عنوان واسم المؤلف: موسوعة الامام الخميني قدس سرة الشريف المجلد 17 کتاب البيع المجلد 3/ [روح الله الامام الخميني قدس سرة].
مواصفات النشر : طهران : موسسة تنظيم و نشر آثارالامام الخميني قدس سرة، 1401.
مواصفات المظهر: 703ص.
الصقيع: موسوعة الامام الخميني قدس سرة
ISBN: 9789642123568
حالة القائمة: الفيفا
ملاحظة: الببليوغرافيا مترجمة.
عنوان : الخميني، روح الله، قائد الثورة ومؤسس جمهورية إيران الإسلامية، 1279 - 1368.
عنوان : الفقه والأحكام
المعرف المضاف: معهد الإمام الخميني للتحرير والنشر (س)
ترتيب الكونجرس: BP183/9/خ8الف47 1396
تصنيف ديوي : 297/3422
رقم الببليوغرافيا الوطنية : 3421059
عنوان الإنترنت للمؤسسة: https://www.icpikw.ir
جمعية خيرية رقمية: مركز خدمة مدرسة إصفهان
المحرر:: محمد نگهداري
ص: 1
ص: 2
ص: 3
ص: 4
ص: 5
ص: 6
قالوا : يشترط في كلّ منهما أن يكون متموّلاً ؛ لأنّ البيع مبادلة مال بمال(1) .
أقول : يمكن المناقشة فيه ؛ بأنّ شروط العوضين والمتعاملين ، إنّما تعتبر بعد تقوّم ماهية البيع ، فما هو دخيل في قوامها ، لا ينبغي أن يعدّ من الشروط ، كما أنّ القصد إلى المعنى أيضاً ، لا ينبغي أن يعدّ منها ، فالبيع له مقوّمات وشروط ، ورتبة الشروط متأخّرة عن أصل الماهية ومقوّماتها .
والأولى أن يعدّ نحو المالية والقصد من مقوّمات الماهية ، لا من شروط العوضين ، هذا إذا قلنا : بأنّ البيع مبادلة مال بمال .
ويمكن المناقشة فيه أيضاً : بأنّ المالية لا تعتبر في البيع ؛ فإنّ المبادلة بين الشيئين قد تكون لأجل ماليتهما ، وهو الشائع الرائج ، وقد تكون لغرض آخر .
ص: 7
مثلاً : لو فرض وجود حيوانات مضرّة بالزرع كالفأرة ، أو بالإنسان كالعقرب ، وأراد صاحب الزرع أو البيت جمعها وإفناءها ، فأعلن أ نّه يشتري كلّ فأرة أو عقرب بكذا ؛ لأجل حصول الدواعي لجمعها ، فاشترى ذلك لإعدامها ، يصدق عنوان «البيع» ويكون اشتراءً عقلائياً ، وإن لم يكن لأجل مالية المبيع ، ولم يكن مالاً ، فلو أتلف غيره بعد اشترائه تلك العقارب ، لم يكن ضامناً ؛ لعدم مناط الضمان فيه ، وعدم المالية .
فالاشتراء قد يكون لغرض جلب المال ، وقد يكون لأغراض اُخر .
ثمّ إنّه على فرض اعتبار مالية العوضين في صدق «البيع» لا يعتبر أن يكون مالاً عند نوع العرف ، بل لو كان شيء ذا خاصّية بالنسبة إلى طائفة دون اُخرى ، أو في صقع دون آخر ، صحّ بيعه .
بل لو كان مالاً عند عدد معدود أو شخص خاصّ - كما لو اختصّ شخص بمرض ، وكان علاجه بشيء لا يرغب فيه أحد غيره ، فاشترى ذلك بأغلى ثمن - لما كان إشكال في صدق «البيع» و«الشراء» عليه .
لأنّ الشبهة في الصدق ، بل ولا بعموم وجوب الوفاء بالعقود فيما إذا أراد المتبايعان البيع .
والقول : بأنّ البيع وإن شكّ في تحقّقه حينئذٍ ، لكن لا شكّ في تحقّق العقد ، فيصحّ التمسّك فيه بدليل وجوب الوفاء بالعقود(1) ، غير ظاهر ؛ لأنّ عقد البيع عقد واحد ، لا بيع وعقد آخر ، فلا يعقل مع الشكّ في البيع العلم بتحقّق العقد .
وبعبارة اُخرى : إنّ الفرق بين قوله تعالى : (أَحَلَّ اللّه ُ ا لْبَيْعَ)(2) وبين قوله تعالى : (تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ)(3) وقوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(4) أنّ الأوّل خاصّ بالبيع ، والثاني أعمّ منه ومن سائر التجارات ، والثالث أعمّ منهما بناءً على شموله للعهود غير التجارية ، ومقتضى الأعمّية أوسعية الدائرة ، لا تحقّق كلّ بعنوانه في كلّ مصداق مستقلاًّ في الوجود .
فإذا كان تحقّق التجارة والعقد بعين تحقّق البيع ، وإن كان الصدق باعتبارات ، فلا يعقل عدم تحقّق البيع في مورد لا يكون العوضان مالاً مع تحقّق التجارة والعقد .
والفرض في المقام ، أنّ المتبايعين أرادا إيقاع البيع ، لا أمر آخر أجنبيّ عنه ، فإذا لم يتحقّق البيع ، فلا معنى لوجوب الوفاء ؛ لعدم شيء آخر وراء البيع الذي
ص: 9
لم يتحقّق ، فإذا كان الأمر بحسب الواقع كذلك ، لا يعقل مع الشكّ في البيع العلم بالتجارة والعقد ؛ لأ نّهما في مورد البيع عينه .
ثمّ على فرض اعتبار المالية في ماهية البيع ، فالمعتبر هو المالية العرفية ، فلو فرض كون شيء غير مال بنظر الشارع الأقدس ، ومالاً بنظر العرف ، لا يضرّ ذلك بصدق «البيع» عليه ، وليس في وسع الشرع إسقاط المالية العرفية ، بل ما هو في وسعه سلب الآثار مطلقاً أو في الجملة ، لا سلب اعتبار العرف ، فالخمر والخنزير مال عرفاً ، أسقط الشارع المقدّس آثار ماليتهما ، فلا ضمان في إتلافهما ، ولا يصحّ بيعهما . . . إلى غير ذلك .
فما في بعض الحواشي : من أنّ الشارع أسقط ماليتهما العرفية(1) ، ليس على ما ينبغي .
فحينئذٍ لو شككنا في مورد في كون المبيع مالاً عند الشارع بالمعنى الذي قلناه ، صحّ التمسّك بالعموم والإطلاق بعد الصدق العرفي .
بل لو شكّ في أنّ الشيء الفلاني مال عند الشارع ، وقلنا : بأنّ بعض الأشياء ليس بمال عنده ، كما أنّ بعض الأشياء الذي هو مال عند قوم ليس مالاً عند قوم آخرين ، صحّ التمسّك بالعموم ؛ لأنّ موضوع العمومات هو المال العرفي ، لا الشرعي .
ص: 10
ثمّ إنّه قد يتوهّم : أنّ بين المال والملك عموماً مطلقاً ؛ لأنّ ما ليس بمال ، ولا يترتّب عليه البيع والشراء وسائر المعاملات ، لا يعتبر ملكاً ، وعلى ذلك حمل كلام الشيخ الأعظم قدّس سرّه ؛ حيث استدلّ لاعتبار المالية بقوله صلي الله عليه و آله وسلم : «لا بيع إلاّ في ملك»(1) .
وهو كما ترى ؛ لأنّ الأثر لا ينحصر بالبيع ، بل وبسائر المعاملات ، فمن حاز كفّاً من التراب فقد ملكه ، وليس لأحد التصرّف فيه ، ويكون التيمّم به باطلاً ، مع عدم كونه مالاً بالضرورة .
وأفسد من ذلك التزامه ؛ بأنّ حبّة من الحنطة ، وكفّاً من التراب ، مال بمقداره ، وكذا كفّ من الماء في البحر ؛ ضرورة أنّ المال ليس حيثية واقعية ، حتّى يقال : إنّها قائمة بكلّ واحد من الحبّات ، أو كلّ ذرّة من التراب والماء ، فلو لم تكن الحبّة مالاً ، لا تكون الحبّات - ولو بلغت ما بلغت - مالاً ؛ لأنّ ضمّ ما ليس بمال
إلى ما ليس بمال ، لا يفيد المالية ؛ فإنّ ذلك خلط بين التكوين والاعتبار .
ففي الاُمور الاعتبارية ، لا بدّ وأن يلاحظ اعتبار العقلاء ، ولا إشكال في أنّ كفّاً من الماء في الفرات ، ومن التراب في الفلاة ، لا يعدّ مالاً ، ولا يكون في اعتبار العقلاء كذلك ، فالنسبة هي العموم من وجه ، كما هو المعروف(2) .
ص: 11
وأمّا كلام الشيخ قدّس سرّه في المقام(1) ، فلا يخلو من اضطراب ، وإن أمكن القول في خصوص استدلاله : بأنّ ذلك من اشتباه النسّاخ ، وكان الأصل : «إذ لا بيع إلاّ في مال» ولم يكن مقصوده الاستدلال بالرواية ، ولهذا لم يقل : لقوله صلي الله عليه و آله وسلم : «لا بيع . . .» إلى آخره ، بل أراد الاستدلال بما سبق منه ؛ من أنّ البيع مبادلة مال بمال .
هذا حال اشتراط المالية .
ص: 12
وأمّا الملكية ، فلا ينبغي الإشكال في عدم اشتراطها في الصدق .
وبعبارة اُخرى : إنّ الملكية ليست من مقوّمات ماهية البيع ، وكذا ليست من شرائط الصحّة ؛ بحيث يبطل البيع مع فقدها ، فإنّ بيع الوقف العامّ بيع صحيح ، مع أ نّه ليس ملكاً ، بل فكّ للملك .
وكذا بيع الأجناس الزكوية ، مع عدم كونها ملكاً لأحد على الأقوى ، والموارد المذكورة مصارف لها .
وكذا بيع الكلّي ؛ لعدم كونه ملكاً للبائع ، وإنّما يصير ملكاً للمشتري على عهدة البائع بعد البيع .
وقد يقال : إنّ المعتبر في صحّة البيع هو السلطنة على المبيع ، ولهذا لا يصحّ بيع الكلّي غير المضاف إلى الذمّة ؛ لفقد السلطنة عليه ، بخلاف المضاف إليها ؛ فإنّ-ه بذلك يصير تحت سلطنته ، لسلطنته على نفسه بالتعهّد لأحد بشيء في ذمّة نفسه .
وكذا لا يصحّ بيع المباحات الأصلية ؛ فإنّها متساوية النسبة إلى البائع والمشتري ، فلا سلطان للبائع عليها ؛ إذ ليست كالكلّي المضاف إلى الذمّة ، ولا كالأعيان المضافة إليه بكونها ملكاً له ، وهو سلطان عليها (1) .
ص: 13
أقول : أراد القائل المدقّق تعميم السلطنة للكلّيات ، والتزم بما هو مخالف للعقل والعرف ؛ فإنّ الكلّي المضاف إلى الذمّة كلّي عقلي ، لا يعقل وجوده في الخارج ، فمجرّد إضافته إلى الذمّة ، تخرجه عن سلطان البائع لو فرض له سلطان عليه .
وبعبارة اُخرى : إنّ الإضافة إلى الذمّة مؤكّدة لسلب السلطنة ، لا محقّقة لها .
وأمّا عند العرف والعقلاء ، فلم يعهد من أحد منهم أن يعتبر عند بيع الكلّي أوّلاً إضافته إلى ذمّته ، ثمّ يبيع المضاف إليه ، بل ولا يكون في ارتكاز العقلاء ذلك .
والتحقيق : أنّ قدرة البائع على أداء المبيع في وقته ، توجب اعتبار العقلاء لعهدته وذمّته ، فإذا باع كلّياً اعتبر ذلك في ذمّته ، فتكون الذمّة وعاءً للكلّي الاعتباري - كالأوعية الخارجية للأجناس - من غير إضافة إليها .
فالسلطنة في الكلّيات معتبرة في معتمدها ، الذي هو الأعيان الخارجية أو الأعمال ، وبها تتحقّق قدرة الأداء في وقته ، وأمّا السلطنة على نفس الكلّي المبيع فغير لازمة ، فكما أنّ مالية الكلّي باعتبار معتمده ، كذلك صحّة بيعه باعتبار
السلطنة على معتمده ، لا على نفسه .
ولو اعتبرت السلطنة على المبيع حتّى في الكلّيات ، لا يعقل تصحيحها بالإضافة إلى الذمّة ، بل لا بدّ وأن يقال : إنّ الشخص الذي له اعتبار عند العقلاء - باعتبار قدرته على الأداء - يكون سلطاناً على الكلّي بمقدار اعتباره ، وهذا لا ينافي سلطنة غيره على الكلّي ؛ لأ نّه قابل للاعتبار في كلّ ذمّة ولكلّ أحد ، ولا تنافي بين السلطات .
ثمّ إنّه بعد عدم اعتبار المالية ولا الملكية في المبيع ، تشكل التعاريف التي
ص: 14
وردت في كلمات الفقهاء ؛ لعدم خلوّ شيء منها من المناقشة أو المناقشات ، حتّى لو قلنا : بأنّ المعتبر ليس إلاّ السلطنة على المبيع ، وعرّفنا البيع : بأ نّه نقل معاملي بعوض ؛ فإنّ النقل إن كان في الملكية ، فقد عرفت عدم اعتبارها . وإن كان في السلطنة ، فلازمه صدق «البيع» في تبادل السلطنتين ، مثل ما لو بادل أحد سلطنته على العين بسلطنة الآخر على الثمن ، من دون نقل الأعيان ، مع أنّ ذلك باطل بلا ريب .
والذي يسهّل الخطب ، أنّ العجز عن تعريف البيع لا يضرّ بالمقصود ، بعد صدقه في الموارد المتقدّمة ؛ من بيع الأعيان ، وبيع الكلّي ، والأعيان الموقوفة العامّة ، وغيرها ، ففي كلّ مورد صدق عرفاً «أ نّه بيع وعقد» يحكم بصحّته ونفوذه ، ولا يلزم العلم بماهيته الاعتبارية الجامعة بين الأفراد ، كما في سائر موضوعات الأحكام ، المجهولة ماهيتها بحسب الجنس والفصل .
ثمّ إنّه قد ظهر من عدم اعتبار الملكية في العوض ، عدم صحّة الاحتراز بهذا القيد عن بيع المباحات الأصلية(1) ، فلا بدّ من طريق آخر لإثبات البطلان فيها :
قد يقال : إنّ كلّ ما هو مباح لجميع الناس أو المسلمين ، لا يجوز بيعه قبل تملّكه بالاصطياد ونحوه ؛ فإنّ بذل المال بإزائه سفهي(2) .
ص: 15
وفيه ما لا يخفى ؛ ضرورة أنّ العاجز عن الاصطياد ، إذا اشترى من القادر عليه صيداً خاصّاً تعلّق غرضه به ، لا يعدّ ذلك سفهاً ، ولا بيعه واشتراؤه سفهياً ، بل حتّى ولو كان قادراً عليه ، لكن لم يرد الاشتغال به ؛ لشغل آخر ، أو لطلب الراحة ، واشتراه من غيره ، لا يكون سفهاً ، وهو واضح .
وقد يقال : إنّ بطلان بيع المباحات ؛ من جهة عدم السلطنة عليها بعد عدم كونها ملكاً لأحد(1) .
وفيه : أنّ فقدان السلطنة لا يوجب عدم صدق عنوان «البيع» عليه عرفاً ؛ فإنّ القادر على صيد السمك والطير لو باعهما ، يصدق عليه العنوان بحسب نظر العرف ، والصحّة الفعلية وإن لم تتحقّق ، لكن لا يوجب ذلك إلاّ بطلانه كبطلان الفضولي ، ويكون المورد كمسألة من باع شيئاً ثمّ ملكه .
والفرق بينهما : أ نّه في الفضولي لا يكون الشيء مملوكاً للبائع ، وفي المورد لا يكون مملوكاً لأحد ، وهو لا يوجب الفرق .
ثمّ إنّه يقع الكلام في المقام وفي الفضولي في أمر آخر ، وهو أ نّه إذا باع ما ليس له ، فهل يجب عليه تحصيله أو لا ؟
والمسألة مبنيّة على أنّ وجوب الوفاء بالعقد ، خطاب متوجّه إلى خصوص المتعاقدين المالكين للعوضين ، أو أعمّ منه ، ويكون وزانه وزان دليل الشرط .
فكما أ نّه لو شرط أحد المتعاقدين على الآخر أخذ سمك خاصّ من البحر ،
ص: 16
أو طائر خاصّ قبل الاصطياد ، وكان المشروط عليه قادراً عليه ، يكون الشرط نافذاً عقلائياً ، ومشمولاً لوجوب الوفاء بالشرط ، كذلك في عقد البيع وغيره ، فإذا ملّكه تمليكاً إنشائياً ، صدق عنوان «العقد» ووجب الوفاء به ، ومعه يجب عليه تحصيله بالابتياع من صاحب السلعة لو كان فضولياً ، وبالاصطياد والحيازة في المباحات .
وبعبارة اُخرى : هل موضوع وجوب الوفاء هو العقد بلا قيد وشرط آخر ، أو العقد الصادر من المالك ؟
الإطلاق يقتضي الأوّل ، إلاّ أن يدّعى الانصراف ، وهو لا يبعد ، ولا سيّما مع موافقة فهم الفقهاء ، ولم أرَ أحداً احتمل ذلك في الفضولي وفي المقام .
مضافاً إلى ما قلناه في محلّه : من أنّ وجوب الوفاء ، عبارة عن العمل بمقتضى
العقد(1) ، وهو موقوف على حصول النقل ، فلا يجب الوفاء في الفضولي ونحوه .
ثمّ لو قلنا : بعدم وجوب الوفاء بالعقد في بيع المباحات ؛ لا عند العقلاء ، ولا عند الشرع ، يكون ذلك دليلاً على لغوية البيع ، فتأمّل .
هذا في المباحات .
ص: 17
وأمّا الأرضون المفتوحة عنوة ، فخروجها بقيد «المملوكية» موقوف على أن لا تكون ملكاً لأحد ، فلو كانت ملكاً للمسلمين أو للإمام ، لا يصحّ الاحتراز عنها بهذا القيد ، ولا بأس بالتعرّض لحالها حتّى يتّضح المقصود .
وقبل التعرّض لأنواعها ، لا بأس بذكر جملة من الأخبار الدالّة على أنّ الأرض كلّها والدنيا كلّها للإمام عليه السلام ، وهي كثيرة :
منها : ما تدلّ على أنّ الأرض كلّها لهم ، كرواية الكابلي ، عن أبي جعفر عليه السلام
قال : «وجدنا في كتاب علي عليه السلام : (إِنَّ الْأَرْضَ للّه ِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَا لْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(1) : أنا وأهل بيتي الذين أورثنا اللّه الأرض ، ونحن المتّقون ، والأرض كلّها لنا . . .» (2) إلى آخرها .
وفي رواية عمر بن يزيد ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : « أ وَما لنا من الأرض وما أخرج اللّه منها إلاّ الخمس ؟ ! يا أبا سيّار ، إنّ الأرض كلّها لنا ، فما
ص: 18
أخرج اللّه منها من شيء فهو لنا»(1) .
ومنها : ما تدلّ على أنّ الدنيا كلّها لهم ، كرواية جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم : خلق اللّه آدم وأقطعه الدنيا قطيعة ، فما كان لآدم فلرسول اللّه ، وما كان لرسول اللّه ، فهو للأئمّة من آل محمّد صلوات اللّه عليهم أجمعين»(2) .
ورواية محمّد بن الريّان قال : كتبت إلى العسكري عليه السلام : جعلت فداك ، روي لنا : أن ليس لرسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم من الدنيا إلاّ الخمس .
فجاء الجواب : «أنّ الدنيا وما عليها لرسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم »(3) .
ومنها : ما تدلّ على أنّ الدنيا والآخرة للإمام عليه السلام ، كرواية أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : قلت له : أمَا على الإمام زكاة ؟
فقال : «أحلت يا أبا محمّد ، أما علمت أنّ الدنيا والآخرة للإمام ؛ يضعها حيث يشاء ، ويدفعها إلى من يشاء ، جائز له ذلك من اللّه ؟ ! إنّ الإمام - يا أبا محمّد - لا يبيت ليلة أبداً وللّه في عنقه حقّ يسأله عنه»(4) . . . إلى غير ذلك من الروايات الواردة بهذه المضامين أو ما يقرب منها (5) .
ص: 19
ولا بدّ من نحو تأويل وتوجيه فيها ، بعد عدم جواز الأخذ بظاهرها .
فقد يقال : إنّها محمولة على الملك الحقيقي(1) ، ولم يتّضح ما هو المراد من «الملك الحقيقي» فإن كان المراد منه مالكية العلّة لمعلولها ؛ وأ نّهم عليهم السلام لمّا كانوا وسائط الفيض ، فلهم نحو مالكية للأشياء ، فهو لا يناسب الروايات ، بل ظواهر أكثرها آبية عنه ، كرواية الكابلي وجابر وغيرهما .
وأقرب الاحتمالات ، هو أنّ اللّه تعالى جعل لهم اختيار التصرّف في الدنيا والآخرة، فهم من قبل اللّه ملاّك التصرّف في كلّ شيء، وإن كانت الأموال لصاحبها، وهذه ولاية عامّة كلّية بالنسبة إلى جميع الموجودات ، غير الولاية التكوينية ، وغير الولاية السلطانية الثابتة من قبلهم للفقهاء أيضاً ، فلهم التحليل والتحريم ، فقد حرّموا على سائر الطوائف الاستفادة من الأرض ، وإن كانوا مالكين .
هذا مع الغضّ عن أنّ أكثر تلك الروايات ضعيفة السند ، بل ظواهرها مخالفة للكتاب(2) والسنّة(3) وفتاوي الفقهاء(4) ، فلا بدّ من ردّ علمها إلى أهلها .
ص: 20
ثمّ إنّهم قسّموا الأرض : بأ نّها إمّا موات ، وإمّا عامرة ، وكلّ منهما إمّا أن تكون كذلك بالأصل ، أو عرض لها ذلك .
وقالوا : إنّ الموات بالأصالة ، وكذا المعمورة كذلك ، وما عرض لها الموت بعد كون العمارة أصلية ، وبعض الأراضي المحياة بعد كونها من الموات بالأصالة ، هي كلّها للإمام عليه السلام (1) .
والأصل فيه هو الآية الكريمة : (يَسْأَ لُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ للّه ِ وَا لرَّسُولِ)(2) والأخبار الكثيرة الواردة في تفسيرها (3) .
ولا تكون مضامين الأخبار - على كثرتها - زائدة على مضمون الآية الشريفة ، إلاّ في أنّ ما للرسول فهو للإمام عليه السلام .
ونحن قد تعرّضنا للآية الكريمة سابقاً (4) ، ونشير إليها هاهنا ؛ تتميماً للفائدة .
فنقول : إنّ الاحتمالات فيها كثيرة :
منها : كون اللّه تعالى ورسوله مالكين لها - بالمشاركة - ملكاً اعتبارياً ؛ يكون لكلّ منهما نصفها بالإشاعة .
ومنها : كونهما مالكين كذلك ؛ كلّ تمامها بنحو الاستقلال .
ومنها : كونهما مالكي التصرّف ؛ أي يكون لكلّ منهما ولاية التصرّف ؛
ص: 21
للّه تعالى بالأصالة ، وللنبي صلي الله عليه و آله وسلم بجعل اللّه تعالى .
ومنها : كونه تعالى مالك التصرّف ، والرسول مالك الرقبة ، أو بالعكس .
ومنها : كون المالك جهة الاُلوهية وجهة الرسالة ، أو جهة الرئاسة الإلهية . . . إلى غير ذلك .
أمّا مالكية اللّه تعالى ملكاً اعتبارياً عقلائياً - كملك زيد لفرسه - ففي غاية السقوط ، سواء كان بنحو الإشاعة ، أو بنحو الاستقلال ؛ لعدم الاعتبار العقلائي ، وعدم إمكان ترتّب لوازم الملك عليه .
كما أنّ استقلال المالكين لملك واحد ، غير صحيح ؛ لمخالفته لاعتبار العقلاء ، وهو واضح ، فعليه لا ينبغي الإشكال في أنّ كون الأنفال للّه ليس بنحو المالكية الاعتبارية .
وحيث لم يذكر «اللام» في (ا لرَّسُولِ) فلا ينبغي الإشكال في أنّ مالكية الرسول كمالكية اللّه تعالى ، فكلّ ما قلناه في مالكيته تعالى ، لا بدّ وأن نقول به
في مالكية الرسول ، فالتفكيك بين اللّه ورسوله غير وجيه جدّاً ، فمالكية اللّه تعالى
لخصوص الأنفال والخمس ، ليست إلاّ مالكية التصرّف ، وأ نّه تعالى وليّ الأمر ، له التصرّف فيهما بما أراد .
والتخصيص بالأنفال والخمس ، لعلّه لأجل تشريف النبي وتعظيمه ، ولعلّه في الأنفال لأجل قطع النزاع ، كما يشعر به قوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللّه َ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللّه َ وَرَسُولَهُ)(1) وأشار إليه بعض المفسّرين(2) .
ص: 22
وعليه لا ينبغي الإشكال في أنّ الظاهر من عطف (ا لرَّسُول) على (اللّه) أنّ ما للّه تعالى له صلي الله عليه و آله وسلم ، فله ولاية التصرّف ، فكما أنّ اللّه تعالى لا يملك الرقبة بالملكية المتداولة ، بل له التصرّف فيها ، فكذلك رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم .
وممّا يدلّ على ذلك : أ نّه لا إشكال في أنّ الأنفال بعد رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم ، لم تكن موروثة بين ورّاثه ، كأزواجه وغيرهنّ ، وليس ذلك إلاّ لأجل أ نّه لم يملك الرقبة ، وتخصيص آية الإرث(1) بعيد غايته ، ولم يقل به الفقهاء .
فلا بدّ إمّا من حمل الآية على أنّ الملك للجهات لا للأشخاص ، فتكون جهة الربوبية والاُلوهية مالكة ، وجهة الولاية كذلك ، وهو مع كونه خلاف ظاهر الآية ، خلاف اعتبار العقلاء في اللّه تعالى كما مرّ ، فلا بدّ من التفكيك الفظيع .
وإمّا من القول : بأنّ المراد ولاية التصرّف ، وهو للوالي بهذا الوجه ؛ نبيّاً كان أم إماماً ، واحداً بعد واحد .
وهذا أحسن الوجوه المطابق للاعتبار العقلائي ، الموافق لبناء الدول ؛ من كون الأراضي الموات والمعمورة - من غير معمِّر - للدولة ، والإسلام في هذه الاُمور السياسية ونحوها ، لم يأتِ بشيء مخالف لما عند العقلاء إلاّ فيما فيه مفسدة ، فإذا كان مفاد الآية الشريفة كذلك ، تنحلّ العقدة في الأخبار أيضاً ؛ فإنّها - على كثرتها - لم تأتِ بشيء مخالف للآية .
نعم ، ورد فيها : «أنّ ما لرسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم فهو للأئمّة »(2) وهو أيضاً يؤكّد ما ذكرناه ؛ إذ لو كان ملكاً له لا بدّ وأن يورث ، أو يخصّص فيه حكم
ص: 23
الإرث ، ولم ترد في رواية إشارة إلى أنّ هذا الحكم مخالف لأدلّة الإرث .
ومن ذلك يمكن استفادة أنّ ما ذكرناه كان معروفاً عند الطبقة الاُولى من فقهائنا ؛ أي أصحاب الأئمّة عليهم السلام .
وأمّا الإجماع المدّعى(1) ، فمضافاً إلى إمكان إرادة بعض المجمعين من الملك ما ذكرناه ، يرد أنّ الإجماع ليس بحجّة في مثل تلك المسألة الوارد فيها الكتاب والأخبار ، ومعلوم أنّ مستندهم ليس إلاّ ذلك .
ص: 24
ثمّ إنّ الأرضين على أقسام :
ولا إشكال في أ نّها كسائر ما للإمام عليه السلام ، ليست ملكاً شخصياً له ، تورث بين ورّاثه كسائر أملاكه الشخصية ، فهي إمّا ملك لجهة الولاية ، أو ليست ملكاً لأحد ، وإنّما الإمام عليه السلام وليّ عليها .
وعلى فرض كونها ملكاً للجهة ، يكون الإمام عليه السلام وليّاً عليها ؛ فإنّ الجهة غير شخص الإمام عليه السلام ، فالجهة مالكة ، والإمام عليه السلام وليّ أمرها ، كولايته على سائر الاُمور السلطانية .
ولا ينبغي الإشكال في اعتبار إذنه في التصرّف فيها بنحو التحجير أو الإحياء ، سواء قلنا : بأ نّها كأملاكه الشخصية ، وهو واضح ، أو قلنا : بملك الجهة ، وهو وليّ التصرّف ، أو قلنا : بعدم ملكيتها لأحد ، وأنّ للإمام عليه السلام الولاية عليها ؛ فإنّ مقتضى الولاية والسلطنة ، عدم جواز تصرّف أحد في مورد سلطانه وولايته .
كما أنّ الأمر كذلك في جميع الأولياء ، فليس لأحد التصرّف في مال القصّر إلاّ بإذن أوليائهم ، ولو تصرّف كان غصباً لا يترتّب عليه أثر .
كما أنّ الأمر كذلك في جميع الدول والاُمم ، على اختلاف أنحاء الحكومات ، فأرض كلّ دولة إذا كانت مواتاً ، أو ممّا لا ربّ لها ، وجميع ما يتعلّق بها - من البرّ والبحر والجوّ - تحت ولاية السلطان أو الحكومة ، ليس للدول الاُخر التجاوز
ص: 25
والتصرّف فيها إلاّ بإذن واليها ، بل ليس لأهالي المملكة التصرّفات المهمّة - نحو الإحياء - إلاّ بإذن الوالي ، والإسلام لم يأتِ بشيء في تلك الاُمور غير ما عند العقلاء ، فمقتضى سلطنتهم عليهم السلام وولايتهم على تلك الأرضين ، عدم جواز إحيائها إلاّ بإذنهم على جميع الاحتمالات .
ثمّ لو لم يثبت الإذن منهم ، فهل للفقيه ذلك ؟
قد يقال : إنّ الفقيه نائب عنه عليه السلام فيما يرجع إلى اُمور المسلمين ، التي تكون وظيفة الإمام عليه السلام بما هو رئيس المسلمين ، أن يتصدّى لها ، لا في اُموره الشخصية وأملاكه الشخصية ، والمقام - كسهم الإمام عليه السلام - من هذا القبيل(1) .
وفيه ما لا يخفى ؛ ضرورة أنّ موات الأرض وسهم الإمام ، لو كانت من أملاكه الشخصية ، لا بدّ وأن تورث ، والضرورة على خلافه ، فلا بدّ من القول : بملك الجهة ، والإمام وليّها ، أو بعدم الملك ، وهو الوليّ لها .
ومن الواضح أنّ سهم الإمام عليه السلام ، وكذا تلك الأرضون التي هي من الدولة الإسلامية ، أمرها بيد السلطان بما هو سلطان ووالٍ ، وكلّ ما كان كذلك ، فالفقيه وليّ-ه من قبل المعصومين عليهم السلام ، فلا إشكال في أنّ للفقيه الإذن فيما كان للإمام ذلك في تلك الجهات العامّ-ة المربوطة ببيت مال المسلمين ، أو بحدود بلادهم .
ثمّ إنّ ما ذكرناه في الأخبار الواردة في أنّ الأرض أو الدنيا وما عليها للإمام عليه السلام - من أنّ الأقرب حملها على ولاية التصرّف - ليس المراد منها هذا
ص: 26
النحو من الولاية التي هي للسلطان ، حتّى تتوقّف تصرّفات الناس على إذنه ، بل المراد أنّ اللّه تعالى أعطاهم اختيار التصرّف في أنفس الناس ، وفي أموالهم ، وجميع ما في الأرض ، وإن كانت الأموال لأصحابها ، ولهم التصرّف فيها بلا إذن .
نعم ، بعد تسليم صدور الروايات ، للإمام عليه السلام - على هذا الفرض - منعهم عن التصرّف ، ففرق بين الولاية السلطانية ، وبين تلك التي سمّيناها : «ولاية» وهي اختيار التصرّف بما شاؤوا .
وأمّا ظواهر تلك الروايات ، فهي ضرورية البطلان ، ومخالفة للكتاب والسنّة وفتاوي الفقهاء ، ولازمها مفاسد واُمور قبيحة ، يزرى بها المذهب الحقّ .
ويمكن حملها على أ نّه لمّا كانت الأرض مواتاً في الأصل وفي بدء الأمر ، والموات أمرها بيد الإمام عليه السلام ، كانت للإمام أصالة ، ولا ينافي ذلك كون الإحياء موجباً لملكية المحيي بعد الإذن العامّ من وليّ الأمر ، هذا كلّه بحسب القواعد .
وقد عرفت : أنّ جواز التصرّف ونفوذه في الموات ، موقوف على إذن النبي صلي الله عليه و آله وسلم ، أو الإمام عليه السلام (1) ، فهل أذن المعصومون عليهم السلام في التصرّف فيها تحجيراً وإحياءً ؟
وعلى فرضه ، هل الإذن مخصوص بالشيعة ، أو يعمّ المسلمين ، أو يعمّ الناس ؟
يظهر من جملة من الروايات اختصاص الإذن بالشيعة ، وهي بين ضعيف
ص: 27
السند مطروح الظاهر ، كرواية عمر بن يزيد ، المشترك بين الضعيف(1) والثقة(2) ، المشتملة على أنّ الأرض كلّها لهم عليهم السلام .
وفيها : «كلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون ، ومحلّل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا ، فيجبيهم طَسْق ما كان في أيديهم ، وترك الأرض في أيديهم ، وأمّ-ا ما كان في أيدي غيرهم ، فإنّ كسبهم من الأرض حرام عليهم»(3) .
وكرواية يونس بن ظبيان(4) ، أو المعلّى بن خنيس(5) ، المشتملة على أنّ ما سقت ثمانية أنهار أو استقت منها فهو لهم ، وفيها : «وما كان لنا فهو
ص: 28
لشيعتنا ، وليس لعدوّنا منه شيء»(1) .
وكالمنقولة عن «تفسير فرات بن إبراهيم»(2) .
وبين ضعيف السند غير ظاهر الدلالة ، كرواية الحارث بن المغيرة ، قال : دخلت على أبي جعفر عليه السلام . . . وفيها : «يا نجيّ-ة ، إنّ لنا الخمس في كتاب اللّه ، ولنا الأنفال ، ولنا صفو المال ، وهما - واللّه - أوّل من ظلمنا حقّنا
في كتاب اللّه . . .» .
إلى أن قال : «وإنّ الناس ليتقلّبون في حرام إلى يوم القيامة بظلمنا أهلَ البيت . . .» إلى أن قال : «اللهمّ إنّا قد أحللنا ذلك لشيعتنا» .
قال : ثمّ أقبل علينا بوجهه ، فقال : «يا نجيّ-ة ، ما على فطرة إبراهيم غيرنا وغير شيعتنا»(3) .
أمّا ضعف السند ، فبجعفر بن محمّد بن حكيم(4) .
ص: 29
وأمّا عدم ظهور الدلالة ، فلأنّ قوله عليه السلام : «إنّ الناس ليتقلّبون في حرام» لم يتّضح منه أنّ ذلك لأجل غصب الخمس فقط ، أو لأجله مع صفو المال ، أو لأجلهما مع الأنفال .
نعم ، لا يبعد ظهور قوله عليه السلام : «اللهمّ إنّا قد أحللنا . . .» إلى آخره ، في الحصر بالشيعة ، ولا سيّما مع قوله عليه السلام : «ما على فطرة إبراهيم . . .» إلى آخره ، وأمّا التحريم على غيرهم فلا تدلّ عليه .
وكرواية الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام ، وفيها : «إنّ اللّه جعل لنا أهل البيت سهاماً ثلاثة في جميع الفيء ، فقال تعالى : (وَاعْلَمُوا أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ . . .) . . .» .
إلى أن قال : «فنحن أصحاب الخمس والفيء ، وقد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا»(1) .
فإنّ الظاهر من «الفيء» فيها هو الخمس ؛ لاستشهاده بالآية ، وقوله عليه السلام : «لنا سهاماً ثلاثة» .
وأمّا قوله عليه السلام : «فنحن أصحاب الخمس والفيء ، وقد حرّمناه» فالظاهر - بقرينة ما تقدّم ، وإرجاع الضمير المفرد إليه - وحدتهما .
وكيف كان : هي ضعيفة السند(2) والدلالة .
ص: 30
وأمّا صحيحة الفضيل ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، وفيها : «قال أمير المؤمنين عليه السلام لفاطمة I : أحلّي نصيبك من الفيء لآباء شيعتنا»(1) فالظاهر منها هو فدك ، وهي لم تكن مواتاً .
نعم ، في رواية علي بن أسباط(2) تحديده بحدود دخل فيها كثير من الموات ، لكنّها مرسلة ، أو في سندها السيّاري ، وهو ضعيف جدّاً (3) ، ومتنها مختلف ، فراجع ، مع أ نّها لا تدلّ على التحريم على غير الشيعة .
كما أنّ رواية عمر بن يزيد قال : سمعت رجلاً من أهل الجبل يسأل أبا عبداللّه عليه السلام : عن رجل أخذ أرضاً مواتاً تركها أهلها ، فعمّرها وكرى أنهارها ، وبنى فيها بيوتاً ، وغرس فيها نخلاً وشجراً .
قال : فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : من أحيا أرضاً من المؤمنين فهي له ، وعليه طسقها ، يؤدّيه إلى الإمام في حال الهدنة ، فإذا ظهر القائم فليوطّن نفسه على أن تؤخذ منه»(4) .
ص: 31
غير معتمدة ؛ لاشتراك عمر بين الثقة وغيره(1) ، ولاحتمال كون المراد من قوله عليه السلام : «من أحيا أرضاً» هو الأرض المسؤول عنها ؛ أي الخربة بعد العمارة ، وهي خارجة عمّا نحن بصدده .
مع أ نّها مشتملة على أداء الطسق ، وهو خلاف الفتوى ، وأنّ قوله عليه السلام : «فإذا ظهر القائم . . .» إلى آخره ، مخالف لما دلّت على أنّ الأرض متروكة في أيدي الشيعة عند الظهور(2) ، ولسائر الروايات الواردة في التحليل(3) ، فالمقصود منها تحليل الخمس ، سواء ذكر فيها لفظ «الخمس» أم لم يذكر .
وقد تحصّل ممّا ذكر : أ نّه لم يثبت اختصاص الإذن بالشيعة .
وأضعف من احتمال ذلك ، احتمال الاختصاص بالمسلمين(4) ؛ وذلك لعدم الدليل عليه .
وأمّا رواية الكابلي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «وجدنا في كتاب علي عليه السلام : (إِنَّ الْأَرْضَ للّه ِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَا لْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) : أنا وأهل بيتي الذين أورثنا اللّه الأرض ، ونحن المتّقون ، والأرض كلّها لنا ، فمن أحيا أرضاً من المسلمين فليعمرها ، وليؤدّ خراجها . . .» (5) إلى آخرها .
ص: 32
فمع ضعف سندها بالكابلي(1) وإن صحّحها بعض(2) ، واشتمالها على ما لا نقول به من وجوه ، لا تدلّ على الاختصاص ؛ لعدم المفهوم حتّى ينفى غير المسلم ، مع أ نّه لو حملت على الأرض الخراجية ، فهي خارجة عن البحث .
وأمّا النبويان : «مَوَتان الأرض للّه ورسوله ، ثمّ هي لكم منّي أيّها المسلمون»(3) .
و«عادي الأرض للّه ولرسوله ، ثمّ هي منّي لكم»(4) .
ففيهما : مع عدم كونهما من طرقنا ، ومخالفة ظاهرهما للروايات الواردة من طريق أهل البيت عليهم السلام بأنّ الأنفال للّه ، ورسوله صلي الله عليه و آله وسلم ، وللأئمّة عليهم السلام . . . وعدّ فيها موات الأرض ، ولهذا قد يختلج بالبال أنّهما من الموضوعات ، قبال ما ورد في أهل البيت عليهم السلام ولا سيّما مع هذا التعبير : «ثمّ هي لكم منّي» المنافي لكونها للأئمّة بعد الرسول صلي الله عليه و آله وسلم .
ومع مخالفة ظاهرهما للواقع ؛ فإنّ الموتان إن كانت ملكاً لرسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم كسائر أملاكه الشخصية ، فلا بدّ وأن يكون قوله صلي الله عليه و آله وسلم : «هي لكم» تمليكاً لهم ،
ص: 33
فخرجت بذلك عن ملك اللّه ورسوله ، وهو كما ترى .
مع أنّ الظاهر أنّ كلّها لكلّ واحد من المسلمين ، وهو باطل بالضرورة ، فلا بدّ من الحمل على أنّ كلّ من أحيا شيئاً منها فهو له ، وهو خلاف ظاهر في خلاف ظاهر .
أنّ الإذن في الإحياء للمسلمين لا ينافي الإذن لغيرهم ، فلا تدلاّن على الاختصاص بالمسلمين ، فلو دلّ دليل على الإذن لغيرهم نأخذ به .
وتدلّ على الإذن لمطلق الناس - ولو كان كافراً - روايات :
منها : صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألته عن الشراء من أرض اليهود والنصارى .
قال : «ليس به بأس ، وقد ظهر رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم على أهل خيبر ، فخارجهم على أن يترك الأرض في أيديهم يعملون بها ويعمرونها ، وما بها بأس ولو اشتريت منها شيئاً ، وأيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض أو عملوه فهم أحقّ بها ، وهي لهم»(1) .
فإنّ إطلاق الصدر ، يقتضي جواز الشراء منهم في صورة الإحياء والتعمير ، كما أنّ الكبرى الكلّية في الذيل بتعبير : «أيّما قوم» أي مسلمين كانوا ، أو نصارى ، أو غيرهما ، تدلّ على أنّ الإحياء سبب تامّ ، من غير دخالة شيء آخر
ص: 34
في الأرض الموتان ، وأنّ العمل في الأرض الخربة التي لا ربّ لها ، سبب تامّ في تحقّق الاستحقاق والملكية .
واستشهاده عليه السلام بما فعل رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم ، تقريب لعدم الفرق بين الطوائف في هذه الاُمور ، فكما أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم ترك الأرضين في أيديهم ؛ ليعملوا بها ويعمروها ، فصاروا مستحقّين بذلك ، من غير فرق بينهم وبين المسلمين ، كذلك الإحياء والتعمير للأرض الموات بالذات أو بالعرض ، فلا فرق فيما ذكر كلّه بين قوم وقوم .
وتوهّم : أنّ الاستشهاد دليل على أنّ الأرض المسؤول عنها ، كانت من الأرضين الخراجية .
مدفوع : بمخالفته لصدرها وذيلها ، ولا سيّما مع الكبرى المصدّرة ب- «الواو» والمؤكّدة ب «أيّما قوم» ولا سيّما مع عدم الاكتفاء بقوله عليه السلام : «فهم أحقّ بها» بل أردف به قوله عليه السلام : «وهي لهم» لدفع توهّم أنّ لهم الاستحقاق فقط .
والإنصاف : أنّ الرواية ظاهرة جدّاً في التعميم ، بل لا يبعد الاختصاص بالأرض غير الخراجية سؤالاً وجواباً ، كما هو ظاهر الذيل مع العناية بذكر «هي لهم» بعد ذكر الاستحقاق ، وكان ذلك قرينة على ما ذكر ، فتدبّر .
نعم ، يقع الكلام فيها وفي روايات اُخر ، كرواية ابن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام : «أيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض وعمروها ، فهم أحقّ بها ، وهي لهم»(1) ، ورواية الفضلاء ، عن أبي جعفر وأبي عبداللّه H ، عن رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم :
ص: 35
«من أحيا أرضاً مواتاً فهي له»(1) ونحوهما : في أنّ وزانها وزان «من اشترى شيئاً فهو له» في أنّ الاشتراء بشرائطه موجب لذلك ، ولا إطلاق له حتّى يقال : «لو اشترى من الفضولي أو الغاصب يملكه» فلا ينافي ذلك اشتراط الاشتراء بشيء آخر ؟
فقوله صلي الله عليه و آله وسلم : «من أحيا أرضاً مواتاً فهي له» لا يدلّ على عدم اشتراطه بشيء آخر ، ولا إطلاق له ، فلا تدلّ تلك الروايات على عدم اعتبار الإذن ، ولا على صدوره ممّن له ذلك ؟
أو أنّ لها إطلاقاً ، فتدلّ على أنّ تمام السبب هو الإحياء ، ولا يحتاج إلى شيء آخر ؛ من الإذن من الإمام عليه السلام ، أو من نائبه ؟
والإنصاف : أنّ الإطلاق فيها في غاية القوّة ، ولا سيّما مع مناسبات مغروسة في الأذهان ، ولا ينقدح من هذا الكلام - في الأذهان الخالية عن المناقشات العلمية - احتمال دخالة شيء آخر في الاستحقاق أو التملّك ، وكذا من نحو «من حاز ملك»(2) ولا يقاس ذلك بالاشتراء الذي كانت له شرائط مقرّرة عند العقلاء .
هذا ، مع أنّ صحيحة ابن مسلم المتقدّمة ، الدالّة على جواز الاشتراء من اليهود
ص: 36
والنصارى ، أقوى شاهد على عدم اعتبار الإذن ، وعلى فرض اعتباره على صدور الإذن من وليّ الأمر ، وهو اللّه تعالى ، أو رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم ، كما أشارت إليه موثّقة السكوني(1) ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم : من غرس شجراً ، أو حفر وادياً بديّاً لم يسبقه إليه أحد ، أو أحيا أرضاً ميتة فهي له ؛ قضاء من اللّه ورسوله»(2) .
فإنّ قضاء اللّه ورسوله غير الحكم الشرعي ظاهراً ، بل قضاء من وليّ الأمر ، ولا سيّما مع عطف قضاء الرسول على قضاء اللّه ؛ فإنّ حكم اللّه ليس حكماً لرسول اللّه ، لكن في مورد الولاية يصحّ قضاء الوليّين وحكمهما .
ويدلّ على الإذن العامّ : بعض الروايات الواردة في استحباب الزرع ، كالمرويّ عن «رسالة المحكم والمتشابه» نقلاً عن «تفسير النعماني» بإسناده عن علي عليه السلام في حديث عدّ معايش الخلق قال : «وأمّا وجه العمارة فقوله تعالى : (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)(3) فأعلمنا سبحانه أ نّه قد أمرهم بالعمارة ؛ ليكون ذلك سبباً لمعايشهم بما يخرج من الأرض ؛ من الحبّ والثمرات وما شاكل ذلك ، ممّا جعله اللّه معايش للخلق»(4) وغيرها .
ص: 37
ثمّ إنّ الظاهر حصول الملكية بالإحياء لكلّ محيٍ ، مسلماً كان أم غيره ؛ للأخبار الصحاح المتظافرة بتعبيرات متقاربة ، كقول رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم : «من أحيا أرضاً مواتاً فهي له» كما في رواية الفضلاء(1) وغيرها (2) .
وكموثّقة السكوني المتقدّمة(3) فإنّ لها ظهوراً قويّ-اً لو كان المراد بقوله صلي الله عليه و آله وسلم : «هي له» جميع ما تقدّم من الشجر والبئر والأرض المحياة ، كما هو ظاهر العطف ؛ فإنّ الشجر ملك للغارس بلا إشكال ، فكذا غيره .
نعم ، لو كان المراد بيان مصاديق الإحياء ، وقوله صلي الله عليه و آله وسلم : «أو أحيا أرضاً» من قبيل ذكر العامّ بعد الخاصّ ، لكان ظهورها كغيرها ، لكنّه خلاف الظاهر ، فالظاهر أنّ الغرس والبئر له ، كما أنّ الأرض المحياة له .
وكصحيحة ابن مسلم : «أيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض وعمروها فهم أحقّ بها ، وهي لهم»(4) .
فإنّ إرداف قوله عليه السلام : «وهي لهم» بقوله عليه السلام : «أحقّ بها» يجعل الظهور قويّاً في الملكية ؛ ضرورة أنّ قوله عليه السلام : «أحقّ بها» يفيد الأحقّية الأعمّ من الملكية ،
ص: 38
فقوله عليه السلام : «وهي لهم» كأ نّه لدفع توهّم عدم حصول الملك .
وكصحيحته الاُخرى المتقدّمة(1) المشتملة على الاشتراء من أرض اليهود والنصارى ، فإنّ الظاهر جواز اشتراء نفس الأراضي ، فلا بدّ أن تكون ملكاً لهم .
ثمّ قوله عليه السلام : «وأيّما قوم . . .» إلى آخره ، الوارد في ذيلها ، يؤكّد ظهورها .
والإنصاف : أنّ ظهور الروايات في الملكية ممّا لا ينبغي إنكاره ، وليس من قبل ظهور «اللام» فقط ، بل لمكان القرائن الحافّة بها أيضاً .
وفي قبالها روايتا الكابلي وعمر بن يزيد المتقدّمتان(2) ، وهما ظاهرتان في عدم الملكية ظهوراً لا ينكر أيضاً ، وليس بين الطائفتين جمع عقلائي .
لكنّ الذي يسهّل الخطب أنّ الروايتين غير معتمدتين ؛ لوجوه : كضعفهما ، وإعراض المشهور عن ظاهرهما ، فهما من «الشاذّ النادر» الذي هو «بيّن الغيّ» فإنّ الظاهر منهما عدم مالكية الشيعة أيضاً ، كما أنّ ظاهرهما أنّ الأرض كلّها للإمام عليه السلام .
وببعض ما ذكر يجاب عن رواية عمر بن يزيد الاُخرى(3) الظاهرة في أنّ المؤمنين لا يملكون بالإحياء ، مع أنّ ذيلها يخالف الروايتين السابقتين ، كما أنّ بينهما اختلافاً يمكن رفعه ، والأمر سهل ، وتتمّة الكلام وفروعه موكولة إلى محلّها .
ص: 39
أي لا من معمّر ، فهي أيضاً من الأنفال ، كما تدلّ عليه جملة من الروايات(1) .
نعم ، حكي عن صاحب «الجواهر» قدّس سرّه : أنّ مقتضى الجمع بين مثل موثّقة إسحاق بن عمّار(2) وبين مرسلة حمّاد(3) أنّ الأرض العامرة ليست من الأنفال ، بل هي من المباحات الأصلية(4) وقد وقع كلامه محلاًّ للنقض والإبرام(5) .
ص: 40
وقبل الورود في البحث ، لا بدّ من ذكر أمر لعلّه يدفع به النزاع ، وهو أنّ المتفاهم من مجموع روايات الباب ، أنّ ما للإمام عليه السلام ، هو عنوان واحد منطبق على موارد كثيرة ، والملاك في الكلّ واحد ؛ وهو أنّ كلّ شيء - أرضاً كان أو غيرها - إذا لم يكن له ربّ ، فهو للوالي ، يضعه حيث شاء في مصالح المسلمين .
وهذا أمر شائع بين الدول أيضاً ، فالمعادن والآجام والأرض عامرة كانت أو غيرها إن لم يكن لها ربّ ، وإرث من لا وارث له والبرّ والبحر والجوّ ، كلّها للدول ، وإن شئت قلت : إنّها مُؤمّمة ، والدول أولياء اُمورها لمصالح الاُمم ، والإسلام لم يأتِ في ذلك بشيء جديد ، مغاير لهذا الأمر الشائع بين الدول ، وإن أجاز النبي صلي الله عليه و آله وسلم إحياء الأرض الموات ، وحيازة الآجام ونحوها ، والعمارة فيها ، وقضى بأنّ كلاًّ من الإحياء والحيازة مملّك ، كما تفعل ذلك سائر الدول أحياناً .
نعم ، لمّا كان النبي صلي الله عليه و آله وسلم ، وليّ الأمر في الأرض كلّها ، وبعده يكون الإمام عليه السلام كذلك ، كان حال جميع الأرض بالنسبة إليه وإلى أوصيائه ، حال قطعة منها بالنسبة إلى واليها ، فما لا ربّ له من الأرض فهو للنبي والوصيّ ؛ بالمعنى الذي أشرنا إليه سابقاً (1) .
فرؤوس الجبال وبطون الأودية وكلّ أرض خربة والآجام والمعادن والأرض التي باد أهلها أو جلوا عنها وإرث من لا وارث له ، كلّها للإمام عليه السلام ، لا بعناوين مختلفة وبملاكات عديدة ، بل بملاك واحد ؛ هو عدم الربّ لها .
فلا دخالة لشيء من العناوين المذكورة بما هي في ذلك ، بل تمام الموضوع
ص: 41
هو أمر واحد ، وتلك مصاديقه ، بل لو باد أهل قرية عامرة بالعرض ، ولم يكن للملاّك ورثة ، فهي أيضاً للإمام عليه السلام بعنوان «أ نّها لا ربّ لها» وإن انطبق عليها «إرث لا وارث له» .
فرؤوس الجبال إذا كان لها ربّ ، لا شبهة في أ نّها ليست له عليه السلام ، كبطون الأودية وغيرها ممّا لها ربّ .
فكلّ شيء إمّا له ربّ أو لا : فالأوّل : لربّه لا للإمام عليه السلام ، والثاني : للإمام عليه السلام .
بل لا يبعد كون ما في البحر كالسمك والمرجان وغيرهما ، وما في البرّ - كالوحوش - كذلك ، وإن كان الأقرب أ نّها من المباحات ، وإن جاز للوالي منع الاصطياد برّاً وبحراً ؛ لمصالح الاُمّة .
نعم ، الظاهر أنّ الأرض التي تركها أهلها من خوف المسلمين ، وأخذها المسلمون من غير عنوة ، وكذا الأرض المغنومة عنوة بلا إذن الإمام عليه السلام ، هي له عليه السلام ، وإن لم يعرض عنها أهلها .
وأنت إذا راجعت الروايات على كثرتها ، ترى أنّ ما ذكرناه هو الموافق لفهم العرف ، والمنطبقة عليه الأخبار ، ولا سيّما مع تداول ذلك بين سائر الدول ، وعليه فلا يبقى مجال لما عن صاحب «الجواهر» قدّس سرّه ، ولا للمناقشات التي حوله ؛ فإنّ الموتان والعمران لا دخالة لهما في ذلك .
بل مع الغضّ عن ذلك أيضاً ، لا مجال له بالنظر إلى مضمون مرسلة حمّاد ؛ فإنّ الظاهر من قوله عليه السلام فيها : «وله رؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام ، وكلّ أرض ميتة لا ربّ لها»(1) أنّ المقصود بيان التعميم في العامرة وغيرها ؛ فإنّ
ص: 42
الآجام وكثيراً من بطون الأودية ورؤوس الجبال ، من العامرات بالأصالة ، وليس المراد من «الآجام» نفس الأشجار الملتفّة ، بل الظاهر أنّ المراد هي والأرض الشاملة لها ولو بمساعدة المناسبات .
فحينئذٍ يكون التوصيف ب- «الميتة» للتنبيه على دخول الموتان أيضاً في ماله ، كدخول بطون الأودية العامرة والآجام ، فلا يبقى مجال لتوهّم المفهوم(1) كما لا يخفى .
ثمّ مع الغضّ عمّا ذكر ، وعن عدم المفهوم للوصف مطلقاً ، لا مفهوم له في المقام ؛ لما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه : من كون الوصف ورد مورد الغالب(2) .
ولا يرد عليه ما أفاده بعض المحشّين : من أنّ الإطلاقات أيضاً منزّلة على الغالب بعين هذا الوجه ، فكما أنّ ذكر هذا الوصف يقال : إنّه للغلبة ، كذلك نقول : إهماله مع اعتباره هناك ؛ لمكان الغلبة ، فلا إطلاق يعمّ العامرة(3) .
وذلك لأنّ حديث مانعية الغلبة عن الإطلاق - لو صحّ - إنّما هو في باب الإطلاقات ، لا العمومات ، وما نحن فيه - وهو قوله عليه السلام : «كلّ أرض لا ربّ لها» في روايتي إسحاق(4) وأبي بصير(5) - من قبيل العموم، ولفظه يشمل الغالب وغيره .
ص: 43
مع أنّ ما ذكره لا يتمّ في الإطلاق أيضاً ؛ إذ ليس من مقدّماته عدم الغلبة .
نعم ، لو وصلت إلى حدّ الانصراف لتمّ ما ذكر ، لكنّها ليست كذلك في المقام .
والسرّ في أنّ الغلبة مانعة عن المفهوم ، لا عن الإطلاق ، أنّ المفهوم متوقّف على دعوى أنّ القيد في الكلام - وصفاً كان أم غيره - لا بدّ له من فائدة ؛ صوناً لكلام الحكيم ، والفائدة هي دخالة القيد في الحكم ، وعدم البديل له ، وإذا كان لذكر القيد نكتة - ككونه قيداً غالبياً يتعارف التعبير عنه - فلا مفهوم له .
وأمّا الإطلاق فلا تضرّه الغلبة ؛ لأنّ معناه أنّ ما أخذه المتكلّم في موضوع حكمه ، هو تمام الموضوع له بلا قيد ، وغلبة الأفراد وعدمها بل نفس الأفراد عند إلقاء الكلام مغفول عنها ؛ فإنّ الطبيعة المأخوذة في الكلام ، لا تحكي عن الأفراد ، بل لا يعقل أن تحكي عنها ، فلا وجه لكون الغلبة مانعة عن الإطلاق ، وحديث الانصراف أمر آخر ليس المقام مورده .
فتحصّل : أنّ الغلبة مانعة عن المفهوم ، دون الإطلاق .
وأمّا ما أفاده بعض آخر : من أ نّه على فرض تسليم عدم الغلبة ، للمنع عن التقييد أيضاً مجال ؛ لأنّ التقييد في المثبتين منوط بما إذا كان المطلوب صرف الوجود ، لا مطلق الوجود(1) .
ففيه إشكال واضح ؛ لأنّ التعارض بين مفهوم المرسلة(2) وسائر الروايات(3) ، بالإثبات والنفي ، فيكون من قبيل تقييد النافي للمثبت .
ص: 44
ثمّ إنّ الظاهر تملّك تلك الأراضي بالحيازة ، وكذا ما فيها من الأشجار والغابات وغيرها ؛ للسيرة القطعية من العقلاء والمسلمين بالنسبة إلى ما فيها ، بل وبالنسبة إليها أيضاً ، وهي متّصلة بعصر النبوّة وما قبله إلى ما شاء اللّه تعالى ،
وكان المسلمون يتعاملون معها معاملة الأملاك ، من غير فرق بين كون الحائز مسلماً أو غيره .
ومن ذلك تكون الروايات الواردة في تملّك الموات بالإحياء(1) ، موافقة للسيرة وارتكاز العقلاء ، بل هذه السيرة القطعية من أوّل تمدّن البشر - حيث تكون الملكية بالإحياء والحيازة من غير نكير من الأنبياء والأولياء والمؤمنين - كاشفة عن الإذن الإلهي ، وقضاء منه تعالى من بدء الخلقة .
بل لعلّ لقوله تعالى : (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ)(2) وقوله تعالى : (هُوَ الَّذِى خَلَقَ لَكُمْ مَا فِى الْأَرْضِ جَمِيعاً)(3) دلالةً على هذا القضاء الإلهي ، والإذن في أنحاء الاستفادة منها وممّا فيها ؛ تملّكاً وغيره .
وبعد هذا الارتكاز والسيرة العقلائية ، لا ينبغي الإشكال في دلالة النبوي : «من سبق إلى ما لا يسبقه إليه مسلم ، فهو أحقّ به»(4) ولا يرد عليه ما أوردوا :
ص: 45
تارة : بأنّ الإطلاق مسوق لبيان أحقّية السابق ، لا لبيان جواز السبق إلى ما لم يسبق إليه أحد(1) .
واُخرى : بأنّ السبق إلى ملك الغير خارج عنه ، ولو كان ذلك - كدليل الإحياء - إذناً مالكياً من الإمام عليه السلام ، للزم جواز السبق إلى سائر أملاكه ؛ إذ لا يختصّ هذا - كدليل الإحياء - بالأراضي الموات(2) .
وثالثة : بأنّ الأحقّية لا تقتضي الملكية وإن لم تنافها (3) .
وذلك لأ نّه مع هذا الارتكاز ، لا ينقدح في ذهن السامع من هذا الكلام إلاّ ما هو معهود عندهم ؛ من أنّ السبق إلى ما لا ربّ له موجب للأحقّية والملكية .
وحمل هذا الكلام على مثل الخانات والمدارس ونحوهما (4) ، خلاف الظاهر ؛ لأنّ الظاهر منه نفي السبق بقول مطلق ، ولا ينطبق ذلك إلاّ على الأرض الموات ، والآجام ، والغابات ممّا لم يسبق إليه سابق ، والحمل على مثل الخانات يحتاج إلى تأويل .
ومن ذلك يجاب عن الإشكال الأخير : بأنّ الأحقّية لا تقتضي الملكية ؛ فإنّ العرف يفهم من هذا الكلام ، أ نّه لبيان الموافقة لهم في ما هو المرتكز عندهم ، لا لردعهم عنه ، ونفي الملكية وعدم حصولها ردع لارتكازهم ، بخلاف حصول
ص: 46
الملكية ، فالمراد من الأحقّية هو تقدّم السابق في تملّك ما حازه ، وعدم جواز مزاحمة الغير له .
ولهذا ترى أ نّه في روايات إحياء الموات تكرّر - بعد قوله عليه السلام : «فهم أحقّ بها» - قوله عليه السلام : «وهي لهم»(1) وعبّر في سائر رواياتها عن الملكية ، تارة بقوله عليه السلام : «فهم أحقّ بها»(2) واُخرى بقوله صلي الله عليه و آله وسلم : «فهو له»(3) فكما أنّ الأحقّية هنا يراد منها الأحقّية في الملك ، كذلك هاهنا ، ولا سيّما مع شمول النبوي لمورد تلك الروايات ، التي لا إشكال في حصول الملكية فيه ، والتفكيك خلاف الظاهر ، وخلاف الارتكاز العقلائي .
وأمّا الإشكال الثاني ، فمندفع : بأ نّه بعد هذا الارتكاز ، وملاحظة ورود الرواية مورد سائر الروايات ، لا يتوهّم أحد شموله للملك الخاصّ بشخص الإمام عليه السلام ، بل يحمل على ما له بعنوان الإمامة ؛ ممّا لم يسبق إليه سابق ، وهو لا ينطبق إلاّ على الموات من الأرض والمحياة ذاتاً ، وعلى ما فيها من الأشجار والنباتات .
مضافاً إلى ما تقدّم : من أنّ الإمام عليه السلام وليّ الأمر بالنسبة إلى تلك الأراضي ونحوها ، لا أ نّه مالك كسائر الملاّك(4) .
فعليه يكون مثل هذا الكلام ، مسوقاً لإجازة وليّ الأمر للسبق بالتملّك ، أو لبيان القضاء الإلهي ، أو حكمه ، ولا شبهة في صدق : «ما لم يسبق إليه
ص: 47
مسلم» عليها ، دون أموال الإمام عليه السلام .
وأمّا التعبير بال- «مسلم» فجارٍ مجرى العادة ظاهراً ، نحو قوله صلي الله عليه و آله وسلم : «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ بطيبة نفسه»(1) فلا يفهم منه التقييد والاحتراز .
والإنصاف : أ نّه لولا ضعف السند(2) ، لم يكن إشكال في الدلالة .
وتدلّ على المقصود جملة من الروايات ، كصحيحة ابن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال فيها : «وأيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض أو عملوه ، فهم أحقّ بها ، وهي لهم»(3) .
وصحيحته الاُخرى عنه عليه السلام : «أيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض أو عمروها ، فهم أحقّ بها»(4) وقريب منهما غيرهما (5) .
فإنّ التعمير والعمل في مثل محالّ الآجام والغابات ، موجبان للملكية ، ولا شبهة في صدقهما في نحوهما لو لم نقل بصدق «الإحياء» أيضاً .
وفي موثّقة السكوني ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم : من
ص: 48
غرس شجراً ، أو حفر وادياً بديّاً لم يسبقه إليه أحد ، أو أحيا أرضاً ميتةً فهي له ؛ قضاء من اللّه ورسوله»(1) .
ولا إشكال في فهم المثالية من قوله صلي الله عليه و آله وسلم : «غرس شجراً ، أو حفر وادياً» فيفهم منه أنّ كلّ عمل - من حفر بئر ، أو إحداث بستان ، أو بيت ونحوها - موجب للملكية .
وفي ذيل صحيحة معاوية بن وهب : «فإنّ الأرض للّه ولمن عمرها»(2) .
فلا إشكال في صدق «التعمير» على إزالة الغابات والآجام عن الأرض ، وجعلها بستاناً أو داراً أو نحوهما .
ولا إشكال في كونها للإمام عليه السلام إذا كانت من العامرة بالذات ، ثمّ صارت مواتاً قبل أن يحدث فيها ما يوجب ملكيتها لأحد؛ لعدم سبب للخروج عن ملكه.
وأمّا ما عرضها الموات بعد التملّك بوجه ، وكذا الموات بالأصل إذا صارت ملكاً بالإحياء ، ثمّ عرضها الموات ، فهل هي باقية على ملكه مطلقاً ، ويتوقّف جواز التصرّف على إذنه ؟
أو زالت ملكيته مطلقاً ، وصارت ملكاً للإمام عليه السلام ولمن عمّرها ؟
ص: 49
أو باقية على ملكه ، لكن يجوز للغير الإحياء ، وبه يصير أحقّ بها ، وعليه اُجرة الأرض ؟
أو تزول إذا كان تملّكها بالإحياء ، وتبقى إذا كان تملّكها بالشراء ونحوه ؟
وفي الفرض الأخير ، هل للمحيي أحقّية التصرّف أو لا ؟
وجوه وأقوال ، لا شاهد يعتمد عليه في شيء منها .
والتحقيق : التفصيل بين ما إذا أعرض المحيي الأوّل عنها ، فتصير للإمام عليه السلام ولمن عمّرها ، وبين غيره ، فتبقى على ملكه ، ولا يجوز التصرّف فيها إلاّ بإذنه ، وعلى الثاني اُجرة مثل الأرض ، ويجب عليه تسليمها إلى الأوّل لو طالب بها .
وما ذكرناه هو مقتضى الجمع العرفي بين الروايات ، كما هو مقتضى القواعد .
وقبل الرجوع إلى روايات الباب ، لا بدّ من الإشارة إلى ما قدّمناه(1) ؛ وهو أنّ مقتضى الجمع بين الروايات الواردة في الأنفال ، أنّ ما للإمام عليه السلام من الأراضي ، هي التي لا مالك لها ، فقد وردت روايات : بأنّ كلّ أرض خربة فهي لرسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم ، وللإمام عليه السلام ، كصحيحة حفص بن البختري(2) ومحمّ-د بن مسلم(3) وغيرهما (4) وروايات كثيرة اُخرى مع قيد ووصف ،
ص: 50
كقوله عليه السلام : «كلّ أرض جلا أهلها»(1) .
وقوله عليه السلام : «كلّ قرية يهلك أهلها أو يجلون عنها»(2) .
وقوله عليه السلام : «وما كان من الأرضين باد أهلها»(3) .
وقوله عليه السلام : «كلّ أرض خربة قد باد أهلها»(4) .
وقوله عليه السلام : «هي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها»(5) .
وقوله عليه السلام : «هي القرى التي قد جلا أهلها وهلكوا فخربت»(6) .
وقوله عليه السلام : «كلّ أرض لا ربّ لها ، وكلّ أرض باد أهلها»(7) .
ص: 51
وقوله عليه السلام : «كلّ أرض ميتة قد جلا أهلها»(1) . . . إلى غير ذلك(2) ؛ ممّا يكون كثير منها في مقام التحديد ، الظاهر في دخالة القيد ووجود المفهوم ، فتقيّد به المطلقات ، ولا سيّما مع ما ذكرنا سابقاً : من البناء عند جميع الدول على أنّ ما ليس له مالك فهو للدولة ، أو هو مؤمّم(3) .
بل ولو لم تكن تلك المقيّدات أيضاً ، لم ينقدح في الأذهان من نحو قوله عليه السلام : «كلّ أرض خربة فهو من الأنفال» (4) أنّ المراد به هي الأراضي أو البيوت التي كان لها مالك ، وأنّ مجرّد عروض الخراب على ملك ، موجب لخروجه عن ملك صاحبه ، بل لا يفهم من الأرض الخربة إلاّ الأرض التي تركها أهلها أو بادوا ، والإنصاف أنّ ما ذكرناه في غاية الوضوح .
فحينئذٍ نقول : إنّ ما وردت في الباب لها جمع عقلائي عرفي ؛ فإنّ صحيحة معاوية بن وهب(5) ورواية الكابلي(6) فرض فيهما أنّ صاحبها تركها :
ص: 52
قال في الاُولى : «فإن كانت أرض (الأرض خ . ل) لرجل قبله ، فغاب عنها وتركها فأخربها ، ثمّ جاء بعدُ يطلبها ، فإنّ الأرض للّه ولمن عمّرها» .
وفي الثانية : «فمن أحيا أرضاً من المسلمين فليعمرها ، ويؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي ، وله ما أكل منها ، فإن تركها وأخربها ، فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمّرها وأحياها ، فهو أحقّ بها من الذي تركها» .
فمورد هاتين مع الإشكال من جهات في الثانية ، هو الترك ، ومعلوم أنّ المراد به هو رفع اليد عن الملك والإعراض عنه ، وإلاّ فمن غاب وذهب إلى سفر ، يريد الرجوع عنه إلى محلّه وتعمير الخربة ، لا يقال : «إنّه غاب عنها وتركها» .
واحتمال أنّ المراد به هو ترك التعمير(1) ، لا يناسب ما في صحيحة معاوية وإن لم يبعد في رواية الكابلي ، لكن ترك الأرض - بقول مطلق - دليل على الإعراض ، وإلاّ فمن ترك زراعة أرض في سنة أو سنتين ، لا يقال : «إنّه تركها وأخربها» .
مع أنّ رواية الكابلي مخالفة للنصّ والفتوى من جهات ، فلا يعتمد عليها ، وظاهر الصحيحة ما ذكرناه ، ولا سيّما مع المناسبات المغروسة في الأذهان ، ومع ملاحظة الروايات المتقدّمة ؛ ممّا لا شبهة في دلالة نحو قوله عليه السلام فيها «انجلى» أو «جلا أهلها» على الإعراض .
ويؤيّد ذلك : أنّ التعبير في الصحيحة : بأنّ الأرض كانت «لرجل قبله فغاب» بصيغة الماضي ، وأنّ قوله عليه السلام : «ثمّ جاء بعدُ يطلبها» لم يفرض فيه كونه
ص: 53
صاحبها ، بخلاف الصحيحتين الآتيتين ، حيث فرض فيهما كونه صاحبها .
وأمّا صحيحة سليمان بن خالد قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل
يأتي الأرض الخربة ، فيستخرجها ويجري أنهارها ، ويعمرها ويزرعها ، ماذا عليه ؟
قال : «الصدقة» .
قلت : فإن كان يعرف صاحبها ؟
قال : «فليؤدّ إليه حقّه»(1) .
وصحيحة الحلبي المنقولة عن «نوادر ابن عيسى» قال : سألته عن أرض خربة ، عمّرها رجل ، وكسح أنهارها ، هل عليه فيها صدقة ؟
قال : «إن كان يعرف صاحبها فليؤدّ إليه حقّه»(2) .
فلم يكن موردهما هو الإعراض ، بل الظاهر من الثانية ومن ذيل الاُولى عدمه ، فيكون وجوب أداء حقّه إليه دليلاً على بقاء ملكيته ، سواء كان المراد به نفس الأرض فقط كما لا يبعد ، أو اُجرة المثل ، ويجب إرجاع الأصل إليه أيضاً على القواعد ، بعد عدم دلالة الروايتين المتقدّمتين على خلافها .
والإنصاف : أنّ هذا الجمع عقلائي ، موافق للقواعد ، وللروايات المتقدّمة ، ولارتكاز العقلاء .
ص: 54
ولو اُغمض عن هذا الجمع ، فيمكن أن يقال : لا إشكال في عدم اختصاص صحيحة معاوية بن وهب ورواية الكابلي بمورد عدم الإعراض ، بل مفادهما أعمّ منه ، ومجرّد مجيء الرجل وطلبه لا يدلاّن على عدمه ؛ إذ كثيراً ما يتّفق أنّ الذي ترك الأرض وأعرض عنها لخرابها ، إذا جاء ورأى التعمير وحصول المنافع ، يطلبها طمعاً بالمنافع ، وأمّا صحيحتا الحلبي وسليمان فظاهرهما عدم الإعراض ، فيقيّد بهما إطلاق السابقتين .
نعم ، هنا كلام ، وهو أنّ المفروض فيهما معرفة صاحبها ، فلا بدّ من التفصيل بين كون صاحبها معروفاً وغيره ، وإن لم يعرض عنها .
وهذا التفصيل وإن لم يكن بعيداً ؛ بأن يقال : إنّ الأرض المجهول مالكها ، أمرها بيد الإمام عليه السلام ، لكن مع عدم المفهوم للشرطية - لأنّ الشرط هنا نظير ما هو محقّق للموضوع - لا يساعد العرف على القيدية ، بل الظاهر منهما أنّ المراد التفصيل بين ما لها صاحب وغيره ، وأنّ الحقّ اللازم الأداء هو ما له صاحب ، لا ما له صاحب معروف .
إلاّ أن يقال : إنّ المقام من الموارد التي يمكن أن يكون لمجهول المالك حكم المعرض عنه ، ومع ذكر خصوص معروف المالك ، وعدم التنبيه على لزوم معاملة مجهول المالك فيما لا يعرف مالكه ، يفهم أ نّه مع عدم المعرفة لا مانع من التصرّف ، وعليه الصدقة ، والأرض له .
هذا ، وأمّا الوجوه التي ذكرت لسائر الأقوال ، فغير وجيهة ، ولا داعي لنقلها وانتقادها .
ص: 55
ثمّ إنّه لا بأس بذكر مقتضى الأصل في الأقسام الثلاثة ؛ إذ الحكم فيها مختلف ، فإنّ الموات بالأصل لمحييها بلا شبهة ، والموات التي عرضها الموتان بعد الإحياء محلّ خلاف ، كما تقدّم(1) .
فنقول : إن شكّ في أرض أ نّها ميتة بالأصل ، أو عرضها الموت بعد الحياة ، فإن كان الموضوع لحكم التملّك بالإحياء هو الأرض الميتة بالأصل ، أو الأرض التي لم يحيها محيٍ ، فيمكن إحرازه بالأصل ؛ فإنّ كلّ أرض مسبوقة بكونها ميتة ، وبعدم إحيائها بتصرّف محيٍ ، فيستصحب الموضوع ، ويترتّب عليه الحكم .
فيقال : «إنّ هذه الأرض - مشاراً إلى قطعة - كانت ميتة بالأصل ، فالآن كذلك» وحكمها أ نّه إذا أحياها محيٍ فهي له .
وأمّا إذا كان المستند قوله صلي الله عليه و آله وسلم : «من سبق إلى ما لا يسبقه إليه مسلم...»(2) أو قوله عليه السلام : «من . . . حفر وادياً بديّاً لم يسبقه إليه أحد . . . فهي له»(3) فالإحراز
ص: 56
بالأصل مشكل ؛ لأنّ استصحاب عدم سبق أحد ، لا يثبت عنوان «السبق إلى ما لا يسبقه» - وكذا عنوان «البديّ» - إلاّ بالأصل المثبت ، نظير ما يقال فيمن أدرك الركوع فقد أدرك الجماعة : من أنّ استصحاب بقاء الإمام في الركوع ، لا يثبت إدراك ركوعه(1) .
إلاّ أن يقال في المقام : إنّه لا دخل لعنوان «السبق» و«البديّ» في الحكم ، بل المراد منهما إحياء ما لم يسبقه أحد ، فحينئذٍ يجري الأصل .
ويمكن تقريب الأصل بوجه آخر ؛ بأن يقال : إنّ حفر البئر في هذه الأرض كان في زمان بديّاً ، والآن كذلك ، أو السبق إلى هذه كان ممّا لم يسبقه سابق ، والآن كذلك ، فيحرز عنوان «كون الحفر بديّاً» ونحوه .
لكنّ الظاهر أنّ هذا أيضاً مثبت ؛ لأنّ الحكم الشرعي لم يتعلّق بعنوان «كون الحفر بديّاً» بل الموضوع للتملّك هو الحفر خارجاً إذا كان بديّاً ، واستصحاب العنوان المذكور لا يثبت أنّ ما حفره بديّ ، أو أ نّه سبق إلى كذا ، والمعنى التعليقي هنا من قبيل التعليق في الموضوع ، ولا يجري الأصل فيه إلاّ مع القول بالأصل المثبت .
نعم لو قلنا : بأنّ هذا الحكم التعليقي - أي «من حفر وادياً بديّاً» و«من سبق . . .» إلى آخره - من الأحكام الإلهية في جميع الأزمنة ، ولا يختصّ بالإسلام كما هو واضح ؛ فإنّ التملّك كان من أوّل الأمر بالإحياء والحيازة . ولعلّ قوله عليه السلام في ذيل موثّقة السكوني «قضاء من اللّه ورسوله»(2) إشارة إلى أ نّه من
ص: 57
القضاء الإلهي في كلّ عصر ، ولعلّ قوله تعالى : (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ)(1) إشارة إلى ذلك كما تقدّم(2) .
أو قلنا : بأنّ بناء العقلاء من أوّل التمدّن على التملّك بالإحياء والحيازة ، ولم يصل ردع من الرسل عليهم السلام عن ذلك ، بل الظاهر عدم ردعهم عنه .
فحينئذٍ يمكن استصحاب هذا الحكم ، بأن يقال : إنّ هذه القطعة من الأرض كانت من بدء التمدّن لو سبق إليها أحد أو حفر فيها بئراً فهي له ، والآن كذلك ، كما يقال في حكم العصير العنبي إذا صار العنب زبيباً ، فيشار إلى الموجود الخارجي فيقال : إنّ عصير هذا كان إذا نشّ وغلى حرم ، والآن كذلك ، فإذا غلى ونشّ انطبق عليه الحكم .
وفي المقام : إنّ الأرض المشار إليها ، لمّا كانت في العصور السابقة ممّا لم يسبق إليها سابق ، ولم يحفر فيها حافر ، صدق عليها : «أ نّه من حفر فيها بئراً ، أو غرس فيها شجراً ملكها» فيستصحب هذا الحكم .
وبعبارة اُخرى : إنّ اليقين المعتبر في الاستصحاب ، تعلّق بنفس الأرض ولو بواسطة كونها غير مسبوقة بسابق ، أو كونها بكراً ، وعدم المسبوقية واسطة لتعلّق اليقين بنفس الأرض ، والقضيّة المتيقّنة - بعد انطباق الحكم على الخارج - هي : «من حفر بئراً في هذه الأرض ، أو غرس فيها شجراً ، فهي له» وهي عين القضيّة المشكوك فيها ، فيكون الحكم الشرعي في هذه الأرض : «أ نّه إذا حفر فيها حافر ملكها» .
ص: 58
إلاّ أن يقال : إنّ حصول التملّك من أوّل الأمر في مورد الإحياء والحيازة ، ممّا لا ينبغي الإشكال فيه ، لكن كيفية جعل الحكم الإلهي بتوسّط الأنبياء غير معلومة ، فلعلّها كانت بنحو جعل السببية ، وحينئذٍ فاستصحاب السبب أو السببية لترتّب المسبّب عليه مثبت .
ولعلّها كانت بنحو جعل الملازمة ، واستصحابها لترتّب اللازم على الملزوم أيضاً مثبت .
ولعلّ الجعل كان على موضوع موصوف ، نحو قوله : «الأرض الميتة المحياة لمحييها» والأصل حينئذٍ لا يثبت القضيّة الموصوفة على ما هو التحقيق .
ومع الشكّ في كيفية الجعل ، لا يصحّ التمسّك بالاستصحاب ؛ للشبهة الموضوعية .
ويمكن أن يجاب : بأنّ الاُمور العقلائية الثابتة من أوّل الأمر ، لا احتياج في تثبيتها إلى جعل إلهي وتشريع ، ولو ورد من الشارع شيء لكان إمضاءً لها ، لا تأسيساً ، ولا شكّ في أنّ ما عند العقلاء ليس سببية الحيازة أو الإحياء للتملّك ، ولا الملازمة بينهما ونحو ذلك ، بل بناؤهم على تملّك من أحيا شيئاً أو حازه .
وأمّا جعل السببية أو الملازمة ونحوها ، فليس له عند العقلاء عين ولا أثر ، وعليه فالحكم الشرعي المستفاد من بناء العقلاء قابل للاستصحاب ، ولا يحتمل جعل السببية من الشارع تأسيساً ، في قبال حكم العقلاء وبنائهم .
هذا ، والذي يسهّل الخطب ، أنّ المستند في هذا القسم من الأرض ، هو
ص: 59
الروايات الواردة في أنّ «من أحيا أرضاً ميتة فهي له»(1) فلو كان الموضوع الميتة الأصلية ، فلا إشكال في جريان الأصل وإحرازه ، كما تقدّم الكلام فيه(2) .
وأمّا الأرض العامرة ، فإن شكّ في أ نّها عامرة بالأصالة أو بالعرض ، فإن كان
الحكم مترتّباً على عنوانين وجوديين ؛ بأن يقال : إنّ العامرة بالأصالة ملك للإمام عليه السلام ، والعامرة بالعرض ملك للمعمِّر ، فلا أصل يحرز إحداهما ؛ لعدم الحالة السابقة ، وأصالة عدم كونها عامرة بالأصالة - كأصالة عدم كونها عامرة بالعرض - لا يثبت العنوان المقابل الوجودي .
وأمّا إن كان موضوع مال الإمام عليه السلام ، الأرض التي لا تكون عامرة بالعرض ، سواء كانت ميتة ، أو عامرة بالذات ، فبأصالة عدم كونها عامرة بالعرض يحرز الموضوع ، وكذلك إن كان الموضوع الأرض التي لا ربّ لها .
وأمّا الأرض المملوكة التي عرض لها الخراب ، فإن قلنا : بأ نّه لا يوجب سقوط الملكية ، بل الإعراض عنها موجب لصيرورتها للإمام عليه السلام ، فأصالة عدم الإعراض ، جارية لنفي كونها للإمام عليه السلام على كلام فيها ، وجارية لإثبات بقاء
ص: 60
الملكية إن كان عدم الإعراض موضوعاً له ، ولو اُغمض عن هذا الأصل ، فأصالة بقاء ملكه لا إشكال فيها .
وإن قلنا : بأنّ الخراب موجب لسقوط الملكية وصيرورتها للإمام عليه السلام ، فإن شكّ في الخراب موضوعاً ، فأصالة عدمه جارية إن كان عدم الخراب موضوعاً لبقاء الملك شرعاً ، وجارية أيضاً لإثبات عدم مالكية الإمام عليه السلام ، على كلام فيها .
وأمّا إن كانت الشبهة مفهومية ؛ بأن شكّ في صدق : «الخراب» بغور مائها مثلاً ، فجريان الأصل مبنيّ على جريانه في الشبهات المفهومية ، مثل الشبهة في الغروب والمغرب ، فإن قلنا : بالجريان فهو ، وإلاّ فأصالة بقاء ملكه جارية ، يترتّب عليها أحكامها .
وقد تقدّم الكلام فيها في القسم الأوّل ، وقلنا : بأ نّها لمحييها ، من غير فرق بين المسلم والكافر ، وأنّ القول : بعدم ملكية الرقبة ، أو اختصاصها بالمؤمن ، أو المسلم ضعيف(1) ، ولا يزول ملك المحيي إلاّ بناقل ، أو بالإعراض .
ص: 61
ثمّ إنّ ما ملكها الكافر إن ارتفعت يده منها قهراً وعنوةً ، فلا كلام في أ نّها للمسلمين مع تحقّق الشرائط ، وإنّما الكلام في كيفية كونها لهم ، فهل يملكون رقبتها نحو سائر أملاكهم أو لا ؟
والأصل في ذلك هو الأخبار الواردة فيها :
منها : صحيحة الحلبي قال : سئل أبو عبداللّه عليه السلام عن السواد ما منزلته ؟
قال : «هو لجميع المسلمين ؛ لمن هو اليوم ، ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم ، ولمن لم يُخلق بعدُ»(1) .
وفي رواية ابن شريح : «إنّما أرض الخراج للمسلمين»(2) .
وفي رواية أبي بردة : «هي أرض المسلمين»(3) .
والعمدة صحيحة الحلبي ، وفيها احتمالات :
منها : كون الأرض فعلاً لجميع المسلمين ؛ الموجودين في الحال ، ومن سيوجد فيما بعد ، ومن يصير مسلماً من سائر الملل ، ومن المعدومين ،
ص: 62
فتكون أرض الخراج - فعلاً - ملك الموجود ، والمعدوم ، والكافر الذي يصير مسلماً .
ولا إشكال في بطلان هذا الاحتمال ، وعدم إرادته جزماً ؛ ضرورة عدم ملكية الكفّار لها حال كفرهم ، وعدم إمكان ملكية المعدوم حال عدمه .
وما يتوهّم : من أنّ الملكية أمر اعتباري ، يصحّ اعتبارها للمعدوم(1) ، في غاية السقوط ؛ لأنّ الإضافة ولو كانت اعتبارية ، لا تعقل بين المعدوم - بما هو كذلك - وغيره ، ولا تعقل الإشارة إلى المعدوم ، وفي مثل الوقف على الطبقات المتأخّرة ، اعتبر على عنوان قابل للانطباق عليها حين وجودها ، كالوقف على العلماء ، أو الفقراء ، أو أبناء زيد .
وتوهّم : كون بيع الثمار من ضمّ المعدوم إلى الموجود(2) ، مدفوع : بأنّ التحقيق هناك أيضاً أ نّه من قبيل ضمّ العنوان الكلّي - الذي لا ينطبق إلاّ على الواحد - إلى الموجود .
ولعلّ هذا الاحتمال أظهر الاحتمالات ، وغيرها يحتاج إلى نحو تأويل ، ومع عدم إمكان الالتزام به ، لا بدّ من الخروج عن الظاهر .
ومنها : كونها لجميع المسلمين على نحو القضيّة الحقيقية ، فالكافر بعد إسلامه ، والمعدوم بعد وجوده وإسلامه ولو تبعاً ، يملكانها قضاءً للحقيقية ، ولا يرد عليه الإشكال المتقدّم .
ص: 63
لكن يرد عليه : أنّ الانتقال إلى المسلمين حال الفتح ، وجعل الملكية الفعلية لهم من قبل الشارع بنحو الحقيقية ، لازمه عدم ملكية غير الموجود حال الفتح ؛ ضرورة عدم إمكان فعلية الملك مع فقد المالك ، وليس جعل آخر يتعلّق بملكية الأفراد المتجدّدة ، سواء قلنا في القضيّة الحقيقية : بأ نّها قضيّة حملية بتّية كما هو التحقيق(1) ، أو بأ نّها ترجع إلى الشرطية(2) ؛ بأن يقال في المقام : كلّما وجد شخص في الخارج وكان مسلماً ، فهو مالك ، فإنّ الملكية الفعلية لا تعقل لمن لا يكون موجوداً ، والملكية حال وجوده ليست فعلية ، ولا سبب لها .
إلاّ أن يقال : إنّ الشارع جعل الفتح بشرائطه سبباً لمالكية المسلم حيثما وجد ، فهو سبب لمالكية الموجودين فعلاً ، ولمالكية غيرهم حال وجودهم .
والإشكال : بأنّ الفتح ليس له بقاء ، فلا تعقل سببية المعدوم .
يمكن دفعه بأن يقال : إنّ السبب هو كون الأرض مفتوحة عنوة ، وهو عنوان صادق عليها إلى الأبد .
وكيف كان : هذا الاحتمال أيضاً مخالف للظاهر ؛ إذ ظاهر الروايات أ نّها ملك فعلاً .
إلاّ أن يقال : إنّ قوله عليه السلام : «لمن هو اليوم ، ولمن يدخل في الإسلام . . .» إلى آخره ، ظاهر في كون كلّ طائفة تملك حين وجودها .
ولكن لو سلّم ذلك ، فجعل الشارع السببية لما ذكر أوّلاً ، ثمّ الحكم بأ نّه
ص: 64
لجميعهم - بنحو ما ذكرنا - بعيد جدّاً ، بل عدمه مقطوع به .
هذا مع الغضّ عن لزوم كون الشيء علّة لملكية أشخاص ، وسلب ملكية أشخاص آخرين ، وهو سهل .
ومنها : كونها للجهة ، كالوقف للجهات العامّة(1) ، فيكون المالك عنوان «جميع المسلمين» ومصالح الأفراد مصرفاً .
وهو أيضاً خلاف الظاهر جدّاً ، ولا سيّما مع قوله عليه السلام : «لمن هو اليوم ، ولمن يدخل في الإسلام . . .» إلى آخره .
ومنها : كون المالك طبيعي المسلم ونوعه(2) ، وهو أبعد الاحتمالات بالنسبة إلى الظواهر .
وأبعد من الكلّ أن يقال : إنّها ملك للمجموع من حيث المجموع ، فإنّه مع مخالفته للظاهر ، لازمه سلب المالكية بموت بعض المسلمين ، أو خروجه عن الإسلام ، إلاّ أن يجعل للعنوان ، وهو مخالف للظاهر .
هذا مع الغضّ عن لزوم إشكالات ومخالفة للقواعد بناءً على ملكية المسلمين بنحو الإشاعة(3) ؛ فإنّ لازمها جواز بيع كلّ مسلم حصّته ولو من الكافر ، وهدم قاعدة الإرث . . . إلى غير ذلك ممّا قيل أو يقال(4) .
بل جعل الملكية للمسلمين مع سلب جميع آثارها ؛ من التصرّفات النقلية
ص: 65
الاعتبارية والخارجية ، وسلب آثار الشركة وغير ذلك ، يعدّ لغواً يجب تنزيه الشارع عنه .
بل يمكن أن يقال : إنّ أمر الصحيحة دائر بين حمل «اللام» على غير الملكية ، أو حمل «الجميع» و«لام الاستغراق والجمع» على خلاف ظاهرهما ، والأوّل أهون .
بل في دلالة «اللام» وضعاً على الملكية نظر ، بل أكثر استعمالاتها في الكتاب
العزيز في غير الملكية بالمعنى المعهود ، نحو قوله تعالى : (لَهُ المُلْكُ وَلَهُ ا لْحَمْدُ)(1) و(لَهُ الْأَسْمَاءُ ا لْحُسْنَى)(2) و(لَهُ مَا فِى السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ)(3) . . . إلى غير ذلك ممّا لا يحصى ، والملكية بمعنى مالكية التصرّف ، أو المالكية الحقيقية التي هي للخالق بالنسبة إلى المخلوق ، غير المعنى اللغوي .
وكيف كان : استعمال «اللام» في غير الملكية ، شائع كتاباً وسنّة وعرفاً ، فلو فرض ظهورها فيها ، فهو ظهور ضعيف ، يمكن رفع اليد عنه بأدنى شيء .
وأمّا الألفاظ المتقدّمة ، فظهورها في المعنى الاستغراقي ظهور تامّ لا ينكر ، واستعمالها في غيره قليل غير معروف .
فيمكن أن يقال : إنّ تلك الأراضي المفتوحة عنوة ليست ملكاً لأحد ، بل محفوظة لمصالح المسلمين ، ولا تختصّ بمصالح المسلمين حال الفتح ، بل متروكة لمصالحهم في كلّ عصر ، ومعلوم : أنّ ما يكون لمصالح المسلمين ، ليس
ص: 66
المراد منه أنّ كلّ فرد من المسلمين ، لا بدّ وأن يستفيد منه ، بل المصالح العامّة كالجهاد ، والدفاع ، وتعمير الطرق ، وتأسيس مولّدات الكهرباء . . . إلى غير ذلك من المصالح العامّة لجميع المسلمين ، ولو فرض عدم فعلية استفادة قوم أو جمع منها .
بل مع ملاحظة أنّ سيرة الدول في الأملاك التي هي خالصة للدولة ، وفي الآجام المؤمّمة ونحوها ، على كونها لمصالح الاُمّة بنحو ما ذكرناه ، لا ينبغي الشكّ في أنّ المراد من الصحيحة هو ما ذكرناه ، خصوصاً مع ملاحظة ما تقدّم : من أنّ جعل الملكية المسلوب عنها جميع آثارها يعدّ لغواً .
ويؤيّ-د ذلك : الروايات الواردة فيها ، كرواية أبي الربيع الشامي ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا تشتروا من أرض السواد شيئاً إلاّ من كانت له ذمّة ؛ فإنّما هو فيء للمسلمين»(1) .
وفي «المستدرك» عن «الجعفريات» عن علي عليه السلام : «لا تشترِ من عقار أهل الذمّة ، ولا من أرضهم شيئاً ؛ لأ نّه فيء المسلمين»(2) .
وفي التعبير بال- «فيء» والعدول عن «الملك» تأييد أو دلالة على أنّ
ص: 67
تلك الأرض راجعة إليهم بنحو ما ؛ فإنّ منافع الأرض إذا كانت لمصلحة المسلمين العامّة ، يصحّ أن يقال : «إنّها فيء المسلمين» أو «إنّها أرض المسلمين» أو «للمسلمين» .
وأولى بالتأييد بل بالدلالة ، مرسلة حمّاد الطويلة ، وفيها : «والأرض التي اُخذت عنوة بخيل وركاب ، فهي موقوفة متروكة في يد من يعمرها ويحييها . . .»(1) إلى آخرها .
فإنّ المراد بال- «موقوفة» إمّا المعنى الاصطلاحي ، ويكون الحمل على «الأرض» بنحو الحقيقة ، فتكون الأرض وقفاً إلهياً على المسلمين أو على مصالحهم ، فتدلّ على عدم ملكيتها للمسلمين ، سواء كانت موقوفة على المصالح ، وهو واضح ، أو موقوفة على المسلمين ؛ فإنّ الوقف على الجهات العامّة فكّ للملك ، لا تمليك لأربابه .
أو بنحو الادّعاء ، فإطلاق الادّعاء يقتضي أن يترتّب عليها جميع آثار الوقف الحقيقي ، منها فكّ الملك .
وإمّا المعنى اللغوي ، ويراد بها : أنّ الأرض واقفة غير منتقلة بنحو من الانتقالات ، وعليه فالظاهر من الكلام أنّ الأرض بمجرّد فتحها عنوة ، موقوفة عن النقل ، فصيرورتها ملك المسلمين مخالف لهذا الظاهر ؛ فإنّها أيضاً نقل مخالف للتوقّف ، ففرق بين كونها ملكاً لهم ، ثمّ صارت موقوفة ، وبين صيرورتها
ص: 68
موقوفة بمجرّد الفتح ، والظاهر هو الثاني ، ومقتضاه عدم صيرورتها ملكاً لهم .
ويؤيّد ذلك : قوله عليه السلام فيها : «ويؤخذ بعد ما بقي من العشر ، فيقسم بين الوالي وبين شركائه الذين هم عمّال الأرض . . .» إلى آخره .
فإنّ الأرض لو كانت للمسلمين ، كان شركاء العمّال هم المسلمين دون الوالي ، وإن كان الوالي وليّاً عليهم وعلى أموالهم في المورد ، فالشركاء هم المسلمون ، والوالي وليّ الشركاء ، بخلاف ما إذا كانت بنحو فكّ الملك ، وكان الأمر إلى الوالي ؛ إذ عدّ الوالي حينئذٍ شريكاً لا مانع منه ، لأنّ المال - بمقدار الثلث أو الربع - يرجع إليه وإن لم يكن ملكاً له ، كما ورد في صحيحة البزنطي ، عن أبي الحسن عليه السلام : «وما اُخذ بالسيف فذاك إلى الإمام عليه السلام ، يقبّله بالذي يرى»(1) .
ويؤيّده أيضاً : قوله عليه السلام : «ليس لنفسه من ذلك قليل ولا كثير»(2) مع أنّ ملكية الأرض للمسلمين ، موجبة لملكية المنافع ، وكون الوالي مالكاً لحصّة منها ؛ فإنّه من المسلمين .
فتحصّل من جميع ذلك : أنّ الأقوى هو أنّ الأرض المفتوحة عنوة ، ليست ملكاً لأحد ، بل هي محرّرة موقوفة لمصالح المسلمين ، وهم غير مالكين لرقبتها ولا لمنافعها ، بل ليسوا مصرفاً لها ، كما هو مقتضى رواية حمّاد(3) وإنّما هي
ص: 69
لمصالحهم العامّة ، كالجيش ، والجهاد ، وما يحتاج إليه في تشكيل الحكومة ، والحوائج المرتبطة بها ؛ من قبيل تعمير الطرق والشوارع ، وإيجاد القناطر . . . إلى غير ذلك .
ثمّ إنّه قد وقع الكلام في صحّة بيع تلك الأرض وعدمها ، ولا بدّ من بسط الكلام حول أخبار الباب حتّى يتّضح الحقّ .
وليعلم : أنّ أرض الصلح التي يقال لها : «أرض الجزية» - وهي التي تصالح والي المسلمين مع الكفّار على أن تكون الأرض لهم ، وعليهم الجزية - هي ملك لهم ، ويجوز بيعها وشراؤها ، والأخبار المربوطة بها غير أخبار الأرض الخراجية ، وإن اختلطت في مثل «الوسائل»(1) .
كما أنّ أرض أهل الذمّة أو الكفّار - ممّا هي مملوكة لهم بالإحياء ونحوه - غيرها ، فلا بدّ من تمحيص البحث في الروايات المربوطة بالأرض الخراجية :
فمنها : رواية أبي بردة بن رجا قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : كيف ترى في شراء أرض الخراج ؟
قال : «ومن يبيع ذلك ؟ ! هي أرض المسلمين» .
ص: 70
قال : قلت : يبيعها الذي هي في يده .
قال : «ويصنع بخراج المسلمين ماذا ؟ !» .
ثمّ قال : «لا بأس ، يشتري حقّه منها ، ويحوِّل حقَّ المسلمين عليه ، ولعلّه يكون أقوى عليها ، وأملى بخراجهم منه»(1) .
والظاهر الذي هو كالصريح ، عدم جواز بيع أرض الخراج ، وعدم صيرورتها ملكاً لمن في يده ؛ لا مستقلاًّ ، ولا تبعاً للآثار ؛ ضرورة أنّ أرض الخراج المسؤول عنها كانت بيد الزرّاع ، ومن البعيد جدّاً خلوّها عن آثار منهم ؛ فإنّ الزارع لا يدع الأرض بلا عمل ، من تسويتها ، وتهيئتها للزراعة ، أو زرعها ، وغرسها . . . إلى غير ذلك ممّا هو متعارف في الأراضي الزراعية .
فالأرض التي بيدهم إمّا مشغولة فعلاً بالزرع والغرس ، أو مهيّئة لذلك بأعمال منهم ؛ كالتسوية ، والتسميد ، وبناء الجداول . . . إلى غير ذلك ممّا هو معهود ومتعارف ، فالآثار منهم موجودة في الأرض دائماً أو غالباً .
فقوله عليه السلام : «من يبيع ذلك ؟ ! هي أرض المسلمين» يدفع احتمال مملوكيتها استقلالاً(2) أو بتبع الآثار(3) .
وأمّا قول السائل : «يبيعها الذي هي بيده» فيحتمل أ نّه توهّم كون السؤال حقيقياً ، فأجاب : بأنّ الذي بيده الأرض يبيعها ؛ بتوهّم كونه مالكاً لرقبتها .
ص: 71
وهذا بعيد بعد تصريح الإمام عليه السلام : بأنّ الأرض للمسلمين ، مع فرض كونها خراجية وبيد الزارع العامل فيها .
أو أراد بيان أنّ مقصوده من شرائها ما هو المتعارف بين الفلاّحين ؛ من بيع الآثار والأعيان التي لهم في الأرض إذا أرادوا تركها ، أو المهاجرة من تلك الناحية ؛ فإنّ بناءهم على بيع حقوقهم من الآثار ونحوها ، ولم يكن بيع نفس الأرض التي هي لصاحب القرية معهوداً عندهم ، كما هو واضح .
فكأنّ السائل بعد إنكار الإمام عليه السلام ، وإفتائه بعدم الصحّة ، وعدم كون بيع أرض المسلمين في صلاحية أحد ، لفت نظره الشريف إلى ما هو المعهود والمتعارف بين الفلاّحين ؛ من بيع الآثار وما لهم فيها ، وتحويل الأرض إلى المشتري ، والتعبير ب- «بيع الأرض» مع قيام القرينة على المراد سهل ، خصوصاً في مثل المورد وعند الفلاّحين ، فأبدى عليه السلام إشكالاً آخر في بيعها - ولو بهذا النحو - بقوله عليه السلام : «ويصنع بخراج المسلمين ماذا ؟ !» .
وتقريره : أنّ قرار الخراج بين الوالي والفلاّح الذي بيده الأرض ، فإذا باع الآثار وسلّم الأرض إلى المشتري وذهب ، فكيف يصنع بالخراج ؟ !
ثمّ قال : «لا بأس ، يشتري حقّه منها ، ويحوِّل حقَّ المسلمين عليه» .
وهذا الكلام على الاحتمال الأوّل في قوله عليه السلام : «من يبيع ذلك ؟ !» لرفع إشكالين :
أحدهما : إشكال بيع الأرض ، وهو لا يصحّ من غير المالك .
ثانيهما : إشكال الخراج .
أمّا الأوّل : فيندفع ببيع حقّه فيها ، كالآثار على ما هو المتعارف ، أو حقّ
ص: 72
انتفاعه منها ، أو المنافع ، أو غير ذلك .
وأمّا الثاني : فيندفع بتحويل ما عليه على المشتري «ولعلّه يكون أقوى عليها ، وأملى بخراجهم منه» ولعلّ هذا التحويل أيضاً كان متعارفاً مرضيّاً عند الوالي ، فلا يحتاج إلى قبوله الفعلي ، بعد التعارف والرضا بما هو المتعارف .
هذا بناءً على أنّ قوله عليه السلام : «يحوّل» بصيغة المعلوم ، وأمّا إذا كان مجهولاً ، فيراد منه : أنّ الخراج يحوَّل عليه قهراً مع الشراء ؛ فإنّه على الأرض ، أو على منافعها .
وأمّا على الاحتمال الثاني ، فيكون دفعاً للإشكال الثاني ، وإن أشار إلى كيفية البيع ؛ وأنّ مورده حقّه ، لا الأرض .
وكيف كان : تدلّ الرواية على عدم تملّك الأرض ؛ لا مستقلاًّ ، ولا بتبع الآثار ، وعدم جواز بيعها مطلقاً ، كما تدلّ على جواز بيع حقّ الزارع من الآثار أو غيرها .
وليس نظر الإمام عليه السلام - ظاهراً - إلى بيع حقّ خاصّ ، حتّى يقال : يحتمل أن يكون الحقّ كذا وكذا ، بل نظره عليه السلام إلى التخلّص من بيع الأرض في مثل الواقعة ، وبيان العلاج إجمالاً ، سواء كان التخلّص باشتراء الآثار ، أو اشتراء الحصص ، أو سائر الحقوق ، هذا مع البناء على الاحتمال الأوّل .
وأمّا على الثاني ، فكان المراد معلوماً بين السائل والمجيب بما عرفت ، والأرجح - بالنظر إلى الواقع ، والتعارف بين الفلاّحين - هو الاحتمال الثاني .
وبهذا يمكن استظهار المقصود من صحيحة الحلبي قال : سئل أبو عبداللّه عليه السلام عن السواد ما منزلته ؟
ص: 73
فقال : «هو لجميع المسلمين ، لمن هو اليوم ، ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم ، ولمن لم يخلق بعدُ» .
فقلت : الشراء من الدهاقين ؟
قال : «لا يصلح إلاّ أن يشتري منهم على أن يصيّرها للمسلمين ، فإذا شاء وليّ الأمر أن يأخذها أخذها» .
قلت : فإن أخذها منه ؟
قال : «يردّ إليه رأس ماله ، وله ما أكل من غلّتها بما عمل»(1) .
بأن يقال : إنّه بعد قوله عليه السلام : «هو لجميع المسلمين» لا يبقى مجال لسؤال مثل الحلبي عن جواز شراء نفس الأرض من الدهاقين ؛ ضرورة وضوح الحكم ، فلا يبعد أن يكون السؤال عمّا هو متعارف بين الفلاّحين ؛ من بيع الآثار ، كما تقدّم(2) .
والدهاقين إن كانوا هم الزرّاع - كما قد يراد منه ذلك على ما في بعض روايات المزارعة(3) وفي «المجمع» : أ نّه مقدّم أصحاب الزراعة(4) - فالأمر واضح مع التأمّل في صدر الرواية وذيلها ، وفي التعارف المذكور .
وإن كان المراد منهم رؤساء القرى ، فالظاهر أ نّهم كانوا يتقبّلون الأراضي
ص: 74
والقرى من السلطان ، ويقبّلونها لغيرهم تارة ، كما في رواية أبي الربيع الشامي في أبواب الإجارة(1) فتأمّل ، ويعملون فيها اُخرى ، فيعمرونها ويزرعونها بأنفسهم ، ففي هذه الصورة قد تقتضي مصلحتهم أن يبيعوا آثارهم ، وما في الأرض ؛ من البذر والقصيل والسماد وغيره ممّا هو متعارف بين الفلاّحين .
وبيع الآثار تارة : لأجل الانتفاع بالقطعات التي يبيعونها .
واُخرى : لأجل إرادة الرحيل والهجرة .
ولم يكن الدهاقين في تلك الأعصار مستبدّين بالأرض ، ومدّعين لمالكيتهم ، كما يظهر بالتأمّل في الأخبار ؛ من أنّ الأراضي الخراجية كانت تحت يد السلاطين ، والدهاقين كانوا يتقبّلون منهم ، ويدفعون الخراج إليهم ، فاحتمال كونهم غاصبين للأرض ، وكانوا يعملون فيها عمل الملاّك(2) ، غير وجيه .
ثمّ إنّ قوله عليه السلام : «لا يصلح إلاّ أن يشتري منهم . . .» إلى آخره ، يمكن أن يراد منه عدم الصحّة إلاّ بالتزامه في العقد على أن يصيّرها للمسلمين ؛ أي يلتزم بما التزم به الدهقان : من كون المنافع مشتركة بينه وبين المسلمين ؛ ضرورة أنّ الالتزام بأن يكون جميعها للمسلمين ، ممّا لم يصدر منهم غالباً ، لو لم نقل دائماً .
وهذا نظير قوله عليه السلام في الرواية المتقدّمة : «ويحوِّل حقَّ المسلمين عليه»(3)
ص: 75
ونظير رواية أبي الربيع الآتية(1) بناءً على أنّ الظاهر من قوله عليه السلام : «إلاّ من كانت له ذمّة» من كانت له عهدة أداء حقّ المسلمين ، فإذا ضمن حقّ المسلمين صحّ البيع .
فعلى هذا الاحتمال ، تكون صحّة البيع مشروطة بأن يجعل ما يشتري للمسلمين في ضمن العقد ، ولعلّ ذلك لأجل قطع النزاع والكلام ، فلو اشتراها بلا شرط يمكن أن يدّعي المشتري بأ نّه اشتراها ، وليس عليه شيء ، والوالي لا بدّ وأن يرجع إلى الدهقان ، وأمّا مع هذا القرار ، فينقطع الكلام ، ويؤدّى حقّ المسلمين بلا نكرة .
ويمكن أن يراد من قوله عليه السلام : «لا يصلح» مرجوحية الاشتراء إلاّ مع ما ذكر ، وهذا أوفق بالقواعد - لأنّ شراء ما ذكر لازمه تحوّل جميع الجهات. ومنها أداء الخراج ، على المشتري - وبظواهر بعض روايات اُخر ، كقوله عليه السلام في رواية أبي بردة : «ويحوَّل حقُّ المسلمين عليه»(2) بناءً على قراءة : «يحوَّل» بالبناء على المجهول .
وصحيحة ابن مسلم قال : سألته عن شراء أرضهم .
فقال : «لا بأس أن تشتريها ، فتكون إذا كان ذلك بمنزلتهم ، تؤدّي فيها كما يؤدّون فيها»(3) .
ص: 76
بناءً على كون المراد أرض الخراج ، أو الأعمّ منها ومن أرض الجزية . . . إلى غير ذلك .
وكيف كان : الظاهر أنّ الاشتراط كان لأجل صلاح الوالي ، وقطع الكلام والمشاجرة .
ثمّ إنّ قوله عليه السلام في صحيحة الحلبي : «فإذا شاء وليّ الأمر أن يأخذها أخذها» تفريع - ظاهراً - على الشرط المذكور ؛ أي لو صيّرها للمسلمين كان للوالي الخيار ، وهو منافٍ للزوم عقد المزارعة ، إلاّ أن يكون قرار الخيار للوالي ، معهوداً في تلك الأعصار .
ويمكن أن يكون شرطاً ثانياً لصحّة البيع على الاحتمال الأوّل المتقدّم ، أو لنفي الحزازة وعدم الصلوح على الاحتمال الآخر ، ولعلّ ذلك احتياط لحقّ المسلمين ؛ فإنّ المتقبّل الأوّل لمّا كان طرفاً للوالي ، كان التقبيل بتشخيصه لصلاحيته وصحّة عمله وأدائه ، وأمّا المشتري فلعلّه ليس بهذه المثابة في نظره ، ولهذا جعل شرط الصحّة أمرين :
أحدهما : ما ذكر .
وثانيهما : جعل الخيار للوالي على الاحتمال الأوّل ، وحكم برجحان ذلك على الثاني .
وهذا أوفق بالقواعد ، وإن لم يناسب العطف ب- «الفاء» ويمكن أن يكون ذلك تصحيفاً ، وكان أصله «الواو» بل مع «الفاء» أيضاً يمكن أن يكون من تتمّة الاشتراط .
وعلى ما ذكرناه : من أنّ المبيع هو الآثار ، فالوالي إذا فسخ ، كان ردّ رأس ماله
ص: 77
إليه على القاعدة ؛ لأنّ مقتضى تصيير الآثار للمسلمين على ما تقدّم ، وأنّ لوليّ المسلمين حقّ الفسخ ، أ نّه بعد الفسخ يردّ رأس ماله ، ويأخذ منه الأرض بآثارها ، أو يدعها في يده ، وعليه ما على المتقبّل .
ولو كان الفسخ من حينه ، فما أكل من الغلّة كان ملكه ، وما عمل كان في ملكه ، ولعلّ في التعبير الذي في الرواية مسامحة ، ولو كان من الأصل فلا بدّ وأن يردّ المشتري الغلّ-ة ، ويأخذ بدل عمله ، فجعل الشارع ما أكله مقابل ما عمله ؛ لقطع النزاع .
ومنها : رواية أبي الربيع الشامي ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا تشترِ من أرض السواد شيئاً إلاّ من كانت له ذمّة ، فإنّما هو فيء للمسلمين»(1) .
هكذا في «الوسائل» وكذا في «التهذيب» المطبوع في النجف(2) .
وفي «الوافي» عن «التهذيب» و«الفقيه» : «لا تشتروا من أرض السواد . . .»(3) إلى آخره .
وفي «الفقيه» المطبوع في طهران : «لا يشتري من أراضي أهل السواد شيئاً . . . »(4) إلى آخره .
وفي نسخة : «لا تشتر» .
ص: 78
ولا بدّ من البحث على جميع النسخ :
أمّا على نسخة «الوسائل» فالظاهر التفصيل بين البائعين ، وكأنّ المراد «لا تشترِ إلاّ ممّن كانت له ذمّة» أي كان له قرار وعهد وضمان مع الوالي ؛ أي أخذ الأرض من الوالي بقرار الخراج ، وأمّا من كانت بيده بلا ضمان وقرار ، فإنّه غاصب لا يجوز الشراء منه ، سواء كان المراد شراء الأرض ، أو الآثار :
أمّا الأوّل : فإنّ الملكية بتبع الآثار ، لا تحصل إلاّ مع كون الآثار بإذن الوالي وقرار الخراج .
وأمّا الثاني : فلأنّ الآثار في المغصوب لا يصحّ بيعها :
أمّا التي لا عين لها - مثل تصفية الأرض ، وإحداث الجداول ونحوها - فإنّها لصاحب الأرض ؛ أي المسلمين ، ولا احترام لعمل الغاصب .
وأمّا الأعيان ، فلا بدّ من قلعها وقطعها وإفراغ الأرض منها ، فلا يصحّ للغاصب تحويلها - كما هي في الأرض - معها .
وهذا أظهر من احتمال كون المراد استثناء أهل الذمّة(1) ؛ لأنّ الظاهر من الروايات ، أنّ أرض السواد كلّها من أرض الخراج ، وهي للمسلمين ، ولم يعهد كون قطعة أو قطعات منها لأهل الذمّة ، ومن أرض الجزية .
وأمّ-ا احتمال كون التفصيل على هذه النسخة بين المشترين(2) ، ففي غاية البعد .
ص: 79
نعم ، الظاهر من سائر النسخ أنّ التفصيل بين المشترين ، ولا سيّما نسخة «الفقيه» فقوله عليه السلام : «لا يشتري... إلاّ من كان له ذمّة» أي لا يشتري أحد إلاّ هو.
ويحتمل أن يكون المراد ، أ نّه لا يشتريها إلاّ من له عهد وقرار وضمان بالنسبة إلى الخراج(1) ، وكان المقصود هو الاشتراء بضمان ، فيكون مضمونها موافقاً لرواية أبي بردة وغيرها ، والكلام فيها هو الكلام فيما تقدّم(2) .
والمراد من «اشتراء الأرض» بعد ظهور التعليل في أنّ الأرض فيء المسلمين - أي غنيمتهم ، أو ملكهم ، أو محرّرة لهم - هو الاشتراء المتعارف بين الدهاقين والفلاّحين ، لا اشتراء نفس الأرض ، ولو بضمّ قرائن خارجية ، كسائر الروايات ، ولا سيّما رواية أبي بردة(3) ومرسلة حمّاد الطويلة(4) .
ويحتمل أن يكون المراد ب- «من كانت له ذمّة» أي عهدة معتبرة يمكنه أداء خراج السلطان(5) ؛ فإنّ الخراج قد يكون نقداً على الذمم ، والأوّل أوضح وأوفق بمضمون الروايات ، ولمفهوم «الذمّة» لغة .
وأمّا على نسخة «الوافي» فيحتمل أن يكون التفصيل بين المشترين ، ويحتمل أن يكون بين البائعين ، والكلام في الفرضين هو ما تقدّم ، ولعلّ الأظهر الاحتمال الأوّل .
ص: 80
وممّ-ا ذكرنا يظهر الكلام في رواية محمّ-د بن شريح ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن شراء الأرض من أرض الخراج .
فكرهه وقال : «إنّما أرض الخراج للمسلمين» .
فقالوا له : فإنّه يشتريها الرجل وعليه خراجها . قال : «لا بأس ، إلاّ أن يستحيي من عيب ذلك»(1) .
فإنّ قوله : «فكرهه» مع التعليل بأ نّها للمسلمين ، لا يدع مجالاً للسؤال عن شراء الرقبة ، بل الظاهر أنّ السؤال عن الشراء المعهود بين الفلاّحين ، وهو شراء الآثار .
بل لا يبعد أن يكون السؤال الأوّل أيضاً عن الشراء المعهود بينهم ، وتكون كراهته والتعليل لمكان الخراج ، فقال السائل : «إنّ الرجل يلتزم بالخراج» .
بل لا يبعد أن تكون الأسئلة والأجوبة في الروايات - أو أكثرها - مربوطة بالخراج ، وببيع الآثار ، لا ببيع الأرض المعلوم أ نّها للمسلمين ، وتحت سلطة الوالي في تلك الأعصار ، كما يظهر من الروايات(2) .
والظاهر أنّ ال- «عيب» المشار إليه هو عهدة الخراج ، والحمل على أرض أهل الذمّة(3) - مع التصريح بأ نّها أرض الخراج ، وأ نّها للمسلمين - غير مرضيّ .
ص: 81
ومنها : مرسلة حمّاد الطويلة ، وفيها : «والأرض التي اُخذت عنوة بخيل أو ركاب ، فهي موقوفة متروكة في يد من يعمرها ويحييها»(1) .
ودلالتها على عدم تملّكها مستقلاًّ ولا بتبع الآثار ، لا تنكر ، بل هي كالصريحة في ذلك .
ويؤكّدها قوله عليه السلام فيما بعد : «ويؤخذ بعد ما بقي من العشر ، فيقسم بين الوالي وشركائه الذين هم عمّال الأرض وأكرتها» .
إذ لو كانوا مالكين لها ولو بتبع الآثار ، لكانوا ملاّك الأرض ، لا عمّالها فقط ، فتأمّل .
ومنها : صحيحة البزنطي ، قال : ذكرت لأبي الحسن الرضا عليه السلام الخراج . . . إلى أن قال : «وما اُخذ بالسيف فذلك إلى الإمام عليه السلام ، يقبّله بالذي يرى»(2) ونحوها روايته الاُخرى(3) .
وهما ظاهرتان في أنّ المأخوذ عنوة أمره إلى الإمام عليه السلام ، فلو كانت الآثار مملوكة ، لكان أمرها بعد التملّك إلى المالك في التقبيل ، وإن كان على الأرض الخراج .
وظاهرهما أنّ المأخوذ بالسيف ما دام ينطبق عليه عنوان «المأخوذ بالسيف»
ص: 82
أمره في كلّ عصر إلى الإمام عليه السلام ؛ إذ من المعلوم أنّ ذلك الوصف لا يزال ثابتاً للأرض الكذائية ، فأمرها مطلقاً إلى الإمام عليه السلام ؛ لعدم المالك لها .
ثمّ إنّ في المقام روايات لها ظهور بدوي في جواز الاشتراء ، كرواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، وفيها : وسألته عن الرجل اشترى أرضاً من أرض الخراج ، فبنى بها أو لم يبنِ ، غير أنّ اُناساً من أهل الذمّة نزلوها ، له أن يأخذ منهم اُجرة البيوت إذا أدّوا جزية رؤوسهم ؟
قال : «يشارطهم ، فما أخذ بعد الشرط فهو حلال»(1) .
والظاهر أنّ السؤال عن أنّ أهل الذمّة الذين عملوا على شرطها ، وأدّوا جزيتهم ، هل حكمهم حكم المسلمين في جواز نزولهم على أهل الخراج ثلاثة أيّام ، أو لا ، فيجوز أخذ اُجرة البيوت منهم ؟
فأجاب : بجواز الأخذ ، وعدم التسوية .
فحينئذٍ إن قلنا : بأنّ الروايات الدالّة على جواز النزول على أهل الخراج ، مصبّها هو الأراضي الخراجية التي هي للمسلمين ، وأنّ الأرض الخراجية لمّا كانت لهم ، جاز النزول على أهلها ثلاثة أيّام ، فلا بدّ من حمل «الاشتراء» على الاشتراء المعهود ، كما تقدّم مفصّلاً(2) ، لا اشتراء رقبة الأرض ؛ فإنّه مع اشترائها
ص: 83
لا مجال للتفصيل بين المسلمين وغيرهم ، مع أنّ الظاهر التسالم بين السائل والمجيب على جواز نزول المسلمين .
وإن قلنا : بأنّ جواز النزول على أهل الخراج ، لا يتوقّف على كون الأرض للمسلمين ، بل يكفي كونها خراجية ولو كانت ملكاً للأشخاص ، فظاهرها البدوي جواز شرائها .
وكموثّقة حريز ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «رفع إلى أمير المؤمنين عليه السلام رجل مسلم ، اشترى أرضاً من أراضي الخراج ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : له ما لنا ، وعليه ما علينا ، مسلماً كان أو كافراً ، له ما لأهل اللّه ، وعليه ما عليهم»(1) .
ولا يبعد أن يكون المراد ب- «أرض الخراج» فيها أرض الجزية ؛ بمناسبة رفع المسلم المشتري إليه عليه السلام ، وكان رفعهم إيّاه لأجل أنّ الجزية لا تؤخذ من المسلم ، وحكمه عليه السلام بالتسوية : إمّا للزوم أداء جزية الأرض ؛ لأ نّها حقّ على الأرض ، لا على الرؤوس ، وإمّا لسقوطها إذا اشترى المسلم .
والأوّل أظهر وأنسب ؛ لحكمه بالتسوية بين المسلم والكافر المشتري .
وكصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سألته عن شراء أرض أهل الذمّة .
فقال: «لا بأس بها، فتكون إذا كان ذلك بمنزلتهم، تؤدّي عنها كما يؤدّون»(2).
ص: 84
وقريب منها صحيحته الاُخرى(1) والظاهر أ نّهما راجعتان إلى أرض الجزية .
وكيف ما كان : فالمتحصّل من جميع الروايات - بعد ردّ بعضها إلى بعض ، وقرينية بعضها على بعض - هو عدم جواز بيع الرقبات ، وعدم تملّكها مطلقاً ، مستقلاًّ كان ، أو تبعاً للآثار ، ويكون الاشتراء في تلك الأخيرة ، كالاشتراء في رواية أبي بردة(2) وصحيحة الحلبي(3) ونحوها (4) ؛ إذ هي محمولة على أرض الجزية التي هي أرض الخراج أيضاً .
ثمّ إنّ المعروف والمشهور - على ما حكي(5) - أ نّه يشترط في صيرورة الأرض المفتوحة عنوة خراجية ، وفي كونها أو منافعها للمسلمين ، أن يكون الغزو بأمر الإمام عليه السلام ، فلو كان بغير أمره صارت ملكاً له عليه السلام ، يضعها حيث يشاء.
وعن الحلّي : الإجماع عليه(6) .
ص: 85
وعن «المجمع» : كاد أن يكون إجماعياً (1) .
وعن بعض : نسبته إلى عمل الأصحاب(2) .
وعن «الروضة» : نفي الخلاف عنه(3) .
وعن «المسالك» : أ نّه المعروف من المذهب(4) .
ومع ذلك، فعن «المنتهى»: قوّة قول الشافعي، وهو المساواة مع المأذون فيها(5).
وعن «المدارك» : أ نّه جيّد(6) .
وعن ظاهر «النافع» : التوقّف(7) .
ولا بأس بتوسعة نطاق الكلام بالنظر إلى آية الخمس ، والروايات الواردة في ذلك المجال .
فنقول : إنّ مقتضى إطلاق قوله تعالى : )وَاعْلَمُوا أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِ-نْ شَىْ ءٍ فَأَنَّ للّه ِِ خُمُسَ-هُ . . .((8) إلى آخره أنّ ما للّه وللرسول وباقي الأصناف في الغنائم
ص: 86
كلّها ، هو الخمس فقط ، وأربعة الأخماس منها للغانمين ، من غير فرق بين أقسام الغنائم .
ويحتمل أن تكون «الغنيمة» أعمّ من غنائم الحرب ، كما عليه بعض(1) .
ويحتمل أن تكون مختصّة بغنائمها ، كما هو المعروف بين المفسّرين(2) والأظهر من سياق الآية الكريمة ، ولسان الأخبار في ذلك مختلف(3) .
وكيف كان : مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين الأراضي المغنومة ، فعلى القول : بأ نّه إذا فتح قطر أو ناحية يعدّ جميعها غنيمة ، سواء كانت الأرض محياة ، أو مواتاً حال الفتح(4) - فإنّ الموات منها ليست بلا شيء ، بل تعدّ من أملاك الحكومة ، ولها فوائد للدولة ، ولا يلزم في كون الشيء غنيمة أن يكون له نفع خاصّ ، كالزرع ، والغلّة ، بل الفوائد الاُخر للدول لا تقصر عن الغلّة والزرع - فتدخل الموات أيضاً في الغنيمة ، فيجب فيها بحسب ظاهر الآية ، الخمس .
كما أنّ مقتضى إطلاقها أنّ الحكم كذلك في الأرض المفتوحة ، سواء كان الفتح بإذن الإمام أم لا ، وفي أرض الصلح ، وفيما لا يوجف بخيل ولا ركاب .
فحينئذٍ لو قلنا : بأنّ الأرض الموات والأنفال للإمام عليه السلام ، والمفتوحة عنوة
ص: 87
للمسلمين ، وأرض الصلح فيها الجزية ، أو يتعامل معها حسب ما يتصالح الوالي مع الكفّار بما هو صلاح المسلمين ، لم تبقَ الأرض المغنومة تحت إطلاق الآية ؛ إذ هي وإن كان في بعضها الخمس ، لكن لا يقسم الباقي بين الغانمين .
وهذا التقييد لو كان أكثرياً موجباً للاستهجان ، لا بدّ في رفع الغائلة إمّا من إنكار إطلاق الآية الكريمة ، فيقال : إنّها بصدد بيان تقسيم الغنيمة ، لا جعل الخمس فيها ، فليس لها إطلاق من هذه الجهة .
وهو كما ترى ؛ ضرورة أ نّها بصدد بيان وجوب الخمس ، ولا ينافي ذلك ذكر المصرف فيها ، ولهذا لا يزال الفقهاء يتمسّكون بها لوجوبه(1) ، بل في بعض الروايات(2) أيضاً التمسّك بها لذلك .
أو من حمل الآية على مطلق الغنائم ، كما في صحيحة ابن مهزيار(3) .
أو من العمل بمقتضى معارضة الأخبار المقيّدة(4) تعارضاً بالعرض ؛ لأجل امتناع وقوع الاستهجان .
ص: 88
لكنّ التحقيق : عدم لزوم الاستهجان بالتقييدات المذكورة :
أمّا على القول : بإطلاق الآية ، وشمولها لجميع الفوائد والغنائم ، سواء كانت غنائم الحرب أم لا(1) ، فظاهر .
وأمّا على القول : بالاختصاص(2) ؛ فلأنّ ما يغتنم من الكفّار بعد فتح البلاد من صنوف أموالهم ، أكثر بكثير - بحسب العدد - من الأرض ، والميزان هو تعدّد الداخل والخارج ، فالخارج هو الأرض ، والداخل غيرها ، ولا استهجان فيه ، ولهذا لا يرى احتمال ذلك الذي ذكرناه في كلمات القوم .
ثمّ إنّ المقصود في المقام ، هو بيان حال الشرط الذي عليه الشهرة ، وهو اعتبار إذن الإمام عليه السلام في صيرورة الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين ، وإلاّ فهي للإمام عليه السلام .
وقد عرفت : أنّ مقتضى إطلاق الآية الكريمة أنّ فيها الخمس ، وأربعة أخماسها للغانمين(3) ، كما هو المتفاهم من الآية .
وتدلّ عليه أيضاً جملة من الروايات : كرواية أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «كلّ شيء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّداً رسول اللّه ،
ص: 89
فإنّ لنا خمسه ، ولا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتّى يصل إلينا حقّنا»(1) .
ورواية ابن سنان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في الغنيمة قال : «يخرج منه الخمس ، ويقسم ما بقي على من قاتل عليه وولي ذلك»(2) .
وما عن «تفسير النعماني» وفيها : «أمّا وجه الإمارة فقوله : (وَاعْلَمُوا أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ . . .) . . .» إلى أن قال : «فجعل للّه خمس الغنائم ، والخمس يخرج من أربعة وجوه : من الغنائم التي يصيبها المسلمون من المشركين . . .» (3) إلى آخرها .
فمقتضى العموم والإطلاق فيها وفي جملة اُخرى(4) أنّ الخمس في جميع الغنائم ، والباقي يقسم بين الغانمين ، على ما صرّح به في بعضها (5) والمتفاهم من بعض .
ص: 90
وفي قبالها روايات اُخر :
منها : ما تدلّ على أنّ الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين ، كمرسلة حمّاد وصحيحة البزنطي المتقدّمتين(1) ، فإنّ الظاهر منهما عدم التخميس ، وأنّ الوالي والإمام عليه السلام يقبّلها ، ويصرف منافعها في مصالح المسلمين العامّة ، كما هو صريح المرسلة ، والمتفاهم من الصحيحة ، ورواية البزنطي الاُخرى(2) وهي أخصّ مطلقاً من الآية والروايات المتقدّمة .
ومنها : مرسلة الورّاق ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا ، كانت الغنيمة كلّها للإمام ، وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا ، كان للإمام الخمس»(3) وهي أيضاً أخصّ مطلقاً منها .
وقد يقال : إنّ صحيحة معاوية بن وهب ، تدلّ على ما تدلّ عليه مرسلة الورّاق(4) .
قال قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : السريّة يبعثها الإمام فيصيبون غنائم، كيف يقسم؟
ص: 91
قال : «إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم ، أخرج منها الخمس للّه وللرسول ، وقسم بينهم أربعة أخماس ، وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين ، كان كلّ ما غنموا للإمام ، يجعلها حيث أحبّ»(1) .
وهو مبنيّ على حجّية مفهوم القيد ، وفيها منع ، ولا سيّما في المقام ؛ ممّا فرض في السؤال كون السريّة يبعثها الإمام ، ولا محالة كانت بإمارة أمير ، ويمكن أن يكون ذكر القيد تبعاً للسؤال .
وأمّا مفهوم الشرط ، فهو الذي ذكره الإمام عليه السلام بقوله : «وإن لم يكونوا قاتلوا . . .» .
بل يمكن أن يقال : إنّ الظاهر من صدرها وذيلها ، أنّ التفصيل بين الاغتنام بالمقاتلة وبخيل وركاب ، وبين الاغتنام بغيرها ، وإلاّ كان عليه بيان الفرض الآخر ، وهو المقاتلة بلا أمير أمّره ، والسكوت عنه - مع التعرّض لمفهوم الشرط ، ومع عدم كون مفهوم القيد أمراً ظاهراً يصحّ السكوت عنه - دليل على ثنائية الفرض ، بل لعلّه دليل على عدم دخالة القيد .
فجعل الصحيحة مخالفة للمرسلة أو مؤيّدة لمخالفها ، أولى .
ثمّ إنّ النسبة بين صحيحة معاوية ومرسلة الورّاق ، وبين صحيحة البزنطي وروايته ومرسلة حمّاد ، العموم من وجه ، فيقع التعارض بينهما في الأرض
ص: 92
المفتوحة عنوة إذا كان الفتح بأمر الإمام عليه السلام .
فمقتضى الأوّلتين وجوب الخمس فيها ، وأنّ أربعة أخماسها للغانمين ، كما هو صريح الصحيحة ، والمتفاهم من المرسلة ، ومقتضى ما يقابلهما كون جميعها للمسلمين ولمصالحهم ، كما هو صريح مرسلة حمّاد ؛ حيث قال فيها : «ليس لنفسه» أي الوالي «من ذلك قليل ولا كثير» فلا بدّ من علاج التعارض .
فإن قلنا : بخروج العامّين من وجه عن أدلّة العلاج(1) ، كان مقتضى القاعدة سقوطهما ، والرجوع إلى الإطلاق أو العامّ الفوقاني ، وهو إطلاق الآية الكريمة ، وعموم أو إطلاق الروايات المتقدّمة ، كرواية أبي بصير وغيرها (2) .
وإن قلنا : بدخولهما فيها (3) ، فما دلّت على وجوب الخمس فيها ، وأنّ أربعة أخماسها للغانمين ، موافقة للكتاب ، نصّ-اً في الخمس وظاهراً في أربعة أخماس .
وأقوال العامّة والخاصّة فيها مختلفة ، وقد ادّعى الشيخ في «الخلاف» إجماع الطائفة على أنّ ما لا ينقل - كالدور ، والعقارات ، والأرضين - فيها الخمس ، والباقي لجميع المسلمين ؛ من حضر القتال ، أو لم يحضر(4) .
وعن أبي حنيفة وأصحابه : أنّ الإمام مخيّر فيه بين ثلاثة أشياء : القسمة على الغانمين ، وأن يقفه على المسلمين ، وأن يقرّ أهلها عليها ، ويضرب
ص: 93
عليهم الجزية باسم «الخراج»(1) .
وعن مالك : أنّ ذلك وقف على المسلمين بنفس الاستغنام ، من غير إيقاف الإمام(2) .
وعن الشافعي : أنّ حكمها حكم ما ينقل ؛ خمسها لأهله ، والباقي للغانمين(3) ، وعن العلاّمة موافقته(4) .
والتحقيق : أنّ فيها الخمس ، والباقي للمسلمين ، كما عليه دعوى الشهرة(5) والإجماع(6) ، ويمكن استفادة ذلك من مرسلة حمّاد(7) ، التي هي معتمدة على ما نقل(8) ؛ فإنّ صدرها يدلّ على تعلّق الخمس بالغنائم .
قال : «الخمس من خمسة أشياء : من الغنائم . . .» إلى آخرها، والجمع المحلّى ب- «اللام» يدلّ على العموم بالدلالة اللفظية ، من غير احتياج إلى مقدّمات الإطلاق، كما قرّر في محلّه(9)، فتشمل جميع صنوف الغنائم ؛ من المنقول وغيره.
ص: 94
ثمّ قال : «يؤخذ من كلّ هذه الصنوف الخمس ، فيجعل لمن جعله اللّه له ، ويقسم أربعة أقسام بين من قاتل عليه ، وولي ذلك» .
ثمّ ذكر فيها كيفية تقسيم الخمس بتفصيل ، ومورده ، وجهات اُخر .
وفي مثل ذلك ممّا فصل بين جملات الكلام بجمل عديدة ، لا إشكال في استقرار الظهور ، فإذا وقع في بعض الجمل المتأخّرة - المنفصلة عن العامّ أو المطلق بجمل عديدة - ما يخصّص العامّ أو يقيّد المطلق ، كان كالتخصيص والتقييد بالمنفصل ؛ لاستقرار ظهور المتقدّم في الفرض .
ثمّ قال بعد كلام طويل ، وجمل عديدة : «وليس لمن قاتل شيء من الأرضين وما غلبوا عليه ، إلاّ ما احتوى العسكر» .
وهذا يدلّ على عدم تقسيم أربعة أخماس منها بين من قاتل وغنم .
والظاهر أنّ استثناء ما احتوى العسكر ، مربوط بالجملة الثانية ، فلا تقسم الأرض مطلقاً بين من قاتل ، فيخصّص به عموم الصدر ، ويبقى الخمس تحته .
بل يمكن استفادة لزوم الخمس من السكوت عنه ، بعد كونه في مقام بيان حال الأرضين ، فنفي خصوص حقّ من قاتل ، دالّ عرفاً على ثبوت الخمس .
فحينئذٍ يكون قوله عليه السلام : «والأرض التي اُخذت عنوة بخيل وركاب . . .» إلى آخره - عقيب الجملة المتقدّمة والعموم المتقدّم - محمولاً على خصوص قسمة الغانمين والمقاتلين ؛ أي الأرض التي لا تقسم بينهم واُخرج منها الخمس ، تكون موقوفة لمصالح المسلمين ، فتدلّ الرواية على المذهب المشهور ، وتخرج شاهدة للجمع بين الروايات ، ولو لم يسلّم استفادة ثبوت الخمس منها .
لكنّ الإشكال في نفي التقسيم بين من قاتل ، فالعمومات والإطلاقات الدالّة
ص: 95
على ثبوت التقسيم بينهم(1) ، مخصّصة بها بعد كونها معوّلاً عليها عند الأصحاب ، كما قيل(2) .
وتبقى الروايات الدالّة على أنّ تلك الأراضي للمسلمين(3) ، وصحيحة معاوية ومرسلة الورّاق(4) ، على تعارضهما بالعموم من وجه ، فترجّح الثانية بموافقة الكتاب والشهرة ، أو يكون الكتاب المرجع ، على اختلاف المسلكين(5) ، فتصير النتيجة ما هو المشهور : من تعلّق الخمس ، وعدم تقسيم الباقي بين المقاتلين ، وكونه للمسلمين ، هذا حال ما انجرّ البحث إليه تطفّلاً .
وأمّا قضيّة اعتبار إذن الإمام عليه السلام في صيرورة الأرضين ملكاً للمسلمين ، وإلاّ فهي للإمام عليه السلام ، فالأصل فيها مرسلة الورّاق ، وصحيحة معاوية على ما قيل(6) .
والظاهر أ نّه لا مفهوم لواحد من الروايتين حتّى الشرط في الصحيحة ؛ فإنّ
ص: 96
قوله عليه السلام : «وإن لم يكونوا قاتلوا . . .» ليس هو مفهوم الشرطية ؛ فإنّ مفهومها سلب الخمس ، لا إثبات كون الغنيمة للإمام عليه السلام ، فالجملة الثانية شرطية مستقلّة ، ومعها لا مفهوم للشرط السابق أيضاً .
وكذا الحال في رواية الورّاق ، بل هي أولى بذلك ؛ فإنّ قوله عليه السلام : «وإذا غزوا بأمر الإمام . . .» ليس مفهوم الشرط ، بناءً على أنّ «إذا» ملحقة بأداة الشرط ، ولا مفهوم القيد ؛ لما مرّ من أنّ مفهومه سلب ما ثبت في المنطوق ، لا إثبات أمر آخر .
فبناءً على عدم المفهوم في الروايتين ، لا تنافي بينهما في شيء ؛ لعدم المنافاة بين ثبوت الخمس إذا كانت المقاتلة مع أمير أمّره الإمام ، أو مع كون القتال بأمر الإمام ، وبين كون الغنيمة للإمام إذا غزوا بغير إذنه ، أو إذا لم يقاتلوا فغنموا .
وأمّا لو قلنا : بالمفهوم(1) ، فيقع التعارض بين مفهوم القيد في الصحيحة - وهو : «إن قاتلوا بلا أمير أمّره لم يخرج منه الخمس» - وبين قوله عليه السلام في المرسلة : «إذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس» :
فإن قلنا : بأنّ مفهوم القيد في مثل المقام في الصحيحة ، هو رفع واحد يحتوي الأمرين ؛ أي الخمس للّه والرسول ، والقسمة بين المقاتلين ، يصير قوله عليه السلام : «إذا غزوا بأمر الإمام» كالمخصّص له .
وإن قلنا : بأ نّه ينحلّ إلى جملتين ؛ نفي هذا ، ونفي ذلك ، كان التعارض بينهما بالتباين في خصوص الخمس ، فيرجّح ما دلّ على الخمس بموافقة الكتاب ، أو يكون الكتاب مرجعاً بعد التساقط، هذا حالهما بالنسبة إلى ملاحظتهما في نفسهما.
ص: 97
وأمّا قوله عليه السلام في مرسلة الورّاق : «إذا غزا قوم بغير إذن الإمام . . .» (1) إلى آخره ، فيعارض ما تدلّ على أنّ الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين(2) بالعموم من وجه :
فإن قلنا : بحكومة المرسلة عليها (3) ؛ لأ نّها تعرّضت لعقد الوضع فيها ، فتقدّم بالحكومة ، وإلاّ تقدّم بالشهرة إن قلنا : بأ نّها من المرجّحات(4) ، ولو قلنا : بأ نّها تجعل مخالفها بيّن الغيّ ، وموافقها بيّن الرشد(5) ، فالأمر أوضح .
ثمّ إنّه يمكن أن يستدلّ على كفاية إذن الإمام عليه السلام في صيرورة المفتوحة عنوة ملك المسلمين ، بالروايات الدالّ-ة على أنّ أرض السواد للمسلمين(6) ؛ فإنّ المسلّم الذي لا ريب فيه ، أنّ الأمير في فتحها لم يكن بجعل الإمام عليه السلام ، بل الظاهر عدم كونه بأمره بمعناه الحقيقي في الأمر ، غاية الأمر كونه بإذنه ورضاه .
وما في رواية «الخصال» عن أبي جعفر عليه السلام ، عن أمير المؤمنين عليه السلام : «إنّ القائم بعد صاحبه» يعني عمر «كان يشاورني في موارد الاُمور ومصادرها ،
ص: 98
فيصدرها عن أمري ، ويناظرني في غوامضها ، فيمضيها عن رأيي»(1) لا يدلّ على أنّ الغزاة كانوا يغزون بأمر الإمام عليه السلام .
بل الظاهر أنّ الثاني كان يشاوره في الأمر، فإذا اقتنع برأيه كان يبعث العسكر ، ويؤمّر الأمير ، ويأمرهم بالغزو موافقاً لرأيه وأمره ، ولم يكن أمره عليه السلام كأمر الوالي والأمير على المأمور ، بل كأمر المشاور والناصح ، فليس الأمر بمعناه الحقيقي .
فيتّضح من ذلك : أنّ الإذن وإظهار الرأي كافٍ في ذلك ، وسيأتي بعض الكلام في ذلك(2) إن شاء اللّه .
وهل يعتبر في كون الأرض المفتوحة عنوة خراجيةً ، أن تكون محياة حال الفتح ، وإلاّ تكون كلّها للإمام عليه السلام ، ولا تدخل في الغنائم كما هو المشهور ، بل المتّفق عليه على المحكيّ عن «التذكرة» و«الكفاية»(3) ؟
أو لا فرق بين المحياة والموات في تعلّق الخمس بها (4) ، وكون الباقي للمسلمين ؟
ص: 99
وليعلم : أنّ ما وردت من الأخبار في الموات ، منها : ما دلّت على أنّ الموات كلّها للإمام عليه السلام ، كمرسلة أحمد بن محمّد(1) .
ومنها : ما دلّت على أنّ كلّ أرض لا ربّ لها ، له عليه السلام ، كموثّقة إسحاق بن عمّار(2) ورواية أبي بصير(3) .
ومنها : ما دلّت على أنّ كلّ أرض ميتة لا ربّ لها ، له عليه السلام كمرسلة حمّاد(4) .
ومنها : طوائف اُخر بمضامين مختلفة .
وقد ذكرنا في بعض المباحث السالفة : أنّ المستفاد من مجموع الروايات في الأرضين وغيرها ، أنّ ما لا ربّ له للإمام عليه السلام ، سواء كان من الأرضين أم من غيرها (5) ، ويستفاد من تلك الروايات أيضاً ، أنّ الموات من الأرضين التي لا ربّ لها ، للإمام عليه السلام .
فيقع الكلام : في أنّ المراد من ال- «ربّ» فيها ، هل هو المالك بالمعنى الخاصّ ، فما لا يكون لها مالك فهي للإمام عليه السلام ، فمثل مرافق القرى ومراتعها ممّا
ص: 100
هي تابعة لها ، ولها نحو اختصاص بملاّكها - بناءً على عدم مملوكيتها لهم - تكون للإمام عليه السلام ، وكذا الأراضي الموقوفة للجهات العامّة إذا صارت مواتاً ، تكون له ؟
بل الموقوفات الخاصّة بناءً على أنّ الوقف مطلقاً فكّ الملك ، وكذا موات كلّ دولة ممّا هي للحكومة أو الوالي ، لا على نحو الملكية ، بل على النحو الآخر من الاختصاص .
أو من قبيل الولاية عليها ؟
أو أعمّ منه وممّن له نحو تعلّق بالمال ؟
يمكن القول : بالتفصيل بين الصورة الأخيرة وغيرها ، بأن يقال : إنّ المستفاد من الأدلّة - ولا سيّما مع بناء الدول والولاة - أنّ ما للوالي هي التي لا تعلّق لها
بالغير ، سواء كان التعلّق بنحو الملك أو الحقّ ، فمثل المراتع والمرافق التي هي من توابع الأملاك ، غير داخل في الأنفال ، وكذا الموقوفات التي صارت وقفاً لدرّ المنافع على الموقوف عليه .
فالمراد بال- «ربّ» ولو بمناسبات مغروسة في الأذهان ، هو معنىً أعمّ من المالك .
وإن شئت قلت : إنّ الإمام عليه السلام والوالي ، لا يزاحم أرباب الحقوق في حقوقهم ،
بل له ما لا مزاحم له .
وأمّا موات الدولة فليست كذلك ؛ لأ نّها ليست للدول والولاة بوجه :
أمّا الملك والحقّ فواضح .
وأمّا الولاية التي تدّعيها كلّ دولة أو والٍ على جميع الأرضين المتعلّقة بحيطة
ص: 101
سلطنتهم ، فإنّها غير نافذة شرعاً ، فتكون تلك الأرضون ممّا لا ربّ لها بنحو من الأنحاء .
مضافاً إلى أ نّه مع فتح الدولة بيد المسلمين ، تصير ولايتهم العرفية أيضاً ساقطة ، وتصير الولاية للحاكم الغالب ، وولاة الجور في الإسلام لا ولاية لهم بحسب الشرع ، فتكون تلك الأرضون ممّا لا ربّ لها ، فهي للإمام عليه السلام .
ثمّ إنّه مع صدق «الغنيمة» على الموات ولو في بعض الأعصار - كأعصارنا ممّا تكون الحدود بين الدول ملحوظة دقيقاً ، وتكون الأرضون شبراً شبراً متعلّقة للأغراض ، ولها منافع وقيم - يكون بين الآية الكريمة وما تدلّ على أنّ الموات للإمام عليه السلام ، العموم من وجه .
فإن قلنا : بأنّ الموات للإمام عليه السلام بنحو الملكية ، كسائر أملاكه الشخصية(1) ، تخرج الموات من الآية والروايات التي بمضمونها، موضوعاً ؛ فإنّ «الغنيمة» المأخوذة في موضوعها ، هي ما تكون ملكاً للكفّار أو تحت سلطتهم ، وأمّا لو فرض وجود شيء من أموال المسلمين بيد الكفّار ، وأخذه المسلمون منهم ، فلا يعدّ غنيمة ، ولا يخمّس ، بل يردّ إلى صاحبه المسلم .
فإذا كانت الموات قبل أخذها من الكفّار ، ملكاً للإمام عليه السلام ، تردّ إليه بعده ، ولا تكون غنيمة ، وإن صدقت عليها مع الغضّ عن ملكيتها له .
بل الظاهر كذلك لو قلنا : بأ نّها للإمام ، لا بنحو الملكية ، بل بنحو الولاية ، وأ نّ-ه وليّ عليها (2) ، له أن «يضعها حيث يحبّ ، وحيث يشاء» كما في
ص: 102
الروايات(1) ، فإنّها خارجة عن الغنائم أيضاً بعد كونها قبل الأخذ تحت ولايته النافذة .
مضافاً إلى أنّ المسألة ممّا لا إشكال فيها بحسب الفتوى .
فتحصّل من جميع ما مرّ : أنّ الأرض المغنومة إنّما تصير خراجية وللمسلمين ، بعد كونها مفتوحة عنوة ، وبعد كون الفتح بإذن الإمام عليه السلام ، وبعد كونها محياة حال الفتح ، كما عليه الأصحاب(2) .
ولو شكّ في المذكورات ، فتارة : يكون الشكّ في أ نّها فتحت عنوة ، أو صلحاً على أن تكون الأرض للمسلمين ، أو على أن تبقى لهم ، وتكون على الأرض أو على نفوسهم الجزية ، أو أ نّها فتحت بغير عنوة ، أو أسلم أهلها طوعاً .
واُخرى : يكون بعض الاحتمالات مقطوع العدم ، ويكون الشكّ في سائرها ، والشكّ ثلاثي الأطراف ، أو أقلّ ، أو أكثر .
لا إشكال في عدم إمكان إحراز أحد العناوين الوجودية بالأصل ، وأمّا إجراء استصحاب عدمه لنفي الحكم الشرعي عن الموضوع ، فهو مثبت ؛ لأنّ نفي الحكم مع عدم الموضوع عقلي ، لا شرعي ، إلاّ أن يدلّ دليل شرعي على نفيه ، أو على ثبوت حكم آخر متعلّق بنفيه .
ص: 103
فأصالة عدم الفتح عنوة لنفي كون الأرض للمسلمين ، إنّما تجري إذا دلّ دليل شرعي - منطوقاً أو مفهوماً - على أنّ ما لا تفتح عنوة ليست للمسلمين ، فيقال : إنّ هذه الأرض كانت ممّا لم تفتح عنوة في زمان ، فيستصحب ، ويترتّب عليها أ نّها ليست للمسلمين ، وأمّا إذا تعلّق الحكم بالفتح عنوة فقط ، واُريد استصحاب عدمه لنفي ملك المسلمين ، فهو مثبت .
وهذا أمر جارٍ في جميع الفقه ، فلو دلّ دليل على أنّ «من أحيا أرضاً . . . فهي له»(1) ، أو «من حاز شيئاً ملك»(2) واُريد باستصحاب عدمهما نفي الملكية الثابتة على العنوانين ، لكان مثبتاً .
نعم ، قد وردت في الأنفال روايات كثيرة ، مضمون أكثرها : أنّ الأنفال عبارة عمّا لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب(3) ، ويظهر منها - مع اختلاف في التعبير - أنّ الموضوع هو ما ذكر ، وأنّ التعابير الاُخر من قبيل ذكر المصاديق لهذا العنوان ، من غير دخالة قيود اُخر .
لكن لا إشكال في أنّ هذا العنوان العامّ ، ليس موضوعاً لمال الإمام عليه السلام ؛ ضرورة صدقه على ما يؤخذ من الكفّار صلحاً ، على أن تكون الأرض للمسلمين أو لهم ، وعليهم الجزية ، بل صدقه على الأرض التي كانت في يد الكفّار ، ولم يتعرّض لها المسلمون ؛ فإنّها أيضاً أرض لم يوجف عليها
ص: 104
بخيل ولا ركاب ، فالموضوع أخصّ منه .
فحينئذٍ إن كان الموضوع «الأرض المغنومة التي لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، ولم تقع عليها المصالحة» وكان القيد للموضوع ، فلا حالة سابقة معلومة له ، والإشكال فيه نظير ما ذكرناه في أصالة عدم التذكية : من أنّ الموضوع للحكم الشرعي «ما زهقت روحه بلا شرائط شرعية» وهو غير متيقّن ، وما هو المتيقّن عنوان أعمّ ، وإجراء الأصل لإثبات عنوان أخصّ منه ، مثبت(1) .
وفي المقام : عنوان «الأرض المغنومة التي لم يوجف عليها بخيل» ليست له حالة سابقة متيقّنة ، واستصحاب عدم كون الأرض مغنومة كذلك ، إلى زمان حصول الغنيمة - لإثبات الكون الرابط - مثبت .
وإن كان الموضوع «الأرض» وكان الاغتنام من قبيل الشرط لتحقّق الملكية للإمام عليه السلام ، فيقال مشاراً إلى أرض : إنّها كانت في زمان لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، فيستصحب ، وحكمها : أ نّه إذا غنمها المسلمون فهي للإمام عليه السلام ، والفرض ثبوت تسلّط المسلمين عليها ، وأخذها من الكفّار .
فإذا فهمنا من مجموع الأدلّة ، أنّ الأرض التي لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، إذا تسلّط عليها المسلمون أو غنموها ، كانت للإمام عليه السلام ، فيستصحب الموضوع ، وتحقّق الشرط وجداني ، فيترتّب عليه الحكم .
نعم ، هنا بعض عناوين اُخر مشكوك فيها ، ومسبوقة بالعدم ، كاحتمال وقوع الصلح عليها على أن تكون الأرض للمسلمين ، أو على أن تكون للكفّار ،
ص: 105
وعليهم الجزية ، والأرض المذكورة قبل بعث العسكر كانت ممّا لم يصالح عليها بوجه ، ولم يوجف عليها بخيل ، وكلّ أرض كذلك فهي للإمام عليه السلام .
وبالجملة : في مثل الفرض ، يحرز موضوع الحكم بشرائطه بالأصل والوجدان .
وممّا ذكرنا يظهر حال الشكّ في إذن الإمام عليه السلام ، إذا كان المستند فيه مرسلة الورّاق(1) فإنّ الغزو بغير إذن الإمام عليه السلام ، ليست له حالة سابقة معلومة ، والمتيقّن هو عدم الغزو بإذنه ، واستصحابه لإثبات الغزو بغير إذنه ، مثبت .
وكذا حال الشكّ في كون الأرض محياة حال الفتح ؛ فإنّ الموضوع لمال الإمام عليه السلام لو كان «الأرض التي لم تكن محياة حال الفتح» فلا حالة سابقة معلومة لها ، فما في ظاهر كلام الشيخ الأعظم قدّس سرّه : من جريان الأصل في هذا الفرض(2) ، غير ظاهر .
نعم ، لو كان الموضوع «الأرض الميتة» أو «غير المحياة إلى زمان الفتح» لا بأس به ، كما أ نّه لو كان الموضوع «الأرض التي لا ربّ لها إلى زمان الفتح» لا بأس بإجرائه .
ومع الغضّ عن الاُصول المذكورة أو الإشكال فيها ، يمكن إجراء أصالة بقاء
ص: 106
ملك الإمام ، بناءً على كون الموات والأنفال للإمام عليه السلام في كلّ عصر ، فكانت لآدم عليه السلام ، وبعده للمصطفين الذين اصطفاهم اللّه كما هو المرويّ(1) وإنّما خرجت عن ملكه بالإحياء .
بل يمكن استصحاب كون الأرض نفلاً ؛ فإنّها كانت للّه تعالى قبل الإحياء ، وإنّما خرجت بالإحياء من النفل ومن كونها له تعالى بهذه الحيثية ، ومع الشكّ يستصحب بقاؤها ، فتندرج في قوله عليه السلام في بعض الروايات : «ما كان للّه فهو لرسول اللّه ، وما كان لرسول اللّه فهو للإمام عليه السلام »(2) وبعد الاندراج فيه تندرج في قوله صلي الله عليه و آله وسلم : «من أحيا أرضاً مواتاً فهي له»(3) أو قوله عليه السلام : «ما كان لنا فهو لشيعتنا»(4) .
ثمّ إنّه يثبت الفتح عنوة ، وكذا إذن الإمام عليه السلام ، والحياة حال الفتح ، بما تثبت به سائر الموضوعات : من الشياع المفيد للعلم ، والاطمئنان ، والبيّنة .
وأمّا الظنّ الحاصل من الشياع أو من غيره ، ففي كفايته إشكال ، بل منع ، كما
ص: 107
أنّ الثبوت بخبر الواحد - ولو كان عدلاً - كذلك .
كما أنّ جواز الرجوع إلى أهل التأريخ - كالرجوع إلى أهل الخبرة - محلّ إشكال .
هذا ، لكن حصول الشياع المفيد للعلم ، يشترط فيه ما يشترط في التواتر في الأخبار : من لزوم كون الشياع في جميع الطبقات إلى زمان الواقعة ، فلو شاعت قضيّة تأريخية في عصرنا كمال الشيوع ، لكن كان مستند الشياع نقل عدد معدود من أهل التأريخ ، لا يحصل من ذلك العلم بنفس القضيّة ، بل يحصل منه العلم بوجودها في كتب التأريخ ، وهو غير مفيد .
وأمّ-ا البيّنة ، فإن قامت على بيّنة سابقة عليها سماعاً ، والسابقة على سابقتها . . . وهكذا متسلسلاً إلى زمان الواقعة ، فلا إشكال في الثبوت .
وأمّا لو شهد عدلان في هذا العصر بالواقعة التي حدثت في صدر الإسلام ، وكان مستند علمهم عين ما لا يحصل منه العلم لنا ، وإن حصل للبيّنة ، ففي حجّيتها إشكال ، بل منع .
مثلاً : لو شهدت عدّة لم تثبت عدالتهم برؤية الهلال ، ولم يحصل لنا العلم برؤيتهم ، ولكن حصل العلم للعدلين من شهادتهم ، ثمّ شهدا بثبوت الهلال ، فالاتّكال على قولهما مشكل ، ودليل حجّية قول البيّنة منصرف عنه .
نعم ، لو شهدا ولم نعلم مستندهما في ذلك ، فلا إشكال في الحجّية ، لكن المستند في المورد المبحوث عنه معلوم ، ولا يحتمل كون شيء وراء التواريخ عندهما .
والإنصاف : أنّ ثبوت القضايا التأريخية شرعاً من الأعصار القديمة بنقل
ص: 108
المؤرّخين ، في غاية الإشكال ، ولا سيّما مع ما نرى من اختلاف الناقلين ، ومع ملاحظة ما نرى من عدم إتقان التواريخ التي تنقل القضايا الواقعة في عصرنا ، والأعصار متشابهة ، والأهواء كثيرة .
ثمّ إنّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه ، قد تشبّث لثبوت الإذن في أرض العراق تارة : بما تدلّ على أ نّها ملك المسلمين(1) ، وسيأتي الكلام فيها (2) .
واُخرى : بما في «الخصال»(3) وقد تقدّم الكلام فيه(4) .
وثالثة : بما اشتهر من حضور أبي محمّد الحسن عليه السلام في بعض الغزوات ، ودخول بعض خواصّ أمير المؤمنين عليه السلام من الصحابة - كعمّار - في أمرهم(5) .
وفيه : - مضافاً إلى عدم ثبوت حضور أبي محمّد عليه السلام في تلك الغزوات - أنّ ذلك لا يدلّ على رضاهم ، ولعلّهم كانوا في ذلك مجبورين ملزمين ، ومعلوم أ نّه لم يمكن لهم التخلّف عن أمر المتصدّين للخلافة .
ورابعة : بإمكان الاكتفاء عن الإذن المنصوص في مرسلة الورّاق(6) بالعلم من
ص: 109
شاهد الحال برضاهم بالفتوحات الإسلامية ، الموجبة لتأيّد هذا الدين(1) .
وفيه : أنّ مقتضى مرسلة الورّاق ، اعتبار أمر الإمام عليه السلام ، ومقتضى صحيحة معاوية بن وهب(2) اعتبار أمير أمّره الإمام عليه السلام ، والعلم برضا الإمام عليه السلام - على فرضه - لا يثبت شيئاً من العنوانين ، بل مقتضاهما عدم كفاية الإذن في صيرورة الأرض خراجية .
ولو فرض كفايته ، لكن الرضا غير الإذن ، فمع الرضا تصير الأرض وغيرها من الغنائم للإمام عليه السلام .
وخامسة : بحمل الصادر من الغزاة من فتح البلاد على الوجه الصحيح ، وهو كونه بأمر الإمام عليه السلام (3) .
وفيه : أنّ الفتح لا يتّصف بالصحّة والفساد ، وكذا الغزو .
نعم ، يتّصفان بالحرمة والحلّية ، لكن لا دليل على الحمل على الحلال ؛ لا من بناء العقلاء ، ولا غيره ، وعدم الحمل على الحرمة غير الحمل على الحلّية ، مع أنّ كشف إذن الإمام عليه السلام عنه محلّ إشكال .
ولو اُريد ب- «الصحيح» ما يترتّب عليه أثر شرعاً ، لم يفد في المقام ؛ لأنّ الغزو أو الفتح بإذنه وإن كان يترتّب عليه أثر شرعاً ، وهو صيرورة المفتوح ملكاً
ص: 110
للمسلمين ، لكن الغزو بغير إذنه أيضاً يترتّب عليه أثر شرعاً ، وهو صيرورته ملكاً للإمام عليه السلام ، فالحمل على أحدهما بلا وجه .
مضافاً إلى أنّ مورد الحمل على الصحّة ، ما إذا لم يعتقد الفاعل عدم دخالة الشرط ، ومعه لا يحمل على الصحّة ، وحصول الشرط من باب الاتّفاق ، وفي المقام لم يعتقد الغزاة دخالة هذا الشرط ، بل الأكثر لم يعتقدوا إمامتهم عليهم السلام .
وأمّا الروايات : فطائفة منها وردت في خصوص أرض السواد ، وهي صحيحة الحلبي(1) ورواية أبي الربيع الشامي(2) .
وفي الاُولى : «إنّ أرض السواد للمسلمين» .
وفي الثانية : «إنّها فيء للمسلمين» .
وقد استدلّ بها الشيخ الأعظم قدّس سرّه على أ نّها مفتوحة بإذن الإمام عليه السلام (3) .
وفيه : أنّ المحتمل أن يكون الحكم فيها لأجل كونها مفتوحة بإذنه ، وأن يكون لأجل عدم اعتبار إذنه عليه السلام في خصوص أرض السواد ، أو في الأرض مطلقاً ، أو عدم اعتباره في زمان عدم بسط يده عليه السلام .
أو لأنّ الإذن وإن كان معتبراً ، ولكنّها اُلحقت بالخراجية حكماً لا موضوعاً : إمّا لأجل مصلحة المسلمين ، أو لأجل التقيّة وعدم قدرة أمير المؤمنين عليه السلام على تغيير ما فعله المتصدّون للخلافة ، ولا سيّما في مثل تلك الواقعة .
لكنّ الظاهر منها أ نّها خراجية موضوعاً ، والإلحاق الحكمي خلاف الظاهر ،
ص: 111
فدار الأمر بين الاحتمالين الأوّلين ؛ أي اعتبار الإذن وتحقّقه ، وعدم اعتباره ، ولا مرجّح للأوّل .
وما أفاده الشيخ قدّس سرّه : من كشف الأدلّة عن كون الفتح بإذنه(1) ، مبنيّ على مبنىً غير مرضيّ ؛ فإنّ أصالة العموم أو الإطلاق ، إنّما هي حجّة في كشف المراد ، وأمّا بعد معلوميته ، ودوران الأمر بين التقييد أو التخصيص ، وبين الخروج موضوعاً أو التخصّص فلا . فلو ورد : «أكرم كلّ عالم» وشكّ في كون زيد العالم واجب الإكرام ، فأصالة العموم محكّمة ، وأمّا لو علم عدم وجوب إكرامه ، وشكّ في كونه عالماً حتّى يكون الخروج تخصيصاً ، أو جاهلاً حتّى يكون تخصّصاً ، فلا أصل يحرز ذلك ، ويكشف حال الفرد ، والتفصيل في مقامه(2) .
فتحصّل ممّا ذكر : أ نّه لا دليل على أنّ الفتح كان بأمره أو بإذنه .
وبهذا ظهر الكلام في الشرط الآخر ، وهو كون الأرض محياةً حال الفتح ، فإنّ الدوران بين التخصيص والتخصّص ، بالنسبة إلى ما تدلّ على أنّ الموات للإمام عليه السلام ، جارٍ هنا أيضاً ، ولا دليل على كشف وجود الشرط .
ثمّ إنّ-ه قد يقال : إنّ الظاهر من الروايتين المتقدّمتين ، أنّ أرض العراق مطلقاً خراجية ، فبناءً على كشفه عن تحقّ-ق الشرط ، يدلّ على أ نّها كانت محياة فعرضها الموت المشهود فعلاً ، كما ذهب إليه
ص: 112
الشيخ الأعظم قدّس سرّه (1) ، وأيّده بمقدار المساحة التي وردت في كتب النقل(2) .
والظاهر أنّ منشأ التوهّم هو ما قيل : «من أنّ السواد هو العراق»(3) مع أنّ الواقع خلاف ذلك ؛ فإنّ «السواد» - على ما نصّ عليه أئمّة اللغة والأدب - هو رستاق العراق وقراها ، والأرض المحيطة بها .
ففي «القاموس» : السواد من البلدة قراها . . . إلى أن قال : رستاق العراق(4) ، والرستاق هو القرى وما يحيط بها من الأرضين .
وفي «المنجد» : سواد العراق لما بين البصرة والكوفة ، ولما حولهما من القرى(5).
وفي «الصحاح» : سواد الكوفة والبصرة قراهما (6) .
وفي «المجمع» : سواد الكوفة نخيلها وأشجارها ، ومثله سواد العراق(7) .
وفي «تأريخ التمدّن الإسلامي» : ويسمّى ما بين دجلة والفرات «السواد»(8) .
وعن «المبسوط» : وأمّا أرض السواد ، فهي الأرض المغنومة من الفرس التي
ص: 113
فتحها عمر ، وهي سواد العراق(1) . والظاهر منه : أنّ سواد العراق غير العراق .
ومن الغريب تأييد الشيخ الأعظم قدّس سرّه ما أفاده بالمساحة المنقولة ، وهي ستّة أو اثنان وثلاثون ألف ألف جريب(2) ، مع أنّ هذا المقدار في مقابل مساحة العراق ، شيء قليل ؛ فإنّ مساحته - على ما في «جغرافية العراق» - : 438446 كيلومتر مربّع .
وعن «أعلام المنجد» : 444442 كيلومتر مربّع(3) .
فبناءً على كون الجريب ألف متر مربّع ، تصير على التقدير الأوّل : 438446000 جريب ، وعلى الثاني أكثر منه ، فمساحته بالنسبة إلى التقدير المتقدّم - أي ستّة أو اثنين وثلاثين ألف ألف جريب - أكثر بكثير .
ولو كان الجريب ستّين ذراعاً في ستّين ذراعاً ، وهو نصف الذرع ، كانت مساحة العراق أيضاً أكثر من التقدير المذكور بكثير .
مع أنّ لازم كون جميع أرض العراق في عصر الفتح معمورة ومحياة ، أن تكون نفوسها أكثر من العدد المعهود من سكّانها بكثير ، وهو واضح الخلاف .
مضافاً إلى أنّ «السواد» إذا كان تمام أرض العراق ، يقع التعارض بين صحيحة الحلبي(4) ورواية أبي الربيع(5) وبين ما تدلّ على أنّ الموات
ص: 114
للإمام عليه السلام (1) فيكون الترجيح للثانية ؛ لموافقتها للكتاب ، فإنّ الأنفال للّه والرسول ، ومنها الموات .
ولو شكّ في كون «السواد» تمام أرض العراق أو محياتها ، لم تكن الصحيحة حجّة في مواتها ، فيؤخذ بالروايات الدالّة على أ نّها للإمام عليه السلام .
فعلى ما ذكر : تكون أرض الأعتاب المقدّسة وسائر ما حدثت فيه العمارة في عصر الخلفاء ومن بعدهم ، باقية تحت الأصل الذي قدّمناه ؛ من كونها للإمام عليه السلام ، وأنّ من أحياها فهي له ، فلا يبقى إشكال فيها .
وتوهّم : العلم الإجمالي بأنّ كثيراً من أرض العراق كانت محياةً ، فلا بدّ من الاحتراز عن الجميع(2) . مدفوع : بأنّ كثيراً من البلاد معلومة حياتها في عصر الفتح تفصيلاً ، وهي التي كانت في صدر الإسلام معروفة مذكورة في جميع الكتب والتواريخ ، وليس لنا علم زائداً على ما ذكر .
هذا مع الغضّ عن عدم منجّزية العلم الإجمالي ، فيما إذا كان بعض الأطراف خارجاً عن محلّ الابتلاء ، لا لما ذكروه من الوجه في عدم منجّزيته(3) ، بل لما ذكرناه في محلّه(4) .
ص: 115
ثمّ إن قلنا في المحياة منها حال الفتح : بأنّ المستفاد من مجموع روايات الباب ، أنّ تلك الأرضين خراجية حكماً لا موضوعاً (1) - بمعنى أنّ الإمام عليه السلام
أجاز ما فعله الحكّام ؛ من أخذ الخراج وصرفه ، لا أ نّها خرجت عن ملك الإمام عليه السلام ؛ وصارت خراجية - فلا إشكال ؛ لما مرّ من أ نّه لا ينافي ذلك إجازته للشيعة في الإحياء ، والتملّك ، والتصرّفات الاُخر(2) .
والنهي عن البيع والشراء - كما في الروايات المتقدّمة(3) - وإن كان منافياً لذلك ، لكن يمكن صدورها لأجل مصلحة ، أو لتقيّة من الخلفاء ، ولا سيّما في مثل هذا الأمر الذي هو مضادّ لمقام السلطنة ، وولايتهم الجائرة ، ولهذا ترى ورود الإجازة في أخذ الجوائز(4) وبقاء الأرض الخراجية تحت يد بعض الشيعة(5) .
وإن قلنا : بأنّ تلك الأرضين من العراق وغيره التي فتحت بعد النبي صلي الله عليه و آله وسلم ، خراجية واقعاً(6) : إمّا لحصول الشروط ، أو لسقوطها مع عدم بسط يد الإمام عليه السلام ،
ص: 116
فيمكن أن يقال : إنّ خلفاء الجور إن أخذوا الخراج باسمه ، وصرفوه كلاًّ أو بعضاً في المصارف المقرّرة من المصالح العامّة ، كانت أعمالهم نافذة ؛ لكون ذلك من الحسبيات .
فمع عدم إمكان تصدّي من له الحقّ ، لو تصدّى غيره جاز ونفذ ، وإن كان معاقباً لتصدّي ما ليس له ، بل في نفس التصرّفات أيضاً ، نظير من جعل نفسه مضطرّاً لأكل الميتة لحفظ نفسه ، فإنّ-ه يجب عليه حفظها ، ويعاقب على أكل الميتة .
وأمّا إذا كان الخراج متروكاً أخذاً وصرفاً ، أو صرفاً فقط ، ودار الأمر بين ترك تلك الأرضين الخراجية خربة ، وجلاء أهلها إلى محالّ اُخر ؛ ممّا هو غير مرضيّ للشارع الأقدس ، وبين بقاء القاطنين وتعميرهم الأرضين ، وصرف منافعها في إعاشتهم التي هي أيضاً من المصالح في الرتبة المتأخّرة ، كان الثاني متعيّناً بعد عدم إمكان القيام بالمصالح العامّة ؛ من الجهاد ونحوه .
ولو اُغمض عنه أيضاً ، فكما أنّ للنبي والإمام عليهما الصلاة والسلام - بولايتهم العامّة - الإجازة في تلك الظروف في تملّكها وبيعها وشرائها بعد اقتضاء المصلحة ، كذلك للفقيه العدل ذلك ؛ لولايته العامّة .
ثمّ إنّه مع احتمال الصحّة في تصرّفات المسلمين وأيديهم على الأرضين ، يؤخذ بمقتضى أيديهم ، وتحمل أعمالهم على الصحّة .
وإن شئت قلت : إنّ تلك الأرضين وصلت إلى الطبقة الموجودة من أيدي أسلافهم ، مع احتمال كون تملّكهم على وجه شرعي ، فيجوز لنا ولهم ترتيب آثار الملكية .
ص: 117
ص: 118
ص: 119
ص: 120
ثمّ إنّ المحكيّ عن الفاضلين وجمع ممّن تأخّر عنهما في شروط العوضين - بعد الملكية - كونه طلقاً (1) ، وفرّعوا عليه عدم جواز بيع الوقف والرهن وغيرهما .
وقد فسّرت الطلقية تارة : بتمام الملكية(2) ، واُخرى : بتمام السلطنة(3) .
فإن كان المراد من تمام الملكية ، أن يكون ملكاً محضاً خالصاً عن تعلّق حقّ به ، ففيه ما لا يخفى ؛ فإنّ العين المستأجرة يجوز بيعها ، مع عدم كونها ملكاً محضاً بهذا المعنى .
ص: 121
وإن كان المراد ، خلوّها عن الموانع المعدودة المتفرّعة عليه ، فهو لا يرجع إلى محصّل ، وبهذا يظهر الكلام في التفسير الثاني .
مضافاً إلى أنّ تمام السلطنة من شرائط المتعاملين ، لا العوضين .
وعلى أيّ حال : إن كان المراد من الطلق انتفاء الموانع كما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه (1) ، فيرجع ذلك إلى اشتراط عدم المانع .
وهو مبنيّ على أنّ عدم المانع من الشروط - كما قيل - حتّى في التكوين(2) ، مع أ نّه في التكوين واضح الفساد ؛ فإنّ الشرط له خصوصية بها تكون له نحو دخالة في تحقّق المعلول ؛ إمّا لكونه شرطاً في فاعلية الفاعل ، أو في قابلية القابل ، والأعدام لا تعقل فيها خصوصية ، ولا دخالة في تحقّق شيء .
والتشريع لو كان كاشفاً عن مصالح ومفاسد ، ودخالة الموضوعات والشرائط في نيل المصالح والتخلّص عن المفاسد، لكان كالتكوين، بل هو عينه بهذا المعنى.
فالموانع في التكوين والتشريع على هذا الفرض ، هي الموجودات التي تزاحم الممنوعات في التحقّق ، فما اشتهر : من أنّ عدم المانع من أجزاء العلّة(3) ليس على ما ينبغي ، ولو وقع في كلام أهل التحقيق فلا بدّ وأن يأوّل .
وكذا لو قلنا في التشريع : بعدم خصوصية في الشرائط ، ولا في الموانع ، بل
ص: 122
كلّ منهما جعلي اعتباري ، فما جعله الشارع الأقدس شرطاً فهو شرط ، وما جعله مانعاً فهو مانع ، على فرض جعليتهما .
وكذا على فرض انتزاعيتهما والجعل التبعي ؛ إذ كما أنّ جعل الشرطية ، لازمه عدم تحقّق المشروط مع عدمه في نظر المقنّن وبحسب جعله ، كذلك لازم جعل المانعية مزاحمة المانع لتحقّق الممنوع في نظره وبحسب جعله .
وإن شئت قلت : لا بدّ من ترتيب أثر الشرط والمانع الواقعيين ، فاعتبار الشرط يقابل اعتبار المانع ، فلا يرجع جعل المانع إلى جعل شرطية عدمه .
كما أ نّه لا إشكال في أ نّه مع جعل المانعية لشيء ، لا يحتاج إلى جعل الشرطية لعدمه ؛ فإنّه مع جعل أحدهما ، يغني عن الآخر لو فرضت صحّة جعلهما ، وكون جعلهما ذا أثر في الجملة ولو في جريان بعض الاُصول ، غير مسلّم بل ممنوع ، مع أنّ إرجاع نظر الجاعل إلى مثل ذلك ، بعيد .
ففي موارد دوران الأمر بين الشرطية والمانعية ، لا بدّ من ملاحظة نفس الماهيات ، أو ملاحظة الأدلّة الدالّة على الجعل .
ففي المقام : يدور الأمر بين مانعية الوقف أو نظائره ، وبين شرطية عدمها بناءً على المسلك المذكور ، وإلاّ فلا دوران على المذهب المنصور ، بل يكون الوقف والرهن وغيرهما من الموانع مانعاً ، لا أعدامها شرطاً .
ثمّ إنّ ما قد يقال : من أنّ المانع هو الجامع بين تلك الموارد(1) لا يرجع إلى محصّل عند المحصّلين ، فلا بدّ من البحث عن كلّ ما قيل بمانعيته مستقلاًّ .
ص: 123
لا يجوز بيع الوقف إجمالاً ، وهو ممّا لا إشكال فيه ، لكن عدم الجواز ، هل هو لمنافاة ماهية الوقف للجواز أو لصحّة بيعه ، أو لأنّ لازم ماهيته ذلك ، أو لا ذا ولا ذاك ، بل لأنّ مقتضى الإجماع أو الأدلّة الشرعية ذلك ؟
فلا بدّ من بيان ماهيته أوّلاً حتّى يتّضح الأمر .
والمعروف في تعريفه : تحبيس العين وتسبيل المنفعة(1) ، أو إطلاق المنفعة(2) ، فقد نقل عن صاحب «الجواهر» قدّس سرّه تبعاً لكاشف الغطاء : أنّ الحبس هو الممنوعية عن التصرّفات ، فإذا جاز التصرّف خرج عن الوقفية(3) .
ص: 124
واُشكل عليهما تارة : بأنّ المنع إمّا مالكي ، أو شرعي ، ولا ثالث لهما :
أمّا عدم كونه منعاً مالكياً ، فلأنّ منع الغير عن التصرّف ، لا يعقل أن يكون موقوفاً على القبول ، والوقف يصلح أن يتوقّف عليه ، بل المعروف : أ نّه موقوف عليه ، ولا سيّما في الوقف الخاصّ .
واُخرى : بأنّ المنع المالكي لا يتصوّر إلاّ في ظرف بقاء العين على ملك المانع ، وإلاّ فلا معنى لمنعه عمّا لا مساس له به ، والحال أنّ خروج العين عن ملك الواقف ممّا لا كلام فيه(1) .
ويرد على الأوّل : أنّ موقوفية الوقف على القبول أوّل الكلام ، بل الظاهر عدمها ؛ وأنّ الوقف من الإيقاعات كما يأتي(2) .
مضافاً إلى أنّ جعل الممنوعية على فرضه ، ليس ممنوعية لا مساس لها بالقابل ؛ فإنّ الحبس عليه على هذا الفرض ، قرار كونه ممنوعاً عنه ، نظير شرط النتيجة ، وهو يحتاج إلى القبول .
وعلى الثاني : أنّ إيقاع المنع إنّما هو في زمان مالكيته ، فلو كان الحبس هو الممنوعية ، لكان حصول الممنوعية وخروج العين عن ملكه ، بإنشائها في زمان مالكيته ، ولا يعتبر في جعل المالك وتصرّفه في ملكه إلاّ كونه ملكاً له حال التصرّف ، نظير الشرائط في ضمن العقد ، فلو شرط على المشتري عدم بيعه ، أو شرط إجارته في رأس السنة الآتية ، صحّ وإن لم يكن ملكاً له في رأسها ، وهو واضح .
ص: 125
نعم ، يرد عليه : أنّ اعتبار الوقف ليس نفس الممنوعية عن التصرّف ، بل هي من أحكامه ، فلو كان المنع أو الممنوعية نفس ماهيته ، جاز إيقاع الوقف بقوله : «جعلتك ممنوعاً» أو «أنت ممنوع من التصرّفات» والضرورة قاضية بأنّ هذا ليس وقفاً ، ولا موجباً لدرّ المنافع على الموقوف عليه ، وليس ذلك إلاّ لأنّ الحبس أو الوقف ، ليس هو الممنوعية .
مضافاً إلى أنّ الوقف ليست له حقيقة شرعية ، بل هو أمر عقلائي رائج بين منتحلي سائر الملل ، بل لعلّ-ه متعارف عند غير منتحلي الأديان أيضاً ، والمفهوم العقلائي منه ليس هو الممنوعية ، وسيأتي توضيحه إن شاء اللّه تعالى(1) .
وقد يقال : إنّ الحبس هو قصر الملك على شخص أو جهة ؛ بحيث لا يتعدّاهما ، وحيث إنّ الملكية حقيقة واحدة ؛ لا تتفاوت في الوقف وغيره ، فحيثية عدم التعدّي عن موضوعها ، راجعة إلى عدم نفوذ التصرّف شرعاً ، فيكون تفاوت الملك في الوقف مع غيره ؛ بكونه محكوماً شرعاً بعدم الانتقال من موضوعه - إلى أن قال : - مرجع قصر العين ملكاً مثلاً ، قصر ملكيتها على شخص ، لا أنّ المنشأ والمتسبّب إليه نفس اعتبار الملكية ؛ فإنّه غير مناسب لمفهوم «الوقف» . . . إلى أن قال : ولو فرض أنّ المنشأ في الوقف هو الملكية ، فالظاهر - من حيث كون الحبس والقصر ملحوظاً للواقف ، وأنّ نظره إلى إنشاء الملك المقصور على الشخص - هو التسبّب إلى حصّة من طبيعي الملكية ،
ص: 126
الملازمة للحكم الشرعي بعدم الانتقال إلى غيره(1) انتهى .
وفيه : أنّ ماهية الحبس إذا كانت قصر الملك على شخص أو جهة ، وأنّ تفاوت الملك الحاصل بالبيع ونحوه مع الحاصل بالوقف إنّما هو بأمر خارج ؛ هو عدم نفوذ التصرّف شرعاً ، ففي كلّ مورد لم يحصل قصر الملك بهذا المعنى ، لا بدّ من الالتزام بأحد أمرين فاسدين بالضرورة :
إمّا الالتزام : بأنّ الوقف على غير ما يصلح للمالكية - نظير الوقف على الحيوانات ، أو على معنىً مصدري نظير الإحجاج والإرسال إلى المشاهد ، ووقف المسجد والمشعر - خارج عن ماهية الوقف .
أو الالتزام : بأنّ الحيوان والحديقة والمعاني المصدرية ، تصير بالوقف مالكة ، فلو وقف شيء على الإحجاج ، يصير الإحجاج مالكاً ، أو على حديقة الحيوانات تصير الحديقة أو الحيوانات مالكة ، وهو كما ترى .
والالتزام : بأنّ حقيقة الوقف تختلف باختلاف الموارد ، له في كلّ مورد معنىً ، لا يقصر عن الالتزامين المتقدّمين .
وفي كلامه موارد نظر ، بل تناقض ، لا يهمّنا البحث عنها .
ثمّ إنّ الأقسام التي ذكروها للوقف - كوقف المسجد ، والمشهد ، والقناطر ، والخانات ، والعامّ ، والخاصّ . . . إلى غير ذلك - ليست أقساماً للوقف ، بل أقسام لمتعلّقه ، والوقف حقيقة واحدة في جميع الموارد ، والوقف على الجهة العامّة ليس في الوقفية ممتازاً عن الوقف الخاصّ ، بل امتيازهما بالمتعلّق ، بعد
ص: 127
اشتراكهما في الحقيقة ، وكذا سائر الأقسام .
فعلى ذلك : لو كان بعض أقسامه ممّا لا يعقل فيه الملكية والمالكية كالأمثلة المتقدّمة ، نستكشف منه أنّ الوقف - بما هو - ليس تمليكاً ، ولا قصراً للملكية ، فلا بدّ من تعريفه بوجه يدخل فيه جميع موارده مع الغضّ عن متعلّقاته .
فما يظهر من بعضهم : من أنّ الوقف قد يكون تحريراً ، وقد يكون تمليكاً (1) لا ينبغي أن يصغى إليه .
والذي يمكن أن يقال : إنّ اعتبار الوقف في جميع الموارد إيقاف الشيء على جهة ، أو شخص ، أو غيرهما ؛ لتدرّ المنافع منه عليها ، فبقوله : «وقفت عليه» مع التعدية ب- «على» المقتضية للعلوّ ، كأ نّه جعل العين - في الاعتبار - على رأس الموقوف عليه لا تتعدّاه ، لتدرّ منافعها عليه ، ولا تتعدّى المنافع عنه ؛ تبعاً لعدم تعدّي نفس العين عن رأسه اعتباراً .
وهذا المعنى مع كونه موافقاً للاعتبار العقلائي ، صادق في جميع الموارد .
نعم ، لا يبعد في المساجد والمعابد التي في سائر الأديان ، أن يكون اعتبارها غير اعتبار الوقف ، وهو اعتبار المسجدية والمعبدية ، وهو أمر آخر غير الوقف ، وإن اشترك معه في بعض الأحكام .
ص: 128
فلو قال : «وقفت هذا المكان لانتفاع المسلمين في عباداتهم» لا يصير مسجداً ؛ تترتّب عليه أحكامه .
ولو قال : «جعلته مسجداً» يصير مسجداً تترتّب عليه الآثار ولو كان غافلاً عن الوقف على المسلمين .
ولو قال : «وقفت على المسلمين ؛ ليكون مسجداً لهم» صحّ مسجداً ، ويكون وقفاً موافقاً لسائر الموارد .
ولو قيل : إنّ الوقف مقابل الحركة واللاسكون ، فلا بدّ من لحاظ عدم الحركة ، وعدمها ليس في المكان ، بل في الاعتبار ، وهو عدم النقل ، كالبيع وغيره ، فيرجع الوقف إلى جعل الشيء ساكناً عن الانتقال ، وممتنعاً عن التصرّفات الناقلة والمعدِمة ، كما هو المنقول عن «الجواهر»(1) .
قلنا : الوقف على الشخص أو الجهة ، مقابل التجاوز عنه ، فإذا وقف على شخص ، صار هو الموقوف عليه ؛ أي وقف عليه ، ولم يتعدّ عنه إلى غيره .
هذا لو سلّم لحاظ عدم الحركة والوقوف عن الحركة في الوقف ، ولكنّ الظاهر عدم لحاظها في الوقف ، فلا ينقدح في ذهن الواقف إلاّ عنوان «الوقف على فلان» أو «على كذا» .
وعلى ما ذكرناه ، ليس بين ماهية الوقف وجواز النقل أو نفس النقل ، مضادّة ومنافرة .
ص: 129
وتوهّم : كون الوقف الدائم والمؤبّد منافياً للنقل ؛ من أجل أنّ النقل ولو سلّم عدم منافاته لنفس الوقف لكنّه منافٍ لدوامه .
غير وجيه ؛ لأنّ الدوام والانقطاع فيه كالدوام والانقطاع في باب النكاح ، فكما أنّ النكاح الدائم لا ينافي جواز الطلاق أو نفسه ، فمعنى دوامه أ نّ-ه لا أمد له حتّى ينقضي في رأسه ، وإن أمكن وصحّ قطعه بالطلاق ، فكذلك الدوام في الوقف ، معناه أ نّ-ه غير منقطع حتّى ينقضي في رأس أمده ، فما لم يكن سبب لفسخه فهو باقٍ ، بخلاف المنقطع الذي يكون اقتضاؤه قصيراً وإلى وقت محدود .
فتحصّل ممّا ذكر : أنّ الوقف بنفسه غير مانع عن النقل ، فلا بدّ من إقامة دليل على المنع .
ويمكن الاستدلال عليه : بعدم كونه مملوكاً ؛ لا للواقف ، ولا للموقوف عليه ، بل هو تحرير وفكّ ملك ، فلا يصحّ بيعه ؛ فإنّه «لا بيع إلاّ في ملك» ولو تمّ ذلك ، يكون بطلان بيعه من جهة عدم الاقتضاء ، لا لوجود المانع ، أو لفقد الشرط ؛ وهو عدم الوقف ، ويتمّ ذلك لو ضمّ إليه عدم ثبوت ولاية وسلطنة لأحد على بيعه في غيرما استثني منه .
ص: 130
أمّا عدم ملك الواقف ، فلا شبهة فيه ، لا لما قيل : من أنّ الوقف تمليك خاصّ ، أو تمليك حصّ-ة خاصّ-ة ، أو قصر الملكية ، ولازمه زوال ملكه(1) ؛ لما تقدّم ما فيه(2).
ولا لما قيل : من أنّ ذلك هو المراد من إنشائه الذي شرع الشارع المعنى المتعارف فيه على نحو شرعه في باقي العقود ، وإن جعل لها شرائط صحّة ولزوم(3) ؛ فإنّه إن رجع إلى أ نّه من العقود ، وكلّ عقد يقتضي زوال ملك الموجب ، ففيه منع كلّية الكبرى ، بل منع الصغرى أيضاً ، على ما يأتي التنبيه عليه(4) .
وإن رجع إلى أنّ إنشاء الوقف شرع لذلك ، ففيه أ نّه مصادرة .
ولا لأ نّه صدقة والصدقة اقتضاؤها زوال الملك(5) ؛ لمنع كلّية الكبرى ؛ لإمكان كونه صدقة باعتبار منافعه ، وسيأتي الكلام في منع كونه صدقة رأساً (6) .
بل للإجماع(7) ، بل الظاهر كونه ضرورياً عند المتشرّعة ، بل التنافي بين كون
ص: 131
الشيء وقفاً ، وكونه ملكاً للواقف ، كأ نّه ضروري عند العوامّ ، فضلاً عن الخواصّ .
ويمكن الاستدلال عليه أيضاً : بأنّ اعتبار الملك عند العقلاء ، إنّما هو فيما له أثر ولو في الجملة ، والواقف بعد تمام الوقف لا مساس له به ؛ لا في المنافع ، ولا في التصرّف في العين مطلقاً ، فلا يكون ملكاً بعد ما كان الملك وسائر الاعتبارات العقلائية في العقود والإيقاعات وغيرهما ، من الاعتبارات المستتبعة للعمل ، والاعتبار الصرف - بلا أثر - لغو .
إلاّ أن يقال : إنّ زوال الأثر مطلقاً ممنوع ؛ لإمكان كونه ملكاً لأجل رجوعه إليه عند انقراض الموقوف عليه ، وصحّة بيعه عند مجوّزاته ، فتأمّل .
وكيف كان : لا ينبغي الإشكال في زوال ملك الواقف .
وأمّا الدخول في ملك الموقوف عليه .
فقد استدلّ عليه : بأنّ فائدة الملك موجودة ؛ فإنّ النماء للموقوف عليه ، فالملك له ، ولو أتلفه متلف ضمن له(1) ، وهو ملازم للملكية .
ولا يخفى ما فيه ؛ ضرورة عدم الملازمة بين ملكية النماء وملكية العين ، كما في العين المستأجرة ، وملازمة كون النماء دائماً له ، للملكية - كما في الوقف - أوّل الكلام .
وأمّا الضمان بقاعدة الإتلاف ، فلا يلازم الملكية أيضاً ؛ فإنّ قاعدة الإتلاف
ص: 132
قاعدة عقلائية ، ليست من مؤسّسات الشريعة ، وما عند العقلاء أوسع من نحو «من أتلف مال الغير . . .» أو ما يستفاد منه القاعدة ، فلو أتلف العين المرهونة ضمن للمرتهن ، كما يضمن للراهن ، وصار المضمون بعد أخذه رهناً ، بل لو أتلفها الراهن ، كان ضامناً مع كونها ملكاً له ، دون المضمون له .
وبالجملة : إنّ الضمان العقلائي متحقّق في الأوقاف العامّة والخاصّة ، فلو أخرب القنطرة اُجبر على تعميرها ، أو أخذت قيمتها منه ، وصرفت في تعميرها .
بل ضمان الإتلاف محقّق حتّى في الوقف على الحيوانات وعلى الاُمور المصدرية كالإحجاج ، فلا بدّ للضامن من جبران الخسارة ، وإعطاء قيمة المتلف ليبتاع نحوه ، ويكون وقفاً على الموقوف عليه .
ولو غصب الموقوف غاصب ، ضمن ضمان اليد في مطلق الوقف ، ولا بدّ من إرجاعه ، ولو تلف ضمن الخسارة ، وصارت الخسارة وقفاً .
وحاصل الاستدلال : أنّ الوقف عقد ، والعقد مقتضاه خروج العين عن ملك الموجب ، ودخولها في ملك القابل .
وفيه : منع الصغرى ؛ فإنّ الوقف بالمعنى المشترك الحاصل في جميع موارده ، لا يعقل أن يكون عقداً ؛ ضرورة أنّ الوقف على حمام بيت اللّه ، أو على الوحوش في حرم اللّه مثلاً ، لا يعقل أن يكون عقداً بين الواقف والموقوف عليه ، ولا ثالث في مثله يقبل الوقف ، أو يكون قابلاً للتعاقد والتملّك ، فلا بدّ من الالتزام : إمّا بأنّ مثله ليس بوقف ، وهو كما ترى .
وإمّا بأنّ الوقف مختلف المعنى ، ففي مورد يكون إيقاعاً ، وفي مورد عقداً ، وهو أيضاً باطل .
وإمّا بكون الوقف في مثله باطلاً ، وهو أيضاً مخالف لإطلاق الأدلّة بعد صدق «الوقف» عليه .
مع أنّ بطلانه شرعاً لو فرض ، لا ينافي صدق «الوقف» عليه ، فيتّضح منه أ نّه من الإيقاعات ، وهو موافق لاعتبار الوقف في تمام موارده .
مع أ نّه لم يتعارف في الوقوف على كثرتها ، قبول الموقوف عليه أو الحاكم ، فهل ترى في المساجد والخانات والقناطر الموقوفة - على كثرتها التي لا تعدّ في أقطار بلاد المسلمين وغيرهم - الإرجاع إلى المجتهد الجامع للشرائط أو وكيله ؟ ! فالسيرة القطعية قائمة على خلاف ما ذكر .
فالإنصاف : أنّ الالتزام بكونه عقداً ، ثمّ التكلّف في بعض الفروع المتفرّعة عليه ، ممّا لا وجه معتدّ به له .
ومنع الكبرى ؛ فإنّ استلزام القبول في كلّ مورد للملكية ، ممّا لا دليل عليه ،
ص: 134
بل الدليل على خلافه؛ فإنّ كثيراً من العقود المركّبة من الإيجاب والقبول، لا يكون متعلّقها ملكاً ، كعقد العارية ، والوديعة ، والنكاح ، وصلح الحقوق . . . وغير ذلك .
نعم ، قبول التمليك لازمه الملكية ، والوقف ليس اعتباره التمليك كما مرّ(1) .
وأشار صاحب «الجواهر» قدّس سرّه في خلال كلامه ، إلى دليل آخر على مقصوده ، وهو أنّ هذه الموقوفات أموال تضمن بالتلف ، وليس في الشرع مال بلا مالك ، والفرض خروج الواقف عنه ، وليس غير الموقوف عليه مالك ، فلا بدّ من مالكيته(2) .
وفيه : أ نّه إن كان مبنى الاستدلال أنّ كلّ مال له مالك ، ففيه ما لا يخفى ؛ فإنّ المباحات - كالكنوز والمعادن - أموال بلا مالك .
وإن كان مراده : أنّ المال في الشرع لا بدّ له من مالك ، حتّى يرجع إلى أنّ الشارع له اصطلاح خاصّ في المال ، فهو غير مستند إلى دليل ، بل لا شبهة في عدم اصطلاح خاصّ له في مثله .
وإن كان المراد : أ نّه لا مال مضمون في الشرع بلا مالك ، فقد مرّ ما فيه(3) .
وإن كان المراد : أنّ الضمان في العرف يخالف الضمان في الشرع ، وأنّ الضمان في الشرع يساوق المالكية ، فهو أيضاً غير ظاهر ؛ فإنّ الحقوق مضمونة ، كحقّ الرهن ، فلو أتلف متلف - حتّى الراهن - العين المرهونة ضمن قيمتها ، وتكون رهناً .
ص: 135
مع أنّ ضمان إتلاف المال أعمّ من ضمان الملك ؛ فإنّ حقّ التحجير مال للمحجّر ، وضمان إتلاف المال شامل له ، وكذا سائر الحقوق التي لها مالية .
واستدلّ على مطلوبه : بأنّ الوقف قسم من الصدقات ، فلا بدّ وأن يكون تمليكاً .
ثمّ استند في ذلك إلى بعض روايات ، دلّت على أنّ نفس الأعيان صدقة(1) ، كصحيحة عبد الرحمان بن الحجّاج ، الحاكية لوصيّة أبي الحسن الكاظم عليه السلام (2) .
وفيه : مضافاً إلى عدم دليل على كلّية الكبرى ؛ فإنّ جعل العين محرّرة ، موقوفة على المسلمين ، أو على سبل الخير ، صدقةٌ عليهم ، مع أ نّه ليس تمليكاً ، وإثبات أنّ الوقف كالزكاة وغيرها ممّا يتملّكه الآخذ ، يحتاج إلى دليل مفقود .
أنّ إطلاق «الصدقة» على الوقف أعمّ من الحقيقة ، وأصالة الحقيقة إنّما تجري في الموارد التي شكّ في المراد بعد معلومية الموضوع له ، وأمّا مع العلم بالمراد والشكّ في الحقيقة ، أو في الإطلاق الحقيقي ، فلا مجرى لها ، كما هو واضح .
مع أنّ الوقف إذا لم تقصد به القربة ليس صدقة ، بل معنى الوقف غير معنى الصدقة لغة وعرفاً ؛ فإنّ الصدقة ما يقصد به اللّه ، والوقف لا يشترط فيه القربة ، فليس كلّ وقف صدقة ، والتفصيل بين ما كان صدقة وغيرها ، لا يرضى به القائل أيضاً ، مع ظهور فساده .
وبالجملة : إنّ تمامية البرهان موقوفة على أنّ كلّ وقف صدقة ، وكلّ صدقة
ص: 136
توجب الملكية ، مع أنّ كلّية الصغرى ممنوعة بلا إشكال ؛ لعدم اعتبار قصد القربة في الوقف ، مع اعتباره في الصدقات ، والتفصيل في الوقف الخاصّ أو العامّ بين القسمين ، باطل جزماً .
وتوهّم : أ نّه إذا حصل الملك في الصدقة ، نستكشف الملكية في القسم الآخر ؛ للجزم بعدم الفرق .
مدفوع : بإمكان العكس ؛ بأن يقال : إذا كان قسم منه لا يوجب الملكية بحسب الاعتبار العقلائي وسائر ما تقدّم ، يستكشف منه عدم الملكية في القسم الذي هي صدقة .
مع إمكان أن يقال : إنّ ما تمسّك بها من الروايات لإثبات الملكية ، تدلّ على عدمها ، ففي صحيحة عبد الرحمان بن الحجّاج الحاكية لوصيّة الكاظم عليه السلام : «تصدّق موسى بن جعفر بصدقته هذه وهو حيّ صحيح صدقةً حبساً ، بتّاً بتلاً مبتوتة ، لا رجعة فيها ولا ردّ . . .»(1) .
إذ وصفها بأ نّها حبس ومنقطعة عن غيرها ؛ فإنّ قوله عليه السلام : «بتّاً بتلاً مبتوتة» تأكيد بعد تأكيد بأنّ الوقف منقطع عن غيره ، ولا مالك له ، والحمل على الانقطاع عن الواقف كما حمل عليه صاحب «الجواهر» قدّس سرّه (2) ، لا وجه له ، مع أ نّه خلاف ظاهره وإطلاقه .
فذكر هذه الأوصاف للامتياز بين هذه الصدقة وغيرها ؛ ممّا لا يكون محبوساً ولا مقطوعاً عن غيره بنحو الإطلاق ، وإلاّ فالمقطوعية عن المتصدّق تشترك فيها
ص: 137
جميع الصدقات ، وإنّما تمتاز هذه الصدقة عن غيرها بمقطوعيتها عن الغير مطلقاً ، فتدلّ الرواية على المطلوب .
وكذا صحيحة أيّوب بن عطيّ-ة ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في كيفية وقف أمير المؤمنين عليه السلام عين ينبع ، حيث قال : «هي صدقة بتّة بتلاً»(1) .
بل الظاهر من رواية عجلان أبي صالح ورواية ربعي بن عبداللّه أنّ الوقف ليس تمليكاً على الموقوف عليه :
ففي الاُولى : أملى أبو عبداللّه عليه السلام : «بسم اللّه الرحمن الرحيم ، هذا ما تصدّق به فلان بن فلان وهو حيّ سويّ ، بداره التي في بني فلان بحدودها ، صدقة لا تباع ولا توهب، حتّى يرثها وارث السماوات والأرض، وأ نّه قد أسكن صدقته هذه فلاناً وعقبه، فإذا انقرضوا فهي على ذوي الحاجة من المسلمين»(2).
وفي الثانية : عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قريب منها في صدقة أمير المؤمنين عليه السلام ، فإنّه بعد جعل الصدقة قال : «وأسكن هذه الصدقة خالاته . . .»(3) ، فإنّ الظاهر منهما الذي لا ينبغي أن ينكر ، أنّ ما للموقوف عليه نفس السكنى أو منافع الوقف ، لا ملك العين .
ص: 138
ويمكن تقريب ملكية الموقوف عليهم للعين: بأ نّه لا إشكال نصّاً وفتوى(1) في جواز بيع الوقف في بعض الصور الآتية(2) ، فيستكشف من نفس الجواز والصحّة ملكيته؛ فإنّ البيع مبادلة مال بمال في الملكية، وقد ورد «لا بيع إلاّ فيما تملكه»(3) ولا يعقل تبادل الملكية إلاّ مع كون الموقوف ملكاً ، فلا محالة يكون له مالك .
ولا يكون أحد صالحاً للمالكية إلاّ الموقوف عليه ؛ ضرورة أنّ الواقف زال ملكه إجماعاً ، ولا مالك آخر ، فلا بدّ وأن يكون الموقوف عليه .
وأيضاً : إنّ المشتري يملك الوقف بعد اشترائه ، وتتفرّع ملكيته على ملكية مالك الوقف ؛ لما ذكر من الوجه .
وأيضاً : إنّ المتصدّي للبيع هو الموقوف عليه ، فلا بدّ وأن يكون مالكاً .
وأيضاً : إنّ الثمن يدخل في ملكه في بعض الصور ، فلا بدّ وأن يكون المبيع خارجاً عن ملكه في مقابله .
وأنت خبير بما فيه ؛ فإنّ صحّة البيع لا تتوقّف على ملكية المبيع ، وليس البيع مبادلة مال بمال في الملكية بهذا المعنى ؛ ضرورة أنّ بيع الكلّي بيع ، ولا يكون الكلّي ملكاً قبل البيع ، وبعده يصير ملكاً للمشتري ، وبيع بعض
ص: 139
الأوقاف - ممّا لا يعقل ملكيته لأحد - صحيح في بعض الصور .
ومنه يظهر النظر في الوجه الثاني ، بل الثالث ؛ فإنّ المتصدّي لا يلزم أن يكون مالكاً ، مع أنّ تصدّي الموقوف عليه ممنوع ، وإنّما قال به من قال بمالكيته ، وهي ممنوعة ، وبالجملة جواز تصدّيه فرع مالكيته .
نعم ، في ظاهر بعض النصوص جواز تصدّيه(1) ، وسيأتي الكلام فيه(2) .
مضافاً إلى أ نّه لو فرض جوازه ، فلا يدلّ على مالكيته ؛ لإمكان صيرورته وليّاً شرعاً على النقل عند طروّ المجوّز ، فإنّه مع جواز البيع ، لا يكون أحد أمسّ بالعين منه .
كما أنّ ملكية الثمن لا تدلّ على ملكية الوقف ، أمّا على القول : ببطلان الوقف عند طروّ المجوّز(3) ، فواضح .
وأمّا على القول : ببقائه وقفاً وبطلانه بنفس النقل(4) ، فلإمكان أن يقال : إنّه بعد ما لم يمكن أن يشتري بالثمن بدل الوقف ؛ لقلّته أو لمحذور آخر ، يكون دخول الثمن في ملك الموقوف عليه : إمّا لأ نّه نحو درّ للمنفعة في هذه الحال ، أو لكونه أمسّ بالعين من غيره ؛ فإنّ له حقّاً عليها ، ولعلّ ذلك صار موجباً لتمليك الشارع إيّاه ، بل لعلّ ذلك عقلائي عند طروّ المجوّز وتعذّر البدل .
ص: 140
ثمّ إنّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه قد استدلّ على عدم جواز بيع الوقف بمكاتبة الصفّار الصحيحة : أ نّه كتب إلى أبي محمّد الحسن بن علي عليه السلام في الوقف وما روي فيه عن آبائه عليهم السلام .
فوقّع : «الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها إن شاء اللّه (1) »(2) .
وقد ورد نحو ذلك في ذيل مكاتبة اُخرى للصفّار(3) أيضاً مع صدر سيأتي الكلام فيه(4) .
ونقول في بيان مفادها إجمالاً: إنّه مع الغضّ عن صدرها، يحتمل فيها أن يكون المراد : أنّ نفوذ الوقوف تابع لإيقاف الواقف ، من غير نظر إلى الجهات الخارجة عن نفس الإيقاف ؛ بمعنى أ نّه بصدد بيان كيفية الوقف في نفسه ، وأ نّه تابع لجعل الواقف وإيقافه ؛ فإن وقف على الجهات العامّة نفذ وصحّ ، أو على شخص أو أشخاص فكذلك ، فيكون الموقوف عليه على حسب إيقافه سعةً وضيقاً ، وإطلاقاً وتقييداً .
وأمّا الجهات الخارجية - كاشتراطه على الموقوف عليهم شيئاً ، أو اشتراطه
ص: 141
رجوع الوقف إليه أو إلى غيره عند الاحتياج . . . أو غير ذلك من القيود والشروط - فمسكوت عنها ؛ فإنّها خارجة عن نفس الإيقاف بما هو .
ويحتمل أن يكون المراد : أنّ الوقف تابع لجعل الواقف في أصله ، ومتعلّقاته ، وشرائطه ، فيشمل الشرائط المتقدّمة والقيود اللاحقة بالوقف ، وأمّا المنع عن بيعه أو نقله - وكذا تجويزه - فمسكوت عنه .
ويحتمل الشمول لذلك أيضاً ، فيكون المراد : أنّ الوقوف على حسب قرار الواقف في تعيين الموقوف عليه ، وفي كلّ قيد وشرط ، وفي جواز البيع ولا جوازه ، فإن قال : «وقفت وقفاً لا يباع ولا يوهب» يتّبع .
وإن قال : «وقفاً يباع عند طروّ حاجة ، أو كون البيع أعود» يتّبع ، كما ورد في وقف أمير المؤمنين عليه السلام : «صدقة . . . لا تباع ، ولا توهب ، ولا تورث»(1) .
وفي وقف الكاظم عليه السلام : «صدقة . . . لا رجعة فيها ولا ردّ . . . لا يحلّ لمؤمن يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يبيعها . . .»(2) إلى آخره .
بأن يقال : إنّ الظاهر من أمثالها هو أ نّها من تتمّة الجعل ، لا بيان الحكم الشرعي ؛ فإنّه خارج عن وظيفة الجاعل والواقف .
وعلى هذا الاحتمال ، تدلّ الرواية على أنّ الوقف من حيث ذاته لا يقتضي عدم النقل ، بل هو غير مقتضٍ للنقل وعدمه ، وإنّما الصحّة واللاصحّة تابعة لجعل
ص: 142
الواقف وقراره ، ومع عدم قراره يصحّ بيعه على القواعد .
ولعلّ الأظهر من بين الاحتمالات مع الجمود على الظاهر ، هو الاحتمال الأوّل ، إن كانت الجهات الاُخر خارجة عن وقفه وإيقافه ؛ بأن يقال : إنّها ناظرة إلى نفس الإيقاف من غير نظر إلى الجهات الخارجية .
ولا يبعد استظهار الاحتمال الثاني بل الثالث - على تأمّل - بمناسبات عرفية مغروسة في الأذهان ، فتكون ناظرة إلى جميع ما قرّره الواقف ، فكأ نّه قال : «كلّ ما قرّره الواقف نافذ» هذا على فرض استقلال تلك الجملة .
وأمّا مع ملاحظة صدر الرواية ، لولا الصحيحة الآتية المفصّلة ، فمن المحتمل أن يكون المراد من السؤال عن الوقف وما روي فيه عن آبائه ، هو السؤال عن الروايات المتنافية في الظاهر ؛ فإنّ في بعضها عدم جواز شراء الوقف ، كرواية [أبي ] علي بن راشد(1) .
وفي بعضها أخذ عدم البيع والهبة في ضمن جعل الوقف ، كصحيحة أيّوب بن عطيّة(2) ورواية ربعي بن عبداللّه (3) .
وفي بعضها جواز البيع بمجرّد الاحتياج وكون البيع خيراً لهم ، كرواية جعفر بن حيّان(4) .
ص: 143
وفي بعضها التفصيل بين الوقف على إمام المسلمين فلا يجوز ، وعلى قوم من المسلمين فيجوز عند الاحتياج(1) . . . إلى غير ذلك من الاختلافات ، فأراد السائل معرفة الوجه في الاختلاف ، وطريق الجمع فيها ، فأجاب عليه السلام : بأنّ الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها ، وأنّ اختلاف الروايات بحسب اختلاف جعل الواقف .
وهذا وإن لم يكن جمعاً عرفياً لو خلّينا وأنفسنا ، لكن مع تلك الصحيحة نحمل على ذلك .
وأمّا احتمال أن يكون المراد من السؤال عن الوقف وما روي فيه ، الاستفهام عن ورود رواية في الوقف ، فأجاب عليه السلام : بأنّ ما روي هو ذلك ، وأراد تكذيب سائر الروايات ، فمقطوع الخلاف .
هذا ، لكن الاحتمال المتقدّم أيضاً لا يستند إلى ركن .
والظاهر أنّ ذلك إجمال لما فصّل في صحيحة اُخرى للصفّار ، عن أبي محمّد عليه السلام ، قال : كتبت إلى أبي محمّد عليه السلام ، أسأله عن الوقف الذي يصحّ كيف هو ؟ فقد روي : «أنّ الوقف إذا كان غير موقّت فهو باطل مردود على الورثة ، وإذا كان موقّتاً فهو صحيح ممضىً» .
قال قوم : إنّ الموقّت هو الذي يذكر فيه : «أ نّه وقف على فلان وعقبه ، فإذا انقرضوا فهو للفقراء والمساكين ، إلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها» .
وقال آخرون : هذا موقّت إذا ذكر : «أ نّه لفلان وعقبه ما بقوا» ولم يذكر في آخره : «للفقراء والمساكين إلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها» والذي هو
ص: 144
غير موقّت أن يقول : «هذا وقف» ولم يذكر أحداً .
فما الذي يصحّ من ذلك ، وما الذي يبطل ؟
فوقّع عليه السلام : «الوقوف بحسب ما يوقفها إن شاء اللّه»(1) .
والظاهر من قوله هذا، أنّ الوقف صحيح في جميع الفروض، وأنّ صحّته تابعة لجعل الواقف وإيقافه، سواء كان مؤبّداً أو غير مؤبّد، كالموقّت الذي ذكره آخرون، أو الموقّت بوقت محدود ، مثل أن يقول : «هذا وقف على فلان عشرين سنة» .
بل الظاهر الصحّة إذا لم يذكر الموقوف عليه وقال : «هذا وقف» أو «هذه صدقة جارية ، لا تباع ، ولا توهب» ممّا يفيد جعل الوقف ، وفي هذه الصورة تجعل المنافع في سبل الخير .
إلاّ أن يقال : إنّ قوله عليه السلام : «بحسب ما يوقفها» يراد منه أ نّه لا بدّ فيه من الموقوف عليه ؛ لاقتضاء الإيقاف للموقوف عليه(2) ، فبقي سائر الصور .
لكن في صحيحة علي بن مهزيار ما ينافي ذلك ، قال : قلت : روى بعض مواليك ، عن آبائك عليهم السلام : «أنّ كلّ وقف إلى وقت معلوم فهو واجب على الورثة ، وكلّ وقف إلى غير وقت جهل مجهول فهو باطل ، مردود على الورثة» . وأنت أعلم بقول آبائك عليهم السلام .
فكتب : «هكذا هو عندي»(3) .
ص: 145
فإنّ الظاهر منها التفصيل بين الوقت المعلوم - كما لو قال الواقف : «وقفت إلى الأبد» أو ما يفيد ذلك ، كقوله : «على الفقراء إلى أن يرث اللّه الأرض» فإنّه أيضاً من الوقت المعلوم وإن لم يكن محدوداً ، أو قال : «إلى عشرين سنة» - وبين الوقت المجهول ، كأن يقول : «على فلان وعقبه» .
أو يقول : «على فلان إلى قدوم الحاجّ» . . . أو نحو ذلك .
أو لا يذكر شيئاً ويقول : «هذا وقف على فلان» فإنّه أيضاً يكون إلى غير وقت .
ويمكن الجمع بينهما بحمل قوله : «إلى غير وقت جهل مجهول» على ذكر الواقف وقتاً غير معلوم ، كأن يقول : «وقفت على فلان إلى وقت ما» أو «إلى قدوم الحاجّ» .
وأمّا الوقف على فلان وعقبه ممّا لم يذكر فيه الوقت ، فهو خارج عن الوقف إلى وقت مجهول ؛ لعدم كون ما ذكر وقفاً إلى وقت ، فبقي الباقي تحت إطلاق رواية الصفّار ، وللمسألة محلّ آخر .
وأمّا توجيه الرواية بما وجّهها شيخ الطائفة قدّس سرّه ، فهو خارج عن فهم العرف ، ومخالف لظاهرها ، بل ظاهرها مخالف لدعواه كون الوقت كان اصطلاحاً في الموقوف عليه(1) .
وكيف كان : إنّ قوله عليه السلام : «الوقوف تكون على حسب ما يوقفها» لا يدلّ على عدم جواز بيعها :
أمّا على فرض شموله لجواز النقل ولا جوازه فواضح ، بل على هذا يدلّ على
ص: 146
عدم كون الوقف مقتضياً للنقل ولا لعدمه ، وعلى أ نّهما يتبعان جعل الواقف ، ومع عدم اقتضائه عدم النقل يصحّ بالأدلّة العامّة الدالّة على صحّة العقود .
وأمّا على سائر الاحتمالات ؛ فلأ نّه بصدد بيان أ نّه تابع في الإيقاف أو في سائر المتعلّقات لجعله ؛ أي لا يتجاوز عنه ، وأمّا النقل وعدمه فخارجان عن مفاده ، ولا تعرّض فيه لهما ، ومقتضيات ماهية الوقف - كنفس ماهيته والأحكام الشرعية المترتّبة عليها - خارجة عن مفاده .
مع أ نّه قد عرفت : عدم كون الامتناع عن النقل داخلاً فيها (1) .
مضافاً إلى أنّ التشبّث بها (2) ، خروج عن طريق الاستدلال واستقلال الدليل .
كما أنّ التشبّث بمخالفة النقل لأبدية الوقف النافذة بمثل الرواية(3) - مع أ نّه خروج عن طريق الاستدلال أيضاً - غير وجيه ؛ لأنّ غاية ذلك أنّ الوقف في الأبدية والانقطاع تابع لإيقاف الواقف ، وهو لا يقتضي إلاّ أ نّه مع عدم سبب للنقل يكون باقياً ، مقابل المنقطع الذي يكون له أمد ، كالعقد الدائم مقابل المنقطع ، فلا دليل على لزوم الوقف وعدم جواز النقل .
ويحتمل أن يكون كالهبة أو كالوصيّة حال حياة الموصي ، فلو ورد «أنّ الهبة على حسب ما جعلها الواهب» أو «أنّ النكاح على حسب ما يعقده الزوجان في الدوام والانقطاع» لم يدلّ ذلك على عدم جواز الفسخ أو النقل أو الطلاق .
وبالجملة : الدوام مقابل الانقطاع ، لا مقابل عدم النقل بسبب حادث .
ص: 147
مضافاً إلى أ نّه لو سلّمت دلالته على عدم جواز النقل ، لم يسلّم شموله لمنع نقل الواقف ، بل الظاهر منه أ نّ-ه ليس لأحد تغيير ما وقفه الواقف ، وأمّا عدم الجواز بالنسبة إليه فلا ، بل الظاهر أنّ هذا لمراعاة حال الواقف ، لا الوقف ، فتدبّر .
واستدلّوا لذلك : بما ورد من حكاية وقف الأئمّ-ة (1) ، ففي بعضها حكاية وقف أمير المؤمنين عليه السلام ، كصحيحة أيّوب بن عطيّة ، وفيها : «هي صدقة بتّة بتلاً في حجيج بيت اللّه وعابري سبيله ، لا تباع ، ولا توهب ، ولا تورث ، فمن باعها أو وهبها فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل اللّه منه صرفاً ولا عدلاً»(2) .
وفي بعضها حكاية كتابة أمير المؤمنين عليه السلام بعد ما تصدّق ، كصحيحة ربعي بن عبداللّه ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «تصدّق أمير المؤمنين عليه السلام بدار له في المدينة في بني زريق ، فكتب : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، هذا ما تصدّق به علي بن أبي طالب وهو حيّ سويّ ، تصدّق بداره التي في بني زريق صدقة لا تباع ولا توهب ، حتّى يرثها اللّه الذي يرث السماوات
ص: 148
والأرض ، وأسكن هذه الصدقة خالاته»(1) .
وفي بعضها حكاية إملاء أبي عبداللّه عليه السلام ، كرواية عجلان(2) وهي موثّقة على رواية الكليني قدّس سرّه إن كان الراوي عن أبان أحمد بن إدريس كما في «الوسائل»(3) ، وأمّ-ا إن كان أحمد بن عديس(4) كما في «الوافي»(5) و«مرآة العقول»(6) و«التهذيب» المطبوع في النجف(7) فلا .
وفي بعضها حكاية صدقة أبي الحسن عليه السلام ، كصحيحة ابن الحجّاج ، وفيها : «تصدّق موسى بن جعفر عليه السلام بصدقته هذه وهو حيّ صحيح ، صدقةً حبساً بتّاً بتلا مبتوتة ، لا رجعة فيها ولا ردّ ، ابتغاء وجه اللّه والدار الآخرة ، لا يحلّ لمؤمن يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يبيعها أو يبتاعها ، ولا يهبها ، ولا ينحلها ، ولا يغيّر شيئاً ممّا وصفته عليها حتّى يرث اللّه الأرض ومن عليها . . .»(8) .
ص: 149
وقد استدلّ ببعضها الشيخ الأعظم قدّس سرّه قائلاً : إنّ الظاهر من الوصف كونها صفة لنوع الصدقة ، لا لشخصها ، ويبعد كونها شرطاً خارجاً عن النوع مأخوذاً في الشخص .
مع أنّ سياق الاشتراط يقتضي تأخّره عن ركن العقد ؛ أعني الموقوف عليهم ، خصوصاً مع كونه اشتراطاً عليهم .
مع أ نّه لو جاز البيع في بعض الأحيان ، كان اشتراط عدمه على الإطلاق فاسداً ، بل مفسداً ؛ لمخالفته للشرع . . .(1) إلى آخره.
وهذا مبنيّ على ما ذهب إليه : من أنّ الوقف من العقود ، وأنّ الموقوف عليهم ركن العقد ، وأنّ ما ذكر في الرواية : من أ نّها «لا تباع ، ولا توهب» شرط في ضمن العقد على الموقوف عليهم .
ولكن قد تقدّم : أنّ الوقف من الإيقاعات لا العقود(2) ، وهذه الروايات أيضاً شاهدة على ما ذكرناه بالتأمّل والتدبّر فيها ، وعليه يسقط جميع ما أفاده قدّس سرّه من الشواهد(3) .
مع أ نّه لو سلّم جميع ما أفاده ، فلا يفيد في تأسيس قاعدة كلّية لعدم جواز بيع الوقف مطلقاً كما هو المدّعى ، فإنّ بين الوقف والصدقة عموماً من وجه ؛ لاعتبار قصد القربة في الصدقات وقفاً كانت أو غيرها ، كالزكاة والصدقات المندوبة ، وعدم اعتباره في الوقوف حتّى الوقوف العامّة ، فلو وقف على
ص: 150
أولاده أو على الفقراء بلا قصد القربة صحّ .
فلا يمكن إثبات عدم جواز بيع الوقوف مطلقاً بتلك الروايات لو فرض أ نّها دالّة على المطلوب ، واحتمال إلغاء الخصوصية غير مسموع ؛ فإنّ للصدقات خصوصيات ليست لغيرها ، ولعلّ الوقوف إذا كانت من قبيل الصدقات ، لا يجوز بيعها ونقلها .
مضافاً إلى النظر في دلالتها ؛ فإنّ ما حكت عن إنشاء الإمام عليه السلام لفظاً - وهي صحيحة أيّوب بن عطيّة الحاكية عن إنشاء أمير المؤمنين عليه السلام وصحيحة ابن الحجّاج الحاكية عن إنشاء موسى بن جعفر - لا ظهور فيهما في أنّ ما ذكر وصف للصدقة .
بل الظاهر منهما ولا سيّما الثانية خلافه ؛ فإنّ قوله عليه السلام : «لا تباع» - بعد تمامية الوقف وذكر الموقوف عليهم كما في الاُولى - لا يناسب كونه وصفاً مع الفصل بالأجنبيّ .
ولا شبهة في أنّ ذلك جملة إخبارية في مقام الإنشاء ، والمقصود الجدّي هو الزجر عن بيعه وهبته ، والظاهر من ذلك أنّ الزجر والنهي من الواقف ، لا أ نّه حكاية عن الزجر التشريعي من اللّه تعالى ، وهو المناسب لقوله عليه السلام : «فمن باعها أو وهبها فعليه لعنة اللّه . . .» ، كما هو المتعارف في أمثال ذلك عند الناس .
مع أنّ ملاحظة سائر الروايات - كقوله عليه السلام : «الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها» على بعض الاحتمالات المتقدّمة(1) ، وصحيحة عبد الرحمان بن
ص: 151
الحجّاج الحاكية عن وقف أمير المؤمنين عليه السلام (1) وفي مواضع منها أجاز بيع الوقف لقضاء الدين أو لغيره - توجب تقوية احتمال كون قوله عليه السلام : «لا تباع ، ولا توهب» لبيان جعله وقراره على عدم البيع ، مقابل جعله لجوازه، كما في صحيحة ابن الحجّاج(2) .
فيستفاد من المجموع أنّ الوقف على قسمين : قسم يوقفه الواقف ويقيّده بعدم جواز بيعه ، وقسم يقيّده بالجواز ، ويكون الوقف في الجواز واللاجواز تابعاً لجعله ، وعلى حسب ما يوقفه أهله ، ولو لم يذكر في الوقف شيئاً من الجواز وعدمه ، فلا بدّ من التماس دليل آخر على ذلك .
ثمّ لا فرق في عدم استفادة بطلان بيعه من الرواية ، بين كون قوله عليه السلام : «لا تباع ، ولا توهب» وصفاً للصدقة ، وبين عدمه كما استظهرناه(3) ؛ فإنّ الوصف مردّد بين كونه وصفاً معهوداً في الشرع - والمراد أنّ هذه الصدقة لا تباع ولا توهب في الشرع ، كناية عن الوقف وإنشاءً له - وبين كونه وصفاً وصفه إيّاه من قبل نفسه ، والمراد أ نّها صدقة لا اُجيز بيعها وهبتها ؛ فإنّ الجملة الإخبارية - على الفرضين - لا تكون إخباراً حقيقة ؛ فإنّ كثيراً من الأوقاف بيعت خارجاً ، فلا يكون الإخبار موافقاً للواقع ، فلا بدّ وأن يكون في مقام الإنشاء ، لا بمعنى استعمال الإخبار في الإنشاء ، بل الإخبار على حاله استعمالاً ، وجعل كناية عن
ص: 152
الزجر والإنشاء ، فالجملة الإخبارية صفة للصدقة ، والمعنى الواقعي أ نّها صدقة لا يجوز بيعها وهبتها .
ومع الترديد بين الاحتمالين المتقدّمين ، لا يصحّ الاستدلال ، مع أنّ الاحتمال الثاني أقرب ولو بمناسبة روايات اُخر(1) .
وأمّا الرواية الحاكية عن صدقة موسى بن جعفر سلام اللّه عليهما ، فلا ينبغي احتمال كون قوله عليه السلام : «لا يحلّ لمؤمن يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يبيعها . . .»(2) ، صفة للصدقة ، بل الأمر دائر بين الاحتمالين المتقدّمين ، والثاني أقرب كما يظهر بالتأمّل فيها .
وأمّا رواية ربعي بن عبداللّه (3) التي تمسّك بها الشيخ رحمه الله عليه (4) ، فهي حكاية كتابة الوقف ، لا إنشائه اللفظي ، فلا يظهر منها موافقة الكتابة للإنشاء اللفظي في جميع الخصوصيات .
فلو فرض أ نّه عليه السلام قال في مقام الإنشاء : «إنّ داري هذه وقف ابتغاء وجه اللّه على فلان ، وقد شرطت أن لا تباع ولا توهب» أو «على أن لا تباع ولا توهب» يصحّ في مقام الكتابة أن يكتب : «أ نّها صدقة لا تباع ، ولا توهب» ولا يجب أن تكون ألفاظ الكتابة موافقة للإنشاء اللفظي ، بل الغالب على الخلاف .
نعم ، لا بدّ من موافقتهما في النتيجة ، وهي حاصلة على ما قلناه .
ص: 153
ومنه يظهر الكلام في رواية عجلان أبي صالح(1) ، حيث إنّها إملاء ، لا حكاية لإنشائه اللفظي ، فتدبّر .
والإنصاف : أنّ الاستدلال بهذه الطائفة لجواز بيع قسم من الوقف ، أولى من الاستدلال بها للمنع ؛ فإنّ الوصف ظاهر في الاحتراز ، فيمكن أن يقال : إنّه في صحيحة أيّوب إنّما وصف الوقف ب- «لا تباع ، ولا توهب»(2) بعد ذكر قرائن الوقف ، وهي قوله عليه السلام : «بتّة بتلاء» وذكر الموقوف عليهم . فلم يكن هذا من قرائن كون الصدقة وقفاً ، بل احتراز عن وقف يباع ويوهب .
فجعل ذلك وصفاً - بعد إنشاء الوقف بقرائنه ، وذكر الموقوف عليه - ممّا يوجب ظهوره في الاحتراز عن الوقف الذي يباع .
فتحصّل ممّا مرّ : عدم تمامية الاستدلال بهذه الطائفة .
بقيت رواية أبي علي بن راشد قال : سألت أبا الحسن عليه السلام قلت : جعلت فداك ، اشتريت أرضاً إلى جنب ضيعتي بألفي درهم ، فلمّا وفّرت المال خبّرت أنّ الأرض وقف .
فقال : «لا يجوز شراء الوقوف ، ولا تدخل الغلّة في ملكك ، ادفعها إلى من اُوقفت عليه» .
قلت : لا أعرف لها ربّاً .
ص: 154
واستدلّ لعدم جواز بيع الوقف بجميع أنواعه ومصاديقه : بالجمع المحلّى ب- «اللام» فيها، المفيد للعموم، وبإطلاق قوله عليه السلام : «لا تدخل الغلّة في ملكك»(1).
ويمكن الاستدلال بعدم استفصاله حين قال : «خبّرت أ نّه وقف» وبإطلاق المادّة في «الوقوف» ، وبإطلاق قوله عليه السلام : «ادفعها إلى من اُوقفت عليه» وإطلاق قوله عليه السلام : «تصدّق بغلّتها» فإنّ كلّ ذلك - مع الغضّ عن غيره - قابل للاستدلال ، فلو قال في جوابه : «ادفعها إلى من اُوقفت عليه» كان الإطلاق يقتضي بطلان شراء مطلق الوقف ، وهكذا سائر الجمل .
هذا ، لكن هنا كلام ، وهو أنّ التمسّك بعموم «لا يجوز شراء الوقوف» إنّما يصحّ لو كان الشكّ في جواز شراء مصداق أو نوع من الوقوف ، كما لو شكّ في جواز شراء الوقف على الأولاد ، أو على بعض الجهات .
وأمّا لو كان الشكّ في جوازه في بعض الأحوال العارضة على الفرد أو النوع - كالاختلاف بين الموقوف عليهم - فلا يصحّ التمسّك بالعموم لرفعه ؛ لأنّ حالات أفراد العامّ ليست داخلة في العموم ، وإخراجها ليس تخصيصاً فيه ، بل تقييد لإطلاق أفراده .
وبالجملة : هنا عموم لفظي ، له دلالة لغوية غير محتاجة إلى كون المتكلّم في مقام البيان ؛ ضرورة عدم توقّف دلالة اللفظ على شيء إلاّ الوضع ، وألفاظ العموم موضوعة لإفادته ، وهو إنّما يدفع الشكّ في التخصيص واحتمال خروج فرد من
ص: 157
العامّ ، ولا يدفع به الشكّ في جواز الشراء عند عروض عارض كخراب الوقف ؛ لأنّ خروج الفرد في حال ليس تخصيصاً للعامّ ، ولا العامّ دالاًّ عليه وشاملاً له ، وإنّما هو تقييد للإطلاق إن كان له إطلاق .
والتمسّك بالإطلاقات للمطلوب ، إنّما يصحّ لو كان المجيب في مقام بيان عدم جواز شراء الوقف ، وهو محلّ إشكال ؛ لأنّ الظاهر من سؤاله أ نّه كان عالماً بعدم جواز شراء الوقف ، إذ قوله : «فلمّا وفّرت المال خبّرت أنّ الأرض وقف» ظاهر في أنّ شراءه لذلك من أجل جهله بالواقعة ، وإلاّ لم يقدم عليه .
مع أنّ بطلان شراء الوقف ، لم يكن أمراً مجهولاً لمثل ابن راشد الوكيل للناحية المقدّسة ، كيف ؟ ! وعدم جوازه كان أمراً معلوماً معروفاً في صدر الإسلام ، فضلاً عن عصر الهادي عليه السلام .
والظاهر أ نّه بصدد السؤال عن علاج الواقعة التي وقع فيها ، وهي شراء الوقف الذي كان لا يعلم بالموقوف عليه ، ووقعت الأرض تحت يده بعد توفير الثمن .
غاية الأمر : أ نّه قبل تمام ذكر الواقعة ، أجابه عليه السلام بوجوب ردّ الغلّة إلى الموقوف عليهم ، فقال : «لا أعرف لها ربّاً» .
وبعبارة اُخرى : إنّ الشكوك في الصور الآتية في جواز بيع الوقف وشرائه ، ليست في خروج فرد من عموم «لا يجوز شراء الوقف» حتّى يصحّ التمسّك به لرفعها ، بل في جواز بيعه وشرائه عند عروض عارض للوقف كالخراب ، أو للموقوف عليهم ، كالاحتياج إلى بيعه ، وكالاختلاف بينهم ، أو عند اشتراط الواقف بيعه في حال من الأحوال ، وفي شيء ممّا ذكر لا يكون المرجع هو العامّ ، بل المرجع ترك الاستفصال ، أو إطلاق العامّ .
ص: 158
وأمّا سائر الإطلاقات التي أشرنا إليها ، فهي متفرّعة على ما ذكر ، وليست إطلاقاً برأسها .
مع أنّ في استفادة عموم السلب من العموم الواقع عقيب حرف السلب كلاماً ؛ لاحتمال توجّه السلب إلى العموم ، كقوله : «لا تكرم كلّ رجل» وإن أمكن القول بالفرق عرفاً بين «كلّ» و«جميع» وبين الجمع المحلّى في ذلك .
مضافاً إلى أنّ في «الفقيه»(1) و«مرآة العقول»(2) عن «الكافي»(3) و«الوسائل»(4) في أبواب عقد البيع «الوقف» بدل «الوقوف» .
وكيف كان : لا بدّ في التمسّك بالإطلاق من إحراز كونه في مقام البيان ، وهو مشكل بل ممنوع ؛ لما ذكرناه ، ولأنّ الظاهر من السؤال أنّ القضيّة كانت محلّ ابتلاء ابن راشد ، فسأل ليعمل على طبق الجواب ، ولم يكن سؤاله كأسئلة أمثال أصحاب الاُصول والكتب ؛ من فرض قضيّة لأخذ القواعد الكلّية وضبطها في كتبهم ، من غير أن يكون مورد السؤال محلّ ابتلائهم ، حيث إنّ إلقاء القواعد الكلّية - من العموم أو الإطلاق - في ذلك كان متعارفاً في التشريع أو الفتوى .
وأمّا إلقاء المطلقات في الموارد التي كان السؤال للعمل ، فلا يصحّ ولا يجوز
ص: 159
إلاّ إذا لم يكن تقييد في المطلق ، وكان باقياً على إطلاقه ، أو لم يكن الإطلاق موجباً لوقوع السائل في خلاف الواقع .
وأمّا مع كون المطلق مقيّداً بحسب الشرع ، وكون الجواب بنحو الإطلاق موجباً لوقوع السائل في خلاف الواقع ، فلا يعقل صدوره الموجب للإغراء بالجهل ، والوقوع في خلاف الشرع .
فترك الاستفصال في مثله ، يدلّ على أنّ القضيّة كانت معهودة ومعلومة الجهات عند السائل والمجيب ، كما فيما نحن بصدده ؛ ممّا هو ظاهر جدّاً في كون ابن راشد سأل عمّا هو محلّ ابتلائه ، والحمل على الفرض - كما في أسئلة أصحاب الاُصول - خلاف الظاهر جدّاً .
مع أ نّه لم يكن من أصحاب الكتب والاُصول ظاهراً ، والرواية عنه في موارد لا تدلّ على ذلك ، فلو لم تكن القضيّة معهودة ، والإمام عليه السلام عالماً بأنّ الوقف الذي ابتلي به كان غير جائز النقل ، لا يعقل صدور مثل هذا الكلام الموجب لوقوعه في خلاف الواقع .
والأمر بردّ الغلّة على الموقوف عليه ، أو التصدّق بها - مضافاً إلى أنّ النهي عن إدخال الغلّة في ماله ، كما في أكثر النسخ ؛ ممّا هو ظاهر في أنّ المراد هو الغلّة الخارجية ، لا منافع الأرض واُجرة مثلها - دليل على أنّ الواقعة كانت معهودة ، وإلاّ فلم يكن يأمره به - بلا استفصال - مع احتمال كون الغلّة نماء بذره ، فإذا كانت القضيّة معهودة بينهما ، لا يمكن إحراز الإطلاق ، كما هو واضح .
ويحتمل أن يكون المراد من «الغلّة» في قوله عليه السلام : «لا تَدخُل الغلّةُ في ملكك» هي الأرض ، فيكون الفعل مجرّداً ، والمراد أنّ الأرض الموقوفة
ص: 160
لا تدخل في ملكك ، وادفعها إلى الموقوف عليه .
والمراد بقوله عليه السلام : «تصدّق بغلّتها» هي منافع الأرض ، والأمر بالتصدّق على خلاف القاعدة في مجهول المالك ؛ لأنّ التصدّق إنّما هو بعد الفحص واليأس ، ولعلّه لم يكن بصدد بيان تمام المقصود ، فتأمّل .
والتفصيل بين الوقف وغيره من المجهول المالك ، بعيد جدّاً .
وأمّا على النسخ الاُخر التي ورد فيها «لا تُدخِل الغلّةَ في مالك»(1) فالظاهر منه هو الغلّة الخارجية ؛ من الزرع ، أو ثمر الأشجار ، والمراد النهي عن إدخال مال الوقف في ماله .
فتحصّل ممّا ذكر : أنّ الرواية لا تدلّ على عدم جواز بيع الوقف في موارد عروض العوارض .
وأمّا التشبّث في بطلان بيع الوقف بالحقوق الثلاثة : وهي حقّ اللّه ، وحقّ
الواقف ، وحقّ الموقوف عليه ؛ أي البطون المتأخّرة(2) ، فيمكن تقريره :
أمّا في حقّ اللّه :
فتارة : بأنّ للّه تعالى في الأعيان الموقوفة حقّ أن يعبد ، نظير المشاعر
ص: 161
والمساجد ، فلو وقف شيئاً لصلاة طائفة من المسلمين ليكون المصلّى لهم ، فكما
أنّ لتلك الطائفة حقّ أن يعبدوا اللّه فيه ، كذلك للّه تعالى حقّ أن يعبد فيه ، فهو
متعلّق لحقّ الناس ، وحقّ اللّه ، وكذا الحال في المشاعر والمساجد .
فيقال في التصدّق على الذرّية بنحو الاستمرار والبقاء : «إنّه نحو عبادة مستمرّة من الواقف ، فللّه تعالى حقّ أن يعبد به مستمرّاً ، والجزاء المستمرّ لأجل العبادة المستمرّة» .
واُخرى : بأنّ الآخذ للصدقات هو اللّه تعالى ، كما قال : (أ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّه َ هُوَ يَقبَلُ ا لتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ ا لصَّدَقَاتِ)(1) .
وقد ورد في الروايات الشريفة عن رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم : «ما تقع صدقة المؤمن في يد السائل حتّى تقع في يد اللّه» ثمّ تلا الآية(2) فالصدقة تكون للّه أوّلاً ، ثمّ للمتصدّق عليه ، فهو يتلقّى الصدقة من اللّه تعالى .
وثالثة : بما ورد في بعض الروايات ، كرواية الحكم قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّ والدي تصدّق عليّ بدار ، ثمّ بدا له أن يرجع فيها ، وإنّ قضاتنا يقضون لي بها .
فقال : «نِعْم ما قضت به قضاتكم ، وبئسما صنع والدك ، إنّما الصدقة للّه عزّ وجلّ ، فما جعل للّه عزّ وجلّ فلا رجعة له فيه . . .»(3) .
ص: 162
بأن يقال : إنّ التعليل بأنّ «ما جعل للّه فلا رجعة له» وإن كان لعدم الرجعة ، لكن يستفاد منه أنّ للّه تعالى حقّاً في الصدقات ، فما كانت منها بوجودها الحدوثي صدقة لا يجوز هدمها ؛ بأن يرجع فيها المتصدّق ، وأمّا تصرّفات المتصدّق عليه فليست هدماً لها ، وما كانت بوجودها المستمرّ صدقة ، فلا يجوز هدمها بالرجعة ، ولا بالبيع والنقل ونحوهما ؛ فإنّها للّه تعالى ، ولا يجوز هدم ما جعل للّه .
هذا ، ولكنّ الإنصاف عدم تمامية شيء ممّا ذكر :
أمّا حديث حقّه تعالى بأن يعبد ؛ فلأ نّه مضافاً إلى عدم الدليل على أنّ ذلك حقّ حتّى في المشاعر والمساجد ، أنّ انتفاع طبقات الموقوف عليهم ليست عبادة للّه تعالى ، ولا بقاء الوقف عبادة من الواقف .
وأمّا حديث أخذه تعالى للصدقات ، ووقوعها في يده قبل وقوعها في يد السائل ؛ فلأ نّه أمر تشريفي ، لا يستفاد منه حكم فقهي .
مع أ نّه لو فرض وقوعها في يده ، أو التعبّد بوقوعها فيها ، فلا يوجب ذلك حدوث ملك أو حقّ له تعالى ، بل هو - على الفرض - واسطة لإيصال الصدقة إلى السائل .
وأمّا التعليل الوارد في الخبر ؛ فلأنّ «اللام» فيه للغاية ، لا للملك ، فالمتصدّق
يعطي الصدقة للفقير ويملّكه ؛ لأجل التقرّب إليه تعالى ، ومن الواضح أ نّ-ه لا يملّك اللّه تعالى .
وهذا نظير ما وقع في صدقات الأئمّة عليهم السلام : من أنّ «هذا صدقة من فلان ؛
ص: 163
ابتغاء وجه اللّه»(1) أو «ليولجني به الجنّة»(2) وعدم الرجعة في الصدقات أمر تعبّدي ، لا لتعلّق حقّ منه تعالى بها .
هذا ، مضافاً إلى عدم الطرد ؛ لأنّ الوقف مطلقاً لا تعتبر فيه القربة ، ولا يكون من الصدقات ، نعم لو قصد فيه التقرّب يكون منها .
وأمّا في حقّ الواقف فبأن يقال : إنّ الواقف جعل الوقف ؛ لدرّ المنافع المادّية على الموقوف عليهم ، والمنافع المعنوية على نفسه ، فكما أنّ للموقوف عليهم حقّ استيفاء المنافع المادّية من الأعيان الموقوفة ، ولأجله ثبت لهم حقّ على الأعيان ، كذلك للواقف حقّ الاستيفاء ، ولا فرق بين النفع المادّي والمعنوي من ثواب اللّه تعالى .
وفيه : مضافاً إلى عدم الكلّية والاطّراد كما أشرنا إليه(3) .
ومضافاً إلى أنّ غاية ذلك على فرض التسليم ، توقّف صحّة البيع على إذن الواقف أو إجازته .
ومضافاً إلى أنّ الثواب ليس كمنافع الدار قائماً بها ، ولا استيفاء الواقف للثواب كاستيفاء الموقوف عليهم للسكنى ، أو ثمرات الأعيان الموقوفة ، بل
ص: 164
الثواب أمر خارج بتفضّل اللّه تعالى ، ومثله لا يوجب حقّاً في الأعيان .
ومضافاً إلى أنّ إعطاء الثواب حتّى في العبادات المعروفة ، ليس لاستحقاق العبد ، بل تفضّل منه تعالى ، فضلاً عن المقام ؛ فإنّ ما هو فعل الواقف ليس إلاّ جعل الشيء صدقة ، وهو موجب للثواب .
ولو قلنا : بالاستحقاق ، يكون مستحقّاً لأجل تصدّقه به ، وأمّا إعطاء الثواب له بإزاء انتفاع البطون السابقة واللاحقة ، فليس إلاّ تفضّلاً محضاً .
فجعل الشيء صدقة جارية من فعل الواقف ، وله أجر بمجرّد جعله ، سواء استفاد الموقوف عليهم منه ، أم لا ، ولو اُعطي أجراً لأجل استفادتهم ، فليس ذلك جزاءً لفعله ؛ لعدم فعل منه ، بل هو تفضّل محض .
أنّ الواقف إنّما ينتفع من انتفاع الموقوف عليهم ، لا من العين الموقوفة ، ولا من منافعها ، فله ثواب أصل الوقف ، يزيد وينقص حسب صدقته قلّة وكثرة ، وانقطاعاً ودواماً ، من غير فرق بين كون المستفيد منه حسب الاتّفاق قليلاً أو كثيراً ، ولا بين بقاء الوقف على حاله ، وبين خرابه وبيعه .
فالخراب أو النقل لا ينقص من ثواب عمله شيئاً ، ولا يكون البيع مبطلاً لثوابه ولحقّه لو كان الثواب حقّاً له .
ولو فرض أنّ له ثواباً حسب استفادة الموقوف عليهم ، وكلّما كثر المستفيد كثر ثوابه ، لم يوجب ذلك تعلّق حقّ له بالعين ، ولا بمنافعها ؛ لما عرفت : من تفرّع ثوابه على انتفاعهم .
فلو كان شخص خيّر ، يعطي الفقراء من منافع داره شيئاً على فرض إجارتها وأخذ اُجرتها ، لم يتعلّق حقّ لهم بالدار ، ولا بمنافعها ، بل لو جعل لهم بعقد لازم
ص: 165
شيئاً من منافعها على فرض إجارتها ، لم يتعلّق حقّ لهم بالدار ، وليس لهم إلزامه بالإجارة ؛ لأنّ حقّهم متفرّع ومعلّق على الإجارة ، وفي مثله لا يعقل تعلّق حقّ بالعين ، ولا باستئجاره ، فضلاً عن المقام الذي يكون الأجر - على فرضه - مبنيّاً على التفضّل زائداً على أجر عمله .
وأمّا منع حقّ البطون اللاحقة ، فإن قلنا : بأنّ الوقف تمليك فعلي لجميع البطون عرضاً وإن كانت المنافع تدرّ عليهم طبقة بعد طبقة ، ولا مانع في مالكية الطبقات المتأخّرة للعين الموقوفة مسلوبة المنافع إلى زمان وجودهم ، كالعين المستأجرة إذا بيعت ، فالبطلان لأجل كون العين مشتركة بين الحاضرين وغيرهم ، فلا يجوز بيع الجميع ، ولا بيع ملك الحاضر مشاعاً؛ للجهالة بالمقدار المشاع .
إلاّ أن يقال : بصحّة بيع الجميع ؛ دفعاً للجهالة ، ويكون بالنسبة إلى الطبقات المتأخّرة فضولياً ، والفرض أنّ جميع المنافع للطبقة الحاضرة عند وجودهم ، وجواز أنحاء التصرّفات الانتفاعية في العين ، كالإجارة ، وتسليم العين إلى المستأجر لاستيفاء المنافع ، فلهم بيعها وتسليمها ، وبعد تلك الطبقة إن أجازت المتأخّرة صحّ بالنسبة إليهم ، وإلاّ بطل . . . وهكذا .
وإن قلنا : بأنّ الوقف تمليك للبطون الموجودة فعلاً ، وللبطون المتأخّرة بعد انقراض البطن الموجود - أي تمليك طبقة بعد طبقة - فلا مانع من صحّة البيع على فرض صحّة البيع المحدود إلى انقراض الطبقة الحاضرة ؛ بأن يقال : كما
ص: 166
يصحّ التمليك المحدود في الوقف ، يصحّ بيعه كذلك .
ولو لم يصحّ البيع ؛ لذلك أو للغرر ، يمكن النقل بمثل الصلح أو البيع بلا حدّ ، مع اشتراط الانفساخ عند انقراض الطبقة .
ولو قلنا : ببطلانه أيضاً ؛ لأدائه إلى الغرر ، يمكن البيع بلا شرط وحدّ ، فيكون فضولياً بالنسبة إلى الطبقة المتأخّرة .
هذا إذا قلنا : بإمكان تمليك المعدوم .
وأمّا إن قلنا : بأنّ تمليك المعدوم غير ممكن كمالكيته ، فإنّ المعدوم لا يمكن الإشارة إليه ، ولا جعله طرف الإضافة ، وإنّما الوقف إنشاء تمليك متعلّق بعنوان الطبقات ، كعنوان «الذرّية» أو عنوان «طبقة بعد طبقة»، فالتمليك - على القول به - لعنوان واحد منطبق على كلّ طبقة في حال وجودها ، أو لعناوين عديدة حسب الطبقات . وعلى القول المنصور : من أنّ الوقف ليس تمليكاً ، فالإيقاف لعنوان واحد ، أو عناوين عديدة ، كلّ في حال وجود الطبقة ، ولا يكون - على الفروض - لأفراد الطبقات الموجودة والمعدومة حقّ متعلّق بالعين الموقوفة ، وإنّما هم مصرف المنافع ، كالفقراء والسادة في الزكاة والخمس على احتمال موافق للاعتبار(1) ، فهل ملكية العنوان أو الوقف عليه مانع عن البيع أو أنّ عدم الجواز ليس للحقّ ، بل لأنّ الطبقة الحاضرة غير مالكة للعين ؟
وهنا احتمال آخر في الوقف مطلقاً ، وهو أ نّه فكّ ملك ، وجعل شيء محبوساً
ص: 167
وموقوفاً ؛ لتدرّ منافعه على الموقوف عليهم ، لا بمعنى إيقافها عليهم كما في الاحتمال المنصور ، بل بمعنى الإيقاف والحبس بلا إضافة ، وجعل المنافع للطبقات وتسبيلها عليهم ، وإنّما يقال : «إنّهم الموقوف عليهم» لأجل هذا الدرّ ، لا لأجل الإيقاف عليهم . وإن شئت قلت : لأجل الإيقاف لهم ؛ بأن تكون «اللام» غاية ، فتكون ماهية الوقف حبس العين عن النقل ، وتسبيل المنافع ، فتكون الطبقات موقوفاً لهم ، لا عليهم .
وهذا الاحتمال أقوى من سائر الاحتمالات بعد الاحتمال المنصور ، الموافق لاعتبار الوقف في جميع الموارد ، وعليه يكون عدم النقل مقتضى ماهية الوقف ، كما أفاده صاحب «الجواهر» قدّس سرّه (1) تبعاً لغيره(2) ، فيكون عدم جواز البيع ؛ لاقتضاء ماهية الوقف ، لا لأجل تعلّق حقّ الموقوف لهم بالعين .
ويمكن أن يقال : إنّ هذا الجعل كافٍ في المنع ؛ بمعنى أنّ الطبقة اللاحقة التي تصير المنافع لهم ، يكون لهم حقّ الانتفاع في ظرفهم ، وهذا كافٍ في المنع ، نظير وصيّ-ته بعين بعد سنة من موته لزيد ، فإنّها تصير ملكاً للورثة ، ولهم منافعها ، لكن ليس لهم إتلافها ونقلها ؛ فإنّ نفس الجعل له في ظرفه مانع عنه .
وكيف كان : مانعية حقّ البطون اللاحقة ، مبنيّة على بعض الاحتمالات غير الصحيحة ، بل غير المعقولة ؛ من كون الوقف ملكاً للمعدوم(3) ، أو حقّاً له ، ويكون
ص: 168
المعدوم مالكاً وذا حقّ ، وهو أمر غير معقول ؛ لأنّ ثبوت شيء لشيء ، فرع ثبوت المثبت له ولو كان ثبوت أمر اعتباري ؛ فإنّ كون الثابت اعتبارياً ، لا ينافي أن يكون الثبوت حقيقياً ، فالملكية صفة حقيقية للأعيان ، وإن كانت نفسها اعتبارية ، ففرق بين كون شيء ملكاً لأحد اعتباراً ، وبين كونه ملكاً له حقيقة .
مع أنّ اعتبار الشيء للأعدام بما هي ، أيضاً محال ؛ فإنّ الاعتبار لها متقوّم بالتصوّر والإشارة العقلية ، والتصديق بكون الاعتبار ثابتاً لها ولو ثبوتاً اعتبارياً ، وكلّ ذلك ممتنع في الأعدام ، وما يتصوّر منها إنّما هي عناوين وجودية ذهناً ، لا يعقل كاشفيتها عن الأعدام ، ولا منكشفيتها بها .
وأمّا توهّم : كون القضايا الحقيقية من قبيل الحكم على الأفراد الأعمّ من الموجودة والمعدومة - إذ لو كانت قضيّة «كلّ نار حارّة» مثلاً مقصورة على الأفراد الموجودة لكانت خارجية ، فلا بدّ من شمولها للأعدام - ففساده أوضح من أن يخفى :
أمّا على مسلك من قال : إنّ تلك القضايا بمنزلة الشرطيات في عقد الوضع(1) فواضح ؛ لأنّ الحكم على الأفراد المقدّرة الوجود .
وأمّا على مسلكنا : من كون تلك القضايا بتّية ، لا تقدير فيها ، ولا شرط في عقد الوضع ، ولا في عقد الحمل(2) ؛ فلأنّ الحكم على كلّ فرد من النار وإن لم يكن مقصوراً على أفراد خاصّة - وإلاّ لم تكن القضيّة حقيقية - لكن لا يلزم منه شموله لغير أفراد الطبيعة ، والأعدام ليست بنارٍ ، ولا شيء آخر ؛ إذ مصداقية
ص: 169
الشيء للطبيعة إنّما تتحقّق بالوجود ، فعدم شمول القضيّة للأعدام لأجل عدم إمكان شمول القضيّة لغير مصاديق الطبيعة .
فقوله : «كلّ نار حارّة» إخبار عن كلّ فرد فرد من النار ، فهي إخبار عن كلّ فرد يكون ناراً ، لا بمعنى الاشتراط والتعليق ، ولا بمعنى الشمول لما ليس بنار كالأعدام .
ثمّ لو فرض أنّ الوقف ملك للطبقة المتأخّرة ، أو أنّ لهم حقّاً فعلياً متعلّقاً به ، أو قلنا : بأنّ الوقف للعنوان ، أو الوقف تمليك فعلي للطبقة الحاضرة ، ومشروط للمتأخّرة ، أو تمليك العين في قطعة من الزمان لهذه الطبقة ، وفي قطعة اُخرى لطبقة اُخرى . . . وهكذا ، لم يمنع شيء ممّا ذكر عن البيع كما عرفت ، حتّى على القول : بأنّ تمام العين ملك للطبقة الحاضرة ، وتمامها ملك للطبقة المتأخّرة ، على فرض تصوّر ذلك .
وكذا على القول : باشتراك الطبقات فيها فعلاً ؛ لأنّ المفروض أنّ للطبقة الحاضرة جميع أنحاء التصرّفات الانتفاعية في الوقف ، فلهم إجارتها ، والصلح على منافعها ، والانتفاع بها بأنحائه إذا كان وقف منفعة ، لا وقف انتفاع فقط .
فحينئذٍ لو باعتها الطبقة الحاضرة ، يكون البيع بالنسبة إليها فعلياً ، وبالنسبة إلى سائر الطبقات فضولياً ، لكن يكون للمشتري جميع التصرّفات في العين ؛ فإنّها وإن كانت ملكاً لكلّ منهما ، أو مشتركة بينهما ، لكن تكون المنافع مطلقاً للطبقة الحاضرة ما دامت موجودة ، والبيع يوجب نقل العين بتمامها إلى المشتري على فرض ملكية التمام للطبقة الحاضرة ، وملكية التمام للمتأخّرة ، ونقل حصّة الحاضرة إليه على فرض الاشتراك .
ص: 170
وعلى أيّ حال : للمشتري التصرّف فيها بأنحاء التصرّفات ، حتّى التصرّف النقلي .
نعم ، ليس له إتلافها وإعدامها ؛ لتعلّقها بالغير أيضاً .
فإذا انقرضت هذه الطبقة ، فإن أجازت الطبقة اللاحقة صارت العين - بالمقدار الذي كان لهم - للمشتري ، فله المنافع إلى انقراضهم .
وإن ردّت اللاحقة ، تردّ العين إليهم وإن كانت مشتركة بينهم وبين المشتري ؛ لأنّ المنافع مجعولة بحسب جعل الواقف للطبقة المتأخّرة في زمانهم ، فكما أ نّها ملك لجميع الطبقات مع اختصاص كلّ طبقة بمنافعها في زمانها ، وكانت العين لسائر الطبقات ساقطة المنافع ، فكذلك الحال بالنسبة إلى المشتري .
فتحصّل من جميع ما تقدّم : أ نّه لا دليل معتمد على بطلان بيع الوقف غير الإجماع ، وارتكاز المتشرّعة من كلّ ملّة ، بل ارتكاز العقلاء ، إلاّ ما ذكرناه واخترناه(1) : من خروج الوقف عن ملك الواقف والموقوف عليه ، وأنّ اعتبار الوقف هو فكّ الملك ، لا التمليك للموقوف عليه حتّى في الوقف الخاصّ ، فلا بدّ في صحّة بيعه من ثبوت سلطنة عليه للموقوف عليه أو لغيره .
ويمكن أن يقال : إنّ هذا الارتكاز الضروري للمسلمين بل لغيرهم في
الموقوفات ، يوجب ظهور الروايات المتقدّمة في المنع ، كقوله عليه السلام : «لا يجوز شراء الوقوف»(2) والروايات الحاكية عن وقوف الأئمّة (3)
ص: 171
وغيرها (1) ، ولا يصغى إلى المناقشات العلمية بعد تلك المعهودية .
إلاّ أن يقال : إنّ ما هو المرتكز والمعهود ، عدم جواز بيع الوقف وشرائه في الجملة ، لا على نحو الإطلاق ، فلا يكون في الموارد المختلف فيها أو المسلّم جواز بيعها مرتكزاً ، فلا يكون عدم الجواز - فيما إذا وقع اختلاف شديد بين الموقوف عليهم ، يوجب تعطيل الوقف إلى الأبد - مرتكزاً معهوداً ، وكذا فيما إذا خرب بحيث لا يمكن الانتفاع به ، وكذا في غيرهما من الموارد ، ومع عدم معهودية تلك الموارد ، لا تكون المناقشات المتقدّمة مخالفة لارتكازهم .
وكيفما كان : لا إشكال في أنّ مقتضى القاعدة ، عدم جواز بيع الوقف مطلقاً ، ولا بدّ في الخروج عنها من التماس دليل .
ثمّ إنّه قد وقع الكلام بين الأعلام : في أنّ الوقف في موارد جواز البيع ، هل يبطل بمجرّد الجواز أو لا ؟
وتفصيل القول : أ نّه يحتمل بطلانه بمجرّد الجواز ، وبالجواز المتعقّب بالبيع ؛ أي الجواز الذي يتعقّبه البيع ، لا الجواز المطلق ، وبالبيع مطلقاً ، لا الجواز مطلقاً .
ويحتمل أن يبطل بالبيع من جهة دون جهة .
ويحتمل أن لا يبطل رأساً ، حتّى بالبيع مطلقاً ؟ وجوه :
قد يقال : إنّه على القول بأنّ الوقف عبارة عن الحبس الذي هو الممنوعية عن
ص: 172
النقل ، يكون جواز النقل مضادّاً له ، ومع فرض فعلية الجواز يبطل الوقف ؛ لامتناع اجتماع الضدّين(1) .
وفيه : - مع الغضّ عن أنّ المضادّة في المقام خلاف الاصطلاح - أنّ الممنوعية التي تتصوّر هاهنا ، هي الممنوعية الجعلية من قبل الواقف ؛ لأنّ الوقف - بحسب الماهية - إذا كان حبساً عن التقلّبات ، يكون إيجاد تلك الماهية وإيقاعها بيد الواقف ، فلا يعقل جعل الممنوعية الشرعية ؛ لأ نّها ليست باختياره ، فالتحبيس من الواقف ، لا من الشارع .
وهذه الممنوعية ليست مضادّة لجواز بيع الوقف ؛ لأنّ جوازه شرعي لا مالكي ، والمنع المالكي لا يضادّ الجواز الشرعي بوجه ، كما أنّ أمر الوالد ولده بشيء ، لا يضادّ نهي الوالدة عنه .
فالتضادّ لو كان ، إنّما هو بين أمر شخص بشيء مع نهيه عنه بعد فرض وحدة الجهات ، لا بين أمر شخص ونهي شخص آخر .
فالممنوعية المالكية لا تضادّ الجواز الشرعي ، بل هما مجتمعان في المقام ، وإن كان يقدّم الجواز الشرعي على الممنوعية من قبل المالك ، ويجوز بيع الوقف شرعاً مع كونه وقفاً ؛ أي يجوز تخلّف منع المالك ، وبيع ما جعله حبساً ممنوعاً عن النقل .
فبطلان الوقف قبل البيع وحال الجواز ، يحتاج إلى دليل غير قضيّة التضادّ .
ولو قيل : إنّ التضادّ بين عدم ردع الشارع لجعل الواقف الكاشف عن إمضائه
ص: 173
له ، وبين تجويزه للبيع ، أو بينه وبين رضاه بجعل الواقف .
وإن شئت قلت : بين دليل الإمضاء - نحو قوله عليه السلام : «الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها»(1) - وبين دليل تجويز البيع .
يقال : إنّ التضادّ بين عدم الردع وبين الجواز ، لا وجه له ؛ فإنّ عدمه ليس حكماً ثابتاً مضادّاً للحكم الآخر ، وهكذا في الرضا مع الجواز ، فإنّه متعلّق بالامتناع المالكي ، وليس جعلاً للامتناع الشرعي ، ودليل الإمضاء أيضاً كذلك .
وعلى هذا المبنى ، ليس قوله عليه السلام : «لا يجوز شراء الوقف»(2) أيضاً - على فرض إطلاقه - إلاّ إمضاء ما أنشأ الواقف ، لا حكماً مستقلاًّ شرعياً ، مع ما عرفت من المناقشة في إطلاقه(3) .
وعلى أيّ حال : لو سلّم التضادّ ، فإنّما هو بين دليل الإمضاء - نحو قوله عليه السلام : «لا يجوز شراء الوقف» - ودليل الجواز ، لا بينه وبين وقف الواقف وإنشائه ، وهذا لا يوجب بطلان الوقف ، إلاّ أن يحمل دليل الجواز على الردع عن الوقف ، لا على تجويز بيعه ، وهو كما ترى .
ثمّ إنّه قد اُورد على صاحب «الجواهر» قدّس سرّه : بأنّ لازم بطلان الوقف ، خروج العين الموقوفة عن ملك الموقوف عليه، إلى ملك الواقف، وهو خلاف الإجماع(4).
ص: 174
وفيه : - مضافاً إلى أنّ دعوى الإجماع في مثل المسألة ، غير وجيهة - أنّ الخروج عن ملك الموقوف عليه غير متّجه ؛ لأنّ الوقف - على هذا المبنى - هو التمليك مع خصوصية زائدة ؛ هي ممنوعية المعاوضات ، فهو من الحقائق المركّبة ، والتضادّ إنّما هو بين الجواز والممنوعية ، لا بينه وبين ملك الموقوف عليه ، ومقتضى ذلك رفع حيثية الممنوعية ، لا الملكية ؛ لعدم دليل على بطلان الوقف إلاّ التضادّ المذكور ، ولا يعقل أن يكون المرفوع بالتضادّ إلاّ ما هو ضدّ .
والمنشأ بالوقف ليس بسيطاً غير قابل للتجزئة ؛ فإنّ الوقف إمّا أن يكون تمليكاً فقط ، وهو خلاف هذا المبنى وخلاف الواقع ، أو ممنوعية المعاوضات فقط فكذلك .
مع أ نّه لا يلزم على ذلك ، الخروج عن ملك الموقوف عليه ، بل يلزم إمّا عدم الخروج من أوّل الأمر عن ملك الواقف ، أو عدم الملكية رأساً لا للواقف ولا للموقوف عليه ، أو يكون تمليكاً بوصف الممنوعية أو معها ، فيكون الوقف من الماهيات المقيّدة أو المركّبة .
فالواقف أوجد بإنشائه التمليك المتّصف بالممنوعية ، أو التمليك مع الممنوعية ، وما يرتفع بالجواز هي الممنوعية فقط ؛ لأنّ التضادّ بينهما لا يعقل أن يوجب نفي ما هو غير مضادّ ، ولا ملازمة بين رفع الممنوعية ورفع الملكية ، وليست حيثية الملكية عين حيثيتها ، والإنشاء وإن كان واحداً بسيطاً ، إلاّ أنّ المنشأ مركّب أو مقيّد ، والرافع إنّما يرفع وصف المنشأ أو جزءه ، لا الإنشاء ؛ لعدم
بقائه اعتباراً .
ص: 175
ويمكن الإشكال عليه أيضاً : بأنّ لازم ذلك عدم عود الوقفية حتّى مع زوال العارض ، فإذا خرب الوقف ، أو وقع الاختلاف بين أربابه ، وقلنا : ببطلانه عند طروّ المجوّز ، لكن لم يتّفق بيعه حتّى زال الطارئ ، فلازمه عدم عود الوقف ؛ لعدم سبب له ، وهو خلاف الواقع ، ولا أظنّ التزامه به .
قلت : هذا الإشكال مشترك الورود بوجه ؛ فإنّ الوقف إذا عرضه المجوّز فجاز بيعه ، ثمّ زال الطارئ ، بقي الجواز ؛ لعدم سبب لرفعه ، وعدم الدليل على إناطة البقاء ببقاء العلّة المحدثة ، ومع احتمال ذلك ، يستصحب الجواز مع كونه وقفاً ، وهو أصعب ممّا ورد على القول الأوّل .
بل لعلّ رفع الإشكال عن الأوّل أهون منه ؛ لإمكان أن يقال : إنّ الوقف إذا كان هو التمليك مع ممنوعية المعاوضة ، وقد أنشأ الواقف تلك الماهية ، فلا شبهة في أنّ الممنوعية المنشأة أبدية إذا كان الوقف مؤبّداً ، وإلى زمان الانقطاع إذا كان منقطعاً .
كما لا شبهة في أنّ الممنوعية ليست متعلّقة بموضوعها على نحو العامّ المجموعي ؛ بمعنى كونها ممنوعية متعلّقة بالموضوع إلى الأبد بنحو الاجتماع اللحاظي ؛ فإنّ لازم ذلك بطلان الوقف من الأوّل إذا عرض المجوّز في الأثناء ، بل تتعلّق بموضوعها بنحو الإطلاق من غير قيد ، فيكون الموضوع - أي العين - تمام الموضوع لممنوعية المعاوضة ، وقيد «الأبد» أو ما يفيد التأبيد كقوله : «طبقة بعد طبقة» لإفهام كون الممنوعية مؤبّدة .
فإطلاق الممنوعية الممضاة بقوله عليه السلام : «الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها» يقتضي عدم جواز البيع في جميع الأحوال والأزمنة ، لا بمعنى
ص: 176
لحاظ الكثرات كما توهّم في باب الإطلاق(1) ، بل بمعنى أنّ كون المتعلّق تمام الموضوع بلا قيد ، يقتضي ذلك ، فجواز البيع في حال ينافي إطلاق المنع ، ولو شكّ في جوازه حال عروض عارض ، يدفع بالإطلاق .
فحينئذٍ نقول : لو دلّ الدليل على جواز البيع عند اختلاف الموقوف عليهم ، أو عند خراب الوقف ، لأوجب ذلك رفع الممنوعية : إمّا بتقييد الإطلاق ، أو بالمزاحمة وكون المزاحم أقوى ، ولمّا كانت الممنوعية داخلة في ماهية الوقف ، بطل في زمان عروض المجوّز ، وإذا زال وشكّ في بقاء الجواز حال الزوال ، يرفع الشكّ بإطلاق الوقف الممضى من الشرع .
وبعبارة اُخرى : جواز البيع بعد زوال الطارئ ، موجب لتقييد زائد في إطلاق الوقف ، وهو يدفعه ، فالممنوعية الثابتة في حال زوال العذر ، متمّمة لماهية الوقف ، فيكون بمنزلة الوقف المنقطع الوسط .
هذا مع الغضّ عمّا تقدّم إيراداً على صاحب «الجواهر» قدّس سرّه : من أنّ الممنوعية المالكية ، لا تنافي ولا تضادّ الجواز الشرعي(2) ، فالجواز متعلّق بما هو ممنوع من قبل المالك ، وهو بيع الوقف ، والشارع الأقدس أجاز مخالفة الواقف عند عروض بعض العوارض ، هذا على مذهبه .
وأمّا على مذهب غيره ممّن يقول : ببقاء الوقف عند طروّ المجوّز - سواء قال :
ص: 177
بأنّ الوقف تمليك للبطون(1) ، أو قال : بأنّ الوقف فكّ للملك وإيقاف على الموقوف عليهم(2) - فلا بدّ في رفع اليد عن استصحاب حكم المخصّص - أي الجواز - بعد زوال الطارئ من إطلاق دليل ، وقد تقدّم منّا عند التعرّض للأدلّة ، التشكيك في إطلاق الأدلّة ؛ بحيث يمكن الاتّكال عليه لتأسيس قاعدة كلّية(3) :
أمّا في قوله عليه السلام : «الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها» فلأنّ الظاهر أنّ الوقوف تابعة لكيفية إيقاف الواقف ، فمع عدم كون المنع من متمّمات إيقافه وجعله ، لا يشمله الدليل .
وبعبارة اُخرى : لا يدلّ ذلك على عدم جواز بيع الوقف ، بعد كون ماهية الوقف هو التمليك ، أو الإيقاف على الموقوف عليهم ؛ بمعنى عدم التجاوز عنهم ، لا بمعنى الإيقاف عن النقل ، كما عليه صاحب «الجواهر» قدّس سرّه (4) .
وأمّا فيما ورد في وقف بعض الأئمّة عليهم السلام من قوله : «صدقة لا تباع ولا توهب»(5) فلأ نّه يحتمل أن يكون المراد منه بيان الحكم الشرعي ، كما يحتمل أن يكون حكماً من الواقف ؛ بأن أخذه شرطاً في عقد الوقف ، وجعله من متمّماته وكيفياته .
وعلى الثاني : يتمّ الإطلاق في قسم خاصّ من الوقف ، وهو الذي نوى
ص: 178
الواقف فيه القربة حتّى يصير صدقة ، وشرط فيه عدم البيع والهبة، ففي هذا القسم يؤخذ بالإطلاق ، ويدفع الشكّ بعد زوال العارض ، ويقدّم على الاستصحاب .
وعلى الأوّل : يثبت أيضاً في قسم منه ، وهو ما نوى فيه القربة .
وكيف كان : لا يثبت المدّعى إلاّ على قول من اعتبر في مطلق الوقف القربة(1) ، ومع التردّد بين الاحتمالين لا يثبت به إلاّ الصدقة المشروطة ، بل قد تقدّم رجحان الاحتمال الثاني(2) .
وأمّ-ا في قوله عليه السلام : «لا يجوز شراء الوقوف»(3) فلأ نّ-ه قد تقدّم الإشكال في إطلاقه(4) .
نعم ، لو قيل بإطلاقه فهو وافٍ لإثبات القاعدة الكلّية ، والظاهر تسالمهم على عدم الجواز عند زوال العارض .
هذا كلّه في بطلان الوقف بمجرّد جواز البيع .
وأمّا احتمال بطلانه بالبيع مطلقاً ، أو عدمه مطلقاً ، أو بطلانه من حيث ، وبقائه من حيث ، فمحصّل الكلام : أنّ الوقف بحسب التصوّر إمّا أن يتعلّق بشخص العين من غير لحاظ ماليتها .
ص: 179
أو مع لحاظها بجهة تعليلية ، كما أنّ الأمر كذلك في البيع ، فإنّه يتعلّق بنفس العين ، وماليتها ليست قيداً ، بل لو لوحظت لكان بجهة تعليلية .
أو مع لحاظ المالية بجهة تقييدية ، ويكون متعلّق الوقف العين بماليتها العريضة .
أو يتعلّق بمالية العين المتقيّدة بها .
أو بماليتها المرسلة .
أو بالعين والمالية على نعت التركيب .
أو بالعين وبدلها بلا شرط .
أو بها وببدلها بشرط طروّ عارض موجب لبيعها . . . إلى غير ذلك من التصوّرات .
لا إشكال في بطلان الوقف بالبيع فيما عدا احتمال التعلّق بماليتها المرسلة من المحتملات ، حتّى فيما إذا تعلّق بالعين وبدلها مطلقاً أو بالشرط ؛ فإنّ البدل يصير وقفاً ، ويبطل وقف المبدل .
كما أنّ لازم تعلّقه بالعين بقيد المالية أو بماليتها الضمنية ، بطلانه بطروّ عارض يسقط العين عن المالية .
ولازم كون العين والمالية وقفاً على سبيل التركيب بطلانه من جهة دون جهة .
لكن التحقيق : أنّ تلك التصوّرات لا وقع لها ولا واقعية ؛ ضرورة أنّ من شرائط الوقف ، تعلّقه بالأعيان التي لها منفعة محلّلة تدرّ على الموقوف عليهم ، والمالية ليست من الأعيان ، ولا تكون لها منفعة وثمرة ، والمنافع كلّها إنّما هي للأعيان ، بل كانت ثابتة لها قبل اعتبار المالية للأشياء ؛ فإنّ اعتبارها إنّما حدث
ص: 180
بعد تمدّن ما ، وكانت للأعيان ثمرات ونتائج قبل وجود التمدّن والاحتياجات الموجبة لاعتبار المالية ، فوقف المالية ممّا لا صحّة له .
كما أنّ الأوقاف المتداولة ، لم تتعلّق في مورد من الموارد بمالية الأشياء ؛ لا مستقلاًّ ، ولا بنحو التركيب ، أو التقييد .
مع أ نّه لو فرض التعلّق بالمالية ، لا تنبغي الشبهة في البطلان بالبيع أيضاً ؛ لأنّ نقل العين نقلها بماليتها ، ولا يعقل حفظ مالية العين مع بيعها .
وتوهّم : بقاء ماليتها بعد بيع العين في ضمن البدل(1) ، فاسد ؛ فإنّ ما هو في ضمن البدل مالية خاصّة به ، لا منتقلة من المبدل إليه ؛ إذ المبادلة بين المالين معناها نقل المال بماليته إلى الطرف ، في مقابل نقل ماله بماليته إليه .
بل المالية المرسلة ممّا لا أصل لها ؛ فإنّ مالية عين شخصية ، لا يعقل أن تكون قابلة للتطبيق على مالية عين اُخرى ، فالوقف يبطل بالبيع على أيّ فرض .
وأمّا حديث تعلّقه بالعين وببدلها عند طروّ عارض ؛ بدعوى تعدّد المطلوب(2) .
ففيه : أنّ الإنشاء الوحداني ، لا يعقل أن يكون متكفّلاً لوقف العين ما دام لم يعرض لها عارض موجب للبيع ، ولوقف البدل عند عروضه الكذائي ؛ ضرورة كون الثاني مترتّباً على الأوّل ، ولا يعقل إنشاء شيء وما يترتّب عليه بلفظ واحد ، والإنشاء بلفظين ممكن ، لكنّه خارج عن الفرض هاهنا ، وستأتي تتمّة لذلك(3) .
ص: 181
إذا عرفت هذا فنقول : إنّ الوقوف على أقسام ، وإن كان الكلّ مشتركاً في معنىً واحد ، هو الإيقاف لدرّ النفع أو الانتفاع .
منها : ما لا تعقل فيها البدلية بوجه من الوجوه ، وهي التي جعلت بشخصها موضوع أثر وحكم شرعي ، كعرفات ، والمشعر ، ومنى ، والمطاف ، والمسعى ، بناءً على وقفية تلك المشاعر .
وكذا المساجد الأربعة ، بناءً على اختصاصها بأحكام ، كجواز الاعتكاف فيها ؛ فإنّ بيعها - والعياذ باللّه - موجب لمحو المشاعر ، لا تبديلها ، فلا معنى لبيع
عرفات ، والشراء من ثمنها محلاًّ بدلها . . . وهكذا غيرها ممّا ذكر .
فعدم الجواز في أمثالها ؛ إنّما هو لامتناع البدل فيها ، وكذا في المشاهد المشرّفة ؛ فإنّها لا تعقل فيها البدلية .
والأقرب : أنّ مطلق المساجد كذلك ؛ فإنّ البدلية فيها أيضاً لا معنى لها ، لأنّ الثمن أو ما يشترى بالثمن ، لا يصير مسجداً بمجرّد المعاوضة :
أمّا الثمن فظاهر .
ص: 182
وأمّا المكان المشترى به ؛ فلأنّ المسجدية متقوّمة بجعل العنوان ، فبدل المسجد لا يصير بمجرّد البدلية مسجداً ، ولا تترتّب عليه أحكامه ، ولو جعل مسجداً ، لم يكن ترتّب الأحكام عليه بعنوان «بدل المسجد» بل هو مستقلّ فيه .
مضافاً إلى أنّ آثار المسجد لا تنتقل ببيعه إلى مسجد آخر ، بل إخراجه عن المسجدية - بالبيع ونحوه - محو لآثاره ومشعريته ، لا مبادلة مشعر بمشعر .
مع أنّ الحكم في أمثالها واضح ، لا يحتاج إلى التجشّم ، هذا بالنسبة إلى أصل المشاهد والمساجد .
وأمّا أجزاء أبنيتها ، كالأحجار ، والأخشاب ، وما يوقف عليها ، كالفرش ، والقناديل . . . ونحو ذلك ، فالبدلية فيها معقولة ، فلو فرض عدم الجواز فيها ، فلا بدّ وأن يكون لوجه آخر .
ومنها : الموقوفات العامّة ، سواء كانت مثل المدارس ، والخانات ، والقناطر ، وما أشبهها ؛ ممّا وقفت للانتفاع بها بالسكنى فيها ، أو المرور عليها ، أو كانت مثل الوقف على الجهات أو العناوين العامّة ، ومن قبيلها الوقف لتأسيس المدارس ، وبناء القناطر ، وتعمير الطرق والشوارع . . . إلى غير ذلك .
ومنها : الأوقاف الخاصّة ، كالوقف على الذرّية .
ومنها: الأوقاف على الموقوفات، كالوقف على المشاهد المشرّفة والمساجد.
وقد يقال : إنّ مقتضى الأصل في كلّ وقف كان فكّاً للملك وتحريراً - كالمشاهد ، والمساجد ، والخانات ، والقناطر ، وأشباهها - عدم جواز البيع ؛
ص: 183
لخروجها عن الملكية ، وتلف ماليتها شرعاً .
وأمّا فيما لم يحرّر ، وكان تمليكاً لجهة ، أو عنوان ، أو أشخاص ، فالأصل فيها جواز البيع إذا لم يمكن الانتفاع بها ؛ لأنّ الواقف وإن أوقف عين الرقبات ، ولكن حيث إنّها ممّا تزول خصوصيتها الشخصية ، فكأ نّه وقفها بمراتبها ، وتعلّق نظره أوّلاً بشخصيتها ، ثمّ بماليتها ، فإذا لم يمكن الانتفاع بشخصيتها الخاصّة ، فيتعلّق بماليتها .
فللحاكم أو المتولّي تبديلها ، ويصير بدلها وقفاً ، كما تقدّم نظير ذلك في باب اليد ؛ فإنّ العين المضمونة ما دامت موجودة يجب ردّها بشخصها ، وإذا تلفت يردّ ماليتها (1) ، انتهى .
وأنت خبير بما فيه ، بعد الغضّ عمّا تقدّم : من أنّ الوقف هو التحرير في جميع الموارد ، وليس تمليكاً في شيء منها :
أمّا فيما ذكره في القسم الأوّل ؛ فلأنّ الخروج عن الملك غير كافٍ لبطلان البيع ، بل لا بدّ فيه من إثبات عدم سلطنة أحد على البيع ؛ فإنّ المعتبر في صحّته هو السلطنة عليه وإن لم يكن المبيع ملكاً ، ولا شبهة في أنّ الحاكم في الاُمور العامّة وليّ الأمر ، وله سلطنة عليها .
فعدم الجواز في مثل المشاعر والمساجد والمشاهد ، ليس لفكّ الملك . بل لما عرفت(2) .
وأمّا الخانات والمدارس والقناطر ، والأوقاف على الجهات العامّة ، أو
ص: 184
العناوين كذلك ، فلا شبهة في أنّ أمرها موكول إلى الحاكم المتولّي للاُمور العامّة ، سواء قلنا في الأوقاف على الجهات والعناوين : إنّها فكّ ملك وتحرير كما هو الحقّ ، أم لا .
فلو خربت أمثالها ، ولم يرجَ العود ، كان له تبديلها وبيعها ، وأخذ ثمنها ، والصرف في أمثالها ، ومع عدم الإمكان يصرفها في سائر مصالح المسلمين ؛ على حسب ما تقتضيه المصالح ، وما زعم : من تلف ماليتها شرعاً ، لا دليل عليه .
فالخانات والمدارس والمساجد وغيرها لها مالية ، ولم يدلّ دليل على سقوطها شرعاً ، وما دلّ على عدم جواز شراء الوقف(1) - مع أ نّه وارد في الأوقاف الخاصّة ، التي هي على مسلكه ملك للموقوف عليهم - لا يدلّ على سقوط ماليتها ، لو لم نقل : بدلالته على عدم السقوط .
وكيف كان : هي أموال عرفاً ، ولم يرد تعبّد من الشرع في البناء على عدم ماليتها .
وأمّا ما قرّره في تأسيس الأصل في الأوقاف ، التي هي تمليك على زعمه ؛ فلأ نّه بعد الاعتراف بأنّ الواقف أوقف عين الرقبات ، لا مجال لما ذكره : من أنّ زوال الخصوصية الشخصية ، يجعل ما تعلّق بالرقبات كأ نّه تعلّق بمراتبها ، ولا أدري كيف ينتج قوله : «كأ نّه تعلّق بها» الجزم بالتعلّق ، ولا سيّما تعلّقاً أوّلياً بشخصيتها ، وفي الرتبة الثانية بماليتها ، والثالثة بعوض ماليتها .
مع ما عرفت : من أنّ هذا النحو من التعلّق الترتيبي ، لا يعقل تحقّقه بإنشاء
ص: 185
واحد(1) ، والمفروض أ نّه ليس في الوقف إلاّ إنشاء واحد ، هو «وقفت ذلك على كذا» .
وأعجب من ذلك تنظيره بما قاله في باب ضمان اليد : من تعلّقه بالمراتب ؛ فإنّه مع الغضّ عن ضعف ما ذكره هناك على ما تقدّم(2) ، يرد أنّ الفارق بينهما ظاهر ؛ فإنّ اليد قد تعلّقت في عرض واحد - على زعمه - بالشخصية ، والنوعية ، والمالية ، ومقتضى ضمانها بجميع الجهات هو الفراغ عنها ، وعند تعذّر جهة أو جهتين يجب الفراغ عن الاُخرى ، فلا يكون وقوع اليد عليها رتبة بعد رتبة ، ولا الضمان كذلك ، بل هي بوقوعها على المأخوذ ، وقعت على الجهات المتّحدة في الوجود عرضاً بوقوع واحد ، فأين ذلك ممّا نحن فيه ؟ !
وقد تشبّث بعض أهل التدقيق للمقصود بوجه قريب منه(3) ، سيأتي عند التعرّض للأوقاف الخاصّة(4) .
ثمّ إنّ جواز البيع في الأوقاف العامّة لمصالح المسلمين أو لطائفة منهم - كالمدارس ، والخانات ، والوقف على الجهات والعناوين الكلّية مع عروض بعض العوارض ، كخراب الموقوفة ، أو عدم إمكان الانتفاع الخاصّ بها - كأ نّه
ص: 186
أهون من الأوقاف الخاصّة ، ولا يحتاج إلى كثرة تجشّم ؛ ضرورة أنّ ذلك داخل في شؤون ولاية الفقيه ، وهو من الحسبيات التي أمرها إلى الوالي لحفظ مصالح المسلمين .
فالخانات والمدارس وغيرهما ممّا جعلت لمصالح طائفة من المسلمين ، وكذا الأوقاف على الجهات ، أو على العناوين العامّة ، كالفقراء ، أو عامّة المسلمين ، إذا آل أمرها إلى الخراب ، فللوالي أو عليه حفظ منافعهم فيها ، وعدم إهمالها .
فله أو عليه أن يبيعها ويستبدلها ، لا لأنّ الواقف وقفها بمراتبها ؛ فإنّه بمكان من الضعف كما عرفت(1) وتعرفه(2) ، ولا لأنّ ذلك أقرب إلى نظره ؛ فإنّ نظره غير دخيل في ذلك ، وهو أجنبيّ عنه بعد تمامه .
بل لأنّ الأوقاف لم تخرج عن الوقفية ، فإذا كانت وقفاً على المسلمين ، وآل أمرها إلى الاضمحلال والتضييع ، فللوالي أو عليه - مع بسط يده - أن يستبدلها بما ينتفع به المسلمون ، كانتفاعهم بالأعيان الموقوفة ، فلو خربت مدرسة أو خان ، يبيعهما ويشتري مكاناً آخر يجعله مدرسة أو خاناً ؛ حفظاً للمصالح العامّة .
ومع عدم الإمكان ، يجعل مكانهما ما هو الأقرب إلى تلك المصلحة ، أو ما يرى أ نّه الأصلح ، ومع عدم الإمكان يصرف الأثمان في مصالح الموقوف عليهم .
ص: 187
وكذا الحال في أجزاء المشاعر ، والمشاهد ، والمساجد ، فإنّ أمرها إلى الفقيه في هذا العصر .
وقد عرفت في المباحث السابقة : أن لا دليل على عدم جواز بيع الوقف عند عروض مثل تلك العوارض ؛ لعدم الدلالة رأساً في بعض الروايات(1) ، وعدم الإطلاق في الآخر(2) ، ومع الغضّ عنه فالإطلاق منصرف عن مثل ذلك .
وهل يجوز لمتولّي الأوقاف الاستبداد ببيعها ؟
فيه إشكال ؛ لأنّ المتولّي إذا كان من قبل الواقف ، تكون حدود ولايته على الأوقاف ، حفظها وصرف منافعها في المصارف المقرّرة ، وأمّا حفظ مصالح الموقوف عليهم - ببيع الوقف ، واشتراء البدل من ثمنه ، وجعله وقفاً لهم - فليس من حدود التولية .
نعم ، لو شرط الواقف ذلك ، وقلنا : بنفوذ شرطه جاز ، لكنّه خارج عن الفرض في المقام ؛ إذ المفروض جعل شيء وقفاً ، وجعل شخص متولّياً عليه ، وليس من حدود التولية إبطال الوقف ، ولا وقف شيء بدله ، هذا على ما هو التحقيق .
وأمّا على ما قيل : من أنّ الوقف تعلّق بالمالية ، أو بالبدل عند عدم إمكان الانتفاع بالعين(3) ، فالظاهر أنّ للمتولّي - وإن لم يشترط الواقف - ولايةً على التبديل وعلى المبدل ، على تأمّل في التبديل .
ص: 188
ثمّ إنّ المنقول(1) عن الشيخ كاشف الغطاء قدّس سرّه : أ نّه لا يصحّ بيع الوقف العامّ ؛ لعدم الملك ، لرجوعه إلى اللّه ، ودخوله في مشاعره ، لكن مع اليأس عن الانتفاع به في الجهة المقصودة ، يؤجر للزراعة ونحوها ، مع المحافظة على الآداب اللازمة إن كان مسجداً ، وعلى إحكام السجلاّت ، وتصرف فائدتها فيما يماثلها (2) .
ووجّهه بعض الأجلّة قدّس سرّه : بأنّ للمسجد حيثيتين :
حيثية المسجدية ، ولها أحكام خاصّة .
وحيثية كونه وقفاً عامّاً .
ولا يجوز بيع المسجد بما هو مسجد ، وأمّا بعض الأحكام الاُخر الثابت للوقف العامّ الذي لا يكون منافياً للمسجدية ، فالمقتضي له موجود ، والمانع عنه مفقود ، كإجارته للزراعة ، وصرف اُجرته في تعميره ، أو إحداث مسجد آخر ، والمفروض عدم منافاته للمسجدية ؛ لعدم التمكّن من الانتفاع به في الصلاة وعبادة اُخرى(3) ، انتهى ملخّصاً .
ولا أدري هل أنّ مراد كاشف الغطاء قدّس سرّه من «الأوقاف العامّة» هي العامّة المصطلحة في مقابل الأوقاف الخاصّة ، أو المراد منها هي المساجد والمشاهد ؟
ص: 189
فإن كان الأوّل ، فلا وجه لدخولها في المشاعر ، ورجوعها إلى اللّه تعالى ؛ فإنّ الخانات والمدارس والأوقاف على الجهات والعناوين ، ليس شيء منها من مشاعر اللّه تعالى .
وكيف كان : يرد عليه في مثل المساجد والمشاهد المشرّفة : مضافاً إلى مخالفة ذلك لارتكاز المتشرّعة ، أنّ الواقف في المساجد - وتلحق بها الخانات ، والمدارس ، وما جعلها لانتفاع خاصّ - قصر جميع آثار الملك في ذلك ، والشارع الأقدس أنفذه بقوله عليه السلام : «الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها»(1) .
فكما أنّ الوقف على جهة أو عنوان ؛ بجعل الواقف ، وإنفاذ الشرع ، لا يتعدّى إلى غير المجعول ، كذلك قصر المنافع على منفعة خاصّة - كسكنى الطلبة ، ونزول المارّة . . . ونحو ذلك - وإنفاذ الشارع الأقدس يسقط سائر المنافع .
فلا منفعة للمسجد غير العبادة فيها ، والانتفاعات المتداولة منها ، كالقضاء ، ونشر الأحكام ، بل والسكنى بنحو لا تزاحم الصلاة ؛ ممّا جرت السيرة عليها ، ودلّت الأدلّة على جوازها ، وأمّا المنافع الاُخر فساقطة عنها وعن أشباهها ؛ من المدارس والخانات .
ولا ينبغي توهّم : أنّ لازم قصر الانتفاع الخاصّ للموقوف عليهم ، بقاء سائر المنافع منحازة للواقف ؛ فإنّ ذلك ضروري البطلان .
ص: 190
فلو وقف محلاًّ للتدريس أو للمكتبة . . . أو نحو ذلك ، فكما لا يجوز التعدّي عن جعله ، لا يجوز إجارته ولو مع عدم الانتفاع الخاصّ وتعذّره ؛ لأنّ اختصاص الوقف بجهة خاصّة ، يجعل العين مسلوبة المنفعة بحسب جعله وإنفاذ الشرع .
وأغرب ممّا ذكر التوجيه المتقدّم ؛ فإنّ ضعفه ممّا لا يخفى ، ضرورة أنّ جهة المسجدية في المساجد ، ليست في الخارج غير حيثية الوقف ؛ فإنّ المسجد بما هو مسجد وقف ، لا مسجد ووقف ، فالمسجد أحد مصاديق الوقف ، والمصداق عين العنوان في الخارج ، لا أمر منحاز عنه له حكم خاصّ ، والانحلال العقلي غير مفيد .
فلو كان الأمر كما زعمه ، لزم منه جواز إجارة بيت اللّه الحرام والمساجد مع عدم المزاحمة للحاجّ والمصلّي ؛ فإنّ الإجارة واقعة على الوقف العامّ ، والمقتضي فيها - على زعمه - موجود ، وعنوان «بيت اللّه» وكذا «المسجد» غير مانع ، وإلاّ لم تجز الإجارة حتّى مع عدم إمكان الانتفاع ما دام العنوان باقياً ، وإنّما المانع المزاحمة للحاجّ والمصلّي .
وعليه فلا بدّ من القول : بصحّة إجارتهما عند عدم المزاحمة ، أو بنحو لا تزاحمهما ، كالإجارة لوضع الأمتعة على رفوفهما ، وهو - كما ترى - ممّا لا ينبغي التفوّه به .
ودعوى : أنّ عنوان «المسجدية» في المسجد المتروك ، غير مانع ، بخلاف غيره ، رجم بالغيب ، والتحقيق ما عرفت .
ص: 191
وأمّا الأوقاف الخاصّة ،
بحيث لا يمكن الانتفاع به ، أو بالوجه الذي وقفه الواقف .
فالكلام فيها يقع تارة : في المقتضي لبيعه ، واُخرى : في الموانع على فرض ثبوت المقتضي .
وقد يقال كما عن المحقّق الخراساني قدّس سرّه (1) وغيره(2) في فرض ثبوت المقتضي : بتعلّق الوقف أوّلاً بالعين ، وثانياً بالبدل ، أو بماليتها ، وقد تقدّم مع ما فيه(3) ، فلا نعيده .
وقد يقال : إنّ الوقف يتضمّن حبس العين وتسبيل المنفعة ، والثاني موسّع لدائرة الموقوفة ؛ بمعنى أنّ العين بشخصها محبوسة ما دام إلى الانتفاع بها سبيل ، وبما هي مال محبوسة إذا لم يمكن الانتفاع بها مع بقائها بشخصها .
فالعين وإن سقطت عن الوقفية بنفسها وبشخصها ، لكنّها بما هي مال محبوسة ، والانتفاع بها بما هي مال ، يتوقّف على تبديلها ، وحفظ المالية الموقوفة في ضمن البدل .
ص: 192
ولو قيل : إنّ غرض الواقف وإن كان دوام الانتفاع ، لكن لا دليل على اتّباع غرضه ، بعد ما كان الحبس متعلّقاً بالعين والمالية القائمة بها حتّى يلزم التبديل لحفظه ، مع أنّ البدل ليس عين مالية الوقف .
يقال : إنّ الغرض لمّا كان عقدياً - بحيث جعل الوقف حقيقة مركّبة من حبس العين ، وتسبيل الثمرة - فدليل نفوذ الوقف دليل على اتّباعه .
وأمّا أنّ الانتفاع بالمال الذي هو غرض يتّبع من الواقف ، يقضي بالتبديل ؛ فلأجل أنّ الانتفاع بشخص المال - من دون تبديل إلى الأبد - مفروض العدم ، فلا بدّ من حفظ المال بتبديله بما يماثله في المالية ؛ فإنّ إقامة مماثله في نظر العقلاء من أنحاء حفظه .
فالتسليط على الانتفاع إلى الأبد ، يوجب سعة دائرة الوقف ، وحفظ الموقوف - بالجهة التي هي موقوفة في نظر العقلاء - بتبديله بالمماثل ، لا أنّ المماثل موقوف بوقف المالك وإنشائه(1) ، انتهى ملخّصاً .
وفيه مواقع للنظر ، نكتفي بمهمّاتها :
منها : أ نّه على فرض تسليم كون الوقف من الماهيات المركّبة ، لا يلزم منه أن يكون كلّ جزء منه تحت الإنشاء ، حتّى يكون إنشاء الوقف إنشاء حبس مستقلّ ، وإنشاء تسبيل مستقلّ ، بل الواقف - بحسب النوع - لا ينشئ إلاّ الوقف على الذرّية مثلاً ، وهو ينحلّ إلى الحبس والتسبيل ، لا أنّ الإنشاء تعلّق بالحبس والتسبيل معاً ، حتّى يكون أحدهما بمنزلة العلّة ، ويوسّع دائرة الوقف .
ص: 193
ولو فرض إنشاؤه بمثل «حبست وسبّلت منفعتها» بناءً على صحّته ، يكون ذلك من الألفاظ الدالّة على الوقف نحو الكنايات ، لا أنّ كلاًّ إنشاء مستقلّ ، ويكون الوقف متقوّماً بإنشاءين مستقلّين .
ومنها : أ نّه لو سلّمنا ذلك ، لكن لا يعقل في باب المعاملات المتقوّمة بالإنشاء والجعل ، التوسعة والتضييق ، وإنّما يقال بهما في باب الأوامر والنواهي ، لا لأنّ التعليل يوسّع متعلّق الأمر أو النهي ؛ فإنّه غير معقول .
فقوله : «لا تشرب الخمر ؛ لأ نّها مسكرة» لا يكون التعليل فيه موسّعاً لدائرة متعلّق «لا تشرب» ضرورة أنّ متعلّقه الخمر ، ولا يعقل التجاوز عنه ، ولا يكون المراد بذلك أنّ «الخمر» مستعملة في المسكر بقرينة التعليل ؛ فإنّه - مع وضوح بطلانه - ليس من قبيل التوسعة .
بل المراد هناك : أنّ التعليل كاشف عن إرادة المولى ، وحجّة من قبله على العبد ، فمن هذا التعليل يفهم أنّ إرادة المولى تعلّقت بمطلق المسكر ، وهي حجّة قاطعة .
وأمّا لو ورد مثل هذا التعليل في باب العقود والإيقاعات ، فقال : «بعت الدار ؛ لأ نّها غير محتاج إليها» و«آجرت بستاني للاحتياج إلى اُجرته» و«بعت الخمر ؛ لأ نّها مسكرة» فلا معنى لتوسعة التعليل ، والحكم ببيع كلّ ما كان غير محتاج إليه ، وإجارة كلّ ما يحتاج إلى اُجرته ، وبيع مطلق المسكر ؛ ضرورة أنّ الإنشاء لا يتجاوز عن متعلّقه ، والإرادة والرضا القلبي لا دخل لهما بالمعاملات .
فإذا قال : «حبست داري ؛ لأجل درّ منفعتها إلى ذرّيتي» وكان الثاني علّة ،
ص: 194
فلا يعقل أن يوسّع دائرة الإنشاء ، ويتعلّق الإنشاء الفعلي المتعلّق بالدار ، بأمر أوسع منها ، وإرادة درّ منفعتها دائماً على الذرّية ، لا تجعل الإنشاء متعلّقاً بأمر أعمّ من العين وماليتها ، وصرف الإرادة لا يفيد في الإيقاعات والعقود ، فالتوسعة والتضييق في بابهما ممّا لا معنى له .
ومع بطلان ذلك ، لا وجه لما ذكره من التمسّك بقوله عليه السلام : «الوقوف تكون على حسب . . .» إلى آخره ، بل لنا التمسّك به لإثبات قصر الوقف على العين ، دون غيرها من ماليتها ونحوها .
كما لا وجه لقوله : «لا بدّ من حفظ المال بتبديله بما يماثله» . . . وغير ذلك ممّا يتفرّع على هذا الأصل الباطل .
ومنها : أنّ قوله : «إنّ الغرض إذا كان غرضاً عقدياً موجباً لكون الوقف مركّباً من الحبس وتسبيل الثمرة ، فدليل نفوذه دليل على اتّباعه» ، فيه : أ نّه لم يتّضح المراد ب- «الغرض العقدي» :
فإن كان المراد : أنّ العقد تعلّق بالمالية ، وتسبيل الثمرة إلى الأبد قرينة عليه ، فهو - مع ما في التعبير عنه ب- «الغرض العقدي» لأنّ المالية على هذا تكون متعلّق العقد ، لا أ نّها الغرض العقدي - خلاف ماهية الوقف ؛ فإنّ المالية لا ثمرة لها ولا منفعة ، وإنّما الثمرة والنفع للعين ، لا لماليتها ، فلازم ذلك بطلان إنشائه .
وإن كان المراد : أنّ الغرض منظور حال العقد ، فمن وقف شيئاً ، يكون تسبيل المنفعة إلى الأبد محطّ نظره ، وتسبيلها إلى الأبد لا يمكن إلاّ مع توسعة دائرة الوقف إلى المالية ، فتكون هي محبوسة بعد ما لا يمكن الانتفاع بالعين ،
ص: 195
فيرجع ذلك إلى ما تقدّم من بعض الأعاظم قدّس سرّه : من كون العين محبوسة في الرتبة المتقدّمة ، والمالية في الرتبة المتأخّرة(1) ، وتقدّم ما فيه من امتناع ذلك بلفظ واحد(2) .
ويرد عليه أيضاً : أنّ التوسعة إن كانت بعد الإنشاء المتعلّق بحبس العين ، فلا تعقل جزماً ؛ لأنّ الإنشاء من الإيجاديات التي لا يعقل فيها التوسعة بعد الوجود والإيجاد .
وإن كانت قبله ؛ بمعنى كشف غرضه عن تعلّق الوقف بعنوان أعمّ ، فمضافاً إلى الجزم بأنّ الوقف في الأوقاف المتداولة لم يتعلّق إلاّ بالأعيان ، ليس التعلّق بنفس المالية القائمة بالعين من التعلّق بالأعمّ .
والقول : بالتعلّق بالأعيان ما دامت ذوات منفعة ، وبماليتها بعد فقدها ، كما هو صريح بعض كلامه(3) ، فيه ما تقدّم من الامتناع إن كان المراد تعلّق الإنشاء بها كذلك(4) ، وعدم التأثير إن كان غرض الواقف ذلك مع عدم إنشائه إلاّ على الأعيان(5) .
ومنها : أ نّه مع الغضّ عن كلّ ما تقدّم ، فمقتضى التوسعة هو التوسعة إلى ما يشابه المعلول ويناسبه ، لا إلى ما هو مخالف له في الذات والآثار ، فقوله :
ص: 196
«لا تشرب الخمر ؛ لأ نّها مسكرة» يوسّع دائرة الحرمة إلى كلّ مسكر ، وهو مناسب للخمر ومشابه لها في خاصّية الإسكار .
وهي في المقام مفقودة ؛ لأنّ الوقف - على الفرض - تعلّق بالعين لدرّ المنفعة ، والمالية لا منفعة لها ولا ثمرة ، فالتوسعة إليها توسعة إلى ما ينافي العلّ-ة ويخالف المورد .
فلو رجع قوله هذا إلى أنّ غرض الواقف - وهو أن يستفيد الموقوف عليه من ثمرة الوقف أبداً - يوجب التوسعة ، فقد عرفت ما فيه(1) .
وبالجملة : إنّ المتّبع هو إنشاء الواقف وجعله ، ولا تعقل التوسعة فيه بعد تعلّقه بالأعيان .
ويمكن أن يقرّر وجود المقتضي على مبنى صاحب «الجواهر» قدّس سرّه - أي أنّ الوقف متضمّن للمنع المالكي عن البيع وسائر النواقل ، وهو تمليك للموقوف عليهم ، ومتقوّم بالامتناع المالكي(2) - بأن يقال : إنّ المنع المالكي منصرف عن مورد عدم إمكان الانتفاع به ؛ فإنّ المنع إنّما هو لغرض الإبقاء للانتفاع به ، ومع عدم إمكانه لا منع منه ، فيبطل الوقف ، وتبقى ملكية الموقوف عليهم بلا مانع من النقل .
نعم ، لا بدّ من إذن الفقيه باعتبار مالكية الطبقات المتأخّرة .
ص: 197
وعلى مبنى غيره ممّ-ن يقول : بملكيته لجميع البطون(1) ، بأن يقال : إنّ درّ المنفعة من مقوّماته ، فكما لا يجوز وقف ما ليست له منفعة رأساً ؛ لأنّ درّ المنفعة داخل في ماهية الوقف ، أو لازم لها ، ولا ينفكّ عنها ، كذلك إذا خرب على وجه لا منفعة له - من حال الخراب إلى الأبد - بطل الوقف ؛ لفقد ركنه ، وبقي الملك ؛ لعدم وجه لزواله ، ومقتضى القاعدة جواز بيعه مع اجتماع الموقوف عليهم والفقيه عليه .
هذا ، لكن قد عرفت ما في كلام صاحب «الجواهر» قدّس سرّه من الإشكال في المبنى(2) والبناء(3) .
وأمّا التقريب الآخر ، فهو أيضاً غير وجيه ؛ لأنّ ما يتقوّم به الوقف - على فرض التسليم - هو تسبيل المنفعة ، لا درّها خارجاً ، والتسبيل لا يعقل في الابتداء إذا كانت العين مسلوبة المنفعة رأساً ، بل إنشاء الوقف من الملتفت إلى الواقعة غير معقول ، ومع الغفلة غير صحيح .
وأمّا إذا كانت لها منفعة ، فإنشاء الحبس وتسبيل المنفعة ممكن وصحيح ، ولا يلزم أن يكون التسبيل مستمرّاً باستمرار الثمرة .
وبالجملة : تسبيل الثمرة ممّا يتقوّم به الوقف ، ولا يتوقّف على وجود الثمرة في كلّ حال ، بل يكفي في الصحّة وجود المنفعة إلى زمان الخراب .
ص: 198
وعلى مسلكنا في الوقف - من أ نّه إيقاف العين لدرّ المنفعة(1) ، ويكون الدرّ غاية للوقف ، لا مقوّماً له ، وهذا لا ينافي البطلان إذا كان مسلوب المنفعة مطلقاً ؛ لكونه لغواً لا يترتّب عليه الأثر ، ولا يعقل من الملتفت إيقاعه ، ولا من الشرع إنفاذه على فرض عدم التفات المنشئ - يمكن تقريب تحقّق المقتضي :
بأن يقال : إنّ الوقف لا يبطل بالخراب وعدم النفع ، والمتصوّر منه عقلاً أن يكون على عنوان «الذرّية طبقة بعد طبقة» أو عنوان «الأولاد ذكوراً وإناثاً» لا على المعدومات ؛ لعدم تعقّل كونها - بما هي معدومات - مورد الجعل والإشارة حتّى العقلية ، فالوقف في الأوقاف الخاصّة والعامّة على العناوين .
والفرق بينهما : أنّ الوقف العامّ على عنوان عامّ ك- «الفقراء» و«السادة» والخاصّ على عنوان خاصّ ك- «الذرّية» و«الإخوة» و«الخالات» . . . ونحوها ، ولا يعقل جعلها للأفراد حقيقة .
ولو قال : «وقفت على أفراد العلماء» أو «على مصاديق الذرّية» يكون أيضاً على عنوان مصاديق الذرّية ؛ فإنّ المعدوم لا يكون مصداقاً .
بل لو وقف على زيد وعلى ولده ، يكون الثاني عنواناً قابلاً للانطباق على ولده بعد الولادة ، لا عنواناً للمعدوم ؛ فإنّه محال .
وبالجملة : المتصوّر في الوقف على البطون اللاحقة المعدومة : إمّا الجعل للعنوان ، أو على العنوان ، أو إنشاؤه على نحو القضيّة الشرطية ؛ بأن يقف على كلّ
ص: 199
طبقة إذا وجدت ، أو في حال وجودها ؛ بأن يكون الوقف فعلياً بالنسبة إلى الطبقة الموجودة ، وشأنياً وإنشائياً بالنسبة إلى الطبقة المتأخّرة ، فإذا وجدت صار فعلياً .
ولمّا كان الثاني مخالفاً لنوع الأوقاف ؛ ضرورة أنّ الإنشاء الفعلي في الطبقة الموجودة ، والمشروط في سائر الطبقات ، أمر يحتاج إلى عناية زائدة ، مغفول عنها نوعاً ، إلاّ أن يقال : إنّ قوله «طبقة بعد طبقة» لإفهام الشرطية .
لكنّه غير وجيه ، بل الظاهر أ نّه لبيان درّ المنفعة ، وأ نّها للطبقة الموجودة ، وبعدها للطبقة المتأخّرة ، والوقف فعلاً لعنوان «الذرّية» أو «الأولاد» لدرّ المنفعة
على طبقة بعد طبقة ، نظير قوله : «وقفت لأولادي ؛ للذكر مثل حظّ الاُنثيين» فالتقسيم للنفع لا للوقف ، كما هو الظاهر من أوقاف الأئمّة عليهم السلام ، بل صريح بعضها (1) .
نعم ، لازم ذلك أ نّهم لو أرادوا التقسيم ، يكون ذلك بحسب نسبة النفع .
فإذا كان الوقف على عنوان «الذرّية» أو «الولد» وكان وقفاً فعلياً ، يكون حاله كالأوقاف العامّة التي قلنا : إنّ أمرها راجع إلى الحاكم الشرعي والوالي ؛ فإنّ أمر الأوقاف الخاصّة أيضاً راجع إليه ، ووظيفته حفظ مصالح الطبقات المتأخّرة ، كحفظ مصالح المسلمين ، ومصالح الصغار والمجانين ، فإذا كان حفظ مصالح الطبقات المتأخّرة ببيع الوقف وتبديله ، فعلى الحاكم ذلك .
بل الولاية على البيع وسائر النواقل مختصّة بالحاكم ، ولا دخل للموقوف عليهم في ذلك ؛ لعدم كونهم مالكين له ، وعدم ولايتهم على ذلك .
ص: 200
بل قد أشرنا سابقاً : إلى أنّ متولّي الوقف من قبل الواقف في الأوقاف المتعارفة المطلقة ، لا ولاية له على البيع وإبطال الوقف وتبديله(1) .
وبالجملة : الأمر في الأوقاف الخاصّة والعامّة موكول إلى الوالي ، وهو وليّ الأمر لحفظ مصالح الموقوف عليهم ؛ من المسلمين ، والطبقات المتأخّرة في الأوقاف الخاصّة ، فعليه أن يبيعها ، ويحفظ مصالحهم بالتبديل .
ثمّ إنّ ما ذكرنا من إرجاع الأوقاف الخاصّة نوعاً إلى العناوين ، لا يلزم منه جواز صرف المنافع إلى بعض الأولاد ، كما يجوز في الأوقاف العامّة ؛ فإنّ لزوم التوزيع وعدمه ، ليس من جهة الوقف على العنوان وعدمه ، بل تابع عرفاً لمحصورية المعنون وعدمها ، فلو وقف على الفقراء ، وكان الفقير منحصراً في عدد محصور ، يجب التوزيع ، ولو وقف على ذرّيته وصارت غير محصورة ، لا يجب .
مثلاً : لو وقف هاشم عليه السلام على ذرّيته ، لا يجب التوزيع فعلاً على جميع أولاد هاشم ، وهذا حكم عرفي عقلائي مؤيّد بالنصّ .
كما أنّ التوزيع على المحصورين حكم عقلائي ، يتبعه الواقف عند وقفه ولو ارتكازاً ، فإذا وقف على فقراء البلد ، ولم يكن فيه إلاّ عدد محصور ، يجب التوزيع .
فتحصّل ممّا ذكرناه : أنّ بيع الوقف العامّ والخاصّ بيد الحاكم ؛ لحفظ مصالح الموقوف عليهم من المسلمين ونحوهم ، ومن الطبقات اللاحقة في الأوقاف
ص: 201
الخاصّة ، إلاّ أن يدلّ دليل على عدم الجواز حتّى مع التضييع ، وهو مفقود جزماً ؛ لما عرفت مفصّلاً(1) ، ولانصراف نحو قوله عليه السلام : «لا يجوز شراء الوقف»(2) مع فرض الإطلاق .
ثمّ إنّ ما ذكرناه يتمّ في الأوقاف العامّة والخاصّة ، على فرض تحقّق الوقف فعلاً على العناوين ، وإن كانت جملة من مصاديقها متحقّقة في الاستقبال ، وأمّا في غيره فمحلّ تأمّل وإشكال ؛ فإنّ الوقف يتصوّر على أنحاء :
منها : الوقف على عنوان وحداني ، كعنوان «المسلمين» أو «العلماء» في الأوقاف العامّة ، وعنوان «الذرّية» في الخاصّة ، فالموقوف عليه عنوان منطبق على المصاديق الموجودة في الحال ، وعلى الموجودة في الاستقبال حال وجودهم ، ولا يصدق على غير الموجود ، ولا يعقل صدقه عليه ، فمصداق الموقوف عليه في الحال هو الموجود لا غير .
ففي هذه الصورة ، يمكن أن يجعل المنافع لطبقة بعد طبقة ، فيقدّم الطبقة المتقدّمة على المتأخّرة ، كما هو كذلك في نوع الأوقاف الخاصّة .
ويمكن خلافه ، فتصير الطبقة المتأخّرة شريكة للمتقدّمة ؛ بمعنى عدم الاختصاص بالمتقدّمة ، كما هو كذلك في الأوقاف العامّة ، وقد يكون كذلك في الخاصّة أيضاً ، ولازمه شركة الموجود مع الطبقة المتأخّرة ، لا إسراء الحكم إلى
ص: 202
المعدومين ؛ فإنّه محال ولو في الاعتباريات كما تقدّم(1) .
ومنها : الوقف على عناوين عديدة ؛ بأن يكون الوقف على الطبقة المتقدّمة ، وعلى المتأخّرة بعد انقراض المتقدّمة... وهكذا، على نحو الواجب المعلّق، فيكون الوقف على المتأخّرة فعلياً ، لكن الموقوف عليه عنوان لا ينطبق على الطبقة المتأخّرة إلاّ بعد انقراض المتقدّمة ، فالوقف فعلي ، والموقوف عليه استقبالي .
ومنها : الوقف على الطبقة الاُولى فعلاً ، وعلى الطبقة الثانية بشرط وجودهم ؛ على نعت الواجب المشروط ، فلا يصير الوقف بالنسبة إلى الطبقة الثانية فعلياً إلاّ عند وجودهم . . . وهكذا ، فقبل وجودهم لا يكون إلاّ إنشاءً محضاً مشروطاً بوجود الموقوف عليهم .
وما ذكرناه - من أنّ الوقف على العناوين العامّة ، أو على الجهات العامّة ، أو على العناوين الخاصّة ، يصير بعد تحقّقه من مصالح عامّة المسلمين ، أو طائفة منهم ، أو من مصالح الذرّية ، أو طبقاتهم(2) - إنّما هو في الفرضين الأوّلين ، حيث كان الوقف على العناوين فعلياً .
وأمّا في الفرض الأخير الذي يكون بالنسبة إلى الطبقات المتأخّرة غير فعلي ، بل مشروطاً بالوجود ، ففيه إشكال ، ناشئ من احتمال أن يكون هذا المعنى الإنشائي الذي سيصير فعلياً بتحقّق الطبقة المتأخّرة ، كافياً عرفاً في صيرورة الوقف من المصالح التي على الحاكم حفظها ، نظير ما يقال : من وجوب مقدّمة
ص: 203
الواجب المشروط الذي علم بتحقّق شرطه قبل تحقّقه(1) .
ومن أنّ المفروض عدم تحقّق الوقف الذي هو من المصالح ، وليس على الحاكم إلاّ حفظ المصالح ، ولا حفظ مع فقد موضوع المصلحة .
ولعلّ الأوّل أقرب إلى الاعتبار العرفي .
ثمّ مع الغضّ عنه ، هل يجوز للطبقة الموجودة إهمال الوقف حتّى يضيع ، أو يجب عليهم بيعه ، أو الأمر يرجع إلى الحاكم ، وعليه بيعه حتّى لا يضيع ؟
لا يبعد الأخير على ما سلكناه : من أنّ الوقف فكّ ملك ، وليس ملكاً للموقوف عليهم(2) ، وإنّما لهم عدم قبول منافع الوقف والاستفادة منه ، لا تضييعه ، وإن قلنا : بجوازه في الأملاك الشخصية .
ثمّ إنّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه ، تمسّك لجواز البيع بأنّ الأمر دائر بين تعطيله حتّى يتلف بنفسه ، وهو تضييع منافٍ لحقّ اللّه ، وحقّ الواقف ، والموقوف عليهم ، وبين انتفاع البطن الموجود به بالإتلاف ، وهو - مع كونه منافياً لحقّ سائر البطون - يستلزم جواز بيع البطن الأوّل ، ومع بطلانهما يثبت المطلوب(3) .
وفيه إشكال يظهر ممّا مرّ(4) .
ص: 204
وقد يقال : إنّ ما هو المحرّم هو التضييع ، وما يلزم من تعطيله حتّى يتلف هو الضياع(1) .
وفيه : - مضافاً إلى إمكان أن يقال : إنّ ترك المال الذي تحت سلطان شخص حتّى يتلف ويفسد ، تضييع عرفاً ، فمن ترك الحيوان المذبوح الذي هو ملكه أو تحت سلطنته حتّى يفسد ، يعدّ مضيّعاً له عرفاً - أنّ مبغوضية ضياع المال المحترم ولا سيّما ما هو من مصالح المسلمين أو طائفة منهم ، يفهم من دليل منع التضييع ؛ فإنّ النهي المتعلّق به ، إنّما هو آلة لحفظ المال وعدم ضياعه .
بل يمكن أن يدّعى ذلك في الأوامر والنواهي مطلقاً ، إلاّ أن تقوم قرينة على الخلاف .
وعلى أيّ حال : إنّ ضياع الوقف هنا مبغوض .
وقد يقال : إنّه على فرض صدق «التضييع» يكون التعارض بين دليل عدم جواز بيع الوقف ، ودليل حرمة التضييع ، بالعموم من وجه ، فلا بدّ من موجب لتقديم دليل حرمة التضييع في مورد الاجتماع(2) .
وهذا مبنيّ على دعوى إطلاق الأدلّة لمورد الاجتماع ، وإنكار انصرافها عنه ، وقد مرّ الكلام في الإطلاق(3) .
وعلى فرض تسليمه ، لا ينبغي الإشكال في الانصراف ، لا لأنّ مورد الخراب
ص: 205
نادر ، والانصراف يكون من جهة الندرة ، حتّى يقال : إنّ كلّ عين موقوفة مآلها عادة إلى الخراب ، وإنّ مصير أغلبها إلى الخراب غير قابل للإنكار(1) ، بل لغاية بعد حكم الشارع ببقاء الوقف حتّى يفسد ويهلك ، وهذا مبنى الانصراف على فرض الإطلاق .
بل قد ذكرنا فيما سلف : أنّ نحو قوله عليه السلام : «لا تباع ، ولا توهب» على فرض كونه نهياً مالكياً ، ينصرف عن مورد فساد الوقف وضياعه(2) .
ثمّ على فرض الإطلاق وعدم الانصراف ، يقدّم دليل حرمة التضييع في مورد الاجتماع ، إن كان المستند نحو قوله تعالى : (وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ ا لْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إخْوَانَ ا لشَّيَاطِينِ)(3) لعدم صلاحية معارضة الخبر للكتاب الكريم ، مع أنّ لسانه آبٍ عن التخصيص ، كما لا يخفى .
وكيف كان : يكون دليل حرمة التضييع محكّماً ؛ إمّا لعدم إطلاق لدليل حرمة بيع الوقف ، أو لانصرافه ، أو لرجحان معارضه ، أو لعدم صلاحيته للمعارضة ، وبه يندفع استصحاب المنع .
وأمّا ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه بقوله : مضافاً إلى كون المنع السابق في ضمن وجوب العمل بمقتضى الوقف ، وهو انتفاع جميع البطون بعينها ، وقد ارتفع قطعاً ،
ص: 206
فلا يبقى ما كان في ضمنه(1) ففيه وجوه من النظر :
منها : أنّ المنع في ضمن الوجوب بالمعنى المصطلح - كالوجوب الضمني للأجزاء في الواجبات المركّبة - ممّا لا يعقل كما لا يخفى ، فليس مراده من «المنع الضمني» هو المنع في ضمن الوجوب ظاهراً .
ومنها : أنّ العمل بمقتضى الوقف على هذا التفسير - أي انتفاع البطون بعينها - غير واجب ، فلو وقف شيئاً على ذرّيته لا يجب عليهم الانتفاع به ، فهل يحتمل وجوب السكن في البيت الموقوف على سكنى شخص وعقبه ، أو وجوب السكنى على الطلبة ولو كفائياً ، لو وقف مدرسة عليهم ؟ !
فليس مقتضى قوله عليه السلام : «الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها»(2) وجوب الانتفاع من الموقوفة وحرمة تركه ، بل مقتضاه عدم جواز تغييرها عمّا هي عليه ، فإن وقف مدرسة على الطلبة ، لا يجوز صرفها إلى غيرهم ، ولا يجوز للغير الانتفاع بها ، وكذا في سائر الموقوفات .
فلو قيل : إنّ المنع السابق كان في ضمن حرمة التبديل ، لكان للضمنية وجه ، لكن لا يتمّ المطلوب ؛ لأنّ حرمة التبديل لم يعلم ارتفاعها ، فيصحّ الاستصحاب .
ومنها : أنّ المراد بالوجوب الضمني لو كان الوجوب التبعي ؛ بأن يقال : إنّ العمل بمقتضى الوقف واجب ، فيجب حفظ الوقف لذلك ، فيحرم البيع .
ففيه : - مضافاً إلى ما مرّ ، ومضافاً إلى عدم وجوب المقدّمة - أنّ ذلك مبنيّ
ص: 207
على استلزام وجوب الشيء لحرمة ضدّه ، وهو فاسد حتّى في الضدّ العامّ ، فضلاً عن الخاصّ .
ومنها : أنّ الظاهر منه بيان كون المورد من استصحاب القسم الثالث ؛ بأن يقال : إنّ المنع الناشئ من قبل وجوب العمل بمقتضى الوقف ، مرتفع قطعاً ، ويحتمل حدوث منع مقارناً لرفع المنع السابق .
وفيه : أنّ المورد من الاستصحاب الشخصي لا الكلّي ؛ فإنّ الوجوب كما عرفت تبعي على فرض التسليم ، ويحتمل بقاؤه وبقاء لازمه شخصاً ؛ لاحتمال كونه من قبيل اللازم الأعمّ .
إن قلت : إنّ موضوع المنع هو الوقف الذي ينتفع به ، وهو مرتفع قطعاً ، وارتفع المنع بارتفاعه ، ولعلّ ذلك مراده .
قلت أوّلاً : إنّ الموضوع في الدليل الاجتهادي هو الوقف ، ولو قلنا : بانصرافه عن الوقف الذي خرب وانقطع النفع منه ، لم يلزم منه تقييد الموضوع ، بل غاية الأمر خروج الخراب ، لا تقييد الوقف بقيد مقابله .
ولو سلّم ذلك ، وقلنا : بتقييد الدليل الاجتهادي ، لكن لا يمنع ذلك عن الاستصحاب ؛ لأنّ موضوع القضيّة المستصحبة غير موضوع الدليل الاجتهادي ، والمعتبر في الاستصحاب وحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوك فيها .
فلو ثبت حكم كوجوب الإكرام على عنوان كعنوان «العالم» مثلاً ، وانطبق على الخارج ، وقلنا : إنّ زيداً واجب الإكرام ؛ لأ نّه عالم ، تكون القضيّة المتيقّنة «أنّ زيداً كان واجب الإكرام» ثمّ إذا زال علمه ، وشكّ في بقاء الحكم ؛ لاحتمال كون العلم من قبيل الواسطة في الثبوت ، لا ينبغي الإشكال في جريان
ص: 208
الاستصحاب ؛ لاتّحاد القضيّ-تين ، فأخذ القيود المعتبرة في الدليل الاجتهادي في موضوع القضيّة المستصحبة ، خلط فاحش ، لا ينبغي صدوره من أهل التحصيل .
ففي المقام : يجري استصحاب عدم جواز البيع على جميع المباني في الوقف ، حتّى على قول من قال : ببطلان الوقف عند عروض العوارض الموجبة لجواز البيع(1) ؛ إذ بعد ما انطبق عنوان الوقف في الخارج على العين الموقوفة ، يتعلّق بها عدم جواز الشراء ، وقبل عروض البطلان يقال : «إنّ هذه الدار لا يجوز بيعها وشراؤها» وبعد بطلانه يجري الاستصحاب ؛ لاحتمال كون الوقف من قبيل الواسطة في الثبوت ، وبقاء المنع بعد بطلان الوقف ؛ لأنّ الدار كانت ممنوعة عن البيع في زمان ، وشكّ فيه بعده ، والقضيّ-تان متّحدتان بالضرورة .
وأولى بذلك لو لم نقل ببطلانه ، وقلنا : ببقاء الوقف حال البيع ، كما هو التحقيق .
وكيف كان : من استشكل في جريان الأصل في أمثال المقام ، خلط بين أخذ موضوع القضيّة المستصحبة من العرف ، وبين أخذه من الدليل الاجتهادي ، وهو واضح الفساد .
فتحصّل ممّا ذكرناه إلى الآن : أنّ المستند لعدم جواز بيع الوقف في جميع الصور ، وجميع أقسام الأوقاف ، هو استصحاب المنع ، ولا بدّ في رفع اليد عنه من قيام دليل اجتهادي ؛ من إجماع أو غيره ، ومع فقده فالأصل متّبع .
ص: 209
ثمّ إنّه يتفرّع على ما سلكناه في ماهية الوقف - من كونها فكّ ملك وإيقافاً على الموقوف عليهم ؛ لغرض درّ النفع عليهم(1) ، وأنّ الوقف سواء كان عامّاً أو خاصّاً بعد تحقّقه ، يصير من المصالح لعموم المسلمين ، أو لطائفة منهم ، وأنّ من وظائف الوالي حفظ مصالحهم ، وليس له الإهمال حتّى يضيع(2) ، وأنّ الوقف في جميع الأوقاف تعلّق بالعناوين بالنسبة إلى الطبقات المتأخّرة ، ولا يعقل تعلّقه بالمعدومين بما هم معدومون ؛ لامتناع الإشارة إليهم(3) - أنّ الوقف سواء كان عامّاً أو خاصّاً ، إذا لم يكن له استعداد بقاء إلى الطبقات المتأخّرة ذاتاً أو منفعةً ، يجب على الوالي تبديله بما يكون له استعداد البقاء ذاتاً ومنفعةً ، لا لأجل تعلّق حقّ من المعدومين به حتّى يقال : إنّ المفروض أ نّه لا يبقى إلى عصرهم(4) .
بل لأ نّه صار من المصالح العامّة في الأوقاف العامّة ، ومن المصالح اللازمة الحفظ للطبقات المتأخّرة في الأوقاف الخاصّة ، ومن الضروري أنّ الواقف لا يختلف وقفه وإيقافه على العناوين بحسب اختلاف الأعيان الموقوفة في استعداد البقاء ، فمن جعل محلاًّ مسجداً ، لم يختلف جعله - في كيفية
ص: 210
المسجدية - بين ما يبقى بحسب استعداده إلى الأبد ، وبين غيره ، فلا تقييد في جعل المسجدية ، وكذا الحال في سائر الأوقاف .
هذا في الأوقاف التي لم يتعرّض الواقف فيها لحال عروض العوارض ، وأمّا فيما تعرّض فالحكم تابع لجعله ، وليس الكلام هنا فيها ، فإذا صارت قرية بحسب الوقف من مصالح المسلمين ، لا يجوز للوالي إهمالها إلى أن تضيع ، ولا تبديلها بما لا يبقى إلاّ بمقدار بقاء الأصل ، بل لا بدّ من لحاظ ما هو الأصلح لهم أو لطائفة منهم ، كالأوقاف الخاصّة .
وما قاله بعضهم : من أنّ إنشاء الوقف تعلّق بشخص العين ؛ لأجل انتفاع جميع الطبقات على فرض بقائها إلى زمانهم ، فإنّ غيره غير معقول ؛ إذ حبسها لهذا الغرض لا يعقل انفكاكه عن هذا الغرض ، فينتهي أمد الوقف بانتهاء الغرض ، فلا ملك للمعدومين لا فعلاً ولا شأناً ، فلا حقّ لهم حتّى يجب مراعاته .
ثمّ أجاب عن الإشكال : بأنّ تسبيل المنفعة موسّع لدائرة الوقف كما مرّ(1) .
فيه ما مرّ : من أنّ الغرض لم يؤخذ في دائرة الإنشاء ، وليس الوقف مركّباً من إنشاءين : إنشاء الحبس ، وإنشاء تسبيل المنفعة ، بل هو عنوان وحداني ، يتعلّق به إنشاء واحد(2) ، وإنّما يفسّر في مقام التفصيل : بأ نّه حبس الأصل ، وتسبيل المنفعة ، كما أ نّه لو أخبر مخبر عن الجسم ، لا يخبر إلاّ خبراً واحداً ، وإن انحلّ
الجسم إلى مادّة وصورة مثلاً .
ص: 211
فالواقف في جعله وإنشائه لا يحدّد الوقف ، وإلاّ تصير كلّ الموقوفات من قبيل منقطع الآخر ، ولم يكن وقف فيه تأبيد ، وهو كما ترى .
وبالجملة : إنّ التأبيد والانقطاع تابعان لكيفية الجعل ، لا لبقاء العين وعدم بقائها ، فما لم يكن متقيّداً بما يجعله منقطعاً فهو مؤبّد ، ولا يلزم ذكر التأبيد في الإنشاء ، فالوقف على المسلمين أو على الذرّية - بلا قيد - وقف تأبيد .
ولو صحّ ما ذكره : من أنّ أمد الوقف ينتهي بانتهاء الغرض ، ما كان جوابه بما أفاد مقنعاً ، لا لفساد المبنى كما تقدّم(1) ، بل لأنّ مالية الوقف أيضاً قد تكون محدودة بحدّ ، وليس لها استعداد بقاء إلى الطبقة المتأخّرة ، فيكون الوقف إلى أمد المالية بعين ما ذكره ، فلا تجب مراعاة تلك الطبقة .
والتحقيق ما عرفت : من أنّ لزوم ذلك لأجل حفظ مصالح الذرّية أو المسلمين ، ولا يكون الوقف على المعدومين ، ولا يدور مدار مالكيتهم أو تعلّق حقّهم به .
وبالجملة : لا بدّ من ملاحظة صلاح الموقوف عليهم في بدل الأوقاف .
كما اتّضح بما ذكرنا في الوقف - من أ نّه فكّ ملك ، لا تمليك(2) - : أنّ البدل لا يختصّ بالطبقة الموجودة ، سواء كان الوقف على عنوان وحداني ك- «الذرّية» أو «الفقراء» أو على عناوين متعدّدة على نعت الوجوب المعلّق ، فيكون وقفاً فعلاً
ص: 212
على الطبقات ، بل وكذا لو كان على نعت الوجوب المشروط ، وأغمضنا عن اعتبار التنجيز في الوقف .
أمّا على غير الأخير فواضح .
وأمّا عليه ، فلما عرفت : من كفاية ذلك في صدق كونه من المصالح للطبقات المتأخّرة ، بعد العلم بأ نّه تصل النوبة إليهم فيما بعد(1) ، نظير ما يقال : من وجوب مقدّمة الواجب المشروط مع العلم بتحقّق شرطه(2) .
وعلى فرض المناقشة في ذلك لا نبالي ؛ لأنّ الأوقاف لا تكون من قبيله ، بل الفتوى على البطلان وإن كان فيه تأمّل .
وأمّا على مسلك من قال : بأنّ الوقف الخاصّ(3) أو الوقف مطلقاً تمليك للموقوف عليهم(4) ، فلازمه عدم صحّته إلاّ على عنوان واحد ، أو على الأفراد الموجودة والمعدومة في عرض واحد بناءً على عدم امتناعه ؛ فإنّ مالكية الواقف قبل وقفه للأعيان ، ليست على نحو التدرّج الزماني كالمنافع المتدرّجة تحقّقاً ووجوداً .
فعدم جواز بيع الأعيان في قطعات الزمان - بأن يبيعها في هذه السنة من
ص: 213
زيد ، وفي السنة التالية من عمرو . . . وهكذا - إنّما هو لأجل عدم كونها ملكاً له كذلك ؛ لأنّ الأعيان مملوكة باعتبار نفسها مع قطع النظر عن الزمان .
فالدابّة بنفسها مملوكة واحدة ، لا تكثّر فيها - بلحاظ الزمان - في المملوك ، ولا في الملكية ، وليست مملوكة في هذه السنة ، ومملوكة اُخرى في السنة الاُخرى ، بل اعتبار الملك فوق الزمان ، فلو فرض زوال الزمان لا تنقطع الملكية ، ولا تبطل ، ومع عدم تكثّر المالكية بلحاظ قطعات الزمان ، لا يعقل بيعها كذلك .
والوقف إذا كان تمليكاً ، لا يقصر في ذلك عن البيع وسائر النواقل ، والخصوصية الزائدة لا دخل لها في ذلك ، فالواقف حال تمليكه لا بدّ من كونه مالكاً ، وهو مالك للعين ملكية واحدة ، تستمرّ باستمرار الزمان ، كسائر الزمانيات ، ولا تتكثّر بتكثّره .
فالوقف على عنوان واحد ، أو على عناوين متعدّدة ، أو الأفراد المتكثّرة في عرض واحد ، لا مانع منه .
وأمّا على العناوين المتعدّدة طولاً ، أو الأفراد كذلك ، فلا يصحّ ، وكذا الحال في الصورة الثالثة ؛ أي الوقف المشروط .
كما أنّ لازمه اختصاص الطبقة الموجودة بالبدل ؛ لأنّ الوقف وهو التمليك على أفراد الطبقات المتأخّرة - أي المعدومين - لا يوجب مالكيتهم ، والإنشاء المحض لا يفيد شيئاً للمعدوم ، ومعه يكون الموجودون مالكين بلا مزاحم ملكي ، ولا حقّ-ي ، ولا اختصاصي ، ومقتضى المبادلة حصول البدل لهم لا لغيرهم .
ص: 214
والعجب من الشيخ الأعظم قدّس سرّه ، حيث ذهب إلى أنّ المعدوم يملك شأناً لا فعلاً ؛ لعدم تعقّل مالكيته فعلاً ، ومع ذلك قال : إنّ الملك الشأني أمر موجود محقّق(1) .
وذلك لامتناع ثبوت وصف موجود محقّق للمعدوم ، فلو جاز ذلك لجاز ثبوت الملكية الفعلية لهم ؛ إذ دليل الامتناع فيه هو الدليل على الامتناع في ذلك أيضاً ، والملكية الشأنية إذا كانت اعتبار أمر موجود في الخارج ، تكون كالملكية الفعلية ؛ فإنّها أيضاً ليست إلاّ اعتبار أمر في الخارج ، فالاعتبار في العقل ، والمعتبر في الخارج .
ولذا تتّصف الأعيان الخارجية بالمملوكية والملكية ، فالدابّة موصوفة في الخارج ب- «أ نّها ملك» والاتّصاف في الخارج لا يعقل للمعدوم خارجاً ، فالملكية الشأنية إذا كانت موجودة محقّقة ، لا بدّ وأن تتّصف الأعدام بها في الخارج ، وهو مستحيل .
ومنه يعلم ضعف ما ذهب إليه : من أنّ ثبوت اختصاصات للبطون ، موجب لاشتراك المعدومين مع الموجودين في الثمن ؛ للزوم دخوله في ملكهم ، كما خرج المثمن عن ملكهم(2) .
ولا أدري ما المراد من الملكية الشأنية المقابلة بالثمن ، والمتّصفة بالدخول في ملك المعدوم والخروج عنه ، وحينئذٍ ما الفرق بين الشأنية والفعلية مع
ص: 215
تحقّقهما ومقابلتهما للبدل ، حيث ذهب إلى امتناع ثبوت إحداهما للمعدوم ، وجواز ثبوت الاُخرى له ؟ !
كما ظهر ممّا سبق ذكره ، النظر في إثباته الاختصاص الموقّت والاختصاصات للطبقات ؛ لعدم معنىً له إلاّ الاختصاص الملكي ، وقد مرّ بطلان الملك الموقّت ، والأملاك المتعدّدة المتكثّرة بحسب الزمان(1) .
فالتحقيق : أ نّه على هذا المبنى ، يكون البدل مختصّاً بالطبقة الحاضرة ؛ قضاءً لحقّ المبادلة ، وإن كان المبنى غير وجيه .
ثمّ إنّ بدل الموقوفة هل يصير وقفاً بنفس التبديل ؛ بدعوى أنّ ذلك مقتضى نفس البدلية ، أو لا ؟
أقول : أمّا على مسلك صاحب «الجواهر» قدّس سرّه : من أنّ مجرّد جواز البيع ، يخرج العين عن الوقف(2) ، فلا ينبغي الإشكال في لزوم صيغة الوقف ؛ ضرورة أنّ المبادلة وقعت بين العين غير الموقوفة والثمن .
وأمّا بناءً على بطلان الوقف بالبيع(3) ، والقول : بأنّ البطلان لأجل المضادّة بين الوقف وملكية المشتري كما هو التحقيق ، وأنّ مع عدم المسوّغ للبيع يقع البيع باطلاً ؛ للمضادّة ، ويقدّم جانب الوقف ، ومع عروض المسوّغ يصحّ البيع ،
ص: 216
ويبطل الوقف ؛ لتقدّم جانب البيع .
فالظاهر عدم كون البدلية مقتضية لصيرورة البدل وقفاً ؛ فإنّ المبدل على ذلك ، هو العين المنفكّة عنها الوقفية ، فالمبدل نفس العين ، لا العين الموقوفة ، ومقتضى البدلية هو انتقال العوض بلا وقف .
وبالجملة : البرهان الذي تمسّكوا به للوقفية(1) ، ينتج عكس مطلوبهم .
ومنه يظهر ما في كلام بعض أهل التحقيق ، حيث قال في خلال كلام لا يخلو من إشكال أو إشكالات : وإذا كان المبيع وقفاً ، فحيث قطعت إضافاته الخاصّة ، واُضيفت إلى المشتري ، صار ملكاً طلقاً له ، وحيث إنّ البدل يقوم مقامه في تلك الإضافات الخاصّة المتخصّصة بالمحبوسية ، يصير وقفاً ، فلا حاجة في صيرورة البدل ملكاً وقفياً بل وقفاً محضاً - كما في الأوقاف العامّة - إلى أزيد من البيع . . .(2) إلى آخره.
ضرورة أنّ البدل ليس بدل الإضافات الخاصّة الساقطة ، بل بدل العين المضافة إلى المشتري ، فعلى المشتري الذي ملك العين ، أن يعطي بدل ما تملّك وأخذ ، وليس ذلك إلاّ نفس العين ساقطةً عنها الوقفية ، ومقتضى البدلية - على تسليم برهانهم - هو جبر نفس العين ، لا العين الموقوفة .
نعم على القول : بأنّ بطلان الوقف إنّما هو بعد تملّك المشتري ، فتكون العين الموقوفة - بما هي موقوفة - ملكاً للمشتري آناً ما ، ثمّ يبطل الوقف ، كان لتوهّم
ص: 217
ما ذكر وجه ؛ قياساً على البيوع المتعارفة في غير الأعيان الموقوفة ، فكما أنّ مقتضى البيع فيها صيرورة الثمن ملكاً للبائع على نحو ما كان المبيع ملكاً له ، كذا في المقام ، لا بدّ من كون الثمن ملكاً للموقوف عليهم على وزان الوقف ، فيكون وقفاً أو بحكمه .
لكنّه غير وجيه ، مع فساد المبنى ، وعدم التزامهم به كما هو واضح ؛ لأنّ القياس مع الفارق ، فإنّ البيع في البيوع المتعارفة : هو مبادلة مال بمال في الملكية ، أو تمليك عين بعوض ، وهذا التمليك والتملّك من شؤون سلطنة البائع والمشتري على مالهما ، وتقع ملكيتهما لهما بفعل منهما بإعمال السلطنة على مالهما .
وأمّا التمليك الإيقافي ، فليس من شؤون سلطنة المشتري ، بل لا معنى له ؛ لأنّ الوقف بعد حصول الملكية للبائع ، ليس بيد المشتري ، وكذا التمليك الوقفي ، وما هو بيده إنّما هو التمليك ، فقياس تمليك بدل الموقوفة ، بتمليك العين غير الموقوفة باطل .
كما أنّ دعوى : أنّ بدل الوقف لا بدّ وأن يصير وقفاً (1) ، لا دليل عليها ، بل الدليل على خلافها ؛ فإنّ العين الموقوفة التي في معرض الفساد ، إذا لم يكن لها مشترٍ إلاّ بالنقود أو الغلاّت ونحوها ؛ ممّا لا يصلح للوقفية ، هل يمكن فيها الالتزام بعدم البيع وإهمال العين ؟ ! لا أظنّ أن يلتزم أحد بذلك .
فإذا بيعت بما لا يصلح للوقفية ، وقلنا : بصحّة البيع ، يكون ذلك من أقوى
ص: 218
الشواهد على أنّ مقتضى البدلية ليس الوقفية ، والتفصيل بين كون العوض ثمناً وغلّة وبين غيرهما ، كما ترى .
وعلى أيّ حال : لو صحّ ذلك ، فإنّما يصحّ على هذا المبنى ، ومع فساده كما عرفت ، لا يبقى وجه لصحّته .
فتحصّل: أنّ الثمن يصير ملكاً للموقوف عليهم على مبنى الشيخ قدّس سرّه (1) وغيره(2)، ومنفكّاً عن الملك على مسلكنا (3) ، لا منفكّاً مطلقاً ليصير كالمباحات ، بل منفكّاً متعلّقاً لحقّ الموقوف عليهم ، أو منفكّاً لا بدّ من صرفه في مصلحة خاصّة بهم .
ثمّ على فرض القول : بأنّ مقتضى البدلية وقفية البدل ، فإن قلنا : بأنّ ماهية الوقف هي الحبس عن الانتقال(4) ، أو قلنا : بأنّ الظاهر من قوله عليه السلام في بعض روايات الأوقاف : «صدقة لا تباع ، ولا توهب»(5) كون الوصف للنوع ، كما ادّعاه الشيخ الأعظم قدّس سرّه (6) ، أو قلنا (7) : بإطلاق قوله عليه السلام : «لا يجوز شراء
ص: 219
الوقف»(1) لا يجوز بيعه إلاّ مع بعض المسوّغات .
وإن ناقشنا فيما ذكر بما تقدّم في محلّه تفصيلاً(2) ، فمقتضى القاعدة جواز البيع مع اقتضاء المصلحة ، سواء قلنا : بملكية الوقف للموقوف عليهم ، أم لا .
وهل اللازم حينئذٍ شراء المماثل للوقف مطلقاً مع الإمكان ، أو لا ، بل تلاحظ مصلحة الموقوف عليهم ؟ !
أو يفصّل بين الأوقاف ، فلا تلزم المماثلة في وقف المنفعة بنحو الإطلاق ؛ بأن وقفه لمنفعة الموقوف عليهم ؛ بلا تعيين منفعة خاصّ-ة ، بل جعل لهم المنفعة المطلقة ، فيلاحظ توفير المنفعة ، ولا تلزم المماثلة ، وتلزم في وقف الانتفاع ، كالمدارس للطلبة ، والخانات للمارّة ، والأوقاف الخاصّة لإسكان الموقوف عليهم ؟
وكذا وقف المنفعة الخاصّة ، كما لو وقف داراً للإجارة فقط مطلقاً ، وأخذ مال الإجارة للصرف ، أو للإجارة من العلماء والزوّار مثلاً ، وأخذ مال الإجارة ، فيلزم شراء المماثل ؟
وجوه ، أوجهها التفصيل المذكور ؛ لوجهين :
أحدهما : أنّ في وقف الانتفاع ، لا يكون الموقوف عليهم ملاّكاً للمنافع ، وتكون مالكيتهم للعين محدودة بحدّ الانتفاع ، فلا يجوز لهم إجارتها
ص: 220
ولا استيفاء منافعها ، بغير الانتفاع المجعول .
وكذا في الصورة التالية ، لا تكون المنافع المطلقة لهم ، وتكون ملكيتهم ناقصة ومحدودة بحدّ المنفعة الخاصّة ، فإذا بيع الوقف ، واُخذ العوض ، تكون ملكيتهم للعوض محدودة بحدّ المعوّض .
وإن شئت قلت : إنّ البائع يبيع العين الموقوفة ؛ لأنّ الوقف باقٍ إلى حال تملّك المشتري ، وإذا وقع في ملك المشتري ، لا يعقل بقاء الوقف على وقفيته ؛ للتضادّ ، من غير أن يكون أحد الضدّين مع الآخر أو مع عدم الآخر في الرتبتين ، فضلاً عن أن يكون له تقدّم زماني .
فمقتضى الضدّية تملّك المشتري المبيع غير موقوف ملكيةً مطلقة ، والمشتري إنّما يملّك البائع العوض من غير قيد وحدّ ، لكن مقتضى وقوعه في يد الموقوف عليهم المحدودية ؛ لأ نّه عوض عن ملك محدود بحدّ خاصّ ، فيكون الأخذ والإعطاء في الطرفين متعاكسين .
فالبائع يملّك الوقف ، ويتلقّى المشتري العين مسلوبة عنها الوقفية بمقتضى التضادّ ، والمشتري يملّك الثمن والعوض بلا قيد وحدّ ، وإنّما يملك الموقوف عليهم محدوداً مقيّداً على طبق المعوّض ولازم ذلك عدم جواز شراء غير المماثل ؛ لعدم السلطنة والملكية بغير الوجه المذكور .
ولا ينافي ذلك ما تقدّم منّا : من سقوط الوقفية ، وعدم كون الثمن مقابلاً للوقف بما هو وقف(1) ؛ لأنّ سقوط الوقفية لأجل التضادّ أو عند جواز البيع - كما
ص: 221
عليه «الجواهر»(1) - لا يوجب الملكية المطلقة ؛ لأنّ التمليك كان بوجه خاصّ بجعل الواقف ، وسقوط الوقفية لا يوجب الملكية المطلقة غير المجعولة ، هذا إذا قلنا بملكية الموقوف عليهم .
وكذا الحال على مسلكنا ؛ من فكّ الملك(2) ، لأنّ خصوصية الفكّ لا بدّ وأن تراعى في العوض ؛ لعدم حقّ للموقوف عليهم بغير الوجه الذي جعل لهم .
ثانيهما : هو ما أشرنا إليه سابقاً ؛ من أنّ الوقف بعد تماميته ، يصير من المصالح العامّة في الأوقاف العامّة ، ومن المصالح لطائفة من المسلمين في الخاصّة ، وفي مثل وقف الانتفاع أو المنفعة بوجه خاصّ ، يصير الوقف بعنوانه من المصالح ، وللناظر أو الحاكم حفظ تلك المصلحة(3) .
ففي المدارس تكون سكنى الطلاّب من المصالح لهم ، وحفظ تلك المصلحة باشتراء المماثل ، فعلى الوالي حفظ تلك المصالح على نحو ما كانت ، لا العمل على طبق المصلحة ولو لم تكن نحو المصلحة الخاصّة ، فالمتّبع كيفية الجعل ، لا لأجل اتّباع غرض الواقف ؛ لما مرّ من أنّ الأغراض ما لم تقع تحت الإنشاء لا أثر لها (4) ، كما مرّ دفع توهّم أ نّه غرض عقدي(5) ، فراجع .
ولا لأجل أنّ الجعل تعلّق بالعين أوّلاً ، وبالمماثل ثانياً ، وبالمالية ثالثاً ؛ قياساً
ص: 222
على باب الضمان ، حيث إنّ للخروج عنه مراتب ؛ لما تقدّم من امتناع الجعل المطلق والمشروط - أو المنجّز والمعلّق - بجعل وإنشاء واحد(1) .
كما تقدّم : أنّ القياس باطل ، والأمر في المقيس عليه ليس كما ذكر(2) ، فراجع .
بل لزوم الاتّباع لكيفية الجعل ؛ لأجل تلقّي الموقوف عليه الوقف بالكيفية الخاصّة المجعولة ، فله الملكية المحدودة ، أو الحقّ المحدود ، والمصلحة الخاصّة في غير وقف المنفعة بنحو الإطلاق ، فإنّ فيه يملك ملكاً مطلقاً ، وله المنافع مطلقة ، فلا بدّ وأن يلاحظ مصلحته في حصول المنافع وتوفيرها .
ثمّ إنّ المتصدّي للبيع في الأوقاف العامّة هو الحاكم ، سواء كان لها متولٍّ منصوب من قبل الواقف أم لا ؛ فإنّ الكلام هنا في الأوقاف التي لم يشترط فيها البيع عند عروض العارض ، بل صار العارض موجباً لجواز البيع ، وفي مثله ليس للمتولّي المنصوب التصرّف الناقل، لا لأجل الانصراف كما قالوا(3)؛ لأنّ المقامات مختلفة ، بل لأنّ بيعه ليس من اختيارات الواقف ، حتّى يجعل له المتولّي .
وبعبارة اُخرى : إنّ المقتضي قاصر ، واختيار الواقف محدود بحدّ ما وقّف عند
ص: 223
جعله ، بل لو صرّح في هذا القسم بتوليته لذلك ، ولوقف بدله ، لم يفد ، إلاّ أن يرجع إلى الاشتراط في الوقف ، وهو خارج عن البحث .
ولا فرق فيما ذكر من قصور نظارة الناظر ، بين الأوقاف العامّة والخاصّة .
وأمّا ثبوت الولاية للحاكم ؛ فلأنّ الأوقاف العامّة من المصالح العامّة للمسلمين ، أو لطائفة منهم ، وحفظ مصالحهم من وظائف الوالي ، فكما أ نّه لو لم يكن لها متولٍّ ، تكون ولاية حفظها ، وحفظ منافعها ، وصرفها في المصالح ، من وظائفه ، كذلك حفظها عند الخراب ؛ بتبديلها ، وشراء بدلها ، وإيصاله عيناً أو منفعة إلى الموقوف عليهم ، من وظائفه ؛ لأنّ ذلك من أوضح شؤون الوالي والحاكم .
ومن غريب الأمر ما وقع لبعض أهل الدقّة استدلالاً ونقداً ، قال في مقام الاستدلال ما محصّله : أنّ التصدّي للحاكم في العامّة ؛ لولايته على ما كان للّه ، فيكون لوليّه ، فيكون لنائبه .
ثمّ تنظّر فيه : بأ نّه لا دليل على كونه ملكاً له تعالى بالملكية الاعتبارية ، كما أنّ الأمر كذلك في سائر الصدقات ، ولو سلّم ، فلا دليل على كونه لنبيه صلي الله عليه و آله وسلم ، أو وليّه .
ولو سلّم ، فلا دليل على النيابة إلاّ فيما كان لهما من حيث النبوّة والإمامة ، لا في الملك الشخصي ، ولا دليل على أنّ الإمام عليه السلام - بحسب الولاية المجعولة - ذو ولاية على الأوقاف العامّة ، فإنّا نقول بتلك الولاية فيما كان من شأن رئيس المسلمين ، والوقف ليس كذلك ؛ لوضوح إمكان جعل التولية لآحاد الناس من قبل الواقف .
ص: 224
فيعلم منه : أ نّه ليس من الاُمور التي لا بدّ من تصدّي الرئيس لها (1) ، انتهى .
وفيه ما لا يخفى ؛ فإنّ طريق الاستدلال للمطلوب ليس ما ذكره ، بل هو ما أشرنا إليه ؛ من صيرورة الوقف العامّ من مصالح المسلمين ، والحافظ لها هو الوالي(2) ، وليس أمثال هذه الاُمور من تأسيسات الإسلام ، بل أمر الحكومة ووظائف الوالي والحاكم ، مضبوطة في جميع أنحاء الحكومات ، وحفظ مصالح الاُمّة - إذا لم يكن لها حافظ - إنّما هو على الولاة والحكّام ، وكون الوقف له تعالى ملكاً اعتبارياً . . . إلى آخر ما قال ، أجنبيّ عن المقصود .
فالمهمّ هو النظر إلى أنّ حفظ مصالح الاُمّة ، من شؤون الوالي ، أم يكون لكلّ أحد التصدّي له ، فيلزم منه الهرج والمرج ، ومجرّد إمكان جعل التولية لآحاد الناس ، لا يدلّ على أ نّه ليس الوقف وشؤونه - مع فقد المتولّي ، أو ترك جعل التولية الخاصّة - من وظائف الحاكم ، كما أنّ إمكان جعل الأب قيّماً على الابن ، لا يدلّ على أن ليس أمره مع فقد القيّم بيد الوالي .
مع أنّ ولاية النقل ، ليست ممّا يمكن جعلها لآحاد الناس ؛ لما عرفت : من أنّ سلطنة الواقف قاصرة عنه(3) ، فتدخل الأوقاف - من هذه الحيثية - في الضابط الذي زعمه ؛ من كونه ميزاناً لكون الولاية للإمام عليه السلام ، ثمّ للفقيه .
ومع الغضّ عن جميع ذلك ، فهل تترك هذه الأوقاف التي جاز أو لزم بيعها وتبديلها حتّى تضيع ، أو لا بدّ من تبديلها ؟
ص: 225
وعلى الثاني : فمن يجوز له التصدّي لذلك غير الوالي ؟
ولا أظنّ التزامه بالأوّل إلاّ أن يلتزم بأنّ المتصدّي لذلك آحاد المسلمين ؛
حيث كان الانتفاع لهم ، كما زعم في الأوقاف الخاصّة(1) ، وسيأتي ضعفه(2) .
وأمّا الأوقاف الخاصّة ، فإن قلنا فيها : بعدم حصول الملك للموقوف عليهم ؛ فإنّ الوقف هو الإيقاف ، لا التمليك ، فلا إشكال في عدم صلاحيتهم للتصدّي للبيع ، ومجرّد كون المنافع وحقّ الاستيفاء لهم ، لا يصحّح بيع الأعيان ، كما أنّ مجرّد كون حفظ الأعيان لاستيفاء المنفعة لهم ما دامت موجودة ، لا يصحّح ذلك .
فالتصدّي للفقيه، كما في الأوقاف العامّة ، وأمّا الناظر فقد عرفت قصور نظارته عن ذلك(3) .
وإن قلنا : بأنّ الوقف تمليك خاصّ ، فلا بدّ في تحقيق أنّ المتصدّي فيها هو الفقيه أيضاً ، أو الموقوف عليهم ، أو هما معاً ، من بيان أقسام الوقف الخاصّ .
فنقول : إن كان الوقف على عنوان وحداني كعنوان «الذرّية» و«الولد» وكان قيد «طبقة بعد طبقة» لتقسيم المنافع ، لا للوقف والتمليك ، فإن كان المأخوذ في موضوع التمليك ماهية الذرّية بلا شرط ، فلا شبهة في تحقّقها بأوّل وجود الذرّية ، ولازمه ملكية أوّل المصاديق ، ولازم كون ملكية تمام الوقف للماهية
ص: 226
بلا شرط ، حصول تمام الملكية للمصداق المحقّق .
فإذا وجد بعد ذلك مصداق آخر ، لا يعقل أن يصير مالكاً لتمام الوقف ، حتّى يكون شيء واحد مملوكاً بتمامه لهذا وذاك ؛ فإنّه ليس له اعتبار عند العقلاء ، بل غير معقول .
كما أ نّه لا يعقل تشريك الثاني مع الأوّل ؛ لأنّ الثاني وجد في وقت كان تمام الملك للأوّل ، ولا سبب لإزالة بعضه عنه ، وإثبات ذلك للثاني ؛ لأنّ المفروض أنّ الجعل واحد لواحد ؛ هو الطبيعة بلا شرط ، وهي بتمام ذاتها وجدت بأوّل مصداق .
فتشريك الثاني في النصف إلى زمان وجود الثالث ، ثمّ تشريكهم أثلاثاً . . . وهكذا ، وإرجاع التشريك الثلاثي إلى الثنائي بموت أحدهم ، وإلى ملكية التمام للباقي بموت الاثنين منهم ، ممّا لا سبب له ، ولا يعقل الجعل كذلك بجعل واحد ، كما أ نّه ليس من لوازم الجعل .
فلو قال : «وهبت ذلك للعالم» وكان للعالم مصداق واحد ، ملكه بتمامه ، ولو وجد بعده عالم آخر ، لا يصير شريكاً معه ؛ لأنّ السبب أثّر أثره ، وعند وجود الثاني لا ملك للمالك حتّى يملكه ، ولا سبب آخر له .
ولا فرق بين المثال والوقف إذا كان تمليكاً ، مع أنّ الضرورة قاضية بأنّ الوقف ليس كذلك ، كما أنّ القائل بالملكية لا يكاد يلتزم به ، بل مع وجود الأوّل يكون هو مالكاً ، وعند وجود الثاني يصير شريكاً معه . . . وهكذا بحسب نسبة المالكين ، وتصوير جعل واحد على عنوان واحد تكون نتيجته ذلك ، معسور بل ممتنع .
ص: 227
فلا بدّ في هذا القسم على فرض صحّته ، أن يكون المالك للوقف هو العنوان بما هو عنوان ، فتخرج الماهية عن اللابشرطية وإمكان الانطباق على الخارج ، فيكون العنوان مالكاً ، كالجهات المالكة على القول به(1) .
لكن يرد عليه إشكال آخر ، وهو أ نّه إذا كان الوقف على العنوان ، لا يعقل أن يكون الموقوف عليه الأشخاص بحكم التضايف كما هو واضح . هذا بالنسبة إلى ملكية العين .
وأمّا ملكية المنافع دون العين ، فلا يلزم منها محذور ؛ لأنّ المنفعة حيث كانت تدريجية الوجود ، صار ما وجد منها في زمان وجود شخص أو أشخاص ، ملكاً له أو لهم ، وبعد ملكيتها له أو لهم ، إذا وجد مصداق آخر للموقوف عليه ، لا يصير شريكاً لهم في تلك المنفعة حال حصولها ، نعم هو شريك في المنافع الآتية ، وإذا مات أحدهم بعد التملّك صار إرثاً ، ولا يرجع إلى سائر الموقوف عليهم .
ولازم ما ذكرناه في تصحيح هذا القسم ، عدم صلاحية الموقوف عليهم لبيعه ؛ لعدم كونه ملكاً لهم ، فالأمر إلى الوالي ، فإنّه من الحسبيات .
وبهذا البيان يمكن الإشكال على الوقف على عناوين متعدّدة ، كعنوان «النسل بعد النسل» بالنسبة إلى كلّ طبقة ؛ فإنّ النسل في كلّ طبقة ، إذا اُخذ بنحو اللابشرط ، يرد عليه الإشكال المتقدّم : من عدم إمكان تكفّل جعل واحد للملك الاستقلالي ، ثمّ التشريكي عند وجود الآخر ، والرجوع إلى الاستقلال إذا مات أحدهما (2) ، فلا بدّ من التمليك للعنوان أو للجهة مثل «الطبقة» ولازمه كون
ص: 228
الموقوف عليهم أجنبيّ-ين عن التصدّي للبيع ؛ لأنّ الأمر إلى الحاكم فقط .
نعم ، لو وقف على زيد مثلاً ، ومن بعده على ذرّيته نسلاً بعد نسل ، صار زيد - على هذا المبنى - مالكاً ، وبالنسبة إلى ذرّيته يأتي الإشكال المتقدّم .
وكيف كان : ففي هذه الصورة ، يكون الأمر إلى زيد والحاكم معاً ؛ لأنّ مالكية زيد محدودة ، ولا سلطان له في التمليك على نحو الإرسال .
وما قيل : من أنّ الطبقة الموجودة ، حيث إنّها المتسلّطة على العين الموقوفة فعلاً ، فحفظها في ضمن البدل ورعاية الحقوق فيها ، شأنها ، ولا يحتاج البيع إلى ملك الرقبة ملكية مرسلة ، بل إلى ملك التصرّف فقط(1) .
ممّا لا ينبغي أن يصدر من قائله المدقّق ؛ فإنّ مقدار ثبوت التسلّط للطبقة ، هو التسلّط على استيفاء منفعة الوقف بالإجارة ونحوها ، وأمّا التسلّط على بيع الوقف وتبديله ، ووقف عوضه ، فليس لها .
ومنه يظهر الكلام فيما أفاد : من أنّ البيع لا يحتاج إلى ملكية مرسلة ، بل إلى ملك التصرّف ؛ لأنّ ملك التصرّف إنّما هو بمقدار الملك المحدود ، وكون الطبقة مالكة للتصرّف الكذائي أوّل الكلام .
هذا كلّه على القول : بجعل الواقف الملكية للموقوف عليهم استقلالاً ، كما هو ظاهر بعض التعبيرات ، كقوله : «الوقف تمليك خاصّ»(2) .
وأمّا لو قلنا : بأنّ ملكية الموقوف عليهم ليست بجعل الواقف ، بل ملكية
ص: 229
انتزاعية عن إيقافه على الموقوف عليهم في الأوقاف الخاصّة - بدعوى أنّ الإيقاف على شخص أو أشخاص ؛ بحيث تكون المنافع لهم ، والأمر إليهم ، تنتزع منه الملكية(1) ، وإن شئت قلت : إنّها لازم الجعل ، لا أنّ الجعل تعلّق بها - فيمكن دفع الإشكال المتقدّم(2) ؛ فإنّ الإيقاف على الذرّية بلا شرط ، لازمه التوسعة والتضييق ؛ بحسب وجود الموقوف عليه وعدمه .
فإذا قال : «وقفت على الذرّية» كان وقفاً على ما صدق عليه العنوان ، وإذا ضمّ إليه آخر ، يكون وقفاً عليه أيضاً ؛ لأ نّه ذرّية ، وإذا مات خرج عن العنوان ، فصار وقفاً على الباقي . . . وهكذا .
وهذا ليس مثل الملكية ، حيث لا يعقل فيها التمليك الاستقلالي لكلّ واحد ، ولا التشريكي والاستقلالي بجعل واحد ؛ فإنّ عنوان «الإيقاف» - نظير سائر المضايفات - لا يلزم من تكثير المضايف فيه تبديل مورد الإضافة من المضايف السابق ، وسلب الإضافة عنه ، وإثبات تلك الإضافة لغيره ، نظير الحكم على من كان تحت السماء ، فمن كان تحتها ثبت له الحكم ، فإذا ضمّ إليه الآخر ثبت الحكم لهما ؛ لأنّ كلاًّ منهما تحتها .
والأحكام مختلفة :
فمنها : ما يمكن ثبوته لكلّ مستقلاًّ وبتمام المعنى ، كقوله : «من كان تحت السماء فهو واجب الإكرام» .
ص: 230
ومنها : ما لا يمكن فيه ذلك ، كالملكية المنتزعة من الوقف ، فإذا قال : «هذا وقف للذرّية» وكان الموجود منها واحداً ، تنتزع منه ملكيته ، وإذا وجد آخر كان الوقف عليهما ، ولا يعقل انتزاع تمام الملكية لهذا وذاك ، فتنتزع الملكية على نحو التشريك ، وإذا مات صار الإيقاف للباقي ، والملك المنتزع التابع للإيقاف له ، ولا يلزم منه إشكال ؛ لا في الجعل ، ولا في المجعول .
ويمكن تصوير ذلك على نحو القضيّة الحقيقية ؛ بأن يكون الوقف على كلّ الذرّية ، فكلّ من وجد من الذرّية انطبق عليه الوقف ، وانتزع بتبعه الملك ، والملك الانتزاعي التابع للإيقاف ، ليس تحت الجعل ، حتّى يأتي فيه الإشكال المتقدّم(1) .
والأمر سهل بعد ما كان المبنى غير وجيه ؛ لما عرفت : من أنّ الوقف في جميع الموارد فكّ ملك(2) ، وانتزاع الملكية في الأوقاف الخاصّة ، ممّا لا دليل عليه ؛ لا من العرف ، ولا من الشرع .
نعم ، قد يتوهّم من بعض الأخبار الآتية ، ملكية الموقوف عليهم(3) ، وسيأتي الكلام فيه(4) .
والتحقيق : أنّ المتصدّي في جميع موارد بيع الوقف ، هو الحاكم بحسب القاعدة ، إلاّ أن يدلّ دليل على خلافه .
ص: 231
ومنه يظهر : أنّ الواقف للبدل أيضاً هو الحاكم ، لا الناظر ، ولا الموقوف عليهم .
ولا إشكال في وقف البدل على القول بأنّ الوقف إيقاف ، ولا تحصل منه الملكية(1) ، ولا على القول : بأ نّه إيقاف ينتزع منه الملك(2) ، ولا على القول : بأنّ البدل يصير وقفاً بنفس المبادلة(3) .
وأمّا على القول : بأ نّه تمليك خاصّ ، وأنّ البدل ملك للموقوف عليهم ، وأنّ وقفه يحتاج إلى الصيغة ، فيستشكل : بأ نّه وقف على النفس ، وفيه إشكال عقلي ؛ ضرورة أنّ تمليك ما هو ملك غير معقول ، ومن قبيل تحصيل الحاصل .
فيجاب تارة : بأ نّه لا مانع من تبديل ملكية بملكية اُخرى بنحو آخر(4) .
واُخرى : بأنّ الغرض هنا من إجراء الصيغة ، ليس حصول الملك ؛ لحصوله بالبيع ، فما يترقّب من صيغة الوقف ، عنوان آخر غير ما هو حاصل بالبيع(5) .
ويرد على الأوّل : - بعد الغضّ عن عدم عقلائية تبديل الملكية بملكية اُخرى - أ نّه لا سبب للمبادلة ؛ فإنّ الوقف تمليك خاصّ ، لا تبديل ملكية بملكية ، ولا سبب غيره .
ص: 232
نعم لو قيل : بأنّ بين الملكيتين مماثلة ، وهي بحكم المضادّة ، ومع قيام الدليل على صحّة الوقف - بمعنى التمليك الخاصّ - يدفع ذلك الملكية السابقة ؛ للمضادّة وتقديم جانب الوقف ، كما مرّ نظيره(1) ، لكان له وجه ، لكنّه من قبيل فرض في فرض ، وخيال في خيال .
وعلى الثاني : أنّ المفروض أنّ ماهية الوقف هي التمليك الخاصّ ، كما صرّح به القائل مراراً (2) ، ومع تحقّق الملكية لا يعقل إيقاع الوقف ، ولا معنى لترقّب غير الوقف من صيغة الوقف ؛ لعدم إمكان أن يترقّب منها إلاّ ما هو مفهوم الوقف وماهيته ، وإيقاع نفس الخصوصية ، لا دليل على وقوعها بعد عدم كونها عنوان الوقف ، مع أنّ ضمّ الخصوصية إلى الملك لا دليل على صيرورتها وقفاً .
نعم ، لو كان الوقف هو الإيقاف ، لا ندفع الإشكال ، لكنّه هدم للمبنى .
ثمّ إنّ الكلام في بقاء نظارة الناظر على البدل ، نظير ما تقدّم من الكلام في كون البدل وقفاً (3) ؛ فإنّ إنشاء النظارة على العين الموقوفة ، لا يعقل أن يكون إنشاءً للنظارة على بدلها عند سقوطها عن العين ، والمفروض أ نّه لم يكن في المقام إلاّ إنشاء وحداني متعلّق بخصوص العين ، ولا يعقل أن يكون ذلك إنشاءً تنجيزاً على العين ، وتعليقاً أو مشروطاً على بدلها .
نعم ، يمكن جعلها على عنوان كلّي قابل للانطباق على البدل ، لكنّه خارج عن الفرض والمورد ، بل الواقف بالنسبة إلى البدل في مفروض الصورة أجنبيّ .
ص: 233
وأمّا ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه : من احتمال بقائها ؛ لتعلّق حقّه بالعين ، فيتعلّق ببدلها (1) فغير وجيه ؛ لأنّ الناظر ليس له حقّ إلاّ بتبع جعل الواقف ، والمفروض أ نّه لخصوص العين ، ومع قصور الجعل ، لا حقّ له في غير مورده .
ثمّ إنّ ثمن المبدل إذا كان من النقدين ، أو ممّا لا ثمرة له ، لا يجوز دفعه إلى الموجودين ، سواء قلنا : بكونه ملكاً لهم أم لا ، ومجرّد استحقاقهم بقاء العين تحت يدهم لاستيفاء الثمرة والمنفعة ، لا يوجب حقّاً لهم في البدل الذي لا ثمرة له .
وأمّا الاتّجار بالثمن ، فإن كان الوقف وقف منفعة مطلقة بلا قيد ، فالظاهر جوازه إذا رأى الحاكم مصلحة فيه ، فيشتري به وبمنافعه ما يجعل وقفاً على الموقوف عليهم .
نعم ، بناءً على مسلك من قال : بأنّ الوقف في الرتبة المتأخّرة متعلّق بمالية العين(2) ، تكون المنافع - كالثمرة - مختصّة بالموجودين ، لكن المبنى فاسد .
وإن كان وقف انتفاع ، كالمدارس ، والخانات ، وكالدار الموقوفة لسكنى الذرّية ، أو وقف منفعة خاصّة ، كما لو وقف الدار على الذرّية ؛ لإيجارها من الطلبة ، وأخذ الثمن لأنفسهم ، فلا يجوز الاتّجار به ؛ لأنّ الثمن ليس ملكاً مطلقاً
لهم ، بل هو على القول بالملكية ، ملك لهم لصرف خاصّ ، وعلى المذهب المنصور يكون لمصلحة خاصّة ، فلا بدّ من حفظه لشراء ما يجعل مدرسة أو داراً ؛ للإيجار من الطلبة .
ص: 234
نعم ، لو لم يمكن حفظ الثمن ، ولا شراء ما يجعل مماثل الوقف فعلاً ، يشترى بالثمن ما يمكن حفظه لهذا الغرض ، وهذا ليس اتّجاراً بالثمن ، بل هو حفظ المالية عند الاضطرار ؛ لغرض الصرف فيما هو مصلحة خاصّة ، نظير نفس ثمن الموقوفة ؛ فإنّ بيعها ليس اتّجاراً بالوقف كما لا يخفى .
ولو عرض الخراب على بعض الوقف ، فإن كان وقف منفعة مطلقة يباع وتراعى المصلحة في شراء بدله ، أو صرف ثمنه في تعمير الباقي .
وقد مرّ سابقاً : أنّ هذا القسم لا تجب فيه المماثلة ، بل تجب مراعاة المصلحة(1) ، حتّى لو اقتضت صرف ثمنه في وقف آخر لهم جاز ، فتأمّل .
وأمّا في وقف الانتفاع ، كالمدارس والدار للإسكان ، ووقف المنفعة على وجه خاصّ بنحو ما مرّ(2) ، فلا بدّ - مع الإمكان - من صرف ثمنه في تحصيل المماثل ، فإن أمكن إحداث مدرسة اُخرى أو دار اُخرى للإسكان ، مع بقاء البعض المعمور قابلاً لسكنى الطلاّب أو الذرّية ، يصرف الثمن فيه .
وإن احتاج البعض في بقائه إلى صرفه فيه ، يقدّم ذلك .
وإن لم يحتج إلى التعمير ، ولم يكن الثمن بمقدار إحداث وقف آخر ، يحفظ الثمن عند أمين إلى زمان الاحتياج ، أو يصرف في وقف آخر لهم مماثل له .
ولو دار الأمر بين مراعاة البطن الموجود ، ومراعاة البطون اللاحقة ، كما لو
ص: 235
خرب بعض الوقف ، واحتاج بعضه الآخر إلى عمارة لا يمكن بدونها انتفاع البطون اللاحقة ، فهل تقدّم مصلحة البطن الموجود ؛ لكونه ذا حقّ فعلاً ؟
أو مصلحة البطون اللاحقة ؛ لكثرتهم وأهمّية مراعاتهم ؟
أو أنّ المورد من موارد مزاحمة الحقوق ، فيقرع ويعمل على طبقها ؟
أو يفصّل بين الموارد ؛ فإن كان الثمن من النقود ، يكون المرجع هو القرعة ؛ بدعوى دوران الأمر بين تحصيل النفع للبطن الموجود ، وتحصيله للبطون اللاحقة عند وجودهم ، ولا حقّ فعلي للبطن الموجود على الثمن ؛ لأنّ حقّه إنّما يتعلّق بالوقف لاستيفاء منفعته ، ولا منفعة للثمن ، وكثرة الأفراد - على فرضها - لا توجب الأهمّية ، فيكون من قبيل مزاحمة مصلحة البطن الموجود ، ومصلحة البطون اللاحقة ، والمرجع هو القرعة .
وإن كان من غير النقود ؛ ممّا له قابلية الانتفاع ، تقدّم مراعاة الموجود ؛ لتعلّق حقّه فعلاً بالبدل لاستيفاء المنفعة ، وإن لم يكن وقفاً ؟
إلاّ أن يقال : إنّ الثمن أيضاً متعلّق حقّه ؛ ليشتري منه ما له نفع له ، أي له حقّ استيفاء المنفعة بوسط ، فيقدّم حقّه الفعلي .
وبعبارة اُخرى : إنّ الثمن سواء كان من النقود أم من غيرها ، مشترك بين الطبقات من حيث الملك بناءً على الملكية ، ومن حيث كونه بدل الوقف المتعلّق بهم جميعاً بناءً على الفكّ والتحرير ، وتمتاز الطبقة الموجودة ، بأنّ لها حقّاً فعلياً
لاستيفاء المنفعة من البدل بوسط ، أو بلا وسط ، وليس للطبقات اللاحقة ذلك الحقّ ، فلا يجوز سلب الحقّ الفعلي ؛ لأجل إيصال نفع إلى اللاحقة .
ومنه يظهر الكلام فيما إذا احتاج إصلاح الوقف - بحيث لا يخرج عن قابلية
ص: 236
انتفاع البطون اللاحقة - إلى صرف منفعته الحاضرة ، التي هي ملك طلق للبطن الموجود ، بل هو أوضح ؛ فإنّ الإضرار بالبطن الموجود لأجل إيصال النفع فيما بعد إلى البطن اللاحق ، ممّا لا وجه له .
وما قيل : من أ نّه لا يبعد تقدّم التعمير ؛ حفظاً لبقاء الوقف ، وحملاً على الغالب ؛ من اشتراط الواقفين تقديم التعمير ، فينصرف إليه(1) غير وجيه ؛ فإنّ وجوب حفظه بصرف المال المختصّ بالحاضرين فيه ، أوّل الكلام ، ولا دليل عليه ، والموقوف وإن صار - على ما أشرنا إليه - من مصالح عامّة المسلمين أو طائفة منهم(2) ، لكن حفظه بما ذكر لا دليل على وجوبه .
بل دليل حرمة الإضرار بالمسلم ، وسلطنة الناس على أموالهم محكّم ، والغلبة على فرضها لا توجب الانصراف ؛ بحيث يصير المنشأ مقيّداً بمثل هذا القيد .
نعم ، يمكن تقريب تقديم التعمير على مسلك بعض أهل التحقيق ، حيث ذهب إلى أنّ تسبيل المنفعة أبداً ، موسّع لدائرة الموقوفة - بمعنى أنّ العين بشخصها محبوسة ما دام إلى الانتفاع بها سبيل ، وبما هي مال محبوسة إذا لم يمكن الانتفاع بها (3) - بأن يقال : إنّ تسبيل المنفعة أبداً إذا كان موسّعاً للوقف ، فتأبيد الوقف مضيّق لدائرة الانتفاع ، فالمنافع للموقوف عليهم ما دامت العين باقية ولم تحتج في بقائها إلى التعمير ، ومع الاحتياج تصرف في التعمير لحفظه ، فالتأبيد في الوقف والتسبيل ، متعاكسان في التوسعة والتضييق .
ص: 237
لكن قد تقدّم بطلان المقيس عليه(1) ، مع أنّ في القياس أيضاً كلاماً .
وأمّا دعوى : أنّ تقدّم التعمير في الأملاك الشخصية على استفادة المنافع ، أمر عقلائي ؛ فإنّ في دوران الأمر بين هدم الملك ، وبين صرف منفعة سنة أو أكثر في بقائه ، يقدّم العقلاء التعمير ، فليكن الوقف أيضاً كذلك ، ولا أقلّ من صيرورة ذلك منشأً للانصراف المدّعى .
ففيها ما لا يخفى ؛ فإنّ تقديم التعمير في الأملاك الشخصية ، إنّما هو لأجل صرف منفعة سنة مثلاً لاستيفاء المنافع الكثيرة في باقي السنوات ، وأمّ-ا إذا توقّف استيفاء شخص آخر منافع كثيرة على صرف منفعة غيره فلا ، والمقام من هذا القبيل .
ثمّ إنّ هاهنا صوراً كثيرة ، تعرّض لجملة منها الشيخ الأعظم قدّس سرّه (2) وغيره(3) ، وأشار إلى جملة اُخرى منها (4) ، ولم يتعرّض لجملة اُخرى ، ويلحق بعضها بالصورة الاُولى :
منها : ما إذا سقطت عن المنفعة مطلقاً من غير جهة الخراب ، ولم يرج العود .
ومنها : ما إذا سقطت عن المنفعة عرفاً وإن كانت لها منفعة قليلة جدّاً ، لكنّها تعدّ ممّا لا منفعة لها في العرف ، سواء كان السقوط لأجل الخراب أو لا .
ص: 238
وهذه الصور ملحقة بالصورة الاُولى في الحكم ، ولا ينبغي الإشكال في جواز البيع والتبديل بما ينتفع به ، على التفصيل الذي ذكرناه في أقسام الأوقاف في الصورة الاُولى(1) .
وأمّا الصور التي لا يعدّ الوقف فيها فاقد المنفعة ، بل قليل المنفعة : إمّا لخراب الوقف ، أو لعوارض اُخر ، فربّما يقال فيها : إنّ مقتضى الأصل عدم جواز بيعه(2) :
أمّا على القول : بأنّ جواز البيع ينافي الوقف(3) ؛ فلأنّ الأصل بقاء الوقف مع الشكّ في عروض المجوّز ، ومع تحقّق الوقف تعبّداً يمتنع البيع ؛ لأ نّه عبارة اُخرى عن ممنوعيته .
وأمّا على القول : بأنّ الوقف يبطل بالبيع(4) ، فمقتضى استصحاب الوقف إلى حال تحقّق البيع ، عدم حصول النقل ؛ للتضادّ بينهما ، ولا نحتاج إلى إثبات عدم حصول النقل حتّى يقال : إنّه مثبت ، بل ثبوت الوقف كافٍ لامتناع النقل .
بل يمكن أن يقال: إنّ من أحكام بقاء الوقف، عدم كونه ملكاً للمشتري، فتأمّل.
إلاّ أن يقال - مع البناء على عدم إطلاق لأدلّة بطلان بيع الوقف يشمل حال عروض العوارض ، كما مرّ مفصّلاً(5) - : إنّ مرجع الشكّ في صحّة البيع وعدمها ، إلى الشكّ في تقييد إطلاق أدلّة نفوذ البيع وعمومها ؛ ضرورة أنّ إطلاق نحو
ص: 239
)أَحَلَّ اللّه ُ ا لْبَيْعَ((1) على فرضه ، وعموم دليل وجوب الوفاء بالعقود(2) وإطلاقه ، كما يدفعان الشكّ في اعتبار شيء في نفس البيع والعقد ، كالعربية ، وتقديم الإيجاب على القبول ، كذلك يدفعان الشكّ في اعتبار شيء في المتعاملين أو العوضين .
فدليل عدم جواز شراء الوقف ، مقيّد لإطلاق حلّية البيع ، ومخصّص لعموم وجوب الوفاء بالعقد ، ومع عدم الإطلاق في المخصّص ، يؤخذ بالقدر المتيقّن ، ويعمل بالعامّ والمطلق في المورد المشكوك فيه .
ومعه لا مجال للتمسّك بالأصل حتّى أصالة بقاء الوقف على مسلك «الجواهر»(3) فضلاً عمّا هو الحقّ ؛ من بقاء الوقف إلى زمان البيع ، فإنّ لازم دليل نفوذ البيع وحلّيته في مورد عروض العوارض ، بطلان الوقف على المسلكين ، وهو مقدّم على الأصل تقدّم لسان الأمارات عليه .
واستدلّ لها ببعض روايات ، لو تمّت دلالتها تكون دليلاً على بعض صور اُخر :
منها : رواية جعفر بن حيّان قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل ، وقف غلّة
ص: 240
على قرابته من أبيه ، وقرابته من اُمّه ، وأوصى لرجل ولعقبه من تلك الغلّة - ليس بينه وبينه قرابة - بثلاث مائة درهم في كلّ سنة ، ويقسّم الباقي على قرابته من أبيه ، وقرابته من اُمّه .
فقال : «جائز للذي اُوصي له بذلك» .
قلت : أرأيت إن لم يخرج من غلّة الأرض التي وقفها إلاّ خمسمائة درهم ؟
فقال : «أليس في وصيّ-ته أن يعطى الذي اُوصي له من الغلّة ثلاثمائة درهم ، ويقسّم الباقي على قرابته من أبيه ، وقرابته من اُمّه ؟» .
قلت : نعم .
قال : «ليس لقرابته أن يأخذوا من الغلّة شيئاً ، حتّى يوفّوا الموصى له ثلاثمائة درهم ، ثمّ لهم ما يبقى بعد ذلك» .
قلت : أرأيت إن مات الذي اُوصي له ؟
قال : «إن مات كانت الثلاثمائة درهم لورثته ، يتوارثونها بينهم ، فأ مّا إذا انقطع ورثته ولم يبقَ منهم أحد ، كانت الثلاثمائة درهم لقرابة الميّت ، تردّ إلى ما يخرج من الوقف ، ثمّ تقسّم بينهم ، يتوارثون ذلك ما بقوا وبقيت الغلّة» .
قلت : فللورثة من قرابة الميّت أن يبيعوا الأرض إذا احتاجوا ، ولم يكفهم ما يخرج من الغلّة ؟
قال : «نعم ، إذا رضوا كلّهم وكان البيع خيراً لهم ، باعوا»(1) .
والظاهر من الأسئلة والأجوبة ، أنّ شبهة السائل كانت في صحّة الوصيّة ،
ص: 241
لا الوقف ، ولا يبعد أن يكون المتفاهم من سؤاله ، أنّ الوصيّة كانت حال الوقف وفي ضمنه ، فترك الاستفصال عن كونها بعد تمامية الوقف أو في ضمنه ؛ لأجل الاتّكال على الظهور ، لا لعدم الفرق بين الفرضين ، حتّى تكون صحّة الوصيّة - في فرض تمامية الوقف - على خلاف القاعدة وتُعدّ من موجبات اضطراب المتن .
ويحتمل أن يكون المراد ب- «الوصيّة» الوصيّة المصطلحة ، كما يحتمل أن يكون المراد المعنى اللغوي .
وعلى أيّ حال : يمكن أن يكون المراد بالوصيّة له ، جعل هذا المقدار له ولعقبه ، وجعل الباقي للموقوف عليهم ، أو يكون المراد اشتراط إعطاء الموقوف عليهم هذا المقدار ، ثمّ التقسيم بينهم .
ثمّ إنّ الظاهر من «الغلّة» هي منفعة الأرض ، وإطلاقها على الأرض مبنيّ على التوسّع .
والظاهر من قوله : «وقف» كما في «الكافي»(1) و«الفقيه»(2) هو الوقف المصطلح ، وأمّا «أوقف» على نسخة «التهذيب»(3) فظهوره في الوقف محلّ تأمّل ، بل قيل : استعماله في الوقف قليل(4) ، فدار الأمر في صدر الرواية وهو قوله : «أوقف غلّة» أو «وقف غلّة على قرابته» بين ارتكاب خلاف الظاهر في
ص: 242
الغلّة والحمل على الأرض ، وبين ارتكابه في الوقف بحمله على المعنى اللغوي ؛ أي الإسكان والإيقاف عليهم لا يتجاوزهم ، وهو أمر تصحّ نسبته إلى الغلّة والمنفعة ، فمعنى «أوقف الغلّة عليهم» : جعلها ثابتة لهم ، وواقفة عليهم لا تتجاوزهم .
والموصول في قوله : «أرأيت إن لم تخرج من غلّة الأرض التي أوقفها . . .» إلى آخره ، يحتمل أن يكون وصفاً للأرض ، ويحتمل أن يكون وصفاً للغلّة ، كما أنّ «من» في قوله : «تردّ إلى ما يخرج من الوقف» يحتمل أن تكون بيانية .
وعلى أحد الاحتمالين ، يكون بيع الأرض على وفق القاعدة .
نعم ، لا بدّ وأن يرجع الموصى له إلى المشتري في حقّه ، إذا جعل الواقف له من غلّة الوقف مقدار ثلاثمائة درهم .
وعلى الاحتمال الآخر لا بدّ ، وأن يشترط البائع على المشتري ذلك ، لكن الإنصاف أنّ هذا الاحتمال بعيد .
وإن شئت قلت : ظهور «الوقف» في المعنى المصطلح ، مقدّم على ظهور «الغلّة» في المنفعة ، ولا سيّما مع بعض القرائن التي في المتن ، كما أنّ حمل «من» على البيان ، خلاف الظاهر ، فالمراد ب- «الوقف» هو المعنى المصطلح ، وب- «الغلّة» الأرض .
ولا يبعد دعوى ظهور «الوصيّة» أيضاً في المعنى المصطلح ، مع أ نّه لا فرق فيما نحن بصدده بين حملها عليه ، أو على مطلق التوصية .
ثمّ إنّه قد يقال : إنّ الرواية ظاهرة في الوقف المنقطع ، سواء كان الوقف على
ص: 243
عنوان «القرابة» الصادقة على الطبقات المتأخّرة كلّ في حال وجودها ؛ لإمكان انقراضهم ، فلا تأبيد ، أو على الطبقة الموجودة ؛ بقرينة قوله في آخر الخبر : «ولورثة قرابة الميّت» فإنّ الظاهر منه أنّ الطبقة المتأخّرة تتلقّى المنافع إرثاً ، لا من الواقف(1) .
أقول : هذا مبنيّ إمّا على كون الدوام والانقطاع في الوقف تابعين للموقوف عليهم بحسب الواقع ، فإن كان الموقوف عليهم عنواناً لا ينقرض كان دائماً ، وإلاّ كان منقطعاً .
أو على أنّ تحقّق الدوام والانقطاع تابع للذكر حال الإنشاء ؛ بأن يقول : «وقفت على كذا ، وإذا انقرض فعلى كذا إلى أن يرث اللّه الأرض» كما في بعض أوقاف المعصومين (2) ، أو تقوم قرينة على إرادة ذلك ، كما إذا وقف على عنوان معلوم البقاء ، والمنقطع خلافه .
فعلى ذلك : يكون الوقف على طبقة خاصّة ، أو على عنوان ينقرض ، منقطعاً .
وأمّا بناءً على أنّ الدوام والانقطاع هاهنا نظيرهما في النكاح ، وأنّ المراد بالانقطاع هو الوقف إلى مدّة ، وبالدوام خلافه ، سواء كان الموقوف عليه باقياً أم لا، وبعبارة اُخرى : إنّ التقسيم باعتبار نفس الوقف ، لا الموقوف عليه ، فكما أنّ النكاح بلا ذكر الأجل يكون دائماً ، مع ضرورية عدم دوام الزوجين ، ومقابله ما ذكر فيه الأجل ، كذلك الوقف ، فلا يلاحظ دوام الموقوف عليه وعدمه ،
ص: 244
ولا ذكر الدوام وعدمه ، بل المعتبر في الدائم عدم التقييد بالأجل والمدّة ، فيكون الوقف على الطبقة الاُولى ، غير منقطع إذا لم يتقيّد بالمدّة ، وعلى عنوان باقٍ إلى الأبد ، منقطعاً إذا تقيّد بها .
والفقهاء حيث عنونوا شرائط الوقف ، جعلوا منها الدوام ، وجعلوا مقابله ما اقترن بمدّة(1) ، ثمّ عنونوا مسألة اُخرى ، وهي أ نّه لو وقف على من ينقرض غالباً ، ولم يذكر المصرف(2) ، فاختلفوا في كونه وقفاً أو حبساً .
والظاهر من ذلك ، أنّ الدوام المقابل لذكر المدّة من شرائط الوقف ، وادّعي عليه الإجماع ، وكذا على بطلان مقابله(3) .
وأمّا الوقف على من ينقرض غالباً ، فمحلّ خلاف في أ نّه حبس ، أو وقف ، ونسب إلى المشهور أ نّه وقف(4) ، وأمّا البطلان فلم يعرف قائله(5) .
فعلى هذا : يكون الظاهر من الوقف في الرواية ، أ نّ-ه غير منقطع حتّى بناءً على الاحتمال الثاني ، مع أ نّ-ه ضعيف ؛ لأنّ القرينة المدّعاة(6) غير ظاهرة فيما ذكر ، لاحتمال أن يكون التوريث مربوطاً بالثلاثمائة ، لا بجميع المنافع ،
ص: 245
بل لعلّ هذا أظهر من لفظ الرواية عند التأمّل .
مع أنّ التوريث هاهنا كالتوريث في الموصى له ، لم يرد منه الوراثة المصطلحة .
ثمّ على الاحتمال الأوّل : فالظاهر من جعل العنوان موضوعاً للحكم ، أ نّه لم يكن مشيراً إلى الأفراد الموجودة في الخارج ، مثل القضيّة الخارجية على بعض المسالك(1) ، فيكون الموقوف عليهم قرابة الأب وقرابة الاُمّ من الواقف .
فحينئذٍ ، كونه من المنقطع حتّى على فرض كون الوقف على من ينقرض غالباً منقطعاً ، غير معلوم ؛ لأنّ انقراض قرابة أبيه واُمّه غير معلوم ، ولا دليل على كونها منقرضة غالباً ، لو لم يكن المعلوم أنّ الغالب في طائفة أو طائفتين عدم الانقراض ، فلم تكن الرواية ظاهرة في المنقطع حتّى على الاحتمال المرجوح .
مضافاً إلى أنّ صدر الرواية - على ما يظهر من الجواب والأسئلة المتأخّرة - لم يكن بصدد بيان الوقف ، بل المقصود استفهام صحّة الوصيّة ، فلا إطلاق فيه ، فيحتمل أن يكون الوقف قد ذكر فيه التأبيد إلى أن يرث اللّه الأرض .
فمع هذا الاحتمال ، لو كان حكم المؤبّد والمنقطع مختلفين ، لكان على الإمام عليه السلام الاستفصال عند السؤال عن جواز البيع ، فالرواية ظاهرة في جوازه في خصوص الدائم ، أو في أعمّ منه ومن المنقطع .
ص: 246
نعم ، الظاهر منها أنّ الجواز مشروط بكون البيع خيراً لهم ، والمناقشة فيه في غير محلّه .
وأمّا جواز البيع ؛ لأجل احتياجهم إلى صرف ثمن أصل الوقف ، أو إلى تبديله بما يكفي لمصارفهم ، ويكون أنفع لهم ، فغير ظاهر منها ، وإن كان فرض تبديل ما لا يكفيهم بما هو كافٍ لهم من حيث المنفعة ، من الاُمور النادرة ، ولهذا لا يبعد أن يستظهر منه ، أنّ المراد صرف أصل الثمن ، أو الكسب به .
وكيف كان : فلا دلالة لهذه الرواية على جواز البيع بمجرّد كون البدل أنفع وأعود فقط ، بعد مسبوقيته بالاحتياج المانعة - لا أقلّ - من الإطلاق .
ومنها : ما روي عن الطبرسي في «الاحتجاج» عن الحميري ، عن صاحب الزمان عليه السلام : أ نّه كتب إليه : روي عن الصادق عليه السلام خبر مأثور : «إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم وأعقابهم ، فاجتمع أهل الوقف على بيعه ، وكان ذلك أصلح ، لهم أن يبيعوه» . فهل يجوز أن يشترى من بعضهم إن لم يجتمعوا كلّهم على البيع ، أم لا يجوز إلاّ أن يجتمعوا كلّهم على ذلك ؟ وعن الوقف الذي لا يجوز بيعه .
فأجاب عليه السلام : «إذا كان الوقف على إمام المسلمين ، فلا يجوز بيعه ، وإذا كان على قوم من المسلمين ، فليبع كلّ قوم ما يقدرون على بيعه ؛ مجتمعين ومتفرّقين إن شاء اللّه»(1) .
ص: 247
والظاهر من ذيلها: أنّ الوقف الخاصّ حاله كالملك، يجوز بيعه بلا شرط وقيد.
إلاّ أن يقال : إنّ قيد الأصلح الذي في الصدر ، مفروض في الذيل أيضاً ، والكلام في الذيل مبنيّ على فرض القيد ، وإلاّ كان ردّاً للرواية ، وتكذيباً لها ، وعليه كان اللازم التنبيه على عدم صدورها عن الصادق عليه السلام بهذا القيد ، فيدلّ على جواز البيع بقيد الأصلح مطلقاً .
إلاّ أن يقال : إنّ السائل لم يكن بصدد بيان خصوصيات الرواية المنقولة عن الصادق عليه السلام ، بل كان بصدد السؤال عن خصوصية واحدة فيها ، وهي جواز البيع حال الاجتماع ، وأنّ الاجتماع هل هو دخيل في الصحّة أو لا ؟ فترك بعض خصوصياتها - ومنها عروض مسوّغ للبيع - لا بأس به ، بعد ما لم يكن في مقام نقل الرواية تفصيلاً .
إلاّ أن يقال : إنّ ذكر خصوصية كون البيع أصلح - مع عدم دخالتها فيما هو بصدده - دليل على أ نّه بصدد بيان خصوصيات الرواية ، وهو محتمل ، وإن كان لا يخلو من إشكال .
وعلى فرض عدم كونه في مقام نقلها بخصوصياتها ، لم يكن للذيل أيضاً إطلاق ؛ لكونها بصدد الجواب عن تلك الخصوصية ، فلا يدفع به احتمال كون جواز البيع موقوفاً على عروض بعض المسوّغات .
وعلى فرض الإطلاق في الذيل ، يقيّد بكونه أصلح لهم ؛ بمقتضى الصدر ، وبقوله : «كان خيراً لهم» في رواية ابن حيّان ؛ بناءً على أنّ الخير بمعنى الأنفع والأعود ، فلا بدّ من لحاظ قيدين : الأصلحية ، والأنفعية ؛ فإنّ بين العنوانين عموماً من وجه .
ص: 248
وإن كان المراد ب- «الخير» معنىً أعمّ من الأصلح والأنفع ، يقيّد بمفهوم «كان . . . أصلح» فيكون الميزان في الجواز هو الأصلحية ، لا الأنفعية .
ولو قلنا : بأنّ ذيل المكاتبة كان مبنيّاً على القيد الذي في صدرها ، فيكون متقيّداً بالأصلح ، وقلنا : بأنّ بين العنوانين عموماً من وجه ، فاللازم تقييد إطلاق كلّ من ذيلها وذيل رواية ابن حيّان بمفهوم الآخر ، فلا بدّ من اعتبار القيدين ، ولو كان الخير أعمّ كان الميزان الأصلحية .
ثمّ إنّ قوله عليه السلام في المكاتبة : «إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم وأعقابهم» يحتمل أن يكون المراد أعقاب كلّ فرد من الأعيان ، حتّى يكون الوقف نسلاً بعد نسل ، وأن يكون المراد عقب كلّ فرد ، ويكون الجمع باعتبار المقابلة بالجمع .
فحينئذٍ يحتمل أن يكون الوقف كالسابق ؛ بأن يراد جنس العقب .
ويحتمل أن يكون المراد شخص العقب ، ويكون الوقف على قوم وعقبهم بلا وسط .
ويمكن ترجيح الاحتمال الأخير بقرينة قوله : «فاجتمع أهل الوقف على بيعه» الظاهر في أنّ الموقوف عليهم منحصرون بهذا المجتمع ، فيكون الوقف على المنقرض قطعاً ، فحينئذٍ يكون المراد من قوله عليه السلام في الذيل : «إذا كان على قوم» الأعيان الموجودين ، لا عنواناً قابلاً للانطباق على أعيان آخرين حال وجودهم ، فتدلّ الرواية على جواز البيع في هذه الصورة .
إلاّ أن يقال : إنّ التفصيل بين إمام المسلمين وبين قوم من المسلمين ، تفصيل بين الوقف العامّ والخاصّ ، لكنّه غير معلوم .
ص: 249
بل يمكن أن يقال : إنّ التفصيل بين الوقف على شخص الإمام عليه السلام ، وبين الوقف على قوم خاصّين حاضرين ؛ لأنّ المراد بإمام المسلمين إمّا عنوان الإمام ؛ أي الرئيس ، أعمّ من الإمام الأصل ، فيكون المقصود التفصيل بين الوقف العامّ والخاصّ ؛ بذكر مصداق من العامّ ، على إشكال .
وإمّا شخص الإمام عليه السلام ، فيكون التفصيل في الوقف الخاصّ بين ما إذا كان الموقوف عليه الإمام عليه السلام وغيره .
وهنا جهات اُخر ، لا داعي للتعرّض لها بعد كون الروايتين ضعيفتين :
أمّا الاُولى : فبجعفر بن حيّان .
وأمّا الثانية : فلأ نّه لم يعلم أنّ تلك المكاتبات كانت بواسطة واحدة هي أحد النوّاب أو وكلاء الناحية المقدّسة ، أو بوسائط مجهولة عندنا ، ولا يدلّ قول النجاشي : إنّه كاتب صاحب الأمر عليه السلام ، وسأله مسائل في أبواب الشريعة(1) على شهادته بأنّ هذا الجواب منه روحي فداه .
وما عن ابن الغضائري : من أ نّه وقعت هذه المسائل إليّ في أصلها ، والتوقيعات بين السطور(2) لم يتّضح منه أ نّها بخطّه المبارك .
وكيف كان : لا يمكن الاعتماد على الروايتين مع ضعفهما ، ومخالفتهما للقواعد المحكمة ، وعدم العامل بهما أو قلّته .
ص: 250
وربّما يتمسّك للمطلوب بصحيحة علي بن مهزيار(1) قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام : أنّ فلاناً ابتاع ضيعة فأوقفها ، وجعل لك في الوقف الخمس ، ويسأل عن رأيك في بيع حصّتك من الأرض ، أو تقويمها على نفسه بما اشتراها ، أو يدعها موقفة ؟
فكتب إليّ : «أعلِم فلاناً أ نّي آمره ببيع حقّي من الضيعة ، وإيصال ثمن ذلك إليّ ، وأنّ ذلك رأيي إن شاء اللّه ، أو يقوّمها على نفسه إن كان ذلك أوفق له»(2) .
فإنّ الظاهر منها ، أ نّه جعل تمام الضيعة وقفاً ، وجعل خمسها وقفاً له ، ولمّا كانت إجازة البيع بلا عروض عارض خلاف الضرورة ، فلا محالة تكون لعارض ، ولا شيء إلاّ كون البيع أنفع وأعود له .
ولمّا كان الشائع عدم الوقف لشخص خاصّ فقط ، كان الوقف عليه وعلى غيره - من الإمام بعده ، أو أنساله - مظنوناً ، ومعه يجب الاستفصال مع اختلاف الحال ، وبدونه تدلّ على الجواز في غير المنقطع أيضاً .
مضافاً إلى ما تقدّم منّا : من أنّ الدوام والانقطاع من حالات الوقف ، لا الموقوف عليه(3) ، فما لم يقيّد بوقت فهو دائم ولو كان الموقوف عليه ممّن ينقرض .
ص: 251
وربّما يجاب عنها : بأنّ الوقف غير تامّ ؛ لعدم القبول المعتبر في الأوقاف الخاصّة أوّلاً ، وعدم تحقّق القبض ثانياً (1) .
وفيه : - مضافاً إلى عدم اعتبار القبول مطلقاً ، كما تقدّم(2) - أنّ إجازة البيع قبول للوقف ، وإجازة كون من وكّله في البيع مستولياً على الوقف قبل بيعه ، قبض منه مع الوسط .
والأولى في الجواب أن يقال : إنّ وجه إجازته للبيع غير معلوم ، فربّما كان ذلك لأجل كون الضيعة أو خمسها له بحسب الواقع ، وكانت تحت يد الغير غصباً ، وعدم ذكره لذلك لعلّه لمصلحة ، أو لمفسدة في الذكر .
أو لأجل ضرورة شديدة ، أو لكون الضيعة في معرض الخراب ، أو لعدم إمكان الانتفاع بحصّته في جهة الوقف .
أو لاحتماله عليه السلام حصول مخالفة شديدة بينه وبين سائر الشركاء ؛ بما تستباح منها الدماء ، أو علمه بذلك .
أو لكون مجرّد مخالفتهم معه ، إزراء بمقام الإمامة الذي يجب حفظه كيفما كان ، أو لكونه أعود وأنفع . . . إلى غير ذلك ، فلا ينحصر الاحتمال في الأخير الذي هو مبنى الاستدلال ، فما لم يجمع جميع الاحتمالات لا يصحّ التمسّك بها للجواز ، ومع اجتماع الاحتمالات لا شبهة فيه .
ص: 252
ويراد بالشرط في المقام ، معنىً أعمّ من الشرط المصطلح ؛ أي مطلق القرار والجعل ، فإنّ الوقف - على ما تقدّم - من الإيقاعات لا يحتاج إلى القبول(1) ، وإن كان مع نفوذ قراره لا يجوز للموقوف عليهم التخطّي عنه ، وليس دليل نفوذه أدلّة نفوذ الشرط إلاّ على بعض الوجوه ، بل الدليل هو قاعدة تسلّط الناس على أموالهم(2) وقوله عليه السلام : «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها»(3) .
نعم ، قد يقف على شخص أو أشخاص ، ويشترط عليهم أن يبيعوه عند عروض عارض ، ويعملوا في ثمنه بما اشترط ، فلا بدّ في نفوذه عليهم من القبول إن قلنا : بخروج الشرط في مثله عن كونه من الشروط الابتدائية كما لا يبعد ، وحينئذٍ يكون دليل النفوذ أدلّة الشروط .
ثمّ إنّ لازم عدّ هذه الصورة في قبال سائر المسوّغات ، أن يكون الشرط غير عروض بعض المسوّغات ، أو أعمّ منها ، وإلاّ كان المسوّغ هو العارض
ص: 253
الكذائي ، لا الشرط ، ولو رجع إلى إلزام الغير بالبيع بواسطة الشرط ، لخرج عن صور مسوّغات بيع الوقف .
وكيف كان : قد يشترط بيعه ورجوع ثمنه إلى نفسه ، أو إلى بعض متعلّقيه غير الموقوف عليهم ، وقد يشترط رجوعه إلى الطبقة الاُولى ، أو بعض من فيها ، وقد يشترط شراء غيره بثمنه للموقوف عليهم .
فيقع الكلام : في أنّ اشتراط البيع مطلقاً مخالف لماهية الوقف ومقتضاه الذاتي ، أم لا ؟
مقتضى ما قدّمناه من أنّ بيع الوقف ليس مخالفاً لمقتضاه(1) - فإنّ ماهيته هي الإيقاف على الموقوف عليهم بحيث لا يتعدّاهم وهو المراد من حبس العين وتسبيل الثمرة ، وأمّا الحبس بمعنى الممنوعية عن البيع ، فليس مأخوذاً في الماهية ، وكذا التأبيد بمعنى تقييد الماهية به ، لا يعتبر فيها ، بل المؤبّد في مقابل المنقطع الذي له أمد ووقت ، كالنكاح المؤبّد الذي لا ينافيه الطلاق أو الفسخ ، فالوقف إذا لم يذكر فيه أمد يكون مؤبّداً ، وهو لا ينافي البيع - أنّ الاشتراط أيضاً لا يكون مخالفاً لذاته ، ولا لمقتضاه .
نعم لو قلنا : بأنّ التأبيد قيد له ومأخوذ فيه ، والوقف ما يؤخذ فيه التأبيد إلى أن يرث اللّه الأرض كما قيل ، فشرط البيع منافٍ له في جميع الصور المتقدّمة :
أمّا إذا شرط رجوع الثمن إليه أو إلى غير الموقوف عليهم ؛ فلأنّ لازمه
ص: 254
أن يكون الوقف منقطعاً إلى زمان عروض العارض ، فلا يكون مؤبّداً ، فالشرط حينئذٍ مخالف لمقتضاه ، وموجب لبطلانه ؛ ضرورة أنّ المؤبّد لا يتحقّق ، والمنقطع ليس وقفاً على الفرض ، فهل يقع حبساً أو يبطل ؟ فيه كلام .
وكذا الحال فيما إذا جعل الثمن للطبقة الاُولى ، أو بعض من فيها .
وأمّا إذا شرط شراء عين بدله ، فقد يقال : لا ينبغي الإشكال فيه ؛ لأنّ عقد الوقف لا يتعلّق بنفس الخصوصية العينية ، وإلاّ لما صحّ بيعها عند طروّ الخراب ، بل يتعلّق بأعمّ منها ومن ماليتها طولاً .
وأمّا لو اشترط التبديل ، فمرجعه إلى جعل الوقف متعلّقاً بالجامع بين المال وبدله(1) .
وفيه : - مضافاً إلى أنّ الجامع ليس ملكاً ، وما هو ملك له بالفعل هو العين ، والجامع الموجود بها المتحقّق بتحقّقها ، غير قابل للصدق على غيره - أنّ نفوذ الشرط في طول الوقف ، ولا يعقل أن يكون الجامع العرضي وقفاً به .
ولو قيل : إنّ الوقف تعلّق بالعين ، وبدليل الشرط يتحقّق الوقف في البدل .
يقال : إنّه خروج عن المبنى ؛ وهو تعلّق الوقف بالجامع ، مع أ نّه يصير بالنسبة إلى العين من الوقف المنقطع .
مضافاً إلى أنّ الجامع بينهما إن كان المالية كما هو ظاهره ، فهي غير صالحة للوقفية ؛ لأنّ المالية ليست لها ثمرة للتسبيل ، بل هي أمر اعتباري عقلائي ، والأعيان هي التي لها ثمرة ومنفعة .
ص: 255
وبهذا يجاب عمّا ذكره بعض آخر : بأنّ العين إذا كانت محبوسة بشخصها عند الإطلاق ، وبماليتها عند الاشتراط ، فالشرط منافٍ لإطلاق الوقف ، لا لذاته ، فالاشتراط قرينة على التوسعة في الحبس ، وأ نّه متعلّق بمالية العين ، لا بشخصها (1) .
فإنّه إن كان المراد أنّ الوقف متعلّق بالمالية لا بالعين ، فهي غير صالحة للوقف كما مرّ .
وإن كان المراد تعلّقه بالعين بما هي مال ، فالبدل وماليته غير العين عرفاً وعقلاً ، فعلى فرض تسليم ما ذكر ، تكون العين موقوفة إلى زمان البيع ، وبعده يكون البدل موقوفاً بدليل الشرط ، فيكون الوقف بالنسبة إلى العين من المنقطع .
فما أفاده : من أنّ الشرط يرجع إلى حفظ الوقف عرفاً بما هو مال(2) ، لا يرجع إلى محصّل ؛ فإنّه إن تعلّق الوقف بالعين ، فهي لا تكون محفوظة ؛ لا عرفاً ، ولا عقلاً .
وإن تعلّق بماليتها ، فهي وإن كانت محفوظة بوجه مسامحي ، لكن أصل الوقف باطل ، فلو قال الواقف : «وقفت مالية هذا الشيء ، لا نفسه» وقع باطلاً بلا شبهة وإشكال .
وبالجملة : إن قلنا بصحّة الوقف المنقطع الآخر ، يصحّ في جميع الصور ، وإلاّ فلا .
ثمّ إنّ الشرط والقرار إذا رجع إلى محدودية الوقف ، فلا إشكال في صحّته
ص: 256
بناءً على صحّة الوقف المنقطع ، كما هو الأقوى ، وكما لا يكون الشرط حينئذٍ مخالفاً لماهية الوقف ، لا يكون مخالفاً للشرع أيضاً .
وأمّا إذا شرط بيع الوقف ؛ بحيث يكون الشرط - في عرض سائر الموضوعات - مسوّغاً للبيع ، من غير أن يرجع إلى المحدودية ، فعلى القول : بأنّ الوقف عقد بين الواقف والموقوف عليهم(1) ، يكون الشرط عليهم شرطاً مصطلحاً ، وحينئذٍ إن قلنا : بإطلاق أدلّة حرمة بيع الوقف ، فلا إشكال في بطلانه .
وأمّا بطلان الوقف فيبنى على كون الشرط الفاسد مفسداً .
وأمّا مع المناقشة في الأدلّة كما فصّلناه سابقاً (2) : من عدم إطلاق «لا يجوز شراء الوقف»(3) وتعدّد الاحتمال في أوقاف الأئمّة عليهم السلام ، كقوله عليه السلام : «تصدّق موسى بن جعفر عليه السلام بصدقته هذه وهو حيّ صحيح ، صدقة حبساً بتّاً بتلاً مبتوتة ، لا رجعة فيها ولا ردّ ؛ ابتغاء وجه اللّه والدار الآخرة ، لا يحلّ لمؤمن يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يبيعها ، ولا يبتاعها ، ولا يهبها ، ولا ينحلها ، ولا يغيّر شيئاً ممّا وصفته عليها ، حتّى يرث اللّه الأرض ومن عليها . . .»(4) إلى آخره ، وغيره(5) ممّا هو بهذا المضمون تقريباً ؛ لاحتمال أن تكون القيود دخيلة في
ص: 257
الماهية ، وأشار عليه السلام بما هو مأخوذ في ماهيته .
وأن تكون بياناً للحكم الشرعي ، لا قيوداً للماهية ، وأنّ حكم الوقف أن لا يباع ولا يوهب . . . إلى آخره .
وأن تكون قيوداً وأحكاماً لقسم من الصدقات ، وهي التي تكون بتّة : أي غير مشروطة ، بتلاً مبتوتة : أي منقطعة عن صاحبها ؛ أي الوقف الدائم في قبال المنقطع والمشروط .
وأن تكون القيود من مجعولات الواقف ؛ أي جعل الصدقة بتّة مبتوتة بتلاً ، لا تباع ولا توهب . . . إلى آخره .
فلا دليل على حرمة بيع الوقف في مورد الشرط ، بل على ما قدّمناه - من ترجيح الاحتمال الأخير في الرواية(1) - تصير دليلاً على صحّة الشرط .
نعم ، بناءً على بعض الاحتمالات ، يكون بيعه مخالفاً للشرع ، فيكون شرطه باطلاً ، وحينئذٍ كما لا يصحّ التمسّك بدليل الشرط ، لا يصحّ التمسّك بدليل وجوب الوفاء بالعقود ؛ لأ نّها أيضاً متقيّدة بعدم المخالفة للشرع ، وذلك إمّا للمناسبات المغروسة في الأذهان ، وإمّا لاستفادته من أدلّة الشروط بإ لغاء الخصوصية ، أو تعميم الشرط لمطلق القرار كما قيل(2) ، هذا إذا كان الشرط أعمّ من الابتدائي وغيره(3) .
ص: 258
وأمّا لو كان مخصوصاً بالشرط الضمني(1) ، فلا يمكن التمسّك بدليل وجوب الوفاء بالعقود في العقد المشروط فيه الشرط المخالف للشرع ؛ إذ يلزم من ذلك لغوية التقييد في دليل الشرط ، هذا بناءً على كون الوقوف من العقود .
وأمّا إذا كان من الإيقاعات ، فالدليل على نفوذ الشرط - بالمعنى الأعمّ - ليس أدلّة الشروط ، بل الدليل إمّا قوله عليه السلام : «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها» على فرض رجوع الشرط إلى تحديد الوقف وانقطاعه ، دون ما إذا كان راجعاً إلى بيع الوقف ؛ فإنّه لا مجال للتمسّك به لذلك ، إذ ليس الشرط - على هذا - من كيفيات الوقف .
وإمّا قوله صلي الله عليه و آله وسلم : «الناس مسلّطون . . .»(2) وهو أيضاً غير صالح للتمسّك في المقام ، سواء كان الشرط راجعاً إلى تحديد الوقف ، أم كان راجعاً إلى بيعه ؛ وذلك إمّا لتقييده عقلاً بما قيّد به دليل الشرط ، أو لقصوره عن شمول ما ينافي الشرع انصرافاً ، أو لأجل كون الحكم حيثياً بالنسبة إلى المال ، لا بالنسبة إلى حكم الشرع .
وتدلّ على صحّة الشرط : صحيحة عبد الرحمان بن الحجّاج قال : بعث إليّ بهذه الوصيّة أبو إبراهيم عليه السلام : «هذا ما أوصى به وقضى في ماله عبداللّه عليٌّ
ص: 259
ابتغاء وجه اللّه...» ثمّ عدّ عدّة أملاك له، وجعلها صدقة، وجعل بعضها لبني فاطمة.
ثمّ قال : «وإنّ الذي كتبت من أموالي هذه صدقة واجبة بتلة ، حيّاً أنا أو ميّ-تاً ، تنفق في كلّ نفقة أبتغي بها وجه اللّه . . .» .
ثمّ عدّ الموقوف عليهم فقال : «وإنّه يقوم على ذلك الحسن بن علي ، يأكل منه بالمعروف ، وينفقه حيث يريد (يراه - خ . ل) اللّه ، في حلّ محلّل ، لا حرج عليه فيه ، فإن أراد أن يبيع نصيباً من المال فيقضي به الدين ، فليفعل إن شاء ، لا حرج عليه فيه ، وإن شاء جعله شراء (سريّ - خ . ل) الملك ، وإنّ ولد علي ومواليهم وأموالهم إلى الحسن بن علي ، وإن كان دار الحسن غير دار الصدقة ، فبدا له أن يبيعها ، فليبعها إن شاء ، لا حرج عليه فيه ، وإن باع فإنّه يقسمها ثلاث
أثلاث . . .» .
إلى أن قال : «فإن وجد آل أبي طالب قد ذهب كبراؤهم وذووا آرائهم ، فإنّه يجعله في رجل يرضاه من بني هاشم ، وإنّ-ه شرط على الذي يجعله إليه أن يترك المال على اُصوله ، وينفق الثمرة حيث أمره به . . .» .
إلى أن قال : «لا يباع منه شيء ، ولا يوهب ، ولا يورث . . .»(1) .
ولا ينبغي الإشكال في ظهورها صدراً وذيلاً في الوقف ، والحمل على الوصيّة المصطلحة(2) خلاف نصّها ، حيث قال : «صدقة واجبة بتلة ، حيّاً أنا أو
ص: 260
ميّ-تاً» والبتلة بمعنى الانقطاع عن صاحبها ، والخروج عن ملكه في حال حياته ،فلا ينطبق ذلك إلاّ على الوقف .
كما أنّ ذيلها كالصريح فيه ، فإنّ ترك المال على اُصوله وإنفاق الثمرة ، عبارة اُخرى عن حبس العين وتسبيل الثمرة ، وقوله عليه السلام : «لا يباع . . . ولا يوهب ، ولا يورث» من أحكام الوقف ، فلا إشكال في كونها وقفاً .
ثمّ إنّ مورد الاستدلال للمطلوب فقرتان منها :
الاُولى : قوله عليه السلام : «فإن أراد أن يبيع نصيباً من المال . . .» إلى آخره ، بناءً على أنّ المراد ب- «المال» هو المال الموقوف ، فأجاز بيعه لأداء دينه إن شاء ، وأن يتّخذه ملكاً لنفسه ، ويجعله سريّ ملكه ؛ أي من نفيسه .
وهنا احتمال آخر ، لا يبعد أن يكون أظهر بحسب سياق الرواية ، وهو أنّ المراد من «المال» هو ثمرة الوقف ، فإنّه عليه السلام أجاز أوّلاً أن يأكل منه بالمعروف ، وينفق الباقي على الجهات المعيّنة على حسب الصلاح ، ثمّ وسّع عليه بأ نّه إن أراد بيع نصيب من المال لقضاء دينه فعل .
والظاهر أنّ التوسعة في الثمرة ، التي أجاز أكلها بالمعروف ابتداءً ، ولا سيّما مع ذكر النصيب ؛ أي الحظّ والقسمة ، وهو لا يكون إلاّ في الثمرات والمنافع ، ولمّا كان بحسب الطبع غالب منافع الأملاك في ذلك القطر هو الثمرات الحاصلة من النخيل وغيره - كما يدلّ عليه قوله عليه السلام في الذيل : «يترك المال على اُصوله ، وينفق الثمرة» - وكان أداء الدين بحسب المتعارف بالنقود ، قال ما قال .
وهذا الاحتمال لو لم يكن في تلك الفقرة أظهر ، فلا أقلّ من المساواة مع الآخر .
ص: 261
وأمّا قوله عليه السلام : «إن شاء جعله شراء الملك» أو «سَريّ الملك» فهو يناسب الأمرين ، بل على نسخة الشراء يكون أنسب مع الاحتمال الراجح .
الثانية : قوله عليه السلام : «وإن كان دار الحسن غير دار الصدقة ، فبدا له أن يبيعها ، فليبعها إن شاء ، لا حرج عليه فيه» بناءً على أنّ المراد بيع دار الصدقة ؛ أي الموقوفة(1) ، كما هو الظاهر .
وأمّا احتمال كون المراد داراً غير الصدقة ، وهي التي سكنها (2) ، وإنّما جاز بيعها وتثليث ثمنها ؛ لكونها منه ، ومن جملة ثلثه مثلاً ، فضعيف .
ويؤيّد الاحتمال الأوّل المرجّح ، أمره عليه السلام في الذيل ب- «أن يترك المال . . . ولا يباع منه شيء ، ولا يوهب ، ولا يورث» فإنّ شرط البيع إنّما هو توسعة على الحسنين ؛ تشريفاً لهما كما قال في خلال الرواية ، وأمّا إذا كان المتولّي غيرهما فشرط عليه عدم البيع .
والإنصاف : أنّ الظاهر من الرواية صدراً وذيلاً ، أنّ جواز البيع وعدمه في الوقف ، تابع لشرط الواقف وإجازته ، والعمل بها لا إشكال فيه .
وقد تقدّم : أنّ مقتضى القاعدة جواز البيع عند عروض بعض العوارض ؛ لعدم إطلاق في دليل المنع ، كما مرّ مفصّلاً(3) .
ص: 262
إمّا للخلاف بين أربابه ، أو لغير ذلك ، أو يؤدّي بقاؤه إلى سلب النفع مطلقاً ، أو النفع الخاصّ المجعول ، أو إلى قلّته ؛ بحيث يلحق بالعدم .
فعلى ما مرّ : من عدم دليل على حرمة بيعه ، فيما إذا عرض له عارض شكّ معه في صحّة بيعه وعدمها ، ومن أنّ مقتضى العمومات والإطلاقات صحّة بيعه في مورد الشكّ ، يجوز البيع في الصورة المذكورة ، وكذا الحال لو قلنا : بانصراف الأدلّة على فرض إطلاقها ، كما ادّعاه الشيخ الأعظم قدّس سرّه (1) .
وأمّا ما يقال في بيان صحّة البيع والتبديل في أمثالها : من أنّ غرض الواقف في نوع الأوقاف لا يتعلّق بالعين بما هي ، بل يتعلّ-ق بمنافعها وماليتها ، ولا غرض له في خصوصيتها ، بل في إصلاح حال الموقوف عليه ، وإدارة معاشه ، فيجوز التبديل إذا كان أصلح وأنفع ، فكما أ نّه لو قال : «وقفت هذا ، وشرطت أن يكون له التبديل بالأعود» صحّ ، كذلك إذا لم يقل ، وعلم من حاله ذلك .
وكذا الحال فيما إذا علم من حاله أ نّه لو التفت إلى اختلاف أهل الوقف لاشترط البيع ، فكأ نّه قال : «وقفت هذا فيما هو صلاح» وذلك لأنّ الأغراض قد تكون عناوين الموضوعات ، كما لو دفع مالاً لإعطاء أشخاص معيّنين ،
ص: 263
وكان غرضه الإيصال إلى المضطرّين ، وعلم من حاله أو مقاله ذلك ، فإنّه يجوز التبديل(1) .
ففيه ما لا يخفى ؛ فإنّ الأغراض والدواعي محرّكة إلى جعل الإنشاء لأمر خاصّ ، أحرز فيه تحقّق غرضه ، فلا يعقل أن تكون تلك الأغراض والدواعي ، من قيود الموضوعات في باب الإنشاءات العقدية أو الإيقاعية .
نعم ، يصحّ منه أن يقيّد الموضوع بما أراد ، لكن صرف كون الشيء غرضاً ، لا يعقل أن يصير قيداً ، فلو صحّ ذلك لما اختصّ بباب الوقف ، بل لكان جارياً في البيع والإجارة وغيرهما ، فإذا كان غرضه من بيع شيء الانتفاع به ، لا لخصوصية في شخص المبيع ، هل يمكن أن يقال : تعلّق البيع بما هو ذو نفع من سائر الأمتعة ، ولم يتعلّق بالعين ؟ !
وبالجملة : ما كان متعلّق الوقف أو البيع ، هو نفس الأعيان ؛ لأغراض خاصّة ، وجهات تعليلية .
ثمّ إنّ القائل لمّا رأى أنّ تعلّق الوقف بالمالية باطل ، قال في ذيل كلامه : إنّ الوقف تعلّق بالعين بما هي مال(2) .
وأنت خبير : بأنّ هذا الاعتراف هدم لما أسّس لتصحيح البيع في تلك الموارد ؛ فإنّ الوقف إذا تعلّق بالعين لا بماليتها ، فلا وجه لصحّة بيعها إلاّ بمسوّغاته ، ولا تكون الأغراض بمنزلة الاشتراط ، كما هو واضح .
ص: 264
وأمّا تنظيره بما ذكره ، فلا يخفى ما فيه ؛ فإنّ جواز الإعطاء للمضطرّين يكفي فيه إحراز رضاه ، بخلاف باب العقود والإيقاعات .
وممّا ذكرنا يظهر الحال في صورة الخلاف بين أرباب الوقف ؛ بحيث لا يؤمن معه من تلف النفوس أو الأموال ، أو من ضرر عظيم ، فإنّ مقتضى القاعدة صحّته في جميع ذلك ؛ لعدم الإطلاق ، أو لانصرافه على فرضه .
واستدلّ(1) لذلك ولبعض صور اُخر : بمكاتبة علي بن مهزيار المتقدّمة(2) ، وفيها : وكتبت إليه أنّ الرجل كتب أنّ بين من وقف بقيّة هذه الضيعة عليهم اختلافاً شديداً ، وأ نّه ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده ، فإن كان ترى أن يبيع هذا الوقف ، ويدفع إلى كلّ إنسان منهم ما كان وقف له من ذلك أمرته .
فكتب بخطّه إليّ : «وأعلمه أنّ رأيي له إن كان قد علم الاختلاف ما بين أصحاب الوقف ، أن يبيع الوقف أمثل ؛ فإنّه ربّما جاء في الاختلاف تلف الأموال والنفوس»(3) .
فإنّ الظاهر منها خصوصاً بملاحظة ذيلها ، أنّ الاختلاف كان بين أصحاب
ص: 265
الوقف في نفس الوقف ، ولهذا يرى السائل أنّ بيعه وتقسيمه يرفعه ، ولو كان الاختلاف لأمر آخر ، لم يكن ذلك قالعاً ، واحتمال كون الخلاف لأمر آخر ، وإعطاء ثمن الوقف موجباً لرضاهم بالصلح ، بعيد غايته .
وبالجملة : إنّ الواقف لمّا رأى اختلافهم في الوقف بعد تسليمه إليهم ، وخاف من تشديده وتفاقمه بعد موته ، أو بعد ذلك الخلاف ، وكان قادراً على البيع وإعطاء كلّ شخص ما وقف له ، ورأى أ نّه قالع للخلاف ، استفتى الإمام عليه السلام ، وسأل عن الحكم الشرعي ؛ وأ نّه جائز أم لا .
فأجاب : بأمثلية البيع ؛ معلّلاً ب- «أ نّه ربّما جاء في الاختلاف تلف الأموال والنفوس» ، فاحتمال ذلك صار منشأً لأمثلية البيع .
ولا يلزم من ذلك ، جواز بيع الوقف لدى الخلاف الواقع بين طائفة من المسلمين ، إذا خيف منه تلف الأموال والنفوس ، فإنّه لا يفهم من التعليل ذلك ، بل ما يفهم منه أنّ كلّ وقف وقع الخلاف الشديد بين أربابه فيه ، وكان مظنّة لتلف النفوس والأموال ، جاز بيعه لقلعه ، ولا ينحصر خوف تلف الأموال والنفوس في أموال الموقوف عليهم ونفوسهم ، فضلاً عن كون المال مال الوقف .
نعم ، لا بدّ وأن يكون بقاء الوقف منشأً لذلك ، وبيعه قالعاً له .
هذا ، ولكن يرد على ظاهرها إشكالات :
منها(1) : أنّ الوقف إمّا كان منقطعاً ؛ أي كان وقفاً على الأشخاص فقط ، كما هو
ص: 266
ظاهرها وظاهر المكاتبة(1) الراجعة إلى حصّة الإمام عليه السلام ، التي يحتمل أن تكون من جملة هذه المكاتبة ، وأن تكون مكاتبة اُخرى مستقلّة ، أو كان دائماً ، لم يذكر فيها سائر الطبقات .
فعلى الأوّل إن قلنا : بأنّ الوقف المنقطع لا يخرج عن ملك الواقف ، فلا إشكال في تصدّيه لبيعه بعد جوازه ، لكن ثمنه على هذا له ، لا لأرباب الوقف ، وظاهرها كونه لهم ، وهو مخالف للقواعد .
وإن قلنا : بخروجه عنه ، ودخوله في ملك الموقوف عليهم ، فكون الثمن لهم وإن كان له وجه ، لكنّه لا يخلو من إشكال ؛ لأنّ الوقف المنقطع لا يصير ملكاً مطلقاً للموقوف عليه ، بل الظاهر أ نّه محدود إلى زمان الانقطاع ، إلاّ أنّ تصدّي الواقف للبيع على خلاف القاعدة .
واحتمال كونه ناظراً (2) يردّه ترك الاستفصال ، وعدم إشعار فيها لذلك ، مع أنّ ولاية الناظر لبيع الوقف ممنوعة كما تقدّم(3) .
واحتمال كون الإمام عليه السلام أجازه ولاية(4) ، خلاف ظاهر الرواية ؛ فإنّ الرأي هو الفتوى ، لا الإجازة ، والظاهر منه حكاية الحكم الشرعي .
ص: 267
ويشهد له : أ نّه عليه السلام قال في المقام : «رأيي ذلك» وفي الجواب عن بيع حصّته المحتاج إلى الإذن : «أ نّي آمره ببيع حقّي من الضيعة» الظاهر في كونه إذناً في بيع حصّته ، وأمّا تعقيبه بقوله : «إنّ ذلك رأيي» فلعلّه لبيان جواز البيع شرعاً .
وعلى الثاني : يكون تصدّيه للبيع على خلاف القاعدة ؛ لأنّ الوقف خارج عن ملكه .
ومنها : أنّ الظاهر منها أنّ الثمن ملك للموقوف عليهم ؛ أي الطبقة الاُولى ، ولهم صرفه وإتلافه ، وهو على خلاف القاعدة في الوقف المؤبّد ، وتصحيحه يحتاج إلى تكلّف وارتكاب خلاف قاعدة اُخرى . . . إلى غير ذلك .
ولهذا تخلّص عنها المولى المجلسي قدّس سرّه في «مرآة العقول» بإمكان حملها على عدم القبض ، وأ نّه يعلم لو دفعها إليهم يحصل بينهم الاختلاف ويشتدّ ؛ لحصول الاختلاف بينهم قبل الدفع بسبب الضيعة ، أو لأمر آخر ، فقال : أيدعها موقفة ويدفعها إليهم ، أو يرجع من الوقف ؛ لعدم لزومه ، ويدفع إليهم ثمنه ؟(1) انتهى .
ويمكن تقريبه : بإرجاع الضمير في قوله : «أن يتفاقم ذلك بينهم بعده» إلى الوقف ؛ أي بعد الوقف الذي لا يتحقّق إلاّ بالتسليم ، وعلى ذلك يكون الظاهر منها ، أنّ الخلاف كان بينهم قبل التسليم ، وأنّ الواقف لم يكن يأمن من تفاقمه بعده ، وأنّ الأمر لم يخرج من يده ، فله الوقف بالتسليم ، وله البيع وإعطاء كلّ ما أوقفه له .
وعلى هذا ، يكون سؤاله للمشورة معه ، ويؤيّده قوله عليه السلام : «هو أمثل» أو
ص: 268
لأجل جهله بجواز الوقف والتسليم والحال هذه ؛ أي أ يجوز ذلك مع عدم الأمن من اشتداد النزاع ؟ أو لجهله بأنّ الوقف قبل تمامه وتسليمه أمره بيد الواقف .
وكيف كان : هذا الاحتمال مع كونه مخالفاً لظاهرها صدراً وذيلاً ، مخالف للقاعدة أيضاً ؛ فإنّ الثمن حينئذٍ للواقف ، لا للموقوف عليهم .
والحمل على أ نّه أراد إيصال هذا المال إليهم ، إمّا بطريق الوقف ، أو بطريق آخر ، تأويل يحتاج إلى الشاهد ، ومجرّد استفتائه لجواز الردّ إليهم ، لا يدلّ على ذلك ، بل لعلّه لاحتمال أنّ الوقف بمجرّد الإيقاف صار ملكاً لهم ، فعلى الإمام عليه السلام الاستفصال .
والإنصاف : أنّ الاتّكال على هذه الرواية مع تلك الاحتمالات والمخالفات للقواعد مشكل ، وإن كان الجواز في هذه الصورة لا يخلو من قرب وقوّة ، إمّا لعدم الإطلاق ، أو للانصراف عن مثله ، ومقتضى القواعد جوازه ، لكن في الوقف المؤبّد لا بدّ وأن يكون بنظر الفقيه ، ومع إمكان رفع النزاع بشراء ملك آخر مكانه ، يجب ذلك ، ووقفه على حسب ما كان وقفاً .
ثمّ إنّ مقتضى ما مرّ(1) - من عدم الإطلاق في الأدلّة ، والمناقشة فيما استدلّ بها لعدم الجواز - أنّ بيع الوقف في أكثر الصور المتقدّمة جائز ، لو لم نقل في جميعها .
لكن في النفس منه شيء ، منشؤه احتمال إطلاق صحيحة أبي علي بن راشد المتقدّمة(2) وفيها : «لا يجوز شراء الوقف» وإن ناقشنا فيه سابقاً بما لا مزيد
ص: 269
عليه(1) ؛ لاحتمال كون المناقشات مخالفة لنظر العرف ، فتأمّل ، ولهذا لم أرَ من الأصحاب إشكالاً في إطلاقها بما أبدينا ، فلا مناص عن الاحتياط في غير الصور التي تكون الأدلّة عنها منصرفة ، أو ورد فيها دليل على الصحّة .
هذا كلّه في الوقف الدائم .
وأمّا المنقطع ، فلا ينبغي الإشكال في صحّته ؛ لأنّ المعتبر في ماهية الوقف - كما أشرنا إليه سابقاً (2) - ليس إلاّ إيقاف العين لتسبيل المنفعة ، والدوام ليس معتبراً فيها .
ولهذا كان تقسيمها إلى الدائم والمنقطع صحيحاً من غير تأوّل ، وليس الوقف من الماهيات المستحدثة شرعاً ، بل هو من الماهيات العرفية الدارجة في سائر الملل ، بل الظاهر تعارفه عند غير منتحلي الأديان أيضاً ، ومقتضى قاعدة السلطنة صحّته .
وتدلّ عليها : مكاتبة الصفّار إلى أبي محمّد عليه السلام في الوقوف ، وما روي فيها ، فوقّع عليه السلام : «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها إن شاء اللّه»(3) بناءً على كونها مكاتبة مستقلّة ، غير مكاتبته الاُخرى .
ص: 270
بل تدلّ عليها أيضاً تلك المكاتبة صدراً وذيلاً ، قال : كتبت إلى أبي محمّد عليه السلام ، أسأله عن الوقف الذي يصحّ كيف هو ؟ فقد روي : «أنّ الوقف إذا كان غير موقّت ، فهو باطل مردود على الورثة ، وإذا كان موقّتاً فهو صحيح ممضى» .
قال قوم : إنّ الموقّت هو الذي يذكر فيه : «أ نّه وقف على فلان وعقبه ، فإذا انقرضوا فهو للفقراء والمساكين إلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها» .
قال وقال آخرون : هذا موقّت إذا ذكر : «أ نّه لفلان وعقبه ما بقوا» ولم يذكر في آخره «للفقراء والمساكين إلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها» والذي هو غير موقّت أن يقول : «هذا وقف» ولم يذكر أحداً ، فما الذي يصحّ من ذلك ، وما الذي يبطل ؟
فوقّع عليه السلام : «الوقوف بحسب ما يوقفها إن شاء اللّه»(1) .
والذي يحتمل أن يكون المراد ب- «الموقّت» ما له وقت معلوم ، يقال : «وقّت الأمر» أي بيّن مقدار المدّة لعمله(2) ، وفي مقابله ما لم يكن وقته معلوماً .
فعلى هذا ، يكون الوقف الذي له وقت محدود معيّن - كعشر سنين - من الموقّت ، والوقف المؤبّد أيضاً كذلك باحتمال قويّ ، ويكون الوقف على الذرّية نسلاً بعد نسل ، غير موقّت ، وكذا الوقف إلى قدوم الحاجّ ، أو إلى وقت ما .
ويحتمل أن يكون المراد به ، ما له وقت بحسب الواقع وإن لم نعلمه ، فيكون
ص: 271
الوقف على الذرّية نسلاً بعد نسل ، وإلى قدوم الحاجّ ، موقّتاً أيضاً ، وغيره ما لا يكون له وقت أصلاً ، كما لو قال : «وقفت» ولم يذكر أحداً ، أو قال : «وقفت على كذا في وقت ما» فإنّ واقعه مجهول ، فيلحق بما لا وقت له .
ويحتمل أن يكون المراد ب- «الموقّت» مقابل المؤبّد .
فمن قال : «إنّ الموقّت ما ذكر فيه كذا وكذا إلى أن يرث اللّه الأرض» لعلّه جعل ذلك كناية عن المؤبّد ، وأراد ب- «الموقّت» ما له وقت معلوم ، ولم يذكر الموقّت - بمعنى تعيين المدّة بعشر سنين مثلاً - لكونه باطلاً عنده .
ومن قال : «إنّ الموقّت ما ذكر فيه كذا وكذا» ولم يذكر «إلى أن يرث اللّه» يحتمل أن يكون مراده، أنّ الموقّت لا ينحصر بما قاله هؤلاء، بل ذلك أيضاً موقّت، ويكون مراده ب- «الموقّت» ما كان له وقت وإن لم نعلمه ، فيكون أعمّ ممّا قالوا .
وهذا هو الأظهر ؛ لجعلهم ذلك قبال ما لم يذكر فيه أحداً ، اللازم منه عدم وقت له رأساً ، وأمّا ما قاله الشيخ قدّس سرّه في تفسير كلامهم(1) ، فهو غير مرضيّ .
ويحتمل أن يكون مرادهم أنّ الموقّت في قبال المؤبّد ، وهو احتمال ضعيف .
وكيف كان : ظاهر قوله عليه السلام بعد ذلك : «الوقوف بحسب ما يوقفها» أنّ جميع الصور صحيح ، ولا يعتبر في الوقف تعيين الوقت ، ولا التأبيد ، بل يصحّ إذا كان وقته مجهولاً ، كقدوم الحاجّ ، أو معيّناً كعشر سنين .
وبالجملة : إنّ صحّته تابعة لجعل الواقف ، وهو موافق للقاعدة ؛ لأنّ الوقف
ص: 272
ليس من المعاملات ، حتّى يعتبر فيه تعيين الوقت ، بل هو إيقاف لدرّ النفع ، عيّن له الوقت ، أو كان له وقت مجهول عندنا ، معلوم عند اللّه .
نعم ، في مثل قوله : «وقفت» أو «وقفت إلى زمانٍ ما» باطل ؛ لأ نّه غير عقلائي ، والإطلاق منصرف عنه ، كما أنّ الوقف إلى عشر سنين مثلاً خارج عنه ؛ لإعراض الأصحاب ، وعدم عمل المشهور بها، مع كون المتيقّن من الموقّت ذلك .
ومن ذلك يظهر الكلام في صحيحة علي بن مهزيار ، قال : قلت له : روى بعض مواليك عن آبائك عليهم السلام : «أنّ كلّ وقف إلى وقت معلوم فهو واجب على الورثة ، وكلّ وقف إلى غير وقت جهل مجهول فهو باطل ، مردود على الورثة» ، وأنت أعلم بقول آبائك عليهم السلام .
فكتب عليه السلام : «هكذا هو عندي»(1) .
و«الوقت المعلوم» شامل للمدّة المعيّنة - كعشر سنين - بلا إشكال ، والظاهر شموله للمؤبّد ، والمجهول مقابله .
وعلى هذا ، ينطبق على مكاتبة الصفّار ببعض الاحتمالات ، ولازمه بطلان الوقف على الذرّية نسلاً بعد نسل ، بل والوقف على الذرّية ، وإذا انقرضوا فعلى المسلمين إلى أن يرث اللّه الأرض لو كان المراد به ظاهر الكلام ؛ لأنّ وقت وراثة اللّه الأرض مجهول .
ص: 273
وأمّا لو كان المراد منه التأبيد ، ويكون كناية عنه ، فهو داخل في المعلوم ظاهراً .
ويحتمل أن يكون المراد ب- «المجهول» ما ذكر فيه وقت مجهول ؛ بمعنى أنّ الوقف إذا ذكر فيه الوقت ، فلا بدّ وأن يكون معلوماً ، وأمّا مع عدم ذكر الوقت فيه - كالوقف على الذرّية نسلاً بعد نسل ؛ ممّا لم يذكر فيه وقت - فهو خارج عن مفاد الرواية .
ويؤيّده قوله : «جهل مجهول» لأنّ التأكيد شاهد على أنّ الوقت مغمور في الجهالة ، كما لو وقف في وقت ما ، ولم يذكر فيه أحداً .
وعلى هذا : لا منافاة بينها وبين صحيحة الصفّار ، التي هي ظاهرة الدلالة في صحّة الوقف كذلك .
فتحصّل ممّا ذكرنا : صحّة الوقف المنقطع ، سواء كان وقفاً على شخص ، أو على طبقة موجودة ، أو على الذرّية طبقة بعد طبقة ؛ ممّا تكون في معرض الانقراض .
ثمّ إنّ المنقطع قد يكون على شخص فقط ، أو طبقة موجودة ، وقد يكون على الذرّية وأولادهم ، أو نسلاً بعد نسل ، كلّ ذلك منقطع وإن ناقشنا فيه سابقاً (1) .
وكيف كان : هل مقتضى القواعد صحّة بيع المنقطع مطلقاً ، أو لا كذلك ، أو يفصّل بين الوقف على الشخص أو الطبقة الموجودة ، وبين غيره ؟
ص: 274
الظاهر جواز البيع بحسب القاعدة - بلا عروض مسوّغاته - في الوقف على الشخص أو الطبقة الموجودة ، وعدم كون الوقف مانعاً عنه ، والمقصود هاهنا ذلك مع الغضّ عن لزوم الغرر ، وذلك لأنّ المقتضي موجود ، وهو مالكية الواقف ؛ لعدم خروجه عن ملكه في تلك الصورة ، والمانع مفقود من جهة الوقف ؛ لأنّ بيع العين لا ينافي درّ المنفعة على الموقوف عليه ما دام وقفاً ، فيكون كبيع العين المستأجرة .
وكذا لو قلنا : بمالكية الموقوف عليه ملكاً مطلقاً ، وأمّا لو قلنا : برجوعه إلى الواقف ، فلا يصحّ إلاّ مع اجتماعهما عليه .
نعم لو قلنا : بأنّ عدم النقل مأخوذ في ماهية الوقف ، وأنّ الواقف جعل الوقف ممنوعاً عن النقل ، فلا يصحّ بيعه مطلقاً ، ولا بدّ من عروض المسوّغات ، وكذا لو قلنا : بأنّ الوقف في مثله أيضاً فكّ .
وكذا لو قلنا : بإطلاق قوله عليه السلام : «لا يجوز شراء الوقف»(1) ، بل في بعض النسخ ك- «التهذيب» : «الوقوف» بلفظ الجمع(2) ، ولا إشكال في شموله للمنقطع بأقسامه، فيظهر منه أنّ الوقف منافٍ للبيع بحسب الشرع، أو أنّ حكمه عدم صحّته.
نعم ، بناءً على ما قدّمناه من عدم الإطلاق(3) ، يكون بيعه صحيحاً؛ للعمومات ، وأمّا بناءً على نسخة «الوقوف» فيكون الجمع دالاًّ على العموم بالدلالة اللفظية ،
ولا يتوقّف على مقدّمات الإطلاق ، لكن بعد اختلاف النسخ ، والقطع بعدم تعدّد
ص: 275
الرواية ، لا حجّة بالنسبة إلى موارد الشكّ .
ويظهر من ذيل صحيحة ابن مهزيار المكاتبة(1) ، أنّ بيع الوقف المنقطع أيضاً غير جائز في نفسه ، بل يحتاج إلى المسوّغ ؛ حيث إنّ الظاهر منها الوقف على الطبقة الحاضرة ، ومع ذلك علّل الجواز ب- «أ نّه ربّما جاء في الاختلاف تلف النفوس والأموال» ولو كان البيع جائزاً بلا مسوّغ ، لم يحسن التعليل .
إلاّ أن يقال : إنّ التعليل لأمثلية البيع ، لا لأصله ، مضافاً إلى ما مرّ من الإشكالات عليها (2) .
وربّما يؤيّ-د جواز بيع المنقطع بإشعارات ، واردة في أوقاف بعض الأئمّة عليهم السلام ، كقوله عليه السلام : «هي صدقة بتّاً بتلاً ، في حجيج بيت اللّه ، وعابري سبيله ، لا تباع ، ولا توهب ، ولا تورث»(3) ونحوه غيره(4) .
فإنّ قوله عليه السلام : «لا تباع ، ولا توهب» إن كان وصفاً أو حكماً للصدقة البتّة البتلاء ؛ أي المنقطع عن صاحبه ، يستشعر منه أنّ الوقف المنقطع - مثل الوقف على طبقة موجودة فقط ، أو مع طبقة اُخرى ، أو على شخص ؛ بما لا يخرج الوقف عن ملك الواقف - ليس حكمه ذلك ، فتأمّل .
ص: 276
ثمّ إنّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه ، ذهب إلى عدم جواز بيع الموقوف عليهم ، سواء قلنا : بملكيتهم ملكاً مستقرّاً ؛ بحيث ينتقل منهم عند انقراضهم إلى ورثتهم ، معلّلاً : باعتبار الواقف بقاءه في يدهم إلى انقراضهم .
أم قلنا : بعدم استقرار ملكهم ، ورجوعه إلى الواقف وإن أجاز الواقف ، معلّلاً : بمنافاته لاعتبار الواقف في الوقف بقاء العين ، وإلى عدم جواز بيع الواقف وإن أجاز الموقوف عليه(1) .
وفيه : أ نّه إن كان مراده في الموضعين ، لزوم بقاء العين في يد الموقوف عليهم لاستيفاء المنافع ، كما هو ظاهر عبارته الاُولى ، فهو لا يمنع عن بيعهم مع استقرار ملكهم ، كما في العين المستأجرة ، فيصحّ بيعها ، ويجب إبقاؤها في أيدي الموقوف عليهم ، ولو كان ذلك مانعاً ، للزم بطلان بيع الواقف على القول : ببقاء ملكه ، مع عدم ذهابهم إلى بطلانه من جهة الوقف .
وإن كان المراد لزوم بقاء الوقف ، وعدم جواز نقله ؛ وذلك لاعتبار الواقف بقاءه ، كما هو ظاهر عبارته الثانية ، فهو مع كونه مخالفاً لمبناه(2) وللواقع - فإنّ اعتبار عدم النقل ليس من منشآت الواقف ، والأغراض لا تدخل في المنشآت - يرد عليه ما تقدّم آنفاً بالنسبة إلى بيع الواقف .
ولو قيل : إنّ الوقف لو كان ملكاً للموقوف عليهم فلا يكون ملكاً طلقاً ،
ص: 277
ولذلك لا يجوز لهم بيعه .
يقال : إنّ عدم الطلقية إن كان لأجل اشتراك غيرهم معهم فعلاً ، أو لأجل تعلّق حقّه به ، فهو مسلّم ، لكن المقام ليس كذلك .
وإن كان لأجل أنّ نحو الملكية في الوقف مع الملكية في غيره مختلفان ، فهو غير مرضيّ .
وإن كان لأجل أنّ عدم النقل مأخوذ فيه ، فهو أفحش .
ثمّ إنّه لو قلنا : إنّه ملك للموقوف عليهم ، ويرجع بعد انقراضهم إلى الواقف أو ورثته ، فلا يجوز لواحد منهما الاستبداد ببيعه ، ولكن مع اتّفاقهما لا وجه لبطلانه ، سواء قلنا : بالتمليك المحدود وبقاء ملكية ما بعد الانقراض للواقف ، أم قلنا : بملكيته للموقوف عليهم مطلقاً ، وأنّ للواقف حقّاً متعلّقاً به ؛ أي حقّ رجوعه إليه .
ولو قلنا : إنّ المنقطع يرجع بعد انقراضهم إلى سبيل اللّه ، فلا يجوز بيعه ؛ لعدم الملك التامّ لواحد منهما ، لكن يجوز مع الاستئذان من الحاكم ؛ لأنّ العين ليست وقفاً دائماً ، ولا بحكمه ، بل لمّا لم يكن لها صاحب تقع نفس العين في سبيل اللّه .
بل الظاهر صيرورتها للإمام عليه السلام ؛ فإنّ كلّ ما لا مالك له فهو له ، على ما يستفاد من روايات الأنفال(1) فأمره إلى الحاكم ، أو يكون الشيعة مجازين في التصرّف فيه .
وأمّا المنقطع الذي للذرّية نسلاً بعد نسل؛ فلا يجوز بيعه إلاّ بأحد المسوّغات.
ص: 278
ومن أسباب خروج الملك عن كونه طلقاً كونه رهناً ، كما حكي الاتّفاق بل الإجماع(1) عليه .
وعن «المختلف» : أ نّه أرسل عن النبي صلي الله عليه و آله وسلم : «أنّ الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرّف»(2) .
وعن ابن أبي جمهور في «درر اللآلي» عن النبي صلي الله عليه و آله وسلم أ نّه قال : «الراهن والمرهون ممنوعان من التصرّف في الرهن»(3) والمراد من «المرهون» المرتهن ، ولعلّه تصحيف .
ص: 279
بل لعلّ عدم جواز التصرّف في متعلّق حقّ الغير عقلائي .
بل لعلّه مفهوم من مثل قوله عليه السلام «لا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه»(1) بإ لغاء خصوصية المال ، ولهذا لا يجوز التصرّف في ملكه وإن لم يكن مالاً ، وهو المتفاهم من الرواية ، وكذا متعلّق حقّ الغير ، كالتصرّف في الخمر التي اُخذت للتخليل ، المتعلّق بها حقّ الاختصاص .
وعدم جوازه ليس لأجل مزاحمة حقّ المرتهن ، حتّى يقال : إنّ البيع لا يزاحمه إذا رضي المشتري بكون العين رهناً (2) ، بل لأجل كونه تصرّفاً في متعلّق حقّ المرتهن ، فلا يجوز ، كما لا يجوز التصرّف في أموال الناس ، أو موارد حقوقهم - نحو حقّ الاختصاص ، وحقّ التحجير - ولو مع عدم المزاحمة .
ومع ذلك ، فقد ادّعي الإجماع وعدم الخلاف على عدم جواز التصرّف في الرهن ، زاحم حقّه أم لم يزاحم ، وقد أعرضوا (3) عن الرواية الصحيحة الصريحة في جواز بعض التصرّفات غير المزاحمة ، كوط ء الجارية(4) .
ثمّ لو قلنا : بأنّ عدم الجواز إنّما هو في مورد المزاحمة ، فالظاهر صحّة البيع من غير اعتبار إجازة المشتري ورضاه ؛ فإنّ البيع إذا وقع على المرهون لا يبطل
ص: 280
الرهن، كالعين المستأجرة ، بل تكون العين منتقلة إلى المشتري مع كونها متعلّقة لحقّ الرهن ، ومع جهله يكون له خيار الفسخ ، فما في بعض الكلمات ؛ من اعتبار رضا المشتري ببقائه على الرهانة(1) ، في غير محلّه .
ثمّ إنّه وقع الكلام بين الأعلام ، في أنّ بيع الراهن هل يقع باطلاً غير قابل للإجازة ، أو يقع موقوفاً على الإجازة ، أو فكّ الرهن ؟
والأقوى هو الثاني ؛ للعمومات السليمة عن المخصّص .
وقد يستشكل في صحّة التمسّك بها : بأنّ الرهن إذا كانت حقيقته الحبس على الدين وعن التصرّفات ، فنفوذها بسببها يمنع عن نفوذ البيع عقلاً ، لا جعلاً شرعاً ، فلا تنويع ، حتّى يكون البيع الوارد على الرهن المتعقّب بالإجازة أو الفكّ ،
داخلاً في النوع الباقي تحت عموم البيع بعد خروج الرهن غير المتعقّب بما ذكر ؛ حيث لا يعقل إطلاقه لما ينافيه عقلاً ، ليتنوّع بدليل الرهن المخرج لنوع منه(2) .
وأنت خبير بما فيه ؛ ضرورة أنّ جواز التمسّك بالعمومات والإطلاقات ، غير متوقّف على التنويع الشرعي ، بل هي محكّمة في غير مورد الخروج عقلاً ، سواء كان بالتخصّص ، كما إذا كانت القرينة العقلية حافّة بالكلام ، أم بالتخصيص ، كما إذا لم تكن حافّة بالكلام ، وحديث امتناع الإطلاق لما ينافي العقل ، إنّما هو في الفرض الأوّل ، لا الثاني ؛ لأنّ العموم والإطلاق القانونيين
ص: 281
لا مانع منهما ، والممتنع هو الإطلاق عن جدّ .
وكيفما كان : إنّ المانع من أخذ العموم والإطلاق ، إنّما هو في العقد بلا إجازة المرتهن ، ولا فكّ الرهن ، وفي غير موردهما يصحّ التمسّك بهما لإنفاذ البيع .
وبالجملة : لا فرق بين العقد على مال الغير الخارج عن العمومات عقلاً ، وبين متعلّق حقّه ، في جواز التمسّك بالعمومات مع رفع المانع .
ويظهر منه في باب الفضولي ، أنّ الوجه في عدم جواز التمسّك بعموم )أَوْفُوا بِالْعُقُودِ((1) أنّ البيع والرهن كلّ منهما عقد يجب الوفاء به ، ولكن كانا متمانعين متزاحمين ، فلا يعمّهما العامّ مع عدم الترجيح .
وحيث إنّ المفروض سبق حقّ الرهن ، فلا يعقل شمول العامّ للفرد المزاحم عقلاً ، ولم يوجد بعد زوال الحقّ فرد من العقد ، حتّى يعمّه العامّ من الأوّل .
بخلاف مورد تخصيص العامّ وتقييد المطلق ؛ فإنّهما يوجبان تضييق دائرته ، وتنويعه إلى كلّيين ، كدليل اعتبار الرضا أعمّ من المقارن والمتأخّر ، فإنّه يوجب تقيّد العقد الواجب الوفاء به ، بالمرضيّ به مقارناً أو لاحقاً ، فمتى وجد عقد ثمّ عقبه الرضا ، يوجد فرد يندرج تحت الكلّي الواجب الوفاء به(2) ، انتهى ملخّصاً .
وفيه : مضافاً إلى أنّ التنويع بحسب الإثبات ، يوجب سراية إجمال المخصّص إلى العامّ ، وهو خلاف التحقيق ، وإلى أنّ الإشكال بعينه وارد عليه في العقد الفضولي ؛ فإنّ العقد عند وجوده على النقل - كما هو محلّ كلامه - ليس مشمولاً لدليل وجوب الوفاء ، وحال تحقّق الرضا لم يوجد فرد من العقد ،
ص: 282
ولا يكون العقد المتعقّب بالرضا مشمولاً للدليل على النقل .
أنّ العقد المتحقّق من الراهن أو من الفضولي ، فرد من العقد ، باقٍ عرفاً إلى زمان الرضا ، وإلى زمان رفع المانع والمزاحم ، فقوله : «لم يوجد بعد زوال العقد فرد» خلط بين العموم الأفرادي ، وإطلاق كلّ فرد بالنسبة إلى الحالات العارضة له .
فالعقد المتحقّق فرد من العامّ ، وهو تمام الموضوع لوجوب الوفاء ، فإذا ابتلي بمزاحم لا يجب الوفاء به حال المزاحم ، وإذا رفع يجب الوفاء ؛ لوجود المقتضي - وهو كونه عقداً - ورفع المانع .
وبعبارة اُخرى : إنّ للعقد بقاءً عقلائياً إلى زمان زوال المانع ، كما أنّ للعقد الفضولي بقاءً كذلك إلى زمان الإجازة ، وبعد رفع المانع في عقد الرهن ، وتحقّق الإجازة في الفضولي ، يجب الوفاء به .
ويؤيّد المطلوب : التعليل الوارد في نكاح العبد بلا إذن مولاه ب- «أ نّه لم يعصِ اللّه ، إنّما عصى سيّده ، فإذا أجازه فهو له جائز»(1) فإنّ العصيان التكليفي غير قابل للإجازة ، وغير مناسب للمقام ، بل المراد أ نّه عصاه وأوقع النكاح بلا إذنه ، فإذا أذن جاز ، حيث يظهر منه أنّ ما هو موقوف على إجازة من له الإجازة يصحّ بها ، بناءً على الإسراء من النكاح إلى البيع ونحوه .
ويستفاد منه أنّ كلّ عقد كان النهي عنه لحقّ آدمي ، إذا لحقه رضاه ، أثّر أثره .
ص: 283
وقد يستشكل فيه : بأنّ الحقوق حيث كانت مختلفة ، فبعضها قابل للارتفاع بإذن من له الحقّ ، وبعضها غير قابل ، وكون المورد من الأوّل أو من الثاني غير معلوم ، فلا يجوز التمسّك بعموم التعليل(1) .
وفيه : أ نّه بعد فرض استفادة ذلك العموم من التعليل ، لا مجال للإشكال ؛ فإنّه يرفع الشكّ في القابلية ، كما إذا ورد : «أنّ كلّ حيوان قابل للتذكية» فإنّ كون بعض الحيوانات غير قابل لها - بدليل شرعي مخصّص للعامّ - لا يوجب عدم التمسّك به في مورد الشكّ .
وأمّا الإشكال في استفادة العموم ، فهو أمر آخر ، تقدّم الكلام فيه في الفضولي(2) .
ويؤيّده أيضاً : فحوى أدلّة صحّة الفضولي .
وقد يقال : إنّ الفحوى بملاحظة أنّ بيع ملك الغير إذا صحّ بالإجازة ، فبيع ما تعلّق به حقّه أولى بالصحّة ؛ لأنّ الحقّ أضعف من الملك ، إلاّ أنّ الفحوى بملاحظة شمول القاعدة المقتضية للصحّة لما نحن فيه بالأولوية ، والقاعدة إنّما تعمّ الحقّ الذي يكون نقله إلى الغير منوطاً برضاه ، المعتبر في الحلّ والنفوذ ، كحقّ الاختصاص ، لكن رضا المرتهن ليس من هذا القبيل ، فإنّه ليس لأجل تحقيق الانتساب ، بل لمجرّد رعاية كونه ذا حقّ(3) .
وفيه : أنّ تفسير الأولوية بما ذكر غير وجيه ، وإلاّ فأضعفية الحقّ من الملك
ص: 284
لا توجب الأولوية ؛ لأنّ اعتبار رضا صاحب الحقّ كاعتبار رضا المالك ، بلا افتراق بينهما ، وتصحيح الإجازة لنقلهما على حدّ سواء .
وبالجملة : ما هو المعتبر في صحّة الفضولي ، لا تفترق فيه القوّة والضعف في المتعلّق ، بل المراد من الأولوية ، أنّ الإجازة إذا صحّحت بيع الفضولي الذي لا اقتضاء له للنقل ، أو لا يكون تامّ الاقتضاء ، فتصحيحها لما نحن فيه أولى ؛ فإنّ المقتضي موجود ، ولانقص فيه ، وإنّما وجود الحقّ الذي هو بمنزلة المانع ، يمنع التأثير ، فإذا زال يؤثّر أثره ، فالأولوية بهذا المعنى وجيهة ، والإشكال غير وارد .
ثمّ إنّ المحقّق صاحب «المقابس» رحمه الله عليه ، بعد تقريب الصحّة بوجوه كثيرة ، قد استقرب البطلان من الأصل ، بما لا يخلو التعرّض له من فائدة .
قال في صدر كلامه في مقام إثبات تعلّق النهي بتصرّفات الراهن : نقل جماعة الإجماع على كونه ممنوعاً من التصرّف(1) ، واتّفقت كلمة الأصحاب عليه كما سبق(2) ، وحكى الشيخ قدّس سرّه ورود الأخبار بذلك(3) ، ونقل العلاّمة رواية نبوية فيه(4) ، وأ نّه المناسب للغرض الباعث على وضع عقد الرهن .
ثمّ استنتج بطلان البيع ؛ لاقتضاء تعلّق النهي به ، لا لأمر خارج عنه وإن كان
ص: 285
لحقّ الغير ، كما في بيع اُمّ الولد والوقف ، فإنّهما أيضاً لحقّ الغير(1) .
وهذا الصدر مع الغضّ عن ذيله ، يمكن تقريبه للبطلان : بأنّ المفروض ثبوت ورود : «أنّ الراهن ممنوع من التصرّف» والممنوعية منه إذا اُضيفت إلى التصرّفات الخارجية - كالركوب ، والسكنى ؛ ممّا لها نفسية - يستفاد منها الحرمة التكليفية .
وإذا اُضيفت إلى أمثال المعاملات ؛ ممّا يتوسّل بها إلى الصحّة ، يستفاد منها البطلان والحكم الوضعي ، لا لاستعمال الألفاظ في الحكم التكليفي أو الوضعي ، بل لاستفادة ذلك من المناسبات العرفية ، كما أنّ الأمر كذلك في الأوامر ، والنواهي ، والحلّ ، والحرمة ، على ما أشرنا إليه مراراً (2) .
فحينئذٍ نقول : إنّ التصرّف أعمّ من الخارجي كالركوب ، والاعتباري كالبيع ، والممنوعية من الأوّل يستفاد منها عدم الجواز ، ومن الثاني عدم النفوذ والإرشاد إلى البطلان .
وفيه : - مع الغضّ عن المناقشة في ثبوت هذا الخبر - أنّ البطلان بمعنى عدم تحقّق النقل واقعاً ، وعدم ترتّب آثار العقد الصحيح عليه ، مسلّم لا يحتاج إلى تجشّم .
وأمّا عدم صلوحه للحوق الإجازة ، فلا دليل عليه ؛ لأنّ الإرشاد إلى بطلانه ، لا يدلّ على سقوط الألفاظ والعقد الإنشائي عن الاعتبار ، فلا دليل على كون عقد الراهن كعقد الصبيّ والمجنون ، بل لا معنى محصّل للإرشاد إلى
ص: 286
بطلان الألفاظ ، أو النقل الإنشائي بما هو .
بل معنى الإرشاد إلى البطلان ، أنّ العقد لا يترتّب عليه الأثر المطلوب منه ؛ أي النقل الحقيقي عند العقلاء أحياناً ، وعند الشارع في موارد .
وبالجملة : إنّ قوله صلي الله عليه و آله وسلم : «الراهن ممنوع من التصرّف»(1) كقوله عليه السلام : «لا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه»(2) بناءً على شموله للتصرّف الاعتباري، وكونه إرشاداً إلى البطلان، ونظير قوله عليه السلام : «لا بيع إلاّ فيما تملك»(3) إذا كان إرشاداً إلى بطلانه من غير المالك ، حيث لا يدلاّن على بطلان البيع من رأس ، وسقوط الألفاظ والبيع الإنشائي عن الاعتبار ؛ بحيث لا يصحّ بالإجازة .
هذا ، ويمكن تقريب البطلان في كلامه : بأنّ قوله صلي الله عليه و آله وسلم : «الراهن ممنوع من التصرّف» لا إشكال في شموله للتصرّفات الخارجية ، ولا إشكال في دلالته على الحرمة التكليفية فيها ، ومع شموله للعقود والإيقاعات ، تكون تلك التصرّفات أيضاً محرّمة مبغوضة ، ومع تعلّق النهي التحريمي بها - لا بأمر خارج - تقع باطلة لا يمكن لحوق الإجازة بها ؛ لأنّ المنهيّ عنه لا يعقل تنفيذه .
وفيه : - مضافاً إلى أنّ النهي إذا تعلّق بالمسبّب ، فلا يعقل أن يكون غير واقع ؛ لعدم القدرة عليه ، فالنهي دليل على صحّته ، وإذا تعلّق بالسبب لا ينافي النفوذ الوضعي بالأدلّة العامّة - أ نّه يمكن أن يقال : إنّ النهي إنّما تعلّق
ص: 287
بأمر خارج ، وهو عنوان التصرّف .
ومعلوم : أنّ هذا العنوان غير عنوان البيع ، وبينهما العموم من وجه وإن تصادقا في الخارج ، فيكون ذلك نظير الصلاة والغصب .
مضافاً إلى أنّ نفس إيقاع العقد ، ليس تصرّفاً ، ولا محرّماً ، ولا مبغوضاً ، وقوله : «إنّ المالك محجور»(1) إن كان المراد أ نّه محجور حتّى عن إيقاع صيغة البيع مع عدم تأثيره ، فهو ممنوع .
وإن كان المراد : أ نّه محجور عن نقله ، فهو مسلّم ؛ لتعلّق حقّ الغير به ، وأمّا في صرف العقد فلا حجر عليه ، وليس تصرّفاً في الرهن ، فيكون حال الراهن كالمرتهن ؛ حيث إنّهما ممنوعان من التصرّف ، وغير ممنوعين من إيقاع العقد متوقّعين للإجازة .
ثمّ إنّه قدّس سرّه تمسّك باُمور في ضمن الإشكال والردّ(2) - قد مرّ الجواب عنها في الفضولي(3) - . . . إلى أن قال ما حاصله : فالذي يظهر من تتبّع الأدلّة ، أنّ عقد الأصيل لا يقع على وجهين ، بل يكون إمّا فاسداً ، أو صحيحاً (4) .
وفيه : أ نّه على فرض أنّ التتبّع في الموارد الخاصّة كان حاصله ذلك ، لكن لم يدلّ دليل على عدم وقوع عقد المالك مراعىً بالإجازة ، فمقتضى العمومات صحّته .
ص: 288
ثمّ إنّه وقع الكلام من الأعلام : في جريان نزاع الكشف في المقام :
فمن قائل : إنّ مقتضى القاعدة هاهنا الكشف ، وفي الفضولي النقل ؛ لأنّ العقد هاهنا عقد المالك ابتداءً ، ومقتضى عموم دليل (أَوْفُوا . . .)(1) الكشف ، بعد عدم القطع بخروج ما عدا صورة عدم لحوق الإجازة رأساً (2) ، ويظهر جوابه ممّا يأتي(3) .
ومن قائل : بعدم جريان النزاع في المقام(4) .
ومن قائل : إنّ المقام مثل الفضولي ؛ بلا افتراق من هذه الجهة بينهما (5) .
والتحقيق أن يقال : إنّه إن قلنا بأن لا منافاة بين حقّ الرهن والنقل ؛ لعدم بطلان الرهن بالنقل كالبيع ونظائره ، فينتقل المرهون إلى المشتري متعلّقاً لحقّ الرهن ، وإنّما صار موقوفاً على الإجازة ، لا لإسقاط حقّ الرهن ، بل لأنّ الراهن ممنوع من التصرّف ، فالإجازة ممّن له الإجازة لتصحيح العقد ، فلا ينبغي الإشكال في جريان النزاع فيه ؛ لأنّ عمدة دليلهم على الكشف - وهو أنّ الإجازة تعلّقت بالعقد الموجود في الزمان السابق ، ومقتضى ذلك تنفيذه من ذلك
ص: 289
الزمان(1) - جارٍ فيه ، وكذا سائر الأدلّة .
ومع القول : بأنّ مقتضى القاعدة النقل ، يمكن استفادة الكشف من بعض الأخبار بالفحوى ، كما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه (2) ، وإن كان في استدلاله نظر .
وأمّا إن قلنا : بأنّ حقّ الرهن مانع عن النقل ؛ لمنافاة النقل للرهن ، وما دام كونه مرهوناً لا يقع العقد صحيحاً ، وإنّما يصحّ بالإذن ابتداءً ؛ لأنّ لازمه العرفي إسقاط الحقّ ، فيقع بلا مانع ، فاللازم عدم صحّ-ة الكشف ؛ لأنّ الإجازة لا يعقل أن تكون دالّة على إسقاط الحقّ الثابت الذي مضى الزمان عليه ؛ لامتناع كون الإسقاط فعلاً موجباً للسقوط في الزمن الماضي .
نعم ، لو دلّ دليل على الكشف في خصوص المقام ، لالتزمنا بالسقوط التعبّدي ، لا الحقيقي ، وهو مفقود .
ومن ذلك يظهر عدم صحّة دعوى الفحوى في الفرض(3) ؛ لأنّ الصحّة ليست موقوفة على الإجازة ، بل موقوفة على سقوط الحقّ ، وهو غير ممكن في فرض ، وغير حاصل في آخر .
وممّا ذكرنا ، يظهر النظر في غالب ما أفادوا من النفي والإثبات بقول مطلق .
ولمّا كان التحقيق عدم منافاة النقل لبقاء حقّ الرهانة ، ولا مانع من رهانة مال الغير في القرض ، فاللازم جريان نزاع الكشف في المقام ، فهل الكلام في
ص: 290
الإجازة بعد الردّ هنا كالفضولي مطلقاً ، أو لا مطلقاً ؟
أو يفصّل بين ما إذا كانت الإجازة بنفسها معتبرة ، كما إذا قلنا : بأنّ النقل لا ينافي الرهن ، والإجازة ليست لأجل إسقاط الحقّ بها ، فيكون الكلام فيه كالفضولي ، وبين ما إذا كانت الإجازة لأجله ، والمعتبر سقوط الحقّ وفكّ الرهن ؛ للتنافي بين النقل والرهن ، فلا يكون الردّ مانعاً عن الإجازة ؟
وجوه ، أوجهها أوسطها ؛ لأنّ الوجه في هدم الردّ عقد الفضولي ، هو أنّ إجازة المجيز بمنزلة قبول القابل ، وأ نّها تجعل المجيز أحد طرفي العقد ، ولا إشكال في أنّ من شروط العقد ، أن لا يحصل بين طرفيه ما يسقطهما عن صدق «المعاقدة» و«المعاهدة» .
بل على ما قرّرنا في محلّه : من أنّ الإجازة هي قبول ما أوجده الموجب بإيجابه ، والإيجاب تمام ماهية المعاملة ، وقبول الفضولي ممّا لا أثر له ؛ فإنّ إيقاع المعاملة - أي المبادلة بين المثمن والثمن - إنّما هو بفعل الموجب ، واعتبار القبول من المالك ليس لأجل تتميم الإيقاع ، بل لأجل تحقّقه الاعتباري عند العقلاء(1) .
ولهذا قلنا : لو وكّل الأصيلان شخصاً لإيقاع المعاملة ، فقال : «بعت هذا بهذا»
تمّت ، ولا تحتاج في تحقّقها إلى قبول(2) .
فلو أوجب الفضولي الموجب المعاملة ، يكون إيقاعها تامّاً ؛ لا يحتاج إلى ضمّ القبول ، وقبول الأجنبيّ غير الأصيل لغو ؛ لا يكون دخيلاً في إيقاع المعاملة ،
ص: 291
ولا أثر له في تحقّقها ، وإنّما المؤثّر إجازة المجيز ، سواء وقعت بلفظ «الإجازة» أو بلفظ «القبول» أو نحوهما ممّا يفيد الرضا بإيجاب الموجب .
فحينئذٍ لو شرطنا في الإجازة أن لا يسبقها الردّ ، فإنّما هو لكون الإجازة قبولاً ، والمجيز طرف المعاملة حقيقة ، فيكون ردّه هادماً ومخرجاً للمتعاملين عن صدق «المعاقدة» بينهما .
وأمّا إجازة المرتهن ، فلا تجعل المجيز طرفاً للمعاقدة ؛ فإنّ المعاقدة إنّما هي بين المالك والمشتري ، واعتبار إجازة المرتهن إنّما هو لكونه صاحب الحقّ ، فهي شرط خارجي ، لا يجعل المجيز معاقداً وطرفاً للمعاقدة ؛ فإنّ العقد لم يقع على حقّه ، ولم ينتقل حقّه إلى المشتري حتّى يكون طرفاً ، فلا وجه لاعتبار عدم مسبوقيتها بالردّ ؛ لعدم كون ردّه هدماً ، ولا يخرج بردّه طرفا المعاملة عن صدق «المعاقدة» بينهما .
وأولى بذلك ما إذا قلنا : بأنّ الإجازة غير معتبرة بنفسها ، بل المعتبر سقوط الحقّ وفكّ الرهن ؛ فإنّ هدمه بالردّ الذي هو راجع إلى عدم إسقاط حقّه ، ممّا لا وجه له .
ثمّ إنّ فكّ الرهن بعد العقد ، يوجب صحّة المعاملة ؛ لإطلاق وجوب الوفاء بالعقود ، فإنّ أفراد العقد داخلة في العموم الأفرادي ، وكلّ فرد تمام الموضوع لوجوبه ، بعد كون المتكلّم في مقام البيان .
وهو معنى الإطلاق ، لا العموم الزماني ، أو العموم الأحوالي ، كما هو معروف
ص: 292
عندهم ؛ لأنّ الإطلاق بعد تمامية مقدّماته أيضاً لا يصير عامّاً ، بل حينئذٍ يحكم بأنّ الماهية تمام الموضوع للحكم .
فإذا قيّد بقيد بدليل ، كقوله صلي الله عليه و آله وسلم في المقام : «الراهن ممنوع من التصرّف»(1) يؤخذ به ، ومفاده ليس إلاّ الممنوعية ما دام الرهن ، وبعد فكّه لا يكون مشمولاً للدليل المقيّد ، فيؤخذ بالإطلاق ، من غير فرق بين الحالات العرضية وغيرها ، وقد تقدّم في ذلك بعض الكلام مع بعض الأعلام(2) .
وهل يجري نزاع الكشف هاهنا ، أو لا بدّ من القول بالنقل ؟
ظاهر الشيخ الأعظم قدّس سرّه بعد اختيار النقل ، أ نّه لو كان المستند في الكشف ، هو أنّ مقتضى مفهوم «الإجازة» إمضاء العقد من حينه ، فلا يكون ذلك متحقّقاً في الافتكاك .
ولو كان المستند فيه أنّ العقد سبب تامّ . . . إلى آخر ما في «الروضة» فيدلّ على الكشف(3) .
أقول : يمكن المناقشة في الفرض الأوّل ، بأنّ التفصيل بين الإجازة والفكّ على مبناه - من أنّ النقل منافٍ للرهن(4) - غير وجيه ؛ فإنّ الصحّة موقوفة على
ص: 293
سقوط الحقّ ، وهو غير معقول بالسبب المتأخّر .
ومع الغضّ عنه ، يمكن الإشكال في الفرض الثاني ؛ فإنّ المستند :
إن كان ما عن «جامع المقاصد»(1) و«الروضة»(2) : من أنّ العقد سبب تامّ في الملك ؛ لعموم قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(3) وتمامه في الفضولي يعلم بالإجازة ، يمكن تقريبه بوجه لا يرد ما هو ظاهر الورود عليه :
بأن يقال : إنّ الإنشاء تعلّق بنفس التمليك ؛ من غير تقيّد بالزمان ، فلا يكون زمان العقد أو غيره ، داخلاً في المنشأ وإن كان ظرفاً له ، والإجازة إن تعلّقت بنفس ما تعلّق به الإنشاء - أي الملك المرسل المنطبق على الزمان الماضي ، من غير تقييد به - يكون مقتضاه تحقّق ما اُنشئ بالعقد ، وهو لا ينطبق إلاّ على الزمان الماضي ، ولو أجاز متقيّداً بالزمان ، لم تكن إجازته متعلّقة بما اُنشئ .
ولست بصدد تصحيح هذا الوجه ، لكن بهذا التقريب لا يتوجّه إليه ما أفادوا من ظهور الفساد(4) ، وعليه تكون الإجازة كاشفة ، دون فكّ الرهن ؛ لعدم جريان ما ذكر فيه .
وإن كان ما أفاده فخرالدين : من أ نّه لولا الكشف لزم تأثير المعدوم في الموجود(5) ، فتقريبه : أ نّه بعد قيام الدليل على صحّة الفضولي ، وقيام الدليل
ص: 294
العقلي على بطلان النقل - وهو تأثير المعدوم في الموجود - لا محيص عن القول : بأنّ المؤثّر العقد المتعقّب بالإجازة ، وهو معنى الكشف .
وهذا المعنى لا يجري في المقام على فرض كون حقّ المرتهن مانعاً عن الصحّة ، ومنافياً للبيع والنقل ؛ فإنّ تعقّب العقد بالإجازة - مع الغضّ عن الإشكال الذي ذكرناه في محلّه(1) - يمكن أن يكون مصحّحاً ، وأمّا سقوط الحقّ فلا يعقل بالإسقاط المتأخّر ، واحتمال كون العقد المتعقّب بالفكّ موجباً له ، بطلانه واضح .
فحينئذٍ لو دلّ دليل بالخصوص ، على صحّة بيع الرهن فضولاً بنحو الكشف ، لا بدّ من القول : بالسقوط التعبّدي ؛ أي جريان حكم السقوط من أوّل الأمر تعبّداً .
وأمّا مع فقده ، فالأمر على تقريب الفخر قدّس سرّه ، دائر بين تأثير العقد زمان الفكّ ، وهو ممتنع ، أو تأثير الفكّ في زمان العقد ، وهو كذلك بعين ما ذكره ؛ أي تأثير المعدوم في الموجود ، أو تأثير الفكّ حال وجوده في المتقدّم ، وهو أيضاً محال ، فلا محيص عن القول : ببطلان الفضولي في باب الرهن .
وكيف كان : لا تقتضي تلك الأدلّة الكشف ، كما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه .
ثمّ على القول بالكشف ، فإن قلنا : بأنّ الرهانة لا تنافي النقل ، والعين تنتقل إلى المشتري مرهونة ، فاللازم وجوب الوفاء من قبل الراهن لو علم بتحقّق الإجازة ، ومن قبل المشتري أيضاً لو كان عالماً بالواقعة ، وإلاّ فله الخيار .
وإن قلنا : بالمنافاة فلا موضوع لوجوب الوفاء .
ص: 295
إلاّ أن يقال : بأنّ الإجازة كاشفة عن سقوط الحقّ تعبّداً ؛ إذ مع رفع المانع تعبّداً ، يتحقّق النقل ، ويجب الوفاء .
ثمّ على فرض عدم الفكّ ، فإن قلنا : بعدم المنافاة بين الرهن والبيع ، لا يجب على البائع فكّ الرهن ، بل يجب تسليم العين المرهونة ، وللمرتهن استيفاء دينه منها لو لم يؤدّه الراهن ، وبعد الاستيفاء يرجع المشتري إلى البائع في مقدار الدين ، مع علمه بالواقعة ، وإلاّ فله الفسخ والرجوع إلى ثمنه ، وله الإبقاء والرجوع إلى مقدار الدين .
وإن قلنا : بالمنافاة والكشف التعبّدي عن سقوط الحقّ ، فاللازم وجوب الوفاء ، ولا موضوع لوجوب الفكّ ، فما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه في المقام(1) ، لا يخلو من خلط .
وقد سبق منّا : أنّ إبقاء العقد ليس وفاء به ، بل الوفاء هو العمل بمضمون العقد
تامّاً ، كالوفاء بالنذر ، والعهد ، ونحوهما (2) ، فمع تحقّق النقل يجب الوفاء ، ومع عدمه لا موضوع له .
وبالتأمّل فيما قلناه ، يظهر النظر في بعض الفروع التي تعرّض لها الشيخ رحمه اللّه تعالى(3) .
ص: 296
ص: 297
ص: 298
قالوا : ومن شروط العوضين القدرة على التسليم(1) ، وقد اختلفت تعبيراتهم فيه :
ففي «الشرائع» : الثالث من الشروط ، أن يكون المبيع مقدوراً على تسليمه(2) ، وهو أنسب بالمقام .
وفي «القواعد» : من شروط العوضين القدرة على التسليم(3) .
وهل القدرة عليه من شروط العوضين ، أو من شروط المتعاملين ؟ فيه كلام ، وينبغي إيضاح ما هو الشرط حتّى يتّضح الحال .
ص: 299
فنقول : عمدة أدلّتهم على اعتبار هذا الشرط هو الحديث المعروف : «نهى النبي صلي الله عليه و آله وسلم عن بيع الغرر»(1) .
كما قال الشيخ الأعظم قدّس سرّه : إنّ الظاهر اتّفاق أصحابنا على الاستدلال به(2) ، ويظهر من السيّد في محكيّ «الانتصار» اتّفاق العامّة على الاستدلال به للمطلوب(3) .
وكيف كان : لا يصحّ الاستدلال به لاعتبار القدرة على التسليم ؛ لكفاية القدرة على التسلّم لرفع الغرر ، بأيّ معنىً فسّر ، ولو لم تكن القدرة على التسليم ، بل لو كان البائع مثلاً قادراً على التسليم ، لكنّ المشتري يعلم بعدم تسليمه بسوء اختياره ، أو يشكّ في تسليمه ، كان البيع غررياً .
ولا لاعتبار القدرة على التسلّم ؛ لكفاية العلم بحصوله في يده ولو لم يكن بفعل البائع ، ولا المشتري .
والذي يمكن أن يكون معتبراً أحد أمرين : إمّا العلم بالقدرة على التسلّم ، وإمّا العلم بحصوله في يده ، فمع فقدهما يتحقّق الغرر ، وبوجود أحدهما يرتفع .
ص: 300
والمعتبر هو العلم أو الاطمئنان ، لا نفس القدرة واقعاً ، ولا حصوله في يده كذلك ؛ لعدم رفع الغرر بوجودهما الواقعي .
فعلى ما ذكرنا : يعلم أ نّها شرط للعوضين ؛ لأنّ العلم بالحصول في يده يناسب ذلك ، وإن أمكن جعله باعتبار العلم شرطاً للمتعاملين ، والأمر سهل .
وقد يقال في مقام الاستدلال على كون القدرة شرطاً للعوضين : إنّ مناط مالية المال ، هو كونه بحيث يتسلّط مالكه على قلبه وانقلابه ، بأيّ نحو من أنحاء التصرّف .
ومع عدم تمكّنه من التصرّف فيه بنحو من الأنحاء - كالسمك في البحر ، والطير في الهواء - لا يعدّ من الجدة الاعتبارية ؛ فإنّ المال وإن لم يكن من الجدة الاصطلاحية ، إلاّ أ نّ-ه مثلها في مقام الاعتبار العقلائي . . . . إلى أن قال : وبالجملة مالية الأموال في عالم الاعتبار ، إنّما هي باعتبار كونها منشأً للآثار ، وإذا لم يكن كذلك فلا يعدّه العقلاء مالاً ، فهذا الشرط من شروط العوضين(1) ، انتهى .
وفيه ما لا يخفى من الخلط والتناقض ؛ فإنّ الظاهر من بعض كلامه ، أنّ المعتبر في اعتبار المالية تسلّط المالك مطلقاً ، ومن بعضه أنّ المعتبر في نفي المالية ، عدم تمكّنه من التصرّف فيه بنحو من الأنحاء ، كالطير في الهواء .
مضافاً إلى أنّ التمكّن من التصرّف وعدمه ، لا دخل لهما في المالية ، بل سلب جميع آثار الملكية موجب لسلب الملكية ، لا المالية ؛ ضرورة أنّ جميع الكنوز ،
ص: 301
والمخازن ، والمعادن تحت الأرض ، والحيتان في البحار ، والحيوانات البرّية الوحشية وأمثالها ، أموال ، ولأجل ماليتها تكون مورداً لرغبة البشر ، ولتحمّل المشاقّ في تحصيلها ، مع عدم كونها مضافة إلى أحد ، فالخلط إنّما وقع بين المالية والملكية .
كما أنّ الجدة الاعتبارية إنّما هي الملك لا المال ، فإنّه ليس شبيهاً بجدة حقيقية ، فلايكون جدة اعتبارية ، مع أنّ في كون الملك جدة اعتبارية ، منعاً أيضاً .
ثمّ إنّ اعتبار القدرة على التسليم إن كان لما ذكره ، ففيه : - مضافاً إلى أنّ رتبة الشرط بعد تمامية المعاملة من حيث المقوّمات، والمالية على ما ذكروا من مقوّماتها - أ نّ-ه قد مضى في أوّل شرائط العوضين اعتبار هذا الشرط(1) ، فلا وجه لتكراره .
هذا ، مع أنّ عدم القدرة على التسليم ، لا يساوق عدم القدرة مطلقاً ؛ لإمكان أن يكون المال تحت يده ، وله أنحاء التصرّفات ، ولكن لا يقدر على تسليمه إلى المشتري ؛ لجهات خارجية ، ككونه محبوساً ، أو كونه وراء البحار .
فالقدرة على التسليم المعتبر في البيع ، إنّما هي قدرة خاصّة ، ومقابلها سلب تلك القدرة ، وإن ثبتت له القدرة على سائر التصرّفات .
والظاهر أنّ منشأ خلطه هو المثالان المذكوران في عبارة الفقهاء ؛ أي السمك ، والطير(2) ، مع أنّ تعذّر التسليم أعمّ ، كما أنّ عدم اعتبار الملكية فيهما ليس على نحو الإطلاق ، فضلاً عن المالية .
ص: 302
ثمّ إنّ أصل اعتبار القدرة على التسليم ، أو الأعمّ منه ومن التسلّم ، أو الأعمّ منهما ومن الحصول في يد الطرف ، ممّا لا شبهة فيه ، وقد حكي تسالم الفريقين عليه(1) ، إلاّ أنّ الشأن في المستند .
وقد استند الفريقان - على ما حكي(2) - إلى النبوي المعروف ، وهو محكيّ مسنداً في «الوسائل»(3) و«المستدرك»(4) بأسانيد عديدة ، ولا إشكال في صحّة الاستناد إليه ، إلاّ أنّ في دلالته على المقصود إشكالاً ، منشؤه اختلاف معاني «الغرر» .
وقد ذكر له ولسائر مشتقّاته معانٍ كثيرة ، كالخدعة ، وإليها يرجع تفسيره بما يكون له ظاهر يغرّ المشتري ، وباطن مجهول ، كما في «المجمع»(5) وعن «النهاية»(6) والشهيد(7) .
ص: 303
والتعريض للهلكة ، كما في «أقرب الموارد»(1) و«المنجد»(2) ويظهر من «القاموس»(3) ، والظاهر أنّ تفسيره بالخطر(4) راجع إليه ، لا إلى ما ذكر من المعاملة المجهولة ذاتاً ، أو صفة ، أو حصولاً(5) ؛ فإنّ إطلاق الخطر عليها - ولا سيّما في غير المهمّات - بشيع ، فلا يقال لمن يشتري ثوباً أو خبزاً مع جهالة حصوله : «إنّه تعرّض للخطر أو الهلكة» .
نعم ، لو كانت المعاملة خطيرة ، ربّما يصحّ إطلاق الخطر ونحوه في موردها .
والغفلة كما في «الصحاح»(6) وغيره(7) .
وأمّا التفسير : بعمل ما لا يؤمن معه من الضرر(8) ، فهو ليس تفسيراً لغوياً ، ولو ثبت صدوره من المولى عليه السلام وجب التعبّد به ، لكنّه لم يثبت .
وما في «المستدرك» عن «دعائم الإسلام» عن أمير المؤمنين عليه السلام : أ نّه سئل عن بيع السمك في الآجام ، واللبن في الضرع ، والصوف في ظهور الغنم .
قال : «هذا كلّ-ه لا يجوز ؛ لأ نّ-ه مجهول غير معروف ، يقلّ ويكثر ،
ص: 304
كما أنّ المحكيّ(3) عن الأزهري من تفسيره : بما كان على غير عهدة ولا ثقة ، ليس تفسيراً لغوياً .
وليس في شيء من الكتب اللغوية تفسيره بالجهالة ؛ ضرورة أنّ العناوين المذكورة - حتّ-ى الغفلة - غير عنوان الجهالة ، فإرجاع الجميع إليها ، ثمّ تعميمها إلى الجهالة في الحصول(4) ، ممّا لا تساعده اللغة ولا العرف ، ومجرّد ملازمة بعض المصاديق للجهل أحياناً ، لا يوجب أن تكون العناوين المخالفة للجهل بمعناه .
مضافاً إلى أ نّه لو رجع الكلّ إلى الجهل ، لكان الحديث على خلاف المقصود أدلّ ، فلو ورد مكانه : «نهى النبي صلي الله عليه و آله وسلم عن بيع المجهول» لكان الظاهر منه الجهالة في المبيع أو الثمن ، لا في تسليمهما .
والعجب من الشيخ الأعظم قدّس سرّه حيث قال: «وبالجملة فالكلّ متّفقون على أخذ الجهالة في معنى الغرر ، سواء تعلّق الجهل بأصل وجوده ، أم بحصوله في يد من انتقل إليه ، أم بصفاته كمّاً وكيفاً»(5) لعدم ظهور ذلك من شيء من الكتب اللغوية .
ص: 305
ثمّ بعد الإشكال : بأنّ الغرر مختصّ بذات المبيع أو صفاته قال : «إنّ الخطر من حيث حصول المبيع في يد المشتري ، أعظم من الجهل بصفاته مع العلم بحصوله»(1) ضرورة أنّ الغرر إذا كان بمعنى الجهل ، فلا بدّ من ملاحظة عنوان «الجهل» لا الخطر ، ولا غيره .
فلو ورد : «نهى النبي صلي الله عليه و آله وسلم عن بيع المجهول» فهل يصحّ أن يقال : إنّ الجهل
بحصوله في يده أعظم من الجهل بالمبيع ، أم اللازم الاقتصار على الجهل بالمبيع ذاتاً وصفةً - على إشكال فيها سيأتي التعرّض له(2) - ولا يصحّ التعميم إلى ما هو خارج عنه ؟ !
نعم ، إشكاله وارد على القائل ؛ حيث أخذ في كلامه الخطر(3) ، وأمّا بحسب الواقع فغير مرضيّ .
ثمّ إنّ الالتزام بإرجاع جميع المعاني إلى معنى واحد - إمّا الجهالة(4) ، أو الخدعة(5) - لعلّ منشؤه الاحتراز عن الاشتراك اللفظي ؛ بتوهّم أ نّه خلاف الحكمة في اللغات .
ومنشأ هذا التوهّم ، تخيّل أنّ وضع لغات مشتركة ومترادفة ، كان في محيط واحد ، أو من شخص واحد ، مع أنّ الأمر ليس كذلك ؛ فإنّ المظنون - لو لم نقل :
ص: 306
إنّه المقطوع به - أنّ الطوائف المختلفة في البلاد النائية ، أو البراري المتشتّتة البعيدة ، كان لكلّ منها لغات خاصّة بهم ، فلمّا اختلطت الطوائف اختلطت اللغات ، فربّما بقي بعضها وصار لغة للجميع ، وربّما نسيت لغات الأصل ، كما حصل في اختلاط العرب بالفرس ، ومنشأ الترادف والاشتراك ذلك ، لا ما توهّم من التفنّن في الوضع(1) .
بل لا يبعد أن يكون بعض المعاني ، مختصّاً ببعض المشتقّ-ات ، وربّما يكون اختلاف المشتقّات ، موجباً لاختلاف المعاني ، كما يظهر بالتدبّر في الكتب اللغوية .
وبالجملة : إنّ الغرر مستعمل في معانٍ كثيرة ، لا يناسب كثير منها المقام ، والمناسب منها هو الخدعة ، والنهي عنها - كالنهي عن الغشّ - أجنبيّ عن مسألتنا هذه ، فإرجاع المعاني إلى معنىً واحد أجنبيّ عن معانيه ، ثمّ التعميم لما نحن فيه ، ممّا لا يمكن المساعدة عليه .
إلاّ أن يتمسّك بفهم الأصحاب ، وهو كما ترى ، أو بكشف قرينة دالّة على ذلك ، وهو أيضاً لا يخلو من بعد ، لكن مع ذلك تخطئة الكلّ مشكلة ، والتقليد بلا حجّة كذلك .
وأمّا الروايتان المشتملتان على النهي عن بيع الغرر ، فإحداهما : ما عن الصدوق في «عيون الأخبار» بأسانيد ذكرها في «الوسائل» في إسباغ
ص: 307
الوضوء(1) ، عن الرضا ، عن آبائه ، عن علي عليهم السلام قال : «يأتي على الناس زمان عضوض ، يعضّ كلّ امرئ على ما في يده ، وينسى الفضل ، وقد قال اللّه : (وَلاَ تَنْسَوُا ا لْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)(2) ثم ينبري في ذلك الزمان أقوام يبايعون المضطرّين ، اُولئك هم شرّ الناس ، وقد نهى رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم عن بيع المضطرّ ، وعن بيع الغرر»(3) .
وثانيتهما : ما في «المستدرك» عن «صحيفة الرضا عليه السلام » بإسناده عن الحسين ابن عليH قال : «خطبنا أمير المؤمنين عليه السلام على المنبر . . .» إلى أن قال : «وسيأتي على الناس زمان يقدّم الأشرار وليسوا بأخيار ، ويباع المضطرّ ، وقد نهى رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم عن بيع المضطرّ ، وعن بيع الغرر ، وعن بيع الثمار
حتّى تدرك . . .»(4) إلى آخره .
ص: 308
والظاهر من الاُولى الكراهة ؛ حيث عطف «بيع الغرر» على «بيع المضطرّ» الذي هو مكروه ، والظاهر أنّ النهي فيهما بمعنىً واحد ، فيمكن الحمل بهذه المناسبة على بيع الغافل ، ويمكن الحمل على بيع الخدعة ، لكن لا بدّ من حمل النهي فيه على الحرمة ، وأمّا الحمل على عدم القدرة على التسليم ، أو على معنىً أعمّ ، والإرشاد إلى الفساد(1) ، فبعيد .
وأمّا الثانية ، فتحتمل فيها الكراهة ؛ بمناسبة العطف على «بيع المضطرّ» والحرمة ، والحمل على بيع الخدعة ، فكانت الرواية مشتملة على فرد مكروه ، وفرد محرّم ، وفرد باطل .
وأمّا الحمل على المجهول ، والإرشاد إلى البطلان ، فهو أيضاً بعيد ، ولا سيّما مع عدم كون الغرر بمعنى المجهول كما عرفت(2) .
والإنصاف : أنّ الحكم ثابت ، وإن كان المستند مخدوشاً .
ومن طرقنا : روى الشيخ قدّس سرّه ، بإسناده عن سليمان بن صالح ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «نهى رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم عن سلف وبيع ، وعن بيعين في بيع ، وعن بيع ما ليس عندك ، وعن ربح ما لا يضمن»(1) .
والصدوق بإسناده عن شعيب بن واقد ، عن الحسين بن زيد ، عن الصادق ، عن آبائه عليهم السلام في مناهي النبي صلي الله عليه و آله وسلم قال : «ونهى عن بيع ما ليس عندك ، ونهى عن بيع وسلف»(2) .
وقد وجّ-ه الشيخ الأعظم قدّس سرّه الاستدلال به بعد نفي الاحتمالات ، عدا ما هو المطلوب(3) .
أقول : والتحقيق أن يقال بعد عدم إمكان حمله على المعنى الحقيقي ؛ لقيام الضرورة على عدم اعتبار الحضور في صحّة البيع ، فلا بدّ من الحمل على معنىً كنائي أو استعاري .
ومن المعلوم : أنّ في الحمل على أيّ منهما ، لا بدّ من المناسبة المصحّحة للاستعمال ، فيمكن أن يكون كناية أو استعارة عن عدم الملك ، والمناسبة واضحة ؛ لأنّ غير المملوك المنقطع عن الشخص في اعتبار العقلاء والشارع الأقدس ، كأ نّه غائب عنه ، فيصحّ أن يقال : «إنّه ليس عندك» كناية أو استعارة .
ص: 310
ويمكن أن يكون كناية أو استعارة عن سلب الآثار ، أو سلب القدرة بنحو الإطلاق بعد ثبوت الملك ؛ فإنّ الملك الذي لا أثر له بالنسبة إلى مالكه ، أو لا قدرة للمالك بالنسبة إليه بوجه من الوجوه ، يصحّ ادّعاء كونه غائباً ومنقطعاً عنه ، كما يصحّ دعوى عدم الملكية له ، فما لا أثر له أو لا قدرة لمالكه عليه بوجه ، يحسن دعوى انقطاعه وغيبته عنه .
وأمّا إذا كان بعض الآثار مسلوباً ، أو معجوزاً عنه ، فلا تصحّ الدعوى ، إلاّ إذا كان الأثر المسلوب أو المعجوز عنه ، بارزاً معتدّاً به ؛ بحيث أمكن دعوى كونه كلّ الآثار ، فيصحّح بتلك الدعوى الدعوى الثانية ، نظير «يا أشباه الرجال ، ولا رجال»(1) .
ففي المقام : لو كان المبيع مسلوب الأثر مطلقاً ، أو كانت القدرة عليه مسلوبة مطلقاً ، يصحّ أن يقال : «هو ليس عندك ، ولا تبع ما ليس عندك» دون ما إذا كان المسلوب أثراً خاصّاً ، أو المعجوز عنه كذلك ، كالتسليم إلى المشتري ، وليس ذلك من الآثار التي يمكن فيها دعوى كونها تمام الأثر ؛ لتصحّ الدعوى الثانية .
وأظهر الاحتمالات هو الاحتمال الأوّل ؛ أي الكناية عن سلب الملك ، أو دعوى كون غير الملك غائباً وليس عنده .
والعجب من الشيخ الأعظم قدّس سرّه ، حيث رفض هذا الاحتمال بأنّ المناسب معه «اللام» لا الظرف(2) فإنّه بعد فرض كون الجملة كناية ، لا معنى لذكر «اللام» فإنّ
ص: 311
«لا تبع ما ليس لك» معنىً حقيقي لا كنائي ، فالكناية عن عدم الملك لا بدّ وأن تكون بلا «لام» .
ثمّ على فرض عدم إرادة الملك ، لا بدّ من الحمل على أحد الاحتمالين الآخرين ؛ أي سلب الآثار جميعاً ، أو سلب القدرة بنحو الإطلاق ، وهو على خلاف المطلوب أدلّ ؛ لأنّ مرجعه إلى عدم صحّة بيع ملك مسلوبة عنه الآثار مطلقاً ، أو مسلوبة عن صاحبه القدرة مطلقاً .
فالمقدور في الجملة كالمقدور على تسليمه لمشتريه الخاصّ مثلاً إمّا داخل في مفهوم الجملة إن كان له مفهوم ، أو غير مشمول للمنطوق .
فما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه بعد نفي الاحتمالات الاُخر بقوله : فتعيّن أن يكون كناية عن السلطنة التامّة الفعلية التي تتوقّف على الملك ، مع كونه تحت اليد حتّى كأ نّه عنده ، وإن كان غائباً (1) غير ظاهر ؛ فإنّه إن كان المراد السلطنة على جميع التحوّلات والتصرّفات - أي «لا تبع ما ليست لك السلطنة على جميع التصرّفات فيه» - فلا يفيده إن لم نقل : بكونه أدلّ على خلاف المقصود .
وإن كان المراد السلطنة على التسليم فقط ، فيكون المراد «لا تبع ما لا تقدر على تسليمه» فقد عرفت عدم صحّة كونه كناية عن مثله .
ثمّ إنّ الظاهر من جملة وافرة من الروايات الواردة في أبواب أحكام العقود ، أنّ هذه الجملة كانت شائعة الاستعمال في الكناية عن عدم الملك ، فراجع
ص: 312
«الوسائل» الباب السابع والثامن من أحكام العقود(1) ، تجزم بأنّ الجملة المزبورة في هذه الرواية ، استعملت في مورد عدم الملك ، كما في سائر الروايات ، فسائر الاحتمالات ضعيفة ، فالرواية أجنبيّة عن المقام .
ثمّ على فرض تمامية الدلالة ، لا يخفى أنّ المستفاد منه مخالف للمستفاد من حديث الغرر من جهتين :
إحداهما : أنّ المستفاد من حديث الغرر ، ليس شرطية عنوان القدرة على التسليم ، بل ما يدفع به الغرر ، كالقدرة على التسلّم ، أو حصول العوض عند الطرف ولو لم يكن بفعل المتعاملين ، كرجوع الطير بحسب العادة . . . ونحو ذلك ، وما يستفاد من قوله صلي الله عليه و آله وسلم : «لا تبع ما ليس عندك» - بناءً على كونه كناية عن القدرة على التسليم - هو اشتراطها ، فلو عجز عنه بطل ولو كان التسلّم مقدوراً ، أو حصل في يده .
ثانيتهما : أنّ المستفاد من حديث الغرر ، هو اعتبار العلم بالحصول ، أو القدرة على التسلّم من غير دخالة الواقع فيه ، فلو قطع بحصوله في يده ، أو قدرته على التسلّم ، اندفع به الغرر وإن كان مخالفاً للواقع ، ولو لم يعلم كان غرراً وإن حصل في يده ، أو كانت القدرة محقّقة ، وما يستفاد من هذا الحديث دخالة الواقع وتمام موضوعيته ، فلو علم بكونه عنده ولم يكن بطل ، ولو كان ولم يعلم صحّ ، فلم يقع الاستدلالان على مقصد واحد .
ص: 313
وهل المستفاد منهما بطلان العقد ، وعدم صلوحه للصحّة ولو تحقّق الشرط فيما بعد ، أو أ نّه يقع مراعىً ؟
اختار الشيخ الأعظم قدّس سرّه الثاني ، ونسب إلى ظاهر حال الفقهاء اتّفاقهم على الأوّل(1) .
أقول : أمّا حديث النهي عن الغرر ، فلا شبهة في شموله لما جهل ذاتاً أو صفةً ، ولم يلتزم أحد بكون العقد مراعىً برفعه ، فلا محالة يكون العقد ملغىً بتوجّه النهي إلى السبب ، ولا يعقل توجّهه إليه في مورد ، وإلى المسبّب في مورد آخر .
وعلى فرض جوازه حتّى في مثل المقام ، فلا شبهة في عدم صحّة الحمل عليه من دون القرينة ، وهي مفقودة .
إلاّ أن يقال : إنّ النهي توجّه إلى المسبّب ، وهو يقتضي الصحّة ، لكن خرجت سائر الموارد ، وبقيت القدرة على التسليم ، وهو كما ترى .
وأمّا حديث «لا تبع . . .»(2) فقد ورد جواباً لحكيم بن حزام ، حيث سأله عن أن يبيع الشيء ، ثمّ يمضي ويشتريه ويسلّمه وهو - كما ترى - يدلّ على إلغاء العقد ، وعدم وقوعه مراعىً ، فلو استفيد منه اعتبار القدرة على التسليم حتّى في غير مورده ، لا يمكن الحمل على السبب والمسبّب كما تقدّم ، ومع الالتزام بالإمكان لا قرينة عليه ، فلا بدّ من الحمل على التوجّه إلى السبب ؛ حفظاً
ص: 314
للمورد ، ولا يأتي فيه الاحتمال السابق المرفوض .
نعم ، لا يرد هذا الإشكال فيما وردت من طريقنا ، وهو قوله عليه السلام : «نهى النبي صلي الله عليه و آله وسلم عن بيع ما ليس عندك»(1) إن كانت رواية مستقلّة .
وقد يستدلّ على اعتبار القدرة على التسليم : بأنّ لازم العقد ، وجوب تسليم كلّ من المتبايعين العوض إلى صاحبه ، فيجب أن يكون مقدوراً (2) .
ويمكن تقرير هذا الدليل : بأنّ وجوب التسليم من الأحكام العقلائية للبيع ، فلو كان تسليم العوضين أو أحدهما غير مقدور أبداً ، لا يعقل القصد الجدّي إلى المبايعة ؛ فإنّ المعاملات - إلاّ النادر منها - إنّما هي آلات للتوصّل إلى العوضين ، والمقصود بالاستقلال وصول البائع إلى الثمن ، والمشتري إلى المثمن ، ومع العجز لا يمكن القصد الجدّي إليها .
وبعبارة اُخرى : إنّ مبنى البيع على التزام المتبايعين تسليم العوضين كلّ إلى صاحبه ، ومع العجز لا يعقل الالتزام ، ومع فقده لا تكون المبايعة جدّية .
أقول : هذا الدليل أخصّ من المدّعى ؛ لأنّ امتناع القصد ، إنّما هو فيما إذا علم المتعاقدان بعجزهما أبداً ، وأمّا مع رجاء رفع العجز ، فلا مانع من القصد المعتبر فيه ، كما أ نّه مع العجز فعلاً ، والعلم برفعه فيما بعد ، يمكن القصد إليه ، وكذا مع جهلهما بالواقعة .
ثمّ إنّ ما هو ظاهر الاستدلال المذكور واضح المنع ؛ إذ يرد عليه ما أورد عليه
ص: 315
في «الجواهر» وغيره : بأنّ وجوبه مطلقاً ممنوع ، ومطلق الوجوب لا ينافي كونه مشروطاً بالتمكّن(1) .
والاعتراض عليه : بأصالة عدم تقييد وجوب التسليم ، ودفعه بالمعارضة بأصالة عدم اشتراط البيع بالقدرة على التسليم(2) ، واضح البطلان إن اُريد بالأصلين الاستصحاب ، كما لا يبعد من ظاهر الشيخ حملهما عليه(3) ، ويظهر من بعض آخر(4) أيضاً ؛ لعدم الحالة السابقة أوّلاً ، وللمثبتية في الأوّل ثانياً .
وأمّا إن اُريد بهما الأصل اللفظي ؛ أي أصالة الإطلاق في قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(5) - بتقريب أنّ الإطلاق يقتضي وجوب التسليم في العقود بنحو الإطلاق ، ولا يعقل ذلك مع العجز ، فيستكشف به حال الموضوع ؛ وأ نّه مشروط بالقدرة حفظاً للإطلاق ، والمراد بالمعارضة معارضتها مع أصالة الإطلاق في دليل نفوذ البيع ، مثل قوله تعالى : (أَحَلَّ اللّه ُ ا لْبَيْعَ)(6) فإنّ مقتضى إطلاقه عدم دخالة القدرة على التسليم في الصحّة(7) - فليس النظر فيه بهذا الوضوح .
نعم ، يرد على الاعتراض : بأنّ رفع الامتناع كما يمكن بما ذكر - أي
ص: 316
بكشف حال الموضوع واشتراطه بالقدرة - كذلك يمكن بتقييد وجوب الوفاء بحال القدرة .
وبعبارة اُخرى : إنّ المحذور العقلي ، موجب لكشف قيد وارد على الموضوع ؛ أي العقد ، أو على وجوب الوفاء به ، ولا ترجيح لواحد منهما ، فلا حجّة على الاشتراط ، وعلى ذلك يدفع الاعتراض ، وهو واضح ، والمعارضة أيضاً ؛ لعدم المعارض لإطلاق دليل نفوذ البيع .
بل لنا أن نقول : إنّ الشرائط العامّة - كالعلم والقدرة - لا تكون قيوداً للتكاليف ، وليست هي مشروطة بها شرعاً ، وإلاّ لزمت مفاسد ، كالتصويب ، وعدم وجوب التعلّم والتفقّه ، وجواز تعجيز النفس ، وإجراء البراءة في الشكّ في القدرة . . . إلى غير ذلك .
فحينئذٍ لا يدور الأمر بين ورود القيد إمّا على العقد ، أو على وجوب التسليم ، بل تكون أصالة الإطلاق فيهما محفوظة بحسب الحكم القانوني ، وعند العجز عن التسليم ، يكون للعبد عذر عقلي في عدم العمل ، فيرجع الأمر إلى الشكّ في اعتبار القدرة في العقد ، وهو مدفوع بأصالة الإطلاق ، فتكون أصالة الإطلاق في وجوب التسليم ملائمة لأصالة الإطلاق في نفوذ البيع ، وأصالة الإطلاق في العقد ، لا معارضة .
وأمّا ما قيل في وجه نظر الشيخ الأعظم قدّس سرّه (1) : من أنّ عدم التقييد الخطابي ؛ للاتّكال على حكم العقل بالتقييد ، لا لأجل فرض حصول القيد(2) .
ص: 317
ففيه : - مضافاً إلى بطلان دعوى تقييد الدليل بحكم العقل ؛ لعدم صلاحيته لذلك ، وبطلان كشف العقل عن التقييد في المقام ؛ لما عرفت من عدم التقييد في مثل اعتبار القدرة - أ نّه على فرض جواز التقييد، يتردّد الأمر بين ورود القيد على الموضوع ، وبين وروده على الحكم ، ولا ترجيح ، فالجزم بأ نّه كان للاتّكال لا لفرض الحصول ، في غير محلّه ، وفي كلامه مواقع للنظر ، تظهر للمتأمّل .
ثمّ وقع الكلام في أنّ القدرة شرط ، أو العجز مانع ، وقد اشتهر بينهم أنّ المانع أمر وجودي ، يلزم من وجوده العدم ، والشرط ما يلزم من عدمه العدم(1) ، وقد تشبّث الشيخ الأعظم قدّس سرّه بذلك على أنّ العجز ليس مانعاً (2) .
والظاهر أنّ ما ذكر في معنى الشرط والمانع ، وقع في كلام أهل الفنّ بنحو من المسامحة(3) ، ثمّ اشتهر ذلك غفلة عن حقيقة الحال ؛ وهي أنّ العدم ليس بشيء ، ولا يعقل أن يكون مشاراً إليه ، أو محكوماً بحكم ، أو موضوعاً له ، أو مدركاً ، فضلاً عن أن يكون مؤثّراً ومتأثّراً ، فاقتضاؤه لشيء أو لزوم شيء منه ، كلّ ذلك غير صحيح ، وما يتصوّر منه أو يحكم عليه ، إنّما هو العدم
ص: 318
بالحمل الأوّلي ، الموجود بالشائع في الذهن .
والتحقيق : أنّ المانع أمر وجودي ، مضادّ لأمر وجودي ، فالتمانع بينهما بالذات ؛ بمعنى عدم إمكان اجتماعهما في محلّ واحد ، فكلّ منهما ما دام موجوداً ، يمنع عن وجود ضدّه بحكم التضادّ والتنافي ، فالبياض في الجسم ما دام موجوداً ، مانع عن وجود السواد ، وكلّ طارد لضدّه .
وأمّا ما يقال : من أنّ المانع - اصطلاحاً - هو ما يقتضي ما ينافي مقتضى شيء آخر ، فالمقتضيان متمانعان ؛ لتنافي مقتضيهما ، فسبب الضدّ هو المانع(1) فغير وجيه ؛ فإنّ ما هو المناط في التمانع بالذات ، إنّما هو في الضدّين ، لا في علّة كلّ مع وجود الآخر ، فسبب التمانع هو التنافي الذي بين الضدّين .
فصرف اقتضاء شيء ما ينافي اقتضاء الآخر ، لا يكون منشأ التمانع ، فعلّة تحقّق السواد في الجسم ، مع علّة البياض ، غير متمانعين بالذات ، بل التمانع باعتبار الأثر والمعلول ، الذي يكون مضادّاً لمعلول آخر .
ثمّ إنّ التحقيق : أنّ الشرط والمانع والسبب ونحوها ، قابلة للجعل مستقلاًّ في التشريعيات ، وإنكار ذلك(2) ناشئ من الخلط بين التكوين والتشريع .
وقد يقال : إنّ جعل شيء مانعاً ، يرجع إلى جعل عدمه شرطاً ؛ لأنّ المأمور به إذا لم يتقيّد بشيء ، فلا محالة يقع صحيحاً ، ومع جعل المانع ، إذا لم يرجع إلى تقييد فيه ، وضيق في المطلوب ، لا يعقل أن لا يقع صحيحاً ؛ لأنّ الصحّة هي
ص: 319
مطابقة المأتيّ به للمأمور به ، والمفروض مطابقته له .
ولو رجع إلى تضييق وتقييد ، فلا محالة يكون من قبيل الشرط ، فيكون عدم المانع شرطاً (1) .
وفيه : أنّ هذا مبنيّ على عدم إمكان جعل المانع عن صحّته ، وإلاّ فكما أنّ المانع في التكوين ، يدفع وجود الممنوع عن التحقّق ، من غير أن يكون لعدمه دخل ، كذلك المانع في التشريع .
بل التشريع في مثل ما ذكر ، يكون على طبق التكوين بحسب الاعتبار ، فالتشريع تكوين اعتباري ، نظير ما يقال : من أنّ الملك جدة اعتبارية(2) ، أو إضافة اعتبارية(3) ، فإذا شرّع المقنّن تشريعاً قانونياً ، ثمّ اقتضت المصالح أن يجعل له شرطاً أو مانعاً ، فقال : «ولِّ في الصلاة وجهك شطر المسجد الحرام» يتّبع ذلك الوضع ، وتنتزع منه الشرطية في الصلاة ، من غير تجديد أمر بالمقيّد .
وكذا إذا اقتضت المصلحة جعل مانع لها ، فقال : «لا تصلّ في وبر ما لا يؤكل» أو «جعلت وبره مانعاً من الصلاة» تنتزع منه المانعية ، نظير المانعية التكوينية ، فبحسب جعله واعتباره ، يكون حمل الوبر ولبسه مضادّاً لصحّة الصلاة .
فموافقتها للمأمور به ، إنّما توجب الصحّة ، إذا لم تبتل بالمضادّ في اعتبار
ص: 320
الشرع ، المانع من صحّتها ، فمع ابتلائها بالمضادّ في اعتبار الشرع ، لا تقع على طبق القانون الشرعي ، فلا تعقل صحّتها ؛ للمضادّة الجعلية الاعتبارية ، وهذا لا مانع منه عقلاً ، ويصحّ اعتباراً .
وأمّا إرجاع المانع إلى أنّ عدمه شرط ، فهو فرار من المطر إلى الميزاب ؛ ضرورة أنّ العدم لا يعقل أن يكون شرطاً بأيّ معنىً كان ، ولا يعقل ثبوت شيء له ، ولا الإشارة إليه ولو عقلاً ، فالفرار ممّا لا امتناع فيه بوجه ، إلى الممتنع بالضرورة ، ممّا يدفعه العقل .
فمع امتناع شرطية العدم أو مانعيته ، لا محيص عن تأويل ما بظاهره دالّ على شرطيته أو مانعيته ، ففي المقام لو فرض ظهور دليل على مانعية العجز ، فلا بدّ من إرجاعه إلى شرطية القدرة ؛ لامتناع كون العجز - وهو عدم القدرة - مانعاً ودافعاً لشيء .
نعم لو قيل : إنّ العجز أمر ثبوتي مضادّ للقدرة ، تصحّ مانعيته .
ثمّ إنّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه بعد نفي المانعية عن العجز قال : لو سلّم صحّة إطلاق «المانع» عليه ، لا ثمرة فيه ، لا في صورة الشكّ الموضوعي ، أو الحكمي ، ولا في غيرهما ؛ فإنّا إذا شككنا في تحقّق القدرة والعجز مع سبق القدرة ، فالأصل بقاؤها ، أو لا معه فالأصل عدمها ؛ أعني العجز ، سواء جعل القدرة شرطاً ، أو العجز مانعاً . . . إلى آخره(1) .
ص: 321
أقول : لو كان المستند في المقام حديث الغرر(1) فقد مرّ أنّ المستفاد منه اعتبار أحد أمرين : إمّا العلم بالقدرة على التسلّم ، وإمّا العلم بحصول العوض عنده ، كرجوع الطير على عادته(2) .
وكيف كان : لا تكون القدرة على التسليم ، ولا نفس القدرة على التسلّم ، ولا نفس الحصول بحسب الواقع ، رافعاً للغرر ، بل الرافع هو العلم ، ويكون هو تمام الموضوع لرفعه ، سواء كانت القدرة بحسب الواقع حاصلة أم لا .
فعليه لا مجال للأصل ؛ فإنّه مع الشكّ في القدرة ، وفي الحصول عنده لدى البيع ، يكون الغرر متحقّقاً قطعاً ، واستصحاب بقاء القدرة - على فرض جريانه - ممّا لا مجال له ؛ ضرورة أ نّه لا يرفع الشكّ الوجداني الذي هو تمام الموضوع .
ولو كان المستند حديث «لا تبع ما ليس عندك»(3) وتردّد أمره بين الدلالة على كون القدرة على التسليم شرطاً ، وبين الدلالة على كون العجز مانعاً ، وهو محطّ نظر الشيخ قدّس سرّه ، فالظاهر منه(4) ومن غيره(5) جريان استصحاب القدرة أو العجز مع الحالة السابقة .
وهو محلّ تأمّل بناءً على ما هو ظاهر كلمات الفقهاء ؛ من أنّ القدرة على
ص: 322
التسليم من شرائط العوضين(1) ، فإنّ ما هو المتيقّن قبل تحقّق البيع ، هو القدرة على تسليم السلعتين ، لا العوضين بما هما كذلك ، واستصحاب القدرة عليهما إلى زمان تحقّق البيع وصيرورتهما عوضين ؛ لإثبات القدرة على العوضين ، مثبت ، والمقام ليس من قبيل إثبات الموضوع بالأصل والوجدان ، بل من قبيل إثبات عنوان باستصحاب عنوان آخر .
ولو كان الموضوع الذات الموصوفة بالعوضية ، كان استصحاب الذات ؛ لإثبات التوصيف بها ، مثبتاً أيضاً ؛ فإنّ الأصل هو بقاء القدرة على الذات ، ومقتضى الوجدان اتّصاف الذات بالعوضية ، وأمّا تعلّق القدرة بالذات الموصوفة ، فلا يثبت به ؛ فإنّه مثبت فتدبّر .
بل ثبوت الموضوع المركّب باستصحاب جزئه ، وثبوت جزء آخر بالوجدان أيضاً ، لا يخلو من إشكال المثبتية ؛ لأنّ المركّب - بما له وحدة اعتبارية - موضوع للحكم ، لا الأجزاء بلا اعتبار الوحدة .
نعم ، الظاهر أنّ في مثل قوله : «إذا جاء زيد ولم يجيء عمرو يجب عليك كذا» يمكن ضمّ الوجدان إلى الأصل لإثبات ما هو موضوع الحكم .
هذا إذا كانت القدرة شرط العوضين ؛ بمعنى أنّ المعتبر القدرة على تسليم العوض بعد ما صار عوضاً ، أي في حال وجوب التسليم ، وهو بعد تحقّق العقد والعوضية .
وكذا لو كان الموضوع القدرة على تسليم ما يصير عوضاً ؛ فإنّ ما يصير
ص: 323
عوضاً قبل تحقّق العقد ، لا تعتبر فيه القدرة ، بل المعتبر القدرة حال العوضية ، لا بمعنى أخذ الحال ظرفاً غير دخيل في الحكم ؛ فإنّه خلاف الواقع ، بل بمعنى دخالة الحال في ذلك ، فيرد عليه أيضاً إشكال المثبتية .
نعم لو قلنا : بأنّ المستفاد عرفاً من قوله صلي الله عليه و آله وسلم : «لا تبع ما ليس عندك» أنّ ما هو المقدور يجوز بيعه ، صحّ الأصل بلا شائبة المثبتية ؛ فإنّ صحّة البيع حكم متعلّق بما هو عنده ، أي ما هو مقدور ، فيقال : «كان ذلك مقدور التسليم ، والآن كذلك ، فيصح بيعه» هذا حال العلم بالحالة السابقة .
ومع الشكّ فيها قد يقال : إنّ اللازم هو الفحص ، كما هو لازم في جميع موارد الشكّ في القدرة(1) .
وفيه : أ نّه خلط بين القدرة العقلية التي هي من الشرائط العامّة ، وبين القدرة المعتبرة شرعاً ، وخلط بين الأحكام التكليفية والوضعية كما لا يخفى .
نعم ، مع شرطية شيء لصحّة المعاملة ، فلا بدّ من إحرازه ليترتّب عليه الأثر ، وفي المقام لا أصل محرز ؛ فإنّ القدرة والعجز كليهما غير مسبوقين بالتحقّق : أمّا القدرة فواضح .
وأمّا العجز ، فإنّه سلب القدرة عن موضوع قابل لها ، ولا سابقة لهذا السلب ، وما له السابقة ، هو عدم القدرة بالسلب التحصيلي ، لا مثل العدم والملكة ؛ ممّا هو بمنزلة قضيّة موجبة معدولة المحمول ، فكما أنّ قوله : «زيد قادر أزلاً» كاذب ، كذا قوله : «زيد عاجز أزلاً» كاذب ؛ إذ لم يكن زيد قادراً
ص: 324
ولا عاجزاً أزلاً ، أي ثابتة له اللاقدرة .
نعم ، لم يكن هو قادراً ولا عاجزاً أزلاً بالسلب التحصيلي ، أعمّ من وجود الموضوع ، وأعمّ من الموجبة المعدولة ، والموجبة سالبة المحمول ، واستصحاب هذا العنوان الأعمّ لإثبات ما هو أخصّ منه ، كاستصحاب الكلّي لإثبات فرد منه مثبت ، والتفصيل في محلّه(1) .
ثمّ إنّ الظاهر من قوله صلي الله عليه و آله وسلم : «لا تبع ما ليس عندك» هو أنّ العجز مانع ، كما أنّ الظاهر من قوله : «نهى النبي صلي الله عليه و آله وسلم عن بيع الغرر»(2) أنّ الغرر مانع ؛ أي الجهل ، ومع امتناع كون أمر عدمي مانعاً ، لا بدّ من إرجاعهما إلى ما هو معقول ؛ أي شرطية القدرة على التسليم كما هو ظاهرهم ، وشرطية العلم الرافع للغرر ، والأمر سهل .
ثمّ إنّ الظاهر من قوله صلي الله عليه و آله وسلم : «لا تبع ما ليس عندك» بناءً على دلالته على اعتبار القدرة على التسليم ، هو اعتبارها حين العقد ، ولا سيّما مع ملاحظة صدرها في رواية حكيم بن حزام(3) .
بل هو كذلك في قوله عليه السلام : «نهى النبي صلي الله عليه و آله وسلم عن بيع ما ليس عندك»(4)
ص: 325
فإنّ الظاهر منه اعتبار القدرة فعلاً عند البيع ، وأ نّها من الشرائط التعبّدية ، لا العقلائية ؛ فإنّ اعتبارها كذلك ليس عقلائياً ، وما عند العقلاء أمر أعمّ منها ، إن لم نقل : إنّه أمر مغاير لها ؛ ضرورة أ نّه مع العلم بالقدرة على التسلّم ، أو حصول السلعة بيده بأيّة قدرة كانت ، تصحّ المعاملة العقلائية ، ومع تحقّق القدرة على التسليم ، وعدم البناء والالتزام به ، لا تكون عقلائية .
فاعتبار خصوص القدرة على التسليم ، ليس لأمر عقلائي ، بل ليس الملحوظ في اعتبارها حصول الغرر ؛ لما عرفت من أنّ الغرر لا يندفع بالقدرة على التسليم لو جهل نفس التسليم ، ويندفع مع عدم القدرة إذا اعتقد القدرة على التسلّم ، أو الحصول عنده(1) ، فلا محالة يكون هذا الشرط - بلحاظ هذا الظهور - تعبّدياً .
وأمّا حديث الغرر ، فليس دليلاً على اعتبار القدرة كما تقدّم(2) .
نعم ، مقتضى الوجوه الاُخر التي زيّفها الشيخ الأعظم قدّس سرّه (3) ، هو اعتبارها عند الاستحقاق .
ولو قلنا : بأنّ العبرة فيها إنّما هي بزمان استحقاق التسليم ، فهل يتفرّع عليه عدم اعتبارها أصلاً ، فيما إذا كانت في يد المشتري ، وفيما لا يعتبر التسليم فيه رأساً ، كما إذا اشترى من ينعتق عليه ، وفيما إذا لم يستحقّ التسليم بمجرّد العقد ،
إمّا لاشتراط تأخيره ، أو لتزلزل العقد ، كما في الفضولي ، أو لا ؟ وجهان :
وجه صحّة التفريع أن يقال : إنّ الشرط إن اعتبر حال العقد وللعقد ، فمع فقده
ص: 326
يبطل ، سواء كانت القدرة حاصلة زمان استحقاق التسليم أم لا .
وإن اعتبر عند استحقاق التسليم ؛ بحيث كان الاستحقاق شرطاً في اعتبار هذا الشرط ، فمع عدم الاستحقاق يصحّ البيع ؛ لعدم اشتراطه بها فرضاً ، فلا تعتبر القدرة رأساً فيما إذا لم يستحقّ التسليم ، سواء كان من أجل كونه في يده ، أم لكون المبيع ممّن ينعتق عليه . . . أو غير ذلك ممّا مرّ .
ووجه عدمها أن يقال : إنّ المراد بزمان استحقاق التسليم ، هو الزمان الذي كان البيع - بحسب اقتضائه طبعاً - موجباً لاستحقاق التسليم ، ففي مثل بيع النقد ، يكون الاستحقاق بعد تمامية البيع ، من غير فرق بين حصوله بيد المشتري أو عدمه ؛ إذ ليس المراد استحقاقه الفعلي بحسب شخص البيع ، ومن غير فرق بين بيع من ينعتق عليه أو غيره ؛ فإنّ مقتضى البيع - بحسب طبعه - استحقاقه التسليم ، وإن لم يجز بواسطة خصوصية الموضوع .
فحينئذٍ يكون البيع باطلاً ؛ لفقد شرطه ، وهو القدرة على التسليم ، فإنّ عدم القدرة عليه لا يوجب سقوط الشرط ، بل يوجب بطلان البيع ؛ لفقد شرطه .
نعم ، في مثل اشتراط التأخير والفضولي ، يكون اعتبار الشرط حال الاستحقاق ، ويصحّ التفريع .
ثمّ لو جعل المستند فيه حديث الغرر ، يكون الاعتبار بالعلم بالقدرة على التسلّم ، أو بحصول العوض عنده حال وجوب التسليم ، فلو قطع بكونه في يده حاله ، لا غرر فيه وإن لم يكن حاصلاً .
ص: 327
وإن شكّ في ذلك، يكون غرراً وإن كان حاصلاً، إن لم يعلم بقدرته على التسلّم.
ولو كان وجوب التسليم متأخّراً لاشتراط التأخير ، يكون المعتبر العلم بذلك حال وجوبه .
وأمّا اشتراء من ينعتق على المشتري ، ففيه كلام ، وهو أ نّه إمّا يعتقد بأ نّه ينعتق عليه ، أو يعتقد عدمه ، أو يشكّ فيه .
فإن شكّ فيه فتارة : يقدم على الاشتراء ؛ برجاء عدم كونه ممّن ينعتق عليه .
واُخرى : برجاء كونه كذلك .
فعلى الأوّل من شقّي الأخير ، تكون المعاملة غررية ؛ لكون القدرة على التسليم مجهولة ، ومجرّد كون عدم القدرة بحكم الشرع ، لا يخرج المعاملة عن الغرر ، سواء كان بمعنى الجهل ، أم بمعنى الخطر .
وكذا الحال لو أقدم برجاء كونه ممّن ينعتق ؛ فإنّ الغرر - بمعنى الجهل - حاصل ، وكذا بمعنى الخطر ؛ لأنّ الإقدام على الاشتراء الخطري لا يخرجه عنه ، فهو خطري بحسب طبعه وإن أقدم عليه المشتري ، والشرط الشرعي لا يسقط بالإقدام ، وإلاّ فلا بدّ من الالتزام بصحّة البيع الغرري مع إقدام المتبايعين عليه ، كبيع المجهول ذاتاً أو وصفاً ، وهو كما ترى .
ومنه يظهر الحال في صورة العلم بالانعتاق ؛ فإنّ الاشتراء بحسب ذاته خطري ، للعلم بعدم القدرة على التسلّم ، وعدم حصوله عنده ، وكون المشتري مقدماً على البيع ، أو كون حكم الشرع مانعاً عنه ، لا يوجب رفع الخطر ، بل الإقدام على أمر خطري بحسب المعاملة وإن كان أمراً مرغوباً فيه لأغراض خارجة عنها ، فالصحّة فيه للنصّ ، وإن كانت على خلاف القاعدة حتّى مع الغضّ
ص: 328
عن الغرر ، ولا سيّما مع حصول الانعتاق بمجرّد إيقاع البيع ، من غير دخوله في ملك المشتري حتّى آناً ما .
وأمّا البيع الفضولي ، فقد استشكل فيه الشيخ الأعظم قدّس سرّه بناءً على الكشف ، دون النقل ؛ من حيث إنّه لازم على الأصيل ، فيتحقّق الغرر بالنسبة إليه ؛ لأ نّه انتقل إليه ما لا يقدر على تحصيله(1) .
أقول : إنّ الغرر بهذا المعنى ، لا يلزم على الكشف بالمعنى المشهور على ما قيل : من أ نّه الكشف الانقلابي(2) ، سواء قلنا : بالانقلاب حقيقةً ، أو حكماً وتعبّداً ؛ لعدم نقل العوضين إلى زمان الإجازة ، وبها يحصل الانقلاب وزمان وجوب التسليم ، والميزان في رفع الغرر هو العلم بالقدرة على التسلّم حال وجوب التسليم ؛ أي حال الإجازة .
نعم ، بناءً على الكشف الحقيقي ، أو الحكمي على النحو الحقيقي ، يكون الانتقال واقعاً أو حكماً من أوّل الأمر مع التعقّب بالإجازة ، فينتقل إليه ما لا يقدر على تحصيله فعلاً ، ولأجله يدّعى حصول الغرر .
لكن فيه : أنّ القدرة على الفرض ، معتبرة حال وجوب التسليم ، وهي حال الإجازة ، لا قبلها .
ص: 329
والتحقيق : أ نّه إن قيل بأنّ موضوع وجوب الوفاء ، هو العقد المنسوب إلى صاحبه ، سواء كان مؤثّراً في النقل أم لا ، وبأنّ الوفاء بمعنى إبقاء العقد وعدم فسخه ، فلا فرق بين القول بالنقل ، والقول بالكشف في الفضولي ؛ لأنّ العقد من قبل الأصيل حاصل وواجب الوفاء به ، فلا يجوز له التصرّف في ماله في جميع أقسام الفضولي ، فإن كان المحذور اللازم - وهو حرمان تصرّفه في ماله مع العجز عن تسلّم عوضه - موجباً للغرر ، فهو حاصل في الجميع .
وإن كان الموضوع هو العقد المؤثّر المنسوب إليه ، يكون كلّ من النقل والكشف - بالمعنى المنسوب إلى المشهور - خارجاً عنه ؛ لعدم تأثير العقد في النقل فعلاً ، والكشف الحقيقي أو الحكمي الذي هو نظيره ، داخلاً فيه ، فيكون وجوب التسليم مع عدم العلم بحصول العوض ، موجباً للغرر .
إلاّ أن يقال : إنّ وجوب التسليم مع الكشف الحقيقي أيضاً ممنوع ، حتّى على الأصيل ؛ لأنّ بناء العقلاء في باب المعاملات على التسليم والتسلّم ، فمع عدم العمل من أحد المتعاملين ، لا يجب على الآخر العمل به .
فوجوب التسليم على كلّ واحد منهما ، موقوف على عدم امتناع الآخر عنه ، والظاهر أنّ وجوب الوفاء بالعقود في الآية الكريمة(1) لا يكون غير ما لدى العقلاء .
وإن شئت قلت : إنّ العرف لا يفهم منه إلاّ ما هو المعهود عندهم ، ومن البعيد إلزام المتعامل بالوفاء وإن لم يلتزم به صاحبه ، وامتنع عنه ، فلا يجب على
ص: 330
الأصيل الوفاء بالعقد ، قبل وجوب الوفاء على طرف المعاملة .
فوجوب التسليم على كلّ منهما ، إنّما هو بعد الإجازة حتّى على الكشف الحقيقي ، فلا بدّ من العلم بالقدرة على التسليم ، أو التسلّم ، أو الحصول في يده ، حال وجوب التسليم عليهما ، وبه يدفع الغرر .
والحاصل : أنّ النقل والكشف مشتركان في فرض ، والكشف المشهوري والنقل ممتازان عن الحقيقي في فرض ، والإشكال غير وارد على جميع الفروض ، وجميع أقسام الفضولي .
وأمّا فيما يكون القبض والتسليم شرطاً لصحّته ، كبيع السلم والصرف :
فقد ادّعى الشيخ الأعظم قدّس سرّه ، عدم اعتبار القدرة على التسليم فيهما ؛ لأنّ تأثير العقد قبل التسليم في المجلس ، موقوف على تحقّقه ، فلا يلزم غرر .
ولو تعذّر التسليم بعد العقد رجع إلى تعذّر الشرط ، ومن المعلوم أنّ تعذّر الشرط المتأخّر حال العقد ، غير قادح ، بل لا يقدح العلم بتعذّره فيما بعده - في تأثير العقد - إذا اتّفق حصوله ؛ فإنّ الشروط المتأخّرة لا يجب إحرازها حال العقد ، ولا العلم بتحقّقها فيما بعد .
والحاصل : أنّ تعذّر التسليم مانع في بيع ، يكون التسليم من أحكامه ، لا من شروط تأثيره ، والسرّ فيه أنّ التسليم فيه جزء الناقل ، فلا يلزم غرر من تعلّقه بغير المقدور .
وبعبارة اُخرى : الاعتبار بالقدرة على التسليم بعد تمام النقل ، ولهذا لا يقدح
ص: 331
كونه عاجزاً قبل القبول ، إذا علم بتجدّد القدرة بعده ، والمفروض أنّ المبيع بعد تحقّق الجزء الأخير من الناقل - وهو القبض - حاصل في يد المشتري ، فالقبض مثل الإجازة بناءً على النقل ، وأولى منها بناءً على الكشف . . . إلى أن قال ما حاصله : إلاّ أن يقال إنّ الغرر العرفي ثابت .
ثمّ قال : اللهمّ إلاّ أن يمنع الغرر العرفي ، بعد الاطّلاع على كون أثر المعاملة شرعاً على وجه لا يلزم منه خطر(1) انتهى .
أقول : الظاهر أ نّه وقع الخلط بين ما هو دخيل في ماهية المعاملة عرفاً ، كالقبول ، وكون العوضين مالاً ، وبين ما هو من شرائط الصحّة شرعاً ، أو من موانعها ؛ فإنّ ما هو داخل في الماهية ، غير مشمول لأدلّة اعتبار الشرائط وعدم الموانع ، فإنّها اعتبرت في البيع - مثلاً - بعد الفراغ عن الصدق العرفي ، فلا تكون
الشرائط إلاّ لما هو بيع عرفاً .
فالعجز قبل القبول ، وعدم العلم بضمّ القبول إلى الإيجاب ، بل العلم بعدم ضمّه إليه ، لا يضرّ بالإيجاب وصحّة المعاملة إذا اتّفق الضمّ .
نعم ، لا يعقل الجدّ في الإيجاب مع الالتفات إلى عدم الضمّ ، فلو غفل وأنشأ الإيجاب ، ثمّ اتّفق ضمّ القبول صحّ ؛ لقصور أدلّة اعتبار الشرائط - التي كان موضوعها البيع - عن شمول المقوّمات .
وكذا وقع الخلط فيما هو موضوع اعتبار الشرائط ، أو عدم الموانع ، فإنّ الموضوع في جميعها هو نفس البيع العرفي ، لا هو مع الشرط الآخر ، فالشرائط
ص: 332
معتبرة فيه عرضاً ، ولا يكون شيء منها دخيلاً في الموضوع ، فعدم الغرر معتبر في البيع ، لا في البيع المعتبر فيه القبض في المجلس .
بل لا يعقل أن يكون قوله عليه السلام : «نهى النبي صلي الله عليه و آله وسلم عن بيع الغرر»(1) دليلاً على اعتبار عدمه في غير الصرف والسلم ؛ بالنسبة إلى البيع نفسه ، وفيهما مع اعتبار شرط القبض .
فاعتبار عدم الغرر إنّما هو بالنسبة إلى نفس البيع ، الذي هو صادق على المصاديق بنحو واحد ، فلا يكون دليل اعتبار الشرائط في البيع ، ناظراً إلى البيع مع سائر الشرائط المعتبرة فيه شرعاً ، وهو واضح .
فقوله في خلال كلامه : إنّ الاعتبار بالقدرة على التسليم بعد تمام النقل من غرائب الكلام إن أراد بتمامية النقل تحقّقه ؛ ضرورة أنّ القدرة من شرائط النقل والصحّة ، فهي دخيلة في النقل ، فلا يعقل اعتبارها بعد النقل فعلاً ، مع كونها شرطاً للصحّة .
وإن أراد تمامية النقل من غير ناحية هذا الشرط ، فهو أيضاً غير مرضيّ ؛ ضرورة أنّ القدرة على التسليم ، من شرائط صحّة البيع في عرض سائر الشروط ، ولا تكون الشروط مأخوذة في موضوعها ، فالقبض شرط في بيع السلف ذاته ، لا في البيع الذي اجتمعت فيه الشرائط ، وعدم الغرر معتبر في البيع كذلك .
وكذا وقع الخلط بين ما هو شرط في السلم ، وبين ما هو شرط في مطلق
ص: 333
البيع ؛ فإنّ شرط السلم هو القبض ، لا القدرة عليه ، ولا العلم بالقدرة عليه ، وشرط البيع هو القدرة على التسليم بمقتضى رواية حكيم بن حزام(1) ، والعلم بالقدرة على التسلّم بمقتضى حديث الغرر .
فحينئذٍ مع الشكّ في حصول القدرة على التسلّم ، يكون البيع غررياً باطلاً ، ولا يصحّحه القبض خارجاً ، فإنّ فقدان بعض الشرائط ، موجب للبطلان ولو وجد سائرها ، والصحّة تتوقّف على اجتماع الشرائط وعدم الموانع .
فالبيع الذي شكّ في مقدورية العوضين فيه ، باطل للغرر ، ولا يصحّحه وجود شرط آخر معتبر في قسم منه ، مثل الصرف والسلم ، كما أنّ الصرف مع عدم القبض في المجلس باطل ، لا يصحّحه انتفاء الغرر .
وممّا ذكرنا يظهر النظر فيما أفاده بعض المحشّين ؛ من لزوم الخلف ، بدعوى أنّ القبض في السلم معتبر بعد البيع ، فاعتباره قبله خلف(2) .
ضرورة أنّ ما هو معتبر في السلم نفس القبض ، وما هو معتبر في البيع مطلقاً ، هو العلم بالقدرة على التسلّم ، أو العلم بحصول المبيع عنده ، بناءً على كون المستند حديث الغرر ، والقدرة على التسليم ، بناءً على كون المستند حديث : «لا تبع ما ليس عندك»(3) فلا خلف ولا إشكال .
وأمّا عقد الرهن ، فالكلام فيه غير الكلام في السلم ، بناءً على عدم شمول حديث الغرر له ، واختصاصه بالبيع ، كما أنّ حديث «لا تبع . . .» غير مربوط به ،
ص: 334
فلا يعتبر فيه إلاّ نفس القبض .
فما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه : من أنّ اشتراط القدرة على التسليم فيه ، إنّما هو من حيث اشتراط القبض(1) لا يخلو من مسامحة ؛ فإنّ القدرة على التسليم ليست شرطاً فيه ، وإن كان التسليم موقوفاً عليها ، بل الظاهر عدم اعتبار إقباض البائع ، بل لو حصل القبض من دون إقباضه صحّ أيضاً ، فلا يتوقّف ما هو المعتبر فيه على القدرة على التسليم .
نعم ، بناءً على شمول حديث الغرر له ، يأتي فيه ما ذكرنا في السلم .
فما هو المعتبر في عقد الرهن ، هو نفس القبض ، وما هو المعتبر في مطلق المعاملات ، هو القدرة على التسليم في وجه ، والعلم بالقدرة على التسلّم في وجه .
ثمّ إنّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه قال : إنّ الشرط هي القدرة المعلومة للمتبايعين ؛ لأنّ الغرر لا يندفع بمجرّد القدرة الواقعية ، ولو باع ما يعتقد التمكّن ، فتبيّن عجزه في زمان البيع ، وتجدّدها بعد ذلك صحّ ، ولو لم يتجدّد بطل(2) انتهى .
وفيه : أنّ ما يتصوّر أن يكون شرطاً ، إمّا القدرة الواقعية ؛ بحيث تكون هي تمام الموضوع .
وإمّا العلم بها ؛ بحيث يكون هو تمام الموضوع .
ص: 335
وإمّا القدرة المعلومة ؛ بحيث يكون للموضوع جزءان : القدرة الواقعية ، والعلم بها .
وإمّا أمران هما : العلم بالقدرة وإن لم تتحقّق ، ونفس القدرة وإن لم تكن معلومة .
فعلى الأوّل : يصحّ البيع مع فقد العلم ، بل ومع العلم بالخلاف إذا كان قادراً .
وعلى الثاني : يصحّ مع العلم وإن لم يكن موافقاً للواقع .
وعلى الثالث : يصحّ مع اعتقاده بها ، وكونها متحقّقة متعلّقة للعلم .
وعلى الرابع : يصحّ إذا اعتقد قدرته وكان مخالفاً للواقع ، لكن تجدّدت القدرة ، ولو لم تتجدّد بطل ، فما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه ، إنّما هو من متفرّعات هذا الفرض ، لا فرض كون الشرط القدرة المعلومة ، كما لا يخفى .
ثمّ إنّه لا دليل على أنّ القدرة المعلومة شرط ؛ بحيث تكون القدرة جزء الموضوع ، لأنّ الظاهر من رواية حكيم ، هو اعتبار القدرة على التسليم حال البيع كما مرّ(1) ، والمستفاد من حديث الغرر ، كفاية العلم بالقدرة على التسلّم ، أو بالحصول في يده ، وعدم اعتبار القدرة على التسليم ، والجمع بينهما يقتضي اعتبار القدرة الواقعية حال البيع ، والعلم بالقدرة على التسلّم حال وجوب التسليم ، فلا يفيد ضمّ أحدهما إلى الآخر اعتبار القدرة المعلومة .
ولو ضمّ إلى حديث الغرر الإجماع على اعتبار القدرة ، وكان المتيقّن منه وجود القدرة في الجملة في قبال العجز رأساً ، لم ينتج أيضاً اعتبار القدرة
ص: 336
المعلومة ، بل ينتج ما هو المتفرّع على الفرض الأخير ؛ أي الاعتقاد بالقدرة على التسلّم ولو كان مخالفاً للواقع ، وتجدّد القدرة ولو لم يتعلّق بها العلم .
ثمّ الظاهر من رواية حكيم اعتبار قدرة المالك ، وعدم كفاية قدرة الوكيل ولو كان وكيلاً مطلقاً ؛ لما مرّ من أنّ المستفاد منها أمر تعبّدي ، غير موافق لعقولنا ، وغير مربوط بالغرر(1) ، ومقتضى الجمود عليها اعتبار هذا الشرط بالنسبة إلى البائع المالك ، والتعميم إلى الوكيل يحتاج إلى معمّم مفقود .
والمستفاد من حديث الغرر ، اعتبار العلم بالقدرة على التسلّم ، أو بالحصول عنده ، لا اعتبار قدرة البائع المالك أو وكيله ، فلا دليل عليه .
ص: 337
ثمّ إنّ البحث عن الآبق ، كالبحث عمّا لا يقدر على تسليمه ، بناءً على كون المستند في الحكم رواية حكيم بن حزام(1) فإنّ الميزان - على ما يفهم منها - قدرة البائع على تسليمه فعلاً ، وهي المعتبرة في صحّته ، فلا يصحّ بيع الآبق وإن كان المشتري قادراً على تسلّمه .
وكذا لو كان المستند حديث الغرر لو قلنا : بأنّ الانتفاع بالعتق لا يخرجه عن الغرر مع عدم تمكّن المشتري من التسلّم .
نعم ، في خصوص الآبق وما هو نحوه ؛ ممّا يمكن الانتفاع به بوجه ، يقع الكلام تارة : في أنّ وجود الانتفاع بوجه ، هل يمنع عن صدق «التلف» مع اليأس عن الظفر به ؟
واُخرى : في أنّ ذلك موجب لرفع الغرر أو لا ؟
ص: 338
لا إشكال في عدم كونه تالفاً حقيقةً ، والظاهر عدم كونه بمنزلة التالف أيضاً كالمسروق والغريق ، مع إمكان الانتفاع به بمثل العتق ، أو البيع ممّن يريد عتقه ، فلو غصبه غاصب وفرّ من يده ، ليس عليه ضمان عينه ، بل عليه ضمان منافعه التالفة إلى زمان الرجوع أو العتق ، فتأمّل .
والمعاملة عليه عقلائية ، ليست مثل المعاملة على العين الغرقة التي لا يرجى وصولها ، فليست المعاملة سفهية ، ولا أخذ المال في مقابله أكلاً له بالباطل .
بل يصحّ بيعه وإن لم يكن للبائع قصد عتقه ؛ فإنّ الصحّة لا تتوقّف على أغراض المتعاملين ، فما كانت له منفعة عقلائية ، يصحّ بيعه مع إمكان استيفائها ولو لم يستوفها ، أو لم تكن تلك المنفعة موافقة لغرضه .
والظاهر عدم كون المعاملة غررية أيضاً مع تلك المنفعة ، إذا كان مرجوّ العود ، إن كان المراد ب- «الغرر» الخطر ، فأيّ خطر على من أراد عتق رقبة ، إمّا للثواب ، أو لكفّارة عليه ، أو لشفقة إنسانية ؛ في أن يشتري آبقاً ويعتقه ؟ ! بل إمكان الانتفاع الكذائي ، يخرجه عن صدق «الغرر» و«الخطر» .
نعم ، لو كان المراد ب- «الغرر» الجهل ، أعمّ من الجهل بالحصول عنده ، كان غرراً ، ولكن قد عرفت عدم صحّة هذا الاحتمال(1) .
والتحقيق : أنّ مقتضى القواعد صحّة بيع الآبق وما هو نحوه - ممّا تكون له منفعة - وإن لم يحصل نفسه عنده ، كان آيساً منه أم لا .
ص: 339
إن قلت : إنّ المستفاد من صحيحة النخّاس(1) وموثّقة سماعة(2) إلغاء الشارع الأقدس في خصوص الآبق ، منفعة عتقه ؛ فإنّ عدم تجويز بيعه مستقلاًّ ومنفرداً ، ليس إلاّ لأجل كون تلك المنفعة العقلائية - بل المعتدّ بها عند الشارع - بحكم العدم ، وإلاّ فمقتضى العمومات صحّته ، والحمل على خلاف القواعد العقلائية والشرعية بعيد .
كما أنّ الحكم بكون الثمن في مقابل الضميمة مع عدم القدرة عليه ، دليل على أنّ الموجب للصحّة حصوله عنده ، ومع عدمه يكون أكل المال في مقابله باطلاً ، وليس ذلك إلاّ لعدم الاعتناء بمنفعة العتق .
مع أنّ تلك المنفعة غير المقصودة نوعاً ، إن أخرجت الشيء عن كونه بمنزلة التالف ، وصارت موجبة لصحّة البيع ، لأمكن وجود مثلها في غالب الموارد التي عدّ الشيء فيها تالفاً ، كالمسروق ، فللمالك أن يجعل العين المسروقة التي لا يرجى عودها ، مباحةً للسارق ، والمنهوبة كذلك مباحةً للغاصب .
قلت : بل الظاهر منهما عدم إلغاء تلك المنفعة في الآبق ؛ فإنّ الحكم بالصحّة مع الضميمة ، دليل على أنّ له منفعةً ما ، ولأجلها يصحّ جعله جزء المبيع ، وإعطاء الثمن بإزائه ، فلو كانت تلك المنفعة بمنزلة العدم شرعاً ، والفرض عدم وجود منفعة اُخرى له ، لكان ذلك موجباً لبطلان البيع على المجموع .
فالحكم بالبطلان منفرداً ، ليس لأجل عدم كون المعاملة عقلائية ، ولا لأجل سلب المنفعة عنه شرعاً ، ولا لأجل الغرر ، بل تعبّد محض .
ص: 340
وفي قوله عليه السلام في ذيل موثّقة سماعة(1) ، عن أبي عبداللّه عليه السلام : في الرجل يشتري العبد وهو آبق عن أهله .
قال : «لا يصلح له إلاّ أن يشتري معه شيئاً آخر ، ويقول : «أشتري منك هذا الشيء وعبدك بكذا وكذا» فإن لم يقدر على العبد ، كان الذي نقده فيما اشترى منه»(2) احتمالات .
منها : أن يكون ذلك ؛ أي «فإن لم يقدر . . .» إلى آخره ، تعليماً للبائع كيفية البيع في الآبق مع الضميمة ؛ بأن يشتري العبد مع الضميمة بكذا وكذا ، ومع عدم القدرة عليه يشتري الشيء بهذا الثمن .
فيكون بيعين في بيع ، عكس ما ورد في النصّ ؛ من جعل ثمنين لمبيع واحد على فرضين(3) فيكون مبيعين بثمن واحد على فرضين : فرض القدرة ،
ص: 341
وفرض عدم القدرة ، فيقول : «أشتري منك هذا العبد وهذا الشيء بعشرين مثلاً ، وإن لم أقدر على العبد أشتري الشيء بعشرين» .
ومنها : أن يكون ذلك لتعليم بيع وشرط في ضمنه ، فيقول : «اشتريت هذين بكذا» والشرط أن يكون الثمن بإزاء الشيء عند عدم القدرة .
ومنها : أن يكون ذلك حكماً شرعياً ، مع وقوع البيع على العبد والضميمة ؛ بأن يقال : إنّ الشارع عند عدم القدرة ، جعل الثمن بإزاء الضميمة ، فكان ذلك بصرف منه ، لا بجعل من المتبايعين .
ومنها : أن يكون تعبيراً متعارفاً بحسب أغراض المشتري ، لا لبيان الحكم الشرعي ؛ فإنّ الأغراض في اشتراء العبد - بحسب النوع - تتعلّق بخدمته وسائر منافعه الحاصلة تحت يد المولى ، والعتق ليس منها غالباً .
وهذا وإن لم يوجب بطلان البيع كما مرّ(1) ، لكن إذا أبق العبد يقال بحسب النظر إلى الأغراض النوعية : «إنّ ماله قد خرج من يده وتلف» فبهذا النظر يمكن أن تكون الرواية بصدد بيان هذا الأمر المتعارف .
فيكون حاصل المراد : أ نّه إن قدر على العبد فهو ، وإلاّ فلم يهدر ثمنه بلا شيء ، بل كان بإزاء ذلك الشيء الذي اشتراه معه ، لا بمعنى جعله بإزائه ، بل بمعنى بيان أنّ ما بإزاء المال ، دخل في كيسه في الجملة .
ولا ينبغي الإشكال في مخالفة الاحتمالين الأوّلين للظاهر ، بل ينبغي القطع بخلافهما ، والاحتمال الثالث بعيد جدّاً .
ص: 342
ولا يبعد أن يكون الاحتمال الأخير أوجه وأظهر ، وإن كان لا يخلو من مخالفة ظاهر ، لكنّه أهون من غيره ، واحتمال إلغاء الشارع ماليته ، إنّما هو في غير هذا الاحتمال الذي هو أرجح الاحتمالات ، وعليه تكون صحّة البيع مع الضميمة ، موافقة للقواعد ، وعدم الجواز منفرداً تعبّدياً مخالفاً لها .
وأمّا النقض بإمكان إباحة المال للغاصب والسارق ، فهو كما ترى .
إن قلت : بيع الشيئين إذا لم يكن ارتباط بينهما - بحيث يعدّ كلّ واحد جزءاً للمجموع ، نظير الباب ذي مصراعين والنعلين - ينحلّ إلى بيعين ، فضمّ الثوب إلى العبد ، وبيعهما بلفظ واحد ، لا يوجب وحدة السلعة كالمثالين ، فما معنى عدم هدر ثمنه بناءً على الاحتمال الأخير ؟ !
بل الضمّ لا أثر له في تصحيح البيع ، ولا يخرج به البيع عن الاستقلال ، فما وجه عدم الصحّة استقلالاً ، والصحّة مع الضميمة ، مع أ نّه لا فرق بينهما ؟ !
قلت : هذا إذا ضمّ أحدهما إلى الآخر في مجرّد العبارة ، كما لو أراد بيع عبد وكتاب ، فقوّم كلاًّ منهما ، ثمّ قال : «بعتهما بكذا» أي الثمنين ، فلا يخرج باجتماعهما في صيغة واحدة عن البيعين .
وأمّا إذا ضمّ إلى الآخر ، واعتبرا واحداً ، وأوقع البيع على المجموع الواحد
اعتباراً ، فيكون بيعاً واحداً ، والرواية ظاهرة في ذلك ، حيث لم يكتف فيها باشتراء العبد والثوب ، بل عقّب ذلك بقوله عليه السلام : «فتقول لهم : «أشتري منكم جاريتكم فلانة وهذا المتاع بكذا»» وهذا ظاهر في اعتبارهما واحداً .
فالسلعة واحدة ، والبيع واحد ، فيصحّ أن يقال : «إن لم يقدر على العبد فثمنه لم يكن هدراً ، بل يكون بإزائه شيء في البيع الكذائي» .
ص: 343
نعم ، هنا رواية عن «دعائم الإسلام» عن أمير المؤمنين عليه السلام أ نّه قال : «لا يجوز بيع العبد الآبق ، ولا الدابّة الضالّة» يعني قبل أن يقدروا عليها .
قال جعفر بن محمّد : «إذا كان مع ذلك شيء حاضر جاز بيعه ، يقع البيع على الحاضر»(1) .
والظاهر منها أنّ البيع مصروف إلى الحاضر ، لكنّها رواية غير معتمدة ، مخالفة للقواعد .
ثمّ إنّ المشتري تارة : يكون عالماً بالظفر به ، واُخرى : عالماً بعدمه ، وثالثة : مطمئنّاً بالظفر ، ورابعة : آيساً منه ، وخامسة : راجياً له .
وعلى ما ذكرناه : من أنّ بيع الآبق منفرداً ومع الضميمة ، صحيح بحسب القواعد ، وأنّ شرط الانضمام تعبّدي محض ، لا لدفع السفه والأكل بالباطل ، ولا لدفع الغرر(2) ، فلا بدّ في الخروج عن مقتضى القواعد من الاقتصار على ما تشمله الروايتان .
ولولا صحيحة النخّاس(3) - حيث قوبل فيها بين قوله عليه السلام : «لا يصلح» وبين قوله عليه السلام : «فإنّ ذلك جائز» المتفاهم منها عدم الجواز منفرداً - لأمكنت المناقشة في دلالة الموثّقة(4) بل الحمل على الإرشاد إلى ما هو صلاح المشتري ، أظهر
ص: 344
فيها ، ولا سيّما بحسب رواية «الفقيه»(1) و«التهذيب»(2) حيث قال فيهما : «لا يصلح له» .
لكن من المعلوم : أنّ المراد فيهما واحد ، وهو عدم الجواز بلا ضميمة .
وكيف كان : ففي صحيحة النخّاس - قال : سألت أبا الحسن موسى عليه السلام قلت له : أيصلح لي أن أشتري من القوم الجارية الآبقة ، واُعطيهم الثمن ، وأطلبها أنا ؟
قال : «لا يصلح شراؤها إلاّ أن تشتري منهم معها ثوباً أو متاعاً ، فتقول لهم : «أشتري منكم جاريتكم فلانة وهذا المتاع بكذا وكذا درهماً» فإنّ ذلك جائز»(3) . يحتمل أن يكون قوله عليه السلام : «لا يصلح شراؤها» غير ناظر إلى قوله : «وأطلبها» .
فيكون المراد : أنّ الآبقة لا يصحّ شراؤها مطلقاً إلاّ مع الضميمة ، فتنقسم جميع صور بيع الآبق : إلى ما لا يصحّ ، وما يصحّ ؛ بحكم الإطلاق في المستثنى منه ، وتبعية المستثنى له .
وأن يكون ناظراً إلى ما يتوقّف عليه الطلب ، وهو رجاء الظفر ، فيكون قوله عليه السلام : «لا يصلح شراؤها» بمنزلة «لا يصلح شراء الآبقة» التي علم الظفر بها ،
ص: 345
أو يرجى ذلك ، ويرد الاستثناء عليه ، فغير ذلك من الصور تخرج عن مفادها ، فتقع صحيحة حال الانفراد حتّى المعلوم عدمه ، فضلاً عن صورة اليأس .
وقد مرّ : أن شراءها حتّى مع العلم بعدم الظفر بها ، ليس سفهياً ، ولا غررياً ، ولا أكلاً للمال بالباطل(1) ، بعد كون العتق في الكفّارات وللّه ، من المنافع المرغوب فيها .
ولمّا كان شرط الانضمام من الشرائط التعبّدية كما أشرنا إليه(2) ، ولا طريق للعقول إلى مناطه ، وليس لأجل الغرر ونحوه أيضاً ، لم تصحّ دعوى المناط القطعي ، ولا دعوى إلغاء الخصوصية عرفاً .
ولو أغمضنا عن ذلك ، وقلنا : بأ نّه يفهم العقلاء والعرف من عدم صحّة الشراء في صورة رجاء الظفر بها - ولو بمناسبات مغروسة في الأذهان - عدم صحّته مع العلم بعدم الظفر بها ، أو مع اليأس عنه ، يكون المستثنى منه شاملاً لجميع الصور ، ومقتضى الاستثناء صحّتها مع الضميمة ، فتصير النتيجة كالاحتمال الأوّل .
ودعوى : شمول المستثنى منه ولو بمعاضدة فهم العرف ، لجميع الصور ، واختصاص الاستثناء بخصوص بعضها كالمرجوّ الظفر(3) ، لا تخلو من مجازفة .
وهنا احتمال آخر ، ولعلّه الأقرب ، وهو عدم الإطلاق في قوله عليه السلام : «لا يصلح شراؤها» لكون المورد مرجوّ الظفر به ، وعدم التقييد أيضاً ، فتكون
ص: 346
الصحّة - في غير مورد الشمول - على القاعدة .
فتحصّل من جميع ذلك : أ نّه مع اليأس عن الظفر بها ، أو العلم بعدمه ، يصحّ إمّا مطلقاً ، أو مع الضميمة .
نعم لو قلنا : بأنّ مقتضى القاعدة البطلان ، يكون الكلام على خلاف ذلك .
ثمّ إنّه لا إشكال في إطلاق موثّقة سماعة(1) مع الإغماض عن ذيلها ، واحتمال انصرافه إلى مرجوّ الظفر به أو معلومه ؛ بدعوى أنّ العقلاء غالباً ، لا يقدمون على اشتراء ما لا يرجى الظفر به ، أو المعلوم عدمه ، في غير محلّه مع كون تلك المنفعة عقلائية مقصودة ، ومجرّد الغلبة لا توجب الانصراف ، فترك الاستفصال وعدم التقييد في السؤال ، دليل على الإطلاق .
وأمّا ذيلها ، فلا يصلح للقرينية على أنّ مورد السؤال ممّا يرجى الظفر به ، كما ادّعاه الشيخ الأعظم قدّس سرّه (2) ؛ لعدم دلالة قوله عليه السلام : «فإن لم يقدر . . .» إلى آخره ، على ذلك ؛ لأنّ للقدرة واقعية ، علم المشتري بها أم لا ، فيصحّ أن يقال عند إلقاء كلّي أو مطلق : «إن لم يقدر عليه فكذا» فلا يجب أن يكون ذلك في مورد الرجاء ، بل ولا وجه له .
فحينئذٍ يؤخذ بإطلاق الصدر ، ولا تصلح الصحيحة لتقييده بعد ما عرفت من الاحتمالات فيها ، وترجيح الأخير منها (3) ؛ وهو عدم الإطلاق والتقييد ، لعدم تقييد فيها ؛ لا في السؤال ، ولا في الجواب ، حتّى يقال : إنّ مفهوم القيد مقيّد
ص: 347
لإطلاق الموثّقة ، بل غاية الأمر كون المورد ممّا يرجى الظفر به ، وهو غير التقييد . مع أنّ وجود المفهوم للقيد أيضاً ، خلاف التحقيق .
فتحصّل ممّا ذكر : أنّ الآبق مطلقاً لا يجوز بيعه منفرداً ، ويجوز مع الضميمة ، وأنّ عدم الجواز تعبّدي على خلاف القواعد .
ثمّ إنّ الظاهر كما أشرنا إليه(1) ، وجود عناية خاصّة في بيان كيفية البيع مع الضميمة ؛ بحيث تصير السلعة واحدة ، والبيع واحداً ، فلا يجوز ضمّ المنفعة إن قلنا : بعدم جواز بيعها ؛ لأنّ الضميمة حينئذٍ لا بدّ وأن تكون بنحو الاشتراط ، والشرط جعل في جعل ، فينحلّ إلى بيع وشرط ، وهو خلاف المتفاهم من الرواية .
بل وخلاف ذيلها ؛ فإنّ الظاهر منه أنّ الثمن في البيع لم يهدر بلا عوض ، مع أنّ الذيل ليس تعليلاً ، ولا حكماً شرعياً كما تقدّم(2) .
نعم ، لا بدّ وأن تكون الضميمة حاضرة ، أو بحكمها ، أو معلومة الحصول عنده ، فلو أبق عبدان ، وعلم رجوع أحدهما إجمالاً ، لم يصحّ بيع أحدهما بلا ضميمة ، ويصحّ بيعهما معاً .
وفي إسراء الحكم من الآبق إلى غيره - كالدابّة الشاردة ، والمتاع المفقود(3) -
ص: 348
إشكال بل منع ، نعم وردت روايات خاصّة(1) تدلّ على صحّة بيع المجهول مع الضميمة ، والبحث فيها ، وفي مقدار دلالتها ، وصحّة إلحاق مطلق المجهول به ، موكول إلى محلّه(2) .
ثمّ إنّه على ما ذكرناه - من وقوع البيع في الآبق مع الضميمة على المجموع من حيث هو ، وعدم دلالة ذيل موثّقة سماعة(3) على صرف البيع أو الثمن إلى الضميمة عند عدم القدرة على الآبق ، وأنّ البيع الكذائي عقلائي(4) - لا يكون بين النبوي المشهور «كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه»(5) وبين الروايتين في الباب(6) مخالفة ، ويكون حال المبيع هاهنا كسائر الموارد :
فإن قلنا : بأنّ تلف البعض مشمول للنبوي ، وقلنا : بأنّ مفاده انفساخ البيع قبل التلف آناً ما ، فمع تلف الآبق حقيقة ، ينفسخ البيع بالنسبة إليه ، ويردّ إلى المشتري
ما يقابله من الثمن .
ص: 349
وكذا مع اليأس إن قلنا : بأ نّه بحكم التلف ، وكذا مع ارتداده إن قلنا : بأنّ عتق الكافر غير صحيح ؛ لا في الكفّارات ، ولا في غيرها ، فيكون بحكم التلف .
والفروع التي ذكرها الشيخ الأعظم قدّس سرّه (1) ، مبنيّة غالباً على صرف الثمن عند عدم القدرة إلى الضميمة ، فإن قلنا : بالصرف ، تكون موثّقة سماعة حاكمة على النبوي ؛ لأنّ مقتضاه رجوع ما قابله من الثمن ، ويكون الضمان ضمان المعاوضة ، ومقتضى الموثّقة رفع المقابلة .
وهل تلحق سائر المعاملات بالبيع في اعتبار القدرة على التسليم مطلقاً ، أم لا كذلك ؟
أم يفصّل بين مثل الصلح ، الذي مبناه على المسامحة والإيقاع على غير المعلوم غالباً ، فيقال : إنّ الصلح ورد في مورد الغرر ، فيقدّم على النهي عن الغرر ، وبين غيره ؟
مبنى الإلحاق إمّا إلغاء الخصوصية عن البيع ، وإمّا التمسّك بالنبوي «نهى النبي عن الغرر» .
ومبنى عدمه إنكار إلغائها، وعدم انجبار المرسلة الثانية، أو إنكار دلالتهما على المطلوب ، ولا سيّما المرسلة الثانية ؛ فإنّ النهي عن الغرر ، يصحّ بلا مسامحة إن كان المراد منه الخديعة ، فيكون مولوياً دالاًّ على تحريم الغرر ؛ أي الخديعة .
ص: 350
وأمّا إن اُريد منه الجهالة أو الخطر ، فلا بدّ من الالتزام بمسامحة فيه ؛ لأنّ النهي عن الجهالة والخطر - بالمعنى المقصود في المعاملة - لا يصحّ بنحو الحقيقة ، فلا بدّ من تقدير شيء ؛ بأن يقال : «نهى عن الغرر في البيع» مثلاً ، أو «في المعاملات» والتقدير ونحوه خلاف الأصل .
نعم ، اعتبار القدرة على التسليم أو التسلّم إن كان عرفياً ، فلا يفرّق فيه بين البيع ، والمعاملات التي هي مبنيّة على الأخذ والإعطاء كالإجارة .
ثمّ إنّه قد يتوهّم : أنّ أوّل من استند إلى المرسلة الثانية - أي «نهى النبي صلي الله عليه و آله وسلم عن الغرر» - هو العلاّمة(1) ، ولم يسبقه غيره ، وأنّ ما ذكره ليس غير «نهى النبي صلي الله عليه و آله وسلم عن بيع الغرر»(2) وإنّما أسقط «البيع» عنه(3) .
وفيه : أنّ ذلك ناشئ من قلّة التتبّع ؛ فإنّ شيخ الطائفة في «الخلاف» في كتاب البيع مسألة «245» تمسّك بالنبوي الأوّل(4) .
وفي كتاب الضمان مسألة «13»(5) وفي كتاب الشركة مسألة «6»(6) تمسّك بالنبوي الثاني .
وكذا ابن زهرة في كتاب الشركة تمسّك به(7) ، ومعلوم أنّ الشركة والضمان
ص: 351
غير مشمولين للنبوي الأوّل .
نعم ، يمكن الإشكال في جبره ، مضافاً إلى الإشكال في دلالته كما تقدّم(1) ، وستأتي إن شاء اللّه تعالى تتمّة لذلك في بيع المجهول(2) .
ثمّ إنّه وردت رواية عن «دعائم الإسلام» عن أمير المؤمنين عليه السلام : أ نّه سئل عن بيع السمك في الآجام ، واللبن في الضرع ، والصوف في ظهور الغنم .
قال : «هذا كلّ-ه لا يجوز ؛ لأ نّ-ه مجهول غير معروف ، يقلّ ويكثر ، وهو غرر»(3) .
وقد يتوهّم صحّة التمسّك بذيلها - أي «وهو غرر» - على اعتبار القدرة على التسليم في سائر المعاملات ، وعلى إجراء الغرر - بمعنى الجهالة في الوصف - في سائرها ؛ بدعوى أنّ الكبرى : هي نفي الغرر مطلقاً .
وفيه ما لا يخفى مع الغضّ عن سندها ؛ فإنّ الظاهر منها أنّ البيع الكذائي بيع أمر مجهول ، يقلّ ويكثر ، وهو - أي بيع ذلك - غرر ، فلا يستفاد منها جريانه في غيره .
وإن شئت قلت : إنّ التمسّك لا بدّ وأن يكون بإطلاقها ، وهو لا يصحّ مع إمكان اتّكال المتكلّم على القرينة الموجودة الحافّة بالكلام ، لو لم نقل : بظهوره فيما ذكرناه .
ص: 352
ص: 353
ص: 354
قالوا : يشترط العلم بالثمن قدراً (1) ، فلو باع بحكم أحدهما بطل ، وادّعي عليه الإجماع(2) والاتّفاق(3) ، واستدلّ عليه باُمور .
والظاهر
وهذه تفرض بعد تمامية أركان البيع ؛ من ذكر المثمن ، والثمن ، وعقلائية المعاملة ؛ لأنّ الشروط رتبتها بعد ذلك كما لا يخفى .
ص: 355
والسند فيه بعد دعوى الإجماع وعدم الخلاف(1) ، حديث الغرر(2) ونحن وإن ناقشنا سابقاً في دلالته(3) ، لكن الإنصاف أ نّه بعد فهم علماء الفريقين منه ما هو المعروف المعهود ، لا يعتنى بالاحتمالات ، فتأمّل .
وتؤيّده جملة من الروايات ، كرواية «دعائم الإسلام» عن أبي عبداللّه ، عن آبائه عليهم السلام : «إنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم قال : من باع بيعاً إلى أجل لا يعرف ، أو بشيء لا يعرف ، فليس بيعه ببيع»(4) .
ورواية حمّاد - وفي التهذيب حمّاد عن الحلبي - عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «يكره أن يشتري الثوب بدينار غير درهم ؛ لأ نّه لا يدري كم الدرهم من الدينار»(5) .
وقريب منها رواية اُخرى مع اختلاف في سندها بين «الوسائل» و«التهذيب» ففي «التهذيب» : عن حمّاد بن ميسّر(6) ، وفي «الوسائل» : حمّاد عن ميسّر(7) .
ص: 356
لا كلام في أنّ الظاهر منهما ، أنّ الجهل بالنسبة - الموجب للجهل بمقدار الثمن - موجب للكراهة ، الظاهر منها الفساد ولو بمناسبة الحكم والموضوع .
وإنّما الكلام في أنّ الظاهر من التعليل ، أنّ الجهل بها دائمي - وإلاّ لقال : «إذا لم يدر بذلك» - مع أنّ الأمر ليس كذلك ؛ إذ النسبة بين الدينار والدرهم ، أمر معهود ومعروف بين الصرّافين والمتبايعين ، خصوصاً في تلك الأعصار .
فلا بدّ من حملهما : إمّا على النسيئة ولو بقرينة بعض روايات اُخر ، كرواية السكوني المعتمدة(1) ورواية وهب(2) فإنّ النسبة في رأس الأجل ، مجهولة دائماً ، فتصحّ الكبرى .
وإمّا على عدم صحّة جعل الثمن ديناراً غير درهم ، مع اختلاف الدنانير ، وكذا الدراهم أو أحدهما ، فلا بدّ من بيان دينار معيّن ودرهم كذلك ، حتّى تعلم النسبة .
ولا تبعد أقربية الأوّل ؛ لأنّ الظاهر أنّ الجهل تعلّق أوّلاً بالنسبة ، مع أنّ ذكرهما معرّفين في الكبرى يؤيّده .
وكيف كان : إنّ الظاهر منهما أنّ تمام الموضوع للفساد ، هو الجهل بالثمن ، من غير دخالة للدينار والدرهم والجهل بنسبتهما ، فلو جعل غيرهما ثمناً وكان مجهولاً ، دخل في الكبرى وفسد .
ص: 357
نعم ، يظهر من رواية السكوني - مع اختلاف في سندها بين «التهذيب» و«الوسائل» - عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليهم السلام : في الرجل يشتري السلعة بدينار غير درهم إلى أجل .
قال : «فاسد ؛ فلعلّ الدينار يصير بدرهم»(1) .
أنّ سبب البطلان ليس الجهل مطلقاً ، بل احتمال صيرورة البيع بلا ثمن ، كما لو باع شيئاً إلى أجل بدينار غير دينار ، فإنّ بطلانه ليس لأجل الجهل ، بل لخلوّ البيع عن الثمن ، وعدم صدق مفهوم البيع عليه ، ومع احتمال صيرورة الدينار بدرهم ، يكون البطلان لأجل كون المورد من الشبهة المصداقية لماهية البيع ، فلو كان مجرّد الجهل موجباً للبطلان ، لم يحسن تعليله بما ذكر .
إلاّ أن يقال : إنّه من المستبعد جدّاً صيرورة الدينار بدرهم في وقت ، فيكون الكلام مبنيّاً على مبالغة ، ولا يراد منه المعنى الحقيقي ، بل يكون كناية عن تنزّل القيمة فاحشاً ، فيراد أنّ البيع فاسد ؛ لاحتمال تنزّل الدينار فاحشاً .
ولعلّ ذلك لأجل عدم الفساد مع التنزّل القليل ، الذي لا يعدّ غرراً ، فيرجع مفادها إلى مفاد سائر الروايات .
ص: 358
وأمّا التقييد بالنسيئة في رواية وهب ، فالظاهر أ نّه لأجل تحقّق الجهالة لا لقيديتها لأصل الحكم .
وكيف كان : يستفاد من تلك الروايات بطلان البيع مع جهالة الثمن .
ومن هذا الباب ما إذا باع بحكم المشتري ، إذا كان المقصود بيع الشيء بعنوان كلّي هو «ما يعيّنه المشتري» أو «بما يعيّنه المشتري» إشارة إلى ما يعيّنه فيما بعد ، ففي الصورتين يكون الثمن مذكوراً في البيع وإن كان مجهولاً ، فدليل البطلان هو ما تقدّم .
كما إذا باعه بحكم المشتري ؛ على أن يكون المراد بيعه بلا ثمن فعلاً ، وإعطاء الاختيار للمشتري بتعيين الثمن بعد ذلك ، وهذا أيضاً باطل ، لكن لا للغرر ، ولا للأخبار المتقدّمة(1) ، بل لعدم صدق «البيع» عليه ، فهذا نظير قوله : «بعتك بلا ثمن» و«آجرتك بلا اُجرة» ممّا لا يصدق عليه العنوان .
وأمّا صحيحة رفاعة النخّاس قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام قلت : ساومت رجلاً بجارية ، فباعنيها بحكمي ، فقبضتها منه على ذلك ، ثمّ بعثت إليه بألف درهم ، فقلت : هذه ألف درهم حكمي عليك ، فأبى أن يقبلها منّي ، وقد كنت مسستها قبل أن أبعث إليه الألف درهم .
قال : فقال : «أرى أن تقوّم الجارية قيمة عادلة ، فإن كان قيمتها أكثر ممّا
ص: 359
بعثت إليه ، كان عليك أن تردّ إليه ما نقص من القيمة ، وإن كان قيمتها أقلّ ممّا بعثت إليه فهو له» .
قال : قلت : أرأيت إن أصبت بها عيباً بعد ما مسستها ؟
قال : «ليس لك أن تردّها ، ولك أن تأخذ قيمة ما بين الصحّة والعيب»(1) .
فيحتمل فيها ذكر الثمن مجهولاً ؛ بأن يراد بقوله : «باعنيها بحكمي» أ نّه باعها بالثمن الذي يتعيّن بحكمي بعد ذلك ، فقال مثلاً : «بعتكها بالثمن الذي ستعيّنه» فكان الثمن مذكوراً بنحو الإبهام ، وبه تمّ ركن المعاملة وإن كان فيها غرر .
ويحتمل فيها عدم ذكر الثمن ؛ بأن قال : «بعتكها ، وتعيين الثمن موكول إلى حكمك» فكانت بلا ذكر الثمن ، فلم يتمّ ركنها ، ولم يصدق عليها «البيع» .
فعلى هذا الاحتمال ، لا يمكن تطبيق شيء من فقرات الصحيحة على القواعد ، بل على فرض الأخذ بها ، يكون الحكم تعبّداً محضاً .
والإنصاف : أ نّه لا يصحّ على هذا الاحتمال العمل بها ؛ لكون التعبّد كذلك مستبعداً جدّاً ، بل يمكن دعوى القطع بعدمه .
وأ مّا على الاحتمال الآخر ؛ بأن كان الثمن مجهولاً ، وباع بالقيمة التي حكم بها المشتري ، فالظاهر من «الحدائق»(2) العمل بها ، وعدم الاعتناء
ص: 360
بالإجماع المنقول(1) أو عدم الخلاف(2) .
وفيه : أ نّها بظاهرها معرض عنها ، ولا حجّية في الخبر الذي أعرض عنه أصحابنا وإن كان صحيحاً صريحاً ؛ لما قرّر في محلّه من أ نّه لا دليل على حجّية خبر الواحد إلاّ السيرة العقلائية(3) ، ولا يعمل العقلاء بالخبر الذي أعرض عنه رواته وغيرهم ؛ من المتعبّدين بالعمل بخبر الواحد ، والتفصيل في مظانّه .
وقد أوّلوا الصحيحة بتأويلات بعيدة ، ومع ذلك لم يأتوا بشيء يعالج تمام فقراتها ، فحملها الشيخ الأعظم قدّس سرّه (4) على ما هو في غاية البعد ، ومع ذلك لم يتعرّض للإشكال المتوجّه إلى بعض فقراتها ، وهو التفكيك بين كون القيمة أقلّ من الثمن، وبين كونها أكثر، كيف أمر عليه السلام في جانب الأكثر بإيصال الزيادة؛ لأجل خيار الغبن ، وحكم في جانب الأقلّ بأنّ الزيادة له ، الظاهر منه أن لا خيار له ؟ !
مضافاً إلى أنّ ردّ الثمن ظاهر في عدم قبول المعاملة ، فهو بمنزلة الفسخ ، ومعه لا وجه لإيصال تتمّة القيمة ، بل لا بدّ من عقد جديد .
وحملها بعضهم على أنّ المراد من «باعنيها بحكمي» أ نّه وكّله في بيعها بالقيمة التي يعيّنها ، لا القيمة الواقعية ، فله خيار الغبن ، دون المشتري(5) .
ص: 361
وفيه : أنّ نظره إن كان تمام الموضوع ، فلا وجه للخيار مطلقاً ، وإن كان طريقاً لتشخيص الواقع ، ووقعت المعاملة على ما عيّنه ، لا على الواقع ، فالغبن حاصل في طرف الزيادة للبائع ، وفي طرف النقيصة للمشتري ، فما وجه التفكيك ؟ !
مع أنّ الحمل على التوكيل في غاية البعد ، كما أنّ في الغبن ليس إلاّ الخيار ، وليس فيه جبر .
وغاية ما يمكن أن يقال : إنّ المساومة تقع تارة على ازدياد الثمن ونقصه ، من غير تعرّض للقيمة الواقعية ، فيقول أحدهما : «إنّ الجارية بألف» والآخر : «إنّها بألفين» فيتسالمان على شيء ، فيوقعان البيع ، ففي مثلها ليس حكم من أحد المتعاملين في الواقعة .
واُخرى : في تشخيص الواقع ، فيقول المشتري : «إنّ القيمة الواقعية كذا» ويقول البائع : «كذا» فحينئذٍ إن رضي البائع بحكم المشتري بأنّ القيمة كذا ، وأوقعا البيع بحكمه ، كان البيع صحيحاً ؛ لعدم الجهل بالثمن .
ولو زادت قيمة المبيع عمّا حكم به ، يرجع إلى المشتري بالزيادة ؛ لقاعدة الغرر ، ولو زاد الثمن لم يرجع المشتري إلى البائع ، وكانت الزيادة له .
فلم تتعرّض الرواية لخيار الغبن رأساً ، وبهذا ينطبق مضمونها على القواعد ، ولو كان فيها بعض إشعارات على خلاف ما ذكرناه لا يعتنى به ، وعليه تحمل رواية «دعائم الإسلام» المرسلة(1) .
ص: 362
يشترط العلم بقدر المثمن ، ولا إشكال فيه إجمالاً ، وادّعي عليه الإجماع(1) وعدم الخلاف(2) .
ويدلّ عليه حديث الغرر(3) ومرسلة «الخلاف» : روي عن أئمّتنا عليهم السلام من أ نّه - أي النبي صلي الله عليه و آله وسلم - : «نهى عن بيع الصُبْرة بالصُبْرة ، ولا يدرى ما كيل هذه من كيل هذه»(4) .
ومرسلة «دعائم الإسلام» عن أبي جعفر عليه السلام : أ نّه سئل عن رجلين ، باع كلّ واحد منهما حصّته من دار ، بحصّة لصاحبه من دار اُخرى .
فقال : «ذلك جائز إذا علما جميعاً ما باعاه واشترياه ، فإن لم يعلماه أو
ص: 363
لم يعلم أحدهما ، فالبيع باطل»(1) .
ويمكن دعوى استفادته من الأدلّة الواردة في الثمن ؛ أي قوله عليه السلام : «إنّه كره أن يشتري الثوب بدينار غير درهم ؛ لأ نّه لا يدري كم الدينار من الدرهم»(2) ولو بمناسبات مغروسة في الأذهان ؛ بدعوى أنّ البطلان لأجل أنّ الجهل بالنسبة ، يوجب الجهل بالثمن ، الموجب للجهل بالبيع ، وأنّ المناط في البطلان هو الجهل بمقدار الأخذ والإعطاء ، فلو باع ديناراً غير درهم بشيء ، يفهم من الرواية البطلان لما ذكر ، وكذا الجهل في سائر المبيعات ، فتأمّل .
وتدلّ على خصوص المكيل صحيحة الحلبي ، عن أبي عبداللّه عليه السلام أ نّه قال : في رجل اشترى من رجل طعاماً عدلاً بكيل معلوم ، وأنّ صاحبه قال للمشتري : «ابتع منّي هذا العدل الآخر بغير كيل ، فإنّ فيه مثل ما في الآخر الذي ابتعت» .
قال : «لا يصلح إلاّ بكيل» .
وقال : «وما كان من طعام سمّيت فيه كيلاً فإنّه لا يصلح مجازفة ، هذا ممّا يكره من بيع الطعام»(3) .
ص: 364
وعنه في الصحيح ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «ما كان من طعام سمّيت فيه كيلاً فلا يصلح بيعه مجازفة ، هذا ممّا يكره من بيع الطعام»(1) .
والظاهر أ نّهما - بل مع صحيحة اُخرى للحلبي(2) - رواية واحدة ، وقع فيها التقطيع .
ويقع الكلام في ذيلها تارة : بلا نظر إلى صدرها ، واُخرى : مع لحاظه .
فنقول : إنّ قوله عليه السلام «سمّيت فيها كيلاً» حمله الشيخ الأعظم قدّس سرّه على أ نّه كناية عن كون الطعام مكيلاً(3) .
وتقريبه : أنّ قوله عليه السلام : «سمّيت فيه كيلاً» أي نسبته إلى الكيل ، أو ذكرت فيه الكيل ، كناية عن كونه مكيلاً ، فالمعنى أنّ كلّ طعام يكون مكيلاً لا يصلح فيه الجزاف .
فوقع في إشكال ، وهو أنّ الطعام لا يكون إلاّ مكيلاً ، فاحتمل أنّ التقسيم بلحاظ الزرع واستبعده(4) ، مع أنّ الطعام لا يختصّ بالحبوب ، بل يطلق على
ص: 365
اللحوم ، بل وعلى الفواكه أيضاً ، فلا إشكال من هذه الجهة ، إنّما الكلام في ظهوره فيما ذكره ، فإنّه خلاف ظاهر في خلاف ظاهر .
والأظهر فيه أنّ ما سمّيت وذكرت فيه كيلاً معيّناً عند المقاولة ، لا يجوز بيعه جزافاً ؛ بمعنى أنّ المقاولة إذا وقعت على كيل، ثمّ أردت تعيين صبرة مثلاً منطبقة على الكيل حدساً وجزافاً لم يصلح، وهذا غير كون المكيل لا يصلح بيعه جزافاً .
لكن يمكن على هذا الفرض أيضاً ، الاستدلال به على المقصود ؛ بأن يقال : إنّ المتفاهم عرفاً منه ، أنّ ما هو تمام الموضوع في البطلان وعدم الصلوح ، هو الجزاف ، من غير دخالة للمقاولة السابقة ، ولا لتطبيق الصبرة على الكيل ، فالسبب التامّ بنظر العرف هو البيع جزافاً .
نعم ، يقع الكلام في نكتة ذكر تسمية الكيل ، وهي تظهر بملاحظة صدرها ؛ من فرض السائل الاشتراء بكيل معلوم ، ثمّ أراد ابتياع سائر المتاع بلا كيل ؛ باحتمال كون العدل الآخر مثله ، فقوله عليه السلام هذا لمسبوقيته بقول السائل ، لا لخصوصية اُخرى .
وأمّا عدم الاتّكال على قول البائع في المقام ؛ فلأنّ إخباره - بحسب النوع في مثله - يكون عن حدس وتخمين ؛ فإنّ الكيل والتعيين الدقيق في الأطعمة وغيرها ، إنّما هو عند البيع ؛ إذ لا داعي لصاحبها في تحمّل مشقّة ذلك قبل عرض المبيع على المشتري ، مع أنّ الغالب عدم الاتّكال على قوله .
فقوله : «إنّ فيه مثل ما في الآخر» ليس إخباراً عن أ نّه كاله ، بل هو إخبار بالتساوي حدساً ، وهو غير مسموع .
ص: 366
مضافاً إلى أنّ الظاهر من الكبرى التي في ذيلها ، أ نّها منطبقة على المورد ، فيستكشف منها أنّ المورد كان من الجزاف ، لا من الاتّكال على قول البائع في تعيين الكيل ، فإنّه ليس من الجزاف .
مع أنّ الظاهر أنّ ما رواه الحلبي ، ليست روايات متعدّدة ، بل رواية واحدة وقع فيها التقطيع ، وقد ذكر في «الوسائل»(1) و«الفقيه»(2) «لا يصلح بيعه مجازفة» بزيادة لفظة «بيعه» فإن بنينا على وحدة الرواية ، وأولوية السقوط من الزيادة ، كانت النتيجة : أنّ ما في ذيلها كان «لا يصلح بيعه مجازفة» ولا يصحّ هذا التعبير فيما لو كان البائع كاله ، فيظهر منه أنّ البائع أراد البيع جزافاً ، فلا منافاة بين الصحيحة وقول المشهور .
ومع الغضّ عن جميع ذلك ، يكون إطلاقاً قابلاً للتقييد ببعض الروايات ، كرواية أبي العطارد(3) وموثّقة محمّد بن حمران(4) وصحيحة عبد الرحمان بن
ص: 367
أبي عبداللّه (1) وموثّقة سماعة(2) ممّا يظهر منها الجواز في بعض الصور ، فراجعها .
ثمّ إنّه يمكن الاستدلال بالصحيحة على اعتبار العلم بالمثمن مطلقاً ، سواء كان من المكيل ، أو الموزون ، أو المعدود ، أو غيرها ؛ لما تقدّم من أنّ المتفاهم العرفي من مثله ، أنّ البطلان لأجل الجزاف وعدم العلم ، من غير دخل للمكيل في ذلك ، وإنّما ذكر المكيل لمسبوقيته بالذكر ، فلا ينبغي الإشكال في استفادة كبرى كلّية منها .
كما لا ينبغي الإشكال في دلالتها على الفساد ؛ لظهور «لا يصلح» فيه ولا سيّما في المعاملات ، ولا سيّما مع مناسبة الحكم والموضوع ، مع أنّ في نسخة «الفقيه» ورد «لا يصحّ»(3) بدل «لا يصلح» ولا ظهور للكراهة في المعنى المصطلح منها ولا سيّما في المعاملات .
وتدلّ على اعتبار الكيل جملة اُخرى من الروايات ، كمرسلة ابن بكير(4) وموثّقة سماعة ، وفيها قال : سألته عن شراء الطعام وما يكال ويوزن ، هل
ص: 368
يصلح شراؤه بغير كيل ولا وزن ؟
فقال : «أمّا أن تأتي رجلاً في طعام قد كيل ووزن تشتري منه مرابحة ، فلا بأس إن اشتريته منه ولم تكله ولم تزنه ، إذا كان المشتري الأوّل قد أخذه بكيل أو وزن ، وقلت له عند البيع : إنّي اُربحك كذا وكذا ، وقد رضيت بكيلك ووزنك فلا بأس»(1) .
ومعلوم : أنّ الرضا بكيله لا يكون - بحسب النوع - إلاّ مع الائتمان به ، فتوافق مثل رواية أبي العطارد وغيرها (2) .
وأمّا التفصيل بين الاشتراء والبيع في صحيحة عبد الرحمان : أ نّه سأل أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل أشتري منه بكيله واُصدّقه .
فقال : «لا بأس ، ولكن لا تبعه حتّى تكيله»(3) ونحوها موثّقة محمّد بن حمران(4) فليس تفصيلاً في المسألة ، بل يمكن أن يكون المراد بها ، أنّ تصديق البائع الملازم للوثوق ، يوجب خروج البيع عن المجازفة ، ولكن لا يثبت به الواقع شرعاً ، حتّى يجوز الإخبار بالكيل المبتلى به عند بيعه ، كما أنّ القاضي مثلاً يجوز له الاتّكال على قول البائع بكيله في الاشتراء منه ، لكن لا يجوز له قبول شهادته .
أو أنّ المراد بقوله عليه السلام : «لا تبعه حتّى تكيله» القبض بكيل ، كما ورد ذلك في
ص: 369
روايات كثيرة بهذا التعبير وغيره ، كما في «الوسائل» في باب جواز بيع المبيع قبل قبضه(1) .
وربّما حملت(2) صحيحة الحلبي المتقدّمة في صدر البحث(3) على ذلك ، واُخرجت عن مورد البحث ، ولكنّه خلاف ظاهرها جدّاً ، بل بعض روايات ذلك الباب أيضاً ، لا يبعد أن يكون - نظير صحيحة الحلبي - مربوطاً بمسألتنا .
وكيف كان : لا إشكال في صحيحة الحلبي ، ولا سيّما مع لحاظ صدرها ، واحتمال كون الذيل رواية مستقلّة خصوصاً مع «وقال . . .» إلى آخره ، خلاف الظاهر ، بل الأظهر تقطيعها ، وذكر جملة منها مستقلّة .
فتحصّل من جميع ذلك : أنّ البيع لا يصحّ مجازفة ، ولا يلزم في الخروج عن المجازفة قيام البيّنة ، بل يجوز الاتّكال على كيل البائع عند الائتمان به والتصديق لقوله .
وأمّا موثّقة يعقوب بن شعيب(4) فغير مربوطة بالبيع ، فلا منافاة بينها وبين ما تقدّم .
ص: 370
وأمّا رواية عبد الرحمان بن أبي عبداللّه : عن الرجل يشتري بيعاً فيه كيل أو وزن بغيره ، ثمّ يأخذ على نحو ما فيه .
قال : «لا بأس به»(1) فمضافاً إلى ضعفها (2) ، لا شبهة في وقوع التصحيف فيها ، والأصحّ «يعيّره» بالياء والعين المهملة من تعيين العيار ، كما في «التهذيب»(3) ونسخة من «الكافي»(4) .
ثمّ إنّ المذكور في المسألة إلى هاهنا عناوين : منها : «الغرر» .
ومنها : ما ورد في الثمن من التعليل بقوله عليه السلام : «لأ نّه لا يدري كم الدينار من الدرهم» .
ص: 371
ومنها : قوله عليه السلام في تلك الروايات التي وردت في المكيل : «لا يصلح بيعه مجازفة» .
فهل هي عناوين مستقلّة ، فالغرر المنهيّ عنه شيء مستقلّ يوجب البطلان ، وكذا العنوانان الآخران .
أو يرجع بعضها إلى بعض .
أو يكون كلّ من العنوانين الآخرين موجباً للبطلان ؛ بعلّية الغرر ، أو بكونه حكمة .
أو يكونان من مصاديقه ومحقّقاته ؟ وجوه .
يمكن أن يقال : إنّه إن قلنا بأنّ الغرر بمعنى الجهل ، يكون عنوان ما ورد في الثمن عبارة اُخرى عنه ، وما ورد في المكيل من مصاديقه ، فلا يكون في المسألة إلاّ عنوان واحد ، هو عنوان الغرر والجهل ، وبطلان البيع مجازفة إنّما هو للجهل بمقدار المبيع ، وهو الغرر .
ويؤيّده ما في «المستدرك» عن «دعائم الإسلام» عن أمير المؤمنين عليه السلام : أ نّ-ه سئل عن بيع السمك في الآجام ، واللبن في الضرع ، والصوف في ظهور الغنم .
قال : «هذا كلّ-ه لا يجوز ؛ لأ نّ-ه مجهول غير معروف ، يقلّ ويكثر ، وهو غرر»(1) .
فالمنع عن بيع المجازفة أيضاً كذلك ؛ فإنّه مجهول ، يقلّ ويكثر وغرر .
ص: 372
وعلى هذا يكون بيع مقدار من الطعام ، بما يقابله في الميزان - من جنسه أو من غيره المساوي له في القيمة - غرراً ؛ للجهل بالمقدار ، فما أفاده الشيخ قدّس سرّه (1) ، مبنيّ على كون الغرر بمعنى الخطر ، لا الجهل ، وهو يضادّ مبناه السابق(2) .
وأمّا إن كان الغرر بمعنى الخطر ، أو بمعنى فعل ما لا يؤمن معه من الضرر ، فلا يرجع إليه عنوان الجهل ، وما ورد في الثمن من الروايات ، وكذا العنوان الآخر ، ولا يكون العنوانان من مصاديقه .
كما أنّ البحث عن كون الغرر شخصياً أو نوعياً (3) ، مبنيّ على عدم كون الغرر بمعنى الجهل ، وعلى كون ما ورد في المكيل لحكمة الغرر ، والأوّل خلاف مبناه ، والثاني لا دليل عليه ، كما لا دليل على علّية الغرر لذلك .
والتحقيق : لزوم الأخذ بعنوان الغرر وعنوان المجازفة في المكيل سواء كان فيه غرر أم لا ، ففيما لا يلزم منه الخطر أو الضرر ، لا يشمله دليل الغرر بناءً على كونه بمعناهما ، ولكن لو كان مكيلاً يبطل إذا كان جزافاً وبلا كيل ، كالمثال المتقدّم .
والأخذ بالعنوان ليس لأجل كون الغرر حكمة لا علّة ؛ لعدم الدليل على شيء منهما ، بل للزوم الأخذ بالحجّة بعنوانها ، صدق عليها عنوان آخر أم لا .
ص: 373
ثمّ إنّ الظاهر أنّ البيع مجازفةً ، بيع الشيء بلا مقياس وميزان ، كبيع صبرة مثلاً ، وأمّا لزوم العلم بمقدار الكيل وزناً أو العكس فلا ، فلو تعارف كيل في مصر ، ولم يعلم مقداره وزناً ، أو وُزن ولم يعلم حدّه بالكيل ، لا يكون البيع جزافاً .
فلو دخل غريب في مصرٍ ، يتعارف فيه كيل خاصّ غير كيل بلده ، أو لم يتعارف في بلده إلاّ الوزن ، لم يكن بيعه بكيلهم المتعارف مجازفة ، بل ولا غرراً بمعنى الخطر وإن كان مجهول الوزن ، بل يمكن دعوى انصراف النهي عن بيع الغرر عن مثله ، فالكيل بنفسه مقياس لتعيين المقادير كالوزن ، ولا دليل على أنّ الوزن أصل ، وحدوث الكيل بعده للسهولة(1) .
بل لا يبعد أن يكون الأقدم والأصل في ابتداء التمدّن ، هو التقدير بمثل الكفّ في المقادير القليلة ، وبالمشاهدة في غيرها ، ثمّ بالمكاييل البسيطة قبل عصر الفلزّ ، كالظروف المصنوعة من الطين ، أو ألياف الأشجار ونحوهما ، ثمّ بعد التقدّم في الصناعات صنعت الموازين .
ولا يبعد أن يقال : إنّ التقدير بالأحجار المضبوطة حجماً ، كان أقدم من التقدير بالأحجار المضبوطة وزناً .
وما استشهد به الشيخ الأعظم قدّس سرّه لأصالة الوزن : من أنّ المكاييل المتعارفة في الأماكن المتفرّقة على اختلافها في المقدار ، ليس لها مأخذ إلاّ الوزن ؛
ص: 374
إذ ليس هنا كيل تقاس المكاييل عليه(1) غير واضح ؛ فإنّ الموازين أيضاً في البلاد المتفرّقة مختلفة المقدار جدّاً ، كالمنّ التبريزي ، والمنّ الشاهي والرازي ممّا كان متعارفاً في طهران ، والمنّ في بروجرد ، وفي لرستان . . . إلى غير ذلك ، وليس هنا ما يرجع إليه سائر الأمنان .
بل اختلاف الأمنان والمكاييل ؛ لاختلاف الطوائف في العيش ، وقلّة الارتباط بينهم ، ثمّ بعد حصول كثرة الارتباطات ، صار في أكثر البقاع ميزان واحد متداولاً ، إلى أن صار الكيلو متعارفاً ووزناً ثابتاً ، فاختلاف المكاييل ليس شاهداً على أصالة الوزن .
ثمّ إنّ الظاهر من كثرة السؤال والجواب عن الكيل في عصر النبي صلي الله عليه و آله وسلم والأئمّة عليهم السلام ، وقلّة السؤال عن الوزن بالنسبة إلى الكيل ، أ نّه كان أكثر تداولاً من الوزن ، وهو غير بعيد بالنسبة إلى الحجاز في ذلك العصر ، بل بالنسبة إلى العراق بحسب وضع معيشتهم في أكثر بلاده وبقاعه .
والمظنون أنّ الكيل بقي في تلك الأصقاع من الأعصار القديمة ، ثمّ بعد ذلك ضمّ إليه الوزن ، ثمّ تعارف هذا وهجر الآخر تدريجاً إلى زماننا .
ص: 375
ثمّ إنّ البحث عن جواز بيع المكيل وزناً وبالعكس والتفصيل ، مبنيّ على كيفية الاستفادة من الأدلّة ، وأمّا الاعتبارات المذكورة في كلامهم ، فلا يصحّ الاعتماد عليها .
فنقول : لا بدّ من الخروج عن عموم أدلّة تنفيذ العقود وإطلاقها (1) من دلالة دليل ، وورود مخصّص ومقيّد ، وليس في الباب إلاّ حديث «نهى النبي صلي الله عليه و آله وسلم عن الغرر»(2) والروايات الدالّة على أنّ الجهل بالثمن مضرّ(3) المستفاد منها حال المثمن على ما تقدّم(4) ، وكذا ما تقدّم من رواية «دعائم الإسلام»(5) وإن كانت
ص: 376
مرسلة ضعيفة ، وما دلّت على عدم صلوح البيع مجازفة كصحيحة الحلبي المتقدّمة(1) .
وشيء منها لا يصلح لتقييد الأدلّة وتخصيصها ؛ فإنّ البيع بالمقاييس الرائجة ليس غرراً ، سواء كان الغرر بمعنى الجهل ، أو بمعنى الخطر ؛ ضرورة أنّ دليل الغرر ، لم يرد لردّ البيع بالمكاييل وتخصيصه بالموازين أو بالعكس ، وأصالة الوزن قد عرفت حالها (2) .
فالغرر هو بيع الشيء بلا مقياس متداول ، كبيع صبرة بصبرة ، وأمّا بيع كيل من الطعام فليس فيه غرر وإن لم يعلم المتبايعان وزنه ، كما أنّ البيع بالوزن غير غرري وإن لم يعلما كيله .
وما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه من أنّ الكيل من حيث هو ، لا يوجب في الموزونات معرفة زائدة على ما يحصل بالمشاهدة ، فالقول بالجواز مرجعه إلى كفاية المشاهدة(3) غير مرضيّ ؛ ضرورة أنّ البيع بالمشاهدة - كبيع صبرة بصبرة - بيع مجهول بمجهول ، محتمل للزيادة والنقيصة .
بخلاف الكيل ، فإنّه مضبوط غير محتمل للزيادة والنقيصة المعتنى بهما عرفاً وشرعاً ، فلا يرجع إلى المشاهدة ، وإلاّ رجع الوزن أيضاً إليها ؛ لأنّ مجرّد تسمية شيء باسم «المنّ» مثلاً أو «الوزنة» لا يوجب إلاّ كون هذا المقدار المشاهد موافقاً له .
ص: 377
وكون المنّ كذا مقداراً من المثاقيل ، وكلّ مثقال كذا مقداراً من الحمّص - مع كونه أمراً مغفولاً عنه إلاّ عند الخواصّ - لا يوجب خروجه عن الرجوع إلى المشاهدة ، ولو كان تعارف الوزن في شيء موجباً للغرر إذا بيع كيلاً ، فلا ينبغي التفصيل ، بل لازمه المنع من الطرفين .
ولكنّ الظاهر أنّ الكيل المتعارف في البلد - ولو بالنسبة إلى بعض الأطعمة - يرفع الغرر وإن لم يكن متعارفاً بالنسبة إلى متاع خاصّ .
والإنصاف : أنّ بيع الغرر بيع بلا مقاييس معروفة ، كالكيل والوزن في المكيلات والموزونات ، ولو كيل ما يتعارف فيه الوزن أو بالعكس ، خرج عن الجهالة والغرر إذا كان المقياس لهما ، وإن تعارف في أحدهما .
وممّا ذكرنا يظهر الحال في الروايات الواردة في الثمن ، وكذا في صحيحة الحلبي ، فإنّ بيع ما يتعارف فيه الكيل وزناً أو بالعكس ، ليس جزافاً ولا بيع مجهول ، إذا كان كلّ منهما مقياساً له ، وإن تعارف أحدهما لعارض .
فالجزاف بيع شيء بلا مقياس ، أو بمقياس ليس له ، كبيع القطن بالكيل ، أو الظروف الصينية بالوزن ، فالمقياس بغير ما هو مقياس للشيء موجب للغرر ، وأمّا إذا كان مقياساً له ، لكن تعارف مقياس آخر فيه ، فالظاهر الجواز .
وما قيل : من أنّ الكيل أو الوزن لتشخيص المالية ، فإذا كيل ما هو موزون في المتعارف أو بالعكس ، لم تعلم ماليته(1) غير مرضيّ ؛ لأنّ الجهل بالمالية لا يوجب البطلان ، ولا يكون معه البيع غررياً أو جزافاً ، فمن دخل مصراً ،
ص: 378
واشترى شيئاً معلوم المقدار والأوصاف مع الجهل بقيمته السوقية ، صحّ بيعه ، وله الخيار مع الغبن .
ثمّ لو شكّ في صدق الغرر والجزاف في موارد تبديل الكيل بالوزن أو بالعكس ، يؤخذ بإطلاق أدلّة تنفيذ البيع كما مرّ(1) .
وليعلم : أنّ ما ذكرنا من عدم الجزاف والغرر فيما إذا كيل ما يتعارف فيه الوزن أو بالعكس ، إنّما هو فيما إذا كان الكيل والوزن فيهما مقياساً عرفاً ، وإن تعارف أحدهما فيه لعارض لا لكونه غير مقياسه ، إلاّ إذا صار أحد المقياسين متروكاً مطلقاً ، كالكيل في هذا العصر .
ففي الحقيقة هذا الفرض خارج عن محلّ البحث ؛ لأنّ اقتراح الكيل في هذا العصر بالنسبة إلى طعام ، إنّما هو من الاقتراحات الشخصية غير المعتبرة ، بخلاف ما إذا كان الكيل متعارفاً ، كعصر النبي والأئمّة عليهم السلام ؛ ممّا يظهر من جملة من الأخبار - بل من الكتاب المجيد - أنّ الكيل كان مستقلاًّ في قبال الوزن ، وأنّ الكيل كان متعارفاً ، بل أكثر من تعارف الوزن كما أشرنا إليه(2) .
فقوله تعالى : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ* الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ* وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ)(3) ظاهر في أنّ الكيل في قبال الوزن ،
ص: 379
ولا سيّما مع العطف ب- «أو» .
وهذا يظهر من الأخبار أيضاً ، ففي صحيحة معاوية بن وهب قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه .
فقال : «مالم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتّى تكيله أو تزنه...» إلى آخرها(1).
وقريب منها صحيحة منصور بن حازم(2) ورواية أبي بصير(3) ورواية منصور(4) . . . إلى غير ذلك(5) ممّا هي ظاهرة في استقلال الكيل ، وعدم كونه لتعيين الوزن .
نعم ، يظهر من بعض الروايات ، أنّ بعض المكاييل كان مقدّراً بالوزن(6) ، كالصاع ، والرطل ، بل الكرّ أيضاً ، لكن يحتمل كون أمثال ذلك مكاييل برأسها
ص: 380
حتّى المدّ ، كما صرّح به أهل اللغة(1) ، وإنّما قدّرت بالوزن فيما بعد ، لا أنّ الوزن فيها أصل .
وكيف كان : لا منافاة بينها وبين ما تقدّم ؛ لاحتمال تداول كليهما في أرجاء الحجاز ، بل واحتمال كون الكيل متداولاً في ذلك العصر بين أعراب البوادي ، الذين كانوا بعيدين عن الحضارة ، والوزن والكيل متعارفين في الأمصار ، ففي بعض الروايات ذكر وسق النبي صلي الله عليه و آله وسلم ، وقدّر بستّين صاعاً (2) والظاهر منه أنّ النبي صلي الله عليه و آله وسلم قدّره بهذا المقدار .
ولا يبعد أن يقال : إنّ الوسق كان في الأصل حمل بعير ، ثمّ قدّره النبي صلي الله عليه و آله وسلم بستّين صاعاً ؛ لتعيين مقدار الزكاة ، أو لغير ذلك ، والتحقيق يحتاج إلى تتبّع ومجال واسع .
ثمّ إنّ المقاييس بالنسبة إلى الأمتعة مختلفة ، فقد لا يكون لشيء مقياس ولا يمكن تشخيصه - بحيث يخرج عن الجزاف والغرر - إلاّ بالمشاهدة ، وذلك فيما كانت أفراد ماهيته مختلفة بحسب الكيفية ، كالأحجار الكريمة التي لا يمكن رفع الجهالة عنها إلاّ بالمشاهدة ، بل بالرجوع إلى أهل الخبرة .
ص: 381
وقد يكون العدّ مقياساً لا غير ؛ بحيث لو وزن أو كيل بطل ؛ للغرر والجزاف ، إلاّ أن يكون الوزن طريقاً وأمارة إلى العدد ، وذلك مثل الظروف المصنوعة في المعامل من الزجاج أو البلّور المتماثلة أفرادها ، فلو وزن مقدار منها ، من غير أن يكون الوزن أمارة للعدّ بطل ؛ للغرر والجزاف ، فإنّ الوزن ليس مقياساً لمثلها .
ومن هذا القبيل الجوز المتعارف فيه العدّ ، فإنّ الكيل أو الوزن فيه ، لا يخرج البيع عن الغرر والجزاف ، بعد ما لم يكونا مقياسين له .
ولا مانع حتّى في مثل الجوز الذي تختلف أفراده يسيراً ، أن يجعل الكيل أو الوزن طريقاً إلى العدّ ؛ فإنّ الاختلاف اليسير الذي لا يعتني به العقلاء ، لا يوجب الغرر والجزاف ، وعلى هذا تحمل صحيحة الحلبي في الجوز(1) لا على الجواز حال الاضطرار .
وقد يكون المقياس الكيل فقط دون الوزن ، وقد يكون بالعكس ، فلا بدّ في رفع الغرر في كلّ مورد من التقدير بمقياسه .
ثمّ إنّ الدراهم والدنانير المصنوعة من الفضّة والذهب ، والمسكوكة بسكّة المعاملة ، لها مادّة ذات قيمة ، وهيئة وسكّة ذات قيمة أيضاً ؛ بحيث لو خرجت عن الرواج بإبطال الدولة سكّتها ، لخرجت عن القيمة الرائجة للسكّة ، وأمّا قيمة مادّتها فتبقى على ما هي عليه مثل غيرها من الذهب والفضّة .
فمع رواجها تعدّ من المعدود ، ولا ينظر المتعاملان إلى وزنها ، بل النظر إلى
ص: 382
عددها وقيمتها الرائجة ، فيكون العدّ مقياساً لها في الخروج عن الغرر والجزاف ، لا الوزن أو الكيل ، فلو وزن مقدار من الليرات ، مع عدم كون الوزن لتعيين العدد ، كانت المعاملة معه غرراً وجزافاً ، بخلاف العدّ مع عدم العلم بالوزن .
ومع خروجها عن الرواج ، يصير الاعتبار في القيمة بمادّتها ، ويكون المقياس فيها حينئذٍ الوزن لا العدّ .
نعم ، لو اُحرز أنّ الرائج منها كان ناقصاً عن الحدّ المضروب المتداول ، يعدّ معيوباً ، وللمتعامل خيار العيب ؛ لكون المادّة أيضاً دخيلة في القيمة ، ولمّا كانت المادّة فيها من الموزون ، جرى عليها حكم الربا ، ولا بدّ في الخروج عنه من أن يكون التعامل بهما مثلاً بمثل .
ثمّ إنّه وقع الكلام : في أنّ المناط في المكيل والموزون في هذه المسألة ومسألة الربا ، هل هو المكيل والموزون في عصر النبي صلي الله عليه و آله وسلم ، فما كان مكيلاً أو موزوناً في زمانه ، لا يجوز بيعه بغيرهما ، ولا يجوز التفاضل فيه وإن صار بعد عصره معدوداً ، فالمكيل مكيل زمانه ، والموزون كذلك ؟
وقد نسب إلى المشهور أنّ العبرة في التقدير بزمان النبي صلي الله عليه و آله وسلم ، ثمّ بما اتّفقت عليه البلاد ، ثمّ بما تعارف في كلّ بلدة بالنسبة إليها (1) .
فهل يمكن تكفّل الأدلّة الواردة في البابين بإثبات هذا الحكم على نحو الترتّب ؟
ص: 383
الظاهر عدم إمكانه ؛ لأنّ قوله عليه السلام في صحيحة الحلبي : «ما كان من طعام سمّيت فيه كيلاً ، فلا يصلح بيعه مجازفة»(1) - بناءً على دلالته على أنّ المكيل لا يصلح بغير كيل - إمّا أن يراد منه المكيل في عصره عليه السلام ، فلا يعقل إثبات القسمين المترتّبين به ، أو يراد منه أحدهما ، فلا يعقل استفادة غيره منه .
وبالجملة : لا يمكن إيفاء تلك الأحكام المرتّبة بلفظ واحد .
نعم ، لو ضمّت إليها مقطوعة علي بن إبراهيم قال : «ولا ينظر فيما يكال أو يوزن إلاّ إلى العامّة ، ولا يؤخذ فيه بالخاصّة»(2) وحملت الصحيحة على ما كان مكيلاً في خصوص عصر النبي صلي الله عليه و آله وسلم ، والمقطوعة على ما لم يكن في عصره عليه السلام مكيلاً ، لأمكن أن يستفاد منهما بعض ما عن المشهور .
لكن الظاهر أ نّها ليست من لفظ الإمام عليه السلام ، بل من قبيل فتوى الفقيه .
وأمّا إمكان استفادة ما اشتهر : من أنّ الاعتبار في المكيل والموزون بعصر النبي صلي الله عليه و آله وسلم (3) ، فبيانه أنّ قوله عليه السلام في موثّقة منصور بن حازم : «كلّ شيء يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل ، إذا كان من جنس واحد»(4) وكذا ما في صحيحة
ص: 384
الحلبي ، يمكن - بحسب التصوّر - أن يكون على نعت القضيّة الحقيقية ، أو على نعت القضيّة الخارجية .
وعلى أيّ حال : يمكن أن يكون عنوان «الكيل والوزن» مأخوذاً على نحو الموضوعية ، أو على نحو الكاشفية والعنوانية .
وعلى الثاني : يمكن أن يكون كاشفاً عن مطلق الموضوعات التي تكال وتوزن ، أو ستكال وتوزن ، ويمكن أن يكون كاشفاً عن الأجناس التي تكال أو توزن في عصر النبي صلي الله عليه و آله وسلم ، ولوازم الصور معلومة عند التأمّل .
ومبنى استفادة ما هو المنسوب إلى المشهور ، حمل القضيّة على الحقيقية ، وكون «المكيل والموزون» عنواناً وكاشفاً عن الأجناس المكيلة أو الموزونة في عصره صلي الله عليه و آله وسلم ، فيقال : إنّ القائل أراد بقوله «المكيل والموزون كذا» أنّ الذهب والفضّة والحنطة والشعير . . . - إلى غير ذلك - كذا ، وإنّما جمع في التعبير اختصاراً ، نحو قوله : «هؤلاء» مشيراً إلى الأشخاص .
ففي الحقيقة ، يكون ذلك مشابهاً من جهة بالقضيّة الخارجية ؛ لأنّ عنوان «المكيل» و«الموزون» جعل طريقاً إلى خصوص الأجناس المكيلة والموزونة في عصره عليه السلام ، لا إلى كلّ ما يوزن ويكال ، ومن جهة بالقضيّة الحقيقية ؛ لأنّ المشار إليها ليست الطبائع المتقيّدة بزمان خاصّ أو مكان خاصّ ، ولا أفرادها
ص: 385
الموجودة في ذلك العصر ، بل نفس تلك الطبائع القابلة للصدق على الموجود في كلّ زمان ومكان .
فتصير نتيجة ذلك التقييد وذاك الإطلاق ، هو القول المشهور ؛ أي الأجناس التي كانت مكيلة أو موزونة في عصر الشارع ، لا يجوز التفاضل فيها في كلّ عصر ومصر ، إذا كان الجنس واحداً ، ولا بدّ فيها من التعامل بالكيل والوزن كذلك .
أو أخذ الموضوع في الروايات على وجه الموضوعية ، لكن بنحو القضيّة الخارجية ؛ أي متقيّداً بما لا ينطبق إلاّ على ما هو الموجود في عصره ، وجعل الحكم عليه بنحو الإطلاق ؛ أي كلّ ما كان يكال في عصره ، لا يجوز بيعه مطلقاً - أي في كلّ عصر ومصر - مثلين بمثل إذا كان الجنس واحداً .
ثمّ اعلم : أنّ البحث في هذا الباب ، إنّما هو بعد الفراغ عن أنّ أدلّة اعتبار الكيل والوزن ، مستقلّة في قبال دليل النهي عن الغرر ، كما تقدّم الكلام فيه(1) .
وإلاّ فلو كان الدليل منحصراً بالغرر ، وكان اعتبار الكيل والوزن لكونهما من مصاديق رفع الغرر ، لم يبق مجال لهذا البحث ؛ لأنّ الكيل والوزن - على هذا الفرض - لا يكونان موضوعين لحكم في الشرع ، بل الموضوع هو الغرر ونفيه ، وإن أمكن البحث على هذا الفرض أيضاً ، بأن يقال : إنّ ما كان يرتفع به الغرر في عصره صلي الله عليه و آله وسلم ، لا بدّ وأن يرتفع به في كلّ عصر ، فيكون موضوع الحكم ، رفع الغرر بطريق خاصّ، لكنّه كما ترى لا يرجع إلى محصّل، هذا كلّه بحسب التصوّر.
ص: 386
وأمّا ما يظهر من الأدلّة خصوصاً الأدلّة الواردة في باب الربا(1) ، فهو أنّ عنوان «المكيل والموزون» أو «ما يكال ويوزن» مأخوذ في الموضوع ، وأنّ الحكم متعلّق بعنوانهما على نحو الموضوعية ؛ لأنّ أخذ العنوان على نحو الطريقية مخالف للظاهر ، كما في الأمثال والنظائر ، ويحتاج إلى دلالة مفقودة في المقام ، كما أنّ الظاهر أنّ القضيّة كالحقيقية ؛ قضاءً لإطلاق الأدلّة وعمومها .
ولازم ما ذكر أنّ المكيل والموزون في كلّ عصر ومصر ، يترتّب عليه الحكم في باب الربا ، وفي هذا الباب ، ومع تغيّر العنوان يسقط الحكم .
فكون العنوان مشيراً إلى غيره كما في الاحتمال الأوّل - ككونه متقيّداً بزمان النبي صلي الله عليه و آله وسلم - مخالف لظواهر الأدلّة وإطلاقها ، من غير فرق بين باب الربا وما نحن فيه .
فقوله عليه السلام : «ما كان من طعام سمّيت فيه كيلاً فلا يصلح بيعه مجازفة»(2) وقوله عليه السلام في موثّقة سماعة قال : سألته عن شراء الطعام وما يكال ويوزن ، هل يصلح شراؤه بغير كيل ولا وزن . . . إلى آخره(3) ، ظاهران في موضوعية العنوان ، وكون القضيّة حقيقية .
ص: 387
وأوضح منهما ما ورد في الربا، كقوله عليه السلام في موثّقة منصور المتقدّمة قال: «كلّ شيء يكال أو يوزن ، فلا يصلح مثلين بمثل إذا كان من جنس واحد ، فإذا كان لا يكال ولا يوزن ، فلا بأس به اثنين بواحد»(1) ولا سيّما بعد وقوع الكبريين بعد السؤال عن عدّة أشياء لم تكن موزونة ولا مكيلة ، كالبيضة ، والثوب ، والفرس .
فتصير الكبرى كالنصّ في أنّ الميزان هو العنوانان لا الأشخاص ، وأ نّهما على نعت الكلّي ، لا المخصوص بمكان أو زمان ، ولا سيّما مع ورود الروايات في عصر الصادقين ، لا النبي صلي الله عليه و آله وسلم ، فلا إشكال في دلالة الروايات على خلاف ما نسب إلى المشهور(2) .
فما أفاده المحقّق الخراساني قدّس سرّه : من أنّ الظاهر في هذا الباب أخذ المكيل والموزون على نحو الموضوعية ، ونفي البعد عن الكاشفية والعنوانية لأجناس خاصّة في باب الربا (3) غير موجّه ؛ لأظهرية روايات الربا في الموضوعية كما أشرنا إلى بعضها .
وتدلّ عليها أيضاً رواية منصور قال : سألته عن الشاة بالشاتين ، والبيضة بالبيضتين .
قال : «لا بأس ما لم يكن كيلاً أو وزناً»(4) ولا سيّما على احتمال أن يكون
ص: 388
المراد ، أنّ المذكورين ما داما غير مكيلين ولا موزونين فلا بأس ، فالبيضة ما دامت معدودة وكذا الشاة ، لا بأس بالتفاضل ، وإذا صارتا موزونتين ، أو الشاة موزونة والبيضة مكيلة ، فلا يصحّ .
ولعلّ منشأ تفصيل المحقّق الخراساني قدّس سرّه ، هو ذكر جملة من المكيل والموزون بالخصوص في الروايات(1) ، وهو كما ترى ، أو اشتهى تطبيق الروايات على المشهور ولو بتكلّف .
ثمّ إنّ في كلامه بعض المناقشات ، منها أ نّه مع ادّعائه ظهور العنوانين هاهنا في الموضوعية ، جعل المناط رفع الغرر والجهالة بهما وهذا ينافي الموضوعية ، بل هو عين العنوانية ، لكن إلى رفع الغرر ؛ إذ معنى الموضوعية والسببية ، أنّ لنفس العنوان دخالة في الحكم .
بل الظاهر أ نّهما تمام الموضوع في قبال الغرر ، فكان عليه أن يقول : إنّ الظاهر من أدلّة الباب الطريقية إلى الغرر ، ومن أدلّة الربا الطريقية إلى الأجناس الخاصّة ، وفي كلتا الدعويين إشكال ومنع .
ثمّ إنّ ما ذكرناه من إمكان استفادة قول المشهور من الروايات بالوجهين المتقدّمين(2) ، إنّما يصحّ لو كان المشهور الاعتبار بما كان مكيلاً في مصر النبي صلي الله عليه و آله وسلم ، كالمدينة ، أو مكّة المعظّمة ، مع فرض عدم تغيير في عصره .
وأمّا إذا قامت الشهرة أو قام الإجماع ، على أنّ المكيل أو الموزون في
ص: 389
عصر النبي صلي الله عليه و آله وسلم ، يجري فيه الربا مطلقاً ، ولا بدّ فيه من الكيل أو الوزن مطلقاً ، وأنّ غيرهما في عصره لا يجري فيه الحكمان مطلقاً ، فيشكل الأمر ؛ فإنّه لا شبهة في أنّ سكّان الأرض - من القاطنين في الأمصار ، والمتفرّقين في البوادي وغيرها - لم يكونوا متوافقين في التقدير بالنسبة إلى جميع الأجناس ؛ بحيث كان المكيل في المدينة المنوّرة مكيلاً في جميع الأرض ، والموزون والمعدود كذلك .
ومع اختلاف الناس كذلك - بحيث كان جنس في عصره في محلّ مكيلاً ، وفي محلّ معدوداً ، وفي محلّ آخر يباع بالمشاهدة - لا يعقل أن تكون العناوين إشارة وطريقاً إلى الأجناس ، ولا يكون التقييد في الموضوع أيضاً مفيداً كما لا يخفى .
نعم ، لو كان المراد أنّ ما كان مكيلاً في جميع البلدان في عصره فهو مكيل مطلقاً ، يمكن الإفادة بالتقييد ، كما يمكن الإشارة إليه بنحو الإجمال .
وقد حكيت دعوى الإجماع(1) على الحكمين في المكيل والموزون في عصره صلي الله عليه و آله وسلم ، وعلى عدمهما في غير المكيل والموزون في عصره ، كالمعدود ، والمشاهد .
ولو فرض قيام الإجماع على أنّ في عصر النبي صلي الله عليه و آله وسلم ، إذا كان شيء مكيلاً أو موزوناً في جميع الأقطار ، يجري فيه الربا في الجميع ، وإذا كان مكيلاً في بلد ، ومعدوداً في بلد ، يجري فيه الربا في بلد الكيل إلى آخر الدهر ، ولا يجري في
ص: 390
بلد العدّ كذلك ، كانت إفادة الحكم بالأخبار أيضاً - بنحو الإشارة - مشكلة بل متعذّرة .
نعم ، تصحّ بتقييدات ، لا بتقييد واحد ، والأمر سهل بعد أن لا واقعية لهذه التصوّرات ، ولا خفاء في ظهور الأخبار .
ثمّ على فرض قيام الإجماع أو الشهرة المعتبرة في المسألة ، لا بدّ من بيان حكم حال الشكّ والجهل .
فنقول : لا يخلو الإجماع من تعلّقه إمّا بعنوان ك- «المكيل في عصره» أو «في كلّ مصر» أو تعلّقه بأشياء خارجية ، ويكون العنوان مشيراً إليها ، لا متعلّقاً له .
ولا تخلو الأخبار من الدلالة على الحكم : إمّا بنحو القضيّة الحقيقية ، أو القضيّة الخارجية .
وعلى الثاني تارة : يكون الموضوع نفس العناوين ؛ أي «المكيل» و«الموزون» و«المعدود» .
واُخرى : تكون العناوين مشيرة إلى الأجناس الخارجية .
فعلى فرض أنّ الحكم تعلّق بالعناوين ، وكانت لها موضوعية في الإجماع والأخبار ، لا يصحّ التمسّك بشيء من الأدلّة ؛ لا عمومات وإطلاقات تنفيذ البيع ، ولا الأخبار ، ولا الإجماع ؛ لكون المورد من الشبهة المصداقية للإجماع المتعلّق بالعنوان الكلّي المخصّص للأدلّة ، إلاّ أن يحرز الموضوع بالأصل ، وسيأتي الكلام فيه .
ص: 391
وإن كانت الأخبار بنحو القضيّة الحقيقية ، وكان الإجماع بنحو الإشارة ، يجب الرجوع إليها ، لا إلى الإجماع ، ولا إلى عمومات صحّة البيع ؛ لأنّ الإجماع معتبر في المتيقّن ، ولا يكون متعلّقاً بالعنوان حتّى تصير الشبهة مصداقية ، فالمرجع هي الأخبار المخصّصة للآيات المتقدّمة .
وإن كانت الأخبار أيضاً مشيرة إلى الأجناس الخارجية - كما نفى البعد عنه المحقّق الخراساني قدّس سرّه بالنسبة إلى أخبار الربا (1) - كان المرجع هو عموم الكتاب وإطلاقه .
ولو كانت الأخبار مشيرة ، والإجماع على العنوان ، لا يصحّ الرجوع إلى شيء من الكتاب والسنّة والإجماع .
فهل يمكن إحراز موضوع الإجماع والأخبار بالاستصحاب ، لو فرض العلم بكون الشيء مكيلاً قبل عصر النبي صلي الله عليه و آله وسلم ، وشكّ في بقائه كذلك ، أو بكونه مكيلاً في هذا العصر ، وشكّ في كونه كذلك في عصر النبي صلي الله عليه و آله وسلم ، على فرض حجّية الاستصحاب القهقري ؛ بأن يقال : إنّ الشيء الفلاني كان مكيلاً قبل عصره ، فهو كذلك في عصره ، فيحرز به موضوع الإجماع والأخبار ؟
قلت : الظاهر عدم جريانه ، أمّا إذا كان العنوان مأخوذاً على نحو الإشارة ؛ فلأنّ استصحاب كون الشيء مكيلاً في عصره ، لا يثبت كونه مشاراً إليه بالإجماع أو الأخبار ، والفرض عدم كون المكيل موضوعاً ، فالأصل لإثبات مشموليته للإجماع والأخبار ، لا لإحراز الموضوع المتعلّق للحكم ، وهو مثبت .
ص: 392
وأمّا إن كان الموضوع نفس العناوين متقيّدة بزمان النبي صلي الله عليه و آله وسلم - أي كلّ ما كان مكيلاً في زمانه يجري فيه الربا - واُريد بالاستصحاب إلى زمانه إحراز الموضوع ؛ فلأنّ وحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوك فيها معتبرة في الاستصحاب ، فإن كان الموضوع هو المكيل في زمانه على وجه القيدية ، فليست له حالة سابقة متيقّنة .
وإن اُريد استصحاب نفس العناوين إلى زمانه ، وإثبات القيد بالقطع ، فهو مثبت .
فكون شيء مكيلاً في عصر النبي صلي الله عليه و آله وسلم ، ليس متيقّناً حتّى يستصحب ، ويحرز به موضوع الإجماع والأخبار .
بل المعلوم كون الشيء مكيلاً في عصر قبل عصر النبي صلي الله عليه و آله وسلم ، على أن يكون الزمان ظرفاً لا قيداً ، وإلاّ يصير أفحش ، ومع ظرفيته وإن اتّحدت القضيّة المتيقّنة والقضيّة المشكوك فيها ، وجرى الاستصحاب ، لكن لا يمكن إثبات الحكم للمقيّد بزمانه بذلك إلاّ بالأصل المثبت .
ولا إشكال في أنّ الموضوع في الإجماع أو الشهرة هو «المكيل في عصره» بنحو التقييد ، كما هو ظاهر المنقول منهما ، بل لا معنى للظرفية في المقام ؛ لعدم حصول ما هو المطلوب من الإجماع كما لا يخفى .
بل يمكن في الموارد المشكوك فيها استصحاب عدم المكيلية والموزونية في عصره ؛ بأن يقال : إنّ الموارد المشكوك فيها ، إن كانت من الأطعمة أو الثمرات ونحوها ، فكلّها مسبوقة في عصره بعدمهما في حالة ، كالثمرة على الشجرة ، والزرع قبل حصاده .
ص: 393
فإذا شكّ في صيرورتها ممّا يكال أو يوزن ، بعد تبدّل تلك الحالة في عصره صلي الله عليه و آله وسلم ، تستصحب الحالة السابقة ، فتندرج في الكبرى الشرعية ، وهي «أنّ كلّ ما لا يكون مكيلاً أو موزوناً في عصره ، لا يجري فيه الربا» كما ادّعي الإجماع(1) عليها .
ولا يعارضه استصحاب عدم كونها معدودة في عصره ، أو ممّا بيع مشاهدة ؛ لعدم أثر شرعي له ، ولا يثبت به القسم المقابل .
هذا كلّه على فرض الإجماع أو الشهرة المعتبرة ، ولكن يمكن منعهما حتّى في باب الربا :
أمّا أوّلاً : فلأنّ الدعاوي في المسألة متعارضة ؛ فإنّ ما في «المبسوط» : إذا كانت عادة الحجاز على عهده صلي الله عليه و آله وسلم في شيء الكيل ، لم يجز إلاّ كيلاً في سائر البلاد ، وما كانت فيه وزناً ، لم يجز فيه إلاّ وزناً في سائر البلاد ، والمكيال مكيال أهل المدينة ، والميزان ميزان أهل مكّة ، هذا كلّه بلا خلاف(2) انتهى ، مع ورود بعض المناقشات عليه :
منها : أنّ الظاهر من صدره ، أنّ المناط عادة الحجاز ، ومن ذيله أنّ المناط في الكيل المدينة ، وفي الوزن مكّة .
ومنها : أنّ الظاهر منه أنّ الموزون لا يجوز فيه الكيل وبالعكس ، وهو مسألة خلافية بلا إشكال .
ص: 394
ومنها : أنّ الظاهر من ذيله ، أنّ اللازم تبعية سائر البلاد لمكيال أهل المدينة ، فلا يجوز بيع المكيل بمكيال آخر ، ولميزان أهل مكّة ، فلا يجوز العدول إلى ميزان آخر ، ولا أظنّ التزام أحد من الفقهاء بذلك ، فلا بدّ من تأويله .
معارض بما ادّعي عليه الإجماع ، كالمحكيّ عن «التنقيح» وهو «أنّ المناط في الكيل والوزن على عصر النبي صلي الله عليه و آله وسلم ، فما ثبت أ نّه مكيل وموزون في عصره ، بني عليه حكم الربا إجماعاً ، وإن تغيّر بعد ذلك ، وما علم أ نّه غير مكيل ولا موزون في عصره ، فليس بربوي إجماعاً»(1) .
فإنّ مقتضى ما في «المبسوط» أنّ ما كان في الحجاز عادة في عهده صلي الله عليه و آله وسلم ، لم يجز في سائر البلدان التخلّف عنه، ومقتضى الثاني، أنّ ما كان مكيلاً أو موزوناً في عصره صلي الله عليه و آله وسلم ولو في غير الحجاز ، فهو ربوي ، فلا عبرة بالحجاز خاصّة .
وأمّا ثانياً : فإنّه لم ينقل الاعتبار بعادة الشرع إلاّ من «المبسوط» ثمّ «الشرائع»(2) وجملة من الكتب المتأخّرة عنها (3) ، ونقل عن القاضي(4) أيضاً ، والظاهر خلوّ كتب القدماء عن الفتوى بها ، وإلاّ لنقلها صاحب «مفتاح الكرامة»(5) مع كثرة تتبّعه .
ص: 395
وأمّا ثالثاً : فلأنّ الظاهر تخلّل الاجتهاد في البين ؛ ضرورة استناد جمع منهم إلى أنّ الألفاظ الواردة في الأخبار تحمل على عرف الشرع ، وإذا لم يعلم عرفه حملت على العرف العامّ :
قال في «مفتاح الكرامة» : المستفاد من قواعدهم ، حمل الألفاظ الواردة في الأخبار على عرفهم ، فما علم حاله في عرفهم ، جرى الحكم بذلك عليه ، وما لم يعلم يرجع فيه إلى العامّ ، كما بيّن في الاُصول(1) .
وهذه العبارة غير ما نقل عن «الحدائق» : من أنّ الواجب في معاني الألفاظ الواردة في الأخبار ، حملها على عرفهم(2) حتّى يرد عليها ما في «الجواهر»(3) وغيره(4) : من أنّ الكلام ليس في معنى اللفظ ؛ لأنّ مفهوم «الكيل» معلوم .
بل الظاهر منها أنّ الألفاظ بعد معلومية مفاهيمها ، تحمل على عادة الشرع ، ولعلّ منشأ ذلك دعوى انصرافها إليها وإن كانت فاسدة ، ومعه تكون دعوى الإجماع معلّلة ، وفي مثل ذلك لا حجّية له ، فضلاً عن الشهرة .
بل لو فرض استنادهم أو استناد جمع منهم إلى ما قاله صاحب «الحدائق» قدّس سرّه ، لم يصحّ الاستناد إلى إجماعهم ؛ فإنّ ورود الإشكال عليهم ، لا يخرج الإجماع عن كونه معلّلاً .
مضافاً إلى أنّ الأمر في المقام ومسألة الربا سهل ، إذا ادّعي الإجماع على أنّ
ص: 396
ما علم من عادة الشرع يجب مراعاته ، فإنّ ما علم من عادته ، يكون في هذه الأعصار أيضاً باقياً عليها ، وما لم يعلم أو علم عدم وجوده في ذلك العصر ، لم يقم إجماع عليه ، فيعمل فيه على القواعد ومقتضى الأخبار ، بعد عدم إحراز قيام الإجماع على العنوان حتّى تصير الشبهة مصداقية ، فتدبّر .
ص: 397
لو أخبر البائع بمقدار المبيع ، جاز الاعتماد عليه على المشهور ، كما ادّعاها الشيخ الأعظم قدّس سرّه (1) .
وعن «التذكرة» : لو أخبره البائع بكيله ، ثمّ باعه بذلك الكيل ، صحّ عندنا (2) .
وعن «الرياض» : لا خلاف في جواز الاعتماد في الكيل والوزن على إخبار البائع(3) .
والظاهر من الجميع ، عدم الفرق بين كون المخبر مؤتمناً وعدمه ، ولا بين حصول الظنّ أو الوثوق بقوله وعدمه ، ولا بين تصديق المشتري إيّاه وعدمه ، ولا بين عدالته وعدمها .
وتدلّ عليه موثّقة سماعة قال : سألته عن شراء الطعام وما يكال ويوزن ،
ص: 398
هل يصلح شراؤه بغير كيل ولا وزن ؟
فقال : «أمّا أن تأتي رجلاً في طعام قد كيل ووزن تشتري منه مرابحة ، فلا بأس إن اشتريته منه ولم تكله ولم تزنه ، إذا كان المشتري الأوّل قد أخذه بكيل أو وزن ، وقلت له عند البيع : إنّي اُربحك كذا وكذا ، وقد رضيت بكيلك ووزنك فلا بأس»(1) .
والظاهر منها أنّ الرضا بكيله ووزنه ، تمام الموضوع للصحّة ، وكون الغالب في موارد الرضا بهما ما إذا كان المشتري واثقاً به - على فرض التسليم - لا يوجب الانصراف ، بعد كون الرضا بهما كثيراً ما لجهات اُخر ، ولو كان للوثوق به دخالة في الصحّة ، لم يجز السكوت عنه .
بل الظاهر من قوله : «هل يصلح شراؤه بغير كيل» الرضا بالبيع مجازفة بلا كيل ولا وزن ؛ لمجرّد الحدس والتخمين لبعض الأغراض ، كمشقّة الكيل والوزن ، أو الاشتغال بأمر أهمّ ، ففي مثله لا يكون الرضا بهما لأجل الوثوق به .
ورواية عبدالملك بن عمرو قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : أشتري مائة راوية من زيت ، فأعترض راوية أو اثنتين فأتّزنهما ، ثمّ آخذ سائره على قدر ذلك .
قال : «لا بأس به»(2) .
ص: 399
وقريب منها رواية عبد الرحمان بن أبي عبداللّه (1) بناءً على أنّ المراد أخذ سائرها بإخبار البائع ؛ بدعوى كون المتعارف ذلك ، وأمّا على احتمال كون البائع أيضاً جاهلاً ، وجعل المشتري والبائع وزن راوية أو راويتين طريقاً إلى غيرها ، فتخرج عن محطّ البحث .
فالمتّبع هو إطلاق الموثّقة ، ولا ترفع اليد عنه إلاّ بحجّة ، وهي مفقودة ، والروايات الواردة في المقام لا تصلح لتقييدها :
أمّا صحيحة عبد الرحمان بن أبي عبداللّه : أ نّه سأل أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يشتري الطعام ، أشتريه منه بكيله واُصدّقه ؟
فقال : «لا بأس ، ولكن لا تبعه حتّى تكيله»(2) .
وقريب منها موثّقة محمّد بن حمران(3) .
فلوقوع القيد فيها في كلام الراوي ، فيصحّ الجواب ولو على فرض اعتبار إخباره بنحو الإطلاق .
نعم ، في رواية أبي العطارد ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قلت : فاُخرج الكرّ والكرّين ، فيقول الرجل : «أعطنيه بكيلك» .
ص: 400
قال : «إذا ائتمنك فلا بأس»(1) .
والظاهر منها عدم اعتبار إخباره إلاّ مع الائتمان ، سواء كان المراد الإخبار بمقدار أعداد المكاييل ، أو كان إخباره بأنّ مكياله كسائر المكاييل المتعارفة ، ولم يكن ناقصاً منها ، فإنّه على الفرض الثاني أيضاً يفهم منه أنّ الاتّكال على إخباره مطلقاً ، لا يجوز إلاّ مع الائتمان ، فتأمّل .
لكن الرواية ضعيفة(2) لا تصلح للتقييد .
وأمّا مرسلة ابن بكير ، عن رجل من أصحابنا قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يشتري الجصّ ، فيكيل بعضه ، ويأخذ البقيّة بغير كيل .
فقال : «إمّا أن يأخذ كلّه بتصديقه ، وإمّا أن يكيله كلّه»(3) .
فلأنّ فيها - مع إرسالها ، وظهورها في الكيل في مقام الاستيفاء ، ولا أقلّ من احتمال ذلك احتمالاً قريباً - احتمالات :
كاحتمال التفصيل بين تصديق البائع كيله وعدمه ، كما لا يبعد أن يكون أقرب ، وعليه فهي تدلّ بإطلاقها على المقصود ، وتكون مؤيّدة للموثّقة ، أو التفصيل بين تصديق المشتري البائع وغيره ، أو التفصيل بين حصول الوثوق وغيره ، أو بين الائتمان وغيره ، ومعها لا تصلح لتقييد الموثّقة .
ص: 401
وأمّا صحيحة الحلبي ؛ فلما مرّ من الكلام فيها ، وقلنا : إنّ الظاهر منها - بقرائن عديدة - أنّ الإخبار كان عن حدس ، وفي مثله لا يتّكل على قول البائع(1) .
ومع الغضّ عنه ، فلا شبهة في أنّ ذلك أحد المحتملات ، ومقتضى عدم الاستفصال عدم صحّة البيع مطلقاً ، سواء أخبر البائع بكيله حسّاً ، أو أخبر حدساً ، وطريق الجمع بينها وبين الموثّقة هو الصحّة مع الإخبار بكيله عن حسّ دون حدس .
مع أنّ الموثّقة صريحة في جواز الاتّكال ، وهي ظاهرة في عدم الصحّة ، وطريق الجمع الحمل على الكراهة .
وهنا مناقشة في الموثّقة ، وهي أنّ الظاهر منها ، لزوم إحراز أصل الوزن والكيل بطريق عقلائي أو شرعي ، لا بنفس إخبار البائع ، وبعد إحرازه ، يكون إخباره بمقدار الأكيال كافياً في صحّته ، ولو قلنا : بإطلاقها في قبول قوله في عدد المكاييل ، لم تدلّ على قبول قوله في تحقّق الكيل ، فلا بدّ من إحرازه بالعلم أو البيّنة ، وكفاية إخباره ولو حصل منه الوثوق محلّ إشكال ؛ فإنّ الموضوعات لا تثبت إلاّ بالبيّنة .
إلاّ أن يقال : إنّ كفاية قوله في تحقّق أصل الكيل إذا كان ثقة ، أو حصل الوثوق به ، وعدم الحاجة في ذلك إلى البيّنة ، تظهر من بعض الروايات الاُخر ، مثل موثّقة [محمّد بن] حمران(2) ، ومرسلة ابن بكير(3) ، على كلا الاحتمالين
ص: 402
فيها ، وإنّ التفصيل بين أصل الكيل ومقداره - مع كونه مخالفاً لمعقد محكيّ الاتّفاق وعدم الخلاف المتقدّمين(1) - بعيد في الغاية ، بل لا ينقدح في الأذهان من الموثّقة .
بل الظاهر أنّ ذلك في مقابل الجزاف وعدم الكيل والوزن ، كما في سؤاله ، فيكون المراد من الجواب - ظاهراً - جواز الرضا بكيله ، وجواز الاتّكال على قوله ، فتدبّر وتأمّل .
وأمّ-ا احتمال كون مفاد الموثّقة ، كرواية عبدالملك بن عمرو - قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : أشتري الطعام فأكتاله ، ومعي من قد شهد الكيل ، وإنّما أكتاله لنفسي ، فيقول : «بعنيه» فأبيعه إيّاه على ذلك الكيل الذي اكتلته ، قال : «لا بأس»(2) - الواردة في مسألة اُخرى غير ما نحن بصدده ، ردّاً على بعض العامّ-ة ، حيث زعم أنّ شهود الكيل لا يكفي(3) ، بل لا بدّ من الكيل بنفسه ، وإن استدلّ بها بعضهم للمقام(4) ، وذكرها صاحب «الوسائل» في هذا الباب(5) ؛ بدعوى أنّ المراد من الموثّقة هو الردّ عليهم في تلك المسألة أيضاً ، وأنّ الكيل
إذا ثبت ، لا يحتاج إلى كيل آخر عند البيع .
ص: 403
فهو خلاف ظاهرها ؛ فإنّ السؤال إنّما هو عن الاشتراء بغير كيل ، لا عنه مع كيل البائع ، ومشاهدة المشتري ، فلا ينبغي الإشكال في أنّ الموثّقة مربوطة بمسألتنا هذه .
ثمّ إنّه مع الغضّ عن الروايات المتقدّمة ، ينبغي البحث عن أنّ إخبار البائع بالكيل ، هل يوجب صحّة المعاملة أو لا ؟
فنقول : إن كان المستند في اشتراط صحّة البيع بما ذكر حديث الغرر(1) وكان المراد به هو الجهالة ، أو مثل قوله في مرسلة «الخلاف» : روي عن أئمّتنا عليهم السلام من أ نّه - أي النبي صلي الله عليه و آله وسلم - «نهى عن بيع الصبرة بالصبرة ، ولا يدري ما كيل هذه من كيل هذه»(2) ومرسلة «دعائم الإسلام»(3) فلا ترتفع الجهالة ، ولا يتحقّق العلم بمجرّد الخبر ، ولا بخبر الثقة ، ولا الخبر الموثوق به ، إلاّ إذا كان الوثوق والاطمئنان بالواقع بحدّ ، يعدّ عند العرف علماً ودراية .
وإن كان المستند صدر صحيحة الحلبي(4) ، وكان الكيل معتبراً ؛ لقوله عليه السلام :
ص: 404
«لا يصلح إلاّ بكيل» لا يثبت الكيل بخبره إلاّ إذا حصل الاطمئنان والوثوق به بنحو ما تقدّم .
وإن كان المستند ذيلها ، أو سائر روايات الحلبي(1) ، وكان المعتبر هو الخروج عن المجازفة ، فالظاهر خروجه عنها بإخبار البائع ، ولو كان فاسقاً أو مجهول الحال .
نعم ، مع كونه متّهماً ، أو كاذباً في أقواله ، ولا يبالي بشيء ، يشكل الخروج عنها بإخباره .
ولو كان المستند حديث الغرر ، وكان المراد به الخطر المعاملي ، أو عدم الأمن من الضرر ، يخرج البيع بإخباره عن الخطر والضرر ؛ لأنّ البيع في المقادير يقع مبنيّاً عليه ؛ بمعنى أنّ البائع إذا أخبر «بأنّ الطعام الكذائي مقداره خمسون مكيالاً» فاشترى منه ما هو الخمسون ، يقع البيع على الشيء ملحوظاً تقديره ؛ لأنّ جزء المبيع ليس من قبيل وصفه ، حتّى يقع البيع تارة مبنيّاً عليه ، واُخرى بنحو الداعي ، فحينئذٍ يؤمن من الخطر والضرر بلحاظ الخيار .
وما قيل : من أنّ صحّة الشرط متوقّفة على صحّة البيع ، فلو كانت صحّته متوقّفة على صحّته لزم الدور(2) ليس بشيء ؛ لأنّ الدور معي ، لا واقعي كما لا يخفى .
وما قيل : من أنّ ثبوت الخيار من أحكام الصحّة المشروطة بأن لا يكون هنا
ص: 405
غرر(1) مدفوع بأنّ الغرر - على المفروض - هو الخطر ، ونفس جعل البيع خيارياً يوجب رفعه ، ولا يلزم أن يتحقّق العقد صحيحاً ثمّ يثبت الخيار فيه ، بل لا معنى له فيما ذكر ، بل البناء المذكور يدفع الغرر ؛ بلحاظ ثبوت الخيار بعد تحقّقه .
نعم ، لو كان الغرر بمعنى الجهالة ، فلا يدفع بالبناء المذكور .
فما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه في المقام(2) منظور فيه .
كما أنّ ما أفاده : من أ نّه على فرض اعتبار الكيل ، يكفي الظنّ الحاصل بالخبر(3) منظور فيه ، بل على فرضه لا بدّ من ثبوته بالطرق الشرعية .
نعم ، لو حصل الوثوق والاطمئنان فالظاهر كفايته ، كما أشرنا إليه(4) .
هذا كلّه مع الغضّ عن أخبار الباب ، وأمّا بالنظر إليها فالمحتملات كثيرة :
كاحتمال جعل الشارع خبر البائع حجّة على الواقع .
أو إنفاذ طريقيته إليه مطلقاً .
أو في خصوص مقدار المبيع حال البيع .
وكاحتمال اعتباره طريقيته العقلائية مطلقاً .
أو في خصوص ما ذكر آنفاً .
ص: 406
ولازم هذه الاحتمالات إسقاط الشارع شرائط الشاهد ، واعتبار البيّنة في خصوص هذا الموضوع .
وكاحتمال اقتصاره في صحّة البيع على إخبار البائع مطلقاً .
أو على الطريق العقلائي .
واقتصاره إمّا لأجل أنّ ما هو المعتبر في صحّته عدم الجزاف ، ومع إخباره يخرج عنه .
أو لأجل أنّ المانع الغرر بمعنى الخطر ، ومعه لا غرر .
وإمّا لأجل تخصيص قاعدة الغرر - إن كان بمعنى الجهالة - والروايات التي بهذه المثابة ، ولا غرو فيه ، كما خصّصت في غير مورد .
وأمّا بحسب الإثبات ، فقد ادّعى الشيخ الأعظم قدّس سرّه دلالة الروايات على اعتبار كون الخبر طريقاً عرفياً (1) .
وما يمكن أن يكون شاهداً عليه ، إمّا موثّقة محمّد بن حمران(2) وصحيحة عبد الرحمان بن أبي عبداللّه (3) حيث عبّر فيهما : «بأنّ المشتري يصدّق المخبر» والتصديق إنّما هو في الطريق العقلائي ، دون غيره .
وفيه : أ نّه إن كان المراد ، أنّ الطريق العقلائي نافذ عند الشرع مطلقاً ، فهو
ص: 407
- مع مخالفته لذيل الروايتين ؛ لأنّ لازم نفوذ الطريق مطلقاً ، هو جواز الإخبار به ، وجواز البيع بلا كيل آخر ، وقد صرّح فيهما : «بعدم جواز البيع حتّى يكيله» - لا يدلّ على المطلوب ؛ لأنّ نفي البأس ، لا يدلّ إلاّ على صحّة البيع في الصورة المفروضة ، وأمّا كون الخبر أمارة وطريقاً اعتبره الشارع فلا .
مضافاً إلى أنّ القيد واقع في السؤال ، والجواب : «بعدم البأس» لا دلالة له على اعتبار خصوص الطريق العقلائي ، ولعلّ عدم البأس لازم الإخبار مطلقاً .
نعم ، مع عدم دليل على التوسعة ، يجب الاقتصار على المورد ، وهذا غير الشهادة والدلالة .
وإمّا رواية أبي العطارد(1) وهي - مضافاً إلى ضعفها (2) - متعرّضة لموضوع آخر غير ما نحن فيه ، وهو الإخبار بعدد المكاييل ، إلاّ أن يدّعى عدم الفرق بينهما .
وإمّا مرسلة ابن بكير وفيها : «إمّا أن يأخذ كلّه بتصديقه ، وإمّا أن يكيله كلّه»(3) ، وهي على خلاف المقصود أدلّ ؛ لأنّ الظاهر إضافة المصدر إلى الفاعل ، وإضافته إلى المفعول تحتاج إلى التقدير المخالف للأصل .
ص: 408
فيكون المراد على هذا الاحتمال الأقرب : أ نّه إمّا أن يأخذ بتصديقه تحقّق الكيل ، ولازمه جواز الاتّكال على قوله مطلقاً ، وإمّا أن يكيل الكلّ إذا لم يصدّقه ، ولا أقلّ من حصول هذا الاحتمال .
ومع ذلك لا تدلّ هذه ولا التي قبلها ، على اعتبار الخبر طريقاً عرفياً إلى الواقع مطلقاً ، بل غاية الأمر أ نّه مع قيام الطريق أو الطريق العرفي ، يصحّ البيع ، فيمكن أن يكون وجه الصحّة الخروج عن الجزاف ، إن كان المعتبر في الصحّة ذلك .
أو الأمن من الوقوع في الضرر والخطر بإخباره ، إن كان المعتبر هو رفع الغرر بمعنى الخطر المعاملي ، كما تقدّم من ملازمة الإخبار في المقام لوقوع البيع مبنيّاً عليه ، ومعه يؤمن الخطر ؛ لثبوت الخيار مع التخلّف(1) ، أو لتخصيص دليل الغرر إذا كان المراد منه الجهل ، وكذا ما هو بمثابته .
وكيف كان : لا مخصّص لموثّقة سماعة(2) ، فهي بإطلاقها تدلّ على صحّة البيع مع الرضا بكيل البائع ، ودليل على أنّ الإخبار من البائع - سواء كان ثقة أم لا ، أو مورد تصديق المشتري أم لا - موجب لصحّة البيع .
وهذا هو الموافق لدعوى عدم الخلاف ، كما عن «الرياض»(3) ولما عن «التذكرة» من الإشعار بالاتّفاق(4) .
ص: 409
ثمّ على تقدير الحكم بالصحّة من هذه الجهة ، لا إشكال فيها إذا طابق الواقع ، وأمّا إذا خالفه بالنقيصة :
فقد يحتمل البطلان ؛ لمخالفة الواقع لعنوان المبيع المأخوذ في العقد ، وتقدّم العنوان على الإشارة ، فكما أنّ الإشارة إلى موجود خارجي مباين للعنوان المأخوذ في العقد ، لا تصحّح البيع - كما إذا قال : «بعتك هذا العبد» فتبيّن أ نّه حمار ، فإنّ البيع يقع باطلاً ؛ لعدم تحقّق العنوان المأخوذ فيه - فكذلك في المقام ؛
فإنّ الأقلّ والأكثر متباينان في مقام العنوانية ، ولا ينطبق أحدهما على الآخر .
وإن شئت قلت : إنّ المحدود بما هو، من مقوّمات المعاملة ، وليس حاله كالأوصاف الخارجة عن ذات المبيع ، فما هو مورد العقد مفقود في الخارج ، وما هو في الخارج وهو بعض العنوان ، لم يقع عليه العقد(1) .
وقد يجاب عنه : بالفرق بين تخلّف مقدار المبيع ، وتخلّف عنوانه ، وإن كان مرجعهما إلى تخلّف الجنس والعنوان ، والنقض من قبيل الثاني ، وأمّا تخلّف المقدار فلا يوجب البطلان ؛ لأنّ العقد ينحلّ إلى عقود عديدة بحسب أجزاء المبيع ، فما هو موجود من الأجزاء ، وقعت عليه العقود انحلالاً ، وما فقد ليس بشيء حتّى يقع العقد عليه(2) .
وفيه : أ نّه لو توقّف حلّ العقدة على الالتزام بانحلال العقد إلى عقود كثيرة ،
ص: 410
حسب أجزاء المعقود عليه ، فالقول بالبطلان متعيّن ؛ لأنّ الانحلال المذكور لا أصل له ؛ لا عقلاً ، ولا عرفاً ؛ ضرورة عدم تعدّد القرار بين المتعاقدين ، والانحلال إلى العقود والبيوع ، لا يمكن إلاّ مع تحقّق قرارات مندكّة في قرار واحد ، موجودة بوجوده ، والقرار والعقد لا بدّ من تصوّر أطرافه وسائر مباديه ، المفقود في المقام .
مضافاً إلى أنّ القائل بالانحلال : إمّا أن يقول به بنحو من المجاز والمسامحة والتنزيل ، فلا يمكن له ترتيب أثر شرعي وحقيقي عليه .
وإمّا أن يقول بالانحلال الحقيقي ، وأنّ هنا بيوعاً عديدة وعقوداً متعدّدة ، فلازمه نقل الجميع مرّة ، ثمّ تكرّره في الكسور المتصوّرة للعين ، وتعدّده أيضاً بعدد أجزائها المعيّنة ، وهو كما ترى ، والانحلال بلا نقل انحلال إلى غير البيع .
ثمّ إنّ لازم الانحلال حقيقة ، عدم الخيار من باب تبعّض الصفقة ، ولا ثبوت خيار العيب بالنسبة إلى الجميع إذا كان بعضه معيباً ، فتأمّل .
والتحقيق : أنّ العقد الواحد الواقع على الموضوع الواحد ، يوجب تمليك هذا الواحد ، وتمليكه موجب لملكية المشتري ، ولازمه مالكيته لجميع الأجزاء بقرار واحد ، وعقد واحد ، وتمليك واحد .
ونظير ذلك وقع منهم في الخطابات ، فقالوا : إنّ الخطاب إلى المؤمنين ينحلّ إلى خطابات حسب عددهم(1) . وهو أيضاً غير مرضيّ كما قلنا في محلّه(2) ، بل
ص: 411
التحقيق : أنّ الخطاب واحد ، والمخاطب كثير ، نظير النداء المتوجّه إلى جماعة ، الذي لا ينحلّ إلى نداءات ، بل بنداء واحد ينادي المنادي الجماعة .
وأمّا ما يجاب به عن الإشكال : من الفرق بين الجنس الواحد ، والأجناس المتباينة(1) ، فهو أيضاً لا ينحلّ به الإشكال ؛ فإنّ الاختلاف بين المبيع والخارج إذا كان فاحشاً ، يكون حكمه - ظاهراً - حكم تخلّف العنوان .
فلو أشار إلى بيت وقال : «بعتك ما فيه من الحنطة ، وهي ألف صاع» فتبيّن أنّ فيه صاعاً واحداً بطل ؛ لعدم انطباق العنوان ، ولا سبيل للصحّة وإن كان الجنس واحداً ، ولا يمكن تصحيحه بالانحلال(2) أيضاً ، مع أنّ لازم القولين صحّته ، وهو كما ترى مخالف لحكم العرف المتّبع في المقام .
كما لا سبيل في مثله للقول : بأ نّه من قبيل تخلّف الوصف(3) أو نظيره .
والتحقيق : أنّ العرف قد يرى أنّ المشار إليه هو المعقود عليه ، ويقدّم الإشارة على العنوان ، كما لو أشار إلى فرس وقال : «بعتك هذا الفرس العربي» أو أشار إلى امرأة وقال : «زوّجتك هذه الهاشمية» ، ونحوهما المقادير إذا كان النقص أو الزيادة غير مضرّين بهذيّته وشخصيته عرفاً ، ويحسب كالحالات من هذه الجهة .
كما كان الأمر كذلك في وحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوك فيها في
ص: 412
الاستصحاب ، فإذا كان مقدار من الماء موجوداً في الخارج ، علم بأ نّه كرّ ، ثمّ اُريق مقدار كفّ أو كفّين منه ، وشكّ في بقاء الكرّية ، فلا إشكال في صحّة الاستصحاب ، وبقاء شخصية موضوع القضيّة المتيقّنة عرفاً ، فيشار إلى الماء ويقال : «إنّه كان كرّاً وشكّ في بقاء كرّيته» وذلك لأنّ الشخصية باقية عرفاً .
وفي المقام لو أشار إلى صبرة وقال : «بعتك هذه الصبرة التي هي ألف صاع بكذا» فلا إشكال في أنّ العقد وقع عليها بوجودها الخارجي ، ولو نقص منها صاع أو صيعان قليلة ، لما أوجب اختلاف عنوان المبيع وشخصيته ، وتقدّم الإشارة على العنوان نظير الأوصاف ، وإن لم تكن منها عرفاً ، فلا إشكال في صحّة البيع ، كما أ نّه لا إشكال في كونه خيارياً .
وتوهّم : أنّ الكمّية من قبيل الدواعي ، أو قد تكون كذلك ، فالعقد وقع على الخارج الموجود بداعي كونه بمقدار خاصّ ، نظير وقوع العقد على شيء بداعي وصف خاصّ ، فالبيع لازم ؛ لعدم كونه مبنيّاً عليه(1) .
مدفوع ؛ لأنّ وقوع العقد على شيء متقدّر بمقدار خاصّ ، ليس سبيله الوقوع على الذات بداعي صفته ؛ فإنّ المقدار ليس وصفاً عرفاً ، بل جزء من المبيع .
وما قيل : من أنّ الخفّة والثقل من الكيفيات ، والكمّية المتّصلة والمنفصلة كلّها من الأعراض والأوصاف(2) خلط بين حكم العرف والعقل ، والفقه والفلسفة ،
ص: 413
ومع كون المقدار من أجزاء المبيع ، لا يقع البيع إلاّ بلحاظه ، وهو أولى بالخيار من الوصف المبنيّ عليه .
وهل الخيار خيار تخلّف الوصف ، أو خيار تبعّض الصفقة ؟ فعلى الأوّل يلزم التخيير بين الفسخ والقبول بجميع الثمن ، دون الثاني .
الأوفق بنظر العرف هو الثاني ؛ لما أشرنا إليه آنفاً .
ولو قيل : إنّ العقد إذا وقع على الموجود الخارجي ، كان لازمه مقابلة تمام الثمن لتمام الموجود ، وبعضه لبعضه بالنسبة ، فالتقسيط بهذا المعنى صحيح ، لكن لا يفيد ، وبمعنى عدم وقوع بعض الثمن مقابل شيء ، اللازم منه بقاؤه على ملك المشتري مفيد ، لكن مخالف لتسليم أنّ العقد وقع على الخارج ، لا على العنوان .
يقال : فرق بين وقوع البيع على متقدّر من غير لحاظ المقدار - كما لو وقع البيع على صبرة مجهول المقدار ، أو على فرش مجهول الذرع - وبين وقوعه عليه مع لحاظ مقداره مبنيّاً على مقدار خاصّ .
ففي الأوّل لا يقال : «إنّ المشتري ابتاع كلّ صاع أو كلّ ذراع بكذا» ولا يقسّط الثمن على الصيعان أو على الأذرع ، نعم بعد الوزن يقال : «إنّ كلّ صاع صار بكذا» .
وأمّا في الثاني : فالبيع وإن وقع على الموجود الخارجي أيضاً ، لكن بلحاظ تقدّره بمقدار خاصّ ، فالتقسيط وقع عرفاً بين الثمن ، والصيعان أو الأذرع ،
ص: 414
فيقال : «اشترى كلّ صاع بكذا» لا ببيوع متعدّدة أو منحلّة ، بل وقعت المقابلة عرفاً في العقد الواحد بين كلّ صاع وكذا .
فإذا اشترى الصبرة الخارجية - المتقدّرة بعشرة صيعان - بعشرة دراهم ، فقد اشترى كلّ صاع بدرهم ، فإذا نقص يقال : «ليس في مقابل الثمن مثمن» وهذا حكم العرف ، فالخيار خيار التبعّض ظاهراً بحسب نظر العرف .
ثمّ إنّ الإشكال والجواب فيما إذا زاد المقدار عمّا أخبر به ، متقاربان مع الإشكال والجواب فيما إذا نقص عمّا أخبر به ، والبيع صحيح وخياري ، والخيار هو خيار العيب للمشتري ، وتمام الكلام عند تعرّضهم للمسألة .
ص: 415
قالوا : تكفي المشاهدة في مختلف الأجزاء ، كالثوب ، والدار ، والغنم .
وعن «التذكرة» : الإجماع عليه(1) .
وعن «المبسوط» و«السرائر» : بيع الثوب المشاهد صحيح بلا خلاف(2) .
وفي «القواعد» : تكفي المشاهدة في الأرض والثوب وإن لم يذرعا (3) .
وعن «التحرير» : جواز بيع قطيع الغنم وإن لم يعلم عددها (4) .
وقال في «الجواهر» : ولكن مع ذلك في «شرح الاُستاذ»(5) أ نّه بعد ما ذكر ما عليه الأصحاب قال : والحقّ أنّ قاعدة الغرر مثبتة ، لا يسوغ هدمها إلاّ
ص: 416
بأقوى ، وأ نّى لنا بذلك ؟ !(1) انتهى .
أقول : ما يتعارف بيعه الآن بالمشاهدة على أقسام :
منها : ما هو من الموزون ، كالكلأ ، وأقسام الرطبة ، والقصيل ، وبعض أقسام الخشب . . . ونحو ذلك .
ومنها : ما هو من المذروع ، كأراضي البيوت والبساتين وأقسام البسط وإن كان يباع ذرعاً أيضاً .
ومنها : ما لا يكون موزوناً فعلاً ، ولكن تختلف ماليته باختلاف وزنه ، كالأغنام ونحوها إذا كان المقصود بيعها للذبح .
ومنها : ما لا طريق لتشخيصه إلاّ المشاهدة ، كالأحجار الكريمة ، والفرس ، والحمار . . . ونحوها .
لا إشكال ولا كلام في الأخير ، وأمّا في غيره فقد يقال : إنّ التعارف يخرجه
عن الغرر ، فلا يكون ما تتعارف فيه المشاهدة غررياً (2) .
أقول : أمّا الخروج الموضوعي فيمكن إنكاره ؛ فإنّ الغرر إن كان بمعنى الجهالة ، فلا إشكال في كون ما ذكر مجهول المقدار ، ومجرّد التعارف أو المسامحة من المتبايعين أو الابتذال ، لا يوجب رفعها .
ولو قيل : إنّ التعارف ، يخرجه عن كونه موزوناً أو مذروعاً .
ففيه : - مضافاً إلى عدم تسليمه - أنّ دليل الغرر لا يختصّ بالموزون والمذروع ونحوهما ، ولا إشكال في أنّ اختلاف المقدار ، موجب لاختلاف
ص: 417
القيمة ، فلو اشترى بالمشاهدة بستاناً ، فيه أشجار كثيرة ملتفّة من الأقسام المختلفة ، لا ينبغي الإشكال في كون البيع غررياً وإن مسحت أرضه ، فضلاً عن عدم المساحة ، وكذا الدور المشتملة على الأرض وغيرها .
وإن كان الغرر بمعنى الخطر المعاملي ، فالبيع فيه خطري ؛ لاختلاف القيم باختلاف الوزن والذرع .
لكن ما ثبت أنّ بيعه كان متعارفاً بالمشاهدة حتّى في عصر الشارع الأقدس ، يصحّ بيعه كذلك ، لا للخروج موضوعاً ، بل إمّا بدعوى أنّ مصبّ نهي النبي صلي الله عليه و آله وسلم عن بيع الغرر أو عن الغرر ، غير أمثال ذلك ؛ ممّا كان متعارفاً في عصر النبي والأئمّة صلوات اللّه وسلامه عليهم ، وإلاّ كان عليهم الردع .
ومجرّد حديث واحد أو حديثين ، لا يصلح للردع عن السيرة وطريقة العقلاء في المعاملات السوقية .
وهذا نظير ما قلناه في محلّه : من أنّ نحو قوله تعالى : (إِنَّ ا لظَّنَّ لاَ يُغْنِى مِنَ ا لْحَقِّ شَيْئاً)(1) لا يصلح للردع عن السيرة الشائعة في سوق المسلمين وبلادهم ، كالعمل بالظواهر ، وخبر الثقة ، واليد . . . ونحوها ، بل لا بدّ في الردع عنها من التصريحات والإنكارات الشديدة ، نظير إنكار الربا والقمار(2) .
أو بالالتزام بالتخصيص في دليله ، ولا غرو فيه ، كالتخصيص في بيع الثمار ونحوها ممّا وردت فيها الأدلّة ، ولا شبهة في أنّ موردها من الغرر .
ص: 418
والفرق بين الخروج موضوعاً وغيره : أ نّا في الأوّل لا نحتاج إلى إثبات دليل مخصّص ، كالإجماع ، والسيرة ؛ ممّا لا بدّ فيه من الأخذ بالقدر المتيقّن من مورد الإجماع ، ومن ثبوت اتّصال السيرة بعصر الأئمّة عليهم السلام .
لكن يمكن أن يقال : إنّ رفع الجهالة الموجب لرفع الغرر ، لا يعتبر فيه رفعها من جميع الجهات ، فلو كان شيء من الموزونات ، لا بدّ من رفعها من جهة الوزن ، وأمّا الكيل فلا .
بل لو كان الوزن في شيء متعارفاً ، فلا يدفع غرره بالكيل والعدّ وبالعكس ، فلو وزن ما تعارف فيه الكيل ، لا يدفع به الغرر ، بل لا بدّ من رفع الغرر في الجهة المتعارفة ولو تغيّر تعارف التقدير تغيّر ما به يقدّر .
ولو كان بيع شيء تارة بالوزن ، واُخرى بالعدّ - كالقثّاء ، والباذنجان ، بل والخبز في بعض البلاد - يرفع غرره بالعدّ في البيع كذلك ، وبالوزن في البيع وزناً .
فعلى هذا نقول: إنّ ما تعارفت فيه المشاهدة - كالأغنام، والجمال، وكالعشب، والكلأ - لا بدّ في رفع الجهالة فيه من المشاهدة ، ولا ترفع بغيرها حتّى الوزن ، فضلاً عن العدّ ؛ لأنّ تقدير ماليته وتعيينها في العرف ، إنّما هو بها لا
بغيرها .
فلو وزن ما تتعارف فيه المشاهدة كالأغنام ، أو ذرع ما يتعارف فيه غيره كالثوب المخيط ، لم ترفع بهما الجهالة .
وكذا الحال في الأحمال التي تتقدّر ماليتها بها ، فلا بدّ من مشاهدة الحمل حتّى ترفع جهالته بالمقايسة إلى غيره من أشباهه ، فلو وزن لم ترتفع جهالته من حيث تقدير ماليته .
ص: 419
وكما أ نّه ليس في أمثال ذلك غرر إن كان بمعنى الجهالة ، فكذا ليس فيها خطر معاملي ؛ فإنّ المفروض وقوع المعاملات عليها بالمشاهدة ، ويكون مدار البيع والشراء كذلك ، بل العدول إلى غيرها موجب للخطر .
نعم ، لو كان شيء موزوناً ، وجعلت المشاهدة طريقاً إليه ، أو لم يوزن ؛ للتساهل والابتذال ، لا يرفع الغرر في الأوّل إلاّ بالوثوق والاطمئنان ، كما أنّ البيع في الثاني غرري ، ولا بدّ في الخروج عن دليل الغرر فيهما ، من إثبات كونهما كذلك في عصر النبي والأئمّة عليهم السلام ، أو قيام الإجماع في مثلهما .
ص: 420
بيع بعضٍ من جملةٍ متساوية الأجزاء - كصاع من الصبرة - يتصوّر على وجوه :
بأن يراد ب- «الصاع» الصاع المشاع في الصبرة ، فإن كانت الصبرة عشرة أصوع ، يكون ذلك عشرها ، أو خمسةً يكون خمسها .
والمقصود بالبحث هاهنا مقام الثبوت ، لا الظهور والدلالة ، ولا إشكال في صحّته ، ولا في كونه مشاعاً ، ولا يعتبر علم البائع والمشتري في هذا الفرض بعدد صيعان الصبرة ومقدارها ؛ لأنّ المبيع متقدّر بالصاع ، وهو معلوم ، واختلاف نسبته إلى الصبرة ، لا يوجب جهالة في المبيع .
نعم ، لو باع عشر الصبرة ، لا بدّ من العلم بمقدار الصبرة ، حتّى يرفع الغرر عن المبيع ؛ لاختلاف العشر باختلاف الصبرة ، وأمّا الصاع فلا يختلف باختلافها .
ولا فرق في الصحّة في هذه الصورة ، بين متساوية الأجزاء ومختلفتها ،
ص: 421
وعنوان البحث وإن لم يشملها ، إلاّ أ نّه لأجل إدخال القسمين الأخيرين في البحث ؛ لعدم الإشكال في البطلان مع الاختلاف إذا كان البيع على النحوين الآتيين(1) ، فإذا باع نصف العبدين بنحو الإشاعة ، لا ينبغي الإشكال في صحّته ، وإن اختلفت قيمتهما .
وما عن العلاّمة قدّس سرّه : من أ نّه لو قصد الإشاعة في عبد من عبدين ، أو شاة من شاتين بطل، بخلاف الذراع في الأرض(2) لم يتّضح منه أ نّه خلاف في هذه المسألة.
ولعلّ نظره إلى أنّ العبد ليس مشاعاً في العبدين ؛ لأنّ نصف المشاع لا يصدق عليه العبد ، ولا يكون إطلاقه عليه من المجاز المتعارف ، فبطل لأجل ذلك ، وإن لم يكن ذلك أيضاً مرضيّاً .
ثمّ إنّه قد مرّت جملة من الكلام في حقيقة المشاع ، عند التعرّض لبيع نصف الدار في الفضولي(3) .
ونزيدك هاهنا : أنّ بعض الأعاظم قدّس سرّه ، بنى القول بالشركة وعدمها في صورة الإشاعة ، على الخلاف المعروف بين الفلاسفة والمتكلّمين(4) ، في مسألة كون
ص: 422
الجسم مركّباً من الأجزاء التي لا تتجزّأ وعدمه ، وبنى الخلاف في أنّ القسمة بيع أو إفراز حقّ ، على الخلاف في تلك المسألة أيضاً ، ثمّ ذهب إلى القول الحقّ في تلك المسألة .
ثمّ قال : إنّ النصف المشاع كلّي ، قابل للانطباق على النصف من أيّ طرف من الجسم ، فبالقسمة يميّز ، ويخرج عن الإبهام والكلّية ، ويعيّن في الطرف الشرقي أو الغربي(1) .
وأنت خبير بما فيه ؛ ضرورة أنّ الشركة والإشاعة والإفراز ، كلّها من المعاني الاعتبارية العقلائية ، لا الفلسفية ، وابتناء مسألة عرفية سوقية رائجة عند طوائف الناس ، على تلك المسألة العقلية ، غير صحيح .
مع أنّ أصل المطلب أيضاً غير صحيح ؛ فإنّ الجزء الذي لا يتجزّأ - الذي هو مادّة الأجسام على رأي(2) - لا يحسّ حتّى بالمكبّرات العظيمة ، ومثله كما لا يكون مالاً ، لا يكون ملكاً ؛ فإنّ الملك اعتبار عقلائي لجهات عقلائية ، ومن الواضح أنّ مثل تلك الأجزاء لا تقع تحت الاعتبار .
نعم ، بعد ضمّ ملايين منها على القول المزيّف ، يعدّ شيئاً محسوساً قابلاً لاعتبار الملكية ، وبعد ضمّ ملايين اُخرى إليها ، يصير مالاً أيضاً ، وأمّا كلّ جزء بنفسه الذي يكون أصغر من الهباء بكثير ، فلا يعتبر شيئاً وملكاً ومالاً في العرف .
ص: 423
ثمّ إنّ عنوان «الكسر» وإن كان كلّياً ؛ لصدقه على كلّ صبرة فيها كسر مشاع ، وعلى كلّ كسر فرض في الصبرة الخارجية ، لكن ما ملكه المالكان من الكسر المشاع الخارجي ، لا يكون كلّياً ؛ لأنّ الكلّي بما هو كلّي ، لا يعقل وجوده في الخارج .
مضافاً إلى أ نّه لو كان كلّياً ، بقيت العين الخارجية بلا مالك ، مثلاً إذا مات شخص عن ورّاث ، يكون نصيبهم الكسور المشاعة ، فلو كانت تلك الكسور كلّيات ، للزم عدم نقل مال الميّت إلى أحد من الورثة ؛ لأنّ ماله جزئي حقيقي ، وكلّ ما وجد فيه أيضاً كذلك .
وما أفاده قدّس سرّه : من أنّ النصف المشاع كلّي ، قابل للانطباق على النصف من أيّ طرف من الجسم ، فبالقسمة يميّز ويخرج عن الإبهام ، غير مرضيّ ؛ لأنّ ما هو كلّي قابل لما ذكر ، غير مملوك لأحد في فرض مملوكية العين الخارجية لأشخاص بنحو الكسر المشاع ، وما هو مملوك ، هو الموجود الخارجي من الكسر ، وهو غير كلّي .
وأمّا مملوكية كلّ طرف من الجسم بنحو الكسر المشاع ، فليس معناه مملوكيته لأحد الشريكين ؛ ضرورة أ نّه قبل الإفراز ، يكون كلّ طرف فرض للعين مشتركاً بينهما ، لا ملكاً لأحدهما بنحو الإبهام ، وبالقسمة يخرج عنه .
وهو - أي كون كلّ طرف من العين مملوكاً بنحو الكسر المشاع - لازم مملوكية العين بنحو ذلك ، فكما أنّ العين إذا كانت ملكاً لشخص واحد ، يكون كلّ طرف منها ملكاً له ، ولا تكون تلك الملكية كلّية ، ولا العين كلّية ، كذلك لو
ص: 424
كانت مشتركة بينهما ، يكون كلّ طرف منها مشتركاً بمقتضى الاشتراك في الجميع ، وهذا غير مربوط بالكلّية .
والظاهر أنّ منشأ الخلط من الأعلام هو لفظ «المشاع» غفلة عن معناه ، الذي هو بحسب العرف واللغة بمعنى الاشتراك في السهام ، في قبال الإفراز وتقسيم السهام(1) ، ولفظ «الساري في الكلّ» الذي وقع في بعض الكلمات(2) .
والمراد منه الاشتراك في الجميع ، في مقابل الاشتراك لا بنحو الإشاعة والسريان ، كما إذا كان أحد الشخصين مالكاً لبعض مرافق البيت مثلاً ، والآخر لبعض آخر ، فيقال مسامحة : «إنّهما شريكان في الدار» فتوهّم من اللفظين أنّ الشياع والسريان ملازمان للكلّية ، مع أنّ المشاع ؛ أي المشترك ، والساري - أي سريان الاشتراك في الجميع - عين الجزئية .
وممّا يدلّ على أنّ المسألة ، لا تبتني على مسألة الجزء الذي لا يتجزّأ ، ولا على كون الأنصاف موجودة في الجسم بنحو القوّة - كما مرّ عن بعضهم في باب بيع نصف الدار(3) - أنّ مسألة الشركة والإشاعة ، لا تختصّ بالأجسام المتّصلة المركّبة من المادّة والصورة ، بل تجري في المنفصلات كالحبوب ؛ فإنّ الاشتراك فيها عرفاً إنّما هو في المجموع ، من غير نظر إلى كلّ حبّة ، وإلى الأجزاء أو الأنصاف الموجودة فيها .
ص: 425
وكذا تجري في الديون والحقوق والمنافع ؛ ممّا لا سبيل لمسألة الجوهر الفرد فيها .
مضافاً إلى أنّ الأجزاء أو الكسور المتحقّقة ، أو المفروضة في الأجسام المتّصلة والمنفصلة ، كلّها معيّنات مشخّصات ، لا تعقل فيها الإشاعة بوجه .
وما قيل : من أنّ معنى الإشاعة والسريان ، أنّ تلك القسمة المساوية لقسمة اُخرى ، متساوية النسبة إلى تمام أجزاء ذلك الموجود بالفعل(1) لا يرجع إلى محصّل ؛ لأنّ نسبة نصف المجموع إلى نصف النصف . . . وهكذا ، مختلفة كما هو واضح .
مع أنّ الكسور ليست موجودة إلاّ بالقوّة ، ومعنى وجودها بالقوّة ، أنّ قوّة وجودها موجودة ، لا نفس الكسور ، ولا تعقل النسبة بين الأعدام وقد مرّ الكلام مع القائل في بيع نصف الدار ، فراجع(2) .
والإنصاف : أنّ ابتناء المسائل العرفية على العقليات ، خروج عن طريق الفقاهة .
والذي يمكن أن يقال : إنّ الإشاعة - في مقابل الإفراز - وصف اعتباري للملك أو الحقّ ، بين شخصين أو أشخاص ، فنفس الأعيان الخارجية إذا لم تكن ملكاً لأحد كالمباحات ، لا تتّصف بالإشاعة والإفراز ، وإنّما تتّصف بالاتّصال
ص: 426
والانفصال ، وإذا صارت ملكاً لواحد لا تتّصف بهما أيضاً ، فلا يقال للبيت الذي ملكه شخص واحد : «إنّ نصفه مشاع» أو «مفروز» وأمّا إذا ملكه شخصان أو أشخاص ، فيأتي حديث الإشاعة .
وفي مقابلها الإفراز ، وهما معنيان اعتباريان ، لا حقيقة لهما في الخارج كالجواهر والأعراض ، فكما أنّ الملك من الاعتباريات ، كذلك إشاعته وإفرازه .
ولهذا إذا اتّصل مملوك شخص بمملوك شخص آخر ، لا يصيران مشاعاً ومشتركاً ، وإذا انفصل المشاع لا يصير مفروزاً ، وإذا اختلط مثل الجوز بالجوز واللوز باللوز - ممّا لهما امتياز بحسب الواقع عرفاً - لا تتحقّق الإشاعة ولا الشركة ، وإذا أوقعا عقد الشركة تحقّقت .
كما أ نّه إذا انقسم ما هو مشاع ، لا يصير مفروزاً إلاّ بقرار بينهما ، كالقرعة أو التصالح ، وهذا أدلّ دليل على اعتباريتهما .
ولو اُطلقت «الإشاعة» أو «الإفراز» على معنىً آخر ، فهو أجنبيّ عمّا هو المعهود في باب الشركة في العرف ، واللغة ، وعند الفقهاء ، هذا ممّا لا ينبغي الإشكال فيه .
وإنّما الإشكال في أنّ ما يقع البيع عليه ، إنّما هو نفس الكسر ، كالنصف ، والثلث ، لا الكسر المشاع ؛ أي المشترك ، ضرورة أنّ الإشاعة والاشتراك تعرض للملك بعد انتقال نصفه إلى الآخر .
وإن شئت قلت : إنّ للإشاعة معنيين :
ص: 427
أحدهما : الاشتراك في الملك ، كما في اللغة ، مقابل إفراز السهام(1) .
ثانيهما : ما يطلق على الكسر قبل البيع ، فيقال : «بعت النصف المشاع» وهو أيضاً شائع في الألسن ، فما معنى هذه الإشاعة ؟
ومن المعلوم : أنّ الجسم متشخّص ، وكلّ جزء فرض فيه - سواء كان بنحو الكسر أم لا - متشخّص بتشخّصه ، فالكسر قبل وجوده ليس بشيء ، وبعد تحقّقه يكون شيئاً موجوداً في الخارج ، متعيّناً متشخّصاً ، لا يكون فيه إبهام .
وبالجملة : يرد الإشكال في الكسر الذي يقع مورد البيع والنقل ، فإذا باع النصف ، والفرض أ نّه لا يكون كلّياً ، فلا بدّ من أن يكون النصف الخارجي ، وهو متشخّص ومتعيّن أينما فرض ووجد .
والجواب : أنّ حلّ تلك المسائل ، لا بدّ وأن يقع في محيط العرف والعقلاء ، لا على الموازين الفلسفية والعقلية الدقيقة .
فنقول : إنّ الكسر في الجسم ، قد يراد منه المبهم في مقابل المعيّن ، وقد يراد منه الكلّي مقابل الجزئي ، وقد يراد منه نفس الكسر بلا لحاظ تعيّنه ، فإذا لوحظ نصف البيت الموجود في الخارج ، ولم يرد منه النصف المعيّن ، كالنصف الشرقي ، أو الغربي مثلاً ، ووقع البيع عليه ، يكون حكمه العرفي الاشتراك والإشاعة .
والبيت وإن لم يكن مشتملاً على النصف وغيره من الكسور عقلاً ، لكن البائع إذا أراد جعله مورد النقل ، يعتبر ويفرض نصفه بلا قيد فرضاً واقعياً ، كالملكية
ص: 428
التي هي من الاعتبارات ، لكنّها من الأوصاف الخارجية في الاعتبار ، ويكون وعاء المعتبر في الخارج ؛ بمعنى أنّ العرف اعتبر الملكية في الخارج ، ويحمل على العين الخارجية «أ نّها ملك» بالحمل الشائع من غير تجوّز ، فالاعتبار وعاؤه العقل ، والمعتبر في الخارج .
والنصف بالمعنى المتقدّم - أي النصف بلا تعيّن - ليس موجوداً خارجياً ، لكنّ العرف يفرضه في الخارج بلا تعيّن ، لا أقول : إنّ النصف يكون موجوداً اعتبارياً ؛ فإنّه واضح المنع ، بل أقول : إنّ النصف اعتبر بلا تعيّن ، أو لم يعتبر فيه التعيّن ، ولازمه العقلائي الاشتراك والإشاعة .
وإن شئت قلت : إنّ العرف يرى أنّ النصف - بلا عنوان وتعيّن - موجود في الجسم ، وإن كان حكم العقل على خلافه ، كما قد يقال : «إنّ الخطّ الذي هو عشرون ذراعاً ، فيه عشر ذراع» مع أنّ الخطّ عقلاً متّصل واحد ، ولا يكون العشر موجوداً فيه بالفعل ، أو يقال : إنّ أهل العرف يلاحظون الكسر المشاع في العين فيبيعونه .
وكيف كان : لا إشكال في صحّة بيع الكسر ، ولا في كونه مشتركاً بين البائع والمشتري ومشاعاً .
وما يصحّ أن يكون مورد البحث - في قبال المشاع ، والكلّي في المعيّن - إمّا الفرد المردّد بالحمل الشائع ، أو عنوان «الفرد المردّد» أي الفرد المردّد بالحمل الأوّلي .
ص: 429
وأمّا عنوان «واحد من العبدين» أو «أحدهما» الراجع ثبوتاً وبحسب الفرض إلى عنوان «واحد منهما» ، القابل للصدق على كلّ واحد ، فهو من قبيل الكلّي في المعيّن ؛ لعدم اعتبار كثرة الأفراد في الكلّي في المعيّن ، فإنّ الكلّية
راجعة إلى المفهوم ، فما هو قابل للصدق على الكثيرين ، كلّي وإن فرض امتناع فرد له ، كمفهوم شريك البارئ ، أو امتناع ما سوى فرد واحد له ، كمفهوم واجب الوجود .
فمفهوم «واحد منهما» أو «أحدهما» بهذا المعنى ، كلّي مصداقه هذا وهذا .
كما أنّ الواحد المعيّن واقعاً ، المجهول عند المتبايعين ، خارج عن المقسم ، ولا يكون مورد البحث .
كما أنّ الفرد المردّد مفهوماً وبالحمل الأوّلي ، لا يرد عليه الإشكال العقلي الذي في الفرد المنتشر ، ولكن لا إشكال في بطلانه ؛ لعدم إمكان تحقّق مصداق له ، فإنّ المصاديق ليست مصاديق الفرد المردّد ، ومعه لا يكون البيع عقلائياً كما هو واضح .
وأمّا الفرد المردّد بالحمل الشائع ، فهو لا واقعية له ؛ لا خارجاً ، ولا عقلاً ، ولا يكون قابلاً للتصوّر ، فضلاً عن جعله مورد الإضافة والنقل ولو إنشاءً .
فما هو المتصوّر ليس إلاّ مفهوم الفرد المردّد ، نظير المعدوم المطلق ، وشريك البارئ ، فإنّ المتصوّر منهما ليس إلاّ المفهوم ، بل ليس المفهوم حاكياً عنهما ؛ لعدم واقعية لهما ، وعدم إمكان الحكاية والإشارة وأمثالهما فيهما وفي أمثالهما .
بل لا يمكن عقد قضيّة موجبة فيهما ، والموجبات ظاهراً ، لا بدّ من إرجاعها إلى السوالب المحصّلة بنفي الموضوع ، فقوله : «شريك البارئ ممتنع» و«المعدوم
ص: 430
المطلق قبال الموجود» مؤوّلان إلى السالبات ؛ لامتناع عقد الإيجاب فيهما .
كما أنّ قولنا : «بيع الفرد المردّد بالحمل الشائع باطل» لا بدّ وأن يرجع إلى سالبة هي : «ليس بيعه صحيحاً» الراجعة إلى عدم تحقّق البيع بعدم تحقّق المبيع .
وبالجملة : الفرد المردّد ليس بشيء ؛ لا عقلاً ، ولا عرفاً .
نعم قد يقال : «بعت الفرد المردّد» فيتوهّم منه أنّ البيع تعلّق به بالحمل الشائع ، مع أ نّه بهذا الحمل ليس بشيء ، ولا يعقل تعلّق البيع به ، فليس أمثال ذلك إلاّ توهّماً محضاً ، واختراعاً ذهنياً ، تتخيّل له الواقعية .
فلا إشكال في عدم تعقّل تحقّق البيع ومفهوم «المبادلة» في مثله ، وليس مثله بيعاً باطلاً ، بل لا يكون بيعاً ، ولا شيئاً مذكوراً ، فلا يكون بطلان ذلك مستنداً إلى الأدلّة الشرعية من الغرر وغيره .
ثمّ إنّه قد ورد في النصوص الشرعية ، ما يوهم أنّ الحكم فيها على الفرد المنتشر والمردّد بالحمل الشائع ، كصحيحة جميل بن درّاج ، عن أبي عبداللّه عليه السلام : في رجل تزوّج خمساً في عقدة .
قال : «يخلّي سبيل أيّتهنّ شاء ، ويمسك الأربع»(1) .
ونظيرها ما ورد في مجوسي أسلم ، وله سبع نسوة ، حيث ورد فيه : «يمسك
ص: 431
أربعاً ، ويطلّق ثلاثاً»(1) . . . إلى غير ذلك(2) .
فإنّ الصحّة في أربع مردّدة في الجميع ، والبطلان في الزائدة المردّدة فيه ، عين الفرد المردّد الممتنع تعلّق الحكم به ، وقد أفتى أصحابنا أو جمع منهم بمضامينها (3) .
ودعوى : عدم الامتناع ؛ لأنّ العقد وقع على المعيّنات ، نظير وقوعه على المحرّم والمحلّل(4) غير مسموعة ؛ لأ نّ-ه وإن وقع على الخمس مثلاً معيّنة ، لكن لم يؤثّر في واحدة منها مبهمة ، والإبهام في الواحدة موجب للإبهام في الأربع أيضاً .
ويمكن توجيه الصحّة في تلك الموارد بوجوه :
منها : الالتزام بأنّ الممنوع في الزائد على النصاب ، إنّما هي الزوجية المستقرّة المترتّبة عليها آثارها ، دون مثل المقام الذي لا تترتّب عليها آثارها إلاّ بعد الاختيار .
وهذا كما قلنا في مالكية العمودين ، فإنّ المستقرّة منها ممنوعة ، وأمّا الملكية
ص: 432
التي لا يترتّب عليها إلاّ العتق ، فلا مانع منها ، والأدلّة منصرفة إلى الملكية المعهودة المترتّبة عليها الآثار(1) .
ومنها : الالتزام بأنّ العقد الإنشائي المتعلّق بالخمس ، لم يؤثّر واقعاً في شيء منها إلاّ بعد الاختيار ، فصحّة العقد تكون مراعاة إلى حال الاختيار ، نظير بيع الفضولي ، فالإنشاء تعلّق بالمعيّنات ، ولكن يؤثّر في اللاتي يختارهنّ .
ومنها : الالتزام بأنّ العقد وإن تعلّق بالمعيّنات ، لكن لا يؤثّر إلاّ في الأربع منهنّ بنحو الكلّي ، القابل للصدق على كلّ أربع فرضت ، وبالاختيار يتعيّن .
ومنها : الالتزام بأنّ العقد أثّر في الأربع اللاتي يختارهنّ في علم اللّه ، فالأربع المتعقّبة بالاختيار أزواجه ، والاختيار كاشف عمّا هو الصحيح .
وهذه الوجوه تأتي في الكتابي الذي أسلم ، وله زائد على النصاب ؛ لعدم الفرق بين الابتداء والاستدامة ، وإن كان التقرير مغايراً للتقرير فيه ، كما يظهر بالتأمّل .
وكيف كان : لا يجوز طرح الصحيحة المفتى بها ، بعد إمكان رفع الإشكال العقلي بوجه .
وأمّ-ا ما ورد في عتق أبي جعفر عليه السلام ثلث عبيده عند الموت ، وإخراج أبي عبداللّه عليه السلام إيّاه بالقرعة(2) فهو من قبيل الكلّي في المعيّن ، فإن أعتقهم عند موته أو بعده ، كان إنشاء العتق جزء السبب ، والقرعة متمّمة .
ص: 433
وإن كان من قبيل الإيصاء بالعتق ، يكون نظير الواجب التخييري .
ولكن ظاهر الرواية هو العتق ، ولهذا أخرج الثلث بالقرعة .
وقد يتخيّل : أنّ العلم الإجمالي المتعلّق بأحد الشيئين ، أو واحد من الأشياء ، من قبيل المتعلّق بالفرد المنتشر والواحد المبهم ، ولهذا يصحّ أن يقال : «نعلم بنجاسة واحد من الكؤوس لا بعينه» وهو عين الإبهام والانتشار(1) .
وفيه ما لا يخفى ؛ إذ - مضافاً إلى ما عرفت : من امتناع تحقّق المبهم ، والفرد المنتشر ، والواحد لا بعينه ، خارجاً وكذا ذهناً إلاّ بالحمل الأوّلي(2) - أنّ الواحد من الكؤوس مثلاً ، إذا كان معلوماً بالإجمال ، فإن نظرنا إلى الواقع ، لا يكون النجس إلاّ الواحد الشخصي المعيّن ، ولا يعقل انتشاره وإبهامه وهو واحد بعينه وموجود مشخّص .
وإذا كان باقي الكؤوس طاهراً ، فلا ينطبق الواحد النجس إلاّ عليه دون غيره ، فلا إبهام في الواقع ، ولا في المفهوم المنطبق عليه .
وإذا نظرنا إلى العلم وكيفية تعلّقه به ، فهو أيضاً متعلّق بعنوان معيّن ومشخّص في العقل ، وهو عنوان «واحد من الكؤوس الذي هو نجس» أي المعلوم بالذات ، والمعلوم بواسطته وبالعرض ليس إلاّ ما ينطبق هذا العنوان عليه ، وهو النجس
ص: 434
الواقعي ، ولا يمكن انطباقه على غيره ؛ لأنّ ما هو معلوم بهذا العنوان ، لا يعقل تكثّره ولا انطباقه على غير الواقع .
نعم ، لمّا كان هذا المعلوم المعيّن مشتبهاً بين أشياء - لعدم تعلّق العلم بخصوصياته المميّزة له عن سائرها - يقال : «إنّه معلوم بالإجمال» بمعنى أ نّه معلوم معيّن واقعاً ، ومعلوم من جهة بلا إجمال ، ومشتبه من جهات اُخر .
مثلاً : لو علم أنّ زيداً موجود في الدار ، ولا يعرفه بعينه ، وكان مشتبهاً بين جمع ، تعلّق علمه بأنّ زيداً موجود بينهم ، فعلمه متعلّق بشخصه ، بعنوان أ نّه زيد ، المشخّص الموجود ، غير القابل للتكثّر والإبهام ، والتردّد والانتشار ، وباسمه الموجود في الذهن المعلوم بالذات ، وهو أيضاً اسم شخص لا ينطبق على غيره ، ولا إبهام ولا إجمال فيه .
لكن لمّا لم يعرفه بخصوصياته المعرّفة ، واشتبه عنده بين سائر الأفراد ، واحتمل أ نّه هذا الشخص ، أو ذاك ، أو ذلك ، يصحّ أن يقول بنحو القضيّة المنفصلة الحقيقية : «إنّ زيداً إمّ-ا هذا ، أو ذاك ، أو ذلك . . .» إلى آخر الأفراد ، ويصحّ
أن يقول : «إنّي أعلم أنّ زيداً موجود في هذا الجمع» أو «إنّه أحد هؤلاء الأشخاص ، ولا أعرفه بعينه» .
وهذا هو المراد من العلم الإجمالي ، أو العلم بواحد لا بعينه ، لا أ نّه في الواقع أو الذهن يتحقّق الواحد المبهم اللا بعينه ؛ ممّا هو واضح الفساد .
وإذا علم أنّ الواجب في يوم الجمعة إمّا صلاة الظهر ، أو صلاة الجمعة ، يعلم أنّ واحداً معيّناً وجب في الشرع ، والصورة الذهنية الفريضة يوم الجمعة ، وهي غير قابلة للانطباق على الصلاتين ، بل لا تنطبق إلاّ على ما هي فريضة ، لكن لمّا
ص: 435
كانت مشتبهة ، تصدق القضية المنفصلة الحقيقية ، ويصدق : «أ نّه عالم بفريضة معيّنة يوم الجمعة» وإن اشتبهت عنده .
فلا إجمال في العلم ، ولا في المعلوم بالعرض ، ولا في المعلوم بالذات .
وإنّما تعرّضنا لذلك بهذا التفصيل مع وضوح الأمر ؛ لوقوع الاشتباه فيه حتّى عند بعض المحقّقين والأعلام(1) .
والفرق بينه وبين المشاع والفرد المردّد واضح ، ولا سيّما على ما قلناه في معنى المشاع(2) .
وأمّا الفرق بينه وبين الكلّي لا في المعيّن - كالكلّي المقيّد ، الذي لا ينطبق إلاّ على المصاديق التي في المعيّن - فلا يخلو من إشكال .
وهو أنّ الكلّي في المعيّن ، إذا لم يخرج عن حدّ الكلّية ، فهو كسائر الكلّيات القابلة للصدق على كثيرين ، ولا إشكال في أنّ مالك الصبرة المعيّنة ، لا يملك إلاّ الصبرة الخارجية الجزئية الحقيقية ، وبتبعها يملك الأبعاض المعيّنة الموجودة الجزئية ، ولا يملك الكلّي المنطبق عليها ، أو على أبعاضها ، حتّى يكون له مملوكان :
أحدهما : الصبرة الخارجية بأبعاضها .
ص: 436
وثانيهما : الكلّي المنطبق على كلّ بعض .
مع أ نّا نرى في حكم العقلاء ، أنّ بيع الكلّي في المعيّن من غير المالك ، يعدّ بيع ملك الغير ، فيحتاج إلى الإجازة ، فمن باع شاة من قطيع الغير على نحو الكلّي في المعيّن ، يقال : «باع شاة الغير» .
فلا بدّ بعد صحّة هذا الحكم العقلائي من الالتزام : إمّا بكون الكلّي في المعيّن جزئياً خارجياً مردّداً ، وأ نّه مرادهم من «الكلّي الخارجي» وهو فاسد عقلاً بلا إشكال .
أو بكون الكلّي مملوكاً في قبال الصبرة وأبعاضها ، وهو أيضاً فاسد عرفاً .
أو بإرجاع الكلّي في المعيّن إلى الإشاعة ، وهو أيضاً خلاف اعتبار العقلاء .
والذي يمكن أن يقال : إنّ الكلّي بما هو ، مع الغضّ عن لحوق الاعتبارات المعاملية به ، معنىً واحد ، لا فرق بين مصاديقه وموارده - التي هي كلّيات أيضاً - من حيث الكلّية بوجه ؛ فإنّ الكلّي هو المفهوم القابل للصدق على كثيرين ، وهو صادق على الاُمور العامّة كالشيء والممكن ، وعلى الماهيات الخاصّة كالإنسان والغنم والبقر ، وعلى الكلّيات المقيّدة وإن صار التقييد موجباً لعدم الصدق إلاّ على مصاديق محدودة أو على مصداق واحد أو على الكلّي المضاف إلى معيّن كالصاع من الصبرة الخارجية .
فكلّ من تلك العناوين كلّي ، قابل للصدق على كثيرين ، من غير افتراق بينها من هذه الحيثية ، وإنّما الافتراق بالإطلاق والتقييد ، وسعة الصدق وعدمها ممّا لا دخالة لهما في نفس الكلّي ، فالكلّي في المعيّن ، لا يفترق عن سائر الكلّيات من حيث الكلّية .
ص: 437
ثمّ إذا نظرنا إلى اعتبار العقلاء في باب المعاملات ، نرى أنّ الكلّيات بما هي كلّيات ، لا رغبة فيها ، ولا مالية لها من حيث هي ، بل مناط المالية والرغبات في مصاديقها ، وإنّما صارت الكلّيات أموالاً باعتبار المصاديق .
فإذا قيل : «إنّ وسقاً من الحنطة بكذا» تكون ماليته باعتبار مالية مصاديقه ، وقابلية تطبيقه عليها ، واعتبار ذمم المتعاملين تابع لقدرتهم على مصاديق ما تعاملوا عليه ، لا باعتبار إضافتها إلى ذممهم ؛ ضرورة أنّ الإضافة إليها مغفول عنها في الأسواق .
نعم ، بعد تحقّق المعاملة على الكلّيات ، يرى العرف اشتغال ذمّته بها ، نظير اشتغالها بقيم المتلفات .
مضافاً إلى أنّ الإضافة إلى الذمّة ، لا تجعل غير المال مالاً ، ولهذا لو أضاف من لا اعتبار له عند العقلاء إلى ذمّته كلّياً - كمن كان مسكيناً لا ترجى منه القدرة ولو بعد حين ، وأراد بيع عشرين وسقاً من الطعام - لما اشتراه أحد ؛ لعدم اعتبار ذمّته وعهدته ، وعدم صيرورة الإضافة موجبة للمالية ، فمالية الكلّيات تابعة لمعتمدها ، كمالية الأوراق النقدية .
ثمّ إنّ المعتمد في الكلّيات غير المضافة إلى الخارج ، هو قدرة البائع على المصداق مع الوثوق بتحقّقه ، وعلى ذلك تدور المعاملات في الكلّيات ، كالسلف ونحوه ، وليس معتمدها هو الوجود الخارجي ، ولا ماليتها بإضافتها إلى الذمم ، هذا مع الغضّ عن الإشكال العقلي في الإضافة .
وأمّا الكلّيات المضافة إلى الخارج ، فهي بحسب اعتبار العقلاء ، كلّيات معتبرة لا في الذمم ، بل في خارجها ، وإن شئت قلت : في الأعيان الخارجية .
ص: 438
فظرف الكلّيات غير المضافة هو الذمم ، وظرف الكلّيات في المعيّن هو الخارج ؛ أي الصبرة في المثال ، والخارج يساوق الشخصية إذا كان الموجود فيه حقيقياً ، وأمّا الموجود الاعتباري فلا يساوق الشخصية ، فالصاع من الصبرة كلّي كسائر الكلّيات ، وقابل للصدق على الكثيرين .
والفرق بينه وبين الكلّي المقيّد ، الذي لا ينطبق إلاّ على ما في الصبرة الخارجية ، أنّ ظرف الكلّي المقيّد ذمّة البائع ، ومعتمده قدرته واعتبار ذمّته وعهدته ، وظرف الكلّي الخارجي هو الصبرة الخارجية ، وهي معتمده ، لا ذمّة البائع .
فالمشتري مالك لكلّي في الصبرة ، كما أ نّه في الفرض الأوّل مالك لكلّي في الذمّة ، ولمّا كان الكلّي اعتبر في الصبرة ، يقال عند بيع صاع منها : «إنّه باع مال الغير» لأنّ ملك الغير معتمده ، وبيعه باعتباره ، كما تعتبر سائر الكلّيات في الذمّة ؛ لأ نّها معتمدها .
ومقتضى ما ذكر ، عدم صحّة بيع الزائد على ما في الصبرة ؛ لعدم تحقّق المعتمد ، وعدم إمكان التسليم ؛ لأنّ الشخص لا يعقل تكرّره .
وأمّ-ا الكلّ-ي المقيّ-د ، فهو وإن انحصر في مصداق أو مصاديق خارجية ، لكن لو اتّفق وجود فرد آخر ، يكون مصداقاً له ، بلا افتراق بينه وبين المصاديق الموجودة .
وبالجملة : إنّ الكلّيات غير المضافة إلى المعيّن ، تصير بعد البيع ديناً على البائع ، فلو مات تعلّق بتركته ، وأمّا الكلّي في المعيّن فليس على ذمّته ، ولا يكون ديناً ، بل لا بدّ من تعيينه من الصبرة ؛ لأنّ الكلّي اعتبر فيها .
ص: 439
وهذا هو المراد من الكلّي الخارجي ، لا أ نّه موجود حقيقي في الخارج ، فإنّه محال بوصف الكلّية .
ثمّ إنّه لا ينبغي الإشكال في صحّة بيعه ، وعدم جهالة وإبهام في المبيع ، وعدم غرر فيه بأيّ معنىً فسّر ؛ فإنّه معلوم بجميع حدوده ، والمصاديق ليست مورداً للبيع ، ولا خطر فيه ؛ لتساوي مصاديقه .
وأمّا الفرد المنتشر على فرض تعقّله ، فبيعه غرري إن فسّر الغرر بالجهالة ، كما فسّره بها الشيخ الأعظم قدّس سرّه (1) ومن تبعه(2) .
وأمّا قضيّة عدم معهودية بيع الكلّي في المعيّن(3) ، فعلى فرض تسليمه لا يضرّ ؛ فإنّ احتمال دخالتها في صحّة البيع ، مدفوع بإطلاق الأدلّة .
بل لزوم معهودية متعلّقات المعاملات مقطوع الفساد ، وإلاّ لزم بطلان بيع عامّة الموضوعات المستحدثة ، مضافاً إلى أ نّه معهود ، كما أشار الشيخ قدّس سرّه إليه(4) .
وتدلّ على معهوديته صحيحة الأطنان(5) أيضاً لأنّ موردها ذلك ، لا الفرد المنتشر المستحيل تعقّله وتعلّق البيع به ، فالحكم بالصحّة فيها ، دليل على عدم كون موردها الفرد المنتشر ، كما هو واضح .
ص: 440
نعم ربّما يقال : إنّ عناوين المعاملة محصورة فيما هي معهودة في عصر الشارع ، كالبيع ، والإجارة ، والصلح . . . ونحوها ، فالمعاملات المستحدثة - كالتأمين - إذا لم تنطبق على إحدى المعهودات باطلة(1) .
وهو أيضاً فاسد ، يدفع احتماله بمثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(2) و(تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ)(3) .
ص: 441
لو باع صاعاً من صبرة ، ولم تكن قرينة على المراد ، فهل يحمل على الفرد المنتشر ، فيحكم ببطلانه ، أو على الإشاعة ، أو على الكلّي في المعيّن ؟
ويتّضح المراد بتوضيح معنى «الصاع» و«الكسر» ثمّ معنى «التنوين» :
أمّا «الصاع» فهو اسم لمكيال معلوم ، أو لمقدار كذلك ، فهو معنىً نفسي ، غير منسوب ، ولا مضاف إلى غيره ، كسائر المقادير ، مثل الذراع ، والمنّ ، ومراتب الأعداد الصحيحة ، كالواحد ، والاثنين . . . وغير ذلك ، فتصوّر الصاع وأشباهه ، لا يستلزم تصوّر شيء آخر .
وأمّا الكسور التي اُصولها تسعة ، فهي اُمور نسبية ، يتوقّف تصوّرها على تصوّر غيرها ، نظير الاُبوّة والبنوّة ، فإنّ تصوّر الثلث ، يلازم تصوّر الثلثين ، ولا يعقل انفكاكه منه .
ص: 442
وهذا معنىً يخالف معنى «الصاع» فحمل الصاع على الإشاعة ، يحتاج إلى قرينة دالّة على استعماله في غير ما وضع له .
وأمّا احتمال أن يكون المعنى العرفي ، هو الكسر المشاع الذي يقدّر بالصاع(1) ، فهو غير مرضيّ جدّاً .
ودعوى قيام قرينة عامّة على ذلك(2) ، غير مسموعة ، بل المعنى العرفي هو المعنى اللغوي(3) بلا ريب ، هذا حال الدوران بين الصاع والكسر .
وأمّا الدوران بين الكلّي في المعيّن ، والفرد المنتشر ، فقد قال الشيخ الأعظم قدّس سرّه : إنّ مقتضى الوضع في قوله : «صاعاً من صبرة» هو الفرد المنتشر(4) .
وفيه : أنّ «الصاع» موضوع لنفس الطبيعة من غير قيد وشرط ، وتنوين غير التمكّن ، لا يدلّ إلاّ على الوحدة في مدخوله بالمعنى الحرفي ، فصاعٌ - كرجلٍ بالتنوين - لا يدلّ إلاّ على صاع واحد ، إلاّ أنّ هذا دالّ على المقصود بالدلالة الاسمية ، وذاك بالدلالة الحرفية ، ولا يزيد في الدلالة على ذلك .
وإفادة الزائد على هذا المعنى - كالمجهولية عند المخاطب ، أو المتكلّم ، أو عندهما ، وكالإبهام - محتاجة إلى قرينة ودالّ آخر ، غير نفس اللفظ .
فمقتضى دلالة اللفظ ، هو الصاع المقيّد بالوحدة لا غير ، وهذا هو الكلّي
ص: 443
من غير قيد ، وإذا اُضيف إلى الصبرة مثلاً ، تكون دلالة الجملة على الكلّي في المعيّن بدوالّ متعدّدة ، وهي لفظ «الصاع» والتنوين ، والجارّ ، واسم الإشارة ، و«الصبرة» .
وأمّا الخصوصية الفردية التي هي مدلول الفرد المنتشر ، فلا دالّ في الكلام عليها ، فلو اُريد إفادتها ، لا بدّ من دلالة لفظية ، أو قرينة حالية ، ونحوها ، فمقتضى الوضع هو الكلّي في المعيّن ، وكذا مقتضى فهم العرف .
وهذا هو الظاهر من رواية بريد بن معاوية ، عن أبي عبداللّه عليه السلام : عن رجل اشترى عشرة آلاف طنّ من أنبار ، بعضه على بعض من أجمة واحدة ، والأنبار فيه ثلاثون ألف طنّ . . . فأصبحوا وقد وقع في القصب نار ، فاحترق منه عشرون ألف طنّ ، وبقي عشرة آلاف طنّ .
فقال عليه السلام : «العشرة آلاف التي بقيت هي للمشتري ، والعشرون التي احترقت من مال البائع»(1) .
فما عن «جامع المقاصد» من الاستدلال بالسبق إلى الفهم من الرواية(2) ، متين لا ريب فيه .
ص: 444
ثمّ إنّه يتفرّع على ما استظهرناه ؛ من كون المبيع كلّياً في المعيّن اُمور :
منها : كون التخيير في تعيينه بيد البائع ، بخلاف المشاع .
وهذا على ما سلكناه في المشاع - من أنّ البائع والمشتري شريكان في العين ، كشركة الوارثين في إرث مورّثهما - واضح ؛ لأنّ الخارج على فرض الكلّي ، ليس ملكاً للمشتري ، وإنّما هو مالك لكلّي اعتبر في الصبرة ، قابل للصدق على كلّ صاع فرض فيها ، ولا فرق من هذه الجهة بين الكلّي في المعيّن ، والكلّي في الذمّة .
والقول : بأنّ المشتري مالك لجزء من الصبرة ، والبائع مالك لما عدا هذا الجزء ، فلا بدّ من أن يكون التعيين بنظرهما (1) خروج عن فرض الكلّي ؛ ضرورة أنّ الجزء الخارجي ، لا يعقل أن يكون كلّياً ، ولا يلزم من اعتباره في الصبرة ، صيرورة جزء منها ملكاً له ؛ لأنّ ملكية الكلّي القابل للصدق على كثيرين ، مخالفة لملكية الجزئي الخارجي غير القابل له .
وعلى فرض الإشاعة فالخارج مشترك بينهما ، ومقتضى الشركة احتياج القسمة إلى التراضي ، وهو ظاهر .
وأمّا على مسلك من ذهب إلى أنّ الكسر المشاع كلّي ، قابل للصدق على أيّ
ص: 445
كسر فرض في الصبرة(1) ، فلا بدّ من الالتزام بكون التخيير للبائع ؛ بعين ما ذكر في الكلّي في المعيّن .
وما عن بعض الأعاظم قدّس سرّه من الفرق : بأنّ الكلّي في المعيّن ، مجرّد عن جميع الخصوصيات الخارجية ، بخلاف المشاع ، فإنّ النصف القابل للانطباق على النصفين ، ملحوظ بمشخّصاته الخارجية ، غاية الأمر حيث إنّ النصف كلّي ، فالخصوصيات أيضاً كلّية ؛ أي خصوصية ما داخلة في المبيع ، ولهذا لا بدّ في التعيين من رضا الطرفين(2) لا يخلو من غرابة ؛ ضرورة أنّ الكلّي إذا قيّد بكلّي آخر ، لا يخرج عن الكلّية .
فالمشتري على فرض دخول الخصوصية بنحو الكلّية في ملكه ، لا يملك خصوصية معيّنة ، ولا يشترك مع البائع في الموجود الخارجي ، ولازم ذلك كون التخيير للمالك بعين ما قرّر في الكلّي في المعيّن .
فالكسر الكلّي المفروض في الصبرة بناءً على ما ذكره ، عين الكلّي في المعيّن ولو قيّد بخصوصية ما ؛ أي خصوصية كلّية قابلة للصدق على كلّ كسر فرض فيها .
وبالجملة : إنّ التراضي من أحكام الشركة في العين الخارجية ، ومع عدم ملكيتها إلاّ للبائع ، وعدم ملك المشتري إلاّ الكلّي المتقيّد بخصوصية كلّية ، لا وجه لدخالة رضاه .
مضافاً إلى أنّ الكسر الكلّي - أي النصف ، أو الثلث مثلاً - لا تدخل فيه
ص: 446
الخصوصيات الخارجية ، فكما أنّ الصاع لا يكون إلاّ نفس ذاته ، والخصوصيات خارجة عنه ، كذلك الكسر ، لا يكون إلاّ نفس الثلث أو النصف مثلاً ، والخصوصيات خارجة .
فإدخال الخصوصيات ولو بنحو الكلّي ، يحتاج إلى قيد زائد يمكن إلحاقه بالصاع ، كما يمكن إلحاقه بالنصف .
والإنصاف : أنّ الالتزام بكلّية الكسر المشاع - كالالتزام بالافتراق بينهما بما ذكر - ممّا لا وجه له .
ومنها : أ نّه لو تلف بعض الجملة ، وبقي مقدار تصدق عليه الطبيعة ، ينحصر حقّ المشتري فيه ، بناءً على الكلّي في المعيّن ؛ لأنّ المشتري ليس مالكاً للخارج المتلف ، وإنّما هو مالك للكلّي ، وهو باقٍ مع وجود مصداق منه .
بخلاف المشاع ؛ ضرورة أنّ التلف فيه تلف لمالهما المشترك ، فيكون التلف بنسبة ملك المشتري من التالف من التلف قبل القبض .
فهل الباقي بناءً على الكلّي في المعيّن ، يصير متعيّناً ، ولا يحتاج إلى تعيين البائع أو لا ؟
يمكن أن يقال : إنّ مقتضى حكم العقل هو الثاني ؛ لأنّ الباقي ليس متعلّقاً لعقد البيع ، ولا مملوكاً للمشتري ، بل باقٍ على ملك البائع ، والانحصار لا يوجب صيرورة الكلّي جزئياً وغير المبيع مبيعاً ، نظير ما هو التحقيق في الواجب الموسّع بعد تضييق وقته ، فإنّ الأمر المتعلّق به ، لا يعقل تخلّفه عمّا هو عليه ،
ص: 447
فهو موسّع حتّى بعد تضييق وقته ، والتغيير والتبديل في الجعل والحكم غير معقول ، وإنّما الاختلاف قبل التضييق وبعده في حكم العقل ، لا في جعل الجاعل وحكم الحاكم ، فقبله يحكم العقل بالتخيير ، وبعده يحكم بعدمه ، ومع العصيان يكون عصياناً للواجب الموسّع ، لا المضيّق(1) .
وفي المقام يقال : إنّ ما تعلّق به البيع هو الكلّي ، لا مصداقه ، وانحصار المصداق لا يوجب تغيير متعلّق البيع ، فالكلّي مبيع ، والمصداق باقٍ على ملك البائع ، ويتعيّن بتعيينه ، كما أنّ الكلّي المقيّد غير المعيّن ، لا يخرج عن الكلّية
بانحصار مصداقه .
هذا ، ولكن يمكن أن يقال : إنّ تطبيق الكلّي على الخارج ، غير تعلّق البيع به ، فما هو متعلّق الإنشاء والبيع ، هو الكلّي في المعيّن ، لكن قبل انحصاره في الواحد ، يكون كلّ فرد صالحاً لانطباق الكلّي عليه ، من دون أن يكون مصداقاً فعلياً له ؛ لعدم الترجيح ، وبعد الانحصار يصير منطبقاً عليه فعلاً .
وكما أنّ تعيين البائع ، لا يوجب تغيير الإنشاء عمّا هو عليه ، كذلك تطبيق الكلّي لا يوجب ذلك .
والفرق بين الكلّي في الذمّة ، والكلّي في المعيّن : هو أنّ الثاني لمّا فرض في الخارج كما تقدّم(2) ، ففي مورد الانحصار ينطبق فعلاً عليه ، ويصير متعيّناً .
وأمّا الأوّل ، فلا ينطبق عليه قهراً ؛ لعدم إضافته إلى الخارج ، فتكون نسبته إلى
ص: 448
الخارج وإلى غيره - المقدّر وجوده - على السواء .
وإن شئت قلت : هذا التطبيق حكم عرفي في الكلّي في المعيّن .
ومنها : أ نّه لو كانت للموجود الخارجي نماءات أو منافع ، فهي للبائع على الكلّي في المعيّن ، ومشتركة بينهما على الإشاعة ؛ لأنّ الخارج - على فرض كون المبيع كلّياً - لا يكون ملكاً للمشتري إلاّ بعد تعيين المصداق .
ومنها : أ نّه لو باع البائع بعد ما باع صاعاً منها ، صاعاً آخر من آخر ، فعلى ما ذكرناه لو تلفت الصبرة ، وبقي صاع واحد ، كان ذلك للمشتري الأوّل ، وانفسخ البيع بالنسبة إلى الثاني ؛ لأنّ التلف قبل القبض .
وذلك لا لما ذكره الشيخ الأعظم قدّس سرّه وتبعه بعض آخر(1) ؛ من أنّ الكلّي المبيع ثانياً ، إنّما هو سارٍ في مال البائع ، وهو ما عدا الصاع من الصبرة ، فإذا تلف ما عدا الصاع ، فقد تلف جميع ما كان الكلّي فيه سارياً ، فقد تلف المبيع الثاني قبل القبض(2) .
لأنّ المفروض أ نّه باع صاعاً كلّياً ، ولم يكن هو ملكاً للبائع ، بل كان ملكه هو الصبرة الخارجية، المشخّصة المعيّنة الموجودة الجزئية، والصيعان التي فيها أجزاء
ص: 449
لها ، وهي موجودة جزئية ، ولا يعقل أن يكون الموجود الحقيقي الخارجي كلّياً .
وبعبارة اُخرى : إنّ ملك البائع جزئي حقيقي ، والمبيع كلّي ، وهما متقابلان ، فلا يكون ما هو ملكه مبيعاً ، وليس معنى الكلّي الخارجي أو الكلّي في المعيّن ، أنّ الصاع المتحقّق في الخارج حقيقة - الذي هو جزئي حقيقي - كلّي واقعاً ؛ ضرورة امتناع ذلك عرفاً وعقلاً .
بل الوجه في ذلك ، أنّ مقتضى لزوم الوفاء بالعقد عرفاً وشرعاً ، تحديد سلطنة البائع بالنسبة إلى الصبرة الخارجية ؛ لأنّ لازم بيع الصاع من الصبرة ، هو لزوم أدائه منها ، لا أداء صاع مطلقاً ، وليس للبائع بعد بيع صاع منها أن يبيع الصبرة بأجمعها ؛ لعدم سلطنته عليها كذلك .
والفرق بين الكلّي المقيّد وإن انحصر مصداقه في الفرد الموجود خارجاً ، وبين الكلّي في المعيّن ، أنّ لزوم الأداء من الصبرة ، من مقتضيات البيع عرفاً وشرعاً في الثاني ، دون الأوّل ، ولازمه تحديد سلطنته ، ولازم ذلك عدم نفوذ بيعه إلاّ في الواحد من الباقي ، فيكون الكلّي المبيع ثانياً ، صاعاً من الصبرة ما عدا واحد منها .
فما قيل : من أنّ صرف الوجود أو الكلّي ، باقٍ إلى تلف الجميع ، وأنّ التعيّن من قبل البائع - بأيّ وجه - مفروض العدم ، فالتخصيص بلا مخصّص(1) غير وجيه ؛ لأنّ التعيّن إنّما هو لقصور السلطنة عرفاً وشرعاً .
ولهذا نرى بالضرورة لدى العرف ، أ نّه لو باع صاعاً منها ، لا يجوز له بيع
ص: 450
الجميع ، وليس هذا إلاّ من أجل ما ذكر ، وهذا الحكم العرفي والشرعي ، يوجب حمل الكلّي المبيع ثانياً على صاع من الصبرة ما عدا صاع ، وهذا وجه الترجيح .
وهذا من أحكام الكلّي في المعيّن ، مقابل الكلّي المقيّد في الذمّة ، فإنّ الثاني لا مساس له بالخارج بحسب مقتضى البيع ، بخلاف الأوّل ، ولهذا لو باع صاعاً من صبرة الغير يعدّ فضولياً ، فلو أذن صحّ ، ولزمه الأداء من صبرته .
ثمّ لو قلنا : بكون الصاع الباقي لهما ، فالظاهر أ نّه لم ينقلب إلى الإشاعة والاشتراك ، بل بقي لكلٍّ نصف الصاع بنحو الكلّي في المعيّن ، وللبائع اختيار التعيين .
كما أ نّه لو بقي صاعان منها ، بقي الكلّي على حاله ، وكذا اختيار البائع ، هذا كلّه بناءً على الحمل على الكلّي في المعيّن .
وأمّا بناءً على الاشتراك والإشاعة ، فالحكم واضح ، ويكون الباقي مشتركاً ، وإن وقع الكلام سالفاً في كيفية الاشتراك، في مسألة من باع نصف الدار ، وكان مالكاً للنصف(1) .
ثمّ إنّ المبيع يبقى كلّياً ما لم يقبض ، ولا إشكال في أ نّ-ه إذا قبض منفرداً عمّا عداه ، صار ملكاً للمشتري ؛ لانطباق الكلّي عليه .
وأمّا إن قبض الصبرة بأجمعها :
ص: 451
فتارة : يكون إقباضها بعنوان إقباض الكلّي تبعاً ، فإنّ الكلّي بعد ما كان معتبراً في الصبرة ، يكون تلفه بتلفها ، وقبضه بقبضها ، ومعه يكون الإقباض - بعنوان إقباض الكلّي - موجباً لكون التلف بعد القبض ، فإذا تلفت الصبرة بأجمعها ، كان تلف الكلّي من مال المشتري .
ولو تلف بعضها يحسب على البائع ؛ لأنّ الكلّي باقٍ على حاله في ماله ، والخارج ملك للبائع ، ولم يحدث شيء إلاّ القبض .
هذا إذا قلنا : بأنّ قاعدة تلف المبيع قبل القبض ، تعمّ الكلّيات .
واُخرى : يكون الإقباض بعد تعيين الصاع في المشاع ؛ بأن يجعل الصاع عشر الصبرة مثلاً ويسلّمها ، ليكون العشر ماله بنحو الكسر المشاع .
وهذا على فرضه لا إشكال في حكمه ، إلاّ أنّ الشأن في كون ذلك النحو من التعيين بيد البائع ، فإنّه مشكل ، بل ممنوع ؛ لأنّ عنوان «الكلّي في المعيّن» وعنوان «الكسر المشاع» ك- «العشر» متقابلان ، واعتبار كلّ غير اعتبار الآخر ، كما أنّ مصداق كلّ يخالف مصداق الآخر .
فعنوان «العشر» الكلّي قابل للانطباق على الكسر الخارجي في أيّ موضوع كان ، ولا ينطبق على الصاع المعيّن ، كما أنّ عنوان «الصاع» بنحو الكلّي ، لا ينطبق على المشاع إلاّ مع تقدير وتجريد عن الإشاعة .
وإن شئت قلت : إنّ الإشاعة أمر زائد على الصاع الكلّي الذي هو المبيع ، وليس للبائع إلاّ تعيين المصداق ، لا تبديل الكلّي بالإشاعة إلاّ مع قراره مع المشتري ، وهو خارج عن الفرض .
وثالثة : يكون إقباض المجموع ، بعنوان الوفاء بالعقد في الصاع الكلّي ،
ص: 452
وبعنوان الأمانة في الباقي ؛ بمعنى انقلاب ملكه الشخصي إلى الكلّي ، فيكون كلّ من البائع والمشتري مالكاً لكلّي .
وهذا محتمل كلام الشيخ الأعظم قدّس سرّه (1) ، ولازمه - على ما ذكره - الاشتراك ، وكون التلف عليهما .
وهذا الوجه غير صحيح :
أمّا أوّلاً : فلأنّ البائع ليس مسلّطاً على ذلك الانقلاب .
وأمّا ثانياً : فلأ نّه لا معنى معقول له ؛ لأنّ انقلاب ملكه الشخصي بمعنى انقلاب الخارج المتحقّق الجزئي إلى الكلّي، لا يعقل ، وبمعنى سلب الملك الخارجي ، وإثبات الكلّي ، لا يعقل أيضاً بلا سبب للسلب وللإثبات .
مع أنّ لازم الاحتمالين ، خروج العين الخارجية عن ملكه ، وعدم دخولها في ملك الآخر ، وهو خلاف الواقع ؛ ضرورة أنّ العين بعد التسليم باقية في ملكه .
والقول : بأنّ الخارج بعد ملكهما للكلّي ، يصير ملكاً لهما بالإشاعة(2) مدفوع بأنّ لازمه كون كلّ منهما مالكاً لأمرين : الكلّي ، والخارج ، وهو ممنوع جدّاً ، مع أ نّه لا سبب للتبديل بالإشاعة .
وأوضح ممّا ذكر فساداً ، أن يراد قلب الصاع الجزئي إلى الكلّي ، وانقلاب الصيعان الخارجية إلى الكلّي الاعتباري .
ورابعة : يكون تسليم المجموع لإيفاء مصداق الكلّي ، ولا يعقل ذلك إلاّ
ص: 453
بصيرورة الصاع مشاعاً حتّى ينطبق عليه الكلّي ، ولازمه الاشتراك بينهما .
والفرق بين هذا الوجه والوجه الثاني : أنّ الإشاعة في هذا الوجه لازم إيفاء المصداق ، وفي ذلك بجعل المالك .
وهذا على فرض تماميته ، واضح الحكم ، لكن يرد عليه ما يرد على الوجه الثاني .
وتوهّم : كون الإشاعة من مقتضيات عدم تعيّن المملوكين وامتيازهما ، نظير المالين المختلطين بنحو يرفع الامتياز بينهما عرفاً (1) فاسد ؛ لأنّ صيرورته شخصياً بهذا المعنى أوّل الكلام .
وخامسة : أن يكون إقباضه بعنوان الأمانة ؛ حتّى يعيّن حقّه الكلّي فيما بعد ، وهذا لا إشكال فيه ، لكن لا يصير بالقبض جزئياً ، ويكون حقّ التعيين للبائع ، فإن أذن للمشتري كان له ذلك أيضاً .
وما قيل : من أنّ إقباض الجميع المتضمّن لإقباض ماله الموجود في الصبرة ، لا يعقل أن يكون بعنوان الأمانة في تمامها ؛ لأنّ الأمانة لا تتعلّق بمال نفسه(2) إنّما يصحّ لو كان المراد أنّ الملك بعد الإشاعة جعل أمانة ، وهو غير مقصود هاهنا ، بل العين الخارجية التي هي ملك للبائع بتمامها ، جعلت أمانة ؛ حتّى يعيّن حقّه ، ويصير المعيّن ملكاً له .
ص: 454
ثمّ إنّهم ذكروا فيما إذا باع ثمرة بستان ، واستثنى منها أرطالاً معلومة : أ نّه لو خاست الثمرة ، أو تلف بعضها ، سقط من المستثنى بحسابه(1) .
وظاهرهم تنزيل المستثنى على الإشاعة ، فوقع الإشكال(2) بعدم الفرق بين تلك المسألة ، ومسألة بيع صاع من الصبرة ، المحمول على الكلّي عندهم(3) ، والإشكال من جهتين :
الاُولى : من ناحية الفرق بحسب ظهور الكلام ؛ فإنّ الظاهر من المستثنى هو الكلّي ، ومع الاستثناء من البستان مثلاً ، يكون من الكلّي في المعيّن ، فيكون حال المستثنى ، حال المبيع في بيع صاع من الصبرة .
الثانية : من ناحية إجرائهم حكم المشاع في التلف ، وحكم الكلّي في المعيّن في استقلال المشتري في التصرّف في الثمرات ، وصيرورة حقّ البائع فيما بقيت ، وأنّ تعيين حقّ البائع بيد المشتري ، وأ نّه لو تلف البعض بتفريط
ص: 455
المشتري ، كانت حصّة البائع في الباقي .
أقول : أمّا بيان الفارق في مقام الظهور ، فلا بدّ له من بيان المحتملات في المسألتين ، وقد فرغنا عن محتملات بيع صاع من الصبرة ، وقلنا : إنّ الظاهر من بينها هو الكلّي في المعيّن(1) .
وأمّا محتملات القضيّة الاستثنائية فأربعة ، بعد بطلان الفرد المردّد :
الأوّل : أن يكون كلّ من المستثنى منه والمستثنى كلّياً ؛ بأن يكون المقصود بيع كلّي من الثمرات ، واُتي بالاستثناء لمجرّد تحديد المبيع الكلّي .
ففي مثل بيع ما في الصبرة إلاّ عشرها ، قد يقول : «بعتك تسعة صيعان منها» إذا كانت الصبرة عشرة ، وقد يقول : «بعتك الصبرة إلاّ عشرها» أو «بعتك عشرة إلاّ واحداً» فيكون البيع بحسب الجدّ متعلّقاً بتسعة كلّية في الصبرة ، مع اختلاف في ألفاظ الإنشاء .
فالألفاظ في الكلّ مستعملة في معانيها الحقيقية ، لكن يستفاد من المستثنى والمستثنى منه ، ما يستفاد من القضيّة الاُولى بحسب الجدّ .
ولازم ذلك عدم الفرق بين المسألتين ؛ لا من ناحية البائع ، ولا المشتري ، بل هو عين بيع الكلّي في المعيّن ، مع اختلاف في التعبير ، فتكون جميع الثمرات الخارجية ملكاً للبائع ، وله التصرّف فيها بمقدار الاستثناء ، كما أنّ له اختيار التعيين .
وليس ملك كلّ من البائع والمشتري كلّياً ، كما يظهر من الشيخ قدّس سرّه (2) ، بل ملك
ص: 456
المشتري كلّي في المعيّن ، وملك البائع جميع الصيعان أو الثمرات الخارجية ،
وإنّما اعتبر الكلّي في الصبرة ، أو في ثمرات البستان .
الثاني : أن يكونا جزئيين ؛ بأن باع الثمرات الموجودة خارجاً ، واستثنى منها أرطالاً خارجية ، ولا بدّ في صحّة هذا القسم من حمل «الأرطال» على الإشاعة ؛ لعدم وجود الفرد المردّد والمبهم ، والمفروض عدم إخراج أرطال معيّنة معلومة أو مجهولة .
مع أ نّه على هذا الفرض ، يقع باطلاً أيضاً ، فلا محالة تحمل على الإشاعة ، ولازم الشركة عدم استقلال البائع وكذا المشتري في التصرّف ، وفي تعيين حقّ صاحبه ، كما أنّ لازمها حساب التلف عليهما .
الثالث : أن يكون المستثنى منه جزئياً خارجياً ، والمستثنى كلّياً ؛ بأن يكون المستثنى منقطعاً ، وأراد بيع الجميع ، وتملّك صاع كلّي أو أرطال كلّية في المعيّن .
ولازمه على فرض صحّته ، صيرورة جميع ما في الخارج ملكاً للمشتري ، وكلّي في المعيّن ملكاً للبائع ، ويكون حال المشتري حينئذٍ ، حال البائع في بيع صاع من الصبرة ، وحال البائع حال المشتري فيه ، فللمشتري التصرّف مستقلاًّ ، وله التعيين .
الرابع : عكس الثالث ، والمستثنى منقطع أيضاً ، ويحمل على الإشاعة ؛ لعدم إمكان غيرها ، أو بطلانه ، ويكون المراد بحسب الواقع بيع كلّي ما عدا مقدار المستثنى ، وإنّما اُتي بنحو الإشاعة ، واستثني الخارج الدالّ على تحديد ما استقلّ بالتصرّف فيه ؛ كناية عن مقدار المبيع .
ص: 457
فيكون الخارج ملكاً للبائع ، له استقلال التصرّف بمقدار لا يوجب إفناء مصداق المبيع ، وبيده التعيين ، فيرجع لبّاً إلى الوجه الأوّل .
هذا بحسب التصوّر .
وأمّا بحسب الاستظهار العرفي ، فيمكن الفرق بين تراكيب الجمل ، ففيما إذا قال : «بعتك ثمرة هذا البستان إلاّ عشرة أرطال منها» بأن قدّم المبيع - أي الثمرة - على الإشارة ، يمكن أن يقال : إنّ المستثنى منه كالمستثنى ، ظاهر في الكلّي ؛ لأنّ لفظ «الثمرة» موضوع لنفس الماهية ، والإضافة لا توجب الخروج عن الكلّية ، بعد ورود استثناء كلّي منها .
وهذا مثل أن يقال : «بعتك صيعان هذه الصبرة إلاّ خمسة» فإنّ الإضافة إنّما تفيد الجزئية ، إذا لم يكن معها استثناء عنوان كلّي ، وأمّا معه فلا دلالة لها على الجزئية .
بل يمكن أن يجعل المستثنى الظاهر في الكلّي ، قرينةً على كلّية المستثنى منه ، وموجباً لعدم الانصراف إلى الجزئي ، لو قيل : بالانصراف مع إضافة «الثمرة» إلى «البستان» الخارجي .
وليس الأمر دائراً بين إرادة مصداق الكلّي بحسب الجدّ ، وإبقاء الانصراف على حاله ، وبين إرادة نفس الكلّي ، ورفع اليد عن الانصراف ، حتّى يقال : إرادة المصداق أولى ؛ لأنّ الانصراف لا يوجب استعمال الكلّي في الجزئي حتّى يخالف الظاهر ، بل يوجب تعيين الإرادة الجدّية بتعدّد الدالّ والمدلول .
فالانصراف وظهور الاستثناء في الاتّصال ، يعيّنان الإرادة الجدّية ، بعد استعمال الألفاظ في معانيها الحقيقية ، نظير قوله : «هذا الإنسان كذا» مشيراً إلى
ص: 458
زيد ، فإنّ لفظ «الإنسان» لم يستعمل في زيد ، بل استعمل في معناه ، والإشارة تفيد الانطباق ، وتعيّن الإرادة الجدّية .
وأولى بذلك ، ما إذا قدّم الإشارة على الثمرة ، فقال : «بعتك هذه الثمرات إلاّ خمسة صيعان» فإنّ الإشارة تدلّ على أنّ المبيع شخص الثمرة ، والاستثناء ظاهر في الاتّصال ، فلا محالة يكون المستثنى جزئياً ، اُخرج من الجزئيات ، ويقدّم على ظهور المستثنى في الكلّي ؛ لأنّ ظهوره في ذلك ، لا ينافي الحمل على الجزئي ؛ من باب تعدّد الدالّ والمدلول .
وذلك لأنّ الأمر في المقام ، دائر بين إرادة المصداق مع خصوصية الإشاعة ، وهي أمر زائد على نفس المصداق ، وبين الحمل على الكلّي ، وإنكار الانصراف ، ورفع اليد عن ظهور الإشارة في المشار إليه الجزئي ، وترجيح أحدهما على الآخر ، غير ظاهر لو لم نقل : بترجيح عدم الانصراف في المثال الأوّل ؛ فإنّ الحمل على الإشاعة ، يحتاج إلى دلالة مفقودة في اللفظ ، والحمل عليها ؛ لأجل عدم تحقّق مصداق الكلّي بما هو .
وبعبارة اُخرى : الحمل عليها بدلالة عقلية ، لا يرجّح على الحمل على مقابله .
ويمكن أن يقال بملاحظة الأشباه والنظائر : إنّ المستثنى منه نفس الخارج ، والمستثنى كلّي في المعيّن ؛ بدعوى أنّ استثناء الكلّي في المعيّن ، لا يعدّ عرفاً من المنقطع ، ولا يكون مخالفاً للظاهر في نظر العرف .
فلو أشار إلى قطيع غنم وقال : «بعتك هذا القطيع إلاّ واحداً منه» فلا مجال للحمل على الإشاعة ؛ بمعنى استثناء مقدار واحد مشاع في الجميع ، كما هو
ص: 459
واضح ، ولا على مصداق خارجي معيّن أو غيره ، بل يحمل على عنوان كلّي ، قابل للانطباق على كلّ فرد فرد بدلاً .
ولعلّ السرّ في عدم الانقطاع عرفاً ، هو أنّ اعتبار الكلّي في المعيّن ، يوجب نحو وحدة بينهما ؛ بحيث لا يعدّ أحدهما غير الآخر في نظر العرف خارجاً ، ولو بنحو من المسامحة المغفول عنها .
وبالجملة : لا يرى العرف في قوله : «بعتك القطيع إلاّ واحداً منه» ارتكاب خلاف ظاهر ، ولا يرونه مثل قوله : «جائني القوم إلاّ حماراً» فالاستثناء متّصل عرفاً أو كمتّصل ، لا يخالف الظاهر في نظرهم .
نعم ، هنا إشكال آخر ، وهو أنّ الاستثناء إخراج بعض ما ملّكه للمشتري ، لا تملّك جزء بعد تمليك الجميع له ، فضلاً عن تملّك كلّي بعد تمليك الجميع .
ويمكن دفعه : بأ نّه بعد ما كان بناء العرف في أشباه المقام ، على كون حقّ التعيين للمشتري ، وأنّ له التصرّف استقلالاً ، وأنّ المتفاهم عرفاً من نحو قوله :
«بعتك هذا القطيع إلاّ واحداً» أنّ المبيع هو القطيع الخارجي ، والمستثنى واحد منه كلّياً ، لا بدّ من متابعتهم في المقام ونحوه ، وتوجيه الكلام بما يوافق المتفاهم
العرفي .
ويمكن التوجيه بما أشرنا إليه ؛ من أنّ الاستثناء ليس بنظرهم منقطعاً ، وأنّ للبائع جعل كلّي في المعيّن لنفسه ، ومع قبول المشتري تكون الصبرة أو الثمرة له ، ومقدارٌ - بنحو الكلّي في المعيّن - للبائع .
ولو سمّي ذلك : «تلقّياً من المشتري لبّاً» لم نبال به ، بعد ما كان موافقاً لنظر العرف ، وكانت الإشاعة بعيدة جدّاً ، ولا سيّما في مثل استثناء شاة من القطيع ؛
ص: 460
فإنّ من الضروري عدم الإشاعة ، ومعلوم أنّ الاستثناء في الثمرات ، لا يكون بحسب نظر العرف غير ذلك .
كما أنّ حمل المستثنى منه على الكلّي ، أيضاً (1) خلاف عمل العقلاء ، فيما إذا باع ثمرة البستان إلاّ صيعاناً معلومة .
واللازم في أمثال المقامات ، النظر إلى سوق العقلاء وعملهم وبنائهم ، لا النظر إلى القواعد العقلية أو العربية ، وتحميلها على العقلاء ، وقد اتّضح حال بنائهم وعملهم .
وعليه لا ينبغي الإشكال ، في أنّ حال البائع هاهنا ، حال المشتري في مسألة بيع صاع من الصبرة ، وأنّ التلف لا يحسب إلاّ على المشتري ، وهو مستقلّ في التصرّفات ، وفي تعيين حقّ البائع .
وما نسب إلى الفقهاء : من أنّ التلف عليهما (2) لا وجه معتدّ به له ، وليست الشهرة - بل الإجماع - في مثل تلك المسائل الفرعية ، التي تخلّل فيها الاجتهاد ، حجّةً قابلة للاعتماد عليها ، والتوجيهات التي تكلّفها الأعلام(3) ، لا تغني من الحقّ شيئاً ، مع أ نّه لا تنحلّ بها العقدة نوعاً ، ولقد أجاب
ص: 461
الشيخ قدّس سرّه ومن بعده عن كثير منها (1) .
وأمّا ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه : من توجيه كلام المشهور على فرض عدم الإشاعة قبل التلف ، واختصاص الاشتراك بالتالف ؛ بدعوى أنّ المتبادر من الكلّي المستثنى ، هو الكلّي الشائع فيما لا يسلم للمشتري ، وأنّ هذا هو الفارق بين المسألتين ، بعد اشتراكهما في التنزيل على الكلّي .
وعلى فرض الإشاعة من أوّل الأمر ، فالمستثنى منه والمستثنى ظاهران في الكلّي ، فكلّ من البائع والمشتري ، مالك لعنوان كلّي ، والموجود مشترك بينهما ، فيحسب التالف عليهما ؛ لأنّ تخصيص أحدهما به ترجيح بلا مرجّح ، بخلاف ما إذا كان المبيع كلّياً ؛ فإنّ الباقي ليس ملحوظاً بعنوان كلّي .
ومال البائع في هذا الفرض وإن كان كلّياً بعد بيع الكلّي ، لكن ملكية البائع ليست بعنوان كلّي ، حتّى تبقى ما بقي ذلك العنوان ، ليكون الباقي بعد تلف البعض صادقاً عليه وعلى عنوان «الصاع» على نهج واحد ، ليجيء الاشتراك .
فإذا لم يبق إلاّ صاع ، كان الموجود مصداقاً لعنوان ملك المشتري فقط(2) ، انتهى ملخّصاً ، فليس بوجيه :
أمّا على الفرض الأوّل : فلأ نّه - مضافاً إلى أنّ إرادة الكلّي في المعيّن في غير التالف ، والإشاعة في التالف ، ممّا لا يمكن إفادتهما بلفظ واحد ، فقوله : «إلاّ صاعاً» إمّا يراد به الكلّي ، أو المشاع ، وعلى فرض إمكان إرادتهما بتكلّف ،
ص: 462
لا شبهة في عدم كونهما مراداً للمتكلّم - لا يكون التالف في حال عدمه وتلفه شيئاً ، حتّى يعتبر ملكاً أو ملكاً مشاعاً ، فدعوى التبادر في مثله ، مخالفة للعقل والاعتبار .
على أنّ الإشاعة بعد التلف ، لا تصحّح كون التلف عليهما ، بعد فرض أنّ التلف وقع على مال المشتري ؛ لعدم الإشاعة حين التلف .
وإن كان المراد : أنّ الإشاعة وقعت قبل التلف آناً ما ، فهذا أفسد .
وإن كان المراد : أنّ ما سيتلف في علم اللّه يكون مشاعاً فكذلك ، مع أ نّه على فرض العلم بوقوع التلف فيما بعد ، يسقط استقلال المشتري .
وأمّا على الفرض الثاني : فلأ نّه - مضافاً إلى أنّ لازمه كون كلّ من البائع والمشتري بعد عقد البيع ، مالكاً لأمرين ، أحدهما : الصبرة الخارجية بنحو الاشتراك ، وثانيهما : الكلّي في المعيّن ، وهو ممّا يأباه العقل والعقلاء ، ولو لم يكن الخارج ملكاً لواحد منهما ، فهو أفسد - لا يكون المشتري على فرض الاشتراك ، كما هو صريحه ، مستقلاًّ في التصرّف ، ولا في تعيين حصّة البائع .
هذا مضافاً إلى أنّ ملك البائع في فرض بيع صاع من الصبرة ، إذا صار كلّياً كما أفاده ، فلا محالة يصير الخارج مشتركاً بينهما ، فيكون التلف عليهما .
والعجب أ نّه مع تسليمه بقوله : «نعم» كون ملك البائع كلّياً ، أنكر كون ملكية البائع له بعنوان كلّي ، مع امتناع كون ملكه كلّياً ، وملكيته له غير كلّية .
والمظنون أنّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه ، أراد ذكر وجه للمشهور ، لا تصديق ما ذكر .
وقد يقال : إنّ المبيع في بيع الصاع من الصبرة ، والمستثنى في مسألة الاستثناء كلّي ، ولا وجه للإشاعة ، إلاّ أنّ المشتري في الأوّل ، لا يملك إلاّ الكلّي
ص: 463
المجرّد عن جميع الخصوصيات ، فلا يحسب التالف عليه .
وأمّا البائع في الاستثناء ، فيملك الكلّي مع الخصوصية ، فيحسب التالف عليهما ، ومقتضى استحقاقه الكلّي ، أن يستحقّ الباقي لو أتلف المشتري مقداراً من الثمرة ؛ لأ نّه لم يكن شريكاً معه مشاعاً .
وعلى فرض حصول الإشاعة بعد العقد ، فجواز تصرّفه إنّما هو لبناء المتعاقدين نوعاً في هذه المعاملة على استقلال المشتري ، فكأ نّه شرط ضمني ، ومع هذا البناء ، يكون تصرّفه موجباً لانصراف حقّه قهراً إلى التالف ، ومن التصرّف الإتلاف(1) ، انتهى ملخّصاً .
وفيه : أ نّه لا ملاك للفرق بين الكلّي في الصبرة ، والمستثنى إذا كان المستثنى منه كلّياً كالمستثنى ، كما لا ملاك له إذا كان المستثنى كلّياً مع جزئية
المستثنى منه .
وإن كان المراد : أنّ ملاك الفرق ، إنّما هو من جهة ظهور الاستثناء في الاتّصال ، فلازمه أن يكون المستثنى جزئياً خارجياً ، وهو ملازم للإشاعة على ما ذكروه(2) ، وهو منكر لها .
مضافاً إلى أنّ تلك الخصوصية إن كانت خارجية وملازمة للمستثنى ، فلا يعقل أن يبقى المستثنى كلّياً ، مع أ نّه قائل بكلّيته .
وإن كان المراد إضافة الكلّي إلى الخصوصيات ، فالكلّي في المعيّن أيضاً
ص: 464
مضاف إليها ؛ إذ لا يكون كلّياً مجرّداً في الذمّة .
وإن كان المراد الخصوصيات على نعت الكلّية ، فيكون المستثنى صاعاً متّصفاً بخصوصية كلّية ؛ أي عنوان «كونه من محلّ كذا» أو «بلد كذا» أو «بوصف كذا» ممّا ينطبق على كلّ ما في الصبرة ، فيكون من قبيل ضمّ كلّي إلى كلّي ، قابل للانطباق على كلّ ما في الصبرة ، فهو لا يوجب كون التلف عليهما .
ثمّ إنّ ما ادّعى من بناء المتعاملين على استقلال تصرّف المشتري ، لا أصل له ، ولا دليل عليه ، وإنّما استقلاله لأجل كون الخارج له ، والمستثنى كلّياً في المعيّن بقرارهما كما تقدّم(1) ، ولازم ما ذكره أن يكون بناء المتعاملين على إباحة تصرّفه فيه ، وعند الإتلاف أو التصرّف النقلي ، تقع المبادلة بين ماله ومال البائع ،
وهو كما ترى .
والإنصاف : أنّ ارتكاب تلك التكلّفات ، ممّا لا داعي له ، بعد عدم ثبوت الشهرة في المسألة ، وعدم حجّيتها في تلك المسألة الاجتهادية على فرض الثبوت .
ثمّ إنّه حكي عن الشهيد قدّس سرّه : أنّ أقسام بيع الصبرة عشرة(2) ، والمراد أعمّ من البيع الصحيح ، فعليه تكون الأقسام أكثر ، والظاهر بلوغها إلى ثلاثين أو أكثر ،
ص: 465
والصحيح منه أيضاً أكثر ممّا ذكره الشهيد قدّس سرّه وغيره(1) ، والأمر سهل .
والعمدة صرف الكلام إلى حال بيع مقدار لم يعلم اشتمالها عليه ، والأولى توسيع نطاق البحث ؛ لكونه مفيداً في غير مقام ، فنقول :
قد يقع البيع على الصبرة الخارجية ، وهو على أقسام :
منها : أن يقع على نفس الصبرة ، من غير تعلّقه بالصيعان ، كما لو قال : «بعتك هذه الصبرة بكذا» .
ومنها : أن يقع على جميع ما في الصبرة ؛ بأن يقول : «بعتك جميع تلك الصيعان بكذا» .
ومنها : أن يقع على كلّ صاع ؛ بأن يقول : «بعتك كلّ صاع فيها بكذا» .
فلو أحرز المتبايعان اشتمال الصبرة على الصيعان المذكورة ، يصحّ البيع في جميع الصور ، وإن ظهر التخلّف ، ففي الصورتين الأوّلتين يخيّر المشتري بين القبول والفسخ ؛ لخيار تبعّض الصفقة .
ومع القبول ، هل يردّ الثمن إليه بمقدار التخلّف ؛ لتوزيع الثمن على الصيعان ، أو لا ؛ لأنّ الثمن وقع في مقابل الموجود على الصورة الاُولى ، وعلى الجميع بنحو الوحدة على الثانية ؟
بل يمكن أن يقال : إنّ البيع في الصورة الاُولى ، لم يقع مبنيّاً على العشرة مثلاً ،
ص: 466
بل وقع على الخارج مع إحراز كونه عشرة ، وفي مثله لا يثبت الخيار ، بل البيع صحيح لازم .
وأمّا في الصورة الثانية ، فهو مبنيّ على العشرة ، فله الخيار والقبول بلا توزيع الثمن ، والمسألة لا تخلو من إشكال .
وأمّا في الصورة الثالثة ، فالظاهر الصحّة في المقدار الموجود ، والبطلان في المفقود ، ولا خيار له ؛ لأنّ العقد وقع على كلّ صاع ، وينحلّ عرفاً إلى بيع كلّ صاع ، بل إلى مبايعات عرفاً ، فهاهنا صفقات عديدة .
والشاهد عليه : أ نّه في الصورتين الأوّلتين ، لو لم يعلم أنّ مقابل كلّ صاع أيّ مقدار من الثمن ، لا يضرّ بالصحّة ؛ لأنّ محطّ البيع الصبرة ، أو جميع الصيعان معاً ، لا كلّ واحد منها ، والثمن في مقابل ما ذكر ، وهو معلوم .
وبعبارة اُخرى : يعتبر العلم بالثمن والمثمن ، وهما الصبرة أو جميعها ، وتمام الثمن ، ولا يعتبر العلم بأنّ في مقابل كلّ صاع أيّ مقدار من الثمن .
وأمّا في الصورة الأخيرة فبالعكس ؛ فإنّه لو لم يعلم مقدار مجموع الثمن ، وأنّ أيّ مقدار وقع في مقابل تمام الصبرة ، لا يضرّ بالصحّة ، فلو كانت المعاملة في تلك الصورة أيضاً ، واقعة على الجميع أو المجموع ، كان اللازم العلم بالثمن الذي في مقابلهما ، ولم يكفِ العلم بأجزاء الثمن في مقابل كلّ صاع ؛ لأ نّه لم تكن الصيعان متعلّقة للعقد فرضاً .
مع أنّ صحّة البيع في تلك الصورة مع جهالة المجموع واضحة ؛ لعدم الغرر والجهالة بلا شبهة .
فعلى ذلك : لو لم يحرز اشتمال الصبرة على العشرة ، فباع الصبرة أو جميعها ،
ص: 467
بطل البيع ، لو قلنا : بأنّ الغرر بمعنى الجهالة ، أو قلنا : باعتبار العلم بالثمن والمثمن ولو لم يكن الغرر بمعناها .
ولا إشكال في أنّ الخيار لا يوجب حينئذٍ الصحّة ، لا لأنّ الخيار من الأحكام ، ولا بدّ من نفي الغرر مع قطع النظر عن الخيار ، بل لأنّ ثبوت الخيار لا يرفع الغرر بمعنى الجهالة ، ولا يوجب العلم بالمثمن .
وقد اضطربت كلمات الشيخ الأعظم قدّس سرّه وغيره في الغرر ، فتارة : جزموا بأ نّه الجهالة(1) .
واُخرى : يظهر منهم أ نّه بمعنى الخطر(2) ، أو الإقدام على ما لا يؤمن معه من الضرر كالمقام(3) ؛ فإنّ عدم الغرر عرفاً - على ما ادّعاه(4) - إنّما يستقيم ، بناءً على كونه بأحد المعنيين الأخيرين ، وأمّا بناءً على كونه بمعنى الجهالة ، فلا شبهة في عدم رفعها بالخيار .
نعم لو قلنا : بأنّ الغرر بمعنى الخطر ، أو الإقدام على ما لا يؤمن معه من الضرر ، فيمكن أن يقال : بالصحّة في جميع الصور لأجل الخيار ؛ لأنّ ما يرفع به الخطر ليس واقع الخيار حتّى يتوهّم الدور(5) ، بل القطع بالخيار يرفعه ولو كان مخالفاً للواقع ، فلا تتوقّف الصحّة على الخيار .
ص: 468
مع أنّ التوقّف المعتبر في بطلان الدور ، ليس في مثل المقام ، بل الظاهر أنّ المقام من قبيل الدور المعي ، هذا كلّه بناءً على تعلّق البيع بالصبرة الخارجية .
وأمّا إذا كان المبيع كلّياً في المعيّن ، وشكّ في اشتمالها عليه ، كمن باع عشرة أصوع منها ، مع الشكّ في اشتمالها عليها ، فالظاهر أنّ المبيع عنوان «العشرة في الصبرة» ولا يكون من قبيل القسم الأوّل وهو واضح ، ولا الثالث لأنّ الصيعان لم ينظر إليها بنفسها .
بل المورد لعقد البيع والمنظور فيه ، هو العنوان الكلّي ؛ أي العشرة مثلاً ، ومع الشكّ في الاشتمال يشكّ في الصحّة ؛ للشكّ في تحقّق مصداق المبيع ، فيكون الحكم بالصحّة مراعىً ، فإن تبيّن الاشتمال صحّ ، وإلاّ بطل .
وأمّا البطلان للغرر ، فقد مرّ في باب اعتبار القدرة على التسليم المناقشة فيه لو كان بمعنى الجهالة ، وقلنا : إنّ نفس المبيع والثمن معلومان ، لا جهالة فيهما ، والظاهر من : «نهى النبي صلي الله عليه و آله وسلم عن بيع الغرر»(1) هو الجهالة فيه(2) .
وجهالة تحقّق المصداق في المقام - مع كونها خارجة عن البيع ، وغير مشمولة للدليل - لا توجب البطلان للغرر ، لأنّ اعتبار الشروط بعد تمامية ماهية البيع ، ومع الجهل باشتمال الصبرة على المقدار ، يشكّ في صدق «البيع» كما لو باع شيئاً بتخيّل الوجود ، فبان أ نّه معدوم .
ص: 469
ثمّ مع الغضّ عمّا ذكرناه ، والتمسّك بدليل الغرر ، فمع الجهل بالاشتمال ، هل يصحّ مع قيام الأمارة العقلائية على الاشتمال ؟
ومع فقدها ، هل يصحّ بالأصل لو كان له حالة سابقة ؟
أقول : إن قلنا بأنّ المعتبر في صحّة البيع هو العلم - أي الصفة الخاصّة - وتكون تلك الصفة موضوعة لا كاشفة ، فلا يصحّ الاعتماد على الظنون الخاصّة ، إلاّ أن تدلّ أدلّة اعتبار الأمارات والاستصحاب ، على قيامها مقام القطع بما هو صفة خاصّة ، وقد حقّق في الاُصول عدم الدليل على ذلك(1) :
أمّا في خبر الثقة ، فلأنّ الدليل على اعتباره ، ليس إلاّ بناء العقلاء الممضى شرعاً ، وليس في الكتاب والسنّة ، ما يدلّ على حجّية خبر الثقة تأسيساً ، بل كلّها أدلّة إمضائية ، ومعلوم أنّ بناء العقلاء على العمل بالأمارات الظنّية ، ليس من جهة
قيامها مقام العلم ، بل هي معتبرة ومعتمدة بنفسها في قبال العلم ، نعم مع وجود العلم لا معنى للأمارة .
وأمّا في البيّنة ، فلأ نّه لا يظهر من أدلّة اعتبارها ، تنزيل البيّنة منزلة العلم ؛ لا في باب القضاء ، ولا في غيره، كخبر مسعدة بن صدقة(2) فإنّ صدره وإن دلّ على أنّ «كلّ شيء حلال إلاّ أن يعلم أ نّه حرام» ثمّ بعد عدّ أشياء قال : «الأشياء كلّها على هذا ، حتّى يستبين لك غير ذلك ، أو تقوم به البيّنة» ويوهم الصدر والذيل أنّ البيّنة بمنزلة العلم ، لكن ذيله جعل العلم عديل البيّنة ، وعطف بكلمة «أو» .
ص: 470
والأظهر فيه : أنّ «العلم» المأخوذ في الصدر أعمّ من العلم الوجداني ، ومن الوثوق ، والظنّ المعتبر ، كما أنّ لذلك التعميم شواهد في موارد مختلفة ، لا أنّ المراد منه العلم الوجداني ، وأنّ البيّنة تقوم مقامه .
وأمّا الاستصحاب العقلائي ، فمع عدم ثبوته - بل الظاهر عدم بنائهم على العمل بعنوان الاستصحاب ، نعم ربّما يكون الثبوت في السابق ، موجباً للوثوق ببقائه ، لكنّه في مثل المقام لا وجه له - لا يزيد على خبر الثقة ؛ في أنّ العمل به
ليس لقيامه مقام العلم .
وأمّا الاستصحاب الشرعي ، فدليله قاصر عن إثبات إقامة الاستصحاب ، مقام القطع بما هو صفة خاصّة .
نعم ، لا يبعد قيامه مقام القطع الطريقي ؛ بدعوى أنّ الاعتبار فيه ، هو التعبّد بترتيب أثر اليقين في زمان الشكّ ، ومحطّ أدلّته هو اليقين الطريقي ، وإرادة القطع بما هو صفة خاصّة مع الطريقي - على فرض جوازها - لا تستفاد من أدلّته ؛ لعدم الإطلاق ، أو للشكّ فيه .
هذا مع الغضّ عمّا تقدّم(1) ، والبناء على جواز التمسّك بالنبوي في المقام ، مع البناء على كون الغرر هو الجهل الوجداني ، مقابل العلم كذلك ؛ أي العلم الحقيقي ، لا ما هو أعمّ منه وممّا يحصل بالأمارات ، كما هو الشائع في استعمال الشارع على الظاهر ، فإنّه لا إشكال في رفع الغرر بها .
ثمّ إنّه بناءً على ما هو الحقّ ؛ من أنّ دليل الغرر - على فرض كونه بمعنى
ص: 471
الجهل - لا يشمل المقام ، وإنّما المستند للبطلان إمّا مثل قوله صلي الله عليه و آله وسلم : «لا تبع ما ليس عندك»(1) بناءً على شموله للمقام ، أو عدم تحقّق عنوان «البيع» لو لم تشتمل الصبرة على المبيع ، فمع القطع بالاشتمال يصحّ في الظاهر .
ومع كشف الخلاف ينكشف البطلان في الجميع ؛ لأنّ البيع وقع على عنوان لم يتحقّق في الخارج ، وما هو متحقّق ليس مصداق العنوان ؛ فإنّ «العشرة» التي هي متعلّقة للعقد ، لا تصدق على الخمسة ونحوها ممّا هي دون العشرة ، والمفروض أ نّه بيع واحد ، تعلّق بعنوان كلّي واحد ، لا بكلّيات عديدة يكون لكلّ مصداق ، وفي مثله يبطل البيع .
ولا يقاس المقام ببيع الموجود الخارجي على أ نّه عشرة ، أو بيع المشار إليه بعنوان أ نّه عشرة ؛ بأن يقول : «بعتك هذه العشرة» فإنّ البيع في مثله وقع على الموجود الخارجي ، ومع التخلّف يكون له الخيار ، إمّا للتبعّض كما هو الظاهر ، أو للشرط ، أو للوصف .
وأمّا الكلّي فهو عنوان وحداني ، لا ينطبق على الناقص أو الزائد عليه ، فباع عنواناً لا مصداق له ، فلا وجه لخيار التبعّض هاهنا .
والفرق بين المبيع الخارجي والكلّي هاهنا : كالفرق - بوجه - بين بيع فرس خارجي بوصف أ نّه عربي مثلاً ، وبين بيع الفرس العربي بنعت الكلّية ؛ فإنّ المبيع في الأوّل الموجود الخارجي، ومع التخلّف له خيار تخلّف الوصف، وأمّا في الثاني فلا ينطبق الكلّي على غير العربي ، فلو انكشف أ نّه لا واقعية له أصلاً ، بطل البيع .
ص: 472
إلاّ أن يقال : إنّ العرف في مثل المقام ، يساعد على الصحّة في الموجود ، ويرى أنّ البيع وقع على عنوانٍ بعضه موجود ، نظير بيع ما يملك وما لا يملك صفقة واحدة ، وكذا بيع ما يملكه وما لا يملكه ، فإنّ الصحّة الفعلية في المملوك ، والبطلان أو الفضولية في غيره عرفية .
فصدق عنوان «العشرة» وإن توقّف على وجود تمام العشرة ، لكن يرى العرف أنّ في بيع العشرة ، نقلت الخمسة ضمناً ، وهذا كافٍ في الصدق ؛ أي صدق بعض المبيع على الخارج ، فيكون له الخيار بعد صحّته في البعض وبطلانه في الآخر ؛ لتبعّض الصفقة ، ولعلّ الأوّل أوفق بالقواعد ، والثاني بنظر العرف .
ثمّ إنّه بناءً على هذا الفرض - أي كون المستند قوله صلي الله عليه و آله وسلم : «لا تبع ما ليس عندك» أو فقد المبيع وعدم صدق «البيع» معه - يصحّ إحراز الموضوع بالأمارات العقلائية وبالأصل ، من غير شبهة الإثبات ، وهو واضح .
ولو باع جميع الصبرة كلّ صاع بكذا ، فمع عدم العلم بمقدار الصبرة ، يبطل لو كان المستند حديث الغرر(1) بناءً على كون الغرر بمعنى الجهل أو كان المستند بعض الروايات السابقة ، الدالّة على اعتبار العلم بالمثمن والثمن(2) ، ويصحّ لو كان المستند الحديث ، وكان الغرر فيه بمعنى الخطر ، أو الإقدام على ما لا يؤمن معه من الضرر ؛ ضرورة عدم الخطر والضرر فيه .
ص: 473
وكذا لو كان المستند ما دلّ على بطلان البيع جزافاً ، كصحيحة الحلبي المتقدّمة(1) ، لعدم صدق «الجزاف» في المقام .
ومورد الصحيحة هو بيع العدل مجموعاً بغير كيل ، ولكن الظاهر تسالمهم على اشتراط العلم بالمبيع كيلاً أو وزناً (2) ، وإن استظهر الشيخ الأعظم قدّس سرّه من الإطلاق المحكيّ عن عبارتي «المبسوط»(3) و«الخلاف»(4) التعميم لصورة الجهل بمقدار الصبرة ، وقال : وعن «الكفاية»(5) نفي البعد عنه(6) .
ص: 474
لو شاهد عيناً في زمان سابق على العقد عليها ، ففيه صور ، تعرّض لبعضها الشيخ الأعظم قدّس سرّه (1) .
منها : ما إذا اقتضت العادة تغيّرها عن صفاتها السابقة إلى غيرها ، المجهولة عند المتبايعين .
فحينئذٍ إن علم المشتري : أنّ البائع مثله في عدم إحراز الحالة السابقة فعلاً ، بل وفي الوثوق بالتغيّر إلى شيء مجهول عنده ، فلا يصحّ البيع ، ولا الاتّكال على التوصيف ، ولا يخرج البيع بالتوصيف عن الغرر ؛ لأنّ الأعيان الخارجية ، ليست كالعناوين الكلّية ممّا يرتفع الغرر فيها بمجرّد التوصيف ؛ فإنّ معرفة العناوين
ص: 475
الكلّية ، إنّما هي بالتوصيف ، من غير حكاية عن الواقع المتحقّق .
بخلاف الأعيان الخارجية ؛ فإنّ المعرفة بحالها ، موقوفة على كون الأوصاف حاكية عنها ، وموجبة للعلم أو الوثوق بالاتّصاف بها .
وبعبارة اُخرى : إنّ التوصيف الحاكي عن اتّصاف الموجود بها ، موجب لمعرفته ، لا مطلق التوصيف ، وهذا لا ينافي ما قلناه : من أنّ العلم تمام الموضوع(1) كما هو واضح ، وإن اشتبه على بعض .
فلو علم المشتري أنّ البائع جاهل بحال المبيع ، لا يكون إخباره عنه ولا توصيفه ، موجبين لرفع الغرر ؛ فإنّهما لا يفيدان شيئاً ، كالإخبار كذباً والتوصيف الجزاف الذي هو بحكم الإخبار في الجمل التامّة ، بل إخبار في الحقيقة ، ولهذا لا يجوز شرعاً ، توصيف موضوع القضيّة الإخبارية بما يخالف الواقع ، فلو قال : «جائني زيد العادل» وكان فاسقاً ، كذب ولو جاءه .
بل لا يجوز التوصيف في خلال الجمل التامّة - كالإخبارية ، أو الإنشائية - بما هو مجهول عنده ، كقوله : «بعتك هذا الفرس العربي» أو «رأيت فرساً عربياً» مع الشكّ في كونه كذلك ؛ لأ نّه قول بغير علم ، والنسب الناقصة تصير تامّة في خلال الجمل التامّة ، فقوله : «صلّ خلف هذا الرجل العادل» شهادة بعدالته ، ولا تجوز إلاّ مع العلم بالاتّصاف .
فما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه : من أنّ البيع لا يصحّ إلاّ بذكر صفات تصحّح بيع الغائب(2) ، مع فرض كون المتعاملين جاهلين بالواقعة ، الشامل بإطلاقه لما
ص: 476
فرضناه ، وهو صورة علم المشتري بجهل البائع ، غير مرضيّ في المقام ، وكذا في العين الغائبة ؛ إذ في هذه الصورة ، لا يفيد إخباره ولا توصيفه شيئاً ، وما يدلّ على اعتبار إخبار البائع في الكيل والوزن(1) ، لا يشمل الإخبار عن غير علم في مورده ، فضلاً عن المقام .
نعم ، لو لم يعلم المشتري حال البائع ، واحتمل أ نّه أحرز الصفات التي وصف العين بها ، صحّ البيع بالتوصيف المذكور ، لولا غرريته بالنسبة إلى البائع ، كما صحّ بالإخبار بناءً على أنّ إخباره رافع للغرر بمعنى الجهالة ، وأنّ العلم المقابل لها أمر أوسع من العلم الوجداني ، كما هو الظاهر في أمثال المقامات .
ويمكن الاستشهاد لجواز الاعتماد على التوصيف هاهنا ، بما يدلّ على جواز الاعتماد على قوله في الكيل والوزن كما تقدّم(2) ، بدعوى إلغاء الخصوصية ، ولا سيّما في المقام ؛ فإنّ تخصيص دليل الغرر والجزاف في غاية البعد ، فلا يصحّ الالتزام بتجويز الشارع بيع الغرر والمجازفة في المكيل والموزون ، إذا أخبر البائع .
بل الظاهر أنّ إخباره يخرج البيع عنهما ، فيصحّ الاعتماد على إخباره ، وتوصيفه الذي هو بمنزلة الإخبار ، بل إخبار حقيقة .
وبعبارة اُخرى : إنّ الطرق العقلائية تخرج الموضوع عن الجهالة والخطر ، كما أ نّه لو شرط في البيع وجود الصفة ، صحّ البيع إذا كان الغرر بمعنى الخطر ؛ لما
ص: 477
تقدّم من رفعه بالخيار(1) ، بخلاف ما لو كان بمعنى الجهالة.
ومنه يظهر الكلام في الصورة الاُخرى ، وهي ما إذا اقتضت العادة عدم تغيّرها .
وفي صورة اُخرى ، وهي ما إذا اقتضت تغيّرها إلى أمر معيّن ، وعلم المتبايعان بأنّ مقتضى العادة تغيّرها إلى الصفة الكذائية .
ولو احتمل الأمران فهو صورة اُخرى ، تعرّض لها الشيخ الأعظم قدّس سرّه وقال : جاز الاعتماد على أصالة عدم التغيّر ، والبناء عليها في العقد ، فيكون نظير إخبار البائع بالكيل والوزن ؛ لأنّ الأصل من الطرق التي يتعارف التعويل عليها (2) .
وفيه محالّ أنظار :
منها : أنّ أصالة عدم التغيّر لو كانت من الطرق العقلائية ، لكانت مثبتاتها حجّة ، ومن المعلوم أ نّه لا يخلو مورد من موارد الاستصحاب الشرعي إلاّ وفيه هذا الطريق العقلائي ؛ ضرورة أ نّه في جلّ الموارد ، يكون الشكّ في تغيّر الحالة السابقة ، كالشكّ في بقاء الموضوع ، أو حالاته ، أو بقاء الحكم ، ونحوه .
ولو لم يكن الشكّ في مورد في التغيّر ، بل كان في البقاء ، لكان ملحقاً به بلا إشكال ؛ لأنّ المناط - على فرض كونه عقلائياً - هو إدامة ما كان ، لا عنوان «التغيّر» .
وعليه يكون الاستصحاب الشرعي ، محكوماً بهذا الطريق العقلائي في جميع
ص: 478
موارده ، فلا بدّ إمّا من الالتزام ، بأنّ الاستصحاب طريق عقلائي ، وأدلّته ناظرة إلى إنفاذ الاستصحاب العقلائي .
أو الالتزام بكونه محكوماً في جميع موارده ؛ فإنّ الطريق حاكم على الاستصحاب ، وهو موجب للغويته ، فلا بدّ من طرح الأخبار الواردة فيه ، وهو كما ترى .
ومنها : أ نّه لا أصل لهذا الأصل مع الشكّ في التغيّر عن الحالة السابقة .
نعم ، قد يحصل الوثوق بالبقاء بواسطة جهات ، وهو خارج عن الفرض ، وهو الاحتمال المقابل للوثوق بالبقاء والوثوق بعدمه المسبّب من اقتضاء العادة ، بل يمكن الخدشة في أصالة الصحّة والسلامة .
وعلى فرض الاعتماد عليها ، فهي غير جارية إلاّ في فرض واحد ، وهو الشكّ في بقاء الصحّة ، والكلام أعمّ كما لا يخفى .
ومنها : أنّ الأصل المذكور ، لو كان من الطرق المعوّل عليها ، لكان رافعاً للغرر ، بناءً على كون العلم المعتبر أعمّ من العلم الوجداني وما يحصل من الطرق العقلائية ، وعليه فلا وجه لضمّ بناء المتعاملين إليه ، ولا دخالة له في الصحّة ، فيهدم جميع ما ذكره رحمه اللّه تعالى : من ابتناء الصحّة على بناء المتعاملين(1) .
ولو كان الجهل مقابل العلم الوجداني ، لم يفد بناء المتعاملين أيضاً ؛ ضرورة عدم حصول العلم ولا رفع الجهل ببنائهما .
ص: 479
ولو كان الغرر بمعنى الخطر والإقدام على ما لا يؤمن معه من الضرر ، فالطريق العقلائي القائم الموجب للوثوق ، رافع له .
نعم ، لو لم يرفع به ، أو لم يحصل الوثوق ، فالبناء الراجع إلى الاشتراط الموجب للخيار ، لا يرفعه على مبناه(1) ، وإن صحّحناه(2) .
ثمّ على فرض كون الأصل من الطرق المعوّل عليها ، لو قام طريق آخر على خلافه ، فإن قلنا : بأنّ الاعتماد على الأصل ، معلّق على عدم قيام طريق على خلافه ، فمع قيامه لا يعوّل عليه ، ويقع البيع باطلاً ، سواء بلغت قوّة الظنّ حدّاً
يلحقه بالقسم الأوّل ، وهو ما اقتضت العادة تغيّره أم لا .
وإن قلنا : بأ نّه طريق في عرض سائر الطرق ، يسقط هو ومعارضه ، ويقع البيع أيضاً باطلاً ، سواء حصل الظنّ القويّ بالتغيّر أم لا ، فلا وجه للتفصيل الذي ذكره الشيخ الأعظم قدّس سرّه (3) .
ولو لم يقم طريق عقلائي ولا أصل على التغيّر ، ولا على عدمه ، وكان البيع بالرؤية السابقة ، يبطل إلاّ إذا وقع مشروطاً على وجود الصفات ، أو مبنيّاً عليها ؛ بحيث يرجع إلى الاشتراط ، وكان المعتبر هو عدم الغرر بمعنى الخطر ، لا مقابل العلم ولو بالمعنى الأعمّ من الوجداني ؛ ضرورة أنّ الاشتراط والبناء لا يرفعه .
ص: 480
ولو انكشف التغيّر كان المشتري بالخيار ، لا البائع ؛ لأنّ مجرّد البناء ، أو اشتراط وجود الصفة ، لا يكون التزاماً من المشتري ، ولا يكون هو مشروطاً عليه ، بل هو يحتاج إلى عناية زائدة .
وكيف كان : فالخيار لتخلّف الشرط ، سواء تغيّرت إلى صفة زادت المالية بها أم لا ؛ لأنّ خيار الشرط تابع للاشتراط ، لا للزيادة والنقيصة .
فما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه : من إثبات الخيار للبائع لو تغيّر إلى ما زادت المالية به ، وللمشتري إذا تغيّر إلى ما نقصت(1) غير مرضيّ ، بل خيار الشرط لهما مطلقاً ، على فرض كون الالتزام منهما ، وللمغبون منهما خيار الغبن أيضاً .
وقد ظهر ممّا مرّ : أنّ ثبوت خيار الشرط ، إنّما هو في الفرض الأخير ، وهو إذا كان البيع مبنيّاً على الشرط ، وأمّا فيما إذا علم المتبايعان بالاتّصاف ، أو قامت الأمارة العقلائية عليه أو الأصل - بناءً على كونه أمارة عقلائية - فلا موجب للخيار ؛ لأنّ الاتّكال على الطرق لرفع الغرر ، غير بناء المتعاملين الراجع إلى الاشتراط .
ثمّ إنّ هاهنا صوراً اُخر ، لم يتعرّض لها ، ونحن نشير إلى بعض منها ، وهو ما إذا علم زوال الصفة الموجودة :
ص: 481
فتارة : يعلم إجمالاً قيام أحد الضدّين مقامه .
واُخرى : قيام شيء ذي مراتب مقامه ، ويشكّ في أ نّه بمرتبة ناقصة قام مقامه ، أو بمرتبة كاملة .
وثالثة : يعلم قيام شيء وجودي أو عدم ملكة مقامه ، كما لو شكّ - بعد العلم بزوال رائحته الموجودة - في أنّ رائحة مضادّة لها قائمة مقامها ، أو صار الموضوع بلا رائحة .
فعلى الأوّل : يتعارض أصل عدم حدوث كلّ منهما مع الأصل الآخر في لازمه ، تعارضاً بالذات ، بناءً على كون الأصل من الأمارات ، فأصالة عدم حدوث هذه الصفة ، لازمها حدوث الصفة الاُخرى ، وهو معارض بالذات مع أصالة عدم حدوث تلك الصفة وبالعكس .
وبناءً على كونه شرعياً على فرض الجريان ، يتعارضان بالعرض .
وعلى الثاني : لو علم أنّ الكامل لو حصل كان دفعياً ، فعلم أنّ الحاصل إمّا الناقص ، وإمّا الكامل دفعة ، يكون حكمه كالفرض السابق .
وأمّا إن علم بحصوله تدريجاً ، فوجوده إلى مقدار معلومٌ ، والزائد مشكوك فيه ، فيدفع بالأصل ، ولمّا كان المثبت منه حجّة ، يثبت كون الضعيف بحدّه موجوداً ، ولا معارض لهذا الأصل .
إلاّ أن يقال : الأصل بقاء اشتغال الفاعل أو العلّة بالإيجاد ، فيثبت المرتبة العالية ، ويدفع الضعيفة .
وفيه : أنّ اشتغاله بالمرتبة التي بعد السابقة ، مشكوك فيه ؛ لأنّ المفروض أ نّه تدريجي ، ولا حالة سابقة له بالاشتغال بالنسبة إلى تلك المرتبة ، بل المعلوم
ص: 482
عدمه حال الاشتغال بالسابقة ، فيدفع بالأصل .
إلاّ أن يقال : بجريان أصل بقاء الاشتغال أيضاً ، إذا لم ينظر إلى القطعات ، فتسقط جميع الاُصول المتقدّمة والمتأخّرة والسببية والمسبّبية ؛ لأنّ الفرض حجّية المثبتات ، وعليها لا تكون الاُصول السببية حاكمة على المسبّبية ، وهذا بخلاف الاُصول الشرعية .
وعلى الثالث : يكون عدم اللا رائحة مثلاً ، متحقّقاً عرفاً بوجود الرائحة الموجودة ، وإن كان حكم العقل على خلاف ذلك ، وبعد زوالها ، واحتمال حدوث رائحة مضادّة لها مقارنة لزوالها ، يحتمل بقاء عدم اللا رائحة بحدوث الرائحة المضادّة ، فيكون من قبيل استصحاب القسم الثالث ، ويعارض استصحاب عدم حدوث الرائحة ؛ لأنّ المفروض حجّية المثبتات ، والأمر سهل .
وليعذرني المحصّلون في التعرّض لفروع لا أصل لاُصولها ، والعذر أنّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه ، جعل هذا من الاُصول العقلائية المعتمد عليها (1) .
ص: 483
لو اختلفا في التغيّر ، فادّعاه المشتري ، هل يقدّم قوله كما عليه المعظم(1) ، أو يقدّم قول البائع ؟
وقبل الورود في المطلب لا بدّ من ذكر جهات :
منها : أ نّه قد اختلفت كلماتهم في تشخيص المدّعي والمنكر(2) ، والحقّ أ نّهما - كسائر الموضوعات - موكولان إلى العرف ؛ إذ لا اصطلاح للشارع فيهما ، ولا في سائر الموضوعات ، وتشخيصهما ليس من شأن الشارع ، وليس له التصرّف في الموضوعات العرفية .
نعم ، له الإلحاق بها والإخراج عنها حكماً ، ولم يرد في المقام ما يوجب التصرّف .
والموازين الاُخر إن رجعت إلى المعنى العرفي ، أو انطبقت عليه مصداقاً ،
ص: 484
فلا إشكال ، وإن اختلفت معه ، فالمرجع هو العرف والمعنى العرفي .
ولعلّ ما قيل : من أنّ المدّعي هو الذي لو ترك تُرك(1) ، ينطبق - بحسب المصاديق - على مصاديق المعنى العرفي .
وأمّا ما قيل : من أنّ المدّعي من كان قوله مخالفاً للأصل ؛ بمعنىً أعمّ من القواعد العقلائية ، والشرعية ، والاُصول كذلك حتّى مثل أصل الاشتغال والبراءة(2) .
فيمكن الخدشة فيه : بأن لا مضايقة في الانطباق - بحسب المصاديق - مع القواعد والاُصول العقلائية ، كاليد ، وأصالة الصحّة ، وأصالة الظهور ، وأمثالها .
وأمّا الأصل الشرعي كالاستصحاب ، فلا يصلح لذلك ، بعد عدم كونه من الاُصول العقلائية ، فلو ادّعى أحد زوجية امرأة وأنكرتها ، وكانت سابقاً زوجته ، فشكّ في بقائها ، فبحسب نظر العرف ، يكون المدّعي هو الزوج ، مع أنّ الاستصحاب موافق لقوله ، وقول الزوجة مخالف لهذا الأصل .
ولو قيل : إنّ المدّعي عرفاً من كان قوله مخالفاً للحجّة ، ومصداق الحجّة لا يلزم أن يكون عرفياً .
يقال : إنّ من الواضح أنّ مفهوم «المدّعي» لغة وعرفاً غير ذلك ، وليس عنوان «مخالفة الحجّة» مساوقاً لعنوان «الدعوى» ودعوى أنّ مصاديقهما متّحدة غير مسموعة .
ص: 485
ثمّ لو قلنا : بذلك ، فلا إشكال في أنّ الميزان ، هو الأصل المعتبر شرعاً في محطّ الدعوى ، فإن كان الأصل مثبتاً بالنسبة إلى محطّها ، لم يكن مخالفه مدّعياً ؛ لعدم حجّيته وإن كان جارياً بالنسبة إلى أثر آخر .
ومنها : أنّ الاعتبار في تشخيص المدّعي والمنكر ، بمصبّ الدعوى ، لا بالعناوين الملازمة له ، أو المترتّبة عليه .
فلو ادّعى أنّ المرأة زوجته المنقطعة ، وادّعت أ نّها دائمة ، فلا بدّ وأن يلاحظ مصبّ الدعوى ، فيحكم بالتداعي مع عدم أصل لأحد الطرفين ، ولا تلاحظ النتيجة ؛ وهي أ نّها تدّعي استحقاق النفقة ، وهو منكر لذلك ؛ لأنّ دعواها الزوجية غير دعوى النفقة ، والميزان في التشخيص هو محطّ الدعوى ، وهو الظاهر المتفاهم من قوله عليه السلام : «البيّنة على المدّعي ، واليمين على المدّعى عليه»(1) .
نعم ، لا بدّ وأن يكون للدعوى أثر ؛ بحيث لا يكون الحكم لغواً ، فحينئذٍ لو قلنا : بأنّ الحكم من قبيل الأمارات العقلائية والشرعية كما هو الحقّ ، فلا يلزم أن يكون الأثر بلا واسطة عقلية ؛ لأنّ مثبتات الأمارة حجّة ، فإذا حكم بشيء ، ثبتت لوازمه وملزوماته .
نعم لو قلنا : بأ نّه من قبيل الأصل ، فلا بدّ من أثر شرعي بلا واسطة .
ص: 486
ومنها : أ نّه يتفرّع على ما تقدّم ، أنّ القاضي ليس له إلاّ استماع الدعوى ؛ وتشخيص أ نّها دعوى مسموعة أم لا ، وأمّا إرجاع الدعوى إلى شيء آخر - من الملازمات ، أو النتائج - فلا ، ولا سيّما إذا انقلب لأجله المدّعي منكراً ، أو التداعي إلى الادّعاء والإنكار .
فإذا كانت الدعوى على عنوان صحيحة مسموعة ، ليس له التجاوز عنها وإراءة طريق الانقلاب ، أو ملاحظة عنوان آخر موجب له ، والميزان في مسموعيتها ، كونها ذات أثر ولو بوسائط ؛ شرعية كانت ، أو عقلية .
إذا عرفت ذلك فنقول : صور الاختلاف كثيرة ، نذكر بعضها :
الاُولى : الاختلاف في تغيّر الصفات حال البيع ، فادّعى المشتري أ نّها تغيّرت عن حال المشاهدة ، وأنكره البائع .
الثانية : الاختلاف في تغيّرها قبل القبض ، فاتّفقا على عدم التغيّر من حال المشاهدة إلى حال البيع ، وادّعى المشتري تغيّرها قبل القبض ؛ ليثبت له الخيار ، بناءً على ثبوته إذا تغيّرت قبل القبض .
ففي الصورتين ، يكون المشتري مدّعياً ، ويقدّم قول البائع ؛ لما عرفت : من أنّ الميزان لتشخيص المدّعي مصبّ الدعوى ، ولا إشكال في أنّ القائل بالتغيّر مدّعٍ عرفاً ، والنافي له منكر .
ص: 487
بل إن قلنا : بأنّ المدّعي من لو ترك تُرك(1) ، ينطبق على المشتري أيضاً ؛ لأنّ البائع والمشتري متّفقان على تحقّق البيع ، وتعلّقه بالموجود الخارجي ، وأنّ الثمن صار ملكاً للبائع ، والمثمن للمشتري ، وإنّما اختلافهما في تغيّر أوصافه ؛ ليثبت الخيار له ، فإذا ترك هذه الدعوى ، لم يكن نزاع في البين ، فلا بدّ له من تسليم الثمن ، وتسلّم المبيع .
بل الأصل العقلائي المعتمد عليه - على دعوى الشيخ الأعظم قدّس سرّه (2) - مع البائع ، وهو أصالة عدم التغيّر .
نعم ، لا يجري الأصل الشرعي في الصورة الاُولى ؛ لأنّ استصحاب عدم تغيّر الصفات إلى حال البيع ، لا أثر له ، وإنّما الأثر مترتّب على تخلّف الوصف المبنيّ عليه البيع ، وعدم تخلّفه ، وشيء منهما لا يثبت بالأصل ، وكذا وقوع البيع مبنيّاً على تحقّق الوصف ، لا يثبت بالأصل ، بل جريانه في الصورة الثانية أيضاً محلّ إشكال ، إلاّ على بعض الوجوه ، وسنشير إلى تحقيقه(3) .
والأمر سهل بعد كون نظر العرف متّبعاً ، ولا شبهة في كون المشتري مدّعياً عرفاً .
وأمّا الوجوه التي ذكرت لتقديم قوله ، فهي - مع الغضّ عن الإشكال في كلّ منها - مشتركة في خروجها عن موازين القضاء ؛ فإنّ القول : بأنّ المشتري
ص: 488
ذو اليد ، أو ينتزع منه الثمن ، أو الأصل براءة ذمّته ، مبنيّ على صحّة رفع اليد عن مصبّ الدعوى ، والرجوع إلى نتيجتها .
وكذا قول الشيخ الأعظم قدّس سرّه : من ابتناء المسألة على أنّ الأوصاف الملحوظة ،
هل هي من قبيل شروط في العقد ، أو قيود في المعقود عليه ؟
وإرجاع النزاع على الأوّل ، إلى النزاع في اشتراط خلاف هذا الوصف الموجود على البائع وعدمه .
وعلى الثاني إلى النزاع في وقوع العقد والتراضي على الشيء المطلق وعدمه(1) .
فإنّه مبنيّ على أنّ الميزان هو نتيجة الدعوى وما ترجع إليه ، وهو غير مرضيّ .
ومنه يظهر النظر في المحكيّ عن «التذكرة»(2) : من أنّ البائع يدّعي علم المشتري بالمبيع على هذا الوصف الموجود ، والرضا به ، والأصل عدمه ، فإنّ-ه إرجاع للدعوى من عنوان إلى عنوان آخر ، وكذا ما عن «جامع المقاصد»(3) .
ص: 489
ثمّ إنّه قد استدلّ على تقديم قول المشتري بوجوه :
الأوّل : ما عن «الدروس» من أنّ يده على الثمن(1) .
وقد أرجع الشيخ الأعظم قدّس سرّه (2) هذا الوجه إلى ما عن «المبسوط»(3) و«السرائر»(4) ، وهو أنّ المشتري هو الذي ينتزع منه الثمن ، ولا ينتزع منه إلاّ بإقراره ، أو ببيّنة تقوم عليه ، وأرجع قول العلاّمة قدّس سرّه إليه أيضاً ؛ حيث تمسّك بأصالة براءة المشتري من الثمن(5) ، فلا يلزمه ما لم يقرّ به ، أو يثبت بالبيّنة .
ولكنّ الظاهر عدم رجوع واحد منها إلى الآخر ؛ فإنّ التمسّك باليد ، مخصوص بمورد كون الثمن خارجياً تحت يد المشتري ، والتمسّك بأصل براءة ذمّة المشتري ، مخصوص بمورد كونه كلّياً في الذمّة ، وما عن «المبسوط»(6) أعمّ منهما على الظاهر .
وكيف كان : إنّ المسألة بناءً على التمسّك باليد ، على وجوه :
ص: 490
منها : ما إذا كان الثمن بيد المشتري .
فحينئذٍ تارة : يعلم عدم الفسخ ، واُخرى : يعلم فسخه ، وثالثة : يحتمل الفسخ .
فإن علمنا بعدم فسخه ، فمقتضى دليل السلطنة(1) ، لزوم تسليم الثمن إلى البائع ، وعدم جواز منعه عنه ، هذا مع قطع النظر عمّا عن العلاّمة في «التذكرة» من عدم وجوب تسليمه في زمن الخيار(2) ، وسيأتي إن شاء اللّه الكلام فيه(3) ، وإنّما الكلام هنا فيما تمسّك به الشهيد(4) .
وأمّا اليد فهي معلومة الحال ؛ لأ نّها تعلّقت بمال الغير ، ونعلم أ نّه لا سلطنة لذي اليد عليه ؛ لا من قبل نفسه ، ولا من قبل صاحب المال ، والسلطنة على فسخ العقد ، ليست من شؤون اليد على العين .
فالقول : بأنّ اليد ظاهرة في سلطنة ذي اليد على التصرّفات ، وإن قطع بكون الثمن ملك البائع(5) إن رجع إلى هذه الصورة ، فهو في غاية السقوط ؛ للعلم بأنّ الثمن للمالك ، وأ نّه لا يكون المشتري وكيلاً ، ولا مأذوناً من قبله .
واحتمال حقّ فسخ العقد له ، لا يفيد ، ولا يدفع سلطنة المالك على ماله ، وليس للمشتري التصرّف في العين قبل الفسخ بوجه .
ص: 491
وأمّا في صورة احتمال الفسخ :
فقد يقال : إنّ اليد ظاهرة في سلطنة ذي اليد على التصرّفات في الثمن ، وإن قطع بكونه ملك البائع ؛ حيث لا منافاة بين كونه ملكاً له بمجرّد العقد ، وكون المشتري مسلّطاً على التصرّف فيه ولو بالفسخ ، فلا صارف لظهور اليد في السلطنة المطلقة ، ولا مجال لأصالة عدم سبب للخيار ، بعد وجود الأمارة على السلطنة المطلقة(1) .
وفيه : أنّ دليل اعتبار اليد ، ليس إلاّ بناء العقلاء ، ولم يحرز بناؤهم عليه في مثل المورد ، لو لم نقل بإحراز عدمه ؛ فإنّ يد المشتري على الثمن بعد العقد ، إنّما هي على مال الغير بإقرار منه ، وإنّما يحتمل تلقّيه منه بواسطة الفسخ ، وفي مثله ليست اليد معتبرة ، فهل ترى اعتناء العقلاء بيد المشتري بعد العقد الصحيح ، مع مطالبة البائع للثمن ، باحتمال وجود الخيار والفسخ ؟ !
بل لو قلنا : باعتبارها مع الغضّ عن دعواه التغيّر والخيار ، لكان لازمها انقلابه مدّعياً لو فرضنا كونه منكراً ؛ فإنّ دعوى تغيّر المبيع ، لازمها دعوى تلقّي الثمن من البائع ، وهذه الدعوى تهدم اليد ، لو فرضنا اعتبارها مع الغضّ عنها ، نظير ما إذا ادّعى صاحب اليد اشتراء المتاع من المدّعي ، فإنّ ذلك يوجب انقلاب المدّعي منكراً .
مضافاً إلى أنّ استصحاب حال اليد على مال الغير أيضاً ، موجب لرفع اعتبارها على تأمّل فيه ، فدليل السلطنة - بعد إجراء استصحاب حال اليد ،
ص: 492
واستصحاب بقاء الثمن على ملك البائع - محكم ، والأصل منقّح لموضوع دليلها ، فيحكم بلزوم تسليم الثمن .
ويظهر ممّا ذكر حال صورة العلم بالفسخ ، مع احتمال الخيار .
ومنها : ما إذا كان الثمن بيد البائع ، بعد ما كان بيد المشتري عقيب العقد ، فقد يقال : بصحّة التمسّك بأصالة بقاء سلطنته المطلقة على الثمن ، وحينئذٍ فلدعوى حكومة أصالة عدم سبب الخيار وجه ؛ لكون الشكّ في بقاء سلطنته ، مسبّباً عن الشكّ في ثبوت الخيار بسببه(1) .
وفيه : أنّ يد البائع أمارة على الملكية والسلطنة المطلقة ، ولازمها نفي سلطنة غيره بنحو الإطلاق ، فلا مجال لاستصحاب سلطنة المشتري .
والعجب من بعض أهل التحقيق قدّس سرّه ، حيث تشبّث في الصورة المتقدّمة ، بظهور يد المشتري في السلطنة المطلقة(2) ، وأغفل في هذه الصورة يد البائع ، مع أنّ اعتبار يده لا خدشة فيه ظاهراً ، بخلاف يد المشتري كما مرّ .
ويمكن الخدشة في أصالة عدم سبب الخيار أوّلاً : بأنّ نفي المسبّب بنفي سببه عقلي ، كوجوده بوجوده ولو فرض كون السبب مجعولاً شرعاً ، أو السببية كذلك ، أو فرض أنّ المجعول الشرعي ، هو الملازمة بين تخلّف الوصف مثلاً والخيار ؛ فإنّ نفي اللازم بنفي ملزومه ، أو نفي أحد المتلازمين بنفي الآخر عقلي ، وإن كان جعل اللزوم أو الملازمة شرعياً .
ص: 493
نعم ، لو كان في لسان الدليل ، جعل الحكم عقيب موضوع أو عقيب سبب ؛ بأن يقال : «إذا نشّ العصير حرم» صحّ تنقيح الموضوع بالأصل ، وسلب الحكم بسلب موضوعه ، على تأمّل في ذلك ، إلاّ إذا كان السلب أيضاً بحكم الشرع .
ففي المقام : لو اُحرز أو احتمل ، أن يكون التغيّر سبباً عند العقلاء للخيار ، وأنّ لتخلّف الشرط أو الوصف سببية لذلك ، لا يصحّ الاستصحاب إلاّ على القول بالأصل المثبت .
وإن اُحرز أنّ الخيار حكم ، مترتّب على تخلّف الوصف أو الشرط عند العقلاء ، وأ نّه الممضى عند الشارع الأقدس ، يمكن القول : بجريان أصالة عدم التخلّف؛ لسلب الخيار ، على إشكال .
وثانياً : بأنّ ما هو موضوع الحكم في ثبوت الخيار وسلبه ، إنّما هو السبب الحاصل في العقد وسلبه فيه ، لا سلبه بنحو السلب المطلق الأعمّ من سلب الموضوع ، أو سلب الظرف .
وما هو موضوع الأثر ، ليست له حالة سابقة يقينية ؛ لعدم العلم بعدم التغيّر مثلاً في العقد ، وما هو معلوم لا أثر له ؛ فإنّ عدم تغيّر الموصوف عن صفته ، ليس موضوع الخيار ، ولا سببه ، واستصحاب العدم إلى زمان العقد ، لا يثبت كون سلب التغيّر في العقد ، أو كون المعقود عليه غير متغيّر ، إلاّ بالأصل المثبت .
ثمّ إنّ في تقديم الأصل السببي على المسبّبي كلاماً ، تعرّضنا له في محلّه ، وقلنا : بصحّته في بعض الموارد ، وعدمها في بعض(1) .
ص: 494
وممّا ذكرناه يظهر الكلام في الصورة الثالثة ، وهي ما إذا كان الثمن قبل العقد بيد البائع ، فقد يقال : إنّ سلطنة المشتري على التصرّفات المترتّبة على الملك ، قد انقطعت بالخروج عن ملكه ، وسلطنة اُخرى له مشكوكة الحدوث(1) .
والظاهر منه التشبّث في تشخيص المدّعي ، بأصالة عدم السلطنة .
ويرد عليه أوّلاً : أنّ التمسّك بيد البائع في المقام ، أولى من الصورة الاُولى ، ومعها لا مجال للأصل الموافق أيضاً ، ولو نوقش في اليد هاهنا ، فالمناقشة فيها أولى منها (2) في الاُولى .
وثانياً : أنّ ما هو موضوع الأثر ، هو أصالة عدم السلطنة على الثمن ، وليست لها حالة سابقة ، وسلب السلطنة الصادق مع انتفاء عنوان الثمن - أي السلب العامّ لإثبات السلب الخاصّ بعد وجود الثمن - مثبت ، هذا كلّه حال اليد .
وأمّا ما عن الشيخ وابن إدريس : من أنّ المشتري هو الذي ينتزع منه الثمن ، ولا ينتزع منه إلاّ بإقراره ، أو ببيّنة تقوم عليه(3) .
ففيه : أنّ الثمن سواء فرض جزئياً أم كلّياً ، صار بالعقد ملك البائع ، ولا يمنع المالك عن ملكه إلاّ بإقرار منه ، أو ببيّنة .
وبعبارة اُخرى : إن فرض النزاع قبل الفسخ ، يكون الثمن ملكه في الخارج ،
ص: 495
أو على عهدة المشتري ، ومقتضى دليل سلطنة الناس على أموالهم(1) سلب سلطنة الغير ، ولزوم الردّ مع المطالبة ، وجواز الانتزاع منه ، وعدم جواز منعه .
وكذا لو كان بعد الفسخ ، أو مع الشكّ فيه ، فإنّ استصحاب بقاء الثمن على ملكه ، يحرز موضوع دليل السلطنة .
والقول : بأنّ الثمن لا ينتزع من المشتري لا وجه له ، إلاّ أن يرجع إلى اليد ، وقد عرفت ما فيها (2) ، مع أنّ الدليل حينئذٍ أخصّ ؛ لأنّ الثمن قلّما يتّفق أن يكون جزئياً خارجياً .
ومنه يظهر الكلام في المحكيّ(3) عن العلاّمة قدّس سرّه ، حيث تشبّث ببراءة ذمّة المشتري من الثمن(4) ، ومعلوم أنّ الظاهر منه هو الثمن الكلّي في الذمّة ؛ فإنّ الثمن بعد ما صار ملكاً للبائع ، واشتغلت ذمّة المشتري به ، لا بدّ من دفعه ولو مع الفسخ أو الشكّ فيه ، فالأصل مع البائع .
هذا كلّه مع قطع النظر عن الدعوى المحكيّة(5) عن العلاّمة قدّس سرّه : من عدم وجوب تسليم الثمن والمثمن في مدّة الخيار ، وإن سلّم الآخر(6) .
ص: 496
قيل : والظاهر من المحكيّ عنه ، عدم خلاف في المسألة إلاّ من بعض الشافعية(1) .
وفيه تأمّل ، وعلى فرض دعوى عدم الخلاف ، فلا يثبت بها ذلك ، ولا سيّما مع قول الشيخ الأعظم قدّس سرّه في أحكام الخيارات : لم أجد لهذا الحكم وجهاً معتمداً ، ولم أجد من عنونه وتعرّض لوجهه(2) .
وقد يقال : إنّ مورد دعوى العلاّمة قدّس سرّه ، هو الخيارات الزمانية ، كخيار المجلس والحيوان ، دون غيرها ، وهو موافق للقاعدة ؛ لأ نّه إذا كان الالتزام العقدي متزلزلاً ، فجميع آثار النقل تحت سلطنة ذي الخيار ، وفي تلك الخيارات ، حيث وصل حقّ ذي الخيار إليه ، تكون حقيقة الخيار عبارة عن كون أمر العقد بيد ذي الخيار ، فجميع آثاره تحت تصرّفه ، ومنها التسليم والتسلّم .
بخلاف سائر الخيارات ؛ فإنّ حقيقته فيها ، عبارة عن ثبوت حقّ استرداد ما لم يصل إلى ذي الخيار عوضه ، فالخيار ابتداءً لا يرجع إلى العقد ، بل ثانياً ، فقبل الفسخ لم يرد تخصيص على دليل السلطنة(3) ، انتهى ملخّصاً .
وفيه ما لا يخفى ؛ فإنّ تزلزل الالتزام العقدي ، لا يكون معناه إلاّ ثبوت خيار الفسخ لذي الخيار ، ومجرّد ذلك لا يقتضي كون آثار النقل أو آثار العقد ، تحت تصرّفه ، فهل هذا إلاّ مجرّد دعوى لا مستند لها ؟ !
مع أنّ ذلك لو كان من مقتضيات تزلزله ، فهو موجود في جميع الخيارات ، من
ص: 497
غير فرق بين كونه بلا وسط أو معه ، إلاّ أن يدّعى أ نّه من مقتضيات تعلّق الحقّ بالعقد بلا وسط ، وهو - كما ترى - دعوى بلا برهان .
مع أنّ ماهية الخيار في جميع أقسام الخيارات ، شيء واحد ، وهو ملك فسخ العقد ، أو ملك إقراره وإزالته ، وحقّ استرداد العين بلا وسط لا وجه له ، ومعه موجود في جميع الخيارات .
وبالجملة : لا دليل على ما أفاده ، ولا على ما عن العلاّمة قدّس سرّه ، ولا مخصّص لدليل سلطنة الناس على أموالهم .
ثمّ إنّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه تمسّك - بناءً على عدم السلطنة في زمان الخيار - بأصالة عدم سلطنة البائع على أخذ الثمن ، وقال : لا مدفع لهذا الوجه إلاّ أصالة عدم سبب الخيار لو تمّ(1) .
أقول : أمّا أصالة عدم السلطنة ، فلا حالة سابقة لها بهذا العنوان الذي ذكره ، سواء كان الثمن جزئياً خارجياً ، أم كلّياً ؛ لأنّ المفروض أنّ الحكم ثابت لعنوان «الثمن» و«البائع» و«المشتري» ، وهذه العناوين لا حقيقة لها قبل تحقّق البيع ، ومع تحقّقه يحتمل حصول السلطنة ؛ لاحتمال لزوم البيع .
وبالجملة : إنّ ما هو موضوع الأثر ، هو عدم السلطنة على موضوع متحقّق ، فتكون القضيّة سالبة محصّلة محقّقة الموضوع ، لا السلب بسلب الموضوع ، ولا الأعمّ ، والسالبة المحقّقة الموضوع غير مسبوقة باليقين .
وأمّا السلب بسلب الموضوع أو الأعمّ ، فهو وإن كان مسبوقاً به ، لكن
ص: 498
استصحاب القضيّة السالبة بسلب الموضوع ؛ لإثبات الحكم لموضوع مفروض الوجود مثبت ، وكذا الحال في استصحاب السالبة الأعمّ لإثبات قسم منها .
فما هو مفيد لا يكون مسبوقاً باليقين ، وما هو مسبوق به غير مفيد .
ولو كان الثمن موجوداً في الخارج ، واُريد استصحاب عدم السلطنة على ذات الثمن قبل تحقّق البيع ؛ لإثبات عدم السلطنة على الثمن بعد تحقّقه ، فهو أيضاً مثبت ؛ لأ نّه استصحاب عنوان لإثبات الحكم لعنوان آخر .
مضافاً إلى أنّ سلب السلطنة قبل البيع ، موضوعه أو علّته مال الغير ، وهو قد ارتفع يقيناً برفع موضوعه أو علّته ، ويحتمل سلب السلطنة على الثمن مقارناً لارتفاعه ، فاستصحاب السلب المطلق ، من قبيل استصحاب القسم الثالث من الكلّي ، ومعلوم أنّ استصحاب المطلق ؛ لإثبات الحكم لقسم منه مثبت .
وأمّا استصحاب سلب السلطنة عن النقد الخارجي بنحو الاستصحاب الشخصي ؛ بأن يقال : إنّ الحكم وإن كان على العناوين ، لكن بعد تحقّق المصداق خارجاً ينطبق عليه ، فالسلطنة المنفيّة عن مال الغير ، المتعلّقة بالعنوان ، تنطبق على الموجود الخارجي ، فيقال : هذا الموجود مسلوبة عنه السلطنة ، ويحتمل عند تحقّق البيع ، بقاء هذا السلب بقيام علّة اُخرى مقام الاُولى ، فيستصحب عدم سلطنة زيد - الذي هو بائع - على النقد ، الذي هو موضوع النزاع .
وهذا كافٍ في تشخيص المدّعي ، وإن لم يرجع إلى كلام الشيخ قدّس سرّه .
فهو أيضاً محلّ إشكال في مثل المقام ؛ ممّا تعلّق فيه حكمان بموضوعين مختلفين ، فموضوع عدم السلطنة على مال الغير ، غير موضوع عدم السلطنة
ص: 499
على الثمن ، الذي هو مال نفسه إذا اشتراه ببيع خياري ، فلا يكون الحكمان متعلّقين بموضوع واحد ، حتّى يقال : إنّ تبادل العلّة قد لا يوجب الاختلاف .
فلا يعقل أن يكون عدم السلطنة المتعلّقة بمال الغير - المعلول لكون المال لغيره - باقياً بالعلّة التي صارت منشأً لعدم السلطنة على الثمن في البيع الخياري ، فلا مجال إلاّ لاستصحاب الكلّي ، وقد عرفت حاله ، فلا وجه لاستصحاب عدم السلطنة بوجه .
وأمّا أصالة عدم سبب الخيار ، التي جعلها الشيخ الأعظم قدّس سرّه مقدّمة على الأصل المتقدّم ، فإن كان المراد منها ما هو ظاهر كلامه ففيها : مضافاً إلى الإشكال الساري في الاُصول المتقدّمة ؛ من عدم الحالة السابقة المتيقّنة إن اُريد عدم السبب في البيع ، وكونها مثبتة إن اُريد إثبات عدمه في البيع من استصحاب السلب المطلق ، أو السلب بنفي الموضوع .
أنّ الشكّ في سلطنة البائع على أخذ الثمن ، مسبّب عن الشكّ في كون البيع خيارياً ، والشكّ فيه مسبّب عن الشكّ في ثبوت سبب الخيار ، فاستصحاب سلب السبب ؛ لرفع الشكّ عن المسبّب مع الواسطة ، غير صحيح ؛ لعدم ترتّب الحكم الشرعي المفروض - وهي سلب السلطنة - على سبب الخيار ، بل هي مترتّبة على المسبّب منه ، واستصحاب سلب السبب ؛ لإثبات سلب المسبّب بلا وسط ، ثمّ لترتّب سلب المسبّب الثاني عليه مثبت ؛ لأنّ عدم المعلول بعدم علّته عقلي ، لا شرعي وإن كانت السببية شرعية .
وإن كان المراد منها أصالة عدم تغيّر المبيع ، والظاهر من خلال كلماته فيما يأتي ، أنّ المقصود منها الأصل الشرعي ، لا الأصل العقلائي ، ولهذا جعل تقدّمه
ص: 500
على بعض الاُصول الآتية لأجل السببية والمسبّبية(1) .
مع أنّ الأصل العقلائي ، أمارة مقدّمة على الاُصول السببية ، وليس تقدّمه على الاُصول لأجل السببية .
وكيف كان : ففيها أنّ أصالة عدم تغيّر المبيع لا أثر لها ؛ لأنّ حكم الخيار مترتّب على تخلّف الشرط الضمني ، أو تخلّف الوصف ، لا على التغيّر ، واستصحاب عدم التغيّر لإثبات عدم التخلّف مثبت .
مضافاً إلى ورود الإشكال المشترك عليه أيضاً ؛ لعدم تيقّن عدم تغيّره في البيع ، وما هو المتيقّن ، لا يصلح لإثبات موضوع الأثر إلاّ بالأصل المثبت .
ومنه يظهر عدم جريان أصالة عدم تخلّف الشرط أو الوصف ، وعدم جريان أصالة عدم وقوع العقد على الموصوف أو المشروط ، وأصالة عدم الخيار ؛ لجريان الإشكال الساري في الجميع .
مع أنّ عدم وقوع العقد على المشروط أو الموصوف ، لا يثبت عدم تخلّف الشرط أو الوصف ، والثاني موضوع الحكم ، لا سلب وقوع العقد عليه .
وممّا ذكرناه ظهر حال ما عن «التذكرة» : من التشبّث بأصالة عدم علم المشتري بالمبيع على الوصف الموجود ، وأصالة عدم رضاه به(2) ، وما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه في ردّه : من معارضتها بأصالة عدم علمه بوصف آخر ، ثمّ
ص: 501
التمسّك بأصالة عدم التغيّر ، وتحكيمها على الأصل المذكور(1) .
فإنّه مع ورود الإشكال المشترك المتقدّم على جميعها ؛ ضرورة أنّ السلوب المطلقة أو بانتفاء الموضوع ، لا أثر لها ، واستصحابها لإثبات السلب فيه مثبت كما تقدّم ، وبنحو السلب في البيع غير مسبوقة باليقين ، يرد عليها : أنّ علم المشتري بالوصف الموجود أو المفقود وعدمه ، أو رضاه بهما وعدمه ، ليس موضوعاً لحكم في المقام ، وما هو موضوعه هو تخلّف الشرط وعدمه ، والاُصول المذكورة لا تثبت ذلك إلاّ بوسائط عقلية ، وهي من المثبتات الواضحة .
كما أنّ التغيّر وعدمه ليس موضوعاً للحكم ، وأصالة عدمه لا أثر لها ، وما هو موضوعه لا يثبت بها ، كما يظهر وجهه ممّا تقدّم .
مضافاً إلى أنّ الشكّ في علم المشتري ، ليس مسبّباً عن وجود التغيّر وعدمه كما هو واضح .
مع أ نّه على فرض السببية ، لا وجه لتقدّمه على الأصل المسبّبي ، بعد عدم كونه منقّحاً لموضوع الدليل الشرعي ، حتّى يرتفع الشكّ عن المسبّب ببركته ، كما أشرنا إليه(2) وفصّلناه في محلّه(3) .
ص: 502
وأمّا ما تمسّك به المحقّق الثاني قدّس سرّه على ما عن «جامع المقاصد» : من أنّ الأصل عدم وصول حقّه إليه(1) فقد أجاب عنه الشيخ الأعظم قدّس سرّه : بأنّ ما هو المتيقّن من حقّه وصل إليه ، وما يحتمل عدم وصوله محتمل الثبوت ، وعليه إثباته(2) .
وتنظّر فيه بعض أهل النظر ، وأجاب عن الأصل المذكور : بأنّ مشاهدة العين بما لها من الوصف - سمناً كان أو هزالاً - معتبرة في صحّة البيع ، وأنّ متعلّق العقد مردّد بين السمينة والمهزولة .
والحقّ بالحمل الشائع ، هي العين بما لها من السمن ، أو بما لها من الهزال ، وكون الحقّ هي العين السمينة أو المهزولة مشكوك ، وعدم وصول كلّ منهما بعد العقد ، وقبل أداء العين متيقّن ، إلاّ أنّ الحقّ - بالحمل الشائع - إن كان السمينة ، فهو غير واصل ، وإن كان المهزولة فهو واصل .
فالمتيقّن عدمه مردّد بين ما هو واصل جزماً ، وما هو غير واصل جزماً ، وهما متباينان لا جامع بينهما ، وعنوان «الحقّ» لا أثر له ، فتبيّن أنّ أصالة عدم وصول حقّه إليه ، لا أصل لها (3) .
وفيه : أ نّه خلط بين الأوصاف التي تعتبر مشاهدتها في صحّة المعاملة ، وبين
ص: 503
ما هي حقّ للمشتري ، فالعين بما لها من الصفات - سواء كانت صفات كمال ، أو نقص ، كالهزال ، والشلل ، ونحوهما - لا بدّ وأن تكون معلومة ؛ لرفع الجهالة والغرر .
وأمّا ما هي من قبيل الحقّ للمشتري ، ويقع النزاع بينه وبين البائع في تغيّرها وعدمه ، فهي صفات الكمال ، فلو باع عيناً مشاهدة ، بصفات كمال مبنيّاً عليها ، فتغيّرت بمقابلاتها من صفات النقص ، صحّ القول : بأنّ حقّ المشتري لم يصل إليه كملاً .
وأمّا لو شاهداها بصفات نقص ، ثمّ ظهر كونها بصفات الكمال ، لم يصحّ القول : بعدم وصول حقّ المشتري إليه ، بل لو كان خيار فهو للبائع ، لا للمشتري ، وهو واضح .
فالقول : بأنّ حقّه مردّد بين ما هو واصل إليه جزماً ، وما هو غير واصل جزماً ، غير وجيه .
وأمّا ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه : من إمكان بناء المسألة على أنّ بناء المتبايعين حين العقد ، على الأوصاف الملحوظة حين المشاهدة ، هل هو كاشتراطها في العقد ، أو أ نّها مأخوذة في نفس المعقود عليه ، فيكون المعقود عليه هو الشيء المقيّد ؟
فعلى الأوّل : يرجع النزاع في التغيّر ، إلى النزاع في اشتراط خلاف هذا الوصف الموجود على البائع ، والأصل معه .
ص: 504
وبعبارة اُخرى : النزاع في أنّ العقد وقع على الشيء الملحوظ فيه الوصف المفقود أم لا .
ثمّ تنظّر فيه ، وقال : هذا البناء في حكم الاشتراط من حيث ثبوت الخيار ، وليس شيئاً مستقلاًّ حتّى يدفع بالأصل ، فهو قيد ملحوظ في المعقود عليه ، فيرجع النزاع إلى وقوع العقد على ما ينطبق على الشيء الموجود ، حتّى يلزم الوفاء وعدمه ، والأصل عدمه .
ولا يعارض بأصالة عدم وقوع العقد على العين المقيّدة بالوصف المفقود، ليثبت الجواز ؛ فإنّ عدم وقوعه على العين المقيّدة ، لا يثبت جواز العقد الواقع ، إلاّ بعد إثبات وقوعه على غير المقيّدة؛ بأصالة عدم وقوعه على المقيّدة، وهو غير جائز.
وعلى الثاني : يرجع النزاع إلى وقوع العقد والتراضي على الشيء المطلق ؛ بحيث يشمل الموصوف بهذا الوصف الموجود وعدمه ، والأصل مع المشتري .
ولا يعارض بأصالة عدم وقوعه على الموصوف بالصفة المفقودة ؛ فإنّه لا يلزم من عدم تعلّقه بذاك تعلّقه بهذا ، حتّى يلزم على المشتري الوفاء به ، وقد قرّر أنّ نفي أحد الضدّين بالأصل ، لا يثبت الضدّ الآخر(1) ، انتهى ملخّصاً .
وفيه مواقع للنظر ، نذكر مهمّاتها :
منها : أنّ تسليمه جريان أصالة عدم الاشتراط ، إن كان شيئاً مستقلاًّ ، فهو منظور فيه ؛ لأنّ عدم الاشتراط مطلقاً ، ليس موضوعاً للحكم ، واستصحابه لإثبات عدمه في العقد عند وجوده مثبت .
ص: 505
لا يقال : إنّ الشرط المستقلّ ، عبارة عمّا ذكر في العقد ، مقابل غيره ، وهو الذي وقع العقد مبنيّاً عليه ، ولمّا كان ذكر الشرط بعد إيجاب العقد ، فمع إيجابه ، يتحقّق آن وجد الإيجاب فيه ولم يوجد الشرط في ضمنه ، فيصحّ أن يقال : الأصل عدم وقوع الشرط في ضمنه .
فإنّه يقال : إنّ وقوع الشرط بعد الإيجاب ، وعدم وقوعه بعده ، لا أثر له ، ولا ينفي موضوع الأثر ؛ لأنّ الإيجاب بنفسه ليس بيعاً عندهم ، بل يصير بيعاً بعد ضمّ القبول إليه(1) ، وأصالة عدم الاشتراط بعد الإيجاب ؛ لإثبات عدمه في ضمن العقد التامّ - أي بعد تحقّق القبول - مثبت .
كما أنّ أصالة عدم الاشتراط بعد الإيجاب ، وأصالة عدم تحقّق قبول الشرط تلو قبول الإيجاب ؛ لإثبات عدم الاشتراط في البيع أيضاً مثبت .
مع أنّ قبول الشرط ليس أمراً مستقلاًّ ، بل إذا قال بعد الإيجاب الذي يكون الشرط في ضمنه : «قبلت» تمّ البيع والشرط ، فعليه لا وجه لأصالة عدم قبول الشرط تلو قبول الإيجاب .
لا يقال : هذا على مبنى القوم ؛ من أنّ البيع مركّب من الإيجاب والقبول ، وأمّا على ما بنيت عليه ؛ من أنّ تمام ماهية البيع منشأ بالإيجاب ، وإنّما القبول بمنزلة الإجازة في عقد الفضولي(2) ، فيمكن القول : بأنّ البيع وجد بلا شرط ، ثمّ احتمل لحوق الشرط به ، وكونه في ضمنه ، والأصل عدمه .
ص: 506
فإنّه يقال : نعم، إنّ تمام ماهية البيع هو الإيجاب ، لكن لا يترتّب على تلك الماهية أثر ، إلاّ مع ضمّ القبول إليه ، فالنقل الإنشائي حصل بفعل الموجب ، كالنقل الإنشائي في الفضولي ، لكنّ الأثر مترتّب على النقل الحقيقي ، والشرط المؤثّر الذي هو موضوع الأثر ، هو الذي وقع تلو العقد الواقعي المؤثّر ، لا تلو الإيجاب فقط وإن لم يكن ناقلاً حقيقة .
وأصالة عدم الاشتراط في البيع غير المؤثّر ؛ لإثبات عدم وقوعه في البيع المؤثّر المشروط بالقبول ، أيضاً مثبتة ، ومعلوم أنّ الاُصول النافية يعتبر فيها أن تكون نافية لموضوع ذي أثر .
ومنها : أنّ قوله : وبعبارة اُخرى : النزاع في أنّ العقد وقع على الشيء الملحوظ فيه الوصف المفقود، منظور فيه ؛ فإنّ عدم وقوع العقد على الشيء المذكور ، لا أثر له بوجه ، وليس نفياً لموضوع الأثر ؛ فإنّه سلب مطلق ، غير نافٍ لموضوع الأثر ، واستصحابه إلى زمان وقوع العقد على العين ؛ لإثبات عدم الاشتراط في العقد ، مثبت بلا إشكال .
ومنها : أ نّه مع بنائه على جريان أصالة عدم وقوعه على الشيء الملحوظ فيه الوصف المفقود ، لا وجه للنظر فيه معلّلاً : بأنّ الشرط ليس شيئاً مستقلاًّ حتّى يدفع بالأصل .
فإنّه لا إشكال في حصول قيد في العقد المبنيّ على الصفات المشاهدة ، وإن لم يكن موجوداً مستقلاًّ في ضمن العقد ، لكن بعد جريان الأصل المذكور ، يكون مجرى الأصل عدم وقوع العقد الكذائي ، فلا ينبغي الفرق بين الشرط المستقلّ وغيره .
ص: 507
ومنها : أ نّه بعد نفي الشرط المستقلّ في العقد ، بنى على كون الوصف قيداً في المعقود عليه ، مع أنّ مقابل استقلال الشرط في العقد ، عدم استقلاله فيه ، فسلب استقلاله لا ينتج كونه قيداً في المعقود عليه ؛ لإمكان كونه شرطاً غير مستقلّ في العقد ، لا قيداً في المعقود عليه .
ومنها : أنّ ابتناء المسألة على ما ذكره ، غير وجيه على مبناه في جريان الأصل ؛ لأ نّه مع القول : برجوع القيد إلى المعقود عليه ، يمكن إجراء أصالة عدم القيد المذكور ، أو أصالة عدم تقيّد المعقود عليه ، أو أصالة عدم وقوع العقد على المعقود عليه مع القيد الملحوظ ، أو أصالة عدم كون الوصف مبنيّاً عليه ، فتكون الاُصول مع البائع .
وهذه الاُصول وإن كانت غير أصيلة عندنا ، لكن اتّكل هو على نظائرها ، فما الفرق بين أصالة عدم وقوع العقد على الشيء الملحوظ فيه الوصف المفقود ؛ لجعل الأصل مع البائع ، وبين أصالة عدم وقوع العقد على المعقود عليه ، المتقيّد بالوصف المفقود ؛ لذلك ؟ !
ودعوى : لزوم الاستقلال في جريان الأصل غير مسموعة ، بل كلّ قيد اعتباري أو ملحوظ يكون موضوع الأثر ، تجري أصالة عدمه لرفعه ، فالتفصيل المذكور غير ظاهر .
ومنها : أنّ أصالة عدم وقوع العقد على ما ينطبق على الشيء الموجود ، لو أراد بها ما هي ظاهرة فيه ، أو موهمة له ؛ من وقوع العقد على عنوان متقيّد ؛ بحيث لا ينطبق على الخارج ، ولا يكون للمعقود عليه تحقّق ، ولازمه البطلان ؛ لعدم وجود ركن المعاملة ، يرد عليه : - مضافاً إلى أنّ الانطباق واللا انطباق شأن
ص: 508
الكلّيات ، والكلام في الجزئي الخارجي المشاهد - أنّ أصالة عدم وقوعه على العنوان ، لا يثبت عدم وقوعه على المعنون إلاّ بالأصل المثبت ، والنزاع إنّما هو في المعنون الخارجي .
مضافاً إلى أنّ النزاع إذا وقع في الصحّة وعدمها ، تكون أصالة الصحّة مقدّمة على الاُصول المذكورة ، بناءً على جريانها في مثل ذلك .
لكن الظاهر عدم إرادته ذلك ، بل أراد بها ، أصالة عدم وقوع العقد على المعقود عليه ، المتقيّد بالوصف الموجود ، فلا يكون المشتري ملزماً بالوفاء .
وفيه : أنّ أصالة عدم وقوع العقد الكذائي بنحو السلب المطلق ، أو السالبة بانتفاء الموضوع، لا يثبت عدم وجوب الوفاء بالعقد الخاصّ إلاّ بالأصل المثبت، والعدم بنحو الرابط ليس مسبوقاً باليقين، وبالجملة يرد عليه الإشكال المشترك(1).
ومنها : أنّ ما أورد على أصالة عدم وقوع العقد على العين ، المقيّدة بالوصف المفقود ؛ لإثبات وقوع العقد على العين غير المقيّدة ، وكذا ما أورد عليها بعد قوله : وعلى الثاني - من أ نّه لا يلزم من عدم تعلّقه بذاك تعلّقه بهذا ، حتّى يلزم
على المشتري الوفاء به ؛ فإنّ نفي أحد الضدّين بالأصل ، لا يثبت الضدّ الآخر - وارد على الاُصول التي تمسّك بها ؛ أي أصالة عدم وقوع العقد على ما ينطبق على الشيء الموجود ، لنفي لزوم العقد ، أو لزوم الوفاء به على المشتري .
وأصالة عدم وقوع العقد والتراضي على الشيء المطلق ؛ بحيث يشمل الموصوف بالوصف الموجود ، لنفي لزوم الوفاء به .
ص: 509
وكذا أصالة عدم وقوع العقد على الشيء الموصوف بالوصف الموجود ؛ لنفي ما ذكر .
وبالجملة : الاُصول المستعملة في نقيض وقوع العقد ؛ لإثبات نفي لزوم العقد ، أو لزوم وفاء المشتري بالعقد ؛ لأنّ اللازم في إثبات نفي لزوم الوفاء بالعقد الواقع ، إثبات أنّ العقد وقع على ما لا ينطبق على الوصف الموجود ، وإثبات ذلك بأصالة عدم وقوعه على ما ينطبق ، غير جائز .
مضافاً إلى أنّ نقيض وقوع العقد على الشيء الخاصّ بخصوصيته ، رفعه الذي هو أعمّ من رفع الخصوصية ، ومن رفع أصل العقد .
وفي المقام : نقيض وقوع العقد على ما ينطبق على الشيء الموجود ، هو رفعه الأعمّ من رفع العقد ، وبعبارة اُخرى : هو الرفع المطلق الصادق على رفع العقد ، وعلى رفع الشيء ، وعلى رفع الخصوصية ، واستصحاب المطلق لإثبات قسم منه مثبت ، نظير استصحاب الحيوان الكلّي لإثبات فرد منه ، إذا علم انحصاره بالفرد ، فكما أنّ استصحاب الأمر الوجودي المطلق أو الكلّي ؛ لإثبات قسم منه مثبت ، كذلك استصحاب الأمر العدمي المطلق ؛ لإثبات قسم منه ، كاستصحاب الأعدام المطلقة المذكورة ؛ لإثبات عدم وجوب الوفاء بالعقد الواقع بين المتعاملين .
فلو صحّ استصحاب عدم وقوع العقد على ما ينطبق على الشيء الموجود ؛ لنفي لزوم الوفاء به ، صحّ استصحاب عدم وقوع العقد على الشيء بالوصف المفقود؛ لنفي الخيار، لولم يكن الثاني أهون، لكنّهما غير جاريين كما مرّ مراراً(1).
ص: 510
ومنها قوله : وعلى الثاني يرجع النزاع إلى وقوع العقد والتراضي على الشيء المطلق ؛ بحيث يشمل الوصف الموجود، غير متّضح المراد :
فإن أراد ما هو ظاهره ، فلا إشكال في عدم رجوع نزاعهما إليه ؛ لأنّ النزاع بعد التسالم على كون العقد مبنيّاً على وصف خاصّ ملحوظ ، إنّما هو في تغيّر الوصف المشاهد وعدمه ، وهو راجع - مع الغضّ عمّا سلف في أوّل البحث(1) - إلى كون الملحوظ هذا الوصف الموجود ، أو وصفاً آخر صار مفقوداً ، لا في وقوع العقد على المطلق وعدمه ، وهو واضح .
مضافاً إلى أنّ استصحاب نفي العقد على المطلق ؛ لإثبات نفي الخاصّ مثبت .
وإن أراد بالمطلق ما لم يقيّد بالقيد المفقود ، وإن كان مقيّداً بالموجود ، ومراده منه استصحاب عدم تعلّق العقد بالوصف الموجود ، فمع ما في تعبيره ب- «المطلق» يرد عليه ما تقدّم(2) .
ثمّ قال رحمه الله عليه : وبما ذكرنا ظهر فساد التمسّك بأصالة اللزوم ؛ لأنّ الشكّ فيه من حيث الشكّ في متعلّق العقد ، فأصالة عدم تعلّقه بهذا الموجود ، وارد على أصالة اللزوم(3) .
ثمّ أورد على أصالة عدم تعلّقه بالوصف المفقود : بأنّ أصل عدم تقييد العقد
ص: 511
بالوصف المفقود ، وأخذه فيه ، نافع غير جارٍ ؛ لعدم الحالة السابقة ، وعدم وقوعه على الموصوف ، جارٍ غير نافع ، نظير الشكّ في كون الماء المخلوق دفعة كرّاً ؛ فإنّ أصالة عدم كرّيته غير جارية ، وأصالة عدم وجود الكرّ غير نافعة(1) .
أقول يرد عليه : مضافاً إلى ما مرّ ؛ من أنّ أصالة عدم تعلّق العقد بهذا الموجود - على نعت السلب المطلق ، الصادق مع انتفاء الموضوع - جارية غير نافعة ، وأصالة عدم تعلّق العقد المتحقّق به غير جارية ؛ لعدم الحالة السابقة(2) .
وبالجملة : يرد على جلّ الاُصول المتقدّمة ، ما يرد على الاستصحاب في الماء المخلوق دفعة لو شكّ في كرّيته .
ومضافاً إلى أنّ أصالة اللزوم بهذا العنوان ، ليست أصلاً بوجه ، بل هي أمر منتزع من العمومات التي اُستفيد منها اللزوم ، أو من استصحاب بقاء العقد إلى ما بعد الفسخ المنقّح لموضوع دليل وجوب الوفاء .
أنّ الشكّ في لزوم العقد المقابل للجواز - أي كونه خيارياً - ناشئ عن الشكّ في تحقّق سبب الخيار ؛ أي تخلّف الوصف أو الشرط الضمني ؛ ضرورة أنّ ما يتصوّر هنا من الخيار هو ذلك ، وتعلّق العقد بهذا الموجود ، لا يثبت اللزوم بلا وسط ، ولا يكون موضوعاً للّزوم بنفسه .
بل ثبوت اللزوم به ؛ بواسطة الكشف عن أنّ العقد ، لم يتعلّق بالوصف المفقود ، ولازمه عدم تخلّف الوصف .
ص: 512
وبالجملة : إنّ الشكّ في أنّ العقد لازم أم لا ، مسبّب عن الشكّ في سبب الخيار ؛ أي تخلّف الوصف ، والشكّ في تخلّفه وعدمه مسبّب عن الشكّ في تعلّقه بالموصوف بهذا الوصف الموجود ، أو بوصف آخر مفقود ، وتعلّقه بالموصوف بهذا الموجود ، لازمه العقلي عدم تخلّف الشرط أو الوصف ، هذا في طرف الثبوت والتعلّق .
وأمّا في جانب النفي ؛ أي عدم تعلّق العقد بالموصوف بهذا الوصف الموجود ، الذي هو مورد البحث ، فلازمه التعلّق بالموصوف بوصف آخر ؛ للعلم الإجمالي بأ نّه إمّا تعلّق بهذا ، أو بذاك ، ولازمه العقلي تخلّف الوصف ؛ للعلم بأنّ المتعلّق صار مفقوداً ، والخيار حكم متعلّق بتخلّف الوصف ، فاستصحاب عدم التعلّق بهذا لإثبات التعلّق بغيره وإثبات التخلّف لأجل فقده مثبت .
وتوهّم : أنّ أصالة عدم تعلّقه بالموصوف بالوصف الموجود ، نافية لموضوع الحكم(1) .
فاسد ؛ لما عرفت من أنّ التعلّق بهذا ، ليس موضوع اللزوم المقابل للخيار ، بل كاشف عن الموضوع بواسطة ، لو لم نقل بواسطتين .
وممّا ذكرناه ، يظهر حال وروده على استصحاب بقاء العقد إلى ما بعد الفسخ ، الذي هو المراد من «أصالة اللزوم»؛ فإنّ الشكّ في بقائه ، ناشئ عن الشكّ في تأثير الفسخ ، وهو ناشئ عن الشكّ في كون العقد خيارياً ، وأصالة عدم تعلّق العقد بالموصوف بالوصف الموجود ، لا تصلح لرفع الشكّ الذي هو موضوع
ص: 513
للأصل المذكور ؛ لما عرفت آنفاً .
فأصالة بقاء العقد ، أصل بلا معارض ، منقّح لموضوع الأدلّة العامّة ، فالقول قول البائع .
وأمّا ما أفاده قدّس سرّه بعد ذلك : من عدم جواز التمسّك بأدلّة حرمة أكل المال (إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ)(1) وعدم حلّ مال امرئ مسلم إلاّ بطيب نفسه(2) و«الناس مسلّطون على أموالهم»(3) للزوم العقد ؛ لأ نّها مخصّصة بأدلّة الخيار ، وقد خرج عنها المال الذي لم يدفع عوضه - الذي وقعت المعاوضة عليه - إلى المشتري ، فإذا شكّ في ذلك فالأصل عدم دفعه .
وهذا هو الذي تقدّم من أصالة عدم وصول حقّ المشتري إليه ، وبها يثبت موضوع خيار التخلّف(4) .
ففيه مواقع للنظر :
منها : أنّ التخصيص بأدلّة الخيار ، إنّما وقع على لزوم العقد المستفاد من الأدلّة المذكورة بلوازمها ، أو لوازم لوازمها ؛ فإنّ لازم عدم حلّية تملّك المال
ص: 514
بالفسخ ، عدم سببية الفسخ لحلّ العقد ، ولازم ذلك لزوم العقد ، ودليل الخيار يخصّص لزوم العقد - سواء في الخيارات المجعولة شرعاً ، كخيار المجلس ، والحيوان ، أو الخيارات العقلائية كما نحن فيه - ولازم تخصيصه سببية الفسخ لحلّ العقد ، ولازم ذلك حلّية تملّك المال بالفسخ ، فلازم لازم تخصيص لزوم العقد بالخيار ، تخصيص لا يحلّ تملّك مال الغير ، بالنسبة إلى المال الذي كان العقد عليه خيارياً .
فأصالة عدم دفع العوض ، لا تصلح لتنقيح موضوع المخصّص ، ومع عدم ثبوت المخصّص ، يبقى العامّ على عمومه ، ومعه لا يثبت خيار التخلّف ، فالأصل المذكور غير صالح لإثبات الخيار .
وإن شئت قلت : إنّ العموم مع عدم تنقيح موضوع المخصّص ، حاكم على أصالة عدم الخيار ، فضلاً عن أصالة عدم دفع العوض ، اللازم منها عدم الخيار ، فتدبّر وتأمّل .
ومنها : أنّ الشكّ ليس في دفع العوض ، إلاّ إذا كان التقييد بنحو يجعل المتقيّد ، مبايناً للمطلق ولمقيّد آخر ، ومعه يكون البيع مردّداً بين الباطل والصحيح ، وخيارية البيع إنّما هي بعد الفراغ عن الصحّة ، فلا معنى لتخصيص أدلّة الخيار على هذا الفرض ، أو كان الوصف جزء العوض ، فيكون الخيار خيار التبعّض ، لا تخلّف الوصف .
مع أنّ المفروض أنّ الخيار لتخلّف الوصف ؛ ضرورة أ نّه مع إسقاط الخيار ، يصحّ البيع ، ولا يقسّط الثمن ، فلا محالة يكون العوض هو الذات ، والوصف أمر خارج عن العوضية ، فحينئذٍ لا شكّ في وصول العوض إليه ، وإنّما الشكّ في
ص: 515
اعتبار أمر زائد يوجب الخيار ، ولا أصل لإثباته ، كما تقدّم منه رحمه الله عليه (1) .
ومع الغضّ عنه ، فالأمر دائر بين المقطوع وصوله ، والمقطوع عدمه ؛ للتردّد بين وقوع العقد على الموصوف بالموجود ، أو بالمفقود ، واستصحاب عدم وصول العوض الجامع بينهما ، ليس موضوعاً للأثر بنفسه ، وإثبات القسم المؤثّر باستصحابه مثبت .
مضافاً إلى أنّ أصالة عدم دفع العوض ، إنّما تجري فيما إذا كان العوض بعد البيع بيد البائع ، فلو وقع البيع معاطاة ، أو كان العوض قبل العقد بيد المشتري ، لا يجري الأصل المذكور .
ومنها : أنّ عدم دفع العوض ، ليس موضوعاً لثبوت الخيار ، وإنّما موضوعه تخلّف الوصف الذي وقع عليه العقد، سواء دفع البائع العوض إلى المشتري أم لا.
فالخيار ثابت للمشتري ، بمجرّد وقوع العقد مبنيّاً على وصف ، لم يكن الشيء موصوفاً به ، فعدم دفعه لا يثبت تخلّف الوصف - الذي هو موضوع ثبوت الخيار - إلاّ بالأصل المثبت .
ومنها : أنّ أصالة عدم وصول العوض ، غير أصالة عدم وصول الحقّ ؛ فإنّ الحقّ أعمّ من العوض ، والأمر سهل بعد عدم جريان شيء منهما .
وممّا ذكرناه يظهر : أنّ موضوع الخيار ، ليس ما أفاده الشيخ قدّس سرّه بعبارات مختلفة ، كقوله : المال الذي لم يدفع عوضه - الذي وقعت المعاوضة عليه - إلى المشتري(2) .
ص: 516
وقوله : عدم كون العين الخارجية منطبقة على ما وقع عليه العقد(1) .
وقوله : عدم وفاء البائع بالعقد بدفع العنوان الذي وقع العقد عليه إلى المشتري(2) .
لما عرفت : من أنّ تمام الموضوع للخيار العقلائي في المقام ، تخلّف الوصف الذي كان العقد مبنيّاً عليه ، أو فقدان الوصف الكذائي ، من غير دخالة لدفع العوض وعدمه ، ولا للعناوين المذكورة ، إلاّ أن ترجع إلى ما ذكرناه ، ومعه لا يمكن أن يحرز بشيء منها موضوع الخيار ؛ أي تخلّف الوصف المبنيّ عليه العقد .
وكذا يظهر : أنّ موضوعه ، ليس المال الذي وقعت المعاوضة بينه وبين ما لا ينطبق على المدفوع .
وبالجملة : إنّ الاُصول المذكورة بين ما لا تجري ، وبين ما لا تفيد ، فالاُصول المتقدّمة - أي أصالة بقاء العقد بعد الفسخ ، وأصالة بقاء سلطنة البائع على الثمن ، وأصالة كون الثمن ماله - جارية ، وهي محرزة لموضوع الأدلّة العامّة ، ولا دافع لها .
وممّا مرّ مراراً (3) ، ظهر عدم صحّ-ة أصالة عدم التزام المشتري بتملّك
هذا الموجود ، حتّ-ى يجب الوفاء بما التزم ، كما عن العلاّمة قدّس سرّه (4) ، وقد صحّحها
ص: 517
الشيخ قدّس سرّه (1) ؛ ضرورة أنّ عدم الالتزام الخاصّ في البيع ، غير مسبوق بالعلم ، واستصحاب العدم المطلق ، أو بانتفاء الموضوع ؛ لإثبات الخاصّ مثبت .
مع أ نّه على فرض جريان الخاصّ ، لا يكون عدم التزام المشتري بتملّكه نافياً لموضوع ذي حكم ؛ لأنّ وجوب الوفاء ثابت للعقد ، لا للقبول والتزام التملّك ، ونفيه لنفي العقد الواقع على الموجود مثبت .
وأمّا أصالة عدم التغيّر ، فإن كانت من الاُصول العقلائية ، كما صرّح به في صدر المبحث(2) ، فلوازمها حجّة ، فتكون حاكمة على الاُصول المتقدّمة ، لكنّ الظاهر رجوعه عمّا التزم به أوّلاً ، ويظهر من كلماته أ نّها أصل شرعي(3) .
ودعوى : أ نّها أصل عقلائي تعبّدي ، لا حجّية لمثبتاته ، نظير الاستصحاب الشرعي ، عهدتها على مدّعيها ، وفي كلماته في المقام بعض الأنظار ، لا داعي للتعرّض لها ، هذا كلّه في دعوى المشتري التغيّر الموجب للخيار .
ومنه يتّضح حال دعوى البائع التغيّر الموجب لخياره ؛ فإنّه مدّعٍ ، والمشتري منكر ؛ للصدق العرفي الذي هو الميزان في الباب .
ص: 518
وإرجاع دعوى التغيّر إلى دعاوٍ اُخر تجعل المدّعي منكراً ، قد عرفت فساده(1) .
ولأنّ البائع لو ترك تُرك ؛ ضرورة أ نّه المهاجم ، ولأنّ أصالة بقاء العقد وسائر الاُصول المعتبرة المتقدّمة ، مع المشتري ، ومخالفة للبائع .
وقد عرفت : حال أصالة عدم وقوع العقد على هذا الموجود(2) ، فلا نطيل .
والإنصاف : أنّ الوجه في تقديم قول المشتري في هذه الصورة وجيه ، ولم يتّضح وجه معتدّ به لتقديم قوله في الصورة السابقة .
لو اختلفا في تقدّم التغيّر على البيع حتّى يثبت الخيار ، وتأخّره عنه على وجه لا يوجب الخيار ، فيحتمل أن يكون من موارد التداعي ؛ فإنّ كلّ واحد منهما ادّعى أمراً ، وأنكره صاحبه .
ويحتمل أن يكون المدّعي من أراد إثبات الخيار .
ومنشأ الاحتمالين : أنّ الميزان في تشخيص المدّعي والمنكر ، هل هو ظاهر طرح الدعوى والجمود عليه ، فيقال في المقام : إنّ كلّ واحد ادّعى أمراً ثبوتياً ، كان صاحبه منكراً له ؟
ص: 519
أو أنّ المدّعي هو المهاجم ، والمنكر هو المدافع ، غاية الأمر قد يدافع عن هجمته بإنكار ما ادّعاه ، وقد يدافع عنها بدعوى ضدّه ، لا لأجل أنّ الضدّ مقصود بالذات ، بل لأجل أنّ المقصود - وهو دفع المهاجم - يحصل بها أيضاً ، ففي المقام المدّعي بنظر العرف ، هو من أراد إثبات الخيار لنفسه ؟
وكيف كان : لا أصل لإثبات تقدّم شيء منهما على الآخر .
أمّا أصالة عدم تقدّم هذا على صاحبه وبالعكس ؛ فلعدم الحالة السابقة على فرضٍ ، والمثبتية على آخر .
وأمّا أصالة عدم وقوع العقد إلى زمان الهزال مثلاً ، وأصالة عدم الهزال أو بقاء السمن إلى زمان العقد ؛ فلأ نّهما لا تصلحان لإثبات موضوع الخيار - وهو تخلّف الوصف - ونفيه ، ولا فرق بين كونهما مجهولي التأريخ ، وبين كون أحدهما كذلك .
وما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه وغيره : من أنّ الأصلين متعارضان(1) غير مرضيّ ؛ لأنّ التعارض فرع حجّية الأصل في ذاته ، وما لا حجّية له ، خارج عن موضوع التعارض ، كما أنّ الأمر كذلك في تعارض الأمارات والأخبار .
فبعد عدم جريان الاُصول المذكورة ، يكون المرجع هو أصالة بقاء العقد إلى ما بعد الفسخ ، لا أصالة عدم وصول حقّ المشتري ، كما مرّ في الفرع السابق(2) .
ومنه يظهر الكلام فيما إذا اختلفا ، وأراد البائع إثبات الخيار لنفسه .
ص: 520
ولو اختلفا في أنّ التغيّر وقع قبل القبض ليثبت الخيار أو بعده ، بعد الاتّفاق على عدم التغيّر حال العقد ، فإن قلنا : بأنّ التغيّر قبل القبض موضوع للخيار ، والتغيّر بعده لسلبه - وبعبارة اُخرى : إنّ هنا موضوعين وجوديين ؛ التغيّر قبل القبض ، والتغيّر بعده ، ولكلّ حكم - فلا أصل لإحراز الموضوع كما هو واضح .
وإن قلنا : بأنّ موضوع الخيار التغيّر قبل القبض ، وليس حكم آخر متعلّقاً بموضوع وجودي آخر ، بل يكفي في سلب الخيار ، سلب التغيّر قبل القبض ، فاستصحاب عدم تغيّره قبل القبض جارٍ ؛ لأنّ المفروض أنّ المبيع حال تعلّق العقد به ، لم يكن متغيّراً ، فعلم بأ نّه مبيع لم يكن متغيّراً قبل القبض ، فاستصحاب هذا العنوان ، رافع لموضوع الخيار .
وأمّا التغيّر قبل القبض ، فلا أصل لإثباته ، فالأصل مع منكر التغيّر قبل القبض .
ومنه يعلم الحال في اختلافهما في تلف المبيع قبل القبض ، بعد اتّفاقهما على وجوده حال البيع ، فإنّه بعد البيع يكون عدم التلف قبل القبض متيقّناً ، فيستصحب إلى حال القبض ، فيقال : «إنّ هذا المبيع لم يتلف قبل القبض» وهو كافٍ في نفي الضمان عن البائع .
وليس حكم آخر متعلّقاً بتلفه بعد القبض ، حتّى لا يصحّ إثباته بالأصل ؛ فإنّ التلف بعد القبض والتغيّر بعده بعنوانهما ، ليسا موضوعاً لحكم ؛ لأنّ تلف مال كلّ شخص من كيسه ، حكم عقلائي وشرعي ، متعلّق بجميع أموال الناس ، لا بالمبيع بعد القبض .
ص: 521
ولو كانت العين مقبوضة بيد المشتري فوقع البيع ، ثمّ وجدت تالفة ، واختلفا في تقدّم التلف على البيع ، وتأخّره عنه ، فالاُصول الموضوعية غير جارية ، أو غير نافعة ، فالأصل بقاء ملك المشتري على الثمن .
وقد علّل الشيخ الأعظم قدّس سرّه هذا الأصل : بأصالة عدم تأثير البيع(1) .
وفي جريانها وكونها علّة للأصل المذكور نظر :
أمّا في جريانها ؛ فلأ نّه فرع إحراز أصل البيع ، وهو مشكوك فيه ؛ للدوران بين كون المنشأ بيعاً أو غير بيع ، لتقوّمه بالمبادلة بين المالين ، إلاّ أن ترجع إلى أصالة عدم تأثير الإنشاء ؛ للشكّ في كونه لغواً أو مؤثّراً .
فيرد عليها ما أوردنا على الاُصول المتقدّمة : من أنّ النفي عن الموضوع المحقّق غير مسبوق باليقين ، والنفي الأعمّ لإثبات الخاصّ مثبت(2) .
وأمّا أصالة عدم تأثير الإيجاب ، فهي وإن كانت لها حالة سابقة ؛ لأنّ تأثيره موقوف على تحقّق القبول ، إلاّ أنّ الإيجاب ليس مؤثّراً في النقل على مبناهم ؛ من كون العقد مركّباً من الإيجاب والقبول(3) ، والمؤثّر الفعلي هو المركّب ، وكلّ واحد من الأجزاء ليس مؤثّراً ، حتّى بعد وقوع القبول .
فعدم التأثير متيقّن مطلقاً ، وإثبات عدم تأثير العقد باستصحاب عدم تأثير
ص: 522
الإيجاب ، غير صحيح ، إلاّ على القول بالأصل المثبت .
وأمّا على ما قرّرناه ؛ من كون تمام ماهية البيع هو المنشأ بالإيجاب(1) ، فأصالة عدم تأثير البيع غير جارية ؛ للشكّ في تحقّق البيع ، لما عرفت من أنّ الأمر دائر بين مبادلة مال بمال وعدمها .
وأمّا أصالة عدم تأثير الإنشاء ، فلا مانع منها من هذه الجهة ؛ لأنّ القبول - على هذا المسلك - من شروط تأثير الإيجاب ، لا من مقوّمات البيع ، نظير الإجازة في الفضولي ، لكن سلب الأثر بسلب المؤثّر عقلي ، والأصل لا يثبته .
وأمّا في كونها علّة للأصل المذكور ؛ فلأنّ أصالة عدم تأثير البيع ، إن كانت حاكمة على أصالة بقاء ملك المشتري على الثمن؛ لأنّ الشكّ فيه مسبّب عن الشكّ في التأثير - وقد قرّروا تقدّم الأصل السببي على المسبّبي مطلقاً (2) - فحينئذٍ لا مجال لعلّية جريان الأصل السببي للمسبّبي ، بل هو علّة لعدم جريان المسبّبي .
وإن لم تكن حاكمة فلا وجه للتعليل ، ولعلّ لفظة «الواو» سقطت من النسخة ، فعليه إجراء الأصل المسبّبي في عرض السببي ، غير صحيح .
وأمّا التمسّك بأصالة الصحّة ، وتقديمها على الأصل المتقدّم(3) ، ففي غير محلّه ، كما نبّه عليه الأعلام ؛ من أنّ محطّها ما إذا شكّ في صحّة شيء وفساده ،
ص: 523
بعد الفراغ عن وجوده(1) ، لا مثل المقام ، ولا مثل احتمال البيع بلا ثمن ، فهو نظير الشكّ في أنّ ألفاظ البيع صدرت من المجنون غير المميّز حال جنونه ، أو حال إفاقته .
وبالجملة : كلّ مورد شكّ في تحقّق عنوان «البيع» وعدم تحقّقه ، أو دار الأمر بين وجود بيع صحيح ، وبين شيء لا ينطبق عليه عنوان «البيع» لا مجرى فيه لأصالة الصحّة .
نعم ، لمّا كانت أسماء المعاملات مطلقاً - بيعاً كانت ، أو نكاحاً ، أو غيرهما - موضوعة عرفاً للأعمّ من الصحيح والفاسد ، فإذا تردّدت بعد إحراز وجودها بينهما ، تحمل على الصحّة ، سواء كان الشكّ لأجل بعض ما يعتبر فيها شرعاً أو عرفاً ، كما قد يتّفق ولا سيّما في باب النكاح .
بل قد يتّفق في البيع والإجارة ، كما إذا كان أحد العوضين مجهولاً من غير جهة المالية ، مثل بيع ما في الصندوق ، المعلوم كونه مالاً في الجملة ، المجهول من غير هذه الجهة ، وكذا في الإجارة .
وفي المزارعة والمضاربة والشركة والتقسيم ونحوها ، شرائط عرفية ، ربّما يشكّ في صحّتها ؛ للشكّ في مراعاة الشرائط .
ثمّ إنّ هذا البناء العملي العقلائي ، جارٍ في جميع النحل والملل ، مع اعتبار شرائط في العبادات والمعاملات من قبل الشرائع ، ولا يعتني العقلاء - مع تديّنهم بتلك الشرائع - بالشكوك الحاصلة في صحّ-ة العبادات والمعاملات ، لا لأمر
ص: 524
ورد في الشرائع لذلك ، بل لارتكازهم العقلائي ، وهذا أمر واضح ، لا يحتاج إلى تجشّم .
ثمّ إنّ بعض أهل التدقيق قدّس سرّه ، لمّا زعم أ نّه لا جامع بين الفاسد والصحيح في المعاملات العرفية ، ذهب إلى أنّ الجامع بينهما عرفاً ، إنّما هو الإنشاء الذي كان في موقع البيع . فإذا وجد إنشاء من العاقل الشاعر ، الذي يريد المعاملة ، المقصود منها غرض خاصّ ، يحكم بصحّته ، سواء اُحرزت العناوين المنشأة منه أم لا(1) .
وأنت خبير بما فيه ؛ ضرورة أنّ الإنشاءات سواء كانت بالألفاظ أو بالأعمال - مثل المعاملات معاطاة - غير ملحوظة في محيط العقلاء والعرف ، وإنّما المنظور إليه هو نفس المعاملات ؛ أي المسبّبات ، وهي التي تحمل على الصحيح عند العقلاء ، لا ما هي آلة غير منظور إليها إلاّ بنظر ثانوي ، وما أفاده رحمه الله عليه ، أمر لا يعرف في غير المحافل العلمية .
والقول : بأن ليس للمسبّبات صحّة وفساد ، بل أمرها دائر بين الوجود والعدم(2) مزيّف ؛ فإنّ المسبّبات هي المنشآت بالأسباب ، ترتّبت عليها الآثار أم لا ، كبيع الفضولي الذي لا يترتّب عليه الأثر ، فهو باطل بالفعل ، وصحيح بعد الإجازة .
وكيف كان : لا تجري هنا أصالة الصحّة ؛ لما ذكر ، لا لما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه (3) ، فتدبّر .
وفي كلامه بعض الأنظار تركناه ، والأمر سهل .
ص: 525
قالوا : لا بدّ من اختبار الطعم ونحوه من الأوصاف التي تختلف القيمة باختلافها (1) ، والأصل فيه حديث النهي عن الغرر(2) .
قال الشيخ الأعظم قدّس سرّه : لا فرق في توقّف رفع الغرر على العلم ، بين هذه الأوصاف ، وبين تقدير العوضين بالكيل ، والوزن ، والعدّ(3) .
أقول : يمكن إبداء الفرق بين الأوصاف التي هي من قبيل الكيفيات ، وبين التي من قبيل الكمّيات المتّصلة والمنفصلة ؛ بدعوى شمول النهي عن الغرر للكمّيات ، دون الكيفيات .
بأن يقال : إنّ الظاهر من النهي عن بيع الغرر ، هو ما كان الغرر في نفس ما تقع
ص: 526
المبادلة عليه ؛ أي ذات الثمن ، وذات المبيع ؛ أي ما يقع بإزائه الثمن ، فالأوصاف التي هي من قبيل الكيفيات ، لمّا لم تكن دخيلة في التبادل ، خرجت عن ماهية المبيع بما هو مبيع ، وعن ماهية البيع .
بخلاف ما هي من قبيل الكمّيات ؛ فإنّ الزيادة والنقيصة ، توجب الزيادة والنقيصة في ذات المبيع ، ولهذا يبطل البيع في مقدار التخلّف في الكمّ ، ولا يبطل بالتخلّف في الكيف ، بل يثبت الخيار أحياناً .
وإن شئت قلت : إنّ الجهل قد يتعلّق بذات المبيع ، مع العلم بصفاته وقيمته ، كما لو علم أنّ في البيت حيواناً بأوصاف كذائية ، وقيمته كذا ، لكن تردّد بين الفرس والبغل ، أو تردّد ما في الصندوق بين ياقوتة ودرّة ، مع وحدة وصفهما وقيمتهما .
وقد يتعلّق بكمّيته المتّصلة أو المنفصلة .
وقد يتعلّق بكيفيته ، كالطعم ، والرائحة ، واللون ، ونحوها ، مع وحدة القيمة ، ومنه ما إذا تعلّق بأثره المترتّب عليه .
وقد يتعلّق بقيمته مع العلم بسائر جهاته .
والأوصاف التي من قبيل الكيفيات ، قد تكون متعلّقة للرغبات العقلائية ، وقد لا تكون كذلك .
والظاهر من المحقّقين ، جريان الغرر في الجهل بذات المبيع وكيله وسائر كمّياته ، وبالأوصاف المرغوب فيها اللازم منه اختلاف القيمة باختلافها . وأمّا الجهل بسائر الأوصاف ، وكذا الجهل بالقيمة ، فلا يجري فيه الغرر .
ولعلّ الجهل بالأثر ملحق بما يجري فيه .
ص: 527
فيقال : إن كان المستند في ذلك ، حديث النهي عن الغرر ، ففيه كلام وإشكال ؛ لأ نّه إن قلنا : بأنّ النهي متوجّه إلى الغرر في ذات المتبادلين ؛ أي الثمن والمبيع بما هما محطّ التبادل ، فلا يجري إلاّ في الجهل بنفس الذات ، أو بها وبالأعراض التي هي من قبيل الكمّيات المتّصلة أو المنفصلة ؛ لأنّ الجهل بهما أيضاً جهل بذات المبيع .
فالأوصاف التي هي من قبيل الكيفيات ، وكذا الآثار والقيم ، خارجة منها ، فلا وجه لإلحاق بعض ، وعدم إلحاق بعض .
وإن قلنا : بأنّ الجهل بالعوضين - سواء كان الجهل في محطّ التبادل أم لا - موجب للغرر ، فلا وجه للتفصيل بين الأوصاف التي تختلف القيمة باختلافها وغيرها ، بل لا بدّ من العلم بالقيمة أيضاً ؛ فإنّها وإن لم تكن من الأوصاف الواقعية ، لكنّها من الأوصاف الاعتبارية ، التي هي مورد أغراض العقلاء ، ولا سيّما في التجارات .
والقول : بانصراف الحديث عن الأوصاف التي هي ليست مورد الرغبات ، وعن القيم ؛ لأ نّها غير ملحوظة في البيع والتبادل ، وإن كانت الأغراض متعلّقة بإحرازها لا يخلو من إشكال ، وإن لم يخل من وجه ، ولا سيّما في الأوصاف المغفول عنها في المعاملة ، وغير منظور إليها .
وبالجملة : المسألة مبتنية على الاستظهار من قوله عليه السلام : «نهى النبي صلي الله عليه و آله وسلم عن بيع الغرر»(1) فهل الظاهر منه النهي عن بيع فيه الغرر ؟
ص: 528
أو عن بيع في مبيعه الغرر ؛ بحيث يكون العنوان دخيلاً ومأخوذاً فيه ؟
ويلحق به احتمال كون المصدر بمعنى المفعول ، فالمعنى : نهى النبي صلي الله عليه و آله وسلم
عن بيع المجهول ؛ فإنّ الظاهر منه أنّ المبادلة تعلّقت بالمجهول ، فالمعلوم من حيث المبادلة ، خارج عنه ، وإن كان مجهولاً من جهة بعض أوصاف خارجة عنها ، فتأمّل .
أو عن بيع يكون الغرر في متعلّقه ؛ بحيث يكون المراد به ، نفس الأعيان التي وقعت مورد البيع ؟
فعلى الأوّل والثاني : تخرج الأوصاف ، والكيفيات ، والآثار ، والمنافع ، والقيم ، وتدخل الذات ، والكمّيات المتّصلة والمنفصلة .
وعلى الثالث : يدخل الجميع ، ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين الأوصاف إلاّ ما هي مغفول عنها .
كما أنّ مقتضاه دخول جميع الأوصاف الخارجية عدا ما ذكر ، والاعتبارية ككونه ذا قيمة كذائية ، ولا سيّما في التجارات التي تتقوّم بالقيم ، وتكون هي المنظور إليها بالذات ، وكذا تدخل المنافع والآثار .
ولا يبعد دعوى ظهوره في أوّل الاحتمالات ؛ لعدم احتياجه إلى تقدير في الكلام ، أو لقلّته ، ثمّ الاحتمال الثاني ، ولا سيّما شقّه الثاني ، فإنّه على فرض
جعل البيع كناية ، لا يصحّ جعله كناية إلاّ عن المبيع بعنوانه ، لا عن ذوات الأشياء ؛ فإنّ كناية عنوان «البيع» عن ذات العناوين التي يقع البيع عليها ، غير صحيحة .
ومع الاحتمال الثاني بشقّيه أيضاً ، تخرج كلّية الأوصاف الخارجة عن
ص: 529
محطّ المبادلة ، وتبقى الذات والكمّيات .
والإنصاف : أنّ تطبيق الحديث على فتوى الأصحاب ، والتفصيل المذكور في كلماتهم ، في غاية الإشكال .
وكذا القول : بدخول الصفات الدخيلة في القيمة ، من غير لزوم العلم بمقدار الدخالة ، وعدم لزوم العلم بأصل القيمة(1) .
وكذا القول : بلزوم العلم بمراتب الصفات ، ولزوم الاختبار لتشخيص المراتب(2) .
فتحصّل من ذلك : أ نّه لو كان المستند الحديث المذكور ، لا يمكن القول بالبطلان فيما عدا الجهالة في الذات والكمّيات ، هذا كلّه إن كان المراد بالغرر الجهالة ، كما بنوا عليه(3) .
ثمّ إنّه يمكن أن يستأنس لبطلان بيع الغرر مع جهالة الأوصاف التي هي مورد رغبة العقلاء - وإن لم تكن من الكمّيات - بجملة من الروايات :
منها : ما في بيع السلف ، كصحيحة الحلبي ، عن أبي عبداللّه عليه السلام : «لا بأس بالسلم في الحيوان ، إذا سمّيت الذي يسلم فيه فوصفته»(4) .
ص: 530
وصحيحة زرارة : «لا بأس بالسلم في الحيوان والمتاع ، إذا وصفت الطول والعرض ، وفي الحيوان إذا وصفت أسنانها»(1) .
بناءً على أنّ وصف الطول والعرض ، كناية عن التوصيف التامّ الرافع للجهالة ؛ بقرينة ذكر الحيوان ، وإرداف المتاع به ، وظهور الشرط في الرجوع إلى كليهما ، وبقرينة كون أكثر الأمتعة لا يطلب فيها الطول والعرض .
وأمّا تكرار الحيوان ، واشتراطه بوصف الأسنان ؛ فلبيان أنّ الوصف لا يختصّ بالظاهر، بل لا بدّ أيضاً من ذكر مثل الأسنان الذي هو من الأوصاف غير الظاهرة.
ورواية سماعة قال : سئل أبو عبداللّه عليه السلام عن السلم في الحيوان .
فقال : «أسنان معلومة وأسنان معدودة إلى أجل مسمّى ، لا بأس به»(2) .
وعن «دعائم الإسلام» عن أبي جعفر عليه السلام قال : «لا بأس بالسلم في المتاع ، إذا وصفت طوله وعرضه وجنسه وكان معلوماً»(3) . . . إلى غير ذلك(4) .
والاستدلال بها لبطلان مطلق البيع ، منوط بإلغاء الخصوصية عرفاً ، وعدم الفرق بين السلم وغيره إلاّ في الأجل ، فاعتبار الأجل المعلوم ، والسنّ المعلوم
ص: 531
والمعدود ، ومعلومية الوصف ؛ لأجل اعتبارها في البيع ، ورفع الجهالة عنه ، لا لخصوصية في السلف ، وإنّما ذكر الشرط فيه ؛ لأنّ المبيع في غير السلف ، يكون غالباً حاضراً مشاهداً .
والإنصاف : أنّ الاستئناس بها لا يخلو من قرب ، وإن لم يخلُ من إشكال أو إشكالات ، ولا سيّما مع ظهور جملة منها وممّا لم نذكرها ، في عدم لزوم الاستقصاء في التوصيف .
ومنها : رواية محمّد بن العيص : عن رجل اشترى ما يذاق ، يذوقه قبل أن يشتري ؟
قال : «نعم ، فليذقه ، ولا يذوقنّ ما لا يشتري»(1) .
بدعوى : أ نّه لو كان بصدد بيان الجواز ، والتفصيل فيه بين مريد الاشتراء وعدمه ، لكان يقتصر على قوله : «نعم» فقوله : «فليذقه» مصدّراً ب- «الفاء» وتعبيره بالأمر ، يدلّ على لزوم الذوق ، وليس ذلك إلاّ لرفع الجهالة .
وليس المراد الذوق بلا إذن المالك ، فإنّه معلوم الحكم ، كما أنّ الذوق مع إذنه لمن يريد الشراء أيضاً كذلك ، فلا محالة يكون المراد الاستفسار عن الحكم الوضعي ، وبإلغاء الخصوصية يتمّ المطلوب ، لولا ضعف السند(2) ، فتأمّل .
ص: 532
ومنها : مرسلة عبد الأعلى بن أعين قال : نبّئت عن أبي جعفر عليه السلام أ نّه كره شراء ما لم تره(1) .
ومرسلة محمّد بن سنان قال : نبّئت عن أبي جعفر عليه السلام أ نّه كره بيعين ، اطرح وخذ(2) على غير تقليب وشراء ما لم تره(3) .
بناءً على أنّ المراد بالكراهة عدم الصحّة ، كما ورد في بعض روايات اعتبار الكيل بلفظ «الكراهة»(4) مع أنّ الجهالة فيه مضرّة بلا إشكال ، فتأمّل .
وبإزائها بعض روايات اُخر ، كرواية جعفر بن عيسى ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : جعلت فداك ، المتاع يباع فيمن يزيد ، فينادي عليه المنادي ، فإذا نادى عليه برئ من كلّ عيب فيه ، فإذا اشتراه المشتري ورضيه ، ولم يبق
ص: 533
إلاّ نقد الثمن ، فربّما زهد ، فإذا زهد فيه ادّعى عيوباً ، وأ نّه لم يعلم بها ، فيقول المنادي : قد برئت منها .
فيقول المشتري : لم أسمع البراءة منها .
أيصدّق فلا يجب عليه الثمن ، أم لا يصدّق فيجب عليه الثمن ؟
فكتب : «عليه الثمن»(1) .
وهي رواية لا تخلو من حسن ، وظاهرها أنّ صحّة البيع مع البراءة من العيوب مسلّمة ، مع أنّ ذلك لا يوجب رفع الغرر والجهالة .
وفي مثل الواقعة ، لا تجري أصالة الصحّة لو قلنا : بجريانها في غيرها ، بناءً على أنّ الاتّكال عليها للوثوق الحاصل من غلبة كون الأشياء على طبائعها الأصلية ، ومع نداء صاحب المتاع بالبراءة من العيب ، لا يحصل الوثوق بخلوّه منه ، لو لم يحصل الظنّ بوجوده فيه .
فلو صحّ البيع مع الجهل بصحّته ، تلزم الصحّة مع الجهل بسائر صفاته ؛ بإلغاء الخصوصية عرفاً ، فإنّ الجهل بالصحّة التي هي مورد لرغبة العقلاء ، وموجبة لاختلاف القيم وجوداً وعدماً ، إذا لم يضرّ بالصحّة ، فالجهل بصفات الكمال مع إحراز الصحّة ، أيضاً كذلك .
وبعبارة اُخرى : إنّ العرف يفهم من هذه الرواية ، أنّ الجهل بالصفات غير مضرّ ، فتكون الرواية موافقة للاحتمال الذي ذكرناه في حديث الغرر ؛ من
ص: 534
كونه مخصوصاً بمحطّ التبادل ، وهو ذات المبيع ، أو مع كمّه المتّصل والمنفصل ، حيث يرجع الجهل بهما إلى الجهل بذات العوض . وأمّ-ا الجهل بسائر الصفات كالصحّ-ة ، وأوصاف الكمال الدخيلة في القيم ، لا في التبادل ، فخارج عن الحديث(1) .
والإنصاف : أنّ المسألة مشكلة ؛ من جهة أنّ رفع اليد عن رواية جعفر بن عيسى ، مع كونها حسنة ظاهراً ، أو القول : باختصاص الحكم فيها بالتبرّي من العيوب ، وتخصيص ما دلّ على بطلان البيع مع الجهالة بها مشكل .
والاقتصار على الجهل بذات المبيع والكمّيات ، والذهاب إلى عدم إضرار الجهل بسائر الأوصاف مطلقاً ، وقصر الروايات المتقدّمة(2) على بيع السلف ، مشكل آخر ، ولا سيّما مع قيام الشهرة على البطلان مع الجهل بتلك الصفات ، التي تختلف القيمة باختلافها ، على ما يظهر من كلماتهم ، وقد عرفت ممّا مرّ أنّ لكلّ من الاحتمالين وجهاً معتدّاً به .
وكيف كان : لو قلنا بجريان الغرر فيها ، وفي كلّ ما هو دخيل في اختلاف الرغبات والقيم ، فموارد الجهل والشكّ كثيرة ، فقد يكون الشكّ في الصحّة والعيب ؛ بحيث يوجب الشكّ في أصل المالية ، أو في معظمها .
وقد يكون الشكّ في الصحّة والعيب ، مع العلم ببقاء معظم المالية .
ص: 535
وقد يكون في صفات الكمال ومراتبها .
وقد يكون في أ نّه من أيّ صنف من أصناف نوع واحد . . . إلى غير ذلك .
ولا إشكال في رفع الغرر والجهل بالاختبار في الجملة .
وأمّا مطلقاً فلا ؛ لأنّ كثيراً ما لا يمكن للمشتري تشخيص صفات الكمال ، مع الاختبار والدقّة ، أو تشخيص أصناف النوع الواحد مع اختلافها في القيم ، كأصناف الشاي المختلفة جدّاً ، والعسل والتمر وغيرها ؛ ممّا يحتاج في تشخيصها إلى أهل الخبرة والبصيرة ، فلا بدّ في مثلها من الرجوع إليهم ، فإن حصل الوثوق من قولهم كفى .
كما أنّ إخبار صاحب المال فيما يصحّ الإخبار به ، رافع له إذا حصل الوثوق به ، لا مطلقاً .
ويمكن الاستدلال عليه بالروايات الواردة في إخبار البائع بالكيل والوزن ، فراجعها (1) .
والتوصيف فيما يمكن أيضاً رافع له ؛ لأجل أ نّه بحكم الإخبار ، بل إخبار في الحقيقة ؛ فإنّ الجمل الناقصة إذا وقعت تلو التامّة - إخباراً كانت أو إنشاءً - تخرج من النقص إلى الكمال المحتمل فيه الصدق والكذب .
فقول البائع : «بعتك هذا الفرس العربي» إخبار بعربيته ، فإن حصل منه الوثوق ، يرفع به الجهالة ، وإلاّ فلا ، فمطلق التوصيف لا يقوم مقام الاختبار .
ص: 536
وأمّا الشرط وبناء المتعاملين ، فلا أثر لهما في رفع الجهالة ؛ إذ الفرض اعتبار العلم ، وكون الجهل موجباً للبطلان ، والتزام البائع بنحو الاشتراط ، لمّا لم يرجع إلى الإخبار الضمني بوجوده وكذا بناء المتعاقدين ، لم يرفعا الجهالة .
وأمّا أصالة الصحّة ، فيما شكّ في صحّته وفساده ، وصار ذلك الشكّ موجباً للشكّ في ماليته ، فلا تحرز المالية إلاّ إذا حصل منها الوثوق للمتبايعين .
كما لا يدفع بها الغرر فيما علمت ماليته ، وشكّ في عيبه ، إلاّ في هذا الفرض ، وإذا كان الاتّكال عليها عرفاً ؛ لأجل الوثوق النوعي الحاصل من الغلبة ، فلا يدفع بها أيضاً إن لم يحصل الوثوق لشخص المتبايعين .
وبالجملة : الميزان في رفع الغرر بمعنى الجهالة ، العلم أو الوثوق والاطمئنان ، من أيّ سبب حصلا .
ثمّ إنّ الظاهر قيام السيرة العقلائية على المبايعة مع احتمال العيب ؛ اتّكالاً على أصالة الصحّة ، من غير اعتبار الوثوق والاطمئنان ، ومن غير فرق بين الشكّ في طروّ الفساد بعد العلم بكونه صحيحاً ، وبين الشكّ في حدوثه معيباً .
وكذا قيامها على البيع مع الشكّ في أوصاف الكمال ، ولا سيّما فيما إذا كان المبيع كثيراً ، مثل سفينة الدبس ، أو السمن ، أو غيرهما ، أو حمولة كثيرة من الطعام والمتاع ، من غير استقصاء توصيف واختبار .
والظاهر اتّصالها بزمان المعصومين عليهم السلام في مثل تلك المبايعات ، وكذا قيامها
ص: 537
فيما يفسده الاختبار - مثل البيض والبطّيخ - بلا توصيف واختبار ، ولا سيّما في تلك المبايعات .
فمع إطلاق دليل النهي عن الغرر(1) ، هل هو رادع عن السيرة ، أو هي مقيّدة له ؟
الأقوى الثاني ؛ لما تكرّر منّا (2) : من أنّ السيرة التي قامت الأسواق عليها ، لا يصحّ ردعها برواية واحدة ربّما لا تتجاوز عن الراوي ، فلو أراد الشارع ردع المسلمين عن عمل أو معاملة ، لكان عليه أن يعلن به بروايات متظافرة ، كما في البيع الربوي(3) ، وبيع الخمر(4) ، ونحوهما (5) .
مع أنّ حديث الغرر ، لم يصل إلينا إلاّ من أبي الحسن الرضا عليه السلام (6) ، وكانت السيرة في تلك المعاملة قائمة في عصر سائر الأئمّة عليهم السلام بمرأى ومسمع منهم ، وكانت ممضاة ؛ لسكوتهم مع كثرة الابتلاء ، فهي مقيّدة لإطلاق الحديث ، أو كاشفة عن عدم إطلاقه .
ص: 538
هذا مع الغضّ عن الإشكالات المتقدّمة في دلالتها (1) ، وعلى فرض الدلالة في مقدارها (2) ، ولهذا لو فرض عدم ثبوت السيرة ، أو عدم ثبوت اتّصالها بزمانهم عليهم السلام ، فمجال إنكار الدليل على البطلان واسع .
والإنصاف : أنّ اعتبار العلم في غير ذات المبيع ، والأوصاف التي ترجع إليها ، لا دليل معتدّ به عليه ، غاية الأمر إلحاق الأوصاف التي هي دخيلة في معظم المالية - كالريح والطعم واللون - فيما يراد منه ذلك، بها دون مراتب الكمال والصحّة والعيب ، إذا لم يذهب بمعظمها .
نعم ، لا إشكال في لزوم إحراز عدم الفساد المذهب للمالية ، لا للغرر ، بل لإحراز تحقّق البيع بعد تقوّمه بالمالية .
ص: 539
قد ظهر ممّا مرّ حال الاختبار فيما يفسده ذلك ، فإنّ جواز البيع فيه بلا اختبار مطلقاً ، موافق للقاعدة ، بعد قصور دليل النهي عن الغرر عن شمول ذلك ، على الاحتمال الراجح في مفاده ، وقيام السيرة القطعية على البيع بلا اختبار في مثله ، وهي متّصلة بزمان الشارع الأقدس ، وممضاة من قبله ، فيخصّص بها دليله على الاحتمال المرجوح ، وهو إطلاق النهي وشموله .
وأمّا مع الغضّ عمّا ذكرناه ، فاشتراط الصحّة ، والبراءة من العيب ، بل وأصالة السلامة ، غير رافعة للغرر :
أمّا الأوّل فواضح ؛ لما تقدّم من أنّ نفس الالتزام لا يرفع الجهالة ، وكذا الثاني .
وأمّا الأصل ، فكونه رافعاً موقوف على حصول الوثوق منه ، ومن الواضح عدم حصوله في جميع الموارد ، ولا سيّما فيما إذا كان المبيع كثير العدد ، كشاحنة كبيرة من المذكورات .
ص: 540
نعم ، يحتمل بعيداً أن يكون نظر من اشترط البراءة من العيوب خاصّة ، إلى تخصيص حسنة جعفر بن عيسى - المتقدّمة(1) - لدليل الغرر .
ثمّ إنّه لو تبيّن فساد المبيع ، فإن كان بنحو لم يكن لفاسده قيمة ، وكان الفساد
حال انعقاد البيع ، فالظاهر منهم بطلانه من رأس ؛ لوقوعه على ما لا يتموّل(2) ، ومالية المبيع من مقوّمات البيع .
بل لعلّ في التعبير ب- «البطلان» نحو مسامحة ، لعدم تحقّق عنوان «البيع» بعد كونه عبارة عن مبادلة مال بمال .
وعن الشهيد قدّس سرّه في «الدروس» : بطلان البيع حين تبيّن الفساد ، لا من أصله(3) .
والظاهر أنّ مراده ب- «البطلان» الانفساخ وقد انحلّ كلامه إلى أمرين :
أحدهما : صحّة البيع واقعاً إلى زمان تبيّن الفساد .
وثانيهما : انفساخه حين التبيّن .
أمّا الأوّل : فقد وجّهه بعض بأنّ مالية الشيء بحسب حقيقتها الاعتبارية عند العقلاء، متقوّمة بميل النوع ورغبتهم فيه ، فقبل تبيّن الفساد ، تكون تلك الأعيان
ص: 541
مالاً حقيقة ؛ لميل الناس إليها ، وبذل المال بإزائها ، وعند التبيّن ينقضي أمد الاعتبار ، فتسقط عن المالية حقيقة ؛ لسقوط موضوعها ، فالبيع صحيح وواقع بين مالين حقيقة(1) .
وهذا التوجيه محمل كلام «الجواهر»(2) ، واحتمله الشيخ الأعظم قدّس سرّه أيضاً (3) .
وأنت خبير بما فيه ؛ ضرورة أنّ ذلك مخالف لما عليه العقلاء ، فإنّ الشيء الفاسد الذي كان فساده مكتوماً ، إذا ظهر وتبيّن فساده ، لا يقال : «إنّه سقط حال التبيّن عن المالية» بل يقال : «إنّه توهّمت فيه المالية» .
فالعقلاء يخطّئون نظرهم في توهّم المالية ، ولا يصوّبونه ، وهذا واضح جدّاً .
ولعلّ السرّ فيه : أنّ المالية ليست من الاعتباريات الجزافية ، بل ناشئة من الاُمور الواقعية ، ككون الشيء ذا خاصّية وأثر ، بهما يصير مورد الرغبة والميل ، وقد يكون اختلاف القيم والماليات لعزّة الوجود أو قلّته ، وكثرة الحاجة وعوامل اُخر .
فلا يكون اعتبار المالية ، لمحض ميل الناس ، ولو نشأ عن أمر متوهّم فيما هو مستور الفساد أو مجهول الذات ، فالخرزة التي لا قيمة لها ، لو تخيّلها الناس ياقوتة تساوي مائة دينار ، فمالوا إليها لهذا التوهّم ، لا تصير مالاً واقعاً ؛ لعدم
الخاصّية التي للياقوتة فيها .
وبالجملة : ليس الميل ولو لمنشأ باطل ، وخطأ في التطبيق ، مناط المالية ، بل
ص: 542
الخاصّية التي في الأشياء الموجبة للرغبات مناطها ، فالمالية لها واقعية اعتبارية ، ولها منشأ حقيقي ، قد يصيب الناس بالنسبة إليها ، وقد يخطأون .
ويمكن أن يكون نظر الشهيد قدّس سرّه ، إلى أنّ ماهية البيع ليست مبادلة مال بمال ، بل تمليك العين بالعوض ، وإن لم يكن بحسب الواقع مالاً ، ففي صدق «البيع» تكفي مالية الشيء بحسب الظاهر .
ولا حجّية لقول مثل «المصباح» : بأ نّه مبادلة مال بمال(1) ، حتّى يقال : إنّ الظاهر منه المال الواقعي ، لا العلمي ، بل المناط نظر العرف ، فإذا اشترى بيضاً ، فظهر فساده بعد كسره ، يقال : «إنّه اشتراه» لا أ نّه أنشأ صورة الاشتراء ، ولم يكن بيعاً وشراءً .
بخلاف ما إذا أخذ في الإنشاء ما لا يتموّل ، فقال : «بعتك هذه الحشرة» أو «بعتك هذا الكفّ من الماء في شاطئ الفرات» ونحو ذلك ، فإنّ-ه لا يعدّ بيعاً ، كالبيع بلا ثمن ، أو بلا مثمن ، فإذا صدق عليه «البيع» يمكن تصحيحه بإطلاق الأدلّة .
وفيه : أ نّه بعد فرض عدم كونه مالاً ، يكون أخذ الثمن في مقابله من أكل المال بالباطل ، فإذا انكشف الواقع ، ينكشف بطلانه من رأس .
والإنصاف : أ نّه لا وجه معتدّ به للقول بالصحّة .
وأمّا الثاني : أي الانفساخ من الحين .
فقد يوجّه باندراجه تحت قاعدة «التلف في زمن الخيار ممّن لا خيار له»
ص: 543
بناءً على عموم القاعدة لمطلق الخيارات ، فإنّ الفاسد الواقعي المفروض كونه مالاً واقعاً ، حيث وقع في معرض السقوط عن المالية فهو معيب ، فإذا سقطت ماليته بالتلف ، كان ذلك في زمن الخيار وإن قلنا : بأنّ ظهور العيب سبب للخيار؛ فإنّ ظهور الفساد سبب للخيار ، وسبب للتلف، فالتلف مقارن للخيار زماناً ، وهو كافٍ ؛ فإنّ سبقه أجنبيّ عن وقوعه فيه(1) ، انتهى ملخّصاً .
وفيه : أنّ كون الشيء في معرض سقوط المالية ، ليس عيباً وعواراً عقلاً ، ولا عرفاً ، ولا واقعاً ، ولو كان ذلك عيباً ، لكانت معرضيته لنقص المالية أيضاً عيباً بهذا الملاك ، ولكان الماء في المفازة - مع كونها معرضاً لجريان السيل - معيباً .
نعم ، هذه المعرضية موجبة لنقص المالية ، لا العيب كما هو ظاهر .
وبالجملة : العيب هو النقص عن الخلقة الأصلية ، والمفروض عدم لحاظ باطن الشيء المكتوم ، وإلاّ لكان غير متموّل لا معيباً ، بل المفروض لحاظ الظاهر فقط ، وكونه في معرض السقوط عن المالية ، ليس نقصاً في الخلقة .
مع أنّ المفروض أنّ المشتري عالم بهذه المعرضية ؛ بدليل اختباره الدالّ على احتمال الفساد الموجب للسقوط عن المالية أحياناً ، وإطلاق كلام الشهيد قدّس سرّه شامل لهذا الفرض ، ومع علم المشتري بالعيب لا يثبت له الخيار .
مضافاً إلى أنّ التلف وقع بفعله ، لأنّ المفروض أ نّه كسره للاختبار ، ومع كونه بفعله لم يكن على البائع .
ص: 544
مع أنّ مقارنة زمان الخيار والتلف وإن كانت كافية ، لكن مقارنة انفساخ البيع والخيار ، ممّا لا تصحّ ، وفي المقام إنّ سبب الخيار ظهور العيب ، وهو عيناً سبب انفساخه ، ولا معنى لحدوث الخيار عند حدوث الانفساخ ، حتّى يكون التلف في زمنه ممّن لا خيار له .
والإنصاف : أنّ التوجيه المذكور ، أضعف من أصل الدعوى .
ويتلوه في الضعف ما احتمله الشيخ الأعظم قدّس سرّه : من أ نّه إذا سقط عن المالية ؛ لأمر سابق على العقد - وهو فساده واقعاً - كان في ضمان البائع ، فينفسخ البيع حينئذٍ(1) فإنّه دعوى بلا بيّنة .
مع أنّ الأمر السابق إذا كان سبباً للسقوط ، وكان بفعل البائع ، لا يوجب ذلك الانفساخ ، بل يوجب ضمان الإتلاف بناءً على صدقه في مثل المقام ، كما لا يبعد .
ثمّ إنّ ثمرة الخلاف ، تظهر في ترتّب آثار ملكية المشتري للثمن ، فلو اتّجر البائع به إلى زمان فساد البيع ، كان صحيحاً لازماً على مسلك الشهيد قدّس سرّه ، وعند انفساخ المعاملة ، يرجع المشتري إلى بدل ماله ؛ لأنّ البيع اللازم لا وجه لانفساخه ، فهو بمنزلة الإتلاف ، ويكون فضولياً على مسلك غيره .
وأمّا الاتّجار بالمثمن ، فصحيح إلى زمن ظهور فساد المبيع على قوله ، فلو وقعت معاملات عديدة عليه تكون صحيحة ، وبظهور فساده ينفسخ الجميع .
ولو كسر البائع المبيع ففسدت ماليته ، فمقتضى قوله ضمانه للمشتري ؛ لأنّ الإتلاف وقع في ملكه .
ص: 545
والقول : بأنّ الإتلاف غير صادق بعيد عن الصواب ، بل لو فرض عدم صدقه ، فلا ينبغي الإشكال في الضمان ؛ لأ نّه أمر عقلائي ثابت في مثل المقام ، بل فيما لا يكون مال الغير كإتلاف الوقف العامّ ، والمساجد ، والمشاهد ، فحينئذٍ يكون على البائع المتلف ضمان المثل للإتلاف ، وإرجاع ثمن المعاوضة للانفساخ .
ولو كان المتلف أجنبيّاً ، فعليه ضمان الإتلاف للمشتري ، وعلى البائع ردّ ثمنه للانفساخ ، ولا أظنّ التزام الشهيد قدّس سرّه بذلك .
بل هذا ونحوه من شواهد عدم صحّة ما التزمه ، وإن كان عدمها واضحاً .
وعن «الدروس»(1) و«اللمعة»(2) : أ نّها تظهر في مؤونة نقله عن الموضع الذي اشتراه إلى موضع اختباره(3) .
وربّما يقال : إنّ المؤونة على البائع على أيّ حال ؛ لأ نّه غارّ في الصورتين ، والمغرور يرجع إلى غارّه ولو في نقل ماله(4) .
وفيه : أنّ «الغرور» لا يصدق إلاّ مع العلم والعمد ؛ فإنّه بمعنى الخدعة ، ولعلّ قاعدته على ذلك عقلائية .
وكيف كان : لا مجرى لقاعدته ، حتّى مع أمر البائع بإخراج ماله ظاهراً عن بيته ؛ فإنّ مجرّد الأمر لا يوجب الغرور ، ولا الضمان ، فلو أمر غيره بأن يأكل مال
ص: 546
نفسه ، مع كونه عالماً بالواقعة ، لا يكون الآمر ضامناً .
والأقوى : ما حكي(1) عن صاحب «جامع المقاصد» قدّس سرّه (2) ؛ من أنّ الرجوع إلى البائع لا مقتضي له ، فالمؤونة على أيّ تقدير على المشتري :
أمّا على فرض صحّة المعاملة فواضح .
وأمّا على فرض البطلان ؛ فلعدم دليل على ضمانه .
وأمّا مؤونة نقله عن موضع الكسر ، فمع كونه ملكاً للبائع وإن لم يكن مالاً ، فالظاهر عدم كون المؤونة على المشتري ، إن قلنا : بالصحّ-ة إلى زمان الكسر .
وإن قلنا : بالفساد فالظاهر أ نّها على المشتري ، كسائر ما قبض بالعقد الفاسد ، كما مرّ في محلّه(3) ، فلا بدّ للمشتري من تحويل المقبوض إلى صاحبه .
وأمّا إذا لم يكن ملكاً ، ووجب تفريغ المحلّ منه ، فالظاهر أنّ المؤونة على المشتري ؛ لأ نّه الذي أشغل المحلّ به ، وعليه التفريغ .
وما قيل : من أنّ تنزيه المحلّ الشريف منه واجب كفائي على جميع المكلّفين ، فلا يجب على خصوص من أشغله(4) في غير محلّه .
نعم ، لو لم يمكن إلزامه بذلك ، أو لم يتمكّن منه ، يجب على سائر المكلّفين كفاية ، وعليه ضمانه .
ص: 547
ثمّ إنّ المحكيّ(1) عن «الدروس»(2) : أنّ الشيخ(3) وأتباعه قدّس سرّه (4) قائلون : بأ نّه لو تبرّأ البائع من العيب فيما لا قيمة لمكسوره صحّ .
قال : ويشكل بأ نّه أكل مال بالباطل .
أقول : إن كان مبنى بطلان بيع ما لا قيمة لمكسوره ، هو كون أخذ الثمن في قباله أكلاً بالباطل بعد صدق «البيع» عرفاً ؛ بدعوى كونه تمليكاً بالعوض ، يمكن تصحيحه ببراءة البائع من العيوب .
بأن يقال : إنّ مقصود العقلاء في المعاملات نوعاً ، إعطاء الثمن في قبال المال ، فالتمليك بالعوض وإن كفى في صدق «البيع» عليه ، إلاّ أ نّه إذا كان المملوك غير متموّل ، يعدّ أكل ثمنه الذي يعطى لتحصيل المال ، أكلاً بالباطل ، هذا إذا لم يبرأ من العيوب .
وأمّا مع البراءة منها ، واحتمال كون المبيع فاسداً لا قيمة له ، يقع الثمن بإزاء الملك الخارجي برجاء السلامة ، وفي مثله لا يكون أخذ الثمن أكلاً بالباطل بعد تحقّق الغرض العقلائي فيه .
كما أ نّه مع العلم بالفساد ، يمكن تعلّق غرض عقلائي به ، كما لو اشتراه للعب
ص: 548
أطفاله ، أو لتزيين الرفوف ، فلا يقع باطلاً ، ولا يكون أخذ الثمن في قباله أكلاً بالباطل .
ولعلّ نظر الشيخ قدّس سرّه ومن تبعه في الصحّة في هذه الصورة - بعد الحكم ببطلان البيع من أصله إذا لم يكن لمكسوره قيمة - إلى ما ذكر .
ويمكن تقريب البطلان مع البراءة من العيب إن قلنا : بصحّته في نفسه ؛ بأن يقال : إنّ مبنى الصحّة هو صدق «البيع» عليه لما تقدّم ، وعدم كون أخذ الثمن في قباله أكلاً بالباطل ؛ لأجل ثبوت الأرش على فرض الفساد ، ومع البراءة من العيب ، الموجب لعدم ثبوت الخيار والأرش التابع له ، يعدّ أخذ المال في قباله أكلاً بالباطل ، فيقع باطلاً .
ويمكن أن يقال : إنّ البراءة منها لا تصحّح الباطل ، ولا تبطل الصحيح :
فإنّ مبنى البطلان هو عدم صدق «البيع» فإنّه مبادلة مال بمال ، أو تحقّق الغرر ، والبراءة لا توجب الصدق ، ولا ترفع الغرر .
ومبنى الصحّة هو الصدق عرفاً ، وعدم كون أخذ الثمن أكلاً بالباطل ، إذا كان الإعطاء لغرض عقلائي ، والبراءة منها لا تضرّ بهما .
والأمر سهل بعد كون المقصود إبداء الاحتمال ، لا التحقيق عن حقيقة الحال ، وقد مرّ ما هو الأقوى(1) .
ص: 549
يجوز بيع المسك في فأرته ؛ لإطلاق الأدلّة وعمومها ولا مخصّص لها ؛ لطهارتها ، وعدم شمول دليل الغرر للأوصاف المجهولة كما تقدّم(1) ، واحتمال الفساد يرفع بأصالة السلامة وإن قلنا : بعدم دفع الغرر بها ، لكن الجهل بوصف السلامة ، لا يدخل في الغرر .
وأمّا الجهل بالوزن ، فهو مضرّ إذا كان المبيع موزوناً ، والفأرة والمسك الذي فيها لا يباع موزوناً ، بل يباع معدوداً ، فلا يضرّ الجهل بوزنه .
مع أنّ قيام السيرة على بيعه بما احتواه ، مخصّص لإطلاق نهي الغرر على فرض الشمول ، إلاّ أن يمنع قيامها ، أو اتّصالها بزمان المعصوم عليه السلام ، والأمر سهل بعد اقتضاء القواعد للصحّة ، وموافقتها لفتوى المشهور على المحكيّ(2) .
ص: 550
مقتضى القواعد عدم جواز بيع المجهول الذي قلنا : بعدم جوازه منفرداً مع ضميمة شيء معلوم إليه أيضاً ، كضميمة شيء إلى المكيل المجهول كيله ، أو المعدود المجهول عدده .
ولو قلنا : بأنّ الغرر جارٍ في مطلق صفات المبيع ، ولو لم تكن دخيلة في ذات المعاملة ، فلا تصير ضميمة المعلوم إلى مجهول الصفة ، موجبة لصحّته .
والفقهاء عنونوا المسألة في متونهم فيما وردت النصوص فيه ، تبعاً لها ، كبيع ما في الضرع من الألبان(1) وبيع ما في الأجمة من السموك(2) وبيع الحمل(3)
ص: 551
واختلفوا في صحّتها مع الضميمة المعلومة وعدمها ، وحكي عن قدماء أصحابنا (1) إلى زمان ابن إدريس ، القول : بالصحّة ، وعن ابن إدريس(2) وجمع من المتأخّرين(3) القول : بالبطلان(4) .
وأمّا التفصيل المتراءى من ظاهر كلام العلاّمة قدّس سرّه (5) ، الذي فصّله وأوضحه كثير منهم ، كالشيخ الأعظم قدّس سرّه (6) ومن تبعه(7) ، فهو أجنبيّ عن تلك المسألة ؛ فإنّ ما هو المعنون في متون الفقه - بعد القول : ببطلان بيع المجهول - أنّ بيعه مع ضمّ ما هو معلوم إليه باطل أو صحيح ، فالمفروض هو بيع المجهول بضميمة .
فجعل بيع المعلوم مع شرط مجهول ، أو بيع معلوم متقيّد بمجهول ، أو بيعه مع الجهل بتبعاته العرفية ، أو أجزائه الداخلية ، كلّها أجنبيّة عن المسألة ، لا أ نّها تفصيل فيها .
نعم ، هي مسائل مستقلّة ، يصحّ البحث عنها ، مثل أن يبحث عن أنّ الغرر هل يختصّ بالبيع ، أو يجري في الشروط أيضاً ؟
ص: 552
أو أنّ الشرط الغرري يوجب بطلان البيع ، أو إسراء الغرر إليه أو لا ؟
أو العلم بجميع أجزاء المبيع أو ما يدخل فيه ، لازم في دفع الغرر أو لا ؟
ومعلوم : أنّ شيئاً منها ليس من أقسام بيع المجهول مع الضميمة .
ولعلّ المتأمّل في كلام العلاّمة قدّس سرّه ، يجد أ نّه لم يفصّل في تلك المسألة ، وإن كان يوهم ذلك .
فاللازم عطف النظر إلى تلك المسألة المبحوث عنها قديماً وحديثاً ، وإلى أنّ مقتضى القواعد فيها الصحّة أو البطلان ، ثمّ النظر إلى النصوص الواردة ، ومقدار دلالتها ، فنقول :
قد مرّ منّا أنّ الظاهر من «نهى النبي صلي الله عليه و آله وسلم عن بيع الغرر»(1) ، اختصاصه بنفس البيع الذي يرجع إلى المبيع بما هو مبيع ، أو يكون كناية عن المبيع بما هو كذلك(2) .
ولازمه بطلانه في موردين ، بناءً على كون الغرر بمعنى الجهالة :
الأوّل : الجهالة بذات المبيع ، كالجهالة بأ نّه حنطة أو شعير ، وبأ نّه ياقوتة أو خرزة من زجاج .
والثاني : الجهالة بكمّة المتّصل أو المنفصل ، حيث ترجع الجهالة إلى المبيع فيما يكال أو يوزن أو يعدّ أو يذرع .
ص: 553
وأمّا الجهل بسائر الأوصاف ، فليس غرراً في البيع ، ولا في المبيع بما هو مبيع .
ثمّ إنّ كثيراً ما يكون شيء مكيلاً أو موزوناً في حال دون حال ، وكذا في المعدود والمذروع ، فالأنعام قبل ذبحها لا تكون موزونة ، وإن كانت قيمتها تختلف باختلاف أوزانها ، لكن تباع بالمشاهدة لا بالوزن ، وبعد ذبحها تكون لحومها موزونة ، يبطل بيعها جزافاً وبلا وزن .
والطاقة من الحرير قبل أن تخاط ، تكون مذروعةً ، وبعد صيرورتها قميصاً لا تكون مذروعة .
فما قلنا سابقاً : من أنّ الجهل بالكمّيات المتّصلة أو المنفصلة ، يوجب الجهل بالمبيع(1) ، إنّما هو فيما إذا كان المبيع ممّا يكال ، أو يوزن ، أو يعدّ ؛ بحيث كان الثمن المقابل له يوزّع على مكاييله وأمنانه وأعداده .
والفلزّات قبل أن تصنع منها مكائن مثلاً موزونة ، يقع الثمن بإزاء أوزانها ، ويوزّع عليها ، وإذا صارت مكائن خرجت عن ذلك ، ولم يوزّع الثمن على أمنانها .
والظاهر أنّ الألبان قبل الدرّ والإخراج من الضروع ، ليست مكيلة ، ولا موزونة ، وكذا الأصواف والأوبار ونحوها قبل جزّها .
وكذا السموك قبل تذكيتها ، ليست موزونة ، بل لا يبعد أن لا تكون معدودة أيضاً حال كونها في الآجام .
ص: 554
وكذا الأثمار قبل اقتطافها ، حتّى الخيار ، والقثّاء ، والباذنجان ، والجوز ، فإنّها غير معدودة ، ولا موزونة ، فبيعها على الأشجار والنجوم بلا كيل ولا وزن ، صحيح غير داخل في النهي عن الغرر .
كما أنّ بيع اللبن في الضرع مع العلم بوجوده ، صحيح على القاعدة ، ولا يضرّه الجهل بأوصافه ولا بوزنه ؛ لأ نّه غير موزون .
فالوزن هاهنا مثل سائر الأوصاف ، غير دخيل في ذات المبيع ، ولا يوجب الجهل به الجهل بالمبيع ، هذا كلّه بحسب القواعد .
وأمّا النصوص الواردة في الباب ، فهي على طوائف :
منها : ما وردت في بيع اللبن في الضرع ، كصحيحة العيص بن القاسم - على الأصحّ - قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل له نعم ، يبيع ألبانها بغير كيل ؟
قال : «نعم ، حتّى تنقطع أو شيء منها»(1) .
والظاهر من السؤال عن بيع الألبان بغير كيل ، أ نّه إنّما هو عن بيعها قبل الدرّ من الضرع .
ولعلّ منشأ السؤال ، احتمال أن تكون كأثمار الأشجار قبل اقتطافها ، حيث يجوز بيعها بلا وزن ، وكالحنطة في سنبلها ، حيث يجوز بيعها بلا كيل ووزن .
فأجاب عليه السلام : بأ نّه جائز ، لكن يجب التعيين بالتحديد إلى زمان الانقطاع ،
ص: 555
فيما إذا باع جميعها ، أو بالكسر المشاع - كالنصف والثلث - فيما إذا باع بعضها ، فيكون له الكسر المشاع ، فيكون تقدير العبارة «نعم ، يجوز بيعها حتّى تنقطع ، أو بيع شيء منها» .
ويحتمل أن يكون المراد ب- «الانقطاع» انقطاع ألبان النعم مطلقاً ، فلا يكون السؤال والجواب عن اللبن الموجود فعلاً في الضرع ، بل عن الألبان طول زمان حصولها في الضروع .
فأجاب عليه السلام : بالجواز إلى زمان انقطاع الألبان كلّها أو بعضها ، فيعيّن بالأشهر ، كستّة أشهر مثلاً إذا انقطع الكلّ عادة بعدها ، أو ثلاثة أشهر إذا انقطع البعض بعدها ، فتقدير العبارة «نعم ، يجوز إلى زمان انقطاع ألبان الجميع ، أو ألبان بعضها» .
وأمّا الاحتمال الذي ذكره بعض شرّاح الحديث ؛ من أنّ المراد ب- «الانقطاع» الانفصال(1) ، ويكون المراد : «صحّ متى انفصل كلّها أو بعضها من الضرع» فهو خلاف الظاهر جدّاً .
مضافاً إلى أنّ البيع بعد انفصال الجميع ، لا يجوز إلاّ بالكيل أو الوزن بضرورة الفقه .
والظاهر أنّ المراد من قوله عليه السلام : «حتّى تنقطع» هو الوقت المعلوم عندهم بحسب التجارب ، لا عنوان «الانقطاع» بنحو الإبهام .
مع أ نّها ليست بصدد بيان شرط الضميمة ، بل في مقام بيان الجواز
ص: 556
واللا جواز ، بلا إطلاق فيها ، فلا إشكال من هذه الجهة .
ثمّ إنّ مقتضى ظهورها صحّة بيعها مطلقاً ، بلا لزوم ضمّ معلوم إليها .
وبإزائها موثّقة سماعة قال : سألته - أي أبا عبداللّه عليه السلام - عن اللبن يشترى وهو في الضرع .
فقال : «لا ، إلاّ أن يحلب لك منه اُسكرّجة فيقول : اشتر منّي هذا اللبن الذي في الاُسكرّجة وما في ضروعها بثمن مسمّى ، فإن لم يكن في الضرع شيء كان ما في الاُسكرّجة»(1) .
فعلى الاحتمال الأوّل في صحيحة العيص ، يمكن تقييد إطلاقها بالموثّقة .
ويحتمل حمل الموثّقة على الكراهة ؛ حملاً للظاهر على النصّ ، بل لا يبعد أن تكون الموثّقة - بملاحظة ذيلها الذي هو بمنزلة التعليل - ظاهرة في الكراهة ، فكأ نّه احتياط لعدم ذهاب ثمنه هدراً أحياناً ، أو عدم كون الأكل أكلاً بالباطل أحياناً ، وإلاّ فالفرض بحسب الظاهر ، هو العلم بوجود اللبن في الضرع ، فالحمل على الكراهة غير بعيد بحسب الصناعة ، لكنّه مخالف لفتوى الأصحاب(2) .
وعلى الاحتمال الثاني في الصحيحة ، فوجه الجمع بينهما : أنّ بيع اللبن في الضرع فعلاً ، لا يجوز أو يكره إلاّ بضميمة شيء إليه ، وأمّا بيعه طول زمان الدرّ ،
ص: 557
فيصحّ بلا ضميمة ، نظير ما ورد في بيع الثمار(1) ، فإنّ بيعها سنة واحدة ، لا يجوز قبل بروزها إلاّ مع الضميمة ، ويجوز سنتين أو أزيد بلا ضميمة .
ولعلّ نكتة الجعل حرمةً أو كراهةً ، شيء واحد في الموردين ، وهو خوف فقد الثمرة في العام الواحد ، وفقد اللبن إذا اشترى ما في الضرع .
وأمّا مع الزيادة على السنة ، فيقال : إن لم يخرج في هذه السنة خرج في قابل ، كما في النصّ(2) ، وفي المقام أيضاً يكون الدرّ طول الشهور مطمئنّاً به ، فإن لم يدرّ في هذا الشهر ، يدرّ في الشهور الاُخر .
ثمّ إنّ الظاهر من الموثّقة ، أنّ المنع بلا ضميمة ليس للغرر ؛ فإنّه لا يدفع ، سواء كان في الضرع شيء أم لا ، وهذا شاهد على أنّ النهي عن الغرر ، لا يشمل الأوصاف حتّى مثل الكمّيات في مثل المقام ، التي لا تكون دخيلة في ذات المبيع كما مرّ(3) .
كما أنّ ما وردت في بيع الثمار(4) والرطبة(5) ونحوهما (6) ، شاهدة على ذلك ؛ فإنّ إخراج جميع ما ذكر عن النهي عن بيع الغرر بعيد .
ص: 558
والإنصاف : أ نّه لولا تسالمهم على شمول الغرر للصفات الدخيلة في زيادة القيمة(1) ، لكان ما ذكرناه قويّاً جدّاً .
ثمّ إنّه قد يستشكل في الموثّقة : بأ نّها خارجة عن محلّ البحث ؛ فإنّ ضمّ ما في الاُسكرّجة من قبيل ضمّ المجهول إلى المجهول(2) .
وفيه : - مضافاً إلى أ نّها في مقام بيان حكم آخر ، فلا إطلاق فيها - أنّ الظاهر منها ضميمة اُسكرّجة واحدة ، ولا يبعد أن تكون مكيالاً خاصّاً لبيع الألبان ، كما أنّ بيع اللبن بالمكيال المتعارف فيه ، أمر جارٍ في القرى والقصبات عند أصحاب الأنعام ، فلا إشكال فيها .
كما أنّ الإشكال فيها : بأنّ الضمّ فيها من قبيل الضمّ إلى محتمل العدم ، والمورد هو ضمّ المعلوم إلى مجهول محقّق الوجود(3) غير وارد ؛ ضرورة أنّ الظاهر من الموثّقة هو وجود اللبن في الضرع .
بل من المعلوم : أنّ وجود اللبن في ضرع الحيوانات ، أمر معلوم ، لا يخفى على نوع المتعاملين ، وما ذكر فيها : من أ نّه «إن لم يكن في الضرع شيء» ، حكمة الجعل ، احتياطاً في بعض الأحيان ، فلا يكون في مورد الموثّقة ، إلاّ ضمّ معلوم إلى موجود مجهول المقدار ومجهول الصفة ، مثل الغلظة ، والرقّة .
ص: 559
ثمّ إنّه لو قلنا : بعموم الغرر لمطلق الأوصاف الدخيلة في القيم ، وشموله لمثل اللبن في الضرع ، فالظاهر أيضاً جواز العمل على طبق الصحيحة والموثّقة ، وصحّة القول : بجواز ضمّ المعلوم إلى اللبن المجهول في صحّة البيع ، لو لم نقل : باستفادة قاعدة كلّية في أشباه ما ذكر فيهما ، لا في مثل المكيل والموزون فعلاً ؛ لعدم ثبوت إعراض الأصحاب عنهما .
بل في «مفتاح الكرامة» : إنّ الحاصل من التتبّع ، أنّ المشهور بين المتقدّمين هو الصحّة في المقامين(1) ؛ أي البيع مع ضمّ القصب ، واللبن في الضرع مع المحلوب منه ، فلا حجّة لرفع اليد عن الصحيحة والموثّقة .
وممّا ذكرنا يظهر الكلام في بيع الحمل مع ضمّ الأصواف ، وأنّ مقتضى القاعدة صحّة بيع الحمل مع العلم بوجوده ؛ لعدم شمول النهي عن الغرر له ، فضلاً عن ضمّ معلوم إليه .
نعم ، ورد في بعض الروايات المنع عنه ، كالرواية المحكيّة عن «معاني الأخبار» بسند ضعيف(2) ، عن النبي صلي الله عليه و آله وسلم : «أ نّه نهى عن المجر وعن الملاقيح والمضامين» . وفسّر الأوّل : بأن يباع البعير أو غيره بما في بطن الناقة . والثاني : بما في البطون ؛ أي الأجنّة . والثالث : بما في أصلاب الفحول . «ونهى
ص: 560
عن بيع حبل الحبل» . وفسّر بولد ذلك الجنين الذي في بطن الناقة ؛ أي نتاج النتاج(1) .
وأمّا صحيحة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «لا تبع راحلة عاجلة ، بعشر ملاقيح من أولاد جمل في قابل»(2) .
فلا يبعد أن يكون المراد منها - بمناسبة ذكر «الجمل» الذي هو الذكر مقابل الناقة - ما في ظهور فحول الإبل ، كما فسّرت الملاقيح به أيضاً (3) ، فلا تدلّ على النهي عن بيع الحمل .
ولو قلنا : بأنّ المراد من «الجمل» الناقة - كما قد يطلق عليها شاذّاً - فلا منافاة بينها وبين رواية إبراهيم الكرخي قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : ما تقول في رجل اشترى من رجل أصواف مائة نعجة ، وما في بطونها من حمل ، بكذا وكذا درهماً ؟
فقال : «لا بأس بذلك ، إن لم يكن في بطونها حمل ، كان رأس ماله في الصوف»(4) .
ص: 561
بناءً على انجبار سندها بعمل شيخ الطائفة قدّس سرّه (1) ، والمنقول(2) عن القاضي والحلبي ، وبصحّة السند إلى ابن محبوب ، وهو من أصحاب الإجماع(3) ، فلا يلاحظ بعده ، وبأنّ صفوان وابن أبي عمير يرويان عن الكرخي(4) ، فيوجب ذلك نحو اعتماد عليه ، فتقيّد بها الصحيحة على فرض الدلالة والإطلاق فيها ، وإن كان للمناقشة في جميع ذلك مجال واسع، والعمدة ما ذكرناه من قصور دليل المنع.
ولو قام إجماع أو شهرة على عدم جواز بيع الحمل ، يقتصر على القدر المتيقّ-ن منه ، وهو بيعه منفرداً ، بل جوازه منضمّاً إلى غيره ، مورد فتوى الشيخ والحلبي والقاضي قدّست أسرارهم ، فلا إجماع مع الانضمام ، فيعمل على القواعد .
نعم لو قلنا : بإطلاق دليل الغرر لا تصلح رواية الكرخي لتقييده ، إلاّ إذا ثبت جبرها بالعمل .
وأمّا الإشكال عليها : بأنّ ما فيها من قبيل ضمّ المجهول إلى المجهول(5) .
فيمكن دفعه : بأنّ الصوف على الظهر لا يكون موزوناً ، كالثمر على الشجر ، فيصحّ بيعه منفرداً ، كما أفتى به كثير من الأصحاب ، كالمفيد(6) ، وابن إدريس(7) ،
ص: 562
والعلاّمة(1) ، وكثير ممّن بعده قدّست أسرارهم(2) ، وهي موافقة للقواعد ، وإجماع الخلاف(3) غير ثابت .
فتدلّ على أنّ ضمّ ما جاز بيعه منفرداً ، إلى ما لا يجوز صحيح ، ولا يضرّ الجهل بما لا يكون دخيلاً في الصحّة .
كما أنّ الإشكال : بأنّ الظاهر منها أنّ الحمل غير معلوم الوجود ، وهو غير ما نحن بصدده(4) مزيّف ؛ فإنّ المفروض في السؤال وجود الحمل ، وهو أمر غير مجهول عند أهل الخبرة ، ومن أراد الاشتراء ، لا محالة يتفحّص عن الحمل ، ومعه يظهر الحال نوعاً أو كثيراً ما ، وما في ذيلها إنّما هو حكمة لاحتمال التخلّف أحياناً ، لا أ نّه دليل على أنّ المفروض هو الشكّ في الوجود .
ويظهر ممّا مرّ الكلام في الطائفة الاُخرى أيضاً ، وهي موثّقة معاوية بن عمّار(5) - بناءً على كون محمّد بن زياد هو ابن أبي عمير، على بعدٍ وإن لم يخل
ص: 563
من وجه - عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا بأس أن يشترى الآجام إذا كانت فيها قصب»(1) .
والظاهر منها جواز اشتراء الآجام - وهي الأشجار الملتفّة على ما في كتب اللغة(2) ، والشائع في استعمالاتها - إذا ضمّ إليها القصب ؛ فإنّ الآجام بما هي ملتفّة ، تكون مشاهدتها غير ميسورة حتّى يصحّ بيعها بها ، وأمّا القصب فبحسب الطبع غير ملتفّ ، قابل للمشاهدة .
فتدلّ على جواز بيع المجهول ، إذا ضمّ إليه ما يصحّ بيعه بالمشاهدة ، والقصب ليس موزوناً ، فيصحّ بيعه مشاهدة ، ويصحّ ضمّه إلى ما لا يصحّ إلاّ بالمشاهدة .
وقد حملوها بقرينة بعض الروايات ، على بيع السموك التي في الآجام(3) وقال بعضهم(4) : إنّ المراد من الآجام المياه المجتمعة .
وهو بعيد فيها ومحتمل أو راجح في غيرها ، مثل رواية أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام : في شراء الأجمة ليس فيها قصب ، إنّما هي ماء .
قال : «يصيد كفّاً من سمك ، يقول : أشتري منك هذا السمك وما في
ص: 564
هذه الأجمة ، بكذا وكذا»(1) .
ومرسلة ابن أبي نصر ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا كانت أجمة ليس فيها قصب ، اُخرج شيء من السمك ، فيباع وما في الأجمة»(2) .
نعم ، عن «منتهى الإرب» عن «المغرب» : أجم - بتحريك - : جاى نشيب كه فراهم آمدنگاه آب و رستنگاه نى و كلك باشد(3) .
وعليه فيحتمل في رواية معاوية كون الأجمة بهذا المعنى ، ويراد منها ما فيها كما هو ظاهر الروايتين ، فيراد من الجميع بيع السمك غير المشاهد مع القصب أو مع كفّ منه .
وهنا احتمال آخر ، وهو كون الأجمة بمعنى الماء المتغيّر ، ففي «أقرب الموارد» : أجم الماء تغيّر ، فهو آجم(4) .
وهذا أقرب إلى رواية أبي بصير ؛ حيث قال عليه السلام فيها : «ليس فيها قصب ، إنّما هي ماء» أي إنّما هي ماء متغيّر ، لا ترى السموك حتّى تباع مشاهدة ، وليس فيها قصب حتّى تباع معه ، فقال : «يصيد كفّاً من سمك . . .»(5) إلى آخره ، فكأنّ بيع السموك منفرداً في الماء الصافي ، القابل لمشاهدتها فيه ، ومع القصب في الماء
ص: 565
المتغيّر ، كان معهوداً ، فأراد السؤال عن العلاج مع فقدهما .
وكيف كان : تدلّ الروايات على جواز بيع المجهول ، إذا ضمّ إليه ما يصحّ بيعه منفرداً ، كالقصب المشاهد ، والكفّ من سمك .
والإشكال : بأ نّه من قبيل ضمّ مجهول إلى مجهول ، أو إلى ما شكّ في وجوده(1) .
مندفع: بأنّ القصب المشاهد قبل قطعه، ليس موزوناً، ولا معدوداً، فيصحّ بيعه، والسمك في الكفّ بعد صيده - مع كونه من صغار السموك كما هو المفروض ، والمعلوم من قوله : «كفّاً منه» - ليس موزوناً ، بل معدود ، يصحّ بيعه بلا وزن .
وبأنّ المفروض ولا سيّما في رواية أبي بصير والمرسلة ، وجود السمك في الأجمة ؛ ضرورة أنّ قوله عليه السلام : «يصيد كفّاً من سمك» ظاهر جدّاً في وجود سموك فيها يمكن صيد بعضها ، وكذا قوله عليه السلام في المرسلة : «اُخرج شيء من السمك ، فيباع وما في الأجمة»(2) فلا إشكال من هذه الجهة .
بل الظاهر كونهما في مقام بيان حكم آخر ، وهو جواز ضمّ ما يصحّ بيعه منفرداً إلى المجهول .
بقي الكلام : في ضعف أسنادها ، وهو منجبر بالشهرة بين القدماء(3) ، بل ادّعي
ص: 566
في محكيّ(1) «الخلاف»(2) و«الغنية»(3) الإجماع على الجواز ، ولا شبهة في أنّ الشهرة في خصوص تلك المسألة ، ليست إلاّ لتلك الروايات ، فالانجبار بها ممّا لا إشكال فيه .
بقي الكلام : في موثّقة إسماعيل بن الفضل الهاشمي(4) ، عن أبي عبداللّه عليه السلام : في الرجل يتقبّل بجزية رؤوس الرجال ، وبخراج النخل والآجام والطير ، وهو لا يدري لعلّه لا يكون من هذا شيء أبداً أو يكون ، أيشتريه ، وفي أيّ زمان يشتريه ويتقبّل منه ؟
قال : «إذا علمت من ذلك شيئاً واحداً قد أدرك ، فاشتره وتقبّل منه»(5) .
والإشكال فيها : بأنّ الضمير راجع إلى ما أدرك منها ، فتدلّ على خلاف المقصود ، وبأنّ التقبّل معاملة مستقلّة ليس بيعاً ، فلا تدلّ على المقصود(6) .
ص: 567
مندفع : بأنّ الظاهر الذي لا يصحّ إنكاره ، هو جواز تقبّل الأشياء المذكورة بعد إدراك واحد منها ، وإلاّ فذكر واحد منها يكون بلا وجه ، فالسؤال والجواب مسوقان لبيان حال المذكورات .
وبأ نّه لو كان التقبّل غير الشراء ، فذكر «الشراء» مراراً ؛ لبيان جوازه كما يجوز التقبّل ، وإن كان عين الشراء فلا كلام .
نعم ، الظاهر منها ضمّ المدرك إلى مجهول الوجود ، والكلام في الموجود المجهول ، وإن أمكن القول : بأنّ قول السائل : «أو يكون» لبيان فرض الوجود في الجملة ، لا لذكر طرف الترديد ؛ لعدم الاحتياج إلى ذكره ، فتأمّل .
وبأنّ العرف يساعد على إلغاء الخصوصية ، وأنّ المقصود من الرواية - ولا سيّما الجواب - جواز ضمّ ما يصحّ شراؤه إلى ما لا يصحّ ، سواء كان مفقوداً ، أو موجوداً ، ولا سيّما مع لحاظ الموارد الاُخر في المقام ، وسائر المقامات ، كبيع الثمار ، والرطبة ، ونحوهما .
والأمر سهل ، بعد إمكان استفادة قاعدة كلّية للأشباه والنظائر ، من الموارد المتقدّمة ، وسائر الموارد المشار إليها .
نعم ، لا إشكال في عدم جواز بيع المكيل والموزون والمعدود والمذروع فعلاً جزافاً ، وإن ضمّ إليها المعلوم ؛ لخصوصية فيها ، دون سائر الأوصاف كما مرّ(1) ، فلا يمكن إلغاء الخصوصية فيها .
ثمّ إنّ الروايات ، وردت في ضمّ المجهول إلى ما يصحّ بيعه منفرداً ، فهل
ص: 568
يلحق به ما إذا بيع معلوم واشترط فيه شرط مجهول ، فقال مثلاً : «بعتك أصواف هذه النعاج ، وشرطت لك حملها» بنحو شرط النتيجة ؟
مقتضى الجمود على الموارد المذكورة عدمه ، ومقتضى ما ذكر في غير واحد منها - من النكتة ، أو التعليل - الإلحاق ، بل الظاهر مساعدة العرف على ذلك ، بل هو سليم عن بعض الإشكالات التي ذكرت في الانضمام .
ثمّ إنّه لا بأس بصرف الكلام إلى ما قاله العلاّمة قدّس سرّه في المقام ، وما ذكر حوله .
قال في «القواعد» : كلّ مجهول مقصود بالبيع ، لا يصحّ بيعه وإن انضمّ إلى معلوم ، ويجوز مع الانضمام إلى معلوم إذا كان تابعاً (1) ، انتهى .
والظاهر منه مع الغضّ عن سائر ما حكي عنه ، أنّ مورد عدم الصحّة والجواز شيء واحد ، وأنّ المجهول إذا كان مقصوداً بالبيع ، فبيعه غير صحيح حتّى مع الانضمام ، وأمّا إذا كان تابعاً للمعلوم فبيعه جائز .
فحمل التبعية على الشرط ، خلاف ظاهره ، فلا بدّ من حملها على التبعية في الغرض ، أو الوجود ، أو الكلام ، أو تعلّق البيع .
وأمّا بالنظر إلى سائر كلماته(2) ، فلا بدّ من توجيه كلامه ؛ بأ نّه يجوز القرار
ص: 569
مثلاً ، إذا انضمّ بنحو التبعية للمبيع ، فيكون المجهول مجعولاً تبعاً للبيع ، فينطبق على الشرط .
فعلى هذا الاحتمال ، يكون الكلام في صحّة الشرط المجهول ، لا في بطلان البيع المشروط به كما توهّم(1) ، فيرجع كلامه إلى أنّ النبوي المشهور المجبور بالعمل ، مختصّ بالبيع ، فالشرط المجهول صحيح على القواعد .
والإشكال عليه : بأنّ الاختلاف في الجزء والشرط ، ليس إلاّ بمجرّد العبارة(2) غير وارد ؛ ضرورة أنّ البيع غير الشرط عنواناً ، وواقعاً ، وأثراً ، فعلى هذا يصحّ كلامه في الشرط ، دون الجزء ؛ لما مرّ من صحّته في الجزء بدلالة الروايات المتقدّمة(3) .
وأمّا لو قلنا : بأنّ الغرر جارٍ في الشرط وسائر العقود والإيقاعات - لما روي مرسلاً عن النبي صلي الله عليه و آله وسلم «أ نّه نهى عن الغرر» وتمسّك به شيخ الطائفة وابن زهرة في غير البيع(4) ، وادّعي الشهرة(5) والإجماع(6) في غير واحد من أبواب الفقه على اعتبار المعلومية ؛ مستنداً إلى لزوم الغرر ، بناءً على جبرها بها -
ص: 570
فإن قلنا : بأنّ الأخبار المتقدّمة تشمل الشروط ، تخرج بها عن دليل الغرر ، فيصحّ الشرط المجهول ، كما يصحّ البيع مع ضميمة معلومة .
وإن قلنا : بعدم شمولها لها فاللازم بطلان التابع ؛ أي الشرط ، وصحّة ما هو المقصود مع الضميمة المعلومة ، عكس ما في «القواعد»(1) على هذا الاحتمال .
وعلى الاحتمال الأوّل ، فإن كان المراد ب- «التابع» هو التابع في القصد المعاملي - بأن يكون مقصود المشتري اشتراء المعلوم ؛ بحيث دار إقدامه على الاشتراء وعدمه مداره ، ويكون ضمّ المجهول إليه بقصد تبعي ثانوي ، فيقع حينئذٍ صحيحاً ، وفي العكس باطلاً - يرد عليه : أنّ الميزان في صدق الغرر هنا في البيع ، وقوعه عليهما ، من غير فرق بين الفرضين ، وبالنظر إلى أخبار الباب أيضاً لا فرق بينهما .
بل بالنظر إليها ، يكون احتمال الصحّة فيما إذا كان المجهول مقصوداً أولى ؛ بدعوى أنّ الخارج من إطلاق دليل الغرر بتلك الروايات ، ما كان شراء الضميمة المعلومة غير مقصود إلاّ للتخلّص عن الغرر ، كاللّبن في الاُسكرّجة ، والكفّ من السمك في شراء سمك الآجام ، وإن كان فيه ما فيه ؛ لمخالفته لفهم العقلاء ، ولا سيّما مع النكتة المذكورة فيها .
مع أنّ اشتراء الأصواف على ظهر مائة نعجة ، مقصود بالأصالة .
وأوضح إشكالاً ، ما إذا كان المراد التبعية في اللفظ ، فإن قال : «بعتك سمك
ص: 571
الأجمة ، وهذا الكفّ منه» بطل ، ولو انعكس صحّ ؛ ضرورة أ نّهما في صدق الغرر عليهما سواء .
والتفريق بينهما : بالتشبّث بالروايات التي وردت في الصحّة ؛ بدعوى أنّ المذكور فيها تقدّم المعلوم ، فتقدّم المجهول باقٍ تحت دليل النهي عن الغرر .
في غير محلّه ؛ ضرورة عدم فهم العرف من صرف التقدّم اللفظي خصوصية فيه ، ولا سيّما مع الحكمة أو العلّة المذكورة فيها .
مضافاً إلى إطلاق رواية الكرخي(1) ورواية معاوية بن عمّار(2) بل وصحيحة العيص(3) ولا تصلح غيرها لتقييدها كما هو واضح .
ويتلوها في الضعف ، ما استظهره في «الجواهر» من الأخبار ، وكلمات الأصحاب بوجه ؛ من أنّ المحصّل منها جواز كلّ ما كان فيه الغرر - من حيث الحصول وعدمه - بالضميمة إلى معلوم ، على وجه يكون المقصود بالبيع ذلك المعلوم ؛ بمعنى الإقدام منهما ولو لتصحيح البيع ، على أنّ المبيع المقابل بالثمن ، هذا المعلوم المقصود في تصحيح البيع ، وإن كان المقصود من حيث الغرض ، هو ما فيه الغرر .
إلى أن قال : ولعلّ الوجه فيها حينئذٍ ، عدم الاندراج مع الفرض المزبور في النهي عن بيع الغرر ، بعد فرض جعل المتعلّق له المعلوم ، على وجه يكون هو المقابل للثمن مع فرض عدم غيره ، فتأمّل جيّداً ، فإنّه دقيق نافع ، قد رمزوه عليهم السلام
ص: 572
إلى من يرزقه اللّه فهم رموزهم(1) ، انتهى ملخّصاً .
ضرورة أنّ ما وجّهه ، خلاف الاعتبار العقلائي والشرعي في البيع ، إن كان المراد وقوع العقد عليهما ، ووقوع الثمن في مقابل المعلوم فقط ، وموجب للتعليق وكون بيعين في بيع - المنهيّ عنه بالنبوي المنقول : أ نّه «نهى عن بيعين في بيع»(2) - إن كان المراد بيع المعلوم والمجهول على فرض الحصول ، وبيع المعلوم على فرض عدمه .
وخلاف ظواهر الروايات الدالّة على بيع المعلوم والمجهول معاً ، مصرّحة بأن يقول : «اشتر منّي هذا اللبن الذي في الاُسكرّجة وما في ضروعها»(3) ولا سيّما فيما كان الفرض في كلام السائل كرواية الكرخي(4) ؛ ضرورة أ نّه لم ينقدح في ذهنه ولا في ذهن أحد من العرف ، ما وجّهه هذا المحقّق المدقّق ، وجعله من رموز كلامهم عليهم السلام .
والإنصاف : أنّ طرح الروايات كما صنعه الحلّي(5) ، أهون من التوجيهات المخالفة للواقع والقواعد العقلية والعقلائية والشرعية .
ص: 573
جواز إندار مقدار يحتمل الزيادة والنقيصة ، لظرف ما يوزن مع ظرفه ، ممّا لا إشكال فيه في الجملة ، وادّعيت الشهرة وعدم الخلاف فيه(1) ، بل عن فخر الدين قدّس سرّه : دعوى الإجماع عليه ، قال فيما حكي عنه : نصّ الأصحاب على أ نّه يجوز الإندار للظرف ؛ بما يحتمل الزيادة والنقيصة ، فقد استثني من المبيع أمر مجهول ، واستثناء المجهول مبطل للبيع إلاّ في هذه الصورة ، فإنّه لا يبطل إجماعاً (2) ، انتهى .
إنّما الكلام في أقسام ما يتصوّر في بيع المظروف ، مع الجهل بمقداره كيلاً ووزناً ، بعد العلم بمقدار مجموع الظرف والمظروف ، وفي مقتضى القاعدة فيها ، ومقدار دلالة معقد إجماع الفخر والأخبار الواردة في هذا الباب(3) ، فنقول :
ص: 574
إنّه بعد توزين المجموع ، قد يقع البيع على المظروف قبل الإندار ، إمّا ببيع ما في الزقاق مثلاً بثمن معلوم وإمّا ببيع ما فيها كلّ رطل بكذا ، وقد يقع عليه بعد الإندار ، ويجيء فيه القسمان .
والفرض الأوّل في كلّ من القسمين لا يحتاج إلى الإندار ، فلو قلنا : بصحّتهما - بدعوى كفاية العلم بوزن المجموع - وقعا صحيحين بلا إندار ؛ لمعلومية المثمن والثمن ، لا بمعنى معلومية مقدار المثمن ، بل بمعنى أ نّه بعد عدم لزوم العلم بالمقدار ، يكفي العلم بنفس المثمن .
وهذا هو مراد الشيخ قدّس سرّه (1) ، لا ما توهّمه بعضهم ، وأورد عليه : بأنّ المثمن مجهول المقدار(2) .
وكيف كان : مقتضى القواعد بطلان جميع الأقسام ؛ للجهل بالوزن والكيل ، ومجرّد تسامح المتعاملين ، أو تعارف الإندار ، أو تعارف البيع كذلك ، أو بناء المتعاملين في البيع على أ نّه مقدار كذا ، لا يوجب خروجه عن بيع الغرر بمعنى الجهالة ، كما أنّ مجرّد التعيين تخميناً وحدساً ، أو ظنّاً ، لا يوجبه .
بل يظهر ذلك من صحيحة الحلبي ، عن أبي عبداللّه عليه السلام أ نّه قال : في رجل اشترى من رجل طعاماً عدلاً بكيل معلوم ، وأنّ صاحبه قال للمشتري : «ابتع منّي هذا العدل الآخر بغير كيل ؛ فإنّ فيه مثل ما في الآخر الذي ابتعت» .
ص: 575
قال : «لا يصلح إلاّ بكيل» .
وقال : «وما كان من طعام سمّيت فيه كيلاً ، فإنّه لا يصلح مجازفة ، هذا ممّا يكره من بيع الطعام»(1) .
وقد مرّ الكلام فيها وفي مفادها في محلّه(2) ، وقلنا : إنّ المتعارف وزن الأحمال نوعاً عند اشترائها ، وعدم الاتّكال على قول البائع ، فحينئذٍ لا داعي للبائع في أن يكيل أو يزن الأحمال قبل إرادة بيعها .
وهذا قرينة على أنّ المراد من قوله : «فإنّ فيه مثل ما في الآخر» أ نّه مثلها حدساً وتخميناً ، ولا يكون ذلك إخباراً عن الكيل والوزن ، فأجاب بعدم الصلوح إلاّ كيلاً وأطلق عليه : «الجزاف» لو كان قوله عليه السلام : «ما كان من طعام سمّيت . . .» . إلى آخره ، من تتمّة الرواية كما هو الظاهر ، لا إلحاق رواية اُخرى بها ، كما قد يشعر به قوله : «وقال . . .» إلى آخره .
وكيف كان : تدلّ الرواية على أنّ التعيين بالحدس والتخمين ، لا يكفي ولو مع رضا المتبايعين ، وأنّ التسامح أو عدم الاختلاف الفاحش ، لا يكفي في الصحّة ، بل لا بدّ من الكيل ، وأ نّه بلا كيل مجازفة ، فيظهر منها أنّ الأقسام المتقدّمة كلّها باطلة ، وإن كان المتعاملان راضيين به ، وأنّ الإندار بالتخمين والحدس لا يفيد ، كما أنّ تعارف الإندار أو مقداره لا يفيد .
إلاّ أن يقال : إنّه بعد قيام السيرة العقلائية على الإندار ، وإحراز اتّصالها بزمان
ص: 576
الوحي ، تخصّص بها أدلّة البطلان ، أو توجب انصرافها عن مورده .
لكنّه مشكل بل ممنوع ؛ لعدم كون تعارف ذلك عند بعض التجّار أحياناً - على فرض ثبوته - من السيرة العامّة التي تصلح للتقييد أو انصراف الأدلّة ، كخبر الثقة ، وأصالة الصحّة في العقود ، ونحوهما .
فالاتّكال بحسب القاعدة على دليل الغرر ودليل اعتبار الكيل والوزن ، إلاّ أن يدلّ دليل على الصحّة ؛ من إجماع أو أخبار .
ثمّ إنّ في القسم الأوّل من الأقسام المتقدّمة ، يكون الثمن معلوماً وجداناً ، والمثمن مجهولاً غير متعيّن حتّى بالحدس والتخمين .
وفي الثاني يكون الثمن والمثمن مجهولين كذلك ، فلو دلّ دليل على الصحّة في الثاني ، يستفاد منه الصحّة في الأوّل ، دون العكس .
وما قيل : من أنّ في الثاني لا خطر في المعاملة دون الأوّل(1) مزيّف ؛ فإنّ الدليل على البطلان ، هو حديث النهي عن الغرر ، وهو - على ما تسالم عليه فقهاء الفريقين على ما قيل(2) - الجهالة .
واحتمال شرط آخر وراء الغرر وهو عدم الخطر ، منفيّ بالأصل ، واحتمال استعمال لفظ «الغرر» في أكثر من معنىً - على فرض إمكانه - لا يعتنى به .
وفي الثالث يكون ثمنه معلوماً وجداناً ، ومثمنه حدساً وتخميناً ، وصحّة أحد القسمين السابقين ، مستلزمة لصحّته دون العكس ؛ لاحتمال اكتفاء الشارع بالتخمين .
ص: 577
وفي الرابع يكون الثمن والمثمن متعيّنين تخميناً ، وصحّته دليل على صحّة الثالث ، دون ما قبله ، وصحّة الثالث لا تدلّ على صحّته .
كما أنّ صحّة الثاني من القسمين الأوّلين ، دليل على صحّة باقي الأقسام .
ثمّ إنّ ظاهر معقد الإجماع في كلام فخرالدين ، هو الصحّة في أحد القسمين الأوّلين من الأقسام ؛ لأنّ قوله : نصّ الأصحاب على أ نّه يجوز الإندار للظرف ، بما يحتمل الزيادة والنقيصة(1) ظاهر في أنّ مقدار الإندار أمر معلوم ، والجهل إنّما تعلّق بانطباقه على مقدار الظروف ، ولو كان مقدار الإندار مجهولاً لم يصحّ فيه احتمال الزيادة والنقيصة .
مع أنّ الإندار المفتى به في كلام الأصحاب ومتون الفقه ، هو إسقاط أمر معلوم ، بإزاء الظرف المجهول(2) ، فقوله : «فقد استثني من المبيع أمر مجهول» لا يعقل أن يكون تفريعاً على ما سبق ؛ لأ نّه لا يناسبه ، بل يناقضه .
فلو قيل : «نصّ الأصحاب على إندار مقدار معلوم حال البيع ، ويتفرّع عليه أنّ استثناء أمر مجهول حال البيع كذا» لكان من الكلام الباطل .
بل لو كان المراد التفريع على ما تقدّم ، وكان مراده بما تقدّم ، استثناء الإندار بما يحتمل الزيادة والنقيصة من المبيع ، ثمّ إيقاع البيع عليه ، لقال : «فاستثناء أمر
ص: 578
معلوم من المجهول ، لا يوجب معلومية المبيع ، فكان البيع باطلاً ؛ للجهل به ، لا بالمستثنى» ضرورة أنّ المستثنى معلوم في الفرض .
فلا ينبغي الإشكال : في أنّ المراد من «استثناء أمر مجهول من المبيع» استثناء الظروف المجهولة المقدار ، قبل وقوع الإندار بما يحتمل النقيصة والزيادة .
وإنّما استفاد الفخر ذلك من لازم نصّ الأصحاب ؛ فإنّ جواز الإندار بعد الفراغ عن صحّة البيع ، كما أنّ الإجماع المدّعى في الذيل ، مستفاد من نصّهم ، وإلاّ فمتون الفقه خالية عن ذلك ، بل متعرّضة لجواز الإندار .
فتحصّل ممّا ذكر : أنّ ما استظهره الشيخ الأعظم قدّس سرّه (1) من كلامه ، لا ينطبق عليه جزماً ، بل الظاهر من كلامه ، أنّ البيع بعد استثناء الظرف المجهول من المبيع ، وقبل إندار أمر معلوم ، صحيح عند الأصحاب ، فيدلّ كلامه على صحّة البيع في أحد القسمين الأوّلين .
والظاهر بحسب المتعارف في المكيل والموزون ، وقوعه على النحو الثاني منهما ، وهو بيع ما في الظروف كلّ رطل بكذا ، ولازم صحّته - على فرض كون المستند الغرر - هو صحّة سائر الأقسام .
هذا إذا صحّ الاتّكال على الشهرة المحقّقة في المسألة والإجماع المنقول فيها (2) ، لكنّها ليست من المسائل التي يصحّ الاتّكال فيها عليهما ، بل ولا على الإجماع المحقّق أيضاً ؛ فإنّها من المسائل الاجتهادية الواردة فيها الروايات ، ويكون استناد الفقهاء إليها ، أو يحتمل استنادهم .
ص: 579
وأمّا الروايات فمنها : موثّقة حنان - بناءً على وثاقته ووثاقة سائر رجال السند(1) ، لكنّها لا تخلو من كلام - قال : كنت جالساً عند أبي عبداللّه عليه السلام ، فقال له معمر الزيّات : إنّا نشتري الزيت في زقاقه ، ويحسب لنا فيه نقصان ؛ لمكان الزقاق .
فقال : «إن كان يزيد وينقص فلا بأس ، وإن كان يزيد ولا ينقص فلا تقربه»(2) .
واختلفت النسخ ، ففي «التهذيب» في باب الغرر : «في أزقاقه ويحسب» ب- «الواو»(3) وفي باب بيع المضمون «فيحتسب لنا نقصان منه»(4) .
وفي «الكافي»: «فيحسب»(5) وكذا في «الوافي»(6) عن «التهذيب» و«الكافي».
فعلى نسخة «الفاء» يكون الظاهر أنّ الاشتراء كان قبل الطرح والاحتساب ،
ص: 580
فيكون موافقاً لعبارة الفخر قدّس سرّه (1) .
بل الظاهر أنّ المتداول في الاحتساب والطرح ، وقوعه بعد البيع ، وكون اختبار الظروف وتعيين مقدارها بعد التخلية ، حين إرادة أداء الثمن إلى البائع ، فيوزن المجموع أوّلاً ، ويشترى كلّ رطل من المظروف مثلاً بكذا ، ثمّ عند الاحتساب ، واختبار الظروف ، وتعيين مقدارها تخميناً ، يطرح المقدار التخميني ، ويردّ ثمن الباقي إلى البائع ، فيستفاد منها تأخّر الاشتراء عن البيع على نسخة «الواو» أيضاً .
وأمّا احتمال كون قوله : «فيحسب لنا» تفسيراً للاشتراء ، ومن ذكر المفصّل بعد المجمل(2) ، فهو كما ترى .
فتدلّ الرواية على صحّة القسم الثاني ، وبالملازمة على صحّة جميع الأقسام ، كما تقدّم في عبارة الفخر قدّس سرّه (3) .
ومنها : رواية علي بن أبي حمزة ، وفيها - بعد فرض كونه بائع الزيت ، وأ نّه يأتيه من الشام ويبيعه ، والسؤال عن الأخذ لنفسه - قال له : جعلت فداك ، فإنّه يطرح لظروف السمن والزيت، لكلّ ظرف كذا وكذا رطلاً، فربّما زاد، وربّما نقص.
قال : «إذا كان ذلك عن تراضٍ منكم فلا بأس»(4) .
ص: 581
والظاهر من التفريع على ما تقدّم فيها من بيعه ، ومن «الطرح» الذي هو بمعنى الإلقاء والإسقاط - وهو لا يناسب الاستثناء قبلاً ، بل يناسب الإلقاء عن المبيع بعد بيعه كلّ رطل بكذا ؛ لأخذ ثمن البقية - هو الإندار بعد البيع كما هو المتعارف .
والظاهر منها بيع كلّ رطل من السمن الخارجي بكذا ؛ بدليل قوله : «يطرح لكلّ ظرف كذا وكذا رطلاً» فينطبق على القسم الثاني من الأقسام ، ويأتي فيه ما ذكرنا في موثّقة حنان .
ومنها : رواية علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال : سألته عن الرجل ، يشتري المتاع وزناً في الباسنة(1) والجوالق ، فيقول : «إدفع للباسنة رطلاً أو أقلّ أو أكثر من ذلك» أيحلّ ذلك البيع ؟
قال : «إذا لم يعلم وزن الباسنة والجوالق فلا بأس إذا تراضيا»(2) .
وهذه الرواية أظهر من غيرها في الدلالة على تأخّر الإندار ؛ لظهور قوله : «فيقول» في ذلك ، ولقوله : «إدفع للباسنة رطلاً» فلو كان الإندار قبل البيع ، وكان البيع واقعاً على المظروف المعيّن بالتخمين ، لم يكن معنىً للدفع للباسنة ؛ لمعلومية المبيع تخميناً ، ووقوع الثمن بإزائه ، والحمل على الدفع بعنوان معاملة جديدة ، كما ترى .
ولقوله عليه السلام في الجواب : «إذا لم يعلم وزن الباسنة فلا بأس» الظاهر عرفاً
ص: 582
- ولتضمّن «إذا» معنى الشرط - في أنّ عدم البأس مختصّ بصورة الجهل ، فلو كان الاستثناء قبل البيع ، كان استثناء المعلوم موجباً لمعلومية المبيع ، فهو أولى بالصحّة ، فلا محالة يكون المراد الإندار بعد البيع حتّى يفرّق بين المعلوم والمجهول ، وسيأتي الكلام فيه(1) .
ولقوله عليه السلام : «إذا تراضيا» فإنّ المفروض صدور البيع مع التراضي ، فلو كان الإندار قبل البيع ، لم يكن وجه للجواب باشتراط التراضي بعد مفروغيته ، وأمّا في الإندار بعده ، فيصحّ ذلك كما يأتي(2) .
وأمّا قوله : «أيحلّ ذلك البيع ؟» فلا يدلّ على أنّ الإندار قبله ؛ لأنّ السؤال عن بيع المجهول صحيح على أيّ حال ، فلا محالة يكون المراد صحّة البيع بلازمه ، ويظهر من الجواب ذلك أيضاً .
فمع الغضّ عن ضعف سندها (3) ، لا إشكال في دلالتها ، كما لا إشكال في دلالتها على القسم الثاني ، فيأتي فيها ما تقدّم ؛ من صحّة إثبات الحكم لسائر الأقسام(4) .
لكن يمكن المناقشة فيه ؛ لاحتمال كون الحكم ثابتاً للقسم المتعارف بين
ص: 583
التجّار ؛ للتسهيل ومراعاة حال نوعهم ، فالأقسام المقترحة لشخص أو أشخاص ، خارجة منه ، وباقية تحت الأدلّة العامّة ، نظير ما ثبت من عدم انفعال غسالة الاستنجاء(1) ، وجواز الاكتفاء بالأحجار للنجو(2) ، فإنّه لا يصحّ إثبات حكمهما لسائر الموارد ؛ بتخيّل عدم الفرق بينهما وبين سائر الموارد ، فإنّ احتمال جعل الحكم للمورد عفواً وتسهيلاً - لأجل كثرة الابتلاء ومراعاة حال المكلّفين ولا سيّما في بعض المناطق - يمنع عن ذلك .
وليس المقام من قبيل بعض المقامات التي يلغي العرف فيها الخصوصية ، نظير قوله : «أصاب ثوبي دم رعاف»(3) .
فإثبات الحكم لغير الصورة المتداولة ، وهي التي كانت معقد الإجماع ومورد الروايات ، مشكل .
بل يمكن المناقشة في إثبات الحكم من موثّقة حنان(4) ، ورواية علي بن أبي حمزة(5) - التي لا يبعد جواز الاعتماد عليها - لمثل بيع زقّ أو دبّة ونحوهما ؛ ممّا هو خارج عن مال التجارة ، في زقاق كثيرة ممّا يبتلي بها الزيّات والسمّان ؛ لاحتمال دخالة الخصوصية فيها .
ص: 584
والغضّ عن الغرر في مورد كثرة ابتلاء التجّار بالزقاق الكثيرة للتسهيل عليهم ، لا يوجب الإغماض عنه في مورد اشتراء الزيت في دبّة أو قارورة ، كما لا يصحّ إثباته لغير المائعات كالبطّيخ والقثّاء والباذنجان ؛ لخصوصية في المائعات - بل في خصوص السمن والزيت منها - ليست في غيرها .
نعم ، مقتضى رواية «قرب الإسناد»(1) ثبوته لظرف واحد وللطعام أيضاً ، لكنّها ضعيفة(2) .
إلاّ أن يقال : الظاهر استقرار فتوى الأصحاب قديماً وحديثاً ، على ثبوت الحكم لمطلق المظروف الذي يتعارف بيعه في ظرفه ، كما تشهد به عبارة الفخر قدّس سرّه (3) ومتون الفقه(4) .
والمناقشة في حجّية الشهرة بل الإجماع ، في مثل هذه المسألة الاجتهادية الواردة فيها النصوص ممكنة ، لكن ثبوت الحكم بنحو العموم ، كاشف عن تلقّيهم ذلك خلفاً عن سلف إلى زمان المعصومين عليهم السلام ، فتأمّل .
كما أنّ تعارف ذلك في أسواق المسلمين وغيرهم من غير نكير ، كاشف عن ثبوت الحكم لمطلقه من الصدر الأوّل ، فتأمّل .
بل لعلّ فهم العرف مساعد على ذلك ، وما ذكرناه واحتملناه ، وسوسة خارجة
ص: 585
عن متفاهم المخاطبات العرفية ، وعن الطريقة المألوفة ، ولو فتح باب تلك المناقشات العقلية ، لأمكنت المناقشة في أصل الحكم ؛ بأن يقال : إنّ موثّقة حنان وكذا رواية علي بن أبي حمزة ، ليستا بصدد بيان صحّة البيع وعدمها ، بل هما بصدد بيان جواز الإندار ، بعد الفراغ عن صحّة البيع .
ولعلّ صحّته المفروغ عنها لأجل رفع الغرر بإخبار البائع ، فإنّ إخباره - ولا سيّما إذا كان مؤتمناً - موجب لرفع المجازفة والغرر .
ولا يلزم من رفعهما بإخباره ، صحّة الاتّكال عليه في غير ذلك ، كما ورد في الروايات الدالّة على صحّة البيع اتّكالاً على قول البائع في الكيل، عدم جواز بيعه بغير كيل بمجرّد تصديق البائع ، كصحيحة عبد الرحمان(1) وغيرها (2) .
فيقال في المقام أيضاً : إنّ البيع صحيح بإخبار البائع بالكيل ، لكن الإندار بعده يحتاج إلى رضا الطرفين ؛ ليحلّ مال الغير على فرض الزيادة أو النقيصة .
وبالجملة : التفكيك بين لوازم الأمارات ، جائز ممكن ، ومع احتماله لا يصحّ رفع اليد عن القواعد .
ولكنّك خبير : بأ نّه مع معهودية الإندار وتداوله على الوجه المعروف - بأن يوزن الظرف والمظروف ، فيباع المظروف ، ويندر مقدار للظرف - لا يبقى مجال لتلك المناقشة ، ولهذا لا ترى في الكتب الاستدلالية ولا في فتاوى الأصحاب ،
ص: 586
احتمال ذلك ، بل استقرّت الفتوى على جواز بيع المجهول واستثنائه من بيع الغرر ؛ بدليل ذكر الفرع في ذيل اشتراط الكيل والوزن(1) ، وبدليل قول الفخر قدّس سرّه (2) المطّلع على فتاوى الأصحاب .
لكن مع ذلك كلّه ، إلحاق الجامدات من الحبوب والثمار والخضروات ، بالمائعات محلّ تأمّل .
وأولى بالتأمّل إلحاق كلّ مصاحب للمبيع يتعارف بيعه معه ، كالشمع في الحلي ، والمظروف الذي يقصد بيع ظرفه إذا كان وجوده فيه تبعاً ، كقليل من الدبس في الزقاق(3) .
ودعوى : القطع بالمناط أو إلغاء الخصوصية عرفاً (4) ، عهدتها على مدّعيها .
وقد عرفت(5) : عدم صلاحية ذلك التعارف عند بعض التجّار ، لتقييد دليل الغرر ، ودليل اعتبار الكيل .
ثمّ إنّ لقوله عليه السلام في موثّقة حنان : «إن كان يزيد وينقص فلا بأس»(6) ،
ص: 587
احتمالات ، ذكرها الشيخ الأعظم قدّس سرّه (1) ، وإن كان في بعض استشهاداته نظر ، لكن على جميع الاحتمالات ، تكون الزيادة والنقيصة محتملة في البيع الشخصي ؛ فإنّ كون نقيصة في بعض غير معلوم ، وزيادة في بعض كذلك ، يوجب الشكّ في الزيادة والنقيصة في الجميع ، كما أنّ حصول الزيادة في بعض المعاملات ، والنقيصة في بعض ، موجب للاحتمال في المعاملة الشخصية .
والأظهر من بين الاحتمالات هو الثالث ، كما تشهد به رواية علي بن أبي حمزة(2) ؛ فإنّ الظاهر منها أ نّه ربّما زاد في حال ، وربّما نقص في حال .
بل الظاهر من رواية حنان أيضاً ذلك ؛ لأنّ السؤال إنّما هو عن نوع المعاملات الواقعة في خلال التجارة ، لا عن شخص معاملة ، فقوله : «يزيد وينقص» ظاهر في نوعها ، كما أنّ رواية علي بن أبي حمزة أيضاً كذلك .
وكيف كان : لا فرق بين الاحتمالات ، في أنّ اللازم منها احتمال الزيادة والنقيصة في كلّ معاملة ، فحينئذٍ إن قلنا : بأنّ الإندار شرط لصحّة البيع ، ولا بدّ وأن يكون قبله كما قيل(3) ، فالظاهر من الموثّقة أنّ الشرط في الصحّة هو احتمالهما ؛ فإنّه المتعارف الخارج عن دليل المنع .
وأمّا مع العلم بالزيادة أو النقيصة ، فيبقى تحت دليله ؛ لعدم كونه متعارفاً ، والخارج منه ما هو المتعارف .
والظاهر منها أنّ الشرطية الثانية لذكر أحد القسمين من المفهوم ، والميزان هو
ص: 588
الشرطية الاُولى ومفهومها ، والمستفاد منها عدم الصحّة في الفرضين ، فيرجع مفادها إلى أ نّه مع احتمال الأمرين يصحّ البيع ، وإلاّ لا يصحّ ، سواء علم بالزيادة أو بالنقيصة .
كما أنّ الظاهر من الروايتين ، أنّ اشتراء الزيت ونحوه في الزقاق والإندار ، كان أمراً متعارفاً ؛ فإنّ قوله : «إنّا نشتري الزيت في زقاقه . . .»(1) إلى آخره ، ظاهر في أنّ العمل العادي والمتعارف ذلك .
ومن الواضح أن الزيّات ، لم يسأل عن قضيّة شخصية ، بل مورد سؤاله ما هو المتعارف عند الزيّاتين والتجّار ، فاعتبار الاعتياد والمتعارف ممّا يدلّ عليه الروايتان ، فهو شرط ثانٍ لصحّته .
وأمّا الرضا منهما على هذا الاحتمال ، فلا إشكال في اعتباره ، لا لما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه (2) ، بل لأنّ المفروض أنّ الإندار قبل البيع ، وهو دخيل في تعيين المبيع تخميناً ، ومعه لا بدّ من رضا المتبايعين حتّى يتعيّن المبيع بحسب الأرطال التخمينية ، ولا معنى لعدم اعتباره حال البيع كما هو ظاهر .
فعلى ما ذكرناه : يظهر أ نّه على هذا المبنى ، يرجّح من الأقوال الستّة التي ذكرها الشيخ قدّس سرّه ، القول الثاني الذي نسبه إلى «التحرير»(3) كما ظهر ضعف سائر الأقوال والاحتمالات .
ثمّ إنّ ما مرّ : من عدم كون الموثّقة في مقام البيان بالنسبة إلى نفس
ص: 589
الشراء(1) ، إنّما هو على القول المختار(2) .
وأمّا على فرض كون السؤال عن الاشتراء الذي يندر فيه ، فالظاهر صحّة الإطلاق ؛ لأنّ المسؤول عنه هو الاشتراء بكيفية خاصّة ، لا الإندار بعد الفراغ عن تمامية البيع وصحّته ، هذا على الاحتمال المزيّف .
وأمّا على المختار ، فيقع الكلام في أمرين :
أحدهما : ما يعتبر في صحّة البيع بحسب الروايات ، لا بحسب القواعد .
فنقول : أمّا اعتبار كون البيع في الظرف متعارفاً ومعتاداً ، فهو الظاهر من الروايتين كما مرّ ، كما أنّ كون الإندار بعد البيع كان معتاداً ومتعارفاً ، فهو أيضاً ظاهر منهما ، فالأمران يرجعان إلى شرط واحد ، وهو كون الإندار بعده متعارفاً ومتداولاً عند التجّار .
ولازم ذلك هو تعارف وزن المجموع ، وبيع الشيء في ظرفه ، فهل تعارفه كذلك كافٍ في صحّة بيع المجهول ، أو أنّ لها شرطاً آخر ، وهو الإندار الخارجي بنحو الشرط المتأخّر ، أو بنحو آخر من الاحتمالات التي تقدّمت في إجازة الفضولي(3) ؟
وجهان ، من أنّ الخروج عن القواعد لا يصحّ إلاّ بدليل ، ولا إطلاق للروايتين
ص: 590
بالنسبة إلى الاشتراء على هذا الفرض ، والمتيقّن من الخروج هو بيع المجهول الذي يتعقّبه الإندار .
ومن أنّ الشرط المتأخّر والاحتمالات التي تقدّمت في إجازة الفضولي ، ممّا لا تنقدح في أذهان العامّة والعرف ، وتبعد عن السؤال والجواب ، وأنّ مثل الزيّات إنّما يسأل عمّا يتعارف بين التجّار ، ولا إشكال في أنّ المتعارف بينهم ، هو بيع المظروف بعد الوزن والبناء على تمامية البيع ، والإندار إنّما هو لتعيين المقدار التخميني في مقام الاحتساب ، وأداء حقّ البائع خارجاً ؛ بحيث لو أغمض أحد المتعاملين بعد البيع عن الإندار ، وأدّى مقداراً زائداً ، وأرضى صاحبه ، لا يرون به بأساً ، وكون الإندار دخيلاً في الصحّة ممّا هو بعيد عن الأذهان جدّاً ، ومخالف لفهم العرف من الروايات .
ولا يبعد أن يكون الأقوى هو الثاني .
نعم ، يمكن المناقشة في فرض عدم رضا المتعاملين بالإندار ، وإنهاء الأمر إلى إفراغ الظروف ووزنها : بأ نّه بعد وقوع البيع على المجهول ، إذا علم وزنه حقيقة ، لا يصحّ الاكتفاء به ، بل يجب تجديد العقد ؛ فإنّ هذا الفرض خارج عن مفاد الروايات المجوّزة ، فيعمل فيه على طبق القاعدة .
وأمّا بعد الإندار والاحتساب لو اتّفق العلم بالوزن ، فلا يعتنى به ؛ لدخوله في إطلاق الروايات ، بل معلومية الوزن بعد الإندار والاحتساب ، ليس أمراً عزيزاً ، فلو كانت المعلومية كذلك مضرّة ، كان عليه التنبيه .
ولو قيل : إنّ كون الإندار الخارجي ، شرطاً لصحّة الشراء بنحو الشرط المتأخّر ، يمكن استفادته من موثّقة حنان ، بعد فرض كون الظاهر منها تأخّر
ص: 591
الإندار عن البيع ؛ بدعوى أنّ متعلّق قوله : «لا بأس» هو الاشتراء ؛ أي لا بأس بالاشتراء إذا وقع الإندار بعده بما يحتمل الزيادة والنقيصة ، وأمّا مع العلم بالزيادة فلا تقربه ؛ أي لا تقرب الاشتراء .
بل بناءً على هذا الوجه، يستكشف أنّ الرواية في مقام البيان من جهة الشراء.
يقال : إنّ الظاهر وحدة متعلّق «لا بأس» مع فاعل «ينقص» و«يزيد» والتفكيك بينهما خلاف السياق والظهور ، ولا إشكال في أنّ فاعل «يزيد» و«ينقص» الزيت ، أو الحساب ، أو النقص ؛ أي مقداره .
فالمراد منه : أنّ الزيت لا بأس به ولو كانت فيه زيادة ، أو الحساب كذلك لا بأس به ، وكذا النقص ، وكلّها ترجع بالنتيجة إلى معنىً واحد .
والظاهر أنّ مورد السؤال هو ذلك ، لا الشراء ، كما يشهد به سؤاله في رواية علي بن أبي حمزة(1) الظاهر - كالنصّ - في أ نّه ليس عن البيع والشراء ، بل عن الطرح والإندار بما ينقص تارة ، ويزيد اُخرى .
ثمّ إنّ الظاهر ممّا مرّ ، أنّ موثّقة حنان(2) في مقام بيان جواز الإندار ، وعدم البأس به إذا احتملت الزيادة والنقيصة ، فيدفع بإطلاقها احتمال دخالة ما يشكّ في دخالته في جواز الإندار ، ويستكشف منه عدم دخالته في صحّة البيع ؛ لأ نّه مع عدم صحّته لا معنى لعدم البأس بالإندار .
فاحتمال دخالة البناء على الإندار ، والرضا به حال البيع ، أو متّصلاً من
ص: 592
حاله إلى زمان الإندار، يدفع بإطلاق الإندار، ويستكشف منه عدم شرطيته لصحّة البيع.
ورواية علي بن أبي حمزة على فرض صلاحيتها لتقييد الموثّقة ، لا تدلّ إلاّ على اعتبار الرضا بالإندار الخارجي ، لا بأصل الإندار ، ولا بعنوان «الإندار» بما يحتمل الزيادة والنقيصة .
بل اعتباره في مصداق عنوان «الإندار» لا يدلّ على اعتباره في صحّة البيع ، فلا يصحّ رفع اليد عن إطلاق الموثّقة بالنسبة إلى احتمال دخالة الرضا بأصل الإندار ، أو بعنوان ما تحتمل فيه الزيادة والنقيصة بلا إشكال .
بل يمكن القول : بعدم صحّة دخالة الرضا بالإندار الخارجي في عقد البيع ؛ لأنّ دخالة الرضا بالإندار الخارجي - أي المصداق المعلوم المحتمل للزيادة والنقيصة - تكون من قبيل الشرط المتأخّر ، الذي هو بعيد عن الأذهان بأيّ معنىً متصوّر ، والحمل عليه يحتاج إلى زيادة مؤونة مفقودة في المقام .
ثانيهما : فيما يعتبر في الإندار مضافاً إلى اعتبار كونه بمقدار تحتمل فيه الزيادة والنقيصة ؛ بحسب ما يتفاهم من الروايات .
وقد اضطربت كلماتهم في اعتبار الرضا به :
فاحتمل صاحب «الجواهر» قدّس سرّه حمل الموثّقة على ما يتعارف فيه الإندار بمقدار معلوم ، فلا يعتبر فيه الرضا ، وحمل الخبرين على ما لا يتعارف فيعتبر(1) .
ص: 593
وفيه : أ نّه - مع عدم كونه جمعاً عقلائياً مقبولاً - مخالف لظاهر الموثّقة ، وخبر علي بن أبي حمزة ؛ حيث إنّ الظاهر منهما أنّ السؤال عن أمر واحد ؛ وهو الإندار فيما يتعارف فيه ذلك ، من غير إشعار بأنّ المقدار كان متعارفاً أو لم يكن .
مع أنّ تعارف المقدار المعيّن في الإندار ، ممّا لا واقعية له ظاهراً ؛ لاختلاف الظروف صغرى وكبرى ، وضخامة ولطافة . . . إلى غير ذلك .
واحتمل بعضهم : أنّ الخبرين محمولان على عدم الالتفات إلى ملازمة المعاملة للإندار ، أو على المعاملة بشرط عدم الإندار بالمقدار المعتاد(1) .
وفيه : أ نّه أيضاً كسابقه ؛ من عدم الشاهد عليه ، بل الظاهر على خلافه .
ثمّ إنّ بعضهم وقع في حيص بيص ؛ من جهة أ نّه على مقتضى الرضا المعاملي بالإندار ، لا معنى لاعتباره حال الإندار ؛ فإنّه من قبيل الشرط الضمني فيلزم به .
وإن كان المقصود الرضا بالهبة والإبراء ، فلا وجه لاختصاصه بما تحتمل فيه الزيادة والنقيصة ، بل يعمّ صورة العلم بإحداهما ، مع توافق الروايات على القصر على صورة الاحتمال(2) .
أقول : إنّ ما هو من قبيل الشرط الضمني ، إنّما هو أصل الإندار في قبال تركه مطلقاً ، والإندار بعنوان ما يحتمل الزيادة والنقيصة ، في قبال الإندار بالزيادة أو بالنقيصة .
وأمّا إندار مقدار معلوم خاصّ محتمل للزيادة والنقيصة ، فلا ملزم له ،
ص: 594
ولم يشترط في ضمن المعاملة ، بل لا معنى لاشتراطه بعد فرض كون الإندار كذلك بعد المعاملة ، وحال التخمين والتعيين حدساً .
وقد تقدّم : أنّ الإندار بمقدار معلوم ، لم يكن أمراً عادياً متعارفاً ؛ ضرورة اختلاف الظروف بما لا يتسامح به في التجارات بالأزقاق الكثيرة ، كما هو مورد الروايتين بل المفروض في المقام؛ فإنّ فرض معلومية مقدار الإندار حال المعاملة، مساوق لوقوع المعاملة على المقدار التخميني ، وهو خارج عن هذا الفرض .
ومن الواضح : أنّ لما يحتمل الزيادة والنقيصة ، مصاديق خارجية في مثل تلك التجارات ؛ فإنّ له مراتب في كلّ تجارة ، فالتخمين والحدس بما يحتملهما - بحيث كانت النقيصة عنه والزيادة بأيّ مقدار ، تخرجه عن الاحتمال إلى العلم - غير واقع ، أو نادر الوقوع جدّاً .
فحينئذٍ يمكن اختلاف المتبايعين في مراتب ما يحتملهما بما لا يتسامح فيه مع كثرة الزقاق ، فيحتاج إلى التراضي والتوافق في ذلك ، لا في أصل الإندار أو في أصل ما يحتمل الزيادة والنقيصة بالحمل الأوّلي .
والظاهر أنّ التراضي وقت الإندار على ما ذكرناه ، كان متداولاً عند التجّار ؛ إذ لا ملزم لذلك أصلاً ، والتفاوت في مثل تلك التجارات غير متسامح فيه .
ولعلّ السكوت عنه في رواية حنان(1) ؛ لأجل ذلك التعارف ، ولا ينافي التنبيه عليه في رواية اُخرى(2) ، ولو لم يسلّم ذلك ، فغاية الأمر تقيّد الموثّقة بالرواية ، فتأمّل .
ص: 595
ثمّ إنّ المتحصّل من مجموع الروايتين ، أنّ الإندار بما يحتمل النقيصة والزيادة ، جائز إذا رضيا به ، وأمّا بما يزيد ولا ينقص ، فغير جائز ومحرّم مطلقاً .
وهو كذلك ؛ لأنّ البائع إنّما هو راضٍ بالإندار ، وما هو المتعارف منه هو ما يحتملهما ، فيكون رضاه على موضوع خاصّ لا يتجاوزه ، والإندار بغير ما هو المتعارف لم يتعلّ-ق به الرضا ، بل يحتاج إلى رضا مستأنف ، وهو مفقود فرضاً .
وإنّما ذكر في الرواية الزيادة فقط ؛ لأنّ السائل هو الزيّات المشتري ، والمتعارف في معامل الزيّاتين ، كون المحاسب من خدمهم ، فيرد عليهم الزيت من الأماكن البعيدة ، ويتكفّل خدمهم بالوزن والاحتساب والإندار ، فلا تحتمل حينئذٍ النقيصة دائماً بحسب النوع ، دون الزيادة بنفع الزيّات أو بنفعه ، فيكون الإندار بالزيادة ، من قبيل أكل مال الغير بالباطل وبغير رضاه .
فلو كان الإندار بيد البائع فأندر ناقصاً عمداً ، يكون أخذ الثمن بمقداره أكلاً بالباطل ، وإنّما لم يذكره ؛ لأنّ السائل الزيّات المشتري ، وهو الذي كان الاحتساب بيده .
ثمّ إنّ البائع لو صرّح برضاه بمقدار إندار المحاسب ، لم يكن رضاه متجاوزاً عن الإندار المتعارف ، وهذا بوجه نظير الرضا في البيع الفاسد الذي مرّ الكلام فيه(1) ، فتدبّر جيّداً .
ص: 596
ثمّ إنّ الإندار بما يحتمل الزيادة لا النقيصة - بأن يكون طرف احتمال الزيادة هو المساواة - وكذا بما يحتمل النقيصة لا الزيادة بنحو ما ذكر ، خارجان عن منطوق الروايات .
ويمكن أن يقال : بدخولهما في مفهوم الشرطية الاُولى من الموثّقة(1) ، فيكون الجواز وعدم البأس منحصرين بصورة واحدة ؛ هي ما تحتمل الزيادة والنقيصة .
إلاّ أن يقال : إنّ الشرطية الثانية من مصاديق مفهوم الاُولى ، وقد مرّ : أنّ السرّ في ذكر الزيادة دون النقيصة ، هو كون المشتري وعمّاله كفلاء الإندار ، وأمّا ذكر العلم بالزيادة ، دون احتمال الزيادة لا النقيصة ، فالظاهر أ نّه لبيان أنّ الميزان في عدم الجواز هو العلم ، فلو كان الاحتمال أيضاً موجباً للبأس ، لوجب ذكره ، ليتّضح حال العلم أيضاً ، فيستفاد من ذلك ، أنّ الشرطية الاُولى في مقابل العلم ، لا الأعمّ ، ولعلّ المتفاهم العرفي ذلك أيضاً ، فغير صورة العلم ، داخل في الجواز بشرط أن يكون الإندار كذلك متعارفاً ، وإلاّ ففيه إشكال .
ثمّ إنّ الظاهر من النصوص وطريقة العقلاء ، أنّ احتمال الزيادة والنقيصة ، موضوع الحكم بعدم البأس ، لا أنّ التخمين طريق إلى المقدار الواقعي . أمّا
ص: 597
احتمال جعل الشارع ذلك طريقاً في قبال العرف(1) ، فينبغي القطع بخلافه ؛ فإنّ الإمام عليه السلام لم يتعرّض للحكم ابتداءً ، بل أجاب عمّا سأله الزيّات، مع شرط احتمال الزيادة والنقيصة ، وفي مثله يأبى الكلام عن الظهور في جعل الطريقية .
وأمّا طريقة العقلاء فهي أيضاً كذلك ، فلا يرجع المتعاملان بالزيادة أو النقيصة إذا لم تكن خارجة عن المتعارف ، ومع الخروج عنه يكون الإندار باطلاً ، وعلى خلاف المتعارف .
وبالجملة : لسان الأدلّة آبٍ عن الطريقية ؛ لأنّ فرض الطريقية فرض إلغاء الاحتمال ، وهو ينافي جعل الحكم للشكّ والاحتمال ، كما هو الظاهر .
بقي الكلام فيما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه : من التمسّك بالأصل مع قطع النظر عن الروايات(2) ، ولا بأس بتوسعة نطاق البحث .
فنقول : لو قلنا بأنّ الإندار قبل البيع ، وقلنا بأنّ الحدس والتخمين لا يرفع الغرر ، فهل يمكن إجراء استصحاب عدم زيادة الزيت عمّا اُندر ، واستصحاب عدم زيادة الظروف عنه ؛ للبناء على صحّة البيع ، ورفع الغرر تعبّداً ؛ بدعوى أنّ المستفاد من أدلّة الاستصحاب هو إبقاء اليقين تعبّداً ، وإطالة عمره بلحاظ الآثار أو لا ؟
الظاهر هو الثاني ، لا لأنّ استصحاب عدم زيادة الزيت بنحو «ليس» الناقصة ،
ص: 598
غير مسبوق بالوجود ، وبنحو التامّة لا يفيد(1) ، فإنّه قابل للدفع ؛ ضرورة أنّ الزيت يصبّ في الظروف تدريجاً ، فتكون له حالة سابقة بنحو «ليس» الناقصة ، كاستصحاب القلّة للماء إذا شكّ في حصول كثرته .
بل لأنّ الأصل في طرف الظروف غير جارٍ ؛ للإشكال المتقدّم ، إلاّ أن يقال : بإمكان دفعه بما مرّ في المظروف ؛ فإنّ الأزقاق أيضاً متدرّجة من الصغر إلى الكبر حال كونها على ظهر الأغنام .
ومع الغضّ عنه فإجراء الأصل في الظروف ؛ لكشف حال المظروف مثبت .
ومع الغضّ عنه فالاستصحاب لا يرفع الغرر ، إلاّ مع البناء على قيامه بدليله مقام القطع الموضوعي ، وهو ممنوع ؛ لقصور أدلّته عن إثباته ، هذا حال الإندار قبل البيع لتصحيحه .
وأمّا جوازه في نفسه بعده بما يحتمل الزيادة والنقيصة ، فقد تمسّك الشيخ الأعظم قدّس سرّه فيه بأصالة عدم زيادة المبيع عليه ، وعدم استحقاق البائع أزيد ممّا يعطيه المشتري من الثمن(2) .
أقول : لو صحّ جريان أصالة عدم زيادة المبيع ، واُغمض النظر عن عدم حالة سابقة على فرض ، وعن المثبتية على فرض آخر ، لصحّ جريان أصالة عدم النقيصة وعدم المساواة ؛ فإنّ النقيصة أيضاً أمر وجودي كالمساواة ، فتتعارض الاُصول الثلاثة ؛ فإنّ لكلّ منها في نفسه أثراً عقلائياً وشرعياً ولو إمضاءً وتبعاً ،
ص: 599
وبناؤهم على كفاية الأثر في طرف النقيض ، وبعبارة اُخرى : يجري الأصل لنفي موضوع ذي أثر .
وبالجملة : كلّ من تلك العناوين مسبوق بالعدم الأزلي ، فلو اُغمض النظر عن الإشكال في الاُصول الجارية في الأعدام الأزلية(1) ، يجري جميعها ، وإلاّ فلا يجري شيء منها .
إلاّ أن يقال : إنّ لأصالة عدم زيادة المبيع ، خصوصية ليست لغيرها ؛ وهي أنّ الزيت - كما مرّ - يصبّ تدريجاً في الزقاق ، فله حالة سابقة بنحو «ليس» الناقصة ، وبأصالة عدم زيادته إلى زمان تحقّق البيع ، يحرز جزء من الموضوع ، والجزء الآخر وجداني ؛ وهو البيع .
وفيه : أنّ إحراز الموضوع بالأصل والوجدان ، إنّما هو في العناوين التي تثبت للموضوع عرضاً لا طولاً ، مثلاً لو ورد : «يجوز القضاء لمن كان فقيهاً وعادلاً» وكان شخص عادلاً غير فقيه ، ثمّ صار فقيهاً ، وشكّ في بقاء عدالته ، تستصحب عدالته ، فيقال : «إنّه عادل تعبّداً ، وفقيه وجداناً» فيحرز الموضوع .
وأمّا إذا ورد : «أنّ العادل إذا كان فقيهاً جاز له القضاء» وكان عادلاً سابقاً غير فقيه ، ثمّ شكّ في عدالته وصار فقيهاً ، فلا يصحّ إحراز الموضوع فيه بالأصل والوجدان ؛ لأنّ الموضوع كون الفقيه عادلاً ، وهو غير مسبوق باليقين ، وما اُحرز بالأصل هو كونه عادلاً ، وما اُحرز بالوجدان كونه فقيهاً ، لا كون العادل فقيهاً .
نعم ، لازم ثبوت الصفتين له ، هو كون العادل فقيهاً ، والفقيه عادلاً ، وإثبات ذلك بالأصل غير جائز .
ص: 600
والمقام من هذا القبيل ؛ فإنّ الحكم ثابت للمبيع ، أو للزيت إذا بيع أو اشتري ، واستصحاب عدم زيادة الزيت عمّا اُندر إلى زمان البيع ، لا يثبت كون المبيع كذلك ، بل ولا كون الزيت بعد الاشتراء كذلك .
ثمّ إنّ جواز الإندار ، لا يثبت بأصالة عدم زيادة المبيع عليه فقط ؛ فإنّها - على فرض جريانها - تثبت عدم الزيادة ، فيبقى احتمال النقيصة بحاله ، ولا أصل لدفعه ، وأصالة عدم زيادة الظروف ، لا تحرز حال المظروف ، إلاّ على القول بالأصل المثبت ، ومع عدم إحرازها لا يجوز الإندار ، هذا حال أصالة عدم زيادة المبيع .
وأمّا أصالة عدم استحقاق البائع ، فهي بهذا العنوان غير جارية ؛ لعدم الحالة السابقة له ، ولكن يمكن القول : بجريان أصالة عدم استحقاق زيد مثلاً ، أزيد ممّا يعطيه عمرو ، لكن لا يكفي ذلك لإثبات جواز الإندار ، إلاّ إذا ثبت في جانب المشتري أيضاً نظيره .
والظاهر أنّ أصالة عدم استحقاق المشتري زائداً عمّا في الظروف غير مفيدة ؛ فإنّ عدم استحقاقه لزيت زائد مقطوع به ، لأنّ البيع لم يقع على كلّي مطلق ، بل ولا على الكلّي ، وإنّما وقع على الموجود في الزقاق بعنوان «أ نّه مائة رطل» مثلاً ، فلو كان ناقصاً عنها فلا يستحقّ زيتاً بمقداره ، بل يرجع بثمنه .
ولكن هنا أصل آخر يهدم أساس الإندار ، وهو أصالة عدم وصول حقّه إليه ، وأصالة عدم تسليم حقّه إليه ؛ لأنّ حقّه مائة رطل ، ووجودها في الأزقاق مشكوك فيه .
والإنصاف : أنّ أمثال تلك الاُصول لا جدوى لها ، ولا يثبت بها جواز الإندار .
ص: 601
بيع المظروف مع ظرفه على وجوه كثيرة ؛ فإنّهما إمّا موزونان ، كظروف الصفر فيها زيت ، أو معدودان كزقاق فيها جوز ، أو مختلفان .
وربّما يكون الظرف في نفسه يباع بالمشاهدة أو بالذرع .
والموزونان تارة : متّحدان قيمة ، واُخرى : مختلفان . . . إلى غير ذلك من الصور .
ثمّ إنّهما قد يباعان معاً بلا تسعير بكذا .
وقد يباعان كلّ رطل بكذا .
وقد يباعان على أنّ كلّ رطل من المظروف بكذا ، والباقي للظرف .
أو على أنّ مقداراً معلوماً من الثمن بإزاء الظرف ، والباقي للمظروف .
أو على أنّ لكلّ ظرف كذا من الثمن بلا عدّ الظروف ، والباقي للمظروف . . . إلى غير ذلك .
وليعلم أوّلاً : أنّ إطلاق النهي عن الغرر(1) ، متّبع في جميع الموارد المتحقّق
ص: 602
فيها الغرر ، ولا بدّ للخروج عنه من دليل مخرج .
كما أنّ أدلّ-ة اعتبار الكيل والوزن فيما يكال ويوزن(1) ، دالّ-ة على لزوم العلم بهما عند البيع ، وعدم الصحّ-ة مجازفة ، فلا بدّ لرفع اليد عنها من دليل مخرج .
وما تدلّ على جواز الإندار ، المستفاد منها صحّة البيع في مورده ، لا تشمل المقام ، ولا يمكن استنباط الحكم منها له حتّى صورة بيع الظرف والمظروف بكذا ، على أنّ كلّ رطل من المظروف بكذا ، وتكون البقيّة للظرف ؛ لأ نّها أيضاً خارجة عن مصبّ تلك الأخبار ، فتصحيح بيع الظرف والمظروف بها - كما هو المقصود في هذه المسألة - غير وجيه .
بل استفادة صحّة بيع المظروف كذلك منها ، لا تخلو من إشكال ؛ لأنّ هذا الفرض خارج عن المتعارف ، ومن المحتمل أن يكون تجويز البيع في صوره الإندار ؛ للتعارف عند التجّار ، وتسهيل الأمر عليهم .
بل يقوى عدم الجواز إذا تعارف بيع المجموع وزناً ، وقلنا : بتبعية الظرف
في هذه الحال للمظروف في الوزن؛ فإنّه مع صحّة بيعه كذلك بلا غرر ، يكون العدول عنه إلى ما فيه الغرر - بلا وجه كان ، أو لغرض شخصي - موجباً للبطلان ، ولا يمكن تصحيحه برواية حنان ونحوها (2) ، مع اختلاف موردهما من هذه الجهة .
ولو قلنا : بعدم تبعية الظرف ، وبقائه على حكم المعدود ، فالصحّة في الصور
ص: 603
الثلاث بلا دليل ، بعد شمول دليل النهي عن الغرر لها .
وبالجملة : البناء على الصحّة في الصور الثلاث جميعاً كما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه (1) ، غير وجيه .
وما قد يقال : من أنّ المعدود يجوز بيعه وزناً ؛ لأنّ الأصل في التقدير هو الوزن(2) .
غير وجيه إن اُريد جواز بيع المعدود وزناً ؛ فإنّ الأصالة بهذا المعنى غير ثابتة ، وأضبطية الوزن لا توجب رفع الغرر في المعدود إن كان المتعارف عدّه ، والأصالة بمعنى أسبقية الوزن على العدّ غير مفيدة ، مع أ نّها غير ثابتة .
بل الاعتبار يقتضي تقدّم العدّ على الوزن فيما يعدّ ، حتّى في مثل اللوز والفستق .
ثمّ إنّ الظاهر أنّ ما هو المعروف بين الأصحاب : من صحّة بيع المظروف مع ظرفه(3) ، هو بيعهما معاً بكذا ، أو كلّ رطل بكذا ، والصحّة فيهما على القاعدة لو كان الظرف تبعاً للمظروف من الموزونات بحسب تعارف التجّار ، كما لا يبعد ذلك ، هذا حال بيع الظرف مع المظروف .
وأمّا غيره ، كبيع أحد المنضمّين اللذين لا يكفي في بيعه منفرداً معرفة وزن
ص: 604
المجموع ، فلا ينبغي الإشكال في الصحّة إذا بيعا معاً بثمن ، أو كلّ رطل من المجموع بكذا بعد وزنهما ، سواء اختلفت قيمتهما أم لا ، فاحشاً كان أم لا ؛ لعدم الغرر والجهالة بوجه ، فإنّ بيع الشيء أرخص من قيمته مع غرض عقلائي ، لا يكون فيه خطر ، ولا غرر ، ولا سفاهة .
فدعوى الشيخ قدّس سرّه القطع بفساده ؛ بدعوى : أنّ الإقدام عليه خطر ، يستحقّ اللوم عليه من العقلاء(1) غير وجيهة إلاّ في بعض الصور .
وأمّا إذا بيعا بثمن معلوم ، على أن يكون كلّ رطل من أحدهما المعيّن بكذا ، والباقي للآخر ، فلا إشكال في بطلانه ؛ للغرر وعدم معلومية الكيل والوزن ؛ فإنّ هذا النحو يرجع إلى بيعهما منفرداً كما أشار إلى مثله الشيخ قدّس سرّه (2) .
فإطلاق كلام الشيخ قدّس سرّه في المقام(3) محلّ إشكال ، ولعلّ مراده أحد الوجهين الأوّلين .
ولو كان أحد الموزونين يجوز بيعه منفرداً ، مع معرفة وزن المجموع دون الآخر ، كما لو فرضنا جواز بيع الفضّة المحشّاة بالشمع ، وعدم جواز بيع الشمع كذلك ، فالظاهر بطلان بيع المجموع وإن كان الشمع تبعاً ؛ فإنّ التبعية هاهنا ليست كتبعية مفتاح الدار لها في الانتقال ، فإنّه خارج عن الفرض .
بل المراد : أنّ المقصود الأصلي للشراء هو شراء الفضّة ، وبتبعه اشتري الشمع أيضاً ، وفي مثله لا وجه للصحّة بعد تحقّق الغرر ، وعدم الدليل على الاستثناء .
ص: 605
ص: 606
ص: 607
ص: 608
لا إشكال في حسن تعلّم أحكام الدين بل مطلق العلم عقلاً ، وفي استحباب التفقّه شرعاً ، كما لا إشكال في عدم الوجوب فيما لا يجب على المكلّف ، ولا يبتلى به .
إنّما الكلام في وجوب تعلّم الواجبات والمحرّمات مع كونها محلّ ابتلائه ، ومعرفة الحلال والحرام فيما يبتلى به ، كالتاجر الذي يبتلى بالمكاسب التي فيها محرّم ومحلّل ، والقاضي بالنسبة إلى أحكام القضاء . . . إلى غير ذلك .
أقول : أمّا الوجوب العقلي من باب المقدّمة ، فهو ممنوع صغرى وكبرى ؛ ضرورة أنّ التعلّم ليس مقدّمة وجودية لترك المحرّمات ولا للإتيان بالواجبات .
وأ نّه على فرض المقدّمية ، لا يكون واجباً عقلاً ؛ فإنّ اللا بدّية العقلية أمر ، والوجوب العقلي والإيجاب أمر آخر ؛ فإنّ لا بدّية وجود المقدّمة لتحقّق ذيها ، لا يختصّ بالواجبات ، بل كلّ أمر عادي أو غيره إذا أراد الشخص أن يوجده ،
ص: 609
فلا محالة يريد وجود مقدّمته بإرادة مستقلّة بمبادئ خاصّة ، غير مترشّحة من إرادة ذي المقدّمة ، وقد فصّل ذلك في محلّه(1) ، وهذا غير الحكم بوجوبها .
وأمّا حكم العقل بوجوب المقدّمة في الواجبات العقلية ، وحرمتها في المحرّمات العقلية ، فلا وجه له ؛ لعين ما قلناه في الوجوب الشرعي : من أنّ المقدّمة لا يعقل أن تجب شرعاً (2) .
فهاهنا أيضاً نقول : إذا حكم العقل بوجوب ذي المقدّمة ، فإن انبعث منه العاقل ، فلا يعقل حكم آخر لمقدّمته ؛ فإنّ الانبعاث إلى ذي المقدّمة ، مع تصوّر توقّفه على المقدّمة والتصديق به ، كافٍ في إيجادها ، فلا وجه لحكم إلزامي آخر ، وإن لم ينبعث منه ، فلا يعقل كون إيجاب المقدّمة موجباً لانبعاثه ، هذا كلّه مع تسليم أنّ للعقل حكماً إيجابياً وتحريمياً .
وأمّا بناءً على أنّ شأن العقل ليس إلاّ إدراك الحقائق ، وأ نّه يدرك قبح الظلم مثلاً وحسن العدل ، وأمّا الحكم بلزوم الاحتراز من ذلك ولزوم الإتيان بذاك ، فليس من شأنه ، فالأمر أوضح .
ثمّ لو قلنا : بأنّ للعقل أحكاماً إلزامية ، وقلنا بأنّ وجوب المقدّمة ليس منها ، مع أنّ التعلّم ليس مقدّمة ، فيمكن أن يقال : بأنّ مناط إلزام العقل موجود في التعلّم وإن لم يكن مقدّمة .
ودعوى : انحصار المناط بالمقدّمية(3) ، غير مسموعة ؛ فإنّ كثيراً من الأحكام
ص: 610
العقلية ليست بمناط المقدّمية ، كحكمه بوجوب طاعة المولى ، وحرمة مخالفته ، وحكمه بوجوب ترك شيء لا يؤمن مع فعله من الضرر ، ولو من باب الملازمات ، لا المقدّمية .
ففي المقام يمكن أن يقال : إنّ الاشتغال مثلاً بالتجارة التي فيها محرّمات وواجبات ، لا يؤمن معه من العقاب ، فلا بدّ من تركه ، ولو أراد الاشتغال بها ، يحكم العقل بوجوب التعلّم ؛ ليأمن من العقاب .
فالوجوب هاهنا ، كوجوب الفحص عقلاً عن طعام يريد أكله ولا يأمن من كونه مسموماً .
فالوجوب غيري لمن أراد التجارة ، لا مقدّمي ، ولا نفسي كما نسب(1) إلى الأردبيلي قدّس سرّه (2) .
والقول : بعدم الوجوب ؛ لإمكان التحرّز بترك التجارة ، أو ترك ما يحتمل فيه المحرّم(3) ، خارج عن البحث ؛ فإنّ الكلام في التاجر المشتغل بالتجارة ، أو المريد لها، وفي الجاهل، لا في العالم الذي يعلم أنّ ما يرتكبه ليس مشتملاً على الحرام.
وأمّا الوجوب الشرعي ، فالظاهر عدم استفادته من الروايات الواردة في المقام ؛ فإنّ مثل قوله صلي الله عليه و آله وسلم : «طلب العلم فريضة على كلّ مسلم»(4) ،
ص: 611
لا شبهة في عدم كون المراد منه ، أنّ جميع العلوم واجبة على جميع الناس ، فلا بدّ من إرادة كونه في الجملة من الفرائض ، ولعلّ المراد به هو العلم باُصول الدين .
وما يدلّ على الحثّ على طلب العلم(1) يمكن أن يكون إرشاداً إلى ما حكم به العقل ، بل في تلك الروايات شواهد على الإرشاد ، كقوله عليه السلام : «من اتّجر بغير علم فقد ارتطم في الربا ، ثمّ ارتطم»(2) .
وكقوله عليه السلام : «من أراد التجارة فليتفقّه في دينه ؛ ليعلم بذلك ما يحلّ له ممّا يحرم عليه ، ومن لم يتفقّه في دينه ثمّ اتّجر ، تورّط في الشبهات»(3) .
والروايات الدالّة على الحثّ على التفقّه في الدين(4) ، لا ينبغي الإشكال في عدم صحّة الأخذ بإطلاقها وعمومها مع حمل «التفقّه» على المعنى المعروف ؛ من العلم بالأحكام من الطرق الاجتهادية ، ضرورة أنّ تكليف جميع الناس بذلك ، موجب لاختلال النظام ، ومخالف للسيرة القطعية من زمن
ص: 612
الرسول صلي الله عليه و آله وسلم ، ومروراً بزمن الأئمّة عليهم السلام ، ولحدّ الآن ؛ من عدم اشتغال جميع الناس بعلم الحديث والفقه .
فلا بدّ من حملها ، إمّا على لزوم العلم باُصول الدين ، كما حملها بعض المحدّثين المحقّقين قدّست أسرارهم(1) ، وإن أبى عنه بعض تلك الروايات .
وإمّا على وجوب التفقّه بالمعنى المعهود كفاية ؛ فإنّ في تركه محو الشريعة ، أو خوفه .
وتدلّ على الوجوب الكفائي : رواية علي بن أبي حمزة قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «تفقّهوا في الدين ؛ فإنّ-ه من لم يتفقّه منكم في الدين فهو أعرابي ، إنّ اللّه يقول في كتابه: )لِيتَ-فَقَّهُوا فِى ا لدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ((2) »(3) .
فإنّ الآية الشريفة على فرض دلالتها على الوجوب ، تدلّ على وجوبه على فرقة من كلّ طائفة ، مع أنّ في دلالتها عليه إشكالاً ، والتفصيل حول الآية يطلب من مظانّه(4) .
وإمّا على الاستحباب ، كما يشهد له بعضها ، كقوله عليه السلام : «الكمال كلّ الكمال التفقّه في الدين ، والصبر على النائبة ، وتقدير المعيشة»(5) ، وإن كان ظاهر تعبير
ص: 613
بعض الروايات الوجوب ، كقوله عليه السلام : «من لم يتفقّه في دين اللّه ، لم ينظر اللّه إليه يوم القيامة ، ولم يزكّ له عملاً»(1) .
لكن ورود أمثال ذلك في المستحبّات ، ومعلومية عدم وجوب التفقّه في جميع الأحكام على جميع الناس ، شاهد على عدم إرادة الوجوب كذلك ، فلا بدّ من حملها إمّا على الاُصول ، أو على الاستحباب .
مع أنّ قوله عليه السلام : «لم يزكّ له عملاً» لعلّه إشارة إلى الحكم الإرشادي العقلي .
وكيف كان : لا يستفاد من تلك الروايات على كثرتها ، وجوب التعلّم نفساً ، ولا وجوبه شرعاً للغير .
وأمّا ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه : من أنّ المقام يزيد على غيره ؛ بأنّ الأصل في المعاملات الفساد ، فيحرم على التاجر التصرّف فيما يحصل بيده ؛ بمقتضى أصالة عدم الانتقال .
فوجوب معرفة المعاملة الصحيحة في هذا المقام شرعي ؛ لنهي الشارع عن التصرّف في مال لم يعلم انتقاله إليه(2) .
فغير وجيه ؛ لعدم استلزام حرمة التصرّف ظاهراً فيما يحصل بيده ، لوجوب التعلّم شرعاً ، كما لا يخفى .
نعم ، لا مضايقة في الوجوب العقلي الغيري ، كما أشرنا إليه في صدر البحث(3) .
ص: 614
الظاهر قيام الشهرة(1) على كراهية تلقّي الركبان .
وعن «الإيضاح»(2) : أنّ الشيخ قدّس سرّه ادّعى الإجماع على عدم تحريمه .
وعن «نهاية الإحكام»(3) : تلقّي الركبان مكروه عند أكثر علمائنا ، وليس حراماً إجماعاً .
ويظهر منه : أنّ القول بعدم الكراهة أيضاً معتدّ به .
وفي «مفتاح الكرامة» : أنّ الخلاف نشأ بعد الشيخ قدّس سرّه ، وأن لا مخالف قبل عصره ، فقد يدّعي إجماع المتقدّمين ، إلاّ ما قد حكي عن ابن الجنيد الذي لا يزال موافقاً للعامّة غالباً (4) ، انتهى .
ص: 615
وهو أي القول بالكراهة أقوى .
وقد استند القائل بالتحريم(1) إلى رواية عروة(2) ومنهال(3) ، وهما ضعيفتان(4) .
وتوهّم(5) : كون الراوي عن منهال ، ابن أبي عمير وابن محبوب وهما من أصحاب الإجماع(6) ، قد فرغنا عن تزييفه(7) .
وأضعف منه دعوى كثرة الرواية(8) ، مع أ نّه ليس في المقام إلاّ رواية منهال ، وكثرة النقل عنه لا توجب كثرتها ، ورواية عروة ، ومرسلة الصدوق التي هي أيضاً
ص: 616
متن رواية عروة ، واختلاف بعض الكلمات ، لا يوجب تعدّد الرواية ، مع احتمال كونه لاختلاف النسخ .
مضافاً إلى أنّ قوله عليه السلام : «ذروا المسلمين يرزق اللّه بعضهم ببعض»(1) قرينة على الكراهة ؛ فإنّه ظاهر في الاستحباب ، بناءً على أ نّه راجع إلى التلقّي أيضاً .
مع أنّ في رواية منهال توجّه النهي إليه ، ولعلّ المقصود اختصاص التلقّي بالغنم ، كما تشهد له رواية الصدوق قدّس سرّه عن منهال : أ نّه سأل أبا عبداللّه عليه السلام عن تلقّي الغنم .
فقال : «لا تلقّ ، ولا تشتر ما تلقّي ، ولا تأكل من لحم ما تلقّي»(2) .
ورواية مثنّى الحنّاط ، عن منهال - وهي عين تلك الرواية على الظاهر - قال : قال ؛ أي أبو عبداللّه عليه السلام : «لا تلقّ ، ولا تشتر ما تلقّي ، ولا تأكل منه»(3) .
بل الظاهر أنّ رواية منهال واحدة ، ذكر بعضها لبعض ، وبعضها لآخر ، فلا قائل لها بهذا المتن ، فتأمّل .
نعم ، رواية عروة مشتملة على التجارة(4)، أو على الطعام(5)، لكنّها ضعيفة جدّاً.
ص: 617
مضافاً إلى أنّ إعراض قدماء أصحابنا عنها ، وموافقة مضمونها - على ما قيل(1) - للعامّة ، أقوى شاهد على أ نّها عليلة ، ولا ينافي ذلك فتواهم بالكراهة ؛ لأنّ تلك الفتوى متلقّاة من الأئمّة عليهم السلام خلفاً عن سلف .
مع أنّ تلك الروايات الظاهرة في الحرمة - على ما يقال(2) - كانت بمرأى ومسمع منهم .
ودعوى : الجزم بكون مستندهم تلك الروايات(3) ، عهدتها على مدّعيها ، مع أ نّه على فرض كون مستندهم في الفتوى بالكراهة تلك الروايات ، يكشف ذلك جزماً عن أ نّه كانت عندهم قرائن حالية على الكراهة .
والإنصاف : أنّ الفتوى بالتحريم استناداً إلى تلك الرواية ، أو الروايتين الضعيفتين ، المشتمل بعضها على ما لا يقول به أحد - كبطلان المعاملة ، أو حرمة أكل ما يشترى بنحو التلقّي - في غير محلّه ، ولا سيّما مع إعراض أصحابنا عنها ، ولولا ذلك كانت مرسلة الصدوق قدّس سرّه ، أولى بالاستناد إليها من سائر الروايات .
ونعم ما قال صاحب «مفتاح الكرامة» : إنّ الواجب على الفقيه ، إمعان النظر في مساقط الأخبار ، وتتبّع الفتاوى والإجماعات ، وتحسين الظنّ بالمتقدّمين ، وملاحظة الاعتبار ، وبعد ذلك يجري على الاُصول ، وإلاّ فكلّ أحد يظهر له
ص: 618
بادئ بدْء أنّ الحكم بالتحريم أظهر، كما صنع بعض من تأخّر عمّن تأخّر(1) ، انتهى .
وعن «نهاية ابن الأثير» : التلقّي هو أن يستقبل الحضري البدوي قبل وصوله إلى البلد ، ويخبره بكساد ما معه كذباً ؛ ليشتري منه سلعته بالوكس ، وأقلّ من ثمن المثل(2) ، انتهى .
فلو كان التلقّي بحسب اللغة ، أو بحسب ما هو المعهود خارجاً ، ذلك الاستقبال بالقيود التي ذكرها ، لكان حراماً ؛ للكذب والتغرير ، ولعلّ فتوى العامّة أو بعض الخاصّة بالحرمة ؛ لذلك ، وإن كان بعيداً .
وكيف كان : ما هو ظاهر اللغة والعرف والنصّ(3) والفتوى(4) ، هو نفس الاستقبال ، والإخبار كذباً خارج عنه ، كما أنّ الاختصاص باستقبال الحضري البدوي ، غير وجيه .
الغنم(1) . . . بل المتفاهم من رواية الحنّاط عن منهال(2) أيضاً هو أنّ المكروه التجارة عن تلقٍّ ، لا نفس الاستقبال ولو بقصد التجارة إن لم يتّجر ، بل المتفاهم عرفاً من جميع الروايات ذلك .
وهو الظاهر من قوله عليه السلام : «ذروا المسلمين يرزق اللّه بعضهم ببعض»(3) ، بناءً على ربطه بكلتا الجملتين السابقتين ، كما هو المناسب عرفاً ، فحينئذٍ يمكن استفادة الكراهة ولو لم يكن الاشتراء عن تلقٍّ ، كما لو كان التاجر مع الركب ، فاشترى منهم قبل الوصول إلى البلد .
إلاّ أن يقال : إنّ قوله عليه السلام : «ذروا المسلمين» ليس تعليلاً ، وإلاّ لم يختصّ بالركب ، ولا بخارج البلد ، وهو ممنوع مخالف للفتوى بل النصّ(4) .
ومقتضى ظاهر النصوص ، دخالة الاستقبال عن قصد التجارة في الكراهة ، فلو استقبل لغرض آخر ، ثمّ بدا له الاتّجار ، فلا كراهية ، ولو استقبل لاتّجار نوع من المتاع ، ثمّ بدا له اتّجار نوع آخر حين الوصول إليهم ، فالظاهر كراهته ، وإن لم يخل من مناقشة .
ومقتضى إطلاق الروايات والنكتة المذكورة في ذيل رواية عروة(5) ،
ص: 620
عدم اعتبار جهل البائع بسعر البلد ، ولا علم المشتري به ، وإن كان الغالب جهل الأوّل وعلم الثاني ، لكن ليس بحيث ينصرف الإطلاق إليه .
ثمّ إنّ الظاهر أنّ الكراهة ترتفع بالوصول إلى أربعة فراسخ ، كما هو ظاهر رواية ابن الحجّاج ، عن منهال(1) .
ولا يبعد أن يكون مراد ابن أبي عمير من قوله : «وما فوق ذلك فليس بتلقٍّ» هو ما فوق الحدّ الذي حدّه الشارع ، لا ما فوق أربعة فراسخ .
وقوله في رواية اُخرى : قلت : ما حدّ التلقّي ؟ قال : «روحة»(2) تفسّره رواية اُخرى ؛ وهي مرسلة الصدوق قال : روي «أنّ حد التلقّي روحة ، فإذا صار إلى أربع فراسخ ، فهو جلب»(3) .
ثمّ إنّه لا إشكال في صحّة البيع ، سواء قلنا : بكراهته أم بحرمته ؛ لأ نّها تدلّ على الصحّة .
ص: 621
نعم ، لو كانت النواهي للإرشاد إلى البطلان ، فلا كراهة ولا حرمة ، لكنّه خلاف الفتوى بل النصوص(1) .
ومع جهل البائع بالسعر ، له الخيار مع الغبن الفاحش ، والقول: بالخيار مطلقاً ؛ استناداً إلى مرسلة(2) ليست من رواياتنا (3) ضعيف ، بل المتفاهم منها أيضاً ليس إلاّ الخيار المعهود ؛ أي خيار الغبن .
ص: 622
الاحتكار وهو حبس الطعام لانتظار الغلاء ، يحرم في الجملة على الأقوى مع عدم باذل الكفاية ، وفاقاً للمحكيّ عن القاضي ، والحلبي في أحد قوليه ، و«المقنع» و«الفقيه» و«الهداية» للصدوق ، و«الاستبصار» و«السرائر» و«التحرير» و«التذكرة» و«الدروس» و«جامع المقاصد» و«المسالك» و«الروضة»(1) والكراهة خيرة جمع كثير من الفقهاء أيضاً (2) .
وتدلّ على الحرمة صحيحة الحنّ-اط ، قال : قال لي أبو عبداللّه عليه السلام : «ما عملك ؟» .
ص: 623
قلت : حنّاط ، وربّما قدمت على نفاق ، وربّما قدمت على كساد فحبست .
قال : «فما يقول من قبلك فيه ؟» .
قلت : يقولون محتكر .
فقال : «يبيعه أحد غيرك ؟» .
قلت : ما أبيع أنا من ألف جزء جزءاً .
قال : «لا بأس ، إنّما كان ذلك رجل من قريش يقال له : حكيم بن حزام ، وكان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كلّه ، فمرّ عليه النبي صلي الله عليه و آله وسلم فقال : يا حكيم بن حزام ، إيّاك أن تحتكر»(1) .
فإنّه لا ينبغي الإشكال في أنّ قوله صلي الله عليه و آله وسلم : «إيّاك أن تحتكر» ظاهر في التحذير عنه بوجه شديد ، واستشهاد الإمام عليه السلام به ، يوجب ظهور البأس في الحرمة ، إن لم يكن في نفسه ظاهراً فيه .
ومجرّد استعمال الجملة في المستحبّات أيضاً ، لا يوجب رفع اليد عن الظاهر ؛ فإنّ الأوامر والنواهي أيضاً تستعمل كثيراً في المستحبّ والمكروه ، حتّى قيل : «أكثر استعمالها فيهما»(2) ومع ذلك إذا ورد أمر أو نهي ، يكون حجّة على العبد(3) ، أو ظاهراً في الحرمة والوجوب(4) ، على اختلاف المسلكين .
ص: 624
وصحيحة حذيفة بن منصور - بناءً على وثاقة محمّد بن سنان كما لا يبعد - عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «نفد الطعام على عهد رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم ، فأتاه المسلمون فقالوا : يا رسول اللّه ، قد نفد الطعام ، ولم يبق منه شيء إلاّ عند فلان ، فمره يبيعه الناس» .
قال : «فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثمّ قال : يا فلان ، إنّ المسلمين ذكروا أنّ الطعام قد نفد إلاّ شيئاً عندك ، فأخرجه وبعه كيف شئت ، ولا تحبسه»(1) .
والظاهر أنّ أمره بالإخراج ، والنهي عن الحبس ، حكم إلهي شرعي ، لا مولوي سلطاني .
كما أنّ من الواضح : أنّ الحكم لم يكن مختصّاً برجل خاصّ في المدينة ، بل هو حكم كلّي ، يظهر منه عدم جواز حبس الطعام عند احتياج الناس إليه وفقده ، بل لو كان حكماً سلطانياً منه صلي الله عليه و آله وسلم ، فهو نافذ على الاُمّة إلى الأبد ، وليست أحكامه كأحكام سائر السلاطين .
بل أحكام سائر الأئمّة عليهم السلام أيضاً كذلك ، كما ترى أنّ بعض الأئمّة عليهم السلام ، استشهد في روايات الباب وغيره(2) بأحكام رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم .
ص: 625
فقوله صلي الله عليه و آله وسلم : «لا تحبسه» ظاهر في الحرمة ، سواء كان المنع شرعياً أو سلطانياً ، وحكمه على الأوّلين حكمه على الآخرين كالحكم الشرعي ، كما يظهر من صحيحة الحنّاط ومن كتاب أمير المؤمنين عليه السلام في «نهج البلاغة» إلى مالك الأشتر ، الدالّ على حرمة الاحتكار أيضاً قال : «فامنع من الاحتكار ؛ فإنّ رسول اللّه منع منه . . .» .
إلى أن قال : «فمن قارف حُكْرة بعد نهيك إيّاه ، فنكّل به وعاقب في غير إسراف»(1) .
فإنّ الظاهر منه أ نّه أمره بالمنع اتّكالاً على منع رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم ، فإن كان منعه شرعياً فهو ، وإن كان سلطانياً يظهر من كلام الأمير عليه السلام أنّ منعه باقٍ ومتّبع بعد وفاته .
فلا إشكال في استفادة عدم جواز الحكرة منه ، ولا سيّما مع الأمر بالعقوبة ، والتنكيل بالمحتكر .
وهذا الكتاب مع اشتهاره ، متنه يدلّ على صدقه ، ومناقشة بعض أهل النظر في دلالته(2) - تبعاً لمن تقدّمه(3) - في غير محلّها .
وممّا ذكرنا يظهر دلالة مرسلة الصدوق قدّس سرّه على المطلوب ، قال : ومرّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم بالمحتكرين ، فأمر بحكرتهم أن تخرج إلى بطون الأسواق ،
ص: 626
وحيث ينظر الناس إليها (1) .
ويدلّ عليه أو يؤيّده أيضاً ، مرسلته الاُخرى قال : وقال رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم : «لا يحتكر الطعام إلاّ خاطئ»(2) ، ورواها الشيخ قدّس سرّه بسند جيّد(3) ، بداهة أ نّه لا يقال لفاعل المكروه : «إنّه خاطئ» .
ومرسلته الثالثة : ونهى أمير المؤمنين عليه السلام عن الحكرة في الأمصار(4) ولو كان الحكم منه سلطانياً ، يكون - كأحكام رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم - متّبعاً إلى الأبد .
ومرسلته الرابعة : قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم : «الجالب مرزوق ، والمحتكر ملعون»(5) ورواها في «الكافي» مسندة(6) .
ويؤيّده رواية ورّام بن أبي فراس في كتابه ، عن النبي صلي الله عليه و آله وسلم ، عن جبرئيل ، قال: «اطّلعت في النار ، فرأيت وادياً في جهنّم يغلي ، فقلت: يا مالك، لمن هذا؟
ص: 627
فقال لثلاثة : المحتكرين ، والمدمنين الخمر ، والقوّادين»(1) .
قال في «الحدائق» : إنّ ورّام جدّ السيّد رضيالدين بن طاووس لاُمّه ، وكان يثني عليه ثناءً زائداً ، ويعتمد كتابه(2) .
إلى غير ذلك من الروايات ، كرواية السكوني ، عن الصادق عليه السلام قال : «قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم : طرق طائفة من بني إسرائيل ليلاً عذاب ، وأصبحوا وقد فقدوا أربعة أصناف : الطبّالين ، والمغنّين ، والمحتكرين للطعام ، والصيارفة أكلة الربا منهم»(3) .
وعن «دعائم الإسلام» قال أمير المؤمنين عليه السلام : «المحتكر آثم وعاصٍ»(4) .
وعن رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم : أ نّه نهى عن الاحتكار(5) .
وعنه صلي الله عليه و آله وسلم : «من حبس طعاماً يتربّص به الغلاء أربعين يوماً ، فقد برأ من اللّه ، وبرأ منه»(6) .
ص: 628
وعن أمير المؤمنين عليه السلام : «الاحتكار شيمة الفجّار»(1) .
فلا إشكال في ظهور تلك الروايات المتظافرة في الحرمة ، وما في بعض الروايات بلفظ «يكره» لا يكون المراد منه الكراهة المصطلحة بعد عصرهم عليهم السلام ، بل في نفس الرواية شاهد على ذلك :
فعن «دعائم الإسلام» عن أبي عبداللّه عليه السلام أ نّه قال : «إنّما الحكرة أن يشتري طعاماً ليس في المصر غيره فيحتكره ، فإن كان في المصر طعام أو متاع غيره ، أو كان كثيراً يجد الناس ما يشترون ، فلا بأس به ، وإن لم يوجد فإنّه يكره أن يحتكر ، وإنّما النهي من رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم عن الحكرة ؛ أنّ رجلاً من قريش يقال له : حكيم بن حزام ، كان إذا دخل على المدينة بطعام اشتراه كلّه ، فمرّ عليه النبي صلي الله عليه و آله وسلم فقال له : يا حكيم ، إيّاك أن تحتكر»(2) .
ومن الظاهر أنّ الكراهة هي الحرمة بعد نهي رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم وقوله : «إيّاك أن تحتكر» الدالّ على التحريم بوجه أكيد .
ومنها يظهر الكلام في صحيحة الحلبي ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن الرجل يحتكر الطعام ، ويتربّص به ، هل يصلح ذلك ؟
فقال : «إن كان الطعام كثيراً يسع الناس فلا بأس به ، وإن كان الطعام قليلاً
ص: 629
لا يسع الناس ، فإنّه يكره أن يحتكر الطعام ، ويترك الناس ليس لهم طعام»(1) .
إذ من المعلوم : أنّ قوله عليه السلام : «لا بأس به» في جواب «هل يصلح ؟» يراد به جوازه ، والمفهوم منه عدمه عند عدم الشرط ، فيكون قوله عليه السلام : «يكره» بيان المفهوم .
مضافاً إلى أ نّه من البعيد جدّاً من مذاق الشرع ، أن يكون الاحتكار الموجب لترك الناس ليس لهم طعام ، جائزاً مرجوحاً .
بقي الكلام : في موثّقة السكوني(2) ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «الحكرة في الخصب أربعون يوماً ، وفي الشدّة والبلاء ثلاثة أيّام ، فما زاد على الأربعين يوماً في الخصب فصاحبه ملعون ، وما زاد على ثلاثة أيّام في العسرة فصاحبه ملعون»(3) .
فإنّ من الممكن أن يقال : إنّها حاكمة على الروايات الناهية والمانعة ، فتدلّ على عدم كراهة الحكرة قبل الأربعين في الخصب ، وعدم حرمتها قبل الثلاثة في الشدّة .
ص: 630
بل يمكن استفادة كراهتها حتّى حال الشدّة والبلاء ؛ فإنّ الزائد على الأربعين في الخصب مكروه ، ومع ذلك قال : «فصاحبه ملعون» وهذا قرينة على أنّ في الزائد على الثلاثة ، صاحبه ملعون بهذا المعنى أيضاً .
ولكن تنافيها صحيحة الحلبي ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إنّما الحكرة أن تشتري طعاماً وليس في المصر غيره فتحتكره . . .»(1) إلى آخرها ، وما في هذه الصحيحة موافق للاعتبار ، ومناسب للحكم والموضوع .
وكما أنّ رضا الشارع ببقاء الناس في الشدّة والبلاء ثلاثة أيّام ، بعيد جدّاً ، فلا بدّ من حمل الموثّقة على الغالب ؛ أي سعة الناس نوعاً في قوتهم إلى ثلاثة أيّام حتّى في الشدّة ، وعدم سعتهم حتّى في الرخاء والخصب بعد الأربعين ، ولا سيّما في تلك الأعصار . ومنه يظهر عدم قرينية ما ذكر على الكراهة مطلقاً .
فالميزان في حرمة الحكرة هو احتياج الناس ، وعدم الباذل ، كما يظهر من صحيحة الحلبي .
مع أنّ الحمل على الكراهة في الشدّة بالتقريب المذكور ، ليس بأولى من العكس ؛ بأن يقال : إنّ الحرمة في الزائد على الثلاثة في الشدّة ، قرينة على أ نّه في الخصب أيضاً يحرم الاحتكار زائداً على الأربعين ، مع أنّ التفكيك بين الجمل في رواية واحدة ليس بعزيز ، فلو دلّ دليل على عدم الحرمة في الخصب مطلقاً ، رفعت اليد عن الظهور بالنسبة إليه ، لا بالنسبة إلى قرينه .
ص: 631
ولو حصل الإجمال لعدم الترجيح ، يرجع إلى سائر الروايات الدالّ-ة على الحرمة(1) .
وكيف كان : لا ينبغي الإشكال في حرمة الاحتكار حال ضرورة الناس ، وحال الشدّة والبلاء .
وصحيحة الحلبي(1) إلحاق الزيت بها ، وقد ادّعي الإجماع(2) وعدم الخلاف(3) فيما عدا الزيت ، وأمّا هذا فقد حكي عن «المقنع» و«الخصال» و«الدروس» و «اللمعة» إلحاقه بها ، وعن «إيضاح النافع» : أنّ عليه الفتوى ، وعن «المسالك» استحسانه . وعن «جامع المقاصد» : أ نّه لا بأس به(4) ، وهو كذلك .
وأمّ-ا إلحاق الملح فلا دليل عليه ، وإن حكي(5) القول به عن جمع من الأصحاب(6) .
ثمّ إنّ مقتضى إطلاق أكثر الروايات(7) ، حرمة الاحتكار ، سواء حصل له الطعام بالاشتراء ، أو بغيره من الزرع ، والاستيهاب ، والإرث وغيرها .
ص: 633
وما في صحيحة الحلبي : «إنّما الحكرة أن تشتري طعاماً»(1) لا يدلّ على الحصر ، للإشكال في دلالة كلمة «إنّما» عليه ، ولو سلّمت فإنّما سيق الكلام فيها في مقابل وجود الطعام ، لا في مقابل عدم الاشتراء ، كما هو ظاهر المقابلة فيها ، فلو كان المراد الحصر في الاشتراء لقال : «فإن كان بغير اشتراء أو في المصر طعام ، فلا بأس» .
بل من الواضح أنّ النهي عن الاحتكار ، إنّما هو لأجل رفع الشدّة والحاجة عن الناس في طعامهم ، ولا دخالة لخصوصية الاشتراء فيه ، كما أشار إليه في صحيحة الحلبي بقوله عليه السلام : «ويترك الناس ليس لهم طعام»(2) .
فما عن «نهاية الإحكام» وعن ظاهر «المنتهى» من اشتراط الاشتراء ، وعن «جامع المقاصد» الميل إليه ، أو القول به(3) ، ليس بمرضيّ .
ويدلّ عليه : كتاب أمير المؤمنين عليه السلام إلى مالك ، فإنّ قوله : «فمن قارف حكرة بعد نهيك إيّاه فنكّل به وعاقب»(1) دالّ على العقوبة والتنكيل على ترك البيع ، فيصحّ بيعه إلزاماً وإكراهاً في مثل المقام .
وأمّا التسعير فلا يجوز ابتداءً ، نعم لو أجحف اُلزم بالتنزّل ، وإلاّ ألزمه الحاكم بسعر البلد ، أو بما يراه مصلحة .
فما دلّ على عدم التسعير ، منصرف عن مثل ذلك ؛ فإنّ عدم التسعير عليه قد ينتهي إلى بقاء الاحتكار ، كما لو سعّر - فراراً من البيع - بقيمة لا يتمكّن أحد من الاشتراء بها ، فلا إشكال في أنّ أمثال ذلك إلى الوالي ، والأخبار لا تشمل مثله .
بل الظاهر من المرويّ عن علي بن أبي طالب عليه السلام أ نّه قال : - رفع الحديث إلى رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم - «إنّه مرّ بالمحتكرين ، فأمر بحكرتهم أن تخرج إلى بطون الأسواق ، وحيث تنظر الأبصار إليها .
فقيل لرسول اللّه : لو قوّمت عليهم ، فغضب رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم ، حتّى عرف الغضب في وجهه .
فقال : أنا اُقوّم عليهم ؟ ! إنّما السعر إلى اللّه ، يرفعه إذا شاء ، ويخفضه إذا شاء»(2) ، أنّ مقصود القوم بتسعيره أن يسعّر دون السعر المتعارف ، فأجاب بأنّ
ص: 635
السعر إلى اللّه ، وما هو إلى اللّه هو السعر المتعارف ، لا ما يكون إجحافاً بالبائع أو الناس ، ولا يظهر من سائر الروايات إلاّ ذلك .
فليس للحاكم إلاّ إلزامه بالبيع ، من دون تعيين سعر على خلاف سعر السوق ، إلاّ أن يرى مصلحة ملزمة ، وليس للبائع إلاّ البيع بالسعر المتعارف ، أو القريب منه ، لا المجحف .
فتوهّم : دلالة الروايات على عدم التسعير مطلقاً (1) ، غير مرضيّ .
هذا آخر ما جرى به القلم من «كتاب البيع» على يد الفقير ، وكان الفراغ منه في صبيحة يوم الجمعة الحادي عشر من جمادى الاُولى عام 1392 ، شاكراً لأنعم اللّه تعالى ، حامداً له ، مصلّياً على النبي الأعظم وآله الأمجاد .
ص: 636
1 - الآيات الكريمة
2 - الأحاديث الشريفة
3 - أسماء المعصومين
4 - الأعلام
5 - الكتب الواردة في المتن
6 - مصادر التحقيق
7 - الموضوعات
ص: 637
ص: 638
الآية رقمها الصفحة
البقرة (2)
(هُوَ الَّذِى خَلَقَ لَكُمْ مَا فِى الْأَرْضِ جَمِيعاً) 29 45
(وَلاَ تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) 237 308
(أَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ) 275 9، 240، 316
النساء (4)
(إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ ) 29 514
تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ) 29 9، 441
المائدة (5)
(أَوْفُوا) 1 289
(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) 1 9، 282، 294، 316، 441
ص: 639
الآية رقمها الصفحة
الأعراف (7)
(إِنَّ الْأَرْضَ للّه ِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ
وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) 128 18، 32
الأنفال (8)
(يَسْأَ لُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ للّهِ وَالرَّسُولِ) 1 21
(فَاتَّقُوا اللّه َ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللّه َ وَرَسُولَهُ) 1 22
(الرَّسُولِ) 1 22، 23
(وَاعْلَمُوا أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ) 41 30
(وَاعْلَمُوا أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ) 41 90
(وَاعْلَمُوا أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ فَأَنَّ للّه ِ خُمُسَهُ) 41 86
التوبة (9)
(أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّه َ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ
وَيَأخُذُ الصَّدَقَاتِ) 104 162
(لِيَتَفَقَّهُوا فِى الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) 122 613
ص: 640
الآية رقمها الصفحة
هود (11)
(هُوَ أَ نشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) 61 37
النحل (16)
(لَهُ مَا فِى السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ) 52 66
الإسراء (17)
(وَلاَ تُبذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ) 26 – 27 206
طه (20)
(لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) 8 66
النجم (53)
(إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِى مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) 28 418
الرحمن (55)
(وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَ نَامِ) 10 45، 58
الحشر (59)
(لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) 24 66
ص: 641
الآية رقمها الصفحة
التغابن (64)
(لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الْحَمْد) 1 66
المطفّفين (83)
(وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ* الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ*
وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) 1 – 3 379
ص: 642
الاحتكار شيمة الفجّار... 629
أحلت يا أبا محمّد ، أما علمت أنّ الدنيا والآخرة للإمام ؛ يضعها حيث يشاء... 19
اُخرج شيء من السمك ، فيباع وما في الأجمة... 566
ادفعها إلى من اُوقفت عليه... 157
إذا ائتمنك فلا بأس... 401
إذا علمت من ذلك شيئاً واحداً قد أدرك ، فاشتره وتقبّل منه... 567
إذا غزا قوم بغير إذن الإمام ...98
إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا ، كانت الغنيمة كلّها للإمام... 91
إذا غزوا بأمر الإمام ...97
إذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس... 97
إذا كان الوقف على إمام المسلمين ، فلا يجوز بيعه... 247
إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم وأعقابهم ...249
إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم وأعقابهم ، فاجتمع أهل الوقف على بيعه ...247
إذا كانت أجمة ليس فيها قصب ، اُخرج شيء من السمك ، فيباع... 565
إذا كان ذلك عن تراضٍ منكم فلا بأس... 581
إذا كان مع ذلك شيء حاضر جاز بيعه ، يقع البيع على الحاضر... 344
ص: 643
إذا لم يعلم وزن الباسنة والجوالق فلا بأس إذا تراضيا... 582
أرى أن تقوّم الجارية قيمة عادلة ، فإن كان قيمتها أكثر ممّا بعثت إليه ...359
أسنان معلومة وأسنان معدودة إلى أجل مسمّى ، لا بأس به... 531
اشتر منّي هذا اللبن الذي في الاُسكرّجة وما في ضروعها... 573
الأشياء كلّها على هذا ، حتّى يستبين لك غير ذلك ، أو تقوم به البيّنة... 470
اطّلعت في النار ، فرأيت وادياً في جهنّم يغلي ، فقلت : يا مالك ، لمن هذا؟... 627
أعلِم فلاناً أ نّي آمره ببيع حقّي من الضيعة ، وإيصال ثمن ذلك إليّ... 251
إلاّ من كانت له ذمّة... 76
اللهمّ إنّا قد أحللنا ...30
اللهمّ إنّا قد أحللنا ذلك لشيعتنا... 29
أليس في وصيّ-ته أن يعطى الذي اُوصي له من الغلّة ثلاثمائة درهم ؟... 241
إلى غير وقت جهل مجهول... 146
أمّا أن تأتي رجلاً في طعام قد كيل ووزن تشتري منه مرابحة ، فلا بأس... 369، 399
إمّا أن يأخذ كلّه بتصديقه ، وإمّا أن يكيله كلّه... 401 ، 408
أمّا وجه الإمارة فقوله : (وَاعْلَمُوا أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ)... 90
إنّ أرض السواد للمسلمين... 111
أنّ الدنيا وما عليها لرسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم... 19
أنّ الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرّف... 279
إنّ القائم بعد صاحبه ...98
إنّ اللّه جعل لنا أهل البيت سهاماً ثلاثة في جميع الفيء... 30
إنّ الناس ليتقلّبون في حرام ...30
أنّ الوقف إذا كان غير موقّت فهو باطل مردود على الورثة... 144، 271
أنّ حد التلقّي روحة ، فإذا صار إلى أربع فراسخ ، فهو جلب... 621
ص: 644
إنّ ذلك رأيي... 268
إنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم قال : من باع بيعاً إلى أجل لا يعرف ...356
إن شاء جعله شراء الملك... 262
إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم ، أخرج منها الخمس للّه وللرسول... 92
إن كان الطعام كثيراً يسع الناس فلا بأس به... 629
إن كان يزيد وينقص فلا بأس... 587
إن كان يزيد وينقص فلا بأس ، وإن كان يزيد ولا ينقص فلا تقربه... 580
إن كان يعرف صاحبها فليؤدّ إليه حقّه... 54
أنّ كلّ وقف إلى وقت معلوم فهو واجب على الورثة... 145 ، 273
إن لم يكن في الضرع شيء ...559
إنّما أرض الخراج للمسلمين... 62 ، 81
إنّما الحكرة أن تشتري طعاماً ...634
إنّما الحكرة أن تشتري طعاماً وليس في المصر غيره فتحتكره... 629 ، 631
إنّما السعر إلى اللّه ، يرفعه إذا شاء ، ويخفضه إذا شاء... 635
إن مات كانت الثلاثمائة درهم لورثته ، يتوارثونها بينهم... 241
أنّ ما لرسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم فهو للأئمّة... 23
إنّها فيء للمسلمين... 111
أنّه ربّما جاء في الاختلاف تلف الأموال والنفوس... 266
أنّه ربّما جاء في الاختلاف تلف النفوس والأموال... 276
إنّه كره أن يشتري الثوب بدينار غير درهم... 364
أ نّه لم يعصِ اللّه ، إنّما عصى سيّده ، فإذا أجازه فهو له جائز... 283
إنّه مرّ بالمحتكرين ، فأمر بحكرتهم أن تخرج إلى بطون الأسواق... 635
أ نّه نهى عن الغرر... 570
ص: 645
أ نّه نهى عن المجر وعن الملاقيح والمضامين... 560
أ نّي آمره ببيع حقّي من الضيعة... 268
أن يترك المال ولا يباع منه شيء ، ولا يوهب ، ولا يورث... 262
أوَما لنا من الأرض وما أخرج اللّه منها إلاّ الخمس؟!... 18
إيّاك أن تحتكر... 624 ، 629
أيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض أو عمروها ، فهم أحقّ بها... 48
أيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض وعمروها ، فهم أحقّ بها ، وهي لهم... 35، 38
بحسب ما يوقفها... 145
بسم اللّه الرحمن الرحيم ، هذا ما تصدّق به فلان بن فلان وهو حيّ سويّ... 138
البيّنة على المدّعي ، واليمين على المدّعى عليه... 486
تردّ إلى ما يخرج من الوقف... 243
تصدّق أمير المؤمنين عليه السلام بدار له في المدينة في بني زريق... 149
تصدّق بغلّتها... 155 ، 157 ، 161
تصدّق موسى بن جعفر عليه السلام بصدقته هذه وهو حيّ صحيح... 137 ، 149 ، 257
تفقّهوا في الدين ؛ فإنّ-ه من لم يتفقّه منكم في الدين فهو أعرابي... 613
ثمّ هي لكم منّي... 33
جائز للذي اُوصي له بذلك... 241
الجالب مرزوق ، والمحتكر ملعون... 627
الحكرة في الخصب أربعون يوماً ، وفي الشدّة والبلاء ثلاثة أيّام... 630
خطبنا أمير المؤمنين عليه السلام على المنبر ... 308
الخمس من خمسة أشياء : من الغنائم ...94
ذروا المسلمين يرزق اللّه بعضهم ببعض... 617 ، 620
ذلك جائز إذا علما جميعاً ما باعاه واشترياه... 363
ص: 646
الراهن ممنوع من التصرّف... 287 ، 293
الراهن والمرهون ممنوعان من التصرّف في الرهن... 279
رفع إلى أمير المؤمنين عليه السلام رجل مسلم ، اشترى أرضاً من أراضي الخراج ...84
سَريّ الملك... 262
سمّيت فيها كيلاً... 365
صدقة لا تباع ولا توهب... 178 ، 219
صدقة . . . لا تباع ، ولا توهب ، ولا تورث... 142
صدقة . . . لا رجعة فيها ولا ردّ... 142
صدقة واجبة بتلة ، حيّاً أنا أو ميّتاً... 261
طلب العلم فريضة على كلّ مسلم... 611
عادي الأرض للّه ولرسوله ، ثمّ هي منّي لكم... 33
العشرة آلاف التي بقيت هي للمشتري ، والعشرون التي احترقت من مال البائع... 444
فاجتمع أهل الوقف على بيعه... 249
فإذا شاء وليّ الأمر أن يأخذها أخذها... 77
فإذا ظهر القائم ...32
فاسد ؛ فلعلّ الدينار يصير بدرهم... 358
فامنع من الاحتكار ؛ فإنّ رسول اللّه منع منه... 626
فإن أراد أن يبيع نصيباً من المال ...261
فإنّ الأرض للّه ولمن عمرها... 49
فإن كانت أرض (الأرض خ . ل) لرجل قبله ، فغاب عنها ...53
فإن وجد آل أبي طالب قد ذهب كبراؤهم وذووا آرائهم ، فإنّه يجعله ...260
فتقول لهم : أشتري منكم جاريتكم فلانة وهذا المتاع بكذا... 343
فجعل للّه خمس الغنائم ، والخمس يخرج من أربعة وجوه ... 90
ص: 647
فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثمّ قال : يا فلان ، إنّ المسلمين ذكروا ...625
فصاحبه ملعون... 631
فليؤدّ إليه حقّه... 54
فما يقول من قبلك فيه؟... 624
فمن أحيا أرضاً من المسلمين فليعمرها ، ويؤدّ خراجها إلى الإمام ...53
فمن باعها أو وهبها فعليه لعنة اللّه ...151
فمن قارف حكرة بعد نهيك إيّاه فنكّل به وعاقب... 626، 635
فنحن أصحاب الخمس والفيء ، وقد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا... 30
فهم أحقّ بها... 35 ، 47
قال أمير المؤمنين عليه السلام لفاطمة I: أحلّي نصيبك من الفيء لآباء شيعتنا... 31
قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم : خلق اللّه آدم وأقطعه الدنيا قطيعة ، فما كان لآدم فلرسول اللّه... 19
قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم : طرق طائفة من بني إسرائيل ليلاً عذاب ...628
قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم : من غرس شجراً ، أو حفر وادياً بديّاً ...فهي له 37 ، 49
قضاء من اللّه ورسوله... 57
كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : من أحيا أرضاً من المؤمنين فهي له... 31
كان يشاورني في موارد الاُمور ومصادرها ، فيصدرها عن أمري... 99
كلّ أرض جلا أهلها ...51
كلّ أرض خربة قد باد أهلها ...51
كلّ أرض لا ربّ لها ...43
كلّ أرض لا ربّ لها ، وكلّ أرض باد أهلها ...51
كلّ أرض ميتة قد جلا أهلها ...52
كلّ شيء حلال إلاّ أن يعلم أ نّه حرام... 470
كلّ شيء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّداً رسول اللّه ...89
ص: 648
كلّ شيء يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل ، إذا كان من جنس واحد... 384، 388
كلّ قرية يهلك أهلها أو يجلون عنها ...51
كلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون... 28
كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه... 349
الكمال كلّ الكمال التفقّه في الدين ، والصبر على النائبة... 613
لا ، إلاّ أن يحلب لك منه اُسكرّجة فيقول : اشتر منّي هذا اللبن... 557
لا بأس ، إلاّ أن يستحيي من عيب ذلك... 81
لا بأس أن تشتريها ، فتكون إذا كان ذلك بمنزلتهم ، تؤدّي فيها كما يؤدّون فيها... 76
لا بأس ، إنّما كان ذلك رجل من قريش يقال له : حكيم بن حزام... 624
لا بأس أن يشترى الآجام إذا كانت فيها قصب... 564
لا بأس بالسلم في الحيوان ، إذا سمّيت الذي يسلم فيه فوصفته... 530
لا بأس بالسلم في الحيوان والمتاع ، إذا وصفت الطول والعرض ...531
لا بأس بالسلم في المتاع ، إذا وصفت طوله وعرضه وجنسه وكان معلوماً... 531
لا بأس بذلك ، إن لم يكن في بطونها حمل ، كان رأس ماله في الصوف... 561
لا بأس بها ، فتكون إذا كان ذلك بمنزلتهم ، تؤدّي عنها كما يؤدّون... 84
لا بأس ما لم يكن كيلاً أو وزناً... 388
لا بأس ، ولكن لا تبعه حتّى تكيله... 369، 400
لا بأس ، يشتري حقّه منها ، ويحوِّل حقَّ المسلمين عليه... 71، 72
لا بيع إلاّ فيما تملك... 287
لا بيع إلاّ فيما تملكه... 139
لا بيع إلاّ في ملك... 11، 130
لا تباع ، ولا توهب... 150، 152، 154، 206،276
ص: 649
لا تبع راحلة عاجلة ، بعشر ملاقيح من أولاد جمل في قابل... 561
لا تبع ما ليس عندك... 309، 313، 322، 324،325، 334، 472، 473
لا تبعه حتّى تكيله... 369
لا تُدخِل الغلّةَ في مالك... 161
لا تدخل الغلّة في ملكك... 157، 160
لا تشترِ من أرض السواد شيئاً إلاّ من كانت له ذمّة ، فإنّما هو فيء للمسلمين... 78
لا تشترِ من عقار أهل الذمّة ، ولا من أرضهم شيئاً ؛ لأ نّه فيء المسلمين... 67
لا تشتروا من أرض السواد ...78
لا تشتروا من أرض السواد شيئاً إلاّ من كانت له ذمّة ؛ فإنّما هو فيء للمسلمين... 67
لا تصلّ في وبر ما لا يؤكل... 320
لا تلقّ ، ولا تشتر ما تلقّي ، ولا تأكل من لحم ما تلقّي... 617
لا تلقّ ، ولا تشتر ما تلقّي ، ولا تأكل منه... 617
لأ نّه لا يدري كم الدينار من الدرهم... 371
لا يباع منه شيء ، ولا يوهب ، ولا يورث... 260، 261
لا يجوز بيع العبد الآبق ، ولا الدابّة الضالّة... 344
لا يجوز شراء الوقف... 158، 174، 202، 220،257، 269، 275
لا يجوز شراء الوقوف... 154، 157، 171، 179
لا يحتكر الطعام إلاّ خاطئ... 627
لا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه... 280، 287
لا يحلّ لمؤمن يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يبيعها... 153
لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ بطيبة نفسه... 48
ص: 650
لا يشتري . . . إلاّ من كان له ذمّة... 80
لا يشتري من أراضي أهل السواد شيئاً... 78
لا يصلح إلاّ أن يشتري منهم ...75
لا يصلح إلاّ أن يشتري منهم على أن يصيّرها للمسلمين... 74
لا يصلح إلاّ بكيل... 364، 405، 576
لا يصلح بيعه مجازفة... 367، 372
لا يصلح شراء الآبقة... 345
لا يصلح شراؤها إلاّ أن تشتري منهم معها ثوباً أو متاعاً... 345
لا يصلح له إلاّ أن يشتري معه شيئاً آخر... 341
لمن هو اليوم ، ولمن يدخل في الإسلام... 64، 65
لم يزكّ له عملاً... 614
لنا سهاماً ثلاثة... 30
ليس به بأس ، وقد ظهر رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم على أهل خيبر ، فخارجهم ...34
ليس فيها قصب ، إنّما هي ماء... 565
ليس لقرابته أن يأخذوا من الغلّة شيئاً ، حتّى يوفّوا الموصى له ثلاثمائة درهم... 241
ليس لك أن تردّها ، ولك أن تأخذ قيمة ما بين الصحّة والعيب... 360
ليس لنفسه من ذلك قليل ولا كثير... 69
ليولجني به الجنّة... 164
ما تقع صدقة المؤمن في يد السائل حتّى تقع في يد اللّه... 162
ما جعل للّه فلا رجعة له... 163
ما على فطرة إبراهيم ...30
ما كان للّه فهو لرسول اللّه ، وما كان لرسول اللّه فهو للإمام عليه السلام... 107
ما كان لنا فهو لشيعتنا... 107
ص: 651
ما كان من طعام سمّيت . . . 576
ما كان من طعام سمّيت فيه كيلاً فلا يصلح بيعه مجازفة... 365، 384، 387
ما لم يسبق إليه مسلم... 48
ما لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتّى تكيله أو تزنه ...380
المحتكر آثم وعاصٍ... 628
من اتّجر بغير علم فقد ارتطم في الربا ، ثمّ ارتطم... 612
من أتلف مال الغير . . . 133
من أحيا أرضاً . . . 32
من أحيا أرضاً فهي له... 104
من أحيا أرضاً مواتاً فهي له... 36، 38، 107
من أحيا أرضاً ميتة فهي له... 60
من أراد التجارة فليتفقّه في دينه ؛ ليعلم بذلك ما يحلّ له ممّا يحرم عليه... 612
من حاز شيئاً ملك... 104
من حاز ملك... 36
من حبس طعاماً يتربّص به الغلاء أربعين يوماً ، فقد برأ من اللّه ، وبرأ منه... 628
من حفر وادياً بديّاً ...57
من حفر وادياً بديّاً لم يسبقه إليه أحد ... فهي له... 56
من سبق إلى ما لا يسبقه إليه مسلم ...56
من سبق إلى ما لا يسبقه إليه مسلم ، فهو أحقّ به... 45
من كانت له ذمّة ...80
من لم يتفقّه في دين اللّه ، لم ينظر اللّه إليه يوم القيامة ، ولم يزكّ له عملاً... 614
من يبيع ذلك؟! هي أرض المسلمين... 71
مَوَتان الأرض للّه ورسوله ، ثمّ هي لكم منّي أيّها المسلمون... 33
ص: 652
الناس مسلّطون ...259
الناس مسلّطون على أموالهم... 514
نعم ، إذا رضوا كلّهم وكان البيع خيراً لهم ، باعوا... 241
نعم ، حتّى تنقطع أو شيء منها... 555
نعم ، فليذقه ، ولا يذوقنّ ما لا يشتري... 532
نِعْم ما قضت به قضاتكم ، وبئسما صنع والدك ، إنّما الصدقة للّه... 162
نفد الطعام على عهد رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم ، فأتاه المسلمون ...625
نهى النبي صلي الله عليه و آله وسلم عن الغرر... 350، 351، 376
نهى النبي صلي الله عليه و آله وسلم عن بيع الغرر... 300، 325، 333، 351،469، 528، 553
نهى النبي صلي الله عليه و آله وسلم عن بيع ما ليس عندك... 315، 325
نهى رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم عن سلف وبيع ، وعن بيعين في بيع... 310
نهى عن بيع الصُبْرة بالصُبْرة ، ولا يدرى ما كيل هذه من كيل هذه... 363، 404
نهى عن بيعين في بيع... 573
وإذا غزوا بأمر الإمام . . . 97
وأسكن هذه الصدقة خالاته ...138
وأعلمه أنّ رأيي له إن كان قد علم الاختلاف ما بين أصحاب الوقف ...265
والأرض التي اُخذت عنوة بخيل أو ركاب ، فهي موقوفة... 82
والأرض التي اُخذت عنوة بخيل وركاب ...95
والأرض التي اُخذت عنوة بخيل وركاب ، فهي موقوفة متروكة... 68
وأمّا وجه العمارة فقوله تعالى : (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) ... 37
وإنّ الذي كتبت من أموالي هذه صدقة واجبة بتلة ، حيّاً أنا أو ميّتاً... 260
وإنّ الناس ليتقلّبون في حرام إلى يوم القيامة بظلمنا أهلَ البيت... 29
ص: 653
وإن كان دار الحسن غير دار الصدقة ، فبدا له أن يبيعها ، فليبعها إن شاء... 262
وإن لم يكونوا قاتلوا ...92، 97
وإنّه يقوم على ذلك الحسن بن علي ، يأكل منه بالمعروف... 260
وأيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض أو عملوه ، فهم أحقّ بها ، وهي لهم... 48
وجدنا في كتاب علي عليه السلام . . . أنا وأهل بيتي الذين أورثنا اللّه الأرض... 18، 32
وسيأتي على الناس زمان يقدّم الأشرار وليسوا بأخيار... 308
الوقوف بحسب ما يوقفها... 145، 271، 272
الوقوف تكون على حسب ...195
الوقوف تكون على حسب ما يوقفها... 141، 146، 151، 174،176، 178، 190، 207
الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها... 253، 259، 270
ولعلّه يكون أقوى عليها ، وأملى بخراجهم منه... 73
وله رؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام ، وكلّ أرض ميتة لا ربّ لها... 42
وليس لمن قاتل شيء من الأرضين وما غلبوا عليه ، إلاّ ما احتوى العسكر... 95
وما اُخذ بالسيف فذاك إلى الإمام عليه السلام ، يقبّله بالذي يرى... 69، 82
وما كان لنا فهو لشيعتنا ، وليس لعدوّنا منه شيء... 29
وما كان من الأرضين باد أهلها ...51
وما كان من طعام سمّيت فيه كيلاً فإنّه لا يصلح مجازفة... 364، 576
ومن يبيع ذلك؟! هي أرض المسلمين... 70
ونهى عن بيع حبل الحبل... 561
ونهى عن بيع ما ليس عندك ، ونهى عن بيع وسلف... 310
ويترك الناس ليس لهم طعام... 634
ويحوِّل حقَّ المسلمين عليه... 75، 76
ص: 654
ويصنع بخراج المسلمين ماذا؟!... 71، 72
ويؤخذ بعد ما بقي من العشر ، فيقسم بين الوالي وبين شركائه... 69، 82
هذا كلّه لا يجوز ؛ لأ نّه مجهول غير معروف ، يقلّ ويكثر ، وهو غرر... 305، 352، 372
هذا ما أوصى به وقضى في ماله عبداللّه علي ابتغاء وجه اللّه... 260
هكذا هو عندي... 145
هو لجميع المسلمين ؛ لمن هو اليوم ، ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم... 62، 74
هي أرض المسلمين... 62
هي القرى التي قد جلا أهلها وهلكوا فخربت... 51
هي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها ...51
هي صدقة بتّاً بتلاً ، في حجيج بيت اللّه ، وعابري سبيله ، لا تباع ، ولا توهب... 276
هي صدقة بتّة بتلاً... 138
هي صدقة بتّة بتلاً في حجيج بيت اللّه وعابري سبيله ، لا تباع ، ولا توهب... 148
يا أشباه الرجال ، ولا رجال... 311
يأتي على الناس زمان عضوض ، يعضّ كلّ امرئ على ما في يده... 308
يا نجيّ-ة ، إنّ لنا الخمس في كتاب اللّه ، ولنا الأنفال ، ولنا صفو المال... 29
يا نجيّة ، ما على فطرة إبراهيم غيرنا وغير شيعتنا... 29
يبيعه أحد غيرك؟... 624
يترك المال على اُصوله ، وينفق الثمرة... 261
يخرج منه الخمس ، ويقسم ما بقي على من قاتل عليه وولي ذلك... 90
يخلّي سبيل أيّتهنّ شاء ، ويمسك الأربع... 431
يردّ إليه رأس ماله ، وله ما أكل من غلّتها بما عمل... 74
يشارطهم ، فما أخذ بعد الشرط فهو حلال... 83
يصيد كفّاً من سمك ...566
ص: 655
يصيد كفّاً من سمك ، يقول : أشتري منك هذا السمك ...بكذا 565
يضعها حيث يحبّ ، وحيث يشاء... 102
يكره أن يشتري الثوب بدينار غير درهم... 356
يمسك أربعاً ، ويطلّق ثلاثاً... 432
يؤخذ من كلّ هذه الصنوف الخمس ، فيجعل لمن جعله اللّه له... 95
ص: 656
النبي، محمّد، رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم محمّد بن عبداللّه صلي الله عليه و آله وسلم ، نبي الإسلام محمّد بن عبداللّه صلي الله عليه و آله وسلم ، نبي الإسلام 19، 21، 22، 23، 27، 33، 34، 35، 36، 37، 38، 41، 48، 49، 50، 57، 86، 89، 92، 97، 107، 115، 116، 117، 162، 224، 279، 300، 305، 306، 308، 310، 315، 325، 333، 350، 351، 356، 363، 375، 376، 379، 381، 383، 384، 385، 387، 388، 389، 390، 392، 393، 395، 404، 418، 420، 469، 528، 529، 553، 560، 570، 613، 624، 625، 626، 627، 628، 629، 635، 636
أمير المؤمنين عليه السلام علي بن أبي طالب عليه السلام ، الإمام الأوّل علي بن أبي طالب عليه السلام ، الإمام الأوّل 18، 31، 32، 37، 67، 84، 98، 109، 111، 138، 142، 148، 151، 152، 259، 260، 304، 308، 344، 352، 358، 372، 626، 627، 628، 629، 635
فاطمة الزهراء (سلام اللّه عليها) 31، 260
أبو محمّد الحسن عليه السلام الحسن بن علي عليه السلام ، الإمام الثاني الحسن بن علي عليه السلام ، الإمام الثاني 109، 260، 262
الحسين بن علي عليه السلام ، الإمام الثالث 308 الحسنين (الحسن بن علي عليه السلام ، الإمام الثاني / الحسين بن علي عليه السلام ، الإمام الثالث)262
أبو جعفر عليه السلام محمّد بن علي عليه السلام ، الإمام الخامس محمّد بن علي عليه السلام ، الإمام الخامس 18،
ص: 657
19، 29، 30، 32، 35، 48، 84، 89، 98، 363، 433، 531، 533، 561
الصادق ، أبو عبداللّه عليه السلام جعفر بن محمّد عليه السلام ، الإمام السادس جعفر بن محمّد عليه السلام ، الإمام السادس 18، 19، 31، 35، 37، 48، 54، 62، 67، 70، 73، 78، 81، 83، 84، 90، 91، 138، 148، 149، 162، 240، 247، 248، 310، 341، 344، 356، 358، 359، 364، 365، 368، 369، 380، 399، 400، 401، 403، 431، 433، 444، 530، 531، 555، 557، 561، 564، 565، 567، 575، 580، 613، 617، 619، 623، 625، 628، 629، 630، 631
الكاظم، أبو إبراهيم، أبو الحسن عليه السلام موسى بن جعفر عليه السلام ، الإمام السابع
موسى بن جعفر عليه السلام ، الإمام السابع 136، 137، 142، 149، 151، 153، 257، 259، 345، 582
الرضا ، أبو الحسن عليه السلام علي بن موسى عليه السلام ، الإمام الثامن علي بن موسى عليه السلام ، الإمام الثامن 69، 82، 308، 533، 538
أبو جعفر الثاني عليه السلام محمّد بن علي عليه السلام ، الإمام التاسع محمّد بن علي عليه السلام ، الإمام التاسع 251
الهادي ، أبو الحسن الثالث عليه السلام علي بن محمّد عليه السلام ، الإمام العاشر على بن محمّد عليه السلام ، الإمام العاشر 154، 158
العسكري ، أبو محمّد حسن بن علي عليه السلام الحسن بن علي عليه السلام ، الإمام الحادي عشر الحسن بن علي عليه السلام ، الإمام الحادي عشر 19، 141، 144، 270، 271
الإمام المهدي، صاحب الزمان ، صاحب الأمر ، القائم عليه السلام صاحب الزمان (عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف)،
الإمام الثاني عشر صاحب الزمان (عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف)، الإمام الثاني عشر 31، 32، 247، 250
آدم 19
إبراهيم، النبي 29، 30
ص: 658
الآخوند الخراساني، محمّد كاظم بن الحسين 192، 388، 389، 392، 436
أبان بن عثمان 149
أبان أبان بن عثمان
إبراهيم الكرخي الكرخي، إبراهيم
ابن أبي جمهور، محمّد بن زين الدين 279
ابن أبي عمير، محمّد 562، 563، 616، 621
ابن أبي نصر البزنطي، أحمد بن محمّد
ابن إدريس، محمّد بن أحمد 85، 490، 495، 552، 562، 573
ابن الأثير 619
ابن البرّاج، عبدالعزيز بن نحرير 395، 562، 623
ابن الجنيد الإسكافي، محمّد بن أحمد 615
ابن الجنيد ابن الجنيد الإسكافي، محمّد بن أحمد
ابن الحجّاج عبدالرحمان بن الحجّاج
ابن الغضائري، أحمد بن الحسين الغضائري 250
ابن بابويه، محمّد بن علي 307، 310، 616، 617، 618، 619، 621، 623، 626
ابن بكير، عبداللّه 368، 401، 402، 408
ابن حيّان جعفر بن حيّان
ابن راشد أبو علي بن راشد
ابن زهرة، حمزة بن علي 351، 570
ابن سنان عبداللّه بن سنان
ابن شريح، محمّد 62
ابن طاوس، علي بن موسى 628
ابن عبد مناف 201، 260
ابن عيسى، أحمد بن محمّد 54
ابن محبوب، الحسن 562، 616
ص: 659
ابن مسلم محمّد بن مسلم
ابن مهزيار علي بن مهزيار
أبو البختري 357، 359
أبو الربيع الشامي الشامي، أبو الربيع
أبو العطارد 367، 369، 400، 408
أبو بردة بن رجا 62، 70، 76، 80، 85
أبو بصير 19، 43، 89، 93، 100، 380، 564، 565، 566
أبو حمزة الثمالي، ثابت بن دينار 30
أبو حنيفة 93
أبو علي بن راشد 143، 154، 158، 159، 160، 269
أحمد بن إدريس 149
أحمد بن عديس 149
أحمد بن محمّد بن عيسى 100
أحمد بن محمّد أحمد بن محمّد بن
عيسى
الأردبيلي، أحمد بن محمّد 611
الأزهري الأزهري، محمّد بن أحمد
الأزهري، محمّد بن أحمد 305
إسحاق بن عمّار 40، 43، 100
الأصفهاني، محمّد حسين 43، 186، 189، 217، 334، 493، 503، 525، 626
الأقطع، سليمان بن خالد 54، 55
الأنصاري الأنصاري، مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري، مرتضى بن محمّد أمين 11، 12، 43، 106، 109، 111، 112، 113، 114، 122، 141، 150، 153، 204، 206، 215، 219، 234 ،238، 263، 277، 290، 293، 295، 296، 300، 305، 310، 311، 312، 314، 316، 317، 318، 321، 322، 326، 329، 331، 335، 336، 347، 350، 361، 365، 373، 374، 377، 398، 406، 407، 440، 443، 449، 453، 456، 462، 463، 468، 474، 475، 476، 478، 480، 481، 483، 488، 489، 490، 497، 498، 499، 500، 501، 503، 504، 511، 514، 516، 518، 520، 522، 525، 526، 542، 545، 552، 575، 579، 588، 589، 598، 599، 604، 605، 614
أيّوب بن عطيّة 138، 143، 148، 151،
154
البارقي، عروة بن أبي الجعد 616، 617،
619، 620
ص: 660
البحراني، يوسف بن أحمد 396
بريد بن معاوية 444
البزنطي، أحمد بن محمّد 69، 82، 91، 92، 565
البطائني، علي بن أبي حمزة 581، 584، 586، 588، 592، 593، 594، 613
بعض الأجلّة الأصفهاني، محمّد حسين
بعض الأعاظم النائيني، محمّد حسين
بعض أهل التحقيق الأصفهاني، محمّد حسين
بعض أهل التدقيق الأصفهاني، محمّد حسين
بعض أهل النظر الأصفهاني، محمّد حسين
بعض شرّاح الحديث المجلسي، محمّد باقر بن محمّد تقي
بعض المحدّثين الفيض الكاشاني، محمّد بن شاه مرتضى
بعض المحشّين الأصفهاني، محمّد حسين
بعض المحقّقين الآخوند الخراساني، محمد كاظم بن الحسين
التستري الكاظمي، أسداللّه بن إسماعيل
الثمالي أبو حمزة الثمالي، ثابت بن دينار
جابر الجعفي، جابر بن يزيد جعفر بن حيّان 143، 240، 248، 249،
250
جعفر بن عيسى 533، 535، 541
جعفر بن محمّد بن حكيم 29
الجعفي، جابر بن يزيد 19، 20
جميل بن درّاج 431
الحارث بن المغيرة 29
حذيفة بن منصور 625
الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن 403
الحسين بن زيد 310
حفص بن البختري 50
الحكم 162
حكيم بن حزام 314، 325، 334، 336، 337، 338، 624، 629
الحلبي، عبيداللّه بن علي 54، 55، 62، 73، 74، 77، 85، 111، 114، 356، 364، 365، 367، 370، 377، 378، 382، 384، 385، 402، 404، 405، 474، 530، 562، 575، 623، 629، 631، 633، 634
الحلّي ابن إدريس، محمّد بن أحمد
ص: 661
حمّاد بن عيسى 40، 42، 68، 69، 80، 82، 91 ،92 ،93، 94، 100، 356
حمّاد بن ميسّر 356
الحميري، أبو العبّاس عبداللّه
الحميري، عبداللّه بن جعفر
الحميري، عبداللّه بن جعفر 247
الحنّاط، محمّد بن القاسم 620، 623،
626
حنّان حنّان بن سدير
حنّان بن سدير 580، 582، 584، 586، 587، 588، 591، 592، 595، 603
الخراساني الآخوند الخراساني،
محمّد كاظم بن الحسين
الخليفة الثاني عمر بن الخطّاب
ربعي بن عبداللّه 138، 143، 148، 153
رفاعة بن موسى النخّاس النخّاس،
رفاعة بن موسى
زرارة 531
السكوني، إسماعيل بن أبي زياد 37، 38، 48، 57، 357، 358، 628، 630، 632
سليمان بن خالد الأقطع، سليمان بن
خالد
سليمان بن صالح 310
سماعة بن مهران 340، 341، 347، 349، 350، 368، 387، 398، 409، 531، 557
السيّاري، أحمد بن محمّد 31
السيّد المرتضى علم الهدى، علي بن
الحسين
السيّد رضي الدين بن طاوس ابن
طاوس، علي بن موسى
الشافعي، محمّد بن إدريس 86، 94
الشامي، أبو الربيع 67، 75، 76، 78، 111، 114
شعيب بن واقد 310
الشيخ الطوسي، محمّد بن الحسن
الشيخ الأعظم الأنصاري، مرتضى بن
محمّد أمين
شيخ الطائفة الطوسي، محمّد بن
الحسن
الشيخ المفيد المفيد، محمّد بن محمّد
الشيخ الأنصاري، مرتضى بن محمّد
أمين
صاحب الجواهر، محمّد حسن بن باقر 40، 42، 124، 133، 135، 137، 168، 174، 177، 178، 197، 198، 216، 593
ص: 662
صاحب الحدائق البحراني، يوسف بن
أحمد
صاحب المقابس الكاظمي، أسداللّه بن
إسماعيل
صاحب الوسائل الحرّ العاملي، محمّد
بن الحسن
صاحب جامع المقاصد المحقّق
الكركي، علي بن الحسين
صاحب مفتاح الكرامة العاملي،
الغروي، جواد بن محمّد
الصدوق ابن بابويه، محمّد بن علي
الصفّار، محمّد بن الحسن 141، 144، 146، 270، 273، 274
صفوان بن يحيى 562
صفوان صفوان بن يحيى
الطبرسي، أحمد بن علي 247
الطوسي، محمّد بن الحسن 93، 146، 272، 285، 310، 351، 490، 495، 548، 549، 561، 562، 570، 615، 627
العاملي الغروي، جواد بن محمّد 395،
618
عبدالأعلى بن أعين مولى آل سام 533
عبدالأعلى بن أعين عبدالأعلى بن
أعين مولى آل سام
عبدالرحمان بن أبي عبداللّه 368، 369، 371، 400، 407، 586
عبدالرحمان بن الحجّاج 136، 137،
149، 151، 152، 259، 621
عبداللّه بن سنان 90
عبدالملك بن عمرو 399، 403
عجلان أبي صالح 138، 149، 154
العلاّمة الحلّي، الحسن بن يوسف 94، 285، 351، 422، 490، 491، 496، 497، 498، 501، 517، 552، 553، 563، 569
علم الهدى، علي بن الحسين 300
علي بن إبراهيم القمّي، علي بن
إبراهيم
علي بن أبي حمزة البطائني، علي بن
أبي حمزة
علي بن أسباط 31
علي بن جعفر 582
علي بن مهزيار 88، 145، 251، 265، 273، 276
عمّار ياسر 109
عمر بن الخطّاب 98، 114
عمر بن يزيد 18، 28، 31، 32، 39
ص: 663
العيص بن القاسم 555، 557، 572
غياث بن إبراهيم 632
فخر الدين فخر المحقّقين، محمّد بن
الحسن
فخر المحقّقين، محمّد بن الحسن 294، 295، 574، 578، 579، 581، 585، 587
الفخر فخر المحقّقين، محمّد بن
الحسن
فرات بن إبراهيم 29
الفضيل بن يسار 31
الفضيل الفضيل بن يسار
الفيض الكاشاني، محمّد بن شاه مرتضى
556
القاضي ابن البرّاج، عبدالعزيز بن
نحرير
القمّي، علي بن إبراهيم 384
الكابلي، أبو خالد 18، 20، 32، 33، 39،
52، 53، 55
كاشف الغطاء، جعفر بن خضر 124، 189
الكاظمي، أسداللّه بن إسماعيل 285
الكرخي، إبراهيم 561، 562، 572،
573
الكليني، محمّد بن يعقوب 149
مالك الأشتر 626، 635
مثنّى الحنّاط 617
المجلسي، محمّد باقر بن محمّد تقي
268، 556
المحقّق الثاني المحقّق الكركي، علي
بن الحسين
المحقّق الكركي، علي بن الحسين 503،
547
محمّد بن الريّان 19
محمّد بن العيص 532
محمّد بن حمران 367، 369، 400،
402، 407
محمّد بن زياد 563
محمّد بن سنان 533، 625
محمّد بن شريح 81
محمّد بن قيس 561
محمّد بن مسلم 34، 35، 36، 38، 48،
50، 76، 84
مسعدة بن صدقة 470
معاوية بن عمّار 563، 565، 572
معاوية بن وهب 49، 52، 53، 55، 91، 92، 96، 110، 380
المعلّى بن خنيس 28
المفيد، محمّد بن محمّد 562
ص: 664
منصور بن حازم 380، 384، 388
منهال 616، 617، 619، 620، 621
النائيني، محمّد حسين 196، 422، 446
النجاشي، أحمد بن علي 250
النخّاس، رفاعة بن موسى 340، 344، 345، 349، 359، 361
الورّاق 91، 92، 96، 97، 98، 106، 109، 110
ورّام بن أبي فراس 627، 628
وهب : أبو البختري
هاشم : هاشم ابن عبد مناف
هاشم بن عبد مناف 201، 260
الهاشمي، إسماعيل بن الفضل 83، 567
يعقوب بن شعيب 370
يونس بن ظبيان 28
ص: 665
ص: 666
الاحتجاج 247
الاستبصار 623
أقرب الموارد 304، 565
الانتصار 300
إيضاح النافع 615، 633
تاريخ التمدّن الإسلامي 113
التحرير : تحرير الأحكام
تحرير الأحكام 416، 589، 623
تحف العقول 8
التذكرة : تذكرة الفقهاء
تذكرة الفقهاء 99، 398، 409، 416، 489، 491، 501، 623
تفسير النعماني 37، 90
تفسير فرات بن إبراهيم تفسير
فرات الكوفي
تفسير فرات الكوفي 29
التنقيح الرائع 395
التهذيب : تهذيب الأحكام
تهذيب الأحكام 78، 149، 242، 275، 345، 356، 358، 371، 580
جامع المقاصد 294، 444، 489، 503، 547، 623، 633، 634
الجعفريات 67
الجواهر : جواهر الكلام
جواهر الكلام 40، 42، 124، 129، 133، 135، 137، 168، 174، 177، 178، 197، 198، 216، 222، 240، 316، 396، 416، 542، 572
الحدائق الناضرة 360، 396، 628
الخصال 98، 109، 633
الخلاف 93، 351، 363، 404، 474، 563، 567
درر اللآلي 279
الدروس الشرعية 490، 541، 546،
ص: 667
548، 623، 633
دعائم الإسلام 304، 344، 352، 356، 362، 363، 372، 376، 404، 531، 628، 629
الروضة البهيّة 86، 293، 294، 623
الرياض : رياض المسائل
رياض المسائل 398، 409
السرائر 416، 490، 623
الشرائع : شرائع الإسلام
شرائع الإسلام 299، 395
شرح الاُستاذ: شرح القواعد لكاشف الغطاء
شرح القواعد لكاشف الغطاء 416
الصحاح 113، 304
صحيفة الرضا عليه السلام 308
عيون الأخبار : عيون أخبار
الرضا عليه السلام
عيون أخبار الرضا عليه السلام 307
الغنية : غنية النزوع
غنية النزوع 567
الفقيه : من لا يحضره الفقيه
القاموس المحيط 113، 304
قرب الإسناد 585، 632
القواعد : قواعد الأحكام
قواعد الأحكام 299، 416، 569، 571
الكافي 159، 242، 371، 580، 627
كتاب علي عليه السلام 18، 32
كتاب ورّام بن أبي فراس 627، 628
الكفاية : كفاية الفقه
كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 99، 474
اللمعة الدمشقية 546، 633
المبسوط 113، 394، 395، 416، 474، 490
مجمع البحرين 74، 113، 303
مجمع الفائدة والبرهان 86
رسالة المحكم والمتشابة 37
المختلف : مختلف الشيعة
مختلف الشيعة 279
مرآة العقول 149، 159، 268
المسالك : مسالك الأفهام
مسالك الأفهام 86، 623، 633
المستدرك : مستدرك الوسائل
مستدرك الوسائل 67، 303، 304، 308، 372
المصباح المنير 543
معاني الأخبار 560
مفتاح الكرامة 395، 396، 560، 615،
618
ص: 668
المقابس : مقابس الأنوار
مقابس الأنوار 285
المقنع 623، 633
المختصر النافع 86
منتهى الإرب 565
المنتهى : منتهى المطلب
منتهى المطلب 86، 634
المنجد 113، 114، 304
من لا يحضره الفقيه 78، 80، 156،
159، 242، 345، 367، 368، 623
النافع : المختصر النافع
نوادر ابن عيسى : النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى
نهاية الإحكام 615، 634
النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى 54
النهاية : النهاية في غريب الحديث و الأثر
النهاية في غريب الحديث والأثر 303، 619
نهج البلاغة 626
الوافي 78، 80، 149، 580
الوسائل: وسائل الشيعة
وسائل الشيعة 70، 78، 79، 149، 159،
303، 307، 313، 356، 358، 367،
370، 403
الهداية للصدوق 623
ص: 669
ص: 670
«القرآن الكريم» .
«أ»
1 - الاجتهاد والتقليد ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .
2 - أجود التقريرات (تقريرات المحقّق النائيني) . السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي (1317 - 1413) ، تحقيق مؤسّسة صاحب الأمر(عجل الله تعالی فرجه الشریف) ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مطبعة ستارة ، 1419 ق .
3 - الاحتجاج . أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي ( القرن السادس) ، تحقيق إبراهيم البهادري و محمّد هادي به ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، منشورات اُسوة ، 1413 ق .
4 - اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي) . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تصحيح حسن المصطفوي ، جامعة مشهد ، 1348 ش .
5 - إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق فارس الحسّون ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1410 ق .
6 - الاستبصار فيما اختلف من الأخبار . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف
ص: 671
بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الثالثة ، 4 مجلّدات ، طهران ، دارالكتب الإسلامية ، 1390 ق .
7 - الاستصحاب ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .
8 - اُسد الغابة في معرفة الصحابة . أبو الحسن عز الدين علي بن أبي الكرم محمّد بن محمّد ابن عبدالكريم الشيباني المعروف بابن الأثير الجزري (م 630) ، تحقيق محمّد إبراهيم البنّاء ومحمّد أحمد عاشور و محمود عبدالوهّاب فايد ، الطبع الثاني ، 7 مجلّدات ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي .
9 - الإشارات و التنبيهات ، مع الشرح للمحقّق نصير الدين الطوسي وشرح الشرح للعلاّمة قطب الدين الرازي . الشيخ الرئيس أبو علي حسين بن عبداللّه بن سينا (370 - 427) ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، طهران ، دفتر نشر كتاب ، 1403 ق .
10 - إصباح الشيعة بمصباح الشريعة . قطب الدين محمّد بن الحسين الكيدرى ( القرن السادس) ، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام ، 1416 ق .
11 - أقرب الموارد . سعيد الخوري الشرتوني اللبناني ، 3 مجلّدات ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1403 ق .
12 - الاُمّ . أبو عبداللّه محمّد بن إدريس الشافعي (150 - 204) ، تصحيح محمّد زهري النجّار ، بيروت ، نشر دار المعرفة للطباعة والنشر ، 1408 ق .
13 - الأمالي . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق مؤسّسة البعثة ، الطبعة الاُولى ، قم ، دار الثقافة ، 1414 ق .
14 - الانتصار . السيّد المرتضى علم الهدى أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي (355 - 436) ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1415 ق .
15 - أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه ». موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .
16 - إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد . فخر المحقّقين الشيخ أبو طالب محمّد
ص: 672
ابن الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي (682 - 771) ، إعداد عدّة من العلماء ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، المطبعة العلمية ، 1387 ق .
«ب»
17 - بحار الأنوار الجامعة لدُرر أخبار الأئمّة الأطهار . العلاّمة محمّد باقر بن محمّد تقيّ المجلسي (1037 - 1110) ، الطبعة الثانية ، إعداد عدّة من العلماء ، 110 مجلدٍ (إلاّ 6 مجلّدات ، من المجلّد 29 - 34) + المدخل ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1403 ق / 1983 م .
18 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد . محمّد بن أحمد بن رشد القرطبي (520 - 595) ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، منشورات الشريف الرضي ، 1412 ق / 1371 ش .
19 - بغية الطالب في شرح المكاسب . السيّد أبو القاسم الجيلاني الإشكوري ، الطبعة الحجرية ، طهران ، دار الطباعة ، 1332 ق .
20 - بلغة الفقيه . الحجّة المحقّق السيّد محمّد آل بحر العلوم ، تحقيق السيّد محمّد تقيّ آل بحرالعلوم ، الطبعة الرابعة ، 4 مجلّدات ، طهران ، مكتبة الصادق ، 1403 ق .
21 - البيع (تقريرات المحقّق الحائري) . الشيخ محمّد علي الأراكي (م 1415) ، مجلّدان ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة إسماعيليان ، 1415 ق .
«ت»
22 - تأريخ التمدن الاسلامي . جرجي زيدان (1278 - 1332) ، تعليق الدكتور حسين مؤنس ، 5 مجلّدات ، القاهرة ، دار الهلال ، 1958 م .
23 - تاريخ الطبري . أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري (224 - 310) ، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم ، الطبعة السادسة ، 11 مجلّداً ، القاهرة ، دار المعارف ، 1387 ق / 1967 م .
24 - التبيان في تفسير القرآن . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق وتصحيح أحمد حبيب قصير العاملي ، بيروت ، 10 مجلّدات ، دار إحياء التراث العربي .
ص: 673
25 - تحرير الأحكام الشرعية علي مذهب الإمامية . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن ابن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام ، 1421 ق .
26 - تحف العقول عن آل الرسول . أبو محمّد بن الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحرّاني (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الثانية ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1404 ق .
27 - تذكرة الفقهاء . جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر ، العلاّمة الحلّي (648 - 726) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، صدر منه حتّى الآن 20 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث ، 1414 - 1433 ق .
28 - التعادل والترجيح ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .
29 - تفسير البيضاوي ( أنوار التنزيل وأسرار التأويل) . أبو سعيد عبداللّه بن عمر بن محمّد الشيرازي البيضاوي (م 791) ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1408 ق / 1988 م .
30 - تفسير العيّاشي . أبو النضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش السمرقندي ( أواخر قرن الثالث) ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي ، مجلّدان ، طهران ، المكتبة العلمية الإسلامية .
31 - تفسير القرطبي ( الجامع لأحكام القرآن) . أبو عبداللّه محمّد بن أحمد الأنصاري القرطبي (م 672) ، الطبعة الثانية ، 24 مجلّداً ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1405 ق / 1985 م .
32 - تفسير القمّي . أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمّي (م 307) ، تصحيح السيّد طيّب الموسوي الجزائري ، الطبعة الثالثة ، مجلّ-دان ، قم ، مؤسّسة دار الكتاب ، 1404 ق .
33 - التفسير الكبير . محمّد بن عمر الخطيب فخر الدين الرازي (544 - 606) ، الطبعة
ص: 674
الثالثة ، 32 جزءاً في 16 مجلّداً ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1411 ق .
34 - تفسير فرات الكوفي . أبو القاسم فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي (من أعلام الغيبة الصغرى) ، تحقيق محمّد كاظم ، طهران ، مؤسّسة الطبع والنشر ، 1410 ق .
35 - التنقيح الرائع لمختصر الشرائع . جمال الدين مقداد بن عبداللّه السيوري الحلّي المعروف بالفاضل المقداد (م 826) ، تحقيق السيّد عبد اللطيف الكوهكمري ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1404 ق .
36 - تنقيح المقال في علم الرجال . الشيخ عبداللّه بن محمّد حسن المامقاني (1290 - 1351) ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، بالاُفست عن طبعة النجف الأشرف ، المطبعة المرتضوية ، 1352 ق .
37 - التوحيد . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، الشيخ الصدوق (م 381) ، تحقيق السيّد هاشم الحسيني الطهراني ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1398 ق .
38 - تهذيب الأحكام . أبو جعفر محمّد بن الحسن ، الشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الرابعة ، 10 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1365 ش .
«ج»
39 - جامع الشتات . الميرزا أبو القاسم بن الحسن الجيلاني المحقّق القمّي (1151 - 1231) ، تصحيح مرتضى رضوى ، چاپ اول ، تا الآن 4 جلد به چاپ رسيده ، طهران ، انتشارات كيهان ، 1371 ش .
40 - جامع المدارك في شرح المختصر النافع . السيّد أحمد الخوانساري (م 1405) ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الاُولى ، 7 مجلّدات ، طهران ، مكتبة الصدوق ، 1369 - 1402 ق .
41 - جامع المقاصد في شرح القواعد . المحقّق الثاني علي بن الحسين بن عبدالعالي الكركي (868 - 940) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 13 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث ، 1408 - 1411 ق .
ص: 675
42 - الجامع للشرائع . نجيب الدين يحيى بن أحمد بن سعيد الحلّي الهذلي (601 - 689) ، تحقيق جمع من الفضلاء ، قم ، مؤسّسة سيّد الشهداء عليه السلام ، 1405 ق .
43 - الجعفريات أو الأشعثيات المطبوع مع «قرب الإسناد» . أبو علي محمّد بن محمّد الأشعث ( القرن الرابع) ، طهران ، مكتبة نينوى الحديثة .
44 - جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام . الشيخ محمّد حسن بن باقر النجفي (م 1266) ، تحقيق الشيخ عبّاس القوچاني ، الطبعة الثالثة ، 43 مجلّداً ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1367 ش .
«ح»
45 - حاشية المكاسب . الآخوند الخراساني محمّد كاظم بن حسين الهروي (1255 - 1329) ، تصحيح السيّد مهديّ شمس الدين . الطبعة الاُولى ، طهران ، وزارة الثقافة الإسلامية ، 1406 ق .
46 - حاشية المكاسب . الحاج ميرزا علي الإيرواني الغروي ، تحقيق باقر الفخّار الأصفهاني ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، دار ذوي القربى ، 1421 ق .
47 - حاشية المكاسب . الشيخ محمّد حسين الغروي الأصفهاني (1296 - 1361) ، تحقيق الشيخ عبّاس محمّد آل سباع القطيفي ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، قم ، ذوي القربى ، 1418 ق .
48 - حاشية المكاسب . العلاّمة السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (م 1337) ، تحقيق الشيخ عبّاس محمّد آل سباع القطيفي ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، دار المصطفى لإحياء التراث ، 1423 ق / 2002 م .
49 - حاشية المكاسب . العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي (م 1338) ، الطبعة الاُولى ، جزءان في مجلّد واحد ، قم ، انتشارات الشريف الرضي ، 1412 ق .
50 - الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة . الشيخ يوسف بن أحمد البحراني (1107 - 1186) ، تحقيق محمّد تقيّ الإيرواني ، الطبعة الاُولى ، 25 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1406 ق .
ص: 676
51 - الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة . صدر المتأ لّهين محمّد بن إبراهيم الشيرازي (م 1050) ، الطبعة الثانية ، 9 مجلّدات ، قم ، مكتبة المصطفوي .
«خ»
52 - الخصال . أبوجعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الثانية ، جزءان في مجلّد واحد، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1403 ق .
53 - خلاصة الأقوال في معرفة الرجال . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق جواد القيّومي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، 1417 ق .
54 - الخلاف . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق جماعة من المحقّقين ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1407 ق .
«د»
55 - درر الفوائد . العلاّمة الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي ، تعليق آية اللّه الشيخ محمّد علي الأراكي والمؤلّف ، تحقيق الشيخ محمّد المؤمن القمّي ، الطبعة الخامسة ،
جزءان في مجلّد واحد ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1408 ق .
56 - الدرر اللآلي . الشيخ محمّد بن علي الأحسائي ، مخطوط في المكتبة المرعشيّة ، تحت رقم 267 ، قم .
57 - الدروس الشرعية في فقه الإمامية . الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي (م 786) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1412 - 1414 ق .
58 - دعائم الإسلام . أبو حنيفة القاضي النعمان بن محمّد بن منصور بن أحمد بن حيّون التميمي المغربي (م 363) ، تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي ، مجلّدان ، القاهرة ، دار المعارف ، 1383 ق / 1963 م .
ص: 677
«ذ»
59 - ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد . المحقّق السبزواري محمّد باقر بن محمّد مؤمن (1017 - 1090) ، الطبعة الحجرية ، قم ، مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث .
«ر»
60 - رجال الطوسي . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق جواد القيّومي الأصفهاني ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1415 ق .
61 - رجال النجاشي . أبو العبّاس أحمد بن علي بن أحمد بن العبّاس النجاشي الأسدي الكوفي (372 - 450) ، تحقيق السيّد موسى الشبيري الزنجاني ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1407 ق .
62 - الرسائل الفقهية . الآخوند الخراساني المولى محمّد كاظم بن حسين الهروي (1255 - 1329) ، تحقيق السيّد صالح المدرّسي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مرصاد ، 1424 ق / 1382 ش .
63 - رسالة المحكم والمتشابه (تفسير النعماني) . السيّد المرتضى علم الهدى أبوالقاسم علي ابن الحسين الموسوي (355 - 436) قم ، دار الشبستري للمطبوعات .
64 - الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية . الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي (911 - 965) ، تحقيق مجمع الفكر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي ، 1424 ق .
65 - روضة المتّقين في شرح من لا يحضره الفقيه . العلاّمة المولى محمّد تقيّ المجلسي (1003 - 1070) ، إعداد السيّد حسين الموسوي الكرماني والشيخ علي پناه الاشتهاردي ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ، بنياد فرهنگ إسلامي ، حاج محمّد حسين كوشانپور ، 1393 - 1399 ق .
66 - رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل . السيّد علي بن محمّد علي الطباطبائي
ص: 678
(1161 - 1231) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1412 - 1423 ق .
«س»
67 - السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي . أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي (543 - 598) ، إعداد مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1410 - 1411 ق .
68 - سنن ابن ماجة . أبو عبداللّه محمّد بن يزيد بن ماجة القزويني (207 - 275) ، تحقيق محمّد فؤاد عبد الباقي ، مجلّدان ، بيروت ، دار الكتب العلمية .
69 - سنن أبي داود . أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (م 275) ، إعداد كمال يوسف الحوت ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، بيروت ، دار الجنان ، 1409 ق / 1988 م .
70 - سنن الترمذي . أبو عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي (209 - 279) ، تحقيق عبدالوهّاب عبد اللطيف ، الطبعة الثانية ، 5 مجلّدات ، بيروت ، دار الفكر للطباعة والنشر ، 1403 ق .
71 - السنن الكبرى . أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (384 - 458) ، إعداد الدكتور يوسف عبد الرحمان المرعشلي ، الطبعة الاُولى ، 10 مجلّدات ، الفهرس ، بيروت ، دار المعرفة ، 1413 ق / 1992 م .
«ش»
72 - شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام . المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن الحسن ابن يحيى بن سعيد الهذلي (602 - 676) ، تحقيق عبد الحسين محمّد علي بقّال ، الطبعة الثالثة ، 4 أجزاء في مجلّدين ، قم ، مؤسّسة إسماعيليان ، 1409 ق .
73 - شرح المقاصد . مسعود بن عمر بن عبداللّه المعروف ب- «سعد الدين التفتازاني» (712 - 793) ، تحقيق عبد الرحمان عميرة ، الطبعة الاُولى ، 5 أجزاء في 4 مجلّدات ، قم ، منشورات شريف الرضيّ ، 1370 - 1371ش .
ص: 679
74 - شرح المنظومة . المولى هادي بن مهدي السبزواري (1212 - 1289) ، تصحيح و تعليق و تحقيق حسن حسن زاده الآملي و مسعود الطالبي ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، طهران ، نشر ناب ، 1369 - 1379 ش .
75 - شرح فتح القدير . ابن عبد الواحد (681) ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1406 ق .
76 - شرح قواعد الأحكام . الشيخ جعفر بن الشيخ خضر الجناجي (كاشف الغطاء) (1156 - 1228) ، تحقيق السيّد محمّد حسين الرضوي الكشميري ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، سعيد بن جبير ، 1422 ق / 2002 م .
77 - شوارق الإلهام في شرح تجريد الكلام . المولى عبد الرزّاق بن علي بن الحسين اللاهيجي الفيّاض (م 1051) ، تصحيح أكبر أسد عليزاده ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام ، 1425 - 1430 ق .
«ص»
78 - الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية) . إسماعيل بن حمّاد الجوهري (م 393) ، تحقيق أحمد عبد الغفور عطّار ، الطبعة الرابعة ، 6 مجلّدات ، بيروت ، دار العلم للملايين ، 1407 ق / 1987 م .
79 - صحيفة الإمام الرضا عليه السلام . تحقيق محمّد مهديّ نجف ، الطبعة الاُولى ، مشهد ، المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السلام ، مؤسّسة طبع ونشر الآستانة الرضوية المقدّسة ، 1406 ق .
«ط»
80 - طبّ النبي صلي الله عليه و آله وسلم . أبو العبّاس المستغفري (م 432) ، الطبعة الاُولى ، قم ، منشورات الرضي ، 1362 ش .
81 - الطهارة ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .
«ع»
82 - عدّة الداعي ونجاح الساعي . أبو العباس أحمد بن فهد الحلّي الأسدي (757 - 841) ، تحقيق مؤسّسة المعارف الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة المعارف الإسلامية ،
1420 ق .
ص: 680
83 - العدّة في اُصول الفقه . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق محمّد رضا الأنصاري القمّي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مطبعة ستارة ، 1417 ق .
84 - العروة الوثقى . السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (م 1337) ، مع تعليقات عدّة من الفقهاء العظام ، إعداد أحمد المحسني السبزواري ، الطبعة الثانية ، 6 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1421 ق .
85 - عوائد الأيّام . المولى أحمد بن محمّد مهديّ بن أبي ذرّ النراقي (1185 - 1245) ، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1417 ق / 1375 ش .
86 - عوالي اللآلي العزيزية في الأحاديث الدينية . محمّد بن علي بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور (م - أوائل القرن العاشر) ، تحقيق مجتبى العراقي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مطبعة سيّد الشهداء ، 1403 ق .
87 - عيون أخبار الرضا عليه السلام . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، الشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح السيّد مهديّ الحسيني اللاجوردي ، الطبعة الثانية ، منشورات جهان .
«غ»
88 - غاية الآمال في حاشية المكاسب . الشيخ محمّد حسن المامقاني (1238 - 1323) ، مع نهاية المقال في تكملة غاية الآمال . الشيخ عبداللّه المامقانى (1290 - 1351) ، تحقيق الشيخ محمّد أمين المامقاني ، الطبعة الاُولى ، 10 مجلّدات ، قم ، مطبعة ثامن
الحجج، 1423 ق / 1381 ش .
89 - غرر الحكم ودرر الكلم . عبد الواحد بن محمّد التميمي الآمدي (من علماء القرن الخامس) ، تصحيح السيّد مهديّ الرجائي ، قم ، دار الكتاب الإسلامي ، 1410 ق / 1990 م .
90 - غنية النزوع إلى علمي الاُصول والفروع . أبو المكارم السيّد حمزة بن علي بن زهرة
ص: 681
الحلبي المعروف بابن زهرة (511 - 585) ، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري ، الطبعة
الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام ، 1417 ق .
«ف»
91 - فرائد الاُصول ، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 24 - 27 . الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري (1214 - 1281) ، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي ، 1419 ق / 1377 ش .
92 - الفصول الغروية في الاُصول الفقهية . محمّد حسين بن عبدالرحيم الطهراني الأصفهاني الحائري (م 1250) قم ، دار إحياء العلوم الإسلامية ، 1404 ق . «بالاُفست عن الطبعة الحجرية» .
93 - الفقه علي المذاهب الأربعة . عبد الرحمان الجزيري ، الطبعة السابعة ، 5 مجلّدات ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1406 ق / 1986 م .
94 - الفقيه (من لا يحضره الفقيه) . أبو جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الرابعة ، 4 مجلّدات ، النجف الأشرف ، دار الكتب الإسلامية ، 1377 ق / 1957 م .
95 - فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) . الشيخ محمّد علي الكاظمي الخراساني (1309 - 1365) ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1404 ق .
96 - الفهرست . أبو جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (380 - 460) ، تحقيق الشيخ جواد القيّومي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، 1417 ق .
«ق»
97 - قاطعة اللجاج في تحقيق حلّ الخراج ضمن «الخراجيات» . المحقّق الثاني الشيخ علي ابن الحسين الكركي (م 940) ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1413
ق .
98 - القاموس المحيط والقابوس الوسيط . أبو طاهر مجد الدين محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي (729 - 817) ، 4 مجلّدات ، بيروت ، دار الجيل .
ص: 682
99 - قرب الإسناد . أبو العبّاس عبداللّه بن جعفر الحميري القمّي (م بعد 304) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث ، 1413 ق .
100 - قواعد الأحكام في مسائل الحلال والحرام . العلاّمة الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي (648 - 726) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1413 ق .
101 - القواعد والفوائد في الفقه والاُصول والعربية . الشيخ شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي المعروف بالشهيد الأوّل (734 - 786) ، تحقيق عبد الهادي الحكيم ، الطبعة الثانية ، مجلّدان ، قم ، مكتبة المفيد ، 1399 ق / 1979 م .
«ك»
102 - الكافي . ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (م 329) ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الخامسة ، 8 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1363 ش .
103 - الكافي في الفقه . تقيّ الدين بن نجم أبو الصلاح الحلبي (374 - 447) ، تحقيق رضا الاُستادي ، أصفهان ، مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، 1403 ق .
104 - الكامل في التأريخ . علي بن أبي الكرم محمّد بن محمّد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني المعروف بابن الأثير (555 - 630) ، الطبعة الاُولى ، 12 مجلّداً + الفهارس ، بيروت ، دار صادر ، 1385 ق / 1965 م .
105 - الكشّاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل . جاراللّه محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي (467 - 528) ، إعداد مصطفى حسين أحمد ، الطبعة الثالثة ، 4 مجلّدات ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، 1407 ق / 1987 م .
106 - كشف الرموز في شرح المختصر النافع . زين الدين أبو علي الحسن بن أبي طالب بن أبي المجد اليوسفي المعروف بالفاضل والمحقّق الآبي (م بعد 672) ، تحقيق علي پناه
ص: 683
الاشتهاردي وحسين اليزدي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1408 ق .
107 - كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر ، تحقيق الشيخ حسن حسن زاده الآملي ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1414 ق .
108 - كفاية الاُصول . الآخوند الخراساني المولى محمّد كاظم بن حسين الهروي (1255 - 1329) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي .
109 - كفاية الفقه المشتهر ب- «كفاية الأحكام» . محمّد باقر بن محمّد مؤمن الشريف الخراساني السبزواري (1017 - 1090) ، تحقيق الشيخ مرتضى الواعظي الأراكي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1423 ق .
110 - كمال الدين وتمام النعمة . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي الشيخ الصدوق (م 381) ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الاُولى ، طهران ، مكتبة الصدوق ، 1390 ق .
«ل»
111 - لسان العرب . أبو الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم بن منظور المصري (630 - 711) ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً + الفهرس ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1408 ق / 1988 م .
112 - اللمعة الدمشقية في فقه الإمامية . شمس الدين محمّد بن مكّي بن العاملي المعروف بالشهيد الأوّل (734 - 786) ، الطبعة الاُولى ، بيروت ، مؤسّسة فقه الشيعة ، 1410 ق / 1990 م .
«م»
113 - المبسوط في فقه الإمامية . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد محمّد تقيّ الكشفي ، الطبعة الثانية ، 8 أجزاء في 4 مجلّدات ، طهران ، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية ، 1387 - 1393 ق .
ص: 684
114 - مجمع البحرين ومطلع النيّرين . فخر الدين الطريحي (972 - 1085) ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، بيروت ، دار ومكتبة الهلال ، 1985 م .
115 - مجمع البيان في تفسير القرآن . أبو علي أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي (حوالي 470 - 548) ، تحقيق وتصحيح السيّد هاشم الرسول المحلاّتي والسيّد فضل اللّه اليزدي الطباطبائي ، الطبعة الاُولى ، 10 أجزاء في 5 مجلّدات ، بيروت ، دار المعرفة للطباعة والنشر .
116 - مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان . أحمد بن محمّد المعروف بالمقدّس الأردبيلي (م 993) ، تحقيق مجتبى العراقي وعلي پناه الاشتهاردي وحسين اليزدي ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1402 - 1414 ق .
117 - المحاسن . أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (م 274 أو 280) ، تحقيق جلال الدين الحسيني الاُرموي ، الطبعة الثانية ، قم ، دار الكتب الإسلامية .
118 - المحلّى بالآثار . أبو محمّد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي (م 456) ، تحقيق الدكتور عبدالغفّار سليمان البنداري ، 12 مجلّداً ، بيروت ، دار الفكر .
119 - المختصر النافع . أبو القاسم نجم الدين جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهُذَلي (602 - 676) ، الطبعة الثانية ، قم ، منشورات مؤسّسة المطبوعات الديني ، 1368 ش .
120 - مختلف الشيعة في أحكام الشريعة . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 9 مجلّدات + الفهرس ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1412 - 1420 ق .
121 - مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام . السيّد محمّد بن علي الموسوي العاملي (م 1009) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 8 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث ، 1410 ق .
122 - المراسم في فقه الإمامي . حمزة بن عبد العزيز الديلمي الملقّب بسلاّر (م 463) ، إعداد محمود البستاني ، قم ، منشورات حرمين ، 1404 ق .
123 - مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول . العلاّمة محمّد باقر بن محمّد تقيّ المجلسي ،
ص: 685
(1037 - 1110) ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي والسيّد جعفر الحسيني والشيخ علي الآخوندي ، الطبعة الثانية ، 26 مجلّداً ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1363 ش .
124 - مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام . الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي الجبعي (911 - 965) ، تحقيق مؤسّسة المعارف الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة المعارف الإسلامية ، 1413 - 1419 ق .
125 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل . الحاج الميرزا حسين المحدّث النوري الطبرسي ، (1254 - 1320) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث ، الطبعة
الاُولى ، 25 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث ، 1407 ق .
126 - مستمسك العروة الوثقى . السيّد محسن الطباطبائي الحكيم (1306 - 1390) ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة دار التفسير ، 1416 ق / 1374 ش .
127 - مستند الشيعة في أحكام الشريعة . أحمد بن محمّد مهديّ النراقي (م 1245) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 18 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث ، 1415 - 1420 ق .
128 - المسند . أحمد بن محمّد بن حنبل (164 - 241) ، إعداد أحمد محمّد شاكر وحمزة أحمد الزين ، الطبعة الاُولى ، 20 مجلّداً ، القاهرة ، دار الحديث ، 1416 ق .
129 - مصباح الفقاهة (تقريرات المحقّق آية اللّه الخوئي) . محمّد علي التوحيدي ، 7 مجلّدات ، انتشارات وجداني ، 1371 ش .
130 - مصباح الفقيه (الطهارة ، الصلاة ، الزكاة ، الخمس ، الصوم ، الرهن) . الحاج آقا رضا بن محمّد هادي الهمداني النجفي (م 1322) ، الطبعة الاُولى ، 19 مجلّداً :
الطهارة والصلاة . تحقيق المؤسّسة الجعفرية لإحياء التراث ، (ج 1 - 17) ، قم ، مؤسّسة مهديّ الموعود(عجل الله تعالی فرجه الشریف) ، 1417 - 1431 ق .
الزكاة والخمس والصوم والرهن . (ج 13 و14 ، حسب ترتيب مؤسّسة النشر الإسلامي) ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1416 ق .
131 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير . أحمد بن محمّد بن علي المقري الفيّومي
ص: 686
(م 770) ، الطبعة الاُولى ، جزءان في مجلّد واحد ، قم ، دار الهجرة ، 1405 ق .
132 - معالم الدين وملاذ المجتهدين «قسم الاُصول» . أبو منصور جمال الدين الحسن بن زين الدين العاملي (959 - 1011) ، تحقيق لجنة التحقيق ، الطبعة الحادي عشر ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1416 ق .
133 - معاني الأخبار . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1361 ش .
134 - المعتبر في شرح المختصر . المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهُذلي (602 - 676) ، تحقيق عدّة من الأفاضل ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة سيّد الشهداء عليه السلام ، 1364 ش .
135 - معجم مقاييس اللغة . أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا (م 395) ، تحقيق عبد السلام محمّد هارون ، 6 مجلّدات ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1404 ق .
136 - المغني ويليه الشرح الكبير . أبو محمّد عبداللّه بن أحمد بن محمّد بن قدامة (541 - 620) ، وأبو الفرج عبدالرحمان بن أبي عمر محمّد بن أحمد بن قدامة المقدسي (م 682) الطبعة الاُولى ، 21 مجلّداً ، بيروت ، دار الكتب العربي .
137 - مفاتيح الشرائع . المولى محسن الفيض الكاشاني (م 1091) ، تحقيق السيّد مهديّ الرجائي ، 4 مجلّدات ، قم ، مطبعة الخيّام ، 1401 ق .
138 - مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلاّمة . السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي (1160 - 1228) ، تحقيق محمّد باقر الخالصي ، الطبعة الاُولى ، 26 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1419- 1433 ق .
139 - مقابس الأنوار ونفائس الأسرار في أحكام النبي المختار وعترته الأطهار، الشيخ أسداللّه بن إسماعيل التستري الكاظمي (م 1237) ، قم ، مؤسّسة آل البيت.
140 - المقنع . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق
ص: 687
(311 - 381) ، تحقيق لجنة التحقيق التابعة لمؤسّسة الإمام الهادي عليه السلام ، قم ، مؤسّسة الإمام الهادي عليه السلام ، 1415 ق .
141 - المقنعة . أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (م 413) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1410 ق .
142 - المكاسب ، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 14 - 19 . الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري الدزفولي (1214 - 1281) ، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، قم ، مكتبة الفقهية ، 1415 - 1420 ق .
143 - المكاسب والبيع (تقريرات المحقّق الميرزا النائيني) . الشيخ محمّد تقيّ الآملي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1413 ق .
144 - ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار . العلاّمة محمّد باقر بن محمّد تقيّ المجلسي ، تحقيق السيّد مهديّ الرجائي ، 16 مجلّداً ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1406 ق .
145 - مناهج الوصول إلى علم الاُصول ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .
146 - منتهى الإرب في لغة العرب . عبدالرحيم بن عبدالكريم الصفيپور ، 4 أجزاء في مجلّدين ، طهران ، كتابخانه سنائي ، 1298 ق.
147 - منتهى المطلب في تحقيق المذهب . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف ابن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً ، مشهد ، مجمع البحوث الإسلامية ، 1412 - 1428 ق .
148 - منتهى المقال في أحوال الرجال . أبو علي محمّد بن إسماعيل الحائري المازندراني (1159 - 1215) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 7 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث ، 1416 ق .
149 - المنجد في اللغة . لوئيس معلوف وعدّة من الأساتذة ، الطبعة الثالثة والثلاثون ، بيروت ، دار المشرق ، 1992 م .
ص: 688
150 - منية الطالب في شرح المكاسب (تقريرات المحقّق النائيني) . الشيخ موسى بن محمّد النجفي الخوانساري (1254 - 1363) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1424 ق .
151 - موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه . تحقيق مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، 1434 ق / 1392 ش .
152 - المهذّب . أبو القاسم عبدالعزيز بن نحرير بن عبدالعزيز القاضي ابن البرّاج (400 - 481) ، إعداد مؤسّسة سيّد الشهداء ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1406 ق .
153 - المهذّب البارع في شرح المختصر النافع . العلاّمة أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي (757 - 841) ، تحقيق مجتبى العراقي ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1407 - 1413 ق .
«ن»
154 - نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الإمامية . الفاضل المقداد بن عبداللّه السيوري (م 826) ، تحقيق السيّد عبداللطيف الكوهكمري ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتبة آية اللّه العظمى المرعشى ، 1403 ق .
155 - النوادر . أبو جعفر أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري القمّي ، تحقيق مؤسّسة الإمام المهديّ (عجل الله تعالی فرجه الشریف) ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة الإمام المهديّ (عجل الله تعالی فرجه الشریف) ، 1408 ق .
156 - نهاية الإحكام في معرفة الأحكام . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق السيّد مهديّ الرجائي ، الطبعة الثانية ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة إسماعيليان ، 1410 ق .
157 - نهاية الاُصول (تقريرات المحقّق البروجردي) . الشيخ حسينعلي المنتظري ، الطبعة الاُولى ، قم ، نشر تفكّر ، 1415 ق .
ص: 689
158 - نهاية الأفكار (تقريرات المحقّق آغا ضياء الدين العراقي) . الشيخ محمّد تقيّ البروجردي النجفي (م 1391) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 4 أجزاء في 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1405 ق .
159 - نهاية الدراية في شرح الكفاية . الشيخ محمّد حسين الأصفهاني (1296 - 1361) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث ، 1414 ق .
160 - النهاية في غريب الحديث والأثر . مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمّد بن محمّد الجزري المعروف بابن الأثير (544 - 606) ، تحقيق طاهر أحمد التراوي ومحمود محمّد الطناحي ، 5 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة إسماعيليان ، 1364 ش .
161 - النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، قم ، انتشارات قدس محمّدي .
162 - نهج البلاغة ، من كلام مولانا أمير المؤمنين عليه السلام . جمعه الشريف الرضي ، محمّد بن الحسين (359 - 406) ، إعداد الدكتور صبحي صالح ، انتشارات الهجرة ، قم ، 1395 ق «بالاُفست عن طبعة بيروت 1387 ق» .
163 - نهج الفقاهة . السيّد محسن الطباطبائي الحكيم ، تحقيق جواد القيّومي الأصفهاني ، الطبعة الاُولى ، قم ، دار الفقه للطباعة والنشر ، 1421 ق / 1379 ش .
«و»
164 - الوافي . محمّد بن المرتضى المولى محسن المعروف بالفيض الكاشاني (1006 - 1091) ، إعداد ضياء الدين الحسيني ، الطبعة الاُولى ، 26 مجلّداً ، أصفهان ، مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، 1412 ق .
165 - وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة . الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (1033 - 1104) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 30 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث ، 1409 ق .
ص: 690
166 - الوسيلة إلى نيل الفضيلة . عماد الدين أبو جعفر محمّد بن علي الطوسي المعروف بابن حمزة ( القرن السادس) ، تحقيق الشيخ محمّد الحسّون ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1408 ق .
«ه-»
167 - هداية الطالب إلى أسرار المكاسب . الميرزا فتّاح الشهيدي التبريزي (1214 - 1281) ، الطبعة الثانية ، 5 مجلّدات ، قم ، دار الفقه للطباعة والنشر ، 1428 ق / 1386 ش .
168 - هداية المسترشدين في شرح اُصول معالم الدين . الشيخ محمّد تقيّ الرازي النجفي الأصفهاني (م 1248) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ،
قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1420 - 1421 ق .
ص: 691
ص: 692
القول في شرائط العوضين
الشرط الأوّل : المالية والملكية في العوضين
اعتبار المالية والملكية في العوضين ... 7
حول اشتراط المالية ... 7
حكم الشكّ في مالية أحد العوضين ... 8
كفاية المالية العرفية ... 10
النسبة بين المال والملك ... 11
حول اشتراط الملكية ... 13
عدم اعتبار السلطنة في صدق البيع ... 13
حكم بيع المباحات ... 15
وجوب تحصيل المبيع إذا باع ما ليس له ... 16
حكم بيع الأراضي المفتوحة عنوة ... 18
في الأخبار الدالّة على أنّ الأرض كلّها للإمام عليه السلام ... 18
التحقيق في مفاد آية الأنفال ... 21
أقسام الأرضين :
منها : الأرض الموات ... 25
ص: 693
إذن الأئمّة في التصرّف لمطلق الناس ... 27
استعراض الأدلّة على الإذن المطلق ... 34
حصول الملكية بالإحياء لكلّ محيٍ ... 38
ومنها : الأرض العامرة بالأصالة ... 40
تملّك الأراضي التي لا ربّ لها بالحيازة ... 45
ومنها : الموات بالعرض ... 49
مقتضى الأصل في الأقسام الثلاثة ... 56
حكم الشكّ في موتان الأرض بالأصالة أو لعارض ... 56
حكم الشكّ في عمران الأرض بالأصالة أو لعارض ... 60
حكم الشكّ في الأرض المملوكة التي عرضها الخراب ... 60
ومنها : ما عرضتها الحياة بعد كونها ميتة بالأصالة ... 61
بيان حكم الأراضي المفتوحة عنوة ... 62
مؤيّدات لعدم ملكية الأرض المفتوحة عنوة ... 67
بحث في صحّة بيع الأراضي المفتوحة عنوة ... 70
التحقيق في الروايات الواردة في الأراضي الخراجية ... 70
الروايات الظاهرة في شراء أرض الخراج ... 83
اعتبار إذن الإمام عليه السلام في صيرورة الأرض المفتوحة عنوة خراجية ... 85
البحث عن مفاد آية الخمس ... 86
الأخبار الدالّة على وجوب الخمس في الأراضي المغنومة ... 89
الأخبار الدالّة على عدم التخميس ... 91
كيفية الجمع بين الأخبار السابقة ... 92
أدلّة اعتبار إذن الإمام في ملكية المسلمين ... 96
في اعتبار كون الأرض محياة حال الفتح لصيرورتها خراجية ... 99
حكم الشكّ في كون الفتح عنوة ... 103
ص: 694
حكم الشكّ في إذن الإمام عليه السلام ... 106
الأمارات المثبتة لتحقّق الإذن والعنوة والحياة ... 107
حكم أرض العراق ... 109
المراد من «أرض السواد» ... 112
حكم التصرّف في أرض العراق وغيره ... 116
الشرط الثاني : كون العوضين ملكاً طلقاً
اعتبار كون العوضين ملكاً طلقاً ... 121
بيان المراد من الطِلقية ... 121
مسألة : في عدم جواز بيع الوقف ... 124
ماهية الوقف ... 124
المختار في تعريف الوقف ... 128
أدلّة عدم جواز بيع الوقف ... 130
الاستدلال بعدم كون الوقف ملكاً للواقف ولا للموقوف عليه ... 130
وجه عدم كون الواقف مالكاً للوقف ... 131
ما قيل لدخول الوقف في ملك الموقوف عليه ... 132
حول كلام صاحب الجواهر في المقام ... 133
تقريب لملكية الموقوف عليهم ... 139
استدلال الشيخ الأعظم بمكاتبة الصفّار على عدم الجواز ... 141
الاستدلال على عدم الجواز بالروايات الحاكية لوقف الأئمّة ... 148
الاستدلال على عدم جواز بيع الوقف برواية أبي علي بن راشد ... 154
التشبّث لبطلان بيع الوقف بالحقوق الثلاثة ... 161
تقريب البطلان لأجل حقّ اللّه ... 161
ص: 695
تقريب بطلان البيع لأجل حقّ الواقف ... 164
تقريب بطلان البيع لأجل حقّ البطون اللاحقة ... 166
بحث في بطلان الوقف بمجرّد جواز بيعه ... 172
هل يبطل الوقف ببيعه مطلقاً أم لا ؟ ... 179
أقسام الوقف وأحكامها ... 182
مقتضى الأصل في المقام ... 183
بيع الأوقاف العامّة من شؤون ولاية الفقيه ... 186
كلام كاشف الغطاء في عدم صحّة بيع الوقف العامّ ... 189
مسوّغات بيع الوقف الخاصّ ... 192
وفيها صور نتعرّض لمهمّاتها :
الصورة الاُولى : ما إذا خرب الوقف ... 192
تقرير مقتضي بيع الوقف على مبنى صاحب «الجواهر» وغيره ... 197
تقريب المقتضي على المسلك الحقّ ... 199
بيان أنحاء الوقف ... 202
استدلال الشيخ الأعظم على جواز البيع عند طروّ الخراب ... 204
تأييد الشيخ الأعظم لجواز البيع ودفعه ... 206
وجوب تبديل الوقف إلى ما يقبل البقاء ... 210
عدم اختصاص البدل بالطبقة الموجودة ... 212
عدم صيرورة بدل الموقوفة وقفاً بالتبديل ... 216
التفصيل في وجوب شراء المماثل ... 220
بيع الأوقاف بيد الحاكم لا المتولّي المنصوب ... 223
في المتصدّي لبيع الأوقاف الخاصّة ... 226
الواقف للبدل هو الحاكم لا غيره ... 232
حكم عروض الخراب على بعض الوقف ... 235
ص: 696
حكم الصور الباقية ... 238
الصورة الثانية : ما إذا كان البيع أنفع وأعود للموقوف عليه ... 240
الاستدلال بمكاتبة الحميري على جواز البيع عند الأنفعية ... 247
الاستدلال بصحيحة ابن مهزيار وجوابه ... 251
الصورة الثالثة : أن يشترط الواقف بيعه لجهة من الجهات حسب ما يشترط ... 253
عدم مخالفة الاشتراط لماهية الوقف ... 254
دلالة صحيحة ابن الحجّاج على صحّة الشرط ... 259
الصورة الرابعة : أن يؤدّي بقاؤه إلى خرابه علماً أو ظنّاً ... 263
حكم الخلاف بين أرباب الوقف ... 265
صحّة الوقف المنقطع ... 270
الاستدلال بصحيحة ابن مهزيار على صحّة الوقف المنقطع ... 273
جواز بيع الوقف المنقطع ... 274
مختار الشيخ الأعظم والجواب عنه ... 277
مسألة : في بيع الرهن ... 279
التمسّك بالعمومات لصحّة بيع الرهن موقوفاً على الإجازة ... 281
كلام المحقّق التستري وما يرد عليه ... 285
جريان نزاع الكشف والنقل في بيع الراهن بعد فكّ الرهن ... 289
فكّ الرهن مصحّح للمعاملة ... 292
هل الفكّ ناقل أو كاشف؟ ... 293
الشرط الثالث : القدرة على التسليم في العوضين
مسألة : حول القدرة على التسليم ... 299
الاستدلال بحديث الغرر على اعتبار القدرة على التسليم ... 300
ص: 697
بيان المعاني المذكورة للغرر ... 303
الروايتان الناهيتان عن بيع الغرر ... 307
الاستدلال بحديث «لا تبع . . .» على اعتبار القدرة على التسليم ... 309
بحث في أنّ المستفاد من الحديثين بطلان العقد أم لا ؟ ... 314
هل القدرة على التسليم شرط أو العجز مانع؟ ... 318
حول كلام الشيخ الأعظم في المقام ... 321
استظهار القدرة على التسليم من حين العقد ... 325
اعتبار العلم بالقدرة على التسلّم لو كان المستند حديث الغرر ... 327
جواب الإشكال عن اعتبار القدرة على التسليم في الفضولي ... 329
هل تعتبر القدرة على التسليم في الصرف والسلم؟ ... 331
بطلان كون الشرط هو القدرة المعلومة ... 335
حكم بيع الآبق ... 338
محتملات موثّقة سَماعة وبيان الحقّ منها ... 341
صحيحة النخّاس ومحتملاتها ... 345
صحّة بيع الآبق مع الضميمة إن كانت السلعة واحدة ... 348
النسبة بين روايتي النخّاس وسماعة وبين حديث «كلّ مبيع . . .» ... 349
اعتبار القدرة في جميع المعاملات ... 350
الشرط الرابع : العلم بقدر الثمن والمثمن
مسألة : في العلم بقدر الثمن ... 355
هنا مسألتين قد وقع الخلط فيها :
الاُولى : اشتراط العلم بالثمن قدراً ... 355
الثانية : ما إذا لم يذكر الثمن في عقد البيع ... 359
ص: 698
تأويلات صحيحة النخّاس ... 361
مسألة : في العلم بقدر المثمن ... 363
الكلام في ذيل صحيحة الحلبي ... 365
الاستدلال بروايات اُخرى على اعتبار العلم بقدر المثمن ... 368
لزوم الأخذ بعنواني الغرر والمجازفة ... 371
المراد من بيع المجازفة ... 374
جواز بيع المكيل بالوزن وبالعكس ... 376
جواز التبديل بشرط التعارف ... 379
اختلاف المقاييس باختلاف الأمتعة ... 381
هل المناط في المكيلية والموزونية بعصر النبي صلي الله عليه و آله وسلم ... 383
موضوعية المكيل والموزون إثباتاً ... 387
حكم الشكّ في المكيلية والموزونية ... 391
مسألة : في جواز الاعتماد على إخبار البائع بمقدار المبيع ... 398
هل أنّ إخبار البائع بالكيل يوجب صحّة المعاملة؟ ... 404
بحث في روايات الباب ثبوتاً وإثباتاً ... 406
حكم مخالفة قول البائع للواقع ... 410
ثبوت خيار التبعّض عند كذب البائع ... 414
مسألة : في كفاية المشاهدة في مختلف الأجزاء ... 416
مسألة : في الوجوه المتصوّرة في بيع بعضٍ من جملةٍ متساوية الأجزاء ... 421
الأوّل : أن يبيع ذلك على نحو الكسر المشاع ... 421
حول بناء المحقّق النائيني المسألة على الجزء الذي لا يتجزّأ ... 422
التحقيق في المقام ... 426
الثاني من الوجوه : الفرد المنتشر ... 429
النصوص الموهمة لتعلّق الحكم بالفرد المنتشر والمردّد ... 431
ص: 699
تخيّل كون العلم الإجمالي من قبيل المتعلّق بالفرد المنتشر ... 434
الثالث من الوجوه : الكلّي في المعيّن ... 436
مسألة : في بيع صاع من الصبرة ... 442
في أنّ المراد من الصاع هو الكلّي في المعيّن ... 442
آثار القول بكون المبيع كلّياً في المعيّن :
1- ثبوت التخيير في تعيين المبيع للبائع لا المشتري ... 445
2- انحصار حقّ المشتري بالباقي بعد التلف ... 447
3- اختصاص النماءات بالبائع ... 449
4- اختصاص الباقي بالمشتري الأوّل ... 449
حكم قبض المشتري لجميع الصبرة ... 451
حكم ما لو باع ثمرة بستان واستثنى منها أرطالاً معلومة ... 455
في الفرق بين بيع صاع من الصبرة والمستثنى في بيع الثمرة ... 455
صور بيع مقدار لم يعلم اشتمال الصبرة عليه ... 465
فيما لو تعلّق البيع بالصبرة الخارجية ... 466
فيما لو كان المبيع كلّياً في المعيّن ... 469
فيما لو باع جميع الصبرة كلّ صاع بكذا ... 473
مسألة : في بيع العين المشاهدة قبل العقد ... 475
في الصور التي ذكرها الشيخ الأعظم ... 475
ثبوت خيار تخلّف الشرط للمشتري مع انكشاف التغيّر ... 481
حكم بعض الصور التي لم يذكرها الشيخ الأعظم ... 481
فرعان :
الفرع الأوّل : فيما لو اختلف البائع والمشتري في التغيّر ... 484
تشخيص المدّعي والمنكر موكولان إلى العرف ... 484
العبرة في تشخيص المدّعي والمنكر بمصبّ الدعوى ... 486
ص: 700
ليس للقاضي إلاّ استماع الدعوى ... 487
صور الاختلاف وأحكامها ... 487
وجوه تقديم قول المشتري :
الوجه الأوّل : ما تمسّك به الشهيد والشيخ وابن إدريس والعلاّمة ... 490
كلام الشيخ وابن إدريس في وجه تقديم قول المشتري ... 495
كلام العلاّمة في وجه تقديم قول المشتري ... 496
الوجه الثاني : تمسّك العلاّمة بأصالة عدم علم المشتري ... 501
الوجه الثالث : تمسّك المحقّق الثاني بأصالة عدم وصول الحقّ ... 503
في ابتناء الشيخ الأعظم المسألة على بناء المتعاملين ... 504
فيما ذكره الشيخ الأعظم من فساد التمسّك بأصالة اللزوم ... 511
ما ذكره الشيخ الأعظم من فساد التمسّك بالعمومات لإثبات لزوم العقد ... 514
حكم صورة دعوى البائع للتغيّر الموجب لخياره ... 518
الفرع الثاني : في حكم الاختلاف في تقدّم التغيّر على البيع وتأخّره ... 519
حكم الاختلاف في تقدّم التغيّر على القبض وتأخّره ... 521
حكم الاختلاف في تقدّم التلف على البيع وتأخّره ... 522
مسألة : في اعتبار اختبار أوصاف المبيع ... 526
الروايات المؤيّدة لبطلان المعاملة مع جهالة الأوصاف ... 530
الروايات الظاهرة في صحّة المعاملة مع جهالة الأوصاف ... 533
موارد الشكّ في الصحّة والعيب وكيفية رفع الغرر ... 535
قيام السيرة العقلائية على المبايعة مع احتمال العيب ... 537
مسألة : في صحّة بيع ما يفسده الاختبار ... 540
حكم ما لو تبيّن فساد المبيع ... 541
حكم البراءة من عيب ما لا قيمة لمكسوره ... 548
مسألة : في جواز بيع المسك في فأرته ... 550
ص: 701
مسألة : في عدم جواز بيع المجهول مع الضميمة ... 551
مقتضى القواعد في بيع المجهول مع الضميمة ... 553
النصوص الواردة في بيع الألبان في الضروع ... 555
صحّة بيع الحمل مع ضمّ الأصواف ... 560
جواز شراء الآجام مع ضميمة القصب ... 563
حول التفصيل المتراءى من ظاهر كلام العلاّمة في المقام ... 569
مسألة : في الإندار ... 574
فيما يتصوّر في بيع المظروف مع الجهل بمقداره ومقتضى القاعدة فيه ... 575
بيان معقد إجماع فخرالدين قدّس سرّه ... 578
الروايات الدالّة على جواز الإندار ... 580
احتمالات موثّقة حنان ... 587
في كفاية تعارف الإندار بعد البيع في صحّة بيع المجهول ... 590
اعتبار رضا المتعاملين بالإندار ... 593
عدم جواز الإندار بما يزيد ولا ينقص ... 596
عدم جواز الإندار بما يحتمل الزيادة لا النقيصة ... 597
في أنّ احتمال الزيادة والنقيصة موضوع لحكم جواز الإندار ... 597
حكم التمسّك بالأصل العملي عند الإندار ... 598
مسألة : في صور بيع المظروف مع ظرفه وأحكامها ... 602
خاتمة
فيها اُمور :
الأمر الأوّل : في حكم تعلّم الأحكام ... 609
الأمر الثاني : في كراهة تلقّي الركبان ... 615
كراهة التجارة عن تلقٍّ لا نفس الاستقبال ... 619
ص: 702
ارتفاع الكراهة بالوصول إلى أربعة فراسخ ... 621
صحّة المعاملة مع التلقّي ... 621
الأمر الثالث : في حرمة الاحتكار ... 623
مناقشة التحديد الوارد في موثّقة السكوني ... 630
بيان الأطعمة التي يحرم احتكارها ... 632
تحريم احتكار الطعام وإن لم يملكه بالاشتراء ... 633
إجبار المحتكر على البيع عند الامتناع والتسعير عند الإجحاف ... 634
الفهارس العامّة
1- فهرس الآيات الكريمة ... 639
2- فهرس الأحاديث الشريفة ... 643
3- فهرس أسماء المعصومين... 657
4- فهرس الأعلام ... 659
5- فهرس الكتب الواردة في المتن ... 667
6- فهرس مصادر التحقيق ... 671
7- فهرس الموضوعات ... 693
ص: 703