ انتزاع اللزوم من حرمة التصرّفات، وفي غير المقام أيضاً لا يصحّ انتزاع الملكية من جواز التصرّفات مطلقاً، أو انتزاع سلبها من منعها مطلقاً (2).

لما عرفت: أنّ المحتمل في كلامه - بل ظاهر صدره(3) - أنّ المراد بالانتزاع ليس على نحو الانتزاعات المعروفة، بل المراد منه اعتبار العقلاء شيئاً عقيب شيء.

مثلاً: أنّ الملكية لا يعتبرها العقلاء كيفما اتّفق وجزافاً، بل اعتبارها موقوف على أثر في الجملة، وما لا أثر له مطلقاً يسقط عنه اعتبارها، فإذا سلبت آثار الملكية مطلقاً عن مال، وحرم على المالك جميع التصرّفات الحالية وغيرها،

ص: 196


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 4: 29.
2- نفس المصدر.
3- حيث قال: «... كان هذا لازماً مساوياً للزوم العقد». المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18: 18.

يسقط لدى العقلاء اعتبار الملكية له، ولو اُجيز لشخصٍ في مالٍ جميع التصرّفات الوضعية والتكليفية، يعتبره العقلاء ملكاً له، لا أنّه تنتزع الملكية من

التصرّفات أو جوازها، كانتزاع الفوقية والتحتية.

وما ذكرناه وإن كان مخالفاً لظاهر ذيل كلامه - وهو أنّ الحكم الوضعي لا معنى له إلاّ ما انتزع من الحكم التكليفي(1) - لكنّ التأمّل في صدره وشتات كلماتهم، لعلّه يعطي عدم إرادتهم المعنى المصطلح في الانتزاعيات.

أجوبة المحقّقين عن إشكال الشبهة المصداقية في المقام

فالعمدة في المقام هو الإشكال المعروف، وهو أنّ الشبهة مصداقية بعد الفسخ، فقد أجاب عنه المحقّقون بوجوه:

جواب المحقّق النائيني

منها: ما أفاده بعض الأعاظم قدّس سرّه بما حاصله: أنّه بناءً على تأصّل الحكم الوضعي في الجعل، يكون مفاد قوله تعالى: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) أنّ العقد لازم، فيكون الأمر إرشاداً إليه، وبناءً على انتزاعيته فمفاده وجوب الوفاء حتّى بعد الفسخ، ولازمه عدم تأثير الفسخ.

وتوهّم: «لزوم الشبهة المصداقية» مدفوع بأنّه بناءً على الانتزاعية لا بدّ وأن يكون الحكم التكليفي المتأصّل على نحو يناسب الوضع، والمناسب أن يتعلّق الوفاء بالمعنى المصدري؛ أي الالتزام والتعقيد، فإذا كان الالتزام بما التزم به

ص: 197


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18: 18، الهامش 2.

واجباً، فمعناه أنّ كلّ واحدٍ من المتعاقدين ليس مالكاً لالتزامه الذي ملك

صاحبه(1)، انتهى.

وفيه: أنّ البناء على تأصّل الوضع في الجعل، لا يوجب ظهور الآية في الإرشاد إليه، كما أنّه بناءً على عدم التأصّل لا ملزم لرفع اليد عن ظاهرها؛ وحملها على ما يناسب الوضع، فكأنّه رحمه الله علیه فرغ من لزوم حمل الآية على ما يفيد اللزوم، ثمّ تفحّص عن تأويلٍ موجبٍ لانطباقها على اللزوم، أو كأنّ مفاد الآية الكريمة وظهورها تابعان لبنائنا.

مضافاً إلى أنّه على فرض تعلّق الأمر بالمعنى المصدري، لا يوجب ذلك سلب مالكية الطرفين عن المعنى الوضعي، والإلزام التكليفي لو لم يدلّ على النفوذ - باعتبار أنّ التكليف يكشف عن القدرة على متعلّقه - لا يدلّ على سلب القدرة وضعاً، مع أنّ وجوب الوفاء بالالتزام والتعقيد غير لزومهما، بل لازمه وجوب الوفاء بمقتضاهما.

فحينئذٍ إن كان المراد كفاية حصول المعنى المصدري - الذي هو آني التحقّق - في وجوب الوفاء مطلقاً، لزم وجوبه حتّى بعد الفسخ المؤثّر، وهو ضروري البطلان.

وإن كان المراد وجوبه ما دام باقياً، ففيه - مع عدم بقائه ولو اعتباراً - أنّه لو سلّم ترجع الشبهة إلى المصداقية.

ولا يذهب عليك أنّ ما ذكره غير ما ذكرناه في تقريب الآية بالوجوه المتقدّمة، فتدبّر.

ص: 198


1- منية الطالب 1: 155 - 156.
الأجوبة الأربعة للمحقّق الشيرازي قدّس سرّه

ومنها: ما ذكره بعض المحقّقين:

تارةً: بأنّ العقد الذي يجب الوفاء به دائماً هو الإنشاء الذي أنشأه أوّلاً، وهو

أمر آني التحقّق، غير قابل الارتفاع، فيجب الوفاء به حتّى بعد بناء أحدهما على الانتقاض وعدم العمل بمقتضاه، وهو المراد من اللزوم(1).

واُخرى: بأنّ المراد بالعقد هو سببه، وهو موجود تدريجي غير باقٍ، نظير إخبار العادل، فيجب الوفاء به والعمل على مقتضاه مطلقاً، وهو المراد باللزوم(2).

أقول: ما أفاده من الوجهين نظير ما ذكروا في جواب استدلال القائل بأنّ المشتقّ حقيقة في الأعمّ بقوله تعالى: (لاَ يَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِينَ)(3) ببيان: أنّ الظاهر وحدة ظرف الظلم وعدم النيل، فلا بدّ من صدق الظالم على من قضي عنه الظلم.

فاُجيب عنه: بأنّ الحكم المستمرّ إنْ تعلّق بموضوع آني الوجود، لا بدّ وأن يكون تحقّق موضوعه آناً ما كافياً لترتّب الحكم المستمرّ عليه، والظلم آني الوجود غالباً، وعدم النيل مستمرّ الوجود، فلا بدّ من رفع اليد عن

ص: 199


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّدتقيّ الشيرازي على المكاسب، قسم البيع: 71 / السطر 12.
2- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب، قسم البيع: 72 / السطر 19.
3- البقرة (2): 124.

الظهور المذكور بالقرينة العقلية(1).

وفي المقام أيضاً يكون الإنشاء آنيّاً، واللفظ متصرّماً غير قابل للبقاء، ووجوب الوفاء المترتّب على كلٍّ منهما مستمرّ، فالوجوب المستمرّ مترتّب على الموضوع الآني أو المتصرّم، فلا معنى لعدم الموضوع في ترتّب الحكم المذكور.

ويدفع الجوابان: بأنّه لا ينبغي الإشكال في أنّ الظاهر من نحو قوله: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وجوب الوفاء بالعقد المفروض التحقّق، كما في قوله: (لاَ يَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِينَ) لكن في الثاني على تسليم ما ذكر فيه، قامت قرينة عقلية على صرف ذلك الظهور، وأمّا في المقام فلمّا كان لدى العقلاء - زائداً على الإنشاء واللفظ - عنوان اعتباري آخر باقٍ في ظرف الاعتبار يرد عليه الفسخ والحلّ ونحوهما، وقد عبّر عنه بقوله تعالى: (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِى بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ)(2) حيث اعتبر للنكاح عقدة كالعقدة التي في الحبل، كان زمام إبقائها وحلّها بيد شخص، وفي الروايات أيضاً ما يدلّ على هذا الاعتبار، كقوله علیه السلام: «فإذا افترقا وجب البيع»(3) فلا محالة يجب الأخذ بالظهور المذكور؛ إذ لا مانع منه، ولا قرينة لصرفه عمّا هو المتفاهم عرفاً ولدى العقلاء.

مع أنّه لا معنى لوجوب الوفاء باللفظ أو بالإنشاء، بل ما هو الواجب هو

ص: 200


1- درر الفوائد، المحقّق الحائري: 63؛ نهاية الأفكار 1: 139.
2- البقرة (2): 237.
3- الكافي 5: 170 / 7؛ الفقيه 3: 126 / 550؛ تهذيب الأحكام 7: 20 / 86؛ وسائل الشيعة 18: 6، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث4.

الوفاء بالعقد الاعتباري الباقي، ومع الفسخ يحتمل عدم بقائه وتأثير فسخه، فتصير الشبهة مصداقية.

وأجاب ثالثة: بأنّ الفسخ أيضاً يحتاج إلى موافقة المتعاقدين كالعقد.

ولو قيل باحتياج العقد في البقاء إلى الطرفين.

قلنا: يكفي فيه الالتزام السابق من الفاسخ، فيضمّ إلى الالتزام المستمرّ من الطرف(1).

وفيه: أنّ احتياج الفسخ إلى الطرفين إنّما يمكن دعواه إذا كان الفسخ معاملة جديدة وتمليكاً مستأنفاً، وهو غير صحيح كما لا يخفى، وأمّا إذا كان عبارة عن حلّ المعاملة السابقة، فلا مجال لذلك؛ ضرورة أنّ رفع المعاهدة بعدم بقاء أحدهما أو كليهما على عهده، كما نرى في الروابط، والعهود بين الدول؛ حيث إنّ إيجاد الرابطة يحتاج إلى توافق الطرفين، وقطع أحد الطرفين يكفي في رفعها وفسخها.

وبالجملة: إنّ العقلاء يرون الفرق بين العقد والربط، وبين الفسخ والحلّ.

مع أنّ احتمال الفرق بينهما في هذه الجهة يكفي في صيرورة الشبهة مصداقية، فلا بدّ من إثبات الاحتياج إلى الطرفين، وأنّى لنا به؟ !

مضافاً إلى أنّ احتمال تأثير الفسخ شرعاً يكفي في صيرورة الشبهة مصداقية، والتشبّث بحكم العرف في بقاء العقد أو عدم تأثير الفسخ، رجوع عن هذا الوجه

ص: 201


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب، قسم البيع: 71 / السطر 15.

إلى وجه آخر آتٍ، وهو ما أشار إليه أيضاً (1).

وأمّا دعوى ربط الالتزام السابق بالالتزام المستمرّ، فممّا لا يقبلها العقلاء، لا لصيرورة مضمون الالتزامين مختلفاً (2)، حتّى يجاب: بأنّ الزمان غير دخيل في مضمون المعاملات، بل ظرف لوقوعها (3).

ولا لأنّ ربط الموجود بالمعدوم محال كما قيل(4)، حتّى يقال في دفعه: بأنّ ذلك ليس من قبيله، بل من قبيل ربط موجود سابق اعتباري بموجود اعتباري آخر، ولا إشكال عقلي فيه.

بل لأنّ الالتزام المعدول عنه لا يصلح أن يكون طرفاً للعقد والربط، وليس المراد في مثل المقام دفع الإشكال بأيّ نحو اتّفق، بل لا بدّ من مساعدة العرف والعقلاء عليه.

فالعمدة في الجواب عن الإشكال هو الوجه الآخر، وهو أنّ موضوع وجوب الوفاء العقد العرفي، وهو باقٍ مع الفسخ غير المؤثّر عرفاً، وإن كان مؤثّراً

في الشرع(5).

ومحصّل الكلام فيه: أنّه لا شبهة في أنّ الموضوعات التكوينية المتعلّقة

ص: 202


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب، قسم البيع: 72 / السطر 11.
2- نفس المصدر: 71 / السطر 22.
3- نفس المصدر: 72 / السطر 1.
4- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 4: 32.
5- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب، قسم البيع: 72 / السطر 11.

للأحكام، لا تنقلب عمّا هي عليها مع تصرّف الشارع، فإذا ورد: «أكرم كلّ عالم» ثمّ ورد: «لا تكرم الفسّاق منهم» لا يكشف ذلك عن أنّ العالم هو العادل؛ لا شرعاً، ولا عرفاً، بل يكون ذلك تخصيصاً حكماً بلا ريب.

وقد قلنا فيما سبق: إنّ بعض الموضوعات المتعلّقة للحكم إذا تصرّف الشارع في حكمه انقلب موضوعه عرفاً، كالباطل في قوله تعالى: (لاَ تَأْ كُلُوا أَمْوَالَكُمْ...)(1) إلى آخره، فإنّه وإن كان عرفياً، إلاّ أنّه ينقلب عرفاً إلى غير الباطل إذا جعله الشارع مؤثّراً (2).

مثلاً: أنّ الفسخ إذا كان في العرف غير مؤثّر يعدّ لغواً وباطلاً؛ لأنّ مفهوم «الباطل» عبارة عمّا لا أثر له، فإذا جعله الشارع مؤثّراً يخرجه بذلك عن عنوان «الباطل»؛ لأنّ في خروج الشيء عنه يكفي ترتّب أثر عليه في الجملة، ولا يجب أن يكون ذا أثر بجميع الاعتبارات؛ وفي جميع الأوعية، فالبطلان متقوّم بعدم كون شيء ذا أثر بوجه، ومقابله غير الباطل؛ وهو ما يكون مؤثّراً في الجملة.

كما أنّ الأمر كذلك في سلب المالية وثبوتها، فإنّ الأوّل متقوّم بسلب الأثر مطلقاً، وما لا رغبة فيه مطلقاً لا يعدّ مالاً، وثبوتها مقابل ذلك، ومتقوّم بثبوت

الأثر في الجملة، وتحقّق الرغبة فيه كذلك.

إذا عرفت ذلك: فيقع الكلام في أنّ الموضوعات الاعتبارية - كالعقد، والعهد،

ص: 203


1- النساء (4): 29.
2- تقدّم في الصفحة 173.

والملكية، والزوجية، وأمثالها ممّا اعتبرها العقلاء - ملحقة فيما ذكر بالموضوعات التكوينية، فلا يصير حكم الشارع موجباً لانقلابها، ويكون تصرّفه تخصيصا، أو ملحقة بالباطل ونحوه، ويكون تصرّفه موجباً للانقلاب، وخروج الأمر الاعتباري عمّا هو عليه، بأن يقال: إنّ منع الشارع عن بيع - كالبيع الربوي - يخرجه عن صدق عنوان «البيع» عليه؛ لأنّ سلب النقل شرعاً يوجب عدم اعتبار العقلاء النقل والتبادل، فصار موجباً لانقلاب الموضوع، لا التخصيص الحكمي؟

فحينئذٍ لو شككنا في اعتبار الشارع أمراً في المعاملات، أو في منعه عن معاملة، أو شككنا في أنّ الفسخ مؤثّر لدى الشارع؛ تصير الشكوك موضوعية، لا يصحّ معها التمسّك بعموم الأدلّة وإطلاقها.

ففي المقام لو قلنا بأنّ البيع العرفي يصير بسبب الفسخ المؤثّر شرعاً منفسخاً، ويصير اعتبار البقاء وعدم الانفساخ به بواسطة حكم الشارع منقلباً إلى عدمه عرفاً، تصير الشبهة مع الشكّ في التأثير موضوعية.

ولو قلنا ببقاء الاعتبار العرفي؛ وأنّ الفسخ على فرض تأثيره شرعاً من قبيل التخصيص الحكمي، خرجت الشبهة عن الموضوعية.

ومع الشكّ في كونه من أيّ القبيلين، تصير الشبهة أيضاً موضوعية.

ثمّ لا يبعد أن تكون الاُمور الاعتبارية ملحقة بالتكوينية؛ فإنّ نهي الشارع وردعه عن معاملة لا يوجب سلب اعتبار العقلاء إيّاها، كما ترى أنّ بيع آلات اللهو والخمر والبيع الربوي بيع حقيقة لدى العقلاء، واعتبار النقل والانتقال حاصل.

والفرق بينها وبين الباطل الذي رجّحنا خروجه عن عنوانه بالجعل الشرعي

ص: 204

واضح؛ فإنّ الباطل هو ما لا أثر له مطلقاً، ومع جعله مؤثّراً تبدّلت اللا مؤثّرية إلى المؤثّرية، ولا سيّما مع تبعية اُمّة كبيرة للجاعل الشارع، فلا معنى لصدق «الباطل» عليه مع كونه مؤثّراً.

وأمّا البيع ونحوه من المعاملات العقلائية، فلا يتقوّم إلاّ باعتبار التبادل لدى العقلاء، وهو حاصل في محيط العقلاء، ولا يمكن للشارع سلب اعتبارهم المنوط بالمبادئ التكوينية، ومع عدم سلبه تصدق العناوين المطلوبة عليه.

فالبيع الربوي بيع حتّى في بلاد المسلمين، وحكم الشارع بفساده لم يخْرجه عن التبادل العرفي، فلا محالة يكون ردع الشارع بمنزلة التخصيص، كالتخصيص في الأحكام المتعلّقة بالموضوعات التكوينية.

جواب المحقّق الأصفهاني عن الشبهة

وربّما يقال: - فراراً عن التخصيص، وعن صيرورة الشبهة مصداقية، بعد بيان أنّ موضوع الحكم ليس أمراً واقعياً، حتّى تكون موارد الاستثناء من قبيل تخطئة العرف، بل هو اعتباري، والمراد بالاعتبار هو اعتبار العرف الذي لا واقع له إلاّ ذلك - ما حاصله: يبقى الكلام في كون تمام موضوع الحكم هو الشيء باعتبار العرف، أو باعتبار الشرع؟

وبعبارة اُخرى: هل المعتبر باعتبار العرف اُخذ بنحو الموضوعية للحكم، أو بنحو المعرّفية لما هو كذلك باعتبار الشرع؟

والصحيح هو الثاني؛ إذ على الأوّل يلزم كون موارد الاستثناء تخصيصاً حكمياً، لا تقييد الموضوع وأخذ الموضوع العرفي في مقام الإثبات بنحو

ص: 205

المعرّفية للموضوع الشرعي؛ للتلازم الذي يراه الشارع بين العهد العرفي والشرعي، فيكون الاستثناء تخصيصاً في هذه الملازمة، لا تخطئة لنظر العرف، ولا تضييقاً لدائرة الموضوع الحقيقي، ولا تخصيصاً حكمياً (1)، انتهى.

وفيه: مضافاً إلى أنّ هذا مجرّد تصوّر وتخيّل لا يساعده العرف والعقلاء، ولا تساعده ظواهر الأدلّة؛ ضرورة أنّ موضوعات الأحكام في المقام كموضوعاتها في سائر المقامات، فكما لا اصطلاح للشارع الأقدس في التكوينيات، لا اصطلاح له في الاعتباريات، فليست العقود الشرعية غير العقود العرفية ماهية ومفهوماً.

والظاهر من الأدلّة ترتّب الحكم على الموضوع العرفي في التكوينيات والاعتباريات، وأخذ الموضوع العرفي معرّفاً إلى الموضوع الشرعي مخالف للظواهر؛ لأنّ أخذ كلّ عنوان موضوعاً لحكم ظاهر في موضوعيته، والحمل على المعرّفية يحتاج إلى قرينة عقلية، أو لفظية، ومجرّد استبعاد التخصيص لا يصير قرينة.

أنّ أخذ الموضوعات العرفية معرّفات إلى الموضوعات الشرعية، لازمه عدم تعلّق الحكم بالمعرّف - بالكسر - وتعلّقه بالمعرّف - بالفتح - فيرجع الأمر بالأخرة إلى وجوب الوفاء بالعقد الشرعي، فعاد محذور التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقية؛ ضرورة حصول الشكّ في الموضوع من الشكّ في اعتبار أمر شرعي فيه، ومن الشكّ في نفوذ الفسخ.

ص: 206


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 4: 33 - 34.

مع أنّ التخصيص في الملازمة المذكورة يلازم التضييق في الموضوع الحقيقي؛ لأنّ الموضوع الحقيقي - بعد تخصيص الملازمة - إمّا موافق للموضوع العرفي، وهو خلف أو مخالف له، والمخالفة لا تمكن إلاّ بقيد موجب للامتياز.

مع أنّ جعل الحكم للموضوع الواقعي بمعرّفية الموضوع العرفي، لا يجتمع مع كون النظر إلى جعل الملازمة؛ لعدم إمكان الجمع بين النظر الآلي والاستقلالي.

ومع تسليم إمكانه، لا بدّ من قيام قرينة عليه، وإلاّ لا يحمل الكلام عليه.

ولو أراد بما ذكر أنّ الشارع لمّا رأى الملازمة بين الموضوع العرفي والشرعي، علّق الحكم على العرفي؛ للتلازم المذكور، لصار الاستثناء تخصيصاً حكمياً، وقد فرّ منه، بل مع رؤية الملازمة واقعاً يكون الاستثناء نسخاً لا تخصيصاً.

ولو رجع كلامه إلى أنّ الأحكام متعلّقة بالموضوعات العرفية، ويستكشف منه أنّ الموضوع الشرعي عين العرفي، فهو صحيح معقول، موافق للظواهر والاعتبار، لكن لازمه التخصيص الحكمي، وهو يفرّ منه.

والفرق بينه وبين سابقه: أنّ في هذا الوجه لا تدّعى ملاحظة الشارع التلازم بينهما، وليست نكتة الجعل ذلك، بل الجعل القانوني فيه كسائر المجعولات القانونية.

نعم، لو كان مفاد الأدلّة جعل نفس الملازمة المذكورة ابتداءً أو الإخبار

ص: 207

عنها، كان الاستثناء تخصيصاً في الملازمة، ويصحّ التمسّك بالعامّ في مورد احتمال التخصيص، لكنّه خلاف الظواهر جدّاً.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الموضوعات الاعتبارية ملحقة بالموضوعات الخارجية.

نعم، يفترقان من جهة اُخرى، وهي أنّ الخارجيات لا تختلف باختلاف الاعتبار، وأمّا الاعتباريات فيمكن اختلافها باختلافه.

مثلاً: يمكن أن يعتبر الشارع النقل والانتقال في خصوص البيع غير الربوي، فتكون تخصيصاته تخصّصات بملاحظة اعتباره، وهو لا ينافي أن يكون التخصيص حكمياً بلحاظ اعتبار العقلاء.

وبعبارة اُخرى: إنّ الحكم العامّ القانوني متعلّق بالعقود العرفية، وكانت الإرادة

الجدّية مخالفة للاستعمالية، كما في سائر التخصيصات، لكنّ إخراج العقود باعتبار عدم اعتبار النقل فيها شرعاً، فالاستثناء تخصيص حكمي بلحاظ محيط العرف، وتخصّص بلحاظ محيط الشرع واعتباره.

وهذا سالم من الإشكالات المتقدّمة، من غير لزوم التخصيص المستنكر؛ أي تنفيذ اعتبار العرف موضوعاً، ثمّ التخصيص حكماً، وإن أمكن دفع الاستنكار بأنّ السكوت عن اعتبارات العرف وعدم الردع، غير الاعتبار المستقلّ موضوعاً والتخصيص حكماً، والمستبعد أو المستنكر - على فرضه - هو الثاني دون الأوّل.

ثمّ على ما ذكرناه يصحّ التمسّك بالعامّ في مورد الشكّ في تأثير الفسخ؛ لأنّ

ص: 208

ما يضرّ بالتمسّك به هو التخصّص العرفي لا الشرعي، فالعامّ متّبع مع الشكّ في التخصيص، وإن كانت نتيجة التخصيص التخصّص بلحاظ الشرع.

الوجه الأخير في جواب الشبهة

وهاهنا وجه آخر لدفع إشكال الشبهة المصداقية، وهو أنّه لا ريب في أنّ تلك الاُمور الاعتبارية لا واقعية لها إلاّ في اُفق الاعتبار، وإن كان اعتبارها اعتبار أمر في الخارج، فتعتبر الملكية والزوجية خارجاً للمالك والزوج، لكن لا يلزم منه كونها محقّقة مع قطع النظر عن الاعتبار.

كما أنّه لا شبهة في أنّ ردع الشارع عن أمر اعتباري عقلائي، لا يكون مؤثّراً تكويناً في رفع اليد عن اعتبارهم، بل ربّما يكون ردعه مؤثّراً لأجل تحقّق مبادئ وخصوصيات، وربّما لا يكون كذلك.

فمن الأوّل: نكاح بعض المحارم، الذي لولا ردع الشارع كان جائزاً لدى العرف، والطلاق بشرائطه المقرّرة، حيث تكون تلك الشرائط شرعية، واتّبع المسلمون الشريعة في الاعتبار.

ومن الثاني: البيع الربوي، وبيع آلات اللهو والقمار ونحوها؛ ممّا يعتبرها العقلاء حتّى بعد ردع الشارع.

وبالجملة: ليس مجرّد ردع الشارع موجباً لانقلاب اعتبار العقلاء، ولو فرض تأثيره فلا إشكال في أنّ المؤثّر هو الردع الواصل لا الواقعي؛ فإنّه غير صالح لقطع اعتبارهم، فلو فرض أنّ الشارع بحسب الواقع جعل الفسخ مؤثّراً، ولم يصل إلى العقلاء، لا ينقطع اعتبارهم لبقاء العقد ولو مع احتمال تأثيره

ص: 209

شرعاً، فالموضوع العرفي باقٍ قطعاً، والشبهة ليست مصداقية، فيصحّ التمسّك بالعامّ لدفعها.

إن قلت: ما الفرق بين المقام، وعنوان «الباطل» حيث اعترفت(1) بأنّه مع احتمال كون الفسخ مؤثّراً صارت الشبهة مصداقية في قوله تعالى: (لاَ تَأْ كُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)(2)؟ !

قلت: الفرق أنّ «الباطل» عنوان انتزاعي من منشأ واقعي، وعناوين المعاملات اُمور اعتبارية، لا انتزاعية، فللباطل واقعية بواقعية منشأ انتزاعه، وهو ما لا أثر له بحسب الواقع وبحسب جعل العقلاء والشارع، فإن كان شيء ذا أثر واقعاً - ولو بنظر طائفة من العقلاء، أو بحسب جعل الشارع الأقدس - لا يكون باطلاً ولغواً، بل يكون حقّاً، وهذا أمر واقعي، تصير الشبهة مع احتمال تحقّقه مصداقية.

وبالجملة: الباطل ما هو مسلوب الأثر بالسلب الكلّي واقعاً، وما له أثر جزئي معتدّ به لا يكون باطلاً ولغواً، فللباطل وجود واقعي ولو بوجود منشئه، مع قطع النظر عن اعتبار العقلاء، بخلاف الاُمور المتقوّمة بالاعتبار؛ فإنّ واقعيتها

به، فلا يدفع الاعتبار العقلائي باحتمال الردع، بل لا يدفع كثيراً ما بوصول الردع أيضاً، كما أشرنا إليه.

ص: 210


1- تقدّم في الصفحة 203 - 205.
2- النساء (4): 29.

الدليل السابع : حديث الشرط

وممّا استدلّ(1) به للمطلوب قوله صلی الله علیه و آله وسلم: «المؤمنون عند شروطهم»(2) وقد مرّ البحث فيه من بعض الجهات، وتقدّم(3) عدم ثبوت صدق «الشرط» على القرار الابتدائي، وعلى فرض شموله له، فشموله لمثل البيع وسائر العقود محلّ إشكال، بل الظاهر عدم صدقه عليه.

نعم، لا يبعد القول بإ لغاء الخصوصية عرفاً - وبمناسبة الحكم والموضوع - عن الشروط الضمنية، وإسراء الحكم إلى البدوية، بل إلى مطلق القرار كما مرّ(4)، فيشمل الحكم العقود والشروط الابتدائية على تأمّل.

ثمّ إنّ تلك الجملة بداعي الإنشاء، والإخبار بالوقوع في مثل المقام لا يصحّ إلاّ مع دعوى عدم تخلّف المأمور عن الإيجاد.

وبعبارة اُخرى: إنّ الإخبار بالوقوع مبنيّ على دعوى الوقوع وأنّ المخبر به لا بدّ من تحقّقه؛ لسدّ الآمر جميع أنحاء عدمه، فكأنّه مدّعٍ بأنّ المؤمن لا يتخلّف عن قوله، وهذا الادّعاء لا يصحّ إلاّ مع كون المسلم ملزماً بإيقاعه، فيفهم منه لزوم الإيجاد بنحو أبلغ.

ص: 211


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 56.
2- تهذيب الأحكام 7: 371 / 1503؛ وسائل الشيعة 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 4.
3- تقدّم في الصفحة 135 - 140.
4- تقدّم في الصفحة 140.

وهذا نظير قول المولى لعبده: «تذهب إلى السوق وتشتري كذا» إذ هو إخبار بداعي البعث على نحو بليغ، ومبنيّ على دعوى التحقّق وعدم التخلّف؛ بدعوى أنّ مطلوبه غير قابل للمخالفة.

فما قيل: «من أنّ قوله صلی الله علیه و آله وسلم: «المؤمنون...» إلى آخره، لا يدلّ إلاّ على الرجحان»(1) غير وجيه.

هذا مع قطع النظر عن تمسّك الأئمّة علیهم السلام به(2)، وإلاّ فالأمر أوضح.

ثمّ إنّ الظاهر منه هو إيجاب العمل على طبق الشروط، لا إبقاؤها وعدم فسخها وعدم الرجوع عنها، كما قلنا (3) في الوفاء بالعقود، فيكون مفاده كمفاده، وطريق الاستدلال به نحوه، على ما مرّ من الوجوه، فالإلزام على العمل على طبق الشرط، دليل على خروج زمام أمره من يده عرفاً، فراجع ما مرّ(4) في الآية، حتّى يظهر وجه استفادة الحكم الوضعي؛ أي الصحّة والنفوذ، والتكليفي؛ أي وجوب الوفاء، واللزوم أيضاً.

ويظهر من الروايات الواردة في باب الشروط تلك الأحكام الثلاثة، كصحيحة عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه علیه السلام، قال سمعته يقول: «من اشترط

شرطاً مخالفاً لكتاب اللّه فلا يجوز له، ولا يجوز على الذي اشترط عليه،

ص: 212


1- حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 3: 22.
2- كما في موثّقتي إسحاق بن عمّار ومنصور بن يونس الآتيتين بعد أسطر.
3- تقدّم في الصفحة 186.
4- تقدّم في الصفحة 187.

والمسلمون عند شروطهم فيما وافق كتاب اللّه عزّ وجلّ»(1).

حيث تدلّ على الحكم الوضعي؛ أي النفوذ.

وكموثّقة إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه علیهما السلام: «إنّ علي بن أبي طالب علیه السلام كان يقول: من شرط لامرأته شرطاً فليفِ لها به؛ فإنّ المسلمين عند شروطهم، إلاّ شرطاً حرّم حلالاً، أو أحلّ حراماً»(2).

وهي تدلّ على الحكم التكليفي والوضعي؛ أي الصحّة والنفوذ، وتدلاّن على أنّ قوله علیه السلام: «المسلمون...» إلى آخره، يدلّ على الوضع والتكليف.

ويمكن استفادة اللزوم من موثّقة منصور بن يونس، عن أبي الحسن علیه السلام في باب المهور(3).

الدليل الثامن : آية حلّ البيع

واستدلّ(4) للمطلوب بقوله تعالى: (أَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ) وقد مرّ(5) أنّ فيه احتمالين:

ص: 213


1- الكافي 5: 169 / 1؛ وسائل الشيعة 18: 16، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6،الحديث 1.
2- تهذيب الأحكام 7: 467 / 1872؛ وسائل الشيعة 18: 17، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 5.
3- تهذيب الأحكام 7: 371 / 1503؛ وسائل الشيعة 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 4.
4- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18: 19.
5- تقدّم في الصفحة 85.

أحدهما: أن يكون المراد به حلّية ما حصل - أي الربح - بقرينة الصدر والذيل، وعليه لا يبعد إطلاقه بأن يقال: إنّ حلّ ما حصل باعتبار حلّ التصرّفات، وإطلاقه يقتضي حلّيتها حتّى بعد الفسخ، وهو مساوق للّزوم.

وثانيهما: أنّ المراد تحليل البيع غير الربوي، مقابل تحريم الربوي.

وقد ذكرنا (1) أنّه ليس منظور من قال: «إنّ البيع مثل الربا» التسوية بين الإنشاءين والبيعين بعنوانهما، بل المراد التسوية بينهما في حصول الربح والزيادة؛ دفعاً لعار أكل الربا، فنفي التسوية أيضاً بهذا اللحاظ، فيرجع المقصود إلى نفيها في حصول الربح، فتكون الآية بصدد بيان حلّية المال الحاصل، فيكون لها إطلاق من هذه الجهة، وهذا أيضاً غير بعيد، وإن كان لا يخلو من تأمّل وخدشة.

ثمّ إنّ الخدشة فيه بالشبهة المصداقية، كالخدشة في الآية المتقدّمة، والجواب الجواب.

ثمّ إنّ ما ذكرناه(2) في تقرير الأصل في صدر المبحث هو استصحاب الملكية، وأمّا استصحاب بقاء العقد فلم نتعرّض له، وفي المقام يمكن إجراؤه لتنقيح موضوع (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وغيره.

وكيف كان: لا إشكال في أنّ الأصل لزوم عقد المعاطاة حسب القواعد.

ص: 214


1- تقدّم في الصفحة 87.
2- تقدّم في الصفحة 142.

فيما يتمسّك به على بطلان المعاطاة أو عدم لزومها

اشارة

بقي الكلام في حال ما تمسّك به في الباب على خلاف القواعد والأدلّة المتقدّمة:

التمسّك بالأصل

أمّا الأصل أو الاُصول التي تمسّك بها صاحبا «الرياض»(1) و«الجواهر»(2) فلا وقع لها في المقام بعد الأدلّة الاجتهادية، ولعلّ تمسّكهم بها مبنيّ على زعم عدم دلالة الأدلّة المتقدّمة.

التمسّك بحديث «إنّما يحلّل الكلام . . .»

وأمّا الأخبار فمنها: رواية خالد بن الحجّاج - أو نجيح - قال: قلت لأبي عبداللّه علیه السلام: الرجل يجيء فيقول: اشتر هذا الثوب، واُربحك كذا وكذا.

ص: 215


1- رياض المسائل 8: 111.
2- جواهر الكلام 22: 210 و220.

قال: «أليس إن شاء ترك، وإن شاء أخذ؟»

قلت: بلى.

قال: «لا بأس به، إنّما يحلّل الكلام، ويحرّم الكلام»(1).

ومنها: صحيحة الحلبي قال: سئل أبو عبداللّه علیه السلام عن الرجل يزرع الأرض، فيشترط للبذر ثلثاً، وللبقر ثلثاً.

قال: «لا ينبغي أن يسمّي شيئاً؛ فإنّما يحرّم الكلام»(2).

ونحوها غيرها (3).

والظاهر من قوله علیه السلام: «يحلّل الكلام، ويحرّم الكلام» - مع الغضّ عن صدره ومورده - أنّ طبيعة الكلام توجب الحلّية والحرمة، ومقتضى إطلاقه أعمّيتها من التكليفية والوضعية؛ لما ذكرنا سابقاً (4) من عدم اختلاف مفهوم «الحلّ» و«الحرمة» في التكليف والوضع، كما أنّ مقتضى إطلاقه كونه محلّلاً

ص: 216


1- تهذيب الأحكام 7: 50 / 216؛ وسائل الشيعة 18: 50، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 8، الحديث 4.
2- الكافي 5: 267 / 6؛ وسائل الشيعة 19: 41، كتاب المزارعة والمساقاة، الباب 8، الحديث 4.
3- نحو ما عن سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يزرع أرض آخر فيشترط للبذر ثلثا، وللبقر ثلثا؟ قال: «لا ينبغي أن يسمّي بذرا ولا بقرا، فإنّما يحرّم الكلام». الكافي 5: 267 / 5؛ وسائل الشيعة 19: 41، كتاب المزارعة والمساقاة، الباب 8، الحديث 6.
4- تقدّم في الصفحة 88 و165.

ومحرّماً، بلا وسط، ومع الوسط:

فالمحلّل تكليفاً بلا وسط كتحليل صاحب الأمة إيّاها للغير وط ءاً أو غيره، ومع الوسط كعقد النكاح الذي يوجب تحقّق الزوجية، وبها تحلّ الاستمتاعات.

والمحرّم بلا وسط كالظهار، ومع الوسط كالطلاق الذي يوجب قطع الزوجية، ومعه تحرم الاستمتاعات.

والمحلّل الوضعي كالعقود الصحيحة التي توجب نفوذ المعاملات وتحقّق النقل، ومحرّمه كالشرط المفسد للعقد.

ولمّا كان الظاهر أنّ موضوع الحكم نفس طبيعة الكلام، كان مقتضى الإطلاق شموله للكلام الذي هو محلّل ومحرّم معاً، كالفسخ الذي يوجب ترادّ العينين، فيحرّم المثمن على المشتري، ويحلّله للبائع، وفي الثمن بالعكس، أو محلّل فقط، ومحرّم كذلك.

بل مقتضى إطلاقه شموله لكلام الشارع أيضاً، فحينئذٍ يكون نفوذ المعاطاة وصحّتها ومحلّليتها وضعاً بواسطة الكلام، وهو قوله: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ونحوه، فكلامه في مقام التشريع تارةً يكون محلّلاً، وتارةً يكون محرّماً، مع الوسط، أو بلا وسط.

وتوهّم: «أنّ كلامه لم يكن سبباً لهما، بل كاشف عن إرادته ورضاه» ناشٍ من قياس اللّه تعالى بغيره من المخلوقات، ولو اُريدت الإرادة التشريعية فهي ملازمة للتشريع، ولم تكن نفسها محلّلة أو محرّمة.

وبالجملة: لا سبيل لإنكار المحلّلات والمحرّمات التشريعية، فعليه تكون المعاطاة نافذة لأجل الكلام المحلّل لها وضعاً، فعليه لا يلزم تخصيص الأكثر في

ص: 217

قوله علیه السلام: «إنّما يحلّل الكلام...» كما أفاد الشيخ الأعظم(1)؛ لأنّ كلّية المحرّمات والمحلّلات ترجع إلى سببية الكلام لهما.

ولو قيل: منطوق قوله علیه السلام: «إنّما يحلّل...» إلى آخره، معارض لمفهومه في نحو المعاطاة؛ لأنّ مقتضى المنطوق - على فرض إطلاقه لما ذكر - نفوذ المعاطاة، ولمّا كانت هي غير الكلام، لا تكون محلّلة، فالفعل لا يكون موجباً لتحقّق المعاملة ونفوذها.

يقال: إنّ الإشكال وارد على مسلك القوم أيضاً؛ فإنّ البيع لفظاً محلّل؛ أي ألفاظه سبب لحلّية المعاملة ونفوذها، وبعد تحقّق النقل يكون ذلك - أي النقل - سبباً للحلّية التكليفية والحرمة التكليفية، دون البيع، فالبيع سبب للنقل، والنقل سبب لهما فيقع التعارض المذكور.

والجواب عن الإشكال: - مضافاً إلى أنّ المعارضة من قبيل المقتضي واللامقتضي؛ ضرورة أنّ مقتضى المفهوم عدم اقتضاء غير اللفظ للتحليل والتحريم، لا اقتضاؤه لنفي التحليل كما لا يخفى - أنّه لو دار الأمر بين رفع اليد عن الإطلاق، أو حمل المفهوم على أنّه لم يكن محلّلاً بذاته، وهو لا ينافي أن يكون كذلك لأجل الكلام الجاعل له محلّلاً، فالترجيح للثاني.

بل مع كون المحلّل والمحرّم راجعين إلى الكلام بالأخرة - ولو مع الوسط - يدفع المنافاة.

ثمّ إنّ مقتضى الظهور اللفظي والسياقي، سببية كلّ من المحرّم والمحلّل

ص: 218


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 63.

للتحريم والتحليل على نسق واحد؛ أي يكون كلّ منهما سبباً مؤثّراً في مسبّبه، على ما تتصوّر السببية والمسبّبية في مثل المقام، والتفكيك بينهما خلاف الظاهر جدّاً.

فما أفاده الشيخ الأنصاري قدّس سرّه من الاحتمالات الأربعة أو الخمسة(1)، كلّها خلاف الظاهر:

أمّا غير الأوّل: فظاهر؛ إذ لازم الجميع ارتكاب خلاف الظاهر لفظاً وسياقاً، فإنّ الظاهر من محرّمية الكلام أن يكون مؤثّراً في التحريم، فالعقود الفاسدة كقولها: «ملّكتك بضعي» خارجة عن محطّ الرواية؛ لأنّها لغو غير مؤثّرة، فلا تكون محلّلة ولا محرّمة، وحمل ما وردت في المزارعة على ذلك(2) غير وجيه، كما يأتي(3).

كما أنّ مقتضى وحدة السياق كون المحلّلية على وزان المحرّمية، فالتفكيك خلاف ظاهر آخر.

كما أنّ عدم الكلام لا يؤثّر في شيء، لا أنّه يؤثّر في المحرّمية، مع أنّ حمل الكلام على عدمه من أغرب المحامل.

والإشكال المتقدّم وارد على الثالث والرابع، مع إشكال آخر في الأخير، وهو تفكيك لازم فيه.

وأمّا الوجه الأوّل: فيرد على ظاهره أنّ تقييد الكلام في الفقرتين باللفظ الدالّ

ص: 219


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 61 - 64.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 62.
3- يأتي في الصفحة 221.

على التحليل والتحريم، الظاهر في الدلالة الوضعية اللفظية - كحلّلت أو حرّمت - بلا وجه، وخلاف ظاهر الرواية، إلاّ أن يراد به ما هو أعمّ من ذلك فلا كلام فيه، إلاّ أنّه خلاف ظاهره.

هذا مع الغضّ عن صدر الرواية، وأمّا بالنظر إليه، فالظاهر من قول السائل في

رواية خالد(1)، أنّ سؤاله لم يكن من حيث قول القائل: «اشتر هذا الثوب» إلى آخره، بل من حيثية اُخرى مفهومة من كلامه، وهي أنّ اشتراء الثوب وأخذ الربح المذكور جائز أو لا؟

فأجاب علیه السلام: «بأنّه مع كونه مختاراً في الأخذ والترك لا بأس به» وهو كناية عن عدم تحقّق البيع الملزم عرفاً، وفي مقابله - الذي فيه بأس - ما إذا سلب الاختيار منه، والمراد به تحقّق البيع الذي هو ملزم عرفاً.

وقوله علیه السلام: «إنّما يحلّل الكلام...» إلى آخره، كناية عن البيع السالب للاختيار عرفاً، وليست العناية باللفظ مقابل المعاطاة، بل العناية بالبيع السالب له مقابل اختياره، ومعه لا يستفاد منه ما هو المدّعى؛ من اعتبار اللفظ في التحريم والتحليل.

ولا بأس بجعل الكلام كناية عن مطلق البيع في المقام؛ لقلّة تحقّق المعاطاة في بيع ما ليس عنده.

مضافاً إلى أنّ المراد بالكلام في المقام ليس نفس الطبيعة؛ ضرورة أنّها قد تحقّقت بالتقاول، فالمراد به كلام خاصّ، وبقرينة المقام يكون المراد هو البيع

ص: 220


1- تقدّم في الصفحة 216.

الخاصّ؛ أي بيع ما ليس عنده، فكأنّه قال: «لمّا لم يقع البيع الخاصّ لا بأس بأخذ الربح؛ فإنّ البيع بعد الشراء، وما فيه بأس هو البيع قبل الشراء، وأخذ الربح، ثمّ الشراء» فعليه لا تكون الرواية دالّة على حصر المحلّل والمحرّم في اللفظ.

ويشهد لما ذكر بعض الروايات في باب بيع ما ليس عنده، كصحيحة منصور(1) وغيرها (2).

هذا، ولكن سيأتي التحقيق في مفاد الحديث صدراً وذيلاً في الفضولي(3)، فانتظر.

ثمّ إنّ في دلالة «إنّما» على الحصر كلاماً وإشكالاً، تعرّضنا له في مقامه(4).

وأمّا صحيحة الحلبي ونحوها، فظاهرها أنّ شبهة السائل كانت في جواز اشتراط الثلث للبذر، والثلث للبقر، من غير نظر إلى كون الاشتراط باللفظ أو بغيره، فتكون العناية في الجواب بمحرّمية الشرط الكذائي، لا عدم كون غير اللفظ محرّماً، فهي قرينة على أنّ المراد ب «الكلام» هو الكلام الخاصّ؛ أي الاشتراط.

ص: 221


1- تهذيب الأحكام 7: 50 / 218؛ وسائل الشيعة 18: 50، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 8، الحديث 6.
2- راجع وسائل الشيعة 18: 50 و51، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 8، الحديث 7 و8.
3- يأتي في الجزء الثاني: 393.
4- لم نعثر عليه في كتبه الاُصولية وغيرها.

نعم، لو كان غرضه السؤال عن صحّة نيّة كون الثلث للبذر، كان المناسب في الجواب حصر المحرّم في اللفظ، على إشكال فيه أيضاً، وأمّا المناسب لشبهته فبيان أنّ الشرط محرّم، وهو لا يناسب الحصر.

التمسّك بروايات اُخر لاعتبار اللفظ

وربّما يتمسّك بروايات اُخر لاعتبار اللفظ، لا دلالة في شيء منها بوجه، بل ولا إشعار فيها لذلك:

منها: ما تمسّك بها الشيخ الأعظم قدّس سرّه، وادّعى إشعارها به(1)، كرواية يحيى ابن الحجّاج الموثّقة على احتمال غير بعيد(2)، قال: سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل قال لي: اشترِ هذا الثوب وهذه الدابّة وبعنيها، اُربحك فيها كذا وكذا.

قال: «لا بأس بذلك، اشترها ولا تواجبه البيع قبل أن تستوجبها أو تشتريها»(3).

قال الشيخ: إنّ الظاهر أنّ المراد من مواجبة البيع ليس مجرّد إعطاء العين للمشتري(4)، انتهى.

وهو حقّ، لكن لا يفيده شيئاً، ولا يوجب إشعارها باعتبار اللفظ؛ لأنّ

ص: 222


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 64 و65.
2- ليس في السند من يتأمّل فيه إلاّ محمّد بن عيسى بن عبيد وهو ثقة عند المصنّف، فلذا عبّر عن هذه الرواية في الصفحة 396 من الجزء الثاني ب «صحيحة يحيى بن الحجّاج».
3- تهذيب الأحكام 7: 58 / 250؛ وسائل الشيعة 18: 52، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 8، الحديث 13.
4- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 65.

الإيجاب والاستيجاب لا يلزم أن يكونا باللفظ، فإنّ اللفظ لا يدلّ على الإيجاب بمفهومه وعنوانه، وإنّما يطلق عليه «الإيجاب» إمّا باعتبار أنّ لفظ البيع علّة لثبوت معنىً اعتباري، أو باعتبار كونه علّة للإلزام، وبأيّهما يطلق على اللفظ يصحّ إطلاقه على المعاطاة، فلا إشعار فيها بأنّ الإيجاب والاستيجاب باللفظ.

بل يمكن دعوى أنّ إطلاقها يقتضي صحّة المعاطاة، لو كانت بصدد البيان من هذه الجهة.

بل لقائل أن يقول: إنّه مع تسليم أنّ المراد ب «الاستيجاب» هو البيع بالصيغة، يكون مقتضى مقابلة «الاشتراء» ل «الاستيجاب» وعطفه بلفظة «أو» أنّ المراد به هو الاشتراء معاطاة، فتدلّ على صحّتها.

لكن الإنصاف: أنّ العناية بعدم إيقاع البيع قبل اشترائه، من غير نظر إلى اللفظ وغيره، فلا دلالة ولا إشعار فيها لما ذكره.

وكرواية العلاء، قال قلت لأبي عبداللّه علیه السلام: الرجل يبيع البيع فيقول: أبيعك بده دوازده، أو ده يازده.

فقال: «لا بأس، إنّما هذه المراوضة، فإذا جمع إليه البيع جعله جملة

واحدة»(1).

وأنت خبير: بأنّه لا إشعار فيها لما ذكره، إلاّ أن يراد بقوله علیه السلام: «جعله جملة واحدة» لفظة واحدة، على أن يراد ب «الجملة» اصطلاح النحاة(2)، وهو كما ترى؛

ص: 223


1- تهذيب الأحكام 7: 54 / 235؛ وسائل الشيعة 18: 63، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 14، الحديث 5.
2- شرح الرضيّ على الكافية 1: 33؛ اُنظر التعريفات، الجرجاني: 35.

ضرورة أنّ المراد به جعله مبيعاً واحداً.

وحاصل المراد: أنّ المقاولة لا بأس بها، لكن إذا عزم البيع باعه جملة واحدة؛ أي سلعة واحدة.

مضافاً إلى أنّ العناية فيها بأمرٍ آخر غير اعتبار اللفظ.

ومنها: روايات وردت في بيع المصحف(1):

كرواية سماعة، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: سألته عن بيع المصاحف وشرائها.

فقال: «لا تشتر كتاب اللّه، ولكن اشتر الحديد والورق والدفّتين، وقُل أشتري منك هذا بكذا وكذا»(2).

ويمكن تقريب الاستدلال بها بأنّ قوله علیه السلام: «قل أشتري...» إلى آخره، ظاهر في الوجوب الوضعي الشرطي، فيدلّ على اعتبار اللفظ فيه، وبإ لغاء الخصوصية يسري الحكم إلى مطلق البيع، وسائر المعاملات.

وفيه: - مضافاً إلى أنّ قوله علیه السلام: «قل أشتري...» إلى آخره، لا دلالة فيه على أنّ المراد به الإيجاب وإيقاع المعاملة كذلك، بل لعلّه ظاهر في المقاولة قبل البيع، من غير نظر إلى إيقاعه باللفظ أو بالمعاطاة - أنّ في مثل المجموع الذي يراد بيع بعضه، لا بدّ من ذكر ما يقع عليه البيع؛ لدفع الجهالة، ففي مثله لا تمكن أو تشكل المعاطاة، فاعتبار اللفظ في مثله لا يدلّ على اعتباره في غيره.

مع أنّ العناية فيها بعدم بيع المصحف، وبيع الحديد ونحوه، وليست العناية

ص: 224


1- اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 339؛ هداية الطالب 2: 104.
2- الكافي 5: 121 / 2؛ وسائل الشيعة 17: 158، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 31، الحديث 2.

بإيقاعه باللفظ، فقوله علیه السلام: «قل أشتري منك...» إلى آخره، كناية عن إيقاع البيع كذلك، أو بيان لذلك، ولا يراد به وجوب التلفّظ.

ومنه يظهر الكلام فيما وردت في المزارعة:

كصحيحة عبداللّه بن سنان أنّه قال: في الرجل يزارع فيزرع أرض غيره، فيقول: ثلث للبقر، وثلث للبذر، وثلث للأرض.

قال: «لا يسمّي شيئاً من الحبّ والبقر، ولكن يقول: أزرع فيها كذا وكذا، إن شئت نصفاً، وإن شئت ثلثاً»(1)؛ لأنّ تقريب الدلالة وردّه كما تقدّم.

وكذا الحال فيما وردت في جواز بيع الثمار قبل بدوّ الصلاح مع الضميمة، فراجع(2).

وأمّا رواية اشتراء الطنّ من القصب(3) وغيرها، فلا ينبغي توهّم إشعارها.

ص: 225


1- الكافي 5: 267 / 4؛ تهذيب الأحكام 7: 197 / 872؛ وسائل الشيعة 19: 41، كتاب المزارعة والمساقاة، الباب 8، الحديث 5.
2- نحو ما عن سماعة قال: سألته عن بيع الثمرة هل يصلح شراؤها قبل أن يخرج طلعها؟ فقال عليه السلام: «لا، إلاّ أن يشتري معها شيئا غيرها رطبة أو بقلاً، فيقول: أشتري منك هذه الرطبة وهذا النخل وهذا الشجر بكذا وكذا، فإن لم تخرج الثمرة كان رأس مال المشتري في الرطبة والبقل...» الحديث. الكافي 5: 176 / 7؛ وسائل الشيعة 18: 219، كتاب التجارة، أبواب بيع الثمار، الباب 3، الحديث 1.
3- وهي ما عن بريد بن معاوية، عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجل اشترى من رجل عشرة آلاف طنّ قصب في أنبار بعضه على بعض من أجمة واحدة، والأنبار فيه ثلاثون ألف طنّ، فقال البائع: قد بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طنّ، فقال المشتري: قد قبلت واشتريت ورضيت، فأعطاه من ثمنه ألف درهم، ووكلّ المشتري من يقبضه فأصبحوا وقد وقع النار في القصب فاحترق منه عشرون ألف طنّ وبقي عشرة آلاف طنّ، فقال عليه السلام: «العشرة آلاف طنّ التي بقيت هي للمشتري، والعشرون التي احترقت من مال البائع». تهذيب الأحكام 7: 126 / 549؛ وسائل الشيعة 17: 365، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 19، الحديث 1.

حول دعاوى الإجماع أو الشهرة في المقام

بقي الكلام في دعاوى الإجماع أو الشهرة، فلا بدّ من ملاحظة كلمات القوم حتّى يتّضح الحال:

قال شيخ الطائفة في «الخلاف»: «مسألة 59 - إذا دفع قطعة إلى البقلي أو إلى الشارب، وقال: «أعطني بقلاً أو ماءً» فأعطاه فإنّه لا يكون بيعاً، وكذلك سائر المحقّرات، وإنّما يكون إباحة له، يتصرّف كلّ واحد منهما فيما أخذه تصرّفاً مباحاً، من غير أن يكون ملكه.

وفائدة ذلك: أنّ البقلي إذا أراد أن يسترجع البقل، أو أراد صاحب القطعة أن يسترجع قطعته، كان لهما ذلك؛ لأنّ الملك لم يحصل لهما، وبه قال الشافعي.

وقال أبو حنيفة: يكون بيعاً صحيحاً، وإن لم يوجد الإيجاب والقبول، قال ذلك في المحقّرات دون غيرها.

دليلنا: أنّ العقد حكم شرعي، ولا دلالة في الشرع على وجوده هاهنا، فيجب أن لا يثبت، فأمّا الاستباحة بذلك فهو مجمع عليه، لا يختلف العلماء فيها»(1)، انتهى.

ص: 226


1- الخلاف 3: 41.

والظاهر أنّه أراد نفي البيع شرعاً؛ لبعد إرادة نفي البيع العرفي، ضرورة صدق «البيع» على المعاطاة عرفاً؛ فإنّ بيع المعاطاة بأقسامها، كان متعارفاً شائعاً من

زمن قديم، وكان مقدّماً عهداً على البيع بالصيغة، فلا أظنّ بمثل الشيخ إنكار الصدق عرفاً.

ولولا ذيل كلامه لكان من المحتمل قريباً إرادة قسم خاصّ نادر من التعاطي؛ وهو ما اُريدت به الإباحة، بعد ظهور نفي البيع في نفيه عرفاً.

ويشهد له قوله: «وإنّما يكون إباحة له، يتصرّف كلّ واحدٍ منهما فيما أخذه...» إلى آخره، لأنّ «الإباحة» من باب «الإفعال» لا بدّ فيها من المبيح والمباح له، ولا سيّما مع تفريع: «يتصرّف كلّ منهما...» إلى آخره، عليها.

لكن ذيل كلامه شاهد على إرادته سلب البيع الصحيح الشرعي، كما يشهد به - مضافاً إلى ذلك - نصّه في «المبسوط» بأنّه ليس بعقد صحيح هو بيع(1).

ثمّ إنّ الظاهر من استدلاله على مطلوبه؛ أي عدم كونه بيعاً، بأنّ العقد حكم شرعي، ولا دلالة في الشرع على وجوده، وتخصيصه الإجماع بثبوت الإباحة عدم تحقّق الإجماع في الحكم الأوّل في عصره، وإلاّ لاستدلّ به، لا بفقد الدليل؛ ضرورة أنّه مع وجود دليل قطعي كالإجماع، أو دليل لفظي من طريق أصحابنا على البطلان، لا معنى للتمسّك بفقد الدليل للفساد، بل لو كان دليل على الفساد من طرق العامّة لأشار إليه، كما هو دأبه، مع أنّ من سيرته في كتاب «الخلاف» التمسّك بإجماع أصحابنا كلّما تحقّق، فعدم دعواه

ص: 227


1- المبسوط 2: 87.

في خصوص هذا الكتاب دليل على عدمه.

أضف إليه أنّ ترك دعوى الإجماع في نفي البيع الذي عقد البحث وعنون المسألة له، ودعواه فيما ذكره تطفّلاً وتفرّعاً، شاهد أيضاً على عدم الإجماع في عصره، ولم يقم دليل على بطلانه عنده.

وعلى هذا: لا يصحّ الاتّكال على دعوى إجماع «الغنية»(1) فضلاً عن دعوى من تأخّر، مع ما في إجماعات «الغنية» من الكلام(2).

مضافاً إلى أنّ أعاظم الأصحاب كابن إدريس، والعلاّمة، بل وغيرهم - قدّست أسرارهم - حتّى قدماء أصحابنا، لم يظهر منهم دعواه.

بل ظاهر العلاّمة أنّ القول بكفاية التعاطي في الحقير وغيره، كان قولاً معروفاً، حيث قال: الأشهر عندنا أنّه لا بدّ من الصيغة(3).

فما عن الشهيد قدّس سرّه في «القواعد»: من أنّه يفيد الإباحة لا الملك عندنا (4) غير معتمد بعد ما عرفت، مع أنّه إشعار بدعوى الإجماع.

فالإنصاف: أنّ المسألة كانت من المسائل الاجتهادية منذ عصر المفيد والشيخ ومن تأخّر عنهم - قدّست أسرارهم - ولهذا تراهم يستدلّون عليها بالأدلّة والاُصول، كفقد الدليل على الصحّة(5)، وأصالة بقاء الملك(6)، وقصور الأفعال عن

ص: 228


1- غنية النزوع 1: 214.
2- راجع أنوار الهداية 1: 202 - 203.
3- تذكرة الفقهاء 10: 7.
4- القواعد والفوائد 1: 178.
5- الخلاف 3: 41؛ جواهر الفقه: 56.
6- تذكرة الفقهاء 10: 7.

الدلالة على المقاصد(1)، وأنّ الإيجاب والقبول ما حصلا، فما حصل البيع(2)، إلى غير ذلك(3).

مع أنّ المحقّق الثاني قدّس سرّه ادّعى أنّ المعروف بين الأصحاب أنّ المعاطاة بيع، وإن لم تكن كالعقد في اللزوم(4).

ثمّ إنّه قد يقال بأنّ نظر شيخ الطائفة قدّس سرّه وغيره، ليس في بطلان المعاطاة مطلقاً، بل في بطلانها إن تأخّر الإيجاب عن القبول، كما يظهر من مثالهم.

لكنّه غير وجيه: يظهر ذلك من التأمّل في كلماتهم؛ فإنّ الظاهر من «الخلاف» أنّ المقصود مطلق المعاطاة، بدليل ذكر قول أبي حنيفة واستدلاله بعدم حصول الإيجاب والقبول، وهو ظاهر في عدم تحقّقه، لا عدم تحقّق شرطه.

كما يظهر ذلك من «المبسوط» أيضاً، بل كلام ابن زهرة في «الغنية» وكلمات العلاّمة كالصريح في ذلك، والأمر سهل.

ص: 229


1- تذكرة الفقهاء 10: 7.
2- جواهر الفقه: 56؛ السرائر 2: 250.
3- غنية النزوع 1: 214.
4- جامع المقاصد 4: 58.

تنبيهات :

التنبيه الأوّل : في اعتبار شروط البيع بالصيغة في المعاطاة

اشارة

هل يعتبر في المعاطاة جميع ما يعتبر في البيع بالصيغة، وكذا الشرائط المعتبرة في العوضين وغيرهما، وتلحق بها الأحكام الملحقة بالبيع بالصيغة كالخيارات؟

أو لا يعتبر فيها شيء منها، ولا يلحق بها حكم من أحكامه؟

أو يفصّل بين الأقسام المتصوّرة في المعاطاة، وكذا بين الشرائط والأحكام؟

ولا بدّ في اتّضاح ذلك من البحث في الأقسام المتصوّرة فيها:

الكلام في المعاطاة التي اُريد منها الإباحة

فمنها: أن يكون التعاطي بعنوان إباحة التصرّفات، إمّا مطلقاً، أو التصرّف في الجملة.

لا أقول: إنّ ما في يد العقلاء من المعاطاة كذلك، حتّى يقال: إنّه خلاف الواقع.

ص: 230

بل أقول: لو فرض إيقاعها كذلك، هل يعتبر فيها ما يعتبر في البيع بالصيغة، ويلحقها ما يلحقه؟

لا بدّ مقدّمةً من بيان أمر: وهو أنّه هل تكون إباحة جميع التصرّفات - أي كلّ ما يكون للمالك - لشخص، مستلزمة لانتزاع ملكيته؟

بأن يقال: إنّ الملك في نظر العقلاء إنّما يعتبر بلحاظ الآثار، ولا يعتبره العقلاء فيما لا أثر له مطلقاً، فكما أنّ سلب مطلق الأثر عن شيءٍ بالنسبة إلى شخص، يوجب سلب ملكيته وعدم اعتبارها له - لأنّ اعتبارها بلحاظ الآثار، فما لا أثر له مطلقاً لا حالاً ولا استقبالاً، لا يكون ملكاً في اعتبارهم - كذلك إثبات جميع آثار الملكية لشخص، يوجب اعتبارها له.

فإذا أباح المالك جميع التصرّفات - التي هي له - لغيره، يكون ذلك عبارة اُخرى من التمليك، بحيث لو صرّح مع ذلك بعدم التمليك، يعدّ تناقضاً، فترجع تلك الإباحة المطلقة في مقابل الإباحة كذلك إلى التمليك بالعوض، وهو عبارة اُخرى عن البيع، فيكون حالها حال بعض الأقسام الآتية.

لكنّ التحقيق: أنّ هذه الإباحة لا ترجع إلى التمليك، ولا تنتزع الملكية منها عرفاً؛ فإنّ إباحته كذلك لا ترجع إلى سلب أنحاء التصرّفات عن المالك، ولهذا تصحّ الإباحة المطلقة لأشخاص متعدّدين، مع أنّ ملكية تمام الشيء لا تعقل لأكثر من واحد، كما أنّ إباحته كذلك لا توجب سلب جميع الآثار عن نفسه، فيجوز له المنع عن تصرّفاته والرجوع عن إباحته، ومعه لا تسلب علاقة ملكيته.

إلاّ أن يقال بالفرق بين الإباحة بلا عوض، ومع العوض، فيلتزم بسلب

ص: 231

الملكية عن المبيح، وثبوتها للمباح له في الإباحة المطلقة المعوّضة، وسيأتي الكلام فيها (1).

ثمّ لو قلنا بأنّ الإباحة المطلقة وغيرها، لا تفيد إلاّ صيرورة الشيء مباحاً لا ملكاً، يقع الكلام في أنّه هل يعتبر في المعاطاة كذلك ما يعتبر في البيع بالصيغة من شرائط نفس البيع، فيما يمكن اعتباره في المعاطاة، كتقدّم الإيجاب على القبول، وكالتوالي بينهما؟

قد تمسّك الشيخ الأنصاري قدّس سرّه لنفي اعتبارها بدليل السلطنة(2) وقد تقدّم في محلّه(3) عدم صلاحية دليلها لنفي الشكوك الراجعة إلى الأسباب.

نعم، يمكن التمسّك له بمفهوم «فلا يحلّ لأحدٍ أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه»(4). وبالاستثناء في موثّقة سماعة وغيرها: «لا يحلّ دم امرئٍ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه»(5) بناءً على إطلاق المفهوم والمستثنى.

فإنّ الظاهر حينئذٍ أنّ تمام الموضوع لجواز التصرّف وحلّ مال الغير هو الإذن وطيب النفس، فإذا طابت نفسه يحلّ ماله، من غير دخالة شيءٍ آخر فيه، فإذا شكّ في توقّف الحلّية على شيءٍ آخر غير ذلك، يدفع بإطلاقهما، ولا يرد عليه

ص: 232


1- يأتي في الصفحة 257.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 67.
3- تقدّم في الصفحة 120 - 121.
4- كمال الدين: 521 / 49؛ الاحتجاج 2: 559 / 351؛ وسائل الشيعة 9: 540، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 3، الحديث 7.
5- الكافي 7: 273 / 12؛ الفقيه 4: 66 / 195؛ وسائل الشيعة 5: 120، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 3، الحديث 1.

ما يرد على دليل السلطنة، كما هو واضح لدى التأمّل.

نعم، يمكن التشكيك في إطلاقهما؛ بدعوى أنّ القائل بصدد بيان المنطوق والمستثنى منه.

ويمكن تقريب إطلاقهما: بأنّ الحكم بعدم جواز التصرّف في مال الغير بلا إذنه، وجوازه بإذنه، وكذا الحكم بعدم حلّيته بغير طيبة نفس منه، وحلّيته مع طيبتها، ليس من الأحكام التعبّدية، بل من الأحكام العقلائية، ولدى العقلاء أيضاً عدم الحلّ بلا طيب نفس المالك، والحلّ معه ثابت، من غير دخالة شيء آخر فيه، وعليه فلا ينقدح في ذهن العرف من الروايات إلاّ ما لديهم، فيستكشف منه أنّ طيب النفس تمام الموضوع للحلّ، من غير دخالة شيء آخر فيه.

وبه يدفع الشكّ في اعتبار الشرائط المعتبرة في البيع فيها، كتقدّم الإيجاب على القبول، وكذا ما يشكّ في اعتباره في المتعاملين أو العوضين، كعدم الجهالة بهما أو بأحدهما، وكاعتبار التقابض في الصرف، والتساوي في المكيل والموزون.

ولا دليل على اعتبارها في المعاطاة المذكورة؛ لأنّ دليل النهي عن بيع الغرر(1) غير شامل لها موضوعاً، والنهي عن مطلق الغرر غير ثابت، مع أنّه منصرف إلى المعاوضة بين الأموال، ولا يشمل نحو الإباحة المقابلة للإباحة.

وأدلّة اعتبار التقابض(2)، مخصوصة ببيع الصرف، والمورد خارج عنها

ص: 233


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 45 / 168؛ وسائل الشيعة 17: 448، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 40، الحديث 3؛ السنن الكبرى، البيهقي 5: 338.
2- راجع وسائل الشيعة 18: 167، كتاب التجارة، أبواب الصرف، الباب 2.

موضوعاً، ولو سلّم التعدّي إلى غير البيع، فلا وجه للتعدّي إلى مثل المقام.

ودليل حرمة الربا مخصوص بالتقابل بين العينين، كقوله: «الذهب بالذهب مثلاً بمثل»(1) ونحوه(2)، والآيات الكريمة - المربوطة بالربا (3) - لا إطلاق فيها حتّى يشمل غير البيع، فضلاً عن المقام.

وأمّا الأحكام المتعلّقة بالبيع نحو الخيارات، فعدم شمولها للمقام واضح.

هذا كلّه في المعاطاة التي يراد بها الإباحة مطلقة أو غيرها.

الكلام في المعاطاة التي اُريد بها التمليك

وأمّا ما يراد بها التمليك، فمع عدم حصول الملك بها وحصول الإباحة:

فإن قلنا: بأنّ الإباحة الحاصلة إباحة مالكية متحقّقة في ضمن التمليك - كما قيل(4) - فحكمها كالصورة السابقة؛ لانصراف الأدلّة عن مثلها، لو لم نقل بخروجها موضوعاً عن البيع.

وإن قلنا بعدم الإباحة المالكية، بل الشارع - بعد إلغاء ما قصده المتبايعان - حكم تعبّداً بالإباحة، فلا دليل على أنّ المعاطاة مع فقد الشرائط موضوعة

ص: 234


1- الفقيه 3: 183 / 828؛ وسائل الشيعة 18: 165، كتاب التجارة، أبواب الصرف، الباب 1، الحديث 1.
2- تهذيب الأحكام 7: 98 / 421؛ وسائل الشيعة 18: 165، كتاب التجارة، أبواب الصرف، الباب 1، الحديث 2.
3- البقرة (2): 275 - 278؛ آل عمران (3): 130.
4- مسالك الأفهام 3: 148؛ اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 34؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 331.

للحكم بها، فلا بدّ من الرجوع إلى السيرة، والأخذ بالقدر المتيقّن منها، وسيأتي الكلام فيها (1).

وأمّا ما دلّ على اعتبار شيءٍ في البيع، أو تعلّق حكم بعنوانه، فالظاهر انصرافه عن مثل هذه المعاطاة التي لا تؤثّر على طبق قصد المتبايعين.

مضافاً إلى أنّ ظاهر أدلّة الخيارات غير مثلها، والأمر سهل في هذه الفروض المخالفة للواقع.

وأمّا الصورة التي هي موافقة لعمل العقلاء وسيرتهم وكذا تكون مقتضى الأدلّة المتقدّمة وهي: أنّ المعاطاة بيع صحيح شرعاً وعرفاً، سواء قلنا بلزومها أم جوازها، فالظاهر اعتبار الشرائط التي دلّ دليل لفظي على اعتبارها في البيع فيها، مع تمامية مقدّمات الإطلاق.

وأمّا ما ثبتت شرطيتها بالإجماع أو الشهرة، فلا يصحّ إثباتها للمعاطاة؛ ضرورة أنّ المجمعين كلماتهم مختلفة في المعاطاة، فكثير منهم نفوا عنوان «البيع» عنها (2) ومعه كيف يمكن إثباتها بهما فيها؟ !

وأمّا الخيارات: فالظاهر ثبوتها بأدلّتها لها على القول بلزومها؛ لإطلاق أدلّتها، وعقلائية بعضها، إلاّ ما كان ثبوته بالدليل اللبّي.

وبناءً على عدم اللزوم فلا يبعد أيضاً ثبوتها؛ للإطلاق، ولا تلزم منه اللغوية، ولا سيّما مع صيرورتها لازمة بتلف أحد العوضين.

كما أنّ جعل الخيارات المتعدّدة غير مستلزم للّغوية وتحصيل الحاصل،

ص: 235


1- يأتي في الصفحة الآتية.
2- الخلاف 3: 41؛ جواهر الفقه: 56؛ غنية النزوع 1: 214؛ السرائر 2: 250.

بعد إمكان سقوط بعض، وبقاء بعض.

بل على مسلكنا من الفرق بين الأحكام والخطابات القانونية وغيرها (1)، يدفع إشكال اللغوية في أمثال المقام، وأمّا قضيّة اجتماع المثلين فهي كما ترى.

ثمّ إنّ ما ذكروا (2) - من ثبوت جميع شرائط العقد في المعاطاة بناءً على لزومها، إلاّ الصيغة فقط - وأرسلوه إرسال المسلّمات غير وجيه؛ ضرورة أنّ ما لدى العقلاء من المعاطاة، لا يعتبر فيها كثير من الشروط التي اعتبرها الفقهاء في البيع بالصيغة، كالتوالي بين الإيجاب والقبول، مع أنّ بناء العرف في المعاطاة على خلافه.

كما أنّ الشروط التي ثبتت بالإجماع لا يمكن إثباتها لها، ولو على القول بصحّتها ولزومها وكونها كسائر البيوع؛ لما أشرنا إليه آنفاً.

التنبيه الثاني : في تحقّق المعاطاة بإعطاء طرف واحد

اشارة

كما تتحقّق المعاطاة بتعاطي الطرفين، كذلك تتحقّق بإعطاء طرف واحد؛ بحيث يكون إعطاؤه وأخذه كالتعاطي موجبين لتحقّقها.

وقد يقال بعدم تعقّل توقّف المعاطاة المقصود بها المبادلة على العطاء من

ص: 236


1- مناهج الوصول 2: 18 - 20.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 67 - 70؛ حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 67 - 68.

الطرفين، بل لا بدّ في تحقّقها من الإعطاء والأخذ لطرف واحد؛ لأنّ الآخذ إن أخذ العين - المنشأ بإعطائها التمليك - منشئاً به القبول لما ملّكه المعطي، تتمّ به المعاملة، ويكون إعطاء الثمن بعدها وفاءً، وإن لم يكن منشئاً لقبول ما ملّكه الأوّل، لم يُجد إعطاؤه ولو بقصد المعاوضة؛ لأنّ الإعطاءين المستقلّين كالإيجابين كذلك في عدم انعقاد المعاملة بهما، وكان كلّ منهما ناقصاً بلا قبول، فالعطاءان من الجانبين تمليكان مستقلاّن، لا تمليك واحد معاوضي(1).

وفيه: مضافاً إلى إمكان أن يقال: إنّ ماهية البيع مبادلة مال بمال، وهي قد تتحقّق بالإيجاب والقبول، وقد تتحقّق بإنشاء المبادلة والمعاوضة بين المالين، من غير احتياج إلى القبول بعنوانه، فلو أنشأ وكيل المتعاملين التبادل بين المالين فقال: «بادلت بينهما» تقع المبادلة، وهي ماهية البيع المتحقّقة بسبب آخر أيضاً، وهو الإيجاب والقبول.

وبالجملة: ليس الإيجاب والقبول بعنوانهما مقوّمين لماهية البيع، بل هما من أسباب تحقّقها، كما أنّ إنشاء المبادلة بما ذكر من أسبابه.

بل لو قال أحد طرفي المعاملة: «بادلت عيني بعينك» وقال الآخر: «بادلت أيضاً عيني بعينك» فالظاهر تحقّق البيع وصحّته؛ لأنّ ماهية المبادلة تحقّقت عرفاً بإيقاعهما.

بل البيع والشراء بالنحو المتعارف إنّما حدثا بعد تعارف الأثمان، وإلاّ فالتبادل بين الأعيان لم يكن - نوعاً - بالبيع والشراء، بل بالمعاوضة والمبادلة.

ص: 237


1- حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 70.

وتوهّم: «أنّ ماهية البيع متقوّمة بالإيجاب والقبول»(1) ناشٍ من تعارف الأثمان في هذه الأعصار، مع أنّ المبادلة بين الأعيان شائعة، ولا سيّما في القرى والبلاد الصغار جدّاً، وليست تلك المبادلة إلاّ بيعاً، وليست «المبادلة» عنواناً، و«البيع» عنواناً آخر، فالبيع مبادلة مال بمال كما مرّ(2)، بل يصدق عليه: «تمليك العين بالعوض» أيضاً.

فالقول «بأنّ إعطاء شيءٍ في مقابل إعطاء آخر، ليس معاملة؛ لكونهما تمليكين مستقلّين»(3) ليس على ما ينبغي؛ لأنّ إنشاء تمليك بإزاء تمليك إذا تحقّق من المتعاملين يكون كلّ منهما مربوطاً بالآخر، لا مستقلاًّ بلا ربط بينهما، ولو اُريد من الربط الربط المطاوعي، فلا دليل على اعتباره.

كما أنّ توهّم: «كون المعاوضة والمبادلة معاملةً مستقلّةً، وليست ببيع»(4) فاسد.

نعم، يمكن أن يقال: إنّه لا يصدق عليها «البيع» المقابل للشراء، وهو لا يضرّ.

فمضافاً إلى ما ذكر: أنّ الأخذ يمكن أن يقصد به القبول تارةً، فتتمّ المعاملة به، ويمكن أن يقصد به تحقّق الإيقاع العملي الخارجي، فلا يكون قبولاً، فكما يصحّ الإعطاء قاصداً به الإيجاب، يصحّ الإعطاء بعد الإعطاء قاصداً به قبول الإيجاب العملي.

بل يمكن أن يقال: إنّ الإيجاب اللفظي في البيع بالصيغة إذا وقع عقيب

ص: 238


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 158.
2- تقدّم في الصفحة 19.
3- حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 70.
4- حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 19.

إيجاب، فقال البائع: «بعتك داري بألف» وقال الآخر: «بعتك الألف بدارك» يكون الإيجاب الثاني قبولاً بالحمل الشائع، فيصدق عليه: «الإيجاب» باعتبار، و«قبول الإيجاب الأوّل» باعتبار، وكذا الحال في المعاطاة المقصود بالإعطاء الثاني قبول ما أوجبه الأوّل بإعطائه، فتدبّر.

فلا إشكال في وقوع المعاطاة بإعطاء الطرفين، كما لا إشكال في وقوعها بإعطاء طرف واحد وأخذه بعنوان «القبول».

إيرادات على الإعطاء من طرف واحد وأجوبتها

والإشكال: بأنّ القبول لا بدّ وأن يكون بعد تمامية الإيجاب، مع أنّ الأخذ متمّم الإعطاء الإيجابي، ولا يعقل أن يكون قبولاً.

مدفوع: أمّا على مسلكنا فواضح، وأمّا على مسلك القوم؛ فلأنّ لزوم تأخّر القبول لأجل كونه مطاوعة ولا يلزم أن يكون ذلك بالتأخّر الزماني، بل يكفي التأخّر الرتبي، نظير الكسر والانكسار، فالعطاء فعل واحد، إذا نسب إلى الفاعل يكون إعطاءً، وإذا نسب إلى القابل يكون أخذاً وقبولاً ومطاوعاً.

والدليل على عدم لزوم التأخّر الزماني: جريان المعاطاة في النسيئة والقرض عند العقلاء.

والإشكال: بأنّ القصد لا يمكن أن يكون مشخّصاً للفعل، بعد ما كان نفس ذات الفعل مبهماً، غير معنون بعنوان «البيع» وغيره؛ لعدم إمكان تعلّق القصد بما يحتاج في عنوانه إليه، للزوم الدور، وهذا إشكال سارٍ فيما ذكروا في العناوين القصدية.

ص: 239

مدفوع: بأنّ القصد إنّما تعلّق بإيقاع البيع مثلاً، ولمّا كان الإعطاء محقّقاً له إذا نشأ من القصد الكذائي، تعلّق قصد آخر بعنوان «الإعطاء» وهذا الإعطاء الناشئ من قصد إيقاع المعاملة - ولو مع الواسطة وبقصد ثانوي مقدّمي - ينتزع منه البيع المعاطاتي، من غير أن يتوقّف العنوان على قصده، فتدبّر جيّداً.

وقد يقال بعدم تحقّقها بإعطاء طرف واحد وأخذه؛ لأنّ المناط في تحقّق عنوان العقد بالفعل، هو كون الفعل مصداقاً لذلك العنوان، وأمّا مجرّد القصد من غير أن يكون كذلك، فلا أثر له.

ومن هنا يظهر: أنّ مثل الصلح، والهبة المعوّضة، والنكاح، والضمان، ونحوها، لا يمكن إيجادها بالفعل؛ لعدم وجود فعل يكون مصداقاً لها.

فعمدة الإشكال في المعاطاة من طرف واحد: أنّ الإعطاء كذلك ليس مصداقاً لخصوص تبديل أحد طرفي الإضافة بمثله الذي يسمّى: «بيعاً» وإن قصد به التعويض، وأمّا التعاطي من الطرفين، فنفس هذا التبديل المكاني بطبعه الأصلي تبديل لأحد طرفي الإضافة الاعتبارية بإضافة اُخرى، والمفروض أنّهما قصدا به التبديل البيعي، فتحقّق به عنوان «البيع»(1)، انتهى ملخّصاً.

وأنت خبير بما فيه: فإنّ اعتبار صدق عنوان المعاملة على الفعل وإن كان حقّاً، لكنّ الصدق إنّما هو بعد قصد المتعاملين، ومع القصد ينسلك الفعل تحت أحد العناوين، فلو فرض التعاطي بقصد تحقّق الصلح أو الهبة أو غيرهما، يصير الفعل مندرجاً تحت ما قصد، ولا وجه لدعوى عدم إمكان تحقّق الصلح والهبة والنكاح، بالمعاطاة.

ص: 240


1- منية الطالب 1: 165 - 166.

بل لولا التعبّد الشرعي لكان النكاح والطلاق بالمعاطاة صحيحاً بحسب القواعد؛ لعدم الفرق بين العناوين فيها.

وكذا الحال في الإعطاء والأخذ من طرف واحد، بعنوان الإيجاب والقبول، فلا فرق بين الإعطاء من طرفين أو طرف واحد؛ في أنّه مع عدم القصد لا يكون واحد منهما بيعاً ولا غيره من سائر المعاملات، ومع القصد يتحقّق ما قصد بكلّ منهما.

وأعجب شيءٍ في المقام قوله: إنّ التبديل المكاني بطبعه الأصلي تبديل لأحد طرفي الإضافة الاعتبارية. لكنّه رحمه الله علیه رجع عمّا ذكره، في الهامش(1).

عدم تحقّق المعاطاة بلا إعطاء وأخذ

ولو لم يتحقّق أخذ وإعطاء في الخارج مطلقاً، كما إذا تقاولا من غير إعطاء وأخذ، أو كان كلّ من العوضين بيد الطرف المقابل، أي يكون التعاطي حاصلاً من قبل باختيارهما أو غيره، فأرادا إيقاع المعاملة بصرف قصد كون كلّ من الثمن والمثمن بإزاء الآخر، فالظاهر عدم تحقّقها بذلك.

ودعوى: «أنّ إبقاء كلّ عين في يد الغير وإمساكه كافٍ في تحقّقها»(2) غير وجيهة، لأنّ المعاملة لدى العرف تتوقّف على إيقاع فعلي بنحو من الأنحاء.

وأمّا الأمثلة التي ذكرها الشيخ الأعظم قدّس سرّه لتحقّق المعاطاة بلا إعطاء وأخذ - كأخذ الماء مع غيبة السقّاء، ووضع الفلس في المكان المعدّ له، وكذا غيره من

ص: 241


1- منية الطالب 1: 166.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 159.

المحقّرات كالخضر، ومن هذا القبيل دخول الحمّام ووضع الاُجرة في كوزه مع غيبته(1) - فالظاهر حصول المعاطاة بها لو فرض أنّها من المعاملات العقلائية؛ فإنّ الإعطاء لا يلزم أن يكون بالإقباض في يده، بل لو أعدّ محلاًّ لإلقاء الثمن يعدّ إلقاؤه فيه نحو إعطاء وتسليم عرفاً.

لكنّ الشأن في أنّ مثل دخول الحمّام معاملة، من إجارة، أو جعالة، أو هبة، ونحوها، بل الظاهر أنّه من قبيل الإباحة بالعوض، ولهذا لا ينقدح في ذهن أحد أنّ دخوله في الحمّام إجارة له، أو لبعضه، أو اتّهاب لمقدار من الماء، أو لمنافع الحمّام، ولعلّ ماء السقّاء أيضاً كذلك.

نعم، لا يبعد أن يكون نحو الخضر المعلومة المقدار والعدد من قبيل البيع المعاطاتي، وتحقّق الإعطاء والأخذ فيه كما مرّ.

التنبيه الثالث : في تمييز البائع من المشتري في المعاطاة

والأولى تقديم كلام قد أشرنا إليه(2)، وهو أنّ «البيع» قد يطلق ويراد به مقابل الشراء، وقد يطلق ويراد به مقابل الصلح والإجارة ونحوهما.

والثاني هو البيع المسبّبي المعبّر عنه ب «مبادلة مال بمال»(3) وهو مسبّب أو

ص: 242


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 75.
2- تقدّم في الصفحة 7.
3- المصباح المنير: 69.

معتبر من الأسباب الخاصّة، كالإيجاب والقبول، لكنّه غير متقوّم بهما، بل لا يعقل تقوّم المسبّب بسببه، أو الأمر الاعتباري بموضوع اعتباره، وكذا لا يعقل تقييد المسبّب أو الأمر الاعتباري بسببه، أو بموضوع اعتباره؛ للزوم تقدّم الشيء على نفسه، وهو محال حتّى في الاعتباريات.

فإذن ما هو ماهية البيع المسبّبي عبارة عن مبادلة مال بمال، من غير تقييد بسبب خاصّ.

نعم، يمكن أن يدّعى أنّ هذا الأمر الاعتباري لا يعتبر إلاّ من الإيجاب والقبول، أو أنّه متوقّف على الإيجاب ومطاوعته، فإذا فقدا ينتفي موضوع الاعتبار أو السبب، وبه ينتفي المسبّب أو الأمر الاعتباري.

لكنّه ضعيف: ضرورة تحقّق المبادلة عرفاً بمعاوضة العينين، من غير اعتبار كون أحد الإعطاءين إيجاباً، والآخر قبولاً.

بل المبادلة كما تحصل بالإيجاب والقبول، تحصل بإيجابين؛ بأن يقول أحدهما: «ملّكتك هذه العين بدرهم» ويقول الآخر: «ملّكتك الدرهم بعينك».

بل الظاهر تحقّقها بإيجاب واحدٍ بلا قبولٍ، فلو قال وكيل المتبايعين: «بادلت بين ماليهما» أو قال: «بعت هذه العين بثمن كذا» فيكفي مثله في تحقّق المبادلة؛ فإنّ القبول إنّما يحتاج إليه لإظهار الرضا بما أوقع الموجب، وهو غير محتاج إليه في المثال؛ لأنّ إيقاع المبادلة بين المالين، أو التمليك بالعوض مع إذن الطرفين، تمام السبب والموضوع للمبادلة العقلائية، وقد عرفت أنّ المبادلة بين المالين تمام حقيقة البيع، من غير تقييد بسبب خاصّ.

والظاهر أنّ منشأ توهّم اعتبار القبول والمطاوعة في البيع وتوهّم تقوّمه

ص: 243

بهما (1)، إنّما هو من شيوع إيقاع المعاملات بالإيجاب والقبول، فصار ذلك سبباً لزعم انحصار السبب فيهما، أو تقوّم الماهية بهما.

ولعلّ توهّم التقوّم نشأ من الخلط بين البيع السببي والمسبّبي أيضاً، مع أنّ المتأمّل لا يشكّ في أنّ البيع المسبّبي ليس إلاّ المبادلة المذكورة من أيّ سبب حصل.

وممّا ذكر يظهر النظر في كلام بعض المحقّقين قال: إنّ حقيقة العقد - بيعاً كان أو غيره - تتقوّم بتسبيبٍ من أحد الطرفين، ومطاوعته من الآخر، لا من تسبيبين، فالتسبيب من كلّ منهما إلى الملكية إيجابان بعنوان «الهبة» إن تعقّبهما قبول، وإلاّ لم يكونا هبة ولا بيعاً (2)، انتهى.

وفيه: أنّ العقد لا يتقوّم بما ذكر، وكذا البيع المسبّبي كما عرفت.

نعم، غالب العقود في الخارج كذلك، من غير دليلٍ على انحصار السبب بهما، بل الارتكاز على خلافه.

إذا عرفت ذلك: ففي العقد بالصيغة يكون الموجب والقابل معلومين غالباً، فالموجب من أوقع تمليك شيءٍ بشيءٍ، والقابل مطاوعه، سواء كان الإيجاب من صاحب السلعة، أو صاحب الثمن.

وتوهّم: أنّ امتياز البائع من المشتري أمر واقعي، فالبائع من بذل خصوصيات ماله وأمسك على ماليته بأخذ البدل، والمشتري من رغب في خصوصيات الأعيان التي يتلقّاها من المأكول وغيره(3).

ص: 244


1- تقدّم في الصفحة 238.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 159.
3- حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 72.

مدفوع: بعدم العكس والطرد، كما لا يخفى؛ فإنّ صاحب الثمن لو أنشأ تمليك ثمنه بعوض من العروض، وقبل صاحب العروض، يكون الأوّل موجباً، والآخر قابلاً عرفاً، وبهما يتحقّق البيع العقلائي، كما أنّ تمليك دراهم بدينار وقبوله وبالعكس، بيع عرفي بلا ريب.

وأمّا في المعاطاة: فتارةً يقع الكلام في مقام الثبوت، كما هو مورد البحث في المقام، فلو علم أنّ إعطاء الثمن يكون بقصد إيجاب المعاملة، وإعطاء المثمن أو أخذ الثمن بقصد القبول، يكون الموجب صاحب الثمن، والقابل صاحب السلعة، واُخرى في غيره.

فما ذكره الشيخ الأنصاري قدّس سرّه في امتياز البائع من المشتري(1)، إنّما يصحّ في غير مقام الثبوت، وهو مقام الترافع، ولا يبعد البناء على ذلك في مقام الترافع وتشخيص المدّعي من المنكر؛ بدعوى أنّ سيرة العقلاء - بجعل المثمن مبيعاً، والثمن عوضه - طريق إلى الواقع، فيحكم بالامتياز كذلك، وكذا الحال في الصورة الثانية في كلام الشيخ(2).

وأمّا إذا كان لكلٍّ منهما متاع أو نقد، وتبادلا بلا قصد إلى الإيجاب والقبول، فلا ينبغي الإشكال في كونه بيعاً عقلائياً ومبادلة بين المالين.

وأمّا تشخيص البائع من المشتري في مثله، فإنّما يلاحظ إن قلنا: بلزوم وجود البائع والمشتري في جميع البيوع، وقد عرفت(3) عدم لزومه، وإمكان

ص: 245


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 77.
2- نفس المصدر.
3- تقدّم في الصفحة 236 - 239 و243.

تحقّق المبادلة بإيجابين، بل بإيجابٍ واحدٍ، فحينئذٍ يمكن أن يقال: بصدق

«البائع» عليهما، وعدم صدق «المشتري» على واحد منهما، ولا محذور فيه.

وإن أبيت عنه فيمكن أن يقال: بصدقهما عليهما باعتبارين؛ إذ المشتري لا يلزم أن يكون منشئاً للقبول بعنوانه وبالحمل الأوّلي، بل القبول بالحمل الشائع هو الميزان في صحّة المعاملة.

فحينئذٍ نقول: إنّ تعاطي كلّ منهما إيجاب باعتبار عطاء سلعته بعوض، وقبول باعتبار أخذ سلعة الغير بإزاء سلعته، ولا يلزم منه أن تكون جميع المعاملات كذلك؛ لأنّ ما تشخّص فيه الموجب والقابل بالإيجاب والقبول، لا يعتبر شيء آخر فيه، يعدّ باعتباره الموجب قابلاً وبالعكس.

ثمّ إنّ دعوى انصراف الأدلّة المثبتة للحكم على البائع والمشتري عن مثل المورد الذي يكون كلّ منهما بائعاً ومشترياً (1) غير وجيهة؛ إذ أيّ انصراف في مثل قوله علیه السلام: «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا»(2)؟ !

وتوهّم: أنّ مراد الشيخ قدّس سرّه انصراف ما أثبت الحكم للبائع بحياله(3)،

ص: 246


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 78.
2- الكافي 5: 170 / 6؛ وسائل الشيعة 18: 6، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 3.
3- نحو ما عن أبي عبداللّه عليه السلام - في حديث - قال: «وإن كان بينهما شرط أيّاما معدودة فهلك في يد المشتري قبل أن يمضي الشرط فهو من مال البائع». تهذيب الأحكام 7: 24 / 103؛ وسائل الشيعة 18: 20، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 8، الحديث 2.

وللمشتري كذلك(1)، لا ما أثبته لهما، كما في قوله علیه السلام: «البيّعان بالخيار» فاسد جدّاً؛ إذ لا منشأ لهذا الافتراق كما لا يخفى.

والأولى إيكال الأمر إلى أدلّة الأحكام، لا دعوى الانصراف وعدمه مطلقاً، وإن كان عدمه أوجه.

التنبيه الرابع : في أقسام المعاطاة بحسب قصد المتعاملين

اشارة

إنّ أصل المعاطاة - بالمعنى الأعمّ - يتصوّر على وجوهٍ شتّى بحسب قصد المتعاملين، تعرّض لبعضها الشيخ الأعظم قدّس سرّه (2)، ويظهر حكم البقيّة منها ظاهراً.

1 - تمليك المال بإزاء المال

أحدها: أن يقصد كلّ منهما تمليك ماله بمال صاحبه، ويكون هو في قبضه قابلاً ومتملّكاً بإزائه(3).

ص: 247


1- نحو ما عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سمعته يقول: «الخيار في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري، وفي غير الحيوان أن يفترقا...» الحديث. الكافي 5: 216 / 16؛ وسائل الشيعة 18: 6، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 5.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 80.
3- نفس المصدر.

وهذا لا إشكال فيه كما مرّ(1) وليس مراد الشيخ من ذكر هذا القسم القصر عليه في معاطاة المالين، حتّى يتوهّم(2) التدافع بين كلامه هنا، وما مرّ منه(3).

2 - تمليك المال بإزاء التمليك

ثانيها: أن يقصد كلّ منهما تمليك ماله لغيره بإزاء تمليكه له، فتكون المقابلة بين التمليكين لا الملكين.

والظاهر من الشيخ أنّ هذه المعاملة متقوّمة بالعطاء من الطرفين، فلو مات الثاني قبل الدفع لم تتحقّق المعاطاة(4).

إشكالات على القسم الثاني

وأوردوا عليه بوجوه:

منها: أنّ هذا يتصوّر على وجهين، أحدهما: ما ذكره، والثاني: ما إذا أعطى أحدهما ماله بعنوان التمليك مقابل تمليكه، وأخذ الآخر بعنوان القبول، فيكون الأوّل مالكاً على عهدة الثاني تمليكه، وقد تحقّقت المعاطاة بالإعطاء والأخذ من غير احتياج إلى الإعطاء(5).

وقد ردّ الإيراد بعض أهل التحقيق: بأنّ التعاوض بين الشيئين ربّما يكون

ص: 248


1- تقدّم في الصفحة 236.
2- منية الطالب 1: 169.
3- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 74.
4- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 81.
5- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 378.

بلحاظ ذاتهما، لا بلحاظ إضافة اُخرى زائدة على الذات؛ لقبولهما بذاتهما للإضافة كالملكية؛ فإنّها مضافة بذاتها، فمرجع التمليك بإزاء التمليك إلى جعل إضافة الملكية بإزاء إضافة الملكية، ومقتضى التضايف بين العوضية والمعوّضية حصولهما معاً، وعدم انفكاك أحد المتضايفين عن الآخر(1)، انتهى.

وأنت خبير بما فيه من الخلط بين المقام - الذي يكون المفروض فيه مقابلة تمليك بتمليك، وهما من فعل المتعاملين - وبين مقابلة إضافة بإضافة، وهي غير ما نحن بصدده، فلا بدّ في المقام من ملاحظة التضايف بين عوضية تمليك، ومعوّضية تمليك آخر، لا التضايف بين الملكيتين أو الإضافتين.

ولا شبهة في حصول المتضايفين عند تمليك خارجي، وتمليك على عهدة الطرف، من غير أن يكون الإيجاد الخارجي دخيلاً في حصول التضايف أو ماهية المعاملة.

والإنصاف: أنّ الإشكال وارد على الشيخ قدّس سرّه، إن كان مراده انحصار هذا القسم بما ذكر.

ومنها: أنّ في أصل المقابلة بين التمليكين غموضاً وخفاءً؛ فإنّ التمليك بالإعطاء - حال تعلّقه بمتعلّقه - ملحوظ آليّ، وفي جعل نفسه معوّضاً يحتاج إلى لحاظ استقلالي، ولا يعقل اجتماع اللحاظين المتباينين في ملحوظ واحد، فلا بدّ من أن تكون هذه المعاملة في ضمن معاملة اُخرى، كالصلح على التمليك بإزاء التمليك، فيستحقّ كلّ منهما التمليك من الآخر بإزاء تمليك نفسه(2)، انتهى.

ص: 249


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 163.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 162.

وفيه: مضافاً إلى أنّه على فرض ورود الإشكال، لا يندفع بإيقاع هذه المعاملة في ضمن صلح ونحوه؛ فإنّ العمل بالصلح لا بدّ وأن يكون على طبق ما وقعت المصالحة عليه، وهو مقابلة تمليك بتمليك؛ أي إيقاع هذه المعاملة المعاطاتية، والمفروض أنّ إيقاعها غير معقول؛ للزوم الجمع بين اللحاظين المتنافيين، فيقع الصلح باطلاً؛ لعدم إمكان تحقّق متعلّقه، وتوهّم: أنّ مقتضى المصالحة التمليك الاستقلالي فاسد، وخروج عن محطّ البحث.

ومضافاً إلى أنّ لزوم الجمع بين اللحاظين ممنوع، بل لا بدّ في هذه المعاملة من لحاظ التمليك استقلالاً، ولا يلزم لحاظ متعلّقه، ولازم التقابل بين التمليكين حصول الملكية، فتأمّل.

أنّه يمكن الفرق بين إيقاع التمليك باللفظ والتزام الإشكال فيه وإيقاعه بالمعاطاة.

ووجه الفرق: أنّ الألفاظ آلات لمعانيها الإنشائية أو الإخبارية، ومع لحاظها آلة لا يعقل لحاظها مستقلاًّ، وأمّا الأفعال فليست بذاتها أو بالمواضعة آلات لشيءٍ، فيمكن لحاظ الإعطاء الخارجي - المقصود به التمليك - مستقلاًّ، ولهذا نرى بالوجدان إمكان الإخبار عن الإعطاء الخارجي المقصود به التمليك، فيقول عند إعطائه تمليكاً: «إعطائي كذا» أو «تمليكي كذا» من غير لزوم اجتماع اللحاظين، اللازم في الإيقاع باللفظ.

ومنها: أنّه ليس التمليك بالمعنى المصدري مالاً، بل المال هو الحاصل من المصدر، وليس هذا الفعل إلاّ آلة لحصول اسم المصدر، فلا يمكن أن يقابل بالمال، فمقابلة التمليك بالمال باطلة، فضلاً عن مقابلة التمليك بالتمليك؛ لأنّ التمليك

ص: 250

ليس بمال، وفرق بين البيع بإزاء التمليك وبيع المال على أن يخيط له ثوباً؛ فإنّ الفعل في الأوّل آليّ، بخلاف الثاني فإنّه استقلالي، يبذل بإزائه المال(1)، انتهى.

وفيه: أنّ الاستقلالية والآلية أجنبيّتان عن مالية الأشياء وعدم ماليتها، بل المالية تابعة - بحسب اعتبار العقلاء - لتعلّق الرغبات بشيء، ومع تعلّقها تعتبر فيه المالية، ويبذل بإزائه المال سواء كان آليّاً أم لا.

فالحيازة والخياطة والكتابة - بالمعاني المصدرية - أموال ولو باعتبار الآثار المترتّبة عليها، فالآثار جهات تعليلية لتعلّق الرغبات بالأشياء وصيرورتها أموالاً، فلا الاستقلالية ميزان المالية، ولا الآلية ميزان سلبها أو مانعة عن اعتبارها، فالتمليك - باعتبار متعلّقه وبالجهة التعليلية - يمكن أن تتعلّق به الرغبات ويصير مالاً يبذل بإزائه المال.

وفي كلامه بعض مناقشات، تركنا نقل تتمّة كلامه وما يرد عليه.

نعم، يرد على هذا الوجه: أنّ الإعطاء الواحد لا يمكن أن يكون تمليكاً للعين وتمليكاً لتمليكها؛ فإنّ رتبة موضوع التمليك ومتعلّقه متقدّمة عليه، فلا يعقل أن يكون نفس التمليك تمليكاً لنفسه، فلا بدّ من تعلّق تمليك آخر به، فحينئذٍ إن كان تمليك العين تمليكاً لها فقط، خرج الكلام عن محطّ البحث.

وإن اُريد بالإعطاء التمليك للعين وللتمليك، يلزم أن يكون التمليك مملّكاً لنفسه، وهو تقدّم الشيء على نفسه.

مضافاً إلى أنّ اتّصاف الإعطاء بالتمليك، في الرتبة المتأخّرة عن تمليك

ص: 251


1- منية الطالب 1: 171.

العين، فلا يعقل أن يكون تمليكاً للتمليك.

وإن لم يقصد بالإعطاء تمليك العين، فلا يتّصف بالتمليك، فلا يصلح ذلك الإعطاء المجرّد لإبراز تمليك التمليك، ولا يعقل تعلّق القصد بكونه تمليكاً، كما هو واضح.

نعم، لا مانع من تمليك كلّي التمليك باللفظ، فيقال: «ملّكتك تمليكي للعين الكذائية» فيتعلّق على ذمّته التمليك لها ملكاً للطرف، وفي مقام الإبراء لا بدّ من تمليك العين لحصول نفس التمليك، ولا يلزم في مقام الأداء أن يكون المؤدّى منظوراً بالاستقلال.

وأمّا الفعل فلا يعقل في بعض الفروض المتقدّمة أن يكون تمليكاً للتمليك الكلّي، ولا يصلح لذلك في بعضها، فتدبّر.

حول صدق البيع على القسم الثاني

ثمّ قال الشيخ الأعظم قدّس سرّه في ذيل كلامه: «إنّ التمليك بإزاء التمليك بعيد عن معنى البيع، وقريب إلى الهبة المعوّضة. ثمّ قال: فالأولى أن يقال: إنّها مصالحة وتسالم على أمرٍ معيّن، أو معاوضة مستقلّة»(1)، انتهى.

أقول: بل هو بيع؛ لما مرّ(2) من أنّ التمليك مال يبذل بإزائه المال، لتعلّق غرض العقلاء به، وأنّ المبادلة بينهما مبادلة بين المالين، وقد مرّ فيما سلف(3)

ص: 252


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 81.
2- تقدّم آنفاً.
3- تقدّم في الصفحة 22.

عدم اعتبار كون المعوّض من الأعيان، ضرورة صدق مفهوم «البيع» - عرفاً ولغةً - على بيع الحقوق والأعمال ونحوهما، ومجرّد عدم التعارف لا يوجب انصراف الأدلّة أو عدم شمولها له.

وما هو المعتبر في المعاملات كون كيفية إيقاعها متعارفة لدى العقلاء، فلا يصحّ إيقاع البيع بلفظ الإجارة، أو إيقاع المعاطاة بالعطاس مثلاً، وأمّا تعارف

المتعلّقات فغير معتبر، فإذا تعلّق غرض صنف - بل أو شخص - بشيء، فبذل بإزائه المال واشتراه بالمال، صدق عليه عنوان «البيع» وإن لم يكن متعلّق الغرض مالاً متعارفاً، كما لو تعلّق الغرض بدفع العقارب عن بيته، واشترى كلّ عقرب بعشرة دنانير، وكان غرضه الاشتراء لإفنائها، فإنّ ذلك بيع عرفاً ولغة، فلا ينبغي الإشكال في كون مبادلة التمليك بالتمليك بيعاً، لا صلحاً، ولا هبة، ولا معاملة مستقلّة.

3 - إباحة المال بإزاء العوض

ثالثها: أن يقصد الأوّل إباحة ماله بعوض ويقبل الآخر بأخذه(1)، فتكون المقابلة بين الإباحة والعوض عروضاً أو ثمناً.

4 - إباحة المال بإزاء الإباحة

رابعها: أن يقصد كلّ منهما الإباحة بإزاء الإباحة(2).

ص: 253


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 82.
2- نفس المصدر.

حول إشكالي الشيخ الأعظم على القسم الثالث والرابع

ثمّ إنّ الشيخ تعرّض لإشكالين في هذين القسمين، مع عدم اختصاصهما بالمعاطاة؛ لأنّ:

الأوّل منهما: - وهو الإشكال في صحّة إباحة جميع التصرّفات حتّى المتوقّفة

على الملك(1) - لا يختصّ بالبيع أو بمعاملة اُخرى، بل هو إشكال على الإباحة الكذائية، سواء كانت بدوية مستقلّة وبلا عوض، أم كانت مع العوض، في البيع بالصيغة، أو بغيرها، أو سائر المعاملات.

والثاني: - وهو الإشكال في صحّة العقد المركّب من الإباحة والتمليك(2) - لا يختصّ بالمعاطاة، بل يشمل البيع بالصيغة أيضاً، لو لم نقل بشموله لسائر المعاوضات.

وكيف كان: فالإشكال الأوّل تارةً عقلي، واُخرى عقلائي وعرفي، وثالثة شرعي من ناحية الأدلّة الشرعية.

فالإشكال العقلي وكذا العقلائي إنّما هو من ناحية تشخيص ماهية البيع؛ بمعنى أنّه إشكال على فرض خاصّ، بحيث لو تبيّن بطلان الفرض ينتفي موضوع الإشكال.

وحاصل الإشكال العقلي: أنّ ماهية البيع عبارة عن تبادل إضافة المالكية والمملوكية في العوضين؛ بمعنى أنّ لصاحب السلعة إضافة إلى سلعته، وهي

ص: 254


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 82.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 82 و89 - 90.

إضافة المالكية والمملوكية، وكذا لصاحب الثمن إلى ثمنه، وحقيقة البيع عبارة عن تبديل الإضافة القائمة بالسلعة وصاحبها، بالإضافة القائمة بالثمن وصاحبه، فلا يعقل تحقّق الماهية بلا هذه المبادلة، فالإباحة بإزاء التمليك تضادّ التبادل المعتبر في ماهية البيع، وبهذا يظهر الإشكال العقلائي أيضاً؛ فإنّ ذلك لا يكون بيعاً عقلائياً أيضاً (1).

وفيه: منع كون ماهية البيع لدى العقلاء متقوّمة بما ذكر؛ أي بتبادل الإضافتين المذكورتين، بل قد عرفت سابقاً أنّ تبادل الإضافتين - بالمعنى المفهوم منه - غير معقول؛ للزوم استقلال الإضافة بلا مضاف ومضاف إليه ولو آناً ما، وهو محال حتّى لدى العرف والعقلاء، وحتّى في الاُمور الاعتبارية(2).

والشاهد على أنّ ماهية البيع غير متقوّمة بما ذكر، ما ذكرناه في أوائل هذه

الرسالة(3)؛ من أنّ بيع الوقف العامّ - المسوّغ بيعه - بيع عرفاً وعقلاً وشرعاً، بلا شائبة إشكال، وكذا اشتراء وقف بثمن وقف آخر لأحد مسوّغاته بيع، مع أنّ تبديل الإضافة بما ذكر غير معقول في مثله؛ لعدم كونه ملكاً.

ومنه ومن أشباهه يعلم: أنّ ماهية البيع ليست ما ذكر.

ومن ذلك بيع الغاصب لنفسه، ولعلّ اشتراء العقلاء الثوب مثلاً للفقير من هذا القبيل، على تأمّل فيه بل إشكال، وليس ذلك إلاّ لأجل أنّ ماهية البيع أوسع نطاقاً ممّا ذكر.

ص: 255


1- اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 83 و86 - 87.
2- تقدّم في الصفحة 18.
3- تقدّم في الصفحة 19.

فبيع الوقف بالوقف، هوتبادل مال بمال.

وإذا اشترى حاكم عيناً زكوية بنقد زكوي من حاكم آخر، يكون هذا التبادل بيعاً، ولا تبادل في الملكية بناءً على عدم مالك للزكاة، كما هو الأقرب. نعم، لو قلنا: إنّ مالكها الفقراء أو الجهات، يخرج ما ذكر عن مورد النقض.

وكيف كان: لا إشكال في عدم تقوّم ماهية البيع بتبادل الإضافتين، فانقطع الإشكال العقلي والعقلائي.

وأمّا الإشكال من ناحية الدليل الشرعي: فهو توهّم منافاة ذلك لما روي عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم: «لا بيع إلاّ فيما تملك»(1).

وعنه صلی الله علیه و آله وسلم: «لا طلاق إلاّ فيما تملكه، ولا بيع إلاّ فيما تملكه»(2).

وأنت خبير: بأنّ مثله أجنبيّ عمّا نحن بصدده؛ من لزوم دخول الثمن في كيس من يخرج المبيع من كيسه، بل الظاهر أنّه بصدد بيان عدم نفوذ بيع مال الغير بلا إذنه.

بل الظاهر من الثانية - بقرينة الفقرة الاُولى - أنّ المراد من «الملك» ملك التصرّف، لا الملك المعهود، وفي المقام يكون البيع بإذن مالكه، ويكون البائع مالكاً للتصرّف.

ثمّ لو سلّمنا أنّ البيع هو ما ذكر، وسلّمنا ورود الإشكالات المتقدّمة، يمكن

ص: 256


1- عوالي اللآلي 2: 247 / 16؛ مستدرك الوسائل 13: 230، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع، الباب 1، الحديث 3.
2- عوالي اللآلي 3: 205 / 37؛ مستدرك الوسائل 13: 230، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع، الباب 1، الحديث 4.

دفعها بأن يقال: إنّ الإباحة المطلقة:

تارةً تكون بلا عوض، فلا تنافي جواز تصرّف المالك فيما أباحه.

واُخرى: تكون مع العوض، فهي تنافي عرفاً - بل عقلاً - بقاء جواز التصرّف للمالك؛ لأنّ كلّ تصرّف إذا اُبيح بعوض، يصير متعلّقه متعلّقاً لحقّ المباح له؛ لأجل العقد المذكور والمعاملة المفروضة، فكان تصرّف غيره فيه تصرّفاً في متعلّق حقّ الغير بلا وجه، وهو غير جائز لدى العقلاء، ويرى العقلاء التنافي بين إباحة لبس عباء مطلقاً بعوض، ولبس المبيح بلا إذن المباح له، فتكون نتيجة المعاوضة قطع يد المالك الأوّل عن جميع التصرّفات، وثبوتها للمباح له.

فحينئذٍ: لا يعتبر العقلاء الملكية للمالك الأوّل؛ لأنّ اعتبارها بلحاظ أثر ولو في الجملة، والفرض سلب الآثار مطلقاً، ومع سلبها عنه تثبت للمباح له؛ لأنّ ثبوت جميع أنحاء التصرّفات له - مع سلبها عن غيره - ملازم عرفاً لاعتبار الملكية له.

فحينئذٍ: لو التفت المبيح لهذا اللازم العقلائي، لرجعت إباحته إلى التمليك، وإلاّ لتحقّق الملك بلا قصده، ولا مانع منه، وعلى ذلك تندفع الإشكالات.

نعم، لو قلنا ببقاء جواز التصرّف للمبيح، لا تصير إباحته موجبة لسلب ملكيته، وكذا لو قلنا بجواز الرجوع عن إباحته.

لكنّهما غير وجيهين؛ لأنّ جعل الإباحة بالعوض من العقود العقلائية على الفرض، فينسلك في عموم وجوب الوفاء بالعقد فيتعلّق حقّ من المباح له بالمال، ويجب على المالك تسليم العين لاستفادته وتصرّفاته فيها، ولا يجوز له التصرّف بوجهٍ بعد كون جميعها حقّ المباح له.

ص: 257

بل مقتضى القاعدة انتقال حقّ التصرّفات إلى وارثه؛ لأنّه حقّ وقد تركه، فهو لوارثه، فمع سقوط جميع أنحاء التصرّفات عن المبيح لا مأخذ لاعتبار الملكية له، ولمّا ثبتت التصرّفات بأجمعها للطرف بلا مزاحم، ثبتت الملكية له.

ولو اُغمض البصر عمّا ذكرناه، أو نوقش فيه بمنع قطع ملكية المبيح، فلنا أن نقول: إنّ الإشكالات غير واردة رأساً؛ لأنّ الإباحة المذكورة ليس لازمها دخول الثمن في ملك المباح له إذا باع، ولا خروج المثمن عن ملكه، بل لازمها جواز بيعه عن مالكه، وأخذ ثمنه له، والتصرّف فيه بمقتضى إباحته المطلقة لو فرض شمول نطاقها لذلك، وليس له بيعه لنفسه أو لمالكه وأخذ الثمن لنفسه تملّكاً بالبيع أو مستقلاًّ؛ لأنّ الإباحة ليس لازمها تملّك المباح له.

وبالجملة: لازم الإباحة المطلقة، إباحة التصرّف في الملك أو عوضه وثمنه، على فرض إطلاقها لذلك أيضاً، لا بيعه لنفسه، فعليه يندفع الإشكال من غير احتياج إلى التكلّف.

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه بعد إيراد الإشكال، تعرّض لدفعه بوجوه نذكر بعضها:

منها: أنّ المبيح أن يقصد بنفس هذه الإباحة تمليكاً للمباح له، فتكون إنشاء تمليك له، ويكون بيع المخاطب بمنزلة قبوله، نظير ما قال العلاّمة(1): بأنّ قول الرجل لمالك العبد: «أعتق عبدك عنّي بكذا» استدعاء لتمليكه، وإعتاق المولى

ص: 258


1- تذكرة الفقهاء 10: 10.

عنه جواب لذلك الاستدعاء، فيحصل النقل والانتقال بهذا الاستدعاء والجواب، ويقدّر وقوعه قبل العتق آناً ما، فيكون هذا بيعاً ضمنياً، لا يحتاج إلى الشروط المقرّرة لعقد البيع(1)، انتهى.

ويظهر منه رحمه الله علیه أنّ الإشكال فيه من ناحية عدم كون المقصود كذلك فيما نحن فيه(2).

أقول: إنّ الإباحة قد تكون في خصوص ما يتوقّف على الملك كالبيع مثلاً فإن قلنا: بأنّ الإعطاء بقصد الإباحة إنشاء تمليك، يكون الأخذ الخارجي قبولاً، لا بيع المخاطب، فلا يلزم إشكال من هذه الجهة.

وقد يكون الإعطاء بقصد إباحة جميع التصرّفات حتّى الموقوفة على الملك، فحينئذٍ إن قلنا: إنّ لازمه إنشاء التمليك؛ لأجل اشتمال الإباحة على ما يتوقّف على الملك، فيرجع الأمر إلى التمليك المنجّز بصورة الإباحة، فيأتي فيه ما تقدّم؛ من أنّ الأخذ قبول، لا البيع، فيتملّك الشيء بالإعطاء والأخذ.

وفرق بين المقام وما ذكره العلاّمة؛ لأنّ فيما ذكره يكون الاستدعاء من غير المالك من غير تعقّبه بشيءٍ غير العتق، وفي المقام يكون الإعطاء من المالك قاصداً به إنشاء التمليك للآخذ، والأخذ قبولاً، فالبيع محقّق قبل بيع المشتري.

وقد يكون الإعطاء بقصد الإباحة في التصرّفات غير الموقوفة على الملك، وبقصد التمليك فيما يتوقّف عليه، ففي هذه الصورة لا يعقل أن يكون التمليك

ص: 259


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 83 - 84.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 84.

تنجيزياً؛ للزوم تمليك شيءٍ واحد من حيث، وعدم تمليكه من حيث، وهو غير عقلائي، بل غير معقول.

فلا بدّ وأن يقال: إنّ الإعطاء إباحة تنجيزية فعلية بالنسبة إلى ما لا يتوقّف

على الملك، وتمليك تعليقي، ولمّا كان التعليق على البيع غير ممكن، لا بدّ من أن يكون معلّقاً على إرادته، فلزم منه إنشاء إباحة تنجيزية وإنشاء ملك تعليقي، بإعطاء واحد، وهو غير جائز على مسلكهم(1)؛ للزوم محذور استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد.

نعم، لو قلنا بجوازه حتّى في مثل التعليق والتنجيز، أو قلنا: بالفرق بين كون الفعل آلة للإنشاء، وبين كون القول كذلك، وجوّزنا في الأوّل لاندفع الإشكال.

لكنّ الظاهر عدم التزامهم به، بل لعلّ استعماله في التعليق والتنجيز غير جائز، ولو جوّزنا في العرضيين التنجيزيين أو التعليقيين.

ثمّ لو كانت إرادة البيع متحقّقة حال الإعطاء، يكون الأخذ قبولاً، من غير احتياج إلى أنّ البيع المتأخّر كذلك.

ولو قلنا: بأنّ إيجاب المباح له قبول، يلزم منه - مضافاً إلى محذور استعمال اللفظ في الأكثر؛ لعدم جامع بين القبول وتملّك المال من المبيح، وبين الإيجاب والتمليك للمشتري - أنّ «البيع» على ما يظهر منه في المقام هو النقل والانتقال؛ بمعنى تبادل الإضافتين وخروج المبيع عن ملك البائع ودخول الثمن في ملكه بدلاً عنه، وهو مبنى الإشكال العقلي الذي تمسّك به قدّس سرّه (2)، وفي المقام لا تكون

ص: 260


1- كفاية الاُصول: 53؛ نهاية الدراية 1: 152.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 83 و86 و87.

إضافة مالكية بين البائع والعين، وبالإيجاب تتحقّق الإضافة، فلا يمكن أن يكون ذلك الإيجاب محقّقاً للإضافة ومبادلاً لها.

نعم، لو لم نقل بمقالته كما تقدّم(1)، لا يرد الإشكال المذكور.

ثمّ إنّه يرد الإشكال على مقالة العلاّمة(2)؛ فإنّه لو كان الإعتاق جواباً للاستدعاء، ويحصل النقل والانتقال به وبالاستدعاء، للزم أن تحصل الملكية مع العتق لو كان الإعتاق سبباً لهما عرضاً، وهو محال، ودخول المعتق الحرّ في ملك المالك بلا سبب لو كانت الملكية متأخّرة عنه، وحصول العتق بعد الملكية بلا سبب لو كان الإعتاق إنشاءً للعتق.

مع أنّ تقدير وقوع النقل قبل العتق بلا وجه إن كان المراد به الإعتاق، وتأخّر العتق عن سببه آناً ما محال إن كان المراد به العتق المنشأ بالسبب.

مضافاً إلى أنّه لا دليل على عدم احتياج البيع الضمني إلى الشروط المقرّرة، بل القول ببطلان البيع الضمني أقرب إلى الواقع من الالتزام بعدم احتياجه إلى الشروط.

ويمكن أن يوجّه كلامه بأنّ الاستدعاء المذكور منحلّ إلى أمرين:

أحدهما: العتق.

والثاني: التمليك متقدّماً عليه، المفهوم من قوله: «عنّي» وقوله: «أعتقت عنك» بواسطة اشتماله على «عن» عتقٌ بعد التمليك، وتدلّ على حصول التمليك كلمة «عنك» فكأنّه قال: «ملّكتك فأعتقته عنك».

ص: 261


1- تقدّم في الصفحة 255 - 256.
2- تذكرة الفقهاء 10: 10.

والمراد بتقدير الملك آناً ما، تحقّق الملك في الرتبة المتقدّمة على العتق، فكأنّ قوله: «أعتقته عنك» كناية عن البيع متقدّماً على العتق، وعتق بعده، فتأمّل فإنّه مع ذلك لا يسلم عن الإشكال؛ لأنّ الإنشاء الواحد لا يصحّ أن يكون عتقاً وتمليكاً عرضاً، فضلاً عن كونه إنشاءين طوليين.

نعم، يصحّ ذلك في القبول، بناءً على ما ذكرناه(1)؛ من أنّ تمام ماهية البيع تحصل بالإيجاب، والقبول كالإجازة في الفضولي.

بل يكفي فيه الرضا الباطني ولو لم يكن له مبرز، فضلاً عن إبرازه ولو بأوّل كلمة من قوله: «أعتقت العبد عنه» فتحصل الملكية به، والعتق عنه بإتمام الكلام الإنشائي.

وأمّا دفعه بالملك التقديري؛ جمعاً بين دليل السلطنة وما دلّ على توقّف

البيع على الملك(2) فغير وجيه؛ لما ذكره الشيخ قدّس سرّه (3)، ولأنّ الملك التقديري لا يوجب التوفيق بين الدليلين؛ فإنّ ظاهر أدلّة اعتبار الملك هو الملك التحقيقي، إلاّ أن يراد بالتقديري التحقيقي آناً ما، ويكون الكاشف عنه هو الأدلّة.

لكنّه - مع مخالفته لظاهر القائل(4) - فيه محذور تحقّق الملك رغماً لقصد المتبايعين.

ص: 262


1- تقدّم في الصفحة 237 و243.
2- جواهر الكلام 22: 232 - 233؛ اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 86.
3- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 87.
4- جواهر الكلام 22: 232 - 233.

وأمّا الإشكال الثاني(1) فمندفع: بأنّ الظاهر صدق عنوان «البيع» عليه، وإن لم يكن مثله معهوداً متعارفاً.

والإشكال عليه:

تارةً: بأنّ البيع مبادلة مال بمال، والإباحة ليست بمال.

واُخرى: بأنّ البيع تبادل إضافة الملكية القائمة بالمالك، وهي مفقودة.

وثالثة: بأنّ أصل التبادل مفقود في المقام، كما لا يخفى.

مدفوع: بالمنع من عدم ماليتها؛ فإنّ ميزان المالية تعلّق الرغبات بالشيء، ولا يلزم أن تكون لخاصية فيه، كما أنّ الأوراق النقدية مال، لا لخاصّية في ذاتها، بل لاعتبارها الحاصل من معتمدها «پشتوانه» والإباحة المتعلّقة بما فيه الخاصّية المطلوبة مال بالجهة التعليلية، ولهذا يبذل بإزائها المال.

وأمّا حديث تبادل الإضافة بما ذكر، فقد مرّ دفعه(2).

وأمّا توهّم: فقدان أصل التبادل، فمعلوم الدفع؛ لتحقّقه بالضرورة، فإنّ الإباحة إذا كانت بعوض، فلا محالة تكون معوّضة، وهو كافٍ في البيع.

بل الظاهر تحقّق تبادل الإضافات أيضاً على فرض لزومه وعدم امتناعه، بل بوجه معقول مرّ بيانه ظاهراً (3).

ثمّ لو فرض عدم صدق «البيع» عليه، فلا ينبغي الإشكال في صدق

ص: 263


1- تقدّم في الصفحة 254.
2- تقدّم في الصفحة 18 و255.
3- تقدّم في الصفحة 20.

«التجارة» عليه، وكذا صدق «العقد» بعد ما تقدّم(1) صدقه على المعاطاة، فهو تجارة صحيحة وعقد لازم واجب الوفاء به.

ولو قلنا بأنّه معاوضة مستقلّة، يكفي في صحّتها ولزومها الأدلّة العامّة، نحو )أَوْفُوا بِالْعُقُودِ( والشروط، وأمّا دليل السلطنة فقد مرّ(2) أنّه قاصر عن ذلك.

وأمّا ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه من الإشكال في شمول الأدلّة له؛ لعدم كونه معاوضة مالية ليدخل كلّ من العوضين في ملك الآخر، بل كلاهما ملك المبيح، فيخرج عن المعاوضات المعهودة شرعاً وعرفاً ثمّ جزم بكفاية دليل السلطنة والشروط لو كانت معاملة مستقلّة(3).

ففيه: - مضافاً إلى أنّ أحد العوضين هنا الإباحة لا العين، فعدم خروج العين عن ملك المبيح، لا ينافي ماهية المعاوضة؛ لأنّها لم تكن عوضاً، كما هو الحال في الإجارة، وحديث عدم المالية وعدم المعهودية قد مرّ الكلام فيه - أنّه لو كان الخروج عن المعاوضات المعهودة عرفاً وشرعاً، موجباً لقصور شمول الأدلّة لها، لم يفرّق بين كونها معاوضة مستقلّة، أو بيعاً واكتساباً وتجارة، والمعاملة المستقلّة إذا لم تكن معهودة خرجت عن دليل الشرط أيضاً؛ ضرورة أنّ القول بشمول دليل الشرط لها، مبنيّ على شمول الشرط للابتدائي، فالشرط الابتدائي - بيعاً كان أو معاملة مستقلّة - متساوي النسبة مع أدلّة الشروط، فلا وجه للاستشكال في مورد، والجزم بالشمول في آخر.

ص: 264


1- تقدّم في الصفحة 104 - 105.
2- تقدّم في الصفحة 120.
3- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 89 - 90.

كما أنّ التمسّك في ذيل كلامه بأصالة التسلّط للجواز(1)، ليس على ما ينبغي؛ فإنّ الناس مسلّطون على أموالهم لا على الأحكام والأسباب، كما ظهر منه أيضاً (2).

التنبيه الخامس : في جريان المعاطاة في غير البيع

مقتضى القاعدة جريان المعاطاة في كلّ عقد أو إيقاع يمكن إنشاؤه بالفعل؛ فإنّ الفعل - كالقول - آلة للإيجاد والإيقاع الاعتباري، ومع الإيقاع كذلك يصير المنشأ مصداقاً للعناوين العامّة والخاصّة، ودليل صحّتها ولزومها هو الأدلّة الخاصّة أو العامّة.

نعم، ما لا يمكن إيقاعه بالفعل، فهو خارج عن البحث، ولعلّ الوصيّة أو بعض أقسامها منه.

وأمّا النكاح: فقد يتوهّم أنّه كذلك أيضاً؛ بتوهّم أنّ الفعل فيه ملازم لضدّه، وهو الزنا والسفاح(3).

وهو كما ترى؛ ضرورة أنّ الزنا لدى العرف غير النكاح والزواج، سواء كان بالقول أو الفعل، فلو تقاول الزوجان وقصدا الزواج، ثمّ أنشأته المرأة بذهابها إلى بيت المرء بجهازها مثلاً، وقبل المرء ذلك؛ بتمكينها في البيت لذلك، تحقّقت

ص: 265


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 90.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 87.
3- منية الطالب 1: 189.

الزوجية المعاطاتية، وتترتّب عليها أحكامها؛ من جواز النظر، والوط ء، ووجوب

النفقة، وغيرها.

نعم، لو قصدا حصوله بنفس الوط ء، يكون ذلك الوط ء محرّماً، لكن لا مانع من ترتّب الزواج عليه؛ فإنّ السبب المحرّم يمكن أن يكون مؤثّراً وضعاً.

مع إمكان أن يقال: إنّ الوط ء الخارجي منطبق عليه عنوان «السبب» خارجاً وعنوان «الوط ء المحرّم» والمحرّم عنوان، والمحلّل عنوان «السبب» بما هو سبب، وهما منطبقان على الخارج، نظير باب اجتماع الأمر والنهي.

ولو قيل: إنّ المبغوض لا يكون سبباً (1) - نظير ما يقال على الاجتماع: إنّ المبعّد والمبغوض لا يكون مقرّباً (2) - فقد فرغنا عن جوابه في محلّه؛ من أنّ حيثية المبغوض بالذات غير المقرّب وغير السبب هاهنا (3).

نعم، ما يمكن أن يقال في المقام: إنّ الوط ء ليس من الأسباب العرفية والعقلائية للزواج، وما قلنا: من أنّ القاعدة تقتضي أن تجري المعاطاة في مطلق المعاملات، ليس المراد منه أنّ كلّ فعل أو إشارة ونحوها يمكن أن يكون سبباً، بل لا بدّ في الأسباب أن تكون عقلائية، ففي مثل الوصيّة للعتق بعد الموت، أو التمليك بعده، وإن أمكن إفهامها بالإشارة ونحوها، لكن ليس مثل تلك الأفعال أسباباً عقلائية.

ص: 266


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 184.
2- لمحات الاُصول: 186.
3- مناهج الوصول 2: 118 و145.

وقد يقال: إنّ الوط ء غير محرّم؛ لعدم اقتضاء الحرمة فيه إذا كان مقارناً لحصول الزوجية(1).

وهو كما ترى؛ إذ الوط ء إذا لم يكن من زواج صحيح، فهو محرّم بضرورة الفقه ولدى المتشرّعة.

مع أنّ الزوجية متأخّرة عن الوط ء؛ فإنّه سببها، ولا تعقل حلّيته بسبب الزوجية، ومع عدم سببيتها يكون من وط ء الأجنبيّة المحرّم بالضرورة.

وكذا يمكن إيقاع الطلاق بالفعل المفهم له، ولو بالقرائن والمقاولات السابقة، لكن جريان المعاطاة فيه خلاف الأدلّة الشرعية، بل إيقاع النكاح بها أيضاً مخالف لارتكاز المتشرّعة وتسالم الأصحاب، بل الظاهر عدم الخلاف في عدم جريانها فيهما.

الإشكال في ما تشترط صحّته بالقبض وجوابه

وربّما يستشكل في مثل القرض والرهن والوقف؛ ممّا تشترط صحّته بالقبض: بأنّ المعاطاة فيه إن كانت بنفس القبض - مع أنّ القبض شرط الصحّة - يلزم منه اتّحاد الشرط والمشروط، وهو محال؛ إذ الشيء لا يعقل أن يكون نفسه مصحّحاً لفاعلية نفسه، أو متمّماً لقابليتها (2).

وربّما يجاب عن خصوص القرض بأنّه تمليك بالضمان، فالعقد مثلاً مؤثّر في الملك، والقبض الخارجي مؤثّر في خصوصيته، وهو الضمان بوضع اليد عليه،

ص: 267


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 186.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 191.

وحيث إنّهما متلازمان في نظر الشارع، فلا يتحقّق الملك الملازم للضمان، إلاّ بعد تحقّق العقد المتعقّب بالقبض، فلا يلزم اتّحاد الشرط والمشروط في القرض المعاطاتي، بل اتّحاد السببين لأمرين متلازمين.

فالقبض بما هو فعل اُنشئ به الملك، سبب له، وبما هو استيلاء خارجي سبب للضمان، وسببية شيء واحد بحيثيتين حقيقيتين لأمرين لا محذور فيه(1).

وفيه: أنّ العقد إذا كان سبباً تامّاً للملك، وكذا القبض للضمان، فلا بدّ مع ملازمة المسبّبين من ملازمتهما أيضاً، وإلاّ يلزم تفكيك المسبّب عن سببه التامّ، وهو محال، فلا بدّ من الالتزام بعدم صحّة القرض إلاّ معاطاة، وهو كما ترى.

ولو كان السبب للملك العقد المتعقّب بالضمان، فإن كان التعقّب بنحو الاشتراط، لزم المحذور المتقدّم الذي فرّ منه، وإن كان بنحو التقييد، لزم في القرض المعاطاتي تقييد الشيء بنفسه، وهو مستلزم للأثنينية، ومع عدمها محال.

مع أنّ ما ذكره خروج عن ظاهر الفقهاء؛ من أنّ القبض شرط للصحّة(2).

ثمّ قال: والجواب العامّ: أنّ الفعل الخارجي الخاصّ له حيثيتان؛ من حيث الصدور من الراهن مثلاً إقباض، ومن حيث مساسه بالمرتهن القابض قبض، كالإعطاء والأخذ في المعاطاة البيعي، فهناك فعلان حقيقة، كلّ منهما قائم

ص: 268


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 192.
2- السرائر 2: 60؛ تذكرة الفقهاء 13: 43؛ مفتاح الكرامة 15: 153؛ جواهر الكلام 25: 23.

بطرف، فلا مانع من كون أحدهما بمنزلة المقتضي، والآخر بمنزلة الشرط(1).

وفيه: أنّ القرض المعاطاتي عقد، يتمّ على مسلكهم بالإعطاء والأخذ، فالأخذ متمّم لتحقّق المعاطاة، فلا يمكن أن يكون شرطاً؛ للمحذور المتقدّم.

نعم، يمكن أن يقال: إنّ الأخذ الخارجي واحد ذو حيثيتين؛ حيثية الأخذ بالمعنى المصدري، وهي متمّمة للمعاملة، وحيثية الحصول في اليد، وهي شرط الصحّة، ولا مانع من كون إحدى الحيثيتين شرطاً لتأثير الاُخرى؛ فإنّ الشرط في أمثال الموارد المذكورة ليس القبض بالمعنى المصدري، ولهذا لو كان الشيء بيد المرتهن مثلاً قبل عقد الرهن، ثمّ انعقد، يكون الشرط حاصلاً، فالشرط هو كون العين في يد المرتهن، ومعلوم أنّ الأخذ - بالمعنى المصدري - متقدّم على ما هو حاصل المصدر.

والشرط - وهو الحصول في يد المرتهن - وإن كان متأخّراً عن ذات الإقباض، لكن يصحّ أن يكون شرطاً لتأثيره، كما أنّ القبض شرط لصحّة العقد المتقدّم وجوداً.

ثمّ إنّ ذلك على فرض كون الشرط في مثل المعاملات، كالشرط في التكوين، وإلاّ فالأمر سهل.

ثمّ لو فرض ورود الإشكال المتقدّم، لا يلزم من ذلك بطلان المعاطاة في المعاملات المذكورة، وعدم جريانها فيها، بل لازمه أن يتعدّد الإعطاء والأخذ، فمرّة لانعقاد العقد، ومرّة اُخرى لحصول القبض.

هذا إذا كان الشرط القبض، وإلاّ فالقبض متمّم للمعاملة بوجوده الحدوثي،

ص: 269


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 192.

وبقاء المقبوض في يد الطرف آناً ما بعد المعاملة بمنزلة الشرط.

فتحصّل من ذلك: أنّه كلّ ما يمكن إيقاعه بالمعاطاة تصحّ فيه، إلاّ أن يدلّ دليل على عدم جريانها فيه.

التنبيه السادس : في ملزمات المعاطاة

وموضوع البحث فيها إنّما هو بعد البناء على عدم لزومها في الجملة، سواء قلنا بالملك أم الإباحة.

تأسيس الأصل على القول بالملك

أمّا على القول بالملك: فالأصل فيها اللزوم بالأدلّة المتقدّمة؛ لما قرّر في محلّه من جواز التمسّك بإطلاق مثل: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فيما عدا مورد تيقّن الخروج(1).

ومحصّله: أنّ لمثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) - مضافاً إلى عمومه الأفرادي - إطلاقاً يستفاد منه ومن مقدّمات حكمة قرّرها المحقّق الكركي؛ من لزوم اللغوية(2)، وتبعه غيره(3)، استمرار الحكم.

فقوله: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) - عموماً وإطلاقاً - بمنزلة قوله: «أوفوا بكلّ عقد

ص: 270


1- الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 214.
2- جامع المقاصد 4: 38.
3- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 535.

مستمرّاً» أي يكون وجوب الوفاء به مستمرّاً.

وهذا الإطلاق متفرّع على العموم؛ فإنّ حكم العامّ موضوع الإطلاق، ولازم التفرّع أنّ تخصيص العامّ رافع لموضوع الإطلاق، لا مخالف لأصالة الإطلاق، وتقييد الإطلاق لا يوجب تخصيص العموم، فمع الشكّ في خروج فرد من العامّ، يكون المرجع لرفعه أصالة العموم.

ومع الشكّ في خروج فرد في قطعة من الزمان، يكون المرجع أصالة الإطلاق لا العموم.

ومع الشكّ في الأقلّ والأكثر من خروج القطعات، يدفع الشكّ في الزائد بأصالة الإطلاق.

حكم تلف العينين أو إحداهما على القول بالملك

ففي المقام لمّا قام الإجماع فرضاً (1) على عدم لزوم المعاطاة، والمتيقّن منه عدم لزومها ما دام بقاء العينين، لا يكون الإجماع مخصّصاً للعموم، بل مقيّداً للإطلاق، وفي مقدار الزائد من المتيقّن تكون أصالة الإطلاق رافعة للشكّ.

فما ذكره الشيخ الأنصاري قدّس سرّه هاهنا (2)، موافق للتحقيق وإن لم يذكر وجهه، وأمّا ما ذكره في الخيارات(3) فمنظور فيه والتفصيل يطلب من مظانّه(4).

ص: 271


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 56.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 96.
3- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18: 207.
4- يأتي في الجزء الرابع: 557 - 559 وما بعدها؛ الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 218 - 219.

ثمّ إنّ الظاهر عدم جواز التمسّك للّزوم بالوجوه الثمانية المتقدّمة في كلام الشيخ قدّس سرّه (1).

فإنّ منها: ما يكون المال كموضوعه، كقوله صلی الله علیه و آله وسلم: «الناس مسلّطون على أموالهم»(2) أو موضوعه نحو قوله صلی الله علیه و آله وسلم: «لا يحلّ مال امرئ مسلم»(3).

ومنها: ما يكون الملك موضوعه، كاستصحاب بقاء الملك.

ففي مثلهما لا يصحّ التمسّك بعد تلف العينين بهما؛ لأنّ الحكم متعلّق بالموضوع المفروض الوجود، والمال المعدوم لا يحكم بأنّ الناس مسلّطون عليه، أو لا يحلّ التصرّف فيه بلا رضا صاحبه، والمعدوم لا يعتبر ملكاً حتّى يستصحب.

مع ما في الاستصحاب من الإشكال الآخر، وهو معارضته باستصحاب جواز المعاملة، ولعلّه مقدّم على الاستصحاب المذكور بالحكومة، فتأمّل.

ثمّ لو قلنا بالملك، فمع تلف العينين يكون المرجع - بناءً على ما قدّمنا - أصالة الإطلاق في نحو (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و«المؤمنون عند شروطهم»(4) ولا يجري الاستصحاب مع إطلاق الدليل الاجتهادي.

ص: 272


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 51 - 58.
2- الخلاف 3: 176؛ عوالي اللآلي 1: 222 / 99؛ بحار الأنوار 2: 272 / 7.
3- الكافي 7: 273 / 12؛ وسائل الشيعة 29: 10، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 1، الحديث 3.
4- تهذيب الأحكام 7: 371 / 1503؛ وسائل الشيعة 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 4.

ويظهر من الشيخ الأعظم قدّس سرّه عدم جريانه في نفسه، بدعوى: أنّ الجواز هنا غير متعلّق بالعقد، وليس ذلك على نحو جواز البيع الخياري؛ من عوارض العقد.

بل لو شكّ في كونه متعلّقاً بالعقد، أو بالعوضين، أو كان نحو جواز الرجوع الثابت في الهبة، لا يجري الاستصحاب أيضاً.

وبالجملة: حيث كان الجواز بمعنى جواز ترادّ العينين، وارتفع مورد الترادّ، امتنع بقاؤه(1).

وفيه: أنّه إن كان المراد بالترادّ هو الخارجي التكويني، فلا شبهة في أنّ الجواز في المعاطاة لا يتعلّق به؛ ضرورة نفوذ الفسخ اللفظي مع بقاء العينين، فلا بدّ وأن يراد به الترادّ الاعتباري، وهو تابع لفسخ العقد، ولا يعقل تحقّقه بغيره.

نعم، يمكن الفسخ بالقول وبالفعل - أي الترادّ الخارجي - بقصد فسخه، فالجواز متعلّق بالعقد المتعلّق بالعينين على نحو تعلّق الخيار؛ فإنّه حقّ متعلّق بالعقد المتعلّق بالعين، فحينئذٍ إن قلنا: بإمكان بقاء حقّ الخيار مع تلف العينين، فلا مجال لإنكار إمكان بقاء الجواز في المقام، ومع الشكّ يكون مجرى الاستصحاب.

نعم، لا يجري في المقام للدليل الاجتهادي.

وما أفاد رحمه الله علیه من أنّه لا دليل في مقابل أصالة اللزوم على ثبوت أزيد من جواز ترادّ العينين(2).

ص: 273


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 96.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 97.

فيه: أنّه إن كان المراد من جوازه، أخذ العينين والتصرّف فيهما، من غير جواز فسخ المعاملة، فهو ليس في مقابل أصالة اللزوم التي لا شكّ في تعلّقها بالعقد.

أو المراد جواز ردّهما في الملكية؛ أي تملّكهما من غير فسخ، فهو أيضاً كذلك؛ لأنّه تملّك جديد غير مقابل لأصالة اللزوم، كجواز التملّك تقاصّاً.

أو المراد الترادّ الاعتباري، الذي هو عبارة اُخرى عن فسخ المعاملة، فهو مقابل أصالة اللزوم.

نعم، القدر المتيقّن منه جوازه ما دام بقاء العينين، ومعه يمكن الاستصحاب بعد التلف.

ثمّ لو جوّزنا الفسخ في البيع الخياري بعد تلف العينين - مع أنّ لازمه ترادّهما اعتباراً - وقلنا: لا مانع من اعتبار ترادّ المعدومين، لا مانع من ترادّهما في المقام أيضاً، فالمتيقّن وإن كان ثبوت جوازه حال وجودهما، لكن لا مانع من ترادّهما الاعتباري بعد التلف، فيجري الأصل.

ثمّ ممّا ذكرناه يظهر الكلام في تلف إحدى العينين. هذا على القول بالملكية.

تأسيس الأصل على القول بالإباحة

وأمّا على القول بالإباحة، فهل الأصل اللزوم، أو الجواز؟

يمكن أن يقال: إنّ مقتضى وجوب الوفاء بالعقد - مضافاً إلى الالتزام بالملكية - تسليم كلّ منهما العوض، وتمكينه على جميع التصرّفات، وعدم المنع من قبله، وإلاّ لم يكن موفياً بالعقد، والمتيقّن من تصرّف الشارع هو حيثية

ص: 274

حصول الملك عنده لا عند العرف؛ فإنّه ليس في مجال التشريع، فالملكية العقلائية باقية بلوازمها، وتعبّد الشارع بعدم الملكية عنده فقط.

بل الظاهر من جواز تصرّف كلّ منهما فيما بيده - حتّى الموقوفة على الملك - أنّ الشارع أبقى الإباحة اللازمة للملك على حالها.

بل لنا أن نقول: إنّ الإباحة في المقام ليست مالكية؛ لأنّ المالك لم ينشئ الإباحة، وليس في وسعه بعد التمليك جعل الإباحة.

ولا الإباحة الشرعية؛ بمعنى جعل ما ليس بسبب للإباحة سبباً لها، وسلب السببية العقلائية عنه؛ فإنّه بعيد، يحتاج إلى دليل واضح.

ولا بمعنى جعل الإباحة في موضوع المعاطاة؛ بحيث لا يرتبط بسببيتها، بأن يقال: أسقط السببية مطلقاً، وجعلها موضوعاً لأمر أجنبيّ، وهذا أيضاً التزام غريب، يحتاج إلى دليل محكم.

ولا بمعنى جعل الإباحة تبعاً لرضا المالك بالتصرّف؛ ضرورة أنّ رضاه ليس إلاّ الرضا المعاملي، وليس له الرضا بتصرّف الغير في ملك نفسه؛ فإنّه ليس في وسعه.

ولا الإباحة الشرعية المسبّبة عن رضا الطرفين تقديراً؛ فإنّ الرضا التقديري لا يعتدّ به، مع أنّه لا يمكن كلّياً، وإحرازه في كلّ معاملةٍ غير ممكن.

فحينئذٍ يمكن أن يقال: إنّ المالك بعقده صار سبباً لحصول الملكية وتحقّق موضوع الإباحة الشرعية؛ ضرورة أنّ الناس مسلّطون على أموالهم عرفاً وشرعاً.

فبهذا المعنى يمكن أن يقال: إنّ الإباحة مالكية؛ أي أنّ سبب تحقّقها المالك،

ص: 275

مع قطع النظر عن الإجماع في المعاطاة، وكذا شرعية، لأنّ الشارع أباح تصرّف كلّ شخص في ملكه.

فالمعاطاة سبب للملكية العقلائية والإباحة التابعة لها، والشارع لم يكن في وسعه التصرّف في الملكية العقلائية، وإنّما له عدم اعتبار الملكية، أو التعبّد بعدم ترتيب آثار الملكية العقلائية، وما ثبت بالإجماع هو الأوّل فقط، بل الظاهر من الإجماع فرضاً على جواز جميع التصرّفات وإباحته مع عدم الملكية شرعاً، هو التصرّف من جهة، دون سائر الجهات.

فالإباحة شرعية، ومالكية بمعنى، وليس بشيءٍ منهما بمعنى آخر، فحينئذٍ يتمسّك بالأدلّة للّزوم.

ومع الغضّ عنه يمكن أن يقال: إنّ الأصل اللزوم إن قلنا بالإباحة المالكية؛ بدعوى أنّ المعاطاة تنحلّ إلى شيئين، التمليك مقابل التملّك، والإباحة بالعوض، وهي متحقّقة في ضمن الأوّل، فإذا قام الإجماع على عدم حصول الملك، بقيت الإباحة بالعوض، وعقدها لازم على القواعد، لكنّ المبنى فاسد كما لا يخفى.

وإن قلنا: بالإباحة الشرعية، فإن قلنا: إنّ الشارع أسقط سببية المعاطاة لحصول الملكية، وأثبت لها سببية للإباحة، يمكن القول باللزوم؛ بدليل وجوب الوفاء بالعقود، فإنّ السبب الشرعي كالسبب العقلائي في وجوب الوفاء بمقتضاه، ومجرّد عدم قصدها لا يوجب سلب العقدية أو سلب المقتضي، ومع وجود المقتضي يكون الوفاء به بالعمل بمقتضاه، ولو كان بسببية شرعية.

إلاّ أن يقال: إنّ الأدلّة منصرفة إلى المقتضيات العقلائية التي تكون مقصودة

ص: 276

للمتعاملين، وهو غير ظاهر، ولا سيّما مع التفات المتعاملين إلى السببية الشرعية، فتأمّل.

وإن قلنا: بأنّ الإباحة الشرعية حكم ثابت منه لموضوع هو المعاطاة، فلا يمكن إثبات اللزوم بالأدلّة؛ لأنّ ترتّب الأثر على الموضوع ليس مقتضاه، وترتيبه عليه ليس وفاءً به، فمثله خارج عن مفاد الأدلّة، فيمكن التمسّك بإطلاق دليل السلطنة للجواز.

إلاّ أن يقال: إنّ العقد المعاطاتي متحقّق عرفاً، وهو موضوع لحكم شرعي، والشارع وإن أسقط التأثير في الملك، لكن لم يسقط - ولو تعبّداً - عقديته، ودليل لزوم الوفاء شامل له بالنسبة إلى إبقاء العقد بحاله، وما لم ينحلّ تبقى الإباحة الشرعية؛ لبقاء موضوعها، فدليل اللزوم موجب لإبقاء موضوع الإباحة.

ولا مانع منه؛ لأنّ دليل اللزوم كما يقتضي ترتيب الآثار، يقتضي إبقاء العقد، فتأمّل، ولا ترفع اليد عنه إلاّ بالدليل، أو التشبّث باللغوية، وليس في المقام شيء منهما، ولا صلاحية لدليل السلطنة لردّ العوض بعد دليل اللزوم؛ لأنّ السلطنة ليست على الأحكام الشرعية.

وأمّا التمسّك بأصالة بقاء سلطنة المالك الثابتة قبل المعاطاة، وتحكيمها على أصالة بقاء الإباحة الثابتة قبل رجوع المالك(1)، ففيه إشكال؛ لعدم كون الشكّ في بقاء الإباحة الشرعية مسبّباً عن الشكّ في بقاء السلطنة، بل هو مسبّب عن الشكّ في مقدار جعل الشارع، وليس نفي الإباحة من الآثار الشرعية لبقاء السلطنة.

ص: 277


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 96.

نعم، هما متضادّان، فإطلاق دليل السلطنة المثبت لجواز الترادّ، النافي لبقاء الإباحة بعد الرجوع والردّ، كافٍ في أصالة عدم اللزوم.

وقد يقال في وجه عدم الحكومة: إنّ المراد بالسلطنة إمّا القدرة شرعاً - تكليفاً ووضعاً - على التصرّف، أو لازمها وهو عدم سلطنة الغير.

فالاستصحاب على الأوّل جارٍ، وغير منافٍ لجواز تصرّف الغير. فلكلٍّ منهما التصرّف فيه، أحدهما بالملك، والآخر بالإباحة الشرعية.

وعلى الثاني: - ومرجعه إلى استصحاب محجورية غير المالك قبل المعاطاة - فلا يجري استصحاب المحجورية؛ ضرورة تبدّلها باللا محجورية بواسطة المعاطاة، فتستصحب اللا محجورية(1).

وفيه: أنّ المراد بالسلطنة - حسب إطلاق دليلها - هو السلطنة التامّة المطلقة على جميع التصرّفات، وعلى منع الغير عنها؛ ضرورة أنّ سلطنة الغير على تصرّف ما، منافية لإطلاق السلطنة.

فحينئذٍ نقول: إنّ المتيقّن من جواز تصرّف المباح له، هو حال عدم منع المالك، والسلطنة على المنع كانت متحقّقة قبل المعاطاة، ولم يعلم بانقلابها بالمعاطاة، فمع الغضّ عن دليل السلطنة، والشكّ في البقاء، تستصحب.

وبعبارة اُخرى: إنّا نشكّ في مقدار سقوط السلطنة بعد تحقّق المعاطاة، فكما يجري استصحاب بقاء الإباحة، يجري استصحاب بقاء السلطنة المتحقّقة قبل المعاطاة، المقتضية للسلطنة على منع المباح له عن التصرّف.

ص: 278


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 199.

ثمّ قال هذا القائل: التحقيق أن يقال: إنّ الإجماع قائم على جواز الرجوع في المأخوذ بالمعاطاة، واستصحابه حاكم على استصحاب الإباحة(1).

وفيه: أنّ الإجماع قائم فرضاً على جواز العقد المعاطاتي، ولازمه العقلي أو العقلائي جواز الرجوع، ولا إجماع على جواز الرجوع - بمعنى النفوذ الوضعي له - حتّى يستصحب، ولا أقلّ من الشكّ فيه، هذا إذا كانت العينان باقيتين.

حكم تلف العينين على القول بالإباحة

وأمّا مع تلفهما، فيمكن تقريب أصالة اللزوم؛ بأن يقال: إنّ الإباحة الشرعية مترتّبة على بيع المعاطاة؛ أي هذا البيع العقلائي الذي كان لدى العقلاء موجباً للملك واللزوم.

فالتعاطي في بيع المعاطاة سبب عقلائي لحصول النقل والانتقال، ولزوم المعاملة، وقد قام الإجماع فرضاً على عدم حصول الملك مع بقاء العينين، فمن إطلاق دليل سببية العقد - ولو معاطاة - للملك اللازم وذلك الإجماع، نستكشف تصرّف الشارع في السبب، وجعل ما هو تمام السبب جزءه، وجزءه الآخر تلف العينين، فترفع اليد عنه في مورد القيد، ويؤخذ بالإطلاق في غير مورده، مع الغضّ عن عدم اعتبار ملكية المعدوم.

وهذا نظير بيع الصرف؛ حيث تصرّف الشارع في السبب، وأخرجه عن تمامية السبب إلى بعضه، ونظير الوقف.

ص: 279


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 200.

وبالجملة: إنّ إطلاق الأدلّة المقتضية للسببية المطلقة، مقيّد بمقدار ثبوت القيد، وفيما عداه كان محكّماً، ولازمه أصالة اللزوم.

ثمّ مع الغضّ عنه يمكن أن يقال: إنّ مقتضى قاعدة الضمان باليد هو ضمان المتعاملين بالمثل، أو القيمة الواقعية؛ بدعوى أنّ إطلاق «على اليد...»(1) يقتضي الضمان مطلقاً، خرجت منه الأمانة المالكية بالدليل أو الانصراف، والأمانة الشرعية بالدليل، وبقي الباقي، والمقام ليس من الأمانة المالكية؛ ضرورة أنّ التمليك بالعوض ليس منها، ولهذا يكون المقبوض بالبيع الفاسد مضموناً، والمقام منه.

وأمّا الإباحة الشرعية الثابتة بالإجماع، فلا تلازم عدم الضمان، والمتيقّن منه ثبوت الإباحة، لا سلب الضمان، نظير إباحة أكل مال الغير لدى الضرورة؛ فإنّ مجرّدها لا يوجب نفي ضمان الإتلاف، ولا ضمان اليد، بل المقام أولى بذلك من الأكل في المجاعة.

فمقتضى ضمان اليد ضمانهما بالمثل أو القيمة الواقعية، وهو مشترك مع الجواز والفسخ في الأثر.

ومع الغضّ عنه أيضاً يمكن أن يقال: إنّ موضوع حكم الشارع بالإباحة لمّا كان العقد المعاطاتي العقلائي، فما دام بقاء العقد تبقى الإباحة، وبفسخه ترتفع، والعقد كان جائزاً قبل تلف العينين فرضاً، ولهذا لو فسخ أحدهما

ص: 280


1- عوالي اللآلي 1: 224 / 106، و3: 251 / 3؛ مستدرك الوسائل 14: 7، كتاب الوديعة، الباب 1، الحديث 12؛ المسند، أحمد بن حنبل 15: 121 / 19969 و133 / 20009؛ سنن الترمذي 2: 368 / 1284.

ارتفعت الإباحة عن الطرفين، وهذا الجواز لمّا كان متعلّقاً بالعقد العقلائي

الذي هو موضوع للأثر الشرعي، وبتلف العينين يشكّ في بقائه، فيجري استصحاب الجواز.

وثمرته حلّ العقد بالفسخ وارتفاع الإباحة، فيكون تلف العين في يده مع استرداد الإباحة، وهو موجب للضمان بالمثل أو القيمة.

إلاّ أن يقال: إنّ ما ذكر له وجه لو كان الفسخ من الأصل؛ بأن يقال: إنّ حلّ العقد من الأصل يوجب ارتفاع الإباحة ولو حكماً منه، وبعد ارتفاعها لا يبقى وجه لعدم الضمان بالمثل أو القيمة؛ فإنّ ما يتوهّم كونه سبباً لرفع الضمان هو الإباحة الشرعية، والفرض ارتفاعها.

ولكنّ المبنى فاسد، والفسخ إنّما يكون من حينه، لا من الأصل، ولهذا لا يضمن المباح له المنافع المستوفاة حال الإباحة، بالفسخ بالضرورة.

حكم تلف إحدى العينين على القول بالإباحة

ولو تلفت إحدى العينين، وقلنا: بالإباحة، فقد نقل عن الشهيد قدّس سرّه القول

بأصالة عدم اللزوم؛ لأصالة بقاء سلطنة مالك العين الموجودة(1).

وردّه الشيخ الأعظم قدّس سرّه: بأنّها معارضة بأصالة براءة ذمّته عن مثل التالف أو قيمته، وأبطل التمسّك بقاعدة اليد. ثمّ قال: إنّ أصالة بقاء السلطنة حاكمة على الأصل المذكور. ثمّ تشبّث بعموم «الناس مسلّطون على أموالهم»(2) بدعوى أنّ

ص: 281


1- مسالك الأفهام 3: 149.
2- الخلاف 3: 176؛ عوالي اللآلي 1: 222 / 99؛ بحار الأنوار 2: 272 / 7.

السلطنة على المال الموجود بأخذه، وعلى التالف بأخذ بدله الحقيقي؛ أي المثل أو القيمة(1)، انتهى.

أقول: إنّ السلطنة على ردّ المال الموجود، لا تلازم ضمانه بالمثل أو القيمة، بعد كون المفروض تلف العين سماوياً؛ فإنّ الإباحة الشرعية الثابتة للطرفين مع رجوع إحدى العينين، لا تقتضي إلاّ سلب الإباحة عن الطرف المقابل، لا ضمان العين.

وبالجملة: لا دليل على الضمان بعد الاعتراف بأنّ اليد لا تقتضي الضمان؛ فإنّ الإباحة الشرعية لا تقتضي الضمان، وكذا السلطنة على استرجاع العين، فلا منافاة بين بقاء السلطنة، وبراءة الذمّة عن المثل والقيمة، حتّى يتعارض الأصلان.

ثمّ إنّه لم يتّضح وجه حكومة أصالة بقاء السلطنة على أصالة براءة الذمّة، مع

أنّ ترتّبهما ليس شرعياً، بل لا ترتّب بينهما رأساً؛ فإنّ المنافي لبراءة الذمّة - على فرضه - إنّما هو الردّ، لا أصالة بقاء السلطنة.

وبما ذكرناه يظهر النظر في قوله: «إنّ ضمان التالف ببدله معلوم...»(2) إلى آخره؛ لما عرفت من عدم الدليل عليه بعد الغضّ عن قوله صلی الله علیه و آله وسلم: «على اليد...».

وأمّا التمسّك بقاعدة السلطنة على المال التالف لأخذ بدله الحقيقي، فغير وجيه؛ لأنّ موضوع دليل السلطنة المال المفروض التحقّق، لا هو في حال وجوده وعدمه؛ ضرورة أنّ المعدوم لا يكون موضوع السلطنة، ولا هو ومع عدمه بدله.

ص: 282


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 98.
2- نفس المصدر.

والقياس بدليل اليد؛ حيث إنّ مقتضاه على قولٍ ردّ العين، ومع عدمها ضمان المثل أو القيمة(1)، في غير محلّه؛ لما يأتي في محلّه(2) من أنّ قاعدة اليد تقتضي عهدة نفس العين فقط على هذا القول، لكنّ الخروج عن عهدتها يختلف لدى العقلاء؛ فمع تحقّق العين يكون الخروج عن عهدتها بتسليمها، ومع التعذّر عنها يكون بالمثل، ومع التعذّر بالقيمة، وليس مفاد قاعدة اليد ضمان المأخوذ بنفسه، ومع فقده ببدله.

ثمّ إنّه بناءً على ما يظهر من الشيخ الأعظم قدّس سرّه - من ملازمة بقاء السلطنة على العين لاشتغال ذمّته بالمثل أو القيمة(3) - كان عليه رحمه الله علیه التمسّك بدليل السلطنة الثابتة للعين الموجودة، وكشف اشتغال الذمّة بالعين التالفة، وهو حاكم على أصالة البراءة، لا التمسّك بالأصل أو السلطنة على العين التالفة.

إلاّ أن يقال: مع احتمال حصول الملك بتلف أحد العوضين، تصير الشبهة موضوعية، وعليه لا يصحّ التمسّك به في العين التالفة أيضاً؛ لاحتمال وقوعها عوضاً اعتباراً بعد التلف.

حكم كون أحد العوضين ديناً على القول بالملك

ولو كان أحد العوضين ديناً في ذمّة أحد المتعاطيين، فعلى القول بالملك يملكه من في ذمّته، فيسقط عنه، وهو في حكم التالف، لما مرّ من إطلاق أدلّة

ص: 283


1- اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 84.
2- يأتي في الصفحة 375.
3- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 98.

اللزوم، والمتيقّن من الخروج عنه غير هذه الصورة(1)، فبعد السقوط يكون العقد لازماً، لا يجوز لأحدهما الرجوع.

وقد يتشبّث لعدم الرجوع بوجوه:

منها: أنّ ما في الذمّة يتشخّص بتشخّص الأطراف والإضافات، ومع سقوطه لا يعقل عوده؛ لأنّ المعدوم يمتنع أن يعود(2)، ولعلّ نظر الشيخ الأعظم قدّس سرّه بقوله: «الساقط لا يعود»(3) إلى هذا الوجه.

وفيه: أنّ الكلّي المورد للمعاملة، ما هو قابل للصدق على الخارج وعلى الكثيرين، وما هو متشخّص بقيد التشخّص لا يعقل أن يتحقّق في الخارج وينطبق على الكثيرين، فما في الذمّة نفس الطبيعة بلا خصوصية موجوديتها في الذمّة وتخصّصها بالإضافات، فعودها ليس من إعادة المعدوم.

وبعبارة اُخرى: إنّ الطبيعة بنفسها لا تتكثّر، وإنّما تتكثّر بالوجود والتشخّص، والمفروض في المقام أنّه ليس ما في الذمّة هو الموجود الشخصي المتخصّص بالخصوصيات، فمثل تلك الطبيعة لا كثرة فيها؛ إذ الشيء لا يتكثّر بنفسه، فإذا اعتبرت تلك الطبيعة في الذمّة، ثمّ سقطت واعتبرت ثانية وثالثة، لا تكون في تلك الاعتبارات الكثيرة إلاّ نفسها؛ لعدم لحوق ما يوجب التكثّر والغيرية بها، فمنّ من حنطة - بلا قيد وخصوصية - منّ منها، ولو لوحظ ألف مرّة.

واختلاف الاعتبار واللحاظ لا يوجب اختلاف المعتبر والملحوظ، فحديث

ص: 284


1- تقدّم في الصفحة 270 - 271.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 219.
3- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 99.

إعادة المعدوم ناشٍ من الخلط بين الطبيعة بلا قيد، والطبيعة الموجودة في الذمّة المتخصّصة بالخصوصيات.

وأمّا ما قاله صاحب المقال: إن كان المراد بجواز الترادّ، الترادّ الملكي الباقي بعد التلف، ففي المقام لا يعقل؛ لأنّ تلف العين لا ينافي بقاء ملكية التالف اعتباراً قبل الرجوع، بخلاف السقوط؛ فإنّه لا معنى لاشتغال ذمّته بمثل الساقط للغير قبل الرجوع، فإنّ اعتبار سقوط ما في الذمّة وبقائه متنافيان، مع التسالم على عدم اشتغال ذمّته بشيءٍ للغير قبل الرجوع(1)، انتهى ملخّصاً.

ففيه: أنّ الترادّ الملكي إنّما هو تبع للفسخ؛ إذ لا يعقل بقاء العقد وترادّ العين ملكاً، فمع الفسخ ينحلّ العقد، وترجع ذمّة المديون مشتغلة بعين ما اشتغلت.

ولو قلنا بلزوم الردّ في الملكية، فاللازم اعتبار الكلّي في ذمّة المديون قبل الرجوع ملكاً له، لا للغير، وبالرجوع صار ملكاً للدائن، كما في الفسخ في العين التالفة، وعدم مالكية الشخص لما في ذمّته في المقام ونظائره غير مسلّم.

وما قيل من أنّه لا يعقل مالكية الشخص لما في ذمّته(2) لعلّه خلط بين المالكية والدائنية؛ فإنّه لا يعقل أن يكون الشخص دائناً لنفسه، وأمّا مالكيته لما في ذمّته فهو أمر معقول، ولعلّ في بيع الكلّيات يكون الاعتبار بملكية الكلّي أوّلاً، ونقله إلى الغير بعده.

ومنها: أنّ حقّ الخيار أو جواز الرجوع، يسقط بسقوط ما في الذمّة؛ لأنّ

ص: 285


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 220.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 23 - 24؛ منية الطالب 1: 109 و204.

موضوعهما يرتفع بالسقوط، فلا يبقى لهما متعلّق(1).

وفيه: أنّ متعلّق الحقّ أو جواز الفسخ هو العقد لا العين، كما تقدّم الكلام فيه، ومعه يكون متعلّقه وموضوعه هو الأمر الاعتباري الباقي، كمافيسائرالخيارات.

ولو قلنا في المعاطاة: بالجواز الحكمي لا حقّ الخيار، يكون موضوعه أيضاً العقد الباقي.

ومنها: أنّ رجوع الذمّة مشغولة بعد الفسخ، لا يصحّح تعلّق حقّ الخيار؛ فإنّه لا بدّ من أن يكون متعلّق الحقّ في رتبة سابقة على الفسخ وجوداً حتّى يتعلّق به، فيفسخ ويأخذ بحقّه(2).

وفيه: أنّ متعلّق الحقّ - وهو العقد - موجود في رتبة سابقة، ولازم حلّه لدى العقلاء، رجوع الذمّة مشغولة بما اشتغلت به أوّلاً.

وممّا تقدّم ظهر النظر فيما قيل: من أنّ عود الذمّة اشتغال جديد غير الاشتغال الأوّل، والذي ذهب لا يعود، والعائد شخص آخر(3)، فإنّ تجدّد الاشتغال بتجدّد المشتغل به وتكثّره، وقد عرفت عدم تجدّده وتكثّره.

ومنها: أنّه يعتبر في جواز الرجوع خروج الملك عن ملك من انتقل إليه إلى ملك من انتقل عنه، وهذا ممتنع في المقام؛ لأنّه إذا ردّ المشتري العين الموجودة إلى المديون، فلا بدّ من أن يخرج الدين عن ملكه، ويدخل في ملك المشتري، ودخول الدين في ملك المديون نتيجته السقوط دائماً،

ص: 286


1- حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 87.
2- نفس المصدر.
3- نفس المصدر.

نظير انعتاق العمودين، فيمتنع الرجوع(1).

وفيه: - مضافاً إلى منع تقوّم الفسخ بخروج الملك عن ملك شخص، ودخوله في ملك الآخر، كما تقدّم نظيره في البيع، وقلنا: لا يتقوّم بتبادل الإضافات كذلك(2) - أنّه لا دليل على ملازمة ملكية الشخص لما في ذمّته للسقوط عنها، وقياس المقام بالعمودين مع الفارق، بعد قيام الدليل فيهما دون المقام، بل لا يخلو المقيس عليه من المناقشة أيضاً.

وبالجملة: لا مانع من مالكية الشخص لما في ذمّته وانتقاله إلى غيره.

هذا كلّه مضافاً إلى أنّ اللازم في مثل المقام الرجوع إلى بناء العقلاء وعملهم، لا إلى مناقشات عقلية لا ترجع إلى محصّل، ولا شبهة في أنّ العقلاء يبيعون بما في الذمم، وتكون نتيجته سقوط ما فيها.

ثمّ لو كان لهم خيار في البيع الكذائي وفسخوا، يصحّ الفسخ عندهم بلا ريب، ولازمه رجوعهم إلى من عليه الدين بدينهم، كما هو بناؤهم جزماً، فالمناقشات المذكورة كالشبهة في مقابل البداهة، هذا على القول بالملك.

حكم كون أحد العوضين دينا على القول بالإباحة

وأمّا على القول بالإباحة، فقد يقال: إنّ المعاملة باطلة؛ لفقد الأثر(3).

وهو كما ترى؛ لكفاية الأثر في الجملة في الصحّة، وتترتّب على الإباحة

ص: 287


1- منية الطالب 1: 205.
2- تقدّم في الصفحة 255.
3- حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 87.

صحّة التصرّفات الاعتبارية؛ من البيع، والصلح، والإسقاط، ونحوها.

وربّما يقال: إنّ المعاطاة على ما في الذمّة تلازم السقوط؛ لأنّ التحقيق أنّ بيع المعاطاة المفيد للإباحة، هو ما قصد المتبايعان به التمليك لا الإباحة، ولازم ذلك تسليط كلّ منهما صاحبه على ماله؛ لما قلنا: من أنّ المتعاملين أوجدا مصداق التسليط المذكور، ولازمه الإباحة المالكية، ولازم ذلك التسليط سقوط ما في الذمّة؛ لعدم تعقّل تسلّط الشخص على ما في ذمّته، كما لا تعقل ملكيته لما في ذمّته(1)، انتهى ملخّصاً.

وفي المبنى والبناء إشكال:

أمّا في الأوّل: فلأنّ المتبايعين في المعاطاة وغيرها لا ينشئان إلاّ التمليك بالعوض وقبوله، أو التبادل بين المالين، والتسليط الخارجي ليس موضوعاً لحكم، والتسليط الاعتباري - الذي هو مفاد قاعدة تسلّط الناس على أموالهم - ليس في البيع ونحوه من منشآت المتعاملين، وإنّما هو حكم عقلائي أو شرعي مترتّب على مال الناس، والمتعاملان يحقّقان موضوع السلطنة لا نفسها.

وقد قلنا سابقاً (2): إنّ الإباحة المالكية في البيع ونحوه غير صحيحة، بل غير معقولة، وطيب نفسهما في المعاملات طيب نفس معاملي، أو طيب نفس بالمعاملة، لا طيب مطلق، ولهذا قالوا: إنّ المأخوذ بالبيع الفاسد كالمأخوذ غصباً(3).

ص: 288


1- منية الطالب 1: 206.
2- تقدّم في الصفحة 86 - 87 و275.
3- السرائر 2: 285 و326؛ الروضة البهيّة 2: 190؛ اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 180.

وأمّا في الثاني: فلعدم صحّة دعوى امتناع تسلّط الناس على ما في ذممهم، بل صحّة المعاملات على الكلّي، موقوفة على تسلّطهم على ما في ذممهم؛ لأنّ صحّة المعاملة موقوفة على تسلّط الشخص على ما أوقع المعاملة عليه.

وبالجملة: لا دليل على ما ذكره، بل الدليل على خلافه، بل لو سلّم الامتناع في غير المقام لا يسلّم فيه؛ لأنّ الكلّي على ذمّته للغير، ولا مانع من تسلّطه على مال الغير في ذمّته بتسليطه، فيصحّ بيعه وصلحه، كما لو وكّله لذلك.

ثمّ لو قلنا بسقوط الدين عن الذمّة، فلا بدّ وأن يقال بلزوم المعاطاة، لا لما ذكروا: من عدم إمكان الترادّ(1)، بل لما ذكرناه سابقاً (2)؛ من أنّ مقتضى أدلّة لزوم المعاملات تمامية الأسباب العقلائية في التأثير، ومع قيام الإجماع على عدم اللزوم في ظرف بقاء العينين، يستفاد منه ومن إطلاق الأدلّة أنّ تأثير السبب مشروط بعدم بقاء العينين على ما هما عليه، ومع سقوط إحداهما يؤثّر السبب في الملكية.

وأمّا مع القول بعدم السقوط، فإن قام الإجماع على الجواز حتّى في مثل المورد - أي المعاطاة على الدين - فهو، وإلاّ فالأصل اللزوم.

حكم انتقال العوضين على القول بالملك

ولو نقلت العينان أو إحداهما بعقد جائز أو لازم، فمقتضى ما ذكرناه - من

ص: 289


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 99؛ منية الطالب 1: 205؛ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 219.
2- تقدّم في الصفحة 270 - 271.

أصالة اللزوم في غير مورد الإجماع - هو لزومها؛ لعدم ثبوته على فرض تحقّقه في مثل المورد.

وأ مّا التشبّث بامتناع الترادّ،(1) فغير وجيه؛ لما عرفت: من أنّ المراد بالترادّ ليس الخارجي منه، والترادّ الاعتباري تبع للفسخ، وهو ممكن(2).

والتحقيق: أنّ الحقّ في الخيار والجواز في المقام قائمان بالعقد، ومع حلّه ترجع العين إلى محلّها الأوّل اعتباراً، حتّى في مورد تلفها حقيقة أو حكماً كالنقل لازماً، ولازم رجوع العين استحقاق الطرف نفس العين، لكن مع فقدها يكون حكمه العقلائي ردّ ما هو الأقرب إليها من المثل أو القيمة، نظير ما قد يقال في قاعدة اليد.

إن قلت: لازم رجوع العين إلى الفاسخ صيرورتها مملوكة له، مع أنّها مملوكة للمشتري الثاني، ولا تعقل مملوكية شيءٍ واحد بتمامه لشخصين في زمان واحد.

قلت: يمكن أن يقال: إنّ العين التالفة أو ما بحكمها تعتبر بالفسخ على عهدة الطرف، ولا محذور في كون شيء واحد ملك شخص وعلى عهدة أشخاص متعدّدين، كالأيادي المتعاقبة على عين مغصوبة، فإنّ كلاًّ منهم على عهدته العين على قول(3) فيجب عليه ردّها أو ردّ مثلها أو قيمتها، مع أنّها مملوكة للمالك المغصوب منه.

وبالجملة: إنّ للعقلاء أحكاماً ثلاثة:

ص: 290


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 99؛ منية الطالب 1: 206.
2- تقدّم في الصفحة 273.
3- شرائع الإسلام 3: 185؛ اللمعة الدمشقية: 221؛ رياض المسائل 12: 260.

أحدها: أنّ الفسخ عبارة عن حلّ العقد، ومقتضاه رجوع كلّ ما وقعت عليه المعاقدة إلى أصله.

وثانيها: أنّ بعض الخيارات العقلائية لا تسقط بالتلف أو النقل.

ولازم ذلك أنّ الخيار حقّ قائم بالعقد، وهو حكم ثالث عقلائي.

ولازم تلك الأحكام أنّه مع تلف العين أو نقلها - إذا انفسخ العقد بفسخ ونحوه - ترجع العين اعتباراً إلى مالكها الأصلي بنحو ما مرّ؛ لأنّ رجوع المثل أو القيمة ليس حلاًّ للعقد، أو لازم حلّه؛ لعدم وقوعه عليها.

ومقتضى رجوع التالف أو ما بحكمه إلى المالك الأوّلي بالفسخ، استحقاقه لنفس العين، ولهذا لو رجع التالف - بنحو خرق العادة - يكون للمالك الرجوع إليه لدى العقلاء، وليس ذلك إلاّ لأنّ الفسخ يوجب الهدم، وهو يوجب استرجاع العين، ومع فقدها يكون إعطاء المثل أو القيمة بدلاً؛ لكونهما بمنزلتها وأقرب إليها، لا لرجوع المثل أو القيمة عند فقدها.

ويمكن أن يقال: إنّ للبيع لازماً عقلائياً، هو عهدة تسليم العوضين؛ بحيث لو تعذّر التسليم من الأوّل، كان العقد باطلاً أو كان خيارياً، ولو تعذّر بعد ما لم يكن في زمان العقد متعذّراً، صار خيارياً، ومع التعذّر لا يرجع إلى المثل أو القيمة؛ لعدم وقوع العقد عليهما.

والفسخ ليس له شأن إلاّ هدم العقد، ومع هدمه يكون لكلّ من الطرفين عهدة إرجاع العين إلى صاحبها؛ لأنّ التسليم مقتضى المعاوضة، ومع هدمها فاللازم عند العقلاء عهدة تسليم العين، ومع التعذّر يرجع إلى الأقرب إليها؛ من المثل أو القيمة، ولا معنى للخيار هاهنا.

ص: 291

والفرق بين هذا والذي قبله: أنّ الوجه السابق مبنيّ على كون العين على العهدة، نظير ضمان اليد على قول(1) وهذا مبنيّ على عهدة التسليم، نظير الكفالة والضمان على قول العامّة فإنّه عهدة أداء ما في ذمّة الغير(2).

وأمّا تصحيح ذلك بما يقال: من أنّ العقد الواقع على عين خارجية وقع على شخصها، ونوعها، وماليتها، التي هي من أعراضها الاعتبارية، ومع فقد الشخص تبقى نوعيتها وماليتها، وردّ المثل ردّهما، ومع فقد المثل تبقى قيمتها، فيجب ردّها (3)، فغير مرضيّ؛ لأنّ النوع الموجود بوجود الشخص غير قابل للصدق على غيره، وما هو قابل له لم يقع عليه العقد؛ ضرورة عدم وقوع العقد على جزئي وكلّي، ويأتي ما ذكر، في القيمة أيضاً، هذا على القول بالملك.

حكم انتقال العوضين على القول بالإباحة

وأمّا على الإباحة، فإن قلنا: بأنّ لازم التصرّف الموقوف على الملك، هو صيرورة ذلك ملكاً للناقل آناً ما، فمقتضى أصالة اللزوم صيرورة المعاطاة لازمة بعد النقل، بعد ما كان للّزوم أثر، وهو عدم صحّة حلّ العقد، اللازم منه الرجوع بالمثل أو القيمة.

وإن قلنا بعدم ملكيته له آناً ما، فالتمسّك بأصالة السبب - لحصول الملك بعد

ص: 292


1- حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 45؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 469 و481.
2- المغني، ابن قدامة 5: 70 و80 - 82؛ المجموع 14: 23 - 24.
3- اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 318.

النقل والتمليك - غير صحيح؛ لأنّ لازمها سببية العقد لملكية ما هو ملك للغير له.

نعم، يمكن أن يقال: إنّ المتيقّن من الإجماع على عدم تأثير السبب، غير المورد، فمقتضى إطلاق السببية حصول الملك قبل النقل آناً ما، فيتحقّق به موضوع أصالة اللزوم.

فلو عادت العين فإمّا أن يكون بفسخ، أو إقالة، أو سبب جديد من إرث، ونحوه.

فإن كان بالفسخ أو الإقالة، فعلى ما ذكرناه من أصالة اللزوم، وأصالة استقلال السبب، فلا كلام، ومع الغضّ عنه والتشبّث بعدم إمكان الردّ، يمكن أن يقال: إنّ الفسخ والإقالة عند العقلاء هو حلّ العقد، وإرجاع العين إلى الحالة الاُولى، ورجوع الملكية الاُولى، لا ملكية جديدة، فهي من قبيل إعادة المعدوم عرفاً، وليست المسألة عقلية، حتّى يقال: بامتناعها.

وبالجملة: حكم العقلاء في الفسخ هو استرجاع الملكية الاُولى، فعليه لا يمتنع الردّ والاسترداد.

بل لو عادت بملكية حادثة، يمكن أن يلتزم بجواز الردّ؛ لأنّ الفسخ عبارة عن حلّ العقد، وبحلّه لدى العقلاء ترجع نفس العين إلى من انتقلت عنه، حتّى مع تلفها كما تقدّم، فحينئذٍ لو فسخ العقد والعين موجودة في ملكه ولو بملك جديد، يكون مقتضى حلّ العقد رجوعها بنفسها، لا بمثلها أو قيمتها؛ إذ لم يتعلّق العقد بهما حتّى يكون مقتضى حلّه رجوعهما، فالقول: بامتناع الترادّ، غير وجيه.

لكنّ التحقيق: حسب ما أشرنا إليه: أن لا شأن للفسخ إلاّ حلّ العقد، وأمّا رجوع العين فليس مقتضى الفسخ، بل مع حلّ العقد تصير العين ملكاً للبائع

ص: 293

بالسبب السابق، وإنّما تصير ملكاً له لولا المانع، ومعه لا ترجع إليه، كما إذا كانت تالفة حقيقة أو حكماً، لكن لازم الفسخ كون الطرفين ملزمين بردّ العوضين إلى صاحبهما، فيكون لهما عهدة الردّ، كما تكون عهدة التسليم في البيع، ولزوم التسليم إنّما هو مع بقاء العين، ومع تلفها - ولو حكماً - يرجع ما هو الأقرب إليها.

وهذا من غير فرق بين حصول الملك الجديد وعدمه، فلو عادت بفسخ أو ملك جديد يكون مقتضى عهدة الردّ ردّها، والاحتمالات الاُخر مبنيّة على مبنى غير مرضيّ.

نعم، لو فسخ في حالٍ كانت العين للمفسوخ عليه بفسخ أو ملك جديد، فمقتضى فسخه حلّ المعاوضة، فحينئذٍ ترجع العين إلى ملك الفاسخ بالسبب السابق.

ولا منافاة بينه وبين عروض ملكٍ للغير؛ لأنّ العقد باقٍ عرفاً واعتباراً، ولم تسلب من العوضين صفة «العوضية» لعدم المنافاة بينها وبين المعاوضة الاُخرى عليهما، فبعد حلّ العقد ترجع العين - المملوكة للمفسوخ عليه - إلى الفاسخ بالسبب السابق.

وقد يقال: إنّ مطلق التصرّفات الناقلة أو الموقوفة على الملك، موجبة لسقوط الردّ مطلقاً؛ لأنّ العين تخرج بها عمّا هي عليها، ولا بدّ في الردّ من بقائها

على ما هي عليها، كما في خيار العيب، والجواز هاهنا كخيار العيب(1).

ص: 294


1- منية الطالب 1: 207.

وهو كما ترى مصادرة ظاهرة؛ لأنّ المدّعى أنّه بالنقل يسقط الردّ، والدليل المذكور أنّ العين لمّا خرجت عمّا هي عليها - أي انتقلت إلى الغير - سقط ردّها، وهو عين المدّعى.

وقد يقرّر بما حاصله: أنّ المراد بالجواز هو ردّ العين في هذه المعاوضة، ومع تخلّل معاوضة اُخرى ينتفي موضوع الجواز، فالموضوع معلوم الارتفاع(1).

وفيه: أنّ الموضوع هو العقد، وهو معلوم البقاء اعتباراً مع ترتّب الأثر عليه كما في المقام.

وتوهّم: أنّ المعاوضة الثانية موجبة لانعدام المعاوضة الاُولى، فاسد؛ لعدم التزاحم والتضادّ بينهما، ولهذا يكون النقل بالبيع ونحوه - في البيع الخياري - غير مسقط للخيار.

ولو قيل بأنّ الموضوع هو العين، فهي أيضاً باقية ذاتاً وصفة؛ أي بما هي متعلّقة للمعاوضة.

والقول بالفرق بين المقام والخيار؛ بأنّ في الخيار يمكن أن يقال: إنّ الزائل العائد كالذي لم يزل، وفي المقام يكون الزائل العائد كالذي لم يعد(2). كلام شعري لم يصحّ حتّى في مقام الخطابة.

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه تعرّض لفروع في ذيل كلامه(3) لا ثمرة فيها، ولهذا أعرضنا عنها وعن بعض التنبيهات غير المفيدة.

ص: 295


1- منية الطالب 1: 207.
2- منية الطالب 1: 208.
3- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 101 - 102.

ص: 296

القسم الثاني

اشارة

في البيع بالصيغة وما يتعلّق به

ص: 297

ص: 298

فصل في ألفاظ عقد البيع

اشارة

قد مرّ في بحث المعاطاة أنّها بيع صحيح لازم كسائر البيوع، وهي متعارفة بين العقلاء(1)، كما أنّ البيع بالصيغة أيضاً متعارف، فالتعاطي - كالقول - أحد أسباب إنشاء البيع، ولولا دليل على الخلاف كان مقتضى القواعد صحّة البيع بالصيغة ولزومه، بلا شرط وعلى نحو الإطلاق.

ولا ينافي ما مرّ من لزوم المعاطاة وصحّتها، مع البحث عن شرائط الصيغة؛ لاحتمال اعتبار الشارع في خصوص صيغة البيع شرائط للصحّة أو اللزوم، ومع فقدها يقع البيع فاسداً؛ لأنّ ما وقع هي الصيغة الفاقدة لشرط التأثير، وهي غير صحيحة ولا مؤثّرة، ولم يقع سبب آخر كفعل؛ من إعطاء وأخذ، أو إشارة، أو نحوهما، ومع فقد السبب الفعلي مطلقاً، والسبب القولي الصحيح، لا وجه لوقوع البيع؛ لا معاطاة، ولا بالصيغة.

ص: 299


1- تقدّم في الصفحة 84 و142.

ولا دليل على أنّه لو لم يراعَ شرائط صحّة الصيغة يقع البيع معاطاة، بل الدليل على خلافه، سيّما مع القول بلزوم المعاطاة، كما هو التحقيق.

نعم، لو اعتبر في العقد بالصيغة شرائط للّزوم، فمع عدم مراعاتها يقع صحيحاً غير لازم، فحينئذٍ يكون للبيع المعاطاتي مصداق واحد، وهو الصحيح اللازم، وللبيع بالصيغة مصداقان:

أحدهما: ما روعيت فيه شرائط اللزوم، فيقع لازماً.

وثانيهما: ما لم تراعَ فيه، فيقع صحيحاً غير لازم؛ بمقتضى دليل الصحّة، ودليل اعتبار الشرط.

وأمّا الفاسد منهما فلا كلام فيه.

تحقّق البيع بالإشارة والكتابة وغيرهما

ثمّ إنّ هاهنا كلاماً آخر، وهو أنّه لا إشكال في تعارف العقد المعاطاتي بالإعطاء والأخذ، وكذا في تعارف العقد بالصيغة، كما لا شبهة في صدق «البيع» عليهما، بل قد مرّ أنّه يصدق «العقد» أيضاً عليهما (1).

فهل البيع عرفاً ولدى العقلاء منحصر بهما؟ أو يكون البيع بالإشارة، بل بكلّ مظهر؛ كتابةً، أو إشارةً، أو غيرهما، بيعاً عقلائياً؛ بدعوى أنّ البيع ليس إلاّ

المبادلة بين المالين، أو تمليك عين بعوض، فالإشارة المفهمة والكتابة وغيرهما، آلات لإنشاء المعنى الاعتباري، وليس للفظ ولا لعمل خاصّ، خصوصية في

ص: 300


1- تقدّم في الصفحة 104 - 105.

ذلك، فالإشارة وسائر المبرزات آلات للإنشاء في عرض واحد، وكلّ منها سبب مستقلّ لإيقاع المعاملة؟ الظاهر ذلك.

إلاّ أن يقال: إنّ ماهية البيع وإن كانت المبادلة، لكن لا بدّ في تحقّقها من سبب عقلائي، واللفظ والتعاطي سببان عقلائيان بلا شبهة، وأمّا سائر المبرزات فليست من الأسباب العقلائية لإيجاد الطبيعة، وإن كانت بواسطة القرائن مفهمة للمقصود.

فهل ترى: أنّ المتعاملين لو تقاولا على «أنّ إيجابي هو العطسة - مثلاً - وقبولك وضع الكفّ على الكفّ» صدق على ما فعلا «البيع» ونحوه؟ !

والإشارة بالحاجب والسبلة لا تقصر عن ذلك، فهي وأمثالها ليست أسباباً عقلائية، ولا تتحقّق الماهية بها عند العقلاء.

فحينئذٍ لو قلنا بأنّ إشارة الأخرس سبب عقلائي في عرض سائر الأسباب، لا تكون قائمة مقام اللفظ، بل هي سبب كاللفظ.

لكن يمكن المناقشة فيه: بأنّ الإشارة إذا لم تكن سبباً عقلائياً، فلا بدّ من الالتزام بأنّ العجز شرط في السبب، فيكون المؤثّر الإشارة الصادرة من الأخرس؛ بحيث يكون السبب مركّباً من الإشارة، وقيد الخرس، وهو كما ترى.

فلا بدّ وأن يقال: إنّ إشارته قائمة مقام السبب، فلا بدّ في الصحّة والنفوذ من دليل خاصّ، غير الأدلّة العامّة.

ولو سلّم، يمكن المناقشة في إطلاق أدلّة التنفيذ وعمومها لمثل هذا الفرد النادر الوقوع جدّاً، بدعوى انصرافها عن مثله، وصرف ندرة الوجود وإن لم توجب الانصراف، لكن تعارف القسمين المتقدّمين، وعدم تعارف غيرهما،

ص: 301

وندرة وجوده بحيث يلحق بالعدم، ربّما يوجب صرف الأذهان عنه، وانصراف الأدلّة، وفي مثله لا بدّ في نفوذه من دليل؛ لعدم تعارفه حتّى يقال: إنّه أمر متعارف، ولم يردع عنه الشارع، فهو ممضى، ولولا دليل خاصّ، لم يسعنا الحكم بصحّته ولزومه.

إلاّ أن ينكر عدم التعارف؛ ويقال: إنّه متعارف في بعض الظروف والحالات، وهو كافٍ في عدم الانصراف.

وهو مشكل؛ لأنّ ما هو المتعارف هو بيع الأخرس ومعاملته؛ بنحو المعاطاة والإشارات القبلية، كالمقاولات لتعيين المبيع والقيمة مثلاً، وأمّا كون إشارته لإيقاع المعاملة - بحيث يكون الأخرس مستثنى من سائر العقلاء الذين تكون مبايعتهم بالمعاطاة - فهو غير مسلّم، بل مسلّم الخلاف، فالشائع في الظرف الخاصّ هو معاملة الأخرس، لا بيعه بالإشارة في مقام إجراء الصيغة.

وكيف كان: لو قلنا بعدم صدق «البيع» على ما يوقع بالإشارة حقيقة، لا محيص عن القول بعدم صدقه بالنسبة إلى بيع الأخرس بها؛ لأنّ ماهية البيع لا تختلف بالنسبة إلى الناطق وغيره، إلاّ أن يلتزم بالاشتراك اللفظي، وهو كما ترى، أو يقال: إنّ إشارة الأخرس سبب عقلائي، دون إشارة غيره، وهو أيضاً غير مرضيّ، فلا بدّ - على هذا الفرض - من القول بأنّ بيع الأخرس ملحق بالبيع، وهو يحتاج إلى الدليل.

وأمّا لو قلنا بأنّ «البيع» عرفاً ولغة، صادق على البيع بالإشارة حتّى من غير الأخرس، فلازمه أنّ بيعه يقع بالفعل، ولا يكون قائماً مقام البيع بالصيغة؛ لأنّ المفروض أنّ الإشارة أحد الأسباب في قبال اللفظ وسائر الأفعال، فلا فرق بين

ص: 302

إشارة الأخرس وغيره؛ في أنّها آلة لإيجاد المبادلة.

فكما أنّ إشارة غير الأخرس لا تقوم مقام لفظه، كذلك إشارة الأخرس، غاية الأمر: أنّ غيره قادر على إيجاد البيع باللفظ والإشارة وسائر الأفعال، والأخرس عاجز عن إيقاعه باللفظ، فكما أنّ العاجز عن الكتابة لا تقوم إشارته مقام كتبه أو لفظه، كذلك الأخرس.

وبعبارة اُخرى: إنّ إشارة الأخرس كإشارة غيره، آلة لإيقاع البيع بلا وسط وابتداءً في عرض اللفظ، ولا تكون إشارته إشارة إلى اللفظ والإيقاع باللفظ المشار إليه.

تفصيل المحقّق الأصفهاني بالنسبة إلى الأخرس

فما قال بعض أهل التحقيق: من أنّ الأخرس كغيره له عهد مؤكّد، وعهد غير مؤكّد، والإشارة منه عهد مؤكّد، كاللفظ من غيره، فليس مجرّد كون الإشارة فعلاً، موجباً لكون معاملة الأخرس معاطاةً دائماً، أو أنّ فعله منزّل منزلة القول من غيره دائماً، بل له سنخان من العهد كما في غيره؛ بلحاظ قوّة الدلالة على مقصده، وضعفها نوعاً (1).

غير وجيه؛ لأنّ إشارته إن كانت باعتبار قوّة دلالتها عهداً مؤكّداً - فمع الغضّ عن عدم صحّة المبنى، وعدم الفرق بين الإشارة وسائر الأفعال، والغضّ عن عدم الاختلاف لدى العقلاء في عقد المعاطاة وغيرها في الصحّة واللزوم - يلزم منه أن تقوم إشارة غير الأخرس أيضاً مقام لفظه في ذلك، ولازمه الالتزام بأنّ

ص: 303


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 255 - 256.

عقد المعاطاة عبارة عن الأخذ والإعطاء، وأمّا الإشارة ونحوها ممّا لها قوّة الدلالة، فتكون كالعقود اللفظية، ولا أظنّ التزامهم به.

وما قاله رحمه الله علیه في خلال كلامه: من أنّ الإشارة من مثل الأخرس عهد مؤكّد غير مرضيّ؛ لأنّ الإشارة بلحاظ رفع الاشتباه تكون كذلك كما صرّح به القائل، وهو مشترك بين الأخرس وغيره، ورفع الاشتباه ليس من الاُمور النسبية.

مضافاً إلى أنّ قوّة الدلالة على تبديل العينين وعلى مقاصد المتبايعين، غير مؤكّدية العهد، فصراحة الدلالة على التبديل كظهور الدلالة عليه لا تفيد مؤكّدية العهد، فلا بدّ في مؤكّديته - على فرض كون موضوع اللزوم العهد المؤكّد - من دلالة غير الدلالة على أصل التبديل.

تقسيم إشارة الأخرس

نعم، يمكن أن يقال: إنّ إشارة الأخرس على قسمين:

أحدهما: ما هي آلة لإيقاع المبادلة، فهي كسائر الأسباب، سبب ابتدائي له، وليست قائمة مقام اللفظ لدى العقلاء.

وثانيهما: ما هي إشارة إلى سبب آخر هو اللفظ؛ ليكون ذلك آلة لإيجاد المعاملة، وهي قائمة مقام اللفظ؛ لأنّ ما هو السبب لإيقاعها هو اللفظ المشار إليه.

وبعبارة اُخرى: إنّ إشارته تارةً تكون سبباً، واُخرى إشارة إلى السبب، فالأوّل في عرض سائر الأسباب، والثاني قائم مقام السبب اللفظي.

لكن تصوّر الثاني لا يخلو من خفاء وغموض، بل الظاهر عدم إمكانه؛ للجمع بين اللحاظين المختلفين.

ص: 304

بل لو فرض صحّته وإمكانه، فوقوع العقد به مشكل؛ لأنّ الإشارة إلى السبب لا توجب وجوده وتحقّقه، كما أنّ حمل كلام القوم عليه مشكل أو ممنوع.

عدم توقّف بيع الأخرس على تحريك لسانه

وللأخرس نوع آخر من المعاملة، يقوم مقام اللفظ عرفاً، وهو تحريك لسانه للإفادة، فإنّ تحريكه إنّما هو لإيجاد اللفظ الدالّ على المعنى، لا لإيقاع المعنى.

فالأخرس إذا أراد التلفّظ يحرّك لسانه تقليداً لغيره، ولا يلزم أن يعرف الألفاظ بعناوينها، حتّى يقال: إنّ نوع الخرسان لا يعرفونها؛ للصمم، بل تكفي المعرفة إجمالاً بأنّ غيره يوجد البيع تارةً بالفعل، واُخرى باللسان، وأراد بتحريك لسانه إيقاع المعاملة، كغيره الذي يوجد باللفظ وتحريك اللسان، كما أنّ تحريك لسانه يقوم مقام قراءته.

ولكنّ الظاهر عدم اعتبارهم تحريك لسانه، وظاهرهم قيام إشارته مطلقاً مقام اللفظ في إفادة الصحّة واللزوم.

وهو موافق للتحقيق، على فرض كونه معاملة عقلائية، وكون مطلق المعاملات العقلائية مشمولة للأدلّة، وعدم انصرافها إلى ما هو المعهود المتعارف، أو عدم انصرافها عن إشارة الأخرس، إن قلنا بانصرافها عن إشارة غيره.

ومقتضى القواعد على هذا المبنى، صحّة معاملاته بالإشارة، بأيّ وجه اتّفقت، ولزومها، ومع فقد الإطلاق، لا بدّ من التماس دليل آخر على أنّ إشارة الأخرس قائمة مقام بيعه اللفظي.

ص: 305

حكم الشكّ في صحّة المعاملة بالإشارة

ومع الشكّ في صحّة المعاملة بها رأساً، لا يحكم بالصحّة.

ومع الشكّ بين الأقلّ والأكثر - أي لو شكّ في أنّ الإشارة كافية، أو مشروطة بالعجز عن الكتابة، أو مشروطة بلوك اللسان - لا بدّ من مراعاة القيود المحتملة؛ لعدم جريان البراءة في المحصّلات والأسباب والمسبّبات.

وما يقال من أنّ جريانها في الأسباب الشرعية - التي ترجع إلى جعل السببية والتسبيب، بناءً على ما هو التحقيق - لا مانع منه، ويرفع به الشكّ عن المسبّب؛ لأنّ الشكّ في تحقّقه ووجوده ناشٍ عن الشكّ في اعتبار شرطٍ أو قيدٍ في سببه، ومع رفعهما بحديث الرفع يرفع الشكّ في تحقّقه، ويحكم بوجوده، وهو مقدّم على استصحاب عدم النقل وبقاء الملك؛ تحكيماً للأصل الجاري في السبب، على الجاري في المسبّب، ولو كان الأوّل أصل براءة، والثاني استصحاباً (1).

غير وجيه؛ لأنّ إثبات ترتّب المسبّب على السبب، موقوف على إثبات أنّ الأقلّ تمام السبب والسبب التامّ، ومع احتماله والشكّ في نقصه وتمامه، لا يحكم بترتّبه عليه، وجريان حديث الرفع في القيد المشكوك فيه، لا يثبت كون البقيّة تمام السبب.

وليس المقام من الموضوعات المركّبة، حتّى يقال بإثبات جزءٍ بالأصل، والآخر بالوجدان، بل الأمر فيه دائر بين كون الإشارة سبباً تامّاً حتّى يترتّب عليه المسبّب، أو ناقصاً وتمامه شرط كذائي، وإذا كانت سبباً تامّاً يكون المؤثّر

ص: 306


1- حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 95.

أو الموضوع للأثر نفسها؛ بلا دخالة شيء، لا نفسها وعدم شيء آخر، وما لم يحرز أنّها تمام السبب، لا يحكم بترتّب المسبّب عليها وإثبات تماميتها بالأصل مثبت، بل الأصل مثبت من ناحية اُخرى أيضاً، والتفصيل في محلّه(1).

تمسّك الشيخ بفحوى روايات طلاق الأخرس لقيام الإشارة مقام اللفظ

وقد تمسّك الشيخ الأعظم قدّس سرّه بفحوى روايات طلاق الأخرس(2)؛ كموثّقة السكوني(3) قال: «طلاق الأخرس أن يأخذ مقنعتها ويضعها على رأسها ويعتزلها»(4).

ونحوها رواية أبي بصير، عن أبي عبداللّه علیه السلام (5).

وقريب منهما رواية أبان بن عثمان، عن أبي عبداللّه علیه السلام (6).

وكصحيحة ابن أبي نصر البزنطي: أنّه سأل أبا الحسن الرضا علیه السلام عن الرجل تكون عنده المرأة، يصمت ولا يتكلّم. قال: «أخرس هو»؟

ص: 307


1- راجع أنوار الهداية 2: 307.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 118.
3- التوصيف بالموثّقة لأجل كون السكوني عامّياً ثقة معتمداً عند الأصحاب. اُنظر العدّة في اُصول الفقه 1: 149؛ تنقيح المقال 1: 127 / السطر 34.
4- تهذيب الأحكام 8: 74 / 249؛ وسائل الشيعة 22: 48، كتاب الطلاق، أبواب مقدّمات الطلاق وشرائطه، الباب 19، الحديث 3.
5- الاستبصار 3: 301 / 1067؛ وسائل الشيعة 22: 48، كتاب الطلاق، أبواب مقدّمات الطلاق وشرائطه، الباب 19، الحديث 5.
6- الكافي 6: 128 / 2؛ وسائل الشيعة 22: 47، كتاب الطلاق، أبواب مقدّمات الطلاق وشرائطه، الباب 19، الحديث 2.

قلت: نعم، ويعلم منه بغض لامرأته، وكراهة لها، أيجوز أن يطلّق عنه وليّه؟

قال: «لا، ولكن يكتب ويشهد على ذلك».

قلت: فإنّه لا يكتب ولا يسمع، كيف يطلّقها؟

قال: «بالذي يعرف به من حاله؛ مثل ما ذكرت من كراهته وبغضه»(1).

ويمكن المناقشة فيه: - مضافاً إلى ما قيل: من احتمال التوسعة في خصوص باب الطلاق والنكاح؛ لحفظ الفروج، فلا يمكن التعدّي منه إلى غيره(2)، فتأمّل - أنّ ما رمناه في المقام، هو إثبات كون إشارة الأخرس بمنزلة بيعه اللفظي في الصحّة واللزوم، وأنّ بيعه بالإشارة لا يكون معاطاة، بعد تسليم أنّ بيع المعاطاة غير لازم أو مفيد للإباحة.

والروايات المتقدّمة لم يظهر منها إلاّ أنّ طلاق الأخرس بكذا وكذا، وأمّا أنّه قائم مقام طلاقه اللفظي، أو أنّه طلاق معاطاتي حكمه حكم الطلاق اللفظي، فلم يظهر منها فمع تسليم الفحوى، لا يصحّ الاستدلال بها إلاّ للصحّة، لا اللزوم.

وبعبارة اُخرى: يظهر منها - بعد التسليم - أنّ إشارة الأخرس بيعه، لا بيعه اللفظي حتّى يكون لازماً.

وعدم كون الطلاق من غير العاجز في الشرع على قسمين: معاطاتي، وبالصيغة، لا يلازم أن لا يكون للأخرس طلاق معاطاتي، ولعلّ طلاقه معاطاتي، وعدم وقوعه جائزاً لأجل عدم كون الطلاق على قسمين.

ص: 308


1- الكافي 6: 128 / 1؛ الفقيه 3: 333 / 1613؛ وسائل الشيعة 22: 47، كتاب الطلاق، أبواب مقدّمات الطلاق وشرائطه، الباب 19، الحديث 1.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 256.

وأمّا البيع الذي هو في الشرع على قسمين مختلفي الحكم فرضاً، فلم يثبت بتلك الأخبار أنّ إشارة الأخرس من أيّ قسم منهما، فتدبّر.

الكلام حول تقدّم الكتابة على إشارة الأخرس

ثمّ إنّ في تقدّم إشارة الأخرس على كتابته أو العكس، كلاماً، ربّما يستشعر تقدّم الكتابة من صحيحة البزنطي(1).

ويمكن تقريبه: بأنّ الطلاق لمّا لم يقع إلاّ بلفظ خاصّ هو «أنتِ طالق» والكتابة واجدة للصيغة، فاقدة للتلفّظ بها، والإشارة ونحوها فاقدة لكليهما، ولعلّه صار موجباً لأمر أبي الحسن الرضا علیه السلام في صحيحة البزنطي بالكتابة أوّلاً، ومع فرض العذر أمر بغيرها، وبهذه المناسبة يمكن فهم تقديم الكتابة عليها.

لكن على فرض تسليم الترتيب في الطلاق، يشكل إسراء الحكم إلى البيع؛ لأنّه يقع باللفظ وغيره حال الاختيار، ولا دخالة للّفظ في أصل تحقّقه، وإن كان دخيلاً في لزومه فرضاً، فالمناسبة المذكورة غير متحقّقة في البيع، فتأمّل.

وقد وردت روايات في باب الوصيّة(2) لعلّها أولى بالتمسّك من روايات

ص: 309


1- تقدّمت في الصفحة 307.
2- مثل ما رواه عبداللّه بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن رجل اعتقل لسانه عند الموت أو امرأة، فجعل أهاليهما يسائله: أعتقت فلاناً وفلاناً، فيومئ برأسه أو تومئ برأسها في بعض: نعم، وفي بعض: لا، وفي الصدقة مثل ذلك، أيجوز ذلك؟ قال: «نعم جائز». راجع وسائل الشيعة 19: 374، كتاب الوصايا، الباب 49، الحديث 2، وكذا سائر ما ورد في هذا الباب.

الطلاق، وإن كانت لا تخلو من إشكال.

وأمّا ما وردت في التلبية، والتشهّد، والقراءة - كموثّقة السكوني(1) - فهي أجنبيّة عن المقام، ولا يستفاد منها صحّة بيع الأخرس بتحريك لسانه، وإشارة إصبعه؛ لأنّ في العبادات تعتبر المباشرة، والمطلوب فيها إتيان المكلّف بنفسه بأيّ وجه أمكن، دون باب المعاملات كما لا يخفى.

بحث : في مادّة الصيغة وهيئتها
اشارة

ثمّ إنّ الإيجاب والقبول لمّا اشتملا على مادّة المفردات، وهيئتها، وهيئة الجملة التركيبية، يقع الكلام:

تارةً: في موادّ الألفاظ، من حيث الصراحة، والظهور، والحقيقة، والكناية، والمجاز، ومن لزوم أخذ العنوان بالحمل الأوّلي وعدمه.

واُخرى: في هيئة المفردات، من حيث اعتبار كونها جملة فعلية، أو فعلاً ماضياً.

وثالثة: في هيئة تركيب الإيجاب والقبول، من حيث الترتيب والموالاة.

أمّا الكلام في الموادّ، فمحصّل القول فيها - بل في غيرها أيضاً - يتّضح بعد بيان أمر:

ص: 310


1- وهي ما عن السكوني، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: تلبية الأخرس وتشهّده وقراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه. الكافي 3: 315 / 17؛ تهذيب الأحكام 5: 93 / 305؛ وسائل الشيعة 6: 136، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 59، الحديث 1.

وهو أنّ موضوع الحكم في باب المعاملات، بيعاً كانت أو غيره لدى العقلاء، وبحسب الإطلاقات والعمومات، هو المعاملات المسبّبية، وما كان بالحمل الشائع عقداً، وتجارةً، وبيعاً، وصلحاً، وإجارةً، وغيرها.

وهذا المعنى المسبّبي بالحمل الشائع:

تارةً: ينشأ بالهيئة المأخوذة فيها موادّ تصدق عليها عناوين المعاملات بالحمل الأوّلي، نظير «بعت» و«آجرت» و«صالحت».

واُخرى: ينشأ ما هو بالحمل الشائع أحدها بغير ما ذكر، كإيقاع البيع بلفظ «ملّكت» والإجارة بلفظ «سلّطت» وهكذا.

وثالثة: ينشأ بالكنايات والمجازات، أو بالأفعال والكتابات أحياناً، إلى غير ذلك.

ولا ينبغي الإشكال في أنّ موضوع وجوب الوفاء لدى العقلاء، وفي قوله تعالى: )أَوْفُوا بِالْعُقُودِ((1) هو المعنى المسبّبي؛ أي المعاقدة الواقعية والنقل الواقعي وبالحمل الشائع، وهو تمام الموضوع للأحكام لدى العرف والعقلاء، من غير نظر إلى آلات إنشائه وإيجاده، ففيما اُنشئ البيع بلفظ «بعت» ليس موضوع الحكم إلاّ التمليك والتملّك الواقعي، لا ما هو متحقّق بهذا العنوان والسبب.

فتوهّم: لزوم أخذ عناوين المعاملات في الصيغة(2)، في غاية الفساد.

ص: 311


1- المائدة (5): 1.
2- اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 418.

كما أنّ موضوع الأدلّة الشرعية أيضاً كذلك.

وتوهّم: أنّ موضوعها ما هو مأخوذ في الأدلّة الشرعية، كالبيع في (أَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ)(1) والصلح في قوله علیه السلام: «الصلح جائز بين المسلمين»(2)... وهكذا (3) أيضاً في غاية السقوط.

ضرورة أنّ هذه العناوين بما هي عناوين بالحمل الأوّلي، ليست موضوعة لحكم، بل الموضوع هي العناوين بالحمل الشائع، سواء كانت آلة الإنشاء لفظاً مأخوذاً فيه العناوين أم لا، بل من غير فرق بين كون الآلة لفظاً أو غيره.

فالبيع المسبّبي المنشأ باللفظ الصريح، عين ما اُنشئ باللفظ غير الصريح، أو بالفعل، أو بالإشارة أحياناً، ولهذا لم يحتمل أحد اعتبار وقوع العقد بلفظ «عاقدت» والبيع بخصوص لفظ «بعت» والتجارة بلفظ «الاتّجار».

مع أنّ الإيقاع بغير الألفاظ الدالّة على العناوين، لا تصدق عليها هي بالحمل الأوّلي، فالبيع والإجارة والصلح، عقد لا بالحمل الأوّلي، والتمليك بالعوض، بيع لا بهذا الحمل، مع أنّها موضوعات للأحكام بلا ريب.

وبالجملة: كلّ معاقدة تحقّقت، وبأيّ سبب وجدت، يجب الوفاء بها لدى العقلاء.

ص: 312


1- البقرة (2): 275.
2- الفقيه 3: 20 / 52؛ وسائل الشيعة 18: 443، كتاب الصلح، الباب 3، الحديث 2.
3- إيضاح الفوائد 3: 12 و126؛ مسالك الأفهام 5: 172؛ جامع المقاصد 7: 83؛ اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 127 - 130.
صحّة الإنشاء بالألفاظ الكنائية والمجازية

فاللازم بيان أنّ ألفاظ الكنايات، والمجازات، والمشتركات اللفظية، أو المعنوية، هل يمكن إيقاع المعاملات بها أو لا؟

ومع الإمكان، هل تكون مشمولة للأدلّة، أو تكون منصرفة عنها؟

إشكال المحقّق النائيني في الإنشاء بالكنايات

قال بعض الأعاظم قدّس سرّه في مقام بيان عدم صحّة إيقاعها بألفاظ الكنايات:

«إنّه لا شبهة في الفرق بين الحكايات والإيجاديات؛ فإنّ الحكايات لا يتعلّق غرض بها إلاّ إظهار ما في الضمير بأيّ وجهٍ اتّفق، إذا لم يكن خارجاً عن المحاورات، وأمّا الإيجاديات فإنّها لا توجد إلاّ بما هو آلة لإيجادها ومصداق لعنوانها.

فلو لم يكن شيء مصداقاً لعنوان وآلة لإيجاده، بل كان للازمه أو ملازمه، لم يوجد الملزوم أو الملازم الآخر به، وإن كان الغرض من إيجادهما إيجاد الملزوم أو الملازم الآخر؛ إذ لا عبرة بالدواعي والأغراض في الإيجاديات.

والكنايات لمّا كانت قسيم المجازات - فإنّ قوله: «طويل النجاد» استعمل في نفس معناه الحقيقي، واُلقي معنى اللفظ إلى المخاطب؛ لينتقل إلى ملزومه وهو طول القامة، والانتقال إليه من دواعي استعمال هذه الألفاظ في معانيها، لا أنّها استعملت في طول القامة - فالأقوى عدم صحّة إنشاء العنوان بها؛ فإنّ إنشاء اللازم وإيجاده في الإنشاء القولي ليس إيجاداً للملزوم عرفاً.

ص: 313

وكون الملزوم مقصوداً وداعياً من إيجاد اللازم، لا أثر له؛ لما عرفت من أنّ الدواعي والأغراض لا أثر لها.

ولو قيل بأنّ الملزوم وإن لم ينشأ أصالة، إلاّ أنّه منشأ تبعاً وفي المرتبة الثانية من الإيجاد.

يقال: إنّ الإيجاد بهذا النحو في كمال الضعف من الوجود، فينصرف الإطلاق عنه، ولا تشمله العمومات؛ لخروجه عن الأسباب المتعارفة»(1)، انتهى ملخّصاً.

أقول: ويظهر النظر فيه بعد اتّضاح حال الكنايات في الإخبارات والإنشاءات، وهو أنّ الألفاظ في باب الكنايات مستعملة في معانيها الموضوعة لها - وكذلك الجملة التركيبية - بالإرادة الاستعمالية؛ للدلالة على المعنى المكنّى عنه، فالإخبار بالكناية إخبار جدّاً وحقيقة عن المكنّى عنه، لا عن المعنى المستعمل فيه.

فقوله: «زيد كثير الرماد» لم يكن إخباراً عن كثرة رماده جدّاً لينتقل منها - أي من المعنى المخبر به - إلى جوده، وليس الجود من دواعي الإخبار بكثرة الرماد، بل الجود هو المخبر به حقيقة، دون كثرة الرماد.

ولهذا يكون صدق هذا الكلام وكذبه بمطابقة المعنى المكنّى عنه للواقع وعدمها، فلو لم يكن لزيد كثرة الرماد ولا الرماد، ولكن كان جواداً، كان الإخبار صدقاً؛ لأنّ الإخبار ليس عن كثرة الرماد، ولو كان كثير الرماد، ولم يكن جواداً، كان الإخبار كذباً.

فلو كان المعنى المكنّى عنه من قبيل الدواعي، وكان الإخبار عن كثرة الرماد

ص: 314


1- منية الطالب 1: 239 - 241.

حقيقة، لكان الكذب والصدق تابعين للمخبر به؛ أي كثرة الرماد وعدمها.

وكذا الحال فيما إذا كان القائل في مقام إنشاء مدح أو ذمّ بالكناية، ففيه أيضاً تستعمل الألفاظ في معانيها الحقيقية، من غير أن يكون المراد إفهام معانيها جدّاً، بل يراد به إفادة المعنى الكنائي.

فقوله في مقام الاستهزاء: «زيد حاتم» مريداً به ذمّه، إنشاء للذمّ، لا إخبار عن كونه حاتماً.

ولعلّ غالب الكنايات في كلمات البلغاء والشعراء من قبيل إنشاء المدح أو الذمّ، سواء اُتي بالكلام بالجملة الإخبارية أو الإنشائية، وليس إنشاؤهما من قبيل الدواعي على الإخبار، حتّى يكون متّصفاً بالصدق والكذب، بل هو إنشاء للمدح أو الذمّ، كما لو اُنشئا باللفظ الصريح، والكناية أبلغ.

فما زعم رحمه الله علیه: من أنّ إنشاء اللازم وإيجاده في الإنشاء القولي، ليس إيجاداً للملزوم عرفاً.

فيه خلط؛ لأنّ باب الكنايات ليس من قبيل إنشاء اللازم أو الإخبار به، بل من قبيل إنشاء الملزوم والإخبار به، فقوله: «خذ هذا الثوب وأعطني درهماً عوضه» إنشاء بيع كنايةً لا غير.

وما ذكرناه هو الفارق بين المعاني الكنائية، والمعاني الالتزامية؛ لأنّ في باب الدلالات الالتزامية يقع الإخبار حقيقة عن الملزوم، ويكون الملزوم والمعنى المطابقي دالاًّ على اللازم والمعنى الالتزامي.

فلو قال: «طلعت الشمس» لا يكون مخبراً إلاّ عن طلوعها، ويدلّ طلوعها على وجود النهار وذهاب الليل، لا بالدلالة اللفظية، بل بدلالة المعنى على

ص: 315

المعنى، ويكون الانتساب إلى اللفظ بالوسط.

ولهذا يكون مناط الصدق والكذب في هذا الإخبار طلوع الشمس وعدم طلوعها، دون لوازم خبره، وما قال القائل إلاّ كذباً واحداً أو صدقاً واحداً، ولو كان داعيه من الإخبار إفهام لازمه؛ لأنّ الانتقال إلى اللازم انتقال إليه من المعنى الملزوم المخبر به جدّاً.

وأمّا الكنايات فليست بتلك المثابة، بل الألفاظ مستعملة في معانيها بالاستعمال الصوري آلة للإخبار بالمعنى الكنائي أو إنشائه، فقول القائل: «فلان يده مبسوطة، وبابه مفتوح» كنايةً عن جوده وكثرة زائريه، ليس إخباراً حقيقة إلاّ عن جوده وكثرة وارديه، دون بسط يده وفتح بابه، ولعلّ الممدوح لا يد له، ولا باب، ومع ذلك يكون الإخبار صحيحاً.

وممّا ذكرناه يظهر: أنّ إيجاد المعنى المكني عنه بالكناية، ليس ضعيف الوجود أو في كمال ضعفه، حتّى يدّعى الانصراف، بل كثيراً ما تكون الكنايات أبلغ في إفادة المرام، مع أنّ ضعف الوجود لا يوجب الانصراف.

كما يظهر منه: أنّ الملزوم ليس منشأً تبعاً وفي المرتبة الثانية من الإيجاد، بل منشأ ابتداءً وأصالة، ولا منشأ غيره، وهذا واضح جدّاً.

كما يظهر منه ما في المحكيّ عن المحقّق الخراساني، فإنّه رحمه الله علیه بعد الاعتراف بالصحّة في المجازات، استشكل في الكنايات؛ نظراً إلى عدم تأكّد المعاهدة بها، لسراية الوهن من اللفظ إلى المعنى لما بينهما من الارتباط، بل نحو من الاتّحاد(1).

ص: 316


1- حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 26 - 27؛ اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 258.

لما عرفت من عدم وهن في الدلالة ولا في المدلول، مضافاً إلى ما تقدّم: من

أنّ التصريح والتكنية غير مربوطين بتأكيد العهود(1)، ولو رجع اعتبار التأكيد إلى اعتبار التصريح في الدلالة، فهو مصادرة.

بقي شيء، وهو دعوى انصراف الأدلّة عن العقود المنشأة بالكنايات، بل بالمجازات، وعدم شمول العمومات لها؛ لخروجها عن الأسباب المتعارفة(2).

وهي في العمومات غير وجيهة؛ للزوم حمل «اللام» في (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) على العهد، وهو في غاية البعد، وقد فرغنا في محلّه من عدم احتياج العمومات إلى مقدّمات الحكمة(3).

وأمّا الإطلاقات، فانصرافها ليس بذلك البعد، وإن أمكن دفعه: بأنّ المناسبة بين الحكم والموضوع توجب التوسعة إلى كلّ تجارة وبيع؛ لأنّ ما هو موضوع الحلّ هو البيع المسبّبي، والتجارة كذلك، وآلات الإنشاء لا دخالة لها في الحلّ والحرمة، كما أنّ في عرف العقلاء لا اعتناء بالآلات، بل المنظور إليه بينهم هو العهود والعقود والتجارات.

مضافاً إلى ما قلناه في آية التجارة عن تراضٍ(4): من استشعار العلّية من قوله: (بِالْبَاطِلِ) ويقابله الحقّ، فكأنّه قال: «إنّ التجارة عن تراضٍ

ص: 317


1- تقدّم في الصفحة 303 - 304.
2- منية الطالب 1: 241 - 242.
3- مناهج الوصول 2: 204 - 205.
4- النساء (4): 29.

حقّ، فيحلّ أكل المال بها»(1)، فعليه يؤكّد الإطلاق، بل يعمّم التعليل، فتدبّر جيّداً.

إشكال المحقّق النائيني في الإنشاء ببعض المجازات والمشتركات

ثمّ قال بعض الأعاظم في مقام بيان عدم الجواز ببعض المجازات والمشتركات، ما حاصله:

لا شبهة في أنّ «البيع» وغيره من عناوين العقود والإيقاعات عنوان بسيط، غير مركّب من الجنس والفصل، فلا يمكن إيجادها بالتدريج، فالتمليك البيعي والقرضي، ونحوهما؛ من الهبة والإجارة، يكون في كلّ منها تمليكاً بعين كونه بيعاً، أو قرضاً، أو نحوهما؛ أي لا يكون التمليك جنساً، وبيعيته فصلاً، وكذا في القرض ونحوه، وإن قلنا: بأنّ كلّ واحدٍ منها مباين في السنخ مع الآخر.

مضافاً إلى أنّ التمليك في الجميع أمر واحد، والاختلاف بينها كالاختلاف بين أفراد البيع، فإذا كان بسيطاً لا يمكن أن يوجد تدريجاً.

ثمّ رتّب عليه أنّ المجازات غير المشهورة، لمّا احتاجت إلى قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي، فحالها أردأ من الكنايات؛ لأنّ ما يوجد بها بحسب الدلالة التصوّرية هو معناها الحقيقي، وبحسب الدلالة التصديقية معناها المجازي، فيتناقضان.

وما قاله المشهور: من أنّ «بعتك بلا ثمن» لا يفيد فائدة الهبة مع وجود القرينة الصارفة، مبنيّ على أنّ ما اُوجد أوّلاً بلا مجيء قرينة، كان معانداً

ص: 318


1- تقدّم في الصفحة 96.

لما اُوجد ثانياً، ولا يمكن إرجاع ما اُوجد عمّا هو عليه في الإيجاديات.

ورتّب عليه أيضاً أنّه في بعض المشتركات اللفظية والمعنوية لا يصحّ الإيقاع؛ للزوم إيجاد البسيط بالتدريج(1)، انتهى.

وأنت خبير بما في مقدّمته ونتيجتها:

أمّا في الاُولى: فلأنّ جميع تلك العقود مركّبة من جنس وفصل اعتباريين؛ ضرورة أنّ ماهية البيع - سواء اُريد بها الماهية المركّبة من الإيجاب والقبول، أم نفس الإيجاب - عبارة عن التمليك بالعوض، مع القبول على فرض، وبغيره على آخر.

فالتمليك جنس اعتباري، هو ما به الاشتراك بين البيع، والقرض، والهبة، والإجارة، ونحوها من العقود التمليكية، وما به الامتياز والفصل المميّز الاعتباري هو كونه بعوض، أو بلا عوض، أو بالضمان، أو ما به الامتياز كونه متعلّقاً بالعين أو بالمنفعة.

وبالجملة: نفس التمليك جنس مشترك اعتباري، وكلّ منها ممتاز في نوعيته عن الآخر.

والعجب من دعواه: بأنّ الخصوصيات المميّزة، من قبيل الخصوصيات الفردية كما به الامتياز في أفراد البيع.

وهي بمكان من الضعف؛ ضرورة أنّ المشخّصات الفردية إنّما تلحق بالشيء بعد وجوده وتحقّقه، والبيع والقرض أو نحوه ممتازان بماهيتهما النوعية،

ص: 319


1- منية الطالب 1: 240 - 243.

سواء اُلحقت بها المشخّصات الفردية أم لا، فلا شبهة في أنّ ماهيات العقود مركّبات اعتبارية.

نعم، اعتبار تحقّقها لدى العقلاء والشارع دفعي لا تدريجي، وهو أمر آخر، فإذا أنشأ الموجب الملكية بالعوض بدالّين وقبل المشتري، يعتبر العقلاء عقيبهما انتقال المبيع إلى المشتري والثمن إلى البائع دفعة لا تدريجاً، فالإنشاء تدريجي التحقّق كالمنشأ بتعدّد الدالّ والمدلول، واعتبار النقل بالحمل الشائع دفعي بعد تحقّق الإنشاء إيجاباً وقبولاً.

وأمّا في الثانية: فلأنّ باب المجازات والمشتركات لفظية ومعنوية لا يفترق عن باب الحقائق؛ في أنّ إنشاء الماهية يكون بدوالّ متعدّدة، واعتبار النقل حقيقة يكون دفعة.

وما زعم: من وقوع التناقض بين ما يوجد بحسب الدلالة التصوّرية، وبحسب الدلالة التصديقية؛ أي بين المعنى الحقيقي التصوّري، والمجازي التصديقي.

غير وجيه؛ ضرورة أنّه إن أراد لزوم التناقض بحسب الواقع، فلا وجه له، بعد عدم إنشائه إلاّ المعنى المجازي، وإنّما جعل اللفظ الموضوع للمعنى الحقيقي آلةً لإيجاد المعنى المجازي، فلا وجه للتناقض.

وإن أراد لزومه بنظر غير المتبايعين، فهو أيضاً غير وجيه؛ لأنّ ذلك الكلام ما لم يتمّ لا ظهور فيه، ومع تماميته يكون ظاهراً في إنشاء المعنى المجازي فحسب، هذا، مع الغضّ عن عدم معقولية التناقض بين المعنى التصوّري والتصديقي.

ص: 320

وما قال في خلال كلامه: من أنّ المعنى الإيجادي لا يمكن أن يرجع عمّا هو عليه بعد إيجاده، فهو صحيح بحسب الكبرى، لكن لا تنطبق على المورد؛ لعدم إيجاد المعنى الحقيقي في الألفاظ المستعملة مجازاً، والمعنى المجازي الموجد لا ينقلب عمّا هو عليه.

وفي كلامه محالّ أنظار، تركناها مخافة التطويل.

فتحصّل من جميع ما تقدّم: صحّة إيقاع البيع بالكنايات، والمجازات القريبة، والبعيدة، وبالألفاظ المشتركة بعد الدلالة العقلائية، وأنّ آلات الإيقاع لا دخالة لها في صحّته وصحّة سائر المعاملات.

ودعوى: توقيفية أسباب المعاملات لأنّها أسباب شرعية(1)، في غاية السقوط.

كما أنّ دعوى لزوم إيقاعها بالعناوين الواردة في الشريعة، أو بما يرادفها؛ لأنّها بهذه العناوين موضوعة للأحكام الشرعية، فلا يجوز إيقاع البيع بلفظ «الهبة» مثلاً، وإيقاع النكاح بغير ما اشتملت على عنوان «النكاح» أو ما يرادفه(2).

غير وجيهة؛ لما عرفت من أنّ الأحكام متعلّقة بحقائق المسبّبات، لا المسبّبات متقيّدة بتحقّقها بسبب خاصّ(3).

فوجوب الوفاء تعلّق بالعقد الذي بين المتعاملين، وهو من مقولة المعنى،

ص: 321


1- تقدّم تخريجه في الصفحة 312، الهامش 3.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 128.
3- تقدّم في الصفحة 311.

والألفاظ غير دخيلة فيها إلاّ دخالة الإيجاد، وإلاّ فالموضوع للحكم نفس المسبّبات بحسب الأدلّة الشرعية وحكم العرف والعقلاء، سيّما مع ملاحظة مناسبة الأحكام والموضوعات؛ من أنّ العقد بما هو قرار، محترم يجب الوفاء به، لا بما أنّ اللفظ الموجد له كذا وكذا.

فعلى ذلك يقع البحث عن ألفاظ الإيجاب والقبول، وأنّ أيّهما مختصّ، وأيّهما مشترك، زائداً.

عدم اعتبار العربية في الصيغة

كما أنّ احتمال اعتبار العربية(1) ساقط، بل احتمال اعتبار كون عقد كلّ ملّة بلسانهم الخاصّ بهم أقرب، سيّما مع القول بأنّ الأدلّة منصرفة إلى المعهود من العقود(2)؛ ضرورة أنّ العقود المتعارفة في كلّ ملّة هي ما اُنشئت بلسانهم، وإن كان الاحتمال المذكور أيضاً مدفوعا بالإطلاقات والعمومات.

ودعوى الانصراف قد عرفت ما فيها (3).

كما أنّ اللحن في المادّة، أو الهيئة، أو إعرابها إن لم يضرّ بتحقّق المعاملة عرفاً ولدى العقلاء، غير مضرّ بالصحّة.

ص: 322


1- التنقيح الرائع 2: 184؛ جامع المقاصد 4: 59 - 60؛ الروضة البهيّة 2: 186.
2- منية الطالب 1: 241.
3- تقدّم في الصفحة 317.
مسألة : في كفاية الإيجاب وحده في صحّة العقود

هل يعتبر في العقود إيقاعها بالإيجاب والقبول وتتقوّم بهما، أو يصحّ إيقاعها بالإيجاب فقط؟

مقتضى الإطلاقات هو الثاني، فلو وكّل أحد المتبايعين الآخر في إيقاع البيع، فقال: «بعتك هذا الثوب بدرهم» أو «بعت هذا بهذا» تمّ البيع وصحّ؛ لأنّ حقيقته ليست إلاّ تمليك عين بعوض، أو مبادلة مال بمال، وقد حصلت بهذا اللفظ، من غير احتياج إلى ضمّ القبول، فضمّه أمر زائد.

وإنّما احتيج إليه إذا كان مجري الإيجاب هو البائع، من غير وكالة عن المشتري، فلا بدّ في وقوعه من إيقاع الإيجاب، وما دلّ على القبول من فعل أو قول.

وأمّا إذا كان الوكيل أو الوصيّ من الطرفين شخصاً واحداً، فلا يلزم أن يوقع الإيجاب من قبل أحدهما، والقبول من الآخر، بل له إيقاع المبادلة بصيغة واحدة، كقوله: «بادلت بينهما» أو «بعت هذا بهذا».

بل يمكن القول بأنّ مجرّد الرضا بالإيجاب كافٍ، بعد كون تمام الماهية منشأً

ص: 323

بالإيجاب، فلا يحتاج إلى إيقاع القبول مطلقاً.

نعم، المعهود بين الناس إيقاعه بالإيجاب والقبول، لكنّه لا يصير هذا موجباً لتقوّمه بهما، أو لانصراف الأدلّة عنه كما تقدّم.

وتدلّ عليه: - مضافاً إلى العمومات والإطلاقات - صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر علیه السلام قال: «جاءت امرأة إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقالت: زوّجني.

فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم: من لهذه؟ ! فقام رجل فقال: أنا يا رسول اللّه، زوّجنيها. فقال: ما تعطيها؟ فقال: ما لي شيء. قال: لا. فأعادت، فأعاد رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم الكلام، فلم يقم أحد غير الرجل. ثمّ أعادت، فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في المرّة الثالثة: أتُحسن من القرآن شيئاً؟ قال: نعم. قال: قد زوّجتكها على ما تُحسن من القرآن، فعلّمها إيّاه»(1).

وقريب منها رواية سهل الساعدي(2).

وتدلّ عليه روايات في أبواب عقد النكاح(3).

والظاهر من الرواية المتقدّمة أنّ قول الرجل: «زوّجنيها» لم يكن إلاّ

الإذن له صلی الله علیه و آله وسلم لتزويجها إيّاه، لا إيقاع التزويج.

ص: 324


1- الكافي 5: 380 / 5؛ تهذيب الأحكام 7: 354 / 1444؛ وسائل الشيعة 21: 242، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 2، الحديث 1.
2- عوالي اللآلي 2: 263 / 8؛ مستدرك الوسائل 14: 313، كتاب النكاح، أبواب عقد النكاح، الباب 1، الحديث 4.
3- وسائل الشيعة 20: 262 - 264، كتاب النكاح، أبواب عقد النكاح، الباب 1، الحديث 3 و6 و9 و10.

وقوله صلی الله علیه و آله وسلم: «قد زوّجتكها على ما تُحسن» إيقاع تمام ماهية الزوجية، من غير احتياج إلى ضمّ أمر آخر إليه، كما أنّ الأمر كذلك واقعاً؛ فإنّ ماهية الزوجية ليست إلاّ العقدة المعهودة، فإذا وكّل الزوجان شخصاً لإيقاعها، فقال: «زوّجتكها» فقد أوقع علقتها.

بل البيع والتزويج ونحوهما في جميع الموارد، تحصل بالإيجاب، وأنّ القبول ليس له شأن إلاّ تثبيت ما أوقع الموجب، فإذا حصل ذلك بالتوكيل، فلا وجه لضمّ أمرٍ آخر إليه يسمّى «قبولاً» بل يقع القبول في مثله زائداً.

ص: 325

مسألة : في عدم اعتبار الماضوية في الصيغة

الظاهر عدم اعتبار الماضوية. وما قيل من أنّ الماضي صريح في إنشاء العناوين به؛ لأنّه وضع للتحقّق والثبوت، فإذا كان المتكلّم في مقام إيجاد المبدأ بالهيئة، كقوله: «بعت» كان صريحاً في تحقّق الأمر الاعتباري، والمضارع ليس بصريح؛ لأنّه موضوع لتلبّس الفاعل بالمبدأ، وهو ملازم للتحقّق ولو في التلبّس الحالي، فالمضارع كاسم الفاعل لا يصحّ إيقاع البيع به.

ثمّ ادّعى القائل بأنّ المراجعة إلى الروايات الواردة في الأبواب المختلفة،

توجب القطع بأنّ الفعل المضارع والأمر في هذه الأبواب وقعا مقاولة ووعداً واستدعاءً(1)، انتهى.

مدفوع: - بعد الغضّ عن صحّة المعاملات بالألفاظ غير الصريحة، كناية كانت أو مجازاً أو غيرهما - بأنّ الفعل الماضي ليس صريحاً أيضاً في الإنشاء؛ لأنّ هيئته موضوعة للحكاية عن تحقّق صدور الحدث من الفاعل، وليس مرادنا

ص: 326


1- منية الطالب 1: 246 - 247.

الآن بيان وضع جميع هيئاته، بل المراد هيئات الماضي المتعدّي، من قبيل «بعت» و«آجرت» و«أنكحت» واستعمالها في المعنى الإنشائي ليس على وجه الحقيقة والصراحة، بل القرائن المقامية أوجبت ظهورها في الإيقاع، وهذا دليل على عدم اعتبار الصراحة في ألفاظ العقود.

مضافاً إلى أنّ هيئة المضارع أيضاً موضوعة للحكاية عن تحقّق صدور الحدث في الاستقبال. والفرق بينهما ليس إلاّ في السبق واللحوق، لا بمعنى كونهما بالمعنى الاسمي جزءاً لمعناهما، بل بمعنى وضعهما لحصّة من التحقّق بالمعنى الحرفي، الملازمة للسبق واللحوق، والتفصيل موكول إلى محلّه(1).

فحينئذٍ يكون حال المستقبل كالماضي في الدلالة على الحكاية عن التحقّق، وفي أنّ استعمالهما في الإنشاء والإيقاع ليس على نحو الحقيقة، ويحتاج إلى القرائن اللفظية أو الحالية.

بل المضارع بما أنّه مشترك بين الحال والاستقبال لعلّه أولى بالصحّة.

وأمّا اسم الفاعل والمفعول، فصحّة الإيقاع بهما موقوفة على جواز الإيقاع بالكنايات، فقوله: «أنا بائعك هذا بهذا» في مقام إيقاع البيع، وقول المرأة: «أنا منكوحتك على كذا» في مقام إنشاء النكاح، صحيح على القواعد.

وتشهد عليها في الفعل المضارع الروايات الواردة في الأبواب المتفرّقة، سيّما

باب النكاح، كرواية أبان بن تغلب، قال: قلت لأبي عبداللّه علیه السلام: كيف أقول لها إذا خلوت بها؟

ص: 327


1- راجع مناهج الوصول 1: 152 - 154.

قال: «تقول: أتزوّجك متعةً على كتاب اللّه وسنّة نبيّه، لا وارثة، ولا موروثة، كذا وكذا يوماً، وإن شئت كذا وكذا سنة، بكذا وكذا درهماً، وتسمّي من الأجر (الأجل - خ) ما تراضيتما عليه، قليلاً كان أو كثيراً، فإذا قالت: «نعم» فقد رضيت، وهي امرأتك، وأنت أولى الناس بها...»(1) الحديث.

وأنت خبير: بأنّها في مقام بيان كيفية إجراء الصيغة بخصوصياتها، وتعليمه بما ذكر كيفية إجراء صيغة المتعة، فلا وجه للحمل على المقاولة(2)، سيّما مع قوله: «فإذا قالت نعم...» إلى آخره.

فلا ينبغي الإشكال في صحّة التزويج وغيره بالفعل المضارع.

وأمّا الأمر، فإن كان إنشاءً للإيجاب أو القبول ولو بالكناية أو المجاز بنحوٍ مفهمٍ لدى العقلاء، فالظاهر جوازه، ومجرّد شباهته بالاستدعاء أو الأمر المولوي، لا يوجب عدم صحّة الإنشاء به كما مرّ.

ص: 328


1- الكافي 5: 455 / 3؛ وسائل الشيعة 21: 43، كتاب النكاح، أبواب المتعة، الباب 18، الحديث 1.
2- منية الطالب 1: 247.
مسألة : في تقديم الإيجاب على القبول
اشارة

هل يعتبر تقديم الإيجاب على القبول مطلقاً، أو لا كذلك، أو يعتبر في غير العقود الإذنية دونها؟ وهنا بعض تفاصيل اُخر، لا يهمّ ذكرها.

تفصيل الشيخ الأعظم بين ألفاظ القبول

والذي يظهر من الشيخ الأعظم قدّس سرّه عدم الصحّة إذا كان القبول بلفظ «قبلت» و«رضيت»(1)، والصحّة إذا كان بلفظ الأمر والاستيجاب على القواعد(2)، وكذلك إذا كان بلفظ «اشتريت» و«تملّكت» ونحوهما (3).

وفصّل بعضهم بين العقود الإذنية وغيرها (4).

ص: 329


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 143.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 149.
3- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 150.
4- منية الطالب 1: 247 - 249.
التحقيق في حقيقة القبول

والذي ينبغي التنبيه عليه مقدّمةً: أنّ القبول - كما أشرنا إليه (1) ليس له شأن إلاّ تقرير ما أوجده الموجب وتثبيته؛ لأنّ قول الموجب: «بعتك هذا بهذا» أو «بادلت بين هذا وهذا» إيقاع لتمام ماهية البيع، ولا تحتاج تلك المعاملة في تحقّقها إلى إيقاع ملكية المشتري للمثمن، أو البائع للثمن؛ لأنّ ذلك أمر قد فرغ منه البائع وأوقعه، وإنّما تحتاج إلى قبول عمله، حتّى يترتّب عليه الأثر، ويكون موضوعاً لاعتبار العقلاء النقل.

ففي الحقيقة شأن القبول شأن «شكر اللّه سعيك» لا النقل والانتقال الجديد، بل لو قال بعد إيجاب البائع: «نقلت الثمن إليك في مقابل نقلك المثمن» يعدّ أمراً زائداً، وإن كان صحيحاً؛ لدلالته على الرضا والقبول لإيجاب البائع.

فما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه من أنّ إنشاء القبول لا بدّ وأن يكون جامعاً لتضمّن النقل، وللرضا بإنشاء البائع(2)، غير مرضيّ.

كما أنّ ما ذكره بعض الأعاظم قدّس سرّه: من أنّ الموجب والقابل في العقود المعاوضية، كلّ منهما ينشئ أمرين: أحدهما بالمطابقة، وثانيهما بالالتزام، فالموجب ينقل ماله إلى ملك المشتري مطابقة، ويتملّك مال المشتري عوضاً عن ماله التزاماً، والقابل بعكس ذلك(3) منظور فيه من وجوه تظهر بالتأمّل.

ص: 330


1- تقدّم في الصفحة 325.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 152.
3- منية الطالب 1: 248.

فعلى ما ذكرناه، كلّ ما دلّ على هذا المعنى المطاوعي، ولا يكون له شأن إلاّ إنفاذ ما أوجده البائع، يكون قبولاً، ك «قبلت» و«رضيت» ونحو ذلك.

وأمّا مثل «اشتريت» الذي مفاده نقل مال الطرف إلى ملكه بإزاء نقل ثمنه إليه، فليس من قبيل القبول، بل هو إيجاب من قبل المشتري؛ فإنّ ماهية البيع التي ليست إلاّ مبادلة مال بمال، كما يمكن إيقاعها بالإيجاب من طرف البائع، يمكن إيقاعها بإيجاب المشتري.

فإذا قال المشتري: «اشتريت هذا بهذا» أو «تملّكت هذا بهذا» لم يبقَ محلّ لإيجاب البائع، بل لا بدّ له من قبول هذا الإيقاع، وبقبوله يتمّ موضوع اعتبار العقلاء؛ لأنّ إيجاب البائع بعد قول المشتري، إن كان تمليكاً جديداً وتملّكاً كذلك، فلا يرتبط بإيقاع المشتري، وإن كان إيقاعاً لما أوقعه المشتري، فلا يحتاج إليه، بل المحتاج إليه تنفيذ ما أوقعه.

نعم، لو كان المراد من قوله: «تملّكت» قبلت تمليكك، كان قبولاً، وهو خارج عمّا فرضه الشيخ الأنصاري، وداخل في القسم الأوّل.

فما أفاده الشيخ من أنّ نحو «اشتريت» إذا وقع عقيب الإيجاب، يوجب تحقّق المطاوعة ومفهوم القبول(1)، غير مرضيّ، بل مخالف لما أفاده من أنّه أنشأ ملكيته للمبيع بإزاء ماله عوضاً، ففي الحقيقة أنشأ المعاوضة كالبائع... إلى أن قال: فليس في حقيقة الاشتراء من حيث هو، معنى القبول(2)؛ فإنّه إذا كان

ص: 331


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 150.
2- نفس المصدر.

كذلك، كيف يتحقّق بتأخّره معنى المطاوعة؟ !

فإذا قال البائع: «نقلت مالي إليك بالعوض» وقال المشتري: «نقلت مالك إليّ بالعوض» لا يكون ذلك قبولاً بلا إشكال؛ لأنّ معنى القبول والمطاوعة تثبيت ما جعله البائع، لا إيقاع أمر نظير إيقاعه.

ثمّ كيف يكون مع تقدّمه على الإيجاب من قبيل تقدّم القبول على الإيجاب، مع اعترافه: بأنّه لا يكون فيه معنى القبول، والفرض أنّه لم يقع موقع القبول أيضاً؟ !

وقد يقال: «إنّ «الاشتراء» و«الابتياع» بمفهومهما متضمّن لاتّخاذ المبدأ، فإن كان بعنوان اتّخاذه من الغير فهو مطاوعة قصدية، وإن كان بعنوان اتّخاذ المبدأ ابتداءً لا من الغير، فهو مساوق لبعت وشريت»(1).

وفيه: أنّ المطاوعة إنّما هي مطاوعة فعل الغير بالمعنى المصدري، وهو غير اتّخاذ المبدأ من الغير، وإن كان المراد من الاتّخاذ من الغير، القبول لفعله، فهو ليس من اتّخاذ المبدأ، بل يكون معنى الانفعال، وهو غير قائل به.

وعلى ما ذكرناه يخرج مثل «اشتريت» و«تملّكت» بالمعنى الأوّل ونحوهما عن باب تقديم القبول على الإيجاب.

وكذا الأمر والاستدعاء؛ فإنّهما بحسب المتعارف ليسا إلاّ الإذن في إيقاع المعاملة، فإذا أوجب المأمور، وقال: «بعتك هذا بهذا» فقد تمّت بهذا الإنشاء.

فالأمر إذن في الإيقاع، لا قبول للإيجاب، وتمام حقيقة المعاملة تحصل

ص: 332


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 279.

بالإيجاب فقط، بعد ما كان بإذن المشتري، وهو أيضاً خارج عن باب تقديم القبول على الإيجاب، إلاّ أن يستعمل الأمر في القبول مجازاً، أو يؤتى به كناية عنه، فيدخل في القسم الأوّل.

فما ينبغي أن يكون محطّ الكلام هو القسم الأوّل، سواء اُنشئ القبول بلفظه، أو لفظ مرادف له، أو اُنشئ بالمجاز، أو الكناية، أو نحوهما.

جواز تقديم القبول على الإيجاب

والتحقيق: جواز تقديمه عليه؛ لأنّ القبول وإن كان مطاوعة وتنفيذاً لما أوقعه البائع، لكن يمكن إنشاؤه مقدّماً على نحوين:

أحدهما: بنحو الاشتراط؛ بأن يقول: «إن ملّكتني هذا بهذا قبلت» نظير الواجب المشروط، فيتحقّق القبول والمنشأ بعد الإيجاب، ويكون مطاوعة له حقيقة وتحصل الملكية بعد القبول الحقيقي - أي المنشأ - بلا فصل لو فرض اشتراط حصولها بعده في الحال، وهو صحيح على القواعد، إلاّ أن يثبت الإجماع على بطلانه.

وثانيهما: بنحو الواجب التعليقي، فكما يمكن الأمر بأمر متأخّر من غير اشتراط، يمكن إيقاع الإيجاب أو القبول كذلك، فللقابل أن يقبل الإيجاب في موطن تحقّقه، فإنشاؤه حالي، والمنشأ استقبالي.

وتوهّم: أنّ الإيجاب والقبول من قبيل الكسر والانكسار(1)، فاسد وخلط بين

ص: 333


1- مقابس الأنوار: 107 / السطر 30.

الاُمور الاعتبارية والتكوينية، فسنخ معنى القبول وإن كان بنحوٍ لا يمكن أن يتحقّق في عالم الاعتبار إلاّ متأخّراً عن الإيجاب، لكنّ الإيقاع بالنحوين المتقدّمين يوجب وجوده متأخّراً عنه، فلفظ القبول متقدّم، وحقيقته متأخّرة.

إشكال الشيخ في تقدّم القبول

وما أفاده الشيخ الأعظم من أنّ تقدّم القبول مستلزم لعدم تحقّق النقل في الحال، وهو معتبر في المعاملة(1) غير مرضيّ؛ لعدم الدليل عليه، وإنّما يعتبر العقلاء حصول الأثر في المعاملات المتعارفة بعد القبول؛ لكونه جزءاً متمّماً لموضوع اعتبارهم، فإنّ اعتبار حصول النقل متقوّم بالإيجاب والقبول، فمع أحدهما فقط لا يتحقّق موضوع الاعتبار.

وهذا ليس لأجل أنّ للقبول خصوصية لا بدّ من وقوع التمليك والنقل به حالاً، بل قد عرفت أنّ القبول ليس بناقل، بل الناقل إيقاعاً هو الإيجاب(2).

فحينئذٍ لو اُغمض عن الإشكال العقلي بأنّ المعنى المطاوعي لا يمكن تحقّقه إلاّ متأخّراً عن الإيجاب، لا يكون هذا إشكالاً، فإذا قبل المشتري ما أوجبه البائع متأخّراً، وأوجب البائع بعد قبوله، تمّ موضوع الاعتبار.

هذا مع ما مرّ ذكره: من أنّ إيقاع القبول على نحو الواجب المشروط أو المعلّق، يدفع الإشكال؛ لأنّ الانتقال حاصل بعده حقيقة.

ص: 334


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 144.
2- تقدّم في الصفحة 323 - 324.
تفصيل المحقّق النائيني بين العقود الإذنية وغيرها

وأمّا التفصيل بين العقود الإذنية وغيرها (1)، فلا وجه له، بل لا معنى معقول للعقود الإذنية؛ لأنّ عقد الوكالة مثلاً عقد، من حكمه العقلائي جواز الإتيان بما اُوكل أمره إليه، لا أنّه نفس الإذن في الإتيان.

بل الإذن في التصرّف أو الإتيان في عقد الوكالة، لغو لا معنى له، فالموكّل لا يوقع إلاّ الوكالة، وليس معنى الوكالة الإذن في التصرّف؛ فإنّه إيقاع لا يحتاج إلى القبول، ولا يترتّب عليه آثارها.

فالوكالة أمر اعتباري، لا يعتبره العقلاء إلاّ بعد القبول، بخلاف الإذن، فالمأذون لو ردّ الإذن، يكون مأذوناً ما دام الإذن باقياً، والوكيل لو لم يقبل الوكالة، أو ردّ الإيجاب، لا يكون وكيلاً، ولا تترتّب على فعله الآثار، فلو ردّ الوكالة، ثمّ فعل ما أوكله إليه - لا بعنوان قبول الوكالة - لا يكون نافذاً، بخلاف المأذون.

وبالجملة: لا فرق بين العقود في ذلك جوازاً، وامتناعاً، وصحّةً، وفساداً.

ص: 335


1- منية الطالب 1: 247 - 249.
مسألة : في عدم اعتبار الموالاة
اشارة

الظاهر عدم اعتبار الموالاة بين الإيجاب والقبول، ولا عدم الفصل بالأجنبيّ بينهما، من غير فرق بين كون دليل إنفاذ المعاملات (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) أو نحو (أَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ) ومن غير فرق بين أنحاء العقود.

استدلال المحقّق النائيني على الموالاة

وربّما يتشبّث بدليل عقلي على الاعتبار، فيقال: لمّا كان في العقود المعاوضية خلع ولبس، أو إيجاد علقة، فلا بدّ وأن يكون مقارناً للخلع لبس، ومقارناً لإيجاد العلقة قبول، وإلاّ فيقع الإضافة أو العلقة بلا محلّ ومضاف إليه(1).

ثمّ إنّ هذا القائل بعد الجزم بالاعتبار في العقود المعاوضية، وبعدمه في العقود الإذنية، تردّد في العقود العهدية غير المعاوضية، وجعلها محلّ الإشكال، واختار الاعتبار بعده(2).

وأنت خبير: بأنّ إقامة الدليل العقلي على الاعتبار، والالتزام بلزوم الإضافة

ص: 336


1- منية الطالب 1: 251.
2- منية الطالب 1: 251 - 253.

بلا مضاف إليه وبلا محلّ، ينافي الترديد في قسم من العقود، بعد التصديق بأنّها عقد، وفيها نقل وانتقال؛ ضرورة أنّ عقد الهبة أيضاً موجب للخلع واللبس، فلو كان مقتضى عدم الموالاة هذا الأمر الممتنع عقلاً، فلا معنى للترديد، إلاّ أن يقال: إنّ ترديده على فرض التسليم، وأنّ الدليل هو أمر عرفي لا عقلي.

وقد تقدّم وجه النظر في التفصيل بين العقود الإذنية وغيرها.

ثمّ إنّه لو تمّ هذا الدليل العقلي، لكان لازمه امتناع تحقّق العقود مطلقاً؛ لأنّ قيام الإضافة بذاتها وبلا محلّ محال، سواء كان في آنٍ، أو في زمان طويل، فطول الزمان وقصره شريك العلّة في الامتناع، بل لو لم يفصل القابل بين قبوله والإيجاب يلزم ذلك؛ لأنّ الإيجاب حسب الفرض علّة للخلع، فبتحقّقه يتحقّق الخلع، والقبول تدريجي الوجود، فيلزم التالي الفاسد.

بل على هذا المبنى يكون الامتناع من قبل الإيجاب، ولا ربط له بالقبول، أو تأخّره، أو عدم الموالاة بينهما.

ثمّ لو صحّ الخلع، يكون المالك بواسطته أجنبيّاً عن العين، فليس له اللبس؛ لقطع سلطنته، وأمّا التمليك - على ما هو الحقّ - فهو يحصل بإعمال السلطنة وسلبها بعده.

هذا، مع إمكان أن يقال على هذا المبنى غير الوجيه وابتناء المسألة على أمر عقلي: إنّه لا يلزم التالي مع عدم الموالاة؛ لأنّ الخلع واللبس الإيقاعيين حصلا بالإيجاب، لأنّه تمام ماهية المعاملة، فالموجب بإيجابه يملّك المشتري، ويتملّك الثمن إيقاعاً وإنشاءً.

وإن شئت قلت: الموجب هو المبادل بين المالين إيقاعاً، وليس للقبول شأن

ص: 337

إلاّ إنفاذ ذلك وتثبيته، فيحصل بالإيجاب الخلع واللبس الإيقاعيان، وبعد ضمّ القبول إليه يحصل الخلع واللبس الواقعيان الاعتباريان، فلا يوجب الفصل تحقّق الإضافة بلا محلّ، كما لا يخفى.

استدلال المحقّق الإيرواني على الموالاة

وقد يقال: إنّ الإيجاب يفيد النقل من حينه، فإذا تأخّر القبول عنه، فإمّا أن يكون قبولاً لتمام مضمون الإيجاب، فعلى فرض الصحّة لزم حصول النقل قبل تمام العقد، أو بعض مضمونه؛ أعني النقل من حين تحقّق القبول، فيلزم عدم المطابقة بين الإيجاب والقبول، وهو معفوّ في الفصل القليل، دون الكثير(1).

وفيه: أنّ لنا اختيار الشقّ الأوّل، من غير لزوم التالي الفاسد؛ لما عرفت من أنّ الإيجاب تمام ماهية العقد، والقبول كالإجازة في الفضولي، فيمكن القول بالصحّة من حين الإيجاب كشفاً أو حكماً، فتأمّل.

أو يقال: إنّ الإيجاب ليس مضمونه النقل من حينه، بل مضمونه التمليك بالعوض، أو التبديل بين المالين، لكن ترتّب الأثر عليه عرفاً وشرعاً؛ أعني اعتبارهما لتحقّق النقل، موقوف على ضمّ القبول إليه، وإن شئت قلت: بعد ضمّه يؤثّر في النقل، لا النقل في الحين، فالقبول قبول لتمام مضمونه.

وبعبارة اُخرى: إنّ الأسباب مؤثّرات في نفس المسبّبات، والزمان ظرف لتحقّقها، لا قيد له، وهو واضح موافق للتحقيق، فالشقّ الأوّل مختار، ولا إشكال فيه.

ص: 338


1- حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 100 - 101.

وأمّا ما يقال في مقام بيان اعتبار التوالي، بأنّ العقد المركّب من الإيجاب والقبول القائمين بنفس المتعاقدين بمنزلة كلام واحد، مرتبط بعضه ببعض، فلا بدّ في ترتّب الحكم عليه من تحقّقه بنحو الوحدة الاتّصالية، والفصل الطويل أو بالأجنبيّ يقدح بالهيئة الاتّصالية والوحدة الاعتبارية(1).

أو يقال: إنّ العقد بما أنّه موضوع الأثر الواحد، لا بدّ وأن يكون واحداً عرفاً،

والفصل مخلّ بوحدته العرفية(2).

فغير وجيه؛ لأنّ العقد، والبيع، والتجارة ونحوها عبارة عن المعاني المسبّبية، وقد مرّ في المعاطاة بيان أنّ العقد ليس من مقولة اللفظ(3)، ف (عُقْدَةُ النِّكَاحِ) الواردة في الكتاب العزيز عبارة عن العلقة المتبادلة بين المتعاملين، كأنّها بتبادل الإضافتين صارت عقدة كعقدة الخيط، وهي أمر باقٍ، يصحّ أن يعبّر عنه بقوله تعالى: (أَوْ يَعْفُوَ الَّذِى بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ)(4).

فلا بدّ من ملاحظة هذا الربط والعلقة المسبّبية، وهي ليست من الاُمور المتدرّجة الوجود، ولا من مقولة الألفاظ، حتّى تلاحظ هيئتها الاتّصالية، فقياسها بالقراءة، والتشهّد، والصلاة، ونحوها (5) مع الفارق، وقد تقدّم أنّ بالإيجاب يتمّ العقد والبيع، والقبول بمنزلة الإجازة(6).

ص: 339


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 158 - 159.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 284.
3- تقدّم في الصفحة 104.
4- البقرة (2): 237.
5- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 159.
6- تقدّم في الصفحة 243 و323.

نعم، ما هو المعتبر ارتباط قرارهما وعهدهما؛ أي عهد البائع وقراره بقبول المشتري، وهو حاصل مع بقاء الإيجاب الاعتباري؛ أي المعنى المسبّبي بنظر العقلاء، فما لم يصر الإيجاب الكذائي منسيّاً ومعرضاً عنه، صحّ ضمّ القبول إليه.

فلو قال: «بعتك هذا الفرس، قم وتفكّر في صلاحك» فقام وتأمّل ساعة أو ساعتين، بل يوماً أو يومين، فاختار القبول، يصدق «العقد» عليه، ويجب الوفاء به عرفاً وشرعاً.

كما أنّ العهود الكتبية بين الدول وبين الشركاء في التجارات، لا يعتبر فيها التوالي لدى العقلاء.

فالمضرّ عدم ربط المسبّبات، والمعتبر ربطها، لا التوالي بين الإيجاب والقبول

وبين الأسباب، من غير فرق بين كون دليل التنفيذ (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(1) أو (أَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ)(2) و(تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ)(3).

ثمّ إنّ مقتضى تقريب الشيخ الأعظم(4) ذيل كلام الشهيد(5)، عدم الفرق في عدم الصحّة بين اعتبار العقد وغيره لأنّ برهانه - وهو أنّ الإيجاب والقبول بمنزلة كلام واحد، مرتبط بعضه ببعض، فيه الهيئة الاتّصالية، فيقدح تخلّل الفصل بهيئته الاتّصالية - جارٍ في غيره أيضاً؛ لأنّ البيع والتجارة أيضاً على هذا

ص: 340


1- المائدة (5): 1.
2- البقرة (2): 275.
3- النساء (4): 29.
4- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 158.
5- القواعد والفوائد 1: 234 - 235.

المبنى، عبارة عن الإيجاب والقبول المرتبطين، وبمنزلة كلام واحد.

وما قيل في بيان الفرق بأنّ «العقد» ربط ووصل، ففي مفهومه معتبر ذلك، فلا بدّ أن لا يتخلّف العقد اللفظي أحد جزئيه عن الآخر، بخلاف البيع والتجارة؛ إذ ليس مفهومهما كمفهومه مقتضياً للربط(1)، مع كونه غير مرضيّ في نفسه، غير مربوط باستدلال الشيخ، فراجع.

ثمّ إنّ ما ذكره الشيخ ليس مختصّاً بالاُمور المتدرّجة، بل كلّ اُمور يجمعها عنوان واحد، ولها هيئة خاصّة اتّصالية، أيضاً كذلك، كالعسكر، والدار، والبستان، والبلد، فالتدريج والقرار غير دخيلين، ولا يبعد أن لا يخالف الشيخ ذلك، وإنّما خصّ بالأمر التدريجي؛ لأنّ المقام من قبيله.

وقد عدل بعض الأعاظم عن تقريب الشيخ قدّس سرّه بقوله: «كلّ أمرين أو اُمور يجمعها عنوان واحد ك «الصلاة» يجب أن لا يفصل بينها فاصل مخلّ بالجهة الجامعة»(2).

لكن يظهر من ذيل كلامه أيضاً الفرق بين العقد والبيع(3)، وفي كلامه موارد أنظار، تظهر للناظر الدقيق.

وأمّا التفصيل بين العقود الإذنية وغيرها (4)، فقد مرّ ما يفسده(5).

ص: 341


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 283 - 284.
2- منية الطالب 1: 251.
3- منية الطالب 1: 251 - 253.
4- نفس المصدر.
5- تقدّم في الصفحة 335.
مسألة : في اعتبار التنجيز في العقود
اشارة

وممّا نقل اعتباره عن جمعٍ التنجيز، قالوا: فالتعليق في العقود وما بحكمه موجب للبطلان(1).

وما يمكن أن يتشبّث به في وجه الاعتبار، ما قيل في امتناع الواجب المشروط؛ بحيث يرجع الشرط إلى الهيئة:

تارةً: بأنّ الهيئات حروف، لا يعقل تعليقها بشيء؛ للزوم لحاظ المعنى الآلي استقلالاً(2).

واُخرى: بأنّ الحروف - ومنها الهيئات - معانٍ جزئية؛ لما حقّق من خصوص الموضوع له فيها، والجزئي غير قابل للتقييد والتعليق(3).

ص: 342


1- تذكرة الفقهاء 10: 9 - 10؛ التنقيح الرائع 2: 69؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 162.
2- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 181؛ أجود التقريرات 1: 194.
3- مطارح الأنظار 1: 236.

وثالثة: بأنّ الهيئات بما أنّها حروف إيجادية لا حكائية، تكون آلة لإيجاد المادّة اعتباراً، والإيجاد كالوجود غير قابل للتعليق؛ فإنّ الوجود والإيجاد تكوينياً كانا أو اعتبارياً يستحيل تعليقهما، فكما أنّه لا يمكن أن يعلّق وقوع الضرب على شخص على كونه عدوّاً، كذلك يستحيل إيجاد البيع وإنشاؤه معلّقاً؛ فإنّ إيجاد المعنى المقصود باللفظ إمّا لا يحصل رأساً، أو يحصل مطلقاً، فوقوع الإيجاد معلّقاً مرجعه إلى التناقض، فكلام القوم ومحطّ النزاع، التعليق في المنشأ لا الإنشاء(1).

ونحن قد فرغنا عن الجواب عنها في الواجب المشروط، وقلنا بإمكان التعليق في المعاني الحرفية، وكذا إمكان تعليق الجزئيات وتقييدها (2).

وأمّا الوجه الثالث الذي تشبّث به بعض أعاظم العصر رحمه الله علیه، وزعم أنّ النزاع في تعليق المنشأ لا الإنشاء.

ففيه: أنّ قياس الإيجاد الاعتباري بالتكويني مع الفارق، ولا يلزم من امتناع التعليق في التكوين امتناعه في التشريع وعالم الاعتبار، فإذا قال: «إن جاءك زيد فاضربه» يكون القيد قيد الهيئة لا المادّة، والبعث الاعتباري معلّق على مجيئه، فما لم يجيء لا بعث بالضرورة، وفي ظرف تحقّق المجيء يتحقّق البعث الاعتباري.

وبالجملة: قبل حصول المعلّق عليه لا إيجاب ولا وجوب، وإنّما يتحقّقان بعد تحقّقه، والإنشاء غير التلفّظ بالألفاظ الموقعة له، والتلفّظ من التكوين،

ص: 343


1- منية الطالب 1: 253 - 254.
2- مناهج الوصول 1: 286 - 287.

ولا يعقل تعليقه، بخلاف الإنشاء والإيقاع الذي هو أمر اعتباري، نظير الإيجاب والتلفّظ بلفظ دالّ عليه. ولعلّ القائل - رحمه اللّه تعالى - خلط بينهما، فوقع فيما وقع.

وقوله: «يلزم منه التناقض» غير وجيه؛ لأنّه إنّما يلزم لو كان الإيجاد وعدمه بالفعل، لكن في الواجب المشروط يكون الإنشاء مشروطاً، ولازم اشتراطه تحقّق الإيجاب والوجوب بعد الشرط، وكذلك الحال في إنشاء البيع، فإذا قال: «إن طلعت الشمس بعتك هذا بهذا» جعل إيقاع البيع مشروطاً بتحقّق طلوعها، فالإيجاد الاعتباري مشروط.

وفرق بين قوله: «بعتك هذا يوم الجمعة» مريداً به أوجدت بيع يوم الجمعة، وقوله: «بعتك هذا بهذا إن جاء يوم الجمعة» لأنّ يوم الجمعة في الأوّل وصف للمنشأ، بخلاف الثاني؛ فإنّه قيد للهيئة وشرط للإنشاء، والعهدة في حلّه بجميع جوانبه على بحث الواجب المشروط.

مع أنّ التعليق في المنشأ لا معنى له؛ لأنّ المعاني التصوّرية لا يعقل فيها التعليق، فلا معنى لتعليق زيد أو تعليق بيع الدار، بل التعليق لا بدّ وأن يرجع إلى المعاني التصديقية، خبرية كانت أو إنشائية، فتدبّر.

ثمّ لو تمّ الدليل العقلي الذي أقامه، فلا يدلّ ذلك على تحرير محلّ النزاع، فلعلّ القوم لم يتمّ عندهم هذا الدليل، ولهذا إنّ المشهور - على ما حكي(1) - رجوع القيود في الواجب المشروط إلى الهيئة، لا المادّة.

ص: 344


1- كفاية الاُصول: 125 و127.

بل رجوع القيد إلى المنشأ في المقام، لازمه أن ينشأ بالفعل الملك مثلاً يوم الجمعة، فالنتيجة أنّ ملك يوم الجمعة لك بالفعل، فيكون الشيء ملكاً للمنشئ من الآن إلى يوم الجمعة، وملكاً يوم الجمعة للطرف، فيجوز أن يملّك غيره ملك يوم السبت، وآخر ملك يوم الأحد وهكذا، نظير باب الإجارة، فيكون الجميع مالكاً بالفعل، كلّ ملكية قطعة من الزمان، مع أنّ الملك ليس متكثّراً بتكثّر الزمان، وليس المملوك متعدّداً في المملوكية، كالمنافع في كلّ يوم.

فالتحقيق: أنّه إن رجع القيد إلى الإنشاء صحّ مطلقاً، وإن رجع إلى المنشأ بطل مطلقاً؛ لعدم تعدّد المملوك، حتّى ينتقل في وقت، ويبقى مملوك آخر، ويكون كلّ قطعة من الزمان مكثّراً له، فالمملوك هو نفس الشيء، والزمان ظرف له، والمالك للبيت ليس له بيوت عدد أيّام السنة، أو عدد ساعات السنة، فله أن يملّك غيره ما ملكه، وهو نفس الطبيعة.

وأمّا إذا رجع القيد إلى الهيئة، فالتمليك لنفس الطبيعة، ولا يتحقّق التمليك إلاّ بعد حصول القيد أو المعلّق عليه.

والسرّ: أنّ القيد إن رجع إلى الهيئة تكون الطبيعة مطلقة بلا قيد، والإنشاء والتمليك معلّقاً على شيء.

وإن رجع إلى المنشأ والمادّة يكون التمليك بلا قيد، فلا بدّ وأن يتحقّق، ولامتناع انفكاك المنشأ عن الإنشاء تصير الملكية موجودة، لكن لا الملكية المطلقة، بل المقيّدة بيوم الجمعة، فللشيء ملاّك متعدّدة حسب اقتضاء القيود الراجعة إلى المادّة.

وأيضاً لازم رجوع القيد إلى المادّة تمامية العقد فعلاً، وعدم جواز الرجوع

ص: 345

من المتعاقدين قبل حصول القيد والمعلّق عليه، بخلاف ما لو رجع إلى الهيئة؛ لأنّ العقد على فرض حصول القيد، فمع عدمه لا عقد بينهما، بل إنشاء معلّق، لو حصل المعلّق عليه صار إنشاءً وعقداً.

إشكال منافاة التعليق مع الجزم المعتبر

وربّما يقال: إنّ التعليق يوجب عدم الجزم بإيقاع المعاملة، وهو معتبر فيه(1).

وفيه منع الصغرى؛ فإنّ الإنشاء المعلّق جزمي على فرض التعليق، كالإخبار المعلّق، فإذا قال: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللّه ُ لَفَسَدَتَا)(2) لا شبهة في إخباره جزماً بالفساد على فرض تعدّد الآلهة، بلا شائبة ترديد واحتمال خلاف، وكذلك إذا قال: «إن جاءك زيد بعتك هذا بهذا» فإنّ البيع على الفرض جزمي.

نعم، حصول المعلّق عليه ربّما يكون مشكوكاً فيه، وهو لا يوجب عدم الجزم على فرضه، بل لو علّقه على أمرٍ محال لا يضرّ بالجزم كما لا يخفى.

بل يمكن منع الكبرى؛ لعدم دليل على لزوم الجزم في المعاملات ولا العبادات، فإن لم يعلم أنّ الفلان عبده، أو الفلانة زوجته، فقال «أنتَ حرّ لوجه اللّه» و«أنتِ طالق» برجاء إصابة الواقع فأصاب، صدق: «أنّه أعتق عبده، وطلّق زوجته»، وإذا قال: «بعتك هذا المال» برجاء أنّه ماله، وكان في الواقع ماله، صدق: «أنّه باع ماله».

فلا يعتبر الجزم في الصدق العرفي، ولا دليل على اعتباره، وإطلاق الأدلّة

ص: 346


1- تذكرة الفقهاء 10: 9؛ القواعد والفوائد 1: 65؛ التنقيح الرائع 2: 69.
2- الأنبياء (21): 22.

وعمومها يدفع احتماله، ودعوى الانصراف(1) قد مرّ ما فيها (2).

وأمّا تحصيل الإجماع، أو الشهرة المعتبرة في هذه المسألة، التي للعقل فيها

قدم راسخ، فغير ممكن، ولهذا ترى تشبّثهم بالدليل العقلي أو العرفي(3)، مع ما يقال: من أنّ المسألة لم تكن معنونة، وإنّما استندوا إلى باب الوكالة، والوقف ونحوهما (4).

فالتحقيق: عدم اعتبار التنجيز في المعاملات مطلقاً، سواء كانت معلّقة على معلوم في الحال، أو الاستقبال، أو مجهول كذلك، بل أو معلوم العدم كذلك، ثمّ بانَ تحقّقه.

ص: 347


1- جواهر الكلام 22: 253؛ منية الطالب 1: 255.
2- تقدّم في الصفحة 317.
3- التنقيح الرائع 2: 69؛ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 285؛ منية الطالب 1: 253 - 254.
4- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 163.
مسألة : في اعتبار التطابق بين الإيجاب والقبول

لا إشكال في اعتبار التطابق بين الإيجاب والقبول؛ إذ مع عدمه لا يصدق عليهما: «العقد» ولا للمطاوع «القبول» بل قد عرفت: أنّ القبول بمنزلة إجازة الفضولي(1)، فلا بدّ وأن يكون متعلّقاً بعين ما اُوجب، وهو واضح، وإنّما الكلام في تشخيص الصغرى في بعض الموارد.

والمناط الكلّي: أنّ في كلّ مورد ينحلّ العقد عرفاً إلى عقدين، أو إلى عقد وشيء آخر، فقبل القابل البعض المنحلّ، يقع التطابق بينهما.

مثلاً: لو قاول المشتري البائع على بيع فرسه بألف، وبيع ثوبه بألف؛ بحيث لا يكون بين البيعين ارتباط في الغرض، فباعهما بألفين، وكان ذلك لأجل الجمع في التعبير والسهولة، ينحلّ البيع لدى العقلاء إلى بيع هذا بألف، وذاك بألف، فإذا قبل أحدهما يصدق: «أنّه باع فرسه بألف» ويكون القبول مطابقاً للإيجاب.

ص: 348


1- تقدّم في الصفحة 243 و338 و339.

بخلاف ما إذا كان في الواقع وبنظر العقلاء، أو في نظر المنشئ، ربط بينهما، فباع المجموع بما هو مجموع؛ فإنّه مع قبول البعض لا يكون قبولاً لما أنشأه، ولا مطابقاً لإيجابه، فلو باع الباب، فقبل أحد مصراعيه، لا تتحقّق المطاوعة والتطابق.

وهكذا الكلام في الشروط والمتعلّقات، ففي مثل الشرط لو قلنا بالانحلال، وأنّه التزام في التزام - كما لا يبعد في بعض الموارد - يكون القبول بلا شرط قبولاً ومطابقاً للإيجاب.

وبالجملة: لا إشكال في الكبرى، وتشخيص الصغريات على عهدة العرف، والموارد مختلفة.

ص: 349

مسألة :في اعتبار الأهلية في المتعاقدين
اشارة

قالوا: ومن جملة الشروط أن يقع كلّ من الإيجاب والقبول في حال يجوز لكلّ واحد من المتعاملين الإنشاء، فلا يصحّ مع فقدهما، أو فقد أحدهما الأهلية ولو في بعض العقد، فلو كان المشتري في حال إيجاب البائع غير أهل للقبول، أو خرج البائع حال القبول عن الأهلية، لم ينعقد(1).

وقد يفصّل: بين ما كان عدم الأهلية بنحو يمتنع معه التعاهد والتعاقد، كموت الموجب، أو نومه، أو إغمائه، أو جنونه حال القبول، وككون القابل حين الإيجاب كذلك، وبعده صار أهلاً، وبين ما لا يكون كذلك، ككون المشتري صغيراً حال الإيجاب، أو محجوراً، أو صيرورة البائع محجوراً حال القبول؛ بدعوى أنّ مناط المعاهدة مع الغير تقتضي كونهما معاً قابلين للتخاطب والمعاقدة؛ فإنّه لا ينقدح القصد الجدّي في نفس العاقل إلى المعاهدة مع من هو

ص: 350


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 177.

كالجدار أو كالحمار، وعلمه بالتفاته فيما بعد لا يصحّح المعاهدة معه فعلاً.

وأمّا فقد الأهلية من غير تلك الناحية، فلا يضرّ بصدق: «العقد» ولهذا كان صحّة بيع المكره على القواعد، إذا انضمّ إليه رضاه(1).

أقول: ليست ماهية البيع إلاّ تمليك عين بالعوض، أو مبادلة مالٍ بمالٍ، حسب ما فصّل في محلّه(2)، ويقال للبيع ونحوه: «العقد» باعتبار العقدة الحاصلة ادّعاءً من تبادل الإضافتين على ما مرّ(3)، وهذه العقدة والمبادلة اُنشئت بفعل الموجب وإيجابه، من غير دخالة مخاطبة ومعاهدة فيه.

فإذا قال البائع: «بعت مالي بمال زيد» فقد أنشأ المبادلة وأوقع المعاوضة، مع عدم تخاطب وتعاهد في البين، فإذا انضمّ إليه قبول الطرف، صار موضوعاً لاعتبار العقلاء والشرع للنقل العقلائي، فلو فرض أنّ المشتري مجنون، أو مغمى عليه، ولا يمكن مخاطبته، لا يضرّ ذلك بإيجاب الموجب؛ أي التبادل بين المالين، أو تمليك العين بالعوض، فإذا أفاق وقبل ما أوجبه، تمّ نصاب موضوع الاعتبار.

فوزان الإيجاب والقبول وزان العقد الفضولي والإجازة، فكما أنّ المجيز لا يضرّ عدم أهليته بصحّة البيع ونفوذه مع أهليته حال الإجازة، كذلك حال القبول.

فقوله: إنّ القصد الجدّي لا ينقدح في نفس العاقل إلى المعاهدة مع من هو كالجدار أو كالحمار، أجنبيّ عن باب البيع ونحوه، وخلط ناشٍ من زعم أنّ البيع معاهدة بين الطرفين حال إيقاعه، وقد عرفت أنّه ليس إلاّ التمليك بعوض، وهو

ص: 351


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 291 - 292.
2- تقدّم في الصفحة 13 - 14 و18 - 20.
3- تقدّم في الصفحة 98 - 99 و339.

يحصل بفعل البائع، كان الطرف حال الإيقاع كالجماد والحمار أم لا، وليس التخاطب دخيلاً في ماهية المعاملات، هذا إذا كان المشتري غير أهل حين الإيجاب.

وكذا إذا خرج البائع عن الأهلية حين القبول، فلو أوقع الإيجاب، فصار مغمى عليه، فقبل المشتري، لم يضرّ بالعقد والبيع، فإذا أفاق يرى أنّ تمليكه بالعوض صار مورد القبول وتمّت المعاوضة.

بل يمكن أن يقال: إنّه لو مات صحّت معاوضته، وإن احتاجت إلى إمضاء الورثة؛ لأنّ المال قبل القبول انتقل إليهم، والورثة قائمون مقامه في ذلك، فتأمّل.

فمقتضى القواعد عدم اعتبار هذا الشرط، نعم، لا بدّ من بقاء رضا الموجب في الصحّة الفعلية.

بل يمكن أن يقال: يكفي رضاه حال القبول أو بعده، فلو أوجب برضا منه، ثمّ رجع عن رضاه، ثمّ رضي ثانياً حال القبول، كفى.

بل لو ردّ الإيجاب لا يبعد القول بالصحّة مع رضاه ثانياً، فالردّ لا يبطل الإيجاب، ويأتي ما يفيد المقام في البيع الفضولي إن شاء اللّه تعالى(1).

جواب الشيخ الأعظم عن النقض بالوصيّة ودفعه

وأمّا ما أفاد الشيخ قدّس سرّه في جواب النقض بالوصيّة التمليكية، بأنّ القبول شرط لا ركن؛ فإنّ حقيقة الوصيّة الإيصاء، ولذا لو مات قبل القبول قام

ص: 352


1- يأتي في الجزء الثاني: 305.

وارثه مقامه، ولو ردّ جاز له القبول بعد ذلك(1).

ففيه: أنّ الوصيّة وإن كانت إيقاعاً وهي الإيصاء، لكن قد يتحقّق معها عنوان آخر ك «التمليك» فإنّه عنوان متحقّق بنفس الإيصاء.

فقوله: «ملّكت زيداً بعد موتي كذا» ينطبق عليه عنوانان: الإيصاء، وهو إيقاع تمّت الوصيّة به، والتمليك، وهو إيجاب يحتاج إلى القبول كسائر الإيجابات، من غير فرق بينه وبين التمليك التنجيزي حال الحياة، ولا بينه وبين التمليك بالعوض، فالتمليك المجّاني هبة، وهي عقد قائم بالطرفين، بل لو أوصى بالتمليك بعوض دون قيمته مثلاً، صحّت ظاهراً.

وأمّا قضيّة قيام الوارث مقامه مع فرض كونه حقّاً، فلا مانع منه.

وأمّا جواز القبول بعد الردّ، فهو موافق للقاعدة في الفضولي وغيره، إلاّ أن يدلّ الدليل على خلافها، وإلاّ فمجرّد الردّ لا يوجب هدم بيع الفضولي، ولا هدم الإيجاب، سيّما على ما اخترناه من أنّه تمام البيع(2).

ص: 353


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 177.
2- راجع ما تقدّم في الصفحة 243 و323 - 324.
فرع : في اختلاف المتعاقدين في شروط الصيغة
اشارة

لو اختلف المتعاقدان - اجتهاداً أو تقليداً - في شروط الصيغة، فأوقع كلّ حسب رأيه.

فتارةً: يوقع كلّ على خلاف رأي صاحبه، فينشئ البائع بغير الماضوية، مع كونها معتبرة لدى المشتري، ويقبل المشتري بالفارسية، مع اعتبار العربية لدى البائع.

واُخرى: يوقع أحدهما على خلاف رأي صاحبه، دون الآخر.

فهل يصحّ العقد مطلقاً؟

أو لا مطلقاً؟

أو يفصّل بين الصورة الاُولى وغيرها؟

أو يفصّل بين ما إذا كان العقد بنظر أحد الطرفين صحيحاً، وبين غيره؟

أو يفصّل بين الشرائط، فما كان البطلان فيه مستنداً إلى فعل واحدٍ منهما يصحّ، دون ما كان مستنداً إلى فعلهما؟

ص: 354

أو يفصّل بين الشرائط التي كان المستند في رفعها لدى الشكّ، الأمارات، وبين ما كان المستند فيه الاُصول؟

أو يفصّل بين المجتهد والمقلّد؟

أو يفصّل بين كون بطلان رأي الطرف مقطوعاً به، وبين كونه مظنوناً بالظنّ الاجتهادي؟

أو يفصّل بين ما إذا لم يكن قائل بصحّة العقد المركّب من الإيجاب والقبول الكذائي، وغيره؟ وجوه:

قال الشيخ الأعظم قدّس سرّه: أردؤها الأخير(1)، لكنّه لم يتعرّض لجميع المحتملات.

ويتلوه في الضعف التفصيل بين القطع بالخلاف والظنّ المعتبر، كما فصّل في باب الإجزاء السيّد الطباطبائي قدّس سرّه قائلاً:

تفصيل السيّد اليزدي في باب الإجزاء

إنّ دليل حجّية ظنّ المجتهد متساوي النسبة إلى الظنّين، فإذا ظنّ بجزئية السورة في زمان، وتبدّل رأيه ظنّاً في زمان آخر، لم يهدم هذا الاجتهاد اجتهاده الأوّل، ولا اجتهاد غيره اجتهاده؛ لأنّ ظنّه حجّة في الزمن الأوّل كهذا الظنّ.

نعم، لو تبدّل إلى العلم بالخلاف يهدم اجتهاده الأوّل، كما أنّ المجتهد الآخر إذا علم خطأه لا يجوز له ترتيب الأثر(2).

ص: 355


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 178.
2- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 448.

وفيه: أنّ الطرق الاجتهادية الظنّية إذا قامت على خلاف اجتهاده الأوّل، أو اجتهاد مجتهدٍ آخر، يكشف منها فعلاً بطلان الاجتهاد السابق وخطاؤه، ومع قيام الأمارة المعتبرة على بطلانه، أو بطلان كلّ اجتهاد يخالفه، لا يكون دليل الحجّية متساوي النسبة إليهما، بل يختصّ الاجتهاد الفعلي بالحجّية دون غيره.

فلو دلّ دليل على طهارة الغسالة، وكان في طريقه ضعف، وكان مقتضى اجتهاده الأوّل وثاقة الراوي، ثمّ تبدّل رأيه إلى عدم الوثاقة، فلا شبهة في هدم اجتهاده الثاني الأوّل؛ لقيام الطريق الفعلي على بطلانه، ولا وجه لانطباق دليل حجّية الظنّ عليه.

تفصيل آخر في الإجزاء

نعم، هنا تفصيل آخر في باب تبدّل الرأي والإجزاء، وهو القول بالإجزاء فيما إذا كان الإتيان بالعمل مستنداً إلى الاُصول العملية، كأصالتي الحلّ والطهارة، وكحديث الرفع بل والاستصحاب، دون ما إذا كان المستند الأمارات العقلائية أو الشرعية(1)، وقد رجّحنا هذا التفصيل في باب الإجزاء(2)، وباب تبدّل الرأي(3).

والظاهر جريانه في المقام أيضاً؛ لأنّ المفروض أنّه بحديث الرفع مثلاً(4)

ص: 356


1- كفاية الاُصول: 110 - 111.
2- مناهج الوصول 1: 253 - 259.
3- الاجتهاد والتقليد، الإمام الخميني قدس سره: 103.
4- التوحيد: 353 / 24؛ الخصال: 417 / 9؛ وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 56، الحديث 1.

رفعت شرطية العربية واقعاً، ومعنى ذلك أنّ إيجاب الشاكّ بالفارسية إيجاب واقعي لدى الشارع الأقدس، فإذا ضمّ إليه قبول بالعربية، تمّ ركنا المعاملة؛ لأنّها متقوّمة بإيجاب صحيح واقعي، وقبول كذلك، والمفروض تحقّقهما.

فما أفاده السيّد الطباطبائي قدّس سرّه: من أنّ العقد متقوّم بطرفين، فمع اعتقاد أحدهما بطلانه، ولو ببطلان أحد جزئيه، لا يجوز له ترتيب الأثر(1).

إنّما يتمّ بناءً على كون مدرك الفتوى الأمارة، مثل إطلاق دليل وجوب الوفاء بالعقد أو الشرط؛ فإنّ المجتهد الآخر الذي يرى عدم الإطلاق، أو ناقش في دلالة الدليل، لا محالة يرى إيجابه باطلاً؛ لخطأ الأمارة.

وأمّا مع الاستناد إلى حديث الرفع، فلا معنى لاعتقاد البطلان؛ لأنّ الباطل ما كان على خلاف المقرّر الشرعي، ومع جريان الحديث يكون الشرط مرتفعاً؛ أي يعامل معه معاملة الرفع، فيكون الإيجاب من الشاكّ صحيحاً، لا يعقل تخلّفه عن الواقع؛ لعدم واقع له يطابقه أو لا يطابقه.

والحاصل: أنّ الإيجاب فعل البائع لا المشتري، والشارع أسقط اعتبار العربية عن فعله ولو حكماً، ولازمه مؤثّرية إيجابه الفارسي، فإذا ضمّ إليه قبول مؤثّر، صار العقد صحيحاً.

وهو نظير الاقتداء بمن اجتهاده مخالف له، لكنّه يرى صحّة صلاة إمامه واقعاً؛ لاستناده في لبس ما هو مانع واقعاً إلى دليل الرفع، الحاكم على أدلّة اعتبار الشرائط والموانع، فصار المصداق الواجد للمانع الواقعي والفاقد

ص: 357


1- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 448.

للشرط كذلك، مصداقاً للصلاة حقيقة بدليله، فلا يرى المأموم بطلان صلاته.

فعلى هذا: يكون البيع المركّب من الإيجاب والقبول وهو فعل تشريكي من الموجب والقابل، صحيحاً عندهما؛ لصحّة الإيجاب والقبول واقعاً.

هذا إذا تمّت دلالة حديث الرفع بما قرّرناه، لدى الطرفين في موضوع الشاكّ في الحكم، وإلاّ فلا يحكم بالصحّة واقعاً.

وبما ذكرناه يظهر وجه الصحّة في الصورة الاُولى من الصور المتقدّمة؛ أي صورة إجراء كلّ منهما على خلاف رأي صاحبه، فيما إذا كان استنادهما إلى الأصل، لا الأمارة، هذا كلّه بالنسبة إلى المجتهدين.

وأمّا لو كان العاقدان أو أحدهما مقلّداً، واستندا في الصحّة إلى رأي المفتي، فالظاهر هو البطلان مطلقاً؛ لأنّ استناد المقلّد إلى رأي المفتي استناد إلى الأمارة، لا الأصل، فدليل التقليد عقلائي، من باب أمارية رأي المجتهد للواقع ولو كان المجتهد مستنداً في حكمه إلى الأصل، والتفصيل يطلب من مظانّه(1)؛ فإنّ لنا طريقاً إلى الصحّة مطلقاً في تبدّل الرأي بالنسبة إلى المجتهد والمقلّد(2).

ص: 358


1- الاجتهاد والتقليد، الإمام الخميني قدس سره: 111.
2- وهو التمسّك بحديث الرفع كما صرّح في كتاب الخلل حيث قال: حديث الرفع يدلّ على الإجزاء في جميع الأبواب مع تخلّف الاجتهاد وتبدّل الرأي من غير فرق بين عمل المجتهد والمقلّد. راجع الخلل في الصلاة، الإمام الخميني قدس سره: 303.
بيان لكلام الشيخ في المقام

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه جعل المسألة مبنيّة على أنّ الأحكام الظاهرية المجتهد فيها بمنزلة الواقعية الاضطرارية، أو هي أحكام عذرية(1).

وليس مراده ظاهراً أنّ الواقع تابع لاجتهاد المجتهد، وأنّ مؤدّى اجتهاده حكم واقعي، حتّى يلزم منه التصويب كما زعم السيّد الطباطبائي قدّس سرّه (2).

بل مراده أنّ المستفاد من أدلّة اعتبار الأمارات والاُصول، هو لزوم ترتيب آثار الواقع عند الشكّ، فالعقد الفارسي عند الشكّ في اعتبار العربية، بمنزلة العربي؛ في لزوم ترتيب الآثار عليه.

كما أنّ مرادنا من الإجزاء في باب الاُصول ذلك؛ بدعوى أنّ حديث الرفع بعد عدم جواز حمله على الرفع واقعاً لدى الشكّ في الحكم، يحمل على ترتيب آثاره، كترتيب آثار الحلّ والطهارة الواقعيين في أصلهما.

غاية الأمر: أنّ ما بنينا عليه أنّ دليل اعتبار الأمارات قاصر عن ذلك، بخلاف أدلّة الاُصول، وذهب بعضهم في الأمارات أيضاً إلى الإجزاء(3) فالمسألة مبنيّة على ما ذكره رحمه الله علیه، لا على ما ذهب إليه السيّد الطباطبائي قدّس سرّه (4).

ثمّ قال السيّد: إنّ ترتيب الأثر على ظنّ المجتهد الآخر جاز فيما كان فعله

ص: 359


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 178.
2- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 447.
3- لمحات الاُصول: 84 - 85.
4- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 448.

موضوعاً للأثر بالنسبة إليه، كالنكاح وغيره، دون ما كان فعله قائماً مقام فعله، كاستيجار الوليّ للقضاء عن الميّت، من يعتقد بطلان صلاته؛ فإنّ فعل الأجير فعل المستأجر، وما نحن فيه بمنزلة ذلك؛ لأنّ العقد متقوّم بطرفين، ويجب على كلّ من المتبايعين إيجاد عقد البيع، وهو عبارة عن الإيجاب والقبول.

ثمّ قال: البيع فعل واحد تشريكي، لا بدّ أن يكون صحيحاً في مذهب كلّ منهما (1)، انتهى ملخّصاً.

وفيه - بعد الغضّ عن البعد عن مذاق الشارع من أن يجوّز تزويج زوجة الغير باجتهاده، وأن يجوّز لمن يرى بطلان الطلاق أن يتزوّج بالمطلّقة بالطلاق الباطل - أنّه بمقتضى تساوي نسبة دليل حجّية ظنّ المجتهدين إلى الظنّين - كما جعل ذلك في صدر كلامه مبنى ذلك القول - لا يعقل ترجيح اجتهاد غيره على اجتهاده، فمن يرى بطلان العقد، كيف يرفع اليد عن ظنّه، ويجب عليه ترتيب آثار الصحّة؟ ! وهذا معنى اتّباعه ظنّ غيره، ودليل تساوي النسبة على فرض تماميته لا يصحّح ذلك.

وأمّا قضيّة كون فعل الأجير فعل المستأجر، ففيها: أنّ الأجير ينوب عن الميّت لا المستأجر، ولهذا ذهب في «العروة الوثقى» إلى وجوب عمل الأجير على مقتضى تكليف الميّت اجتهاداً أو تقليداً (2).

واحتمال أن يكون الأجير مكلّفاً بإتيان الفعل نيابة عن المستأجر، الذي كان لو فَعَل فَعَل نيابة عن الميّت، في غاية السقوط.

ص: 360


1- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 448.
2- العروة الوثقى 3: 88، مسألة 15.

ثمّ إنّ تنزيل المقام منزلة ما ذكر غير وجيه؛ ضرورة أنّ العقد المركّب من الإيجاب والقبول، لا يعقل أن يكون فعل كلّ واحد من المتعاقدين، فكيف يكون الموجب موجباً وقابلاً، والقابل كذلك؟ ! ولا شكّ في أنّ الإيجاب فعل الموجب، وهو موضوع الأثر بالنسبة إلى القابل، فإذا ضمّ إليه القبول صار عقداً تامّاً.

وقوله: البيع فعل تشريكي... إلى آخره، مصادرة محضة.

تفصيل الشيخ الأعظم بين الشروط وما يرد عليه

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه فصّل بين الشروط، وقال: «إنّ هذا كلّه - يعني ابتناء المسألة على ما ذكره - إذا كان بطلان العقد عند كلّ من المتخالفين مستنداً إلى فعل الآخر، كالصراحة والعربية ونحوهما، وأمّا الموالاة، والتنجيز، وبقاء المتعاقدين على صفات صحّة الإنشاء إلى آخر العقد، فالظاهر أنّ اختلافها يوجب فساد مجموع العقد»(1)، انتهى.

والظاهر أنّ مراده أنّ ما هو من قبيل تلك الشروط، يسري فساده إلى إنشاء الآخر، فلا يجدي في الصحّة كون الأحكام الظاهرية بمنزلة الواقعية الاضطرارية.

أقول: هذا حقّ بحسب الكبرى، لكنّ التنجيز ليس من هذا القبيل:

أمّا إذا كان عند الموجب معتبراً دون القابل، فلأنّ الموجب إذا أنشأ الإيجاب منجّزاً فقال: «بعتك هذا بهذا» وقال القابل: «لو طلعت الشمس قبلت» لا يسري التعليق إلى الإيجاب من القبول، بل لا يعقل ذلك، وهو واضح.

ص: 361


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 179.

وتوهّم: لزوم عدم المطابقة بين الإيجاب والقبول(1)، مدفوع - مضافاً إلى أنّه أمر آخر - بأنّ هذا المقدار من المطابقة، أي مطابقة الإنشاءين، لا دليل عليه، فلو فرض الجهل بطلوع الشمس وكانت طالعة، فقبل معلّقاً عليه، يقع القبول فعلياً، بل لو كانت غير طالعة لا يضرّ بالمطابقة؛ لما مرّ من أنّ الموجب لا يوجب التمليك الحالي، بل الحال ظرف لإيجابه وإنشائه، والمنشأ نفس التمليك، فإذا ضمّ إليه القبول يتمّ السبب، سواء لحق به في الحال أو الاستقبال(2).

وأمّا إذا كان القابل قائلاً بالاعتبار دون الموجب، فقال الموجب: «بعتك إن طلعت الشمس» وقال القابل: «قبلت».

فربّما يقال: إنّ التعليق يسري إليه(3)، وهو غير وجيه؛ للفرق بين كون القبول معلّقاً، أو كونه قبول أمر معلّق، والمقام من قبيل الثاني، فالإيجاب معلّق، والقبول

قبول منجّز لهذا المعلّق، ففرق بين قوله عقيب الإيجاب: «قبلت إن طلعت الشمس» وبين قوله «قبلت إيجابك المعلّق» فلا يسري التعليق في الثاني إليه.

وأمّا الموالاة، فإن كان القابل يرى اعتبارها فلا كلام فيه؛ إذ لا يصحّ له القبول إلاّ بعد الإيجاب بلا فصل.

نعم، يمكن أن يقال: إنّه لو قبل مع الفصل وصحّ منه الجدّ، يجوز للموجب ترتيب آثار الصحّة، وإن لا يخلو من إشكال؛ لاحتمال كون مصبّ الأدلّة ما إذا

ص: 362


1- البيع (تقريرات المحقّق الحائري) الأراكي 1: 154؛ بلغة الطالب في حاشية المكاسب 2: 196.
2- تقدّم في الصفحة 338.
3- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 296؛ منية الطالب 1: 259.

كان إيجاب الوفاء ذاتاً للطرفين، لا لطرف واحد.

وإن يرَ الموجب اعتبارها فأوجب، ولم يقبل المشتري إلاّ مع الفصل، صار الإيجاب بنظر الموجب فاسداً؛ لأنّه يرى الإيجاب غير صالح لضمّ القبول إليه، فقبل تحقّق القبول خرج إيجابه عن الصحّة التأهّلية بنظره، فيبطل إيجابه، ويأتي في القابل ما مرّ في الموجب مع إشكاله.

وكذا الكلام في بقاء الأهلية؛ فإنّ القائل باعتباره إن كان هو الموجب، خرج إيجابه المتعقّب بالحجر مثلاً عن صلاحية تعقّبه بالقبول بنظره، وإن كان هو القابل، يرى الإيجاب المتعقّب بالحجر كلا إيجاب.

ويأتي فيهما بالنسبة إلى من يصحّ عنده العقد، ما مرّ آنفاً، إيراداً وجواباً.

حكم اختلاف المتعاقدين في تحقّق عنوان العقد

هذا كلّه فيما إذا كانت الشرائط المذكورة من قبيل الشرائط الشرعية، واختلفا في الاعتبار وعدمه.

وأمّا إذا اختلفا في تحقّق عنوان «العقد» وكان منشؤه الاختلاف في أحد المذكورات، بمعنى:

أنّ القائل باعتبار التنجيز مثلاً كان منشأ اعتباره دعوى امتناع الإنشاء معلّقاً.

وأنّ القائل باعتبار الموالاة يدّعي عدم حصول الهيئة الوحدانية المعتبرة عرفا في حصول العقد.

وأنّ القائل باعتبار بقاء الأهلية يدّعي عدم تحقّق المعاقدة والمعاهدة، إذا لم يكن المتعاقدان على صفة الأهلية من أوّل العقد إلى آخره.

ص: 363

وأنّ القائل بالترتيب يدّعي عدم تعقّل تحقّق القبول قبل الإيجاب؛ لأنّه معنى مطاوعي.

فلا شبهة في عدم إمكان التصحيح بنظر الطرفين، أو الطرف القائل بالاعتبار، بدليل الرفع أو المبنى الذي أشار إليه الشيخ قدّس سرّه (1)، وهو واضح، وهذا أمر سارٍ في كلّ شرط كان كذلك.

وبالجملة: إنّ اختلاف المباني في اعتبار الشروط، موجب لاختلاف الحكم صحّةً وفساداً.

ص: 364


1- راجع ما تقدّم في الصفحة 359.

المقبوض بالعقد الفاسد والاُمور المتفرّعة عليه

اشارة

ص: 365

ص: 366

الأمر الأوّل : في الضمان

اشارة

مسألة: لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملكه، وصار مضموناً عليه، ويجب عليه ردّه، ولا يجوز له التصرّف فيه.

وتوهّم: أنّ الإذن الضمني في التصرّف يرفع حرمته(1)، وتسليم العين المأذون في تصرّفها يرفع الضمان(2).

مدفوع: لا لأنّ الجنس لا يبقى بلا فصل(3)، ولا لأنّ البسائط ما به الاشتراك فيها عين ما به الامتياز(4)؛ لأنّهما كما ترى، بل لأنّ إيقاع العقد، بالرضا به وإرادته ومبادئها، وأمّا الرضا بالتصرّف في المبيع أو الثمن، فليس من مبادئ العقد، ولا من لوازمه، بل لا معنى له؛ لأنّ العاقد:

ص: 367


1- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 463؛ حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 123.
2- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 458؛ حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 117 - 118.
3- جواهر الكلام 22: 257 - 258.
4- منية الطالب 1: 261.

إن رضي بالتصرّف في مال نفسه قبل تمام المعاملة، فهو خلاف الفرض، ولا يفيد شيئاً.

وإن رضي به بعد صيرورة المال ملكاً للطرف، فالمال في هذا الظرف ليس ملكاً له.

وإن رضي بتصرّف المشتري مثلاً فيما صار ملكاً له، فلا وجه لهذا الرضا، بل لا معنى له، ولا يعقل الجدّ به إلاّ مع احتمال فساد المعاملة، والرضا بنحو الرجاء أو التعليق، وهو لا يعقل أن يتحقّق في ضمن المعاملة، والرضا المستقلّ والمستأنف لا كلام فيه.

ومن ذلك يظهر الكلام في دفع توهّم رفع الضمان؛ لأنّ تسليم العين إنّما هو بعنوان الوفاء بالعقد، وهو لا يدفع الضمان بعد تخلّفه عن الواقع.

الدليل الأوّل على الضمان : حديث على اليد

اشارة

ويدلّ على الضمان، النبوي المشهور: «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه»(1).

في انجبار سند الحديث

وقد اشتهر بين متأخّري المتأخّرين جبر سنده بعمل قدماء الأصحاب(2).

ص: 368


1- عوالي اللآلي 1: 224 / 106، و3: 251 / 3؛ مستدرك الوسائل 14: 7، كتاب الوديعة، الباب 1، الحديث 12؛ المسند، أحمد بن حنبل 15: 121 / 19969 و: 133 / 20009؛ سنن الترمذي 2: 368 / 1284.
2- عوائد الأيّام: 315؛ جواهر الكلام 37: 35؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 189.

وهو مشكل؛ لأنّ الظاهر من السيّد علم الهدى، وشيخ الطائفة، والسيّد ابن زهرة قدّس سرّه هو إيراده رواية واحتجاجاً على العامّة، لا استناداً إليه للحكم:

قال السيّد في «الانتصار» في مسألة ضمان الصنّاع: وممّا يمكن أن يعارضوا به - لأنّه موجود في رواياتهم وكتبهم - ما يروونه عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم من قوله: «على اليد ما جنت(1) حتّى تؤدّيه»(2).

والظاهر منه عدم اعتماده عليه، بل أورده معارضة لا استناداً.

وأورده شيخ الطائفة في مسائل «الخلاف» في غير مورد، وفي «المبسوط» رواية واحتجاجاً على القوم، كما هو دأبه في كتابيه، لا استناداً، ففي غصب «الخلاف» المسألة 20، بعد عنوانها وذكر خلاف أبي حنيفة(3) قال:

«دليلنا: أنّه ثبت أنّ هذا الشيء قبل التغيير كان ملكه، فمن ادّعى أنّه زال ملكه بعد التغيير، فعليه الدلالة.

وروى قتادة، عن الحسن، عن سمرة أنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال: «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه» (4).

والظاهر أنّ مستنده هو الأمر الأوّل؛ أي الأصل، ولو كان الاستناد إلى قول

النبي صلی الله علیه و آله وسلم، فلا وقع للاستدلال بعدم الدليل على زوال ملكه، فإيراد الرواية

ص: 369


1- «جنت» موافقة للطبعة الحجرية من الانتصار. راجع الجوامع الفقهية، الانتصار: 192 / السطر 15.
2- الانتصار: 468.
3- المبسوط، السرخسي 11: 86؛ بدائع الصنائع 7: 148.
4- الخلاف 3: 407 - 408.

لمحض الاحتجاج على أبي حنيفة، بل مع احتمال ذلك لا يثبت الاستناد.

ونحوه بعض مسائل اُخر في غصب «الخلاف»(1) ووديعته(2).

وأورد في أوّل غصب «المبسوط» عدّة روايات من طرقهم، منها هذه الرواية(3)، والظاهر من نقل خصوص رواياتهم فيه وفي سائر كتب «المبسوط»(4) مع وجود روايات معتمدة من طرقنا (5)، هو الاحتجاج عليهم، لا الاستناد إليها، كما يظهر بالرجوع إليه.

وفي غصب «الغنية»: ويحتجّ على المخالف بقوله صلی الله علیه و آله وسلم: «على اليد ما قبضت حتّى تُؤدّي»(6) وهو ظاهر في عدم الاعتماد عليه.

ونحوه بعينه في كتاب الإجارة، إلاّ أنّ فيه «ما أخذت» بدل «ما قبضت»(7).

واحتمال أن يكون الاحتجاج عليهم بما هو مسلّم بين الفريقين، ضعيف يدفعه ديدنه في الكتاب، مع أنّ مجرّد الاحتمال لا يثبت الاستناد، واللازم في الجبر إثباته.

ص: 370


1- الخلاف 3: 409.
2- الخلاف 4: 173 - 174.
3- المبسوط 3: 59.
4- المبسوط 4: 132.
5- راجع وسائل الشيعة 12: 297، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 158، الحديث 3، و21: 205، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد، الباب 88، الحديث 5.
6- غنية النزوع 1: 280.
7- غنية النزوع 1: 289.

وقد تفحّصت «نكت النهاية» المنسوبة إلى المحقّق مظانّ إمكان الاستدلال به فلم أجده، مع أنّ تلك الموارد محالّ الاستدلال به لو تمّ سنده ودلالته عنده.

كما أنّ الظاهر عدم وجوده في «المقنع» و«الهداية» و«المراسم» و«الوسيلة» و«جواهر الفقه».

وقد استشكل الأردبيلي قدّس سرّه في سنده وسند قاعدة «ما يضمن بصحيحه...» وتمسّك بأصل البراءة من الضمان في مقابلهما (1).

نعم، إنّ ابن إدريس تمسّك به في «السرائر» في موارد، ونسبه جزماً إلى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم (2)، مع عدم عمله بالخبر الواحد(3).

ثمّ شاع الاستدلال به بين المتأخّرين عن زمن العلاّمة(4).

وكأنّه اختلفت حالاته من عصر قدماء أصحابنا إلى عصرنا، ففي عصر السيّد والشيخ كان خبراً مرويّاً عنهم، على سبيل الاحتجاج عليهم، ثمّ صار مورد التمسّك في العصر المتأخّر ثمّ صار من المشهورات في عصر آخر ومن المشهورات المقبولات في هذه العصور حتّى يقال: لا ينبغي التكلّم في سنده(5).

ص: 371


1- مجمع الفائدة والبرهان 8: 192.
2- السرائر 2: 87 و425 و437 و463 و484.
3- السرائر 1: 46 و51.
4- تذكرة الفقهاء 19: 225؛ الدروس الشرعية 3: 109؛ جامع المقاصد 6: 215؛ الروضة البهيّة 3: 565.
5- اُنظر عوائد الأيّام: 315؛ العناوين 2: 416؛ غاية الآمال، المحقّق المامقاني 5: 54.

فالبناء على الاعتماد عليه مشكل، وترك العمل به - مع جزم ابن إدريس بصدوره عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم، مع طريقته في العمل بالأخبار، وإن أمكن أن يكون ذلك باجتهاد منه، وقيام قرائن عنده ربّما لا تفيدنا علماً ولا عملاً، واختلاف عبارات الحديث؛ بحيث ربّما يكشف عن تكرّره وتظافره، واعتماد محقّقي أصحابنا من بعد ابن إدريس إلى عصرنا، مع تورّعهم والتفاتهم إلى ضعفه ولا بدّ من الجبر في مثله، وهو لا يمكن إلاّ باعتماد قدماء الأصحاب عليه، ولعلّه شهادة منهم على اتّكال الأصحاب عليه - مشكل آخر.

ولعلّ من مجموع ذلك، ومن اشتهاره بين العامّة قديماً، على ما يظهر من علم

الهدى رحمه الله علیه (1) ومن إتقان متنه وفصاحته بما يورث قوّة الاحتمال بأنّه من كلمات رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم، لا سمرة بن جندب وأشباهه، ربّما يحصل الوثوق بصدوره، ولعلّ بناء العقلاء على مثله مع تلك الشواهد لا يقصر عن العمل بخبر الثقة.

لكن بعد اللتيّا والتي في النفس تردّد؛ لأنّ ابن إدريس وإن نسبه جزماً في

غير موضع إلى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم، لكن في كتاب غصب «السرائر» تمسّك في مسألة بالأصل وعدم الدليل، ثمّ قال: ويحتجّ على المخالف بقوله صلی الله علیه و آله وسلم: «على اليد...»(2) إلى آخره.

وهذا يوجب حصول الاحتمال بأنّ سائر الموارد من قبيل الاحتجاج عليهم، لا التمسّك به، وإن كان خلاف ظاهره.

ص: 372


1- الانتصار: 468.
2- السرائر 2: 481.

ولم أرَ إلى الآن فيما عندي من كتب العلاّمة تمسّكه به لإثبات حكم، وإنّما

نقل عن ابن الجنيد وابن إدريس التمسّك به على ما حكي(1)، وحدوث الاشتهار بعده لا يفيد شيئاً، فتدبّر لعلّ اللّه يحدث بعد ذلك شيئاً.

في دلالة الحديث على الحكم التكليفي أو الوضعي

ثمّ إنّ في فقه الحديث كلاماً طويل الذيل؛ فإنّ في كلّ واحدة من كلماته مفردا وفيها مركّبة، بحثاً وتعمّقاً، ربّما يأتي في خلال المباحث الآتية إشباع الكلام فيه. والذي هو مورد بحثنا هاهنا: أنّ الحديث هل يدلّ على الحكم التكليفي أو الوضعي؟

ربّما يقال: إنّ كلمة «على» سواء اُسندت إلى فعل المكلّف، أو إلى عين ومال، ظاهرة في التكليف، ولا بدّ فيه من التقدير، وفي المقام يكون المقدّر «الحفظ» والمعنى: «يجب على الآخذ حفظه إلى زمان الأداء» سيّما مع إضافتها إلى «اليد» فإنّ الظاهر منها هو التكليف المناسب لليد، وهو الحفظ في المقام، وسيّما مع ظهور الموصول في عين ما أخذت، فإنّه لا يناسب الضمان؛ لأنّ الضمان بعد التلف، فالرواية ظاهرة في التكليف أو مجملة(2).

واعترف الشيخ الأعظم قدّس سرّه بالظهور في التكليف فيما اُسند الظرف إلى فعل المكلّف، دون ما إذا اُسند إلى مالٍ من الأموال(3).

ص: 373


1- مختلف الشيعة 6: 32 و40.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 111.
3- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 181.

أقول: الظاهرّ ظهور «على» في الاستقرار على العهدة، من غير فرق بين إسنادها إلى الفعل أو المال، فقوله تعالى: )وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ((1) إلى آخره، ظاهر في استقرار الحجّ على عهدة المستطيع، وأنّه صار ديناً عليه، ولهذا لو ذهبت استطاعته وجب عليه الحجّ واستقرّ في ذمّته، ولو مات يخرج من ماله، فلو كان صرف تكليف سقط بموته أو سلب استطاعته، لم يكن وجه له، والوضع في الآية الكريمة يستفاد من )عَلَى( لا غير، والظاهر أنّ هذا منشأ ما ورد في قضيّة الخثعمية عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم: «دين اللّه أحقّ بالقضاء»(2).

والظاهر من «على» الاستعلائية أنّ المال أو العمل والفعل محمول على العهدة، ومستقرّ عليها، كاستقرار زيد على السطح؛ بدعوى أنّ العهدة والذمّة شيء، يقع ثقل المال ونحوه عليه، فمثل «للّه عليّ كذا» أو «عليّ أن أفعل كذا» ظاهر في أنّ ذلك الأمر دين من اللّه تعالى عليه، ولهذا يقال: «إنّه وفى به» ويؤمر بالوفاء بالنذر، وفي التكليف المحض لا يصحّ ذلك الإطلاق إلاّ بتأوّل.

ثمّ إنّ إضافة «على» إلى «اليد» وجعل «ما أخذت» عليها؛ إمّا مبنيّة على دعوى أنّ الشخص عبارة عن اليد الآخذة، كما أنّ الأمر كذلك في إطلاق «العين» وإرادة «الربيئة» فإنّه أيضاً مبنيّ على دعوى أنّ الربيئة باعتبار جمع قواه

كأنّه في قوّة واحدة هي العين صار جميع حقيقته هو العين.

ص: 374


1- آل عمران (3): 97.
2- عوالي اللآلي 1: 216 / 78؛ مستدرك الوسائل 8: 26، كتاب الحجّ، أبواب وجوب الحجّ، الباب 18، الحديث 3.

ففي المقام يدّعى أنّ الغاصب ونحوه كأنّه صار يداً، فأطلق «اليد» وأراد معناها الحقيقي استعمالاً، وادّعى كون الشخص الآخذ هو اليد، فأراد جدّاً أنّ ما أخذ الشخص على عهدته.

وهو نظير ما روي عنه صلی الله علیه و آله وسلم في حقّ المؤمنين: «هم يد على من سواهم»(1) بدعوى أنّهم لوحدتهم واجتماعهم، وجمع قواهم على ضدّ الكفّار، وكون مظهر طردهم إيّاهم وخذلانهم بهم هو أيديهم، فكأنّهم يد واحدة على من سواهم.

أو مبنيّة على الكناية عن الشخص الآخذ، كما يقال في مقام لزوم ردّ الأمانة أو الدين: «بأيّ يد أخذت لا بدّ أن تردّه بها» أو يقال: «اليد تعرف اليد» في بيان أنّ كلّ من أخذ شيئاً لا بدّ أن يردّه هو بعينه، ولا يحوّله إلى غيره.

استقرار العين الخارجية على العهدة وما فيه

ثمّ إنّ الظاهر: هو أنّ نفس ما اُخذ يعلّق على عهدة الآخذ، ولا مانع من جعل الشخص على العهدة اعتباراً، كما في الكفالة؛ فإنّ فيها يكون الشخص المكفول على عهدة الكفيل، وهو أمر عرفي، فتأمّل.

فيمكن أن تقع العين على العهدة إلى زمان الردّ، وهو يختلف عرفاً، فمع كون العين موجودة، يكون الردّ والتأدية بوجه، ومع تلفها فما هو الأقرب إليها يعدّ من مراتب الردّ والتأدية عرفاً.

ص: 375


1- راجع وسائل الشيعة 29: 75 - 76، كتاب القصاص، أبواب قصاص النفس، الباب 31، الحديث 1 و3.

وبالجملة: بعد تصوّر عهدة العين الخارجية، يؤخذ بالظهور، ولا حجّة في ردّه.

إلاّ أن يقال: إنّ ما وقع عليه اليد هو الموجود الخارجي، فإن كان ما وقع عليه اليد بوجوده الخارجي على عهدة الآخذ، فلا إشكال في عدم بقائه بعد التلف والمعدومية، فلا بدّ أن يسقط الضمان بتلفه، وكذا إن كان ذلك، الماهية الموجودة، والماهية المعرّاة عن الوجود لم يقع عليها اليد، ولا يمكن وقوعها عليها.

وإن اعتبر الشيء الواقع عليه اليد في العهدة لا بوجوده الخارجي، فلا إشكال في عدم وقوع اليد عليه لا بوجوده الخارجي.

وإن قيل: إنّه يعتبر الوجود الخارجي باقياً (1) ففيه: - أنّه مع كون ما وقع عليه اليد هو الوجود الخارجي الحقيقي، لا ما يعتبر بقاؤه الذي يرجع إلى الوجود الاعتباري؛ ضرورة عدم بقاء الوجود الحقيقي - أنّ ذلك خلاف ظاهر الحديث؛ فإنّ الظاهر منه أنّ المضمون ما هو الموجود خارجاً، لا الأعمّ منه ومن المعدوم الذي يعتبر موجوداً باقياً.

وبالجملة: ما وقع عليه اليد لا يبقى بعد التلف والعدم بالضرورة، واعتبار البقاء يرجع إلى الوجود الاعتباري، وهو غير المضمون، فلا وجه معقول مقبول عرفاً وعقلاً لما اُفيد، وهذا هو المحذور لو فرض ظهور الحديث فيما ذكر، مع أنّه ممنوع كما سيأتي مفصّلاً(2).

ص: 376


1- القواعد الفقهية، البجنوردي 4: 58 - 59.
2- يأتي في الصفحة 508.

وهنا احتمال آخر، لعلّه مراد من قال بضمان المثل أو القيمة، وهو: أنّ ماهية الضمان أمر تعليقي، هو أنّه لو تلف المضمون تكون الخسارة عليه، فقوله صلی الله علیه و آله وسلم: «على اليد ما أخذت...»(1) معناه أنّ ضمانه عليه إلى زمان الأداء، والضمان فعلي، لكنّ ماهيته أمر تقديري، فثبوت هذا الأمر التقديري قد يكون تقديرياً كما قبل الأخذ، فإنّه يصحّ أن يقال: «إن أخذته كان ضمانه عليك» ولا يصحّ أن يقال: «ضمانه عليك».

وقد يكون فعلياً كما بعده، فيصحّ أن يقال: «إنّ ما أخذت مضمون عليك» ومعنى ذلك أنّه لو تلف لا بدّ لك من جبران خسارته، فالضمان ثابت فعلاً وإن كانت ماهيته أمراً تقديرياً.

بل يمكن أن يكون غير تقديري، وهو عهدة درك خسران الغير ونحوه، وهو فعلي مع وقوع اليد، وتقديري مع عدمه.

وعلى هذا لا يرد عليه: أنّ الظاهر من «على اليد...» ثبوت الضمان والعهدة فعلاً لا تقديراً (2)، وهذا أوفق بفهم العقلاء.

إلاّ أن يقال: إنّ ضمان العين لدى العقلاء عبارة عن عهدة نفسها؛ بمعنى أنّه إذا جعل شيء في ضمان شخص وقبله، يطالب بنفس العين، لا مثلها وقيمتها، ومع فقدها يطالب بالعوض.

فإذا قال الحمّامي: «ضع ثوبك هاهنا وعليّ ضمانه» يرجع صاحب الثوب

ص: 377


1- تقدّم في الصفحة 368.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 301.

إليه بعين ثوبه بمقتضى الضمان، ومع التلف يرجع إلى مثله أو قيمته اضطراراً؛ لكونهما من مراتب أداء العين، فالمعنى الأوّل مع كونه ظاهر الرواية، أوفق بارتكاز العقلاء.

ويمكن أن يدفع: بأنّ الضمان في جميع الموارد - بنظر العرف - عبارة عن عهدة الخسارة لدى التلف، فمطالبة نفس العين ليست لأجل اقتضاء الضمان، بل لأنّ العين مع وجودها لا بدّ وأن تردّ، ضمن الطرف أم لا، ومع التلف يطالب بالعوض؛ لاقتضاء الضمان، وستأتي تتمّة لذلك(1).

حول شمول حديث اليد لضمان الصغير والمجنون

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه بعد استظهار الحكم الوضعي من الحديث قال: ومن هنا كان المتّجه صحّة الاستدلال به على ضمان الصغير بل المجنون، إذا لم يكن يدهما ضعيفة؛ لعدم التميّز والشعور(2).

فأورد عليه بعض أهل التحقيق: بأنّ مفاد «على اليد...» إمّا جعل حكم وضعي، أو الخبر عن جعله:

فالأوّل: لا يصحّ على مسلكه؛ لامتناع جعل الوضع ابتداءً، وانتزاعه من التكليف لا يصحّ في المقام؛ لاعترافه بظهوره في الوضع لا التكليف.

والثاني: لا مانع منه، لكنّ المبنى غير وجيه، وعلى التسليم انتزاعه هنا محال؛ لأنّ الأمر الانتزاعي تابع لمنشئه قوّة وفعلاً، تبعية ما بالعرض لما بالذات،

ص: 378


1- تأتي في الصفحة 508 - 511.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 181.

ولا تكليف للصغير فعلاً حتّى ينتزع منه ضمان فعلاً، والخطاب المشروط بزمان البلوغ حكم تقديري، فيكون الأمر الانتزاعي منه تقديرياً؛ لأنّ فعلية الأمر الانتزاعي وتقديرية منشئه محال(1)، انتهى ملخّصاً.

أقول: بعد فرض ظهور «على اليد...» في الوضع، وإطلاقه الشامل ليد الصغير والمجنون المميّزين، لا يجوز رفع اليد عنه إلاّ بدليل، والمدّعى في المقام هو قيام الدليل العقلي على خلافه، فلو أمكن التوجيه بما يدفع به الدليل العقلي بأيّ وجهٍ ممكن لا يجوز رفع اليد عن الحجّة. ولو كان الدفع بعيداً عن الأذهان، بنحوٍ لا يصحّ الالتزام به في مقام الإثبات والاستظهار من الأدلّة.

وفي المقام يمكن دفعه على التقديرين:

أمّا على فرض أنّ «على اليد...» إنشاء لا إخبار، فلإمكان أن يقال: إنّه ظاهر في جعل الحكم الوضعي، لكنّ العقل يدفع هذا الظهور؛ لامتناع جعل الوضع ابتداءً على الفرض، فيصير حكم العقل قرينة على إنشاء الوضع - بلا جدّ وجعل واقعي - بداعي الإرشاد إلى الحكم التكليفي، الذي هو منشأ لانتزاع الوضع لدى العقلاء.

وإنّما اُنشئ بصورة الوضع؛ للإرشاد إلى مقدار سعة التكليف الذي هو منشأ انتزاع الوضع واقعاً، فإطلاقه دليل على ثبوت حكم تكليفي يطابق هذا الإنشاء الصوري الإرشادي، ويكون منشأً لانتزاع وضع واقعي مطابق للإنشاء المذكور.

وما ذكر وإن كان بعيداً عن الأذهان، بل شبيهاً بالأكل من القفا، لكنّه كافٍ في إمكان الأخذ بالظهور، ومعه يجب الأخذ به.

ص: 379


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 302 - 303.

وأمّا تصوير توجيه التكليف إلى الصغير والمجنون، فيأتي في الفرض الثاني، وهو كون «على اليد...» إخباراً عن جعلٍ سابق.

فبعد فرض صحّة المبنى، لا يرد عليه ما ذكره المستشكل؛ لإمكان أن يقال: إنّ الصغير والمجنون قابلان لتوجّه التكليف المعلّق على زمان البلوغ والإفاقة، إليهما، ولا دليل على بطلانه، والإجماع لم يثبت بهذا النحو؛ لأنّ المتيقّن منه التكليف بالأداء في الحال، وحديث رفع القلم(1) لو فرض التعميم للتكليف، لعلّه ظاهر في المنجّز لا المعلّق.

فيمكن أن يقال: إنّ الصغير والمجنون المميّزين مكلّفان بأداء الغرامة على نحو الواجب المعلّق، سيّما على مسلك الشيخ قدّس سرّه؛ من رجوع القيود في الواجب المشروط إلى المادّة(2)، فلا يصحّ على مذهبه اشتراط التكليف بالبلوغ والإفاقة، فلا بدّ من أخذ القيد إمّا قيداً للمكلّف به، أو قيداً وعنواناً للمكلّف، وفي المقام

ص: 380


1- نحو ما عن ابن ظبيان قال: اُتي عمر بامرأة مجنونة قد زنت فأمر برجمها، فقال علي عليه السلام: أما علمت أنّ القلم يرفع عن ثلاثة: عن الصبيّ حتّى يحتلم، وعن المجنون حتّى يفيق، وعن النائم حتّى يستيقظ؟ ! الخصال: 93 / 40 و: 175 / 233؛ وسائل الشيعة 1: 45، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 4، الحديث 11. ونحو ما عن جعفر عن أبيه، عن علي عليهم السلام أنّه كان يقول في المجنون والمعتوه الذي لا يفيق، والصبيّ الذي لم يبلغ: عمدهما خطأ تحمله العاقلة وقد رفع عنهما القلم. قرب الإسناد: 155 / 569؛ وسائل الشيعة 29: 90، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 36، الحديث 2.
2- مطارح الأنظار 1: 236 - 237 و267.

بعد قيام الحجّة على ضمان الصغير المميّز، يتعيّن الأوّل.

وبالجملة: المقصود دفع الإشكال العقلي عن ظاهر الحجّة؛ لعدم جواز رفضه بمجرّد إشكالٍ قابل للدفع ولو بتكلّف.

نعم، يبقى الإشكال في المجنون الذي لا يفيق، والصغير الذي يموت قبل بلوغه.

ويمكن دفع الإشكال بوجه يعمّ الموارد، وهو الالتزام بالتكليف الفعلي القانوني على الناس جميعاً، وجعل الجنون والصغر من قبيل الأعذار العقلية التي التزمنا ببقاء فعلية التكليف معها (1)، فلا مانع من تعلّق الوضع حتّى مع العذر عن التكليف.

لكنّ الإنصاف: أنّ تلك التكلّفات لأجل مبنى غير وجيه، في غير محلّها.

الدليل الثاني على الضمان : روايات الأمة المسروقة

اشارة

وربّما يستدلّ على ضمان المقبوض بالبيع الفاسد بروايات، وردت في الأمة المسروقة(2):

منها: حسنة جميل(3) - التي هي كالصحيحة - عن أبي عبداللّه علیه السلام: في

ص: 381


1- مناهج الوصول 2: 18 - 20؛ أنوار الهداية 2: 204 - 207.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 181.
3- رواها الشيخ الطوسي بإسناده عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن معاوية بن حكيم، عن محمّد بن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن أبي عبداللّه عليه السلام. وطريق الشيخ إلى الصفّار صحيح ورجال السند كلّهم من الإمامية الثقات إلاّ معاوية بن حكيم، فإنّه قال النجاشي في شأنه: ثقة جليل في أصحاب الرضا عليه السلام. ونقل الكشّي عن العيّاشي أنّه فطحي من فقهاء أصحابنا، على هذا تصير الرواية موثّقة كالصحيحة. اُنظر رجال النجاشي: 412 / 1098؛ اختيار معرفة الرجال: 345 / 639؛ مقباس الهداية 1: 176.

الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها، ثمّ يجيء مستحقّ الجارية.

قال: «يأخذ الجارية، المستحقّ ويدفع إليه المبتاع قيمة الولد، ويرجع على من باعه بثمن الجارية وقيمة الولد التي اُخذت منه»(1).

والاستدلال بها مبنيّ على عدم كون المورد من باب استيفاء المنفعة، ولا ضمان الإتلاف، مباشرة أو تسبيباً.

وقد أشار الشيخ الأعظم قدّس سرّه إلى دفع احتمالهما؛ بأنّه نماء لم يستوفه المشتري، وليس استيلادها من قبيل إتلاف النماء، بل من قبيل إحداث نماء غير قابل للملك، فهو كالتالف لا المتلف(2).

إشكال المحقّق الأصفهاني في المقام ودفعه

وقد تشبّث بعض أهل التحقيق لكونه من قبيل الإتلاف بأنّه: يمكن أن يقال: إنّ النطفة وإن كانت من الرجل، إلاّ أنّها لمّا كانت مكمّلة بدم الاُمّ، وكانت

ص: 382


1- تهذيب الأحكام 7: 82 / 353؛ وسائل الشيعة 21: 205، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد والإماء، الباب 88، الحديث 5.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 181.

تكوّنها حيواناً بالقوى المودعة في الرحم، فكأنّ صيرورتها حيواناً من قبل الاُمّ، فقد أتلفها الرجل على الأب خصوصاً إذا قيل بتكوّنه من نطفة المرأة، وكان اللقاح من الرجل(1)، انتهى.

وفيه ما لا يخفى؛ فإنّ صيرورة نطفة الرجل حيواناً بما ذكر، لا توجب أن يكون الولد لصاحب الجارية، حتّى يصير التحرير إتلافاً لماله، بل اللازم - لو سلّم - أن يكون صاحب الولد ضامناً للدم التالف وقيمة القوى المودعة، لا لقيمة الولد، سيّما إذا قلنا: بضمان قيمة يوم الأداء، كما يقتضيه ظاهر الرواية

المتقدّمة وغيرها، وإن أفتوا بضمان قيمة يوم الولادة(2) فإنّ الولد بعد فطامه قد كمل ونما بغير لبن الجارية ودمها والقوى المودعة فيها.

ومنه يظهر النظر في قوله: على فرض كون النطفة من المرأة؛ فإنّ الولد الحاصل من نطفتها صار ولداً للوالد، وخرج عن الملك، فلو كان ذلك موجباً للضمان، لا بدّ من تقويمه حال كونه في جوف اُمّه؛ أي حال الخروج عن ملك صاحبه، لا التقويم في زمن الأداء، كما هو ظاهرها.

مع أنّ الخروج بالحكم الشرعي من قبيل التلف السماوي، لا الإتلاف حتّى بالتسبيب؛ فإنّ السبب للحكم الشرعي ليس فعله، بل نتيجة فعله موضوع للحكم.

ص: 383


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 304.
2- جامع المقاصد 6: 313؛ مفتاح الكرامة 18: 314؛ جواهر الكلام 37: 191.
إشكال المحقّق الإيرواني ودفعه

وأضعف منه قول بعضهم: إنّ المشتري استوفى منفعة الرحم بإشغاله بمائه، ولا أقلّ من أنّه أتلف منفعته على المالك بذلك؛ فإنّه كان مستعدّاً لإنماء نطفة الرقّ، فسلب عنه ذلك بإشغاله بنطفته(1).

فإنّ استيفاء منفعة الرحم - على فرض صحّته - لا يوجب أن يكون المضمون قيمة الولد، كما أنّ إتلاف منفعته على المالك لا يوجبه، بل اللازم على الفرض أن يكون المضمون منفعة الرحم، والولد لا يعدّ منفعة الرحم، وليست نسبة الرحم إلى الولد كنسبة الثمرة إلى الشجرة، بل هو محلّ نشوئه عرفاً، كما أنّ إتلاف منفعة الرحم لا يوجب ضمان قيمة الولد.

نعم، ظاهر بعض الروايات أنّ الضمان لأجل الانتفاع، كرواية زرارة، قال: قلت لأبي جعفر علیه السلام: الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها، ثمّ يجيء الرجل، فيقيم البيّنة على أنّها جاريته، لم يبع، ولم يهب.

فقال: «يردّ إليه جاريته، ويعوّضه بما انتفع»؛ قال: كأنّ معناه قيمة الولد(2).

ولعلّ المفسّر هو زرارة، فيظهر منها أنّ قيمة الولد لأجل كون الولد من قبيل المنافع المستوفاة.

والعجب من بعض الأعاظم حيث قال: إنّ العرف وإن يرى الولد منفعة، لكن

ص: 384


1- حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 112.
2- الكافي 5: 216 / 13؛ تهذيب الأحكام 7: 64 / 276؛ وسائل الشيعة 21: 204، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد والإماء، الباب 88، الحديث 2.

ليس نظره متّبعاً في تشخيص المصاديق(1).

والظاهر أنّه تبع المحقّق الخراساني (2) في ذلك.

وفيه: أنّ الشارع لمّا كانت خطاباته مع العرف كخطابات العرف مع العرف، وليست له طريقة خاصّة غير طريقة العقلاء، لا محالة يكون في تشخيص المفاهيم ومصاديقها في خطاباته نظر العرف متّبعاً، كما أنّ الأمر كذلك في خطابات العرف بعضهم مع بعض، ولهذا لا يعدّ لون الدم دماً، والتفصيل موكول إلى محلّه(3).

وفي رواية اُخرى عن زرارة، قال: قلت لأبي عبداللّه علیه السلام: رجل اشترى جارية من سوق المسلمين، فخرج بها إلى أرضه، فولدت منه أولاداً، ثمّ إنّ أباه(4) يزعم (ثمّ أتاها من يزعم - خ. ل) أنّها له، وأقام على ذلك البيّنة.

قال: «يقبض ولده، ويدفع إليه الجارية، ويعوّضه في قيمة ما أصاب من لبنها وخدمتها»(5).

وفي قوله علیه السلام: «ويعوّضه...» إلى آخره، احتمالان:

أحدهما: أنّ ما أصاب من لبنها وخدمتها - أي المنافع المستوفاة منها - جعل

ص: 385


1- منية الطالب 1: 263.
2- كفاية الاُصول: 77.
3- الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 250 - 252.
4- في تهذيب الأحكام ووسائل الشيعة: «أباها» بدل «أباه»؛ وفي الاستبصار: «ثمّ أتاها من يزعم».
5- تهذيب الأحكام 7: 83 / 357؛ الاستبصار 3: 85 / 289؛ وسائل الشيعة 21: 204، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد والإماء، الباب 88، الحديث 4.

عوضاً من قيمة الولد، فقدّر القيمة بما أصاب منها تعبّداً.

والثاني: - ولو بملاحظة سائر الروايات - أنّ قيمة الولد تقدير لما أصاب من اللبن والخدمة، فقيمته على هذا ليست لأجل استيفاء المنفعة التي هي الولد، ولا بإزاء تفويت منافع الجارية، ولا لأجل ضمان اليد على الجارية ويتبعه ضمان المنافع، بل لأجل استيفاء سائر المنافع؛ أي اللبن والخدمة، لكن لمّا كان قدرهما ربّما يكون مجهولاً، أو معرضاً للنزاع، قدّره الشارع بقيمة الولد، تأمّل.

وتحقيق المسألة موكول إلى محلّه، والآن لم نكن إلاّ بصدد فقه الروايات، لا الدخول في المسألة وجمع مداركها.

وكيف كان: لا تدلّ تلك الروايات على ما رام الشيخ الأعظم قدّس سرّه إثباته(1).

نعم، إطلاق حسنة جميل(2) تقتضي الرجوع إلى المثمن، ولو بعد تلفه بالتلف السماوي؛ لأنّ الرجوع إليه ليس عرفاً مختصّاً بوجوده كما لا يخفى، فدلّت هي على المطلوب في الجملة، على إشكال.

الدليل الثالث على الضمان : قاعدة ما يضمن

واستدلّ للمطلوب بقاعدة «كلّ عقدٍ يضمن بصحيحه يضمن بفاسده»(3)

وهذه القاعدة وعكسها ليستا مورد نصّ، أو معقد إجماع، ولهذا لو فرض عدم مطابقة مضمونهما للقواعد والأدلّة، أو عدم معنى صحيح لهما، لا نبالي.

ص: 386


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 181.
2- تقدّم في الصفحة 381 - 382.
3- جامع المقاصد 6: 324؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 182.

المراد بالضمان في القاعدة

اشارة

فنقول: قد جزم الشيخ الأعظم قدّس سرّه بأنّ المراد بالضمان في الجملتين، هو كون درك المضمون عليه؛ بمعنى كون خسارته ودركه في ماله الأصلي، فإذا تلف وقع نقصانه فيه؛ لوجوب تداركه منه، وقد جعل هذا المعنى جامعاً للضمان في العقود الصحيحة والفاسدة، والضمان في مثل تلف الموهوب بشرط التعويض قبل دفع العوض.

ثمّ قال: إنّ المراد بالضمان بقول مطلق هو لزوم تداركه بعوضه الواقعي، وتداركه بغيره يحتاج إلى دليل(1).

فكأنّه أراد بذلك أنّ الضمان ظاهر في الضمان الواقعي، ما لم يرد دليل وقرينة على خلافه، وفي المقبوض بالبيع الصحيح قامت القرينة على الضمان بالمسمّى، ولم تقم في الضمان بالبيع الفاسد، فيحمل على المعنى الظاهر فيه، وهذا ليس تفكيكاً في الضمان؛ لأنّ الجامع محفوظ، والخصوصيات في الموارد لا تنافي وجود الجامع، وبلحاظه لم يكن تفكيك.

أقول: لا شبهة في أنّ ردّ مال الغير إلى صاحبه بحسب اقتضاء العقد، ليس دركاً ومن قبيل الضمان، فإذا كان المثمن موجوداً في يد البائع، فردّ المشتري الثمن، لا يصدق: «أنّه أدّى دركه» وكذا لو كان موجوداً في يد المشتري، وردّ الثمن، لا يقال: «إنّه دركه».

وكأنّ الشيخ قدّس سرّه يعترف بذلك، ولهذا فرض مورد التلف، ولا شبهة في أنّ دفع

ص: 387


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 183 - 184.

الثمن إلى البائع بعد تلف المبيع في يد المشتري، ليس إلاّ كدفعه في حال وجوده، سواء كان في يد البائع أو المشتري.

وبالجملة: تلف المبيع لا دخالة له في الضمان بوجه، ولا دخالة له في كيفية ردّ مال الغير بوجه، فتلف المبيع لا يعقل أن يكون مضموناً على صاحبه؛ لعدم تعقّل ضمان الشخص ماله، كما أنّ ردّ مال الغير ليس من قبيل الدرك، فما جعله جامعاً بين العقد الصحيح والفاسد، غير مرضيّ.

تضعيف ما ذكره المحقّق النائيني في الضمان

وأضعف منه في تصحيح عدم التفكيك ما قاله بعض الأعاظم قدّس سرّه من أنّه: يمكن أن يقال: بأنّ الضمان في الصحيح والفاسد كليهما بالمثل والقيمة؛ فإنّ الضمان بالمسمّى في الصحيح قبل القبض، وهو خارج عن القاعدة؛ فإنّها اُسّست لموارد ضمان اليد، وهو يتحقّق بالقبض، ويقال: إنّ بالقبض ينتقل الضمان، ومعنى انتقاله أنّ المسمّى يصير بعد القبض هو المثل أو القيمة، ومعنى ضمان القابض بعد قبضه - مع أنّ المقبوض ملكه - أنّه لو تلف وطرأ عليه فسخ أو انفساخ، يجب عليه ردّ المثل أو القيمة، فالمثل أو القيمة هو المضمون في الصحيح والفاسد(1)، انتهى.

وأنت خبير بما فيه؛ ضرورة أنّ حمل قوله: «كلّ عقد يضمن بصحيحه...» على أنّه يضمن بعد فسخه وبعد تلف المبيع، فأراد بالعقد فسخه، أو الفسخ بعد العقد والقبض والتلف، من أغرب المحامل، فطرح دليل خير من مثله.

ص: 388


1- منية الطالب 1: 266.

مع أنّ قوله: «إنّ الضمان بالمسمّى قبل القبض، وهو خارج عن القاعدة؛ فإنّها اُسّست لموارد ضمان اليد» تخريص منه؛ لعدم دليل على الخروج، ولا على تأسيسها لما ذكر، فلو كان المراد بتلك القاعدة قاعدة اليد، لا معنى لتغيير عبارة جامعة صحيحة خالية من الخلل، بهذه العبارة المجملة المحتاجة إلى التأويل والحمل.

حول معنى الضمان عند المحقّق الأصفهاني

وقد يقال: إنّ معنى الضمان كون الشيء في ضمن العهدة؛ إذ ليس معنى هذه المادّة إلاّ ما يفيد «التضمين» و«المضمون» وأشباه ذلك.

وبالجملة: «الضمان» - كما يناسبه معناه الأصلي - كون الشيء في ضمن شيء، فإذا نسب إلى الشخص فمعناه أنّه في ضمن عهدته.

وهذا المعنى قد يكون بتسبيب من الشخص، كما في عقد الضمان حتّى ضمان النفس، وكما في المعاوضات؛ لتعهّد كلّ منهما والتزامه بأخذ المال ببدله، وقد يكون بجعل من الشارع. والعهدة في كلّ مقام، لها آثار وضعية وتكليفية، ولا يختلف معنى العهدة باختلافها.

فمفاد القاعدة أنّه كلّ مورد كان عهدة مورد العقد على المتعاقدين في الصحيح، فعهدته عليهما في الفاسد(1)، انتهى ملخّصاً.

وفيه: - مضافاً إلى أنّ ما ذكره في معنى الضمان وأصله اللغوي مخالف للعرف واللغة، والأوّل ظاهر، ويعلم الثاني بالمراجعة إلى كتب اللغة - أنّ

ص: 389


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 307 - 308.

كلّ عهدة ليست ضماناً، فعهدة أداء الدين غير كونه ضامناً له، والدين متعلّق بالعهدة، لكن المديون ليس ضامناً.

وبناء العقلاء في باب البيع ونحوه على تسليم العوضين معنى غير الضمان في العرف واللغة، فلا يقال بعد تحقّق البيع: «أنّ كلاًّ من المتبايعين ضامن للأداء أو للمال» وهو واضح.

فلا جامع بما ذكر بين ضمان اليد، والتزام المتبايعين بتسليم العين؛ إذ الثاني ليس بضمان.

أقرب الاحتمالات في معنى الضمان في القاعدة

ويمكن أن يقال: إنّ المراد ب «الضمان» في الجملتين هو الضمان المعهود المتعارف؛ أي الضمان بالمثل أو القيمة الواقعية، وعهدة الأداء في فرض وجود العين، لو قلنا: بأنّ عهدة الأداء أيضاً ضمان، وإلاّ فهي خارجة عن القاعدة. وإن فرض دخولها في قاعدة اليد، قلنا: بإفادة قاعدتها الضمان مع الزيادة.

وذلك لأنّ العقد في البيع الصحيح تمام السبب لقلب اليد المالكية إلى غيرها، فالسلطنة والاستيلاء على المال قبل العقد، سلطنة واستيلاء على مال نفسه، وبعده على مال غيره، من غير أن يكون هذا الاستيلاء بإذن مالكي أو استئمان شرعي أو مالكي، فذلك الاستيلاء يوجب الضمان بمقتضى إطلاق «على اليد...» فالعقد تمام السبب للقلب المذكور، وبعض السبب للضمان؛ لأنّ الاستيلاء أيضاً دخيل فيه.

ص: 390

ولهذا لو كانت العين بيد المشتري وتحقّق العقد، لا يوجب ضماناً، فالعقد الصحيح بعض السبب للضمان.

إن قلت: المبيع إن تلف قبل قبضه مضمون على البائع، فصحيح البيع لا يوجب الضمان.

قلت: لا دليل على دخول البيع في أصل القاعدة؛ لأنّها ليست بصدد بيان موارد الضمان، فالبيع داخل في العكس، غاية الأمر لا بدّ من تقييده بالإجماع.

هذا إن قلنا باختصاص قوله: «كلّ مبيع تلف...»(1) إلى آخره، بالبيع؛ إذ لا دليل على التوسعة والإسراء إلى سائر العقود من نصّ أو إجماع.

نعم، ربّما يقال: إنّه موافق للقواعد العرفية(2)، وهو غير مسلّم.

ولو سلّم يمكن أن يقال: إنّ التالف لمّا كان بحسب النصّ من مال البائع ونحوه، فلا بدّ من الالتزام بانفساخ العقد آناً ما قبل التلف، حتّى يصحّ رجوع المسمّى، وإلاّ فمع بقاء العقد لا معنى لذلك، فعليه يكون كلّ عقد بيعٍ ونحوه من العقود، موجباً للضمان مع بقائه.

فلو فرضنا أنّ التلف وقع مع بقاء العقد، كان الضمان بالمثل والقيمة الواقعية، لكنّ العقود تنفسخ بالتلف، والعقد سبب للضمان، وبالتلف ينفسخ، والانفساخ بحكم الشرع أو العرف لا يوجب رفع السببية، بل يوجب رفع السبب، فالمراد

ص: 391


1- عوالي اللآلي 3: 212 / 59؛ مستدرك الوسائل 13: 303، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب9، الحديث1.
2- اُنظر منية الطالب 3: 357.

بالسببية السببية الذاتية، وفائدة الجعل تظهر في العقد الفاسد، هذا حال العقود الصحيحة.

والعقود الفاسدة أيضاً كذلك؛ أي يكون العقد جزء السبب للضمان، والاستيلاء جزءه الآخر، فلا الاستيلاء بذاته سبب - ولهذا لو استولى عليه بإذن منه أو بأمانة شرعية، لا يوجب ضماناً - ولا العقد بنفسه بلا استيلاء سبب، لكنّ الاستيلاء المسبوق بالعقد الفاسد بتوهّم صحّته صار موجباً للضمان، ولو في هذا المورد الشخصي الذي لم تكن قيود اُخر توجب تمامية السبب، ولو كان اليد تمام السبب، لكنّ العقد صار سبباً بنحوٍ للوقوع فيها.

وهذا الاحتمال أقرب من سائر الاحتمالات، ولا يوجب التفكيك في معنى «الضمان» وإن لزم منه تفكيك في الضامن، لكنّه لا مانع منه بعد عدم تعرّض القاعدة إلاّ للضمان.

تحقيق في محتملات كلام الشيخ الأعظم

ثمّ إنّ الظاهر من صدر كلام الشيخ الأعظم قدّس سرّه وذيله(1)؛ حيث كان بصدد دفع توهّم التفكيك بين الجملتين: أنّ «الضمان» بمعنى كون درك المضمون، عليه أمر جامع بين الموارد التي عدّها؛ أي الضمان الجعلي والواقعي، وأقلّ الأمرين من العوض الجعلي والواقعي في مثل تلف الموهوب بشرط التعويض قبل دفع العوض، وأنّ الموارد من أنواع الجامع بخصوصيات لاحقة إليه.

وعلى هذا يحتمل أن يكون مراده من قوله: «المراد بالضمان بقول مطلق، هو

ص: 392


1- تقدّم في الصفحة 387.

لزوم تداركه بعوضه الواقعي»(1) هو أنّ الإطلاق يقتضي الضمان الواقعي، وغيره يحتاج إلى التقييد.

وبالجملة: مراده لزوم التمسّك بالإطلاق لرفع القيود الزائدة، إلاّ ما قامت القرينة على المقيّد، كالضمان الجعلي في الصحيح، فضمان الفاسد بقي على إطلاقه المقتضي للضمان الواقعي.

ويحتمل: أن يكون مراده دعوى انصراف الضمان إلى الواقعي، ما لم يدلّ دليل على خلافه.

والاحتمال الثالث الذي يلوح من خلال كلماته: أنّ المعنى الحقيقي للضمان هو الواقعي منه، وغيره ليس معنىً حقيقياً له.

ويرد على الاحتمال الأوّل: - مضافاً إلى ما تقدّم(2) - أنّه على فرض كون الضمان هو المعنى الجامع، فأصالة الإطلاق لا تثبت أحد مصاديقه؛ لأنّ كلّ مصداق يحتاج إلى قيد، يدفعه الإطلاق، فالحمل على الضمان الواقعي كالحمل على الضمان الجعلي، يحتاج إلى معيّن، ولا يمكن تعيينه بالإطلاق.

مع أنّه لا إطلاق في القاعدة يحرز به كيفية الضمان؛ لأنّها بصدد بيان إيقاع الملازمة بين الضمان في العقد الصحيح، والضمان في العقد الفاسد، لا بصدد بيان أصل الضمان أو كيفيته، فكأنّه قال: «الملازمة بين الضمانين محقّقة» بمعنى أنّ الضمان في العقد الفاسد لازم الضمان في العقد الصحيح.

وعلى الاحتمال الثالث: أنّه مناقض للصدر، الذي يكون بصدد بيان تحصيل

ص: 393


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 184.
2- تقدّم في الصفحة 387.

معنىً واحد جامع بين الموارد؛ لئلاّ يلزم التفكيك، فإنّ الضمان بالمعنى الحقيقي إن كان الواقعي منه، لا يكون الضمان الجعلي ضماناً حقيقة، وإنّما يطلق عليه بضرب من التأويل، فالمعنى الذي جعله في صدر كلامه للضمان غير صحيح، والتفكيك بين الجملتين واقع لا محالة.

كما أنّه على الفرض الثاني: يلزم التفكيك أيضاً، مع أنّ هذا الاحتمال بعيد عن ظاهر كلامه.

استفادة الضمان بالمثل أو القيمة من القاعدة

ثمّ إنّه على ما ذكرناه، فلا إشكال في استفادة الضمان بالمثل أو القيمة الواقعية من القاعدة.

وأمّا على مسلك الشيخ الأعظم قدّس سرّه (1) وغيره(2) ممّن جعل للضمان معنىً واحداً مشتركاً، أعمّ من المسمّى وغيره فلا بدّ في إثبات كيفيته وتعيين أحد المصاديق من التشبّث بدليل آخر.

وقد عرفت: أنّ الإطلاق لا وجه له، وعلى فرضه لا يفيد لإثبات الضمان الواقعي.

بل لقائل أن يقول: إنّ القرينة قائمة على الضمان بالمسمّى، وهي كون الضمان في الصحيح به، فقرينة المقابلة والسياق، تقتضي أن يكون الضمان في الفاسد مثل ما في الصحيح، ولو نوقش فيه فلا أقلّ من عدم الدليل على الضمان الواقعي.

ص: 394


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 183.
2- منية الطالب 1: 266؛ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 307 - 308.

ثمّ إنّ الظاهر من القاعدة إيقاع الملازمة بين الضمانين، أو جعل الضمان للفاسد ممّا يكون في صحيحه ضمان، من غير تعرّض لشيءٍ آخر.

فما قد يقال من أنّ القاعدة اُسّست لموارد ضمان اليد، أو اُسّست لموارد تمييز اليد المجّانية عن غيرها، أو اُسّست لتمييز موارد التسليط المجّاني عن غيره، أو اُسّست للضمان الناشئ عن المعاوضة، أو المجّانية بالنسبة إلى ما دخل تحت اليد(1) كلّها تخريص.

مقدار شمول قاعدة ما يضمن

ثمّ إنّ المنقول من عبارة القاعدة مختلف، فإن كانت العبارة «كلّ ما يضمن بصحيحه...»(2) إلى آخره، فلا شبهة في شمولها للعقود والإيقاعات، فتشمل مثل الجعالة والخلع أيضاً، وإن قلنا: إنّهما إيقاعان.

وأمّا على فرض كونها «كلّ عقد يضمن...»(3) إلى آخره، فلا تشملهما، إلاّ إذا قلنا: بأنّهما عقدان شبيهان بالإيقاع.

هل العموم باعتبار الأنواع أو الأصناف أو الأفراد؟

وعلى أيّ حال: فالظاهر من قوله: «كلّ عقد...» هو العموم الأفرادي، كالأشباه والنظائر، وظاهر ذيلها كون العقد ذا فرد صحيح وفاسد فعلاً، فلو أخذنا

ص: 395


1- منية الطالب 1: 267 - 270.
2- جواهر الكلام 22: 258.
3- تذكرة الفقهاء 13: 251؛ جامع المقاصد 6: 324؛ مسالك الأفهام 12: 174.

بظهور الصدر، لا بدّ من التصرّف في الذيل؛ بحمله على الفرض والتقدير، وهو خلاف الظاهر جدّاً، فالأولى رفع اليد عن ظهور الصدر في العموم الأفرادي.

لكن لم يتّضح رجحان الحمل على الصنف عند دوران الأمر بينه وبين النوع، مع أنّ الارتكاز العرفي وشيوع الاستعمال، يقتضيان الحمل على النوع، ولهذا قد يحتمل في قوله تعالى: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(1) وجوب الوفاء بأنواعها، في قبال من قال: بظهوره في الأفراد(2) ولم أرَ احتمال الصنف في كلماتهم.

وبالجملة: إنّ العقود بحسب المتعارف تارةً يراد بها الأفراد، وهو الظاهر ابتداءً، ومع قيام قرينة على عدم إرادتها تحمل لدى العرف على الأنواع، والحمل على الأصناف يحتاج إلى دليل، ولم يتّضح وجه جزم الشيخ قدّس سرّه بذلك(3) مع كونه بصدد بيان نفس القاعدة لا مدركها.

والظاهر منها أنّ الصلح مثلاً لمّا لم يكن بنفسه موجباً للضمان، لا يدخل في أصل القاعدة ولو اقتضى صنف منه ذلك، وكذا الهبة، والبيع لمّا كان بنفسه موجباً للضمان، ففاسده موجب له، ولو فرض أنّ بعض أصنافه ولو بواسطة الشرط لا يوجبه.

ولو قيل: لا داعي للحمل على خصوص النوع أو الصنف، بل يمكن أن يقال: إنّ ألفاظ العموم تدلّ على تكثير المدخول بأيّ كثرة ممكنة نوعاً، وصنفاً، وفرداً، ومع عدم إمكان التكثير الفردي، يؤخذ بغيره، وينتج الشمول للأنواع والأصناف.

ص: 396


1- المائدة (5): 1.
2- عوائد الأيّام: 17؛ هداية الطالب 4: 25.
3- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 185.

ولعلّه الظاهر من الشيخ الأعظم قدّس سرّه حيث قال: إنّ العموم ليس باعتبار خصوص الأنواع(1) فإنّه ظاهر في أنّه باعتبار الأعمّ منها ومن الأصناف.

يقال: إنّه أيضاً خلاف الظاهر؛ ضرورة أنّ الظاهر من مثل «كلّ عقد كذا» أو مثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) خصوص التكثير الأفرادي، فإنّ العقد عبارة عن نفس الطبيعة، والألفاظ الدالّة على الكثرة تكثّرها، ولا دلالة فيها على النوع والصنف وكثرتهما، ولو منعه مانع منه يحمل على الأنواعي منه عرفاً، بل ربّما يقال: إنّه لخصوص التكثير النوعي كما قالوا (2) في(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).

مع أنّ لازمه في كثير من الموارد تكثّر الحكم وتكرّره، وهو ممّا لم يلتزمه أحد، فإذا قال: «أكرم كلّ عالم» وقلنا بالتكثير الأفرادي والأنواعي والأصنافي، يتعلّق الحكم بالأفراد؛ لأجل الانحلال، وعلى عنوان الأنواع، وعلى عنوان الأصناف، فإن كان زيد فرداً منه، وتحت صنف، وصنف صنف، كان اللازم منه وجوب إكرامه تارةً: باعتبار كونه فرداً من العالم، واُخرى: باعتبار كونه تحت صنف، وثالثة: باعتبار كونه تحت صنف صنف، وهو كما ترى.

مضافاً إلى أنّ التكثير الكذائي، مستلزم للحاظ نفس الطبيعة بما هي، ولحاظها مع الخصوصيات المنوّعة والمصنّفة في عرض واحد وبنحو الاستقلال، حتّى تتكثّر بورود ألفاظ التكثير من جميع الجهات، وهو على فرض إمكانه خلاف وجدان المستعملين.

ثمّ إنّ لازم التكثير النوعي والصنفي في المقام، وقوع التعارض بين أصل

ص: 397


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 185.
2- رياض المسائل 8: 117؛ جواهر الكلام 28: 217.

القاعدة وعكسها في مثل عارية الذهب، والفضّة، والصلح غير المجّان؛ لأنّ مقتضى شمول الصنف ضمان الفاسد منه، ومقتضى شمول النوع عدم الضمان، فيدخل الفرد باعتبار الصنف في الأصل، وباعتبار النوع في العكس، فيتعارض الحكمان.

هذا لو قلنا بأنّ قضيّة العكس أيضاً حكم اقتضائي سالب للضمان اقتضاءً.

وأمّا لو قلنا: بأنّ سلب الضمان فيه لعدم اقتضائه، فلا يأتي ما ذكر.

ثمّ إنّ بعض الأعاظم قدّس سرّه رجّح العموم الأفرادي في القاعدة، وقال: «ما احتمل بعضهم في العبارة - من أنّ معناها أنّ كلّ شخص من العقود يضمن به لو كان صحيحاً، يضمن به مع الفساد - هو المعنى الصحيح للقاعدة؛ لأنّها كجميع القضايا الحقيقية، الحكم فيها مرتّب على فرض وجود الموضوع»(1).

وأنت خبير بما فيه؛ لأنّ مقتضى القضيّة الحقيقية - على فرض صحّة تفسيرها بما ذكر - ليس إلاّ فرض وجود أفراد الطبيعة، لا فرض فرد منها مقام فرد آخر.

فقوله: «كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» معناه على طبق القضيّة الحقيقية المفروضة: أنّه كلّ عقدٍ إذا وجد في الخارج وكان صحيحاً موجباً للضمان، إذا وجد فاسده في الخارج كان موجباً للضمان، وهذا غير فرض وجود الفاسد صحيحاً.

فالحقيقية تقتضي فرض وجود الموضوع، لا فرض وجود منه وجوداً آخر، أو فرض وصف من الفرد وصفاً آخر.

ص: 398


1- منية الطالب 1: 269.

ومع تسليم ذلك كلّه، يلزم لغوية القاعدة؛ لأنّ الفرد الصحيح لا يمكن أن يتحقّق فاسداً، والفرض لا يوجب الضمان، فكلّ فرد صحيح لو كان فاسداً كذا لا ينتج أصلاً، فلا بدّ من طرح القاعدة على هذا المبنى، أو رفض المبنى، وهو الحقّ.

إلاّ أن يقال: إنّ كلّ عقد فاسد لو فرض أنّه صحيح ويضمن، كان هو كذلك، وبالعكس، وهو يدفع الإشكال الأخير، لكنّه مخالف لظاهر القاعدة جدّاً.

نعم، يمكن أن يقال: إنّ قاعدة «كلّ ما يضمن...» قضيّة شرطية متّصلة، ومفادها إمّا الإخبار عن الملازمة بين المقدّم والتالي، أو إيقاع الملازمة، أو إيقاع الضمان في الفاسد على فرض الضمان في الصحيح.

فحينئذٍ إمّا أن تكون إخباراً، أو إنشاءً للملازمة بين الأفراد الفعلية من الصحيح والفاسد؛ أي الأفراد الخارجية التي تتّصف بهما، ولازمه أن لا يكون في العقد الفاسد ضمان، إلاّ أن يوجد عقد صحيح فيه الضمان، وهو كما ترى.

وإمّا أن يكونا على الفرض والتقدير، كما هو قضيّة القضايا الشرطية، فيراد بها أنّ كلّ عقدٍ فرض أنّه موجود في الخارج صحيحاً وكان فيه الضمان، لو فرض أنّه موجود فاسداً يكون فيه الضمان.

فحينئذٍ يمكن الأخذ بظهور الصدر في العموم الأفرادي، فيقال: كلّ فرد لو وجد في الخارج وكان صحيحاً وفيه الضمان، لو وجد في الخارج فاسداً فكذلك، فيشمل الإجارة بلا اُجرة، والبيع بلا ثمن مثلاً.

وبالجملة: بعد ما لا يمكن الالتزام بما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه من أنّ الفرد

ص: 399

الصحيح والفاسد هو الفعلي منهما (1)، لا بدّ ممّا ذكر، وهو ليس مخالفاً للظاهر بعد قضاء حقّ القضيّة الشرطية كما هو، والأخذ بظاهر العموم الأفرادي.

معنى «الباء» في «بصحيحه» و«بفاسده»

ثمّ إنّ «الباء» في قوله: «بصحيحه» و«بفاسده» استعملت في السببية المطلقة، كما أفاد الشيخ قدّس سرّه وجه السببية(2)، وأشرنا إليه سابقاً (3).

وأمّا احتمال الظرفية(4) فبعيد، بل غير صحيح؛ لأنّ الظرفية الحقيقية غير متحقّقة، فإنّ العقد لم يكن ظرفاً حقيقة، فلا بدّ من التأويل والتناسب، وهو في المقام ليس إلاّ نحو سببية للعقد، فيرجع الأمر إلى ترك استعمال «الباء» في السببية، واستعمالها في الظرفية بمناسبة السببية، وهو كما ترى.

فالمتحصّل من مجموع ما ذكرناه: أنّ في عبارة القاعدة احتمالات:

أحدها: أنّ كلّ عقد يضمن بصحيحه ضمان المسمّى، يضمن بفاسده ضمان المثل.

وثانيها: يضمن بفاسده ضمان المسمّى.

وثالثها: الضمان الواقعي في الصحيح والفاسد كما قرّرناه(5).

ص: 400


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 186 - 187.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 187 - 188.
3- تقدّم في الصفحة 390 - 392.
4- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 187.
5- تقدّم في الصفحة 390 - 392.

مدرك قاعدة ما يضمن

اشارة

فهل لهذه القاعدة الكلّية على الاحتمالات أو بعضها مدرك؟

الاستدلال بقاعدة الإقدام

فعن «المسالك» التشبّث بإقدام الآخذ على الضمان(1).

وعن «المبسوط»(2) تعليل الضمان في موارد كثيرة من البيع والإجارة الفاسدين بدخوله على أن يكون المال مضموناً عليه بالمسمّى، فإذا لم يسلم له المسمّى رجع إلى المثل أو القيمة(3).

أقول: لا بدّ في إثبات الضمان بالإقدام من كبرى كلّية، هي «أنّ كلّ من أقدم على ضمان فهو مستقرّ عليه» وصغرى هي «أنّ الآخذ أقدم على ضمان كذائي».

أمّا الكبرى: فلا دليل عليها، سيّما مع ما يلوح من العبارة المنقولة عن شيخ الطائفة قدّس سرّه، حيث علّل الضمان بالمثل بالإقدام على الضمان بالمسمّى؛ لأنّ الإقدام على ضمان خاصّ، لا يعقل أن يصير منشأً لاستقرار ضمان آخر عليه بواسطة الإقدام، ولهذا احتمل شيخنا الأنصاري في كلام الشيخ ما هو قريب جدّاً، فراجع(4).

ص: 401


1- مسالك الأفهام 4: 56.
2- المبسوط 2: 149، و3: 65 و68 و85 و89.
3- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 188.
4- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 190.

مع أنّ عبارة الشيخ في بيع «المبسوط» وغصبه على ما عثرت عليها ليست كما نقلها، بل ظاهرة في ضمان اليد بدليلها.

ثمّ على فرض أن يكون المراد التمسّك بالإقدام، فالظاهر أنّه مصادرة؛ لأنّ الدخول على أن يكون المال مضموناً عليه بالمسمّى، عبارة اُخرى عن إيجاد البيع، فيرجع الحاصل إلى أنّ من باع ولم يسلم له العوض، كان ضامناً؛ ومعلوم أن لا إقدام للمتبايعين إلاّ على البيع، وما ذكر عين المدّعى.

مع أنّ الضمان بالمسمّى في العقد الصحيح، ليس لأجل الإقدام على شيء إلاّ حصول البيع، فماهية البيع الصحيح توجب ضمان المسمّى لا غير، فتدبّر جيّداً.

وأمّا الصغرى: فما هو أقدم عليه ضمان المسمّى، لا مطلقاً، بل ضمانه في مقابل ملكية العين، وهو لا يقتضي أن يكون مقدماً على ضمان المسمّى مع فساد المعاملة، فضلاً عن ضمان المثل أو القيمة، فاعتراف الشيخ الأعظم قدّس سرّه: بأنّه أقدم على ضمان المسمّى(1)، ليس بوجيه.

كما أنّه لم يقدم على كون التلف السماوي بعهدته، فكيف يصحّ التشبّث بالإقدام لإثبات ضمان مطلق التلف عليه؟ !

هذا على ما قرّروا في معنى الضمان والقاعدة.

وأمّا على ما قلناه: من سببية العقد لتبديل اليد المالكية إلى غير المالكية(2)، فما أقدم عليه هو ذلك لا غير، ولم يقدم على كون الضمان عليه، والكلام هاهنا

ص: 402


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 188 - 189.
2- تقدّم في الصفحة 390.

في الإقدام، لا ضمان اليد الذي هو قهري؛ لأنّ لزوم ردّ المسمّى ليس ضماناً

كما عرفت(1)، فهو لم يقدم إلاّ على المعاملة، لا على كون التلف أو ضمان المسمّى عليه.

نعم، يمكن تقريب الإقدام على الضمان الواقعي على مبنى غير وجيه، وهو أنّ معنى الضمان أنّ خسارته من كيسه، فمن تلف ماله وقعت خسارته عليه، وهو أيضاً نحو ضمان، وأحد معاني «ما يضمن بصحيحه...».

فحينئذٍ نقول: إنّ المشتري مثلاً أقدم بواسطة إقدامه المعاملي على أن تكون خسارة المبيع عليه، وتخرج من كيسه؛ لأنّ إقدامه المعاملي يرجع إلى أنّ المبيع له، وخسارته عليه، وهذه هي الخسارة الواقعية، وكلّ من أقدم على ضمان استقرّ عليه ذلك الضمان والخسارة، ولو مع فساد العقد.

لكنّ المبنى فاسد، والكبرى ممنوعة.

إشكال الشيخ في قاعدة الإقدام طرداً وعكساً ودفعه

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه استشكل على طرد القضيّة وعكسها، بأنّه:

قد يكون الإقدام محقّقاً ولا ضمان، كما قبل القبض، وقد لا يكون إقدام مع تحقّق الضمان، كما إذا شرط في عقد البيع ضمان المبيع على البائع إذا تلف في يد المشتري، وكما إذا قال: «بعتك بلا ثمن» و«آجرتك بلا اُجرة»(2).

أقول: الظاهر عدم ورود النقوض:

ص: 403


1- تقدّم في الصفحة 387.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 189.

أمّا قبل القبض فعدم الضمان لأجل انفساخ العقد قبل التلف، والإقدام المعاملي زال موضوعه، فهو خارج عن القاعدة والإقدام موضوعاً، والنقض إنّما يرد لو لم يكن ضمان مع بقاء العقد.

وأمّا قضيّة شرط الضمان على البائع، فلا ترد على قاعدة الإقدام بما قرّرها شيخ الطائفة قدّس سرّه، وهو أنّ الإقدام على ضمان المسمّى، موضوع للحكم على ضمان المثل مع عدم سلامة المسمّى(1)، وفي مورد شرط الضمان على البائع قد أقدم المشتري على ضمان المسمّى، وهو لا ينافي الشرط المذكور.

نعم، لم يقدم على ضمان المثل والقيمة، وهو ليس موضوع الضمان.

وأمّا البيع بلا ثمن، والإجارة بلا اُجرة، فليسا بيعاً ولا إجارة، فمع التفات المتعاملين، لا يعقل منهما الجدّ إلى حصول العنوان، ومع عدم التفاتهما، لا تتحقّق ماهيتهما، والعقد موجود بوجودهما، فمع كون المنشأ بيعاً مثلاً، والمفروض عدم كونه معاملة اُخرى غيره، لا يعقل أن يكون عقداً، فهو خارج عن القاعدة موضوعاً، وعن مدركها أيضاً.

الاستدلال بخبر «على اليد. . .» على قاعدة ما يضمن

وأمّا خبر اليد، فقال الشيخ الأعظم قدّس سرّه: إنّ دلالته ظاهرة، وسنده منجبر، إلاّ أنّ مورده مختصّ بالأعيان، فلا يشمل المنافع والأعمال المضمونة(2).

ص: 404


1- المبسوط 2: 149، و3: 65 و68 و85 و89.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 189 - 190.

أقول: أمّا سنده فقد مرّ الكلام فيه(1)، وأمّا عدم شموله للمنافع فمن وجوه:

وجوه عدم شمول دليل اليد للمنافع

منها: ما يظهر من الشيخ قدّس سرّه في الأمر الثالث؛ من عدم صدق «الأخذ» على المنافع.

قال: «ولا إشكال في عدم شمول صلة الموصول للمنافع، وحصولها في اليد بقبض العين لا يوجب صدق «الأخذ» ودعوى أنّه كناية عن مطلق الاستيلاء الحاصل في المنافع بقبض الأعيان، مشكلة(2).

ومنها: ما نسب إلى الشيخ؛ من عدم صدق «الأخذ باليد» في المنافع، لا الأخذ(3).

والنسبة في غير محلّها ظاهراً.

وكيف كان: يرد على الثاني: أنّ القرينة في المقام قائمة على أنّ المراد ب «اليد» ليس الجارحة المخصوصة؛ ضرورة أنّ كون العهدة على اليد لا معنى له، فالجارحة لا تكون ضامنة، ولا عليها شيء، فلا بدّ أن يراد بها الشخص، إمّا استعارة، أو كناية كما مرّ(4)، فكأنّه قال: «من أخذ شيئاً فعليه حتّى يردّه».

وأمّا «الأخذ» وإن كان ظاهراً في الحسّي، ويكون نحو «أخذ الميثاق»

ص: 405


1- تقدّم في الصفحة 368 - 369.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 204.
3- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 316.
4- تقدّم في الصفحة 375.

و«العهد» على نحو من التأويل، لكن استعماله شائع في الاستيلاء، وإذا دار الأمر بين تخصيص الموصول بخصوص ما يؤخذ حسّاً كالثوب، والدرهم، والدينار، أو الأخذ بإطلاقه وحمل الأخذ على الاستيلاء، فلا شبهة في أنّ الثاني أولى؛ لشيوع استعماله في أخذ البيت، والملك، والدار، والبلد، وغيرها ممّا لا يكون فيها أخذ حسّي، بل مجرّد استيلاء عليها.

وإن شئت قلت: إنّ المتفاهم العرفي من قوله صلی الله علیه و آله وسلم: «على اليد...»(1) بعد فرض صدوره عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم، أنّه ضرب قاعدة كلّية للضمان، لا في خصوص المأخوذ حسّاً، ولهذا إنّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه بارتكازه العقلائي، اعترف بشموله لجميع الأعيان، وإن أنكر شموله للمنافع(2).

مع أنّ لازم شموله لمطلق الأعيان، كونه كناية عن الاستيلاء، فحينئذٍ لا نبالي بعدم صدق «الأخذ» أو «الأخذ باليد» بعد صدق «الاستيلاء».

ومنها: أنّ الاستيلاء على المنافع غير معقول لو فرض أنّ المراد ب «الأخذ» الاستيلاء؛ لأنّه معنى إضافي، يتوقّف على المستولي والمستولى عليه، والمنافع اُمور تدريجية الوجود، متصرّمة التحقّق، توجد شيئاً فشيئاً، وتنعدم أو تستوفى، فلا يكون ما مضى منها وما سيأتي متحقّقين، وفي مثله لا يمكن الاستيلاء فعلاً عليه؛ لأنّ الإضافة بين الموجود والمعدوم غير معقولة.

فمنافع الدار ظرفيتها القابلة للسكنى في عمود الزمان، ومنافع الدابّة ظهرها

ص: 406


1- تقدّم في الصفحة 368.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 189 - 190.

القابل للركوب والحمل في عمود الزمان، وهما أمران متصرّمان يتبعان الزمان؛

لأنّ الظرفية في هذا الآن لا تبقى في الآن الآخر، والظهر القابل للركوب في هذا الآن لا يبقى في آنٍ آخر، فلا يعقل الاستيلاء في مثلها (1).

وأمّا ما يقال من أنّ حيثية سكنى الدار القائمة بها، فعليتها بفعلية مضايفها في طرف الساكن، والمتضايفان متكافئان في القوّة والفعلية، فلا استيلاء حقيقة إلاّ على الدار، بالنسبة إلى المنافع الفائتة(2).

فهو غير وجيه؛ لأنّ ظاهره أنّ سكنى الدار منفعتها، وهو خلاف الواقع؛ لأنّ منفعة الدار لدى العقلاء عبارة عن أمر قد تستوفى بالسكونة، وقد تتلف وتصير هدراً بتركها خالية من الساكن، وكذا منفعة الدابّة، فمن حبس الدابّة، فقد أتلف منفعتها على صاحبها عرفاً.

ويمكن الجواب عن الإشكال: بأنّ الشيء المتصرّم يوجد شيئاً فشيئاً وينعدم، وفي حال وجوده - ولو وجوداً مستمرّاً غير مستقرّ - يقع تحت اليد، فيكون الاستيلاء على موجود، وإن كان لا يبقى آنين، فيقع وجوده الآني المستمرّ تحت اليد، وبتلفه يصير مضموناً على ذي اليد المستولي عليه، فذلك الوجود المستمرّ في عمود الزمان يقع تحت اليد بنحو الاستمرار والانصرام، وبانعدامه يصير ضامناً شيئاً فشيئاً.

فحينئذٍ لو تلفت العين المستأجرة، وقلنا: ببطلان الإجارة الصحيحة حين الانهدام، أو بكشفه عن بطلانها من رأس بالنسبة إلى حال الانهدام، فلا تصير

ص: 407


1- غاية الآمال، المحقّق المامقاني 5: 68.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 316.

المنافع المتأخّرة مضمونة عليه في الفاسد؛ لعدم الضمان في الصحيح من الإجارة بالنسبة إليها، فيكون مفاد «على اليد...» من هذه الحيثية موافقاً لقاعدة «ما يضمن...» فتأمّل.

نعم، لو قلنا بعدم بطلانها، يكون مقتضى قاعدة «ما يضمن...» ضمان المنافع المعدومة إلى آخر مدّة الإجارة، ولا يكون مدركها «على اليد...» لعدم اليد عليها.

كما أنّه لو غصبت العين المستأجرة بالإجارة الفاسدة من المستأجر، وغصبها من الغاصب آخر، يكون مقتضى قاعدة «ما يضمن...» ضمان المنافع إلى آخر المدّة على المستأجر، ولا تقتضي قاعدة «اليد» ضمان المستأجر لمنافع زمان الخروج عن يده غصباً؛ لأنّ المنافع التي تحت يد الغاصب تدريجاً، لم تكن تحت يد المستأجر، وكذا الحال في الغاصب الأوّل.

وما يقال في تعاقب الأيادي بالنسبة إلى الأعيان(1)، لا يأتي بالنسبة إلى المنافع.

وربّما يقال: إنّ المنافع قد يقدّر وجودها عرفاً فتملك، كما في الإجارة، فكما أنّ تقدير وجودها مصحّح لتمليكها وتملّكها، فكذا للاستيلاء عليها عرفاً، وعدم الاستيلاء بالدقّة العقلية، لا ينافي الاستيلاء عرفاً الذي هو المدار هنا (2).

وفيه: مضافاً إلى أنّ تقدير وجود المنافع في العرف والعادة ممنوع، وإنّما هو

ص: 408


1- شرائع الإسلام 3: 185؛ جواهر الكلام 37: 33؛ الغصب، المحقّق الرشتي: 11 / السطر 1.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 317.

أمر أبداه العلماء؛ بزعم الامتناع العقلي، وأمّا في محيط العقلاء فالإجارة وإن كانت بلحاظ المنافع، لكن بلحاظ تحقّقها في ظرفها، وأنت إذا راجعت العرف لا ترى تقدير وجودها، بل الإجارة بلحاظ المنافع التي ستوجد، والعرف لا يأبى عن مالكية ما هو موجود في ظرفه، فالوجود التقديري الفرضي لا يكون مصحّحاً للإجارة، ولا مرغوباً فيه، بل المصحّح والمرغوب هو الوجود الحقيقي في ظرفه، لا التقديري، وتقدير الوجود عبارة اُخرى عن الوجود التقديري، ولو فرض الفرق بينهما، فلا شبهة في أنّ العرف لا يقدّرون وجود المنافع، كما يظهر للمراجع إليهم.

أنّه على فرض التسليم في باب الإجارة، لكن لا يوجب ذلك تحقّق الاستيلاء؛ لأنّ الاستيلاء الحقيقي على الموجود المقدّر، أو على تقدير الوجود، ممّا لا معنى له.

مع أنّ الاستيلاء عليه لا يوجب الضمان؛ لأنّه تابع لليد على الوجود الحقيقي للشيء، لا على وجوده التقديري، والمفروض عدم اليد على الوجود الحقيقي، وبتقدير الوجود لا يصير الوجود الواقعي تحت اليد، وهو واضح.

ومنها: عدم صدق «التأدية» في المنافع مطلقاً؛ فإنّ ظاهر قوله صلی الله علیه و آله وسلم: «حتّى تؤدّي» كون عهدة المأخوذ مغيّاة بأداء نفس المأخوذ، والمنافع لتدرّجها في الوجود، لا أداء لها بعد أخذها في حدّ ذاتها، بخلاف العين التي لها أداء في حدّ ذاتها، وإن عرضها الامتناع ابتداءً أو بقاءً.

ومنه يعلم: أنّ جعل الغاية محدّدة للموضوع، حتّى يكون دليلاً على ضمان المأخوذ غير المؤدّى، لا يجدي شيئاً؛ فإنّ الظاهر منه أيضاً ما كان من شأنه

ص: 409

أن يؤدّى بعد أخذه، لا بنحو السالبة بانتفاء الموضوع، هذا ما أفاده بعض أهل التحقيق(1).

وفيه: مضافاً إلى إمكان معارضته بما أفاد في دفع الإشكال المتقدّم: بأنّ المنافع إذا كانت مقدّرة الوجود، صحّ تمليكها، وتملّكها، وصيرورتها تحت الاستيلاء عرفاً، ولازم ذلك أنّ المنافع المتدرّجة واقعاً صارت مقدّرة الوجود في زمان وقوع الإجارة، فتقدير وجودها فعلاً يخرجها عن تصرّم الوجود إلى ثباته وقراره، فوجودها في الحال مصحّح التملّك والاستيلاء.

فعليه يكون هذا الموجود الثابت القارّ تقديراً، من شأنه ذاتاً أن يؤدّى، والتلف ابتداءً أو بقاءً لا ينافي الشأنية، كما أنّ التلف العارض للعين في الآن الأوّل من الأخذ، لا ينافي شأنية التأدية.

وبالجملة: إن لوحظت التأدية بالنسبة إلى الوجود الواقعي المتصرّم، فهي وإن لا تمكن، لكن لا يعقل فيه الاستيلاء والأخذ.

وإن لوحظت بالنسبة إلى ما يمكن فيها الاستيلاء والتملّك في الحال، فالتأدية فيها ممكنة ذاتاً، وشأنيتها لا تنافي التلف العارض لبعض وجودها، كما لا تنافي التلف العارض لأصل الوجود في العين.

مع أنّ إمكان الأداء في الجملة كافٍ في حفظ ظهور الغاية، ولا يلزم إمكان الأداء بجميع خصوصياتها، وتمام وجودها، فتأمّل.

أنّ حلّ الإشكال بأن يقال: إنّ الظاهر من الخبر أنّ جميع العناية فيه بجعل

ص: 410


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 317.

الضمان على المأخوذ، وإنّما ذكرت الغاية لتحديد الموضوع، ومعناه أنّ الحكم بالضمان تعلّق على المأخوذ غير المؤدّى، من غير نظر إلى إمكان التأدية ولا إمكانها، وشأنية التأدية ولا شأنيتها.

فهذا نظير قوله علیه السلام: «كلّ شيء هو لك حلال، حتّى تعلم أنّه حرام بعينه»(1).

وقوله علیه السلام: «كلّ شيءٍ نظيف، حتّى تعلم أنّه قذر»(2).

حيث إنّ الظاهر منهما جعل حكم الحلّية والطهارة للمشكوك فيه، من غير نظر إلى حصول العلم، حتّى يدّعى ظهوره في إمكان حصول العلم أو شأنيته، فهل ينقدح منهما في ذهن أحد: أنّ المشكوك فيه لا يكون حلالاً وطاهراً إذا لم تكن له شأنية تبديله بالعلم؟ !

وبالجملة: الظاهر من قوله صلی الله علیه و آله وسلم: «على اليد...» إلى آخره، جعل الضمان على غير المؤدّى، سواء أمكن الأداء أم لا، أو كان له شأنية الأداء أم لا.

مع أنّ الجمود على ظاهره، ودعوى لا بدّية شأنية الأداء في المأخوذ، لا السلب بانتفاء الموضوع، يقتضي أن يكون الضمان ما دام العين موجودة؛ فإنّ المعدوم ليس له شأنية الأداء، وعدم الأداء فيه من السلب بانتفاء الموضوع، والشأنية في زمان الوجود لا تجعل السلب في زمان التلف سلباً بانتفاء المحمول، فتأمّل.

ص: 411


1- الكافي 5: 313 / 40؛ تهذيب الأحكام 7: 226 / 989؛ وسائل الشيعة 17: 89، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 4.
2- تهذيب الأحكام 1: 284 / 832؛ وسائل الشيعة 3: 467، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 4.

مع أنّ القضيّة السالبة المتلقّاة من الغاية المذكورة، هي «ما لم يؤدّ المأخوذ» وموضوعها المأخوذ، ومحمولها الأداء على فرض صيرورة الجملة تامّة، وسلبها بسلب المحمول هو في زمان بقاء الموضوع؛ أي المأخوذ، وشأنية الأداء أجنبيّة عن مدلول الغاية والمغيّا، لو فرض أنّ التشبّث بها يصحّح المدّعى.

والتحقيق ما عرفت: من عدم ظهور الغاية فيما ذكر، وإنّما يراد بها تحديد متعلّق الحكم كالمثالين المتقدّمين.

نعم، هنا كلام آخر، سيأتي بيانه في الأمر الرابع في بيان ضمان المثلي.

وحاصله: أنّ ظاهر «على اليد...» إلى آخره، لو كان ضمان نفس المأخوذ، والمفروض أنّه شامل للضمان بعد التلف، فلا محالة تكون تأدية المثل في المثلي، والقيمة في القيمي أداءً لدى الشارع على فرض ثبوت الرواية، وإلاّ لزم توالٍ فاسدة(1)، فراجع.

وبذلك يفرّق بين الرواية والروايتين المتقدّمتين.

ثمّ على فرض تسليم ظهورها فيما ذكر، فالظاهر مساعدة العرف على إلغاء الخصوصية؛ فإنّ الظاهر منها بيان جعل الضمان على آخذ مال الغير، وعدم رفعه إلاّ بأدائه، من غير دخالة لإمكان الأداء عرفاً في تحقّق الضمان، بعد فرض صدق «الاستيلاء» و«اليد» عليه.

وبعبارة اُخرى: إنّ الأداء غاية للضمان ورافع له، لا عدمه أو إمكانه دخيل في حدوثه.

ص: 412


1- يأتي في الصفحة 489 - 490.

وبعبارة ثالثة: إنّ تمام الموضوع للضمان في نظر العرف، هو الاستيلاء على مال الغير، لا الاستيلاء على شيءٍ ممكن الأداء، بل ولا على المأخوذ غير المؤدّى.

وربّما يقال: «إنّ المنفعة إذا دخلت في العهدة دخلت بجميع شؤونها، وامتناع أداء شخصيتها لكونها تدريجية، لا يوجب امتناع سائر المراتب، ولا كونها بقول مطلق ممّا لا أداء لها، حتّى لا يعمّها الخبر»(1).

وفيه: أنّ ظاهر الخبر - مع الغضّ عمّا ذكرناه - هو إمكان أداء ما اُخذ واستولي عليه، لا أداء بعض مراتبه.

وأمّا ما قيل في جوابه: بأنّ الطبيعي من كلّ معنىً، موجود بوجودات متعدّدة، والحصّة منه الموجودة مع هذا الشخص غير موجودة مع الشخص الآخر، فإذا تلف الشخص، تلف الطبيعي الموجود بهذه الحصّة، والفرد الآخر طبيعي آخر، فإذا تلف الشخص تلف بجميع شؤونه، لكن من أحكام عهدة العين التالفة شرعاً وعرفاً أداء بدلها بطبيعتها المماثلة وبماليتها، أو بأخيرتهما فقط، لا أنّ أداء المثل والقيمة أداء نفس ما دخلت في العهدة(2).

فلا يخلو من إشكال؛ لأنّ موجودية الطبيعي بوجودات متعدّدة - اللازم منها أنّ عدم كلّ فرد عدم الطبيعي، ووجود كلّ فرد وجوده - حكم عقلي برهاني، لو ابتنت عليه تلك المسائل العرفية، للزم منه عدم جريان استصحاب الكلّي من

ص: 413


1- اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 318.
2- نفس المصدر.

القسم الثاني والثالث؛ لأنّ جريانه مبنيّ على أنّ المحتمل للبقاء عين ما تيقّن

وجوده، وهو مبنيّ على أنّ الطبيعي مع كلّ فرد، عين الطبيعي مع الفرد الآخر مع سقوط الإضافات، وأنّ عدم الطبيعي بعدم جميع أفراده، ووجوده بوجود فردٍ ما، وهو حكم عقلائي عرفي.

فعلى هذا: إنّ الشخص إذا فات لم ينعدم به الطبيعي المشترك، ولا المالية المشتركة، وإن فاتت الحصّة المتقوّمة بالشخصية، والمالية المتقوّمة بها، وفي مقام الأداء يكفي أداء النوع المشترك والمالية المشتركة، وهو نحو أداء عرفاً، ولهذا يقدّم العرف المثل في المثلي على القيمة، فلو تلف الشيء بجميع شؤونه، ولم يكن أداء المثل نحو أداء له بنوعيته وماليته، لم يبقَ وجه لذلك الحكم العقلائي، إلاّ أن يقال: بعدم ملاك رأساً لهذا الحكم العقلائي، وهو كما ترى.

ومجرّد الأقربية والتماثل لا يوجب التعيّن، ما لم يكن نحو أداء للمضمون، فتأمّل.

ومنها: أنّ الظاهر من خبر اليد، أنّ نفس المأخوذ على عهدة الآخذ في زمان وجوده وفي زمان تلفه، وإن اختلف حكم العقلاء في الزمانين، والعين لاستقرار وجودها قابلة لوقوعها في العهدة في الزمانين، وأمّا المنافع والأعمال فلتصرّمهما لا يمكن أن تقعا فيها، لا في زمان وجودهما، وهو واضح، ولا في حال تلفهما؛ لأنّ التالف إن وقع في الذمّة بنحو التصرّم والتدرّج، فلا يبقى فيها آنين، ولازمه عدم الضمان. وإن وقع فيها بنحو الاستقرار واللا تدرّج، فلا وجه له؛ لأنّ اليد على المتدرّج، لا على المستقرّ الثابت، واليد

ص: 414

على المتدرّج لازمها وقوع المتدرّج في الذمّة.

وفيه: أنّ التدرّج والتصرّم الواقعيين من لوازم وجود المنافع والأفعال المتدرّجة، وما وقع في الذمّة من الأعيان وغيرها، عنوانها اعتباراً، وهو ليس بمتدرّج، فكما أنّ الأعيان لا تقع في الذمّة بعد تلفها مع لوازمها الوجودية، كذلك المنافع، واعتبار الشيء المتدرّج لا يلازم التدرّج الواقعي فيما يعتبر.

استدلال الشيخ الأعظم على المطلوب بروايات

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه بعد بنائه على قصور قاعدة اليد عن الشمول للمنافع والأعمال المضمونة، استدلّ(1) على المطلوب بروايات:

منها: ما عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم: «وحرمة ماله كحرمة دمه».

والرواية بسند موثّق(2)، عن أبي جعفر علیه السلام قال: «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم: سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر، وأكل لحمه معصية، وحرمة ماله كحرمة دمه»(3).

ص: 415


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 190.
2- رواها الكليني عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن عبداللّه بن بكير، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام. والرواية موثّقة بعبداللّه بن بكير؛ لأنّه ثقة فطحي. اُنظر اختيار معرفة الرجال: 345 / 639، و: 375 / 705؛ تنقيح المقال 2: 171 / السطر 3 (أبواب العين).
3- الكافي 2: 359 / 2؛ الفقيه 4: 300 / 909؛ وسائل الشيعة 12: 297، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 158، الحديث 3.

ورواها الصدوق مرسلة في ضمن ألفاظ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم، في رواية طويلة(1).

والظاهر أنّ ما رواها الصدوق جمع روايات صادرة عنه صلی الله علیه و آله وسلم متفرّقات، ومن البعيد صدورها جميعاً في مجلس واحد.

وكيف كان: فما عن أبي جعفر علیه السلام رواية مستقلّة.

ويحتمل في قوله صلی الله علیه و آله وسلم: «وحرمة ماله...» إلى آخره، أن يكون التنزيل والتشبيه في أصل الحرمة؛ أي كما أنّ دمه حرام، ماله حرام، وتكون الحرمة تكليفية.

وهذا الاحتمال في غاية البعد؛ لأنّ الظاهر أنّه صلی الله علیه و آله وسلم في مقام تعظيم المؤمن، وهو لا يناسب بيان مجرّد حرمة التصرّف في ماله، والحمل على المبالغة خلاف الظاهر، لا يصحّ ارتكابه إلاّ مع قرينة، ومجرّد كونه في مقام التعظيم، أو كون بعض فقراتها مبالغةً، لا يوجب القرينية.

مضافاً إلى بعد حمل «الحرمة» على التكليفية، وعلى المعنى المصدري.

بل الظاهر منه أنّ «الحرمة» بمعنى ما لا يجوز هتكه، ولا يذهب هدراً، فدلّت على أنّ احترام ماله كاحترام دمه، ومقتضى عموم التنزيل والتشبيه أنّ كلّ احترام ثبت لدمه، كان ثابتاً لماله، ولا شبهة في أنّ احترام دمه بعدم إراقته وعدم هدره، فكذا المال، فلا يجوز إتلافه، ولو اُتلف لا يذهب هدراً.

فما قيل من أنّ احترام الدم لا يقتضي غير حرمة الإراقة، واحترام المال

ص: 416


1- الفقيه 4: 272 / 828.

لا يقتضي إلاّ حرمة التصرّف فيه(1).

غير وجيه؛ لأنّ حرمة الدم - إراقةً وهدراً - مفروغ عنها بلا شبهة من صدر الإسلام، فعموم التشبيه دالّ على أنّ حرمة المال أيضاً كذلك، فيفهم منه أنّه لا يجوز إتلافه، ومع الإتلاف لا يذهب هدراً، والحمل على بعض آثار احترام الدم، خلاف الظاهر.

وربّما يقال: إنّ الظاهر أنّ احترام المال ليس لحيثية ماليته القائمة بذات المال المقتضية لتداركه، بل لحيثية إضافته إلى المسلم؛ لأنّ الظاهر أنّ الحيثية المأخوذة في موضوع الحكم تقييدية، فيكون الاحترام بلحاظ رعاية مالكية المسلم وسلطانه على المال، ورعايتهما لا تقتضي إلاّ عدم التصرّف فيه بلا رضاه، لا تدارك ماليته؛ فإنّه راجع إلى حيثية ماليته، لا ملكيته للمسلم.

ولو كان حيثية الاحترام راجعة إلى المالية، لكان بذله مجّاناً من صاحبه هتكاً وإن كان جائزاً، مع أنّه ليس كذلك قطعاً.

ومنه يستكشف أنّ الاحترام راجع إلى مالكيته، والتصرّف بإذنه عين رعاية سلطانه(2).

وفيه من الغرابة ما لا يخفى؛ لأنّ كون الحيثية تقييدية لا يقتضي أن يكون الحكم للقيد لا للمقيّد، بل يقتضي أن يكون للمقيّد بما هو كذلك، فمال المؤمن بما أنّه ماله حرمته كحرمة دمه، لا سلطان المؤمن على ماله حرمته كذا.

ص: 417


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 322.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 322 - 323.

فالمال بذاته ساقط الإضافة لا احترام له، كالمباحات الأصلية التي لا يحرم التصرّف فيها، ومع الإتلاف لا تتدارك، والمال المضاف إلى المؤمن محترم، لا يجوز التصرّف فيه، ولا يذهب هدراً، فالاحترام للمال المضاف بحسب صريح الرواية، لا لإضافة المؤمن إليه، ولو كانت هي منشأً له.

ثمّ إنّ مال المؤمن ومالكيته غير سلطنته عليه؛ فإنّ السلطنة من الأحكام العقلائية للملك والمال، والخلط بينهما صار موجباً للاشتباه في بعض الموارد، ومنه المقام؛ حيث إنّ المستشكل لأجل كون الحيثية تقييدية بدّل موضوع الحكم بإضافة الملكية، وقرن إضافة الملكية بإضافة السلطنة، فقال: إنّ رعاية مالكيته وسلطانه لا تقتضي إلاّ عدم التصرّف فيه، فتأمّل.

ثمّ إنّ ما في ذيل كلامه من أنّ الاحترام لو كان للمال، لكان بذله من مالكه هتكاً جائزاً، ناشٍ من عدم رعاية الإضافة في موضوع الحكم، وتخيّل أنّ لزوم التدارك راجع إلى المال بذاته، وهو كما ترى.

ثمّ إنّه ربّما يستشكل على الاستدلال بالرواية لتضمين أعمال الحرّ:

تارةً: بأنّها ليست بمال(1).

واُخرى: بأنّ الأدلّة منصرفة عنها (2).

ويرد على الأوّل: بأنّ الأعمال الواقعة تحت الإجارة مال عرفاً، بل الظاهر أنّ أعمال الحرّ الكسوب مال، ولو لم تقع تحت الإجارة.

ص: 418


1- هداية الطالب 2: 294.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 32؛ هداية الطالب 2: 269.

وعلى الثاني: بمنع الانصراف، بل مناسبة الحكم والموضوع تقتضي التعميم بلا إشكال.

فالعمدة في المقام أنّ ما رمنا إثباته بتلك الرواية - وهو ضمان ما تلف من المنافع والأعمال بلا إتلاف وتسبيب من المشتري أو البائع - لا يمكن إثباته؛ ضرورة أنّ حرمة دم المؤمن أيضاً لا تقتضي ذلك، فلو فرض أنّ مؤمناً كان تحت سلطنة شخص، فمات حتف أنفه أو بآفة سماوية، لم يكن المسلّط عليه ضامناً، فكيف يمكن إثبات الضمان بها للمنافع غير المستوفاة والأعمال كذلك، مع عدم تسبيب للإتلاف والتلف؟ !

نعم، هذه الموثّقة دليل لقاعدة الإتلاف في الجملة أو مطلقاً لو اُلغيت الخصوصية إلى كلّ مال محترم، وهو مشكل.

ومنه يعلم: عدم تمامية الاستدلال(1) عليه بمثل: «لا يصلح ذهاب حقّ أحد»(2) و«لا يصلح ذهاب حقّ امرئٍ مسلم»(3).

ومنها: قوله صلی الله علیه و آله وسلم: «لا يحلّ مال امرئٍ مسلم إلاّ بطيبة نفسه»(4).

ودلالته على الضمان - ولو في الجملة - غير ظاهرة.

ص: 419


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 190.
2- الكافي 7: 4 / 2 و: 398 / 2؛ تهذيب الأحكام 6: 252 / 652، و9: 180 / 724؛ وسائل الشيعة 19: 310، كتاب الوصايا، الباب 20، الحديث 3 و5.
3- الكافي 7: 399 / 7؛ تهذيب الأحكام 6: 253 / 654؛ وسائل الشيعة 19: 309، كتاب الوصايا، الباب 20، الحديث 1.
4- الكافي 7: 273 / 12؛ وسائل الشيعة 29: 10، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب1، الحديث 3.

إلاّ أن يقال: إنّ عدم الحلّ شامل لحال تلفه أيضاً، كما سبق(1) من الشيخ نظيره في قوله صلی الله علیه و آله وسلم: «الناس مسلّطون على أموالهم»(2)، وعدم الحلّ في زمان التلف لازمه الضمان، وهو كما ترى صغرى وكبرى.

ومنها: حديث نفي الضرر(3) ودلالته على الضمان إمّا بتقريب: أنّ نفي الضرر حقيقة إدّعائية، ومصحّحها أنّ الضرر المحكوم بالتدارك ينزّل منزلة العدم، فيدّعى أنّ ظاهر «لا ضرر...» هو النفي باعتبار لزوم التدارك، كما عن بعض الفحول(4).

وإمّا بتقريب: أنّ المصحّح هو الأعمّ من ذلك؛ أي النفي باعتبار نفي كون أحكامه تعالى ضررية، ونفي حلّية إيقاع الضرر على الغير، والحكم بتدارك الضارّ الضرر الواقع منه على الغير؛ بدعوى أنّ إطلاق نفي الحقيقة يقتضي الشمول لجميع ذلك(5).

وفيه: - مضافاً إلى أنّ الدليل أخصّ من المدّعى، وهو إثبات الضمان بتلف سماوي - أنّ التحقيق في دليل نفي الضرر أنّه حكم سلطاني من

ص: 420


1- تقدّم في الصفحة 281 - 282.
2- الخلاف 3: 176؛ عوالي اللآلي 1: 222 / 99؛ بحار الأنوار 2: 272 / 7.
3- الكافي 5: 292 / 2، و: 294 / 8؛ وسائل الشيعة 25: 428، كتاب إحياء الموات، الباب 12، الحديث 3 و4.
4- الوافية في اُصول الفقه: 194؛ اُنظر رسائل فقهية، ضمن تراث الشيخ الأعظم 23: 114؛ بحر الفوائد، الجزء الثاني: 225 / السطر ما قبل الأخير؛ أوثق الوسائل: 416 / السطر 34.
5- اُنظر بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر، الإمام الخميني قدس سره: 44.

رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم، ونهي منه عن الإضرار وإيقاع الحرج على الغير، كما يشهد به مورد القضيّة صدراً وذيلاً، وقد فصّلنا ما عندنا من الشواهد في رسالة مفردة(1).

ثمّ بعد عدم دلالة ما دلّت على احترام مال المسلم ونحوه، وكذا دليل نفي الضرر، على المقصود، يمكن الاستدلال بها على عدم ضمان من تلف الشيء تحت يده بلا تسبيب ومباشرة، كالتلف السماوي؛ فإنّ احترام مال المسلم يقتضي عدم أخذ ما تلف، منه، وكذا حكم الشرع بضمانه ضرري، يدفع بدليل نفي الضرر؛ ضرورة أنّ أخذ درك مال الغير بلا سبب، وبمجرّد وقوع الشيء تحت يده ضرر، والحكم ضرري.

ويمكن الجواب عن معارضة دليل اليد، ودليل الاحترام، بأنّ الثاني موضوعه «المال» ولا تعرّض له لموضوعه ضيقاً وسعةً، ودليل اليد المثبت للضمان بالمثل أو القيمة، يحقّق موضوع دليل الاحترام، فاحترام مال المضمون له الثابت بدليل الضمان، يقتضي ردّه إليه وعدم حبسه.

وأمّا بالنسبة إلى دليل الضرر، فدليل ضمان اليد أخصّ مطلقاً من دليل نفي الضرار، فلا مساغ للحكومة مع الأخصّ المطلق، فيخصّص به ذلك.

نعم، لو قيل بعدم شمول دليل نفي الضرر للمأخوذ غصباً؛ بدعوى انصرافه عنه، يكون بينهما عموم من وجه، ولو كان دليل نفي الضرر حاكماً عليه، لا بدّ من القول بعدم ضمان اليد إلاّ في مورد الغصب.

ويمكن أن يقال: إنّ إثبات أصل الضمان ليس حكماً ضررياً، بل الحكم بلزوم

ص: 421


1- بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر، الإمام الخميني قدس سره: 66 - 80.

الأداء ضرري؛ أي موجب للضرر، فحينئذٍ يكون دليل اليد سالماً عن المعارض، ودليل وجوب الأداء لمّا كان مفاده وجوب أداء مال الغير، لا يكون ضررياً؛ أي يخرج بواسطة دليل اليد المثبت للضمان عن موضوع الضرر، فتأمّل.

فاتّضح ممّا مرّ: عدم دليل كافل لتمام مضمون قاعدة «كلّ عقد يضمن...» إلى آخره، حتّى قاعدة اليد، ففي مثل المنافع الفائتة في غير يد القابض، والعمل الصادر من الأجير من غير تسبيب من المستأجر، لا دليل على ضمانهما.

عدم الفرق في الضمان بين صورتي العلم والجهل

ثمّ إنّ التحقيق عدم الفرق بين علمهما بالفساد، وجهلهما، أو علم أحدهما.

وقد يقال: إنّه مع دفع المالك ماله إلى الطرف، عالماً بفساد المعاملة شرعاً، أو شاكّاً في صحّتها، يكون دفعه كاشفاً عن عدم ارتباط رضاه بالصحّة شرعاً، بل هو كاشف عن رضاه بكون ماله في يد صاحبه، مع ما هو عليه من عدم الاستحقاق شرعاً، فيكون أمانة مالكية في يده، لا يضمنه لو تلف.

بل مع كونه معتقداً بالصحّة لو لم يكن اعتقادها قيداً مقوّماً، بل كان داعياً أو مقارناً، يكون حكمه كما ذكر(1).

وفيه: أنّ مفروض المسألة هو المقبوض بالبيع الفاسد، فحينئذٍ لو كانت المعاملة عقلائية، والفساد من ناحية إخلال شرط شرعي، فلا إشكال في أنّ العقد في محيط العقلاء كان صحيحاً، يترتّب عليه الأثر عرفاً، من غير فرق بينه

ص: 422


1- حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 118.

وبين الصحيح شرعاً، كما ترى أنّ بيع الخمر، والخنزير، وآلات اللهو، من البيوع العقلائية، من غير نظر منهم في ذلك إلى اعتبار الشرط الشرعي.

فعليه لا شبهة في أنّ الرضا الحاصل في إيقاعه رضىً بالعقد فقط، بل لا معنى لكونه راضياً بالتصرّف؛ فإنّه من قبيل الرضا بتصرّف الغير في مال نفسه، الذي هو غير مربوط به، وبالجملة: الرضا العقدي لا يفيد شيئاً.

وأمّا الدفع الذي هو مورد كلامه، فلا شبهة في أنّه مع بنائهما على الصحّة العقلائية، يكون من قبيل العمل على مقتضى العقد، فهل ترى أنّ بائع الخمر إذا دفعها إلى المشتري، يكون دفعه، بغير عنوان العمل على مقتضى عقده؟ !

ولهذا لو باع كلّياً، لا يؤدّي إلاّ المصداق المنطبق عليه، ولو باع شخصاً، لا يرى هو ولا غيره من العقلاء إلاّ كونه مستحقّاً لما وقع عليه العقد.

فتوهّم: أنّ العالم بالفساد الشرعي يكون أداؤه ودفعه لا بعنوان العمل بالمعاملة ومقتضاها، في غاية الضعف.

فلا ينبغي الإشكال في عدم كون تسليم الثمن أو المثمن إلى الطرف من قبيل الأمانة المالكية، ولا في أنّ الرضا المعاملي والرضا بالدفع الذي هو مقتضى المعاملة، لا يوجبان رفع الضمان، فمقتضى قاعدة اليد ضمانه، عالماً كان أم جاهلاً.

نعم، لو كان الشرط غير المراعى في المعاملة من الشرائط العقلائية، فمع الالتفات يكون الجدّ بالمعاملة مشكلاً، ومع فرضه لا تكون المعاملة متحقّقة، فيخرج الموضوع عن محطّ البحث، وهو المقبوض بالبيع الفاسد؛ لعدم البيع ولو عرفاً.

ص: 423

تفريق المحقّق الأصفهاني بين المقام والمعاطاة من جهة الضمان

وقد يفرّق بين المقام والمعاطاة، بأنّ التسليط عن الرضا بقصد حصول الملك هناك ابتدائي، لا مرتّب على أمر غير حاصل، فعدم تأثيره في الملك لا يوجب عدم صدور التسليط عن رضاه؛ لأنّه غير مرتّب على الملك، بل الملك مرتّب عليه، فلا معنى لأن يتقيّد الرضا به(1)، انتهى ملخّصاً.

وفيه: أنّ عدم تقيّد العلّة بالمعلول، لا يوجب أن تكون العلّة مطلقة، بل لا إطلاق فيها ولا تقييد، ولا تنطبق إلاّ على المقيّد؛ أي ما هو المؤثّر في الملك

- وهو التسليط عن رضاه - غير مقيّد بحصول الملك منه، ولكن لا إطلاق فيه؛ بحيث يكون الرضا شاملاً لحال عدم الملك، فحينئذٍ تكون النتيجة عدم الرضا في ظرف عدم الملك، وهو مرادنا من أنّه لا ينطبق إلاّ على المقيّد.

وإن شئت قلت: إنّه راضٍ بتسليطٍ يكون مبدءاً للملك، لا بنحو التقييد بمعلوله، بل بمعنى ضيقه الذاتي، كما أنّ الأمر كذلك في العلّة والمعلول، فلا معنى لبقاء الرضا مع عدم حصول الملك، أو إطلاق الرضا لحال عدم الملك، فالقاعدة تقتضي الضمان في المعاطاة مع عدم حصول الملك، وكذا في المعاطاة الفاسدة.

تفريق المحقّق الأصفهاني بين المقام والغصب

ويتلو كلامه في الضعف، ما أفاد في الفرق بين المقام وبين ما علم المشتري بالغصب، حيث إنّ تسليطه للغاصب على ماله عن رضاه، موجب للإذن في

ص: 424


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 327.

التصرّف، ومانع عن الضمان، بما حاصله:

أنّ تمليك الغاصب بعنوان المعاملة الحقيقية غير معقول، وعلى فرض معقوليته بتمليك عنوان «المالك» وادّعاء أنّ الغاصب هو المالك، فبين الإقباض هنا وهناك فرق؛ فإنّه هنا جرياً على تشريعه معقول، بخلاف إقباض عنوان «المالك» فإنّه غير معقول؛ فإنّ الإقباض أمر خارجي يتعلّق بذات القابض، وليس من مقتضيات الجعل، التسليم إلاّ إلى المالك الحقيقي أو العنواني، والأوّل غير متحقّق، والثاني غير معقول، فهذا الإقباض الصادر عن الرضا المتعلّق بذات الغاصب لا بعنوانه، يفيد جواز التصرّف له، وينافي تضمينه(1)، انتهى.

وفيه: أنّ بيع الغصب إن صدر عمّن لا يعتني بالقواعد والمقرّرات، ويكون ممّن يقول: «إنّ الحلال ما حلّ في يدك» فلا شبهة في أنّ تسليطه لا يفيد جواز التصرّف.

وإن كان مبالياً بالمقرّرات، وقلنا في تصحيح بيعه بالحقيقة الادّعائية، فلا شبهة في أنّ الادّعاء يكون نحو الادّعاء في باب الاستعارة على مسلك السكّاكي(2). وتكون الدعوى أنّ الشخص هو المالك، فيبيعه ويسلّم إليه بعنوان كونه مالكاً؛ ضرورة أنّ التمليك والتملّك بعد الادّعاء يكون بين الشخصين الخارجيين، ولا يكون التمليك لعنوان «المالك» ثمّ انطباق «المالك» على

ص: 425


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 327.
2- مفتاح العلوم: 156 - 158.

الشخص، وهو ظاهر؛ ضرورة أنّ الغاصبَين في مقام المعاملة يقولان: «ملّكتك

هذا بهذا وقبلت» لا «ملّكت المالك وأنت هو» فحينئذٍ يكون التسليم باعتبار كونه مالكاً، لا بعنوان ذاته كيف ما كان.

وأمّا التشبّث بقاعدة الغرور(1)، فمع كون القابض الجاهل ممّن لا يبالي بالشرائط الشرعية، وكان تمام همّه المعاملة العقلائية؛ بحيث لو علم بالواقعة لأقدم على المعاملة، فلا شبهة في عدم صدق «الغرور» بالنسبة إليه؛ لعدم خدعة في البين، وعدم استفادة الطرف من جهله، وإنّما أعطاه العوض بما أنّه ماله، وأخذه كذلك، من غير نظر إلى حال الشرع في ذلك.

نعم، لو كان مبالياً بأحكام الشرع؛ بحيث لو علم بالواقعة لما أقدم على المعاملة، ولا أخذ العوض، لا يبعد صدق «الغرور» لأنّ الطرف العالم إنّما أقبضه ما هو ماله بنظر القابض خدعة وحيلة لإتمام المعاملة وأخذ العوض.

فإبقاء جهله بحاله مع كونه موجباً للإقدام، وإعطاؤه ما ليس بنظره ماله، نحو غرور وخدعة، نظير إعطاء ماله لشخص بعنوان كونه ملك القابض، فإنّه إذا أتلفه أو تلف في يده ليس ضامناً؛ لقاعدة الغرور، أو أعطى ماله لشخص بعنوان وقوع المعاملة الصحيحة عليه، وصيرورته ماله مع عدم وقوع المعاملة رأساً، فتأمّل.

ص: 426


1- اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 192؛ حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 117؛ هداية الطالب 2: 273.

الكلام حول عكس قاعدة ما يضمن

اشارة

وأمّا عكس القاعدة - أي «كلّ عقد لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» - فيحتمل أن يراد به سلب ما ثبت في الأصل، فمفاد الأصل أنّ كلّ عقد صحيحه سبب للضمان ففاسده كذلك، ومفاد العكس أنّ كلّ عقد لا يكون صحيحه سبباً للضمان، لا يكون فاسده سبباً له، فيكون المقصود سلب السببية للضمان، لا إثبات السببية لعدمه.

وهذا المعنى السلبي بالسلب البسيط، وإن كان أعمّ من سلب الاقتضاء، وثبوت الاقتضاء المقابل لأصل القاعده، لكنّ القضيّة بحسب هذا الاحتمال غير ناظرة إلاّ لجهة السلب، لا لما ينطبق عليه انطباقاً غير ذاتي.

ويحتمل أن يكون المراد به هذا المعنى الأعمّ؛ أي ما لا يقتضي الضمان، وما يقتضي اللا ضمان، حتّى يكون الأصل والعكس حاصرين لجميع أنواع العقود تصوّراً؛ أي ما يقتضي الضمان، أو اللا ضمان، أو لا يقتضي شيئاً منهما.

ويحتمل أن يكون المراد به خصوص ما يقتضي عدم الضمان؛ بقرينة مقابلته مع ما يقتضيه.

ولا يبعد أن يكون الظاهر المعنى الأوّل، لكن لمّا لم يكن أصل القاعدة وعكسها مفاد دليل، أو معقد إجماع، لا ثمرة للاستظهار.

فالأولى الرجوع إلى مبنى العكس حتّى يتّضح المراد منه:

ص: 427

مدرك عكس القاعدة استدلال شيخ الطائفة بالأولوية

فمقتضى ما عن شيخ الطائفة قدّس سرّه في الرهن الفاسد «أنّ صحيحه لا يوجب الضمان، فكيف يضمن بفاسده؟ !»(1) أنّ الصحيح لا يقتضي الضمان فكذا الفاسد، فيكون المدّعى فقدان سبب يقتضي الضمان في الصحيح والفاسد، لا وجود سبب لعدمه.

وهو مقتضى تقريب الشيخ الأنصاري قدّس سرّه؛ من أنّ سبب الضمان إمّا الإقدام عليه، وإمّا حكم الشارع به، وكلاهما مفقودان؛ لعدم الإقدام، ولغوية العقد شرعاً (2)، ولازمه عدم ما يقتضي الضمان.

ثمّ إنّه يرد على ما ذكر ما أورد عليه الشيخ الأنصاري قدّس سرّه: من عدم ثبوت الأولوية؛ لاحتمال أن يكون للضمان سبب، يرتفع بالمعاملة الصحيحة دون الفاسدة(3).

ولا يبعد أن يكون مقتضى الدليل الآخر الذي أشار إليه الشيخ قدّس سرّه - على فرض تماميته - هو اقتضاء عدم الضمان؛ لاحتمال أن تكون الأمانة المالكية أو الشرعية تقتضي سلب الضمان، على احتمال تأتي الإشارة إليه(4).

ص: 428


1- المبسوط 2: 204؛ اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 196.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 196 - 197.
3- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 197.
4- تأتي في الصفحة 431.

استدلال الشيخ الأعظم بأدلّة الاستئمان

قال الشيخ: إن قلت: إنّ الفاسد وإن لم يكن له دخل في الضمان، إلاّ أنّ مقتضى عموم «على اليد...» هو الضمان، خرج منه المقبوض بصحاح العقود التي تكون مواردها غير مضمونة على القابض، وبقي الآخر.

قلت: ما خرج به المقبوض بصحاح تلك العقود، يخرج به المقبوض بفاسدها، وهي عموم ما دلّ على «أنّ من لم يضمّنه المالك - سواء ملّكه إيّاه بغير عوض، أو سلّطه على الانتفاع به، أو استأمنه عليه لحفظه، أو دفعه إليه لاستيفاء حقّه، أو العمل فيه بلا اُجرة، أو معها، أو غير ذلك - فهو غير ضامن» فالدليل المخصّص لقاعدة الضمان عموم ما دلّ على «أنّ من استأمنه المالك على ملكه غير ضامن»(1) بل «ليس لك أن تتّهمه»(2)،(3)، انتهى ملخّصاً.

ثمّ تشبّث في الهبة الفاسدة بفحوى ذلك العموم(4).

أقول: لم نجد عموماً أو إطلاقاً في الأدلّة بهذه التوسعة التي ادّعاها رحمه الله علیه، ولعلّ نظره إلى بعض الروايات في باب الأمانة، والعارية، والإجارة، كمرسلة أبان بن عثمان، عن أبي جعفر علیه السلام في حديث قال: وسألته عن الذي يستبضع المال

ص: 429


1- وسائل الشيعة 19: 79، كتاب الوديعة، الباب 4، و: 139، كتاب الإجارة، الباب 28، الحديث1.
2- قرب الإسناد: 72 / 231، و: 84 / 276؛ وسائل الشيعة 19: 81، كتاب الوديعة، الباب 4، الحديث 9 و10.
3- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 197 - 198.
4- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 198.

فيهلك أو يسرق، أ على صاحبه ضمان؟

فقال: «ليس عليه غرم بعد أن يكون الرجل أميناً»(1) رواها في «الكافي»(2).

وفي «التهذيب»(3) بسند كالصحيح(4) عنه علیه السلام.

ونحوها أو قريب منها روايات اُخر في الإعارة(5)، والإجارة(6)، وغيرهما (7)، بدعوى أنّ ذيلها بمنزلة التعليل، فيفهم منه أنّ كلّ أمين لا غرم عليه، سواء كان الاستئمان في العقد الفاسد أو الصحيح، وسواء كان المدفوع بعنوان الأمانة أو ما يفيد معناها ولو بالحمل الشائع. وبدعوى أنّ التسليم في باب الإجارة، والمضاربة، ونحوهما يكون من قبيل جعل العين أمانة.

وبالجملة: إذا استأمن الرجل غيره بأيّ نحو كان، لا يكون ضامناً.

ص: 430


1- نقلها الشيخ الحرّ، عن الكليني مرسلة في وسائل الشيعة 19: 80، كتاب الوديعة، الباب4، الحديث5.
2- الكافي 5: 238 / 4، رواها عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن ابن علي، عن أبان، عن [محمّد]، عن أبي جعفر عليه السلام.
3- تهذيب الأحكام 7: 184 / 812، رواها بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن أبان، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام.
4- التعبير به لأجل كلام في مذهب أبان بن عثمان. اُنظر رجال النجاشي: 13 / 8؛ اختيار معرفة الرجال: 352 / 660، و: 375 / 705؛ تنقيح المقال 1: 5 / السطر 34.
5- راجع وسائل الشيعة 19: 92، كتاب العارية، الباب 1، الحديث 3.
6- راجع وسائل الشيعة 19: 139، كتاب الإجارة، الباب 28، الحديث 1.
7- راجع وسائل الشيعة 21: 469، كتاب النكاح، أبواب أحكام الأولاد، الباب 80، الحديث1.

وفيه: - مضافاً إلى إمكان الخدشة في كون ما ذكر بمنزلة التعليل، واحتمال أن يكون بياناً لمورد القضيّة؛ أي بعد ما جعلته في المورد أميناً، لا غرم عليه، وهذا نحو أن يسأل الطبيب عن الرمّان فيقول: «بعد أن كان حلواً لا مانع منه» أترى يفهم منه أنّ كلّ حلو لا مانع منه؟ ! - أنّ في الرواية احتمالات:

أحدها: أنّ المقصود الإخبار عن قضيّة واقعية، هي: «أنّه إذا كان أميناً

لا تصدر منه الخيانة والإفراط والتفريط» فلا يكون ضامناً بحسب الواقع، وعلى هذا لا يكون تعليلاً يستفاد منه غير المورد.

ثانيها: أن يراد به أنّه بعد ما اتّخذته أميناً، وجعلت المال أمانة عنده، لم يحكم عليه بالغرم إلاّ مع قيام البيّنة.

وعلى هذا يمكن أن يقال: إنّ «الاتّخاذ أميناً» في عقد الوديعة، إنّما يصدق مع صحّته، وأمّا مع فساده فلا؛ لأنّ المراد ليس كونه أميناً واقعاً، أو كونه مورد وثوق المودع، بل المراد أنّه مع اتّخاذه في العقد والقرار أميناً، وجعلت بضاعتك أمانة لديه، لم يحكم عليه بالغرم، فلا يكون صادقاً في فاسد العقد؛ لأنّه لم يتّخذه أميناً مطلقاً، بل في العقد مع البناء على صحّته.

ثالثها: أن يراد أنّه بعد اتّخاذه أميناً، لا يكون ضامناً بالتلف السماوي من غير

إفراط وتفريط، فيأتي فيه الإشكال المتقدّم.

رابعها: أن يكون المراد أنّه بعد ما كان أميناً واقعاً لا يضمن، ومقتضى التعليل أن لا يضمن الأمين بالتلف السماوي مطلقاً، ويضمن غير الأمين، ففي المقبوض بالعقد الفاسد مثلاً إذا كان القابض أميناً ثقة لا يضمن، بخلاف غير الأمين.

خامسها: أن يراد أنّ كلّ من استأمنته لا يضمن؛ بمعنى أنّ كلّ من جعلت

ص: 431

الشيء عنده بعنوان الأمانة ليس بضامن، فيشمل الصحيح والفاسد، وهذان الاحتمالان بعيدان.

هذا كلّه بناءً على أنّ المراد ب «الاستبضاع» هو المعاملة الخاصّة التي يقال لها: «البضاعة» كما هو الظاهر.

ثمّ لو قلنا: باستفادة عدم الضمان منها في فاسد عقد الأمانات، فاستفادته في مثل الإجارة، والرهن، والوقف، لو قلنا: بأنّه عقد، أو يكون موضوع القاعدة أعمّ من العقد مشكلة؛ لإمكان أن يقال: إنّ الاستبضاع نحو أمانة؛ حيث إنّ التاجر يسلّم مال التجارة إلى غيره ليتّجر به، وكان النفع للمالك، فتسليم العين بهذا العنوان نحو استئمان.

وأمّا تسليم العين المرهونة للمرتهن، والعين المستأجرة للمستأجر، فليس في شيء منهما استئمان، وجعلها أمانة، بل هو باعتبار الوفاء بالعقد ليس إلاّ.

وليس المراد من الرواية المتقدّمة أنّ تشخيص الدافع أمانة الطرف أو تسليمه العين باعتقاد أنّه أمين، رافع للضمان، حتّى يقال في مثل الرهن والإجارة: إنّ الأمر كذلك، بل المراد أنّ جعل الشيء أمانة، وأخذ الشخص في هذا القرار أميناً، رافع له.

ولا شبهة في أنّ الراهن لم يجعل المرتهن في رهنه أميناً، وكذا المؤجر، وإن كان التسليم مع اعتقادهما بأمانة الطرف والوثوق به، لكنّ ذلك ليس موضوعاً للحكم كما يظهر بالتأمّل، مع أنّ التسليم بالاعتقاد المذكور لا يصدق كلّياً.

ولا يبعد أن تكون الروايات التي بصدد بيان الحكم في تلك الأبواب المختلفة على كثرتها، على طائفتين:

ص: 432

إحداهما: كقوله علیه السلام في الحمّامي: «إنّما هو أمين»(1).

وقوله علیه السلام: «صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان»(2).

إلى غير ذلك ممّا هي بهذا المضمون بصدد بيان ما تقدّم آنفاً، ويكون المراد منها أنّ من جعل أميناً أي اتّخذه صاحب المال أميناً عليه - لا ضمان عليه، إمّا واقعاً في غير مورد الإفراط والتفريط، وإمّا ظاهراً وفي مقام الدعوى؛ أي يطالب البيّنة من صاحب المال، واليمين عليه، وهذا تعبير شائع في كتاب القضاء.

فحينئذٍ لو سلّمنا شمول الأدلّة المذكورة لصحيح الإجارة، والرهن، والمضاربة، وغيرها، لا سبيل إلى دعوى شمولها لفاسدها؛ لأنّ المالك لم يتّخذ طرفه أميناً مطلقاً، بل إنّما يعمل على طبق عقد الإجارة ونحوها، والكلام في الفاسد هاهنا، كالكلام في المقبوض بالبيع الفاسد.

ولو كان المراد من نحو قوله: «مؤتمن» التنزيل منزلة الأمين، فلا يتعدّى عن مورده، وهو واضح.

والطائفة الثانية: كقوله علیه السلام: «إذا كان مسلماً عدلاً فليس عليه ضمان»(3).

ص: 433


1- الكافي 5: 242 / 8؛ الفقيه 3: 163 / 716؛ تهذيب الأحكام 7: 218 / 954؛ وسائل الشيعة 19: 139، كتاب الإجارة، الباب 28، الحديث 1.
2- الكافي 5: 238 / 1؛ تهذيب الأحكام 7: 179 / 790، و183 / 805؛ وسائل الشيعة 19: 79، كتاب الوديعة، الباب 4، الحديث 1.
3- الكافي 5: 238 / ذيل الحديث1؛ وسائل الشيعة 19: 79، كتاب الوديعة، الباب 4، الحديث3.

وقوله علیه السلام: «كان أمير المؤمنين علیه السلام يضمّن القصّار والصانع احتياطاً للناس، وكان أبي يتطوّل عليه إذا كان مأموناً»(1).

وقوله علیه السلام: في رجل استأجر حمّالاً، فيكسر الذي يحمل، أو يهريقه.

فقال: « - على نحو من العامل - إن كان مأموناً فليس عليه شيء، وإن كان غير مأمون فهو ضامن»(2).

ومنها قوله علیه السلام في الرواية المتقدّمة: «بعد أن يكون الرجل أميناً»(3) لأنّ الاستبضاع ليس على نحو الأمانة حقيقة، بل كان حاله حال القصّار والحمّال ونحوهما.

إنّما هي بصدد بيان التغريم في مقام القضاء، والتفصيل بين الأمين، والثقة، والعدل، وغيرهم، فيحكم بغرم غير المأمون، وعدم غرم المأمون؛ أي في مقام القضاء، ومطالبة البيّنة، وتوجّه اليمين.

وهذه الطائفة كالطائفة الاُولى، وردت في موارد تكون لها حالتان:

إحداهما: الضمان إذا كان التلف عن إفراط وتفريط.

وثانيتهما: عدمه إذا كان سماوياً بغيرهما.

فذلك المورد مفروض في تلك الروايات، فلا يعقل تشخيص الموضوع

ص: 434


1- الكافي 5: 242 / 3؛ تهذيب الأحكام 7: 220 / 962؛ وسائل الشيعة 19: 142، كتاب الإجارة، الباب 29، الحديث 4.
2- تهذيب الأحكام 7: 218 / 951؛ وسائل الشيعة 19: 145، كتاب الإجارة، الباب 29، الحديث 11.
3- تقدّمت في الصفحة 430.

والمورد بها، فلا يمكن استفادة حكم العقود الفاسدة التي لم يعلم أنّ لها حالتين منها، فتدبّر.

مع أنّ التفصيل بين الأمين وغيره في الضمان، أعمّ من وجه مع المدّعى.

الاستدلال بموثّقة إسحاق بن عمّار على عكس القاعدة

وأمّا التشبّث بموثّقة إسحاق بن عمّار(1)، قال: قلت لأبي إبراهيم علیه السلام: الرجل يرهن الغلام والدار فتصيبه الآفة، على من يكون؟

قال: «على مولاه».

ثمّ قال: «أرأيت لو قتل قتيلاً، على من يكون؟».

قلت: هو في عنق العبد.

قال: «ألا ترى فلِمَ يذهب مال هذا؟ !».

ثمّ قال: «أرأيت لو كان ثمنه مائة دينار، فزاد وبلغ مائتي دينار، لمن يكون؟». قلت: لمولاه.

قال: «كذلك يكون عليه ما يكون له»(2).

بدعوى: استفاده العلّية من ذيلها، فكأنّه قال: «كلّ من له الغنم فعليه الغرم»

ص: 435


1- رواها الكليني عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد وسهل بن زياد، عن أحمد بن أبي نصر، عن حمّاد بن عثمان، عن إسحاق بن عمّار. ولعلّ الرواية موثّقة بإسحاق بن عمّار على ما نسبه الشيخ إليه من مذهب الفطحية. اُنظر رجال النجاشي: 71 / 169؛ الفهرست، الطوسي: 54 / 52.
2- الكافي 5: 234 / 10؛ تهذيب الأحكام 7: 172 / 764؛ وسائل الشيعة 18: 387، كتاب الرهن، الباب 5، الحديث 6.

ومعلوم أنّ في فاسد تلك العقود يكون الغنم لصاحب المال، فالغرم عليه، فلا يضمن بفاسدها.

فأنت خبير بما فيه؛ لعدم الدليل على كونه علّة للحكم، بل الظاهر أنّه تقريب إلى ذهن السائل في المورد، كما أنّ صدرها الراجع إلى قتل العبد تقريب لا تعليل، ولو كان تعليلاً للزم منه التخصيص الكثير بل المستهجن؛ لأنّ كلّية موارد الضمان من الغصب، والأيادي غير المحقّة ولو لم تكن غصباً، والمقبوض بالعقود الفاسدة التي فيها ضمان، والمقبوض بالسوم، وغيرها خارجة عنه.

جواز شرط الضمان فيما لا ضمان وبالعكس

ثمّ إنّ المستفاد من الأدلّة الواردة في هذه الأبواب، هل هو الضمان في مورده، وعدمه في مورده بنحو الاقتضاء، كما في إيجاب الصلاة وتحريم الخمر، فلا يجوز شرط عدمه في مورد يقتضي الضمان، ولا شرط الضمان في مورد يقتضي عدمه، ويكون الاشتراط مخالفاً للشرع؛ بدعوى أنّ قوله: «لا ضمان على الحمّال» مثلاً، مخالف لشرط الضمان، وكذا شرط عدم الضمان مخالف لقوله صلی الله علیه و آله وسلم مثلاً: «على اليد...»(1) إلى آخره، وللأدلّة الخاصّة للضمان؟

أو يكون شرط عدم الضمان في مورد الضمان مخالفاً للشرع، دون شرط الضمان في مورد عدمه؛ بدعوى أنّ الظاهر من جعل الضمان أنّه حكم اقتضائي؛ لأنّ ثبوت الحكم لا يكون إلاّ عن اقتضاء، وأمّا أدلّة نفي الضمان فلا تدلّ إلاّ

ص: 436


1- تقدّم في الصفحة 368.

على عدمه، وهو لا يقتضي إلاّ عدم ثبوته؛ لعدم اقتضائه، وكونه عن اقتضاء لا بدّ فيه من الدلالة، وهي مفقودة؟

أو يكون شرط عدم الضمان في مورده أيضاً غير مخالف للشرع؛ بدعوى أنّ الضمان إنّما هو لمراعاة المالك، فالأدلّة منصرفة عن مورد الاشتراط برضا المالك؟

لا يبعد رجحان هذا الأخير، ويدلّ عليه الروايات الدالّة على جواز الشرط في العارية؛ فإنّها تدلّ على جواز شرط الضمان فيما لا ضمان مع عدمه، وجواز شرط عدم الضمان فيما فيه الضمان، كالذهب والفضّة، ففي صحيحة زرارة قال: قلت لأبي عبداللّه علیه السلام: العارية مضمونة؟

فقال: «جميع ما استعرته فَتَوى فلا يلزمك تواه، إلاّ الذهب والفضّة، فإنّهما يلزمان، إلاّ أن تشترط عليه أنّه متى توى لم يلزمك تواه، وكذلك جميع ما استعرت فاشترط عليك لزمك، والذهب والفضّة لازم لك وإن لم يشترط عليك»(1).

وفي صحيحةٍ اُخرى عنه قال: سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن وديعة الذهب والفضّة.

قال: فقال: «كلُّ ما كان من وديعة، ولم تكن مضمونة، لا تلزم»(2).

ومعلوم: أنّ المراد منه اشتراط عدم الضمان، وإلاّ فمن قبيل توضيح الواضح،

ص: 437


1- الكافي 5: 238 / 3؛ تهذيب الأحكام 7: 183 / 806؛ وسائل الشيعة 19: 96، كتاب العارية، الباب 3، الحديث 2.
2- الكافي 5: 239 / 7؛ تهذيب الأحكام 7: 179 / 789؛ وسائل الشيعة 19: 79، كتاب الوديعة، الباب4، الحديث 4.

وتدلّ عليه بعض الروايات في كتاب الإجارة(1)، فراجع.

هذا بحسب القواعد ومقتضى تلك الروايات، وأمّا البحث الفقهي الجامع فمحتاج إلى المراجعة والتفصيل.

استدلال المحقّق النائيني لعكس القاعدة

ثمّ إنّه قد يستدلّ للعكس: بأنّ المالك في القبض الصحيح، إذا سلّط القابض على ماله مجّاناً، تخرج يده عن عموم «على اليد...» إمّا تخصّصاً، أو تخصيصاً، وملاكه في الفاسد بعينه هو الملاك في الصحيح، ولا أولوية لأحدهما (2).

وفيه: أنّ التسليط في مثل عقد الإجارة والرهن ليس مجّاناً؛ لأنّ التسليم لأجل الحقّ القائم بالعين لاستيفاء المنفعة، ولو فرض أنّ الثمن في الإجارة في مقابل المنفعة، لكن للمستأجر حقّ على العين لاستيفائها، والتسليم لأجل هذا الحقّ، لا المجّان، مع أنّه لم يرد دليل في التسليم المجّان.

ودعوى: الانصراف عن هذا النحو من التسليم، الذي هو لإعطاء مورد حقّ الغير، في غير محلّها، ولو سلّم الانصراف عن صحاح تلك العقود فلم يتّضح وجه لانصرافه عن فاسدها، كما لا دليل على التخصيص.

ودعوى: عدم الأولوية(3) غير وجيهة؛ لأنّ التسليم في الفاسد بزعم تعلّق حقّ الغير به، فمثله غير خارج عن عموم اليد تخصّصاً أو تخصيصاً.

ص: 438


1- راجع وسائل الشيعة 19: 139 - 150، كتاب الإجارة، الباب 27 و30، الحديث 1 و5.
2- منية الطالب 1: 273.
3- نفس المصدر.

ودعوى: أنّ العقود من قبيل الدواعي على التسليم، لا العنوان للعقد الصحيح(1)، غير وجيهة؛ ضرورة أنّ التسليم لأجل الوفاء بالعقد لا غير، والوفاء إنّما هو في العقود الصحيحة لدى المتعاملين، فتوهّم إطلاق الرضا في غير محلّه، كما مرّ نحوه في البيع الفاسد(2)، فتدبّر.

نعم، هنا كلام آخر، تأتي الإشارة إليه في ضمن النقض الآتي.

النقض على عكس القاعدة بالإجارة

اشارة

ثمّ إنّه قد يرد النقض على العكس بعقد الإجارة؛ فإنّ صحيحه لا يضمن به بلا إشكال، لكن فاسده يضمن به على ما هو صريح «الرياض»(3) وظاهر كلمات الأصحاب كما عن الأردبيلي قدّس سرّه (4)، وإن ادّعى خلافه المحقّق الثاني رحمه الله علیه على ما حكي عنه(5).

ولا بدّ في المقام من تقديم اُمور حتّى يتّضح المقصود :

الأوّل : بيان ماهية الإجارة

إنّ ماهية الإجارة - بحسب الاحتمال - إمّا عبارة عن نقل المنافع؛ بحيث لا تكون في إيقاع عقدها إضافة بين المستأجر والعين المستأجرة، بل الإضافة

ص: 439


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 331.
2- تقدّم في الصفحة 422 - 423.
3- رياض المسائل 9: 225.
4- مجمع الفائدة والبرهان 10: 50.
5- جامع المقاصد 6: 216؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 193.

بينه وبين المنافع هي إضافة الملكية، فيكون مثل «ملّكتك منافع الدار» من قبيل اللفظ الصريح، و«أكريت» و«آجرت» من قبيل الكناية؛ لعدم صراحتهما في تمليك المنفعة ونقلها.

وإمّا عبارة عن إضافة بين العين المستأجرة والمستأجر، من غير تضمّنها لنقل المنافع، وإنّما يكون نقلها تبعاً للإضافة المذكورة، لا بسببية الإجارة ابتداءً، نظير نقل منافع العين في البيع؛ فإنّها ليست تحت جعل المتعاملين، وإنّما تنتقل إلى المشتري تبعاً لنقل العين، لا بسببية العقد مستقيماً.

وهذان الاحتمالان في طرفي الإفراط والتفريط، ومخالفان لاعتبار العقلاء في ماهية الإجارة.

وإمّا عبارة عن إضافة خاصّة لاستيفاء المنفعة، أو للانتفاع بالعين؛ بمعنى كون الاستيفاء والانتفاع غاية ملحوظة فيها.

أو إضافةٍ متضمّنة لنقل المنفعة، فتكون إضافة بين العين والمستأجر، متضمّنة لنقل المنفعة بالعوض.

أو إضافةٍ لازمها البيّن نقل المنافع، فيكون عقد الإجارة سبباً للإضافة الناقلة، فيكون النقل أيضاً مسبّباً ملحوظاً، ولازماً بيّناً له، وبهذا يفترق عن الاحتمال المتقدّم الذي زيّفناه.

ويتلوه في الضعف الاحتمال الأوّل من الاحتمالات الأخيرة؛ فإنّ لازمه عدم نقل المنافع، والعرف على خلافه.

وبهذا يظهر ضعف احتمال كونها عبارة عن التسليط على العين للانتفاع أو استيفاء المنفعة، فبقي الاحتمالان.

ص: 440

ولا يبعد أقربية الثاني بحسب الفهم العرفي، فالإجارة إضافة خاصّة لازمها نقل المنافع، فقوله: «أكريت الدابّة» أي أعطيتها بالأجر، هو اللفظ الصريح لعقد الإجارة، بخلاف «ملّكت المنفعة» مريداً به إيقاع الإجارة، فإنّه ليس بصريح.

الثاني : عدم اقتضاء الإجارة استيلاء المستأجر على العين

الظاهر أنّ عقد الإجارة بما هو، لا يقتضي لزوم جعل المستأجر مستولياً على العين المستأجرة، سواء كان مورد الإجارة الحرّ، أو الدابّة، أو المساكن؛ لأنّ ماهية الإجارة - سواء كانت عبارة عن نقل المنافع، أو الإضافة المستلزمة لذلك، أو غيرهما من الاحتمالات المتقدّمة، عدا احتمال أن تكون عبارة عن التسليط على العين لاستيفاء المنفعة، الذي زيّفناه - لا تقتضي إلاّ تمكين المستأجر لاستيفاء حقّه من العين.

ومن المعلوم: أنّ مجرّد ذلك غير الاستيلاء، ولا يستلزمه؛ فإنّ الاستيلاء عبارة عن الاستبداد والتسلّط على الشيء، ومجرّد التمكين للتصرّف لا يقتضيه، فإذا آجر دابّة، وكانت بيد المؤجر وتحت استيلائه، وأذن المستأجر لاستيفاء حقّه منها، عمل بمقتضى عقد الإجارة.

وكذا الحال في المساكن وغيرها، فإذا آجر بيتاً من السفينة أو القطار، وأذن في استيفاء المنفعة منه، عمل بمقتضاها، مع أنّ المستأجر ليس ذا يدٍ عليه ومستولياً، بل السفينة والقطار بجميع بيوتهما تحت استيلاء مديرهما، وكذا بيوتات الملك القاهر تحت سلطته ولو آجر بعضها.

وما ذكرناه هو مقتضى القواعد، ومقتضى الإجارة في نفسها.

ص: 441

ولو فرض في بعض الموارد تعارف يوجب إيقاع العقد مبنيّاً عليه، فهو خارج عن المقتضى، وكالشرط الضمني.

بطلان تفصيل المحقّق النائيني في موارد الإجارة

فما قد يقال بأنّ إجارة الحرّ تقتضي عدم الاستيلاء؛ لعدم إمكان أن يدخل تحت اليد، وإجارة مثل الدابّة لا تقتضيه، وتكون بالنسبة إلى الاستيلاء بنحو اللا اقتضاء، ومثل إجارة الدار الاُجرة مقابلة لكون العين مدّة الإجارة في يد المستأجر(1).

غير مرضيّ؛ لأنّ الحرّ قد يقع تحت الاستيلاء، ضرورة أنّ الأسير والمحبوس تحت اليد والاستيلاء عرفاً وواقعاً، وعدم صيرورة الحرّ مضموناً باليد، غير عدم إمكان دخوله تحتها، ولولا انصراف دليل اليد عن غير الأموال، لقلنا في النفوس بالضمان مع الاستيلاء العرفي عليها.

وأمّا قوله في مثل إجارة الدار: إنّ الاُجرة في مقابل كون العين في يد المستأجر.

ففيه ما لا يخفى؛ فإنّ الاُجرة لو لم تكن في مقابل المنفعة صرفاً، فلا أقلّ من كونها في مقابل الإضافة المستلزمة لنقل المنفعة؛ بحيث يكون نقلها من المقوّمات، لا بنحو دخول التقييد وخروج القيد.

وبالجملة: الاستيلاء على العين، لا عين ماهية الإجارة ولا لازمها.

والشاهد عليه: أنّ ماهية الإجارة حقيقة واحدة، لا يعقل أن تكون في مورد

ص: 442


1- منية الطالب 1: 275.

مقتضية لشيءٍ، وفي مورد لعدمه، وفي ثالث لا تقتضي شيئاً، فالتحقيق أنّها لا تقتضي الاستيلاء مطلقاً.

والعجب منه رحمه الله علیه حيث قال في صدر كلامه: بأنّه بناءً على أنّ العقد متعلّق بالعين، لا يكون في الفاسد والصحيح ضمان؛ لأنّ العين على هذا الوجه أمانة مالكية، ومقتضى كون العين تحت يد المستأجر مجّاناً أن لا تكون مضمونة(1).

وقال في المقام في بيان مبنى هذا الوجه: إنّه لا شبهة في أنّ الاُجرة تقع في مثل الدار والعقار، مقابلةً لكون العين المستأجرة تحت اليد(2)، فما معنى المجّانية الرافعة للضمان، مع كون الاُجرة في مقابله؟ ! إلاّ أن يفرّق بين كون الاُجرة في مقابل ذات العين، أو مقابل الاستيلاء عليها، وهو كما ترى.

الثالث : عدم ضمان المستأجر

بناءً على ما ذكرناه من أنّ عقد الإجارة لا يقتضي لزوم جعل مورد الإجارة تحت يد المستأجر، لو سلّط المؤجر، مع علمه بذلك، المستأجر على العين، يكون ذلك التسليط الذي برضاه، مع فقد ما يقتضيه شرعاً أو لدى العقلاء، غير موجب للضمان جزماً.

وكذا الحال لو شكّ في اقتضاء الإجارة للتسليط؛ فإنّ تسليطه على ماله حينئذٍ تسليط ورضىً به على أيّ حال، سيّما إذا كان المورد من موارد جريان الاُصول العقلية والشرعية، ففي مثله يخرج المورد عن دليل ضمان اليد، من غير

ص: 443


1- منية الطالب 1: 273.
2- منية الطالب 1: 275.

فرق في الموردين بين الصحيح والفاسد؛ فإنّ تسليطه ذلك ليس باقتضاء العقد حتّى يقال: إنّه عمل بمقتضاه.

وبالجملة: هذا التسليط في العقد الفاسد ولو كان بزعم صحّته، لكن زعمه صار موجباً للتسليط بلا اقتضاء أمر وإلزام من الشارع أو العقلاء، وفي مثله لا وجه للضمان.

نعم، لو اعتقد أنّ عقدها يقتضي جعل العين تحت يد المستأجر، فجعلها تحت يده عملاً بمقتضى الإجارة، فالظاهر الضمان في الفاسد.

ولولا الأدلّة الخارجية، لكان مقتضى القواعد الضمان في الصحيح أيضاً؛ لعدم تسليطه برضاه مطلقاً، بل عمل على طبق مقتضى المعاملة، ومثله مشمول دليل اليد.

الرابع : النقض بالإجارة يختلف باختلاف المباني

بناءً على ما قلناه في مقتضى الإجارة، لا تكون هي نقضاً على عكس القاعدة، في مورد قلنا: بعدم الضمان في الصحيح والفاسد، كبعض الموارد المتقدّمة، سواء قلنا بأنّ نفي الضمان هو نفي الاقتضاء، أم قلنا باقتضاء النفي، أو قلنا بأنّ «الباء» للظرفية.

وأمّا فيما قلنا فيه بالضمان في الصحيح والفاسد، وهو مورد اعتقاد المالك أنّ مقتضاها التسليط على العين، ومورد الاشتراط الضمني، فإن قلنا بأنّ «الباء» للسببية من حيث ذات العقد - أي يراد أنّ كلّ عقد صحيحه سبب من حيث ذاته للضمان، ففاسده كذلك، وكذا في العكس - فلا يرد النقض أيضاً؛ لأنّ عقد

ص: 444

الإجارة صحيحه وفاسده من حيث ذاته، بلا نظر إلى الأدلّة والجهات الخارجية، يقتضي الضمان في الموردين المتقدّمين، كما عرفت.

وأمّا لو اُريد به أنّ كلّ عقد لا يكون فيه ضمان، على أن تكون «الباء» للظرفية، أو لا يكون سببا له ولو بالجهات الخارجية، فيكون الموردان نقضا عليه؛ لأنّ عقد الإجارة صحيحه لا يوجب الضمان بحسب الأدلّة الشرعية، مع أنّ القاعدة تقتضي الضمان في فاسده، كما عرفت.

وأمّا بناءً على أنّ العقد يقتضي التسليط على العين المستأجرة، فالظاهر ورود النقض عليه، سواء قلنا بأنّ الإجارة عبارة عن نقل المنافع، أو قلنا بأنّها إضافة

خاصّة بين العين والمستأجر، أو غير ذلك؛ فإنّه على جميع الاحتمالات، لا تنبغي الشبهة في أنّ العقد سبب لإيقاع حقّ للمستأجر على العين المستأجرة، وهو حقّ استيفاء المنفعة منها، كما هو مقتضى ارتكاز العقلاء في ماهية الإجارة، فحينئذٍ تكون العين أيضاً بنحوٍ مصبّ الإجارة.

وليس المراد بكونها مصبّاً، أنّ عقد الإجارة موجب لنقلها كما هو واضح، بل المراد منه أعمّ من ذلك، وإلاّ فعلى أيّ احتمال لا تكون مصبّاً.

وبالجملة: إنّ العين المستأجرة تصير بسبب العقد متعلّقة لحقّ المستأجر، وهو كافٍ في مصبّيتها له.

نعم، لو قلنا بأنّ المراد بالضمان في الصحيح ضمان المسمّى، يكون العين في الإجارة غير مضمونة به، فتكون الإجارة خارجة عن القاعدة.

كما لو قلنا بعدم تعلّق حقّ عليها، بل الإجارة ناقلة للمنفعة فقط، كان للتفصيل مجال، لكنّه خلاف مقتضى الإجارة بحسب ارتكاز العقلاء.

ص: 445

النقض على عكس القاعدة بضمان الصيد على المحرم

ومن الموارد التي قيل بنقضه على العكس ضمان الصيد على المحرم، إذا استعار من المحلّ، مع أنّ صحيح العارية لا يضمن به(1).

ولا بدّ من فرض الكلام في إعارته خارج الحرم، وهو موضوع كلام القوم؛ حيث جعلوا المانع عدم جواز إمساك المستعير المحرم(2)، مع أنّ في الحرم لا يجوز الإعارة أيضاً، بل يجب الإرسال على المحلّ والمحرم.

والنقض إنّما يتوجّه بعد ثبوت اُمور:

منها: فساد تلك العارية.

إذ على فرض صحّتها لا يكون الضمان نقضاً، بل تقييد لأدلّة عدم ضمان العارية الصحيحة.

ويمكن الاستدلال على فسادها بالآية الكريمة: (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً)(3) بعد ظهور الصيد في المصيد؛ أي الحيوان الوحشي، ولا يراد به المعنى المصدري؛ وذلك بقرينة إضافته إلى البرّ وإلى البحر في الآية المتقدّمة عليها.

وبقرينة قوله تعالى: (مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ)(4).

ص: 446


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 194 - 195.
2- المبسوط 3: 57؛ شرائع الإسلام 2: 136؛ تذكرة الفقهاء 16: 238.
3- المائدة (5): 96.
4- المائدة (5): 96.

وبقرينة الآيتين المتقدّمتين؛ أي قوله تعالى: (لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّه ُ بِشَىْ ءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ)(1) وقوله تعالى: (لاَتَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ)(2) وإنّما أطلق على الحيوان: «الصيد» باعتبار كونه في معرض الاصطياد، وهو إطلاق شائع.

فعلى هذا: حرّمت الآية الكريمة ذات الصيد، وتحريمها - كما قلنا في الأشباه والنظائر(3) - مبنيّ على دعوى كونها بتمام حقيقتها حراماً ممنوعاً، ومصحّح الدعوى كون الصيد ممنوعاً بجميع تقلّباته؛ اصطياداً، وحيازةً، وتملّكاً، وبيعاً، وشراءً، وإعارةً، واستعارةً، واستئماناً، وإمساكاً، وغيرها.

وقد قلنا: إنّ الحرمة تكليفاً ووضعاً ليست بمعنيين مختلفين(4)، حتّى يقال كما قيل: لا جامع بينهما (5)، بل هي بمعنى المنع، وهو في جميع الموارد معنىً واحد، لكن المنع عن الاُمور النفسية كشرب الخمر، والاصطياد، ظاهر في ممنوعية نفسها في الشريعة، وهي مساوقة للحرمة التكليفية، وإذا نسب إلى الاُمور الآلية وما هو وسيلة إلى حصول أثر كالبيع، والصلح، والأجزاء والشروط في المركّبات، يكون ظاهراً في الوضع.

وهذا بعينه كالنهي المتعلّق تارةً بمثل الشرب والأكل ونحوهما من النفسيات،

ص: 447


1- المائدة (5): 94.
2- المائدة (5): 95.
3- راجع ما تقدّم في الصفحة 166 - 167؛ المكاسب المحرّمة، الإمام الخميني قدس سره: 22.
4- تقدّم في الصفحة 89 - 90 و165.
5- حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 42.

واُخرى بمثل البيع وشيءٍ في المركّبات، ففي قوله: «لا تشرب الخمر» و«لا تصلِّ في وبر ما لا يؤكل» لم يستعمل النهي في معنيين، بل استعمل في الزجر عن متعلّقه، لكنّ الزجر عن النفسيات ظاهر في المنع النفسي والحرمة التكليفية، وعن غيرها كالبيع ونحوه ظاهر في الوضع.

فقوله تعالى: (حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ) يفهم منه حرمة اصطياده، وإمساكه، والانتفاع به، كشرب لبنه، وأكل بيضه ونحوهما، وبطلان بيعه، وشرائه، وعاريته، ووديعته، وإجارته ونحوها.

ويمكن الاستدلال على بطلان العارية بما دلّ على عدم جواز الانتفاع به(1) وحرمة إمساكه(2)؛ ضرورة أنّ الانتفاع بالمستعار من مقوّمات العارية، ولا يجمع عرفاً بين تحريم جميع الانتفاعات، وإنفاذ عاريته، ومع عدم الإنفاذ شرعاً تقع باطلة.

ولو قلنا بأنّ ملكية المعير المحلّ تسلب بمجرّد وقوع الصيد في يد المحرم، لكان البطلان أوضح؛ لأنّ بقاء ملكية المستعار في ملك المعير من مقوّمات العارية.

ومنها: عدم زوال ملكية المعير المحلّ بمجرّد تسليم العين إلى المحرم المستعير.

إذ مع زوالها لا يكون الضمان على فرضه مربوطاً بالعارية الفاسدة، لأنّ

ص: 448


1- راجع وسائل الشيعة 13: 101، كتاب الحجّ، أبواب كفّارات الصيد، الباب 54، الحديث 1.
2- راجع وسائل الشيعة 13: 75، كتاب الحجّ، أبواب كفّارات الصيد، الباب 36، الحديث 1 و2.

التسليم إلى المحرم، وتسلّم المحرم بأيّ نحوٍ كان، موجب لسقوط ملكه، وهذا غير مرتبط بالإعارة وعقدها، بل لا يكون الضمان حينئذٍ ضمان اليد.

وقد يقال: إنّ المستفاد من الدليل الدالّ على زوال ملك المحرم عن الصيد الذي عنده، زوال ملك المعير(1).

وهو كما ترى، بل زوال ملك المحرم أيضاً محلّ كلام، ويظهر من جملة من الروايات بقاء ملكه(2) وهو الآن ليس محطّ بحثنا، وأمّا زوال ملك المعير فلا دليل عليه.

وربّما يقال: إنّ المستفاد من مجموع ما ورد في باب الإحرام، أنّ كلّما وقع الصيد تحت يده وإن كان ملك غيره، يخرج من المملوكية(3).

وهو دعوى بلا شاهد، بل لو وجب على المستعير المحرم إرسال الصيد، لا يلزم منه زوال ملك المعير بمجرّد تسليمه، بل زوال ملكه بعد الإرسال غير معلوم، كما يأتي الكلام فيه(4).

وأمّا ما قيل من انتساب زواله إلى المشهور(5)، فالظاهر من كلمات القوم غير ذلك:

ص: 449


1- منية الطالب 1: 276.
2- كأخبار أكل الصيد عند الاضطرار إليه أو إلى الميتة، حيث قدّم في بعض تلك الأخبار أكل الصيد وعلّل فيها بأنّه ملكه وماله فيقدّم على أكل الميتة، فراجع وسائل الشيعة 13: 85، كتاب الحجّ، أبواب كفّارات الصيد، الباب 43، الأحاديث 2 و5 و6 و7.
3- منية الطالب 1: 277.
4- يأتي في الصفحة 450 - 452.
5- منية الطالب 1: 276.

ففي «المبسوط»: إذا كان في يد رجلٍ حلال صيد، لم يجز للمحرم أن يستعير منه؛ لأنّه لا يجوز له إمساكه، فإن استعار منه بشرط الضمان ضمنه باليد، وإن تلف في يده لزمته قيمته لصاحبه، والجزاء للّه (1).

وفي «الشرائع»: ولا يجوز للمحرم أن يستعير من محلٍّ صيداً؛ لأنّه ليس له

إمساكه، ولو أمسكه ضمنه وإن لم يشترط(2).

وفي «القواعد»: فليس للمحرم استعارة الصيد من محرم ولا محلّ، فإن أمسكه ضمنه للمحلّ وإن لم يشترط عليه(3).

وفي «التذكرة»: لا يحلّ للمحرم استعارة الصيد من المحرم ولا من المحلّ؛ لأنّه يحرم عليه إمساكه، فلو استعاره يجب عليه إرساله، وضمن للمالك قيمته، ولو تلف في يده ضمنه أيضاً بالقيمة لصاحبه المحلّ، وبالجزاء للّه تعالى، بل يضمنه بمجرّد الإمساك وإن لم يشترط صاحبه الضمان عليه، فلو دفعه إلى صاحبه برئ منه وضمن للّه تعالى(4).

وتلك العبارات كما ترى ظاهرة من وجوه في بقاء ملك المعير.

وربّما يتمسّك بالآية الكريمة(5) لزوال ملكه(6)، وغاية ما يمكن في تقريبها

ص: 450


1- المبسوط 3: 57.
2- شرائع الإسلام 2: 136.
3- قواعد الأحكام 2: 193.
4- تذكرة الفقهاء 16: 238.
5- المائدة (5): 96 (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللّه َ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).
6- اُنظر منية الطالب 1: 277.

أن يقال: إنّ الآية - كما مرّت الإشارة إليها - دلّت على حرمة ذات الصيد بنحو الحقيقة الادّعائية، ومصحّحها حرمة جميع التقلّبات تكليفاً ووضعاً، ومنه حرمة الاصطياد مباشرةً وتسبيباً، بل ودلالةً وإشارةً، ومنه حرمة إرجاع الصيد إلى بيت مغلق، ومنه إرجاعه إلى الصيّاد؛ فإنّه نحو إمساك أو تسبيب له، فيستفاد منها وجوب إرساله، ولازمه الخروج عن ملك صاحبه.

وفيه: أنّ استفادة وجوب إرسال مال الغير، وحرمة إرجاعه إلى صاحبه من الآية، مشكلة جدّاً؛ إذ لا إطلاق لها يشمل مورد كون الصيد مال الغير، ولو سلّم وجوبه، لكن كونه ملازماً لخروجه عن ملكه ممنوع، كما أنّ إيجاب أكل مال الغير في المخمصة، لا يلازم خروجه عن ملك مالكه.

والوجوه التي ذكرت، أو ما يمكن أن يقال له ضعيفة:

مثل أن يقال: إنّ إيجاب الإرسال مساوق لسلب جميع الانتفاعات به، وهو مساوق لسلب الملكية؛ لأنّ اعتبار الملكية إنّما هو بلحاظ الآثار، وما لا أثر له لا يعتبر ملكيته، نظير أمر الشارع بإهراق الخمر، فإنّه كاشف عن عدم كونها مملوكة، وكأمره بإرسال المحرم صيده المملوك له، فإنّه كاشف عن سلب ملكيته.

وفيه: أنّه لو فرض التسليم في المثالين، لكن لا نسلّم في المقام؛ لأنّ الحكم بالإتلاف مع الضمان مؤكّد الملكية لا مزيلها، ومقتضى دليل ضمان الإتلاف كونه مضموناً عليه.

نعم، لو دلّ دليل على عدم ضمانه بالإرسال، كان لما ذكر وجه.

ومثل ما قيل من أنّ الأمر في المقام دائر بين التخصيص والتخصّص،

ص: 451

وأصالة العموم تقتضي عدم التخصيص؛ لأنّ جواز التصرّف والإرسال مع بقاء الملكية، تخصيص لدليل حرمة التصرّف في مال الغير، فأصالة الإطلاق كاشفة عن خروجه عن ملكه(1).

وفيه: - مضافاً إلى أنّ الخروج عن ملك صاحبه قهراً تقييد لدليل السلطنة، بل وعدم حلّ مال الغير بغير طيب نفسه، بناءً على كونه أعمّ من الوضع والتكليف - أنّ أصالة العموم والإطلاق غير جاريتين مع العلم بمراد المتكلّم والشكّ في التخصيص والتقييد، كما هو مقرّر في محلّه(2).

ومنها: ثبوت الضمان لو تلف الصيد تحت يد المستعير.

إذ مع عدمه لا يكون نقضاً على القاعدة.

ويمكن أن يقال: إنّه لو قلنا بمقالة الشيخ الأعظم قدّس سرّه؛ من عموم «على اليد...» لجميع الموارد، وإنّما خرج المقبوض بصحاح العقود وفاسدها بمخصّص؛ هو عموم ما دلّ على أنّ من لم يضمّنه المالك واستأمنه على ملكه فهو غير ضامن(3)، فيمكن أن يدّعى انصراف الدليل المخصّص عن مورد حرّم الشارع إمساكه، فيبقى المورد تحت دليل اليد.

وأمّا لو قلنا بانصراف دليل اليد عن الأمانات العرفية حتّى الفاسد منها؛ لأنّ تسليم المالك فيها ليس بإ لزام شرعي أو عقلائي، وفي مثله دليل اليد قاصر عن شموله، فلا ضمان ولا نقض.

ص: 452


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 336.
2- مناهج الوصول 2: 238 - 239.
3- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 197 - 198.

إلاّ أن يقال: إنّ ذلك في مورد لا يكون المعير العاقد للعارية، يرى نفسه ملزماً بالوفاء بعقده ولو في محيطه؛ فإنّ ترك العمل بالوعد وعدم الوفاء بالقرار، عارٍ على بعض النفوس، فيكون العمل على طبقه بإ لزام عرفي، وفي مثله يمكن دعوى عموم دليل اليد حتّى في صحاح العقود الأمانية، إلاّ أنّها خارجة بالأدلّة الشرعية، ويبقى فاسدها، فيكون نقضاً عليها، فتأمّل.

ثمّ إنّ موارد النقض على القاعدة عكساً أو أصلاً، لا توجب طعناً فيها على فرض تماميتها؛ لأنّها عامّ قابل للتخصيص والتقييد.

ص: 453

الأمر الثاني : في وجوب الردّ فوراً

اشارة

من الاُمور المتفرّعة على المقبوض بالبيع الفاسد، وجوب ردّه فوراً.

استدلال الشيخ الأعظم على وجوب الردّ بحرمة الإمساك

وقد تمسّك الشيخ قدّس سرّه (1) لذلك بما دلّ على حرمة إمساكه، كالتوقيع المنسوب إلى وليّ العصر - روحي له الفداء -: «لا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه»(2).

ولا تبعد دلالتها على حرمة الإمساك والحبس على المالك بمناسبة الحكم والموضوع.

وبقوله صلي الله عليه و آله وسلم: «لا يحلّ مال امرئٍ مسلم إلاّ بطيبة نفسه»(3) حيث دلّ على حرمة المال مطلقاً.

ص: 454


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 199 - 200.
2- كمال الدين: 520 / 49؛ وسائل الشيعة 9: 540، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 3، الحديث7.
3- اُنظر الكافي 7: 273 / 12؛ وسائل الشيعة 29: 10، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 1، الحديث 3.

وقد مرّ في نظائره(1) أنّ الانتساب إلى الذات، مبنيّ على حقيقة ادّعائية، ومصحّح الدعوى أنّها محرّمة بجميع شؤونها، وفي المقام يكون من شؤونها الإمساك والحبس، فإذا كان الإمساك حراماً كان الردّ واجباً؛ لفهم العقلاء من حرمته وجوب ردّه على صاحبه.

والظاهر أنّ مراد الشيخ قدّس سرّه من الاستدلال بحرمة الإمساك على وجوب الردّ(2)، هو دعوى فهم العرف من نحو قوله: «لا تمسك مال الناس» لزوم الردّ إلى صاحبه، سيّما من مثل هذه الرواية المصدّرة بلزوم ردّ الأمانات إلى أهلها، معلّلة بأنّه «لا يحلّ دم امرئٍ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه».

ولا بدّ من انطباق الكبرى الكلّية التي هي تعليل أو بمنزلته، على الصغرى، فإن لم تكن الكبرى دالّة على وجوب الردّ، لم يصحّ جعلها تعليلاً لوجوبه.

إلاّ أن يقال: وجوب ردّ الأمانة لا يلازم إيصالها إلى صاحبها، بل يراد منه رفع اليد والتخلية بينها وبين صاحبها، لكنّه خلاف ظواهر الأدلّة.

وكيف كان: لا أظنّ أن يكون مراد الشيخ الاستدلال من حرمة الضدّ على وجوب ضدّه، أو من وجوب نقيض الإمساك على وجوب الردّ؛ فإنّه أمر لا يمكن أن يغفل الشيخ الأعظم قدّس سرّه عن فساده، ولا يمكن توهّم رجوعه عن مبناه في الاُصول(3).

مع أنّه على القول به لا يلزم وجوب الردّ؛ لأنّ الردّ متقوّم برفع يد الدافع

ص: 455


1- تقدّم في الصفحة 166 - 167 و447؛ راجع المكاسب المحرّمة، الإمام الخميني قدس سره1: 22.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 199.
3- مطارح الأنظار 1: 571.

وإثبات يد القابض، والرفع مقدّم على الإثبات دائماً، فيتّصف هو بالوجوب، دون ما تأخّر عنه، فتأمّل.

فما في «تعليقة» المحقّق الخراساني إشارةً(1) و«تعليقة» تلميذه المدقّق تفصيلاً(2)، كأنّه في غير محلّه، مع أنّ في «تعليقة» الثاني وجوهاً من الخلل:

بيان وجوه الخلل في كلام المحقّق الأصفهاني

منها: قوله: إنّ الإمساك والردّ بمعنى الإيصال من مقولة واحدة، وهما مثلان لا ضدّان؛ لأنّ استيلاء المشتري واستيلاء المالك مقولة واحدة(3).

وفيه: أنّ الردّ بمعنى الإيصال غير استيلاء المالك، بل هو فعل المشتري، والاستيلاء صفة المالك بعد الإيصال إليه، والإيصال لا يكون مع الاستيلاء من مقولة واحدة لو قلنا بأنّ هذه الاُمور من المقولات، وبالجملة: هما ضدّان أو شبيهان بالضدّ، وليسا مثلين، وهو واضح.

ومنها: قوله: التخلية بمعنى رفع اليد من المال أمر عدمي، وهو نقيض الإمساك لا ضدّه(4).

وفيه: أنّ نقيض الإمساك هو عدمه، المجامع مع عدم وضع اليد على المال رأساً، ومع رفع اليد بعد الوضع، فلو كان رفع اليد نقيضه، لزم جواز ارتفاع النقيضين؛ فإنّ عدم وضع اليد رأساً لا إمساك، ولا رفع اليد.

ص: 456


1- حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 33.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 344.
3- نفس المصدر.
4- نفس المصدر.

مضافاً إلى أنّ رفع اليد عن المال ليس معنى عدمياً، بل له نحو من الثبوت، والمعنى العدمي هو سلب اليد عن الملك.

فحينئذٍ لو قلنا بأنّ رفع اليد دائماً مقدّم على الإيصال، يختصّ الرفع بالوجوب، ولا تصل النوبة إلى الإيصال، فيشكل ما أفاده المحقّق الخراساني.

وإن قلنا بأنّ الإيصال لا يتوقّف على رفع اليد، بل هو أمر مقابل له، فقد يتحقّق الإيصال مقابل الإمساك، وقد يتحقّق رفع اليد بلا إيصال، كان الأمر كما أفاد المحقّق الخراساني من كون التخلية ثالث الضدّين(1).

ومنها: قوله: إن اُريد من التخلية المعنى الوجودي، وهو تمكين المالك...(2).

وفيه: أنّه لا ينبغي احتمال أن تكون التخلية بمعنى التمكين؛ إذ قد يتحقّق التمكين عقيب التخلية، وقد لا يتحقّق، فكيف تكون هو هي؟ ! فيسقط ما فرّعه عليه.

ومنها: قوله في ذيل كلامه: منع المالك عن ملكه ليس مشمولاً لقوله صلي الله عليه و آله وسلم: «لا يحلّ مال امرئٍ مسلم...» بدعوى أنّ الأفعال المشمولة له ما يمكن صدوره عن طيب نفسه، وصدوره لا عنه، ومنع المالك ليس له حالان(3).

وفيه: أنّ الظاهر من الحديث حصر الحلّية في أمر واحد، وهو طيب نفس المالك، وما لا يكون كذلك داخل في المستثنى منه، سواء كان له حالان أم لا، وهو ظاهر.

ص: 457


1- حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 33.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 344.
3- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 346.

الاستدلال بحديث «على اليد» على وجوب الردّ

ثمّ لا تبعد دلالة «على اليد ما أخذت...» إلى آخره، على وجوب الردّ، بناءً على أنّ الظاهر منه عهدة نفس العين، لا ضمان تلفها فقط، ولازم عهدتها وجوب إيصالها، وبمناسبة الحكم والموضوع تفهم الفورية أيضاً.

ولا يلزم ممّا ذكر عدم التناسب بين المغيّا والغاية؛ للفرق بين قوله: «أدّ ما أخذت حتّى تؤدّيه» وقوله صلي الله عليه و آله وسلم: «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه»(1) لأنّ الثاني مسوق لبيان العهدة، التي هي أعمّ من الضمان عند التلف والنقصان، وفي مثله لا حزازة في الغاية، فتدبّر، لكن في المبنى إشكال.

ويمكن الاستدلال لوجوب الردّ بروايات متفرّقة في أبواب اللقطة(2)،

والتجارة(3)، والجهاد(4)، والوديعة(5)، وغيرها (6).

ص: 458


1- تقدّم في الصفحة 368.
2- راجع وسائل الشيعة 25: 459، كتاب اللقطة، الباب 13، الحديث 7، و: 461، الباب 15، الحديث1، والباب 18، الحديث 1.
3- راجع وسائل الشيعة 17: 199، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 47، الحديث 1.
4- راجع وسائل الشيعة 15: 98، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ، الباب 35، الحديث 2 و3.
5- راجع وسائل الشيعة 19: 74، كتاب الوديعة، الباب 2، الحديث 9، و: 76، الباب 3، الحديث2.
6- راجع وسائل الشيعة 25: 385، كتاب الغصب، الباب 1، الحديث 1 و3؛ مستدرك الوسائل 17: 89، كتاب الغصب، الباب 1، الحديث 7 و9.

تفصيل السيّد الطباطبائي بين علم الدافع وجهله في جواز التصرّف

ثمّ إنّه قد يقال: لا ينبغي الإشكال في عدم جواز التصرّف فيه مع جهل الدافع، لا مع علمه؛ لتحقّق الإذن في ضمن التمليك، والإذن مقيّد بالملكية العرفية، لا الشرعية، وهي حاصلة، والمقيّد بالقيد الحاصل كالمطلق.

ودعوى: أنّ البائع لم يصدر منه إلاّ التمليك، وقد صار لغواً، فأين الإذن؟ !

مدفوعة: بأنّ هذا التمليك له حيثيتان، فهو إذن من حيثية، وتمليك من اُخرى، وبطلان التمليك لا يوجب بطلان الإذن؛ لأنّه غير مشروط بصيغة خاصّة، فيكون تصرّفه بطيب نفسه، فهو جائز، ولا يجب الردّ(1).

وفيه: ما مرّت الإشارة إليه غير مرّة(2)؛ من أنّ الإذن في التصرّف في التمليك ونحوه ممّا لا معنى له، ولا يرجع إلى محصّل؛ لأنّه إمّا أن يتعلّق بالمبيع قبل نقله، فهو خلاف المفروض.

وإمّا أن يتعلّق به بعده، فلا يعقل الجدّ إليه؛ لأنّه إذن في تصرّف المشتري في ماله، وهو لا يمكن جدّه، ولا أثر لإذنه وطيب نفسه في تصرّف صاحب المال في ماله إذا تخلّف عن الواقع وكان مال نفسه.

مع أنّ اشتمال التمليك على حيثية الإذن، خلاف الواقع والوجدان.

ولو سلّم ما ذكره، فنفي الإشكال عن عدم جواز التصرّف مع جهل الدافع، غير وجيه؛ لأنّ الجاهل بالحكم الشرعي إذا لم يكن مبالياً بحكم الشرع، وكان

ص: 459


1- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 463.
2- تقدّم في الصفحة 367 - 368 و423.

تمام همّه المعاملة العرفية، من غير فرق بين علمه وعدمه، حاله حال العالم، فلا بدّ من التفصيل بين الجاهل المبالي بحكم الشرع وغيره.

نقد كلام المحقّق الأصفهاني

ويتلوه في الضعف ما يقال: من أنّ تسليط المالك للمشتري يكون على وجه الداعي لا العنوانية، فاعتقاد وجوب الوفاء واستحقاق المشتري يدعوه إلى دفعه عن رضاه، لا أنّ الرضا يتعلّق بالدفع بعنوان ما يستحقّه، وهو وجداني(1).

وذلك لأنّ الواقع والوجدان على خلافه؛ ضرورة أنّ البائع إنّما يدفع العين عملاً بعقده، ووفاءً به، ودفعاً لملك الغير إليه، وهذا التسليط لا يوجب الإذن في التصرّف كيف ما كان، ولا الإذن في ماله، فلا وجه للخروج عن حرمة التصرّف في مال الغير بغير طيبة نفس منه.

ونحوهما في الضعف ما يقال: من أنّ تسليط المشتري على ماله وإن لم يكن مجّاناً، لكنّه يسلّطه عليه عن رضاه، بإزاء سلطانه على مال المشتري عن رضاه، وإن اعتقد حصول الملك شرعاً إمّا بالعقد السابق، أو بنفس تسليطه الذي قصد به حصول الملكية، والغرض من التمليك حصول هذا المعنى بنحو أوفى(2).

وذلك لأنّ التسليط إنّما هو بعنوان الوفاء بالعقد، أو بعنوان التمليك بعين التسليط، لا التسليط على ماله، والتسليط كذلك لا يفيد شيئاً بعد بطلان المعاملة وبقاء العين على ملك صاحبها، وليس التسليط عن رضاه في مقابل تسليط

ص: 460


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 348.
2- نفس المصدر.

غيره، بل التسليم باعتبار كونه ملك غيره، والتسلّم بعنوان كونه ملكه.

وقوله: والغرض من التمليك حصول هذا المعنى بنحو أوفى، غير تامّ؛ لأنّ الغرض من التمليك صيرورة الشيء ملكاً له، وأمّا تسلّطه على ماله فمن شؤون ملكيته، ولو كان الغرض حصول السلطنة، فلا محالة يقصد التمليك؛ لأجل حصولها عقيبه، لا التمليك مع أثره؛ فإنّه غير معقول أو غيرواقع.

حكم العقود الإذنية

هذا كلّه في البيع ونحوه، حتّى الهبة بلا عوض؛ فإنّ الواهب لا ينشئ إلاّ التمليك، ومبادئ التمليك تخالف مبادئ الرضا بالتصرّف، ومبادئ الإذن فيه، ولا يعقل أن تكون مبادئ أحدهما عين مبادئ الآخر، كما لا يعقل أن تكون للتمليك حيثيتان: حيثية ذاته، وحيثية اُخرى، وهو واضح.

وأمّا العقود التي قد يطلق عليها: «العقود الإذنية» نحو الوكالة، والوديعة، والعارية، وغيرها ممّا هي بهذه المثابة، فإن قلنا: إنّ عناوينها غير مشتملة على الإذن، ولا ملزومة لها، وإنّما يترتّب عليها أحكام شرعية وعقلائية، من قبيل الجواز التكليفي والوضعي، فحالها حال البيع ونحوه.

وإن قلنا باشتمالها على الإذن أو لزوم الإذن لها، فلا شبهة في أنّ العناوين بحقائقها العرفية كذلك، ولا دخل للصحّة الشرعية فيه.

فحينئذٍ لا يترتّب على فاسدها أحكامها الشرعية، لكن تصرّفات القابض مأذون فيها؛ لتحقّق الإذن، وعدم الدوران فيه بين الصحّة والفساد، بل بين الوجود والعدم، والفرض أنّه موجود.

ص: 461

فلو وكّله في بيع داره، وقلنا بأنّها مشتملة على الإذن في بيعه، فبطلان الوكالة شرعاً لا يستلزم عدم الإذن.

إلاّ أن يقال: إنّ الإذن متقيّد بالوكالة الصحيحة شرعاً، وهو كما ترى.

فما أفاده الطباطبائي قدّس سرّه في مطلق العقود(1)، يصحّ في تلك العقود على هذا المبنى وعلى ما قرّرناه، لا على ما قرّره.

مؤونة الردّ على من تكون؟

ثمّ لو قلنا: بوجوب الردّ، هل تكون مؤونته على القابض مطلقاً، أو على المالك كذلك، أو فيه تفصيل؟

قد يقال: بالتفصيل بين المؤونة التي يقتضيها طبع الردّ إلى صاحبه، وبين المؤونة الزائدة على المتعارف، فالأوّل على القابض دون الثاني؛ فإنّ أدلّة الضرر متقيّدة بما هو في طبعه ضرر، وأمّا الزائد فينفى بدليل نفي الضرر، ذهب إليه المحقّق الخراساني(2)، وتبعه بعض أعاظم العصر(3) رحمهما اللّه تعالى.

وفيه: أنّ طبع الردّ بما هو لا يقتضي مؤونة رأساً، وإنّما يكون في مقدّمات بعض مصاديقه مؤونة، فإن كان المراد من الاقتضاء بالطبع هو اقتضاء ذاته، فلا يوجد مورد يكون الردّ بذاته ذا مؤونة، بل هي في المقدّمات أحياناً.

ولو سلّم أنّ الردّ في الجملة كذلك، لكن لا شبهة في أنّه لا يقتضيها بذاته

ص: 462


1- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 463.
2- حاشيه المكاسب، المحقّق الخراساني: 33.
3- منية الطالب 1: 290.

وطبعه، وإلاّ لم تكن منفكّة عن مصاديقه، والواقع خلافه، فيعلم من ذلك عدم الاقتضاء طبعاً وذاتاً.

والاقتضاء في بعض المصاديق - لو سلّم - إنّما هو للخصوصية الشخصية، لا لطبع الردّ، ومثله يكون مشمولاً لدليل نفي الضرر، فكما أنّ الوضوء والغسل ضرريان ببعض مصاديقهما لا بطبعهما، ودليل نفي الضرر حاكم على أدلّتهما، كذلك المقام بلا فرق بينهما.

وإنّما قلنا فيما إذا كان شيء بطبعه ضررياً: إنّ دليل نفي الضرر ليس حاكماً على دليله؛ لأجل لزوم لغوية الجعل، وقيام القرينة العقلية، والمورد ليس كذلك؛ لأنّ الردّ ليس بطبعه ضررياً، ومقتضى حكومة دليل نفي الضرر، أنّ المؤونة على المالك مطلقاً، كانت متعارفة، أم زائدة عليها.

هذا إذا قلنا: إنّ الردّ ضرري ببعض مصاديقه.

وأمّا بناءً على أنّ المؤونة في المقدّمة، لا في نفس الردّ، كما هو كذلك،

فإن قلنا بأنّ المقدّمة واجبة شرعاً، فالكلام كما تقدّم.

وإن قلنا بعدم الوجوب الشرعي، بل لزومها من قبيل اللا بدّية العقلية كما هو التحقيق(1)، فإن قلنا بأنّ دليل نفي الضرر يستفاد منه نفي الحكم الذي جاء من قبله الضرر، سواء كان في نفس الموضوع أو مقدّماته، فالأمر كما تقدّم أيضاً.

وإن خصّصناه بالضرر الجائي من قبل ذات الموضوع، فالمؤونة مطلقاً على القابض؛ لوجوب الردّ عليه مطلقاً، ولا دليل على نفي الحكم الجائي من قبله الضرر، فالتفصيل غير وجيه على أيّ حال.

ص: 463


1- مناهج الوصول 1: 342.

ثمّ إنّ التحقيق: أنّ في كلّ مورد قلنا بأنّ الردّ ضرري، أو يلزم منه الضرر، يكون الردّ غير واجب، لا أنّه واجب، والمؤونة على الطرف، نعم، بعد عدم وجوبه وجب عليه التخلية.

هذا كلّه مع الغضّ عمّا ذكرناه في محلّه؛ من الإشكال في حكومة دليل نفي الضرر على أدلّة الأحكام، وأنّ مفاده نهي سلطاني من قبل رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم (1).

وممّا ذكرناه يظهر حال دليل نفي الحرج، فيما لزم من المؤونة ذلك.

ثمّ هنا تفصيل آخر أشار إليه السيّد الطباطبائي(2)، وذكره بعض أعاظم العصر، وهو أنّه يجب الردّ إذا نقل القابض المال إلى بلد آخر، مع كون المالك في بلد القبض. وأمّا إذا كان المقبوض في بلد القبض، وانتقل المالك إلى مكان آخر، فلا يجب نقله إليه، بل يردّه إلى وكيله أو الحاكم؛ لعدم دليل على لزوم الدفع إلى شخص المالك في هذه الصورة(3).

وفيه: أنّ الدليل على وجوب الردّ إلى المالك في هذه الصورة، إطلاق دليل وجوب الردّ، كقوله صلي الله عليه و آله وسلم: «على اليد...» إلى آخره، بناءً على دلالته على المطلوب، كما ذهب إليه ثاني القائلين(4)، وسائر ما تقدّم.

نعم، لو كان الوكيل وكيلاً في القبض أو في مطلق الاُمور، فالردّ إليه ردّ إلى موكّله في هذه الصورة وفي غيرها، فالقول بعدم الدليل على وجوب الردّ، ليس على ما ينبغي.

ص: 464


1- بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر، الإمام الخميني قدس سره: 87.
2- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 464.
3- منية الطالب 1: 290 - 291.
4- منية الطالب 1: 288.

ومنه يظهر الحال في فرع آخر، وهو أنّه لو نقله القابض من بلد القبض إلى بلدٍ آخر، وانتقل المالك إلى بلد ثالث، فإنّ مقتضى وجوب الردّ إلى المالك هو النقل إليه، إلاّ أن يتقيّد بدليل نفي الضرر أو الحرج، فتدبّر.

فما قال بعض الأعاظم قدّس سرّه من أنّه يحتمل أن لا يكون الردّ إلى بلد القبض، أو البلد الذي انتقل إليه المالك واجباً، إلاّ إذا كان في بلد القبض خصوصية؛ بأن يكون قيمته أغلى، أو راغبه أكثر(1).

ليس بوجيه؛ لعدم الدليل على لزوم الردّ إلى بلد القبض، وإنّما الدليل على وجوب الردّ إلى مالكه، كان في بلد القبض أم لا.

نعم، يمكن أن يقال: إنّ الدافع إذا كان جاهلاً بالفساد مع مبالاته بالشرع؛ بحيث لو كان عالماً لما أقدم على المعاملة، ولم يدفع ماله إلى القابض، وكان القابض عالماً بالحكم وحال الدافع، كانت المؤونة على القابض، سواء كانت متعارفة أم زائدة عليها، بل ولو لزم من دفعها الحرج عليه؛ لكونه بحكم الغاصب، بل هو «الغاصب المأخوذ بأشقّ الأحوال»؛ لانصراف أدلّة نفي الضرر والحرج عن مثله.

ولو كان القابض جاهلاً مع مبالاته بالشرع، والدافع عالماً بالحكم وحال القابض، فليست المؤونة عليه مطلقاً، سواء قلنا بشمول دليل نفي الضرر لمثل المورد أم لا، ولا يجب عليه الردّ؛ لانصراف دليل وجوبه عنه، نعم يجب عليه التخلية ورفع اليد عنه.

ص: 465


1- منية الطالب 1: 291.

الأمر الثالث : في ضمان المنافع

ما يدلّ على الضمان في المنافع المستوفاة

لو كان للعين المبتاعة منفعة استوفاها المشتري قبل الردّ، كان عليه عوضها؛ لقاعدة اليد بما تقدّم الكلام فيها (1).

ولقاعدة الإتلاف التي هي قاعدة عقلائية، لم يردع عنها الشارع، بل أمضاها في موارد كثيرة، بل يمكن استفادتها:

من الروايات الواردة في شهادة الزور، كصحيحة جميل، عن أبي عبداللّه عليه السلام في شهادة الزور: «إن كان قائماً، وإلاّ ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل»(2) ونحوها غيرها (3).

ص: 466


1- تقدّم في الصفحة 404 وما بعدها.
2- الكافي 7: 384 / 6؛ وسائل الشيعة 27: 328، كتاب الشهادات، الباب 11، الحديث3.
3- راجع وسائل الشيعة 27: 327، كتاب الشهادات، الباب 11، الحديث 1 و2.

ومن بعض ما وردت في تلف الرهن بتفريط المرتهن، كموثّقة إسحاق بن عمّار(1) قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يرهن الرهن بمائة درهم، وهو يساوي ثلاث مائة درهم فيهلك، أ على الرجل أن يردّ على صاحبه مائتي درهم؟

قال: «نعم؛ لأنّه أخذ رهناً فيه فضل فضيّعه...»(2) إلى آخره.

ونحوها في رواية الصدوق، إلاّ أنّ فيها «فيهلكه»(3).

فدلّ التعليل على أنّ كلّ من ضيّع مال الغير فهو ضامن، ومعلوم أنّ تمام العلّة بنظر العرف هو التضييع، لا تضييع الرهن، فعلى رواية الصدوق عين قاعدة الإتلاف، وعلى رواية الكليني عينها أو أعمّ منها ومن قوله صلي الله عليه و آله وسلم: «حرمة مال المؤمن كحرمة دمه»(4) على إشكال تعرّضنا له في باب الفضولي(5).

فما قيل: من أنّ الإتلاف عبارة عن تضييع المال، لا إفنائه بالأكل والشرب، فلا تشمل قاعدة الإتلاف لمثله(6) في غاية الضعف؛ لأنّ قاعدة الإتلاف عقلائية، وما عند العقلاء ليس عنوان «الإتلاف» و«التلف» بل مطلق إعدام مال الغير بأيّ نحوٍ كان، كما هو واضح.

ص: 467


1- تقدّم وجه توصيفها بالموثّقة في الصفحة 435، الهامش 1.
2- الكافي 5: 234 / 9؛ تهذيب الأحكام 7: 172 / 763؛ وسائل الشيعة 18: 391، كتاب الرهن، الباب 7، الحديث 2.
3- الفقيه 3: 199 / 904.
4- الكافي 2: 359 / 2؛ الفقيه 4: 300 / 909؛ وسائل الشيعة 12: 297، كتاب الحجّ،أبواب أحكام العشرة، الباب 158، الحديث 3.
5- يأتي في الجزء الثاني: 492.
6- حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 124.

مضافاً إلى أنّ الإتلاف أعمّ من التضييع، ولو بمناسبة الحكم والموضوع، كما أنّ ما في روايات شهادة الزور أيضاً ليس الإتلاف بمعنى التضييع، فالقاعدة محكّمة ممضاة شرعاً.

وقد خالف في ذلك ابن حمزة رحمه الله عليه في «الوسيلة» قائلاً: بعدم الضمان؛ لقاعدة الخراج بالضمان(1).

الكلام حول قاعدة الخراج بالضمان

وقد تمسّك بها شيخ الطائفة قدّس سرّه في «المبسوط» في بيع المصرّاة قال: ولا يردّ اللبن الحادث؛ لأنّ النبي صلي الله عليه و آله وسلم قضى أنّ الخراج بالضمان(2).

وقال في كسب المبيع المعيب: ولا يردّ الكسب بلا خلاف؛ لقوله صلي الله عليه و آله وسلم: «الخراج بالضمان»(3).

وقال في «الخلاف» في مسائل العيب: فيما إذا اشترى جارية حاملاً، فولدت في ملك المشتري عبداً مملوكاً، ثمّ وجد بالاُمّ عيباً، فإنّه يردّ الاُمّ دون الولد.

ثمّ قال: دليلنا عموم قوله: «الخراج بالضمان»(4).

نعم، نسب قبيل تلك المسألة إلى رواية عائشة: أنّ النبي صلي الله عليه و آله وسلم قضى أنّ الخراج بالضمان(5).

ص: 468


1- الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 255.
2- المبسوط 2: 125.
3- المبسوط 2: 126.
4- الخلاف 3: 108.
5- الخلاف 3: 107.

والرواية منقولة عن صحاح العامّة(1)، سوى «صحيحي» البخاري ومسلم، وإنّما رووها فيما قضى عمر بن عبدالعزيز في عبد اشترى واستعمله، ثمّ انكشف كونه معيباً، فقضى أنّ عمله للبائع.

فروى عليه عروة عن عائشة: أنّه وقع مثله في حياة رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم، فقال رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم: «إنّ عمله للمشتري؛ لأنّ الخراج بالضمان»(2).

وعن ابن ماجة، عن عائشة: أنّ رجلاً اشترى عبداً فاستغلّه، ثمّ وجد فيه عيباً فردّه، فقال: يا رسول اللّه إنّه قد استغلّ عبدي !

فقال رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم: «الخراج بالضمان»(3).

ولعلّ رواية عائشة المنقولة في «الخلاف» غير ما في ذيل قضاء ابن عبدالعزيز، وإن أمكن أن تكون تقطيعاً.

وكيف كان: جواز الاستناد إليها محلّ إشكال، ومجرّد تمسّك الشيخ وابن حمزة بها لا يجبر سندها.

بحث في مفاد الخراج بالضمان

وأمّا مفادها، فتارةً يلاحظ مع قطع النظر عن المورد في قصّة عمر بن عبدالعزيز، واُخرى مع لحاظه.

ص: 469


1- سنن أبي داود 2: 306 / 3508 - 3510؛ سنن الترمذي 2: 376 - 377 / 1303 و1304؛ سنن النسائي 7: 254 - 255.
2- السنن الكبرى، البيهقي 5: 321 - 322؛ شرح السنّة 8: 164 - 165.
3- سنن ابن ماجة 2: 754 / 2243.

فعلى الأوّل: يحتمل أن يكون المراد من «الخراج» هو الخراج المضروب على الأراضي أو الرؤوس أيضاً، ومن «الضمان» تعهّدات والي المسلمين تدبير اُمورهم، وسدّ حاجاتهم، وجميع ما على الوالي في صلاح دولة الإسلام وحال المسلمين، فالمراد أنّ الخراج المأخوذ من الأراضي وغيرها، بإزاء ما على الوالي من التعهّدات على إدارة الاُمور.

وأن يكون المراد ب «الخراج» هو المنافع، ومن «الضمان» ضمان الإتلاف، أو الضمان بعد التلف، فالمراد أنّ العين إذا تلفت أو اُتلفت، وكان ضمانها بالمثل أو القيمة على المتلف، أو على من تلفت عنده، تكون منافع العين بإزاء ذلك الضمان، فالعين المضمونة بالتلف لا تضمن منافعها، بل ضمان العين كافٍ عن ضمان المنافع.

وهذا الاحتمال غير ما ذهب إليه أبو حنيفة على ما في صحيحة أبي ولاّد(1).

وأن يكون المراد من «الضمان» ضمان اليد، كضمان الغصب، والمقبوض بالبيع الفاسد، فيراد أنّ العين إذا كانت على عهدة شخص وضمانه، فالخراج بإزائه، فيوافق رأي أبي حنيفة وابن حمزة.

وأن يكون المراد أعمّ من ضمان الإتلاف واليد.

وأن يكون المراد الضمان الجعلي، نظير قوله: «ألق مالك في البحر، وعليّ ضمانه» أو «ضع مالك في مكان كذا وعليّ ضمانه».

أو الأعمّ منه وممّا تقدّم.

ص: 470


1- الكافي 5: 290 / 6؛ وسائل الشيعة 19: 119، كتاب الإجارة، الباب 17، الحديث 1.

ثمّ المراد ب «الخراج» إمّا المعنى المصدري؛ أي الانتفاع بالشيء، فيختصّ بالمنافع المستوفاة، أو يراد به حاصله؛ أي كلّ ما هو خارج من الشيء ومنفعة له، فيكون أعمّ منها.

ثمّ إنّ الضمان في الاحتمالات المتقدّمة ما عدا الأوّل هو الضمان العرفي المعهود؛ أي الغرامة وعهدة جبران الخسارة، ولو بنحو التعليق على التلف، و«الباء» للمقابلة.

وأمّا ما في مورد الرواية المتقدّمة - أي مورد اشتراء العبد - فليس الضمان فيه بالمعنى العرفي والعقلائي؛ لأنّ العقد والقرار والتمليك والتملّك والتقبيل والتقبّل، ليس شيء منها ضماناً عرفاً، كما أنّ خسارة المال من كيس صاحبه ليس ضماناً عرفاً ولغةً.

فقول بعض الأعاظم قدّس سرّه: إنّ الظاهر من الرواية ولو بمناسبة الحكم والموضوع هو الضمان الجعلي المالكي الممضى شرعاً، فينحصر مورده بالبيع الصحيح(1).

غير وجيه؛ لأنّ البيع والشراء ليسا عبارة عن جعل الضمان، ولا متضمّنين لذلك، كما أنّ «الباء» على هذا الاحتمال ليست للسببية، ولا للمقابلة؛ فإنّ منافع مال الإنسان له لأجل كونه ماله، لا لتعهّده وضمانه، ولا بإزائهما.

فحينئذٍ نقول: إنّ مورد الرواية مراد بلا شبهة، وداخل في عنوان «الخراج بالضمان» ولو بنحو التجوّز والتأوّل، وإرادة غيره لا بدّ وأن تكون بنحو استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد، أو في معنى جامع انتزاعي لو فرض

ص: 471


1- منية الطالب 1: 291.

وجوده، وهو على التقديرين خلاف الأصل.

كما أنّ لازمه استعمال لفظة «باء» في معنيين، وهو خلاف الأصل على فرض إمكانه.

فليست الرواية دليلاً على فتوى أبي حنيفة وابن حمزة، ولا على فتوى شيخ الطائفة، حيث قال: إن حصل من المبيع نماء قبل القبض، كان ذلك للبائع إذا أراد الردّ بالعيب؛ لأنّ ضمانه على البائع، لظاهر الخبر(1)؛ أي خبر «الخراج بالضمان».

مع أنّه فسّره بغير ذلك، وقال: قوله صلي الله عليه و آله وسلم: «الخراج بالضمان» معناه أنّ الخراج لمن يكون المال يتلف في ملكه، ولمّا كان المبيع يتلف في ملك المشتري - لأنّ الضمان انتقل إليه بالقبض - كان الخراج له(2).

والظاهر أنّ هذا التفسير بملاحظة مورد الرواية، لا أنّه معنى الضمان عرفاً، ولو كان معناه ما ذكره أوّلاً، لا يكون ظاهراً في الضمان المعهود؛ لما تقدّم من أنّه مع إرادة نماء الملك في البيع الصحيح، لا يحمل على الضمان المعهود، فلا بدّ من دليل على إرادة غير مورد البيع، وهو مفقود.

وهنا احتمال آخر، ذكره بعض المحشّين(3)، وهو: أنّ «الخراج» خسارة الضامن، فيراد أنّ الخسارة - وفي المقام خسارة منفعة خدمة العبد - إنّما تثبت بسبب الضمان، وحيث لا ضمان في المنفعة؛ لفرض كون العبد ملك المشتري،

ص: 472


1- المبسوط 2: 126.
2- نفس المصدر.
3- هداية الطالب 2: 300.

فلا غرامة، واستشهد لذلك بما نقله الفخر(1) عن أبي عمرو بن العلاء: بأنّ الخراج ما لزمك أداؤه.

واحتمال آخر غير بعيد بملاحظة مورد الرواية، وهو أنّ «الخراج» ليس مطلق المنفعة، لا لغةً، ولا عرفاً، فلا يقال لمنفعة الدابّة والدار: «إنّها خراج» بل عبارة عمّا وضعته الدول على الأراضي والرؤوس، أو مطلق ما أخذوا بعنوان الضرائب، ويطلق على ضريبة العبد.

قال شيخ الطائفة قدّس سرّه في «المبسوط»: ويقال للعبد الذي ضرب عليه مقدار من الكسب في كلّ يوم أو كلّ شهر: عبد مخارج(2).

فحينئذٍ يمكن أن يكون المورد ممّا كان استعمال العبد بنحو الضريبة؛ بقرينة ذكر الخراج، ويكون المراد أنّ الخراج - أي ضريبة العبد - في مقابل تعهّدات مولاه في تدبير أمره، وتأمين معاشه، وغير ذلك ممّا يجب شرعاً ويثبت عرفاً على المولى بالنسبة إلى عبده ومملوكه.

وكيف كان: لا يمكن إثبات هذا المعنى المخالف للقواعد العقلائية والشرعية بهذه الرواية المجملة الضعيفة السند.

وأمّا الروايات الواردة في باب شرط الخيار(3)، والرهن(4)، ففيها إرجاع إلى

ص: 473


1- التفسير الكبير 23: 112.
2- المبسوط 2: 126.
3- راجع وسائل الشيعة 18: 19 و20، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 8، الحديث 1 و3.
4- راجع وسائل الشيعة 18: 387، كتاب الرهن، الباب 5، الحديث 6.

المعنى العقلائي، وهو تبعية نماء الملك له، وكون خسارة الملك على مالكه، فهي أجنبيّة عن فتوى أبي حنيفة.

استظهار المحقّق النائيني من قاعدة الخراج بالضمان

ثمّ إنّ بعض الأعاظم قدّس سرّه استظهر من قوله صلي الله عليه و آله وسلم: «الخراج بالضمان» معنىً لا يخلو التعرّض له من فائدة:

قال ما حاصله: إنّ مفاده بمناسبة الحكم والموضوع، هو الضمان الجعلي الفعلي الأصلي الممضى من الشارع.

ثمّ بعد دعوى عدم شموله للبيع الفاسد والضمان القهري، كما في ضمان المغصوب، قال: انحصر الاحتمال في التعهّد المصدري الذي أمضاه الشرع، وهذا يحتمل وجهين:

الأوّل: أنّ كلّ من تعهّد لشيءٍ كان مالكاً لمنافعه وخواصّه... فيشمل الإعارة بشرط الضمان، وعارية الذهب والفضّة.

والثاني: أن يكون منشأ ضمان العين، والداعي إليه هو تملّك المنافع، فينحصر بباب البيع.

والظاهر هو المعنى الأخير؛ بقرينة «الباء» الظاهرة إمّا في السببية، أو المقابلة، ومقتضاهما أن تكون السببية والمقابلة من الطرفين؛ أي تملّك المنافع صار داعياً للضمان، والضمان صار سبباً لكون المنافع له، كما في كلّ علّة غائية، وهذا يختصّ بضمان المشتري المبيع؛ فإنّ المقصود الأصلي من ضمان المبيع وجعل الثمن بإزائه هو أن ينتفع به.

ص: 474

والظاهر من القاعدة أنّ الضمان فعلي، وهو يناسب باب البيع؛ فإنّ المشتري ضامن للمبيع، والبائع ضامن للثمن، فلهما منافعهما (1)، انتهى.

وفسّر «الضمان» في آخر المعاطاة عند تعرّضه للقاعدة: بأنّ معنى ضمان البائع للثمن، والمشتري للمثمن، أنّ دركهما عليهما؛ بحيث لو تلف ثمّ طرأ على المعاوضة فسخ أو انفساخ، يجب عليهما ردّ مثله أو قيمته(2).

وأنت خبير بما فيه من وجوه، كدعوى ظهور الخبر في المعنى الأخير؛ لما عرفت(3) أنّ الضمان لا ينطبق على جعل الثمن مقابل العين وبالعكس، ولا على القرار والعقد؛ فإنّها ليست ضماناً عرفاً ولغةً، هذا إذا كان المراد بالضمان ما هو ظاهره في المقام.

وأمّا لو كان مراده به ما صرّح به في تفسيره في المعاطاة، فالنظر فيه أوضح؛ لأنّ ذلك الضمان المشروط بالتلف وفسخ المعاملة لا تحقّق له فعلاً، مع أنّه ادّعى ظهور الخبر في الضمان الفعلي، فيكون معنى الخبر على مسلكه: أنّ منافع المبيع فعلاً للمشتري؛ بسبب الضمان المفقود فعلاً، المتحقّق على فرض التلف وفسخ العقد، وهو كما ترى من غرائب التوجيه والاستظهار.

مضافاً إلى أنّ هذا الضمان المشروط بالفسخ والتلف ضمان اليد، وهو ضمان قهري لا جعلي، وقد ادّعى ظهور الخبر في الجعلي.

وأعجب منه أنّه جعل مبنى استظهاره ظهور «الباء» في السببية أو المقابلة،

ص: 475


1- منية الطالب 1: 291 - 293.
2- منية الطالب 1: 232.
3- تقدّم في الصفحة 471.

وادّعى أنّ مقتضى السببية أن تكون من الطرفين، مع أنّها لا تقتضي ذلك بلا شبهة.

وحمل السبب على العلّة الغائية خلاف ظاهر آخر، كما أنّ المقابلة من الطرفين لا محصّل لها.

ثمّ إنّ الضمان بالمعنى الذي فسّره، لم يكن الخراج داعياً له؛ ضرورة أنّ المشتري يشتري لأجل الفائدة والنفع، لا أنّه يجعل ضمانه عليه بالمعنى المدّعى لأجل الفائدة.

فكلامه هاهنا وفيما تقدّم، لا يخلو من تهافت، واضطراب، وضعف، وخلل. سيّما قوله: «إنّ الشارع إذا أخرج هذا الفرد من الضمان من المفهوم النفس الأمري، وخطّأ العرف في تطبيق المفهوم على المصداق...»(1) إلى آخره.

ضرورة أنّه لا معنى للتخطئة في مثل المقام، ممّا لا واقعية للموضوع إلاّ ما اعتبره العقلاء، وهو واضح.

ثبوت الضمان في المنافع غير المستوفاة

هذا كلّه في المنافع المستوفاة، وأمّا غيرها الفائتة تحت يده، فهي أيضاً مضمونة عليه؛ لقاعدة اليد(2)، لما تقدّم من أنّ للمنافع نحو وجود تدريجي يقع

تحت اليد تبعاً للعين، وتتلف تدريجاً، وتصير مضمونة تدريجاً، وقد تقدّم أنّ

ص: 476


1- منية الطالب 1: 292.
2- عوالي اللآلي 1: 224 / 106، و3: 251 / 3؛ مستدرك الوسائل 14: 7، كتاب الوديعة، الباب 1، الحديث 12؛ السنن الكبرى، البيهقي 6: 90.

تلك المنافع قد يستوفيها المشتري، وقد لا يستوفيها وتصير تالفةً، وليس الاستيفاء دخيلاً في تحقّق النفع كما توهّم، فراجع(1).

ولقاعدة احترام مال المسلم؛ وأنّ احترامه كاحترام دمه(2)، فكما أنّ دمه لا يهراق، ولو اُهريق لا يذهب هدراً، فكذا ماله؛ لعموم التشبيه، مع أنّه موافق للقاعدة العقلائية في المقام، فالتمسّك بالأصل لنفي الضمان(3) غير وجيه.

نقد كلام الشيخ في المقام

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه بعد الذهاب إلى عدم تمامية دليل الضمان تمسّك بالأصل لنفيه مطلقاً، ولنفيه مع علم البائع بالفساد(4).

وفيه: أنّ التمسّك بالأصل لنفيه مطلقاً، بناءً على عدم الدليل عليه صحيح، لكن في مورد التفصيل بين علم البائع وجهله غير وجيه؛ لأنّ مبنى التفصيل هو البناء على إطلاق أدلّة الضمان؛ وشمولها للمنافع المستوفاة وغيرها.

ودعوى: خروج مورد علم البائع عنها؛ لاندراجه تحت دليل نفي الضمان عن الأمانات، لأنّ تسليطه مع علمه يكون مجّاناً وبلا عوض، فصارت العين أمانة.

ص: 477


1- تقدّم في الصفحة 407.
2- الكافي 2: 359 / 2؛ وسائل الشيعة 12: 297، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 158، الحديث 3.
3- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 205.
4- نفس المصدر.

غير مفيدة؛ لأنّ نفي الضمان حينئذٍ مستند إلى الأدلّة الاجتهادية لا الأصل.

ولو قلنا بأنّ أدلّة الضمان منصرفة عن مورد الأمانات المالكية والشرعية، لكان المعوّل في نفي الضمان هو أدلّة الأمانات والقاعدة العقلائية في الأمانات المالكية، لا الأصل.

ثمّ إنّ التفصيل بين علم البائع وجهله(1) لا وجه له، بعد كون المعاملة عقلائية، والمتعاملين غير مباليين بحكم الشرع.

وقد تقدّم التفصيل بين كون المشتري جاهلاً مبالياً بحكم الشرع، مع علم البائع بالفساد وبحال المشتري، فقلنا: بإمكان التمسّك في مثله بقاعدة الغرور؛ لدفع الضمان، حتّى ضمان الإتلاف عن المشتري، وبين غيره(2)، فيكون ذلك قولاً سادساً في ضمان المنافع.

وأمّا التمسّك بقاعدة «ما لا يضمن...»(3) فغير وجيه، لا لما قال السيّد الطباطبائي قدّس سرّه: «من أنّ المنافع ملحوظة في البيع، فلا تكون مجّانية»(4) لأنّ لحاظ المنافع من قبيل الدواعي، والثمن بإزاء المبيع خاصّة.

بل لأنّ الظاهر من القاعدة هو سلب الاقتضاء، لا اقتضاء السلب كما تقدّم(5)، فلا تنافي ثبوت الضمان بوجود سبب.

ص: 478


1- اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 206.
2- تقدّم في الصفحة 426.
3- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 205.
4- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 467.
5- تقدّم في الصفحة 427.

مضافاً إلى أنّ المنافع ليست مصبّ العقد، فهي خارجة من القاعدة موضوعاً.

مع أنّ القاعدة - كما أشرنا إليه(1) - لم تكن ثابتة بنفسها بإجماع أو غيره، فلا بدّ من لحاظ مدركها، ومع لحاظه يكون الضمان موافقاً للقاعدة بدليل اليد وغيره؛ لعدم تسليم المبيع مجّاناً وبلا عوض.

وأمّا الروايات المشار إليها (2) - وقد تقدّم نقل بعضها (3) - فليست بصدد بيان المنافع، ولهذا سكتت عن المنافع المستوفاة أيضاً، فراجعها.

نعم، في رواية زرارة على إحدى النسختين(4)، دلالة على المنافع المستوفاة، لكن وجود منافع غير مستوفاة للأمة التي تؤخذ للاستيلاد زائدة على اللبن والخدمة غير معلوم، لو لم نقل إنّه معلوم العدم.

وأمّا المنافع التي استوفاها غير القابض، أو تلفت تحت يده، فربّما يأتي الكلام فيها في تعاقب الأيادي(5).

ص: 479


1- تقدّم في الصفحة 386 و427.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 205.
3- تقدّم في الصفحة 381 - 386.
4- تقدّم في الصفحة 385.
5- يأتي في الجزء الثاني: 467.

الأمر الرابع : في ضمان المثل في المثلي

الاستدلال بآية الاعتداء على الضمان

إذا تلف المبيع فإن كان مثلياً وجب مثله، أو قيمياً وجبت قيمته.

وقد استدلّ شيخ الطائفة قدّس سرّه عليه بقوله تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)(1).

قال في «الخلاف» في بيان المنافع المضمونة: «والمثل مثلان، مثل من حيث الصورة، ومثل من حيث القيمة، فلمّا لم يكن للمنافع مثل من حيث الصورة، وجب أن يلزمه من حيث القيمة» ثمّ ادّعى إجماع الفرقة عليه(2).

أقول: تقريب الضمان - بعد ما كان ظاهر الآية هو الاعتداء بالمثل، وهو يناسب التقاصّ لا الضمان - أن يقال: إنّ الحكم بأخذ مثل ما اعتدى عليه أو قيمته، كاشف عرفاً عن كون الآخذ ذا حقّ عليه، فيكون الأخذ بهما بحقّ

ص: 480


1- البقرة (2): 194.
2- الخلاف 3: 402 - 403.

وتقاصّاً لما اشتغلت ذمّته به، لا أخذاً مجّاناً وبلا عوض.

فيستفاد من إجازة الأخذ بالمثل والقيمة أنّ الاعتداء موجب للضمان، ولا يكون محرّماً صرفاً، ولا إجازة الأخذ إجازة ارتكاب محرّم في مقابل ارتكاب المتعدّي محرّماً، ولهذا لا يفهم من الآية الكريمة إجازة ارتكاب التجاوز بأهل من ارتكب التجاوز بأهله.

فالظاهر من الآية أنّ المأخوذ من مال المتعدّي يصير ملكاً للمظلوم، ويكون الأخذ بالحقّ الثابت.

فما قيل: من أنّ الآية لم تدلّ على الضمان، بل تدلّ على جواز التقاصّ(1)، في غير محلّه.

وبالجملة: ظاهرها إجازة الاعتداء بالمثل، لا زائداً عليه، وهو دليل على الضمان، كما هو مبنى استدلال شيخ الطائفة، والطبرسي(2) وغيرهما (3) - قدّست أسرارهم - بها على الضمان.

لكن يرد عليه: أنّه لا شبهة في دخول الاعتداء بالحرب في الآية، لو لم نقل باختصاصها به؛ لأجل كونها في خلال آيات الجهاد، كقوله تعالى: (وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ)(4).

ص: 481


1- حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 134.
2- مجمع البيان 1: 514.
3- السرائر 2: 480؛ تذكرة الفقهاء 19: 225؛ الدروس الشرعية 3: 113؛ جامع المقاصد 6: 245.
4- البقرة (2): 191.

وقوله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ * الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ...)(1) إلى آخرها.

ثمّ قال تعالى: (وَأَنْفِقُوا فِى سَبِيلِ اللّه ِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)(2).

فالآية على ما قال المفسّرون(3)، راجعة إلى وقعة الحديبية، وصدّ المشركين رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم في عام الستّ في ذي القعدة عن المناسك، ودخل في سنة السبع في ذي القعدة للمناسك، واعتمر وقضى المناسك.

فمعنى (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ) يحتمل أن يكون أنّ ذا القعدة الذي قضيتم مناسككم فيه، بإزاء ذي القعدة في السنة السابقة التي فيها منعتم عنها.

ويحتمل أن يراد أنّ قتالكم معهم في الشهر الحرام بإزاء قتالهم معكم فيه.

وقوله: (وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ) على المعنى الثاني، يراد به ظاهراً أنّ القتال في الحرم، والشهر الحرام، والبلد الحرام قصاص، في مقابل حربهم معكم وهتكهم الحرمات الثلاث.

فقوله: (فَمَنِ اعْتَدَى) تفريع على ذلك، فهو إمّا مختصّ بالحرب، فلا دلالة فيه على الضمان المطلوب، أو كبرى كلّية، فلا محالة يكون الاعتداء بالحرب داخلاً فيها، ولا يمكن إخراج المورد عنها وتخصيصها بمورد الماليات.

ص: 482


1- البقرة (2): 193 - 194.
2- البقرة (2): 195.
3- التبيان في تفسير القرآن 2: 149 - 150؛ مجمع البيان 1: 513 - 514؛ الجامع لأحكام القرآن، القرطبي2: 354.

ومع دخول الحرب وكونها مورد الآية، لا يمكن إرادة المثلية في المعتدى به؛ بأن يراد أنّ المقاتلين إذا قتلوا منكم عدداً معلوماً، اقتلوا منهم بهذا العدد خاصّاً، وإذا أصاب سهم واحد منهم عضواً خاصّاً منكم، لا يجوز لكم التعدّي عن ذلك العضو، وهذا واضح، فلا يراد بالمثل في مورد ورود الآية المماثلة في مقدار الاعتداء.

بل الظاهر أنّ المراد منه أنّ الكفّار إن اعتدوا عليكم، فاعتدوا عليهم كما أنّهم اعتدوا عليكم، فإذا لم يكن المثل في موردها، كذلك لا يمكن استفادة ضمان المثل في غير موردها بإطلاقها.

والمثلية في أصل الاعتداء لا تفيد في إثبات المطلوب، بل القرينة المذكورة، أي عدم تقدير المقابلة بالمثل، وجواز التجاوز عنه، قائمة على عدم دخول الماليات فيها، فهي إمّا مختصّة بالحرب، أو شاملة لما هو نظيرها، كمدافعة اللصّ والمهاجم.

الاستدلال بدليل اليد على ضمان المثل في المثلي وتقريبه

واستدلّ عليه أيضاً: بأنّ العين المأخوذة قد دخلت في العهدة بحيثية شخصها، وطبيعتها التي لها أفراد مماثلة، وماليتها، وأداؤها بنفسها أداء بجميع شؤونها، فإذا تلفت فقد امتنع الخروج عن عهدة تشخّصها، دون الحيثيتين الاُخريين، فيجب أداء مثلها؛ فإنّه أداء لهما، ومع تعذّر المثل بقي إمكان الخروج عن عهدة ماليتها، فيجب أداء قيمتها، فلها مراتب من الأداء(1)، انتهى.

ص: 483


1- اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 318.

وتقريبه على وجه لا يرد عليه بعض الإيرادات المتوهّمة(1): أنّ المراد بدخول العين في العهدة بجميع شؤونها، ليس دخولها مستقلاًّ، حتّى تكون مضمونة بشخصها مستقلاًّ، وبنوعها وماليتها كذلك، فيكون على عهدة الآخذ منّ شخصي من الحنطة، ومنّ كلّي، ودرهم، كلّ منها مستقلاًّ؛ فإنّ ذلك خلاف الضرورة. بل المراد أنّ جميع الشؤون موجودة بوجودٍ واحدٍ، فيكون عليه شيء واحد ذو شؤون.

فلا يرد عليه: أنّ لازم ما ذكر أنّه لو غصب منّاً من الحنطة، اشتغلت ذمّته بمنّ شخصي، وكلّي، ودرهم هو قيمته.

والمراد بالشؤون المذكورة، هي الشؤون التي يساعد عليها العرف في باب الضمانات والغرامات، لا الحيثيات العقلية الفلسفية، والعرف لا يساعد إلاّ على ما ذكر.

فلا يرد عليه ما قد يقال: «إنّ لازم ذلك أن تقع على عهدته الأجناس القريبة والبعيدة إلى جنس الأجناس»(2) لأنّ ذلك خلط بين العرفيات والعقليات.

والمراد بالمالية هو ما يعتبرها العقلاء بحسب اختلاف الأزمان من الأثمان، لا الأعمّ منها ومن كلّ ما له مالية من العروض؛ فإنّ مالية الشيء لدى العقلاء تتقدّر بالأثمان.

نعم، لو فرض أنّه في محيط أو زمان كان ميزان المالية ومقياسها غير الأثمان، كان ذلك ماليتها.

ص: 484


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 318.
2- البيع (تقريرات المحقّق الكوهكمري) التجليل: 187.

فلا يرد عليه: أنّ لازم ما ذكرت جواز أداء القيمة بعروض آخر(1).

والمراد من بقاء الطبيعي والمالية بعد تلف العين، هو البقاء عرفاً لا عقلاً، وقد حكم العرف بأنّ المهملة توجد بوجود فردٍ ما، وتنعدم بعدم جميع الأفراد، وليس ذلك إلاّ لأجل أنّ الطبيعي بنظر العرف شيء واحد، باقٍ ببقاء فردٍ ما، كما هو رأي الرجل الهمداني(2).

وهذا هو المبنى لجريان الاستصحاب في القسم الثاني والثالث من الكلّي، وإلاّ فعلى حكم العقل الدقيق البرهاني أنّ الطبيعي كما يوجد بوجود فردٍ ما، ينعدم بعدم فردٍ ما، فلا يجري الاستصحاب؛ لعدم العلم بالحالة السابقة.

فلا يرد عليه: أنّ الطبيعي متكثّر بتكثّر الأفراد، وأنّ الطبيعي الموجود في فرد غير الطبيعي الموجود مع فردٍ آخر؛ فإنّه موجود بوجودات متعدّدة(3)؛ فإنّ ذلك خلط بين حكم العقل والعرف، هذا غاية تقريبه والدفاع عنه.

لكن يرد عليه بعد البناء على حكم العرف فيما ذكر: أنّ الطبيعي إذا وجد بفردٍ ما في مكان خاصّ، وانحصر وجوده بذلك الفرد فيه، فكما أنّ وجوده بوجود هذا الفرد في ذلك المكان، عدمه أيضاً بعدمه فيه؛ لفرض انحصاره به، والعدم في المكان الخاصّ لا ينافي الوجود مطلقاً وفي غير ذلك المكان.

ص: 485


1- البيع (تقريرات المحقّق الكوهكمري) التجليل: 187.
2- رسائل ابن سينا: 462؛ الحكمة المتعالية 1: 273؛ شرح المنظومة، قسم المنطق 1: 149، وقسم الحكمة 2: 347 - 348.
3- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 318؛ البيع (تقريرات المحقّق الكوهكمري) التجليل: 186.

ومعلوم: أنّ العهدة بمنزلة المكان الخاصّ، فإذا وقعت العين تحت يده، يقع شخص واحد على عهدته، فإذا انعدم انعدم الطبيعي، وخرج عن العهدة بانعدامه وامتناعه، كما ينعدم بانعدام الفرد المنحصر في البيت، ووجوده خارج البيت وعلى غير العهدة أجنبيّ عنهما، والمفروض أنّ الشؤون موجودة بوجود واحد، وليس لها استقلال في الضمان والذمّة.

فالوجه المذكور لا ينطبق على حكم العقل ولا العرف؛ إذ لا يعقل بقاء الطبيعي المنحصر بالفرد مع انعدامه، والطبيعي المضاف إلى العهدة والواقع تحت اليد منحصر بالفرد، كما هو المفروض، وكذا الكلام في المالية الاعتبارية.

وبالجملة: لا تقع اليد إلاّ على الفرد والطبيعي والمالية المتّحدين معه، ولا معنى لعهدةٍ غيرها.

نعم، لو كان على عهدته أفراد من الطبيعي، بقي ما بقي فردٍ ما على عهدته، لكنّه خلاف المفروض.

هذا إذا كان المراد بالوقوع على العهدة أنّ العين بوجودها الخارجي على العهدة؛ بمعنى أنّ الضامن كالكفيل من الشخص، متعهّد للعين الخارجية.

وأمّا إذا كان المراد أنّ العين المأخوذة تعتبر في العهدة، كما تعتبر الكلّيات فيها؛ بمعنى أنّ الشخص الخارجي اعتبر على عهدته.

فيمكن أن يقال: إنّ الشخص المعتبر باقٍ بوجوده الاعتباري على العهدة إلى زمان الأداء؛ عيناً في حال وجوده، ومثلاً أو قيمةً في حال تلفه، وانعدام الوجود الخارجي غير مربوط بالوجود الاعتباري.

ص: 486

لكن يرد عليه: أنّ اعتبار الشخص الخارجي في الذمّة، إن كان بمعنى انسلاخه عن الوجود الخارجي اعتباراً، وحكّ الخارج عنه، وتقديره في الذمّة، فيكون الوجود الخارجي معدوماً في الاعتبار وتعبّداً، فيلزم منه أن يجوز التصرّف فيه بلا إذن صاحبه، وأن لا يكون تلفه أو إتلافه موجباً للضمان، وهو كما ترى.

وإن كان الوجود الخارجي محفوظاً، ويقدّر هو في الذمّة أيضاً، فإن كان المقدّر فانياً في الخارج ولا حكم له بحياله، يلزم الإشكال المتقدّم من عدم البقاء.

وإن كان الخارج فانياً في المقدّر اعتباراً وتعبّداً، يلزم الإشكال الأخير؛ من عدم الضمان بتلفه وإتلافه.

وإن كان كلّ من المقدّر والخارج مستقلاًّ بحياله، يلزم أن يكون للشخص مال في الخارج، ومال آخر في ذمّة الآخذ، ومع تعاقب الأيادي أموال حسب تعدّدها، وهو كما ترى، وسيأتي التحقيق في معنى «على اليد...» عن قريب(1).

بناء العقلاء هو الوجه في ضمان المثلي والقيمي

ويمكن أن يقال: إنّ كيفية الضمان أمر عقلائي، لا يختصّ بمحيط الشرع ولا بالمسلمين، وحكم العقلاء في الغرامات والضمانات؛ في المثليات بالمثل، ومع فقد المثل بالقيمة، وليست المسألة لا في أصلها، ولا في تعيين المثلي والقيمي من الإجماعيات والتعبّديات.

ص: 487


1- يأتي في الصفحة 508.

واستدلال شيخ الطائفة قدّس سرّه وغيره بآية الاعتداء وغيرها (1)، مع عدم تمامية دلالة غالبها، إنّما هو تشبّثات وتخريجات لأمرٍ واضح بين العقلاء.

وأمّا ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه: «من أنّ المثل أقرب، وبعده القيمة»(2)، لعلّه لا يريد دوران الأمر مدار الأقربية، حتّى يقال: إنّ لازمه مع فقد المثل من جميع الجهات، مراعاته من بعض الجهات، ولعلّ مراده بيان نكتة حكم العقلاء في المثلي والقيمي.

نكتة حكم العقلائي في المثلي والقيمي

ويمكن أن يقال في نكتة بناء العقلاء: إنّ المماثل للشيء إذا لم يكن مختلفاً مع مماثله في الأوصاف والخواصّ - كمنّ من حنطة من صبرة مع آخر منها، ومثل ما يحصل من المكائن الحديثة، حيث لا اختلاف بين أفراده في الجنس والوصف والخاصّية - يكون أداؤه أداءً للتالف المماثل بجميع ما هو دخيل في أغراض العقلاء؛ فإنّ الرغبات إنّما تتعلّق بالأشياء بلحاظ آثارها، وخواصّها، ومنافعها، والمثلان متّحدان في جميع ذلك، والاختلاف بينهما بشيءٍ ليس مورد رغبتهم وأغراضهم، ككون أحدهما هوية غير هوية الآخر.

فمن أتلف كأساً من مصنوعات معمل خاصّ، وأدّى عوضه كأساً آخر من مصنوعاته، فقد أدّى ما أتلفه بجميع الجهات الدخيلة في أغراض العقلاء

ص: 488


1- الخلاف 3: 402؛ تذكرة الفقهاء 19: 225؛ الدروس الشرعية 3: 113؛ جامع المقاصد 6: 245.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 217.

ورغباتهم، فيكون أداؤه تأدية لما أتلفه؛ لأنّ اختلاف الهويتين غير منظور فيه بوجه من الوجوه، وما هو منظور فيه هو الجنس، والوصف، والخاصّية، وهما مشتركان فيها بلا اختلاف بينهما.

ومع فقد المثل، كذلك يحكم العقلاء بجبران القيمة، فإذا أتلف منّاً من حنطة جيّدة، وأراد تأدية منّ رديء، لم يعدّ ذلك أداءً لما أتلفه، ولكن القيمة جبران له، والمراد بالقيمة هو النقد الرائج، لا العروض المتقوّمة، كما هو المعلوم من بناء العقلاء.

والشارع الأقدس أوكل أمر كيفية الضمان على العرف، ولهذا لم يتعرّض لضمان المثلي، مع كثرة ما وردت في الغرامات والضمانات في أبواب متفرّقة؛ وذلك لعدم تعبّد في كيفية الضمان ظاهراً.

فالمسألة لا تحتاج إلى زيادة مؤونة وتشبّث، لا في أنّ الضمان في المثلي بالمثل، وفي القيمي بالقيمة، ولا في تعيين المثلي والقيمي؛ فإنّ الأوّل عقلائي، والثاني موكول إلى العرف كسائر موضوعات الأحكام.

وإن اشتهيت زيادة تشبّث فنقول: إنّ قوله صلي الله عليه و آله وسلم: «على اليد ما أخذت...» إلى آخره، بعد ظهوره في الحكم الوضعي والضمان، وبُعد إرادة الحكم التكليفي المحض منه، فلا محالة يشمل حال التلف تحت يده.

ومع البناء على ظهوره في أنّ نفس ما أخذت، عليه إلى زمان التأدية(1)، والحمل على عهدة نفسه ما دام موجوداً، وبدله في زمان التلف(2)، في غاية

ص: 489


1- تقدّم في الصفحة 375.
2- منية الطالب 1: 304.

البعد. والبناء على أنّ الحمل على الضمان بالمثل أو القيمة ابتداءً(1)، خلاف الظاهر، فنقول: إذا كان ظاهره أنّ ما أخذ، عليه إلى زمان التأدية، فإمّا أن يراد التعليق على المحال، والمقصود بقاء الضمان دائماً؛ لتعذّر الأداء بعد التلف.

أو يراد به سقوط الضمان بالتلف؛ لتعذّر الغاية، ولغوية بقاء الضمان.

لكنّهما خلاف فهم العقلاء، بل خلاف الضرورة.

فلا محالة يكون التعليق على ممكن، ولازمه أنّ أداء المأخوذ بعد التلف بالمثل - كما هو حكم العقلاء في المثلي، وبالقيمة في القيمي - أداء لدى الشارع الأقدس؛ لأنّه لو كان للأداء بعد تعذّر العين وتلفها كيفية لدى الشارع غير ما عند العقلاء، لكان عليه البيان في هذه القضيّة المبتلى بها، ومع عدمه يكشف أنّ الأداء هو ما ذكر.

هذا، ولكن سيأتي(2) أنّ ظاهر «على اليد...» غير ما عليه المحقّقون المتأخّرون(3).

مرجع تشخيص المثلي والقيمي

ثمّ بعد ما كان الضمان بما ذكر من القواعد العقلائية، لا يمكن إثبات إجماع أو شهرة معتمدة في الباب، كما لا يصحّ دعواهما في تشخيص المثلي والقيمي،

ص: 490


1- اُنظر منية الطالب 1: 303.
2- يأتي في الصفحة 508.
3- حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 37؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 469 و481؛ هداية الطالب 2: 325.

فهما موكولان إلى العرف، سيّما الثاني منهما؛ فإنّهما كسائر العناوين المأخوذة في الأدلّة، التي مرجع تشخيصها العرف واللغة.

والظاهر أنّ حكم العرف في ضمان المثل في المثلي إنّما هو فيما له مثل عادةً كالحبوبات، ولا يلاحظ فيه الشاذّ النادر، فما لا مثل له عادة ليس بمثلي وإن وجد له نادراً.

ثمّ إنّ التعاريف المذكورة للمثلي لا تخلو من مناقشة، والظاهر أنّ تعاريف أصحابنا في الأعصار التي لم تحدث فيها المعامل الحديثة، كانت على طبق المثليات في تلك الأعصار، وأظنّ أنّ شيخ الطائفة قدّس سرّه وغيره(1)، ممّن نسب إليهم تعريف المثلي بما نسب لو كانت في عصرهم هذه المعامل، لعرّفوه بما يشمل محصولها؛ فإنّه من أوضح مصاديق المثلي.

مقتضى الأصل عند الشكّ في كون شيء مثلياً أو قيمياً

ولو شكّ في كون شيء مثلياً أو قيمياً، لا بدّ من الرجوع إلى الأصل. وقبل بيان مقتضاه لا بدّ من مقدّمة نافعة في المقام وغيره، وهي:

مقدّمة : في بيان ما يشتغل به الذمّة في باب الضمانات

إنّ الذمّة في باب الضمانات هل تشتغل بنفس الأعيان، وتكون نفس العين

ص: 491


1- المبسوط 3: 59؛ السرائر 2: 480؛ شرائع الإسلام 3: 188؛ قواعد الأحكام 2: 226؛ اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 209.

على عهدة الضامن مطلقاً، سواء كان الضمان ضمان اليد أو الإتلاف، وكان أداء المثل والقيمة أداءً لها؛ كما مرّ تقريبه(1).

أو يتعلّق الضمان بالمثل مطلقاً، وكان أداء القيمة مع تعذّره نحو أداء له، أو بدلاً اضطرارياً؟

أو يتعلّق ابتداءً في المثلي بالمثل، وفي القيمي بالقيمة مطلقاً، كما نسب

إلى المشهور(2)؟

أو يتعلّق بالقيمة مطلقاً حتّى في ضمان اليد؟

أو تفصيل بين ضمان اليد وغيره؟

القول باشتغال الذمّة بالمالية ودفعه

ربّما يقال: «لو بني على الاعتماد على المتعارف، وتنزيل إطلاقات الضمان عليه، فهو ليس إلاّ الضمان بالمالية مطلقاً، وليست الخصوصيات العينية ملحوظة في نظر العرف إلاّ عبرة إلى مرتبة مالية المال، ولذا لو سقط المثل عن المالية، لم يلتفتوا إليه أصلاً، ولا يرون دفعه تداركاً، وكذا لو زاد في المالية لا يرون المالك مستحقّاً لأزيد من قيمة ماله.

وبالجملة: ليس النظر في الأموال إلاّ إلى ماليتها، بل لو كانت خصوصية مال مطلوبة، كان ذلك عرضاً خارجياً، غير دخيل في حيثية الضمان، وإنّما يدور

ص: 492


1- تقدّم في الصفحة 377.
2- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 469؛ منية الطالب 1: 303.

الضمان مدار التموّل في أيّ عين كان، بلا خصوصية للنقدين، ولا للمماثل، ولا لغيرهما»(1)، انتهى.

وفيه ما لا يخفى؛ ضرورة أنّ اعتبار المالية في الأشياء إنّما هو لأجل الرغبات، فما لا يكون موردها إمّا لعدم خاصّية ونفع فيه، أو لكثرته وابتذاله، لا يكون متموّلاً، ولا يعتبر العقلاء فيه المالية، فالمالية تبع للرغبات، وهي تبع لخواصّ الأشياء ومنافعها، فالخصوصيات العينية ملحوظة ابتداءً، وبلحاظها تعتبر المالية.

نعم، ربّما يتّفق أن يكون النظر إلى مالية الشيء، وتغمض العين عن خصوصياته، ولكنّه ليس ميزاناً نوعياً أو كلّياً، فخصوصية الأعيان مطلوبة بالذات، وتتبعها المالية، لا العكس.

نعم، مع سقوط المثل عن المالية ليس ردّه تداركاً؛ وذلك لسقوط المنافع والخصوصيات، التي لأجلها تتعلّق الرغبات بها، أو لابتذالها الموجب لسلب الرغبات.

والعجب منه، حيث زعم: أنّ المثل إذا زادت ماليته، لا يرى العقلاء استحقاق المالك لأزيد من قيمة يوم التلف، مع أنّ بناء العقلاء على خلاف ذلك، فلو أتلف كرّاً من حنطة، يرى العرف ضمانه بكرّ منها، لا بقيمتها يوم التلف.

وأعجب منه دعوى: أنّ جبران المالية يمكن بأيّ مال كان، فلو أتلف منّاً من الحنطة، كان له الجبران بأمنانٍ من التبن، تكون قيمتها مساوية للتالف، وليس

ص: 493


1- حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 133.

للمالك مطالبة الحنطة، مع أنّه مخالف حكم العرف والعقلاء، وهو واضح.

فدعوى: أنّ الضمان مطلقاً بالمالية، ممنوعة.

الروايات الظاهرة في كون نفس العين على العهدة

والأولى صرف الكلام إلى روايات الباب فنقول: أمّا قوله صلي الله عليه و آله وسلم: «على اليد...» إلى آخره، فظاهر في ضمان العين المأخوذة؛ بدعوى كون نفسها على العهدة كما مرّ(1).

ولا تنافيه آية الاعتداء(2) على فرض دلالتها على ضمان المثل والقيمة؛ لأنّ الظاهر منها هو تجويز الاعتداء بهما؛ أي التقاصّ، وغاية ما هو لازمه عرفاً أنّ ذلك بحقّ، وعلى عهدة الغاصب ما يكون تقاصّه بالمثل أو القيمة، وهو أعمّ من كون المثل أو القيمة على العهدة، أو نفس العين عليها؛ إذ لازم ذلك أيضاً التقاصّ بالمثل أو القيمة، فاللازم أعمّ، فلا تعارض الآية ما دلّت على ضمان نفس العين؛ فإنّ ذلك الظهور كاشف عن كيفية الضمان فيها.

كما أنّ دليل احترام مال المؤمن وأنّه كدمه(3) لا يدلّ إلاّ على عدم هدره، ولا بدّ من جبره، ولازمه الضمان، لكن لا يدلّ على أنّ العين على العهدة أو المثل، ودليل اليد يرفع الإجمال عنه.

ص: 494


1- تقدّم في الصفحة 375.
2- البقرة (2): 194.
3- الكافي 2: 359 / 2؛ الفقيه 4: 300 / 909؛ وسائل الشيعة 12: 297، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 158، الحديث 3.

كما لا تنافيه الروايات الدالّة على الضمان بقول مطلق، من غير تعرّض لكون العين أو المثل على العهدة، وهي كثيرة، متفرّقة في أبواب العارية(1)، والوديعة(2)، والإجارة(3) وغيرها (4).

وهنا طائفة اُخرى، لعلّ ظاهرها عهدة نفس العين، وهي كثيرة أيضاً:

منها: صحيحة الصفّار، قال: كتبت إلى أبي محمّد عليه السلام: رجل دفع إلى رجل وديعة (وأمره أن يضعها في منزله أو لم يأمره)(5)، فوضعها في منزل جاره فضاعت، هل يجب عليه إذا خالف أمره وأخرجها من ملكه؟

فوقّع عليه السلام: «هو ضامن لها إن شاء اللّه»(6).

ومنها: صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه أبي الحسن عليه السلام، قال: سألته عن رجل استأجر دابّة، فأعطاها غيره فنفقت ما عليه؟

قال: «إن كان شرط أن لا يركبها غيره فهو ضامن لها، وإن لم يسمّ فليس عليه شيء»(7).

ص: 495


1- وسائل الشيعة 19: 97، كتاب العارية، الباب 4، الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 19: 81، كتاب الوديعة، الباب 5، الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 19: 114، كتاب الإجارة، الباب 11، الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 25: 464، كتاب اللقطة، الباب 19، الحديث 1.
5- ما بين القوسين موجود في الفقيه 3: 194 / 880 بإسناده عن محمّد بن علي بن محبوب.
6- الكافي 5: 239 / 9؛ تهذيب الأحكام 7: 180 / 791؛ وسائل الشيعة 19: 81، كتاب الوديعة، الباب 5، الحديث 1.
7- مسائل علي بن جعفر: 196 / 414؛ الكافي 5: 291 / 7؛ تهذيب الأحكام 7: 215 / 942؛ وسائل الشيعة 19: 118، كتاب الإجارة، الباب 16، الحديث 1.

ونحوهما غيرهما، كبعض ما وردت في الاتّجار بمال اليتيم في كتاب الزكاة(1).

وكرواية زيد بن علي(2)، المشتملة على تضمين أمير المؤمنين عليه السلام الحمّال الذي عليه قارورة فكسرها (3).

وكبعض روايات عارية الذهب والفضّة، الدالّة على أنّ الذهب والفضّة مضمونان(4)، حيث إنّ الظاهر من نسبة الضمان إلى الأعيان أنّ نفسها على العهدة؛ فإنّ «الضمان» بمعنى الكفالة، وكفالة الشيء عبارة عن جعله على عهدته، ككفالة الشخص، ولازمها لزوم أدائه في ظرف وجوده، وأداء مثله أو قيمته في ظرف تلفه.

والحمل على عهدة المثل، أو القيمة، أو عهدة البدل، أو الخسارة، خلاف الظاهر.

ومن هذه الطائفة الموافقة لحديث «على اليد...» يستكشف المراد من الضمان في الطائفة المتقدّمة.

ص: 496


1- راجع وسائل الشيعة 9: 89، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 2، الحديث 7 و8.
2- رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أبي جعفر، عن أبي الجوزاء، عن الحسين بن علوان، عن عمرو بن خالد، عن زيد بن علي، عن آبائه عليهم السلام. ويأتي من المصنّف تضعيف هذا السند بالحسين بن علوان في الصفحة 499.
3- تهذيب الأحكام 7: 222 / 976؛ وسائل الشيعة 19: 152، كتاب الإجارة، الباب 30، الحديث 13.
4- راجع وسائل الشيعة 19: 96 - 97، كتاب العارية، الباب 3، الحديث 1 - 4.

وتوهّم: أنّه لا فائدة في جعل العين على العهدة، بعد كون الأداء بالمثل أو القيمة على أيّ حال.

فاسد؛ فإنّ في جعل العين على العهدة فائدة، هي أنّ الاعتبار في القيمي بقيمة يوم الأداء لا يوم التلف، ويختلف الحكم في مقام القضاء وجريان الأصل أيضاً.

وربّما يتوهّم: أنّ بعض الروايات مخالف لما ذكر(1):

كصحيحة أبي ولاّد، ففيها قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: فما ترى أنت؟

فقال: «أرى له عليك مثل كِراء بغل ذاهباً من الكوفة إلى النيل...».

إلى أن قال فقلت له: أ رأيت لو عطب البغل ونفق أ ليس كان يلزمني؟

قال: «نعم، قيمة بغل يوم خالفته...» إلى آخرها، كذا في موضع من «الوسائل»(2).

وفي «الوافي» نقل: «البغل» معرّفاً في جميع الموارد(3)، ولعلّه أصحّ وإن لم يفترق الحكم في المقام؛ لأنّ المراد بقوله عليه السلام: «كِراء بغل» أو «قيمة بغل» ليس كراء أيّ بغلٍ، أو قيمة أيّ بغلٍ؛ فإنّه مخالف للضرورة، بل المراد كراء بغل مثل بغله، وقيمة مثله، وهو لا يفترق عن كراء شخص البغل وقيمته؛ لما تقدّم أنّ اختلاف الرغبات واختلاف القيم إنّما هو باختلاف الآثار، والخواصّ، والمنافع(4)،

ص: 497


1- البيع (تقريرات المحقّق الكوهكمري) التجليل: 191.
2- وسائل الشيعة 19: 119، كتاب الإجارة، الباب 17، الحديث 1.
3- الوافي 18: 931 / 6.
4- تقدّم في الصفحة 493.

والشخص - بما هو شخص غير شخص آخر - ليس مورد الرغبة نوعاً، ولا تختلف القيم باختلاف الهويات مع التماثل في جميع الآثار، والخواصّ، والمنافع، والصفات.

ثمّ إنّ وجه توهّم مخالفة الصحيحة لرواية «على اليد...» وغيرها، استظهار العهدة والذمّة من قوله: «يلزمني» وجوابه عليه السلام بقوله: «نعم، قيمة بغل يوم خالفته».

مع أنّ ظاهر «يلزمني» و«يلزمك» وجوب الأداء. فقوله عليه السلام: «نعم، قيمة بغل يوم خالفته» ظاهر في أنّ اللازم والواجب عليك أداء قيمة المتلف، وكان مبدأ اللزوم على فرض التلف، يوم المخالفة، فلو تلف قبله لم يلزمك شيء، ولا يجب عليك القيمة، ولا تعرّض فيها لكيفية الضمان؛ وأنّ الذمّة مشغولة بنفس العين، وأداء القيمة نحو أداء لها، أو مشغولة بالقيمة لدى التلف.

ولا أقلّ من أنّ ما ذكرناه أحد الاحتمالين المتساويين.

فدعوى: ظهورها في أنّ القيمة على العهدة، مقابل ظهور «على اليد...» ممنوعة، فهي إمّا ظاهرة فيما لا يخالف قاعدة اليد، أو غير ظاهرة فيما يخالفها.

وكرواية زيد بن علي، عن آبائه عليهم السلام قال: «أتاه رجل تكارى دابّة فهلكت، وأقرّ أنّه جاز بها الوقت، فضمّنه الثمن، ولم يجعل عليه كراء»(1).

ص: 498


1- تهذيب الأحكام 7: 223 / 977؛ وسائل الشيعة 19: 122، كتاب الإجارة، الباب 17، الحديث 5.

وفيها: بعد ضعف سندها بالحسين بن علوان(1)، ومتنها بموافقته لأبي حنيفة، ولهذا حملها الشيخ قدّس سرّه على التقيّة(2)، وما احتملناه سابقاً من أنّ سقوط الكراء فيما يضمن بالقيمة مع التلف، لعلّه لأجل عدم تضمين زائد على ضمان القيمة، ويكون الكراء داخلاً في ضمان القيمة(3)، لا يجري في الكراء المسمّى؛ لاحتمال كونه زائداً عن كراء المثل.

أنّ قوله: «ضمّنه الثمن» لا يدلّ على أنّ عهدته مشغولة بالثمن؛ لأنّ تضمين

أمير المؤمنين عليه السلام ليس بمعنى جعل الضمان تشريعاً، وهو واضح، بل بمعنى تضمينه في مقام القضاء، وتضمين الثمن في القيمي، لا يخالف كون العهدة مشغولة بالعين، فتدبّر.

وكيف كان: لا يمكن رفع اليد عمّا سبق بمثل هذه الرواية، هذا كلّه في كيفية ضمان اليد.

وأمّا ضمان الإتلاف فيما إذا لم يكن فيه ضمان اليد، فظاهر جملة كثيرة من الروايات أنّه - نحو ضمان اليد - يكون نفس ما أتلفه على العهدة.

وليعلم: أنّه لو فرض أنّ مقتضى الأدلّة، ضمان العين في الإتلاف أيضاً، لا وجه للتحاشي عنه، بعد كون الميزان فيه هو الاعتبار، وصحّة اعتبار نفس العين في العهدة تالفة أو موجودة كما مرّ في ضمان اليد(4)، ومعها لا حجّة لترك

ص: 499


1- الحسين بن علوان عامّي. راجع رجال النجاشي: 52 / 116؛ اختيار معرفة الرجال: 390 / 733.
2- تهذيب الأحكام 7: 223؛ الاستبصار 3: 135.
3- تقدّم في الصفحة 470.
4- تقدّم في الصفحة 377.

ظاهر الأدلّة بمجرّد الاستبعاد، سيّما مع ثمرة عملية لذلك الاعتبار، وهي كون الاعتبار بقيمة يوم الأداء.

كما أنّه لو كان مقتضى الأدلّة في باب الإتلاف ضمان المثل في المثلي، والقيمة في القيمي، أو ضمان القيمة مطلقاً، نلتزم به؛ إذ لا دليل عقلاً أو نقلاً على أنّ باب الضمانات مطلقاً على كيفية واحدة، ولو كان الضمان معنىً واحداً في جميع الأبواب، لكن لا يلزم أن يكون متعلّقه واحداً في جميعها، فلو كان مقتضى الأدلّة أنّ ضمان اليد متعلّق بنفس العين، وضمان الإتلاف بالمثل والقيمة، نلتزم به، ونحكم على مقتضاها، تأمّل وانتظر.

وكيف كان: فممّا تدلّ على أنّ ضمان الإتلاف كضمان اليد، رواية العلاء بن الفضيل - ولا يبعد أن تكون صحيحة، إذ ليس في سندها من يناقش فيه إلاّ العبيدي ومحمّد بن سنان، وهما ثقتان على الأصحّ - عن أبي عبداللّه عليه السلام: أنّه سئل عن رجل يسير على طريق من طرق المسلمين على دابّته، فتصيب برجلها.

قال: «ليس عليه ما أصابت برجلها، وعليه ما أصابت بيدها، وإذا وقف فعليه ما أصابت بيدها ورجلها، وإن كان يسوقها فعليه ما أصابت بيدها ورجلها أيضاً»(1).

وموثّقة السكوني(2)، عن أبي عبداللّه عليه السلام: أنّه ضمّن القائد، والسائق، والراكب.

ص: 500


1- الكافي 7: 351 / 2؛ تهذيب الأحكام 10: 225 / 886؛ وسائل الشيعة 29: 247، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان، الباب 13، الحديث 2.
2- التوصيف بالموثّقة لأجل كون السكوني عامّياً معتمداً عند الأصحاب. اُنظر العدّة في اُصول الفقه 1: 149.

فقال: «ما أصاب الرجل فعلى السائق، وما أصاب اليد فعلى القائد والراكب»(1).

ونحوهما روايات اُخر(2).

وظاهرها أنّ الضمان متعلّق بنفس المتلف، وتقع هي في عهدة الضامن، فإنّ مضمون تلك الروايات موافق لقوله صلي الله عليه و آله وسلم: «على اليد ما أخذت...»(3).

ولا ينافي ذلك شمولها لجناية الإنسان بالتلف وغيره؛ لأنّ مقتضى الكبرى الكلّية ضمان نفس الشيء، غاية الأمر جعل الشارع في جنايات الإنسان دية، ومقتضى تقديرها عدم اعتبار العين في الذمّة.

ولا يصحّ رفع اليد عن ظهورها بالنسبة إلى غير الإنسان، حتّى في صحيحة الحلبي، التي سئل فيها عن إصابة الدابّة إنساناً برجلها، فأجاب بالكبرى الكلّية، فقال: «ليس عليه ما أصابت برجلها، ولكن عليه ما أصابت بيدها»(4).

بل لا بعد في عهدة نفس الإنسان أو جنايتها، وإن قدّرها الشارع بتقديرٍ

ص: 501


1- الكافي 7: 354 / 15؛ تهذيب الأحكام 10: 225 / 887؛ وسائل الشيعة 29: 248، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان، الباب 13، الحديث 5.
2- راجع وسائل الشيعة 29: 247، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان، الباب 13، الحديث 4 و7 و9 و10.
3- تقدّم في الصفحة 368.
4- الكافي 7: 351 / 3؛ الفقيه 4: 115 / 397؛ تهذيب الأحكام 10: 225 / 888؛ وسائل الشيعة 29: 247، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان، الباب 13،الحديث 3.

لا يتجاوز عنه، نظير تقدير دية الكلب(1).

وبالجملة: ظاهر هذه الروايات عهدة نفس ما أصابت الدابّة.

ومنها يظهر المراد في مثل رواية عبداللّه بن جعفر في «قرب الإسناد» بسنده عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليهم السلام: «أنّه كان يضمّن الراكب ما وطأت الدابّة بيدها ورجلها، ويضمّن القائد ما أوطأت الدابّة بيدها، ويبرؤه من الرجل»(2).

بل يستكشف المراد من الروايات الدالّة على أنّ المتلف ضامن لما أتلف؛ وأنّ تعلّق الضمان بشيءٍ عبارة عن كونه على عهدة الضامن.

كما يستكشف ذلك من بعض ما وردت في الديات، مثل صحيحة الحلبي، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «أيّما رجل فزّع رجلاً من الجدار، أو نفّر به عن دابّته فخرّ فمات، فهو ضامن لديته، وإن انكسر فهو ضامن لدية ما ينكسر منه»(3).

فإنّ ضمان الدية عبارة عن كونها على عهدته، فيظهر منها أنّ تعلّق الضمان بالشيء عبارة عن كونه على العهدة، كما هو الظاهر منه عرفاً، والمقصود الاستشهاد والتأييد لما يفهم من الروايات.

فحينئذٍ تدلّ على المقصود كلّ ما كان مضمونها كذلك، كموثّقة سماعة(4) قال:

ص: 502


1- راجع وسائل الشيعة 29: 226، كتاب الديات، أبواب ديات النفس، الباب 19.
2- قرب الإسناد: 147 / 531؛ وسائل الشيعة 29: 250، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان، الباب 13، الحديث 12.
3- الكافي 7: 353 / 9؛ تهذيب الأحكام 10: 227 / 895؛ وسائل الشيعة 29: 252، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان، الباب 15، الحديث 2.
4- التوصيف بالموثّقة لأجل كون سماعة ثقة واقفياً. اُنظر رجال النجاشي: 193 / 517؛ رجال الطوسي: 337/ 4.

سألته عن الرجل يحفر البئر في داره أو في أرضه.

فقال: «أمّا ما حفر في ملكه فليس عليه ضمان، وأمّا ما حفر في الطريق، أو في غير ما يملك، فهو ضامن لما يسقط فيه»(1).

وصحيحة أبي الصباح، قال: قال أبو عبداللّه عليه السلام: «من أضرّ بشيءٍ من طريق المسلمين فهو له ضامن»(2).

وموثّقة السكوني، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم: من أخرج ميزاباً، أو كنيفاً، أو أوتد وتداً، أو أوثق دابّة، أو حفر شيئاً في طريق المسلمين، فأصاب شيئاً فعطب، فهو له ضامن»(3).

إلى غير ذلك(4).

وتعارض تلك الروايات صحيحة علي بن جعفر في «كتابه» عن أخيه موسى ابن جعفر عليه السلام قال: سألته عن بختي مغتلم قتل رجلاً، فقام أخو المقتول فعقر البختي وقتله، ما حاله؟

ص: 503


1- الكافي 7: 349 / 1؛ الفقيه 4: 114 / 390؛ تهذيب الأحكام 10: 229 / 903؛ وسائل الشيعة 29: 241، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان، الباب 8، الحديث 3.
2- الكافي 7: 350 / 3؛ الفقيه 4: 115 / 395؛ تهذيب الأحكام 10: 230 / 905؛ وسائل الشيعة 29: 241، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان، الباب 8، الحديث 2.
3- الكافي 7: 350 / 8؛ الفقيه 4: 114 / 392؛ تهذيب الأحكام 10: 230 / 908؛ وسائل الشيعة 29: 245، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان، الباب 11، الحديث 1.
4- وسائل الشيعة 29: 276، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان، الباب 40، الحديث 1.

قال: «على صاحب البختي دية المقتول، ولصاحب البختي ثمنه على الذي عقر بختيه»(1).

وأمّا صحيحة الحلبي في مفروض المسألة، حيث قال: «صاحب البختي ضامن للدية، ويقتصّ ثمن بختيّه»(2).

فلا تدلّ على أنّ الثمن على العهدة؛ لاحتمال كون الاقتصاص لأجل أنّ البختي على عهدته.

كما أنّ الظاهر عدم مخالفة ما وردت في شهادة الزور لما مرّ، لو لم نقل بموافقتها معها، كصحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي عبداللّه عليه السلام: في شاهد الزور ما توبته؟

قال: «يؤدّي من المال الذي شهد عليه بقدر ما ذهب من ماله، إن كان النصف، أو الثلث، إن شهد هذا وآخر معه»(3).

وصحيحة جميل، عن أبي عبداللّه عليه السلام: في شاهد الزور.

قال: «إن كان الشيء قائماً بعينه ردّ على صاحبه، وإن لم يكن قائماً

ص: 504


1- مسائل علي بن جعفر: 196 / 416؛ وسائل الشيعة 29: 251، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان، الباب 14، الحديث 4.
2- الكافي 7: 351 / 3؛ الفقيه 4: 120 / 420؛ تهذيب الأحكام 10: 225 / 888؛ وسائل الشيعة 29: 250، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان، الباب 14، الحديث 1.
3- الكافي 7: 383 / 2؛ تهذيب الأحكام 6: 260 / 687؛ وسائل الشيعة 27: 327، كتاب الشهادات، الباب 11، الحديث 1.

ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل»(1).

أمّا الاُولى: فلا تدلّ إلاّ على وجوب أداء المقدار المتلف.

وأمّا الثانية: فالظاهر منها ضمان نفس المال، والمراد ب «قدر ما أتلف» نصفه، أو ثلثه، أو نحوهما كما في الاُولى، فكأنّه قال: إنّه ضامن لنصف ماله أو ثلثه.

وأمّا موثّقة السكوني، عن أبي عبداللّه عليه السلام في السفرة المطروحة وفيها: «يقوّم ما فيها ثمّ يؤكل؛ لأنّه يفسد وليس له بقاء، فإن جاء طالبها غرموا له الثمن»(2). فالظاهر منها أنّ التقويم قبل الإتلاف للإذن فيه، فما لم يقوّم لا يجوز له ذلك، وهو حكم تعبّدي لصلاح حال المالك؛ لئلاّ يفسد ماله.

بل لعلّ التضمين قبل الإتلاف للإجازة في التصرّف، كما تشهد به مرسلة الصدوق، قال: قال الصادق عليه السلام: «أفضل ما يستعمله الإنسان...» إلى أن قال: «وإنْ وجدت طعاماً في مفازة فقوّمه على نفسك لصاحبه ثمَّ كُله، فإن جاء صاحبه فردّ عليه القيمة»(3).

فإنّ ظاهرها أنّ مريد الأكل لا بدّ له من تقويمه، وجعل القيمة على نفسه ثمّ يأكله، فجعل الضمان هنا اختياري للواجد وقبل الإتلاف، وإن كان بالإتلاف يستقرّ عليه.

وكيف كان: إنّ ذلك لا يخالف ما تقدّم.

ص: 505


1- الكافي 7: 384 / 3؛ الفقيه 3: 35 / 116؛ تهذيب الأحكام 6: 259 / 686؛ وسائل الشيعة 27: 327، كتاب الشهادات، الباب 11، الحديث 2.
2- الكافي 6: 297 / 2؛ وسائل الشيعة 25: 468، كتاب اللقطة، الباب 23، الحديث 1.
3- الفقيه 3: 190 / 855؛ وسائل الشيعة 25: 443، كتاب اللقطة، الباب 2، الحديث9.

وهنا روايات اُخر، ربّما تحتمل مخالفتها لما تقدّم، مثل ما وردت في نكاح البهيمة، كحسنة سدير(1)، المشتملة على تغريم قيمة البهيمة لصاحبها، معلّلة بأنّه «أفسدها عليه»(2).

وصحيحة عبداللّه بن سنان، المشتملة على تقويم البهيمة وأخذ الثمن من الفاعل(3).

ولا يخفى: عدم مخالفتهما لما مرّ، بل يمكن أن يقال: بظهورهما في أنّ العين مضمونة؛ حيث إنّ الظاهر منهما أنّ المعتبر في التقويم والتغريم يوم الإحراق، مع أنّ يوم الإفساد يوم الوط ء، ولعلّ الفصل بينهما كان كثيراً؛ بحيث تختلف القيمة

ص: 506


1- الرواية حسنة بالسدير؛ فإنّه لم يرد في حقّه توثيق، وكان من أصحاب الإمام السجّاد والباقر والصادق عليهم السلام. اُنظر اختيار معرفة الرجال: 210 / 371 و372؛ خلاصة الأقوال: 165 / 3.
2- الكافي 7: 204 / 1؛ تهذيب الأحكام 10: 61 / 220؛ وسائل الشيعة 28: 358، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب نكاح البهائم، الباب 1، الحديث4، ويأتي متنها في الصفحة 624.
3- وهي ما عن أبي عبداللّه وأبي إبراهيم موسى وأبي الحسن الرضا عليهم السلام في الرجل يأتي البهيمة، فقالوا جميعاً: إن كانت البهيمة للفاعل ذبحت، فإذا ماتت اُحرقت بالنار ولم ينتفع بها، وضرب هو خمسة وعشرين سوطاً ربع حدّ الزاني، وإن لم تكن البهيمة له قوّمت وأخذ ثمنها منه ودفع إلى صاحبها وذبحت واُحرقت بالنار ولم ينتفع بها، وضرب خمسة وعشرين سوطاً، فقلت: وما ذنب البهيمة؟ فقال: «لا ذنب لها، ولكن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم فعل هذا وأمر به لكيلا يجترئ الناس بالبهائم وينقطع النسل». تهذيب الأحكام 10: 60 / 218؛ وسائل الشيعة 28: 357، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب نكاح البهائم، الباب 1، الحديث1.

في اليومين، مع أنّه لم يستفصل، فيظهر منه أنّ الميزان قيمة يوم الأداء، فينطبق على ما تقدّم.

إلاّ أن يقال: إنّه لا دليل على خروج البهيمة من ملك صاحبها بالوط ء، لكن لمّا كان الحكم الشرعي ذبحها، تقوّم وتذبح، فلا شاهد فيها لما ذكر، مع أنّه قد يكون يوم التغريم غير يوم الأداء، فتدبّر.

وأمّا ما وردت من أنّ في فقأ عين الدابّة ربع ثمنها يوم فقئت العين(1)، فهو أمر تعبّدي، على خلاف القواعد في أرش الجنايات.

كما أنّ ما وردت في دية الكلب(2) كذلك. فلا تخالف لما مرّ.

كما لا تخالفه ما وردت في عتق أحد الشركاء حصّته، من أنّه يقوّم ويجعل قيمته على المعتق(3) فإنّ المراد إلزامه بالشراء، فهي أجنبيّة عن المقام، فراجعها، وإن أمكن استفادة قاعدة الإتلاف منها كما يأتي(4).

فالعمدة في المقام صحيحة علي بن جعفر عليه السلام المتقدّمة(5)، الظاهرة في أنّ قيمة البختي على القاتل، فلا بدّ إمّا من التصرّف فيها بإرجاعها إلى سائر الروايات؛ بأن تحمل على الكناية عن وجوب الأداء.

ص: 507


1- الكافي 7: 367 / 1؛ الفقيه 4: 127 / 449؛ تهذيب الأحكام 10: 309 / 1151؛ وسائل الشيعة 29: 355، كتاب الديات، أبواب ديات الأعضاء، الباب 47، الحديث 3.
2- راجع وسائل الشيعة 29: 226، كتاب الديات، أبواب ديات النفس، الباب 19.
3- الكافي 6: 182 / 1؛ وسائل الشيعة 23: 36، كتاب العتق، الباب 18، الحديث1.
4- يأتي في الصفحة 595.
5- تقدّمت في الصفحة 503 - 504.

أو تحمل على أنّ قيمة البختي في تلك الأزمنة كانت ثابتة، لم تختلف إلى زمان الأداء.

أو تقيّد سائر الروايات بها؛ فإنّها أخصّ منها.

أو إرجاع سائر الروايات إليها، فيقال: إنّه يراد بقوله عليه السلام: «عليه ما أصابت بيدها»(1) وما هي بمضمونه: أنّ عليه درك ذلك أو خسارته وغرامته.

أو إرجاعها إلى رواية «قرب الإسناد»(2) ويراد به أنّ عليه ضمانه، ويراد بالضمان بدله مثلاً أو قيمةً، وتحمل سائر ما اشتملت على ضمان العين، على ضمان المثل والقيمة، وضمان الدرك، والبدل، ونحوها.

والأولى إرجاع الصحيحة إلى سائر الروايات؛ لأنّ التصرّف في رواية واحدة، أولى من التصرّف في تلك الروايات الكثيرة، والتقييد المشار إليه بعيد؛ لأنّ القيميات هي المتيقّنة من المطلقات، بل التقييد مستهجن.

هذا غاية ما يمكن في تقريب كون العين على العهدة، كما ذهب إليه المحقّقون(3).

الحقّ ثبوت عهدة الغرامة والخسارة دون نفس العين

والتحقيق أن يقال: إنّ الضمان المعهود المغروس في أذهان العقلاء، هو عهدة الغرامة والخسارة، ففي المثلي بالمثل، وفي القيمي بالقيمة يوم الإتلاف، وإنّ

ص: 508


1- تقدّم في الصفحة 500.
2- تقدّم في الصفحة 502.
3- حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 37؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 469 و481؛ هداية الطالب 2: 325.

ضمان العين بمعنى أنّ نفس العين على عهدة الضامن في المثليات والقيميات، خلاف المتعارف والمعهود عندهم، وفي مثله لا بدّ من ورود دليل صريح مخالف لبنائهم وديدنهم، كما في دية الكلب التي وردت فيها روايات صريحة معتبرة(1).

وأمّا مثل ما وردت في باب الضمانات، كضمان اليد والإتلاف، كحديث اليد وغيره ممّا مرّت دلالته على تعلّق الضمان بالأعيان، وما وردت في جنايات البهائم، وممّا هي دون ذلك في الدلالة، فلا ينقدح في ذهن العرف والعقلاء منها ما يخالف بناءهم في الضمانات.

فلا يفهم من قوله صلي الله عليه و آله وسلم: «على اليد ما أخذت...» أنّ نفس المأخوذ حال التلف في العهدة، فضلاً عن سائر الروايات؛ فإنّ البناء على وقوع ما أصابت الدابّة على العهدة، أمر مستنكر في نظر العرف.

فحمل تلك الروايات على كثرتها على الضمان المعهود المغروس في أذهان العقلاء حمل قريب جدّاً، موافق لفهم العرف والعقلاء مع الغمض عن المعارض، وبه يدفع التعارض المتوهّم بين الروايات، فيكون الضمان في جميع أبوابه، ما هو المعروف بين الأصحاب، والمعهود عند العقلاء.

وهذا أقرب بنظر القاصر عجالةً، وإن خالف ما مرّ منّا إلى الآن (يَمْحُوا اللّه ُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ...)(2).

بل الظاهر من حديث اليد غير ما أفاده المحقّقون(3)، ممّا لازمه التعرّض لأداء

ص: 509


1- تقدّم تخريجها في الصفحة 507، الهامش 2.
2- الرعد (13): 39.
3- راجع الصفحة 508، الهامش 3.

التالف، حتّى يلتزم بأنّ أداء المثل والقيمة أداء للشيء بنحو، كما أشرنا إليه(1).

والتحقيق: أنّ الغاية المذكورة فيه غاية للضمان والعهدة في زمان وجود العين؛ فإنّ قوله صلي الله عليه و آله وسلم: «على اليد ما أخذت...» يراد منه أنّ الآخذ ضامن للمأخوذ؛ بمعنى أنّه لو تلف تكون خسارته عليه، وغاية هذا الأمر التعليقي؛ أي عهدة الخسارة على فرض التلف، هو أداء نفس العين ليس إلاّ، فلو استولى أحد على مال غيره يكون ضامناً؛ أي على عهدته خسارته، ما لم يصل المال إلى صاحبه وإن خرج عن استيلاء المستولي، وقع تحت استيلاء غيره أم لا.

وهذا هو الظاهر من حديث اليد، الموافق لبناء العقلاء في باب الضمان؛ فإنّ قوله مثلاً «ألق مالك في البحر وعليَّ ضمانه» أي عليّ خسارته لو تلف، فالضمان عهدة الخسارة للمال بالتلف أو نحوه.

وعلى هذا توافق مضامين جميع الروايات في باب الضمانات؛ فإنّ قوله عليه السلام: «عليه ما أصابت الدابّة بيدها ورجلها»(2) أي هو ضامن لإتلافه؛ أي عليه عهدة الخسارة، ضرورة أنّ الحمل على اعتبار نفس «ما أصابت» على عهدة السائق أو الراكب، بأن يكون في يد مكسورة نفس اليد على العهدة، أمر غريب عند العرف والعقلاء، لو لم نقل إنّه مستنكر عندهم، فتجمع بما ذكرنا الروايات الواردة في القيميات، وسائر المطلقات الواردة في باب الضمان، فتدبّر تعرف.

هذا، مضافاً إلى ما تقدّم من مفاسد اعتبار نفس العين على العهدة(3)، فراجع.

ص: 510


1- راجع ما تقدّم في الصفحة 488.
2- تقدّم في الصفحة 500.
3- تقدّم في الصفحة 494 وما بعدها.

والظاهر أنّ ما اشتهر بين الأصحاب - على ما حكي(1) - من أنّ ضمان المثل في المثلي، والقيمة في القيمي، ليس لأمر تعبّدي، بل للارتكاز العقلائي، ولهذا حملوا تلك الروايات على المعهود ظاهراً فتدبّر.

رجع إلى مقتضى الأصل عند الشكّ في مثلية الشيء أو قيميته

ولو شككنا في أنّ شيئاً مثلي أو قيمي، فهل مقتضى الأصل الاشتغال، أو البراءة؟

أقول: الشبهة إمّا مفهومية، كما لو شكّ في أنّ مفهوم «المثلي» ينطبق على ما يخرج من المعامل، أو مصداقية، كما لو أتلف شيئاً، ولم يعلم أنّه من هذا المثلي، أو ذاك القيمي.

وعلى أيّ حال: يحتمل بحسب التصوّر، أن يكون الضمان متعلّقاً بالعين مطلقاً، وتكون هي على عهدة الضامن، وبإعطاء المثل في المثلي، والقيمة في القيمي، تسقط عن عهدته بحكم الشرع والعقلاء.

أو متعلّقاً بعنوان «البدل» و«العوض» ونحوهما مطلقاً.

أو متعلّقاً بالمثل كذلك، فيكون إعطاء القيمة عند إعواز المثل بدلاً عنه، ويسقط المثل بإعطائها عند الإعواز.

أو متعلّقاً بالقيمة مطلقاً حتّى في المثلي.

أو متعلّقاً بالمثل في المثلي، وبالقيمة في القيمي.

ص: 511


1- مفتاح الكرامة 18: 137 و146 - 147؛ جواهر الكلام 37: 85 و100؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 469؛ منية الطالب 1: 303.

ثمّ إنّ القيمة في جميع الموارد، إمّا أن تعتبر بلا خصوصية؛ بمعنى أنّ القيمة القابلة للأداء بكلّ قيمي، معتبرة ومتعلّقة للضمان، أو تعتبر بخصوصية الأثمان.

وقد عرفت الحقّ فيها (1)، لكن لا بأس بذكر مقتضى الأصل على التقادير، ومقتضاه على فرض الشكّ في كيفية الضمان، وأنّه على أيّ نحو من الأنحاء المتقدّمة، ونحن نذكر بعض الصور، ويتّضح حال البقيّة منه.

فنقول: إن كان الضمان متعلّقاً بنفس العين، فإن قلنا: بأنّ القيمة بلا خصوصية، معتبرة في الأداء، فالقاعدة وإن تقتضي الاشتغال، لكن تحصل البراءة اليقينية بإعطاء مثل ساوت قيمته للتالف أو كانت أكثر؛ لأنّ المضمون إن كان مثلياً فهو مثله، وإن كان قيمياً كان قيمته بلا خصوصية.

وإن كانت قيمته أقلّ من التالف أو احتمل ذلك، فمع أداء المماثل وشيء تكون قيمته بمقدار النقيصة، يوجب القطع بالبراءة، من غير فرق في الموردين بين الشبهة المفهومية أو الموضوعية.

وليس للمضمون له الامتناع عن المثل مع مساواة قيمته للتالف، ولا للضامن الاكتفاء بالمثل مع نقصه عنه قيمةً.

وإن قلنا: بأنّ القيمة عبارة عن خصوص الأثمان، فالضامن لا يقطع بالبراءة إلاّ بإعطائهما؛ أي المثل والقيمة، ومعه يقطع بها.

لكن لا يجب عليه تمليكهما؛ لقاعدة الضرر، بناءً على أنّ مفادها رفع الحكم

ص: 512


1- راجع ما تقدّم في الصفحة 508.

الضرري حتّى في مثل المورد، وإن كانت القاعدة أجنبيّة عن رفع الأحكام، وعلى فرض التسليم فجريانها في مثل المورد محلّ إشكال.

لكن لا دليل على وجوب تمليكهما له؛ لا عقلاً ولا نقلاً، وما يجب عليه هو إيصال ماله إليه، وهو يحصل بإعطائهما ليختار ما يختار.

وأمّا ما قال السيّد قدّس سرّه في «تعليقته» من أنّ مقتضى القاعدة وجوب الاحتياط؛ إذ لا فرق بين المقدّمة العلمية والمقدّمة الواقعية، فكما لا تجري قاعدة نفي الضرر في الثانية، كذلك في الاُولى(1).

ففيه: - بعد البناء على جريان القاعدة في المقدّمة الواقعية، والغضّ عن الإشكال الذي تقدّم بيانه - أنّ ما ذكروا في جريانها في المقدّمة الوجودية: هو أنّ طبيعة الردّ الواجب المتوقّف على المقدّمات ضررية، ودليل نفي الضرر لا يشمل ما كانت بطبعها ضررية(2)، وهو لا يجري في المقدّمة العلمية؛ لأنّ إيصال مال الغير لا يتوقّف على إيصالهما، فلا يكون الردّ ضررياً بطبعه، ولا متوقّفاً على إيصال شيءٍ أجنبيّ عنه، بل العلم بالبراءة يتوقّف عليه، فإيجاب إعطاء ماله مجّاناً ضرر منفيّ بالقاعدة.

بل لا يتوقّف العلم بالبراءة على تمليكهما له وإعطائهما مجّاناً، بل لو جعلهما باختياره واختار أحدهما، سقط الاشتغال، فلو أخذهما بعنوان أخذ ما هو مضمون على الضامن، ولم يختر واحداً منهما، ولم يحصل التراضي بينهما،

ص: 513


1- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 472.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 33؛ منية الطالب 1: 290.

فاللازم الرجوع إلى القرعة التي هي لكلّ أمرٍ مجهول.

وما قيل من أنّ مصبّ أدلّة القرعة الشبهة الموضوعية المحضة، لا ما تستند إلى الحكمية(1).

غير وجيه؛ لما قلناه في قاعدة القرعة من أنّ مقتضى الأدلّة أنّها لكلّ مجهول أو مشتبه، تزاحمت الحقوق فيه(2).

كما أنّ ما اشتهر بين المتأخّرين من أنّ كثرة التخصيص الوارد على قاعدتها، موجبة لكشف قيد حافٍّ بدليلها، فلا بدّ في العمل بها من عمل المشهور(3).

لا أساس له؛ لأنّ التوهّم ناشٍ عن توهّم إطلاق أدلّتها لكلّ مجهول، تزاحم الحقوق فيه أم لا، وقد فرغنا عن دفعه، فراجع رسالتنا في «الاستصحاب» حتّى يتّضح لك الأمر(4)، لكن لا بدّ في القرعة من إرجاع الأمر إلى الحاكم الشرعي.

وأمّا لو لم يأخذهما، ولم يرضيا بالتصالح، فيرجع إلى الحاكم، وهو إمّا أن يلزمهما بالتصالح، أو يختار أحدهما، وهذا اختيار في مقام القضاء ورفع الخصومة، وهو غير الاختيار المذكور في الأخذ بأحد الخبرين للفتيا، فالقول بأنّ دليل الاختيار راجع إليه(5) في غير محلّه.

ص: 514


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 359.
2- الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 436 - 437.
3- فرائد الاُصول، ضمن تراث الشيخ الأعظم 26: 386؛ كفاية الاُصول: 493؛درر الفوائد، المحقّق الحائري: 613 - 614.
4- الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 436 - 437.
5- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 217.

وممّا ذكرناه يظهر الحال في الصور التي يتعلّق عنوان بالذمّة، واُريد إسقاطه بأداء شيءٍ مردّد، كما لو قيل، بتعلّق المثل مطلقاً ب «الذمّة» أو «البدل» و«العوض» ونحوهما من العناوين.

نعم، لو قلنا: بأنّ المثل في الذمّة مطلقاً حتّى في القيمي، وإنّما كان أداء القيمة رافعاً للضمان في القيمي إرفاقاً بالضامن، فمقتضى القاعدة الاحتياط، وهو يحصل بأداء المثل.

كلام المحقّق الأصفهاني وردّه

وأمّا ما يقال في الفرض من: «أنّ المسألة تندرج في الشكّ في التعيين والتخيير، فكلّ على مسلكه في تلك المسألة، فإمّا أن نقول: بأنّ سقوط الذمّة اليقينية بأداء المعيّن - وهو المثل - يقيني، وبغيره مشكوك، والأصل عدم سقوطه.

أو نقول: بأنّ ثبوت المالية مقطوع، وثبوت تعيينها بالمماثلة من حيث الحقيقة مشكوك، وهو ضيق، والناس منه في سعة»(1).

ففيه ما لا يخفى؛ فإنّ المفروض إذا كان ثبوت المثل مطلقاً حتّى في القيمي في الذمّة، والإرفاق إنّما هو في مقام الأداء؛ بمعنى أنّ أداء القيمة موجب لسقوط المثل عن الذمّة في القيمي، لا في مقام الثبوت في الذمّة، فلا وجه لدعوى أنّ ثبوت المالية مقطوع؛ فإنّها خلاف المفروض.

ص: 515


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 358.

وبالجملة: إنّ الدوران بين التعيين والتخيير في المقام، إنّما هو في مقام الإسقاط، وهو يقتضي الاحتياط.

وبعبارة اُخرى: إنّ النزاع في الدوران بين التعيين والتخيير؛ وأنّ المرجع فيه هل البراءة أو الاحتياط، أجنبيّ عن مثل المقام، بل هو في التكليف المردّد بينهما ثبوتاً، لا في الوضع الذي لا معنى للتخيير فيه، فتدبّر جيّداً.

إن قلت: يمكن تقريب البراءة بأنّ ضمان أصل المثل الجامع بين المثل في المثلي والقيمي معلوم، والخصوصيتين مشكوك فيهما، إلاّ أنّ في خصوصية مثل القيمي لا ضيق على المكلّف، فلا تكون مورد البراءة، بخلاف خصوصية مثل المثلي؛ فإنّها ضيق عليه، وهو في سعة منه.

قلت: أمّا في الشبهة المفهومية فلا يجري ذلك التقريب بوجه؛ فإنّ المضمون معلوم بجميع خصوصياته، فلو أتلف ثوباً من المعمل الكذائي، يتعلّق على ذمّته عنوان «ثوب» من ذلك المعمل، وهو مبيّن بجميع خصوصياته، والشكّ في انطباق عنوان «المثلي» عليه أو «القيمي» وهو ليس مجرى البراءة كما هو واضح.

وأمّا في الشبهة الموضوعية، فيمكن أن يقال: إنّه بعد الترديد في أنّ هذا المثل على عهدته أو ذاك، يكون أصل المثل معلوماً، والشكّ في الخصوصية الزائدة، فتجري البراءة بالتقريب المتقدّم.

لكن يرد عليه: أنّ العنوان المنتزع من المضمون بعد استقرار الضمان، لا يعقل أن يكون مضموناً، فما هو المضمون إمّا هذا أو ذاك، لا الجامع الانتزاعي بعد استقرار الضمان، مع أنّ الجامع بينهما لا مثلي ولا قيمي، فلا يعقل أن يكون ضمانه بأحدهما.

ص: 516

وجريان البراءة على فرض صحّته في إحدى الخصوصيتين، لا يثبت الخصوصية الاُخرى، وهو واضح، مع أنّ الإلزام بإحدى الخصوصيتين أيضاً ضيق عليه.

وكذلك الحال في لزوم الاحتياط لو قلنا بأنّ ما على الذمّة في المثلي مثله، وفي القيمي قيمته.

كلام المحقّق النائيني في المقام وجوابه

وقد يقال: إنّه على هذا الفرض أنّ الأصل تخيير الضامن؛ لأنّه يعلم إجمالاً باشتغال ذمّته بالمثل أو القيمة، وبعد قيام الإجماع على عدم وجوب الموافقة القطعية في الماليات، ينتهي الأمر إلى الموافقة الاحتمالية، وهي تحصل بأداء كلّ ما أراد، واشتغال ذمّته بإحدى الخصوصيتين التي اختارها المالك، غير معلوم، فالأصل هو البراءة عنها (1).

وفيه: أنّ ما هو مظنّة الإجماع، هو تمليك تمام الأطراف لتحصيل البراءة اليقينية، وأمّا لو أمكن تحصيلها بغير ذلك، فلا يكون مظنّة الإجماع، وفي المقام يمكن تحصيلها بإعطائهما لا على وجه التمليك، بل على أن يتعيّن ما في ذمّته بواحد منهما، فمع التسليم يعلم بسقوط ذمّته عمّا تعلّق بها، ويحصل علم إجمالي للطرفين؛ بأنّ أحدهما للقابض، والآخر للدافع.

ولا دليل على لزوم رفع جهله، ولا على توقّف البراءة على علم الآخذ تفصيلاً بماله وجواز تصرّفه فيه، فلا بدّ في مثله من القرعة بعد الرجوع إلى الحاكم.

ص: 517


1- منية الطالب 1: 302.

ويمكن تحصيل البراءة اليقينية بوجهٍ آخر، وهو جعلهما تحت اختيار القابض، ليختار أحدهما عوضاً عن ماله، فمع اختياره يسقط ذمّة الدافع، ولو لم يختر ولم يتسلّم يرجع الأمر إلى الحاكم؛ لفصل الخصومة بما يرى، فلا يرجع الأمر إلى اختيار الدافع، بعد إمكان الموافقة القطعية، وعدم كونها مخالفة للإجماع.

هذا كلّه في غير صورة البناء على أنّ الضمان مطلقاً بالقيمة.

وأمّا فيها فالأصل البراءة مع الشكّ في القيمة؛ لدوران الأمر في مقام الاشتغال بين الأقلّ والأكثر، سواء قلنا بأنّ المعتبر في القيمة هو الأثمان أم لا.

مقتضى الأصل عند إجمال أدلّة الضمان

بقيت صورة اُخرى، وهي ما لو بنينا على إجمال الأدلّة، وعدم إحراز واحد من المحتملات، وكان جميع ما تقدّم طرف الاحتمال، فهل الأصل:

البراءة؛ باعتبار أنّ الاشتغال بالمالية السارية في المثل والقيمة معلوم، وبالخصوصيات الزائدة مشكوك فيه، فتجري البراءة عنها؟

أو الاشتغال؛ لأنّ من المحتملات وقوع نفس العين على الذمّة، وهي مباينة للقيمة السارية في المثل والقيمة، فيدور أطراف العلم بين المتباينين؟

إلاّ أن يقال: إنّ أداء المثل أداء للقيمة السارية، فيرفع به الضمان، وتخرج العهدة عنه يقيناً.

وفيه: أنّ من المحتمل أنّ القيمة بخصوصية الأثمان على عهدته، ومعه لا يقطع بالبراءة.

ص: 518

وبالجملة: بعد العلم الإجمالي بأنّه إمّا أن اشتغلت ذمّته بالعين، أو بالمثل، أو بالبدل، أو بالقيمة بخصوصية الأثمان، أو بالقيمة السارية فيها وفي العروض، لا يمكن العلم بالبراءة بإعطاء المثل فقط، أو القيمة فقط، فيأتي في هذه الصورة أيضاً ما ذكرناه في الصور السالفة.

مختار المحقّق النائيني في هذه الصورة ونقده

وقال بعض الأعاظم قدّس سرّه على فرض إجمال أدلّة الضمان مقتضى الاستصحاب تعلّق الخصوصيات الصنفية؛ أي الصفات، بالذمّة، ونشكّ في الفراغ بأداء القيمة، فالأصل تخيير المالك، وأوضحه في ضمن اُمور:

الأوّل: أنّ المشهور جواز المصالحة على التالف ولو كان قيمياً بأيّ مقدار من الذهب والفضّة(1)، وهو دليل على عدم انتقال القيميات إلى القيمة، وإلاّ لزم الربا.

الثاني: أنّ مقتضى «على اليد...»(2) استقرار نفس العين في الذمّة حال الوجود، ومع التلف لا يمكن بقاؤها في العهدة، لا وضعاً، ولا تكليفاً، لكن سقوط شخص العين لا يقتضي أن تكون المالية المتقدّرة بقيمة خاصّة في الذمّة، بل يمكن أن يكون غير شخص العين من سائر الصفات في ذمّته، بل يمكن أن يتعلّق بها ماليته غير متقدّرة بالقيمة، والمالية في الجارية عبارة عمّا تخدم المالك، وفي الحنطة عمّا يشبعه، ونحو ذلك.

ص: 519


1- الدروس الشرعية 3: 329؛ جواهر الكلام 26: 230 - 231.
2- تقدّم تخريجه في الصفحة 368.

الثالث: أنّ قوله صلي الله عليه و آله وسلم: «على اليد...» وإن اقتضى استقرار المثل في الذمّة في المثلي، والقيمة في القيمي، على ما هو المرتكز في الذهن، إلاّ أنّ «المثلي» و«القيمي» مجملان مفهوماً، فلا بدّ من الرجوع إلى الأصل العملي.

والاستصحاب يقتضي كون التخيير للمالك؛ وذلك لأنّ القابض دخل في عهدته تبعاً للعين جميع ما له دخل في مالية الشيء، غاية الأمر سقطت الخصوصية، وأمّا وصفه فلم يعلم سقوطه بالتلف، إلاّ إذا اُحرز كونه قيمياً، بناءً على الإجماع على كون القيمي مضموناً بالقيمة، فيستصحب اشتغال الذمّة.

وبالجملة: الأصل هو المثلية، إمّا للاستصحاب، أو لما أفاده الشيخ قدّس سرّه (1) من الأدلّة الاجتهادية وإجمال المخصّص(2)، انتهى ملخّصاً.

وفيه ما لا يخفى من مخالفة المقدّمات للفرض الذي بناها عليه، ومن تناقض الصدر والذيل، ومن الخلل في نفسها، ومن عدم إنتاج ما أراد على فرض تماميتها، ونحن نشير إلى بعض موارد النظر فيها:

منها: أنّه قد مرّ منه رحمه الله عليه أنّ مقتضى المذهب المشهور من أنّ مقتضى كون الضمان في المثلي بالمثل، وفي القيمي بالقيمة، أنّ الأصل تخيير الضامن(3).

وقال في الأمر الثالث هاهنا: إنّ مقتضى «على اليد...» وإن كان استقرار المثل في الذمّة في المثلي، والقيمة في القيمي، إلاّ أنّهما مجملان مفهوماً، فلا بدّ من الرجوع إلى الأصل، والاستصحاب يقتضي كون التخيير للمالك.

ص: 520


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 217.
2- منية الطالب 1: 303 - 305.
3- منية الطالب 1: 302.

ولا يخفى: أنّ هذا عين فرض المشهور، فكيف بنى عليه تخيير الضامن تارةً، وتخيير المالك اُخرى؟ !

ومنها: أنّه قال في المقدّمة الثانية: إنّ مقتضى «على اليد...» استقرار نفس العين على العهدة. وقال في المقدّمة الثالثة: إنّ مقتضاه استقرار المثل في المثلي، والقيمة في القيمي، وقال فيها أيضاً: إنّ القابض بعد أن وضع يده على المال، استقرّ تمام ما له دخل في المالية على عهدته تبعاً للعين.

وهو كما ترى مناقضات في كلامه.

ومنها: أنّه بعد البناء على إجمال الأدلّة، وقيام الإجماع على أنّ ضمان القيمي بالقيمة، استصحب ضمان الوصف إلى زمان إحراز كونه قيمياً، مع أنّ الإجماع على فرضه قام على الواقع، ومع الشبهة المفهومية لم يعلم من أوّل الأمر أنّ الضمان بالمثل أو القيمة، فلا متيقّن حتّى يستصحب إلى زمان الإحراز.

وبالجملة: بعد قيام الإجماع تكون القيميات مضمونة بالقيمة لا بالمثل، فلا يقين بتعلّق الخصوصيات الوصفية بالعهدة.

ومنها: أنّ الاُمور المذكورة مبتنية في صدر كلامه على إجمال أدلّة الضمان، مع أنّ الظاهر من المقدّمة الثانية والثالثة هو دلالة الأدلّة نحو «على اليد...» على كيفية الضمان، فكيف الجمع بينهما؟ !

ومنها: أنّ الاستصحاب على فرض جريانه، لا ينتج تخيير المالك، بل مقتضاه لزوم المثل معيّناً، فلا يجوز له اختيار القيمة مع عدم رضا الدافع، وهو رحمه الله عليه تارةً يقول: «إنّ مقتضاه تخيير المالك» واُخرى يقول: «إنّ الأصل هو المثلية، إمّا للاستصحاب، أو لما قاله الشيخ قدّس سرّه » فكيف الجمع بينهما؟ !

ص: 521

ومنها: أنّ ما قاله من بقاء المالية على الذمّة غير متقدّرة بمقدار من القيمة، ثمّ التجأ إلى جعل بعض الأوصاف أو الخواصّ عبارةً عن مالية الشيء، مع أنّهما مناط المالية لا نفسها لا يخفى ما فيه.

ومنها: أنّ الأمر الأوّل لو تمّ لكان كافياً للاستصحاب؛ للكشف عن تعلّق بعض أوصاف العين وخصوصياتها بالذمّة، فيستصحب بقاؤها بعد التلف، ومقتضاه أصالة المثلية، والأمر الثاني أيضاً لا يخلو من دخالة ما في بعض الصور، فلم يكن احتياج إلى الأمر الثالث المخلّ بالمبنى.

لكن تمامية الأمر الأوّل تتوقّف على ثبوت شهرة اُخرى على جريان الربا في الصلح، وعلى ثبوت أنّ مبنى المشهور تعلّق الذهب والفضّة في القيميات بالذمّة، ومع احتمال أن يكون بناؤهم، أو بناء بعضهم المخلّ بالشهرة، على أنّ المالية الاعتبارية والقيمة الجامعة الاعتبارية - ولو بما لا تنطبق إلاّ على الأثمان - تتعلّق بها، لا يستكشف بالشهرة المذكورة ما أراده؛ لعدم جريان الربا في مثل هذه المالية، بل لا بدّ أيضاً من إثبات أنّ الأثمان في جميع أعصار أهل الفتوى كانت منحصرة في النقدين، فتدبّر.

ص: 522

الأمر الخامس : في حكم ما إذا لم يوجد المثل إلاّ بأكثر من ثمن المثل

صور زيادة قيمة المثل

حكي عن «القواعد»: أنّه لو لم يوجد المثل إلاّ بأكثر من ثمن المثل، ففي وجوب الشراء تردّد(1)، انتهى.

أقول: الأولى توسعة دائرة البحث بأن يقال: إنّ زيادة قيمة المثل عن قيمة التالف يوم التلف، تارةً: تكون لزيادة القيمة السوقية، مع عدم تعذّر المثل وندرته، بل مع كثرته زادت القيمة السوقية لجهات.

واُخرى: لطريان الإعواز عليه، مع كونه مثلياً شائعاً زمان التلف، كما لو عرض على بعض الحبوب إعواز وغلت قيمته، ولكن كان مورد الرغبة، وهذه الصورة أيضاً من الزيادة السوقية.

وثالثة: ما إذا طرأ الإعواز مع عدم الرغبة وعدم زيادة القيمة السوقية، لكن المالك لا يرضى إلاّ بزيادة على قيمة المثل.

ص: 523


1- قواعد الأحكام 2: 228؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 222.

ورابعة: ما إذا كان الشيء في أصله نادر المثل، وإن وجد له مثل أو مثلان، ففي هذه الصورة، تارةً: تكون زيادة القيمة لكثرة الرغبات، واُخرى: لعدم بيع مالكه إلاّ بالزيادة.

وعلى جميع التقادير، قد يكون الشيء مغصوباً، وقد يكون مقبوضاً بالبيع الفاسد ونحوه، مع العلم بالفساد، أو الجهل به.

وعلى أيّ حال، تارةً: يكون المتعاملان مقدمين على المعاملة العقلائية، غير مباليين بحكم الشرع، واُخرى: لا يكون كذلك، كما إذا أراد المشتري مثلاً التمتّع بالمبيع في الحال، وكان من نيّته الجبران؛ لما يرى من بطلان المعاملة.

فهذه صور نتعرّض لمهمّاتها؛ ليظهر حال البقيّة.

وقبل التعرّض لها لا بدّ من التنبيه على أمر، وهو:

تنبيه : في تعارض دليل نفي الضرر مع نفي الحرج

إ نّه لا إشكال في حكومة دليل نفي الحرج على الأدلّة الأوّلية، كما أنّه لا إشكال في حكومة دليل نفي الضرر عليها، بناءً على وروده لنفي الأحكام الضررية، فهل يكون لأحد دليلي نفي الحرج والضرر حكومة على الآخر، أم هما متعارضان في مورد اختلافهما؟

ما يمكن أن يقال لحكومة دليل نفي الحرج: إنّ مفاد دليل نفي الضرر سلب تحقّق الضرر، ولازمه سلب جعل الحكم الضرري، ودليل نفي الحرج متعرّض بدلالته اللفظية لسلب جعله، ولمّا كان الجعل مقدّماً وسبباً لوجود المجعول، يكون الدليل المتعرّض لسلبه متعرّضاً لنفي السبب، وهو بلسانه مقدّم على ما

ص: 524

تعرّض لوجود المسبّب أو نفيه، وحاكم عليه.

وإن شئت قلت: إنّ دليل نفي الحرج متعرّض لما لا يتعرّض دليل نفي الضرر له، بل لا يصلح أن يتعرّض له، نظير تعرّض دليل لموضوع دليل آخر؛ توسعةً، أو تضييقاً.

وأنت خبير بأنّ تحكيم دليل على آخر - بعد أن يكون بينهما عموم من وجه، والقاعدة العقلائية فيهما التعارض والتساقط - لا بدّ وأن يكون عقلائياً مقبولاً لدى العرف؛ بحيث لو عرض الدليلان على العقلاء، لا ينقدح في ذهنهم التعارض والتخالف، كدليل نفي الحرج مع الأدلّة الأوّلية؛ لكونه بمنزلة المفسّر لها.

ولهذا ورد في رواية عبد الأعلى: «هذا وأشباهه يُعرف من كتاب اللّه: )مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ((1) »(2).

مع أنّ بين دليل وجوب الوضوء ودليل نفي الحرج، العموم من وجه.

والظاهر من الرواية أنّ تقدّم دليل الحرج عليه أمر عقلائي، يعرفه العقلاء والعرف من كتاب اللّه، لا أنّه أمر تعبّدي، وإن كان إثبات المسح على المرارة تعبّدياً ظاهراً، فما يعرف من كتاب اللّه هو عدم وجوب المسح على البشرة بدليل نفي الحرج، وهو شاهد على أنّ الجمع والتقديم عقلائي، مع أنّه لا يحتاج إلى الشاهد، ودليل نفي الحرج والضرر ليسا بهذه المثابة، ولا يساعد

ص: 525


1- الحجّ (22): 78.
2- الكافي 3: 33 / 4؛ تهذيب الأحكام 1: 363 / 1097؛ وسائل الشيعة 1: 464، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 39، الحديث 5.

العرف على التقديم والتحكيم ظاهراً.

وما ذكرناه في وجه التحكيم غير مرضيّ في محيط العقلاء، ولا بدّ فيه من المقبولية العقلائية، وفرق بين المقام، وبين الدليل المتعرّض لموضوع دليل آخر توسعةً وتضييقاً، نظير «لا شكّ لكثير الشكّ»(1) مثلاً، بالنسبة إلى أدلّة الشكوك(2).

فما قيل في ضابط الحكومة: من أنّه تعرّض أحد الدليلين لما لا يتعرّضه الآخر(3).

غير وجيه بإطلاقه، بل لا مناص فيها عن مقبوليتها لدى العقلاء، وإلاّ فدليل الضرر أيضاً متعرّض لما لا يتعرّضه دليل الحرج.

وبالجملة: الظاهر عدم حكومة أحد الدليلين على الآخر.

ثمّ لو قلنا بحكومة دليل نفي الحرج على نفي الضرر، فإن كان في مورد من الصور المتقدّمة إيجاب أداء المثل حرجياً وضررياً، ومنع المالك عن المثل حرجياً لا ضررياً، يقع التعارض بين مصداقين من دليل الحرج، فيتمسّك بدليل نفي الضرر، فيحكم على الأدلّة الأوّلية، وإلاّ يقع التعارض بين دليل نفي الضرر والحرج من جانب، ودليل نفي الحرج من جانب آخر، وبعد السقوط تبقى الأدلّة الأوّلية بلا معارض، ومنه يظهر الحال في الصور جميعها.

ص: 526


1- راجع وسائل الشيعة 8: 227، كتاب الصلاة، أبواب الخلل في الصلاة، الباب 16.
2- كقوله عليه السلام: «إذا شككت في الركعتين الأوّلتين فأعد» وغيره. وسائل الشيعة 8: 190، كتاب الصلاة، أبواب الخلل في الصلاة، الباب 1، الحديث 14.
3- فرائد الاُصول، ضمن تراث الشيخ الأعظم 25: 462، و27: 13.

نعم، في مورد الغصب لمّا كانت أدلّة نفي الحرج والضرر منصرفة عنه، يحكم بوجوب أداء المثل كائناً ما كان.

هذا كلّه بناءً على مسلك القوم؛ من حكومة دليل نفي الضرر على أدلّة الأحكام(1).

وأمّا بناءً على ما سلكناه؛ من أنّ دليل نفيه نهي سلطاني سياسي أجنبيّ عن نفي الأحكام الضررية(2)، فلزوم الضرر لا يوجب رفع الحكم.

نعم، لو لزم منه الحرج يرفع بدليله.

إذا عرفت ذلك فنقول:

وجوب شراء المثل وإن زادت قيمته السوقية

أمّا الصورة الاُولى والثانية، ممّا تكون الزيادة بالقيمة السوقية، فلا إشكال

في وجوب الشراء؛ لأدلّة الضمان، وإطلاق دليل السلطنة(3)، وعقلائية الحكم بعد فرض الضمان.

وأمّا دعوى شيخ الطائفة قدّس سرّه عدم الخلاف في الغصب(4) فلا يستفاد منها حكم المقام.

وقول الحلّي قدّس سرّه: «البيع الفاسد يجري عند المحصّلين مجرى الغصب في

ص: 527


1- فرائد الاُصول، ضمن تراث الشيخ الأعظم 25: 462؛ بحر الفوائد، الجزء الثاني: 227 / السطر 1؛ منية الطالب، قاعدة نفي الضرر 3: 405.
2- بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر، الإمام الخميني قدس سره: 87.
3- الخلاف 3: 176 - 177؛ بحار الأنوار 2: 272 / 7؛ عوالي اللآلي 1: 222 / 99.
4- الخلاف 3: 415.

الضمان»(1)، ليس دعوى الشهرة، ولا يظهر منه إلاّ أنّه مثل الغصب في أصل الضمان، لا في جميع الجهات.

ولا يعارض الأدلّة دليل نفي الضرر؛ لعدم ضررية اشتراء الشيء بثمن مثله، وجبران خسارة مال الغير وإن كان ضررياً فيما إذا تلف عنده، لكن لا يرفع بدليل نفيه بالضرورة؛ لأنّه ضرري بطبعه، ولمعارضته بضرر الطرف.

إلاّ أن يقال: إنّه من قبيل عدم النفع لا الضرر.

نعم، لو لزم من شرائه الحرج عليه، ينفى حكمه بدليله، إلاّ أن يلزم من منع المالك حرج عليه، فيتعارض الحرجان، ويبقى دليل لزوم أداء المثل بلا معارض.

ولو قيل: إنّ دليل الحرج بما أنّه امتناني، لا يشمل ما لو كان الأمر على خلاف الامتنان بالنسبة إلى الطرف، فلا يجري في المقام، وإن لم يلزم حرج على المالك؛ فإنّ منعه خلاف الامتنان.

قلنا: هذا ما اشتهر بينهم في أمثال المقام؛ من أنّ دليل الحرج، والرفع، والضرر، ونحوها ممّا تكون أحكاماً امتنانية لا إطلاق فيها إذا كان في موردٍ خلاف الامتنان(2)، ولهذا قالوا بصحّة الصوم الضرري أو الحرجي إذا أقدم المكلّف عليه(3).

ص: 528


1- السرائر 2: 285.
2- فرائد الاُصول، ضمن تراث الشيخ الأعظم 25: 35 و462؛ كفاية الاُصول: 434؛ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 348.
3- اُنظر رسائل فقهية، ضمن تراث الشيخ الأعظم 23: 118؛ منية الطالب، قاعدة نفي الضرر 3: 410.

أقول: هذا أحد الموارد التي صار الخلط فيها بين الأحكام القانونية والشخصية سبباً للاشتباه.

والتحقيق: أنّ الأحكام الامتنانية إنّما هي امتنانية بحسب القانون الكلّي، ولا يلاحظ فيه آحاد المكلّفين، فإذا كان في جعل قانون امتنان على الاُمّة، كان الحكم امتنانياً، وإن فرض مصادمته في موردٍ لشخص أو أشخاص، وكونه موجباً لحرمانهم عن حقّ أو ملك.

كما أنّ المصالح والمفاسد في الأحكام على رأي العدلية ليست بمعنى كون الحكم بالنسبة إلى كلّ أحد ذا مصلحة.

وكما في الأحكام السياسية والجزائية، فإنّها أحكام امتنانية على الاُمّة، وإن كان فيها ضرر وحرج على الجاني.

فحديث الرفع امتناني، مع أنّ جواز أكل مال الغير عند الاضطرار بلا إذن صاحبه أو مع نهيه، خلاف المنّة بالنسبة إليه، وهذا لا ينافي الامتنان بحسب القانون.

وبالجملة: الخلط بين الأحكام القانونية والشخصية موجب لكثير من الاشتباهات، فتدبّر جيّداً.

مضافاً إلى أنّ رفع اليد عن إطلاق الأدلّة، لا يصحّ إلاّ مع إحراز الحجّة، ومع احتمال كون الامتنان في تلك الأدلّة نكتة التشريع، لا علّة الحكم، لا يصحّ رفع اليد عن الإطلاق، بل مع وجود الإطلاق واحتمال الانصراف لا يجوز رفع اليد عنه.

مع أنّ الامتنان في تلك الأدلّة إنّما هو بالنسبة إلى صاحب العناوين المذكورة

ص: 529

لا غيرهم، بلا إشكال وشبهة، ففي حديث الرفع إنّما يكون الامتنان على غير العالمين، وعلى المضطرّين، وغيرهما، لا على مطلق الاُمّة، فقوله صلي الله عليه و آله وسلم: «رُفع عن اُمّتي... ما لا يعلمون»(1) منّة على من لا يعلم، لا على العالم أيضاً وهكذا.

وقوله تعالى: (مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(2) منّة على من وقع في الحرج، لا على مطلق الاُمّة، وهو ظاهر.

فعليه لو كان الحكم على خلاف الامتنان بالنسبة إلى صاحب العناوين، يمكن أن يقال: لا يشمل مورداً لا يكون فيه الامتنان، وأمّا إذا كان بالنسبة إليه امتنانياً لا بالنسبة إلى غيره، فلا محيص إلاّ من الأخذ بالإطلاق، فتدبّر حتّى لا تتوهّم التناقض بين صدر كلامنا وذيله.

عدم لزوم شراء المثل بأكثر من ثمنه عند الإعواز

أمّا الصورة الثالثة: وهي ما إذا طرأ الإعواز على المثلي، وكان المثل عند من لا يبيعه إلاّ بأزيد من ثمن المثل زيادة يعتدّ بها، فالظاهر عدم وجوب الشراء على مسلكهم لأنّ اشتراء الشيء بأزيد من ثمنه ضرر عرفاً، منفيّ بدليله، وهذه الزيادة زائدة على طبع الخسارة.

والشيخ الأعظم قدّس سرّه مع اعترافه بلزوم الضرر عرفاً، قال: «ولكنّ الأقوى مع ذلك وجوب الشراء؛ وفاقاً «للتحرير» كما عن «الإيضاح» و«الدروس»

ص: 530


1- التوحيد: 353 / 24؛ الخصال: 417 / 9؛ وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 56، الحديث 1.
2- الحجّ (22): 78.

و«جامع المقاصد» بل إطلاق «السرائر» ونفي الخلاف المتقدّم عن «الخلاف»؛ لعين ما ذكر في الصورة الاُولى»(1).

أقول: أمّا نفي خلاف «الخلاف» فهو في الغصب، ولا تعرّض له للمقام إلاّ بضمّ قول الحلّي إليه، وقد عرفت ما فيه(2)، والتمسّك بأدلّة الضمان لا وجه له، بعد حكومة دليل نفي الضرر عليها.

إلاّ أن تدفع الحكومة؛ بدعوى عدم لزوم الضرر في الدفع، ولزومه في الشراء لا يوجب رفع وجوبه؛ لكونه مقدّمة، ولزوم الضرر في المقدّمة خارج عن دليل الضرر(3).

وفيه: أنّ ظاهر «لا ضرر ولا ضرار»(4) هو ادّعاء عدم وجودهما في حومة التشريع، ومع إيجاب ذي المقدّمة الذي يلزم من مقدّماته الضرر، لا تصحّ الدعوى المذكورة، فنفي الضرر بعد ما لم يكن متعلّقاً بنفس الأحكام لعدم معنىً لضرريتها، لا محالة يرجع إلى أنّه لا يلزم من قبلها ضرر، والمقدّمة الوجودية الضررية يكون تحمّل ضررها من قبل حكم الشارع، فيشملها الدليل.

ص: 531


1- تحرير الأحكام 4: 529؛ إيضاح الفوائد 2: 178؛ الدروس الشرعية 3: 113؛جامع المقاصد 6: 260؛ السرائر 2: 480؛ الخلاف 3: 415؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 224.
2- تقدّم في الصفحة 527 - 528.
3- اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 135.
4- الكافي 5: 292 / 2 و: 294 / 8؛ وسائل الشيعة 25: 428، كتاب إحياء الموات، الباب 12، الحديث 3 و4.

أو يقال: إنّ القابض أقدم على الضرر، فلا يشمله دليله(1).

وفيه: ما مرّ: من أنّ الإقدام حتّى على الضمان، غير واقع في عمل المتعاملين اللذين أقدما على المعاملة العقلائية حتّى مع علمهما بفساد المعاملة، فضلاً عن الإقدام على الضرر، بل هما أقدما على كون كلّ عوض مقابل عوضه لا غير(2).

نعم، مع كون المتعامل معتنياً بالدين مع علمه بالفساد، يتّجه الضمان والإقدام؛ بمعنى أنّ العالم أراد أخذ مال غيره بصورة إيقاع المعاملة، لا المعاملة الحقيقية، لكنّه غاصب يؤخذ بأشقّ الأحوال، وخارج عن مورد الأخذ بالبيع الفاسد المتعارف بين الناس، فتدبّر.

وقد يقال: «إنّ القبض إنّما يكون إقداماً على ضمان المثل وإن كان بأضعاف قيمته، إذا كان حكمه في الشريعة ذلك، فإذا علّل كون الحكم هو ذلك بالإقدام، كان دوراً»(3).

وفيه: أنّ أدلّة الضمان تقتضي الضمان كائناً ما كان، من غير توقّفه على شيء، وإنّما يوجب الإقدام عدم شمول نفي الضرر لمورده، فثبوت حكم الضمان كائناً ما كان، لا يتوقّف على الإقدام، بل سلب الضمان بدليل نفي الضرر موقوف على عدمه.

وقد يقال: إنّ وجوب الشراء في صورة عدم وجوده إلاّ عند من لا يبيعه إلاّ

ص: 532


1- اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 478؛ حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 135 - 136.
2- تقدّم في الصفحة 402 - 403.
3- حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 136.

بثمن غالٍ، في غاية الإشكال، بل لا وجه له؛ لأنّ الشيء إذا لم يكن مثله كثيراً مبذولاً فهو قيمي، من غير فرق بين التعذّر الطارئ والبدوي؛ أي الذي أوجب كون الشيء قيمياً من أوّل الأمر، هو الذي أوجب سقوط المثل عن الذمّة ما دام التعذّر.

وبالجملة: وجوده عند من لا يبيعه إلاّ بأضعاف قيمته في حكم التعذّر، ومقتضى قاعدة الضرر عدم وجوب شرائه على الضامن(1)، انتهى.

وفيه: أنّ الشيء قد يكون قيمياً لدى العقلاء، وهو ما لا يكون لماهيته مثل بحسب التعارف، ولو وجد له مثل أو مثلان اتّفاقاً لا يعدّ مثلياً، كالحيوانات، والأواني العتيقة التي توجد في الحفريات، وقد يكون بحسب طبعه وماهيته ذا مثل كالحبوب، فالحيوانات قيميات وإن وجد لها مثل ندرةً، والحبوب مثليات وإن طرأ عليها إعواز أحياناً، ومجرّد الإعواز لا يوجب التبديل بالقيمية، سيّما إذا طرأ عليها بعد الإتلاف والتلف.

وظاهر قوله: سقوط المثل ما دام التعذّر، إنّ الشيء إذا صار نادر الوجود تبدّل بالقيمة في الذمّة، وإذا صار كثير الوجود تبدّل بالمثل، وهو كما ترى.

والتحقيق: أنّ الضمان في المثليات بالمثل، أعوز أم لا، غاية الأمر أنّه عند الإعواز والتعذّر، يكون أداء القيمة مع المطالبة نحو أداء للمثل.

ثمّ إنّه مع دعوى سقوط المثل عن الذمّة في ظرف التعذّر، لا وجه للتشبّث بدليل نفي الضرر؛ لأنّ التمسّك به فرع البناء على أنّ المثل على عهدته، ووجب شراؤه، فيرفع بدليله.

ص: 533


1- منية الطالب 1: 305 - 306.

تذنيب فيه مسألتان :

الاُولى : جواز المطالبة بالمثل في أيّ مكان مع الإمكان

قال الشيخ الأعظم قدّس سرّه: «لا فرق في جواز مطالبة المالك بالمثل بين كونه في مكان التلف، أو غيره»(1).

وقال السيّد الطباطبائي قدّس سرّه: «لا إشكال في جواز مطالبة المالك ماله من العين أو المثل، في أيّ مكان كان؛ لعموم «الناس مسلّطون...» وإن لم تكن العين أو المثل موجوداً في ذلك المكان؛ إذ غايته أنّ معه ينتقل إلى القيمة»(2)، انتهى.

أقول: أمّا جواز مطالبته بالعين أو المثل مع إمكان أدائهما، فلا إشكال فيه، ومع عدم إمكانه محلّ إشكال، ولا تبعد استفادة عدم الجواز من بعض ما دلّ على وجوب إنظار المعسر(3) بإ لغاء الخصوصية.

مع أنّ في إمكان الجدّ في مطالبة ما لا يمكن أداؤه فعلاً كلاماً؛ لأنّ المطالبة الجدّية لا تعقل إلاّ مع حصول مبادئها، ومن المبادئ احتمال انبعاث المطالب منه ببعثه ومطالبته، ومع العلم بعدم إمكان انبعاثه، لا يعقل تحقّق الجدّ، وهو

ص: 534


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 224.
2- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 478.
3- راجع وسائل الشيعة 18: 366، كتاب التجارة، أبواب الدين والقرض، الباب 25.

كالأمر بأمر غير معقول مع العلم بعدم معقوليته.

وما اشتهر بينهم: «من أنّ الإنشاء قليل المؤونة»(1) لو كان المراد به أنّ التلفّظ بألفاظ الإنشاء كذلك، فهو ليس بإنشاء، وإن كان المراد أنّ الإنشاء جدّاً كذلك، فهو ممنوع، بل هو كسائر الأفعال الاختيارية منوط بمبادئ، لا يعقل تحقّقه بدونها.

وتوهّم: أنّ المصلحة في نفس الإنشاء في المقام؛ لأنّه به ينتقل الشيء إلى القيمة، نظير ما يقال في باب قصد الإقامة: «إنّه قد تكون المصلحة في نفس القصد، لا في المقصود»(2) وفي باب الأمر: «قد تكون المصلحة في نفسه، لا في المأمور به»(3).

مدفوع: بأنّ إنشاء المطالبة جدّاً بمعنى إرادة حصول المطلوب من الطرف جدّاً، لا يجتمع مع عدم إرادة إيجاده، حتّى تكون المصلحة في الإنشاء لا المنشأ، وكان المراد حصول الإنشاء لا المنشأ، وهذا أمر جارٍ في نظائر المقام؛ ممّا ذكر، أو لم يذكر.

وربّما تكون المصلحة في الإنشاء الجدّي لا المنشأ، لكن يصير ذلك علّة لإرادة المنشأ جدّاً؛ لحصول المصلحة الكامنة في الإنشاء، فيكون المنشأ مطلوباً جدّاً بالعرض وثانياً.

ص: 535


1- كفاية الاُصول: 267؛ منية الطالب 1: 250؛ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 278.
2- درر الفوائد، المحقّق الحائري: 72 و338.
3- معالم الدين: 84؛ كفاية الاُصول: 124 و319.

نعم، يمكن مع تعذّر المثل مطالبة قيمته، لكن هو خلاف ظاهر الطباطبائي قدّس سرّه فراجع.

هذا، مع أنّ المطالبة جدّاً لمصلحة فيها على فرض صحّتها، لا توجب الانتقال إلى القيمة، مع الغضّ عمّا يأتي؛ لأنّ ما يوجب ذلك هو مطالبة العين جدّاً، بمعنى البعث إليها على أن تكون هي المطلوبة، لا نفس البعث.

وأمّا ما ذكره السيّد قدّس سرّه: «من أنّه معه ينتقل إلى القيمة» فلا وجه له في العين، سواء أراد بما ذكر أنّه مع عدمها في ذلك المكان تنتقل إليها مطلقاً، أم أراد أنّه مع عدمها فيه والمطالبة تنتقل إليها؛ لعدم الدليل عليه، فلا دليل السلطنة يقتضي ذلك، ولا دليل اليد، حتّى بناءً على أنّ العين على العهدة إلى زمان الأداء.

وتوهّم: أنّ عهدة العين عهدة تشخّصها، ونوعيتها، وماليتها، ومع تعذّر الشخص والمثل يبقى تعهّد القيمة(1)، ومقتضى دليل السلطنة جواز المطالبة عند فقدها في ذلك المكان بالمثل أو القيمة، ومع عدم المثل تبقى القيمة على عهدته، وله المطالبة بها ورفع اليد عن شخصها ونوعها.

مدفوع: - مضافاً إلى أنّ ذلك لا يصحّح كلامه؛ لأنّه مدّعٍ بأنّ التعذّر يوجب الانتقال إلى القيمة(2)، وهو غير ما ذكر من الوجه - بأنّ العهدة غير مشغولة بالعين، ونوعها، وماليتها، مستقلّة؛ بحيث يكون له إسقاط البعض، وإبقاء الآخر، وإلاّ كان له مع وجود العين وحضورها، إسقاط شخصيتها، ومثليتها الملازمة

ص: 536


1- اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 318.
2- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 478.

للشخصية، ومطالبة المثل في غير مورد الشخص، وكذا إسقاط المثل، والشخص، والقيمة الملازمة لهما، ومطالبة القيمة في غير العين، وهو واضح الفساد.

وبالجملة: لا يقتضي دليل اليد إلاّ عهدة نفس العين لا غير، والجهات الاُخر مندكّة فيها، فلا يقتضي إلاّ عهدة واحدة لأمرٍ ذي شؤون، فلا وجه للانتقال إلى القيمة، فلو أمكن للقابض إحضار العين بلا حرج، يجب عليه، وإلاّ فلا، ويجب على المالك الصبر إلى زمان إمكانه، إلاّ أن يكون غاصباً، فيجب عليه الإحضار ولو مع الحرج.

وأمّا مع تلفها واستقرار الضمان بالمثل، فمجرّد عدم وجوده في بلد المطالبة، لا يوجب التبديل إلى القيمة، بل مع التعذّر أيضاً لا دليل على الانتقال.

نعم، مع التعذّر العرفي يكون الأداء بالقيمة نحو أداء للمثل، وهو غير الانتقال إلى القيمة قهراً.

الثانية : مدار مكان مطالبة المثل

هل المدار في مطالبة المثل على مكان الغصب والاستيلاء، أو مكان التلف، أو مكان المطالبة، ولو مع اختلاف القيم فيها؟

ذهب الشيخ الأعظم قدّس سرّه إلى أنّ للمالك المطالبة، ولو كانت قيمته في مكان المطالبة أزيد منها في مكان التلف(1)، وفاقاً لجمع(2).

ص: 537


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 224.
2- تذكرة الفقهاء 19: 232؛ إيضاح الفوائد 2: 176؛ الدروس الشرعية 3: 114؛ جامع المقاصد 6: 256.

وعن الحلّي قدّس سرّه: أنّه الذي يقتضيه عدل الإسلام، والأدلّة، واُصول المذهب(1).

قال الشيخ: هو كذلك؛ لعموم «الناس مسلّطون على أموالهم»(2).(3)

وعن ظاهر شيخ الطائفة والقاضي: أنّ المدار في المثل على بلد الغصب(4).

وقال السيّد الطباطبائي قدّس سرّه: «إنّ المدار على مكان وجود العين في يده إلى زمان التلف، فللمالك مطالبتها في أيّ مكان نقلها إليه، فلو أدارها في البلدان، له إلزامه بالردّ إلى كلّ واحد منها؛ لأنّ له أن يقول: «إنّي اُريد بقاء مالي في ذلك البلد الذي وصل إليه» وليس له إلزامه بالنقل إلى مكان لم يصل إليه، وإن كان المالك هناك.

وكذا بالنسبة إلى المثل، له المطالبة به في جميع الأمكنة التي وصلت العين إليها إلى زمان التلف، ومع التعذّر، له قيمة المثل في تلك الأمكنة.

والوجه فيه: انصراف أدلّة الضمان؛ لأنّ المستفاد من قوله عليه السلام: «المغصوب مردود»(5) و«من أتلف...»(6) و«على اليد...»(7) ونحو ذلك، وجوب الردّ والدفع في مكان ذلك المال»(8)، انتهى.

ص: 538


1- السرائر 2: 491.
2- الخلاف 3: 176؛ عوالي اللآلي 1: 222 / 99؛ بحار الأنوار 2: 272 / 7.
3- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 225.
4- المبسوط 3: 76؛ المهذّب 1: 443.
5- الكافي 1: 542 / 4؛ وسائل الشيعة 25: 386، كتاب الغصب، الباب 1، الحديث 3.
6- راجع ما تقدّم في الصفحة 465.
7- تقدّم في الصفحة 368.
8- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 479.

وفيه ما لا يخفى: أمّا في العين الموجودة، فلا دليل على لزوم ردّ العين إلى كلّ مكان وصلت إليه، وإرادة المالك بقاء ماله في مكان لا يلزم تبعيتها، ومثل قوله عليه السلام: «المغصوب مردود» لا يدلّ إلاّ على وجوب ردّه إلى صاحبه.

ودعوى: الانصراف إلى الإيصال إلى كلّ مكان وصل إليه، من غرائب الدعاوي، ولو فرض انصراف فهو بالنسبة إلى مكان الغصب، وهو أيضاً ممنوع.

نعم، لا يبعد الفرق بين الأشياء التي تتعلّق الرغبات العقلائية بوجودها في مكان الغصب، أو كان لردّها إلى مكانه مؤونة أو مشقّة، فأراد الدافع ردّها إليه في غيره، والظاهر أنّ للمالك الامتناع عنه، ومطالبة ردّه إليه.

وما لا يكون كذلك، نحو خاتم غصب منه في مكان، وأراد ردّه في مكان آخر، لا تختلف الحال فيهما، فالظاهر وجوب قبوله، وعدم لزوم ردّه إلى مكان الغصب، كما أنّ للمالك مطالبته في ذلك المكان، وسيأتي الوجه فيه(1).

ولو قيل: إنّ مقتضى دليل السلطنة تسلّط المالك على إبقاء العين في أيّ مكان وصلت إليه، ومع نقلها منه للمالك أن يطالبه بالإرجاع إليه.

يقال: إنّ مقتضى دليلها ليس إلاّ عدم جواز التصرّف في سلطانه، وعدم جواز مزاحمته فيه زائداً على سلطانه في مطلق التصرّفات، فلا يجوز للغير نقل ماله من مكان إلى مكان، وأمّا إرجاعه إلى كلّ مكان أداره فيه، فلا يقتضيه دليل السلطنة؛ إذ هي سلطنة على الغير، لا على المال.

وأمّا مع تلف العين، وتعلّق المثل على الذمّة، فلا دليل على لزوم أدائه في كلّ

ص: 539


1- يأتي في الصفحة 541.

مكان دارت العين فيه، والانصراف ممنوع، ولو فرض انصراف، يكون إلى بلد الاستيلاء والغصب، أو بلد التلف، لا إلى كلّ بلد وصلت العين إليه.

ولا بأس بالإشارة إلى مفاد دليل الضمان من هذه الحيثية، حتّى يتّضح الأمر من هذه الجهة ومن بعض جهات اُخر.

فنقول: إنّ قوله صلي الله عليه و آله وسلم: «على اليد ما أخذت...» إلى آخره، يحتمل فيه بحسب التصوّر، أن يكون المراد بالموصول، هو:

الشخص المأخوذ بهويته الشخصية، وتكون العهدة مشغولة بها، لا الأوصاف والإضافات التي لا دخالة لها في اختلاف الشخصية، سواء كانت موجبة لاختلاف الرغبات والقيم أم لا، فمن غصب عين مال، وصارت عنده ناقصة ساقطة عن المالية فردّها إليه، لم يكن عليه شيء؛ لردّ المأخوذ المتشخّص بشخصيته، والجهات الاُخر غير مأخوذة ولا مضمونة.

أو الشخص بصفاته الوجودية مطلقاً، أو ما هي موجبة لاختلاف الرغبات. ولازمه أنّه مع بقاء العين يجب ردّها وجبر خسارة نقصها، ومع تلفها يجب أداء المثل، ولا بدّ فيه من مماثلته لها بجميع الخصوصيات والصفات الوجودية على الاحتمال الأوّل، وبجميع ما له دخل في الرغبات على الثاني.

أو الشخص بجميع صفاته الوجودية والانتزاعية مطلقاً، أو ما هي موجبة لاختلاف الرغبات، ولازمه مع بقاء العين ما مرّ، ومع تلفها أداء المماثل بنحو ما مرّ، فلو تلف الثلج في الصيف مضموناً عليه، يجب عليه أداؤه وجبران اختلاف القيمة.

أو الشخص كذلك مع حيثية ماليته، حتّى يجب جبران اختلاف القيمة

ص: 540

السوقية، لو لم نقل بأنّ اختلافها ناشٍ من اختلاف الرغبات، الناشئ من اختلاف العين في حيثية.

أضعف الاحتمالات هو الأوّل، ولا يبعد أن يكون أقواها ما قبل الأخير، ولو باعتضاد ارتكاز العقلاء في باب الضمانات، بأن يقال: الظاهر من دليل اليد وغيره، هو وقوع المثل في المثلي على العهدة؛ جبراناً لخسارة المضمون له، والمثل في باب الضمانات وجبر الخسارات، هو ما يكون مماثلاً للتالف في الحيثيات التي تكون دخيلة في الرغبات واختلاف القيم، ولو لم تكن الحيثية من الأوصاف الوجودية.

وما لا دخل له في الرغبات واختلاف القيم، لا يصير مضموناً؛ إذ لا دخل له في جبر الخسارة والعوضية، ولو كانت من الصفات الوجودية.

ولو فرض أنّ اختلاف اللون في مثلي لا يوجب اختلاف الرغبة والقيمة، لا تجب المماثلة فيه؛ إذ لا معنى للضمان فيه عرفاً.

كما أنّه لو فرض أنّ اختلاف حيثية غير وجودية بل انتزاعية موجب لاختلافهما، تكون تلك الحيثية مضمونة، كالثلج في الصيف أو في المناطق الحارّة، فلو تلف الثلج في الصيف مضموناً عليه، وأراد أداء مقدار مماثل له في الوزن في الشتاء الذي سقطت فيه ماليته أو نقصت لأجل اختلاف الفصل، لا يعدّ ذلك أداء مماثل ما تلف عنده، ولا جبران خسارته.

وأمّا اختلاف القيمة السوقية، فقد يكون لاختلاف حيثية في العين عرفاً، كالثلج في الصيف والشتاء، أو في المناطق الحارّة والباردة.

وقد لا يكون كذلك عرفاً، وإن فرض رجوعه بالآخرة إليه بتدقيق وتحقيق.

ص: 541

فعلى الأوّل مضمونة، دون الثاني؛ لمساعدة العرف والعقلاء في الأوّل دون الثاني، سيّما مع بقاء العين.

فمن غصب ثلجاً في الصيف، وأبقاه بعينه إلى الشتاء، وأراد تسليمه، لا يساعده العقلاء، بخلاف ما لو أراد تسليمه بعد يوم ولو مع نقص قيمته السوقية، وكذلك لو تلفت وأراد الجبران بالمماثل.

وتوهّم: أنّ الانتزاعيات لا تقع تحت اليد، ولا بدّ في الضمان منه.

مدفوع: بأنّ وقوعها تبعي بوقوع العين تحت اليد، ولا يلزم الوقوع استقلالاً، وإلاّ لزم عدم ضمان الأوصاف الوجودية أيضاً، ككون العبد عالماً صانعاً، وكون الدابّة مرتاضةً، والعين صحيحة سليمة، مع أنّها مضمونة؛ لوقوعها تحت اليد تبعاً.

فظهر ممّا ذكرنا: ضعف القول بوجوب ردّ العين أو المثل في كلّ مكان دارت العين، وأراد المالك ردّهما إليه(1).

ص: 542


1- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 479.

الأمر السادس : في حكم تعذّر المثل في المثلي

اشارة

لو تعذّر المثل في المثلي، فهل يجب على الضامن دفع القيمة مع مطالبة المالك أو لا؟

ولعلّ الأولى أن يقال: لو تعذّر المثل، هل للمالك حقّ مطالبة القيمة أم لا؟ فإنّ مطالبة المثل جدّاً غير ممكنة، ومطالبة القيمة إذا لم تكن بحقّ لم يترتّب عليها أثر، وجوازها وكونها بحقّ ملازم لوجوب دفعها.

وكيف كان: ففيه وجهان.

ما استدلّ على جواز مطالبة القيمة

استدلّ للأوّل بوجوه:

منها: أنّه مقتضى دليل اليد؛ فإنّه ظاهر في أنّ نفس العين على عهدته ولو مع تلفها، وإنّما أداء المثل أو القيمة لكونهما نحو أداء لها؛ لأنّ أداء المثل أداء لها بجهتها النوعية المشتركة، وبجهتها المالية، فهو أقرب إليها، ومع عدم المثل

ص: 543

وإعوازه فالقيمة نحو أداء لها بجهتها المالية، وإنّما يجب أداء المثل مراعاةً لحال المالك؛ لكونه أقرب شيء إلى ماله المتلف، فمع إعواز المثل ومطالبة القيمة، يجب أداؤها؛ لأنّه مع إعراضه عن المرتبة الكاملة، يجب دفع النازلة.

وفيه: - مضافاً إلى ما مرّ من الإشكال في المبنى؛ بأنّ المتفاهم من دليل اليد هو ضمان المثل في المثلي، والقيمة في القيمي، وأنّ وقوع العين على العهدة خلاف فهم العرف والعقلاء(1) أنّ كون دليل الضمان بالمثل أو القيمة لمراعاة حال المالك؛ بحيث كان له الإعراض عن مرتبة، والأخذ بمرتبة اُخرى، غير معلوم.

ولهذا لو كان المثل في المثلي موجوداً، ليس له الإعراض عن المثلية، ومطالبة القيمة، بل هو ملزم بقبول المثل، والتفصيل بين حال الإعواز وعدمه من هذه الجهة غير وجيه.

ومنها: أنّ اليد إذا وقعت على العين، وقعت عليها بخصوصيتها الشخصية، وبجهتها النوعية والمالية، فكلّ تلك الجهات وقعت على عهدته، ومقتضى دليل السلطنة جواز إلغاء خصوصية المثلية، ومطالبة خصوصية المالية، من غير فرق بين القول: بأنّ مقتضى دليل اليد هو عهدة نفس العين بشؤونها، أو ضمان المثل في المثلي، والقيمة في القيمي؛ فإنّ ضمان المثل وكونه على العهدة، متضمّن لضمان القيمة أيضاً، فله إلغاء جهة المثلية، ومطالبة القيمة(2).

ص: 544


1- تقدّم في الصفحة 508.
2- اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 480؛ منية الطالب 1: 308؛ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 374 و387 و396.

وفيه: - مضافاً إلى ما مرّ، من أنّ لازم ذلك جواز إلغاء خصوصية المثل والعين، ومطالبة القيمة مع وجود العين والمثل(1)، وهو كما ترى - أنّ دليل الضمان لا يدلّ إلاّ على ضمان نفس العين على المبنى الأوّل، والمثل في المثلي على المبنى الثاني، وليس في ضمان العين ضمانات، ولا في ضمان المثل ضمانان؛ عرضاً أو طولاً، حتّى يصحّ للمالك إسقاط جهة، ومطالبة جهة اُخرى.

وشؤون العين ليست مضمونة، بل العين مضمونة وهي ذات مثل ومتقوّمة بقيمة، فالشؤون للعين المضمونة، لا مضمونة كالعين، وهكذا الكلام في المثل على المبنى الثاني.

وأمّا دليل السلطنة على الأموال، فلا يقتضي مطالبة غير ما على عهدة الضامن، وهو المثل في المثلي، ولا معنى لاقتضائه أداء قيمة المال، إلاّ إذا قيل:

«بتبدّل المثل بالقيمة عند الإعواز» وهو أوّل الكلام.

ومنها: ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه؛ من أنّ منع المالك ظلم، وإلزام الضامن بالمثل منفيّ بالتعذّر، ومقتضى الجمع بين الحقّين وجوب القيمة(2).

وفيه: أنّ منع المالك عن القيمة إنّما يكون ظلماً لو ثبتت القيمة على عهدة الضامن، وهو أوّل الكلام، ومع ضمان المثل، إلزام الضامن بغير ما للمضمون له لعلّه ظلم.

ولو قيل: إنّ المثل مشتمل على المالية، فتعذّر المثل لا يوجب سلب سلطنة المالك عن المالية، فقد مرّ جوابه؛ بأنّ العهدة لا تشتغل إلاّ بالمثل، لا به

ص: 545


1- تقدّم في الصفحة 536 - 537.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 226.

وبالقيمة، ولا دليل على الانقلاب بمجرّد التعذّر.

نعم، لو كان التعذّر إلى الأبد، أو إلى أمدٍ بعيد جدّاً، يمكن أن يقال: إنّ منع المالك ظلم، وهو لا يخلو من تأمّل أيضاً، لكن الرجوع إلى القيمة في الفرض عقلائي، دون غيره.

لكن إطلاق كلام الشيخ يقتضي الحكم بوجوب القيمة مع التعذّر، ولو إلى أمدٍ قريب.

ثمّ إنّه لم يتّضح مراده من الجمع بين الحقّين؛ إذ ليس للضامن حقّ، ضرورة أنّ كون الإلزام منفيّاً بالتعذّر، غير ثبوت الحقّ، وفي طرف المالك أيضاً محلّ إشكال؛ إذ ليس له حقّ المطالبة فعلاً مع تعذّره، وحقّ مطالبة القيمة غير ثابت مع كون الذمّة مشغولة بالمثل فقط.

ومنها: ما أفاده أيضاً، وهو التمسّك بقوله تعالى: (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)(1) فإنّ الضامن إذا اُلزم بالقيمة مع تعذّر المثل، لم يعتد عليه أزيد ممّا اعتدى(2).

وفيه: - مضافاً إلى ما تقدّم؛ من أنّ الآية بما أنّها راجعة إلى الاعتداء في الحرب، لا يمكن استفادة المثلية منها بالمعنى المنظور ولو قلنا: بأنّها كبرى كلّية(3)، فراجع - أنّ الظاهر منها مع الغضّ عمّا ذكر، أنّ الاعتداء لا بدّ وأن يكون بالمثل، وإلزام الضامن بالقيمة اعتداء عليه بما وراء المثل، ولم يرخّصه الشارع.

ص: 546


1- البقرة (2): 194.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 226.
3- تقدّم في الصفحة 480.

ولو سلّم أنّ الآية كناية عن عدم الاعتداء زيادة على مقدار اعتداء الغاصب أو الضامن، لكن لا يفهم منها جواز الاعتداء والاقتصاص بكلّ شيء ليس مقدار ماليته أزيد من المضمون؛ لعدم كونها حينئذٍ إلاّ بصدد المنع عن التعدّي بالزيادة، لا جواز الأخذ بما لا يكون زائداً، فلا إطلاق فيها من هذه الجهة.

ثمّ إنّ احتمال كون الآية إرشاداً إلى ضمان المثل في المثلي، والقيمة في القيمي(1)، بعيد غايته، مع ملاحظة سياقها وشأن نزولها.

ومنها: ما تشبّث به بعضهم وتبعه آخر، وهو أنّ الصبر إلى أن يوجد المثل ضرر عليه(2).

وفيه ما لا يخفى؛ ضرورة أنّ دليل نفي الضرر لو نفى الأحكام الضررية، فلا حكم ضرري في المقام؛ لأنّ ما على عهدة الضامن هو المثل، ولم يمنع الشارع بإطلاق دليل أو عمومه عن أخذه، ولزوم التأخير مع التعذّر عقلي.

مضافاً إلى أنّ إثبات القيمة لا يمكن بدليل نفي الضرر؛ إذ ليس شأنه إلاّ نفي الحكم الضرري، لا إثبات أمر مباين أو مخالف، كإثبات القيمة مع ضمان المثل، مع أنّ التأخير ليس ضررياً دائماً.

ومنه يظهر الكلام في دليل نفي الحرج، لو كان التأخير حرجياً؛ لأنّ دليل نفيه لا يفي بإثبات أمرٍ آخر، ولهذا قلنا في رواية عبد الأعلى في باب المسح(3): إنّ

ص: 547


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 371.
2- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 480؛ منية الطالب 1: 308.
3- الكافي 3: 33 / 4؛ تهذيب الأحكام 1: 363 / 1097؛ وسائل الشيعة 1: 463، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 39، الحديث 5.

تمسّك الإمام عليه السلام بدليل نفيه، إنّما هو لرفع وجوب المسح على البشرة، وأمّا أمره بالمسح على المرارة، فليس بمقتضى دليل الحرج(1).

هذا كلّه لو قلنا بأنّ «لا ضرر ولا ضرار»(2) حاكم على الأدلّة الأوّلية.

وأمّا إن قلنا بأنّه حكم سلطاني من رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم على اُمّته، ونهي منه عن الإضرار بالغير وإيقاع الحرج عليه، فلا يصحّ التمسّك به أيضاً لإثبات القيمة؛ لأنّ تأخير أداء المثل لو كان حرجياً أو ضررياً، فلا يكون بفعل الضامن، وليس للمالك على الضامن قيمة المثل، حتّى يكون تأخير أدائها موجباً للإضرار أو إيقاع الحرج.

ومنها: التمسّك ببناء العرف مع عدم ردع الشارع؛ بدعوى أنّ بناءهم عند تعذّر المثل مطالبة القيمة، وإلزام الضامن على أدائها (3).

وفيه: أنّه غير ثابت في التعذّر إلى أمد، سيّما إذا كان الأمد قريباً، واتّصاله - على فرضه - إلى عصر المعصوم عليه السلام، غير ثابت.

ومنها: الالتزام بالانقلاب إلى القيمة عند تعذّر المثل؛ بأن يقال: إنّ الوضع منتزع من التكليف، ولا يعقل التكليف بأداء المتعذّر، فلا بدّ من التكليف بأداء القيمة؛ لأنّ احتمال سقوط الضمان مطلقاً مخالف الضرورة، فمع التكليف بها ينتزع اشتغال الذمّة بالقيمة، وهو المطلوب، فللمالك مطالبتها، وليس للضامن التأخير.

ص: 548


1- تقدّم في الصفحة 525.
2- الكافي 5: 292 / 2، و: 294 / 8؛ وسائل الشيعة 25: 428، كتاب إحياء الموات، الباب 12، الحديث 3 و4.
3- حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 37؛ نهج الفقاهة: 147.

وفيه: - مضافاً إلى أنّ التحقيق إمكان جعل الوضع ابتداءً، ووقوعه وجعله لا يتوقّف على إمكان الأداء فعلاً - أنّه لو سلّم ذلك، يمكن أن يقال: إنّ مقتضى إطلاق أدلّة الضمان أنّ المثل على عهدة الضامن في المثلي ولو مع التعذّر، فيكشف منه تكليف مناسب لحال التعذّر، وهو التكليف التعليقي، فينتزع منه الوضع فعلاً؛ لأنّ التكليف فعلي متعلّق بأمرٍ استقبالي، وهو يصحّح الضمان بالمثل، وعدم الانقلاب إلى القيمة فيما إذا تعذّر إلى أمد.

ويمكن أن يجاب بوجه آخر، ينتج عدم الانقلاب ولو مع التعذّر إلى الأبد، وهو أنّ التكاليف القانونية فعلية على موضوعاتها؛ غير مقيّدة، ولا معلّقة، والأعذار العقلية ليست قيوداً لها، فحرمة شرب الخمر مجعولة على عنوانها مطلقاً، والجاهل بحرمتها أو موضوعها، والمضطرّ إلى ارتكابها عقلاً، معذوران في ارتكاب الحرام الفعلي، كما فصّلناه في باب الاشتغال(1)، فيكون التكليف الفعلي القانوني المتعلّق بعنوانه، منشأً لانتزاع الوضع مطلقاً.

ولو قيل في تقريب الانقلاب: بأنّ جعل المثل لدى تعذّره لغو، ولا سيّما إذا كان التعذّر إلى الأبد، كما أنّ التكليف به كذلك، بل هو ممتنع.

يقال: كلاّ، أمّا فيما إذا كان إلى أمد فواضح، وأمّا مع التعذّر مطلقاً فلوجود الأثر؛ لأنّ الاشتغال بالمثل موجب لاعتبار قيمة يوم الدفع، بخلاف ما إذا كان التبدّل من حين التعذّر.

مضافاً إلى ما قلناه في محلّه: من أنّ اللغوية في المجعولات القانونية، تلاحظ

ص: 549


1- أنوار الهداية 2: 204 - 207.

بالنسبة إلى الحكم الكلّي القانوني، لا إلى آحاد المكلّفين وخصوصيات التكليف؛ للزوم توالٍ فاسدة، تعرّضنا لها في الباب المشار إليه.

ثمّ لو قلنا بالانقلاب، فكما يجب على الضامن عند المطالبة أداؤها، يجب على المالك قبولها، وليس له الردّ، ولو امتنع منه تلقى عنده، أو تردّ إلى الحاكم، فلا وجه للتفصيل.

بيان زمان اعتبار القيمة

ثمّ إنّ في زمان اعتبار القيمة احتمالات ووجوهاً كثيرة ، لا بدّ في تحقيق ما هو الحقّ من ذكر اُمور :

الأوّل : حول انقلاب المثل عند إعوازه إلى القيمة

قد عرفت أنّه لا دليل على انقلاب المثل عند إعوازه إلى القيمة.

وربما يقال: إنّه لو استندنا في لزوم القيمة إلى قوله تعالى: (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ...)(1) إلى آخره، وإلى أنّ المتبادر من إطلاق «الضمان» هو وجوب الرجوع إلى ما هو الأقرب إلى التالف بعد تعذّر المثل، توجّه القول بصيرورة التالف قيمياً بمجرّد تعذّر المثل؛ إذ لا فرق في تعذّره بين الابتدائي كما في القيميات، وبين الطارئ بعد التمكّن، كما فيما نحن فيه، ودعوى اختصاص الآية وإطلاقات الضمان - في الحكم بالقيمة - بتعذّر المثل ابتداءً لا تخلو من تحكّم.

ص: 550


1- البقرة (2): 194.

هكذا أفاد الشيخ الأعظم قدّس سرّه (1)، وتبعه في الجملة بعضهم(2).

وفيه: أنّه لو استندنا إلى الآية نظير استناد شيخ الطائفة قدّس سرّه (3)، وقلنا بأنّ مماثل (مَا اعْتَدَى) هو المثل في المثلي، والقيمة في غيره، فتدلّ على ضمان المثل في المثلي، سواء أعوز ابتداءً، أم طرأ عليه؛ فإنّ الإعواز لا يوجب خروج الشيء من المثلي إلى القيمي؛ لأنّ الميزان في القيمي ليس عدم وجود المثل له في الخارج اتّفاقاً، بل بعض الأشياء بحسب الخلقة الأصلية، أو بحسب الصناعة، مثلي ولو أعوز مثله، وبعضها قيمي كذلك ولو وجد له مثل نادراً، فالحنطة مثلية بحسب الخلقة ولو فرض عروض الإعواز والقحط حال وقوع اليد عليها أو بعده.

والآية الكريمة بناءً على ما ذكر، دالّة على ضمان المثل في المثلي، وكان الحكم متعلّقاً بنفس الطبيعة، كما هو الشأن في جميع الأحكام وموضوعاتها، وإعواز المثل أحياناً لا يخرج الشيء عن المثلية، ولا يرفع الحكم عن الموضوع؛ أي طبيعة المثل في المثلي، كما أنّ ارتكاز العقلاء أيضاً كذلك في الضمانات.

ولهذا لو فرض الإعواز في مدّةٍ طويلة، ثمّ وجد المثل وشاع، يحكم العقلاء بوجوب أداء المثل، وكذا لو أعوز وأراد الضامن إعطاء الفرد النادر المماثل، ليس لصاحب المال عدم قبوله لدى العقلاء.

وبالجملة: إنّ الضمان بالمثل قانون كلّي، لم يلاحظ فيه الإعواز وعدمه، ولو

ص: 551


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 228 - 229.
2- منية الطالب 1: 307.
3- الخلاف 3: 402 - 403.

قلنا بلزوم أداء القيمة عند الإعواز، فليس لأجل انقلابه إليها، بل لأقربيتها إليه في مقام التأدية.

وهذا نظير القول: بأنّ ظاهر قاعدة اليد ضمان نفس العين، وأداء المثل في المثلي، والقيمة في القيمي، نحو أداء لها من غير انقلاب العين إليهما (1).

وأمّا قوله رحمه الله عليه: «إنّه لا فرق في تعذّر المثل بين تحقّقه ابتداءً كما في القيميات...» إلى آخره، فقد عرفت ما فيه.

ومنه يظهر النظر فيما قال بعض أعاظم العصر قدّس سرّه: «من أنّ الذي يوجب في ضمان العين عند تلفها، استقرار القيمة في الذمّة لا المثل، هو الميزان للتعذّر الطارئ للمثل»(2) لما عرفت من أنّ ميزان القيمية والمثلية غير مربوط بالتعذّر وعدمه، فتدبّر جيّداً.

الثاني : ضمان الصفات الدخيلة في الرغبات والقيم

قد ذكرنا سابقاً أنّ قوله صلي الله عليه و آله وسلم: «على اليد...» إلى آخره، موجب لضمان العين المأخوذة بجميع صفاتها الحقيقية، والانتزاعية، والإضافية، ممّا هي دخيلة في الرغبات واختلاف القيم(3).

فالدابّة مضمونة بوصف ارتياضها وصحّتها وسلامتها، والثلج المأخوذ في الصيف وفي قارّة أفريقيا مضمون بالوصف المذكور؛ لأنّه موجب لاختلاف

ص: 552


1- اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 481.
2- منية الطالب 1: 307.
3- تقدّم في الصفحة 541.

الرغبات والقيم، وقد عرفت وقوعها تحت اليد تبعاً (1)، وهو كافٍ في الضمان، ولهذا يكون وصف الصحّة والسلامة مضموناً بلا إشكال؛ لوقوعه تحتها تبعاً.

فلو وقع شيء تحت يده، واتّصف بصفاتٍ موجبة لزيادة الرغبات ولو بعمل من الآخذ، كما لو حكّ العقيق، وخاط الثوب، وجعل الدابّة مرتاضة، ونحو ذلك. ثمّ زالت الصفات عنه، ضمن الغاصب صفاته، فمع وجود المغصوب يجب ردّه وأداء قيمة الصفات التالفة، ومع تلفه لا بدّ من ردّ مثله بصفاته إن كان مثلياً، وردّ أعلى القيم من زمن الغصب والأخذ بالبيع الفاسد إلى زمان التلف، إن كان علوّ القيمة لأجل صفات ولو انتزاعية وإضافية.

وأمّا مجرّد زيادة القيمة السوقية إن لم ترجع إلى وصف أو فقد وصف، فضمانها مشكل؛ لعدم مساعدة العرف عليه.

بل يمكن أن يقال: إنّ القيمة تعتبر للشيء بإزائه وإزاء صفاته الموجبة للرغبات، ولا تلاحظ وصفاً للشيء.

الثالث : بيان محتملات زمان اعتبار القيمة

أنّ الاحتمالات ومبانيها كثيرة، نتعرّض لمهمّاتها ومهمّات مبانيها، ومحصّل الكلام فيها أنّه:

إمّا أن نقول بأنّ مقتضى أدلّة الضمان هو وقوع العين على العهدة في المثلي والقيمي حال التلف والتعذّر، ولا تنقلب إلى غيرها إلى زمان الأداء بالمثل أو القيمة.

ص: 553


1- تقدّم في الصفحة 542.

أو نقول بأنّ مقتضاها ضمان المثل في المثلي، والقيمة في القيمي، وعلى هذا الاحتمال:

إمّا أن نقول ببقاء المثل على العهدة إلى زمان الأداء، حتّى مع تعذّره مطلقاً، وأنّ أداء القيمة عند التعذّر نحو أداء للمثل.

أو نقول بانقلابه إلى القيمة وقت عروض التعذّر، وبانقلاب العين في الاحتمال الأوّل إلى القيمة وقت تعذّر الأداء.

فهذه الاحتمالات هي المعتدّ بها من بين الاحتمالات.

فإن قلنا بالاحتمال الأوّل: فعن جمع من المحقّقين(1) أنّ الاعتبار بقيمة وقت الأداء؛ بتقريب: أنّ مالية العين حاله لا تحتاج إلى عناية، بخلاف غير حاله كحال التعذّر، أو التلف، أو المطالبة، فإنّها تحتاج إلى عناية ومعيّن، بل نفس التكليف بأداء مالية العين، تقتضي تعيّن ماليتها عند تعلّق الأداء بها؛ لأنّها قيمتها بالفعل(2).

وأنت خبير: بأنّ هذا التقريب قاصر عن إثبات مطلوبهم؛ لأنّ التكليف على هذا المبنى لم يتعلّق بأداء القيمة والمالية؛ ضرورة عدم انقلاب العين إلى القيمة، وليس دليل لفظي دالّ على وجوب أداء قيمة العين، حتّى يستظهر منه ما ذكر.

فالأولى أن يقال: إنّ مقتضى هذا المبنى وجوب الخروج عن عهدة العين التي تكون في ذمّته، بأداء قيمتها التي هي نحو أداء لها، وما هو نحو أداء

ص: 554


1- حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 40 - 41؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 482 - 483.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 378.

لها عرفاً هو أداء قيمتها الفعلية، لا القيم الاُخر.

فلو فرض أنّ قيمتها حال الأداء مائة، وقبلها خمسون، فأداء الخمسين ليس نحو أداء لها.

ولو فرض أنّ قيمتها قبلها مائتان، يكون أداء مائة أداءً لها، وأداء مائتين أداءً مع زيادة غير ملزمة.

ثمّ إنّ ما ذكر لا ينافي ما ذكرناه؛ من لزوم اعتبار العين - على مبنى تعلّقها

بالذمّة - مع جميع صفاتها الدخيلة في الرغبات والقيم(1)، فالعين بأوصافها على العهدة، وأداء قيمتها بلا لحاظ تلك الأوصاف، ليس أداءً لها عرفاً.

والظاهر أنّ نظر الأعيان في اعتبار قيمة يوم الأداء هو قيمتها مع لحاظ الأوصاف المذكورة، وإلاّ فأدلّة الضمان حجّة عليهم.

كلام المحقّق الأصفهاني في المقام والجواب عنه

وقد يقال: إنّ المالية بلحاظ حال التلف، مالية حقيقية موجودة مضمونة، وأمّا المالية قبل التلف فموجودة، لكنّها غير مضمونة، ولهذا لا يجب تداركها مع دفع العين إذا نقصت ماليتها، والمالية بعد التلف ليست موجودة، بل مفروضة بفرض وجود العين، ولا تدارك حقيقة إلاّ للمالية المتحقّقة بتحقّق العين، لا المتقدّرة للعين المفروضة، فالاعتبار بقيمة يوم التلف، هذا على فرض كون العين على العهدة.

وأمّا إذا قلنا بأنّ المثل عليها إلى وقت الأداء، فالاعتبار بيومه؛ لأنّ المثل كلّي

ص: 555


1- تقدّم في الصفحة 541.

متحقّق في الذمّة، له مالية موجودة لا مفروضة، وهو الفارق بين بقاء العين على العهدة إلى زمان التفريغ، وبقاء المثل إلى زمان الأداء، فإنّ العين حيث كانت شخصية وقد تلفت، فلا وجود لها ولا مالية إلاّ بالفرض، بخلاف المثل، فإنّه كلّي لا يتوقّف اشتغال الذمّة به على وجود شيء يطابقه خارجاً، فلا تلف له، فماليته حال الأداء متحقّقة لا مفروضة(1)، انتهى.

وفيه: أنّ الفرق بينهما بما ذكره غير مرضيّ؛ لأنّ الكلّي إنّما له مالية لا باعتبار نفسه من حيث هي، بل باعتبار مالية مصاديقه المحقّقة أو المقدّرة، فتكون مصاديقه التي هي تحت قدرة الضامن أو البائع، جهةً تعليلية لصيرورة الكلّي في الذمّة مالاً، نظير الأوراق النقدية، فإنّها مال باعتبار الذهب والفضّة

وغيرهما التي هي بإزائها، ويقال لها: «پشتوانه» ولهذا لو أسقطت الدولة اعتبارها سقطت ماليتها.

والكلّي إذا كان على ذمّة معتبرة أمكن لصاحبها إيجاد مصاديقه مهما أراد، أو يطالب آجلاً أو عاجلاً، يكون مالاً، ومع عدم الإمكان مطلقاً لا تعتبر له المالية، فكما أنّ مالية الكلّي باعتبار غيره وهو مصاديقه، كذلك مالية العين التي هي في الذمّة باعتبار أنّها مضمونة وأنّ صاحب الذمّة قادر على أدائها بمثلها أو قيمتها، والعين المعدومة خارجاً غير معدومة في صقع الاعتبار، ولها مالية باعتبار إمكان تأديتها بالمثل والقيمة.

فلا فرق بين الكلّي في الذمّة، وبين العين فيها، لا من جهة المعدومية من

ص: 556


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 378 - 381.

جهةٍ، والموجودية من اُخرى؛ فإنّ كلاًّ منهما معدوم خارجاً، وموجود اعتباراً، ولا من جهة المالية؛ فإنّ كلاًّ منهما بذاته، مع قطع النظر عن إمكان تحقّق ما، لا مالية له.

ولهذا لا يعتبر الكلّي في ذمّة من لا يمكنه إيجاد مصداقه عاجلاً ولا آجلاً، ولا مالية له، فالعين المعتبرة في ذمّة من أمكنه أداء مثلها أو قيمتها مال، والمسألة عقلائية لا عقلية، فالاعتبار على هذا المبنى بقيمة يوم الأداء، مع اعتبار جميع الأوصاف الدخيلة في الرغبات.

وأمّا قوله: «إنّ المالية قبل التلف غير مضمونة وإن كانت موجودة» فإن أراد

بها القيمة السوقية فلا كلام، وقد مرّ وجهه(1)، وإن أراد الأعمّ منها ومن الجهات والأوصاف الدخيلة في الرغبات، فقد مرّ أنّها مضمونة بدليل الضمان.

بيان النسبة بين آية الاعتداء ودليل اليد

ثمّ لو تمسّكنا بقوله تعالى: (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ...)(2) إلى آخرها، فتارةً نقول: بأنّه متعرّض للتقاصّ بعد الفراغ عن الضمان، ولا تعرّض له للضمان، وإن يستكشف منه أنّ ذمّة المقاصّ منه مشغولة بشيء، فلا يكون منافياً لدليل اليد لو قلنا بدلالته على أنّ نفس العين على العهدة حتّى بعد تلفها، فيكون الكلام حينئذٍ كما تقدّم.

كما أنّه لو قلنا بدلالته على ضمان المثل في المثلي؛ وأنّ مفاد دليل اليد

ص: 557


1- تقدّم في الصفحة 541.
2- البقرة (2): 194.

وغيره أيضاً ضمان المثل في المثلي، والقيمة في القيمي، وقلنا ببقاء المثل على الذمّة إلى وقت الأداء، من غير انقلابه إلى القيمة، فالكلام هو ما تقدّم بلا فرق بينهما.

ولو قلنا بأنّ مفاد القاعدة ضمان نفس العين، ومفاد الآية ضمان المثل في المثلي، والقيمة في القيمي، يقع التعارض بينهما ظاهراً.

وطريق الجمع إمّا بأن يقال: إنّ الآية كالنصّ في ضمان المثل، والقاعدة ظاهرة، فيجب تحكيم النصّ.

أو يقال: إنّ القاعدة ظاهرة فرضاً في عهدة نفس العين، والآية لو كانت نصّاً أو كالنصّ فإنّما هي نصّ في الاعتداء بالمثل، لا في ضمان المثل، والاعتداء بالمثل لازم أعمّ، غاية الأمر لو خلّيت ونفسها يمكن أن يقال باستكشاف ضمان المثل، لكن مع لحاظ قاعدة اليد الدالّة على ضمان العين وعهدتها، لا يستكشف منها إلاّ ذلك؛ لعدم التنافي بين كون العين على العهدة، والاعتداء بالمثل، بل لازم عهدتها الاعتداء به.

وهذا الجمع هو الأقرب بل المتعيّن، هذا على فرض تسليم ظهور القاعدة فيما ذكر، وكون الآية دليل الضمان، وإلاّ فلا تصل النوبة إلى ما ذكر.

مقتضى القول بالانقلاب إلى القيمة عند التعذّر

ولو قلنا بالانقلاب إلى القيمة عند التعذّر، فتارةً يكون التعذّر بدوياً؛ أي حين تلف العين كان المثل متعذّراً، واُخرى طارئاً.

فعلى الأوّل: يكون الاعتبار بقيمة العين يوم التلف؛ لأنّه يوم الانقلاب إليها،

ص: 558

ولا وجه لاعتبار قيمة سائر الأيّام.

إلاّ أن يقال بضمان القيم أيضاً، فتنقلب إلى أعلى القيم من حين الأخذ إلى حين التلف، مع مراعاة جميع الأوصاف الدخيلة في زيادة القيم.

وعلى الثاني: أيضاً كذلك، إن قلنا بأنّ المثل والقيمة كليهما غرامة نفس العين، وأنّ ضمان المثل في المثلي؛ لسدّ خلل مال الغير بمقدار الإمكان، وهو ماهيتها النوعية، ومع عدم الإمكان من هذه الجهة لا بدّ من ضمان قيمتها؛ لأنّها سدّ لخللها في هذا الحال بالمقدار الممكن، فلا بدّ حينئذٍ من اعتبار قيمة يوم تلفها.

وأمّا إن قلنا بأنّ العهدة مع التعذّر الطارئ تشتغل بالمثل، ولا بدّ من الخروج عن عهدته لا عهدة العين؛ لأنّ المفروض عدم كون العين على العهدة، فلا وجه لمراعاة قيمتها، فالمثل المضمون ينقلب إلى القيمة، لا العين المفقودة غير المضمونة، فحينئذٍ لا بدّ من اعتبار قيمة المثل يوم التعذّر، هذا إذا قلنا بضمان المثل في المثلي.

ولو قلنا بأنّ العين على العهدة إلى زمان تعذّر المثل، ثمّ تنقلب إلى القيمة، كان المدار قيمة يوم التعذّر.

وجه اعتبار أعلى القيم من حين الأخذ إلى حين التلف

ثمّ إنّ الوجه في اعتبار أعلى القيم من حين الأخذ إلى حين التلف، هو ما أشرنا إليه سابقاً: من أنّ العين مضمونة بجميع أوصافها الدخيلة في الرغبات(1)،

ص: 559


1- تقدّم في الصفحة 541 و552.

فلو قلنا بأنّ وصف التقويم أيضاً من الأوصاف الواقعة تحت اليد تبعاً، فلا محالة تكون القيمة العالية مضمونة، ومع تنزّلها لا يرتفع الضمان، فلو تلفت العين صارت بقيمتها العالية مضمونة.

وأمّا بعد التلف، فلا وجه لضمان زيادة قيم الأمثال إلى حين التعذّر أو الأداء؛ لأنّ العين التالفة خرجت عن تحت اليد، ووقوعها على العهدة على القول به، أو وقوع مثلها، غير كونهما تحت اليد، فلا وجه لضمان زيادة قيم أمثال العين أو العين المفروضة الوجود، فيسقط كثير من الاحتمالات، كأعلى القيم من حين الأخذ إلى حين الإعواز، أو المطالبة، أو الأداء، أو من حين التلف إلى الأحيان المشار إليها.

توجيه المحقّق النائيني انقلاب القدر المشترك إلى القيمة

فما قال بعض أعاظم العصر قدّس سرّه: بأنّ الانقلاب بالقدر المشترك بين العين والمثل - أي أعلى القيم من زمان الأخذ إلى زمان إعواز المثل - وجيه؛ لأنّه لو قلنا بضمان القيمي بأعلى القيم من حين الغصب إلى حين التلف، ينتج في المقام ضمانه بأعلى القيم من حين أخذ العين إلى زمان إعواز المثل؛ لأنّ معنى الضمان بأعلى القيم، هو استقرار مراتب القيمة السوقية في عهدة الضامن بشرط تلف المضمون، فإذا تعذّر ردّ المثل، بقي ارتفاع قيمته على العهدة، كما أنّ ارتفاع قيمة العين أيضاً عليها (1)، انتهى.

ص: 560


1- منية الطالب 1: 311.

ففيه ما عرفت من أنّ كون الشيء على العهدة غير كونه تحت اليد، والموجب للضمان هو الثاني، ولهذا لو كان عليه صاع من الحنطة بواسطة القرض أو البيع، ولم يؤدّه مع المطالبة، لم يضمن ارتفاع قيمته؛ وذلك لعدم وجه للضمان، لعدم كون ما في الذمّة تحت اليد، فالقول بضمان أعلى القيم في الغصب إلى زمان التلف، لا ينتج ما ذكر.

وتوهّم: شمول آية الاعتداء لذلك؛ بزعم أنّ عدم أداء الدين والمثل حين ارتفاع قيمته اعتداء، يعتدى فيه بالمثل وهو القيمة.

فاسد؛ لأنّ الاعتداء مع المطالبة اعتداء في تأخير أداء ما في ذمّته، لا اعتداء في قيمته.

مضافاً إلى ما عرفت من أنّ الآية الكريمة ليست دليلاً على الضمان(1).

وبالجملة: إنّ ما ذكر ليس له وجه، فضلاً عن كونه وجيهاً.

وينبغي التنبيه على جهات :

الاُولى : المراد من إعواز المثل

إنّ المحكيّ عن «التذكرة» أنّ المراد بإعواز المثل أن لا يوجد في البلد وما حوله(2).

وعن «المسالك» زيادة قوله: ممّا ينقل عادة منه إليه(3).

ص: 561


1- تقدّم في الصفحة 480.
2- تذكرة الفقهاء 19: 228.
3- مسالك الأفهام 12: 183 - 184.

وعن «جامع المقاصد» إيكال الأمر إلى العرف(1).

وقال بعض الأعاظم قدّس سرّه: «إنّ الذي يوجب في ضمان العين عند تلفها استقرار القيمة لا المثل، هو الميزان للتعذّر الطارئ للمثل.

وبعبارة اُخرى: عدم وجود المماثل بحسب الخلقة الإلهية أو مطلقاً المقتضي لاستقرار قيمة العين في الذمّة عند تلفها، هو الموجب لصدق تعذّر المثل»(2).

وفيه: ما تقدّم في بعض المباحث السالفة؛ من أنّ الميزان في القيمي لدى العرف، غير الميزان في تعذّر المثل، بعد كونه بحسب الماهية مثلياً (3)، فراجع.

وأمّا الرجوع إلى العرف في تشخيص الموضوع والعنوان، فصحيح لا محيص عنه إذا كان الموضوع مأخوذاً في دليل لفظي، أو معقد إجماع، وهو في المقام مفقود. أمّا الدليل اللفظي فظاهر. وأمّا الإجماع فالظاهر عدم ثبوته؛ لأنّ المسألة عقلائية لا تعبّدية، ومن المحتمل قريباً رجوع كلمات القوم إلى الأمر العقلائي، فلا يمكن كشف إجماع تعبّدي في مثله.

وأمّا الاتّكال على بناء العقلاء في أصل المسألة - أي في كون الإعواز سبباً

لدى العقلاء لعدم الإلزام بالمثل، وجواز مطالبة القيمة، ولزوم أدائها لدى الإعواز، بأن يقال: إنّ كيفية التغريم موكولة إلى العرف، وهم يلزمون بالمثل عند

ص: 562


1- جامع المقاصد 6: 245؛ اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 235.
2- منية الطالب 1: 307.
3- تقدّم في الصفحة 551.

وجوده، وأمّا عند تعذّره وإعوازه، فلا يلزمون به ولو بالحمل من البلاد النائية(1) فهو غير بعيد في الجملة.

وأمّا إلزامهم بالقيمة مع إعواز المثل إلى أمد، فهو غير ثابت، سيّما إذا كان قريباً.

نعم، في الإعواز المطلق أو مع أمد بعيد جدّاً، فالظاهر الرجوع إلى القيمة، والإلزام بها في العرف.

مختار السيّد وجوابه

وقد يقال: «إنّ مناط جواز المطالبة بالبدل، مجرّد عدم وجوده في البلد وما يقرب منه؛ ممّا يحتاج نقله إلى مضيّ زمان، فإنّ للمالك أن لا يصبر إلى زمان النقل؛ لأنّ مقتضى السلطنة على ماله جواز مطالبة ماليته فعلاً بأخذ البدل، وإن أمكن إعطاء نفس المال بعد مضيّ مقدار من الزمان حسبما ذكروه في بدل الحيلولة»(2).

وقد قال هذا القائل فيما سبق: إنّ للمالك إلغاء جهة المثلية، والمطالبة بمالية ماله؛ بدليل السلطنة(3).

وقد مرّ ما فيه؛ من أنّ ما على الضامن ليس اُموراً متعدّدة، قابلة لإلغاء بعض،

ص: 563


1- راجع حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 37؛ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 357 و386.
2- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 491.
3- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 480.

وإبقاء بعض، ولهذا لا يلتزم القائل ولا غيره بأنّه مع وجود العين، للمالك إلغاء ما عدا قيمتها والمطالبة بها، مع أنّ دليل السلطنة لو اقتضى ما زعمه، اقتضى ذلك أيضاً (1).

وبالجملة: ليس على الضامن في المثلي إلاّ المثل، ولا يفي دليل السلطنة عند تعذّره بالإلزام بالقيمة؛ فإنّها ليست على عهدته، وأمّا قضيّة بدل الحيلولة، فسيأتي إن شاء اللّه الكلام فيها (2).

بيان كلام الشيخ في المقام

وقال الشيخ الأعظم قدّس سرّه: «إنّ مقتضى عموم وجوب أداء مال الناس وتسليطهم على أموالهم - أعياناً كانت، أم في الذمّة - وجوب تحصيل المثل، كما كان يجب ردّ العين أينما كانت ولو كانت في تحصيله مؤونة كثيرة، ولذا كان يجب تحصيل المثل بأيّ ثمن كان»(3)، انتهى.

ولعلّ مراده من عموم وجوب أداء مال الناس، هو مثل قوله صلي الله عليه و آله وسلم: «لا يحلّ مال امرئٍ مسلم إلاّ بطيبة نفسه»(4) بأن يقال: إنّ مقتضى انتساب نفي الحلّية إلى ذات المال، أنّه لا يحلّ بجهة من الجهات، ومنها حبسه وعدم ردّه إلى صاحبه،

ص: 564


1- تقدّم في الصفحة 544 - 545.
2- تأتي في الصفحة 643 - 645.
3- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 235 - 236.
4- الكافي 7: 273 / 12؛ وسائل الشيعة 29: 10، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 1، الحديث 3.

ولا يحلّ حبس الأموال التي في الذمّة وإبقاؤها فيها، بل يجب إخراجها إلى الخارج، وجعلها تحت سلطنة المالك.

ولعلّ العطف في قوله: «وتسليطهم» تفسيري، وأراد به دليل السلطنة؛ وأنّ مقتضى إطلاق دليلها، هو التسليط على إخراج ما في الذمم إلى الخارج بالمطالبة، فحبس ماله الذي في ذمّة الغير، مخالف لإطلاق سلطنته، فلا بدّ من نفيه، وإعطاء المثل ولو بالحمل من البلاد النائية وتحمّل مؤونة كثيرة، إلاّ إذا كان تحمّلها حرجياً.

بناء العقلاء مقيّد لدليل السلطنة

ثمّ إنّ بناء العقلاء في باب الضمانات والغرامات، لو كان عدم الإلزام بالمثل لدى تعذّره عرفاً؛ بأن لا يوجد إلاّ نادراً يلحق بالمعدوم، أو في البلاد النائية، فهل يوجب ذلك تقييد دليل السلطنة، أو أنّ دليلها رادع لبنائهم؛ بدعوى أنّ بناءهم ليس بحجّة إلاّ مع الإمضاء وعدم الردع، وإطلاق دليل السلطنة رادع، كما قال بعض أهل التدقيق(1)؟

ويمكن أن يقال: إنّ سلطنة الناس على أموالهم لمّا كانت عقلائية، لا يفهم من دليلها إلاّ ما هو المرتكز عندهم، والارتكاز العقلائي قرينة على أنّه يراد منه ما هو المرتكز عندهم.

وإن شئت قلت: إنّه منصرف إلى ما هو المرتكز، ولا إطلاق له بالنسبة إلى غيره، فكانت النتيجة عدم صلاحيته للرادعية؛ فإنّ العقلاء مع قولهم بسلطنة

ص: 565


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 386.

الناس على أموالهم، بناؤهم على عدم إلزام الضامن بالمثل عند التعذّر، وإذا كان دليل السلطنة على طبق حكم العقلاء، فلا محالة لا يشمل مثل المقام، فتدبّر.

نعم، يمكن القول: برادعية مثل قوله صلي الله عليه و آله وسلم: «لا يحلّ مال امرئٍ...» إلى آخره؛ لأنّ عدم الحلّية التكليفية، شرعية لا عقلائية، ومعه لا مانع من رادعيته، ولا يأتي فيه ما قلناه في دليل السلطنة.

عدم جواز المطالبة بقيمة المثل المتعذّر

ثمّ إنّ إطلاق دليل عدم حلّ مال المسلم الشامل للمتعذّر عرفاً لا عقلاً، كما يستفاد منه جواز المطالبة بالمثل، ولزوم خروج الضامن عن عهدته ولو بالحمل من سائر البلاد ما لم يكن حرجياً، يستفاد منه عدم جواز المطالبة بالقيمة؛ لدلالته التزاماً على بقاء المثل في العهدة، وعدم الانقلاب عند التعذّر العرفي، فتأمّل.

وكيف كان: فلا مجال للتمسّك بدليل السلطنة وعدم حلّ مال الغير، لجواز مطالبة القيمة؛ ضرورة أنّها ليست على عهدته كما عرفت، فما هو مال الغير وله سلطان عليه هو المثل، ومقتضى دليل السلطنة - على فرض - ودليل حرمة مال الغير، هو الإلزام بالمثل لا غير.

فما قيل من أنّ للمالك إلغاء حيثية المثل والمطالبة بالقيمة قد تقدّم ما فيه(1).

كما أنّ ما قيل من أنّ مقتضى دليل السلطنة، جواز المطالبة بالمثل والقيمة معاً (2)، لا يرجع إلى محصّل.

ص: 566


1- تقدّم في الصفحة 545 و563 - 564.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 387.
بحث حول بعض أخبار السلم

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه قال: «ورد في بعض أخبار السلم أنّه إذا لم يقدر المسلم إليه على إيفاء المسلم فيه، تخيّر المشتري، ومن المعلوم أنّ المراد بعدم القدرة ليس التعذّر العقلي، بل الظاهر منه عرفاً ما عن «التذكرة»(1) وهذا يستأنس به للحكم فيما نحن فيه»(2)، انتهى.

أقول: الأخبار المشار إليها على كثرتها أجنبيّة عن الدلالة على تخيير المشتري بين إلزام البائع بأداء القيمة، وبين الصبر، بل جملة منها تدلّ على أنّه

«إذا لم يقدر على إعطاء جميع المسلم فيه، فلا بأس بأخذ بعض، وأخذ رأس مال البقيّة»(3) فكأنّ الشبهة فيها في جواز انحلال البيع الواحد، والصحّة في

ص: 567


1- تذكرة الفقهاء 19: 228.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 236.
3- نحو ما عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: سئل عن الرجل يسلم في الغنم ثنيان وجذعان وغير ذلك إلى أجل مسمّى؟ قال: «لا بأس إن لم يقدر الذي عليه الغنم على جميع ما عليه أن يأخذ صاحب الغنم نصفها أو ثلثها أو ثلثيها ويأخذ رأس مال ما بقي من الغنم دراهم، ويأخذون دون شرطهم ولا يأخذون فوق شرطهم، والأ كسية أيضاً مثل الحنطة والشعير والزعفران والغنم». وسائل الشيعة 18: 303، كتاب التجارة، أبواب السلف، الباب 11، الحديث 1. وما عن عبداللّه بن سنان قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يسلم من الطعام - إلى أن قال: - أرأيت إن أوفاني بعضاً وعجز عن بعض أيصلح أن آخذ بالباقي رأس مالي؟ قال: «نعم ما أحسن ذلك». وسائل الشيعة 18: 304، كتاب التجارة، أبواب السلف، الباب 11، الحديث 2.

بعض المبيع، والفسخ أو الانفساخ في بعض.

وبعضها يدلّ على «تخييره بين أخذ رأس المال والإنظار»(1)، وأنت خبير بأنّها أجنبيّة عن الذي نحن بصدده؛ من جواز الإلزام بالقيمة عند تعذّر المثل عرفاً.

وبعضها يدلّ على أنّه «إذا لم يف البائع، كان المشتري أحقّ بماله»(2) وهو دليل على الانفساخ بمجرّد عدم الوفاء.

وبعضها يدلّ على أنّه «إذا كان له على رجل تمر، أو حنطة، ونحوهما، يجوز أخذ قيمتها مع تراضيهما»(3).

وبالجملة: ليس في الروايات ما يصحّ الاستئناس به للمقام، فراجعها، هذا إذا كان مراده الاستئناس من حكم تلك المسألة.

وأمّا لو كان المراد الاستئناس من التعذّر العرفي، على أنّ التعذّر في المقام

ص: 568


1- نحو ما عن عبداللّه بن بكير قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل أسلف في شيء يسلف الناس فيه من الثمار فذهب زمانها ولم يستوف سلفه، قال: «فليأخذ رأس ماله أو لينظره». وسائل الشيعة 18: 309، كتاب التجارة، أبواب السلف، الباب 11، الحديث 14.
2- نحو ما عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «لا بأس بالسلم في الحيوان إذا سمّيت الذي يسلم فيه فوصفته، فإن وفيته وإلاّ فأنت أحقّ بدراهمك». وسائل الشيعة 18: 285، كتاب التجارة، أبواب السلف، الباب 1، الحديث 9.
3- نحو ما عن علي بن محمّد - وقد سمعته من علي - قال: كتبت إليه: رجل له على رجل تمر أو حنطة أو شعير أو قطن فلمّا تقاضاه، قال: خذ بقيمة مالك عندي دراهم، أيجوز له ذلك أم لا؟ فكتب: «يجوز ذلك عن تراض منهما، إن شاء اللّه». وسائل الشيعة 18: 308، كتاب التجارة، أبواب السلف، الباب 11، الحديث 11.

عرفي، كما لا يبعد أن يكون ظاهر كلامه.

ففيه: أنّ حمل التعذّر الوارد في لسان الدليل في مسألة على العرفي، لا يوجب الاستئناس في مسألة أجنبيّة لم يرد فيها ذلك، وكان مقتضى إطلاق دليلها، جواز المطالبة مع التعذّر العرفي كما تقدّم ولو فرض الاستئناس، فلا يصحّ معه تقييد الدليل ورفع اليد عن إطلاق الحجّة.

الثانية : اختلاف القيمة باختلاف المباني

الميزان في القيمة مع تعذّر المثل يختلف باختلاف المباني فإن قلنا ببقاء العين على العهدة إلى زمان الأداء(1)، فالميزان قيمتها يوم الأداء، مع لحاظ جميع الأوصاف المضمونة كما تقدّم الوجه فيه(2)، ومنها وصف الانحصار، وعزّة الوجود.

فما قيل من أنّ الميزان على ذلك قيمة يوم التلف؛ لأنّ العين في زمان فقدها لا تكون لها قيمة موجودة، وقبل زمان التلف قيمتها غير مضمونة، فما هي موجودة ومضمونة قيمة يوم التلف(3).

غير وجيه؛ لما عرفت(4) من أنّ العين على فرض كونها في العهدة، لها وجود

ص: 569


1- حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 37؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 469 و481؛ هداية الطالب 2: 325.
2- تقدّم في الصفحة 555.
3- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 378 و388 و401.
4- تقدّم في الصفحة 556.

اعتباري، متقوّم باعتبار إمكان أداء غرامتها، كما أنّ متموّلية المثل باعتبار إمكان الوجود، وإلاّ فهو بنفسه ليس بمال، وقد عرفت أنّ بعض الأوصاف التالفة مضمونة حتّى مع وجود العين(1).

وكذا الحال لو قلنا بعهدة المثل وبقائه إلى زمان الأداء، مع القول بأنّ اللازم أداء قيمة المثل، وأنّ له في الضمان استقلالاً(2).

وأمّا إن قلنا بأنّ أداء المثل بعنوان غرامة العين، ومع تعذّره تكون القيمة غرامة لها، فالمثل والقيمة غرامة العين على الترتيب(3)، فاللازم مراعاة قيمة يوم تلف العين؛ لأنّ المفروض أنّ العين لم تكن على العهدة حتّى يقال: إنّ في زمان الأداء لها وجود اعتباري متقوّم، والمثل الذي في العهدة لا تلاحظ قيمته على هذا. لأنّ القيمة غرامة العين لا المثل، فلا بدّ من مراعاة قيمتها حال التلف، مع اعتبار جميع الخصوصيات الدخيلة في التقويم.

وإن قلنا: بضمان القيمة لدى التعذّر(4)، فإن كان التعذّر من أوّل الأمر، كان الاعتبار بقيمة يوم التلف أيضاً، وإن كان طارئاً، وكان المثل أو العين على العهدة إلى زمان التعذّر، فالاعتبار بقيمة يوم التعذّر.

ثمّ على جميع المسالك، لا بدّ من مراعاة القيمة، مع لحاظ التعذّر ومراتبه،

ص: 570


1- تقدّم في الصفحة 540 و552.
2- جامع المقاصد 6: 245 و252 و254 و255؛ اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 227.
3- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 375 و379.
4- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 228 - 229.

فلو فرض أنّ يوم الأداء كانت العين على فرض تحقّقها منحصرة بالفرد، وباعتباره قيمتها غالية، فلا بدّ من مراعاة تلك القيمة لدى الأداء.

كما أنّه لو كانت في زمان وجودها تحت يد الضامن منحصرة، ولأجله كانت غالية القيمة، وفي زمان الأداء خرجت عن الانحصار، لا بدّ من تغريم وصف الانحصار، وهذا غير اختلاف القيمة السوقية التي قلنا بعدم ضمانها (1).

والمراد بقيمتها حال انحصار الوجود أو عزّته، هي ما تلاحظ باعتبار رغبة العقلاء، لا باعتبار أغراض اُخر، كما أشار إليه الشيخ الأعظم قدّس سرّه (2).

وممّا ذكرناه من اختلاف المباني في اعتبار زمان القيمة، يظهر الحال في اعتبار مكانها، فمع القول ببقاء العين أو المثل على العهدة بعنوان ذاته استقلالاً، فالاعتبار بقيمة بلد الأداء؛ فإنّ أداء قيمة بلده نحو أداء لهما، لا قيمة سائر البلاد، كما ذكرنا في زمان الأداء، ولا فرق بين الزمان والمكان من هذه الجهة.

وإن قلنا بأنّ المثل على العهدة لا العين، وأداء القيمة عند تعذّر المثل غرامة للعين، فالمعتبر قيمة بلد تلف العين.

ولو قلنا بأنّ التعذّر موجب لضمان القيمة، فالتعذّر البدوي موجب لضمان قيمة بلد التلف، والتعذّر الطارئ موجب لضمان قيمة بلد التعذّر، وفي جميع الفروض لا بدّ من لحاظ الأوصاف التي تقدّم ذكرها.

ص: 571


1- تقدّم في الصفحة 541 و553.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 236 - 237.
الثالثة : في ضمان العين التي سقطت ماليتها

لو خرجت العين التي تحت يده عن التقويم وسقطت ماليتها، كما لو أخذ الثلج في الصيف، وحفظه إلى الشتاء وردّه، أو أخذ الماء في المفازة، وردّه عند دجلة، فمقتضى ما ذكرناه في دليل اليد - من أنّ الأوصاف الدخيلة في الرغبات وزيادة القيم مضمونة، من غير فرق بين الحقيقية وغيرها؛ لوقوعها تحت اليد تبعاً (1) - ضمان ذلك، وهذا غير اختلاف القيمة السوقية.

فما أفاده بعض أهل التحقيق، تبعاً لشيخه المحقّق الخراساني بأنّ عهدة اليد مغيّاة بأداء المأخوذ، فلا ينبغي الشكّ في خروج العين عنها بأدائها وإن سقطت عن المالية، كما لا ريب في الخروج عنها بأدائها مع تنزّل قيمتها (2).

غير وجيه في نحو المثالين المتقدّمين، ممّا هو متيقّن مورد البحث، هذا إذا كان دليل الضمان قاعدة اليد.

وأمّا لو كان قاعدة الإتلاف، فقد يقال: إنّ الظاهر منها هو إتلاف المال، لا إتلاف المالية، وإخراج العين من مكان إلى مكان آخر لا مالية لها فيه، إزالة لماليتها، وليس كجعل الخلّ خمراً بإعمال عمل فيه؛ فإنّه إزالة صفة «الخلّية» ويتبعها زوال المالية، فضمانه من حيث إزالة الصفة، لا من حيث إزالة المالية(3).

ص: 572


1- تقدّم في الصفحة 541 و552.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 38 - 39؛ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 391.
3- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 391.

وفيه: أنّ إزالة الصفة الدخيلة في المالية إذا كانت مضمونة، لا يفرّق فيها بين الصفات الحقيقية، والاعتبارية، والإضافية الدخيلة في المالية، فنقل الماء من المفازة إلى شاطئ دجلة، سلب لصفة دخيلة في التقويم، وإزالة تلك الصفة كإزالة صفة الخلّية إتلاف للمال، ومشمول لدليل الإتلاف، كما أنّ حبس الثلج من الصيف إلى الشتاء، إزالة صفة إضافية دخيلة في التقويم.

ثمّ إنّه بناء على ما ذكرناه في مفاد دليل اليد(1)، لا فرق بين بقاء العين كما تقدّم، وبين تلفها تحت يده، مع كونها موصوفة بصفة دخيلة في زيادة القيمة، ولو كانت عند تلفها زائلة، فلو سقطت العين عن القيمة لأجل زوال صفة دخيلة في المالية، صارت مضمونة بتلك الصفة، سواء قلنا بأنّ العين على العهدة، أو المثل.

وممّا ذكرناه يظهر الحال في إسقاط الدول الدرهم عن الاعتبار، فإنّ الدرهم مع وصف رواجه واعتباره، تحت يده ومضمون عليه، ولا بدّ من لحاظ هذه الصفة وتدارك العين الموصوفة بهذه الصفة، سواء كان سقوطه عن الاعتبار موجباً لزوال المالية أو لنقص القيمة؛ فإنّ دليل الضمان يشملهما باعتبار واحد.

وما قيل من أنّه مع سقوط المالية كلّية، ليس أداء المثل تداركاً؛ لأنّ تغريم العين ليس إلاّ من حيث رعاية ماليتها، وما ليس بمال لا يتدارك به المال، ومع بقاء المالية في الجملة يكفي أداء المثل(2).

ص: 573


1- تقدّم في الصفحة 540 و552.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 392.

غير وجيه؛ لأنّ الغرامة إن كانت بلحاظ المالية، فكما أنّ ما ليس بمال لا يتدارك به المال، كذا المالية النازلة، لا تتدارك بها المالية الغالية.

والتحقيق كما عرفت من ضمان الأوصاف الدخيلة في المالية مطلقاً (1)، لا ضمان المالية.

بحث في أخبار الدراهم التي أسقط السلطان اعتبارها

ثمّ إنّ النصوص الواردة في باب الدين والقرض، فيما إذا أسقط السلطان الدراهم عن الرواج - ففي بعضها: «أنّ عليه الدراهم الرائجة، كما أخذ الرائجة»(2)، وفي بعضها: «أنّ له أداء الدراهم الساقطة، لا الرائجة»(3) - لا يستفاد منها حكم المقام؛ لأنّ باب ضمان اليد أجنبيّ عن باب القرض، فإنّ اليد واقعة على الشيء بجميع خصوصياته وصفاته، من غير دخالة الجعل والقرار فيها، وأمّا القرض فهو عقد واقع على نفس الدرهم والدينار، لا الدرهم في مكان أو زمان كذا، فمع تنزّل قيمة الدرهم بإسقاط السلطان ورواج ما هو الأعلى منه، ليس على المقترض إلاّ الدراهم الاُولى، فتأمّل.

ومفروض السؤال في الروايات تنزّل القيمة، لا سقوطها عن المالية، وبينهما فرق عرفاً، وكيف كان: فلا قياس بين البابين.

ص: 574


1- تقدّم في الصفحة 541 و552.
2- راجع وسائل الشيعة 18: 206، كتاب التجارة، أبواب الصرف، الباب 20، الحديث 1.
3- راجع وسائل الشيعة 18: 206 - 207، كتاب التجارة، أبواب الصرف، الباب 20، الحديث 2 و4.

ثمّ إنّ للأخبار المشار إليها وجه جمع مقبول عرفاً، وهو أنّ في صحيحة يونس - بطريق الكليني - موضوع الحكم ما إذا أعطى ما ينفق بين الناس، ثمّ سقطت الدراهم؛ بحيث لا تنفق بينهم، فقال: «لك أن تأخذ منه ما ينفق بينهم، كما أعطيته ما ينفق بينهم»(1).

وأمّا صحيحته الاُخرى بطريق الشيخ(2) فالمفروض فيها ما يكون السقوط موجباً للوضيعة، لا عدم الإنفاق، فتكون الدراهم بعد إسقاط السلطان رائجة، وإن كان فيها وضيعة، فحكم عليه السلام: بأنّ له الدراهم الاُولى المأخوذة لا الثانية، ومعلوم أن لا اختلاف بينهما، وهذان الحكمان عقلائيان.

وأمّا صحيحة صفوان فمضمرة، لا يعلم أنّ المسؤول عنه الإمام عليه السلام أو صفوان؛ لاحتمال أن يكون المسؤول عنه صفوان، وكان الحكم اجتهاداً منه، هذا حال سندها.

وأمّا متنها فهو هذا: سأله معاوية بن سعيد عن رجل استقرض دراهم عن رجل، وسقطت تلك الدراهم، وتغيّرت ولا يباع بها شيء، أ لِصاحب الدراهم الدراهم الاُولى، أو الجائزة التي تجوز بين الناس؟

فقال: «لصاحب الدراهم الدراهم الاُولى»(3).

ص: 575


1- الكافي 5: 252 / 1؛ وسائل الشيعة 18: 206، كتاب التجارة، أبواب الصرف، الباب 20، الحديث1.
2- تهذيب الأحكام 7: 117 / 507؛ وسائل الشيعة 18: 206، كتاب التجارة، أبواب الصرف، الباب 20، الحديث 2.
3- تهذيب الأحكام 7: 117 / 508؛ وسائل الشيعة 18: 207، كتاب التجارة، أبواب الصرف، الباب 20، الحديث 4.

فيحتمل أن يكون المراد أنّها حين استقراضه كانت ساقطة ولم يعلم المستقرض، ولهذا لم يأت بلفظة «فاء» فتكون جملة «وسقطت...» إلى آخرها، جملة حالية للاستقراض، وعدم التصدير بلفظة «قد» سهل، فيكون الحكم فيها على موضوع ثالث، وهو الاستقراض في حال السقوط.

وإن شئت قلت: إنّ صحيحة يونس الاُولى صريحة في مفادها، وهو التفصيل بين الرواج وغيره، وهذه الصحيحة لها ظهور ضعيف قابل للحمل عرفاً على ما ذكر، فيحمل عليه جمعاً، فيرتفع التعارض بينهما.

وأمّا سائر الجموع - كما عن الصدوق والشيخ(1)، وما أفاده بعض الأعاظم(2) قدّست أسرارهم - فغير وجيهة فراجع.

الرابعة : حكم الشكّ في فراغ الذمّة بدفع ما سقط عن المالية

لو شككنا في الخروج عن العهدة بأداء ما سقط عن المالية، فتارةً: يفرض بقاء العين وسقوطها عن المالية، واُخرى: تلفها.

وعلى الثاني تارةً: مع البناء على بقاء العين على العهدة إلى زمان التدارك، واُخرى: مع البناء على وقوع المثل عليها بتلف العين إلى زمانه، وثالثة: مع البناء على انقلاب العين أو المثل إلى القيمة عند التعذّر.

فعلى الأوّل: لو دفع العين مع سقوطها عن القيمة، وشكّ في الخروج عن

ص: 576


1- الفقيه 3: 118 / 504؛ الاستبصار 3: 100 / 345؛ وسائل الشيعة 18: 207، كتاب التجارة، أبواب الصرف، الباب 20، الحديث 3.
2- منية الطالب 1: 316.

العهدة لأجل الشكّ في أنّ التدارك هل يجب بالمالية، أو بخصوصية العين، أو بكليهما؟ فمقتضى الأصل بقاء نفس العين على العهدة، وعدم سقوطها بأداء ما سقطت عن القيمة إلى أن يؤدّي قيمتها مع ذلك.

وليست خصوصية العين شيئاً مضموناً، وخصوصية المالية شيئاً آخر مضموناً مستقلاًّ، حتّى يقال: إنّ أداء خصوصية العين موجب لسقوط ضمانها، والاشتغال بخصوصية المال مشكوك فيه؛ ضرورة أنّ المضمون شيء واحد وإن كانت له مالية، لكن ماليته ليست مضمونة مستقلاًّ، والمفروض عدم إحراز ضمان المأخوذ بماليته، ومعه يشكّ في الخروج عن عهدة العين فيستصحب.

رأي المحقّق الأصفهاني وما فيه

وقد يقال: لا مجال لهذا الأصل؛ إذ لم يثبت للعهدة أثر شرعاً وعرفاً إلاّ وجوب دفع العين، فلا معنى للتعبّد بالقيمة من أجل التعبّد ببقاء العين إلاّ بالأصل المثبت؛ لأنّ بقاءها مع دفع العين ملزوم عادةً أو عقلاً لوجوب التدارك بالمالية، نعم أصالة بقاء الخروج عن عهدة العين بدفعها قبل سقوطها عن المالية لا بأس بها (1)، انتهى.

وفيه: أنّ أصالة بقاء اشتغال الذمّة، لازمه عقلاً وجوب الخروج عن العهدة، وهذا لازم أعمّ للحكم الواقعي والظاهري، كما أنّ وجوب الطاعة لازم أعمّ للحكم الواقعي والظاهري، وفي مثله لا شائبة للمثبتية.

ص: 577


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 392.

فكما أنّ استصحاب وجوب صلاة الجمعة جارٍ، ولازمه العقلي لزوم الإطاعة والإتيان بالمستصحب؛ إذ مع عدم الإتيان يستحقّ العقوبة على الواقع لو فرض المصادفة؛ لتمامية الحجّة وانقطاع العذر، ولو كان حكم العقل بلزوم الإتيان من آثار الواقع، لما جرى الاستصحاب؛ لأنّ الأثر عقلي.

كذلك في المقام، إنّ لزوم الخروج عن العهدة حكم عقلي للأعمّ من الواقعي والظاهري، فكما أنّ العقل حاكم بلزوم الخروج عن عهدة مال الغير مع العلم بالاشتغال، كذلك مع استصحاب بقاء العهدة حاكم بلزوم الخروج عنها؛ لتمامية الحجّة على الواقع.

وبالجملة: لا يراد باستصحاب بقاء العهدة، ترتيب أثر الواقع على الموضوع، حتّى يقال: إنّه أثر عقلي، لا يترتّب عليه إلاّ مع القول بالأصل المثبت، بل يراد إثبات الاشتغال فقط، ومعه يحكم العقل بلزوم الخروج عن العهدة بأيّ شيء يمكن، والمفروض أنّ أداء العين الساقطة عن المالية لا يوجب العلم بالخروج، فلا بدّ من أداء القيمة أيضاً؛ لتحصل البراءة القطعية، بل قاعدة الاشتغال لعلّها كافية.

وأمّا الأصل الآخر الذي نفى البأس عنه، فلا أصل له؛ لأنّ الأصل التنجيزي لا معنى له؛ لعدم تحقّق الدفع حتّى يقال: إنّه كان كذلك سابقاً، بل هو يرجع إلى التعليق في الموضوع بأن يقال: إنّه لو دفعت العين قبل خروجها عن المالية، لكانت مسقطة للعهدة، والآن كذلك، وهو مبنيّ على جريان الاستصحاب في التعليقات الموضوعية، وهو ضعيف.

نعم، لو قلنا بأنّ قاعدة اليد كما أفادت عهدة العين، أفادت حكماً تعليقياً،

ص: 578

وهو الخروج عن العهدة بالأداء، وكان هذا الحكم شرعياً لا عقلياً محضاً، جرى الاستصحاب التعليقي، وهو حاكم على التنجيزي كما قرّر في محلّه(1).

وممّا ذكرناه يظهر الحال في سائر الصور، فإنّ استصحاب بقاء العين على العهدة في فرض تعلّقها على الذمّة حتّى بعد التلف، وبقائها إلى زمان التدارك، جارٍ مع الشكّ في أنّ أداء المثل الساقط عن القيمة، تدارك أو لا، وحكمه لزوم الخروج عن عهدتها بأداء القيمة أيضاً، والاستصحاب التعليقي المقابل غير جارٍ على فرض، وحاكم على آخر كما مرّ.

لكن القائل بعدم جريان الاستصحاب الأوّل في فرض وجود العين للمثبتية، وجريان الثاني، ذهب إلى جريان الأوّل في المقام دون الثاني، فقال: الأصل بقاء العين في العهدة وعدم سقوطها إلاّ بدفع القيمة والمثل؛ تداركاً لحيثية الطبيعة النوعية ولحيثية المالية(2).

وفيه بعد الغضّ عمّا ذكرناه: أنّ استصحاب بقاء العين على العهدة، لا يثبت لزوم التدارك بالمثل والقيمة جميعاً؛ لأنّه ليس أثراً شرعياً للواقع، بل العقل يحكم بلزوم أدائهما لتحصيل القطع بالبراءة.

إلاّ أن يقال: إنّ لزوم أداء المثل في المثلي، والقيمة عند التعذّر، حكم شرعي، ومع الاستصحاب يعلم إجمالاً بلزوم دفع أحدهما أو هما معاً، فأثر الاستصحاب حكم شرعي مردّد، والعلم الإجمالي بالحكم الظاهري منجّز.

ص: 579


1- الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 161.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 394.

وفيه: أنّه على هذا المبنى لا يكون ما ذكر شرعياً، بل عقلي لأجل الأقربية إلى المأخوذ.

وقال في بيان عدم جريان الثاني: إنّه لم يثبت في السابق سقوط العهدة بأداء المثل بذاته، حتّى يقال ببقائه على حاله، بل بما هو أقرب إلى التالف، وهو أمر لبّي، فيشكّ فعلاً في أنّ الأقرب إليه في نظر الشارع هو المماثل في الصورة فقط، أو المماثل للمالية، أو هما معاً، فلا يقطع بسقوط العهدة إلاّ بهما معاً (1).

وفيه: أنّه مع الغضّ عمّا ذكرناه(2)، لا وقع لهذا الإشكال؛ لأنّ مصداق المثل الموجود في الخارج إذا سقط عن المالية، يصحّ أن يقال: «إنّ هذا الموجود كان دفعه مسقطاً لما في الذمّة في زمان ماليته، والآن كما كان» ومنشأ الشكّ كائناً ما كان لا يضرّ بالاستصحاب مع وحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوك فيها؛ فإنّ كون المالية منشأً للأقربية، أو الصورة النوعية، أو هما معاً، محقّق الشكّ.

وهذا نظير ما إذا علم أنّ زيداً واجب الإكرام، ولم يعلم أنّ منشأ وجوبه علمه أو هاشميته، فإنّه مع زوال علمه يشكّ في وجوب إكرامه، فيستصحب بلا إشكال.

ومع البناء على أنّ المثل في العهدة عند تلف العين، لا مانع من جريان استصحاب بقائه، وحكمه العقلي ما عرفت(3).

واستشكل القائل فيه: بأنّ منشأ الشكّ في كفاية أداء المثل، الشكّ في أنّ

ص: 580


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 394.
2- تقدّم في الصفحة 578.
3- تقدّم في الصفحة 577 - 578.

المالية من مقوّمات المثل الذي اشتغلت الذمّة به، حتّى لا يسقط ذمّة المثل بأداء المماثل في الصورة فقط، أو من حالاته حتّى يسقط بأدائه، فالموضوع الذي قد اشتغلت الذمّة به، مردّد بين مقطوع البقاء بعد أداء المثل، ومقطوع الارتفاع بعد أدائه، وإذ لا موضوع محرز فلا مجال للاستصحاب(1).

وفيه: أنّ هذا هو الإشكال المعروف في القسم الثاني من استصحاب الكلّي(2)، وهو مدفوع في محلّه(3).

وفي المقام: إنّ ما في العهدة إمّا المثل المتقوّم بالقيمة، أو المثل غير المتقوّم بها، وهما صنفان من الكلّي؛ أي المثل بلا شرط، فلا إشكال في صحّة استصحاب الطبيعي، ومعه يحكم بلزوم الخروج عن العهدة والقطع بالبراءة، وقضيّة الدوران بين مقطوع البقاء على فرض، ومقطوع الارتفاع على فرض آخر، محقّقة الشكّ أو لازمته، فكلّ أمر مشكوك فيه على فرض، يكون أحد طرفيه مقطوعاً به.

ولو قلنا بأنّ التعذّر يوجب الانقلاب إلى القيمة، ويشكّ في أنّ الخروج عن القيمة في المثل تعذّر أو لا، يستصحب بقاء المثل، وحكمه العقلي ما عرفت؛ من لزوم ردّ المثل والقيمة(4)، فتدبّر.

ص: 581


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 395.
2- اُنظر فرائد الاُصول، ضمن تراث الشيخ الأعظم 26: 192؛ كفاية الاُصول: 461؛ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 413.
3- الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 91 - 93.
4- تقدّم في الصفحة 577 - 578.
الخامسة : حكم التمكّن من المثل بعد دفع القيمة

لو دفع القيمة عند تعذّر المثل ثمّ تمكّن منه، فإن قلنا بأنّ العين على العهدة إلى زمان التدارك، وقلنا: بأنّ أداء المثل نحو أداء ناقص؛ للعذر عن أداء التمام بتلفها، وأنّ أداء القيمة عند تعذّر المثل أداء للعين بوجه أنقص من أداء المثل، وكذا لو قلنا بأنّ المثل على العهدة، وأداء القيمة نحو أداء ناقص للمثل؛ للعذر عن الأداء التامّ.

فلا محيص عن القول: بأنّ وجدان المثل موجب لرفع العذر عن أداء ما في العهدة، وأنّ الأداء الناقص لا يعدّ أداءً عند رفع العذر، فكما أنّ العين لو رجعت بخرق العادة، لا بدّ من أدائها إلى مالكها وأخذ المثل أو القيمة، كذلك أداء القيمة أداء عذري لبعض مراتب العين أو المثل، ومع إمكان الأداء بجميع مراتبه أو بمرتبته الكاملة، لا بدّ من أدائه.

وأمّا إن قلنا بأنّ أداء المثل في المثليات غرامة تامّة وجبران كامل للخسارة، وأداء القيمة عند تعذّره أيضاً غرامة كاملة وجبران تامّ في باب الغرامات، فلا بدّ من التفصيل بين رجوع العين خرقاً للعادة، وبين رفع العذر والتمكّن عن المثل بعد أداء القيمة.

بتقريب: أنّ العين بما لها من الهوية الخاصّة، لا تجبر بالغرامة؛ لأنّ الهويات لا توجب اختلاف الرغبات، فمنّ من حنطة يجبر بمنّ آخر منها، مع تساويهما في جميع الأوصاف الموجبة لاختلاف الرغبات، وكونه ذا هوية خاصّة، لا دخالة له في باب الغرامات.

ص: 596

فلو أتلف منّاً منها، وأدّى منّاً مماثلاً من جميع الجهات الموجبة لاختلاف الرغبات، فقد أدّى الغرامة تامّةً، وجبر الخسارة كاملةً، وخرج عن عهدة ما يكون مضموناً عليه، لكن لم يجبر الهوية الشخصية؛ لعدم كونها دخيلة في الغرامة، لأنّ الدخيل فيها عرفاً هو الطبيعة الموصوفة بصفات دخيلة في الرغبات.

فإذا فرض رجوع العين بشخصها بخرق العادة، فللمالك مطالبة الهوية؛ لعدم جبرها فرضاً، والهوية ملكه، والمثل وإن كان تمام الغرامة، لكنّه غرامة لما هو دخيل في باب الغرامة والضمان، لا لما هو خارج عنه.

وأمّا مع تعذّر المثل، فتكون القيمة تمام دركه وكمال جبره؛ وذلك لأنّ القيمة ليست في عرض سائر الأوصاف، كالعربية في الفرس، والخلوص والكون في بلد كذا في الحنطة، فالقيمة بدل من المثل وغرامة له تامّاً غير ناقص في الغرامة، فمع وجود المثل يكون هو تمام غرامة العين، ومع فقده أو كون العين قيمية، تكون القيمة تمام غرامتها وجابرة للخسارة، ومعه لا معنى لبقاء المثل على العهدة.

وأمّا التفصيل الذي أفاده الشيخ قدّس سرّه (1) فغير وجيه، بل لو عكس الأمر وقال في صورة عدم سقوط المثل عن العهدة كانت القيمة من قبيل بدل الحيلولة؛ بدعوى أنّ القيمة غير جابرة لحيث النوع والمثل، وأمّا مع الانقلاب إلى القيمة، سواء كان الانقلاب للمغصوب أم مثله، فلا رجوع، لكان أوجه.

ص: 583


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 239.

كما أنّ ما قال بعض المحشّين: من أنّ مبنى الشقّ الأوّل من كلام الشيخ - أي عدم جواز الرجوع مع كون المثل على العهدة - على أنّ للمالك إسقاط خصوصية المماثلة للطبيعة، ومطالبة حيثية المالية، ومع إسقاط الاُولى وأخذ الثانية، لا وجه للرجوع(1).

غير وجيه؛ فإنّه مضافاً إلى ما سبق منّا - من عدم جواز إسقاط بعض الحيثيات وإبقاء بعضها (2) - أنّ المبنى لو كان ذلك لكان اللازم التفصيل بين ما إذا أسقط المالك حيثية المثلية وطالب بالبقيّة، وبين ما إذا طالب بالقيمة بلا إسقاط، فإنّه مسلّط على ماله على فرضهم، مع أنّ الكلام في المقام ممحّض فيما إذا أخذ القيمة غرامة، من غير نظر إلى إسقاط المثلية، وأخذها أعمّ منه.

ومن ذلك يتّضح ما في كلام الشيخ قدّس سرّه: من فرضه المراضاة بين الغريم والمالك بأنّ القيمة عوض للمثل(3).

مع أنّه لو فرض المراضاة بينهما، لم يكن فرق بين الصور، ولا يتّجه التفصيل. مضافاً إلى أنّ المفروض أخذ الغرامة ولو من غير رضاه، لا المراضاة بالمعاوضة، ولو فرض مراضاة فإنّما هي لأخذ الغرامة لا للمعاوضة؛ فإنّ باب أخذ الغرامات أجنبيّ عن باب المعاوضات.

ص: 584


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 396.
2- تقدّم في الصفحة 536 و545.
3- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 239.

الأمر السابع : في ضمان القيمة لو كان المأخوذ بالبيع الفاسد قيمياً

اشارة

لو كان التالف في المأخوذ بالبيع الفاسد قيمياً، فلا إشكال في كونه مضموناً بالقيمة في الجملة.

ومحطّ الكلام هو أنّه كما أنّ المثلي المضمون بالمثل مع وجود مثله، يكون ضمانه بالمثل قهرياً إجبارياً في طرفي الضامن والمضمون له؛ بمعنى أنّ الضامن ملزم بأداء المثل، وليس له الخيار بينه وبين أداء القيمة حتّى الدراهم والدنانير، فضلاً عن القيمة السارية في سائر الأجناس، كما زعم بعضهم، وقال: إنّ الضمان في باب الغرامات إنّما هو بالقيمة السارية في كلّ متقوّم، والمقصود جبر الخسارة بأيّ وجه كان(1).

وهو كما ترى مخالف لعمل العقلاء، وللمتفاهم من أدلّة الضمانات.

وكذا المضمون له ملزم بأخذ المثل، وليس له المطالبة بالقيمة، واحتمال كونه

ص: 585


1- حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 133 و134.

بمقتضى دليل السلطنة مسلّطاً على إلغاء خصوصية المثل ومطالبة القيمة(1)، قد عرفت ما فيه(2).

فهل يكون حال القيمة في القيمي كذلك؛ بمعنى أنّ كلاًّ منهما ملزم بأداء القيمة وأخذها، بحيث لو وجد مثل للقيمي من جميع الجهات نادراً، كان للمضمون له إلزام الضامن بأداء القيمة، وكذا لو وجد ذلك في يد الضامن، كان له إلزام المضمون له بالقيمة؟

وبالجملة: ضمان القيمة في القيمي، قهري لا يجوز لهما التخلّف عنه، أو أنّ الضمان بها إرفاقي، فلو أراد الضامن تحصيل المثل وأداءه، ليس للمضمون له ردّه ومطالبة القيمة، وكذا لو كان المثل بحسب الاتّفاق تحت يد الضامن، كان للمضمون له مطالبته، وليس للضامن إلزامه بالقيمة؟

الظاهر عدم استفادة شيءٍ ممّا ذكر من نفس إطلاق أدلّة الضمان، كقاعدة اليد، والإتلاف، واحترام مال المسلم؛ فإنّها غير متعرّضة لهذه الخصوصيات.

نعم، ما يمكن أن يقال: هو أنّ أدلّة الضمانات - على كثرتها في الأبواب المتفرّقة - غير متعرّضة لكيفية ضمان المثلي والقيمي، مع أنّ بيانها محلّ الحاجة جدّاً لو كان للشارع طريقة خاصّة؛ فإنّها أمر مورد للابتلاء في كلّ يوم مراراً، وفي مثله لا يصحّ إهماله مع اختلاف طريقته للعرف، فيستكشف منه أنّ طريقته هي طريقة العقلاء بعينها.

ص: 586


1- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 480.
2- تقدّم في الصفحة 545 و563 - 564.

والمراد بالإطلاق في كلام الشيخ الأعظم قدّس سرّه (1) وغيره(2) ليس المعنى المعهود، بل المراد منه ذكر الضمان بلا بيان الكيفية في المثلي والقيمي.

وهذا نظير ما يقال في أدلّة تطهير النجاسات: إنّ من عدم بيان كيفيته، يمكن

استكشاف وحدة طريقة الشارع مع العرف في كيفية تطهيرها، وإلاّ كان عليه البيان مع هذا الابتلاء العامّ(3)، فالإهمال وعدم البيان في موارد كان للعرف طريق خاصّ فيها، وكان المورد محلّ الابتلاء، كافٍ في استكشاف وحدة الطريقتين، فلا بدّ في المقام مع الغضّ عن الأدلّة الخاصّة التي نتعرّض لها، والبناء على كون المرجع هو الأدلّة العامّة والقواعد الكلّية كقاعدة اليد وغيرها، من مراجعة طريقة العرف في باب الضمان.

والظاهر أنّ نظر العرف في ضمان المثلي بالمثل، والقيمي بالقيمة، أنّ المثل نحو أداء للمضمون وجبر لخسارة المضمون له، كما أنّ القيمة في القيمي أو عند تعذّر المثل في المثلي كذلك، وأنّ البناء على تضمين القيمة ليس بناءً تعبّدياً إلزامياً مطلقاً؛ أي حتّى مع وجود مثله في يد الضامن، أو مع إرادة الضامن أداء المثل من جميع الجهات بنظر العرف؛ فإنّ الإلزام بالقيمة مع ذلك كأنّه خلاف بناء العقلاء في الغرامات، وإن لم نقل به في باب القرض ونحوه(4).

ص: 587


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 217 و228 و241.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 36.
3- راجع مستمسك العروة الوثقى 2: 3 - 4؛ الطهارة، الإمام الخميني قدس سره 4: 129.
4- تحرير الوسيلة 1: 697، مسألة 14.

مقتضى الأخبار ضمان الأشياء بالقيمة حتّى في المثلي

نعم، يمكن استفادة لزوم الغرامة بالقيمة في مطلق الضمانات من بعض روايات الرهن، كموثّقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يرهن الرهن بمائة درهم، وهو يساوي ثلاث مائة درهم فيهلك، أ على الرجل أن يردّ على صاحبه مائتي درهم؟

قال: «نعم؛ لأنّه أخذ رهناً فيه فضل وضيّعه».

قلت: فهلك نصف الرهن؟ قال: «على حساب ذلك».

قلت: فيترادّان الفضل؟ قال: «نعم»(1).

ورواها الصدوق، عن صفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمّار، نحوها إلاّ أنّه قال: «فيهلكه»(2).

يظهر منها بترك الاستفصال، أنّ الرهن سواء كان مثلياً أم قيمياً، وسواء كان المثل متعذّراً أم لا، أو وجد للقيمي مثل أم لا، إذا هلك بتفريط منه مضمون بالقيمة؛ لأنّ سقوط مائة درهم دليل على أنّ الضمان بالقيمة، وإلاّ فلا وجه للسقوط، كما أنّ لزوم تأدية مائتي درهم، دليل على أنّ الدراهم على عهدته في المثلي والقيمي مطلقاً.

ويظهر من التعليل أنّ إتلاف مال الغير مطلقاً بل التلف تحت يده تفريطاً

ص: 588


1- الكافي 5: 234 / 9؛ تهذيب الأحكام 7: 172 / 763؛ وسائل الشيعة 18: 391، كتاب الرهن، الباب 7، الحديث 2.
2- الفقيه 3: 199 / 904.

موجب لضمانها في المثليات والقيميات؛ ضرورة أنّ المتفاهم عرفاً من قوله عليه السلام: «لأنّه أخذ رهناً فيه فضل وضيّعه» أنّ تمام العلّة للضمان هو التضييع، من غير دخالة للرهن والفضل فيه، وهو يفيد قاعدة الإتلاف مع الزيادة، وهي بيان كيفية الضمان؛ وأنّه بالقيمة مطلقاً.

بل لو قرئ «يَهلك» على نسخة الشيخ والكليني بفتح «الياء» على أنّه مضارع مجرّد، يمكن استفادة ضمان اليد في الجملة منها أيضاً، فلا شبهة في دلالتها على الضمان بالقيمة.

والظاهر أنّ مراد الشيخ الأعظم قدّس سرّه ممّا دلّت على أنّه إذا تلف الرهن بتفريط المرتهن، سقط من ذمّته بحساب ذلك(1) هو هذه الرواية وما شابهها؛ ضرورة دلالتها على سقوط مائة درهم بتلف الرهن الذي يساوي ثلاث مائة، ودلّ ذيلها على الحساب بالنسبة لو تلف النصف.

والعجب أنّ السيّد الطباطبائي قدّس سرّه قال: «لم أعثر على هذا الخبر»(2). فكأنّه زعم أنّ مراد الشيخ وجود رواية مشتملة على لفظ «السقوط» وإلاّ فدلالة الروايات على السقوط بالحمل الشائع واضحة.

كما أنّ حمل مثلها على التراضي بينهما واحتسابهما كذلك(3) غريب؛ ضرورة أنّ قوله عليه السلام: «على الرجل أن يردّ على صاحبه مائتي درهم» حكم إلزامي دالّ على أنّ لزوم أداء القيمة لاشتغال ذمّته بها، وإلاّ لم يكن وجه

ص: 589


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 242 - 243.
2- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 496.
3- نفس المصدر.

للزوم أدائها، وأين هذا من التراضي بينهما؟ !

ويدلّ على المقصود قوله عليه السلام: «على حساب ذلك» بعد فرض تلف النصف، وقوله: «فيترادّان الفضل» الذي صدّقه أبو إبراهيم عليه السلام. بل نفس هذه العبارة المنقولة عن أمير المؤمنين عليه السلام في الرهن على ما في بعض الروايات(1)، تدلّ على أنّ الضمان بالقيمة؛ لأنّ معنى ترادّ الفضل أنّ الدين يسقط بحساب الرهن التالف مضموناً، فإن زاد الرهن سقط من الضمان بمقدار الدين، وأخذ الراهن فضله، وإن نقص سقط بمقداره من الدين، وأخذ المرتهن البقيّة.

والسقوط والتهاتر لا معنى لهما إلاّ مع الضمان بالقيمة، فلو فرض أنّ العهدة مشتغلة بالمثل أو العين، لا وجه للتهاتر، بل لا بدّ في المثلي من أداء مثله، وفي القيمي تبقى العين على العهدة إلى زمان الأداء، فالسقوط والتهاتر القهري لا وجه له إلاّ مع الضمان بالقيمة.

مع أنّ في الروايات تصريحاً بذلك.

ففي صحيحة أبي حمزة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول علي عليه السلام: «يترادّان الفضل».

فقال: «كان علي عليه السلام يقول ذلك».

قلت: كيف يترادّان؟

فقال: «إن كان الرهن أفضل ممّا رهن به ثمّ عطب، ردّ المرتهن الفضل على صاحبه، وإن كان لا يسوى ردّ الراهن ما نقص من حقّ المرتهن».

ص: 590


1- كصحيحة أبي حمزة الآتية بعد أسطر.

قال: «وكذلك قول علي عليه السلام في الحيوان وغير ذلك»(1).

وفي صحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الرهن إذا كان أكثر من مال المرتهن فهلك، أن يؤدّي الفضل إلى صاحب الرهن، وإن كان الرهن أقلّ من ماله فهلك الرهن، أدّى إلى صاحبه فضل ماله، وإن كان الرهن يسوى ما رهنه فليس عليه شيء»(2).

ونحوها غيرها ممّا تدلّ على أنّ الضمان بالقيمة من وجوه(3).

وتدلّ أيضاً عليه: ما دلّت على احتساب ما استفاد المرتهن من غلاّت الأرض ممّا عليه، كصحيحة عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في كلّ رهن له غلّة، أنّ غلّته تحسب لصاحب الرهن ممّا عليه»(4).

ورواية إبراهيم الكرخي قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل رهن بماله أرضاً أو داراً لها غلّة كثيرة.

ص: 591


1- الكافي 5: 234 / 7؛ تهذيب الأحكام 7: 171 / 761؛ وسائل الشيعة 18: 390، كتاب الرهن، الباب 7، الحديث 1.
2- الفقيه 3: 199 / 905؛ وسائل الشيعة 18: 392، كتاب الرهن، الباب 7، الحديث4.
3- نحو ما عن ابن بكير قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام في الرهن فقال: «إن كان أكثر من مال المرتهن فهلك أن يؤدّي الفضل إلى صاحب الرهن، وإن كان أقلّ من ماله فهلك الرهن أدّى إليه صاحبه فضل ماله، وإن كان الرهن سواء فليس عليه شيء». وسائل الشيعة 18: 391، كتاب الرهن، الباب 7، الحديث 3.
4- الكافي 5: 235 / 13؛ تهذيب الأحكام 7: 169 / 750؛ وسائل الشيعة 18: 394، كتاب الرهن، الباب 10، الحديث 1.

فقال: «على الذي ارتهن الأرض والدار بماله أن يحتسب لصاحب الأرض والدار ما أخذه من الغلّة، ويطرحه عنه من الدين له»(1).

فإنّ «الغلّة» مطلق فائدة دار أو أرض أو نحو ذلك، حتّى نحو الزرع والثمر(2)، فتدلّ الروايات بإطلاقها على الاحتساب ولو كان المضمون مثل الزرع والثمر، كما دلّت عليه صحيحة محمّد بن قيس(3).

وتدلّ عليه أيضاً روايات متفرّقة:

منها: موثّقة السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليهم السلام: «أنّه قضى في رجل أقبل بنار، فأشعلها في دار قوم، فاحترقت الدار، واحترق أهلها، واحترق متاعهم».

قال: «يغرم قيمة الدار وما فيها، ثم يُقتل»(4).

فإنّ الظاهر منها أنّ الدار وما فيها تغرم بالقيمة، ولو كان المتاع مثلياً أو قيمياً وجد له مثل أحياناً.

ص: 592


1- الفقيه 3: 196 / 890؛ وسائل الشيعة 18: 396، كتاب الرهن، الباب 10، الحديث5.
2- المصباح المنير: 452؛ مجمع البحرين 5: 437؛ أقرب الموارد 2: 884.
3- وهي ما عنه، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إن رهن رجل أرضاً فيها ثمرة فإنّ ثمرتها من حساب ماله، وله حساب ما عمل فيها وأنفق منها، فإذا استوفى ماله فليدفع الأرض إلى صاحبها». وسائل الشيعة 18: 396، كتاب الرهن، الباب 10، الحديث 6.
4- الفقيه 4: 120 / 419؛ تهذيب الأحكام 10: 231 / 912؛ وسائل الشيعة 29: 279، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان، الباب 41، الحديث 1.

واحتمال عطف «ما فيها» على القيمة، فيكون المراد أنّه يغرم قيمة الدار، ويغرم ما فيها، من غير تعرّض للقيمة وغيرها، بعيد مخالف لظاهرها.

كما أنّ احتمال أنّ في مورد قضاء أمير المؤمنين عليه السلام، كان متاع الدار قيمياً لا يوجد مثله، بعيد؛ لأنّ ظاهرها أنّ ذلك من قضاياه الكلّية وأحكامه، لا قضيّة خارجية.

مع أنّه لو سلّم، كانت حكاية أبي عبداللّه عليه السلام لإفادة الحكم، لا لنقل التأريخ، فلا بدّ من بيان ما هو دخيل في حكمه، فلو كان متاع البيت قيمياً، وكان حكم المثلي غير القيمي، كان عليه بيان خصوصية الواقعة الدخيلة في الحكم.

وكيف كان: يستفاد منها قاعدة كلّية، وهي أنّ إتلاف مال الغير موجب لضمان القيمة؛ فإنّ وجوب الغرامة لأجل الضمان لا اقتراحاً، وهو واضح.

كما أنّ خصوصية النار والإشعال في الدار ونحوها، ملغاة بنظر العرف، والظاهر منها أنّ التسبيب لإتلاف مال الغير موجب للضمان بالقيمة.

ومنها: موثّقة السكوني في قضيّة السفرة المطروحة، ففيها: «فإن جاء طالبها غرموا له الثمن»(1).

فإنّ التغريم بالقيمة مع أنّ بعض ما فيها من قبيل المثلي دليل على أنّ الضمان مطلقاً بالقيمة.

إلاّ أن يقال: إنّ ذلك تعبّد خاصّ في المورد؛ للإذن في الأكل، فهو ضمان

ص: 593


1- الكافي 6: 297 / 2؛ وسائل الشيعة 25: 468، كتاب اللقطة، الباب 23، الحديث1.

جعلي لأجل جواز الأكل، فيستقرّ بالأكل، كما تشهد به مرسلة الصدوق(1) كما تقدّم(2).

ومنها: في خصوص القيميات صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: سألته عن بختي مغتلم قتل رجلاً، فقام أخو المقتول فعقر البختي وقتله، ما حاله؟ قال: «على صاحب البختي دية المقتول، ولصاحب البختي ثمنه على الذي عقر بختيه»(3).

وقريب منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبداللّه عليه السلام (4).

ومقتضى إطلاقهما عدم الفرق بين ما وجد له مثل أو لا، وليست غلبة فقدان المثل بحدٍّ توجب الانصراف.

ومنها: موثّقة سماعة قال: سألته عن المملوك بين شركاء، فيعتق أحدهم نصيبه. فقال: «هذا فساد على أصحابه، يقوّم قيمة، ويضمن الثمن الذي أعتقه؛ لأنّه أفسده على أصحابه»(5).

ص: 594


1- الفقيه 3: 190 / 855؛ وسائل الشيعة 25: 443، كتاب اللقطة، الباب 2، الحديث9.
2- تقدّم في الصفحة 505.
3- مسائل علي بن جعفر: 196 / 416؛ وسائل الشيعة 29: 251، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان، الباب 14، الحديث 4.
4- قال: سئل عن بختي اغتلم فخرج من الدار فقتل رجلاً فجاء أخو الرجل فضرب الفحل بالسيف؟ فقال: «صاحب البختي ضامن للدية ويقتصّ ثمن بختيه...» الحديث. الكافي 7: 351 / 3؛ الفقيه 4: 120 / 420؛ تهذيب الأحكام 10: 225 / 888؛ وسائل الشيعة 29: 250، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان، الباب 14، الحديث 1.
5- الكافي 6: 183 / 5؛ وسائل الشيعة 23: 37، كتاب العتق، الباب 18، الحديث 5.

وقريب منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبداللّه عليه السلام (1).

ويظهر من التعليل أنّ ضمان الثمن معلول إفساد مال الغير مطلقاً، ولا يختصّ بهذا النحو من الإفساد في الجملة، كما هو واضح.

نعم، يمكن أن يقال: إنّ التعليل مناسب لأصل الضمان، لا لكونه بالقيمة، فلا يدلّ على أنّ الضمان بالقيمة في مطلق المضمونات.

ومنها: رواية علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن رجل أصاب شاة في الصحراء... إلى أن قال:

«وإن لم تعرف فكلها، وأنت ضامن لها إن جاء صاحبها يطلب ثمنها أن تردّها عليه».

وعن «كتاب علي بن جعفر» مثله، إلاّ أنّه قال: «إن جاء صاحبها يطلبها أن تردّ عليه ثمنها»(2).

والظاهر صحّة الثانية، والاُولى ضعيفة(3)، وظاهرها بعيد عن الأذهان إن قيل: الظاهر منها ضمان نفس العين، واُريد بأدائها الأداء التنزيلي بأداء قيمتها، كما

ص: 595


1- قال: سألته عن المملوك بين شركاء فيعتق أحدهم نصيبه، فقال: «إنّ ذلك فساد على أصحابه، فلا يستطيعون بيعه، ولا مؤاجرته» فقال: «يقوّم قيمة، فيجعل على الذي أعتقه عقوبة، وإنّما جعل ذلك عليه، لما أفسده». الكافي 6: 182 / 1؛ وسائل الشيعة 23: 36، كتاب العتق، الباب 18، الحديث1.
2- قرب الإسناد: 273 / 1086؛ مسائل علي بن جعفر: 104 / 5؛ وسائل الشيعة 25: 459، كتاب اللقطة، الباب 13، الحديث 7.
3- رواها في قرب الإسناد عبداللّه بن جعفر الحميري عن عبداللّه بن الحسن عن جدّه علي ابن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام. والطريق ضعيف بعبداللّه بن الحسن؛ فإنّه مهمل لم يرد في شأنه جرح ولا تعديل.

قلنا في «على اليد...» بحسب بعض الاحتمالات(1)، والظاهر غلط النسخة، والأصل «تردّه عليه» كما تشهد به الصحيحة، بل قوله عليه السلام: «يطلب ثمنها».

ومنها: صحيحة أبي ولاّد الآتية(2)... إلى غير ذلك(3).

فتحصّل من جميع ما ذكر: أنّ مقتضى الأخبار ضمان الأشياء بالقيمة مطلقاً، مثلية كانت أم قيمية، متعذّرة المثل كانت أم لا، ولا بدّ في الخروج عن مقتضاها من دليل مخرج.

خروج المثلي الذي وجد مثله عن مقتضى الأخبار

والظاهر أنّ المثلي الذي وجد مثله خارج عنها، ويكون ضمانه بالمثل، كما ادّعي الإجماع عليه(4).

وقال صاحب «الجواهر»: إنّه من قطعيات الفقه(5).

وعن «غاية المراد»: أطبق الأصحاب على ضمان المثلي بالمثل إلاّ ما يظهر من ابن الجنيد وقد اُوّل كلامه أيضاً (6).

وكيف كان: فلا دليل على خروج مطلق المثلي، بل الخارج ما هو موجود مثله، لا المتعذّر، ولا نادر الوجود.

ص: 596


1- تقدّم في الصفحة 543 و544.
2- تأتي في الصفحة 603.
3- راجع وسائل الشيعة 23: 37 - 39، كتاب العتق، الباب 18، الحديث 4 و6 و9.
4- جامع المقاصد 6: 245.
5- جواهر الكلام 37: 85.
6- غاية المراد 2: 398.

وأمّا صحيحة صفوان الجمّال: أنّه سمع أبا عبداللّه عليه السلام يقول: «من وجد ضالّة فلم يعرّفها، ثمّ وجدت عنده، فإنّها لربّها أو مثلها، من مال الذي كتمها»(1).

وفي نسخة من «الفقيه»(2) وعن «الكافي»: ومثلها ب «الواو»(3).

فلا تقاوم ما تقدّم، مع اختلاف النسخ، واغتشاش المتن؛ لأنّ المفروض وجودها عند الواجد، فلا بدّ من التقدير بأنّه لو كانت تالفة فمثلها، فتعرّضت لفرض غير مذكور، مع أنّه لا يلائم نسخة «الكافي» و«الفقيه» وظهورها في تعلّق ضمان المثل بالمال الخارجي، وهو خلاف المتسالم عندهم، وخلاف أدلّة الضمانات.

مع أنّ الحمل على المماثل في القيمة بقرينة قوله: «من مال الذي كتمها» غير بعيد، سيّما إذا قلنا: بأنّ المثل بالمعنى المعهود اصطلاح حادث، ولهذا قال الشيخ قدّس سرّه في قوله تعالى: (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ...) إلى آخره: «إنّ القيمة مثل عند تعذّر المثل»(4) فحمله على الأعمّ، بل الحمل عليه مقتضى الجمع بينها وبين صحيحة علي بن جعفر، المتقدّمة المصرّحة بضمان الثمن(5).

ص: 597


1- وسائل الشيعة 25: 460، كتاب اللقطة، الباب 14، الحديث 1.
2- الفقيه 3: 187 / 843 (ط. نجف).
3- الكافي 5: 141 / 17.
4- الخلاف 3: 402 و406.
5- تقدّم في الصفحة 595.

الملاك في تعيين القيمة في القيمي

مقتضى القواعد وإطلاقات أدلّة الضمان

ثمّ إنّ الاعتبار في القيمة إمّا أن يكون بيوم الأداء، وهذا هو الأقوى لو قلنا بأنّ العين في المضمونات على العهدة، إمّا بشخصيتها، أو بمطلق خصوصياتها، أو بخصوصياتها الدخيلة في الغرامات، أو قلنا بأنّ المثل على العهدة حتّى في القيميات؛ لما قلنا بأنّ العهدة إذا اشتغلت بالعين أو المثل، لا بدّ من الخروج عنها، وهو بأداء قيمة يوم الأداء؛ فإنّها نحو أداء لهما. وأمّا أداء قيمة الأيّام السالفة أو المستقبلة، فلا يعدّ أداءً إذا نقصت القيمة عن يوم الأداء، وأداءٌ وزيادة إذا زادت(1).

وما قيل من أنّ مالية العين لا تعيّن لها بذاتها، وإذا اُضيفت إلى الأزمان تكون مع تلك الإضافة قيمته مطلقاً (2)، لا ينبغي الإصغاء إليه.

كما أنّ ما قيل من أنّ العين في زمان التلف لا قيمة لها إلاّ فرضاً (3)، قد مرّ ما فيه(4).

نعم، المبنى غير مرضيّ؛ لما تقدّم منّا (5)، لا لما ذكره بعض الأعاظم قدّس سرّه: من

ص: 598


1- تقدّم في الصفحة 544 - 555.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 400.
3- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 379 و388 و402.
4- تقدّم في الصفحة 556 و569 - 570.
5- تقدّم في الصفحة 508.

أنّ جعل الأداء غاية للضمان ملازم لإمكان أداء المضمون، والشخص بعد التلف لا يمكن أداؤه، واللازم الالتزام بسقوط الضمان(1).

وذلك لأنّ أداء المثل أو القيمة نحو أداء عرفاً، فجعل الأداء غاية حتّى في زمان التلف، لازمه أن يكون أداء المثل أو القيمة أداءً عند الشارع، كما هو كذلك عرفاً.

وقد ناقض القائل قوله ذلك بما تقدّم منه في ذيل الأمر الرابع، بأنّ أداء المأخوذ يعدّ أداءً عرفاً وعادةً بأداء مثله أو قيمته، ومع أدائهما فكأنّه لم يتلف منه شيئاً، ويصدق: «أنّه هو الذي أخذه» إلى غير ذلك من تعبيراته(2).

ومع ذلك قال في المقام أيضاً: إنّ أداء القيمة ليس أداءً للمصداق، فلا وجه لسقوط ما في الذمّة بأمرٍ مباين له، ولا يعقل تعيّن القيمة للبدلية بنفسها (3)، فراجع.

ثمّ إنّ القائل جعل أمراً آخر مبنى القول بيوم الدفع، وهو أنّ قوام الشيء بماليته، لا بشخصيته، ومثليته، فما يبقى في الذمّة ما هو الركن للشيء، وهو ماليته التي هي عبارة عمّا ينتفع به، من غير تقديرها بقيمة، فلو كان المأخوذ حقّة من الحنطة فتلفت، بقي في الذمّة ما يشبع عشرة أنفس إلى زمان المطالبة، فيقوّم بقيمة هذا اليوم(4)، انتهى ملخّصاً.

ص: 599


1- منية الطالب 1: 322.
2- منية الطالب 1: 297 و298.
3- منية الطالب 1: 322.
4- نفس المصدر.

وفيه ما لا يخفى من مخالفته لما تقدّم منه ونفي الشبهة عنه بأنّ المرتكز في الأذهان أنّ المثل في المثلي مضمون، وكذا القيمة في القيمي(1)، ولما هو بناء العقلاء في الغرامات.

ثمّ إنّ تفسيره المالية بما ينتفع به، وما ينتفع به بما يشبع عشرة أنفس من الحنطة مثلاً، من غرائب الكلام؛ فإنّ الخصوصيات التي ينتفع بها تكون منشأً لماليات الأشياء لا نفسها.

ثمّ لو بقي في الذمّة عنوان «ما يشبع عشرة أنفس» فلا معنى للزوم أداء قيمة الحنطة مثلاً؛ فإنّ المثل لم يتعلّق بالذمّة كما ذكره، وعنوان «ما يشبع» يصدق على الحنطة، والشعير، وغيرهما.

ولو قيل بأنّ ما يشبع من الحنطة مضمون فيها، فهو كرّ على ما فرّ منه، مع قيد غير صحيح.

وإن قلنا بأنّ القيميات مضمونات بالقيمة، فإن قلنا بأنّ المثل في المثليات، والقيمة في القيميات، يتعلّق بالعهدة حال الأخذ، فتكون العين مضمونة بالمثل حتّى في زمان وجودها، ويكون أداء نفس العين موجباً لسقوط المثل عن العهدة، وكذلك القيمي يكون مضموناً بالقيمة؛ بمعنى أنّ قيمته بالفعل على الذمّة، وأداء العين موجب لسقوطها عكس الاحتمالات السابقة، كان الاعتبار بيوم الأخذ والغصب؛ فإنّه يوم تعلّق القيمة بالعهدة، ولا وجه لتعلّق قيمة العين في سائر الأزمنة عليها؛ لأنّها ليست قيمتها فعلاً وبلا قيد.

ص: 600


1- منية الطالب 1: 297.

وإن قلنا بأنّ معنى ضمان العين أمر تعليقي، هو أنّه لو تلفت يقع على ذمّته المثل في المثلي، والقيمة في القيمي، يكون الاعتبار بيوم التلف.

ومبنى أعلى القيم من يوم الأخذ إلى يوم التلف، هو ضمان الأوصاف حتّى وصف التقويم، وهو ضعيف.

وأضعف منه احتمالات اُخر، كاحتمال الأعلى من يوم الأخذ إلى يوم الأداء، أو من يوم التلف إلى يوم الأداء؛ لابتنائهما على كون ما في العهدة مضموناً؛ وأنّ العين التي هي في العهدة لو علت قيمتها صارت مضمونة، وهو كما ترى؛ ضرورة أنّ الاعتبار في قوله صلي الله عليه و آله وسلم: «على اليد ما أخذت...»(1) إلى آخره، أنّ العهدة مترتّبة على الأخذ، وأنّ الاستيلاء والأخذ سبب للعهدة والضمان، فجعل العهدة استيلاءً خلاف الاعتبار في القاعدة، وخلاف فهم العرف.

ولو جعل الاستيلاء الذي هو العهدة سبباً لعهدة اُخرى، لزم أن يكون فوق العهدة عهدة، وهو كما ترى.

مع أنّ اللازم للمبنى المذكور أن يكون الحكم محقّقاً لموضوعه، وهو وإن كان ممكن الدفع عقلاً كما في الأخبار مع الواسطة(2)، لكن هناك كان موافقاً لارتكاز العرف، بخلافه هاهنا؛ لبعده عنه جدّاً.

مضافاً إلى أنّ الاستيلاء الذي كان بحكم الشرع قهراً على الضامن، خارج عن دليل اليد؛ ضرورة عدم موافقة العقل والعقلاء على ذلك.

ص: 601


1- تقدّم في الصفحة 368.
2- راجع أنوار الهداية 1: 243، الهامش؛ الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 175 - 176.

وبالجملة: إنّ الضمان من أحكام المأخوذ لا المضمون.

ولا يبعد أن يكون أقواها بنظر العرف احتمال ما قبل الأخير، الذي نتيجته اعتبار قيمة يوم التلف، هذا بحسب مقتضى قاعدة اليد، وإطلاقات أدلّة الضمان.

وأمّا بحسب الأدلّة الخاصّة، فلا بدّ من النظر فيها حتّى يتّضح الأمر.

الاستدلال بفقرتین من صحيحة أبي ولاّد على اعتبار قيمة يوم التلف

منها: صحيحة أبي ولاّد الحنّاط قال: اكتريت بغلاً إلى قصر ابن هبيرة ذاهباً وجائياً بكذا وكذا، وخرجت في طلب غريم لي، فلمّا صرت قرب قنطرة الكوفة خبّرت أنّ صاحبي توجّه إلى النيل، فتوجّهت نحو النيل، فلمّا أتيت النيل خبّرت أنّ صاحبي توجّه إلى بغداد، فأتبعته وظفرت به، وفرغت ممّا بيني وبينه، ورجعنا إلى الكوفة.

وكان ذهابي ومجيئي خمسة عشر يوماً، فأخبرت صاحب البغل بعذري، وأردت أن أتحلّل منه ممّا صنعت واُرضيه، فبذلت له خمسة عشر درهماً، فأبى أن يقبل، فتراضينا بأبي حنيفة، فأخبرته بالقصّة، وأخبره الرجل.

فقال لي: وما صنعت بالبغل؟

فقلت: قد دفعته إليه سليماً.

قال: نعم، بعد خمسة عشر يوماً.

قال: فما تريد من الرجل؟

فقال: اُريد كراء بغلي، فقد حبسه عليّ خمسة عشر يوماً.

ص: 602

فقال: ما أرى لك حقّاً؛ لأنّه اكتراه إلى قصر ابن هبيرة، فخالف وركبه إلى النيل، وإلى بغداد، فضمن قيمة البغل، وسقط الكراء، فلمّا ردّ البغل سليماً وقبضته لم يلزمه الكراء.

قال: فخرجنا من عنده، وجعل صاحب البغل يسترجع، فرحمته ممّا أفتى به أبو حنيفة، فأعطيته شيئاً وتحلّلت منه، فحججت تلك السنة، فأخبرت أبا عبداللّه عليه السلام بما أفتى به أبو حنيفة.

فقال: «في مثل هذا القضاء وشبهه تحبس السماء ماءها، وتمنع الأرض بركتها».

قال: فقلت لأبي عبداللّه عليه السلام: فما ترى أنت؟

فقال: «أرى له عليك مثل كِراء بغل ذاهباً من الكوفة إلى النيل، ومثل كِراء بغل راكباً من النيل إلى بغداد، ومثل كِراء بغل من بغداد إلى الكوفة توفّيه إيّاه».

قال فقلت: جعلت فداك، قد علفته بدراهم، فلي عليه علفه؟

فقال: «لا؛ لأنّك غاصب».

قال فقلت: أرأيت لو عطب البغل ونفق أليس كان يلزمني؟

قال: «نعم، قيمة بغل يوم خالفته».

قلت: فإن أصاب البغل كسر، أو دبر، أو غمز؟

فقال: «عليك قيمة ما بين الصحّة والعيب يوم تردّه عليه».

فقلت: من يعرف ذلك؟

قال: «أنت وهو، إمّا أن يحلف هو على القيمة فيلزمك، فإن ردّ اليمين عليك

ص: 603

فحلفت على القيمة لزمه ذلك، أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل حين اكتري كذا وكذا فيلزمك».

فقلت: إنّي كنت أعطيته دراهم ورضي بها وحلّلني.

فقال: «إنّما رضي بها وحلّلك حين قضى عليه أبو حنيفة بالجور والظلم، ولكن ارجع إليه فأخبره بما أفتيتك به، فإن جعلك في حلٍّ بعد معرفته فلا شيء عليك بعد ذلك».

قال أبو ولاّد: فلمّا انصرفت من وجهي ذلك لقيت المكاري، فأخبرته بما أفتاني به أبو عبداللّه عليه السلام، وقلت له: ما شئت حتّى اُعطيكه؟

فقال: قد حبّبت إليّ جعفر بن محمّد عليهما السلام، ووقع في قلبي له التفضيل، وأنت في حلٍّ، وإن أحببت أن أردّ عليك الذي أخذته منك فعلت(1).

وقد اختلفت نسخ الحديث، ففي «الوسائل» و«مرآة العقول» نقلها كما نقلتها بتنكير «البغل» في كلام أبي عبداللّه عليه السلام في ضمان الكراء وضمان البغل(2).

وفي «الوافي» عن «الكافي» و«التهذيب» نقله معرّفاً باللام في جميع الموارد(3).

وفي غصب «الوسائل» نقله منكّراً في بعض الموارد، ومعرّفاً في بعض(4).

ص: 604


1- الكافي 5: 290 / 6؛ تهذيب الأحكام 7: 215 / 943.
2- وسائل الشيعة 19: 119، كتاب الإجارة، الباب 17، الحديث 1؛ مرآة العقول 19: 391 / 6.
3- الوافي 18: 931 / 6.
4- وسائل الشيعة 25: 390، كتاب الغصب، الباب 7، الحديث 1.

وكيف كان: فالظاهر أنّ أبا حنيفة تشبّث بما عن النبي صلي الله عليه و آله وسلم: «الخراج بالضمان»(1) بزعم أنّ المراد منه أنّ الخراج مقابل الضمان؛ أي وقوع العين تحت اليد مضمونة ولو لم تتلف.

مع أنّ الرواية على فرض صدورها، محتملة لمعنىً آخر أقرب إلى الفهم، وهو أنّ العين إذا كان لها خراج، وتلفت تحت يد من استوفى خراجها أو تلف الخراج تحت يده، يكون الخراج بإزاء ضمانه؛ أي ما استقرّ على عهدته من قيمة العين، فإنّ قيمتها تلاحظ باعتبار منافعها، فمع أداء قيمتها لا تؤخذ منافعها.

وهذا أمر لا تستبعده العقول، بخلاف ما أفتى به أبو حنيفة، فإنّه مخالف للعقل والعدل الإسلامي، فلهذا استرجع صاحب البغل، وتحلّل منه أبو ولاّد مع فتواه بنفعه، وقال الصادق عليه السلام ما قال، وقال المكاري ما قال، كما في ذيلها.

ثمّ إنّه لا فرق بحسب الواقع بين تنكير «البغل» وتعريفه في مقدار الكراء؛ لما أشرنا إليه سابقاً: من أنّ الهوية بما هي لا دخالة لها في القيم والرغبات(2)، وما هي دخيلة فيها الخواصّ، والآثار، والأوصاف، ككون البغل قويّاً، سريع السير، مرتاضاً، غير شموس فكلّ ما كان بهذه الأوصاف المرغوبة يكون كراؤه عين كراء غيره.

فقوله عليه السلام: «له عليك كِراء بغل ذاهباً من الكوفة إلى النيل» يراد به البغل المماثل لبغله بحسب فهم العرف وارتكاز العقلاء، لا كراء أيّ بغل شاء،

ص: 605


1- سنن أبي داود 2: 306 / 3508؛ سنن ابن ماجة 2: 754 / 2243؛ سنن الترمذي 2: 376 / 1303؛ السنن الكبرى، البيهقي 5: 321؛ سنن النسائي 7: 254 - 255.
2- تقدّم في الصفحة 498.

كان مخالفاً لبغله أم لا، ومع المماثلة لا فرق بين كراء شخص بغله، أو كراء مماثله، وهو واضح.

الفقرة الاُولى الدالّة على ضمان قيمة يوم التلف

وأمّا مورد الاستشهاد للمقصود ففقرتان منها:

اُولاهما قوله: أ رأيت لو عطب أو نفق أ ليس كان يلزمني؟ قال: «نعم، قيمة بغل يوم خالفته».

ويمكن الاستشهاد بها لإثبات قيمة يوم التلف، بأن يقال: إنّ أبا ولاّد سأل عن الضمان إذا عطب أو نفق، ولا شبهة في أنّ الذهن الخالي عن المناقشات ينقدح فيه من قوله: «لو عطب أو نفق أ ليس كان يلزمني؟» أنّه يلزمني قيمة البغل حال تلفه؛ فإنّها قيمته الفعلية، لا قيمة الزمان الماضي، أو الاستقبال.

وإطلاق كلامه لمّا كان يقتضي ضمان التلف تحت يده مطلقاً، أجاب عليه السلام بأنّ ضمان التلف ثابت لا مطلقاً، بل حال الغصب والمخالفة فقيد يوم المخالفة لدفع توهّم الضمان لو تلف قبل الغصب، وهو في المثال من الكوفة إلى قنطرتها.

ففي الجواب تصديق لقول أبي ولاّد من حيث، وهو لزوم القيمة إذا تلف، التي في ارتكازه وارتكاز كلّ عاقل أنّها تعتبر حال التلف؛ إذ هي القيمة له فعلاً، وردع له من حيث، وهو الذي لازم إطلاقه من أنّ الضمان على فرض التلف، ثابت من وقت الأخذ، فقال عليه السلام: إنّه ثابت يوم الغصب والمخالفة.

فقوله عليه السلام: «يوم خالفته» قيد لقوله عليه السلام: «نعم» أو للفعل المدلول عليه به،كما هو ظاهر التركيب اللغوي، والقيمة الموردة للتصديق قيمة يوم التلف.

ص: 606

كلام الشيخ الأعظم وما فيه

وأمّا ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه - فبعد لزوم توجيه الوجه الأوّل بأنّ مراده من «إضافة القيمة المضافة إلى البغل إلى اليوم ثانياً»(1)، هو أنّ القيمة مضافة إلى البغل، وهو مضاف إلى اليوم، لا لإفادة تقييده، بل لإفادة تقييد القيمة المضافة إليه، وأنّ المضاف إلى المضاف إلى الشيء مضاف إلى ذلك الشيء ثانياً؛ أي مع الواسطة، ويشعر به قوله عقيب ذلك وتفريعاً عليه: «فيكون إسقاط حرف التعريف من البغل للإضافة»(2) - يكون مخالفاً للظاهر جدّاً؛ لأنّ إضافة البغل إلى اليوم غير مأنوسة، ومخالفة للذوق والفهم العرفي.

فلو أراد إضافة القيمة إلى اليوم بعد إضافتها إلى البغل، كما يوهم ظاهر كلامه، فهو أبعد، لو سلّم إمكانه. كما أنّ إضافة المجموع إليه غير صحيح.

وكونه قيد الاختصاص(3) وإن أمكن بلحاظ ثانوي، ولا إشكال في تقييد المعاني الحرفية عقلاً، لكنّه مخالف للظاهر جدّاً.

ثمّ إنّه قد يقرّر عدم إمكان ما هو ظاهر كلام الشيخ قدّس سرّه في الإضافة اللفظية؛ بأنّ لفظ «القيمة» لم يذكر على النهج الخاصّ إلاّ مرّة واحدة، ولا يعقل وجوده الشخصي مرّة اُخرى لتضاف إلى اليوم(4).

ص: 607


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 247.
2- نفس المصدر.
3- نفس المصدر.
4- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 404.

وفيه: أنّ ذلك مبنيّ على زعم أنّ في الإضافة اللفظية، لا بدّ من جعل المضاف في اللفظ مرتبطاً بالمضاف إليه، مع أنّه في المتصرّمات غير معقول؛ فإنّ الارتباط المذكور لا يعقل أن يكون قبل الاستعمال، وهو واضح، ولا بعده؛ فإنّه لا مضاف ولا مضاف إليه، بعد تمامية ذكر المضاف؛ لانعدام المضاف، وعدم تحقّق المضاف إليه، ولا حال الاستعمال؛ لعدم تمامية المضاف، وعدم وجود المضاف إليه.

بل التحقيق: أنّ اللفظ المضاف لا يفيد إلاّ معناه، وكذا المضاف إليه، والربط المذكور مفاد الهيئة، فكما يمكن أن يفيد الإخبارات المتعدّدة عقيب ذكر المبتدأ، فيقال: «زيد عالم قادر عادل» فهذه الهيئة أو الهيئات تفيد المعاني التصديقية المتعدّدة، ولا يحتاج إلى تكرار المبتدأ، كذلك يمكن أن يفيد الإضافات المتعدّدة بالعطف، ويمكن إفادة المتعدّدة منها بغير العطف، فيقال: «غلام زيد هند» من غير لزوم تكرار اللفظ، فالإضافة مفاد الهيئة، لا المضاف، أو المضاف إليه.

نعم، يمكن الإشكال: بأنّ هذا غير معهود في الاستعمالات، وهو أمر غير عدم المعقولية.

ويقرّر الامتناع في الإضافة المفهومية؛ بعدم تعقّل ملاحظة مفهوم القيمة في المثال، مع مفهومين مترتّبين في مرحلة الاستعمال، في استعمال واحد، متقوّم بلحاظ واحد؛ فإنّ لازمه اجتماع اللحاظين في لحاظ واحد(1).

وفيه: أنّ ذلك مبنيّ على لزوم لحاظ المضاف حال استعمال المضاف إليه،

ص: 608


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 404.

وهو غير مسلّم، بل غير صحيح؛ لأنّ كلّ لفظ استعمل في معنىً، يلاحظ المعنى ويستعمل اللفظ فيه، وبعد الانتقال إلى اللفظ المتأخّر والمعنى المتأخّر ينصرم اللفظ، ويذهل عن المعنى بوجه تفصيلي، وإن كان محفوظاً في الارتكاز، خصوصاً في الجمل المشتملة على القيود الكثيرة.

فعند ذكر المضاف لا يلاحظ إلاّ معناه، كما أنّ الملحوظ في حال ذكر المضاف إليه هو معناه، واشتمال الجملة على هيئة ملحوظة على النحو الحرفي، موجب لتحقّق الإضافة وإفادة الربط، فلو فرض أنّ الهيئة الكذائية كانت دالّة على إضافة أمرين بالمضاف، لا يأبى العقل عن صحّتها.

وإن كان الإشكال عدم كون مثله معهوداً في الاستعمالات، فهو معنىً آخر غير عدم المعقولية، مع أنّ ما ذكره على فرض صحّته يلزم منه اجتماع الملحوظين في لحاظ واحد، وهو غير ممنوع.

ولو قيل: إنّ تشخّص اللحاظ بالملحوظ، فمع تعدّده يتعدّد.

يقال: إنّ تعدّد اللحاظ والملحوظ في عرض واحد ممكن وواقع.

وأمّا الإشكال بأنّ المعاني الحرفية غير قابلة للّحاظ والتقييد(1)، فقد فرغنا عن تهجينه في الاُصول(2)، فراجع.

وأمّا قوله: «تعلّق الظرف بقوله عليه السلام: «نعم» يعني يلزمك يوم المخالفة قيمة بغل، بعيد جدّاً، بل غير ممكن؛ لأنّ السائل إنّما سأل عمّا يلزمه بعد التلف بسبب

ص: 609


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 404 و406.
2- مناهج الوصول 1: 286.

المخالفة، بعد العلم بكون زمان المخالفة زمان حدوث الضمان»(1).

ففيه: أنّ الظاهر هو السؤال عن أصل الضمان، وإلاّ كان الحقّ أن يقول: «ما يلزمني يوم المخالفة؟» ولعلّ منشأ السؤال ما سمع من أبي حنيفة؛ من أنّ ضمان الأصل لا يلائم ضمان الكراء، وأنّ «الخراج بالضمان» ورأى السائل أنّ أبا عبداللّه عليه السلام أثبت الكراء، فأراد أن يستفسر منه أنّه مخالف لأبي حنيفة في الكراء وضمان أصل البغل، أو في الكراء فقط؟

وبعبارة اُخرى: إنّ أبا حنيفة ادّعى الملازمة بين ضمان البغل وسقوط الكراء؛ بتوهّم أنّ «الخراج بالضمان» وحيث ردّ أبو عبداللّه عليه السلام عليه بأنّ الكراء ثابت، زعم أبو ولاّد أو احتمل أنّ ثبوت الكراء كاشف عن عدم ضمان الأصل؛ للملازمة بين ثبوت الضمان وسلب الكراء على ما أفتى به أبو حنيفة، فسأل أنّه مع ثبوت الكراء هل يثبت الضمان، وقال: «أرأيت لو عطب...؟» إلى آخره، ولعلّ همزة الاستفهام في «أليس يلزمني» من زيادة النسّاخ، وإن كان ثبوتها أيضاً لا مانع منه.

وبالجملة: سأل أبو ولاّد عن ضمان الأصل؛ باحتمال سقوطه مع ثبوت الكراء، فأجاب عليه السلام بثبوته؛ أي ثبوت هذا المعنى التعليقي، أي لو عطب أو نفق يلزمه، لا مطلقاً، بل يوم المخالفة.

فكأنّه قال: يلزمك يوم المخالفة والاستيلاء على مال الغير غصباً قيمة بغل إذا عطب أو نفق، فهذا المعنى التعليقي ثابت بالفعل يوم الغصب، كما قلنا في خبر «على اليد...»(2) فمضمون الصحيحة موافق لخبر «على اليد...» مع اختلاف

ص: 610


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 247 - 248.
2- تقدّم في الصفحة 601 و603.

غير جوهري، وهو ذكر القيمة؛ لكون المورد من القيميات.

وربّما يقال تأييداً للشيخ الأعظم قدّس سرّه: إنّ هذه الفقرة ظاهرة في قيمة يوم المخالفة، من غير لزوم ما ارتكبه الشيخ من مخالفة القواعد العربية، والخروج عن طريقة أهل اللسان، فإنّه بناءً على أن يكون «يوم خالفته» متعلّقاً ب «نعم» فيكون المعنى أنّه يلزمك يوم المخالفة القيمة، أمّا أنّها قيمة ذلك اليوم أو غيره، فالحديث ساكت عنه، إلاّ أنّه بالالتزام يدلّ على أنّ المدار على قيمة يوم المخالفة؛ فإنّه لو لم يكن يوم المخالفة إلاّ يوم دخول نفس العين في العهدة، لكان ذكر القيمة بلا موجب؛ لأنّ مالية المال إذا قدّرت بالقيمة يوم المخالفة، فلا محالة تكون القيمة قيمة ذلك اليوم؛ لأنّه لا يعقل أن يكون الضمان بقيمة يوم المخالفة فعلياً، ويقدّر قيمة يوم ما بعد المخالفة(1)، انتهى.

وأنت خبير بما فيه؛ فإنّ ذكر «القيمة» ليس لكونها ثابتة فعلاً على عهدته، بل لأجل أنّه لو تلف البغل ثبتت القيمة، فلم تقدّر القيمة يوم المخالفة، ولا يكون الضمان بمعنى ثبوت القيمة على عهدته فعلاً.

وثبوتها على فرض التلف، تقدير لها بيوم التلف عرفاً؛ لأنّ ضمان قيمة الشيء إذا تلف هو قيمته حال التلف، وسائر القيم ليست قيمته فعلاً.

فتصير العبارة على فرض تعلّق الظرف ب «نعم» هكذا «يلزمك يوم المخالفة قيمة بغل إذا تلف» وهي ظاهرة في قيمة يوم التلف، وإن كان ثبوت هذا المعنى التعليقي يوم المخالفة.

ص: 611


1- منية الطالب 1: 324 - 325.

والعجب أنّه مع البناء على تعلّق الظرف ب «نعم» جعله في كلامه متعلّقاً بالقيمة، حتّى قال ما قال.

وأعجب منه قوله: إنّ «البغل» في بعض نسخ «الكافي» و«الاستبصار» محلّى باللام، فيكون يوم المخالفة حالاً من القيمة(1).

وفيه: أنّ الحال وصف مبيّن للهيئة، ولا يكون اليوم وصفاً للقيمة، فجعله حالاً مخالف للواقع وللقواعد العربية.

المحتملات بناءً على تجرّد البغل من «اللام»

ثمّ إنّ في العبارة على فرض تجرّد «البغل» من «اللام» احتمالين: أحدهما: كون «البغل» منوّناً، والثاني: كونه مضافاً إلى اليوم.

والثاني بعيد، وعلى فرضه لا يكون ظاهراً في قيمة يوم المخالفة، ولا يكون الظرف حينئذٍ متعلّقاً ب «نعم» أو الفعل المستفاد منه.

ولعلّ إضافته إليه للدلالة على أنّ في يوم المخالفة الذي كان أوائل سيره، لعلّ البغل كان سميناً نشيطاً على صفات، ويحتمل زوالها عنه بعده، فهي مضمونة كما تقدّم(2)، فلا بدّ من لحاظه بتلك الصفات، ولم يحتمل زيادة صفة مرغوبة عليه في خلال ذلك السفر، لكن يحتمل قريباً بل يظنّ مع ذاك التعب وسرعة السير به؛ لأخذ الغريم في المسافات البعيدة، زوال الصفات المرغوبة، فالاعتبار بيوم المخالفة على هذا الوجه ليس لدخالته ذاتاً، بل لاحتمال موصوفيته بما ذكر.

ص: 612


1- منية الطالب 1: 326.
2- تقدّم في الصفحة 541 و552.

وبالجملة: الظاهر منه على فرض الإضافة، أنّ البغل الموصوف بصفات يوم المخالفة مضمون بقيمة يوم التلف، بالتقريب الذي تقدّم(1).

وأمّا لو قرئ منوّناً، يكون الظرف متعلّقاً ب «نعم»، ولا فرق في المقصود بين تنكيره وتعريفه؛ لما عرفت من أنّه مع التنكير يراد المماثل من الجهات المرغوب فيها (2).

وأمّا قول الشيخ الأعظم قدّس سرّه: «إنّ إسقاط حرف التعريف من «البغل» للإضافة، لا لأنّ ذا القيمة بغل غير معيّن، حتّى توهّم الرواية مذهب من جعل القيمي مضموناً بالمثل، والقيمة إنّما هي قيمة المثل»(3).

فغير ظاهر؛ لأنّه مع إسقاط حرف التعريف والإضافة إلى اليوم، يستفاد منه قيمة البغل بالصفات التي في ذلك اليوم، أو قيمة ذلك اليوم، ومع التنكير فإنّه ظاهر في أنّ عليه يوم المخالفة قيمة بغل مماثل لبغله إذا عطب أو نفق، وهو نصّ على خلاف ذلك المذهب، فكيف يوهمه؟ !

استظهار تعلّق «يوم تردّه» ب- «عليك»

ثمّ إنّ في قوله: «فإن أصاب البغل كسر، أو دبر، أو غمز؟».

فقال عليه السلام: «عليك قيمة ما بين الصحّة والعيب يوم تردّه عليه» احتمالات كثيرة، حاصلة من تعلّق «يوم تردّه» ب «عليك» أو ب «القيمة» أو ب «العيب».

ص: 613


1- تقدّم في الصفحة 606.
2- تقدّم في الصفحة 497 و605.
3- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 247.

وعلى أيّ تقدير: يكون المراد من «الردّ» ردّ قيمة ما به التفاوت؛ أي الأرش، أو ردّ البغل.

وعلى أيّ تقدير: يكون المراد ب «عليك» حكم وضعي، أو تكليفي، ولازم كلّ احتمال معلوم عند التأمّل.

ويشترك الكلّ في شبهة، وهي أنّه لو لم يتعقّب الأمر بردّ الأرش والبغل، لزم أن لا يكون ضمان أصلاً؛ فإنّ قيمة يوم الردّ، أو عيب يومه، أو ضمان يومه، لا تتحقّق إلاّ بتحقّق اليوم، وهو كما ترى.

وأيضاً يشترك الكلّ في شبهة اُخرى، وهي أنّ القيمة في غير يوم التلف فرضي لا واقعي؛ لأنّ قيمة يوم ردّ البغل، أو ردّ الأرش، ليست متحقّقة؛ لأنّ البغل الموجود فعلاً لم يكن متحقّقاً في الزمان الآتي، فكيف يمكن تحقّق قيمته؟ ! فهي إذن فرضي لا واقعي، ولازمه جعل ضمان تعبّدي فرضي غير مرتبط بالتعيّب والتلف، إلاّ في فرض ضمان يوم التلف.

والظاهر أن يكون «اليوم» متعلّقاً ب «عليك» نظير الجملة السابقة، فحينئذٍ ليس المراد منه أنّ الضمان يتعلّق بعهدته يوم الردّ؛ ضرورة أنّ يومه غير دخيل في أصل تعلّق الضمان، فلا بدّ من حمله على ما تعارف تعبيره: «بأنّ عليك ردّ التفاوت يوم تردّ البغل» أي إذا تردّه تردّ ما به التفاوت أيضاً، من غير عناية إلى دخالة يوم الردّ في شيء، فحينئذٍ يستفاد منه قيمة يوم التلف والعيب، بعد ضمّ قوله: «إن أصاب البغل...؟» إلى آخره إليه، كما مرّ نظيره في الفقرة السابقة(1).

ص: 614


1- تقدّم في الصفحة 606.

وقال صاحب «الجواهر» قدّس سرّه في كتاب الغصب: «إنّ الموجود فيما حضرني من نسخة «التهذيب» الصحيحة المحشّاة «تردّه عليه» من دون لفظ «اليوم» ومعناه تردّ الأرش عليه مع البغل»(1).

وهو غير بعيد، وإن كان حقّ العبارة حينئذٍ «تردّها» بضمير التأنيث، لكن أمره سهل، فتكون نسخة «الجواهر» موافقة لما استظهرناه، كما أنّ ما ذكرناه موافق لقواعد باب الضمان؛ من ضمان قيمة يوم التلف في القيميات، كما هو ظاهر «من أتلف...» و«على اليد...».

تفصيل في ضمان العيب بعد ارتفاعه

نعم، هنا كلام، وهو أنّ العيب والنقص لو ارتفع، هل يرتفع الضمان به مطلقاً؟ !

أو لا مطلقاً؟

أو تفصيل بين الوصف القابل للزيادة كالسمن فلا يرتفع، وغيره فيرتفع؟

أو تفصيل بين أن يكون زوال العيب عوداً للحالة السابقة عرفاً، كما لو نسي العبد فتنزّل سعره، ثمّ زال النسيان، أو شمست الدابّة، ثمّ زال وصفها، فإنّ في مثلهما عوداً للوصف السابق، أو يكون زواله بحصول وصف مماثل له، كما لو زال شعرها فتنزّلت قيمتها، ثمّ نبت شعرها مثل الأوّل؟

والأقوى هو هذا التفصيل؛ فإنّ في مثل الوصف العائد يكون غاية قاعدة اليد حاصلة، فإنّه لو أدّى العبد بعد ذكره، يكون مؤدّياً لما أخذ، بخلاف ما إذا زال

ص: 615


1- جواهر الكلام 37: 102.

وصف وحصل مثله، فإنّه ضامن لما أخذه ولو تبعاً، وما أدّاه مثله لا عينه، ولا يرتفع الضمان به، وهذا نظير ما لو خرب البناء تحت يده مضموناً، ثمّ بنى نحوه، فإنّ ذلك لا يرتفع به الضمان، وهو واضح.

وما قلنا في ضمان اليد يأتي في ضمان الإتلاف؛ فإنّ المتلَف لو عاد عيناً عرفاً سقط الضمان، بخلاف ما لو عاد مثله.

المراد من قوله : «فمن يعرف ذلك؟»

ثمّ إنّ في قوله: «فمن يعرف ذلك؟» احتمالين:

أحدهما: من يعرف قيمة البغل؟ وعلى ذلك جرت كلماتهم ثمّ وقعوا في حَيْصَ بَيْصَ في إرجاع الحلف والبيّنة إلى شخص واحد، وهو خلاف قواعد باب القضاء، فهرب كلّ مهرباً (1).

والثاني: الذي هو ظاهر الرواية، وإن لم أرَ احتماله في كلماتهم: أن يكون المراد من يعرف قيمة ما بين الصحيح والمعيب؟ لأنّ الجملة الاُولى قد أعرض عنها سؤالاً وجواباً، وتوجّه السائل إلى مسألة اُخرى هي ضمان العيب، فأجاب بضمان قيمة ما بين الصحيح والمعيب، فقوله: «من يعرف ذلك؟» عقيب هذه الجملة، ظاهر في الرجوع إلى الثانية، والاختصاص بالاُولى بعيد جدّاً، والرجوع إليهما بعيد أو غير ثابت.

ص: 616


1- الحدائق الناضرة 21: 595؛ جواهر الكلام 37: 223 - 225؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 251؛ حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 43؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 509؛ منية الطالب 1: 329.

ومع الرجوع إلى الثانية، يمكن أن يقال: إنّ الظاهر من قوله عليه السلام: «إمّا أن يحلف هو على القيمة فيلزمك» هو الحلف على قيمة البغل المعيوب الموجود بين أيديهما، لا على قيمة أيّام اُخر، ومعلوم أنّ في الاختلاف بينهما في قيمة المعيوب يكون صاحب البغل منكراً؛ لأنّه يريد أن يجلب النفع إلى نفسه، فينكر زيادة قيمة المعيب، بخلاف صاحبه، فإنّه يريد دفع الضرر عن نفسه، فيدّعي زيادة قيمته.

فمع كون قيمة الصحيح خمسين، فإن كانت قيمة المعيب عشرين، يكون التفاوت ثلاثين، وإن كانت ثلاثين يكون التفاوت عشرين، فالضامن يدّعي الثلاثين، وصاحب البغل ينكره، فالقول قوله، فيحلف أو يردّ الحلف إلى صاحبه.

الفقرة الثانية المتوهّم دلالتها على ضمان قيمة يوم التلف

وأمّا قوله عليه السلام: «أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل يوم اكتري كذا وكذا» صريح في أنّ اختلافهما راجع إلى قيمته حال الصحّة، دون حال العيب، وإن كان الاختلاف لتشخيص ما به التفاوت بينهما، ومن المعلوم أنّ في هذا الاختلاف يكون القول قول الضامن، وصاحب البغل مدّعٍ للزيادة.

وبالجملة: ظاهر الجملة الاُولى هو الاختلاف في قيمة المعيب، فيتوجّه الحلف إلى صاحب البغل، وصريح الجملة الثانية أنّ الاختلاف بينهما في قيمة الصحيح؛ لأنّ يوم الكراء يوم صحّة البغل، والاختلاف في قيمة الصحيح لتشخيص ما به التفاوت، فيكون صاحب البغل مدّعياً، والضامن منكراً، فالرواية

ص: 617

متعرّضة لصورتين من صور الدعوى بحسب الظهور والصراحة، وموافقة للقاعدة، ويستفاد منها الصورة الثالثة.

وما ذكرناه وإن كان مخالفاً للظاهر في الجملة؛ أي الظهور في وحدة القضيّة، لكن ليس ذلك الظهور بمثابة أمكن معه رفع اليد عن القواعد المسلّمة، سيّما مع الاحتمال الذي ذكرناه بالتقريب المتقدّم.

ولا أقلّ من التعارض بين الظهور الذي قرّبناه، وظهور سياق الكلام في وحدة القضيّة، فلا يصحّ الاستدلال بها، وتخصيص القواعد المحكمة.

وإن شئت قلت: إنّه بعد ظهور السؤال والجواب في قضيّة التفاوت بين الصحيح والمعيب، أنّ طبع النزاع فيها يرجع إلى الاختلاف في قيمة الصحيح، أو قيمة المعيب، أو فيهما معاً.

وفي الاختلاف الأوّل كان المالك مدّعياً، وفي الثاني منكراً، ولم يكن أبو عبداللّه عليه السلام بصدد بيان جميع خصوصيات باب القضاء في اختلافهما؛ لأنّه كان محوّلاً إلى القاضي عند حضور المتخاصمين، بل أجمل عليه السلام في ذلك.

ومع ذلك يمكن كشف مورد الاختلاف من الرواية، بعد معهودية أنّ البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه بين المسلمين، من زمن رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم، وكان في عصر أبي عبداللّه عليه السلام هذا الحكم معروفاً معلوماً، ومن القواعد المحكمة المغروسة في الأذهان، ومعها يستكشف من فتوى أبي عبداللّه عليه السلام بتوجّه الحلف إلى المالك، أنّ محلّ الخلاف قيمة المعيب، ولا محالة كان الضامن مدّعياً، والمالك منكراً.

والقضيّة الثانية التي أفتى فيها بإقامة المالك البيّنة على أنّ قيمة البغل

ص: 618

يوم الإكراء كذا، يستكشف من فتواه أنّ هذه قضيّة اُخرى، يتوجّه الحلف فيها إلى الضامن، والبيّنة على المالك.

وبما أنّ احتمال(1) تخصيص القاعدة المعروفة من عهد رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم كان

بعيداً في الأذهان، يستكشف مورد القضيّتين.

مع أنّك قد عرفت: أنّ طبع هذا الخلاف يكون ذا جهتين وحيثيتين، فبإحداهما يكون المالك مدّعياً، وبالاُخرى منكراً.

وما ذكرناه لو لم يكن ظاهر الرواية أو مستكشفاً منها، فلا أقلّ من كونه احتمالاً مساوياً، لا يمكن استظهار خلافه، ولا يصحّ تخصيص مثل تلك القاعدة بها، مع أنّ التخصيص بخصوص كراء البغل أو كراء الدابّة، غير وجيه جدّاً، وبمطلق الغاصب غير ممكن الالتزام.

وما قيل من أنّ ذلك مقتضى أخذ الغاصب بأشقّ الأحوال(2) ليس بشيء، ولا أظنّ التزامهم بخروج مطلق الغاصب عن قواعد باب القضاء.

ولعلّ نظرهم في الحمل على قيمة نفس البغل، إلى قوله: «من يعرف ذلك؟» فإنّ البغل لو كان موجوداً لا يقال ذلك، ولم يجب الإمام عليه السلام بما أجاب، بل أرجعهما إلى أهل الخبرة، ولم يحكم بالحلف؛ فإنّه بعد فقد البيّنة، فيعلم منه عدم إمكان إقامتها لفقد البغل، ولهذا قال: «أو يأتي صاحب البغل...» إلى آخره؛ لأنّ قيام البيّنة حال الاكتراء ممكن.

ص: 619


1- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 509.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 151؛ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 417.

وفيه: - مضافاً إلى أنّ ما ذكر مجرّد تخريص ظنّي، لا يتّكل إلى ظهور - أنّ تفاوت ما بين الصحّة والعيب الحاصل حين حدوثه، أيضاً مجهول نوعاً لغيرهما؛ لأنّهما عارفان بمقدار نشاط البغل وصفاته الدخيلة في القيمة.

وأمّا مقدار حصول العيب فمعلوم للغاصب، وكذا للمكاري بحسب تخصّصه في تلك الاُمور؛ وأنّ كسر اليد إذا مضى عليه خمسة أيّام مثلاً، كان بحسب الحدوث بأيّ مقدار ونقص من القيمة كذا، ولمّا كان الميزان يوم حدوث العيب، والاندمال لا ينظر إليه، يكون إقامة البيّنة غير ميسورةٍ، فأرجعهما إلى الحلف بأنّ قيمة البغل في زمان الحدوث كذا وكذا.

وما ذكرنا وإن كان لا يخلو من تكلّف، لكن كفى في مقابل ما قيل، وفي عدم جواز رفع اليد عن الظهور، وترك القواعد في باب القضاء.

وممّا ذكرناه في معنى الصحيحة، يظهر أنّ ما رامه الشيخ الأعظم قدّس سرّه من استفادة قيمة يوم الغصب من الفقرة الثانية(1)، غير وجيه، كما يظهر بالتأمّل.

تكفّل الصحيحة لحكم الضمان مطلقاً لا خصوص الغصب

ثمّ إنّ الصحيحة وإن وردت في مورد الغصب، لكن لا تبعد استفادة حكم الضمان مطلقاً منها، بأن يقال: لو كان المستفاد منها ما يحتمل دخالة الغصب فيه كأعلى القيم مثلاً، لم يصحّ إسراء الحكم إلى مطلق باب الضمان، لكن بعد استفادة قيمة يوم التلف منها، لا يحتمل خصوصية في الغصب بالنسبة إلى يومه؛ لأنّ قيمة يوم التلف قد تكون أقلّ من سائر الأيّام، ومعه لا خصوصية في

ص: 620


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 248.

الغصب، فيفهم العرف منها أنّ ما ذكره من ضمان يوم التلف حكم الضمان، لا ضمان الغاصب، وإلاّ يلزم أن يكون ضمانه في بعض الأحيان أقلّ من غيره، سيّما مع كون ضمان يوم التلف عقلائياً.

مع ما عن الحلّي قدّس سرّه: «إنّ البيع الفاسد يجري عند المحصّلين مجرى الغصب في الضمان»(1).

ولعلّ نظر المحصّلين أيضاً إلى الأمر العقلائي، وهو أنّ أبواب الضمان على نسق واحد، هذا إذا كان مراد الحلّي قدّس سرّه تسوية البابين في كيفية الضمان أيضاً، لا في أصل الضمان.

الاستدلال بروايات الرهن على اعتبار قيمة يوم التلف

وممّا يمكن الاستشهاد به للمطلوب - أي ضمان المقبوض بالبيع الفاسد بقيمة يوم التلف - روايات الرهن المتقدّمة(2):

كموثّقة أبان بن عثمان، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «في الرهن إذا ضاع من عند المرتهن من غير أن يستهلكه رجع بحقّه على الراهن فأخذه، وإن استهلكه ترادّا الفضل بينهما»(3).

بناءً على أنّ المفروض في الجملة الثانية أيضاً الضياع، وأراد التفصيل

ص: 621


1- السرائر 2: 285.
2- تقدّمت في الصفحة 588 - 592.
3- الفقيه 3: 196 / 893؛ تهذيب الأحكام 7: 172 / 765؛ وسائل الشيعة 18: 386، كتاب الرهن، الباب 5، الحديث 2.

في موضوع الضياع بين التفريط وغيره، أو بين التضييع وغيره، فتدلّ في الرهن أنّه مع ضياعه بتفريط أو تضييع يسقط المقدار المقابل، ويترادّان الفضل، والظاهر منه أنّ الاستهلاك موجب للتهاتر، وأنّ به ينتقل الرهن إلى القيمة.

وأمّا إذا كانت الجملة الثانية في غير فرض الضياع؛ بأن يراد من الاستهلاك، الإهلاك والإتلاف، فتخرج عن مورد ضمان التلف.

وكموثّقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يرهن الرهن بمائة درهم، وهو يساوي ثلاث مائة درهم فيهلك، أ على الرجل أن يردّ على صاحبه مائتي درهم؟ قال: «نعم؛ لأنّه أخذ رهناً فيه فضل وضيّعه».

قلت: فهلك نصف الرهن؟ قال: «على حساب ذلك».

قلت: فيترادّان الفضل؟ قال: «نعم»(1).

بناءً على المحكيّ عن «الكافي» و«التهذيب» كما نقلناه من فرض الهلاك، لا الإتلاف والإهلاك كما في رواية الصدوق(2).

ويظهر من التعليل: أنّ كلّ من هلك مال الغير تحت يده بتضييع، ضمن قيمته يوم التلف، فيدلّ على المقصود في الجملة، كما أنّ ذيلها المفروض فيه الهلاك على جميع النسخ، يستفاد منه ذلك؛ بدعوى موافقة فهم العرف في أنّ العلّة في الجملة المتقدّمة جارية في حكم الذيل أيضاً.

ص: 622


1- الكافي 5: 234 / 9؛ تهذيب الأحكام 7: 172 / 763؛ وسائل الشيعة 18: 391، كتاب الرهن، الباب 7، الحديث 2.
2- الفقيه 3: 199 / 904.

وأمّا احتمال دخالة خصوصيات الرهن في الحكم، فبعيد مخالف لفهم العرف، سيّما في باب الضمان.

وكصحيحة محمّد بن قيس(1) وغيرها (2) الظاهر منها فرض التلف والتهاتر وترادّ الفضل بمجرّد التلف، والظاهر منها أنّ القيمة تتعلّق بالذمّة حال التلف.

واحتمال أن يكون المراد قيمة يوم التفريط لا يوم التلف(3)، بعيد جدّاً، لا يحتمله العرف والعقلاء.

ثمّ إنّ إسراء الحكم منها إلى المورد بعد التعليل المتقدّم، إنّما هو بدعوى أنّ العقلاء يفهمون منها أنّ خصوصيات المورد من الرهن والفضل ونحوهما غير دخيلة في الحكم، وما هو تمام الموضوع هو التلف مضموناً، سيّما مع كون الضمان في القيميات لديهم بقيمة يوم التلف.

واحتمال دخالة التعدّي والتفريط في الضمان(4)، بعيد بالنسبة إلى بعض مراتب التعدّي، كركوب الدابّة مثلاً نصف ساعة، ممّا يوجب انقلاب يد الأمانة إلى الضمان، فيكون الدليل عليه هو قاعدة اليد، ولو منعت دلالتها فلا إشكال في التأييد، فتدبّر.

والإنصاف: أنّ المراجع لأخبار أبواب الضمانات، وارتكاز العقلاء فيها، لا ينبغي له الريب في أنّ الضمان في القيميات مطلقاً بقيمة يوم التلف.

ص: 623


1- الفقيه 3: 199 / 905؛ وسائل الشيعة 18: 392، كتاب الرهن، الباب 7، الحديث 4.
2- راجع وسائل الشيعة 18: 390، كتاب الرهن، الباب 7، الحديث 1 و3 و5.
3- منية الطالب 1: 333.
4- منية الطالب 1: 334.

الروايات التي استدلّ بها على اعتبار قيمة يوم الأداء

نعم، ربّما يتوهّم من بعض الروايات خلاف ذلك، مثل ما وردت عن أبي عبداللّه، وأبي إبراهيم، وأبي الحسن الرضا عليهم السلام: في الرجل يأتي البهيمة.

فقالوا جميعاً: «إن كانت البهيمة للفاعل ذُبحت، فإذا ماتت اُحرقت بالنار، ولم يُنتفع بها، وضُرب هو خمسة وعشرين سوطاً، ربع حدّ الزاني، وإن لم تكن البهيمة له قُوِّمت واُخذ ثمنها منه، ودُفع إلى صاحبها، وذُبحت واُحرقت بالنار، ولم يُنتفع بها، وضُرب خمسة وعشرين سوطاً».

فقلت: ما ذنب البهيمة؟

فقال: «لا ذنب لها، ولكن رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم فعل هذا وأمر به؛ لكي لا يجترئ الناس بالبهائم وينقطع النسل»(1).

ورواية سدير، عن أبي جعفر عليه السلام: في الرجل يأتي البهيمة.

قال: «يُجلد دون الحدّ، ويغرم قيمة البهيمة لصاحبها؛ لأنّه أفسدها عليه، وتُذبح وتُحرق وتُدفن إن كانت ممّا يُؤكل لحمه، وإن كانت ممّا يُركب ظهره اُغرم قيمتها، وجُلد دون الحدّ، وأخرجها من المدينة التي فعل بها فيها إلى بلاد اُخر، حيث لا تُعرف، فيبيعها فيها كي لا يعيّر بها صاحبها»(2).

ص: 624


1- الكافي 7: 204 / 3؛ تهذيب الأحكام 10: 60 / 218؛ وسائل الشيعة 28: 357، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب نكاح البهائم، الباب 1، الحديث1.
2- الكافي 7: 204 / 1؛ الفقيه 4: 33 / 99؛ تهذيب الأحكام 10: 61 / 220؛ وسائلالشيعة 28: 358، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب نكاح البهائم، الباب 1، الحديث4.

بدعوى: أنّ الظاهر منهما أنّ الاعتبار بيوم أداء القيمة، لا يوم الإفساد؛ فإنّ يومه يوم إتيان البهيمة، ويوم الذبح والتغريم غيره.

وفيه نظر: أمّا بالنسبة إلى ما يركب ظهره، فإنّه لا يخرج عن ملك صاحبه، وتغريم الواطئ ليس من قبيل تغريم الضمانات، بل لتمليك الدابّة عليه قهراً، فهو خارج عن المورد.

وأمّا بالنسبة إلى ما يؤكل لحمه، فإن قلنا: بعدم خروجه عن ملك صاحبه أيضاً، فالتقويم حال الإتلاف يدلّ على أنّ الاعتبار بيوم التلف.

وإن قلنا بخروجه إمّا لظهور قوله: «أفسدها عليه» أو لسلب الملكية عرفاً بعد سلب جميع آثارها، فيمكن أن يقال: إنّ ظاهرهما أنّ الوط ء سبب لتلك الأحكام؛ أي التقويم والذبح والحرق، والظاهر ترتّب الأحكام عليه بلا مهلة، فيكون الاعتبار بتقويم يوم الوط ء والإفساد، وإنّما لم يذكره إمّا للاتّكال على الظهور العرفي، أو لعدم اختلاف قيم الحيوانات في أيّام قلائل، سيّما في تلك الأزمنة، وتخلّف زمان التقويم عن زمان الوط ء بأزمنة كثيرة، بعيد نادر.

استشهاد الشهيد الثاني بصحيحة أبي ولاّد على اعتبار أعلى القيم

ثمّ إنّه حكي عن الشهيد الثاني قدّس سرّه الاستشهاد بصحيحة أبي ولاّد على اعتبار أعلى القيم من حين الغصب إلى التلف(1).

قال الشيخ الأعظم قدّس سرّه: «لم يعلم لذلك وجه صحيح، ولم أظفر بمن وجّه

ص: 625


1- مسالك الأفهام 12: 186.

دلالتها على هذا المطلب»(1).

أقول: يمكن توجيهه بأن يقال: بناءً على كون «البغل» نكرة منوّنة، والظرف متعلّقاً ب «نعم» على ما هو مقتضى القاعدة، لا شبهة في أنّ المراد به بغل مشابه للتالف فيما هو دخيل في الغرامات، وعلى ذلك كما أنّ اللازم اعتبار المشابهة في وصف الصحّة والسلامة والعربية، كذلك اللازم اعتبار المشابهة في القيمة؛ إذ المشابه التامّ ما هو مشابه في كلّ الجهات، وكما أنّ الأوصاف المذكورة لو سلبت عن العين، لا بدّ من اعتبارها في الضمان، كذلك القيمة الغالية لو سلبت عنها، لا بدّ من اعتبارها فيه.

وأمّا بناءً على تتابع الإضافات، فإضافة «البغل» إلى «يوم المخالفة»

وإن كانت ظاهرة على ما قيل في أنّ الاعتبار بقيمة يومها (2)، لكن بعد التجزئة والتحليل يمكن استفادة أعلى القيم منها؛ بأن يقال: إنّ اليوم بما هو غير دخيل في الغرامة كما هو واضح، وكذا يوم المخالفة بعنوانه، بل باعتبار تحقّق الغصب والاستيلاء على مال الغير بلا إذنه، وهذا أمر مستمرّ من وقت المخالفة إلى زمان التلف.

فلو كانت القيمة في يوم من الغصب عشرة، وفي آخر عشرين، وفي ثالث رجعت إلى العشرة، فأدّى العشرين، يصدق: «أنّه أدّى قيمة حال الاستيلاء مطلقاً، المستمرّ من أوّل زمانه إلى زمان التلف» لأنّ الأعلى مشتمل للأدنى.

وأمّا لو أدّى العشرة، لا يصدق إلاّ أداء قيمة يوم كانت قيمته عشرة فضمان

ص: 626


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 253.
2- منية الطالب 1: 326.

قيمة حال الاستيلاء بقول مطلق هو ضمان الأعلى، وغيره ضمان حال خاصّ، هذا على النسخ التي كان فيها «البغل» بلا «لام»(1).

وأمّا على غيرها (2) فيمكن أن يقال: إنّ الظرف متعلّق ب «نعم» والمعنى: «يلزمك يوم المخالفة قيمة البغل بقول مطلق» فلو كان اللازم عليه أعلى القيم، يصدق لزومها بلا تقيّد بزمان خاصّ، بخلاف غيره، ولو جعل الظرف قيداً للقيمة، يأتي فيها ما مرّ من تتابع الإضافات.

لكن كلّ ذلك مجرّد تصوّرات وتخريجات، لا يساعد عليها العرف والعقلاء في باب الضمانات.

وقد عرفت ظهورها في قيمة يوم التلف(3)، كما عرفت أنّ إضافة «القيمة» إلى «البغل» توجب ظهورها في المشابهة من غير جهة القيمة عرفاً (4)، فإذا قيل: «عليك قيمة بغل مشابه لبغلك» يفهم منه عرفاً بقرينة إضافتها إليه، أنّ المراد بالمشابهة هي المشابهة في الأوصاف التي يتقوّم بها، لا نفس القيمة وعلوّها.

الاستناد إلى حديث اليد لإثبات أعلى القيم

وممّا ذكرناه يظهر عدم صحّة الاستناد في ضمان أعلى القيم إلى دليل ضمان اليد؛ لأنّ الظاهر منه عرفاً أنّ المأخوذ في القيميات مضمون بالقيمة، فيكون

ص: 627


1- وسائل الشيعة 19: 119، كتاب الإجارة، الباب 17، الحديث 1؛ مرآة العقول 19: 392 / 6.
2- الوافي 18: 931 / 6.
3- تقدّم في الصفحة 606 و611.
4- تقدّم في الصفحة 497 و605.

المعنى: «على الآخذ قيمة المأخوذ إذا تلف» وهو ظاهر في قيمة ذات المأخوذ بأوصافه المأخوذة تبعاً، غير نفس القيمة؛ لأنّ الظاهر من قوله: «عليه قيمة المأخوذ بخصوصياته» هو الخصوصيات المقابلة للقيمة المتقوّمة بها، لا نفس القيمة؛ لأنّ القيمة لا قيمة لها.

والظاهر أنّ مراد القائل: بأنّ العين مضمونة في جميع الأزمنة التي منها زمان ارتفاع قيمتها (1)، هو ما ذكرناه؛ من أنّ خصوصية علوّ القيمة أيضاً مضمونة كسائر الخصوصيات، وقد ظهر جوابه.

وأمّا ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه في توجيهه: «أنّ العين إذا ارتفعت قيمتها في زمان، وصارت ماليتها مقوّمة بتلك القيمة، فكما أنّه إذا تلفت حينئذٍ يجب تداركها بتلك القيمة، فكذا إذا حيل بينها وبين المالك حتّى تلفت؛ إذ لا فرق مع عدم التمكّن منها بين أن تتلف أو تبقى.

نعم، لو ردّت تدارك تلك المالية بنفس العين، وارتفاع القيمة السوقية أمر اعتباري لا يضمن بنفسه؛ لعدم كونه مالاً، وإنّما هو مقوّم لمالية المال، وبه تمايز الأموال قلّة وكثرة، فإن ردّت العين فلا مال سواها يضمن، وإن تلفت استقرّت عليا تلك المراتب؛ لدخول الأدنى تحت الأعلى، نظير ما لو فرض للعين منافع متفاوتة متضادّة، حيث إنّه يضمن الأعلى منها»(2)، انتهى.

فغير وجيه؛ لأنّ المتّبع في المقام هو أدلّة الضمانات، نحو دليل اليد، وأمّا

ص: 628


1- التنقيح الرائع 4: 70؛ المهذّب البارع 4: 252؛ الروضة البهيّة 3: 570 571؛ مسالك الأفهام 12: 187؛ اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 253.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 254.

الحيلولة فليس عليها دليل مستقلّ بهذا العنوان، فلا بدّ من لحاظ دليل الضمان:

فإن قلنا بأنّ القيمة السوقية - كسائر الأوصاف - مضمونة بتبع العين، لا بدّ من القول بالضمان، سواء كانت العين باقية ومردودةً أم لا؛ لأنّ ردّ العين ليس ردّ تلك المرتبة من المالية، والمفروض أنّها مضمونة، فكما أنّ العين إذا عيبت وردّت معيوبة، لا بدّ من جبران العيب وغرامته؛ لأنّ صفة السلامة مضمونة بتبع العين، ولا بدّ من جبرها بعد عدم إمكان ردّها، فكذلك صفة علوّ القيمة، ولا يعقل أن تكون العين جابرة لتلك المرتبة من المالية، كما لا يعقل أن تكون جابرة لصفة السلامة.

وإن قلنا بأنّ القيمة السوقية غير مضمونة، وقلنا بالفرق في الغرامات بينها وبين سائر الأوصاف، كما أشار إليه رحمه الله عليه، فلا وجه للزوم جبرانها ولو تلفت العين؛ ضرورة أنّ التلف لا يوجب خروج الشيء عمّا هو عليه، فالتفصيل بين ردّ العين وتلفها غير وجيه.

وما قيل من أنّ القيمة مضمونة، إلاّ أنّ الإجماع قام على عدم لزوم جبران تفاوت القيمة السوقية مع ردّ العين(1).

فيه: - مضافاً إلى ما عرفت من أنّ القيمة لا تكون مضمونة؛ لظاهر دليل الضمانات وبناء العقلاء في بابها - أنّ الإجماع غير ثابت في مثل المسألة؛ لقرب احتمال أن يكون نظر الفقهاء إلى أدلّة الضمانات وقواعد باب الغرامات.

ثمّ إنّ الظاهر أنّ مراد الشيخ قدّس سرّه من تنظير المقام بالمنافع المتفاوتة المتضادّة،

ص: 629


1- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 510.

ليس في أصل الضمان، بل في دخول الأدنى تحت الأعلى، فلا يرد عليه ما أوردوا عليه: من إبداء الفرق بين المقام ومورد التنظير(1).

الاستناد إلى قاعدة نفي الضرر وآية الاعتداء لإثبات أعلى القيم

وربّما يستند في ضمان أعلى القيم إلى قاعدة الضرر(2)، ويمكن تقريبها - مع الغضّ عمّا قلنا فيها (3) - بأن يقال: إنّ دعوى عدم الضرر بنحو الحقيقة الادّعائية، لا مصحّح لها إلاّ بسدّ الشارع الأقدس جميع أنحاء الضرر على الاُمّة؛ بأن ينهى عن الإضرار، ويسدّ الضرر بعد وقوعه بإيجاب الجبران وعدم جعل حكم ضرري، فلو كان من حكم الشارع هدر أموال الغير، وعدم لزوم جبران الخسارات، مع شيوع إيقاع الضرر والخسارة بين الناس شيوعاً فاحشاً، وشيوع تلف الأموال المحترمة تحت أيديهم، لم تصحّ دعوى عدم الضرر، فلازم صحّة هذه الدعوى وإطلاقها، عدم هدر الأموال، وهو يساوق الضمان.

ولكنّ دليله أخصّ من المدّعى؛ إذ قد لا يصدق الضرر في المقام.

وأمّا ما قيل من أنّ تضمين أعلى القيم مستفاد من قوله تعالى: )فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ((4) فإنّ العين في زمان علوّ قيمتها كانت تحت يد الضامن،

ص: 630


1- بغية الطالب، المحقّق الإشكوري 1: 58 / السطر 22؛ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 423.
2- رياض المسائل 12: 275؛ جواهر الكلام 37: 105.
3- راجع ما تقدّم في الصفحة 420 - 421؛ بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر، الإمام الخميني قدس سره: 66 و87.
4- البقرة (2): 194.

وكان معتدياً في ذلك، فللمالك الاعتداء عليه بمثل ذلك، وهو القيمة الغالية(1).

فقد عرفت ما فيه عند التعرّض للآية الكريمة في ضمان المثلي(2)، فراجع.

الاستدلال بالاُصول لإثبات أعلى القيم

وعن الحلّي قدّس سرّه (3) وغيره(4) الاستدلال على أعلى القيم بقاعدة الاشتغال.

وقال الشيخ الأعظم قدّس سرّه: «لا بأس بالتمسّك باستصحاب الضمان، المستفاد من حديث اليد»(5).

وفيه: - بعد الغضّ عن عدم صحّة التمسّك بالأصل مع الأدلّة الاجتهادية والقواعد العقلائية الممضاة - أنّ التمسّك به فرع البناء على أنّ المستفاد من أدلّة الضمانات، تعلّق نفس العين بالذمّة في المثليات والقيميات، أو تعلّق المثل بها فيهما، فإنّه مع الشكّ في السقوط كان الأصل الاشتغال، ويصحّ استصحاب بقاء العين أو المثل على العهدة لترتّب وجوب أدائهما، أو حرمة حبسهما على صاحبهما.

وأمّا بناءً على ضمان القيمة في القيمي، فالأصل البراءة؛ للدوران بين الأقلّ والأكثر.

ص: 631


1- حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 147.
2- تقدّم في الصفحة 480.
3- السرائر 2: 481.
4- الخلاف 3: 403؛ غنية النزوع 1: 279.
5- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 255.

وقد يقال: بناءً على تعلّق العين بالذمّة، إنّ قاعدة الاشتغال محكّمة لو قلنا بأنّ العين تسقط عن الذمّة بأداء المثل في المثلي، والقيمة في القيمي، فمع أداء الأقلّ يشكّ في السقوط، والأصل الاشتغال، ويجري الاستصحاب.

وأمّا لو قلنا بأنّ العين لا يعقل سقوطها عنها مع امتناع تأديتها، التي هي الغاية، فلا شكّ في السقوط، وإنّما الشكّ في التكليف الزائد؛ لأنّ الواجب تدارك مالية ما في العهدة، وهي مردّدة بين الأقلّ والأكثر(1).

وفيه: أنّ القائل ببقاء العين على الذمّة، وعدم سقوطها إلى الأبد، لا بدّ وأن يقول بأنّ العين لمّا كانت لها خصوصية شخصية، وهي بهذه الخصوصية على الذمّة، لا يعقل سقوطها لامتناع تأديتها.

وأن يقول: إنّ اللازم على المكلّف الخروج عن عهدة غرامتها وضمانها، من غير أن يتعلّق بالقيمة تكليف مستقلّ يتردّد بين الأقلّ والأكثر، ومن غير أن يتعلّق بالذمّة وراء نفس العين بجميع جهاتها شيء، حتّى يقال: إنّ المالية مردّدة بين الأقلّ والأكثر.

فلا المالية على العهدة، ولا التكليف متعلّق بأداء القيمة مستقلاًّ، بل العين على العهدة، ولا بدّ من الخروج عن عهدة غرامتها، وإن لم تسقط بعد أداء الغرامة أيضاً؛ لمكان استقرارها على الذمّة بشخصيتها، ومع أداء الأقلّ يشكّ في الخروج عن عهدة الغرامة والضمان، فالأصل الاشتغال، ويصحّ الاستصحاب، فتأمّل جيّداً.

ص: 632


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 377.

وقد يقال: إنّ الأصل الاشتغال، مع البناء على ضمان القيميات بالقيمة؛ لأنّ المالية القائمة بالأعيان التي هي من حيثياتها وشؤونها، أمر اعتباري بسيط، لا من الأعراض الخارجية، حتّى تكون لها قلّة وكثرة، أو زيادة ونقص، ولا هي عبارة عن الدينار والدرهم اللذين لهما قلّة وكثرة؛ لأنّهما غير قائمين بالحنطة والشعير، بل لهما مالية اعتبارية، مساوية لمالية الحنطة، أو غير مساوية.

نعم، المالية القائمة بالعين تتدارك بهما بعد تلفها؛ لأنّهما ممحّضان في المالية كسائر المسكوكات، فالقلّة والكثرة ليستا فيما اشتغلت به الذمّة، ولا في مالية الدرهم والدينار، بل فيما يتدارك به خارجاً في مقام الأداء، فلا محالة لا تتردّد بين الأقلّ والأكثر، بل بنحو التباين؛ فإنّ أنحاء المالية بسائط متباينة، فيشكّ في أنّ المالية التي قد اشتغلت الذمّة بها، هذه المالية المتعيّنة، أو مالية اُخرى متعيّنة، وهما بسيطان متباينان، فلا مجال إلاّ للاشتغال(1)، انتهى.

وأنت خبير بما فيه من الخلط بين العقليات والعرفيات، والخروج عن طريقة العقلاء في باب الضمانات، وعن ظواهر أدلّة الضمانات الموكولة إلى العرف.

مع أنّه بعد اللتيّا والتي، لم يأت بشيءٍ مثبت؛ لعدم قابلية هذه المالية الاعتبارية للزيادة والنقص، والقلّة والكثرة؛ لأنّ المنظور في ثبوت القلّة والكثرة، ليس الحقيقية منهما، الثابتة للكمّ المتّصل أو المنفصل، بل المراد القلّة والكثرة في الاعتباريات، فالمالية المساوية لعشرة دراهم أقلّ من المالية المساوية للعشرين، وهي أكثر منها بلا ريب لدى العرف والعقلاء.

ص: 633


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 377 - 378.

ألا ترى: أنّه لو اشتغلت ذمّته بما يتردّد بين المالية المساوية للعشرين أو العشرة، فأدّى ما يساوي ماليته العشرين، يرى العقلاء تأدية ما عليه بلا تسامح، ولا يكون عرفاً من قبيل المصالحة على المتباينين.

مع أنّه لو كان كما ذكره من الترديد بين المتباينين، كانت تأدية ما يساوي ماليته العشرين المباينة للعشرة، غير كافية في رفع الاشتغال؛ ضرورة عدم إمكان اندراج المباين في مباينه، ولا أظنّ حتّى من القائل أن يلتزم بأنّه مع أداء

أعلى القيم، يشكّ في البراءة عن الضمان، وهو دليل واضح على أنّ الأعلى والأدنى من قبيل الأقلّ والأكثر، لا المتباينين.

والأولى إيكال هذه الأبواب إلى العرف والعقلاء حتّى يتّضح المطلوب.

عدم الاعتبار بزيادة القيمة بعد التلف

ثمّ إنّه لا عبرة بزيادة القيمة بعد التلف، حتّى على القول بأنّ القيمي مضمون بالمثل(1)؛ لأنّ عمدة دليل الضمان قاعدة اليد، وهي لا تشمل المثل الذي على العهدة ولو قلنا بأنّ ارتفاع القيم مضمون؛ وذلك لأنّ موضوع دليل اليد هو الاستيلاء على مال الغير، وكون الشيء على العهدة والذمّة، غير كونه تحت اليد والاستيلاء، فما في العهدة خارج عن دليل اليد موضوعاً، وهو واضح.

مضافاً إلى أنّه لو قلنا بأنّ كون الشيء على العهدة نحو استيلاء عليه، ينصرف دليله عنه؛ لأنّ استقرار المثل على الذمّة، إنّما هو بدليل اليد.

ص: 634


1- اُنظر الخلاف 3: 175؛ مفتاح الكرامة 18: 147؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 242.

ولو قلنا بإمكان كون الدليل محقّقاً لموضوعه، وإمكان شموله له حكماً، كما

يقال في القضايا الحقيقية والأخبار مع الواسطة(1)، لكن الإمكان العقلي غير الشمول العرفي ودلالة الدليل، فلا يستفاد من دليل اليد ضمان المثل؛ وأنّ المثل المضمون به مضمون بضمان آخر، هو علوّ قيمته.

نعم، لو كان دليل الضمان قاعدة الضرر، بالتقريب المتقدّم(2)، أو آية الاعتداء(3)، لكان لضمان الزيادة حال التلف وجه، لكن قد عرفت الخدشة فيهما (4).

هذا كلّه في الضمان بحسب اختلاف الأزمنة، ويأتي الكلام أيضاً في اختلاف القيمة بحسب الأمكنة.

الاعتبار بقيمة مكان التلف

فعلى ما ذكرنا من الاستظهار من أدلّة الضمان، ومن ظهور صحيحة أبي ولاّد، في أنّ الاعتبار بيوم التلف(5)، لا إشكال في ضمان قيمة مكان التلف أيضاً، بتقريب أنّ المتفاهم من الأدلّة أنّه إذا تلف المأخوذ، عليه قيمته في القيميات، وهو ظاهر في أنّ القيمة الفعلية عليه، وهي قيمة حال التلف في مكان التلف،

ص: 635


1- كفاية الاُصول: 341؛ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 178 - 179.
2- تقدّم في الصفحة 420 و630.
3- البقرة (2): 194.
4- تقدّم في الصفحة 420 و480.
5- تقدّم في الصفحة 602، 606 و614.

وقيم سائر الأمكنة كسائر الأزمنة تقديرية، فيقال: «لو كان هذا الشيء في مكان كذا، كانت قيمته كذا» وهو خلاف ظواهر الأدلّة.

وأمّا بناءً على أنّ الاعتبار بقيمة زمان الغصب، كما قرّب الشيخ الأعظم قدّس سرّه دلالة صحيحة أبي ولاّد عليه(1)، فالالتزام بقيمة مكان التلف(2) مشكل بل غير ممكن؛ لأنّ لازم الجمع بين اعتبار زمان الغصب ومكان التلف أن يقال: «إنّ المضمون قيمة يوم الغصب في مكان التلف، فإذا كان للعين في يوم الغصب أو نحوه قيمة في المكان الذي تتلف فيه بعد، كانت مضمونةً عليه، فكان المضمون قيمة الشيء في المكان المذكور يوم الغصب بعد تلفه؛ بمعنى أنّ المضمون قيمته في ذلك المكان يوم الغصب»، ولا يمكن استفادة ذلك من أدلّة الضمانات، كقاعدة اليد، وصحيحة أبي ولاّد، وغيرهما.

فإن قلت: مقتضى إطلاق أدلّة الضمانات، ضمانه يوم التلف في مكان التلف، ومقتضى صحيحة أبي ولاّد ضمان قيمة يوم الغصب، والجمع بينهما بأن يقال بضمان قيمة يوم الغصب في مكان التلف.

قلت: - مضافاً إلى ما عرفت من عدم دلالة الصحيحة على ضمان قيمة يوم الغصب - إنّه ليس جمعاً عقلائياً؛ لأنّ ظاهر الصحيحة على فرض دلالتها على ضمان يوم الغصب هو ضمان ذلك المكان أيضاً، لا المكان الآخر، ولعلّ الشيخ قدّس سرّه بنى على ضمان يوم التلف، كما يظهر من خلال كلامه، وعلى هذا يكون زمان التلف ومكانه واحداً.

ص: 636


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 244 - 245 و249.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 256.

الكلام في بدل الحيلولة

اشارة

ثمّ إنّه لو تعذّر الوصول إليه مع عدم التلف، كما لو غرق، أو سرق، أو ضاع، أو أبق، فالظاهر تسالمهم على بدل الحيلولة(1)، وإنّما الكلام في دليله، واستدلّ عليه باُمور(2):

الاستدلال بقاعدة اليد على بدل الحيلولة

منها: قاعدة اليد، وربّما تقرّر دلالتها بأنّ الظاهر منها بمناسبة غايتها أنّ المأخوذ بنفسه في عهدة ذي اليد، والعهدة مع وجود العين تكليفية، ومع تلفها مالية، يجب تداركها بحصّة مماثلة لها، وعند تعذّر ردّها وعدم تلفها، لا تكون عهدة التكليف، ولا عهدة تدارك نفسها؛ حيث إنّها غير تالفة، فلو لم يجب تداركها من حيث فوات السلطنة على الانتفاعات بها، كان اعتبار عهدتها فعلاً لغواً، فالالتزام بكونها في العهدة فعلاً يقتضي الالتزام بأثر لها فعلاً(3)، انتهى.

وفيه: أنّ اعتبار العهدة في باب الضمانات، لا يكون اعتبارات كثيرة، في كلّ حال وآنٍ لها بحسبها غايات وآثار، بل لا بدّ وأن لا يكون اعتبار الأمر الوضعي

ص: 637


1- المبسوط 3: 95؛ شرائع الإسلام 3: 190؛ القواعد والفوائد 1: 348؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 257؛ اُنظر غاية الآمال، المحقّق المامقاني 5: 240.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 155؛ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 426.
3- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 428.

بحسب الجعل القانوني لغواً، وإلاّ يلزم سقوط الدين عن ذمّة المديون لو فرض عدم قدرته على الأداء في برهة من الزمان؛ لعين ما ذكر، وهو كما ترى.

مع أنّ الأثر لا يجب أن يكون بدل الحيلولة، بل للعهدة آثار اُخر، منها جواز المصالحة، وجواز أخذ الاُجرة، وغير ذلك.

ويمكن تقريب دلالتها بأن يقال: بناءً على كون نفس العين على العهدة، لا تكون القاعدة متكفّلة إلاّ لعهدة العين، فمعنى «على اليد...» أنّ ما أخذ على عهدة الآخذ إلى زمان الأداء، وحكم العهدة موكول إلى العقلاء، وهو مختلف لديهم:

فإن كان المأخوذ موجوداً مقدور التسليم يجب ردّه؛ لاقتضاء العهدة ذلك، ولو كان في محلّ آخر يحتاج إلى النقل والمؤونة.

وإن كان تالفاً تقتضي العهدة ردّ بدله مثلاً أو قيمةً.

وإن كان موجوداً، لكن انقطع يد الغاصب والمغصوب منه عنه، كما لو غصبه غاصب قاهر، لا تمكن إزالة يده عنه إلى الأبد، تقتضي العهدة أيضاً ردّ بدله مثلاً أو قيمةً؛ لأنّ التلف بعنوانه غير دخيل في الضمان والغرامة لدى العقلاء، بل الموضوع لهما انقطاع يد المالك عن ملكه للتالي.

ففي المثال المذكور ليست العين تالفة بالوجدان، ولا تقتضي العهدة ردّها بالضرورة، وحكمها لدى العقلاء الغرامة بردّ المثل في المثلي، والقيمة في القيمي، وكذا العهدة تقتضي البدل مع احتمال الرجوع والعود، كما لو احتمل خروج ما ألقى في البحر بواسطة أمواجه.

وبالجملة: ليس عنوان «التلف» مأخوذاً في قاعدة اليد، حتّى يقع البحث في صدقه ولا صدقه، بل هي على هذا المبنى لا تدلّ إلاّ على عهدة العين،

ص: 638

وحكم العهدة عقلائي، وهو ما ذكرناه.

بل لو فرض أخذ الإتلاف والتلف فيها، كان الحكم ما ذكرناه. بل يمكن إسراء ما ذكر إلى قاعدة الإتلاف؛ بأن يقال: إنّ إتلاف مال الغير ليس بعنوانه موضوعاً للضمان والغرامة، بل لكونه موجباً لانقطاع يد المالك عن ملكه أبداً، ومع فرض انقطاع يده كذلك مع وجوده، كان ملاك ضمان الإتلاف موجوداً، وهو حكم عقلائي.

فقاعدة الإتلاف مع لحاظ المناسبات المغروسة في ذهن العقلاء، تفيد ضمان ما قطع يد المالك عنه أبداً، أو مع احتمال العود من باب الاتّفاق، كغرق مال الغير، هذا إذا قلنا بأنّ العين على العهدة.

وأمّا لو قلنا بأنّها تدلّ على ضمان المثل والقيمة، فيمكن أن يقال: إنّ التلف غير مذكور في القاعدة، ومناسبات الحكم والموضوع في باب الغرامات والضمانات، توجب استفادة ضمان خسارة مال الغير ولو مع وجوده، كما قلنا في انقطاع يده عنه مطلقاً، كمثال الغاصب القاهر، وكالغرق، والإباق، والسرقة؛ فإنّ المتفاهم من دليل اليد الدالّ على لزوم جبر خسارة المالك، أنّ انقطاع يده عنه خسارة يجب جبرها، وهو بردّ مثله في المثلي، وقيمته في القيمي.

وعلى هذا تحمل الروايات الواردة في ضمان العارية إذا سرقت، أو ضاعت(1)؛ فإنّ الضمان فيها ليس إلاّ ضمان اليد، لا شيئاً آخر خارجاً عن ضمان الإتلاف واليد، وسيأتي تتميم البحث عن قريب(2).

ص: 639


1- راجع وسائل الشيعة 19: 93، كتاب العارية، الباب 1، الحديث 7 و8 و10.
2- يأتي في الصفحة 643.
الاستدلال بقاعدة السلطنة على بدل الحيلولة

ومنها: قاعدة السلطنة، قال الشيخ الأعظم قدّس سرّه: «إنّ تسلّط الناس على مالهم - الذي فرض كونه في عهدته - يقتضي جواز مطالبة الخروج عن عهدته عند تعذّر نفسه، نظير ما تقدّم(1) في تسلّطه على مطالبة القيمة للمثل المتعذّر في المثلي»(2)، انتهى.

وفيه: - مضافاً إلى ما تقدّم من الإشكال في المثلي المتعذّر(3) - أنّ التنظير مع الفارق؛ فإنّ في المثلي يكون المثل على العهدة، فيمكن أن يقال: إنّه مشتمل على حيثية المثلية والمالية، ومقتضى دليل السلطنة جواز إسقاط الحيثية الاُولى، ومطالبة الحيثية الثانية.

وأمّا في المقام فلا تكون العين على عهدته، على مسلك الشيخ القائل بأنّ مقتضى دليل اليد ضمان المثل في المثلي، والقيمة في القيمي(4).

وعلى مسلك بعض المتأخّرين عنه من أنّ ظاهر «على اليد...» أنّ نفس العين على العهدة، وباقية إلى زمان الأداء(5)، فالظاهر عدم التزامهم بأنّ العين في زمان وجودها على عهدة الضامن، كما هي في عهدته في زمان تلفها؛ لأنّها في

ص: 640


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 226.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 258.
3- تقدّم في الصفحة 545.
4- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 217 و241.
5- حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 37؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 469 و481؛ هداية الطالب 2: 325.

زمان التلف على عهدته كعهدة الدين، فهي على عهدته بماليتها؛ بحيث كان له مال على عهدته، فإذا مات يتعلّق الضمان على أمواله.

وأمّا في زمان وجودها، فليس الأمر كذلك؛ لأنّ لازمه أن يكون للمالك مالان، أحدهما: على عهدة الضامن، والآخر: في الخارج، وهو كما ترى.

أو الالتزام بما نسب إلى أبي حنيفة من صيرورة المغصوب ملكاً للغاصب(1)، وهو أفحش.

فعلى هذا: عهدة العين في زمان وجودها عهدة أدائها فقط، لا كونها على ذمّة الضامن كما بعد التلف، فلا بدّ للقائل بأنّ ظاهر دليل اليد أنّ نفس العين على العهدة، إمّا الالتزام بأنّ «على اليد...» ليس دليل الضمان، بل دليل على عهدة الأداء فقط، كما التزم به بعضهم(2)، أو الالتزام بأنّ المستفاد منها أمران:

أحدهما: عهدة العين؛ بمعنى عهدة أدائها في زمان وجودها.

والثاني: عهدتها عند التلف؛ بمعنى كونها على ذمّة الضامن، بحيث تكون من أموال المضمون له، يتصرّف فيها كيف شاء.

واستفادتهما منه مشكلة، بل ممنوعة؛ لأنّ نحو العهدة في زمان الوجود، يغاير نحوها في زمان التلف.

وبعبارة اُخرى: إنّ من ضروريات الفقه أنّ العين التالفة تحت يد الغاصب ونحوه، مضمونة عليه، يجب أداء مثلها أو قيمتها، وذمّة الضامن مشغولة بمال

ص: 641


1- المبسوط، السرخسي 11: 93؛ بدائع الصنائع 4: 213.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 84 و111.

المضمون له، سواء قلنا: إنّ العين على ذمّته، أو المثل والقيمة، ومن ضروريات الفقه أنّ العين في زمان وجودها، ليست بهذا النحو مضمونة، وليست ذمّة الضامن مشغولة بمال المضمون له؛ بحيث يكون كأحد أمواله، يتصرّف فيه كيف شاء، فالاُولى اشتغال الذمّة بالمال نحو الديون، والثانية عهدة العين؛ أي عهدة أدائها، لا اشتغال الذمّة بها كاشتغالها بالديون.

وكيف كان: فليس في زمان وجودها مال على ذمّة الضامن، يكون موضوعاً لدليل السلطنة، وإنّما موضوعه المال الخارجي، ويكون سلطاناً عليه، وسلطنته عليه لا تقتضي السلطنة على الغير، ولا على ماله، بل لو خرجت العين عن تحت استيلاء الضامن بوقوعها تحت يد اُخرى، أو وقوعها في البحر ونحوه، لا يصلح دليل السلطنة لإيجاب ردّها إلى صاحبها؛ لقصوره عن إثباته.

نعم، ما دام كونها تحت يده يصحّ التمسّك بدليلها، للإلزام بإخراجها عن تحت يده؛ لأنّ إطلاق السلطنة يقتضي دفع المزاحمات لسلطانه.

وأمّا لزوم استرجاعها إلى يد المالك، فليس مفاد دليلها، كما أنّه قاصر عن

جواز إلزام الضامن على عقد بيع أو مصالحة، كما احتمله السيّد المحشّي رحمه الله عليه (1).

الاستدلال بحديث نفي الضرر على بدل الحيلولة

وأمّا دليل نفي الضرر - بتقريب سبق منّا على مباني القوم - وإن لا مانع من جريانه في العدميات وغيرها، وفي سدّ الخلل وغيره كما عرفت(2)، لكن لا يلزم

ص: 642


1- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 514.
2- تقدّم في الصفحة 630.

منه أداء المثل أو القيمة في جميع الموارد؛ لأنّ غاية ما يستفاد منه هو سدّ خلل الضرر وجبرانه، فإذا أمكن جبره بإعطاء الاُجرة وقيم المنافع، يكون كافياً.

نعم، لو لم يمكن الجبر إلاّ بأداء المثل أو القيمة، لصحّ التمسّك به لولا فساد المبنى، كما أنّ التمسّك بآية الاعتداء - على فرض كونها دليل الضمان - لا بأس به، ولكن مرّ الكلام فيها (1).

هذا كلّه في ضمان بدل الحيلولة في الجملة ، ويتمّ الكلام في فروعه في ضمن اُمور :
الأوّل : تقريب الاستدلال بحديث اليد لإثبات الضمان في صور التعذّر

أنّ التعذّر إمّا أن يكون بنحو يسقط التكليف بالأداء معه؛ بمعنى عدم كون الضامن قادراً على أدائه، أو يسقط تكليفه به بقاعدة الحرج ونحوها، أو لا، وعلى الأوّل:

تارةً: يعلم بعدم الوصول إليه للتالي، أو يظنّ به، أو يحصل اليأس من الوصول، أو لا يرجى وجدانه.

واُخرى: يعلم بوصوله، أو يظنّ، أو يرجى حصوله في زمان طويل جدّاً، أو قصير كذلك، أو متوسّط.

فهل أدلّة الضمان كافية لإثبات الضمان في جميع الصور؟

يظهر من الشيخ الأعظم قدّس سرّه ثبوته بها في غير ما إذا حصل في زمان قصير جدّاً، متمسّكاً بدليل اليد، على ما في النسخ الصحيحة من «المتاجر» على ما

ص: 643


1- تقدّم في الصفحة 481 - 483.

قيل(1)، وبأنّه جمع بين الحقّين، وبدليل السلطنة(2).

ويمكن تقريب قاعدة اليد بأن يقال: إنّ قوله صلي الله عليه و آله وسلم: «على اليد...»(3) ظاهر في الضمان الفعلي للمأخوذ إلى زمان الأداء، فكأنّه قال: «إنّ غرامة المأخوذ على الآخذ إلى زمان أدائه» وهذا بعينه ضمان الحيلولة، غاية الأمر خرج منه انصرافاً صورة حضور العين، أو حصولها في زمان قصير جدّاً؛ بحيث لا يطلق عليه: «الغرامة» و«الضمان» وبقي الباقي.

فعلى هذا: تكون قاعدة اليد مسوقة لضمان الحيلولة ليس إلاّ؛ لأنّ الغاية لا تناسب ضمان التلف، ويلحق به ما بحكم التلف، وأمّا سائر الصور فتدخل فيها، فالضمان بدليل اليد ثابت إلى ردّ العين، فلا بدّ من أداء قيمة اللوح المغصوب إلى زمان الأداء.

أو يقال: إنّ قوله صلي الله عليه و آله وسلم: «على اليد...» شامل بإطلاقه لمطلق العهدة والضمان، سواء كان فعلياً كما قلنا آنفاً، أو معلّقاً على التلف ونحوه كما قالوا (4). والغاية إمّا لحصول ما يمكن حصوله، فتكون لإفادة ضمان الحيلولة، أو غاية لمطلق الضمان، ولو لم تحصل في بعض المصاديق.

وكيف كان: تدلّ القاعدة على ضمان بدل الحيلولة بأقسامها.

أو يقال: إنّ معنى «على اليد...» هو الضمان المعلّق على التلف ونحوه، أو أنّ

ص: 644


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 426.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 257 - 258.
3- تقدّم في الصفحة 368.
4- اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 302.

الضمان الفعلي هو أمر معلّق على التلف ونحوه، كما احتملناه سابقاً (1)، لكنّ المناسبات المغروسة في ذهن العقلاء، توجب استفادة الضمان في جميع الصور؛ فإنّ ما هو المناط لدى العرف في باب الغرامات كما تقدّم(2) هو انقطاع يد المالك عن ماله، من غير فرق بين انقطاعها عنه دائماً، أو في مدّة غير قصيرة.

وممّا ذكرناه يظهر الحال في التعذّر غير الموجب لسقوط التكليف، وإن احتاج إلى مقدّمات توجب التأخير زماناً غير قصير؛ لعدم الفرق عرفاً فيما هو المناط في الغرامات، بين انقطاع اليد عن ماله مع عدم إمكان العود إلاّ في زمان طويل، وبين توقّف العود على مقدّمات اختيارية توجب التأخير كذلك.

فهذه ثلاثة أوجه في تقريب «على اليد...» للضمان في الصور المتقدّمة، وإن كان الوجهان الأوّلان لا يخلوان من مناقشة؛ لعدم مساعدة العرف عليهما، لكن الوجه الأخير غير بعيد، سيّما بالنسبة إلى بعضها، وأمّا سائر الأدلّة فقد عرفت ما في التمسّك بها.

الثاني : في ثبوت أحكام تلف العين عند تعذّرها

أنّ ثبوت المثل أو القيمة مع تعذّر العين، كثبوتهما مع تلفها في أنّ على الضامن أن يدفعهما، وليس للمالك الامتناع إن كان دليل بدل الحيلولة قاعدة اليد، كما تمسّك بها الشيخ الأعظم قدّس سرّه (3) سواء قلنا: بأنّ مفادها عهدة العين إلى

ص: 645


1- تقدّم في الصفحة 377.
2- تقدّم في الصفحة 638.
3- اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 155؛ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 426.

زمان الأداء، أو عهدة المثل أو القيمة لدى التلف ونحوه؛ وذلك لأنّ العين على الأوّل، تقع على عهدة الضامن في زمان الحيلولة، بنحو ما تقع عليها في زمان وجودها أو تلفها.

فكما أنّ دليل السلطنة الذي تمسّك به الشيخ قدّس سرّه (1)، لا يقتضي السلطنة على إبقاء العين على عهدة الضامن في حال وجودها أو تلفها؛ لأنّ ذلك سلطنة على غيره، لا على ماله، ودليل السلطنة على الأموال حيثي، لا يقتضي السلطنة على نفس الغير وماله، فليس للمالك إلزام الآخذ على بقاء العين على عهدته، وللضامن إلزامه على الأخذ، وله إخراج ذمّته عن ماله، كما أنّ للمديون أداء دينه في وقته، وليس للدائن الامتناع عنه.

كذلك الحال في الحيلولة؛ إذ المفروض أنّ العين على عهدته بنحو واحد في زمان وجودها، وتلفها، والحيلولة بينها وبين صاحبها، فله إفراغ عهدتها منها في جميع الصور.

وأولى بذلك على الاحتمال الثاني؛ لأنّ مقتضى دليل اليد على هذا الفرض، أنّ على الآخذ المثل أو القيمة إذا تلف المأخوذ، ومع فرض استفادة ضمان بدل الحيلولة منه، لا بدّ من دعوى أنّ الميزان في اشتغال الذمّة بالمثل أو القيمة، هو انقطاع يد المالك عن ماله كما قرّرناه، فحينئذٍ يكون للضامن رفع شغله، وليس للمالك سلطنة على إبقائهما على عهدته؛ لأنّها سلطنة على الغير.

وبالجملة: إنّ مفاد دليل اليد واحد، ولا يعقل أن يفيد في موردٍ عهدة العين أو

ص: 646


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 258.

شغل الذمّة بالمثل أو القيمة، وفي موردٍ غير ذلك، فلو كان دليل الحيلولة ذلك، لا محيص عن الالتزام بأنّ للدافع حقّ الردّ، وللمالك مطالبة ماله.

وكذا الكلام لو كان الدليل آية الاعتداء؛ لما مرّ من أنّ تجويز التقاصّ

كاشف عن كونه بحقّ، وعن ضمان الطرف، واشتغال ذمّته(1)، ومعه لا فرق بين التلف والتعذّر.

وكذا لو كان حديث الضرر بما قرّبناه لاشتغال الذمّة(2).

وكذا قاعدة السلطنة إن قلنا: إنّ السلطنة على المال تقتضي لزوم جبرانه ببدله، ولازمه العقلائي أنّ البدل على عهدته؛ لأنّه لازم الجبران بحقّ.

نعم، لو قلنا بأنّ قاعدتها تقتضي وجوب الجبران بالبدل عند مطالبة المالك، فلا تقتضي اشتغال الذمّة ولا العهدة، فحينئذٍ ليس للضامن أداء البدل إلزاماً، كما أنّه ليس له إلزام المالك بالمطالبة، ولا يجب عليه البدل إلاّ بعد المطالبة، وللمالك المطالبة وتركها؛ لقاعدة السلطنة.

لكن في المبنى إشكال.

وأمّا قولهم: إنّ المالك مخيّر بين المطالبة والصبر، ومع المطالبة يجب الأداء(3)، فقد مرّ ما فيه في بعض النظائر(4).

ص: 647


1- تقدّم في الصفحة 480.
2- تقدّم في الصفحة 630.
3- المبسوط 3: 87؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 258 - 259؛ منية الطالب 1: 349.
4- تقدّم في الصفحة 534.

وحاصله: أنّ المراد بالمطالبة إمّا مطالبة العين المتعذّرة، أو مطالبة بدله وجبران خسارته.

فعلى الأوّل: لا يعقل المطالبة الجدّية مع علمه بالتعذّر، بل ليس له المطالبة حينئذٍ، وعلى فرض تعلّقها وجوازها، لا دليل على وجوب أداء البدل لولا تعلّقه بالذمّة، فجواب المطالبة هو العذر عن الأداء، ولا دليل على تبديل العين بالعوض عند المطالبة، كما أنّ المطالبة الصورية ليست موضوعاً لحكم، ولا موضوعاً لتبديل العين بالعوض.

وعلى الثاني: فإن طالب مع عدم كون البدل على عهدته، فهي مطالبة في غير موردها، ولا أثر لها، وإن طالب مع كون البدل على عهدته فله إفراغ ذمّته، وليس للمالك الامتناع منه.

فالحاصل: أنّ المطالبة على فرضٍ، غير معقولة وغير جائزة، وعلى فرضٍ، له إفراغ ذمّته كسائر الاشتغالات.

الثالث : هل بدل الحيلولة ملك لمالك العين أو مباح له؟

بعد بذل بدل الحيلولة، هل يملكها المضمون له، أو يكون له التصرّف المطلق من غير ملكية؟

قال الشيخ الأعظم قدّس سرّه: «لولا ظهور الإجماع(1) وأدلّة الغرامة في الملكية، لاحتملنا أن يكون مباحاً له إباحة مطلقة»(2).

ص: 648


1- الخلاف 3: 412؛ غنية النزوع 1: 281 - 282؛ السرائر 2: 486.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 259.

أقول: تقريب دلالة أدلّة الغرامات أن يقال: إنّ قوله صلي الله عليه و آله وسلم: «على اليد...» بلسان واحد دالّ على الضمان، فكما أنّ في التلف يكون أداء المضمون أداءً لمال المالك، ومقتضاه تملّكه بالأخذ، فكذلك في المقام، وبهذا التقريب يمكن أن يقال في سائر الأدلّة الدالّة على الضمان فرضاً.

وفيه: أنّ تقريب دلالة قاعدة اليد مثلاً على الضمان في باب الحيلولة كما تقدّم هو أنّ المناسبات المغروسة في الأذهان توجب الحكم بأنّ الملاك في باب الغرامة انقطاع يد المالك عن ماله(1).

فحينئذٍ نقول: إنّ الضمان بدليل اليد على حسب مقدار الانقطاع، ففي التلف لمّا كان يده منقطعة من حيث المالية والملكية والسلطنة ونحوها، كان على الآخذ غرامته بنحو ذلك، وهي لا تحصل إلاّ بصيرورة المأخوذ ملكاً له، والمالك مسلّطاً عليه.

والحيلولة إن كانت كذلك - كما لو قلنا في المال الذي غرق في البحر: إنّه صار خارجاً عن ملك مالكه، ومباحاً أصلياً يملكه من سبق إليه، كما تشعر أو تدلّ عليه بعض روايات اللقطة(2) - كان مقتضى الجبران والغرامة صيرورة البدل ملكاً للمالك.

وأمّا لو لم نقل بخروجه عنه مطلقاً أو في بعض صور اُخر غير الغرق، فلا يقتضي دليل اليد إلاّ جبر ما قطعت يد المالك عنه، والفرض أنّ المال

ص: 649


1- تقدّم في الصفحة 638 - 639 و645.
2- تهذيب الأحكام 6: 295 / 822؛ وسائل الشيعة 25: 455، كتاب اللقطة، الباب 11، الحديث2.

بقي على ملك المالك، وما انقطعت يده عنه هي السلطنة عليه؛ بحيث يتصرّف فيه كيف شاء، فلا بدّ من جبران ذلك، وهو يحصل بإعطاء المثل أو القيمة، يتصرّف المضمون له كيف شاء، حتّى التصرّف الموقوف على الملك، ولا يتوقّف ذلك على صيرورة المال ملكاً له، وبهذا يظهر الحال في سائر أدلّة الضمان.

فدعوى: ظهور أدلّة الغرامات في الملكية، غير ظاهرة إن اُريد به الدلالة اللفظية.

وإن اُريد به الدلالة الالتزامية، بأن يقال: إنّ دليل الغرامات يدلّ على لزوم جبر مال الغير، وفي المقام ليس الجبر إلاّ بالإباحة المطلقة، حتّى المتوقّفة على الملك وسلب جواز مطلق التصرّفات عن الضامن، وهو ملازم عرفاً لسلب مالكية الضامن، وثبوت مالكية المضمون له؛ لأنّ الملكية لا اعتبار لها مع سلب جميع آثارها، وتعتبر عرفاً مع ثبوت جميع آثارها.

فهو أيضاً غير وجيه في المقام؛ لأنّ ذلك لو سلّم، إنّما هو في مورد السلب والثبوت، على نحو الإطلاق، في جميع الأزمنة، وأمّا مع سلبها مطلقاً في بعض الأزمنة، أو سلبها في الجملة في جميعها، أو ثبوتها كذلك، فلا، والمقام بحسب كثير من صوره يكون السلب والإثبات فيه في بعض الأزمنة، أو يحتمل كونهما في بعضها، ومعه لا مجال لما ذكر.

وإن اُريد بالدلالة الالتزامية، أنّ إباحة ما يتوقّف على الملك مثل البيع، أو الوط ء، أو العتق ملازم للملكية؛ لأنّ هذه الإباحة إباحة معلولة للملك،

ص: 650

ولا يعقل تحقّقها إلاّ مع ثبوت علّتها (1).

ففيه: أنّ الإباحة في المقام ليست معلولة للملكية؛ لأنّ أدلّة الغرامات لا تفيد - كما عرفت - إلاّ لزوم جبر الخسارة، والمفروض أنّ المأخوذ بقي على ملك صاحبه، فهو مال مملوك له، انقطعت عنه سلطنته واستفادته منه، فلا بدّ من جبر هذه الخسارة لا غير، وهو يحصل في البيع والانتقالات الاُخر بإباحتها، لا بمعنى نقلها عن ملكه، بل بمعنى إباحة نقلها عن ملك الضامن، وأخذ قيمتها المملوكة للضامن، والتصرّف فيها بما شاء، وأمّا البيع لنفسه وعن ملكه فلا تقتضيه أدلّة الغرامات.

وأمّا في وط ء الجارية، فلا بدّ للضامن من تحليل وطئها وسائر الاستمتاعات منها، لو فرض كون الأمة بدلاً عن أمة لا قيمتها، كما في سائر القيميات.

وأمّا العتق فلا بدّ من إباحة الضامن عتقه من ماله في الكفّارات المتعلّقة على ذمّة المالك، وفي العتق الاستحبابي للثواب لا بدّ من إباحته وإعطاء الثواب له، فلا تتوقّف تلك التصرّفات بحسب أدلّة الغرامات على كون الشيء ملكاً للمضمون له، فتدبّر.

مع أنّ الوط ء والعتق خارجان عن موضوع البحث؛ لأنّ العبد والأمة قيميان، والتصالح في مورد لا يوجب أن يكون بدل الحيلولة، فتدبّر.

ص: 651


1- حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 43؛ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 433 - 434.
الرابع : في ضمان المنافع للعين المتعذّرة قبل أداء الغرامة وبعده

يظهر من الشيخ الأعظم قدّس سرّه وغيره(1) مفروغية ضمان منافع العين المتعذّرة، ونماءاتها المتّصلة والمنفصلة قبل أداء غرامتها، وجعلوا محلّ الكلام والإشكال فيها بعد أداء الغرامة، واختاروا عدمه.

وعلّله الشيخ قدّس سرّه بصدق «الغرامة» الموجبة لخروج الغارم عن عهدة العين وضمانها (2).

والتحقيق على فرض كون دليل الضمان قاعدة اليد:

أنّه بالنسبة إلى ما قبل أداء الغرامة: إن قلنا بأنّ دليل اليد يوجب ضمان توابع المأخوذ ومنافعه مطلقاً ولو لم تقع تحت اليد تبعاً، فيكون مفاد القاعدة أنّ اليد على الشيء توجب ضمانه وضمان توابعه ومنافعه، بوقوع اليد عليه، لا عليها ولو تبعاً، فلا محيص عن القول بالضمان، وهو واضح.

وأمّا إن قلنا بأنّ اليد على العين لا تكفي لضمان ما ذكر، بل الظاهر من دليل اليد هو ضمان ما وقع تحت اليد وصار مأخوذاً، غاية الأمر يعمّ الأخذ الاستقلالي والتبعي، فضمان النماءات والمنافع لأجل وقوع اليد عليها تبعاً، فلا بدّ وأن يقال: إنّ التوابع الموجودة حال كون الشيء تحت اليد مضمونة، دون ما حدثت بعد خروجه عن تحت اليد، فلا بدّ من التفصيل بين المنافع قبل

ص: 652


1- حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 45؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 530؛ حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 162.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 266.

الغرامة، فالحادثة بعد التعذّر والخروج عن تحت اليد غير مضمونة؛ لقصور دليل اليد عن إثبات الضمان فيها.

والظاهر من دليل اليد ذلك، فضمان ما لا يد عليه ولو تبعاً، لا يثبت بدليلها.

وبهذا ظهر مبنى ضمان المنافع والنماءات الحاصلة للعين في الأيادي المتعاقبة، ولا ضمانها، وسيأتي إن شاء اللّه الكلام فيها (1).

والعجب منهم مع ذهابهم إلى أنّ ضمان المنافع لأجل وقوع اليد عليها تبعاً (2)، قالوا في المقام: بضمان توابع العين المتعذّرة قبل أداء غرامتها (3)، ونفى الإشكال بعضهم عنه(4).

وأمّا بالنسبة إلى ما بعد أدائها، فالذي ينبغي أن يقال:

إنّه على المبنى الأوّل في معنى «على اليد...» فإن قلنا بأنّ الغرامة غرامة عن العين وجميع لواحقها، فلا ضمان بالنسبة إلى المنافع الحادثة بعدها؛ لأداء غرامتها فرضاً.

وإن قلنا بأنّها غرامة العين ومنافعها الموجودة قبل الأداء، وأمّا ما حصلت بعده كالنتاج الحاصلة بلقاح بعده، وكذا النماءات المتّصلة، والمنافع الحادثة بعده، فلم تكن غرامة لها، فعليه ضمانها؛ لأنّ المفروض بقاء العين على ملك

ص: 653


1- يأتي في الجزء الثاني: 513.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 31؛ حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 116؛ منية الطالب 1: 295.
3- حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 45.
4- منية الطالب 1: 350.

صاحبها، والنتاج والنماءات تابعة لها في الملكية، ومضمونة بضمانها.

بل يمكن أن يقال: إنّ ما أدّى ليست غرامة العين؛ لما مرّ من أنّ دليل اليد لا يقتضي أن يكون البدل في الحيلولة ملكاً للمضمون له، بل هو ملك الغارم، ويتصرّف المضمون له فيه أيّ تصرّف شاء(1)، فبدل الحيلولة ليس غرامة عنها؛ لأنّها باقية على ملك مالكها، كما أنّ المدفوع باقٍ على ملك الدافع، وإنّما سلّطه عليه بدلاً عن قطع سلطنته عن ماله.

فعلى هذا لم يخرج الغارم عن عهدة العين وضمانها، فلو تلفت، وكانت قيمتها أكثر من المدفوع، يضمنها الغارم. هذا إذا قلنا بأنّ حدوث اليد على شيء سبب لضمانه، وضمان توابعه، ولواحقه.

وأمّا على المذهب المنصور، فلا ضمان لما لم يقع تحت يده ولو تبعاً، نعم لو كان دليل الضمان قاعدة الضرر، يمكن القول بالضمان، على إشكال في المبنى والبناء، وكذا الحال في آية الاعتداء(2) لو كانت دليلاً في المقام.

الخامس : في وجوب ردّ العين عند زوال التعذّر

لو زال التعذّر فالظاهر ثبوت الترادّ، بل قيل: لا خلاف بينهم فيه، من غير فرق بين مثل الغرق، والسرقة، والضياع ممّا يعدّ تلفاً عرفاً، وبين ما لا يعدّ كذلك، إلاّ أنّه متعذّر الحصول(3)، بل الظاهر أنّ الأمر كذلك لو

ص: 654


1- تقدّم في الصفحة 649.
2- البقرة (2): 194.
3- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 531.

فرض رجوع التالف الحقيقي بخرق العادة.

إنّما الكلام في وجهه، فيحتمل أن يكون الوجه اقتضاء ماهية البدلية والغرامة

ذلك؛ لأنّ البدل بدل ما لم يتحقّق المبدل منه، ومع تحقّقه لا معنى للبدلية والغرامة(1).

ويمكن أن يقال: إنّ أداء القيمة في القيمي، والمثل في المثلي، أداء لبعض شؤون العين، وبعض شؤونها متعذّر الأداء، وهو هويتها وشخصيتها، ومقتضى «على اليد...» عهدة العين بخصوصيتها الشخصية، وأداء القيمة أداء لماليتها، وأداء المثل أداء لنوعيتها، لا شخصيتها وهويتها؛ فإنّهما غير مضمونين بالغرامة، وليس أداء القيمة والمثل غرامة لهما؛ لعدم المالية لهما، وعدم كونهما مورد رغبات الناس، فمع تعذّر العين لا يمكن أداؤها، فإذا زال التعذّر وجب الردّ.

وأمّا احتمال المعاوضة المالكية، أو القهرية العقلائية، أو القهرية التعبّدية الشرعية(2)، فضعيف:

أمّا الأوّل فواضح؛ ضرورة عدم انقداح معاوضة في ذهنهما، وعدم إنشائها.

والثاني كذلك؛ لعدم اعتبار العقلاء التالف الحقيقي ملكاً للغارم في مقابل ما يؤدّي غرامة، وليس اعتبار الضمان فيه غيره في التالف العرفي.

وكذا الثالث؛ لأنّ أدلّة الغرامات والضمانات لا تدلّ على المعاوضة، والعرف

ص: 655


1- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 531.
2- اُنظر جواهر الكلام 37: 80 و131 و135؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 518.

لا يفهمون منها إلاّ ما هو المعهود لديهم، وليست الغرامة لدى المتشرّعة غير ما لدى العقلاء.

وقد يقال: «عدم جواز الجمع بين العوض والمعوّض لا يختصّ بالمعاوضات؛ إذ هو مقتضى العوضية، إذ لا معنى لكون الشيء عوضاً عن شيء، مع بقاء ذلك الشيء بحاله وفي محلّه.

نعم، الفرق بين المقامين: أنّ في المعاوضات لا بدّ من اعتبار وجود العوض المقابل في كلّ من الطرفين، بخلاف باب الغرامات، فإنّه يفرض المعوّض تالفاً ومعدوماً، فيؤخذ بدله من حيث إنّه غير موجود، وحينئذٍ فلا معنى لبقاء العين على ملك مالكها، وحيث إنّها مال في حدّ نفسها ولا بدّ من مالك، فلا بدّ أن تنتقل قهراً إلى من أعطى البدل»(1)، انتهى.

أقول: لولا تعليله أمكن أن يقال: إنّ دعواه يرجع إلى حكم العقلاء، وإن كانت تلك الدعوى أيضاً مخدوشة، لكن ظاهر تعليله أنّه مع فرض كون المعوّض معدوماً، لا معنى لكونه مملوكاً.

وفيه: أنّه مع فرض معدوميته، لا معنى لفرض كونه مملوكاً، ومالاً، ولا شيئاً آخر، فما وجه قوله: حيث إنّها مال في حدّ نفسها... إلى آخره، ولو أراد رفع اليد عن اعتبار المعدومية، فحينئذٍ لا يكون معدوماً، فهو ملك لصاحبه.

ثمّ كون الشيء مالاً لا يلزم أن يكون له مالك؛ ضرورة مالية المعادن ونحوها ولا مالك لها. نعم، لو كان الشيء مملوكا لا بدّ له من مالك.

ص: 656


1- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 517 - 518.

ثمّ لو كان لا بدّية الانتقال قهراً إلى من أعطى البدل لأجل البدلية، فالمفروض أنّ حال البدلية كان المبدل معدوماً فرضاً، فلا يعقل الجمع بينهما.

وإن كان ذلك مقتضى كون الشيء مالاً فهو أفحش؛ لأنّ كون الشيء مالاً لو فرض احتياجه إلى مالك، لا يلزم أن يكون مالكه معطي البدل، مع فرض عدم اقتضاء البدلية ذلك، بل الأقرب على هذا البيان بقاؤه على ملك مالكه.

والتحقيق: أنّ «الغرامة» عنوان مستقلّ، وماهيتها تقتضي رجوع المتعذّر بعد رفع تعذّره إلى ملك المالك لو فرض خروجه منه، هذا في التالف ولو عرفاً.

وأمّا المتعذّر غير التالف، فقد عرفت أنّ العين والغرامة كلّ بقي على ملك صاحبه(1).

وجوب ردّ العين إلى صاحبها قبل وقوعها تحت يد الغارم

ثمّ الظاهر أنّ العين التالفة عرفاً تبقى على ملك مالكها؛ لعدم دليل على خروجها منه، ولا تقتضي ماهية الغرامة ذلك، ولهذا لا يقولون به في بدل الحيلولة، كما أنّ العين المتعذّرة باقية عليه، فلو ارتفع العذر ورجعت التالفة، فهل يجب ردّها إلى صاحبها قبل وقوعها تحت يده، أو لا؟

الظاهر قصور الأدلّة اللفظية عن إثبات وجوبه:

أمّا مثل: «لا يحلّ مال امرئٍ مسلم...»(2) إلى آخره، و«لا يجوز لأحد

ص: 657


1- تقدّم في الصفحة 649 و654.
2- الكافي 7: 273 / 12؛ الفقيه 4: 67 / 195؛ وسائل الشيعة 29: 10، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 1، الحديث 3.

أن يتصرّف...»(1) إلى آخره فلعدم شمولهما لما لا تكون تحت يد الغارم، ومجرّد قدرته على ردّها إلى صاحبها، لا يوجب شمولهما لها، فالشيء الذي هو خارج عن تحت يده، لا يكون في تصرّفه، وإن قلنا بأنّ الإمساك تصرّف.

وأمّا «على اليد...» فدلالته متوقّفة على أن يقال: إنّ الأخذ بوجوده الحدوثي علّة لعهدة العين، ووجوب الأداء حين وجودها، وضمانها حين تلفها عقلائي، لازم للعهدة.

وهو محلّ تأمّل؛ لقوّة احتمال أن يكون المراد به الضمان؛ أي لو تلفت، عليه خسارتها أو لو انقطع يده عنها بأخذه فعليه خسارتها، بل التحقيق ذلك كما مرّ(2).

نعم، يمكن التمسّك باستصحاب وجوب الأداء الثابت قبل التعذّر، بأن يقال: إنّ التعذّر لا يوجب سقوط الوجوب، بل الوجوب على فعليته في الأعذار العقلية، غاية الأمر أنّ المكلّف معذور في مخالفته، وقد قرّرنا في محلّه أنّ التكاليف القانونية لا تخرج عن الفعلية بواسطة الجهل والعذر، وأنّ مبادئ جعل القوانين الكلّية وغاياتها غيرهما في توجّه التكليف إلى الأشخاص(3)، فراجع.

فحينئذٍ لو علمنا بأن لا مزاحم للتكليف إلاّ العذر العقلي، وهو علّة منحصرة، فلا يبقى شكّ في ثبوت التكليف، ولو احتملنا أنّ المساوق للعذر تحقّق علّة لسقوطه فيستصحب بقاؤه.

ص: 658


1- كمال الدين: 520 / 49؛ الاحتجاج 2: 558؛ وسائل الشيعة 9: 540، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 3، الحديث 7.
2- تقدّم في الصفحة 510.
3- مناهج الوصول 2: 18 - 20؛ أنوار الهداية 2: 204 - 207.

وأمّا استصحاب عدم التكليف فغير جارٍ؛ لأنّ العذر العقلي لا يوجب السقوط، فبقي احتماله، فلا متيقّن حتّى يستصحب.

ولو قلنا بسقوط التكليف بالأعذار، فمع العلم بكون العذر علّة منحصرة ولا علّة غيره، فمع رفع العذر لا يبقى شكّ، ومع احتمال عدم الانحصار، ومقارنة العذر لعلّة اُخرى له، يجري استصحاب عدم التكليف، وبقاء السقوط على حاله، ولا يجري استصحاب الوجوب؛ لانتقاضه باليقين بالسقوط.

ولعلّ مراد الشيخ الأعظم قدّس سرّه: «من جريان استصحاب الوجوب، وعدم جريان استصحاب عدمه»(1) ما ذكرناه، وإلاّ فيرد عليه إشكال ظاهر؛ إذ بعد البناء على سقوط الوجوب، لا وجه لاستصحابه.

السادس : في رجوع الغرامة إلى ملك الغارم بمجرّد التمكّن من العين

لو رجعت العين التالفة عرفاً، كما لو خرج ما في البحر بواسطة الأمواج، أو

وجدت العين المسروقة أو الضائعة، فهل ترجع الغرامة إلى ملك الغارم بمجرّد ذلك؛ بدعوى أنّ الغرامة بإزاء العين التالفة ما دامت تالفة، وبعد تغيير العنوان ورجوع التالفة، ترجع الغرامة إلى الغارم(2)؟

وهذا نظير ما يقال في التيمّم بدل الغسل بناءً على الرافعية: إنّ الرفع عن موضوع خاصّ، فإذا تبدّل زالت الرافعية(3).

ص: 659


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 268.
2- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 531.
3- راجع مصباح الفقيه، الطهارة 6: 369؛ الطهارة، الإمام الخميني قدس سره 2: 247 - 250.

أو لا ترجع إلاّ بعد ردّ العين إلى صاحبها؛ بدعوى أنّ التلف جهة تعليلية للزوم الغرامة، وأنّ الغرامة بإزاء العين لأجل انقطاع يد المالك عنها أبداً عرفاً، ومقابل الانقطاع رجوعها إليه(1)؟

وهذا أوجه بنظر العرف، فلا يرد عليه: أنّه على فرض كونه جهة تعليلية، ينتج زوال الملكية بمجرّد التيسّر؛ لأنّ ما هو العلّة انقطاع خاصّ هو التلف عرفاً، أو ما بحكمه كالتعذّر، ومقابل هذا سلب هذا الانقطاع، لا وصوله بيده.

والظاهر أنّ العرف في جانب الانقطاع، يحكم بعلّية الانقطاع الخاصّ كما ذكر، ولكن في جانب سلبه لا يوافق إلاّ برجوعها إلى المالك، ولو شكّ فيه يستصحب بقاء الملكية أو السلطنة.

وأمّا الاُصول التي تمسّك بها الشيخ الأعظم قدّس سرّه - وهي استصحاب كون العين مضمونة بالغرامة، وعدم طروّ ما يزيل ملكيته عن الغرامة، أو يحدث ضماناً جديداً (2) - فبين مثبت، وغير جارٍ على مسلكه؛ فإنّ استصحاب عدم السبب المزيل لإثبات الملكية، وكذا عدم سبب ضمان جديد لإثبات بقاء الضمان، مثبت.

واستصحاب كون العين مضمونة بالغرامة لا أصل له، إلاّ أن يرجع إلى استصحاب بقاء الغرامة على ما هي عليه، وهو من الشكّ في المقتضي؛ لاحتمال كون الملكية على عنوان خاصّ لا يقتضي البقاء أو علّتها علّة خاصّة، لا تقتضي العلّية فيما زاد، فتدبّر.

ص: 660


1- منية الطالب 1: 351.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 268.

وكذا استصحاب بقاء الملكية شكّ فيالمقتضي، وهو غير جارٍ على مسلكه(1).

وبهذا يظهر الحال في بدل الحيلولة، على القول بملكيته للمضمون له(2).

وأمّا على القول بصيرورته مباحاً له، وله التصرّف فيه بما شاء(3)، يقع الكلام في قطع الإباحة، هل هو بمجرّد رفع التعذّر، أو مع الوصول؟

أقربهما الثاني.

رجوع الضمان الجديد بالسبب الأوّل

ثمّ لو قلنا: إنّ مجرّد وجدان المال في الفرع الأوّل، ورفع التعذّر في الثاني، يوجب رجوع الغرامة ورفع الإباحة عنها، فهل يتجدّد ضمان جديد بمجرّدهما؟ أو يعود الضمان الأوّل، لا من الأوّل، بل بعد الوجدان؟ أو لا ضمان بعدهما إلاّ إذا وقعت العين تحت يده مطلقاً، أو عدواناً؟ وجوه:

أقربها رجوع الضمان الجديد بالسبب الأوّل؛ وذلك لاقتضاء الغرامة ذلك عرفاً، لأنّ مقتضى دليل الضمان، هو كون حدوث اليد على شيء موجباً لضمانه ولزوم غرامته، والغرامة ما دامت كونها غرامة توجب رفع الضمان، ومع سلب عنوان الغرامة عن المدفوع، يعود الضمان بسبب سابق، وهو اقتضاء اليد، وهذا أمر عرفي عقلائي، لازم عنوان الغرامة، ومقتضى ذاتها عرفاً، من غير أن يكون

ص: 661


1- فرائد الاُصول، ضمن تراث الشيخ الأعظم 26: 51.
2- الخلاف 3: 412؛ غنية النزوع 1: 281 - 282؛ السرائر 2: 486.
3- اُنظر جامع الشتات: 582 / السطر 36؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 259؛ بغية الطالب، المحقّق الإشكوري 1: 61 / السطر 3.

تقييد وتحديد؛ بأن تكون الغرامة رافعة للضمان إلى أمد كذا بنحو التقييد.

وأمّا الضمان الجديد الحادث بسبب حادث، فلا دليل عليه بعد العمل بمقتضى اليد، وعدم يد جديدة على العين.

كما أنّ القول بعدم الضمان مطلقاً (1)، خلاف فهم العقلاء من الأدلّة وبنائهم في باب الغرامات، بل هو مقطوع الخلاف.

عدم جواز حبس العين

ثمّ على فرض عدم رجوع الغرامة إلاّ بعد ردّ العين، فالظاهر عدم جواز حبسها ومطالبة الغرامة؛ لدليل تسلّط الناس على أموالهم، وعدم مزاحم له.

إلاّ أن يقال: لازم الغرامة عند العقلاء، جواز حبسها، ومطالبة إعادة الملكية على فرض ملكية المالك، وإعادة السلطنة على فرض جبران السلطنة، فله أن يقول: «سلب الملكية أو سلب السلطنة، بدل عن سلب سلطنتك، ولازم البدلية جواز مطالبة المبدل عند أداء البدل» فله الحبس في جميع الصور.

وأولى بذلك ما لو قلنا: برجوعها إلى الغارم، سواء قلنا بالملكية ورجوع الملك، أو قلنا بسلب سلطنته عنها حال التعذّر، ورجوعها عند التمكّن، فالظاهر جواز حبسها ومطالبة الغرامة؛ لأنّ ذلك لازم الغرامة والبدلية لدى العقلاء.

وما قيل من أنّ جواز الحبس في باب المعاوضات والمعاملات، إنّما هو للشرط الضمني، وفي باب انفساخها لقيام الإجماع، والمقام ليس من

ص: 662


1- اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 162 - 163.

المعاوضات، ولو كان منها يكون من قبيل المعاوضة القهرية التعبّدية، فلا شرط ضمني، ولا قيام إجماع، والقاعدة تقتضي وجوب ردّ العين، وعدم جواز حبسها حتّى على القول برجوع الغرامة لدى التمكّن(1).

منظور فيه: لأنّ في باب المعاوضات أيضاً ليس شرط ضمني من المتعاملين، ولا قيام إجماع تعبّدي في مورد فسخها، بل لزوم التسليم والتسلّم من الأحكام العقلائية لباب المعاوضات وباب انفساخها، كما أنّ الأمر كذلك في باب الغرامات؛ فإنّ الغرامة بدل العين، أو لماليتها أو لسلطنتها، ومقتضى البدلية عرفاً جواز حبس المبدل، ومطالبة البدل، ومع هذا الحكم العقلائي، لا يفهم من دليل لزوم ردّ المال إلى صاحبه لزومه مطلقاً، سواء أدّى بدله أم لا، فدليل إيجابه منصرف عنه.

السابع : في خروج العين عن التقويم

لو خرجت العين عن التقويم، فإن عدّت تالفة عرفاً فالظاهر خروجها عن الملكية؛ لعدم اعتبار ملكية ما تكون تالفة، كرطوبة اليد إذا بقيت من الماء المغصوب؛ فإنّها لا تعدّ ملكاً للمغصوب منه، بل الظاهر عدم تحقّق حقّ الأولوية فيها أيضاً؛ فإنّها عرفاً كالأعراض، مثل اللون والرائحة.

وأمّا لو لم تعدّ تالفة، فهل الخروج عن المالية موجب للخروج عن ملكية مالكها، كما هو مختار الطباطبائي قدّس سرّه في «تعليقته»(2) أو لا؟

ص: 663


1- منية الطالب 1: 353 - 354.
2- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 522.

الظاهر هو الثاني؛ لعدم تبعية الملكية للمالية، فإنّ ورداً واحداً مجتنىً من شجرة مملوكة، ملك لصاحبه في العقل والشرع؛ لتبعية الثمرة للشجرة في الملكية ولو لم يعدّ مالاً ولا يبذل بإزائه مال، والثلج في الشتاء من الماء المملوك ملك وليس بمال، وهكذا، ومن ذلك أجزاء الزجاجة المكسورة، والفاكهة الفاسدة.

ثمّ على فرض ملكية ما ليس بمال، لا يجوز التصرّف فيه بلا إذن صاحبه ولو قلنا بعدم شمول مثل قوله صلي الله عليه و آله وسلم: «لا يحلّ مال امرئٍ مسلم...»(1) إلى آخره، و«لا يجوز لأحد...»(2) إلى آخره، ممّا تعلّق فيها الحكم على عنوان المال، له؛ للقبح العقلي والعقلائي المستكشف منه عدم رضا الشارع به؛ فإنّه ظلم، مع أنّ الاستيلاء عليه غصب محرّم شرعاً، وقبيح عقلاً.

مضافاً إلى إمكان أن يقال: إنّ الأدلّة المذكورة شاملة له؛ لقرب احتمال إرادة ما له ارتباط وإضافة إلى الغير، كإضافة المالكية من المال، بل لا يبعد شمولها لإضافة الاختصاص أيضاً، والمال المأخوذ فيها نظير ما يقال في العرف: «إنّ هذا مالي، وذاك مال زيد» ولا شبهة في عدم اختصاص هذا الإطلاق بما يبذل بإزائه المال، فإنّه يقال: «إنّ هذه الحبّة مال زيد، وإنّ هذا الورد ماله» ولا يراد به إلاّ ما هو مضاف إليه إضافة مالكية، مع عدم المالية له، وليس فيه تأوّل وتجوّز.

وكيف كان: فلا يجوز التصرّف في ملك أحد، كما لا يجوز في ماله.

ص: 664


1- تقدّم في الصفحة 657.
2- تقدّم في الصفحة 657 - 658.

ثمّ لو فرض بقاء ملكية ما خرجت عن التقويم، فهل تخرج من ملك مالكها بعد أداء غرامتها؟

الظاهر عدمه؛ لأنّها لا تقع بإزاء خصوصية الهوية، لما عرفت في بعض المباحث السالفة(1): أنّها بإزاء العين في ماليتها، أو في خصوصياتها المرغوبة فيها، الموجبة لازدياد الرغبات والقيم، والعين المملوكة غير المتقوّمة، غير ملحوظة في الغرامات والضمانات، فبقاء ملكيتها غير مانعة من أخذ الغرامة بتمامها، ولا يلزم منه الجمع بين البدل والمبدل منه.

بل لو فرض وقوع الغرامة بإزاء الهوية، لا يقتضي ذلك خروجها عن ملك صاحبها؛ لأنّ باب أداء الغرامات ليس من المبادلات والمعاوضات المالكية، وهو واضح؛ ضرورة عدم إنشاء مبادلة بين الطرفين، ولا العقلائية؛ لعدم اعتبار العقلاء ملكية ما يعطى غرامته للغارم، بل الظاهر المرتكز بينهم بقاؤه على ملكية صاحبه.

ولهذا يقال بحسب ارتكازهم: «إنّ مال المغصوب منه سرق وغرق وضاع» حتّى بعد الغرامة، وإذا وجد يقال: «إنّ ماله وجد» لا مال الغارم، ولا يعتبر العقلاء أداء الغرامة معاوضةً، ولا ردّ العين معاوضةً اُخرى، أو انفساخاً لمعاوضة.

ويؤيّده: أنّ الغرامة في التلف الحقيقي وغيره على نهج واحد، مع وضوح عدم اعتبار العقلاء ملكية التالف الحقيقي في مقابل الغرامة.

والأدلّة الشرعية لا تدلّ إلاّ على الضمان ولزوم الغرامة، ولا يستفاد منها إلاّ ما لدى العرف، فاحتمال المعاوضة القهرية التعبّدية(2) ضعيف.

ص: 665


1- تقدّم في الصفحة 541 و552 و582 - 583.
2- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 524.
حكم الخياطة بالخيط المغصوب

بقي الكلام في خصوص الخياطة بالخيط المغصوب، فإن لم يصر الخيط بعد الإخراج تالفاً، ولم يوجب إخراجه تلف شيء من الغاصب، فلا إشكال في لزوم ردّه، وعدم لزوم الغرامة.

وإن أوجب تلف مال الغاصب، كما إذا انجرّ إلى تلف ثوبه، ومثل الخشبة المستدخلة في البناء إذا كان إخراجها موجباً لهدم البناء، فهل يجب ردّ المغصوب وإن صار ما صار؟ لأنّ الغاصب يؤخذ بأشقّ الأحوال، لأجل انصراف أدلّة نفي الحرج والضرر عنه.

أو لا يجب؛ لأنّ ذلك أمر سفهي، تنصرف أدلّة وجوب الردّ وحرمة الحبس عن مثله، بل لا بدّ من الغرامة بدلاً للحيلولة؟

أو يكون بحكم التالف، تجب غرامته، ويجوز للغارم التصرّف فيه؟

أو يبقى على ملكه بعد الغرامة أيضاً؟ وجوه:

لعلّ الأوّل أقرب إلى القواعد، وتشهد له بعض الروايات الواردة في من غصب أرضاً فبنى فيها أنّه: «يرفع بناؤه، وتسلّم التربة إلى صاحبها، ليس لعِرْق ظالم حقّ»(1).

وفي من زرع أو غرس في أرض الغير أنّه: «يقلعه ويذهب به حيث شاء»(2).

ص: 666


1- تهذيب الأحكام 6: 294 / 819، و7: 206 / 909؛ وسائل الشيعة 25: 388، كتاب الغصب، الباب 3، الحديث 1.
2- الكافي 5: 297 / 2؛ تهذيب الأحكام 7: 206 / 907؛ وسائل الشيعة 25: 387، كتاب الغصب، الباب 2، الحديث 2.

وإطلاق نحو «المغصوب مردود»(1).

و«الحجر المغصوب في الدار رهن على خرابها»(2).

لكن الإنصاف: أنّ المسألة مشكلة؛ فإنّ الروايتين أوّلتين لا يستفاد منهما حكم المقام؛ فإنّ العرق والبناء بقاؤهما في ملك المالك غصب وبلا حقّ، وفي المقام بقاء ملك المالك في ملك الغاصب.

و«المغصوب مردود» لا إطلاق فيه يشمل ما يستلزم خراب المال المحترم.

و«الحجر المغصوب...» لا يبعد أن يكون كناية عن استلزام الغصب، الضرر على الغاصب من قبل اللّه، ولا يستفاد منه ما رمناه.

فلا دليل في المسألة على جواز غرق سفينة فيها ملايين من مال الغاصب، وهدم بناء مشتمل على طبقات كثيرة بمجرّد كون لوح مغصوب فيها، أترى إمكان الالتزام بأنّه لو كان خاتم مغصوب، ضاع في بناء مشتمل على عشر طبقات من الغاصب، يحكم بلزوم هدم البناء للعثور على الخاتم؟ !

فالأقوى الالتزام بالبدل للحيلولة، والحكم بتعذّر تسليم العين مع بقائها على ملك مالكها.

وإذا انجرّ إلى تلف الخيط، فهل هو بحكم التلف تجب غرامته، ويجوز التصرّف فيه؟

ص: 667


1- الكافي 1: 542 / 4؛ وسائل الشيعة 9: 524، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 4.
2- نهج البلاغة: 510 / 240؛ وسائل الشيعة 25: 386، كتاب الغصب، الباب 1، الحديث 5، إلاّ أنّ في نهج البلاغة: «الغصيب» وفي وسائل الشيعة: «الغصب».

أو أنّ الخيط في هذا الحال غير تالف، فهو ملك لصاحبه، والثوب ملك للغاصب، فيقوّم الخيط، فإن ساوى قيمته في هذا الحال مع سابقه أو زادت، فهي لصاحبه، وإن نقصت يجبره الغاصب؟

أو يجب غرامته وبقيت العين على ملك صاحبها؟

أو ألزم الغاصب بإخراجه، ومع تلفه يغرم؟

وجوه.

خروج العين عن الملكية مع بقاء حق الأولوية

ثمّ إنّه ذكر الشيخ الأعظم قدّس سرّه قسماً آخر، وهو ما لو خرج المضمون عن الملكية، مع بقاء حقّ الأولوية فيه، كما لو صار الخلّ خمراً (1)، والأولى بسط الكلام في نحو المثال في جهتين:

الاُولى : محتملات عدم ملكية الخمر

إنّ المعروف بينهم أنّ الخمر لا تكون ملكاً عند الشارع، فإذا صار الخلّ خمراً خرج عن ملك صاحبه، وظاهر بعضهم عدم الفرق بين الخمر المتّخذة للتخليل وغيرها (2).

والمحتمل في المقام ابتداءً اُمور:

منها: أنّ الشارع أسقط الملكية العقلائية عن الخمر ونحوها، فردعهم عن اعتبار الملكية فيها.

ص: 668


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 265.
2- جواهر الكلام 37: 44.

وهذا غير موجّه؛ لأنّ سلب اعتبار العقلاء ليس بيد التشريع، والعقلاء على اعتبارهم في ملكية الخمر ونحوها، فلا يرجع إسقاط الملكية العقلائية إلى محصّل.

ومنها: أنّ الشارع خطّأهم في ملكيتها.

وهو أيضاً غير صحيح؛ لعدم واقعية للملكية إلاّ الاعتبار، فلا معنى للتخطئة فيها.

ومنها: أنّ الشارع لم يعتبر ملكيتها في قبال العقلاء، فيكون له بما أنّه مقنّن، اعتبار وراء اعتبارهم.

ومنها: عدم تصرّفه في ناحية اعتبار الملكية، لكنّه أسقط آثار الملكية.

لا يقال: إسقاط جميع الآثار مساوق لإسقاط الملكية؛ للغوية اعتبارها مع سلب جميعها.

فإنّه يقال: اعتبار الملكية عقلائية والشارع تبع لهم، وليس له اعتبار مستقلّ في قبالهم حتّى يقال: إنّه لغو، ولا ملزم له لسلب اعتبارها، بل له السكوت عنه وسلب الآثار، بل بعد سلب الآثار لعلّ سلب الملكية كان لغواً.

مضافاً إلى ممنوعية سلب جميع الآثار كما يأتي.

ثمّ إنّ هذين الأخيرين محتملان، والأوّل أقرب إلى كلمات العلماء.

والثاني أقرب إلى الاعتبار؛ لأنّ الملكية ليست من الحقائق الشرعية، واعتبار الشرع غير دخيل في حصولها، بل هي من الاعتبارات العقلائية في جميع الموارد، وللشارع النهي عن ترتيب الآثار وضعاً وتكليفاً، وإن أمكن له سلب الملكية في محيط تقنينه، لكن سلب الآثار أقرب إلى الفهم بحسب ظاهر الأدلّة، كقوله عليه السلام:

ص: 669

«ثمن الخمر سحت»(1) وسائر ما وردت في الخمر، ممّا يمكن دعوى انصرافها عن العصير المغلي للتثليث، أو التخليل على فرض صيرورته خمراً.

بل ظاهر شيخ الطائفة قدّس سرّه في رهن «الخلاف» عدم قيام إجماع على عدم ملكية الخمر قال: «الخمر ليست بمملوكة ويجوز إمساكها للتخليل والتخلّل.

ثمّ قال: دليلنا إجماع الفرقة على نجاسة الخمر، وعلى تحريمها الإجماع، فمن ادّعى صحّة أنّها مملوكة فعليه الدلالة»(2).

حيث تمسّك في مورد المسألة المبحوث عنها بعدم الدليل، فلو قام الإجماع على عدم المملوكية لتمسّك به جزماً، كما هو دأبه في الكتاب، وصرّح في أوّله(3).

ثمّ لو قلنا بسلب الآثار، لا يبعد القول بعدم سلب جميعها عن المتّخذة للتخليل، كسلبها عن المتّخذة للشرب، فالعصير المغلي بنفسه لو فرض صيرورته خمراً بالغليان، لم تهتك حرمته، ولا يوجب ذلك جواز إراقته، ولا سلب الضمان لو اُهريق؛ لقصور الأدلّة عن إثبات سلب الأحكام عن مثله.

نعم، الخمر المتّخذة للشرب لا حرمة لها، ويجب إهراقها، كما أراقها رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم على ما في الروايات(4)، وأمر بإهراقها (5).

ص: 670


1- الفقيه 3: 105 / 435؛ وسائل الشيعة 17: 94، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب5، الحديث 8.
2- الخلاف 3: 241.
3- الخلاف 1: 45.
4- السنن الكبرى، البيهقي 8: 287؛ نصب الراية 4: 297.
5- الكافي 5: 230 / 2؛ تهذيب الأحكام 7: 136 / 601؛ وسائل الشيعة 17: 223، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 55، الحديث 1.

بل لا يبعد أن يكون ما يؤخذ للشرب مسلوب الاحترام، ولو مثل العصير القابل للتخليل والتخمير، على إشكال بل منع.

بل لو قلنا بسلب الملكية عن الخمر شرعاً، يمكن أن يقال: بقصور الأدلّة عن شمول مثل العصير المغلي المتّخذ للتخليل أو مطلقاً، قبل أن يصير خمراً متعارفة يشربها الفسّاق.

والمسألة مشكلة تحتاج إلى التتبّع والتحقيق، ونحن نذكر الآن على سبيل الاحتمال ولوازم المحتملات.

الثانية : ملكية الخلّ لصاحبه بعد أن كان خمراً

لو قلنا بأنّ المتّخذة للتخليل أو ما تصير خلاًّ ملك ولم يسقط الشارع ملكيتها وإن سلب آثارها، لا يبقى مجال للبحث عن أنّها بعد التخليل من المباحات التي تصير ملكاً لمن سبق إليها، أو ترجع إلى ملك مالكها قبل التخمير.

وأمّا لو قلنا بسلب الملكية، فهل تصير بعد التخليل من المباحات؟

أو ترجع إلى ملك صاحبها قبل التخمير؟

أو يفصّل بين ما اتّخذت للتخليل وغيرها ولو صارت خلاًّ قهراً وبلا قصد؟

الظاهر هو الثاني، لا لكون حقّ الأولوية من المراتب الضعيفة للملك(1)، ومع سلب المرتبة الشديدة والشكّ في زوال الضعيفة تستصحب؛ ضرورة أنّ لازم الشدّة والضعف في ماهية أو حقيقة، بقاء نفس الحقيقة في جميع المراتب، فالسواد شديده وضعيفه سواد، ولا يعقل أن يكون ضعيف الملك غير ملك،

ص: 671


1- منية الطالب 1: 347؛ اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 443.

ولا شديد حقّ الأولوية غير حقّها، ولازم ذلك كون الملك عبارة عن حقّ الأولوية مطلقاً، وهو كما ترى.

مضافاً إلى أنّه مع كون حقّ الأولوية مرتبة من الملكية، لا بدّ من سلبها وزوالها؛ لأنّ الخمر غير مملوكة مطلقاً، والالتزام بملكيتها كذلك كما ترى.

مع أنّ المعاني الاعتبارية لا تقبل التشكيك، وليست الملكية مقولة حقيقية، بل شبيهة ببعض المقولات في بعض الحيثيات.

ولا لكون الأولوية من آثار الملكية السابقة المتحقّقة عند زوالها؛ ضرورة أنّ أثر الشيء لا يعقل تحقّقه بعد عدمه.

بل لأنّ للمالك سلطنة عقلائية ممضاة من الشارع على ماله؛ لقوله صلي الله عليه و آله وسلم: «النّاس مسلّطون على أموالهم»(1) فهذه السلطنة سلطنة على أنحاء التصرّفات الحقيقية والاعتبارية، حتّى السلطنة على الحفظ، وعلى سلب يد الغير، والمنع عن استيلائه، ويمكن أن يعبّر عنها: ب «الأولوية» وب «الحقّ» أحياناً.

ومع زوال ملكية العين، بقي بعض شؤون السلطنة جزماً، كسلطنة حفظها للتخليل، وسلطنة المنع عن استيلاء الغير عليها وحيازتها، وكان هذا من الواضحات لدى العقلاء والمتشرّعة، فيستكشف منه أنّ المال في القاعدة واسطة للثبوت في بعض الآثار. فلا يرد: أنّ الأثر لا يعقل بقاؤه مع رفع موضوعه.

فحينئذٍ مع رجوعها خلاًّ ترجع إلى ملك صاحبها وسلطانه، لا إلى الغير الأجنبيّ منها، ولا تصير من المباحات بعد التخليل.

ص: 672


1- الخلاف 3: 176؛ عوالي اللآلي 1: 222 / 99؛ بحار الأنوار 2: 272 / 7.

ولو شكّ في بقاء السلطنة تستصحب، ومع الغضّ عنه يجري الاستصحاب الحكمي، كاستصحاب حرمة التصرّف فيها، وعدم حلّيتها؛ لأنّ الموضوع في الاستصحاب عرفي، يلاحظ فيه وحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوك فيها.

وحكم الحرمة وعدم الحلّية وإن تعلّق بعنوان «مال الغير» في لسان الأدلّة، لكن بعد تحقّق مصداق مال الغير، يصير الموجود الخارجي معلوم الحرمة، فيقال: إنّ هذا العصير لا يحلّ التصرّف فيه بلا إذن زيد مثلاً، وبعد غليانه يشكّ في بقاء الحكم المتعلّق بهذا الشخص، فيستصحب؛ لوحدة القضيّتين.

والعجب من السيّد الطباطبائي قدّس سرّه حيث إنّه مع تصديقه بأنّ الموضوع في الاستصحاب عرفي(1)، قال: إنّ الحكم تعلّق بعنوان «مال الغير» ومع خروجه عن ملكه يرتفع الحكم قطعاً (2).

وأنت خبير: بأنّ هذا يرجع إلى أخذ الموضوع من الدليل، لا من العرف، فتدبّر جيّداً.

هذا بعض الكلام في المقبوض بالبيع الفاسد، والفروع الاُخر موكولة إلى كتاب الغصب.

والحمد للّه أوّلاً وآخراً، وظاهراً وباطناً.

ص: 673


1- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 3: 491.
2- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 526 و529.

ص: 674

الفهارس العامّة

اشارة

1 - الآيات الكريمة

2 - الأحاديث الشريفة

3 - أسماء المعصومين عليهم السلام

4 - الأعلام

5 - الكتب الواردة في المتن

6 - مصادر التحقيق

7 - الموضوعات

ص: 675

ص: 676

1 - فهرس الآيات الكريمة

الآية... رقمها... الصفحة

البقرة (2)

(لاَيَنَالُ عَهْدِى)... 124... 101

(لاَيَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِينَ)...124...100، 199، 200

(وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ)... 125...101

(وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِىَ)... 125...101

(وَلاَ تَأْ كُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) 188...177، 178

(بِالْبَاطِلِ) 188... 178

(وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ)...191... 481

(وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للّه ِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ * الشَّهْرُ)

ص: 677

الآية...رقمها... الصفحة

(الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)... 193 - 194...482

(الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ)... 194... 482

(وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ)...194...482

(فَمَنِ اعْتَدَى)... 194...482

(فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)... 194... 480

(فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ)... 194...550، 557، 597

(فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)...194... 546، 630

(مَا اعْتَدَى)... 194... 551

(وَأَنْفِقُوا فِى سَبِيلِ اللّه ِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)... 195... 482

(وَلاَ تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ)... 235...99

(أَوْ يَعْفُوَ الَّذِى بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ)...237... 99، 200، 339

(عُقْدَةُ النِّكَاحِ)... 237...339

(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبوا)... 275... 94

(الَّذِينَ يَأْ كُلُونَ الرِّبوا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ

كَمَا يَقُومُ الَّذِى يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ

الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَ نَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ

الرِّبَا)... 275... 91

(ذَلِكَ بِأَ نَّهُمْ)... 275... 94

ص: 678

الآية... رقمها... الصفحة

(ذَلِكَ بِأَ نَّهُمْ قَالُوا)... 275... 92

(ذَلِكَ بِأَ نَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ

الرِّبَوا)... 275... 86

(إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا)... 275... 90، 91، 92،

94

(الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبوا)... 275... 92

(وَأَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ)... 275 74، 85، 89،

90، 91، 92،

94، 123، 213،

312، 336، 340

(وَأَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبوا)... 275... 86، 87

(فَلَهُ مَا سَلَفَ)... 275... 85

(يَمْحَقُ اللّه ُ الرِّبَا)... 276... 86

آل عمران (3)

(وَللّه ِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ)... 97... 374

النساء (4)

)وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ

زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ

تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً

وَإِثْماً مُبِيناً * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ

ص: 679

الآية... رقمها... الصفحة

(أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ

مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً)... 20 - 21... 117

(وَقَدْ أَفْضَى)... 21... 117، 118

(وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ)... 21... 118

(وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً)... 21... 118

(غَلِيظاً)... 21... 119

(لاَ تَأْ كُلُوا أَمْوَالَكُمْ)... 29... 203

(لاَ تَأْ كُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)... 29 ...210

(لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ

إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ)... 29...171

(لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ

إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ)... 29... 94

(تِجَارَةً)... 29... 94، 98

(تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ)... 29... 91، 340

(بِالْبَاطِلِ)... 29... 98، 177، 317

المائدة (5)

(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)... 1... 42، 71، 75، 91،

98، 102، 106،

123، 176، 186،

187، 188، 193،

194، 196، 197،

ص: 680

الآية... رقمها... الصفحة

200، 214، 217،

264، 270، 272،

311، 317، 336،

340، 396، 397

(أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ)... 1... 108، 110، 125

(إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا

وُجُوهَكُمْ)... 6... 166

(لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّه ُ بِشَىْ ءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ

أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ)... 94... 447

(لاَتَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ)... 95... 447

(مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ)... 96... 446

(وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ

حُرُماً)... 96... 446

(حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ)... 96... 448

الأعراف (7)

(وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ ويُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ

الْخَبَائِثَ)... 157... 89

هود (11)

(أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ)... 85 ...106

ص: 681

الآية... رقمها... الصفحة

الرعد (13)

(يَمْحُوا اللّه ُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ)... 39 ...509

الأنبياء (21)

(لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللّه ُ لَفَسَدَتَا)... 22 ...346

الحجّ (22)

(مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)... 78... 525، 530

الواقعة (56)

(لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً *

إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً)... 25 - 26... 178

ص: 682

2 - فهرس الاحادیث الشریفة

أتاه رجل تكارى دابّة فهلكت... 498

أخرس هو؟... 307

إذا كان مسلماً عدلاً فليس عليه ضمان... 433

أرأيت لو قتل قتيلاً، على من يكون؟... 435

أرأيت لو كان ثمنه مائة دينار، فزاد وبلغ مائتي دينار، لمن يكون؟... 435

أرى له عليك مثل كِراء بغل ذاهباً من الكوفة إلى النيل... 497، 603

أفسدها عليه... 506، 625

أفضل ما يستعمله الإنسان... ...505

ألا ترى فلِمَ يذهب مال هذا؟ !... 435

أليس إن شاء ترك، وإن شاء أخذ؟... 216

إمّا أن يحلف هو على القيمة فيلزمك... 617

أمّا ما حفر في ملكه فليس عليه ضمان، وأمّا ما حفر في الطريق... 503

أمره - أي رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم - أن ينهاهم عن شرطين في بيع... 136

إنّ أبي اشترى أرضاً يقال لها «العُرَيْضِ» فلمّا استوجبها قام فمضى... 185

أنت وهو، إمّا أن يحلف هو على القيمة فيلزمك، فإن ردّ اليمين عليك... 604

إن جاء صاحبها يطلبها أن تردّ عليه ثمنها... 595

ص: 683

إنّ علي بن أبي طالب عليه السلام كان يقول: من شرط لامرأته شرطاً فليفِ لها به... 213

إنّ عمله للمشتري؛ لأنّ الخراج بالضمان... 469

إن كان الرهن أفضل ممّا رهن به ثمّ عطب، ردّ المرتهن الفضل... 590

إن كان الشيء قائماً بعينه ردّ على صاحبه، وإن لم يكن قائماً ضمن... 504...

إن كانت البهيمة للفاعل ذُبحت، فإذا ماتت اُحرقت بالنار... 624

إن كان شرط أن لا يركبها غيره فهو ضامن لها... 495

إن كان قائماً، وإلاّ ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل... 466

إن كان مأموناً فليس عليه شيء، وإن كان غير مأمون فهو ضامن... 434

إنّما رضي بها وحلّلك حين قضى عليه أبو حنيفة بالجور والظلم... 604

إنّما هو أمين... 433

إنّما يحلّل الكلام... 218، 220

أنّه قضى في رجل أقبل بنار، فأشعلها في دار قوم، فاحترقت الدار... 592

أنّه كان يضمّن الراكب ما وطأت الدابّة بيدها ورجلها... 502

أو يأتي صاحب البغل... 619

أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل يوم اكتري كذا... 617

أيّما رجل اشترى من رجل بيعاً فهما بالخيار حتّى يفترقا... 180، 184

أيّما رجل فزّع رجلاً من الجدار... فخرّ فمات، فهو ضامن لديته... 502

بئس ما صنع، وما كان يُدريه ما يقع في قلبه بالليل والنهار؟ !... 138

بالذي يعرف به من حاله؛ مثل ما ذكرت من كراهته وبغضه... 308

بعد أن يكون الرجل أميناً... 434

البيّعان بالخيار... 180، 181، 247

البيّعان بالخيار حتّى يفترقا، وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام... 183

البيّعان بالخيار ما لم يفترقا... 246

ص: 684

البيّعان بالخيار ما لم يفترقا، فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما... 184

تقول: أتزوّجك متعةً على كتاب اللّه وسنّة نبيّه، لا وارثة، ولا موروثة... 328

التقيّة في كلّ شيء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّه له... 166

ثلاثة أيّام للمشتري... 184

ثمن الخمر سحت... 670

جاءت امرأة إلى النبي صلي الله عليه و آله وسلم فقالت: زوّجني... 324

جعله جملة واحدة... 223

جميع ما استعرته فتَوى فلا يلزمك تواه، إلاّ الذهب والفضّة... 437

حتّى ينقضي الشرط ويصير المبيع للمشتري... 136

الحجر المغصوب في الدار رهن على خرابها... 667

حرمة مال المؤمن كحرمة دمه... 467

الخراج بالضمان... 468، 469، 471، 472،

474، 605، 610

دين اللّه أحقّ بالقضاء... 374

الذهب بالذهب مثلاً بمثل... 234

رُفع عن اُمّتي... ما لا يعلمون... 530

شرط اللّه آكد... 135

شرط اللّه قبل شرطكم... 135

الشرط في الحيوان ثلاثة أيّام... 135

صاحب البختي ضامن للدية، ويقتصّ ثمن بختيّه... 504

صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان... 433

الصلح جائز بين المسلمين... 42، 312

طلاق الأخرس أن يأخذ مقنعتها ويضعها على رأسها ويعتزلها... 307

ص: 685

على الذي ارتهن الأرض والدار بماله أن يحتسب لصاحب الأرض والدار... 592

على الرجل أن يردّ على صاحبه مائتي درهم... 589

على اليد... 280، 282، 372، 377،

378، 379، 380، 390،

406، 408، 411، 412،

429، 436، 438، 452،

464، 487، 490، 494،

496، 498، 519، 520،

521، 538، 552، 596،

610، 615، 638، 640،

641، 644، 645، 649،

653، 655، 658

على اليد ما أخذت... 377، 458، 489، 501،

509، 510، 540، 601

على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه... 368، 369، 458

على اليد ما جنت حتّى تؤدّيه... 369

على اليد ما قبضت حتّى تُؤدّي... 370

على حساب ذلك... 588، 590، 622

على صاحب البختي دية المقتول، ولصاحب البختي ثمنه... 504، 594

عليك قيمة ما بين الصحّة والعيب يوم تردّه عليه... 603، 613

عليه ما أصابت الدابّة بيدها ورجلها... 510

عليه ما أصابت بيدها... 508

فإذا افترقا وجب البيع... 180، 182، 200

ص: 686

فإذا قالت نعم... 328

فإذا مضت ثلاثة أيّام فقد وجب الشراء 136

فإن جاء طالبها غرموا له الثمن 593

فإنّه لا يحلّ... 170

فلا يحلّ لأحدٍ أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه... 168، 232

في الرهن إذا ضاع من عند المرتهن من غير أن يستهلكه رجع بحقّه... 621

في مثل هذا القضاء وشبهه تحبس السماء ماءها... 603

قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم: سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر... 415

قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم: من أخرج ميزاباً، أو كنيفاً، أو أوتد وتداً... 503

قدر ما أتلف... 505

قد زوّجتكها على ما تُحسن... 325

قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الرهن إذا كان أكثر من مال المرتهن فهلك... 591

قضى أمير المؤمنين عليه السلام في كلّ رهن له غلّة، أنّ غلّته تحسب... 591

قل أشتري منك... 225

كان أمير المؤمنين عليه السلام يضمّن القصّار والصانع احتياطاً للناس... 434

كانت قريش يقامر الرجل بأهله وماله، فنهاهم اللّه... 178

كان علي عليه السلام يقول ذلك... 590

كذلك يكون عليه ما يكون له... 435

كلّ شيءٍ نظيف، حتّى تعلم أنّه قذر... 411

كلّ شيء هو لك حلال، حتّى تعلم أنّه حرام بعينه... 411

كلُّ ما كان من وديعة، ولم تكن مضمونة، لا تلزم... 437

كلّ مبيع تلف... 391

لا بأس، إنّما هذه المراوضة، فإذا جمع إليه البيع جعله جملة واحدة... 223

ص: 687

لا بأس بذلك، اشترها ولا تواجبه البيع قبل أن تستوجبها أو تشتريها... 222

لا بأس به، إنّما يحلّل الكلام، ويحرّم الكلام... 216

لا بيع إلاّ فيما تملك... 256

لا تشتر كتاب اللّه، ولكن اشتر الحديد والورق والدفّتين... 224

لا تشرب الخمر... 448

لا تصلِّ في وبر ما لا يؤكل... 448

لا تنقض... 156

لا ذنب لها، ولكن رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم فعل هذا وأمر به... 624

لا ضرر... 420

لا ضرر ولا ضرار... 531، 548

لا طلاق إلاّ فيما تملكه، ولا بيع إلاّ فيما تملكه... 256

لا؛ لأنّك غاصب... 603

لأنّه أخذ رهناً فيه فضل وضيّعه... 589

لا، ولكن يكتب ويشهد على ذلك... 308

لا يجوز لأحد... 664

لا يجوز لأحد أن يتصرّف... 658

لا يحلّ... 166، 169

لا يحلّ دم امرئٍ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه... 165، 232، 455

لا يحلّ لأحدٍ أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه... 167، 454

لا يحلّ مال امرئٍ... 566

لا يحلّ مال امرئ مسلم... 272، 457، 657، 664

لا يحلّ مال امرئٍ مسلم إلاّ بطيبة نفسه... 419، 454، 564

لا يسمّي شيئاً من الحبّ والبقر، ولكن يقول: أزرع فيها كذا وكذا... 225

ص: 688

لا يصلح ذهاب حقّ أحد... 419

لا يصلح ذهاب حقّ امرئٍ مسلم... 419

لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال... 69

لا ينبغي أن يسمّي شيئاً؛ فإنّما يحرّم الكلام... 216

لصاحب الدراهم الدراهم الاُولى... 575

لعن اللّه بني اُميّة... 182

لعن اللّه بني اُميّة قاطبةً... 181

لك أن تأخذ منه ما ينفق بينهم، كما أعطيته ما ينفق بينهم... 575

له عليك كِراء بغل ذاهباً من الكوفة إلى النيل... 605

ليس عليه غرم بعد أن يكون الرجل أميناً... 430

ليس عليه ما أصابت برجلها، وعليه ما أصابت بيدها... 500

ليس عليه ما أصابت برجلها، ولكن عليه ما أصابت بيدها... 501

ما أصاب الرجل فعلى السائق، وما أصاب اليد فعلى القائد والراكب... 501

المسلمون عند شروطهم... 140

المغصوب مردود... 538، 539، 667

من اشترط شرطاً سوى كتاب اللّه فلا يجوز ذلك له ولا عليه... 138

من اشترط شرطاً مخالفاً لكتاب اللّه فلا يجوز له... 212

من أضرّ بشيءٍ من طريق المسلمين فهو له ضامن... 503

من كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها... 170

من مال الذي كتمها... 597

من وجد ضالّة فلم يعرّفها، ثمّ وجدت عنده، فإنّها لربّها أو مثلها... 597

المؤمنون عند شروطهم... 42، 134، 139،

140، 211، 272

ص: 689

الميثاق هي الكلمة التي عقد بها النكاح... 119

الناس مسلّطون... 123، 124، 534

الناس مسلَّطُون على أموالهم... 14، 15، 37، 43، 120،

158، 272، 281، 420،

538، 672

نعم، قيمة بغل يوم خالفته... 497، 498، 603، 606

نعم؛ لأنّه أخذ رهناً فيه فضل فضيّعه... 467، 588، 622

نهى صلي الله عليه و آله وسلم عن بيعين في بيع... 136

وأمّا ما سألت عنه من أمر من يستحلّ ما في يده في أموالنا... 168

وإن لم تعرف فكلها، وأنت ضامن لها إن جاء صاحبها يطلب ثمنها... 595

وإنْ وجدت طعاماً في مفازة فقوّمه على نفسك لصاحبه ثمَّ كُله... 505

وأوجب لي محبّتك كما شرطت، ولك يا ربِّ شرطي أن لا أعود... 136

وحرمة ماله... 416

وحرمة ماله كحرمة دمه... 415

وكذلك قول علي عليه السلام في الحيوان وغير ذلك... 591

هذا فساد على أصحابه، يقوّم قيمة، ويضمن الثمن الذي أعتقه... 594

هذا وأشباهه يُعرف من كتاب اللّه... 525

هم يد على من سواهم... 375

هو ضامن لها إن شاء اللّه... 495

يا بنيّ أردت أن يجب البيع... 185

يأخذ الجارية، المستحقّ ويدفع إليه المبتاع قيمة الولد... 382

يترادّان الفضل... 590

يُجلد دون الحدّ، ويغرم قيمة البهيمة لصاحبها؛ لأنّه أفسدها عليه... 624

ص: 690

يحلّل الكلام، ويحرّم الكلام... 216

يردّ إليه جاريته، ويعوّضه بما انتفع... 384

يرفع بناؤه، وتسلّم التربة إلى صاحبها، ليس لعِرْق ظالم حقّ... 666

يطلب ثمنها... 596

يغرم قيمة الدار وما فيها، ثم يُقتل... 592

يقبض ولده، ويدفع إليه الجارية، ويعوّضه في قيمة ما أصاب من لبنها... 385

يقلعه ويذهب به حيث شاء... 666

يقوّم ما فيها ثمّ يؤكل؛ لأنّه يفسد وليس له بقاء... 505

يؤدّي من المال الذي شهد عليه بقدر ما ذهب من ماله... 504

ص: 691

ص: 692

3 - فهرس اسماء المعصومین علیهم السلام

النبي، محمّد، رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم = محمّد بن عبداللّه صلي الله عليه و آله وسلم، نبي الإسلام

محمّد بن عبداللّه صلي الله عليه و آله وسلم، نبي الإسلام 1، 44، 91، 108، 110، 116، 136، 138، 170، 256، 324، 328، 369، 371، 372، 374، 406، 415، 416، 421، 464، 468، 469، 482، 503، 548، 605، 618، 619، 624، 670

علي، أمير المؤمنين عليه السلام = علي بن أبي طالب عليه السلام، الإمام الأوّل

علي بن أبي طالب عليه السلام، الإمام الأوّل 213، 434، 496، 499، 502، 590، 591، 592، 593

أبو جعفر عليه السلام = محمّد بن علي عليه السلام، الإمام الخامس

محمّد بن علي عليه السلام، الإمام الخامس 96، 97، 184، 324، 384، 415، 416، 429، 590، 591، 624

الصادق، أبو عبداللّه عليه السلام = جعفر بن محمّد عليه السلام، الإمام السادس

جعفر بن محمّد عليه السلام، الإمام السادس 138، 165، 170، 177، 178، 184، 212، 213، 215، 216، 222، 223، 224، 307، 327، 381، 385، 437، 466، 497، 500، 502، 503، 504، 505، 591، 592، 593، 594، 595، 597، 603، 604، 605، 610، 618، 621، 624

أبو إبراهيم، أبو الحسن عليه السلام = موسى بن جعفر عليه السلام، الإمام السابع

موسى بن جعفر عليه السلام، الإمام السابع 137، 213، 435، 467، 495، 503، 588، 590، 594، 622، 624

أبو الحسن الرضا عليه السلام = علي بن

ص: 693

موسى عليه السلام، الإمام الثامن

علي بن موسى عليه السلام، الإمام الثامن 307، 309، 624

أبو محمّد عليه السلام = الحسن بن علي عليه السلام، الإمام الحادي عشر

الحسن بن علي عليه السلام، الإمام الحادي عشر 495

وليّ العصر عليه السلام = صاحب الزمان (عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف)، الإمام الثاني عشر

صاحب الزمان (عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف)، الإمام الثاني عشر 454

إبراهيم، النبي 100، 101

إسماعيل، النبي 100

ص: 694

4 - فهرس الأعلام

الآخوند الخراساني، محمّد كاظم بن الحسين 72، 123، 124، 316، 385، 456، 457، 462، 572

أبان بن تغلب 327

أبان بن عثمان 307، 429، 621

إبراهيم الكرخي= الكرخي، إبراهيم

ابن إدريس، محمّد بن أحمد 228، 371، 372، 373، 527، 531، 538، 621، 631

ابن البرّاج، عبدالعزيز بن نحرير 538

ابن الجنيد الإسكافي، محمّد بن أحمد 373، 596

ابن الجنيد= ابن الجنيد الإسكافي، محمّد بن أحمد

ابن بابويه، محمّد بن علي 416، 467، 505، 576، 588، 594، 622

ابن حمزة، محمّد بن علي 468، 469، 470، 472

ابن زهرة، حمزة بن علي 113، 229، 369

ابن سنان= عبداللّه بن سنان

ابن سينا، الحسين بن عبداللّه 143

ابن عبّاس، عبداللّه بن عبّاس 103

ابن ماجة، محمّد بن يزيد 469

ابن هبيرة 602، 603

أبو الحسين مسلم بن الحجّاج= مسلم بن الحجّاج

أبو الصباح= أبو الصباح الكناني

أبو الصباح الكناني 503

أبو بصير307

أبو حمزة الثمالي، ثابت بن دينار 590

أبو حنيفة 226، 229، 369، 370، 470، 472، 474، 499، 602، 603، 604، 605، 610، 641

ص: 695

أبو عمرو بن العلاء 473

أبو ولاّد الحنّاط= حفص بن سالم

أحمد بن محمّد بن عيسى 178

الأردبيلي، أحمد بن محمّد 97، 371، 439

إسحاق بن عمّار 213، 435، 467، 588، 622

الأصبغ بن نباتة 130

الأصفهاني، محمّد حسين 31، 57، 64، 100، 121، 123، 126، 133، 160، 205، 244، 248، 303، 378، 382، 389، 410، 424، 456، 460، 515، 555، 565، 573، 577، 584

الأنصاري، مرتضى بن محمّد أمين 3، 12، 27، 31، 33، 34، 46، 48، 56، 57، 83، 121، 128، 131، 132، 133، 143، 153، 158، 189، 195، 218، 219، 222، 232، 241، 245، 246، 247، 248، 249، 252، 254، 258، 262، 264، 271، 272، 273، 281، 283، 284، 295، 307، 329، 330، 331، 334، 340، 341، 352، 355، 359، 361، 364، 373، 378، 380، 382، 386، 387، 392، 394، 396، 397، 399، 400، 401، 402، 403، 404، 405، 406، 415، 420، 428، 429، 452، 454، 455، 477، 488، 520، 521، 530، 534، 537، 538، 545، 546، 551، 564، 567، 571، 583، 584، 587، 589، 607، 611، 613، 620، 625، 628، 629، 631، 636، 640، 643، 645، 646، 648، 652، 659، 660، 668

الإيرواني، علي بن عبدالحسين 338، 384

بحر العلوم، محمّد مهدي بن المرتضى 56

البخاري، محمّد بن إسماعيل 469

البروجردي، حسين 117

البزنطي، أحمد بن محمّد 307، 309

البصري، الحسن 369

بعض أجلّة العصر= البروجردي، حسين

بعض أعاظم العصر= النائيني، محمّد حسين

بعض الأعاظم= النائيني، محمّد حسين

بعض أهل التحقيق= الأصفهاني، محمّد حسين

بعض المحشّين= الأصفهاني، محمّد حسين

ص: 696

بعض المحشّين= الشهيدي التبريزي، الميرزا فتّاح

بعض المحشّين= اليزدي محمّد كاظم بن عبدالعظيم

بعض المحقّقين= الآخوند الخراساني، محمّد كاظم بن الحسين

بعض المحقّقين= الأصفهاني، محمّد حسين

بعض المحقّقين= الشيرازي، محمّد تقي بن محبعلي

بعض محقّقي المحشّين= الأصفهاني، محمّد حسين

البيضاوي، عبداللّه بن عمر 100، 112

جميل بن درّاج 381، 386، 466، 504

جميل= جميل بن درّاج

الحسن= البصري، الحسن

الحسين بن علوان 499

الحسين بن عمر بن يزيد 184

الحُطيئة، جرول بن أوس 99، 103، 112

حفص بن سالم 470، 497، 596، 602، 604، 605، 606، 610، 625، 635، 636

الحلبي، عبيداللّه بن علي 184، 185، 216، 221، 501، 502، 504، 594، 595

الحلّي= ابن إدريس، محمّد بن أحمد

خالد 220

خالد بن الحجّاج 215

خالد بن نجيح 215

الخثعمية 374

الراغب= الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمّد

الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمّد111

زرارة 184، 384، 385، 437، 479

الزمخشري، محمود بن عمر 100

زياد بن عيسى 177

زيد بن علي 496، 498

سدير 506، 624

السكّاكي، يوسف بن أبي بكر 425

السكوني، إسماعيل بن أبي زياد 307، 310، 500، 503، 505، 592، 593

سماعة بن مهران 165، 170، 224، 232، 502، 594

سمرة بن جندب 369، 372

سهل الساعدي 324

ص: 697

السيّد اليزدي= اليزدي، محمّد كاظم بن عبدالعظيم

السيّد علم الهدى= علم الهدى، علي بن الحسين

الشافعي، محمّد بن إدريس 226

الشهيد الأوّل، محمّد بن مكّي 37، 113، 228، 340

الشهيد الثاني، زين الدين بن علي 142، 281، 625

الشهيدي التبريزي، الميرزا فتّاح 472

الشيخ= الطوسي، محمّد بن الحسن

الشيخ= الأنصاري، مرتضى بن محمّد أمين

الشيخ الأعظم= الأنصاري، مرتضى بن محمّد أمين

الشيخ الأنصاري= الأنصاري، مرتضى بن محمّد أمين

الشيخ الرئيس= ابن سينا، الحسين بن عبداللّه

شيخ الطائفة= الطوسي، محمّد بن الحسن

الشيخ المفيد= المفيد، محمّد بن محمّد

الشيرازي محمّد تقي بن محبعلي 199

صاحب الجواهر، محمّد حسن بن باقر 215، 596، 615

صاحب الرياض= الطباطبائي، علي بن محمّد علي

صاحب القاموس المحيط= فيروز آبادي، محمّد بن يعقوب

صاحب الكشّاف= الزمخشري، محمود بن عمر

صاحب المنجد= المعلوف، لويس

صاحب مجمع البحرين= الطريحي، فخر الدين بن محمّد

صاحب مجمع البيان= الطبرسي، الفضل بن الحسن

صاحب المصباح= الفيّومي، أحمد بن محمّد

الصدوق= ابن بابويه، محمّد بن علي

الصفّار، أبو جعفر محمّد= الصفّار، محمّد بن الحسن

الصفّار، محمّد بن الحسن 495

صفوان بن مهران الجمّال= صفوان الجمّال

صفوان الجمّال 597

صفوان بن يحيى 575، 588

الطباطبائي= الطباطبائي، علي بن محمّد علي

ص: 698

الطباطبائي، علي بن محمّد علي 215

الطباطبائي= اليزدي، محمّد كاظم بن عبدالعظيم

الطبرسي، الفضل بن الحسن 99، 100، 131، 481

الطريحي، فخر الدين بن محمّد 100

الطوسي، محمّد بن الحسن 113، 226، 227، 228، 229، 369، 371، 401، 402، 404، 428، 468، 469، 472، 473، 480، 481، 488، 491، 499، 527، 538، 551، 575، 576، 589، 597، 670

عائشة، بنت أبي بكر 468، 469

عبدالأعلى= عبدالأعلى بن أعين مولى آل سام

عبدالأعلى بن أعين مولى آل سام 525، 547

عبداللّه بن جعفر 502

عبداللّه بن سنان 138، 212، 225، 506، 591

العبيدي، محمّد بن عيسى 500

عديّ بن جبلة 130

عروة 469

العلاّمة الحلّي، الحسن بن يوسف 21، 113، 228، 229، 258، 259، 261، 371، 373

العلاء= العلاء بن رزين

العلاء بن الفضيل 500

العلاء بن رزين 223

علم الهدى، علي بن الحسين 369، 371، 372

علي بن أسباط 184

علي بن جعفر 495، 503، 507، 594، 595، 597

عمر بن عبد العزيز 469

الفخر الرازي، محمّد بن عمر 473

الفضيل= الفضيل بن يسار

الفضيل بن يسار 184، 185

الفيروز آبادي، محمّد بن يعقوب 128، 131

الفيّومي، أحمد بن محمّد 13

القاضي= ابن البرّاج، عبدالعزيز بن نحرير

قتادة 369

الكرخي، إبراهيم 591

الكليني، محمّد بن يعقوب 467، 575، 589

المحقّق الثاني= المحقّق الكركي، علي بن الحسين

ص: 699

المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن 371

المحقّق الكركي، علي بن الحسين 229، 270، 439

محمّد بن سنان 500

محمّد بن قيس 591، 592، 623

محمّد بن مسلم 183، 324، 504

مسلم بن الحجّاج 469

المعلوف، لويس 131

المفيد، محمّد بن محمّد 142، 228

منصور بزرج، منصور بن يونس 137، 213

منصور بن حازم 221

النائيني، محمّد حسين 13، 14، 37، 49، 50، 53، 57، 71، 197، 313، 318، 330، 335، 336، 341، 343، 384، 388، 398، 438، 442، 462، 465، 471، 474، 517، 519، 552، 560، 562، 576، 598

النراقي، أحمد بن محمّد مهدي 109، 113

يحيى بن الحجّاج 222

اليزدي، محمّد كاظم بن عبدالعظيم 29، 38، 47، 129، 131، 132، 146، 148، 175، 355، 357، 359، 459، 462، 464، 478، 513، 534، 536، 538، 563، 589، 642، 663، 673

يونس= يونس بن عبدالرحمان

يونس بن عبدالرحمان 575، 576

ص: 700

5 - فهرس الکتب الواردة فی المتن

القرآن الكريم 324

الاستبصار 612

الاستصحاب للإمام الخميني (سلام اللّه عليه) 514

الانتصار 369

أقرب الموارد 112، 129

الإيضاح= إيضاح الفوائد

إيضاح الفوائد 530

بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر 421

التحرير= تحرير الأحكام

تحرير الأحكام 530

التذكرة= تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء 450، 561، 567

تعليقة السيّد الطباطبائي على المكاسب

حاشية المكاسب للمحقّق اليزدي

تعليقة المحقّق الأصفهاني على المكاسب

حاشية المكاسب للمحقّق الأصفهاني

تعليقة المحقّق الخراساني على المكاسب

حاشية المكاسب للمحقّق الخراساني

تعليقة المحقّق النائيني على المكاسب

منية الطالب

تفسير البيضاوي المسمّى بأنوار التنزيل وأسرار التأويل 100

التهذيب= تهذيب الأحكام

تهذيب الأحكام 430، 604، 615، 622

جامع المقاصد 531، 562

جواهر الفقه 371

الجواهر= جواهر الكلام

جواهر الكلام 215، 596، 615

حاشية المكاسب للمحقّق اليزدي 29، 148، 175، 513، 663

حاشية المكاسب للمحقّق الأصفهاني 47،

ص: 701

57، 456

حاشية المكاسب للمحقّق الخراساني 456

الخلاف 113، 226، 227، 229، 369، 370، 468، 469، 480، 531، 670

الدروس الشرعية 530

رسالة لا ضرر للإمام الخميني

(سلام اللّه عليه)= بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر

الرياض= رياض المسائل

رياض المسائل 215، 439

السرائر 371، 372، 531

شرائع الإسلام 450

الصحاح 103، 111

صحيح البخاري 469

صحيح مسلم 469

الصحيفة الكاملة السجّادية 136

العروة الوثقى 360

الغنية= غنية النزوع

غنية النزوع 228، 229، 370

الفقيه= من لا يحضره الفقيه

القاموس المحيط 103، 112، 128، 129، 131

قرب الإسناد 502، 508

القواعد= قواعد الأحكام

قواعد الأحكام 450، 523

القواعد= القواعد والفوائد

القواعد والفوائد 228

الكافي 430، 597، 604، 612، 622

كتاب شيخ الأعظم= المكاسب للشيخ الأنصاري

كتاب علي بن جعفر= مسائل علي بن جعفر

الكشّاف عن حقايق التنزيل 99، 100

المبسوط 227، 229، 369، 370، 401، 402، 450، 468، 473

مجمع البحرين 100

مجمع البيان 99، 100، 103، 131

المراسم 371

مرآة العقول 604

مسائل علي بن جعفر 503، 595

المسالك= مسالك الأفهام

مسالك الأفهام 401، 561

المصباح= المصباح المنير

المصباح المنير 13، 14، 59

المعيار= معيار اللغة

معيار اللغة 112، 130

المقنع 371

ص: 702

المكاسب للشيخ الأنصاري 83

منتهى الإرب 103

المنجد 102، 112، 130، 131، 168

من لا يحضره الفقيه 597

منية الطالب 47

نكت النهاية= النهاية ونكتها

النهاية ونكتها 371

نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى 178

الوافي 497، 604

الوسائل= وسائل الشيعة

وسائل الشيعة 497، 604

الوسيلة إلى نيل الفضيلة 371، 468

الهداية للصدوق 371

ص: 703

ص: 704

6 - فهرس مصادر التحقیق

«القرآن الكريم».

«أ»

1 - الإجارة (كتاب الإجارة). الشيخ الميرزا حبيب اللّه الرشتي (م 1312)، الطبعة الحجرية.

2 - الاجتهاد والتقليد، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه ».= موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه.

3 - أجود التقريرات (تقريرات المحقّق النائيني). السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي (1317 - 1413)، تحقيق مؤسّسة صاحب الأمر(عجل الله تعالی فرجه الشریف)، الطبعة الاُولى، 4 مجلّدات، قم، مطبعة ستارة، 1419 ق.

4 - الاحتجاج. أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي ( القرن السادس)، تحقيق إبراهيم البهادري ومحمّد هادي به، الطبعة الاُولى، مجلّدان، قم، منشورات اُسوة، 1413 ق.

5 - الاختصاص. المنسوب إلى أبي عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (م 413)، تحقيق علي أكبر الغفّاري، الطبعة الاُولى، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي.

6 - اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي). أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460)، تصحيح حسن المصطفوي، جامعة مشهد، 1348 ش.

ص: 705

7 - إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين. جمال الدين مقداد بن عبداللّه السيوري الحلّي (م 826)، تحقيق السيّد مهديّ الرجائي، قم، مكتبة آية اللّه المرعشي، 1405 ق.

8 - الاستبصار فيما اختلف من الأخبار. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460)، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان، الطبعة الثالثة، 4 مجلّدات، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1390 ق.

9 - الاستصحاب، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه ».= موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه.

10 - أقرب الموارد. سعيد الخوري الشرتوني اللبناني، 3 مجلّدات، قم، مكتبة آية اللّه المرعشي، 1403 ق.

11 - الانتصار. السيّد المرتضى علم الهدى أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي (355 - 436)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1415 ق.

12 - أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه ».= موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه.

13 - أوثق الوسائل في شرح الرسائل. الميرزا موسى بن جعفر بن المولى أحمد التبريزي، الطبعة الحجرية، طهران، دار المعارف الإسلامية.

14 - إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد. فخر المحقّقين الشيخ أبو طالب محمّد بن الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي (682 - 771)، إعداد عدّة من العلماء، الطبعة الاُولى، 4 مجلّدات، قم، المطبعة العلمية، 1387 ق.

«ب»

15 - بحار الأنوار الجامعة لدُرر أخبار الأئمّة الأطهار. العلاّمة محمّد باقر بن محمّدتقيّ المجلسي (1037 - 1110)، الطبعة الثانية، إعداد عدّة من العلماء، 110 مجلدٍ ( إلاّ 6 مجلّدات، من المجلّد 29 - 34) + المدخل، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1403 ق / 1983 م.

16 - بحر الفوائد في شرح الفرائد. الميرزا محمّد حسن الآشتياني، الطبعة الحجرية، مكتبة آية اللّه المرعشي، قم، 1403 ق.

ص: 706

17 - بحوث في الفقه، يحتوي على (صلاة الجماعة، صلاة المسافر، الإجارة). الشيخ محمّد حسين الأصفهاني (م 1361)، تحقيق لجنة التحقيق، الطبعة الثانية، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1409 ق.

18 - بدائع الأفكار في الاُصول (تقريرات المحقّق العراقي). الشيخ هاشم الآملي (1282 - 1371 ش)، الطبعة الاُولى، النجف الأشرف، 1370 ق.

19 - بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر، ضمن موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه.= موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه.

20 - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع. علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاشاني، (م 587)، الطبعة الاُولى، پاكستان، المكتبة الحبيبية، 1409 ق / 1989 م.

21 - البرهان في تفسير القرآن. السيّد هاشم بن سليمان بن إسماعيل بن عبد الجواد الحسيني البحراني (م 1107)، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية، مؤسّسة البعثة، الطبعة الاُولى، 10 مجلّدات، بيروت، مؤسّسة البعثة، 1419 ق / 1999 م.

22 - بغية الطالب في حاشية المكاسب. السيّد أبو القاسم الجيلاني الإشكوري، الطبعة الحجرية، طهران، دار الطباعة، 1332 ق.

23 - بلغة الطالب في حاشية المكاسب. الشيخ محمّد كاظم الشيرازي، الطبعة الحجرية، طهران، مطبعة بوذر جمهري، 1370 ق.

24 - بلغة الفقيه. الحجّة المحقّق السيّد محمّد آل بحر العلوم، تحقيق السيّد محمّد تقىّ آل بحر العلوم، الطبعة الرابعة، 4 مجلّدات، طهران، مكتبة الصادق، 1403 ق.

25 - البيع (تقريرات المحقّق الحائري). الشيخ محمّد علي الأراكي (م 1415)، مجلّدان، الطبعة الاُولى، قم، مؤسّسة إسماعيليان، 1415 ق.

26 - البيع (تقرير بحث آية اللّه العظمى السيّد محمّد الحجّة الكوه كمري). الشيخ أبوطالب التجليل التبريزي، الطبعة الثانية، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1409 ق.

«ت»

27 - التبيان في تفسير القرآن. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ

ص: 707

الطوسي (385 - 460)، تحقيق وتصحيح أحمد حبيب قصير العاملي، بيروت، 10 مجلّدات، دار إحياء التراث العربي.

28 - تحرير الأحكام الشرعية علي مذهب الإمامية. العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726)، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري، الطبعة الاُولى، 6 مجلّدات، قم، مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام، 1421 ق.

29 - تحرير الوسيلة، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه ».= موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه.

30 - تذكرة الفقهاء. جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر، العلاّمة الحلّي (648 - 726)، تحقيق مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، صدر منه حتّى الآن 20 مجلّداً، قم، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1414 - 1433 ق.

31 - التعريفات. السيّد الشريف علي بن محمّد الجرجاني، الطبعة الرابعة، طهران، انتشارات ناصر خسرو، 1370 ش.

32 - تفسير البيضاوي (أنوار التنزيل وأسرار التأويل). أبو سعيد عبداللّه بن عمر بن محمّد الشيرازي البيضاوي (م 791)، الطبعة الاُولى، مجلّدان، بيروت، دار الكتب العلمية، 1408 ق / 1988 م.

33 - تفسير العيّاشي. أبو النضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش السمرقندي (أواخر قرن الثالث)، تصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي، مجلّدان، طهران، المكتبة العلمية الإسلامية.

34 - تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن). أبو عبداللّه محمّد بن أحمد الأنصاري القرطبي (م 672)، الطبعة الثانية، 24 مجلّداً، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1405 ق / 1985 م.

35 - التفسير الكبير. محمّد بن عمر الخطيب فخر الدين الرازي (544 - 606)، الطبعة الثالثة، 32 جزءاً في 16 مجلّداً، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1411 ق.

36 - تنقيح الاُصول (تقريرات الإمام الخميني قدّس سرّه ). حسين التقوي الاشتهاردي (1304 - 1378 ش)، تحقيق مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه، الطبعة الاُولى،

ص: 708

4 مجلّدات، قم، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه، 1418 - 1419 ق / 1376 - 1377 ش.

37 - التنقيح الرائع لمختصر الشرائع. جمال الدين مقداد بن عبداللّه السيوري الحلّي المعروف بالفاضل المقداد (م 826)، تحقيق السيّد عبد اللطيف الكوه كمري، الطبعة الاُولى، 4 مجلّدات، قم، مكتبة آية اللّه المرعشي، 1404 ق.

38 - تنقيح المقال في علم الرجال. الشيخ عبداللّه بن محمّد حسن المامقاني (1290 - 1351)، الطبعة الثانية، 3 مجلّدات، قم، بالاُفست عن طبعة النجف الأشرف، المطبعة المرتضوية، 1352 ق.

39 - التوحيد. أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي، الشيخ الصدوق (م 381)، تحقيق السيّد هاشم الحسيني الطهراني، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1398 ق.

40 - تهذيب الأحكام. أبو جعفر محمّد بن الحسن، الشيخ الطوسي (385 - 460)، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان، الطبعة الرابعة، 10 مجلّدات، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1365 ش.

«ج»

41 - جامع الشتات. الميرزا أبو القاسم بن الحسن الجيلاني المحقّق القمّي (1151 - 1231)، الطبعة الحجرية، 1324 ق.

42 - جامع المدارك في شرح المختصر النافع. السيّد أحمد الخوانساري، تحقيق علي أكبر الغفّاري، الطبعة الاُولى، 7 مجلّدات، طهران، مكتبة الصدوق، 1369 - 1402 ق.

43 - جامع المقاصد في شرح القواعد. المحقّق الثاني علي بن الحسين بن عبد العالي الكركي (868 - 940)، تحقيق مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، 13 مجلّداً، قم، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1408 - 1411 ق.

44 - جواهر الفقه. القاضي عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي (400 - 481) تحقيق إبراهيم

ص: 709

البهادري، الطبعة الاُولى، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1411 ق.

45 - جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام. الشيخ محمّد حسن بن باقر النجفي (م 1266)، تحقيق الشيخ عبّاس القوچاني، الطبعة الثالثة، 43 مجلّداً، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1367 ش.

«ح»

46 - حاشية المكاسب. الآخوند الخراساني محمّد كاظم بن حسين الهروي (1255 - 1329)، تصحيح السيّد مهديّ شمس الدين، الطبعة الاُولى، طهران، وزارة الثقافة الإسلامية، 1406 ق.

47 - حاشية المكاسب. الحاج ميرزا علي الإيرواني الغروي، تحقيق باقر الفخّار الأصفهاني، الطبعة الاُولى، 3 مجلّدات، قم، دار ذوي القربى، 1421 ق.

48 - حاشية المكاسب. الشيخ محمّد حسين الغروي الأصفهاني (1296 - 1361)، تحقيق الشيخ عبّاس محمّد آل سباع القطيفي، الطبعة الاُولى، 5 مجلّدات، قم، ذوي القربى، 1418 ق.

49 - حاشية المكاسب. العلاّمة السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (م 1337)، تحقيق الشيخ عبّاس محمّد آل سباع القطيفي، الطبعة الاُولى، 3 مجلّدات، قم، دار المصطفى لإحياء التراث، 1423 ق / 2002 م.

50 - حاشية المكاسب. العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي (م 1338)، الطبعة الاُولى، جزءان في مجلّد واحد، قم، انتشارات الشريف الرضي، 1412 ق.

51 - الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة. الشيخ يوسف بن أحمد البحراني (1107 - 1186)، تحقيق محمّد تقيّ الإيرواني، الطبعة الاُولى، 25 مجلّداً، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1406 ق.

52 - الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة. صدر المتألّهين محمّد بن إبراهيم الشيرازي (م 1050)، الطبعة الثانية، 9 مجلّدات، قم، مكتبة المصطفوي.

ص: 710

«خ»

53 - الخصال. أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، تصحيح علي أكبر الغفّاري، الطبعة الثانية، جزءان في مجلّد واحد، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1403 ق.

54 - خلاصة الأقوال في معرفة الرجال. العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726)، تحقيق جواد القيّومي، الطبعة الاُولى، قم، مؤسّسة نشر الفقاهة، 1417 ق.

55 - الخلاف. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460)، تحقيق جماعة من المحقّقين، الطبعة الاُولى، 6 مجلّدات، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1407 ق.

56 - الخلل في الصلاة، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه ».= موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه.

57 - الخيارات (تقريرات المحقّق الحائري). الشيخ محمّد علي الأراكي، الطبعة الاُولى، قم، المطبعة مهر، 1414 ق.

«د»

58 - الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور. جلال الدين عبد الرحمان بن أبي بكر السيوطي (م 911)، 6 أجزاء في 3 مجلّدات، قم، مكتبة آية اللّه المرعشي.

59 - درر الفوائد. العلاّمة الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي، تعليق آية اللّه الشيخ محمّد علي الأراكي والمؤلّف، تحقيق الشيخ محمّد المؤمن القمّي، الطبعة الخامسة، جزءان في مجلّد واحد، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1408 ق.

60 - الدروس الشرعية في فقه الإمامية. الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي (م 786)، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الاُولى، 3 مجلّدات، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1412 - 1414 ق.

61 - دعائم الإسلام. أبو حنيفة القاضي النعمان بن محمّد بن منصور بن أحمد بن حيّون التميمي المغربي (م 363)، تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي، مجلّدان، القاهرة،

ص: 711

دار المعارف، 1383 ق / 1963 م.

62 - ديوان الحطيئة، أبو مليكة الحطيئة العبسي (م 51)، تحقيق عيسى سابا، بيروت، دار الصادر، 1387 ق.

«ر»

63 - رجال الطوسي. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460)، تحقيق جواد القيّومي الأصفهاني، الطبعة الاُولى، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1415 ق.

64 - رجال النجاشي. أبو العبّاس أحمد بن علي بن أحمد بن العبّاس النجاشي الأسدي الكوفي (372 - 450)، تحقيق السيّد موسى الشبيري الزنجاني، الطبعة الاُولى، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1407 ق.

65 - رسائل ابن سينا. الشيخ الرئيس أبو علي حسين بن عبداللّه بن سينا (370 - 427)، قم، نشر مكتبة البيدار، 1400 ق.

66 - رسائل فقهية، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 23. الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري (1214 - 1281)، تحقيق لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، الطبعة الاُولى، قم، مكتبة الفقهية، 1414 ق.

67 - روح المعاني في تفسير القرآن الكريم والسبع المثاني. العلاّمة أبو الفضل شهاب الدين السيّد محمود الألُوسي البغدادي (م 1270)، الطبعة الرابعة، 30 جزءاً في 15 مجلّداً، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1405 ق.

68 - الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية. الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي (911 - 965)، تحقيق مجمع الفكر الإسلامي، الطبعة الاُولى، 4 مجلّدات، قم، مجمع الفكر الإسلامي، 1424 ق.

69 - رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل. السيّد علي بن محمّد علي الطباطبائي (1161 - 1231)، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الاُولى، 14 مجلّداً، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1412 - 1423 ق.

ص: 712

«ز»

70 - زبدة البيان في أحكام القرآن. مولانا أحمد بن محمّد المعروف بالمقدّس الأردبيلي (م 993)، تحقيق محمّد باقر البهبودي، طهران، المكتبة المرتضوية لاحياء الآثار الجعفرية.

«س»

71 - السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي. أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي (543 - 598)، إعداد مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، 3 مجلّدات، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1410 - 1411 ق.

72 - سنن ابن ماجة. أبو عبداللّه محمّد بن يزيد بن ماجة القزويني (207 - 275)، تحقيق محمّد فؤاد عبد الباقي، مجلّدان، بيروت، دار الكتب العلمية.

73 - سنن أبي داود. أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (م 275)، إعداد كمال يوسف الحوت، الطبعة الاُولى، مجلّدان، بيروت، دار الجنان، 1409 ق / 1988 م.

74 - سنن الترمذي. أبو عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي (209 - 279)، تحقيق عبد الوهّاب عبد اللطيف، الطبعة الثانية، 5 مجلّدات، بيروت، دار الفكر للطباعة والنشر، 1403 ق.

75 - السنن الكبرى. أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (384 - 458)، إعداد الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي، الطبعة الاُولى، 10 مجلّدات + الفهرس، بيروت، دار المعرفة، 1413 ق / 1992 م.

76 - سنن النسائي. أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (214 - 303)، الطبعة الاُولى، 8 أجزاء في 4 مجلّدات، بيروت، دار الفكر للطباعة والنشر، 1348 ق / 1930 م.

«ش»

77 - شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام. المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن الحسن ابن يحيى بن سعيد الهذلي (602 - 676)، تحقيق عبد الحسين محمّد علي بقّال، الطبعة الثالثة، 4 أجزاء في مجلّدين، قم، مؤسّسة إسماعيليان، 1409 ق.

ص: 713

78 - شرح الرضيّ على الكافية. رضيّ الدين محمّد بن الحسن الأسترآبادي النحوي (م 688)، تصحيح يوسف حسن عمر، الطبعة الاُولى، 4 مجلّدات، تهران، منشورات مؤسّسة الصادق، 1398 ق / 1978 م.

79 - شرح السنة. المحدّث الفقيه الحسين بن مسعود البغوي (436 - 516)، تحقيق شعيب الأرناؤوط ومحمّد زهير الشاويش، الطبعة الاُولى، 16 مجلّداً، بيروت، المكتب الإسلامي، 1403 ق.

80 - شرح المنظومة. المولى هادي بن مهديّ السبزواري (1212 - 1289)، تصحيح و تعليق و تحقيق حسن حسن زاده الآملي و مسعود الطالبي، الطبعة الاُولى، 5 مجلّدات، طهران، نشر ناب، 1369 - 1379 ش.

«ص»

81 - الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية). إسماعيل بن حمّاد الجوهري (م 393)، تحقيق أحمد عبد الغفور عطّار، الطبعة الرابعة، 6 مجلّدات، بيروت، دار العلم للملايين، 1407 ق / 1987 م.

82 - الصحيفة السجّادية الجامعة. الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام، تحقيق السيّد محمّد باقر الموحّد الأبطحي، الطبعة الاُولى، قم، مؤسّسة الإمام المهديّ(عجل الله تعالی فرجه الشریف)، 1411 ق.

«ط»

83 - الطهارة، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه ».= موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه.

«ع»

84 - العدّة في اُصول الفقه. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460)، تحقيق محمّد رضا الأنصاري القمّي، الطبعة الاُولى، مجلّدان، قم، مطبعة ستارة، 1417 ق.

85 - العروة الوثقى. السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (م 1337) مع تعليقات عدّة من الفقهاء العظام، إعداد أحمد المحسني السبزواري، الطبعة الثانية، 6 مجلّدات، قم،

ص: 714

مؤسّسة النشر الإسلامي، 1421 ق.

86 - العناوين. السيّد مير عبد الفتّاح الحسيني المراغي (م 1250)، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الاُولى، مجلّدان، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1417 ق.

87 - عوائد الأيّام. المولى أحمد بن محمّد مهديّ بن أبي ذرّ النراقي (1185 - 1245)، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، الطبعة الاُولى، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1417 ق / 1375 ش.

88 - عوالي اللآلي العزيزية في الأحاديث الدينية. محمّد بن علي بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور (م - أوائل القرن العاشر)، تحقيق مجتبى العراقي، الطبعة الاُولى، قم، مطبعة سيّدالشهداء، 1403 ق.

89 - العين. أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي (100 - 175)، تحقيق الدكتور مهديّ المخزومي وإبراهيم السامرائي، 8 مجلّدات، بيروت، دار ومكتبة الهلال.

90 - عيون أخبار الرضا عليه السلام. أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي، الشيخ الصدوق (م 381)، تصحيح السيّد مهديّ الحسيني اللاجوردي، الطبعة الثانية، منشورات جهان.

«غ»

91 - غاية الآمال في حاشية المكاسب. الشيخ محمّد حسن المامقاني (1238 - 1323)، مع نهاية المقال في تكملة غاية الآمال. الشيخ عبداللّه المامقانى (1290 - 1351)، تحقيق الشيخ محمّد أمين المامقاني، الطبعة الاُولى، 10 مجلّدات، قم، مطبعة ثامن الحجج عليهم السلام، 1423 ق / 1381 ش.

92 - غاية المراد. شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي الشهيد الأوّل (م 786)، تحقيق رضا المختاري، الطبعة الاُولى، 4 مجلّدات، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، قم، 1414

ق.

93 - الغصب. الشيخ الميرزا حبيب اللّه الرشتي (م 1312)، الطبعة الحجرية.

94 - غنية النزوع إلى علمي الاُصول والفروع. أبو المكارم السيّد حمزة بن علي بن زهرة

ص: 715

الحلبي المعروف بابن زهرة (511 - 585)، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري، الطبعة الاُولى، مجلّدان، قم، مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام، 1417 ق.

«ف»

95 - فرائد الاُصول، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 24 - 27. الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري (1214 - 1281)، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، الطبعة الاُولى، 4 مجلّدات، قم، مجمع الفكر الإسلامي، 1419 ق / 1377 ش.

96 - فرهنگ معين. دكتر محمّد معين (1296 - 1350 ش)، چاپ هشتم، 6 جلد، طهران، مؤسسه انتشارات امير كبير، 1371 ش.

97 - الفقيه (من لا يحضره الفقيه). أبو جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان، الطبعة الرابعة، 4 مجلّدات، النجف الأشرف، دار الكتب الإسلامية، 1377 ق / 1957 م.

98 - فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني). الشيخ محمّد علي الكاظمي الخراساني (1309 - 1365)، الطبعة الاُولى، 4 مجلّدات، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1404 ق.

99 - الفهرست. أبو جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (380 - 460)، تحقيق الشيخ جواد القيّومي، الطبعة الاُولى، قم، مؤسّسة نشر الفقاهة، 1417 ق.

«ق»

100 - القاموس المحيط والقابوس الوسيط. أبو طاهر مجد الدين محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي (729 - 817)، 4 مجلّدات، بيروت، دار الجيل.

101 - قرب الإسناد. أبو العبّاس عبداللّه بن جعفر الحميري القمّي (م بعد 304)، تحقيق مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، قم، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1413 ق.

102 - القواعد الفقهية. السيّد محمّد حسن البجنوردي (1316 - 1396)، تحقيق مهديّ

ص: 716

المهريزي ومحمّد حسين الدرايتي، الطبعة الاُولى، 7 مجلّدات، قم، نشر الهادي، 1419 ق / 1377 ش.

103 - قواعد الأحكام في مسائل الحلال والحرام. العلاّمة الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي (648 - 726)، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الاُولى، 3 مجلّدات، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1413 ق.

104 - القواعد والفوائد في الفقه والاُصول والعربية. الشيخ شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي المعروف بالشهيد الأوّل (734 - 786)، تحقيق عبد الهادي الحكيم، الطبعة الثانية، مجلّدان، قم، مكتبة المفيد، 1399 ق / 1979 م.

«ك»

105 - الكافي. ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (م 329)، تحقيق علي أكبر الغفّاري، الطبعة الخامسة، 8 مجلّدات، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1363 ش.

106 - كامل الزيارات. أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه القمّي، تحقيق الشيخ جواد القيّومي، الطبعة الاُولى، قم، مؤسّسة نشر الفقاهة، 1417 ق.

107 - الكشّاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل. جاراللّه محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي (467 - 528)، إعداد مصطفى حسين أحمد، الطبعة الثالثة، 4 مجلّدات، بيروت، دار الكتاب العربي، 1407 ق / 1987 م.

108 - كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد. العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف ابن المطهّر، تحقيق الشيخ حسن حسن زاده الآملي، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1414 ق.

109 - كفاية الاُصول. الآخوند الخراساني المولى محمّد كاظم بن حسين الهروي (1255 - 1329)، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي.

110 - كمال الدين وتمام النعمة. أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي الشيخ

ص: 717

الصدوق (م 381)، تحقيق علي أكبر الغفّاري، الطبعة الاُولى، طهران، مكتبة

الصدوق، 1390 ق.

«ل»

111 - لسان العرب. أبو الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم بن منظور المصري (630 - 711)، الطبعة الاُولى، 15 مجلّداً + الفهرس، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1408 ق / 1988 م.

112 - لمحات الاُصول (تقريرات المحقّق البروجردي)، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه ».

موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه.

113 - اللمعة الدمشقية في فقه الإمامية. شمس الدين محمّد بن مكّي بن العاملي المعروف بالشهيد الأوّل (734 - 786)، الطبعة الاُولى، بيروت، مؤسّسة فقه الشيعة، 1410 ق/ 1990 م.

«م»

114 - المبسوط. شمس الدين محمّد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي (م 483)، 30 جزءاً في 15 مجلّداً، بيروت، دار المعرفة، 1409 ق / 1989 م.

115 - المبسوط في فقه الإمامية. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460)، إعداد السيّد محمّد تقيّ الكشفي، الطبعة الثانية، 8 أجزاء في 4 مجلّدات، طهران، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، 1387 - 1393 ق.

116 - مجمع البحرين ومطلع النيّرين. فخر الدين الطريحي (972 - 1085)، الطبعة الاُولى، 6 مجلّدات، بيروت، دار ومكتبة الهلال، 1985 م.

117 - مجمع البيان في تفسير القرآن. أبو علي أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي (حوالي 470 - 548)، تحقيق وتصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي والسيّد فضل اللّه اليزدي الطباطبائي، الطبعة الاُولى، 10 أجزاء في 5 مجلّدات، بيروت، دار المعرفة للطباعة والنشر.

ص: 718

118 - مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان. أحمد بن محمّد المعروف بالمقدّس الأردبيلي (م 993)، تحقيق مجتبى العراقي وعلي پناه الاشتهاردي وحسين اليزدي، الطبعة الاُولى، 14 مجلّداً، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1402 - 1414 ق.

119 - المجموع (شرح المهذّب) ويليه فتح العزيز ويليه التلخيص الحبير. أبوزكريّا يحيى بن شرف النووي الشافعي (631 - 676)، [الطبعة الاُولى]، 20 مجلّداً، بيروت، دار الفكر.

120 - مختلف الشيعة في أحكام الشريعة. العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726)، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، الطبعة الاُولى، 9 مجلّدات + الفهرس، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1412 - 1420 ق.

121 - مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول. العلاّمة محمّد باقر بن محمّد تقيّ المجلسي (1037 - 1110)، تصحيح السيّد هاشم الرسولي والسيّد جعفر الحسيني والشيخ علي الآخوندي، الطبعة الثانية، 26 مجلّداً، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1363 ش.

122 - مسائل علي بن جعفر ومستدركاتها. تحقيق مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، بيروت، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1410 ق / 1990 م.

123 - مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام. العلاّمة الفاضل الجواد الكاظمي (م - أواسط القرن الحادي عشر)، إعداد السيّد محمّد تقيّ الكشفي والشيخ محمّد باقر شريف زاده، 4 أجزاء في مجلّدان، طهران، المكتبة المرتضوية لآثار الجعفرية.

124 - مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام. الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي الجبعي (911 - 965)، تحقيق مؤسّسة المعارف الإسلامية، الطبعة الاُولى، 15 مجلّداً، قم، مؤسّسة المعارف الإسلامية، 1413 - 1419 ق.

125 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل. الحاج الميرزا حسين المحدّث النوري الطبرسي (1254 - 1320)، تحقيق مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، 25 مجلّداً، قم، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1407 ق.

ص: 719

126 - مستمسك العروة الوثقى. السيّد محسن الطباطبائي الحكيم (1306 - 1390)، الطبعة الاُولى، 14 مجلّداً، قم، مؤسّسة دار التفسير، 1416 ق /1374 ش.

127 - المسند. أحمد بن محمّد بن حنبل (164 - 241)، إعداد أحمد محمّد شاكر وحمزة أحمد الزين، الطبعة الاُولى، 20 مجلّداً، القاهرة، دار الحديث، 1416 ق.

128 - مصباح الفقيه (الطهارة، الصلاة، الزكاة، الخمس، الصوم، الرهن). الحاج آقا رضا بن محمّد هادي الهمداني النجفي (م 1322)، الطبعة الاُولى، 19 مجلّداً:

الطهارة والصلاة. تحقيق المؤسّسة الجعفرية لإحياء التراث، (ج 1 - 17)، قم، مؤسّسة مهديّ الموعود(عجل الله تعالی فرجه الشریف)، 1417 - 1431 ق.

الزكاة والخمس والصوم والرهن. (ج 13 و14، حسب ترتيب مؤسّسة النشر الإسلامي)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1416 ق.

129 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير. أحمد بن محمّد بن علي المقري الفيّومي (م 770)، الطبعة الاُولى، جزءان في مجلّد واحد، قم، دار الهجرة، 1405 ق.

130 - مطارح الأنظار (تقريرات الشيخ الأعظم الأنصاري). الميرزا أبو القاسم الكلانتري (1236 - 1292)، تحقيق مجمع الفكر الإسلامي، الطبعة الاُولى، مجلّدان، قم، مجمع الفكر الإسلامي، 1425 ق.

131 - معالم الدين وملاذ المجتهدين «قسم الاُصول». أبو منصور جمال الدين الحسن بن زين الدين العاملي (959 - 1011)، تحقيق لجنة التحقيق، الطبعة الحادي عشر، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1416 ق.

132 - معجم مقاييس اللغة. أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا (م 395)، تحقيق عبد السلام محمّد هارون، 6 مجلّدات، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1404 ق.

133 - معيار اللّغة. الميرزا محمّد علي بن محمّد صادق الشيرازي، الطبعة الحجرية، ايران، 1311 - 1316 ق.

134 - المغني ويليه الشرح الكبير. أبو محمّد عبداللّه بن أحمد بن محمّد بن قدامة (541 - 620)، وأبو الفرج عبد الرحمان بن أبي عمر محمّد بن أحمد بن قدامة المقدسي

ص: 720

(م 682)، الطبعة الاُولى، 21 مجلّداً، بيروت، دار الكتب العربي.

135 - مفتاح العلوم. أبو يعقوب يوسف بن أبي بكر محمّد بن علي السكّاكي (م 626)، بيروت، دار الكتب العلمية، 1348 ق.

136 - مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلاّمة. السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي (1160 - 1228)، تحقيق محمّد باقر الخالصي، الطبعة الاُولى، 26 مجلّداً، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1419 - 1433 ق.

137 - مفردات ألفاظ القرآن. حسين بن محمّد المفضّل الراغب الأصفهاني (م حدود 425)، تحقيق عدنان صفوان داوودي، الطبعة الثانية، قم، منشورات ذوي القربى، 1423 ق.

138 - مقابس الأنوار ونفائس الأسرار في أحكام النبي المختار وعترته الأطهار عليهم السلام. الشيخ أسد اللّه بن إسماعيل التستري الكاظمي (م 1237)، قم، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام.

139 - مقالات الاُصول. الشيخ ضياء الدين العراقي(1278 - 1361)، تحقيق الشيخ محسن العراقي والسيّد منذر الحكيم و الشيخ مجتبى المحمودي، الطبعة الاُولى، مجلّدان، قم، مجمع الفكر الإسلامي، 1414 - 1420 ق.

140 - مقباس الهداية في علم الدراية. الشيخ عبداللّه بن محمّد حسن المامقاني (1290 - 1351)، تحقيق محمّد رضا المامقاني، الطبعة الاُولى، 4 مجلّدات، قم، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1411 - 1413 ق.

141 - المقنعة. أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (م 413)، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1410 ق.

142 - المكاسب المحرّمة، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه ».= موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه.

143 - المكاسب، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 14 - 19. الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري الدزفولي (1214 - 1281)، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ

ص: 721

الأعظم، الطبعة الاُولى، 6 مجلّدات، قم، مكتبة الفقهية، 1415 - 1420 ق.

144 - المكاسب والبيع (تقريرات المحقّق الميرزا النائيني). الشيخ محمّد تقيّ الآملي، الطبعة الاُولى، مجلّدان، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1413 ق.

145 - مناهج الوصول إلى علم الاُصول، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه ».= موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه.

146 - منتهى الإرب في لغة العرب. عبد الرحيم بن عبد الكريم الصفيپور، 4 أجزاء في مجلّدين، طهران، كتابخانه سنائي، 1298 ق.

147 - المنجد في اللغة. لوئيس معلوف وعدّة من الأساتذة، الطبعة الثالثة والثلاثون، بيروت، دار المشرق، 1992 م.

148 - منية الطالب في شرح المكاسب (تقريرات المحقّق النائيني). الشيخ موسى بن محمّد النجفي الخوانساري (1254 - 1363)، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، 3 مجلّدات، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1424 ق.

149 - موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه. تحقيق مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه، الطبعة الاُولى، قم، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه، 1430 ق / 1388 ش.

150 - المهذّب. أبو القاسم عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز القاضي ابن البرّاج (400 - 481)، إعداد مؤسّسة سيّدالشهداء، الطبعة الاُولى، مجلّدان، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1406 ق.

151 - المهذّب البارع في شرح المختصر النافع. العلاّمة أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي (757 - 841)، تحقيق مجتبى العراقي، الطبعة الاُولى، 5 مجلّدات، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1407 - 1413 ق.

«ن»

152 - نصب الراية لأحاديث الهداية. عبداللّه بن يوسف الحنفي الزيلعي (م 762)، الطبعة

ص: 722

الثالثة، 4 مجلّدات، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1407 ق / 1987 م.

153 - النوادر. أبو جعفر أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري القمّي، تحقيق مؤسّسة الإمام المهديّ(عجل الله تعالی فرجه الشریف)، الطبعة الاُولى، قم، مؤسّسة الإمام المهديّ(عجل الله تعالی فرجه الشریف)، 1408 ق.

154 - نهاية الأفكار (تقريرات المحقّق آغا ضياء الدين العراقي). الشيخ محمّد تقيّ البروجردي النجفي (م 1391)، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الاُولى، 4 أجزاء في 3 مجلّدات، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1405 ق.

155 - نهاية الدراية في شرح الكفاية. الشيخ محمّد حسين الأصفهاني (1296 - 1361)، تحقيق مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، 4 مجلّدات، قم، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1414 ق.

156 - نهج البلاغة، من كلام مولانا أمير المؤمنين عليه السلام. جمعه الشريف الرضي، محمّد بن الحسين (359 - 406)، إعداد الدكتور صبحي صالح، انتشارات الهجرة، قم، 1395 ق «بالاُفست عن طبعة بيروت 1387 ق ».

157 - نهج الفقاهة. السيّد محسن الطباطبائي الحكيم، تحقيق جواد القيّومي الأصفهاني، الطبعة الاُولى، قم، دار الفقه للطباعة والنشر، 1421 ق / 1379 ش.

«و»

158 - الوافي. محمّد بن المرتضى المولى محسن المعروف بالفيض الكاشاني (1006 - 1091)، إعداد ضياء الدين الحسيني، الطبعة الاُولى، 26 مجلّداً، أصفهان، مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، 1412 ق.

159 - الوافية في اُصول الفقه. المولى عبداللّه بن محمّد البُشروي الخراساني المعروف بالفاضل التوني (م 1071)، تحقيق السيّد محمّد حسين الرضوي الكشميري، الطبعة الاُولى، قم، مجمع الفكر الإسلامي، 1412 ق.

160 - وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة. الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (1033 - 1104)، تحقيق مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الاُولى،

ص: 723

30 مجلّداً، قم، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1409 ق.

161 - الوسيلة إلى نيل الفضيلة. عماد الدين أبو جعفر محمّد بن علي الطوسي المعروف بابن حمزة ( القرن السادس)، تحقيق الشيخ محمّد الحسّون، الطبعة الاُولى، قم، مكتبة آية اللّه المرعشي، 1408 ق.

162 - وقاية الأذهان مع رسالتي سمطا اللآل في مسألتي الوضع والاستعمال وإماطة الغين عن استعمال العين في معنيين. الشيخ أبو المجد محمّد رضا بن محمّد حسين النجفي الأصفهاني، تحقيق مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، قم، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1413 ق.

«ه»

163 - هداية الطالب إلى أسرار المكاسب. الميرزا فتّاح الشهيدي التبريزي (1214 - 1281)، الطبعة الثانية، 5 مجلّدات، قم، دار الفقه للطباعة والنشر، 1428 ق / 1386 ش.

164 - هداية المسترشدين في شرح اُصول معالم الدين. الشيخ محمّد تقيّ الرازي النجفي الأصفهاني (م 1248)، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الاُولى، 3 مجلّدات، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1420 - 1421 ق.

ص: 724

7 - فهرس الموضوعات

مقدّمة التحقيق ... ه

كتاب البيع وانقسامه إلى مباحث ... 3

المبحث الأوّل: في ماهية البيع

ولابدّ في تحصيل تعريفها من تقديم اُمور:

الأمر الأوّل: في المراد من البيع الذي يبحث عن ماهيته ... 7

إشكال ودفع ... 8

الأمر الثاني: في أنّ البيع هو التبادل في الإضافة ... 13

حول كلام المحقّق النائيني في المقام ... 14

الأمر الثالث: في المراد من تبادل الإضافات ... 18

الأمر الرابع: في عدم تقوّم البيع بكون المبيع أصلاً والثمن بدلاً ... 20

الأمر الخامس: فيما يعتبر في صدق البيع من خصوصيات العوضين ... 22

اعتبار كون المبيع عيناً في صدق البيع ... 22

الإشكال في بيع الكلّي في الذمّة والدين ... 24

حول صدق البيع مع كون العوض عمل الحرّ ... 27

ثبوت الضمان في حبس الحرّ الكسوب ... 29

ص: 725

نظرة في الحقوق ... 30

وفيها جهتان من البحث:

الجهة الاُولى: ماهية الحقوق وأقسامها ... 30

مقتضى الأصل عند الشكّ في الحقّ ... 41

الجهة الثانية: صحّة جعل الحقّ عوضا أو معوّضا ... 45

تفصيل الشيخ الأعظم بين الحقوق في صحّة بيعها ... 46

توجيه الشيخ الأعظم بيع الدين على من هو عليه ... 48

توجيه المحقّق النائيني بيع الدين على من هو عليه ... 49

حول إنكار المحقّق النائيني قابلية الحقّ للعوضية ... 50

حكم الحقوق القابلة للإسقاط ... 52

كلام المحقّق النائيني في المقام ودفعه ... 53

اعتبار انتقال العوضين في صدق البيع ... 54

تعريف البيع ... 56

تعريف الشيخ الأعظم وردّه ... 56

تعريف المحقّق النائيني وردّه ... 57

تعريف المحقّق الأصفهاني وردّه ... 57

أسدّ التعاريف تعريف المصباح ... 59

دفع ما يرد على تعريف المصباح ... 61

تغاير البيع الاصطلاحي واللغوي ... 63

في وضع ألفاظ المعاملات للصحيح أو الأعمّ ... 67

في التمسّك بالإطلاقات في المعاملات ... 68

وضع ألفاظ المعاملات للمسبّبات ... 76

ص: 726

المبحث الثاني: في أقسام البيع بحسب الأسباب

وهو على قسمين:

القسم الأوّل: المعاطاة

المراد من المعاطاة ... 83

أدلّة صحّة المعاطاة ... 84

الدليل الأوّل: السيرة العقلائية ... 84

الدليل الثاني: آية الحلّ ... 85

المراد بالحلّية والحرمة ... 88

الإشكال في إطلاق الآية والجواب عنه ... 90

الدليل الثالث: آية التجارة ... 94

الدليل الرابع: آية الوفاء ... 98

شبهة عدم شمول الآية للمعاطاة ودفعها ... 101

تحديد المعنى الحقيقي للعقد وبيان المعنى المستعار منه ... 102

معنى الوفاء بالعهد والعقد ... 106

اعتراضات المحقّق النراقي والجواب عنها ... 108

إشكال تخصيص الأكثر وجوابه ... 115

الدليل الخامس: آية القنطار والإفضاء ... 117

الدليل السادس: حديث السلطنة ... 120

تقريب المحقّق الأصفهاني وجوابه ... 121

اعتراض المحقّق الأصفهاني على اُستاذه والجواب عنه ... 123

الإشكالات العقلية التي ذكرها المحقّق الأصفهاني وجوابها ... 126

الدليل السابع: حديث الشرط ... 128

ص: 727

بحث في معنى الشرط ... 128

في شمول الشرط بالمعنى الحدثي للالتزامات الابتدائية ... 135

عدم شمول الشروط الابتدائية للمعاملات ... 139

دلالة الحديث على نفوذ الشرط ... 140

أدلّة لزوم المعاطاة ... 142

الدليل الأوّل: الاستصحاب ... 142

حول معارض استصحاب بقاء الملك ... 153

عدم جريان الاستصحاب عند الشكّ في منوّعية اللزوم والجواز للملك ... 156

الدليل الثاني: حديث السلطنة ... 158

مناقشة المحقّق الأصفهاني ودفعها ... 160

الدليل الثالث: حديث «لا يحلّ...» ... 165

اعتراضات وأجوبة ... 169

الدليل الرابع: آية التجارة ... 171

تقريب الاستدلال بالمستثنى منه ... 172

تقريب الاستدلال بالمستثنى ... 174

تقريب الاستدلال بالحصر المستفاد من مجموع الجملتين ... 177

الدليل الخامس: أخبار خيار المجلس ... 180

نقل الأخبار الواردة في خيار المجلس ... 183

عدم دلالة الأخبار على اللزوم ... 185

الدليل السادس: آية الوفاء بالعقود ... 186

التقريبات الثلاثة لإثبات اللزوم ... 187

تقرير اللزوم بناءً على كون مقتضى الوفاء بالعقود إبقاؤها ... 191

تقرير دلالة الآية على اللزوم بوجهين آخرين ... 193

ص: 728

تقرير استدلال الشيخ الأعظم ... 195

أجوبة المحقّقين عن إشكال الشبهة المصداقية في المقام ... 197

جواب المحقّق النائيني ... 197

الأجوبة الأربعة للمحقّق الشيرازي قدّس سرّه ... 199

جواب المحقّق الأصفهاني عن الشبهة ... 205

الوجه الأخير في جواب الشبهة ... 209

الدليل السابع: حديث الشرط ... 211

الدليل الثامن: آية حلّ البيع ... 213

فيما يتمسّك به على بطلان المعاطاة أو عدم لزومها ... 215

التمسّك بالأصل ... 215

التمسّك بحديث «إنّما يحلّل الكلام...» ... 215

التمسّك بروايات اُخر لاعتبار اللفظ ... 222

حول دعاوى الإجماع أو الشهرة في المقام ... 226

تنبيهات

التنبيه الأوّل: في اعتبار شروط البيع بالصيغة في المعاطاة ... 230

الكلام في المعاطاة التي اُريد منها الإباحة ... 230

الكلام في المعاطاة التي اُريد بها التمليك ... 234

التنبيه الثاني: في تحقّق المعاطاة بإعطاء طرف واحد ... 236

إيرادات على الإعطاء من طرف واحد وأجوبتها ... 239

عدم تحقّق المعاطاة بلا إعطاء وأخذ ... 241

التنبيه الثالث: في تمييز البائع من المشتري في المعاطاة ... 242

التنبيه الرابع: في أقسام المعاطاة بحسب قصد المتعاملين ... 247

ص: 729

1 - تمليك المال بإزاء المال ... 247

2 - تمليك المال بإزاء التمليك ... 248

إشكالات على القسم الثاني ... 248

حول صدق البيع على القسم الثاني ... 252

3 - إباحة المال بإزاء العوض ... 253

4 - إباحة المال بإزاء الإباحة ... 253

حول إشكالي الشيخ الأعظم على القسم الثالث والرابع ... 254

التنبيه الخامس: في جريان المعاطاة في غير البيع ... 265

الإشكال في ما تشترط صحّته بالقبض وجوابه ... 267

التنبيه السادس: في ملزمات المعاطاة ... 270

تأسيس الأصل على القول بالملك ... 270

حكم تلف العينين أو إحداهما على القول بالملك ... 271

تأسيس الأصل على القول بالإباحة ... 274

حكم تلف العينين على القول بالإباحة ... 279

حكم تلف إحدى العينين على القول بالإباحة ... 281

حكم كون أحد العوضين ديناً على القول بالملك ... 283

حكم كون أحد العوضين دينا على القول بالإباحة ... 287

حكم انتقال العوضين على القول بالملك ... 289

حكم انتقال العوضين على القول بالإباحة ... 292

القسم الثاني: في البيع بالصيغة وما يتعلّق به

فصل: في ألفاظ عقد البيع ... 299

تحقّق البيع بالإشارة والكتابة وغيرهما ... 300

ص: 730

تفصيل المحقّق الأصفهاني بالنسبة إلى الأخرس ... 303

تقسيم إشارة الأخرس ... 304

عدم توقّف بيع الأخرس على تحريك لسانه ... 305

حكم الشكّ في صحّة المعاملة بالإشارة ... 306

تمسّك الشيخ بفحوى روايات طلاق الأخرس لقيام الإشارة مقام اللفظ ... 307

الكلام حول تقدّم الكتابة على إشارة الأخرس ... 309

بحث: في مادّة الصيغة وهيئتها ... 310

صحّة الإنشاء بالألفاظ الكنائية والمجازية ... 313

إشكال المحقّق النائيني في الإنشاء بالكنايات ... 313

إشكال المحقّق النائيني في الإنشاء ببعض المجازات والمشتركات ... 318

مسألة: عدم اعتبار العربية في الصيغة ... 322

مسألة: في كفاية الإيجاب وحده في صحّة العقود ... 323

مسألة: في عدم اعتبار الماضوية في الصيغة ... 326

مسألة: في تقديم الإيجاب على القبول ... 329

تفصيل الشيخ الأعظم بين ألفاظ القبول ... 329

التحقيق في حقيقة القبول ... 330

جواز تقديم القبول على الإيجاب ... 333

إشكال الشيخ في تقدّم القبول ... 334

تفصيل المحقّق النائيني بين العقود الإذنية وغيرها ... 335

مسألة: في عدم اعتبار الموالاة ... 336

استدلال المحقّق النائيني على الموالاة ... 336

استدلال المحقّق الإيرواني على الموالاة ... 338

مسألة: في اعتبار التنجيز في العقود ... 342

إشكال منافاة التعليق مع الجزم المعتبر ... 346

ص: 731

مسألة: في اعتبار التطابق بين الإيجاب والقبول ... 348

مسألة: في اعتبار الأهلية في المتعاقدين ... 350

جواب الشيخ الأعظم عن النقض بالوصيّة ودفعه ... 352

فرع: في اختلاف المتعاقدين في شروط الصيغة ... 354

تفصيل السيّد اليزدي في باب الإجزاء ... 355

تفصيل آخر في الإجزاء ... 356

بيان لكلام الشيخ في المقام ... 359

تفصيل الشيخ الأعظم بين الشروط وما يرد عليه ... 361

حكم اختلاف المتعاقدين في تحقّق عنوان العقد ... 363

المقبوض بالعقد الفاسد

ويتفرّع عليه اُمور:

الأمر الأوّل: في الضمان

الدليل الأوّل على الضمان: حديث على اليد ... 368

في انجبار سند الحديث ... 368

في دلالة الحديث على الحكم التكليفي أو الوضعي ... 373

استقرار العين الخارجية على العهدة وما فيه ... 375

حول شمول حديث اليد لضمان الصغير والمجنون ... 378

الدليل الثاني على الضمان: روايات الأمة المسروقة ... 381

إشكال المحقّق الأصفهاني في المقام ودفعه ... 382

إشكال المحقّق الإيرواني ودفعه ... 384

الدليل الثالث على الضمان: قاعدة ما يضمن ... 386

ص: 732

المراد بالضمان في القاعدة ... 387

تضعيف ما ذكره المحقّق النائيني في الضمان ... 388

حول معنى الضمان عند المحقّق الأصفهاني ... 389

أقرب الاحتمالات في معنى الضمان في القاعدة ... 390

تحقيق في محتملات كلام الشيخ الأعظم ... 392

استفادة الضمان بالمثل أو القيمة من القاعدة ... 394

مقدار شمول قاعدة ما يضمن ... 395

هل العموم باعتبار الأنواع أو الأصناف أو الأفراد؟ ... 395

معنى «الباء» في «بصحيحه» و«بفاسده» ... 400

مدرك قاعدة ما يضمن ... 401

الاستدلال بقاعدة الإقدام ... 401

إشكال الشيخ في قاعدة الإقدام طرداً وعكساً ودفعه ... 403

الاستدلال بخبر «على اليد...» على قاعدة ما يضمن ... 404

وجوه عدم شمول دليل اليد للمنافع ... 405

استدلال الشيخ الأعظم على المطلوب بروايات ... 415

عدم الفرق في الضمان بين صورتي العلم والجهل ... 422

تفريق المحقّق الأصفهاني بين المقام والمعاطاة من جهة الضمان ... 424

تفريق المحقّق الأصفهاني بين المقام والغصب ... 424

الكلام حول عكس قاعدة ما يضمن ... 427

مدرك عكس القاعدة:

استدلال شيخ الطائفة بالأولوية ... 428

استدلال الشيخ الأعظم بأدلّة الاستئمان ... 429

الاستدلال بموثّقة إسحاق بن عمّار على عكس القاعدة ... 435

جواز شرط الضمان فيما لا ضمان وبالعكس ... 436

ص: 733

استدلال المحقّق النائيني لعكس القاعدة ... 438

النقض على عكس القاعدة بالإجارة ... 439

لابدّ في المقام من تقديم اُمور:

الأوّل: بيان ماهية الإجارة ... 439

الثاني: عدم اقتضاء الإجارة استيلاء المستأجر على العين ... 441

بطلان تفصيل المحقّق النائيني في موارد الإجارة ... 442

الثالث: عدم ضمان المستأجر ... 443

الرابع: النقض بالإجارة يختلف باختلاف المباني ... 444

النقض على عكس القاعدة بضمان الصيد على المحرم ... 446

الأمر الثاني: في وجوب الردّ فوراً

استدلال الشيخ الأعظم على وجوب الردّ بحرمة الإمساك ... 454

بيان وجوه الخلل في كلام المحقّق الأصفهاني ... 456

الاستدلال بحديث «على اليد» على وجوب الردّ ... 458

تفصيل السيّد الطباطبائي بين علم الدافع وجهله في جواز التصرّف ... 459

نقد كلام المحقّق الأصفهاني ... 460

حكم العقود الإذنية ... 461

مؤونة الردّ على من تكون؟ ... 462

الأمر الثالث: في ضمان المنافع

ما يدلّ على الضمان في المنافع المستوفاة ... 466

الكلام حول قاعدة الخراج بالضمان ... 468

بحث في مفاد الخراج بالضمان ... 469

ص: 734

استظهار المحقّق النائيني من قاعدة الخراج بالضمان ... 474

ثبوت الضمان في المنافع غير المستوفاة ... 476

نقد كلام الشيخ في المقام ... 477

الأمر الرابع: في ضمان المثل في المثلي

الاستدلال بآية الاعتداء على الضمان ... 480

الاستدلال بدليل اليد على ضمان المثل في المثلي وتقريبه ... 483

بناء العقلاء هو الوجه في ضمان المثلي والقيمي ... 487

نكتة حكم العقلائي في المثلي والقيمي ... 488

مرجع تشخيص المثلي والقيمي ... 490

مقتضى الأصل عند الشكّ في كون شيء مثلياً أو قيمياً ... 491

مقدّمة: في بيان ما يشتغل به الذمّة في باب الضمانات ... 491

القول باشتغال الذمّة بالمالية ودفعه ... 492

الروايات الظاهرة في كون نفس العين على العهدة ... 494

الحقّ ثبوت عهدة الغرامة والخسارة دون نفس العين ... 508

رجع إلى مقتضى الأصل عند الشكّ في مثلية الشيء أو قيميته ... 511

كلام المحقّق الأصفهاني وردّه ... 515

كلام المحقّق النائيني في المقام وجوابه ... 517

مقتضى الأصل عند إجمال أدلّة الضمان ... 518

مختار المحقّق النائيني في هذه الصورة ونقده ... 519

الأمر الخامس: في حكم ما إذا لم يوجد المثل إلاّ بأكثر من ثمن المثل

صور زيادة قيمة المثل ... 523

ص: 735

تنبيه: في تعارض دليل نفي الضرر مع نفي الحرج ... 524

وجوب شراء المثل وإن زادت قيمته السوقية ... 527

عدم لزوم شراء المثل بأكثر من ثمنه عند الإعواز ... 530

تذنيب فيه مسألتان:

الاُولى: جواز المطالبة بالمثل في أيّ مكان مع الإمكان ... 534

الثانية: مدار مكان مطالبة المثل ... 537

الأمر السادس: في حكم تعذّر المثل في المثلي

ما استدلّ به على جواز مطالبة القيمة ... 543

بيان زمان اعتبار القيمة ... 550

لابدّ في تحقيق ما هو الحقّ من ذكر اُمور:

الأوّل: حول انقلاب المثل عند إعوازه إلى القيمة ... 550

الثاني: ضمان الصفات الدخيلة في الرغبات والقيم ... 552

الثالث: بيان محتملات زمان اعتبار القيمة ... 553

كلام المحقّق الأصفهاني في المقام والجواب عنه ... 555

بيان النسبة بين آية الاعتداء ودليل اليد ... 557

مقتضى القول بالانقلاب إلى القيمة عند التعذّر ... 558

وجه اعتبار أعلى القيم من حين الأخذ إلى حين التلف ... 559

توجيه المحقّق النائيني انقلاب القدر المشترك إلى القيمة ... 560

ينبغي التنبيه على جهات:

الاُولى: المراد من إعواز المثل ... 561

مختار السيّد وجوابه ... 563

بيان كلام الشيخ في المقام ... 564

ص: 736

بناء العقلاء مقيّد لدليل السلطنة ... 565

عدم جواز المطالبة بقيمة المثل المتعذّر ... 566

بحث حول بعض أخبار السلم ... 567

الثانية: اختلاف القيمة باختلاف المباني ... 569

الثالثة: في ضمان العين التي سقطت ماليتها ... 572

بحث في أخبار الدراهم التي أسقط السلطان اعتبارها ... 574

الرابعة: حكم الشكّ في فراغ الذمّة بدفع ما سقط عن المالية ... 576

رأي المحقّق الأصفهاني وما فيه ... 577

الخامسة: حكم التمكّن من المثل بعد دفع القيمة ... 582

الأمر السابع: في ضمان القيمة لو كان المأخوذ بالبيع الفاسد قيمياً

مقتضى الأخبار ضمان الأشياء بالقيمة حتّى في المثلي ... 588

خروج المثلي الذي وجد مثله عن مقتضى الأخبار ... 596

الملاك في تعيين القيمة في القيمي ... 598

مقتضى القواعد وإطلاقات أدلّة الضمان ... 598

الاستدلال بفقرتين من صحيحة أبي ولاّد على اعتبار قيمة يوم التلف ... 602

الفقرة الاُولى الدالّة على ضمان قيمة يوم التلف ... 606

كلام الشيخ الأعظم وما فيه ... 607

المحتملات بناءً على تجرّد البغل من «اللام» ... 612

استظهار تعلّق «يوم تردّه» ب «عليك» ... 613

تفصيل في ضمان العيب بعد ارتفاعه ... 615

المراد من قوله: «فمن يعرف ذلك؟» ... 616

الفقرة الثانية المتوهّم دلالتها على ضمان قيمة يوم التلف ... 617

ص: 737

تكفّل الصحيحة لحكم الضمان مطلقاً لا خصوص الغصب ... 620

الاستدلال بروايات الرهن على اعتبار قيمة يوم التلف ... 621

الروايات التي استدلّ بها على اعتبار قيمة يوم الأداء ... 624

استشهاد الشهيد الثاني بصحيحة أبي ولاّد على اعتبار أعلى القيم ... 625

الاستناد إلى حديث اليد لإثبات أعلى القيم ... 627

الاستناد إلى قاعدة نفي الضرر وآية الاعتداء لإثبات أعلى القيم ... 630

الاستدلال بالاُصول لإثبات أعلى القيم ... 631

عدم الاعتبار بزيادة القيمة بعد التلف ... 634

الاعتبار بقيمة مكان التلف ... 635

الكلام في بدل الحيلولة ... 637

الاستدلال بقاعدة اليد على بدل الحيلولة ... 637

الاستدلال بقاعدة السلطنة على بدل الحيلولة ... 640

الاستدلال بحديث نفي الضرر على بدل الحيلولة ... 642

فروع بدل الحيلولة:

الأوّل: تقريب الاستدلال بحديث اليد لإثبات الضمان في صور التعذّر ... 643

الثاني: في ثبوت أحكام تلف العين عند تعذّرها ... 645

الثالث: هل بدل الحيلولة ملك لمالك العين أو مباح له؟ ... 648

الرابع: في ضمان المنافع للعين المتعذّرة قبل أداء الغرامة وبعده ... 652

الخامس: في وجوب ردّ العين عند زوال التعذّر ... 654

وجوب ردّ العين إلى صاحبها قبل وقوعها تحت يد الغارم ... 657

السادس: في رجوع الغرامة إلى ملك الغارم بمجرّد التمكّن من العين ... 659

رجوع الضمان الجديد بالسبب الأوّل ... 661

عدم جواز حبس العين ... 662

ص: 738

السابع: في خروج العين عن التقويم ... 663

حكم الخياطة بالخيط المغصوب ... 666

خروج العين عن الملكية مع بقاء حق الأولوية كما لو صار الخلّ خمراً ... 668

بسط الكلام في جهتين:

الاُولى: محتملات عدم ملكية الخمر ... 668

الثانية: ملكية الخلّ لصاحبه بعد أن كان خمراً ... 671

الفهارس العامّة

1 - فهرس الآيات الكريمة ... 677

2 - فهرس الأحاديث الشريفة ... 683

3 - فهرس أسماء المعصومين عليهم السلام ... 693

4 - فهرس الأعلام ... 695

5 - فهرس الكتب الواردة في المتن ... 701

6 - فهرس مصادر التحقيق ... 705

7 - فهرس الموضوعات ... 725

ص: 739

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.