موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 19 کتاب البیع المجلد 5

هوية الکتاب

عنوان واسم المؤلف: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 19 کتاب البیع المجلد 5/ [روح الله الامام الخمیني قدس سرة].

مواصفات النشر : طهران : موسسة تنظیم و نشر آثارالامام الخمیني قدس سرة، 1401.

مواصفات المظهر: 670ص.

الصقيع: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة

ISBN: 9789642123568

حالة القائمة: الفيفا

ملاحظة: الببليوغرافيا مترجمة.

عنوان : الخميني، روح الله، قائد الثورة ومؤسس جمهورية إيران الإسلامية، 1279 - 1368.

عنوان : الفقه والأحكام

المعرف المضاف: معهد الإمام الخميني للتحرير والنشر (س)

ترتيب الكونجرس: BP183/9/خ8الف47 1396

تصنيف ديوي : 297/3422

رقم الببليوغرافيا الوطنية : 3421059

عنوان الإنترنت للمؤسسة: https://www.icpikw.ir

جمعية خيرية رقمية: مركز خدمة مدرسة إصفهان

محرر: محمّد علي ملك محمّد

ص: 1

اشارة

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 3

ص: 4

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين

والصلاة والسلام على محمّد وآله

الطاهرين ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين

ص: 5

ص: 6

السابع : خيار العيب

اشارة

ص: 7

ص: 8

القول في خيار العيب

اشارة

وهو سابع الخيارات ، ولا إشكال في ثبوته نصّاً (1) وفتوى(2) ، لكن :

إشكال غررية البيع إذا كان المشتري جاهلاً بصفة السلامة

قد يستشكل في ثبوته فيما إذا جهل المشتري مثلاً ، صفة السلامة والصحّة جهلاً بسيطاً ، فإنّه موجب للغرر المبطل للبيع ، فلا وجه لثبوت الخيار فيه(3) .

فأجاب عنه الشيخ الأعظم قدّس سرّه : بأنّ إطلاق العقد يقتضي وقوعه مبنيّاً على السلامة ، وترك الاشتراط صريحاً ؛ اعتماداً على أصالة السلامة(4) .

والظاهر منه : أنّ الاشتراط الضمني الارتكازي ، سبب لرفع الغرر ، فضلاً عن الاشتراط صريحاً .

ص: 9


1- راجع وسائل الشيعة 18 : 30 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 16 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 306 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 12 .
2- الخلاف 3 : 125 ؛ تذكرة الفقهاء 11 : 80 ؛ مفتاح الكرامة 14 : 362 و395 ؛ جواهر الكلام 23 : 236 .
3- اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 : 225 .
4- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 271 .

أقول : الاشتراط الصريح لا يوجب رفع الغرر ، فضلاً عن الضمني الارتكازي ؛ فإنّ ما يوجب رفعه هو العلم بالصفة ، أو إخبار البائع بها ، أو توصيفه في ضمن العقد بالصحّة ، فإنّه يرجع إلى الإخبار بها ؛ إذ الأوصاف والقيود - التي هي الجمل الناقصة - تصير تامّة ومحتملة للصدق والكذب في ضمن الجمل التامّة ، إخبارية كانت كقوله : «رأيت زيداً العالم» فإنّه إخبار عن كونه عالماً في ضمن الإخبار عن رؤيته .

أو إنشائية ، كقوله : «اضرب زيداً العالم» ونحوه «بعت السلعة الصحيحة» لأنّه إخبار بصحّتها ، فبناء على رفع الغرر بإخبار البائع(1) ، يوجب ذلك رفعه .

وأمّا الاشتراط ولو صريحاً ، فلا يستلزم الإخبار ، فضلاً عن قبول الاشتراط ، كما لو شرط المشتري كون العين سليمة ، وقبل البائع ، وفضلاً عمّا إذا كان ضمنياً ؛ ضرورة أنّ الاشتراط أو قبوله ، ليس إخباراً عن الصحّة ، ولهذا لا يقبل الصدق والكذب ، فلا وجه لرفع الغرر به ، بناءً على كون الغرر هو الجهالة ، كما هو المعهود منهم(2) .

بل التحقيق : أنّ الإخبار صريحاً أو ضمناً في المقام أيضاً ، لا يوجب رفعه إلاّ مع إحراز كونه غير مستند إلى أصالة الصحّة ؛ فإنّه مع الاستناد إليها ، لا يوجب إخباره للمشتري أمراً زائداً عمّا هو عنده ، بل لو أخبر ألف شاهد مستندين إليها ب «أ نّه صحيح» لم يوجب للمشتري شيئاً زائداً عمّا هو عنده .

هذا إذا قلنا : بأنّ نفس أصالة الصحّة لا توجب رفع الغرر ، بل الموجب له هو

ص: 10


1- منية الطالب 2 : 373 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 3 : 324 .
2- القواعد والفوائد 2 : 137 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 17 : 178 ؛ منية الطالب 2 : 342 .

بناء المتعاملين على الصحّة ، وابتناء المعاملة عليها .

وأمّا لو قلنا : بأنّ أصالة الصحّة من الاُصول العقلائية ، بل من الأمارات العقلائية التي يعتمد عليها العقلاء - كما هو الحقّ ؛ إمّا للغلبة التامّة التي لا ينبغي إنكارها ، أو لغير ذلك - فهي رافعة للغرر ، من غير حاجة إلى التشبّث بالشرط ، أو بالإخبار ضمناً أو صريحاً ، فأصالة الصحّة كإخبار البائع قبل المعاملة ، كافية في رفعه .

ولا يراد ب «العلم والجهل» المستعملين في أبواب العبادات والمعاملات ، العلم الوجداني الرافع للجهل الوجداني ، بل المراد من «العلم بالأوصاف» هو إحرازها بالطريق العقلي أو العقلائي ، فإخبار البائع طريق عقلائي ، كأصالة الصحّة التي هي أصل محرز عقلائي ، أو أمارة كذلك .

ولعلّ هذا مراد العلاّمة في محكيّ «التذكرة» من قوله : الأصل في المبيع من الأعيان والأشخاص ، السلامة من العيوب والصحّة ، فإذا أقدم المشتري على بذل ماله في مقابلة تلك العين ، فإنّما بنى إقدامه على غالب ظنّه المستند إلى أصالة السلامة(1) ، انتهى .

ومن ذلك يظهر : أن لا أصل للاشتراط أو الوصف الضمنيين في البيع ، فكما أنّ إخبار البائع بالوصف الموجب لرفع الغرر ، لا يوجب أن يكون البيع مبنيّاً عليه ومشروطاً به ، كذلك مع الإحراز بالأصل .

بل الوجدان أصدق شاهد على أن لا تواطؤ بين المتعاملين على وصف الصحّة في نوع المعاملات .

ص: 11


1- تذكرة الفقهاء 11 : 80 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 271 .

كما يظهر : أنّه لو اتّفق في مورد - لأجل بعض الجهات ، أو لأجل عدم جريان أصالة الصحّة في نوع خاصّ ، أو صنف كذلك ، أو عند المتعاملين - اشتراطها في ضمن المعاملة ، يثبت للمشروط له خيار التخلّف مضافاً إلى خيار العيب .

عدم اقتضاء أصالة الإطلاق للصحّة

وأمّا ما يتراءى منهم : من أنّ أصالة الإطلاق تقتضي أن يكون المتعلّق هو الصحيح .

وقيل في وجهه : إنّ الصحّة والعيب وإن كانا قيدين عقلاً ، لكنّ الصحّة ليست قيداً بحسب نظر العرف ، فلا تحتاج إلى نصب الدالّ عليها في إفادة المقيّد بها ؛ فإنّ وصف الصحّة في نظر العرف ، لا يزيد على الماهية بشيء ، فعدم نصب القرينة ، كافٍ في الحمل على الصحيح(1) .

ففيه ما لا يخفى ؛ ضرورة أنّ تردّد الشيء الخارجي بين الصحيح والفاسد عرفي ، لا عقلي دقيق ، ومورد الترديد هو نفس الشيء ، ولا إشكال في أ نّه لا يرجع ذلك إلى أنّ هذا الشيء ؛ إمّا نفسه ، أو معيب .

فوصف الصحّة كوصف العيب ، أمر عارض على الشيء عرفاً ، والإطلاق يقتضي أن لا يكون المأخوذ في موضوع العقد إلاّ نفس السلعة .

وليس معنى الإطلاق هو الشيء سواء كان صحيحاً أو معيباً ، حتّى يلزم التبرّي من العيب ، وعدم ثبوت خياره ، بل معناه عدم الأخذ في متعلّق العقد إلاّ

ص: 12


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 4 : 431 .

نفس الشيء ، من غير تقييد وتوصيف ، فمقتضاه هو كون المتعلّق نفس السلعة ، وهو على خلاف ما أفادوا .

بطلان الانصراف إلى الصحيح

وقد يقال : إنّ الغلبة موجبة للانصراف ، ولمّا رأوا أنّ الانصراف لا يجري في مثل النذر والعهد ، قالوا : بالفرق بين المعاملات وغيرها (1) .

وقد استجود الشيخ الأعظم(2) كلام صاحب «الكفاية»(3) ، حيث يظهر منه أنّ ظاهر الإقدام يوجب الانصراف ؛ فإنّ المتعامل لا يقدم إلاّ على إعطاء الشيء في مقابل الصحيح .

وأنت خبير : بأنّ ذلك أسوأ حالاً ممّا تقدّم ؛ ضرورة أنّ البائع المنشئ للمعاملة ، لا يكون قصده إلاّ بيع متاعه وأخذ ثمنه ، لا بيع متاعه الصحيح ، بل بيع الفاسد بقيمة الصحيح أقرب بقصده ، وإنّما القاصد للصحيح هو المشتري ، وهو غير منشئ للعقد ، فلو أراد المشتري الاشتراط على البائع ، لا بدّ من تحميله عليه قبل المعاملة ، حتّى تقع المعاملة على طبق قصده .

وبالجملة : إنّ البائع تمام همّه بيع ماله كائناً ما كان ، لا بيع الصحيح وإن كان المشتري طالباً للصحيح ، وفي الثمن بالعكس .

مع أنّ البائع العالم بالعيب ، كغيره في الإنشاء ، ولا يصحّ أن يقال : إنّه

ص: 13


1- جواهر الكلام 23 : 235 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 75 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 273 .
3- كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 474 .

في الصحيح عنده يلتزم بالصحّة ، وكذا في مجهوله ، دون ما إذا كان معيباً عنده(1) ، فتأمّل .

فالحقّ : أنّ الاشتراط أو التوصيف الضمنيين ، لا وجه لهما .

وممّا ذكرنا يعلم : أنّ الاشتراط الصريح ، لا يرجع إلى التأكيد(2) ، بل هو اشتراط مستقلّ يوجب تخلّفه خياره .

عدم رجوع خيار العيب إلى تخلّف الشرط

كما يظهر : أنّ إرجاع خيار العيب إلى تخلّف الشرط ؛ بدعوى أنّ الشرط الضمني ملازم للمعاملة ، أو أغلبي فيها (3) غير وجيه ، مع أ نّه لا إشعار في روايات الباب(4) - على كثرتها - بذلك .

مضافاً إلى أنّ خيار العيب عقلائي ، لا تعبّدي ، والأخبار محمولة على ذلك ، وإن كان ثبوت بعض الأحكام تعبّدياً ، وليس في محيط العقلاء إلاّ ثبوت خيار العيب ، ولو كان راجعاً إلى تخلّف الشرط لكان أولى بالاحتجاج ؛ لأ نّه تخلّف ما هو القرار بينهما ، مع أ نّه لا اسم ولا رسم لخيار الشرط في محيطهم ، كما هو كذلك في الشرع .

ص: 14


1- الخيارات (تقريرات المحقّق الحائري) الأراكي : 311 .
2- مسالك الأفهام 3 : 282 ؛ الحدائق الناضرة 19 : 79 ؛ مفتاح الكرامة 14 : 394 ؛ جواهر الكلام 23 : 235 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 273 .
3- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 : 227 .
4- راجع وسائل ا لشيعة 18 : 29 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 16 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 306 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 12 .

وأمّا رواية يونس: في رجل اشترى جارية على أ نّها عذراء، فلم يجدها عذراء.

قال : «يردّ عليه فضل القيمة إذا علم أ نّه صادق»(1) .

فغير منسوبة إلى الامام علیه السلام ، وإن حكي عن المجلسي في «شرح التهذيب» رجوع ضمير «قال» إلى الرضا علیه السلام (2) ، لكنّه غير ثابت .

ولعلّه اجتهاد من يونس ، وهو غير بعيد ؛ بأن يقال : إنّ المستفاد من روايات خيار الحيوان أنّ إحداث الحدث يوجب سقوط الخيار ، وقد مثّل فيها ب «التقبيل ، واللمس ، والنظر إلى ما لا يحلّ له»(3) وعليه فالوط ء أولى منها في ذلك ، ويظهر من قوله : «فلم يجدها عذراء» وقوعه .

ولو فرض أنّ عدم الوجدان كان بالإصبع ، كان داخلاً في اللمس ، أو كان أولى منه في السقوط ، وأمّا حصول العلم بالاستخبار ، أو بقول النساء(4) ، فهو خلاف ظاهر الوجدان .

ص: 15


1- الكافي 5 : 216 / 14 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 64 / 278 ؛ وسائل الشيعة 18 : 108 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 6 ، الحديث 1 .
2- ملاذ الأخيار 11 : 16 .
3- كما في رواية علي بن رئاب ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «الشرط في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري، اشترط أم لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة الأيّام فذلك رضاً منه فلا شرط » قيل له : وما الحدث ؟ قال : «إن لامس أو قبّل أو نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل الشراء . . .» . الكافي 5 : 169 / 2 ؛ وسائل الشيعة 18 : 13 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 4 ، الحديث 1 .
4- حاشية المكاسب ، المحقّق الخراساني : 211 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 80 ؛ هداية الطالب 4 : 399 .

وعليه فيكون سقوط خيار الشرط ؛ لأجل التصرّف الذي هو إحداث الحدث ، وسقوط الردّ من خيار العيب أيضاً لذلك ، ويكون حقّ الأرش على حاله .

ولو صحّ صدورها من الرضا علیه السلام ، فيحتمل فيها أن يكون الحكم كذلك ، هذا مضافاً إلى ما أورد عليها الأعلام من الإشكالات(1) ، وإن كان بعضها لا يخلو من إشكال .

ص: 16


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الخراساني : 210 - 211 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 80 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 : 227 - 228 ؛ الخيارات (تقريرات المحقّق الحائري) الأراكي : 312 .

مسألة حول التخيير بين الردّ والأرش في خيار العيب

اشارة

قد تقدّم : أنّ الخيار مع العيب في المبيع عقلائي(1) ؛ لا يختصّ بمحيط الشرع والمسلمين ، وليس لبناء المتعاملين ، ولا للاشتراط الضمني ، بل كما أنّ الخيار ثابت في الغبن مع اعتقاد البائع أو المشتري بأنّ القيمة كذا ، فاتّضح خلافه ، كذلك لو أقدم المشتري بتوهّم صحّة المبيع ؛ اتّكالاً على أصالة الصحّة أو أمر آخر ، ثمّ ظهر خلافه ، يثبت له الخيار ، من غير التزام من البائع ، أو اشتراط من المشتري .

في عقلائية التخيير بين الردّ والأرش

وهل تخيير المشتري بين الفسخ وأخذ الأرش - بحيث إنّ له إلزام البائع به - أيضاً عقلائي ، فيكون ما هو المشهور المدّعى عليه الإجماع(2) ، هو ممّا عليه العقلاء ، أم لا ؟

ص: 17


1- تقدّم في الصفحة 14 .
2- مفتاح الكرامة 14 : 362 و395 ؛ رياض المسائل 8 : 257 - 258 ؛ جواهر الكلام 23 : 236 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 276 .

الظاهر أنّ ما هو عقلائي هو خيار الفسخ ابتداءً ، وأمّا الأرش فهو ثابت لدى العقلاء عند تعذّر الردّ ، كما لو تصرّف في المبيع تصرّفاً معتدّاً به ، مخرجاً له عن الصورة الأوّلية ، كالقطع ، والخياطة .

ويلحق به نظير وط ء الجارية ؛ فإنّ له خصوصية عند العقلاء ، ولهذا عدّ في الأخبار(1) الأخفّ منه - كالتقبيل ، واللمس ، والنظر إلى ما لا يحلّ له - من الأحداث الموجبة لسقوط الخيار .

السرّ في ثبوت الأرش

فالسرّ في ثبوت الأرش : هو أنّ وصف الصحّة وإن لم يكن جزءاً للمبيع ، ولم يقع جزءاً من الثمن في قباله ، لكنّه لدخله في زيادة القيمة ، يكون كالعلّة لإعطاء مقدار من الثمن بإزاء المثمن ، فإذا ظهر العيب فيه ، ظهر أنّ إعطاء ذلك المقدار كان بلا وجه عقلائي .

ولا إشكال : في أنّهم لا يرونه بعد تغيّر العين ، ملزماً بترك الفسخ ؛ لخروج العين عمّا كانت عليه ، وترك المطالبة بالأرش ، بل له أخذ الأرش ، فالرجوع ليس بجزء الثمن ، بل لأجل كون الإعطاء بلحاظ الوصف المفقود .

هذا بحسب القواعد العقلائية ، والنقض ببعض الموارد - كخيار الغبن - غير وارد ؛ لأنّ القاعدة هناك أيضاً كذلك ، وعدم الالتزام للتسالم بين الأصحاب .

وما ذكرناه هو المتفاهم من روايات خيار العيب أيضاً ، كصريح مرسلة

ص: 18


1- راجع وسائل الشيعة 18 : 13 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 4 ، الحديث 1 و3 .

جميل ، عن أحدهما علیهما السلام : في الرجل يشتري الثوب أو المتاع ، فيجد فيه عيباً .

فقال : «إن كان الشيء قائماً بعينه ردّه على صاحبه ، وأخذ الثمن ، وإن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ ، يرجع بنقصان العيب»(1) .

بل المتبادر من سائر الروايات التي أثبتت الأرش مشروطاً بالتصرّف ، هو ثبوت الأرش عند تعذّر الردّ ، كصحيحة ابن سنان عن أبي عبداللّه علیه السلام في حديث قال : «قال علي علیه السلام : لا تردّ التي ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها ، ويوضع عنها من ثمنها بقدر عيب إن كان فيها»(2) وغيرها (3) .

فإنّ المتفاهم من مثلها ولا سيّما مع كون الحكم عقلائياً كما مرّ ، أنّ الثابت هو الردّ فقط ما لم يتصرّف ، ومعه يثبت الأرش .

واحتمال أنّ المراد منها هو التخيير بين الردّ والأرش ، ساقط مخالف لفهم العرف كما لا يخفى .

بل ما ذكرناه هو مقتضى الجمع بين الروايات أيضاً ؛ لأنّ الظاهر من رواية ميسّر ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال قلت له : رجل اشترى زقّ زيت ، فوجد فيه درديّاً .

ص: 19


1- الكافي 5 : 207 / 2 ؛ الفقيه 3 : 136 / 592 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 60 / 258 ؛ وسائل الشيعة 18 : 30 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 16 ، الحديث 3 .
2- الكافي 5 : 214 / 2 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 61 / 266 ؛ وسائل الشيعة 18 : 102 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 ، الحديث 1 .
3- وسائل الشيعة 18 : 102 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 .

قال فقال : «إن كان يعلم أنّ ذلك يكون في الزيت ، لم يرده ، وإن لم يعلم أنّ ذلك يكون في الزيت ، ردّه على صاحبه»(1) .

أنّ الحكم هو الردّ ، لا التخيير بينه وبين الأرش ؛ فإنّه خلاف الظاهر ، وبعد تقييد إطلاقها - وكذا إطلاق بعض روايات اُخر(2) - بالروايات المفصّلة بين قيام العين بعينها وعدم التصرّف فيها (3) ، يثبت أنّ الحكم أوّلاً هو الردّ ، ومع عروض ما ذكر هو الأرش .

وأمّا توهّم : إطلاق بعض الروايات الدالّة على الأرش ، ووقوع التعارض بين الطائفتين ، والحكم بالتخيير العملي المنتج لما عليه الأصحاب(4) .

ففي غير محلّه ؛ لعدم وجدان رواية مطلقة في باب الأرش ، فإنّ رواية يونس المتقدّمة(5) يكون الظاهر منها ، أ نّه حينما وطأها لم يجدها عذراء ، ورواية عمر بن يزيد(6) لا يظهر منها أنّ المراد من قوله علیه السلام : «يلزمه ذلك»

ص: 20


1- الكافي 5 : 229 / 1 ؛ الفقيه 3 : 172 / 767 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 66 / 283 ؛ وسائل الشيعة 18 : 109 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 7 ، الحديث 1 .
2- راجع وسائل الشيعة 18 : 98 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 2 ، الحديث 1 و2 و4 ، و : 101 ، الباب 3 ، الحديث 1 ، و : 110 ، الباب 7 ، الحديث 2 و3 .
3- راجع وسائل الشيعة 18 : 30 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 16 ، الحديث 3 ، و : 105 ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 5 ، الحديث 2 و3 .
4- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 85 - 86 .
5- تقدّم في الصفحة 15 .
6- وهي ما عن عمر بن يزيد قال : كنت أنا وعمر بالمدينة فباع عمر جرابا هرويا كلّ ثوب بكذا وكذا ، فأخذوه فاقتسموه فوجدوا ثوبا فيه عيب ، فقال لهم عمر أعطيكم ثمنه الذي بعتكم به ، قالوا : لا ، ولكنّا نأخذ منك قيمة الثوب ، فذكر ذلك عمر لأبي عبداللّه عليه السلام ، فقال : «يلزمه ذلك» . ا لكافي 5 : 206 / 1 ؛ ا لفقيه 3 : 136 / 591 ؛ تهذيب ا لأحكام 7 : 60 / 259 ؛ وسائل الشيعة 18 : 29 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 16 ، الحديث 1 .

هو الأرش ، بل الظاهر خلافه ، فراجعها .

وكذا رواية السكوني(1) فإنّ الحمل على الأرش فيها ، يحتاج إلى تكلّف ، كما لا يخفى .

وأمّا «الفقه الرضوي» فلا ينبغي الإشكال في أ نّه ليس من تصنيفات الرضا علیه السلام كما لا يخفى على من راجعه وتدبّر في تعبيراته ، بل هو - على ما يظهر منه - تصنيف عالم ذي قريحة مستقيمة .

وهو مشتمل على روايات مرسلة ، وفتاوى من صاحبه ، وما حكي عنه في المقام بلفظ «روي» يكون مضمونه قريباً من سائر الروايات(2) ، ولا سيّما مرسلة جميل (3) وما حكي عنه بلا لفظة «روي» يكون - على الظاهر - من

ص: 21


1- وهي ما عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه: «أنّ عليا عليه السلام قضى في رجل اشترى من رجل عكة فيها سمن ، احتكرها حكرة فوجد فيها رُبّا ، فخاصمه إلى علي عليه السلام ، فقال له علي عليه السلام : لك بكيل الرُبّ سمنا ، فقال له الرجل : إنّما بعته منك حكرة ، فقال له علي عليه السلام : إنّما اشترى منك سمنا ، لم يشترِ منك رُبّا» . تهذيب الأحكام 7 : 66 / 286 ؛ وسائل الشيعة 18 : 110 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 7 ، الحديث 3 .
2- تقدّم في الصفحة 19 - 20 .
3- تقدّم في الصفحة 19 .

فتوى صاحبه موافقاً للمشهور ، وليس رواية ، فراجع(1) .

والإنصاف : أنّ الظاهر من الأخبار ، هو ما عليه العرف والعقلاء ، إلاّ أنّ قيام الشهرة المحقّقة من زمن الصدوق والمفيد(2) إلى الأعصار المتأخّرة ، وكون المتون الفقهية مشحونة بالفتوى بالتخيير(3) ، مع كون الحكم مخالفاً للقواعد والأخبار المتظافرة ، يوجب رفض القاعدة ، وترك الأخذ بظاهر الأخبار ؛ فإنّ الشهرة في مثل ذلك معتبرة ، والأخذ بها بيّن رشده ، وليس على حجّية خبر الواحد دليل إلاّ بناء العقلاء(4) ، كما يظهر بالرجوع إلى الباب الذي ذكرت فيه الأخبار الموهمة لذلك(5) ، ولا بناء لهم على العمل بأخبار نقلها الناقلون ، وخالفوها عملاً ، وهذا ممّا لا ينبغي الإشكال فيه .

ص: 22


1- وما في فقه الرضا عليه السلام هكذا : «وروي في الرجل يشتري المتاع فيجد به عيبا يوجب الردّ ، فإن كان المتاع قائما بعينه ردّ على صاحبه ، وإن كان قد قطع أو خيط أو حدث فيه حادثة ، رجع فيه بنقصان العيب على سبيل الأرش » . وقال في موضع آخر : «فإن خرج في السلعة عيب وعلم المشتري ، فالخيار إليه إن شاء ردّ ، وإن شاء أخذه ، أورد عليه بالقيمة أرش العيب» إلى آخره . الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 250 و253 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 306 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 12 ، الحديث 3 .
2- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 253 ؛ المقنعة : 596 ؛ الكافي في الفقه : 358 ؛ النهاية : 392 ؛ المراسم : 175 ؛ اُنظر مفتاح الكرامة 14 : 362 .
3- مفتاح الكرامة 14 : 395 ؛ جواهر الكلام 23 : 236 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 275 - 276 .
4- راجع أنوار الهداية 1 : 254.
5- راجع وسائل الشيعة 27 : 136 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 .

نعم ، هنا إشكال آخر ؛ وهو أ نّه بناءً على ما يستفاد من بناء العقلاء الموافق لمضمون الروايات - من ثبوت الخيار تعييناً ، وسقوطه بالتصرّف ، والرجوع إلى الأرش - لا يكون خيار العيب إلاّ مثل سائر الخيارات ؛ في أ نّه حقّ متعلّق بالعقد(1) أو العين(2) ، كما هو المتسالم بينهم في الخيار ، وهذا الحقّ ثابت لدى العقلاء ، كثبوته في خيار الغبن .

ويمكن دعوى ثبوته بالأخبار ، وإن كان الوارد فيها - على كثرتها - عنوان «الردّ» لكن يمكن أن يكون ذلك كناية عن حقّ الفسخ .

وأمّا بناءً على ما هو المشهور ؛ من التخيير بين الردّ والأرش ، فإن كان المراد أنّ المشتري مخيّر عملاً بينهما ، من غير ثبوت حقّ متعلّق بالعقد أو العين ، فهو وإن لم يكن يرد عليه إشكال عقلي ، لكن لا بدّ من الالتزام بالفرق بين خيار العيب وغيره ، وأ نّه لا يورث ، ولا يسقط بالإسقاط ، وهو واضح الخلاف ، وواضح المخالفة لكلماتهم وفتاواهم(3) .

وإن كان المراد : أنّ له حقّ الردّ ، أو حقّ الأرش متعلّقاً بالعقد ، أو الأرش ، ففيه إشكال عقلي ؛ وهو أنّ الحقّ أمر وضعي اعتباري ثبوتي ، ولا يعقل الثبوت الترديدي ترديداً واقعياً ؛ أي ثبوت الفرد المردّد .

ص: 23


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 149 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الخراساني : 154 و156 و159 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 446 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 : 335 .
3- تذكرة الفقهاء 11 : 175 ؛ مفتاح الكرامة 14 : 288 و401 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 277 و279.

وأولى بالامتناع أو نحوه ما لو قيل : بثبوت الحقّ مردّداً بين الثبوت للعقد - أي حقّ الخيار - وبين الثبوت المتعلّق بالأرش على عهدة البائع ، فلا بدّ على مبنى المشهور ، من التوجيه بوجه لا ينافي ثبوت حقّ الخيار بقاء التخيير .

والقول : بثبوت الجامع بينهما ، وهو نفس الحقّ المنتزع منهما ، والتقييد بنحو ينحصر بهما (1) ، نظير ما قال بعضهم في الواجب التخييري من أنّ المتعلّق هو الجامع بين الأطراف ، والأمر به تعييني ، وإنّما التخيير عقلي(2) .

فاسد في المقام ، وإن أغمضنا عن بطلانه هناك ؛ وذلك لأنّ المفروض أنّ الخيار حقّ متعلّق بالعقد ، ولا يعقل تعلّق الكلّي - بما هو - بالموجود الخارجي ، وإن كان العارض والمعروض من الاعتباريات .

فالعقد الخارجي بما أنّه جزئي حقيقي ، فيما يعرضه لا يعقل أن يكون كلّياً قابلاً للصدق على كثيرين ، وفرض التعلّق بعنوان كلّي يكون العقد والأرش مصداقاً له ، خروج عمّا هو المتسالم بينهم ؛ من كون حقّ الفسخ قائماً بالعقد(3) .

بل عروض الكلّي على الكلّي أيضاً باطل ، فلا مجال لفرض كون المعروض كلّياً آخر جامعاً بين الموضوعين .

ص: 24


1- يأتي في الصفحة 37 .
2- كفاية الاُصول : 174 ؛ اُنظر فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 234 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 149 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الخراساني : 191 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 446 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 4 : 68 ، و5 : 279 - 280 .

وأوضح فساداً من ذلك ، هو الالتزام بأنّ التخيير هاهنا ، يرجع إلى الحقّ المشروط بعدم الأخذ بالطرف الآخر ، نظير ما قيل في الواجب التخييري(1) ؛ فإنّه - مع الغضّ عن الإشكال في المقيس عليه - فاسد في المقام ؛ فإنّ الشرط إن كان عدم الأخذ في الجملة ، وبنحو صرف الوجود ، يكون في الآن الثاني مع عدم الأخذ بواحد منهما ، صاحب الحقّين في عرض واحد ؛ لتحقّق شرطهما ، وهو كما ترى .

وإن كان هو عدم الأخذ إلى قبيل موته ، فلازمه انتقال الحقّين إلى الورثة في عرض واحد .

وإن كان الشرط عدم الأخذ مطلقاً ، فهو - مع فساده في نفسه - يوجب عدم التوريث ، وعدم سقوطه بالإسقاط . . . إلى غير ذلك من المفاسد .

والذي يمكن أن يقال : إنّ ما هو مضمون الروايات هو ردّ العين ، أو أخذ التفاوت ، وكذا الفتاوى يكون الظاهر منها ، التعرّض للتخيير بين الردّ والأرش ، أو الفسخ والأرش ، والأحكام المتعلّقة بالحقّ ، حيث يظهر منهم عدم الفارق في الأحكام بين الخيارات ، من غير تعرّض للحقّ وكيفية تعلّقه .

فحينئذٍ يمكن أن يقال : إنّ حقّ الفسخ متعلّق بالعقد في العيب كسائر الخيارات ، وحقّ آخر له متعلّق بالأرش في خيار العيب .

فهاهنا حقّان فعليان بلا تقييد ، لكن لا يعقل الجمع بينهما في مقام الاستيفاء ؛ فإنّ الفسخ إذا تحقّق رجعت العين الناقصة إلى البائع ، فارتفع الأرش موضوعاً ؛

ص: 25


1- اُنظر فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 232 ، و3 : 417 .

ضرورة أنّ الأرش إنّما يأخذه المشتري ، للنقص الموجود فيما انتقل إليه بالعقد ، كما أنّ أخذ الأرش لا يجتمع مع الفسخ ؛ لعين ما ذكر .

ومع عدم إمكان الجمع بين الحقّين في مقام الاستيفاء ، تصير النتيجة هي التخيير بينهما ، والحقّان إذا انتقلا إلى الوارث ، يكون الحكم فيهما كذلك ، وبهذا يجمع بين الفتاوى ، ولا تنافيه الأخبار أيضاً ، وتندفع بذلك المحاذير المتقدّمة(1) .

في ثبوت التخيير بين الردّ والأرش لخصوص المشتري

ثمّ إنّ مقتضى الجمود على ظاهر الأخبار بل الفتاوى ، هو ثبوت التخيير لخصوص المشتري ، في خصوص المبيع ، فيما إذا بيعت السلعة بالثمن .

وأمّا الثمن المنتقل إلى البائع إذا ظهر معيباً ، فهو خارج عن مصبّهما ، وكذا المبادلة بين السلعتين إذا ظهر العيب في إحداهما ، ولازمه عدم التخيير بينهما في المبادلة بين السلعتين ، بل عدم الخيار - لو قلنا : بأ نّه تعبّدي - مستفاد من الأخبار(2) .

لكن الإنصاف : أنّ ثبوت أصل الخيار للمتبايعين - فيما إذا كان البيع بالمبادلة بين السلعتين - لا ينبغي الإشكال فيه ؛ ضرورة عدم الفرق في نظر العرف بين السلعتين في ذلك ، إذا اُنشئ البيع بصيغة «التبادل» .

ص: 26


1- تقدّم في الصفحة 22 - 25.
2- تذكرة الفقهاء 11 : 80 ؛ مفتاح الكرامة 14 : 395 - 396 ؛ رياض المسائل 8 : 258 ؛ جواهر الكلام 23 : 236 .

بل يمكن دعوى ثبوته بالأخبار أيضاً ؛ فإنّ «البائع والمشتري» صادقان على الطرفين في مثل ذلك أيضاً .

وتوهّم : كون المبادلة غير البيع(1) فاسد جدّاً ؛ فإنّ البيع هو مبادلة مال بمال ، أو تمليك عين بعوض ، وهما صادقان على المبادلة بين السلعتين ، ومع صدق «البيع» يكون هنا بائع ومشترٍ .

ودعوى الانصراف(2) في غير محلّها ؛ فإنّه بدوي ، بل دعوى إلغاء الخصوصية أولى ، ومن ذلك يمكن دعوى عدم الفرق في معاقد الإجماع(3) ، وكذا في متون الفقه(4) ، فيثبت التخيير المذكور .

نعم ، فيما إذا باع بثمن فظهر فيه عيب ، فاستفادة التخيير الذي هو تعبّدي محض مشكلة ، لكن أصل ثبوت الخيار - ومع التصرّف أو التعذّر الأرش - عقلائي ، من غير فرق بين الثمن والمثمن ، وهذا الحكم العقلائي غير المردوع عنه معتمد .

وأمّا إثبات التخيير بينهما في الثمن ؛ بدعوى الإجماع أو الشهرة(5) .

ففيه : أ نّه لم يثبت الإجماع ولا الشهرة في المقام ، بل لا تعرّض في الفتاوى

ص: 27


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 271 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16 : 78 .
3- مفتاح الكرامة 14 : 362 و395 ؛ جواهر الكلام 23 : 236 .
4- المقنعة : 596 ؛ النهاية : 392 ؛ تذكرة الفقهاء 11 : 81 .
5- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 278 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 92 .

غالباً للعيب في الثمن ، ومقتضى القواعد التفصيل بين الثمن والمثمن بما عرفت ، وعدم معلومية القائل بالفصل ، لا يوجب شيئاً .

إلاّ أن يقال : إنّه بعد ثبوت الإجماع أو الشهرة المعتمدة في المثمن ، يلغي العرف - بسبب المناسبات والارتكازات المغروسة في ذهنهم - الخصوصية ، ويرون أنّ ثبوت الحكم إنّما هو لأجل العيب ، وملاحظة حال من انتقل إليه المعيب ؛ لئلاّ يقع في الضرر ، ولا فرق بينهما (1) ، فتأمّل .

هذا كلّه حال الثمن والمثمن إذا كانا من الأعيان الخارجية .

حكم ما لو كان العوضان أو أحدهما كلّياً

حكم خيار العيب فيما لو كان العوضان أو أحدهما كلّياً

وأمّا إذا كان أحدهما أو كلاهما كلّياً ، كما هو كذلك غالباً في طرف الثمن : فهل يثبت فيه خيار العيب أم لا ؟

وعلى الأوّل : هل يثبت الأرش أم لا ؟ وجوه .

والتفصيل فيه أن يقال : إنّه بحسب التصوّر ، يمكن أن يكون الكلّي المتعلّق للعقد ، موصوفاً لفظاً بوصف الصحّة أو منصرفاً إلى ذلك ؛ بحيث يكون المتعلّق هو الموصوف كذلك .

ويمكن أن يكون وصف الصحّة شرطاً لفظاً، أو شرطاً ضمنياً يعدّ كشرط لفظي.

ويمكن أن يكون المتعلّق نفس الكلّي ، بلا وصف ، ولا شرط ، ويكون رفع

ص: 28


1- اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 92 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 : 232 .

غرر المشتري باعتقاد الصحّة في جميع أفراد الكلّي ، أو بالاتّكال على أصالة الصحّة ، بناءً على جريانها في الكلّيات باعتبار أفرادها .

فعلى فرض التوصيف انصرافاً أو لفظاً ، لا ينبغي الإشكال في أنّ تسليم الفرد المعيب ، لا يكون وفاء بالعقد ؛ ضرورة أنّ المتعلّق هو الكلّي الموصوف ، وهو لا ينطبق على المجرّد عن الصفة ، فضلاً عن المتّصف بضدّها .

وقد يقال : إنّ الموصوف يكون من قبيل تعدّد المطلوب ، فلو رضي المشتري بالمعيب ، لم يكن خارجاً عن المبيع(1) .

وفيه : أ نّه لا يعقل تعلّق الإنشاء الواحد بالصحيح الذي هو المطلوب الأعلى ، وعلى فرض فقدان الوصف بالمعيب ، أو نفس الطبيعة ؛ ضرورة أنّ الإنشاء الوحداني ، لا يعقل أن يكون معلّقاً وغير معلّق ، كما هو الشأن في باب تعدّد المطلوب ، فإنّ المطلوب الداني لا يكون في عرض العالي .

بل الانحلال في المقام محال لذلك ، وغير صحيح على فرض العرضية ؛ لعدم صحّة الانحلال إلى بيع الطبيعة ووصفها ، فلا بدّ من القول : بالانحلال إلى الموصوف بالصفة ، ونفس الطبيعة ، فيكون البيع متعلّقاً بالطبيعة مرّتين ، مرّة استقلالاً ، ومرّة ضمناً .

مضافاً إلى أنّ الانحلال لا يصحّ إلاّ في بعض الموارد ، التي ليس المورد منها .

مع أنّ لازم تعدّد البيع بهذا المعنى ، حصول الوفاء بالنسبة إلى أحدهما ، وعدم صحّة الردّ ، ونقض الوفاء بالنسبة إليه ، ولزوم الوفاء بالعقد الثاني ، وهو واضح الفساد في المقام .

ص: 29


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 76 و92 .

وبالجملة : إن كان الإنشاء واحداً غير منحلّ عرضاً ، كما هو مراد القائل من تعدّد المطلوب ، فلا بدّ أن يكون التعلّق طولياً حتّى لا يلزم تعدّد البيع ، والمبيع ، ولوازمهما ، ولا يعقل ذلك لما تقدّم .

بل تعدّد المطلوب بهذا المعنى ، غير معقول في الأوامر أيضاً ، فلو قال : «أعتق الرقبة المؤمنة» لا يعقل أن يكون وجوب العتق متعلّقاً بالمؤمنة ، وعلى فرض التعذّر أو العصيان بغيرها ، بل لا يعقل الانحلال الطولي لا في المقام ، ولا في الأوامر .

نعم ، إذا علم من حال الآمر أنّ نفس الطبيعة مطلوبة ، والموصوفة مطلوبة اُخرى أعلى ، وإنّما أمر بالأعلى لذلك ، يجب عليه الإتيان بالأعلى ، وعلى فرض التعذّر فبالأدنى ، لا لتعلّق الأمر بهما مترتّباً ؛ فإنّه غير معقول ، بل لأنّ العلم

بمطلوب المولى ، موجب لوجوب تحصيله عقلاً ولو لم يأمر به .

وقد يقال : إنّ وصف الصحّة غير مقوّم لذات المبيع ، فينطبق كلّي المبيع بذاته عليه ، فالوصف وإن كان مضيّقاً لدائرة الكلّي ، وموجباً لصيرورة المبيع حصّة خاصّة ، إلاّ أنّ ذات المبيع حيث كانت محفوظة ، فالانطباق من حيث الذات محقّق(1) .

وفيه ما لا يخفى من المغالطة ؛ ضرورة أنّ ما ينطبق على الواجد والفاقد ، إنّما هو نفس الطبيعة لا بشرط ، دون الطبيعة الموصوفة أو الملحوظة موصوفة ؛ فإنّها غير قابلة للانطباق على المجرّد ، وعقد البيع تعلّق بالطبيعة الموصوفة أو

ص: 30


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 4 : 440 .

بتعبيره ب «حصّة خاصّة» لا بالطبيعة بلا قيد وشرط .

فما هو متعلّق العقد ، غير ممكن الانطباق على المجرّد ، وما هو ممكن الانطباق غير متعلّق له ، وهو واضح .

فتحصّل ممّا مرّ : أنّ المقبوض ليس مصداقاً للمبيع ، فتوهّم إجراء خيار العيب فيه(1) فاسد .

هذا حال المبيع الموصوف .

وأمّا لو كان الوصف شرطاً ضمنياً أو صريحاً ، فلا محالة يكون المبيع نفس الطبيعة ، لا الموصوفة ، وإنّما يكون الوصف شرطاً في ضمن العقد .

وحيث إنّ الطبيعة الكلّية ، لا تتّصف بالصحّة والعيب قبل وجودها ؛ فإنّهما من عوارض وجودها ، أو من عوارضها في ظرف الوجود ، فلا يكون المبيع معيوباً ، وما هو المعيوب هو مصداق الطبيعة الذي لم يتعلّق به العقد ، ومعه لا مجال لخيار العيب ؛ لأ نّه إنّما يثبت في العقد الذي يكون متعلّقه معيباً .

وما قيل : من أنّ المصداق إذا وجد في الخارج ، يصدق «أ نّه مبيع»(2)

واضح الضعف ؛ ضرورة أنّ المصداق لم يتعلّق به العقد ، وإنّما يقال «إنّه مبيع» مسامحة باعتبار كون الطبيعة موجودة به ، وهي متعلّقة للعقد .

ص: 31


1- جواهر الكلام 24 : 24 و26 و28 ؛ اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 93 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 4 : 440 .
2- جواهر الكلام 24 : 24 و26 و28 ؛ اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 94 - 95 .

فالمبيع في الفرض مقبوض ، وللمشتري خيار تخلّف الشرط لو تعذّر العمل به ، وإلاّ فيجب عليه العمل به ، فللمشتري ردّ الفاقد للشرط ، ومطالبة واجده ، بل له إلزامه بذلك ؛ لوجوب وفائه بالشرط .

فتحصّل : أنّ في هذا الفرض أيضاً ، لا معنى لخيار العيب .

بقي فرض آخر : وهو ما إذا لم يكن توصيف ولا اشتراط ، بل أقدم المشتري على شراء نفس الطبيعة ؛ لاعتقاد صحّة مصاديقها ، أو للاتّكال على أصالة الصحّة في مصاديقها .

وهذا أيضا لا معنى لخيار العيب فيه ؛ لأنّ الصحّة والعيب ، من صفات الموجود الخارجي وهو المصداق ، والطبيعة الكلّية لا تتّصف بشيء من الصفات مطلقاً ، والتوصيفات كلّها ترجع إلى التقييدات في الكلّي .

فما هو متعلّق العقد ، لم يكن معيباً جهل به المشتري ، ولم يكن مصبّ أصالة الصحّة ، ولا متعلّق اعتقاد المشتري بالصحّة ، وما هو معيب لم يتعلّق به العقد .

وعليه فلا معنى لخيار العيب في الكلّيات ، ولا لخيار تخلّف الوصف أو القيد ؛ لما تقدّم ، فالأوفق بالقواعد عدم ثبوت خيار له ، ولزوم قبول الفرد المعيب ؛ لأنّ مجرّد تخيّله الصحّة في المصاديق ، لا يوجب شيئاً .

ولو فرض كون بناء العرف على ردّ المعيب ، وعدم قبوله ، فلا بدّ من الالتزام بتعارف التقييد الضمني ، حتّى لا يصدق المتقيّد على المصداق .

وعلى فرض كون بنائهم على الخيار ، فلا بدّ من الالتزام بالاشتراط الضمني ومعهودية ذلك ، وثبوته محلّ إشكال وترديد ، والكلام هاهنا في خيار العيب ، وهو منفيّ بلا ريب .

ص: 32

ظهور العيب كاشف عن تحقّق الخيار لا مثبت

ثمّ إنّه لا ينبغي الإشكال في أنّ ظهور العيب كاشف ، لا مثبت ، وأنّ العناوين المأخوذة في الروايات - ك «العلم»(1) و«الوجدان»(2) و«الظهور»(3) - هي من العناوين الطريقية ، وليست قيوداً في الموضوع .

وهذا في نفسه مع قطع النظر عن خصوصية المورد واضح ، فضلاً عن أنّ الخيار بل والأرش في المقام عقلائيان ، ولا ينقدح في ذهن العرف إلاّ ما هو المعهود بينهم ، ومضافاً إلى مناسبة الحكم والموضوع ، من غير فرق

ص: 33


1- كرواية زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «أيّما رجل اشترى شيئا وبه عيب وعوار لم يتبرّأ إليه ولم يبيّن له، فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثمّ علم بذلك العوار وبذلك الداء، إنّه يمضي عليه البيع ويرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك لو لم يكن به» . الكافي 5 : 207 / 3 ؛ وسائل الشيعة 18 : 30 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 16 ، الحديث 2 .
2- كرواية جميل ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما عليهماالسلام في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيبا ، فقال : «إن كان الشيء قائما بعينه ردّه على صاحبه وأخذ الثمن ، وإن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع بنقصان العيب» . الكافي 5 : 207 / 2 ؛ وسائل الشيعة 18 : 30 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 16 ، الحديث 3 .
3- كرواية حمّاد بن عيسى ، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «قال علي بن الحسين عليه السلام : كان القضاء الأوّل في الرجل إذا اشترى الأمة فوطأها ثمّ ظهر على عيب ، أنّ البيع لازم ، وله أرش العيب» . تهذيب الأحكام 7 : 61 / 263 ؛ وسائل الشيعة 18 : 104 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 ، الحديث 7 .

بين حقّ الفسخ وحقّ الأرش .

وأمّا ما أفاد الشيخ الأعظم قدّس سرّه بقوله : ويؤيّد ثبوت الخيار هنا بنفس العيب ، أنّ استحقاق المطالبة بالأرش ، الذي هو أحد طرفي الخيار ، لا معنى لثبوته بظهور العيب ، بل هو ثابت بنفس انتفاء وصفه(1) ، انتهى .

فغير ظاهر ؛ لأنّ تلك العناوين المأخوذة في الروايات لو احتمل كونها جزء موضوع ، لكان الأرش أولى في ذلك من الخيار ؛ لأنّ الروايات - إلاّ ما شذّ منها (2) - متعرّضة للأرش ، لا لخيار الفسخ ، فلقائل أن يقول : إنّ ثبوت الأرش عند ظهور العيب ، مؤيّد لكون خيار الفسخ أيضاً عند ظهوره .

ويمكن أن يقال : إنّ بعض الروايات ، دالّ على ثبوت خيار الفسخ بنفس العيب ، كرواية داود بن فرقد(3) وهو مؤيّد لكون الأرش - المفروض فيه الوجدان ، أو الظهور أيضاً - لنفس العيب ، والأمر سهل .

ثمّ على فرض ثبوت خيار العيب للكلّي ، لا بدّ من البحث في أ نّه ثابت عند ظهور العيب في المصداق، أو عند تسليمه، وأمّا الثبوت من حال العقد فلا معنى له.

ص: 34


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 277 .
2- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام: 250؛ وسائل الشيعة 18 : 30 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 16 ، الحديث 3 .
3- وهي ما عن داود بن فرقد قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل اشترى جارية مدركة فلم تحض عنده حتّى مضى لها ستّة أشهر ، وليس بها حمل ؟ فقال : «إن كان مثلها تحيض ولم يكن ذلك من كبر فهذا عيب تردّ منه» . الكافي 5 : 213 / 1 ؛ الفقيه 3 : 285 / 1357 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 65 / 281 ؛ وسائل الشيعة 18 : 101 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 3 ، الحديث 1 .

القول في المسقطات

اشارة

ص: 35

ص: 36

مسألة : فيما يسقط به خيار الفسخ خاصّة

اشارة

قد عرفت : أنّ في خيار العيب حقّين معيّنين :

أحدهما : متعلّق بالعقد ، وهو حقّ الفسخ .

وثانيهما : بعنوان الأرش ، أو أخذه .

وإنّما التخيير في الأخذ بواحد منهما - أي الفسخ أو الأرش - لعدم إمكان اجتماعهما في الخارج(1) .

وأمّا ثبوت الحقّ الواحد المتعلّق بواحد منهما - كما يظهر من السيّد الطباطبائي قدّس سرّه في تعليقته(2) ، وصرّح بعض آخر به(3) ، وهو محتمل كلام الشيخ قدّس سرّه هاهنا أو ظاهره(4) - فهو محال .

ص: 37


1- تقدّم في الصفحة 25 - 26 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 99 .
3- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 : 232 .
4- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 279 .

وقد عرفت : أنّ كلمات الأصحاب لا تنافي ما ذكرناه ؛ فإنّها متعرّضة للتخيير بين الردّ والأرش ، أو الفسخ والأرش ، من غير تعرّض للحقّ وموضوعه(1) ، فعليه لكلّ منهما مسقطات ، ولهما أيضاً كذلك .

وهو يسقط باُمور :

اشارة

فنقول : يسقط خيار الفسخ خاصّة باُمور :

الأوّل : إسقاط الخيار صريحاً
اشارة

وذلك بمثل قوله : «أسقطت خيار الفسخ» ولا يحتاج إلى ضمّ قوله : «واخترت الأرش» لأ نّه لا يعقل إسقاط حقّ الأرش بإسقاط خيار الفسخ ؛ فإنّه حقّ مستقلّ متعلّق بموضوع آخر ، ولا يكون خياراً .

ولو قال : «التزمت بالعقد» يكون كناية عن إسقاط خيار الفسخ ، ولا يتناسب مع إسقاط حقّ الأرش ؛ لأ نّه غير متعلّق بالعقد كما هو معلوم .

كما أنّ إسقاط الخيار أيضاً ، إسقاط حقّ الفسخ ، لا الأرش ؛ لأ نّه ليس بخيار ، ولا طرفاً له .

وبما ذكرناه يظهر : أنّ تعبير الشيخ الأعظم قدّس سرّه في المقام بقوله : «في مسقطات هذا الخيار بطرفيه ، أو أحدهما»(2) مسامحة ، أو مستلزم للالتزام بأمر محال ؛ وهو ثبوت حقّ واحد ، متعلّق بشيئين على سبيل التخيير والتردّد .

كما أنّ في قوله : «إسقاط الردّ»(3) مسامحة ، أو إشكالاً واضحاً ؛ فإنّ الردّ الذي

ص: 38


1- تقدّم في الصفحة 25 .
2- المكاسب ،ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 279 .
3- نفس المصدر.

هو فعل المشتري ، غير قابل للإسقاط ، والتزام حقّ زائد على حقّ الخيار متعلّق بالردّ ، فيه ما لا يخفى .

ولو أراد منه إسقاط حقّ الفسخ ؛ أي الخيار بأحد طرفيه ، بناءً على ظاهره من كون الخيار ذا طرفين ، وبناءً على ظاهر قوله : «لو أسقط الخيار لا يبعد سقوط الأرش»(1) باعتبار كون الأرش أحد طرفي الخيار .

ففيه : أ نّه محال في محال ؛ فإنّ أصل ثبوت مثل هذا الحقّ ، محال كما عرفت(2) .

ومع الغضّ عنه لا يعقل إسقاط أحد طرفي التخيير ، وإن قلنا : بجواز إثبات الحقّ التخييري ؛ فإنّ ما يمكن إسقاطه على ذلك ، هو إسقاط هذا الواحد المبهم ؛ بمعنى تعلّق الإسقاط بعنوان الحقّ المردّد بالحمل الأوّلي عنواناً للواقع .

وإلاّ فالمردّد والمخيّر بالحمل الشائع ، لا يعقل تصوّره ، ولا تعلّق العلم به ، ولا الإرادة ، ولا الإنشاء ، والإسقاط المتعلّق بالواحد العنواني - أي ما تعلّق بهذا ، أو هذا - مستلزم لسقوط الحقّ في البين ، فلا يبقى حقّ الأرش .

وبالجملة : تعلّق الإسقاط بأحد طرفي الترديد والتخيير ، لا يعقل ، وليس لصاحب الخيار إلاّ إسقاط حقّه ، وأمّا إخراج أحد الطرفين عن الطرفية ، بلا تحقّق الإسقاط منه فليس له .

فتوهّم : كون المقام مثل الواجب التخييري ، حيث إنّ للآمر رفع اليد عن أحد الطرفين ؛ بترخيص تركه ، أو نهيه عنه ، ولازمه اختصاص الأمر بطرف

ص: 39


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 279 .
2- تقدّم في الصفحة 23 - 24 .

آخر ، وصيرورته تعيينياً بالنتيجة غير صحيح لو سلّم في المقيس عليه ؛ للفرق الواضح بينهما .

مع أنّ باب المناقشة فيه أيضاً - إلاّ على ما ذهبنا إليه في الواجب التخييري ؛ من كونه وجوبين وإنشاءين على موضوعين(1) - مفتوح .

هذا مع الغضّ عن أنّ الحقّ الواحد البسيط ، غير ممكن الإسقاط بأحد طرفيه ، وصحّة إسقاط الطرف عن الطرفية - كما هو محتمل كلام الشيخ قدّس سرّه (2) - غير مرضيّة ، وبلا دليل .

فالتحقيق ما تقدّم : من ثبوت حقّ الفسخ متعلّقاً بالعقد ، كسائر الخيارات ، وثبوت حقّ آخر متعلّق بالأرش ، وهو غير الخيار(3) ، وللمشتري إسقاط خياره ، وإسقاط حقّ الأرش ، وإسقاط كليهما ، فالبحث عن المسقطات إنّما يصحّ على هذا المبنى السديد ، لا على ما أفادوا (4) .

ومن ذلك يظهر : أ نّه لو قال : «أسقطت الخيار» لم يسقط إلاّ خيار فسخ العقد ؛ إذ هو الخيار ، وأمّا حقّ الأرش فليس خياراً ، وكون المشتري مخيّراً بين أخذه وتركه ، لا يجعله الخيار الذي يمكن إسقاطه ؛ ضرورة أنّ اختيار المشتري ، ليس أمراً اعتبارياً قائماً بشيء ، بخلاف الخيار في باب الخيارات ، وبخلاف حقّ الأرش في المقام .

ص: 40


1- مناهج الوصول 2 : 73.
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 279 .
3- تقدّم في الصفحة 25 و37 .
4- تقدّم في الصفحة 37 .
دلالة الروايات على ثبوت حقّين : حقّ الفسخ وحقّ الأرش

ثمّ إنّ المستفاد من الروايات بعد التأمّل والتدبّر فيها ، هو ما ذكرناه من ثبوت الحقّين ، وإن كان لا يستفاد منها ما عليه المشهور من العرضية ؛ فإنّ سقوط حقّ الردّ ، وبقاء حقّ الأرش ، من أقوى الشواهد على ثبوت الحقّين ، بعد امتناع الحقّ التخييري .

كما أنّ المستفاد منها ثبوت حقّ الفسخ ؛ لأنّ المراد من «الردّ» هو الفسخ كناية ، أو الفسخ بالردّ ؛ فإنّه - مضافاً إلى أنّ ردّ المبيع مع بقاء العقد وبقاء العين على ملك المشتري ، ممّا لا معنى له ، واحتمال كون الجواز حكمياً (1) ، تردّه معهودية حقّ الفسخ عند العقلاء في المقام ، وفي سائر الخيارات ، فلا ينقدح في الأذهان غير الحقّ في باب الخيار - هو الظاهر من صحيحة رفاعة النخّاس ، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، وفيها قال :

قلت : أرأيت إن وجدت بها عيباً بعد ما مسستها ؟

قال : «ليس لك أن تردّها ، ولك أن تأخذ قيمة ما بين الصحّة والعيب»(2) .

فإنّه يظهر منها : أ نّه ليس له حقّ الردّ ؛ لمكان المسّ ، ولولا ذلك كان له حقّه .

بل يظهر منها : أنّ الأرش ليس ملكاً على الذمّة ، كما قد يتوهّم(3) ، بل له

ص: 41


1- هداية الطالب 4 : 411 .
2- الكافي 5 : 209 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 69 / 297 ؛ وسائل الشيعة 18 : 105 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 5 ، الحديث 2 .
3- الروضة البهيّة 2 : 414 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 9 : 302 - 303 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 153 .

حقّ الأرش ؛ لوضوح دلالة قوله علیه السلام : «ولك أن تأخذ قيمة ما بين الصحّة والعيب» على أنّ له حقّ أخذه .

فتوهّم : استفادة الملكية من صحيحة حمّاد بن عيسى قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «قال علي بن الحسين علیه السلام : كان القضاء الأوّل في الرجل إذا اشترى الأمة فوطأها ، ثمّ ظهر على عيب ، أنّ البيع لازم ، وله أرش العيب»(1) بتخيّل أنّ «اللام» موضوعة للملك .

في غير محلّه ؛ فإنّه - مضافا إلى منع ذلك ، بل «اللام» لا يستفاد منها إلاّ نحو اختصاص ، وأكثر استعمالها في الكتاب في غير الملك(2) ، بل استعمالها في الملك لم يثبت ، بعد كونها بمعنى الاختصاص ، كما هو مقتضى استعمالها فيه بلا تأوّل ، وللملك أيضاً نحو اختصاص ، ولعلّها لذلك استعملت فيه(3) ، فتأمّل - مع كثرة الاستعمال في غير الملك ، لا يبقى لها ظهور فيه .

مع أنّ قوله علیه السلام : «له أرش العيب» لا يظهر منه كون الأرش على الذمّة ، فالأمر دائر بين كون المراد منه ثبوت حقّ الأرش ، كما هو ظاهر الصحيحة المتقدّمة ، أو كون مقدار من مال البائع - بنحو الكلّي في المعيّن ، أو الإشاعة - ملكاً للمشتري ، وهذا ممّا يأبى عنه الذهن السليم .

ص: 42


1- تهذيب الأحكام 7 : 61 / 263 ؛ وسائل الشيعة 18 : 104 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 ، الحديث 7 .
2- البقرة (2) : 223 ؛ الأنفال (8) : 24 ؛ الجاثية (45) : 20 ؛ الفتح (48) : 1 ؛ الذاريات (51) : 19 .
3- الأعراف (7) : 158 ؛ الأنفال (8) : 1 ؛ التوبة (9) : 60 .

والإنصاف : أنّ الأخذ بظاهر الصحيحة المتقدّمة في ثبوت الحقّ متعيّن ، مع أ نّه يتناسب مع بعض تعبيرات اُخر في الروايات ، كقوله علیه السلام : «يوضع عنه من ثمنها بقدر العيب»(1) .

وقوله علیه السلام : «تقوّم ما بين العيب والصحّة ، فيردّ على المبتاع . . .»(2) ، إلى غير ذلك(3) .

صحّة إسقاط الخيار بالمجاز والكناية والفعل

ثمّ إنّه كما يصحّ الإسقاط بلفظ صريح ، يصحّ بالمجاز المقبول عرفاً ، أو الكناية كذلك ، كما هو الحال في مطلق العقود والإيقاعات .

ويصحّ بالفعل أيضاً ، بشرط كونه آلة عقلائية للإنشاء ، كالإعطاء أو الأخذ في المعاطاة ، قاصداً بهما إيقاع المعاملة ، ومثل ما ورد في النصّ في طلاق الأخرس من «أخذ مقنعتها ، ووضعها على رأسها ، واعتزالها»(4) فإنّ ذلك فعل مناسب لإيقاع الطلاق .

ص: 43


1- الكافي 5 : 214 / 2 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 61 / 266 ؛ وسائل الشيعة 18 : 102 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 ، الحديث 1 .
2- الكافي 5 : 215 / 6 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 61 / 264 ؛ وسائل الشيعة 18 : 103 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 ، الحديث 4 .
3- راجع وسائل الشيعة 18 : 102 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 ، الحديث 2 و3 و5 .
4- الكافي 6 : 128 / 3 ؛ تهذيب الأحكام 8 : 74 / 249 ؛ وسائل الشيعة 22 : 48 ، كتاب الطلاق ، أبواب مقدّمات الطلاق ، الباب 19 ، الحديث 3 و5 .

بل لولا الدليل على اشتراط الطلاق بلفظ خاصّ ، لصحّ إيقاعه بمثل هذا الفعل من غير الأخرس أيضاً .

وأمّا الإنشاء بالألفاظ غير الدالّة ، وبالمجازات والكنايات غير المقبولة ، كإيقاع البيع بلفظ النكاح أو الإجارة ، فلا يصحّ وإن أقام القرينة على إرادته ، كما لا يقع البيع بفعل غير دالّ ، كإيقاعه بالعطسة والضحك .

الثاني : التصرّف
اشارة

وهل يسقط به مطلقاً ، سواء كان قبل العلم بالعيب والخيار ، أو بعده ، دالاًّ على الرضا أم لا ، مغيّراً للمبيع أم لا ، أو أ نّه غير مسقط مطلقاً ، أو مسقط مع دلالته على الرضا ، أو مسقط مع كونه مغيّراً ، أو مسقط في حالتين ؛ أي عند كونه مغيّراً للعين ، أو دالاًّ على الرضا ؟

قد يقال : إنّ التصرّف بما هو ليس مسقطاً في المقام ، وإن قلنا به في خيار الحيوان، بل المسقط تغيّر العين من غير دخالة للتصرّف فيه، كما لو وقع بغير فعله.

وأمّا مع عدم التغيّر ، فإن قصد به إنشاء الإسقاط ، فهو مسقط فعلي ، ولا دخل لعنوان «التصرّف» فيه ، بل هو مندرج في الأمر الأوّل ؛ لأنّ الإسقاط أعمّ من القولي ، وأمّا التصرّف بما هو تصرّف ، فلا دليل على كونه مسقطاً على حدة ، بل الدليل على خلافه ، وهو إطلاقات الردّ .

بل لا دليل على أنّ التصرّف الدالّ على الرضا ، مسقط لولا إنشاء الإسقاط به ؛ إذ لا يمكن التعدّي من روايات خيار الحيوان(1) ، انتهى ملخّصاً .

ص: 44


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 100 - 101 .

أقول : يمكن أن يقال : إنّ لبعض العناوين مصداقاً حقيقياً ، ومصداقاً اعتبارياً ، قابلاً للإيجاد بالإنشاء والجعل ، كالقبول ، والرضا ، فإنّ قبول قول المخبر ، الراجع إلى تصديقه والرضا بقضاء اللّه ، هما من الصفات النفسانية ، والموجودات الحقيقية ، في مقابل قبول الإيجاب بقوله : «قبلت» و«رضيت» فإنّه أمر ايجادي اعتباري كالإيجاب .

ومن ذلك الالتزام ، فإنّ له مصداقا موجوداً في النفس ، وليس من الاعتباريات ، كالتزامه بقراءة القرآن في كلّ صباح ، فإنّه من التعهّدات النفسانية ، الحاصلة بالإرادة الموجودة خارج الاعتبار، وبإزائه الالتزام في باب الإيقاعات.

فقوله : «التزمت بالبيع» مريداً به إسقاط الخيار ، أو لزوم العقد ، إنشاء لأمر تترتّب عليه الآثار العقلائية ، لا إخبار عن صفة نفسانية .

ولا ينبغي الإشكال ، في أنّ مثل قوله : «التزمت بالبيع» ليس لفظاً صريحاً لإسقاط حقّ الخيار ، بل اللفظ الصريح هو قوله : «أسقطت خيار العيب» .

فحينئذٍ كما قد يكون لفظ «التزمت» كناية عن إسقاط الخيار إذا اُريد به ذلك ؛ بملاحظة أنّ سقوط الخيار ، لازم عرفي للالتزام بالبيع بلا قيد ، فيناسب المعنى الكنائي ، وقد يراد به معناه من غير جعله كناية ، فيترتّب عليه السقوط قهراً بنظر العرف ، فترتّب سقوط الخيار عليه ؛ قد يكون بإنشاء الإسقاط ، وقد يكون قهراً . كذلك الحال في الالتزام العملي ، فإنّ بعض التصرّفات الدالّة على التزامه بالعقد ، يمكن أن يقصد به الإسقاط ، نظير الكنايات في باب الألفاظ.

بل قد يكون بعض الأفعال - ولو لم يكن تصرّفاً - كذلك ، كما لو اشترى للدابّة السرج أو بنى لها الإصطبل قاصداً بذلك إسقاط خياره ، وقد لا يقصد ذلك ، لكن

ص: 45

هذا الالتزام الفعلي - كالقولي - يترتّب عليه السقوط عرفاً ؛ للتلازم بينهما ، أو للتنافي بينه وبين بقاء الخيار عرفاً .

فما اُفيد : من أنّ التصرّف لا يكون مسقطاً في المقام بوجه ؛ فإنّه مع إرادة الإسقاط يكون مسقطاً فعلياً ، ومع عدمها ليس بمسقط غير مرضيّ ، فيصحّ جعل التصرّف من المسقطات ، كما هو المشهور(1) .

ثمّ إنّه ليس كلّ تصرّف ، قابلاً لأن يراد به الإسقاط ، ولا ملازماً للسقوط ، بل التصرّفات الملازمة له اُمور خاصّة ممتازة عند العرف ، فمثل سقي الدابّة ، وتعليفها ، وأمر الجارية ببعض الاُمور الطفيفة ، ليس منها ، كما هو واضح ، هذا حال المقام بحسب نظر العقلاء .

الروايات الدالّة على سقوط الخيار بالتصرّف

وأمّا الروايات المناسبة للمقام :

فمنها : مرسلة جميل ، عن أحدهما علیهما السلام : في الرجل يشتري الثوب أو المتاع ، فيجد فيه عيباً .

فقال : «إن كان الشيء قائماً بعينه ردّه عليه ، وأخذ الثمن ، وإن كان الثوب قد قطع ، أو خيط ، أو صبغ ، يرجع بنقصان العيب»(2) .

ومنها : رواية زرارة التي لم تثبت صحّتها - فما في كتاب الشيخ

ص: 46


1- تذكرة الفقهاء 11 : 91 ؛ جواهر الكلام 23 : 239 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 279 .
2- تقدّم في الصفحة 19 .

الأعظم قدّس سرّه (1) ، وتبعه المحشّون(2) ؛ من التعبير عنها ب «الصحيحة» في غير محلّه إلاّ على بعض المباني - عن أبي جعفر علیه السلام قال : «أيّما رجل اشترى شيئاً وبه عيب أو عوار ، ولم يتبرّأ إليه ، ولم يبيّن له ، فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئاً ، ثمّ علم بذلك العوار ، أو بذلك الداء ، أ نّه يمضى عليه البيع ، ويردّ عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء والعيب ، من ثمن ذلك لو لم يكن به»(3) .

وقد يقال : إنّ مقتضى رواية زرارة ، أنّ التصرّف مطلقاً موجب لسقوط الخيار ، إمّا لأجل صدق «إحداث شيء» على كلّ تصرّف .

وإمّا لأجل أنّ «إحداث الحدث» في بعض روايات خيار الحيوان ، فسّر بمثل «اللمس ، والتقبيل ، والنظر إلى ما لا يحلّ النظر إليه» فيسري الحكم إلى كلّ تصرّف في المقام ، فيقع التعارض بينها وبين المرسلة ؛ لأنّ النسبة بين قوله علیه السلام : «قائماً بعينه» وقوله علیه السلام : «أحدث شيئاً» العموم من وجه(4) .

وفيه : منع صدق «إحداث شيء» فيه على التصرّف غير المغيّر ، ومنع صحّة التعدّي من خيار الحيوان إلى المقام ، وإن قلنا : بالتعدّي إلى سائر الخيارات ؛

ص: 47


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 280 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الخراساني : 212 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 100 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 : 233 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 4 : 443 .
3- الكافي 5 : 207 / 3 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 60 / 257 ؛ وسائل الشيعة 18 : 30 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 16 ، الحديث 2 .
4- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 4 : 443 .

وذلك لأنّ وجه التعدّي هو ما ورد في صحيحة علي بن رئاب(1) من التمثيل المذكور ، مع أنّ مقتضى روايات كثيرة في المقام ، عدم الردّ بوط ء الجارية(2) ، ويظهر منها بوضوح : أنّ اللمس والتقبيل والنظر ، ليست موجبة للسقوط ، وإلاّ فلا ريب في أنّ الوط ء مسبوق باللمس ونحوه ، فلو كان السبب مطلق التصرّف ، كان الاستناد إلى السبب السابق متعيّناً ، فالإسناد إلى الوط ء ، دليل على عدم السقوط في المقام بمثل ما ذكر في الصحيحة .

مضافاً إلى رواية داود بن فرقد ، التي لا يبعد أن تكون صحيحة قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل اشترى جارية مدركة ، فلم تحض عنده حتّى مضى لها ستّة أشهر ، وليس بها حمل .

فقال : «إن كان مثلها تحيض ولم يكن ذلك من كبر ، فهذا عيب تردّ منه»(3) .

فإنّ عدم التصرّفات الطفيفة في تلك المدّة مقطوع الخلاف .

وقد يقال : إنّ الإطلاق في الرواية ، مسوق لبيان أنّ عدم الحيض عيب تردّ به ، لا لبيان الردّ به ، كي تدلّ بإطلاقها على الردّ به ولو أحدث بها في هذه المدّة ما أحدث(4) .

ص: 48


1- تقدّم في الصفحة 15 ، الهامش 3 .
2- راجع وسائل الشيعة 18 : 102 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 .
3- الكافي 5 : 213 / 1 ؛ الفقيه 3 : 285 / 1357 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 65 / 281 ؛ وسائل الشيعة 18 : 101 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 3 ، الحديث 1 .
4- حاشية المكاسب ، المحقّق الخراساني : 214 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 4 : 445 .

وفيه ما لا يخفى ؛ فإنّ لازم ما ذكر ، أنّ الرواية ساكتة عن مورد السؤال ، مع أنّ القدر المتيقّن جواز الردّ في مورد السؤال ، فالعدول عن مورده إلى أمر خارج عن سؤاله ، في غاية البعد ، بل لا ينبغي احتماله .

بل لولا الروايات الدالّة على أنّ الوط ء موجب لسقوط الخيار(1) ، لقلنا - بملاحظة بعد عدم تحقّقه في تلك المدّة ، وترك التنبيه عليه في الرواية - : إنّه أيضاً لا يوجب سقوطه .

وكيفما كان : فليس التصرّف بنحو الإطلاق ، موجبا للسقوط ، بل الموجب هو التصرّف المغيّر .

هل المسقط للخيار هو التغيّر أو التصرّف المغيّر ؟

ثمّ إنّ التغيّر ، هل هو مستقلّ بعنوانه في إيجاب السقوط ، أو أنّ التصرّف جزء الموضوع ؟

ربّما يتوهّم : أنّ مقتضى الأدلّة هو الثاني ؛ فإنّ قوله علیه السلام في رواية زرارة : «فأحدث فيه شيئاً» ظاهر في دخالة الصدور ، بل المفهوم منه «أ نّه لو لم يحدث بفعله فيه شيئاً ، كان له الردّ» ومقتضى إطلاقه أنّ له الردّ ولو أحدث غيره ، أو حدث التغيّر بالعوامل الطبيعية ، وبه يقيّد إطلاق مفهوم المرسلة الدالّ على سقوطه مع عدم قيامه بعينه ، الشامل لما إذا كان عدم القيام بفعل الغير ، أو بالعوامل الاُخر ، فتكون النتيجة «أنّ الموجب هو التصرّف المغيّر» .

ص: 49


1- تقدّم تخريجها في الصفحة 48 ، الهامش 2 .

مع إمكان إنكار إطلاق المفهوم في المرسلة ؛ فإنّ المفاهيم مداليل تبعية ، فإذا كان للمنطوق مدلول بنحو الإطلاق ، كان المفهوم سلب الإطلاق ، لا إطلاق السلب .

هذا مضافاً إلى احتمال أن يكون قوله علیه السلام : «خيط ، أو قطع ، أو صبغ» منصرفاً إلى فعل المشتري ولو بالتسبيب ؛ لندرة وقوعها من غير المالك .

وفيه وجوه من الخلط :

منها : أنّ قوله علیه السلام : «أحدث فيه شيئاً» لا يفهم منه دخالة الإيجاد ، ولا سيّما في المورد الذي يكون التغيّر فيه بنفسه موجباً لسقوط الخيار عند العقلاء ، فيكون الارتكاز العقلائي ، مانعاً عن فهم الدخالة ، ولا سيّما في مثل تلك العناوين الآلية ، المحتاجة إلى قيام القرينة على دخالتها .

ومنها : أنّ دعوى المفهوم لهذا الكلام غريبة ؛ لأنّ قوله علیه السلام : «أيّما رجل» لو فرض كونه في معنى الشرطية - على إشكال فيه - يكون المفهوم منه «أ نّه لو لم يشتر» وهو ليس مفهوماً اصطلاحياً ؛ لكون الشرط محقّقاً للموضوع ، فعليه لا يصلح هذا الكلام لتقييد إطلاق المرسلة ، واحتمال المفهوم للقيد فاسد .

وإنكار إطلاق مفهوم الشرط في المرسلة غير وجيه ؛ فإنّ غاية ما يمكن أن يقال : إنّه لا إطلاق فيه فيما إذا كان بصدد بيان المنطوق ، لا مطلقاً ، ولا سيّما فيما إذا تعرّض لمفهومه بوجه كما في المرسلة فإنّ من الواضح أ نّه بصدد بيان مقابل القيام بعينه، وأنّ ما لا يكون كذلك لا يرد، وإنّما ذكر بعض المصاديق بنحو المثال.

ولو نوقش في ذلك : بأنّ الشرطية الثانية بصدد بيان حكم غير المفهوم ، فلا ينبغي الشكّ في أنّ المرسلة ، بصدد بيان طرفي القضيّة ، ويفهم منها أنّ

ص: 50

عدم القيام بعينه سبب لسقوط حقّ الخيار ، ولا دافع لإطلاقه ؛ ضرورة عدم المفهوم لرواية زرارة .

ولو سلّمت دلالتها على الدخالة ، لكن لا وجه لفهم الانحصار ، حتّى يقيّد به المطلق .

والإنصاف : أنّ المتأمّل في الروايتين ، لا يفهم منها إلاّ أنّ التغيّر موجب للسقوط ، ولا سيّما مع مناسبات الحكم والموضوع وارتكاز العقلاء .

ثمّ إنّه لا فرق في التصرّف الموجب للتغيّر ، بين كونه قبل العلم بالعيب ، أو بعده ، أو قبل العلم بالخيار ، أو بعده ، وكذا التصرّف غير المغيّر ، إذا فرض كونه كاشفاً عن التزامه بالبيع مطلقاً .

نعم ، يمكن المناقشة في كشفه عن ذلك إذا كان قبل العلم ، لكن لا بنحو الإطلاق ؛ فإنّ بعض التصرّفات ظاهر في ذلك ولو قبل العلم ، ولا سيّما مع احتماله للعيب .

ثمّ إنّ إتلاف المشتري عن عمد ، من التصرّفات الكاشفة عن التزامه ، ويسقط به خياره ، بل يمكن أن يقال : يسقط به الأرش أيضاً على تأمّل .

هذا حال التصرّفات المغيّرة للعين .

حول مسقطية التصرّفات الاعتبارية

وهل تلحق بها التصرّفات الاعتبارية ، كالبيع ، والوقف ، وغيرهما من النواقل اللازمة أو الجائزة ؟

الظاهر ذلك ؛ إمّا للدلالة على التزامه به ، ولا سيّما مع كونها بعد العلم ، وإمّا

ص: 51

لصدق «إحداث الشيء» عليها ، بل صدق «عدم كونه قائماً بعينه» .

وتوهّم : الانصراف إلى التغيّرات التكوينية في غير محلّه .

وربّما يقال : إنّ العناوين صادقة على تلك التصرّفات ، فيسقط الخيار بعروضها له .

لكن لو نقل بعقد خياري بل بعقد لازم ، وفسخ بالخيار أو الإقالة ، أو اشترى ثانياً ، أو انتقل إليه بإرث ونحوه ، يعود خياره ؛ لأنّ الظاهر أنّ وجه سقوط الخيار ، لزوم الضرر على البائع في الانتقال إلى البدل ، والمفروض عدمه ، فيصدق «أنّ العين قائمة بعينها»(1) ، انتهى .

وفيه : أ نّه مع تسليم صدق العناوين ، وتسليم سقوط الخيار ، لا وجه لما اُفيد ؛ فإنّ الدليل على ثبوت خيار العيب وسقوطه ، هو الأدلّة الخاصّة ، وكون الحكم لنكتة تضرّر البائع بالانتقال إلى البدل ، لا يوجب العود بعد السقوط ؛ لعدم الدليل على كونه علّة ، ليدور وجود الخيار مداره .

وأمّا دليل «لا ضرر . . .»(2) فهو - مضافاً إلى ما تقدّم منّا في بعض المباحث السابقة ؛ من عدم كونه صالحاً لإثبات الخيار ، بل ولا لإثبات حكم أو نفيه(3) - لا يثبت به إلاّ الأرش ؛ فإنّ الضرر يرتفع به .

ص: 52


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 102 .
2- الكافي 5 : 292 / 2 ؛ الفقيه 3 : 147 / 648 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 146 / 651 ؛ وسائل الشيعة 25 : 428 ، كتاب التجارة ، أبواب إحياء الموات ، الباب 12 ، الحديث 3 .
3- تقدّم في الجزء الرابع : 412 - 422.

بل لولا تسالمهم في خيار الغبن على ثبوت الخيار(1) ، كان مقتضى التمسّك بقاعدة نفي الضرر ، أو التمسّك بذيل بناء العقلاء ، هو جبران الغبن ، لا الخيار ، فإطلاق الأدلّة في المقام ، كافٍ لعدم ثبوته بعد سقوطه مع أ نّه مقتضى الأصل أيضاً ، لو فرض الشكّ فيه .

عدم إمكان مسقطية التصرّف أو التغيّر على رأي المشهور

ثمّ إنّ عدّ التصرّف أو التغيّر أو غيرهما من المسقطات ، إنّما يصحّ على ما تقدّم منّا ؛ من ثبوت حقّ متعلّق بالعقد ، وحقّ آخر هو حقّ المطالبة بالأرش(2) ، وأمّا على المشهور(3) فغير صحيح ، بل غير معقول كما أشرنا إليه(4) .

ولو سلمت صحّة جعل تخييري(5) ، فلا بدّ من عدّ التغيّر ونحوه ، موجباً لتعيّن الطرف الآخر عقلاً ، نظير التعيّن العقلي في الواجبات التخييرية مع تعذّر بعض الأفراد ، وتعيّن آخر الوقت عقدا في الواجب الموسّع ، واحتمال انقلاب المخيّر - حقّاً كان أو تكليفاً - بالمعيّن فاسد جدّاً ؛ لاستحالته .

كما أنّ احتمال سقوط الواجب التخييري أو الحقّ كذلك ، وحدوث حكم

ص: 53


1- تذكرة الفقهاء 11 : 68 ؛ مفتاح الكرامة 14 : 222 - 223 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 158 .
2- تقدّم في الصفحة 25 - 26 و37 .
3- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 99 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 : 232 .
4- تقدّم في الصفحة 23 - 24 .
5- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 4 : 439 .

تعييني للطرف المقدور ، مقطوع الخلاف ، وهذا وأشباهه شاهد على صحّة ما ذهبنا إليه في المقام وغيره(1) .

الثالث : التلف
اشارة

واستند(2) فيه إلى المرسلة(3) والاستدلال بها مبنيّ على دلالة مفهومها على ذلك ، وإلاّ فالمنطوق أجنبيّ عنه .

ودلالة المفهوم مبنيّة على أ نّه قضيّة سالبة بسيطة محصّلة ؛ بتقديم السلب على الموضوع ، حتّى يستفاد منه التعميم بالنسبة إلى السلب بسلب الموضوع ، فيكون المفهوم «إن لم يكن الشيء قائماً بعينه» .

وأمّا إذا كان المفهوم قضيّة معدولة ، أو سالبة مع حفظ الموضوع ، فلا يدلّ على المقصود ، واحتمال كونه سالبة محصّلة ، عقلي مخالف لفهم العرف في الأشباه والنظائر .

والموافق للعرف في الشرطيات ونحوها ، وقوع الشرط في عقد الإثبات والنفي على موضوع ملحوظ مفروض التحقّق ، فيخرج مثل التلف الحقيقي - الذي لا بقاء معه للمبيع ولو عرفاً - عن مفاد الدليل .

وفي إلحاق التلف بالتغيّر بالأولوية(4) نظر ؛ لأنّ سقوط الردّ مع العيب

ص: 54


1- تقدّم في الصفحة 25 - 26 و40 ، ويأتي في الصفحة 136.
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 289 .
3- تقدّم في الصفحة 19 .
4- هداية الطالب 4 : 456 ؛ اُنظر الخيارات (تقريرات المحقّق الحائري) الأراكي : 325 - 326 .

الحادث ، إنّما هو لمراعاة حال البائع ؛ لئلاّ يرد إليه المعيب ، وهنا يكون ردّ القيمة إليه عند الفسخ ، أهون من ردّ المعيب .

إلاّ أن يقال : إنّ ما ذكر لو صحّ ، فإنّما هو في التغيير بالنقيصة ، وأمّا مع سقوط الخيار حتّى في التغيير بالزيادة كما قيل(1) ، فيمكن دعوى الأولوية ، لكنّ المبنى محلّ إشكال ، بل منع .

بيان المحقّق الأصفهاني في وجه سقوط الخيار بالتلف

وقد يقال : إنّ الحقّ في هذا الخيار بحسب مفاد الأدلّة ، تعلّق بالردّ ، لا بالعقد ، وعلى فرض القول : بتعلّقه بالعقد ، فهو مقيّد - بحسب أخبار الباب - بفسخ العقد بردّ العين .

فسقوط الحقّ بالتلف ونحوه ، ليس لكونه مسقطاً شرعياً ، بل هو لأجل أ نّه لا يمكن الردّ معه ؛ فإنّ وجود العين موضوع له .

ثمّ عطف على التلف الحقيقي التلف الشرعي ، والانتقال بعقد لازم ، أو جائز ، والخروج عن السلطان ، كالرهن ، والإجارة .

ثمّ قال : ولقد أجاد العلاّمة(2) حيث قال : إذا ظهر المشتري على عيب في العبد بعد موته ، فلا ردّ ؛ إذ لا مردود ، وكذا لو قتل ، أو تلف الثوب(3) .

وفيه ما لا يخفى :

ص: 55


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 129 .
2- تذكرة الفقهاء 11 : 109 .
3- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 4 : 448 .

أمّا ما اختاره أوّلاً ؛ فلأنّ تعلّق الحقّ بالردّ الخارجي قبل تحقّقه ، لا يعقل ؛ لكونه معدوماً ، وبعد تحقّقه كذلك ؛ لأ نّه حاصل ، لا يعقل تعلّق حقّ الردّ به كما هو واضح .

وتعلّقه بالردّ العنواني كتعلّق الحلّ بالبيع والتكليف بالمتعلّق ، لا يصحّ في المقام ؛ لأنّ ذلك الحقّ المتعلّق بالعنوان فرضاً ، لا يعقل وجوده في الخارج ؛ فإنّ الردّ إذا وجد خارجاً وإن انطبق عليه العنوان ، لكن لا يعقل انطباقه عليه بما له من الحكم الوضعي .

فما تعلّق به لا يكون منشأً للأثر ، وما هو منشأ الأثر لا يعقل تعلّقه به ، ولا ينبغي الخلط بينه وبين التكاليف المتعلّقة بالطبائع ، الباعثة لإخراجها إلى العين .

وأمّا ما احتمله ثانياً : من أنّ الحقّ متعلّق بالعقد ، لكنّه مقيّد بتلك الأدلّة .

ففيه : أنّ الجمع بين المعنى الكنائي والمعنى الحقيقي ، غير ممكن ، ولا سيّما مع بنائهم على عدم جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنىً(1) .

بل مع تسليم الجواز كما هو المختار(2) ، يشكل فيما إذا كان بين المعنيين ، ترتّب واختلاف في الرتبة كالمقام ؛ فإنّ أسباب الفسخ مقدّمة رتبة عليه ، ومع الغضّ عنه لا وجه للتقييد المدّعى ؛ فإنّه موقوف على استفادة حصر الفسخ بالردّ من الأدلّة ، وإلاّ فمجرّد الدلالة على ثبوت الفسخ بالردّ ، لا يوجب التقييد ،

ص: 56


1- كفاية الاُصول : 53 ؛ أجود التقريرات 1 : 76 ؛ نهاية الدراية 1 : 152 ؛ مقالات الاُصول 1 : 162 .
2- مناهج الوصول 1 : 131.

ولا ينافي وجود سبب آخر ، هذا كلّه بحسب الثبوت .

وأمّا الناظر في الأدلّة ، فلا ينبغي له الريب في أنّ «الردّ» المأخوذ فيها ومقابله ، كناية عن أنّ له الفسخ ، أو ليس له .

وتشهد له وإن كان لا يحتاج إلى الاستشهاد ، صحيحة حمّاد بن عيسى قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «قال علي بن الحسين علیهما السلام : كان القضاء الأوّل في الرجل إذا اشترى الأمة فوطأها ، ثمّ ظهر على عيب ، أنّ البيع لازم ، وله أرش العيب»(1) .

وعن الحميري بسنده الصحيح ، عن حمّاد كذلك ، إلاّ أ نّه قال : «إنّ البيع لازم لا يردّها ، ويأخذ أرش العيب»(2) .

فإنّ الظاهر كالصريح منهما ، أنّ الحقّ متعلّق بالبيع ، لا بالردّ ، وأنّ البيع مع عدم التصرّف ليس بلازم ، ويرد ، وهذا شاهد على أنّ «الردّ» في سائر الروايات كناية عن الفسخ(3) ، ويظهر ذلك أيضاً من رواية زرارة المتقدّمة(4) .

كما تشهد بوضوح لما ذكر - من أنّ «الردّ» كان كناية معروفة عن الفسخ ، من دون أن يكون هو المتعلّق للحقّ مستقلاًّ ، أو دخيلاً في حصول الفسخ - الروايات

ص: 57


1- تهذيب الأحكام 7 : 61 / 263 ؛ وسائل الشيعة 18 : 104 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 ، الحديث 7 .
2- قرب الإسناد : 16 / 52 .
3- راجع وسائل الشيعة 18 : 101 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 3 ، 4 ، 5 و7 .
4- تقدّم في الصفحة 46 - 47 .

الكثيرة الواردة في أبواب العيوب والتدليس من كتاب النكاح .

ففي بعضها : «المرأة تردّ من أربعة أشياء»(1) .

وفي بعضها : «تردّ على أهلها»(2) .

وفي بعضها : «يردّ النكاح من كذا وكذا»(3) .

وفي بعضها : «إن شاء بعدُ أمسكها ، وإن شاء سرّحها إلى أهلها . . .»(4) إلى غير ذلك(5) ممّا لا يشكّ أحد ؛ في أنّ «الردّ» فيها كناية عن الفسخ .

وأمّا استشهاده بقول العلاّمة(6) فغير وجيه ؛ لأنّ الظاهر منه أنّ الحقّ تعلّق بالعين ، لا بالردّ ، وهو أمر معقول ، وإن كان خلاف ظواهر الأدلّة .

ص: 58


1- الكافي 5 : 409 / 16 ؛ الفقيه 3 : 273 / 1296 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 427 / 1703 ؛ وسائل الشيعة 21 : 207 ، كتاب النكاح ، أبواب العيوب والتدليس ، الباب 1 ، الحديث 1 .
2- الكافي 5 : 409 / 17 ؛ الفقيه 3 : 274 / 1300 ؛ وسائل الشيعة 21 : 208 ، كتاب النكاح ، أبواب العيوب والتدليس ، الباب 1 ، الحديث 3 .
3- الكافي 5 : 406 / 6 ؛ الفقيه 3 : 273 / 1297 و1299 ؛ وسائل الشيعة 21 : 209 ، كتاب النكاح ، أبواب العيوب والتدليس ، الباب 1 ، الحديث 6 .
4- الكافي 5 : 409 / 17 ؛ الفقيه 3 : 274 / 1300 ؛ وسائل الشيعة 21 : 215 ، كتاب النكاح ، أبواب العيوب والتدليس ، الباب 3 ، الحديث 3 .
5- كرواية زيد الشحّام ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «تردّ البرصاء والمجنونة والمجذومة» ، قلت : العوراء ؟ قال : «لا». الكافي 5 : 406 / 8 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 424 / 1695 ؛ وسائل الشيعة 21 : 210 ، كتاب النكاح ، أبواب العيوب والتدليس ، الباب 1 ، الحديث 11 .
6- تقدّم في الصفحة 55 .

والذي يسهّل الخطب في باب التلف - كالموت ، والقتل ، والحرق ، وغيرها - أ نّه ليس في الخارج تلف إلاّ وهو مسبوق بتغيّر العين ، وحدوث حدث وشيء فيها ، وليس في الطبيعة سبب يوجب التلف بلا حدوث شيء في التالف ، حتّى في مثل استهلاك شيء في شيء ، وفي مثل إراقة اللبن ونحوه .

بل في كثير من المتلفات العرفية ، تخرج العين عن كونها قائمة بعينها ، قبل عروض التلف بزمان غير يسير ، فسبب السقوط في التلف مطلقاً ، متقدّم عليه .

بل لو فرض أنّ سبباً يعدم الشيء دفعة ، كان ذلك - لا محالة - بحدوث شيء فيه يوجب عدمه ، وليس الإيجاد والإعدام في الطبيعة ، نحوهما فيما وراءها الذي هو خارج عن الحوادث .

بل في التلف العرفي كثيراً ما يكون المبيع موجوداً ، وإن عدّ تالفاً ، حتّى في مثل انكسار الظروف ، وليس التلف كذلك موجباً لانعدام المبيع ، فتدبّر .

وعلى ذلك : فعدّ التلف من أسباب سقوط الحقّ - في مقابل كون الشيء غير قائم بعينه ، أو حدوث شيء - فيه إشكال .

ولو قيل : إنّ قوله علیه السلام «لا يردّ» الذي ورد في الروايات(1) سلب عن موضوع قابل للردّ خارجاً ، والمتلف ونحوه خارج منه .

يقال : إنّ ما ذكر ليس في روايتي جميل وزرارة اللتين هما الأصل في الباب .

مضافاً إلى أنّ القول المذكور ، كناية عن ثبوت الخيار ، ولا يلحظ فيه - بحسب الجدّ - عنوان «الردّ» و«عدمه» كما في سائر الكنايات .

ص: 59


1- وسائل الشيعة 18 : 102 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 ، الحديث 1 ، 4 ، 5 و8 .
وجه آخر لسقوط الردّ بالتلف ونحوه

ثمّ إنّ هاهنا وجهاً آخر لسقوط الردّ بالتلف ونحوه ، وثبوت الأرش ، وهو الفارق بين هذا الخيار وسائر الخيارات ، حيث لم يثبت فيه الفسخ بعد التلف ونحوه ؛ وهو أ نّه قد تقدّم أنّ الشهرة المعتبرة ، قائمة على التخيير بين الفسخ والأرش ، ومقتضى ذلك أن يكونا في عرض واحد .

ومن المعلوم : أنّ الخيار أو حقّ الفسخ ، ليس شيء منهما ملحوظاً ومطلوباً بنفسه ، بل المنظور منهما هو رجوع كلّ عوض إلى صاحبه الأوّل ، كما أنّ من المعلوم أنّ الرجوع إلى بدل التالف ، ليس في عرض المبدل .

فحينئذٍ مع عروض التلف ونحوه ممّا يوجب تعذّر ردّ العين ، يتعيّن عديل حقّ الخيار ، وهو حقّ الأرش الذي في عرضه ، ولا تصل النوبة إلى البدل الذي هو بعض مراتب أداء العين عند عدم إمكان ردّها .

في وجه مانعية وط ء الجارية عن الردّ بالعيب

ثمّ إنّه لا إشكال نصّاً (1) وفتوى(2) في أنّ وط ء الجارية ، يمنع عن ردّها بالعيب ، ويصير البيع به لازماً .

ص: 60


1- الكافي 5 : 214 / 2 و4 و5 ، و : 215 / 7 ؛ الفقيه 3 : 139 / 611 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 61 / 261 - 266 ؛ وسائل الشيعة 18 : 102 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 .
2- تذكرة الفقهاء 11 : 92 ؛ مفتاح الكرامة 14 : 439 ؛ جواهر الكلام 23 : 251 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 290 .

إنّما الكلام : في أ نّه تخصيص في مثل مرسلة جميل وأ نّه يصدق معه «أنّ العين قائمة بعينها» ومع ذلك لا تردّ .

أو ليس بتخصيص ، بل كاشف عن أنّ التصرّف مطلقاً موجب لسقوطه ، كما قالوا به في خيار الحيوان ؛ استناداً إلى عدّ مثل التقبيل واللمس ، من الأحداث الموجبة لسقوط الخيار(1) ؛ إذ أ نّه موجب لخروج العين عن كونها قائمة بعينها ، ويصدق على ذلك «أ نّه إحداث شيء فيها» .

وقد تقدّم منّا ما يرجّح الأخير(2) ؛ ضرورة أنّ الوط ء ليس مثل ركوب الدابّة وعلفها وسقيها وسائر التصرّفات التي لا توجب صدق «حدوث شيء فيها» بل هو من أوضح ما يصدق عليه «أ نّه أحدث فيها شيئاً وما بقيت قائمة بعينها ، وبلا حدث» فالروايات متوافقة غير متخالفة .

ولعلّ ذلك هو مراد الإسكافي حيث حكي عنه : أنّ الوط ء ممّا لا يمكن معه ردّ المبيع إلى ما كان عليه قبله(3) ، ولا يردّ عليه النقض بسائر التصرّفات كما توهّم(4) .

وأمّا عدّه جناية فغير مرضيّ كما عن «التذكرة»(5) وما ورد في بعض

ص: 61


1- تذكرة الفقهاء 11 : 35 ؛ الدروس الشرعية 3 : 280 ؛ مسالك الأفهام 3 : 200 - 201 و212 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 99 .
2- تقدّم في الصفحة 46 - 49 .
3- مختلف الشيعة 5 : 206 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 286 .
4- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 : 237 .
5- تذكرة الفقهاء 11 : 93 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 290.

الروايات من قوله علیه السلام : «معاذ اللّه أن يجعل لها أجراً»(1) لا يكون المراد منه أنّ هذا جناية ، لو ردّت لزم أن يردّ معها شيء تداركاً لها ، فتكون كاُجرة للفروج .

بل الظاهر منها : أنّ الوط ء يوجب نقيصة عقلائية في الجارية ، فمع ردّها لا بدّ من أن تجبر تلك النقيصة ، ولو حكم بالجبران ، فلا بدّ من عرض الجارية على السوق ؛ ليحكم أهل الخبرة بأنّ مثلها إذا وطئت ، فبأيّ مقدار تكون قيمة وطئها ، حتّى ينقص من القيمة ، وهذا عين اُجرة المثل أو نظيرها ، وأبى اللّه تعالى أن يجعل لها أجراً .

ولا ينقضي تعجّبي من الشيخ الأعظم قدّس سرّه (2) وغيره(3) ، حيث اغترّوا بظاهر بعض الروايات التي ورد فيها : «إنّهنّ مستأجرات»(4) فحملوها على الحقيقة ، فأتعبوا نفوسهم الكريمة في توجيه قوله علیه السلام : «معاذ اللّه أن يجعل لها أجراً» .

والحقّ الذي لا ينبغي الريب فيه ، هو أنّ المتعة نكاح وزواج حقيقي ، لا فرق بينها وبين النكاح الدائم إلاّ في بعض الخصوصيات والأحكام .

ص: 62


1- الكافي 5 : 215 / 6 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 61 / 264 ؛ وسائل الشيعة 18 : 103 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 ، الحديث 4 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 291 .
3- غاية الآمال ، المحقّق المامقاني 9 : 109 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني3 : 237 ؛ الخيارات (تقريرات المحقّق الحائري) الأراكي : 327 - 328 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 4 : 452 .
4- الكافي 5 : 452 / 7 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 258 / 1120 ؛ وسائل الشيعة 21 : 18 ، كتاب النكاح ، أبواب المتعة ، الباب 4 ، الحديث 2 .

ومن الواضح : أنّ ماهية النكاح ، تباين ماهية الإجارة عقلاً وعرفاً ، والمهر فيها - كالمهر في الدائم - ينافي الاُجرة عرفا وعقلاً ، ولهذا لا يقع النكاح مطلقاً بلفظ الإجارة ولا الإجارة بلفظ النكاح ، فالجمع بين كونها زواجاً ونكاحاً تترتّب عليها آثاره - مثل عدم جواز متعة اُختها ، أو اُمّها ، أو بنتها - وكونها إجارة كإجارة بيت وطاحونة ، ممّا لا يعقل .

فلا بدّ إمّا من حمل ما دلّت على أ نّها زواج ونكاح وزوجة - من النصوص(1) الكثيرة الموافقة للعرف ، وارتكاز أهل الحقّ - على غير معانيها أو حمل مثل قوله علیه السلام : «إنّهنّ مستأجرات» على التشبيه والمجاز ، والمتعيّن هو الثاني ، بل عليه شواهد كثيرة ، نذكر بعضها :

ففي بعض الروايات : عن عبيد بن زرارة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : قال : ذكرت له المتعة ، أهي من الأربع ؟

فقال : «تزوّج منهنّ ألفاً ، فإنّهنّ مستأجرات»(2) .

فهل يخطر ببال أحد من قوله علیه السلام : «تزوّج منهنّ» أ نّها ليست زواجاً ، بل استئجار ؟ !

ويظهر منه بأعلى ظهور ، أ نّها تزويج بمنزلة الاستئجار في بعض الخصوصيات ؛ لكونها ذات أمد ، وانقطاعها بمضيّة ، وعدم كونها محدودة بالكثرة والقلّة ، فيصحّ تزويج ألف منهنّ ، كما تصحّ إجارة ألف بيت .

ص: 63


1- راجع وسائل الشيعة 21 : 45 ، كتاب النكاح ، أبواب المتعة ، الباب 19 و24 و25 و26 .
2- تقدّم في الصفحة 62 .

كما يعلم منه بوضوح : أنّ كون المتعة تزويجاً لا إجارة ، مفروض ومسلّم بين السائل والمجيب وإنّما السؤال عن كونها من الأربع ، فقوله علیه السلام «إنّهنّ مستأجرات» مجاز بلا ريب وشبهة .

كما تشهد به رواية اُخرى قال علیه السلام فيها : «هنّ بمنزلة الإماء»(1) .

والتنزيل إنّما هو من جهة جواز التزويج بأكثر من أربع ، كما كان هو المقصود من مثل الرواية الاُولى .

وتشهد بذلك واضحاً ، صيرورة المتعة دائمة مع عدم ذكر المدّة ، كما في النصّ(2) والفتوى(3) .

وأمّا ما في روايات الباب : من ردّ نصف العشر مع كونها حبلى(4) ، فليس ذلك شاهداً على كونها مستأجرة ، بل شاهد على خلافه ؛ فإنّها لو كانت كذلك ، لا بدّ من تقويم اكتراء بضعها ، لا تعيين مقدار معيّن .

وهذا نظير ثبوت مهر المثل ، بالدخول بالحرّة في بعض الموارد ، بل ثبوت مهر المثل ، أقرب بالإجارة من ذلك .

ص: 64


1- الكافي 5 : 451 / 1 ؛ وسائل الشيعة 21 : 19 ، كتاب النكاح ، أبواب المتعة ، الباب 4 ، الحديث 6 .
2- راجع وسائل الشيعة 21 : 47 ، كتاب النكاح ، أبواب المتعة ، الباب 20 .
3- النهاية : 489 ؛ شرائع الإسلام 2 : 249 ؛ الحدائق الناضرة 24 : 138 ؛ جواهر الكلام 30 : 172 .
4- راجع وسائل الشيعة 18 : 105 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 5 ، الحديث 1 ، 3 ، 4 ، 8 و9 .

وتوهّم : دلالة الآية الكريمة على ذلك ، وهي قوله تعالى : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً)(1) حيث استدلّ الأئمّة علیهم السلام بها على تشريع المتعة ، فتدلّ على أ نّه استمتاع بالأجر ، وهو عين الإجارة .

في غاية السقوط ؛ لأنّ استدلالهم علیهم السلام إنّما هو بقوله : (اسْتَمْتَعْتُمْ) أي نكحتم متعة ، كما في غير واحد من الروايات : «استمتعتم إلى أجل مسمّى»(2) فالاستدلال بهذه الكلمة ، لا بكلمة (اُجُورَهُنَّ) .

واستعمال «الأجر» في المهر توسّع بالضرورة ؛ لمشابهته له في بعض الاُمور ، وقد ورد بلفظ «الأجر» في نساء النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، وهو قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ا للاّتِى آ تَيْتَ أُجُورَهُنَّ)(3) والمراد بها مهورهنّ ، كما هو واضح .

وقد ذكر المهر بلفظ (أُجُورَهُنَّ) في بعض الآيات الاُخر(4) ، ولم يستدلّ الأئمّة علیهم السلام بها ، فراجعها .

فما في قول أمير المؤمنين علیه السلام : «معاذ اللّه أن يجعل لها أجراً» مراده الأجر بمعناه المعهود في إجارة البيت والطاحونة ، وإلاّ فالأجر بمعناه المجازي لا إشكال فيه .

ص: 65


1- النساء (4) : 24 .
2- راجع وسائل الشيعة 21 : 5 ، كتاب النكاح ، أبواب المتعة ، الباب 1 ، الحديث 3 و13 و19 و20 ، و : 21 ، الباب 4 ، الحديث 14 .
3- الأحزاب (33) : 50 .
4- النساء (4) : 25 ؛ المائدة (5) : 5 .
في ردّ الجارية بالحبل ولو مع الوط ء

ثمّ إنّه لا إشكال ، في أنّ وط ء الجارية ، لا يمنع عن ردّها بعيب الحمل ، ويمنع عن ردّها بسائر العيوب ، ولا كلام فيه .

وإنّما الكلام والإشكال في الأخبار(1) الواردة فيها من جهتين ، نتعرّض لهما بوجه إجمالي ، وإن كان الصفح عن مثل هذه المسألة غير المبتلى بها أولى .

وهنا جهتان :
الجهة الاُولى : اختصاص الحبل بالحبل من غير مولى

إنّ المنقول عن المشهور ، استثناء هذا العيب(2) - أي الحمل - عن سائر العيوب ؛ وأ نّه تردّ الجارية به مع الوط ء ، وهو الظاهر من الروايات(3) .

والظاهر أنّ الحبل في الإماء عيب ، وإن لم يكن في الحيوان كذلك ، وقد ادّعي الإجماع عليه(4) ، وهو وإن لم يفد أمراً شرعياً ، لكن يظهر منه أنّ المرتكز في أذهان أهل العلم واللسان ، أنّه عيب .

ويظهر من ذلك : أنّ مورد كلام الفقهاء ، وما فهموا من الأخبار ، هو الحبل من غير المولى ، وخالف في ذلك بعض ، منهم الشيخ الأعظم قدّس سرّه ، فقال :

ص: 66


1- راجع وسائل الشيعة 18 : 105 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 5 .
2- شرائع الإسلام 2 : 30 ؛ الحدائق الناضرة 19 : 80 ؛ مفتاح الكرامة 14 : 431 ؛ جواهر الكلام 23 : 251 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 293 .
3- راجع وسائل الشيعة 18 : 105 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 5 .
4- مسالك الأفهام 3: 287 - 288؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 293 .

إنّ ظاهر الأخبار في بادئ النظر ، وإن كان ما ذكره المشهور ، إلاّ أنّ العمل على هذا الظهور ، يستلزم مخالفة الظاهر من وجوه . ثمّ عدّ وجوهاً ، عمدتها الوجه الأوّل في كلامه ؛ وهو لزوم مخالفة ظهورها في وجوب ردّ الجارية ، أو تقييد الحمل بكونه من غير المولى ، حتّى تكون الجملة الخبرية واردة في مقام دفع توهّم الحظر الناشئ من الأخبار المتقدّمة(1) .

وفيه ما لا يخفى ؛ لما أشرنا إليه فيما سبق(2) ، من أنّ تلك الجملة الواردة في كثير من الموارد - منها المقام ، ومنها المسألة السابقة(3) ، ومنها الردّ بأحداث السنة(4) ، ومنها ردّ المرأة المزوّجة بالعيوب المنصوصة(5) . . . إلى غير ذلك - كناية عن الخيار وعدمه ، وحقّ الفسخ وعدمه ، ولم تستعمل في شيء من الموارد في معناها الحقيقي ، ولا في الحكم التكليفي .

فمعنى «تردّ الجارية من أربع خصال : من الجنون . . .»(6)

إلى آخره ، ليس وجوب ردّها بالضرورة ، والجملة المذكورة في جميع الروايات في الأبواب المتفرّقة ، على نهج واحد بلا ريب .

ص: 67


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 296 .
2- تقدّم في الصفحة 57 - 58.
3- تقدّم في الصفحة 60 .
4- راجع وسائل الشيعة 18 : 98 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 2 .
5- راجع وسائل الشيعة 21 : 207 ، كتاب النكاح ، أبواب العيوب والتدليس ، الباب 1 ، و : 220 ، الباب 7 و8 .
6- الكافي 5 : 216 / 15 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 64 / 277 ؛ وسائل الشيعة 18 : 98 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 2 ، الحديث 1 .

فالحكم التكليفي وجوباً وحرمة ، أجنبيّ عن مفاد تلك الروايات ، كما أنّ القول : بوقوعها في مقام دفع توهّم الحظر ، أيضاً في غير محلّه .

والإنصاف : أنّ تلك الروايات سؤالاً وجواباً ، ناظرة إلى ثبوت الخيار وعدمه ، بعد الفراغ عن صحّة المعاملة ، فالصحّة مفروضة فيها ، وتظهر بوضوح من الأجوبة .

وقد جمع في بعض الروايات بين عدم ردّ التي ليست بحبلى وردّ الحبلى ، ممّا يظهر منه بوضوح أنّ الموضوع واحد ، وهو البيع الصحيح ، كرواية عبدالملك ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «لا تردّ التي ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها ، وله أرش العيب ، وتردّ الحبلى ، ويردّ معها نصف عشر قيمتها»(1) .

فهل ينقدح في ذهن أحد ، أنّ قوله علیه السلام : «لا تردّ» ورد في البيع الصحيح ، و«تردّ الحبلى» في البيع الفاسد ؟ ! أو أنّ المتفاهم هو بيان ثبوت الخيار وعدم ثبوته ، بعد الفراغ عن الصحّة .

بل المراد من قوله علیه السلام في ذيلها : «ويردّ معها نصف عشر قيمتها» هو ثبوت نصف العشر ، لا وجوب الأداء ، كما هو واضح للمتأمّل ، وأمّا سائر إشكالاته(2) ، فمدفوعة بأدنى تأمّل ، بل لعلّها غير مسلّمة عنده أيضاً .

ص: 68


1- الكافي 5 : 214 / 3 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 62 / 267 ؛ وسائل الشيعة 18 : 105 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 5 ، الحديث 3 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 296 - 297 .
الجهة الثانية : ردّ نصف العشر عند ردّ الحبلى

إنّ الوارد في الأخبار - من «العشر» في بعضها (1) ، و«نصفه» في آخر(2) ، و«شيء» في ثالث(3) ، و«يكسوها» في رابع(4) - يوهم الاختلاف فيها .

ولكنّ التحقيق : أنّ المستفاد منها هو نصف العشر، ولم يرد العشر إلاّ في رواية واحدة ، هي رواية عبدالملك مع أ نّها منقولة بلفظ آخر فيها : «نصف العشر»(5) .

والظاهر أنّ لفظ «نصف» سقط منها ، كما احتمله الشيخ قدّس سرّه (6) ، ولا أقلّ من وقوع الإجمال فيها بعد نقلها مختلفة ، مع وحدة الراوي والمرويّ عنه ، فتكون سائر الروايات المشتملة على «نصف العشر»(7) حجّة بلا معارض .

ص: 69


1- تهذيب الأحكام 7 : 62 / 268 ؛ وسائل الشيعة 18 : 107 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 5 ، الحديث 7 .
2- الكافي 5 : 214 / 2 و3 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 61 / 266 ؛ وسائل الشيعة 18 : 105 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 5 ، الحديث 1 ، 3 ، 8 و9 .
3- الكافي 5 : 215 / 8 ؛ الفقيه 3 : 139 / 608 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 62 / 269 ؛ وسائل الشيعة 18 : 106 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 5 ، الحديث 5 .
4- الكافي 5 : 215 / 9 ؛ الفقيه 3 : 139 / 610 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 62 / 270 ، الاستبصار 3 : 81 / 276 ؛ وسائل الشيعة 18 : 107 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 5 ، الحديث 6 .
5- الفقيه 3 : 139 / 609 .
6- تهذيب الأحكام 7 : 62 / 268، و : 63 / ذيل الحديث 272 ؛ الاستبصار 3 : 81 ، ذيل الحديث 274 .
7- تقدّم في الصفحة 68 .

وأمّا ما في رواية عبدالرحمان من قوله علیه السلام : «يردّ معها شيء»(1)

فهو في مقام الإهمال ، وإلاّ ف «الشيء» يصدق على حبّة خردل ، فلا يعوّل عليها .

وأمّا ما في رواية محمّد بن مسلم : في الرجل يشتري الحبلى ، فينكحها وهو لا يعلم .

قال : «يردّها ويكسوها»(2) .

فلا يبعد أن يكون إكساؤها ، محمولاً على الاستحباب ، زائداً على نصف العشر الذي يردّ إلى البائع .

ولو قيل : إنّ السكوت عن نصف العشر ، دليل على كفاية إكسائها .

يقال : إنّ السكوت لا يقاوم التصريح في غيرها ، وليس فيها أ نّه يردّ معها الكسوة ، حتّى يخالف سائر الروايات فتدبّر ، والأمر سهل بعد عدم العامل بها ظاهراً .

الرابع : حدوث عيب عند المشتري
اشارة

وهو أيضاً داخل في عنوان «تغيّر العين ، وعدم كونها قائمة بعينها» ممّا يصدق على أكثر العناوين .

وكيف كان : فالعيب الحادث بعد العقد ، إمّا حادث قبل القبض ، أو في زمان خيار يكون المبيع فيه مضموناً على البائع ، كخيار الشرط ، والحيوان ،

ص: 70


1- تقدّم تخريجه في الصفحة 69 ، الهامش 3.
2- تقدّم تخريجه في الصفحة 69 ، الهامش 4.

وخيار المجلس ، على احتمال ، دون سائر الخيارات ، على ما يأتي الكلام فيها في محلّها (1) .

أو بعد مضيّ زمان الخيار ، فلا بدّ من التعرّض لتلك الموارد ، على ما يناسب المقام :

حكم العيب الحادث بعد العقد وقبل القبض

أمّا الحادث قبل القبض ، فهل هو كالحادث قبل العقد ، تترتّب عليه أحكامه ؛ من ثبوت الخيار به ، والأرش ، وعدم كونه مانعاً عن الردّ بالعيب السابق ، أم لا مطلقاً . أو فيه تفصيل ؟

يمكن الاستدلال للأوّل بمرسلة جميل المتقدّمة ؛ بأن يقال : إنّ قوله : «الرجل يشتري الثوب أو المتاع ، فيجد فيه عيباً»(2) لا يختصّ باشترائهما ، بل هما مذكوران من باب المثال ، فيكون السؤال عن مطلق ما يشترى .

ولا ريب في أنّ المبيع في كثير من الموارد - على نحو يحتاج في تسليمه إلى مضيّ زمان غير يسير - يمكن أن تعرض عليه في تلك المدّة تغييرات أو تلف ، فبعد التسليم إذا وجد فيه عيباً ، يحتمل أن يكون العيب ممّا حدث قبل العقد ، أو بعده قبل القبض ، نعم يخرج منه بعد القبض .

ومع هذا الاحتمال ، وترك التفصيل في الرواية ، وصدق العنوان على الموردين ، يستكشف الإطلاق ، فكأ نّه قال : «إذا قبضت السلعة ووجدتها معيبة

ص: 71


1- يأتي في الصفحة 472 .
2- تقدّم في الصفحة 19 .

- سواء كان العيب قبل العقد ، أو بعده قبل القبض - فلك الخيار ، مع بقائها بعينها ، ولك الأرش مع تغيّرها» فالعيب الحادث قبل القبض ، كالعيب قبل العقد في جميع الآثار المتقدّمة .

ولا فرق فيما ذكر ، بين الدلالة على أنّ وجدانه معيباً كان بعد القبض ، كما هو المنسبق منه إلى الذهن ، أو لا ، ولا بين كون الوجدان مأخوذاً بنحو الطريقية كما هو كذلك ، أو لا ؛ فإنّ قوله : «اشترى فوجد أو علم أنّ فيه عيبا» غير قوله : «اشترى وفيه عيب» كما هو واضح .

فالإطلاق محكّم ، وترك الاستفصال دليل على ثبوته في الحالين ، وحيث لا يبعد أن يكون ما ذكر موافقاً لارتكاز العقلاء ، أو غير مخالف له - بل ضمان التلف قبل القبض ، لا يبعد أن يكون عقلائياً ، ولا أقلّ من عدم مخالفته لارتكازهم - لا تصحّ دعوى الانصراف إلى العيب الحادث قبل العقد .

ولعلّ إطلاق المرسلة كان دليلاً عند أصحابنا ، أو عند كثير ممّن قال بثبوت الخيار والأرش(1) ، وإلاّ فلا دليل عليهما بوجه ؛ فإنّ قاعدة «كلّ مبيع تلف قبل قبضه ، فهو من مال بائعه» - مضافاً إلى أ نّها لا تشمل رفع وصف الصحّة وعروض العيب - على فرض تسليم شمولها لتلف المبيع ، أو جزء منه ، أو وصف الصحّة ، فيها إشكال ثبوتي على بعض الاحتمالات ، وإشكال من جهة عدم صلاحيتها لإثبات المقصود مطلقاً :

ص: 72


1- النهاية : 395 ؛ مختلف الشيعة 5 : 209 ؛ جواهر الكلام 23 : 241 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 281 .

فإنّه يحتمل أن يراد من قوله : «من مال بائعه» على نحو الحقيقة ، فمع تلف الكلّ ، لا بدّ وأن يلتزم بفسخ العقد آناً ما قبل التلف ، حتّى يصحّ الكلام ، وفي تلف الجزء أيضاً يمكن التكلّف ؛ بأنّ العقد ينفسخ قبله بالنسبة إليه .

وأمّا في وصف الصحّة ، فلا يعقل إلاّ بالالتزام بفسخ العقد ؛ ليترتّب عليه ردّ الوصف تبعاً ، وتلفه من مال البائع ، ولم يلتزم أحد بذلك ، مع أ نّه منافٍ لما أراد الأصحاب . أو يقال : بأنّ الوصف منزّل منزلة ماله ، فتكون القاعدة بالنسبة إلى الكلّ والجزء استعملت على نحو الحقيقة ، وبالنسبة إلى الوصف على نحو التنزيل ، وهو غير ممكن في استعمال واحد ، حتّى على القول بجواز استعمال اللفظ في أكثر من معنىً ؛ فإنّ التنزيل اعتبار مترتّب على الواقع ، فيكون المعنيان طوليين .

وأمّا القول : بأنّ العقد لا يتمّ إلاّ بالقبض(1) ، فيصير ضمان التالف ، وثبوت الخيار بالعيب قبل القبض ، على القاعدة فهو مزيّف مخالف للنصّ والفتوى ، والقول به - لو صحّ النقل - نادر مردود على صاحبه .

وأمّا القول : بأنّ المراد من القاعدة ، تنزيل التالف منزلة ملك البائع ، فالنقص - سواء كان بالتلف ، أو بتلف الجزء ، أو الوصف - كأنّه وقع في ملكه ، فيستفاد من تلف الكلّ أو الجزء الضمان ، ومن تلف الوصف الخيار(2) .

ص: 73


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 119 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 4 : 474 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 119 ؛ اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني4 : 475 .

ففيه ما لا يخفى ؛ فإنّ تنزيل المبيع منزلة ملكه في حال تلفه ، لا يفيد شيئاً ، فلا بدّ من التنزيل حال وجوده ، فحينئذٍ إن كان التنزيل مطلقاً وفي جميع الآثار ، يلزم ما لا يلتزمه أحد .

وإن كان بنحو التقييد وفي بعض الآثار ؛ بأن يكون في التلف في خصوص الضمان ، وفي العيب في ثبوت الخيار ، فيلزم منه إرادة شيئين مختلفين متباينين من لفظ واحد بلا قرينة .

مع أنّ التنزيل منزلة ملكه لا يفيد إلاّ الضمان ، والتنزيل منزلة كون التلف قبل العقد ، لا يثبت وقوعه على المعيب أو التالف .

فلا بدّ من دعاوى كلّها باطلة ؛ دعوى : كون المراد ب «المبيع» الأعمّ منه ، ومن بعضه ، ومن وصفه .

ولمّا لا يفيد ذلك إلاّ الضمان ، تضمّ إليها دعوى : كون ذلك بمنزلة التلف والعيب قبل العقد .

ولمّا لا يفيد ذلك في المقصود ، تضمّ إليها دعوى : كون العقد بمنزلة الواقع على التالف والمعيب .

ولمّا كانت هذه الدعوى مستلزمة لما لا يقولون به - من البناء على بطلان العقد من رأس في التلف - تضمّ إليها دعوى التنزيل في بعض الآثار .

والإنصاف : أنّ تلك التكلّفات بعيدة عن مثل القائل ، وغير موافقة للواقع ، فلا داعي إلى التزامها .

ص: 74

وحدة الخيار عند تعدّد العيوب

ثمّ إنّه بعد ما عرفت من أنّ رواية جميل دالّة بإطلاقها على ثبوت الخيار والأرش(1) . يقع الكلام في أنّ العيب الموجب للخيار ، هل يوجب سلب الخيار الثابت بالعيب السابق ، فيكون الخيار ثابتاً باللاحق ، لا بالسابق ، بدعوى أنّ العين خرجت عن القيام بعينها (2) ؟

والتحقيق : أنّ ذلك لا يستفاد من المرسلة في خصوص العيب الحادث قبل القبض ؛ لأنّ مقتضى إطلاق السؤال ، وجدان العيب الذي كان قبل العقد أو القبض ، ومقتضى الجواب أنّ ذلك العيب مفروض في الموضوع ، وحكمه أنّ المعيب - سواء كان بعيب حادث قبل العقد ، أو بعده - إن كان قائماً بعينه حكمه كذا ، وإلاّ فحكمه كذا .

فما هو المأخوذ في الموضوع ، لا يعقل أن يدخل في الشرطية ، وهذا واضح .

مع أنّ سقوط الخيار السابق ، وثبوت الخيار الجديد ، كاللغو ، وهو المنشأ لعدم فهمه من الرواية ، وانصرافها عنه .

وهل يثبت هنا خياران ، أحدهما : بالعيب السابق على العقد ، وثانيهما : بالحادث قبل القبض؟ بأن يقال : إنّ العيوب المتعدّدة وإن لم توجب إلاّ خياراً واحداً ، وليس في كلّ عيب خيار ، إلاّ أنّ العيب السابق أو العيوب السابقة ، إذا

ص: 75


1- تقدّم في الصفحة 71 - 72 .
2- اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 126 ؛ هداية الطالب 4 : 444 .

صارت موجبة للخيار بمجرّد تحقّق العقد ، كانت العيوب اللاحقة المتجدّدة ، موجبة لخيار جديد .

وبعبارة اُخرى : إنّ العيوب إذا كانت في عرض واحد ، ورتبة واحدة ولو في التأثير ، لا تؤثّر إلاّ خياراً واحداً ، وأمّا إذا أثّر ما كان قبل العقد ، فوجد الخيار به ، ثمّ وجد السبب الآخر المتأخّر عنه رتبة ، فلا محالة يؤثّر أثراً جديداً .

هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب تعدّد الخيار ، ولو مع فرض كون السبب صرف الوجود .

لكنّه لا يفيد إلاّ تقريب التعدّد تصوّراً ، لا إثباته تصديقاً ودلالة ، ولا إشكال في أنّ الميزان في الدلالات فهم العرف والعقلاء ، ومن راجع مرسلة جميل سؤالاً وجواباً ، لا يشكّ في أ نّه لا يستفاد منها إلاّ الخيار الواحد في صورتي وحدة العيب وتعدّده مطلقاً ، سواء كان ثابتاً قبل العقد ، أم حادثاً بعده قبل القبض ، أم كان بعضها قبل العقد ، وبعضها حادثاً بعده قبل القبض ، كما سنشير إليه(1) .

ثمّ على فرض إثبات الخيارين بالمرسلة ، فهل يوجب العيب الحادث بعد العقد سقوط الخيار بالعيب السابق؟ بأن يقال : إنّ مقتضى إطلاقها ، أنّ التغيّر بعد العقد قبل القبض مسقط ، ولا يعقل أن يكون مسقطاً للخيار الآتي من قبله ؛ لأنّ العيب سبب لثبوته ، لا لسقوطه . وأمّا سقوط الخيار الناشئ من السبب السابق ، فلا مانع منه ، بل هو مقتضى دلالتها إطلاقاً ، غاية ما يمكن أن يقال : انصراف الدليل عن العيب الموجب للخيار .

ص: 76


1- يأتي في الصفحة 78 - 80 .

ولعلّ هذا مراد من قال : إنّ العيب مضمون على البائع ، فلا يوجب الإسقاط(1) ، وله وجه .

وأمّا ما أفاده المحقّق الخراساني قدّس سرّه : من عدم إمكان اقتضاء ما يقتضي الخيار لعدمه ، فلا بدّ من تقييد الإطلاق عقلاً .

ولو قيل : إنّ الممتنع اقتضاء عدم ما يقتضي وجوده ، والمقام ليس من هذا القبيل ؛ فإنّه يقتضي عدم ما لا يقتضي وجوده .

يقال : إنّ الخيار طبيعة واحدة ، فلا بدّ وأن يكون مقتضاه واحداً ؛ بدليل عدم تأثير الكثير في الواحد(2) .

ففيه ما لا يخفى من خلط التكوين بالاعتبار ، أو خلط موضوعية شيء للحكم بالتأثير العلّي ، فأيّ جامع بين سبب خيار الحيوان والعيب ، وسائر الخيارات ؟ ! فلو صحّ ما ذكره ، فلا بدّ من امتناع سقوط خيار العيب ، بالعيب الحاصل بعد القبض ؛ ضرورة وحدة الحقيقة .

ولو قيل : إنّ الاختلاف في التأثير بواسطة اختلاف الإضافة ، يأتي ذلك بعينه في المقام .

مع أ نّه لو كان العيب مقتضياً للخيار واقعاً ، كان اللازم ثبوته بلا جعل ، إلاّ أن يقال : إنّ الجعل كاشف عن ثبوته ، وهو كما ترى .

وإن كان مقتضياً للجعل ، فمع لزوم كونه مؤثّراً في نفس الجاعل إن كان علّة تامّة ، لازمه جعله فيما إذا حصل العيب بيد المشتري وفي يده .

ص: 77


1- جواهر الكلام 23 : 241 ؛ اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 126 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الخراساني : 217 .

والأولى تنزيه الفقه من الدقائق الفلسفية ، بل ومن الدقائق الاُصولية أيضاً ؛ فإنّهما يضرّان بفهم الأخبار واعتبارات العقلاء ، وهما ملاك الفقه والفقاهة .

الإشكال على ثبوت خيار الفسخ والأرش بالعيوب المتعدّدة

ثمّ إنّه قد يختلج بالبال ، الإشكال على ثبوت خيار الفسخ والأرش ، على مبنى من يقول : بأنّ العيب سبب لحقّ واحد قائم بالعقد أو الأرش(1) ، بل على ما ذهبنا إليه ؛ من ثبوت حقّين متعلّقين ، أحدهما بالعقد ، والآخر بالأرش ، وأنّ التخيير إنّما هو في مقام الاستيفاء(2) .

وهو أ نّه يحتمل بحسب الثبوت ، أن يكون السبب صرف وجود العيب ، أو وجوده الساري ، أو طبيعيه .

فعلى الأوّل : يلزم ثبوت خيار واحد وأرش واحد بصرف وجود العيب ، وإن كان متكثّراً مترتّباً ، وعلى الأخيرين : تلزم كثرة الخيار والأرش بكثرة العيب .

فيشكل الأمر على القائل بكون الحقّ واحداً ؛ بأنّ سببه لا يعقل أن يكون متكثّراً ، فإن كان صرف الوجود ، يشكل إثبات الأرش بالعيوب المتعدّدة ، إذا حصل بعضها حال العقد ، وبعضها بعده قبل القبض مترتّباً .

وإن قلنا : باعتبار صرفين بالنسبة إلى الحالين ، يشكل الأمر في العيوب

ص: 78


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 99 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 : 232 و249 .
2- تقدّم في الصفحة 25 .

المترتّبة بعد العقد؛ لأنّ الصرف لا يتكرّر، والسبب الواحد موجب لمسبّب واحد.

وعلى الأخيرين : لا إشكال في ثبوت الأرش بالعيوب ، ويشكل من جهة ثبوت الخيار بكلّ عيب ، ولم يلتزم أحد به .

نعم ، على ما ذهبنا إليه لا إشكال ثبوتاً في وحدة الخيار ، وتكثّر الأرش عند كثرة العيوب ؛ لأنّ الحقّ المتعدّد له سبب كذلك ، فيمكن أن يكون في جانب الخيار صرف الوجود ، وفي الأرش الوجود الساري ، أو نفس الطبيعة المتكثرة بتكثّر الأفراد .

لكن يشكل في مقام الإثبات ؛ من أجل لزوم التفكيك في مثل مرسلة جميل الدالّة على المقصود على ما مرّ(1) .

مع أنّ الظاهر منها : أنّ ما اُخذ في موضوع الخيار ، هو المأخوذ في الأرش ، والظاهر منها أنّ المأخوذ هو الطبيعة القابلة للتكثّر ؛ فإنّ التنوين في قوله : «فيجد فيه عيباً» هو للتمكّن ، لا للتنكير ، فكأ نّه قال : «فوجد فيه العيب» فدلّت على أنّ

السبب ما ذكر .

ويمكن دفع الإشكال على مذهبنا ؛ بأنّ خيار العيب وكذا ثبوت الأرش عقلائي ، وإن كان بعض أحكامهما تعبّدياً ، وما ورد من الأخبار ليس لإثبات أصل الخيار ، بل لبيان جهات اُخر ، ككون العين قائمة بعينها وعدمه ، وكإحداث الحدث وعدمه .

فأصل الخيار موكول إلى العرف والعقلاء ، ولا إشكال في أنّ حكمهم في حقّ

ص: 79


1- تقدّم في الصفحة 71 - 72 .

خيار الفسخ ، هو أ نّه واحد ولو مع كثرة العيب ، وفي الأرش جميع مراتبه ، وفي كلّ عيب .

ولا ينافي ذلك ما ذكرنا : من إطلاق المرسلة بالنسبة إلى العيب الحادث بعد العقد(1) ؛ لأنّ الإطلاق من الجهة التي تعرّضت لها ، كافٍ لإثبات المدّعى ، فتدبّر جيّداً .

ولو قلنا : إنّها بصدد بيان أصل الخيار ، فيمكن أن يقال : إنّ ارتكاز العرف على أنّ الخيارات المتعدّدة للعيوب كذلك يعدّ لغوا ، وإسقاط أحدها وبقاء غيره ، لا يعدّ الأثر العقلائي قرينة على التفكيك من غير ورود إشكال ؛ لأنّ منشأه عدم قابلية الخيار للتعدّد ، فلا توجب الأسباب المتعدّدة تعدّده ، بخلاف الأرش .

ولا يتوهّم : أنّ الأرش معنىً واحد ؛ فإنّ الوحدة عنوانية ، وهي لا تنافي التعدّد خارجا ، مع أنّ ما ذكر مؤيّد بفتوى الأصحاب قديماً وحديثاً ، هذا كلّه في العيب الحادث قبل القبض .

حكم العيب الحادث في زمان الخيار

وأمّا الحادث في زمان الخيار المضمون على البائع ، فيقع الكلام أيضاً في ثبوت الخيار به ، وفي كونه مستقلاًّ ، فيتعدّد الخيار فيما إذا كان عيب قبل العقد ، وحدث عيب بعد القبض في زمان الخيار ، وفي أنّ العيب في زمان الخيار ، مسقط للخيار بالعيب السابق .

فنقول : إنّ مبنى هذا الفرع مختلف مع الفرع المتقدّم ، وإن كانا مشتركين

ص: 80


1- تقدّم في الصفحة 71 - 72 .

في كثير من المطالب المتقدّمة إيراداً ودفعاً .

وأمّا المبنى فيه ، فهو الروايات الخاصّة ، التي عمدتها صحيحة عبداللّه بن سنان قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل ، يشتري الدابّة أو العبد ، ويشترط إلى يوم أو يومين ، فيموت العبد أو الدابّة ، أو يحدث فيه حدث ، على من ضمان ذلك ؟ فقال علیه السلام : «على البائع حتّى ينقضي الشرط ثلاثة أيّام ، ويصير المبيع للمشتري»(1) .

وفي مرسلة الصدوق قريب منها ، إلاّ أ نّه قال : «لا ضمان على المبتاع حتّى ينقضي الشرط ، ويصير المبيع له»(2) .

وأمّا سائر الروايات(3) فهي - مع ضعفها سنداً - متعرّضة للتلف ، حتّى مرسلة ابن رباط(4) على أظهر الاحتمالين .

والمحتمل في الصحيحة اُمور :

ص: 81


1- الكافي 5 : 169 / 3 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 24 / 103 ؛ وسائل الشيعة 18 : 14 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 5 ، الحديث 2 .
2- الفقيه 3 : 126 / 551 ؛ وسائل الشيعة 18 : 14 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 5 ، ذيل الحديث 2 .
3- كرواية عبداللّه بن الحسن بن زيد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمّد عليهم السلامقال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم في رجل اشترى عبدا بشرط ثلاثة أيّام فمات العبد في الشرط ، قال : يستحلف باللّه ما رضيه ثمّ هو بريء من الضمان» . تهذيب الأحكام 7 : 80 / 343 ؛ وسائل الشيعة 18 : 15 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 5 ، الحديث 4 .
4- الفقيه 3 : 127 / 555 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 67 / 288 ؛ وسائل الشيعة 18 : 15 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 5 ، الحديث 5 .

منها : أن يكون المراد ب «الضمان» هو المعاوضي ، والمراد ب «صيرورة المبيع للمشتري» عدم تمامية المعاملة إلاّ بعد مضيّ الخيار ؛ أخذاً بظاهر اللفظ .

ويؤيّده مرسلة الصدوق النافية للضمان عن المبتاع ، وكذا سائر الروايات المشتملة عليه ؛ لقرب احتمال كون المراد ب «ضمانه» هو المعاملي ؛ أي الثمن . ويؤيّد هذا التأييد رواية عقبة بن خالد ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في التلف قبل القبض ، حيث قال : «سرقة المتاع من مال صاحبه حتّى يقبضه ، ويخرجه من بيته ، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقّه حتّى يردّ ماله إليه»(1) .

وعلى هذا الاحتمال ، يثبت الضمان والخيار ؛ لأنّ العيب في زمن الخيار حادث قبل تمام البيع ، كما لو حدث بين الإيجاب والقبول ، أو في الفضولي قبل الإجازة ، ولا شبهة في ثبوت الخيار بهذا العيب .

لكنّ الأخذ بهذا الظهور ، مخالف لما عليه الأصحاب(2)

إلاّ نادراً (3) ، وللسيرة العقلائية ، بل للنصوص(4) ، فلا بدّ من رفع اليد عنه .

ص: 82


1- ا لكافي 5 : 171 / 12 ؛ تهذيب ا لأحكام 7 : 21 / 89 ، و : 230 / 1003 ؛ وسائل الشيعة 18 : 23 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 10 ، الحديث 1 .
2- تذكرة الفقهاء 11 : 155 ؛ إيضاح الفوائد 1 : 488 ؛ جامع المقاصد 4 : 308 ؛ جواهر الكلام 23 : 78 .
3- الخلاف 3 : 22 ؛ الجامع للشرائع : 248 ؛ اُنظر جواهر الكلام 23 : 78 .
4- كرواية غياث بن إبراهيم ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليه السلام قال : قال علي عليه السلام : «إذا صفق الرجل على البيع فقد وجب وإن لم يفترقا» ، وغيرها . راجع وسائل الشيعة 18 : 7 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 1 ، الحديث 7 ، و : 19 ، الباب 8 ، الحديث 1 و3 ، و : 41 ، أبواب أحكام العقود ، الباب 5 ، الحديث 3 .

ومنها : أن يكون المراد ب «الضمان» نظير ضمان اليد تعبّداً ؛ بأن يكون المبيع في ضمان البائع في زمان الخيار ، ويكون تلفه من كيسه ، لا من كيس المشتري صاحب السلعة .

ويؤيّده قوله علیه السلام : «على البائع» إذ فرق بينه وبين قوله : «من ماله» فيراد بقوله علیه السلام : «حتّى يصير المبيع للمشتري» استقراره في ملكه بانقضاء زمن الخيار ، وعليه فلا يثبت بها الخيار .

ومنها : احتمال انحلال العقد بحدوث التلف والعيب ، والضمان ضمان المعاوضة ، فلا يثبت به أيضاً .

ومنها : أن يكون المراد ب «صيرورة المبيع له» المعنى الكنائي ، وهو التنزيل منزلة وقوع التلف أو العيب قبل العقد ، وهذه الاحتمالات بعيدة ، أو غير مثبتة لما يراد .

وهنا احتمال آخر ، أقرب بظاهر اللفظ والمعنى الحقيقي بعد تعذّره ؛ وهو أنّ المستفاد من قوله علیه السلام : «حتّى يصير المبيع له» أ نّه قبل المضيّ لم يصر له ، فمع تعذّر الحقيقة ، يحمل على التنزيل منزلة عدم كونه ملكاً ، مع فرض وقوع العقد عليه وتحقّق البيع ، فنزّل النقص منزلة الحاصل قبل تمام البيع ، كالحاصل بين العقد والإجازة في الفضولي ، فيثبت به الضمان لو تلف ، والخيار لو عيب .

ولعلّ هذا الاحتمال كان مبنى القول بثبوت الخيار نحو ثبوته للعيب قبل العقد ، فيكون مخيّراً بين الردّ والأرش(1) .

ص: 83


1- الروضة البهيّة 2 : 496 ؛ جواهر الكلام 23 : 297 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 301 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 121 .

ولو قيل : هنا احتمال آخر لعلّه أقرب إلى ظاهر الصحيحة ؛ وهو التنزيل منزلة عدم ملكه في الضمان ، لا في غيره ؛ فإنّه موافق لقوله علیه السلام : «على البائع» وللتنزيل المذكور على فرض كونه أقرب إلى الحقيقة ، فتكون النتيجة ثبوت الضمان في العيب ، نظير ضمان اليد .

يقال : هذا الاحتمال أيضاً بعيد ؛ لأنّ التنزيل بلحاظ خصوص الضمان ، يرجع إلى أن يقال : إنّ البائع عليه الضمان ؛ لأنّ المبيع منزّل منزلة عدم ملكه في الضمان ، وهو - كما ترى - تعبير مزيّف مستهجن .

بخلاف أن يقال : إنّه بمنزلة عدم ملكه ، خرجت منه سائر الآثار ، وبقي الضمان المعاوضي والخيار .

ويؤيّده ما أشرنا إليه آنفاً (1) ؛ من ظهور ما ورد فيها ضمان المشتري في أ نّه ضمان معاوضي ، ومرسلة ابن رباط حيث قال : «إن حدث بالحيوان حدث فهو من مال البائع»(2) بعد الجزم بأنّ الحكم فيها موافق للصحيحة ، وعدم إمكان الالتزام بانحلال العقد بالعيب .

ولعلّ هذا الحكم مناسب للسؤال والجواب ، ولعلّ نظر السائلين إلى احتمال عدم تمامية الملك أو العقد ، والمسألة بعدُ لا تخلو من إشكال .

ثمّ على فرض ثبوت الخيار به ، فالظاهر على الاحتمال المذكور ، ثبوت خيار واحد بالعيوب الموجودة حال العقد ، والحادثة قبل مضيّ الخيار ؛ لأ نّه مقتضى التنزيل المذكور .

ص: 84


1- تقدّم في الصفحة 82 .
2- تقدّم تخريجها في الصفحة 81 ، الهامش 4 .

وأمّا عدم سقوط الخيار بالعيب السابق بهذا العيب ، فلا ينبغي الإشكال فيه على فرض ثبوت الخيار به ، ووحدته ؛ لما أشرنا إليه في الفرع السابق(1) ،

بل الظاهر كذلك على جميع المباني ؛ لانصراف مرسلة جميل عن ذلك ، كما يظهر بالتأمّل .

حكم العيب الحادث بعد القبض ومضيّ الخيار

وأمّا العيب الحادث بعد القبض ومضيّ الخيار ، فلا ينبغي الإشكال في أ نّه مانع عن الردّ بالعيب السابق ، لا لكون العيب بما هو مانعاً وموضوعاً للحكم ؛ ضرورة أ نّه بعنوانه لم يرد في رواية حتّى يبحث عن حدوده وعنوانه ، بل لأ نّه موجب لخروج المبيع عن كونه قائماً بنفسه .

فما ينبغي أن يكون مورد البحث ، هو مقدار دلالة رواية زرارة ومرسلة جميل(2) ، وأمّا سائر الوجوه المحكيّة(3) ، فلا صحّة لها .

وقد أشرنا سابقاً : إلى مفاد الروايتين ، وقلنا : إنّ إحداث شيء في المبيع يشمل التغييرات مطلقاً ، من غير فرق بين الحسّية وغيرها (4) ، فلو صاح به فذهب حفظه ، أو نسي الصنعة ، فقد أحدث فيه شيئاً .

ص: 85


1- تقدّم في الصفحة 76 - 77 .
2- تقدّمتا في الصفحة 46 - 47 .
3- تذكرة الفقهاء 11 : 125 ؛ مفتاح الكرامة 14 : 409 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 304 - 305 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 4 : 483 - 487 .
4- تقدّم في الصفحة 49 - 51 .

وكذا الحال في التصرّفات الناقلة ، كالبيع ، والوقف ، ونحوهما ، ومن غير فرق بين ما يوجب الأرش وغيره ، ومن غير فرق بين أن يصدق عليه «العيب» أو لا .

بل مع حدوث شيء منها ، يصدق «أنّ المبيع ليس قائماً بعينه» فإنّ معناه العرفي أ نّه ليس على الحال التي كان عليها وقت العقد ، فخرجت منه التصرّفات التي لا توجب تغييراً حسّياً أو غير حسّي ، ولا اعتبارياً كالركوب ، والتعليف ، والسقي ، ونحوها ، ولا إشكال في خروج التغيير بالصفات الكمالية كتعلّم الصنعة والسمن ؛ فيما يراد منه ذلك .

والظاهر خروج تنزّل القيمة السوقية منه ؛ لأ نّها اعتبار خارج عن الشيء ، وليست مثل النقل الذي هو صفة اعتبارية ، فإذا قيل : «إنّ الدابّة قيمتها كذا» أو «مقوّمة بكذا» لا يراد منه أنّ القيمة صفتها ، بل يراد منه أ نّها مع تلك الصفات مثلاً

تشترى بكذا ، وتجعل تلك القيمة لها ، فالقيمة اعتبار خارج عن الشيء ، بخلاف النقل ومثله .

حكم زوال العيب الحادث

ثمّ إنّه قد وقع الكلام بين الأعلام في سقوط الخيار(1)

وعدمه(2)

مع زوال العيب والتغيّر .

ص: 86


1- تذكرة الفقهاء 11 : 128 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 306 - 307 .
2- تحرير الأحكام 2 : 370 ؛ بغية الطالب ، المحقّق الإشكوري 1 : 340 / السطر34 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 131 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 4 : 487 .

والتحقيق : أنّ مقتضى روايتي زرارة وجميل هو سقوطه بمجرّد التغيّر وحدوث العيب ، وعدم رجوعه بزواله :

أمّا رواية زرارة ؛ فلأنّ ظاهرها الذي لا ينبغي الريب فيه ، أنّ إحداث شيء في المبيع ، يوجب مضيّ البيع عليه ونفوذه ، وليس ذلك إلاّ سقوط خياره ، و«المضيّ عليه» عبارة اُخرى عن لزومه ، كما عبّر به في بعض الروايات المتقدّمة الواردة في وط ء الجارية(1) ، وأنّ قوله علیه السلام : «يردّ عليه بقدر ما نقص . . .»(2) إلى آخره ، كناية عن تعيّن الأرش عليه .

فالقول : بعدم سقوط الخيار ساقط ، كما أنّ الظاهر ترتّب اللزوم على إحداث الشيء ، فبمجرّده يمضي عليه البيع ، ويتعيّن الأرش ، ومقتضى إطلاق «المضيّ» وكذا «ثبوت الأرش» هو عدم الفرق بين زواله وبقائه .

وأمّا المرسلة ، فلا شبهة في أنّ مفادها ، لا يخالف مفاد الرواية ، بل هي أيضاً ظاهرة فيما هو ظاهرها ؛ فإنّ قوله علیه السلام : «إن كان قائماً بعينه ردّه على صاحبه ، وأخذ الثمن» كناية عن حقّ الفسخ وبقاء الخيار ، كما مرّ مراراً (3) ، وليس للردّ موضوعية أصلاً .

وفي مقابله ما لا يكون قائماً بعينه، فإنّه يوجب سقوط الخيار، والرجوع بنقصان العيب ؛ أي تعيّن حقّ الأرش ، ففيها تعرّض للثبوت والسقوط ، والبقاء وعدمه.

ويظهر منها : أنّ التغيّر بمجرّده سبب له ، ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين

ص: 87


1- تقدّم في الصفحة 57 ، الهامش 1 و2 .
2- تقدّم في الصفحة 47 .
3- تقدّم في الصفحة 57 - 58 و67 .

زوال التغيّر وعدمه ، بل الظاهر منها أنّ عدم القيام بعينه ، غاية للخيار الشخصي الثابت للمشتري ، وهي متعرّضة لبقاء الخيار الشخصي ببقاء القيام بعينه ، ولغايته وهو التغيّر ، نظير عدم التفرّق ومقابله في خيار المجلس .

وبعبارة اُخرى : الخيار حقّ قائم بالعقد ، وسببه هو العيب ، وغايته التغيّر ، والخيار الشخصي ساقط به ، ومقتضى الإطلاق المشار إليه ، عدم رجوعه ، وعدم ثبوت شخص آخر بزوال العيب .

ومن ذلك يظهر النظر فيما في كلمات المحقّقين :

من دعوى عدم سقوطه بالطارئ ، بل غاية الأمر عدم إمكان الردّ في تلك العين(1) ، وذلك لأنّ مثلها ناشئة عن توهّم كون «الردّ» بعنوانه مراداً في الرواية ، وهو باطل .

ومن أنّ الردّ(2) مقتضٍ ، والطارئ مانع ما دام موجوداً (3) .

ومن صدق كونه «قائماً بعينه»(4) .

ومن أنّ الخيار لمراعاة البائع ، ولا فرق بين عدم العيب رأساً وزواله(5) .

ص: 88


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 131 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 4 : 487 .
2- الصحيح «العيب السابق» بدل «الردّ» كما في المصدر .
3- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 131 .
4- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 131 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 : 245 .
5- بغية الطالب ، المحقّق الإشكوري 1 : 340 / السطر33 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الخراساني : 218 .

ومن أنّ الظاهر من الخبر ، اعتبار القيام وعدمه حين إرادة الردّ(1) ، فإنّ وهن تلك الدعاوى يظهر من التأمّل فيما ذكرناه .

ثمّ إنّه على فرض الشكّ ؛ لأجل الشكّ في مفاد الروايتين ، فالمرجع إطلاق )أَوْفُوا بِالْعُقُودِ((2) أو استصحاب الخيار .

وأمّا ما قيل : من أ نّه مع الشكّ ، فالمتيقّن من تقييد إطلاقات أدلّة الخيار ، هو العيب الباقي إلى حال الردّ(3) .

ففيه ما لا يخفى ؛ فإنّه إن كان المراد من الروايات ، روايتي جميل وزرارة ، فلا يمكن التمسّك بإطلاقهما مع إجمال القيد المتّصل ، مع أنّ في كونهما بصدد جعل أصل الخيار كلاماً .

وإن كان المراد غيرهما فلا أصل له ؛ لأ نّه لا يوجد دليل له إطلاق في خيار العيب ؛ فإنّ ما وردت فيه إنّما وردت في موارد جزئية ، وبصدد بيان حكم آخر ؛ ككون عدم الحيض ستّة أشهر عيباً (4) .

وإن كان نظره إلى الروايات الواردة في أحداث السنة(5) ، فهي دليل

ص: 89


1- بغية الطالب ، المحقّق الإشكوري 1 : 340 / السطر 31 - 34 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الخراساني : 218 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 131 .
2- المائدة (5) : 1 .
3- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 4 : 487 .
4- الكافي 5 : 213 / 1 ؛ الفقيه 3 : 285 / 1357 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 65 / 281 ؛ وسائل الشيعة 18 : 101 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 3 ، الحديث 1 .
5- الكافي 5 : 217 / 17 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 63 / 273 و274 ؛ وسائل الشيعة 18 : 98 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 2 .

على مسألة اُخرى غير ما نحن بصدده ، وإن كان المنظور دليل نفي الضرر ، فهو أفحش .

سقوط الخيار ولو مع رضا البائع بردّ المعيب

وممّا ذكرناه يظهر : أ نّه لو رضي البائع بردّ المعيوب بالعيب الحادث عند المشتري ، مع الجبر بالأرش ، أو بدونه ، ليس له الردّ بالخيار ؛ لأ نّه سقط بمجرّد حدوث العيب وتحقّق التغيّر ، ولا مانع منه إقالة أو صلحاً .

وتوهّم : أنّ سقوط الخيار مراعى بعدم تعقّب العيب بالرضا ، أو أنّ رضاه سبب لحدوث الخيار(1) ساقط مقطوع الخلاف ، ومخالف لظهور الروايتين .

ثمّ لو بنينا على بقاء الخيار ، وأنّ حدوث العيب مانع عن الردّ :

فقد يقال : إنّ المنع لمّا كان لرعاية البائع ، فمع رضاه يرتفع المانع ، ويؤثّر المقتضي(2) .

أو إنّ عدم الجواز لحقّ البائع ، وإلاّ فمقتضى قاعدة خيار الفسخ عدم سقوطه بحدوث العيب ، فإذا رضي سقط حقّه(3) .

ويدفع الأوّل إطلاق الروايتين مع الغضّ عمّا سبق والبناء على أخذ عنوان الردّ ؛ فإنّ مقتضى قوله علیه السلام : «إذا أحدث فيه شيئاً يمضي عليه البيع ، ويردّ عليه بقدر ما نقص» أنّ العيب مانع مطلقاً ، وخرج الاختيار عن يد المشتري لذلك

ص: 90


1- اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 : 246 .
2- بغية الطالب ، المحقّق الإشكوري 1 : 340 / السطر36 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 307 .

مطلقاً ، وتعيّن الأرش ، وكذا الحال في المرسلة .

ودعوى : الانصراف عمّا إذا رضي البائع(1) عهدتها على المدّعي ؛ إذ كون الحكم لمراعاة حال البائع ، لا يوجب الانصراف لدى العرف بعرض الرواية عليهم ، ولا تقييد الدليل ؛ لأ نّه نكتة التشريع ، لا علّة الحكم .

وأمّا ما قيل في بيان الإطلاق : من أنّ منطوق قوله علیه السلام : «إن كان الشيء قائماً بعينه ردّه على صاحبه» لا معنى لتقييده برضا البائع ، بل هو مطلق ومفهومه تابع له ، كما في كلّ مفهوم ومنطوق ؛ فإنّهما متوافقان في العموم والخصوص(2) .

فغير وجيه ؛ لمنع لزوم موافقتهما إطلاقاً وتقييداً ، وعموماً وخصوصاً ، كما أنّ في قوله علیه السلام : «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء»(3) عموماً أو إطلاقاً ، بخلاف مفهومه ؛ فإنّه لنفي العموم على ما حقّق في محلّه(4) .

وفي المقام : لمّا كان المنطوق لرعاية حال المشتري ، والمفهوم لمراعاة حال البائع ، يمكن التفرقة بينهما بالإطلاق في الأوّل ، والانصراف أو التقييد في الثاني .

وأمّا الوجه الآخر للمدّعى ؛ وهو ثبوت حقّ للبائع ، كما هو ظاهر الشيخ الأعظم قدّس سرّه (5) فلا دليل عليه ؛ فإنّ الظاهر من الروايتين ، ليس إلاّ ممنوعيته عن

ص: 91


1- اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 131 ؛ الخيارات (تقريرات المحقّق الحائري) الأراكي : 345 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 4 : 488 .
3- الكافي 3 : 2 / 2 ؛ الفقيه 1 : 8 / 12 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 39 / 107 ، و : 226 / 651 ؛ وسائل الشيعة 1 : 158 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 9 ، الحديث 1 .
4- مناهج الوصول 2 : 185 - 188.
5- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 307 .

الردّ ، وتعيّن الأرش ، دون ثبوت حقّ للطرف .

وأمّا ما قيل : من أنّ المطلقات دلّت على حقّ الردّ ، سواء تغيّر المردود أم لا ، والمرسلة ضيّقت دائرة الحقّ ، لا أ نّها متكفّلة لإثبات الحقّ(1) .

ففيه : أ نّا قد أشرنا إلى أ نّه ليس في الباب مطلقات(2) ، حتّى تكون المرسلة مقيّدة لها .

نعم ، عدم تكفّل المرسلة لإثبات الحقّ ، وجيه لا ريب فيه .

تبعّض الصفقة على البائع مانع عن ردّ المعيب
خيار تبعّض الصفقة

ثمّ إنّه قد عدّ من العيب المانع عن الردّ بالعيب القديم ، تبعّض الصفقة على البائع .

قالوا: لو ابتاع شيئين صفقة واحدة ، ووجد بأحدهما عيباً سابقاً ، تخيّر في ردّ الجميع ، أو أخذ الأرش ، وليس له تخصيص الردّ بالمعيب ؛ لإجماع الفرقة وأخبارهم ، كما عن «الخلاف» وإجماع الطائفة كما عن «الغنية»(3) .

وقد وسّع الشيخ الأعظم قدّس سرّه نطاق البحث ، فقال : كما إذا اشترى شيئاً واحداً ،

ص: 92


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 4 : 488 .
2- تقدّم في الصفحة 89 .
3- الخلاف 3 : 110 ؛ غنية النزوع 1 : 223 ؛ مفتاح الكرامة 14 : 417 ؛ جواهر الكلام 23 : 248 .

أو شيئين بثمن واحد ، من بائع واحد ، فظهر بعضه معيباً ، أو ظهر بعض الثمن معيباً (1) ، ثمّ تصدّى للاستدلال عليه بما لا يخلو من إشكال .

والذي ينبغي أن يقال بعد خروج صورتين من البحث ، اُولاهما : ما إذا باع المشتري نصفه ، وأراد دفع نصفه الآخر ؛ فإنّ خياره ساقط - بلا إشكال - بمجرّد إحداث البيع .

ثانيتهما : ما إذا انحلّ البيع عرفاً إلى بيعين أو بيوع كثيرة ، كما لو باع كلّ نصف بثمن خاصّ ، أو كلّ ثوب كذلك ، فإنّ لكلّ بيع حكمه .

إنّ مبنى المسألة ، هو أنّ العقد الواقع على شيء واحد حقيقي كالعبد والحيوان ، أو اعتباري كباب ذي مصراعين ، وكالخفّين ، وكالثوبين المجتمعين في البيع ، مع وحدة الثمن والبائع والمشتري ، هل ينحلّ إلى عقود كثيرة حسب الكسر المشاع ، كالنصف والثلث ، وحسب الأبعاض الفرضية ، كهذا الجزء وذاك ، وفي الواحد الاعتباري ينحلّ إلى عقد بالنسبة إلى مصراع ، وآخر بالنسبة إلى آخر ؟

أو يكون العقد والمعقود عليه - ثمناً ومثمناً - واحداً غير منحلّ ، والأجزاء الخارجية للواحد الاعتباري - كالأجزاء المفروضة في الحقيقي - لم يقع عليها عقد ؟

فعلى الأوّل : يجوز الردّ ، وفسخ العقد المتعلّق به ، وليس للبائع خيار التبعّض ، كما لا يكون في بيوع كثيرة ، من غير فرق بين خيار العيب وغيره ، فلو كان له

ص: 93


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 308 .

خيار الغبن ، يجوز له الفسخ في النصف مشاعاً ومفروزاً .

وعلى الثاني : - الذي هو الصحيح ، وهو الموافق للعرف والعقل والشرع ، ولا محيص عنه - لا يصحّ ردّ البعض ، من غير فرق بين القول : بأنّ الخيار حقّ قائم بالعقد(1) ، كما هو التحقيق حتّى في خيار العيب ، أو بالعين(2) ؛ فإنّ معنى تعلّقه بها ليس جواز ردّها مع حفظ العقد ، فإنّه غير معقول ، إلاّ أن يراد ب «الردّ» الردّ الخارجي ، وهو كما ترى ، أو الردّ بمعاملة مستقلّة ، وهو خارج عن البحث .

فالردّ الاعتباري بحيث يرجع العوضان إلى محلّهما ، لا يعقل إلاّ بفسخ العقد ، والمفروض أنّ العقد واحد ، وكذا الثمن والمثمن ، وليس في اعتبار الوحدة والواحد الاعتباري ، كثرة في ذلك الاعتبار جزماً ، فبعض الثمن ليس ثمناً ، وبعض المبيع ليس بمبيع ، ولا خيار إلاّ خيار واحد ، له فسخ واحد ، فعدم جواز الردّ لفقد المقتضي ، لا للمانع .

وما يقال : من أنّ العقد واحد ، ولأجله يكون تبعّض الصفقة ، ولانحلاله لبّاً يصحّ الفسخ في الأبعاض(3) فاسد ؛ فإنّ الميزان هو وحدة البيع حقيقة ثمناً ومثمناً ، لا وحدة اللفظ والإنشاء ، وإلاّ لزم القول : بخيار التبعّض ، إذا باع أشياء بأثمان مختلفة ، بإنشاء واحد .

ويتلوه في الضعف ما قيل : من أنّ خيار التبعّض ثابت حتّى مع تعدّد الثمن

ص: 94


1- تقدّم في الصفحة 23 ، الهامش1 .
2- تقدّم في الصفحة 23 ، الهامش2 .
3- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 4 : 494 .

والمثمن ، فلو باع الكتاب نصفه بخمسة دراهم ، ونصفه الآخر بعشرة ، كان البيع متعدّداً لتعدّد العوضين فيه ، فيتعدّد فيه الخيار ، لكن بالنسبة إلى تبعّض الصفقة يمكن أن يقال : إنّه في حكم الواحد ؛ فإنّ غرض البائع تعلّق ببيع المجموع ، فيمكن دعوى كون الغرض شرطاً ضمنياً ، وبالجملة : خيار التبعّض إنّما يجيء من قبل الشرط الضمني ، أو قاعدة الضرر ، فيمكن دعواهما في مثل المقام(1) .

فإنّه مع تعدّد البيع والثمن والمثمن ، كيف تصحّ دعوى تبعّض الصفقة ، وأين هنا صفقة واحدة حتّى يقال إنّها تبعّضت ؟ !

ودعوى : الشرط الضمني وقاعدة الضرر ، ممّا لا يصغى إليهما ؛ إذ لا دليل على الشرط ، وعلى فرضه يرجع إلى خيار تخلّفه ، لا التبعيض ، وقاعدة الضرر لا تثبت الخيار ، كما مرّ مراراً (2) .

كيفية انحلال العقد بالنسبة إلى بعض المبيع خاصّة

والذي يمكن أن يقال في دفع الإشكال الثبوتي : هو أنّ الشيء الواحد في التكوين والتشريع ، يمكن أن يختلف حكمه باختلاف الإضافات ، فالفوقية وعدمها متناقضتان ، وهي والتحتية متضادّتان ، ومع الإضافة يرتفع التضادّ والتناقض ، وكذا السرعة والبط ء ، وغيرهما من العناوين المختلفة الإضافات .

وفي الاعتباريات أيضاً كذلك ؛ فإنّ اللزوم والجواز متنافيان ، ويرتفع التنافي باختلاف الإضافة ، فالعقد الواحد جائز بالنسبة إلى المشتري ، ولازم بالنسبة

ص: 95


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 136 - 137 .
2- تقدّم في الجزء الرابع : 412 - 421.

إلى البائع ، ولازم بالنسبة إلى الأصيل ، وجائز بالنسبة إلى الفضولي كما قيل .

وفي انحلال العقد أيضاً يجري ذلك ، فيمكن أن ينحلّ العقد الواحد بالنسبة إلى بعض أجزاء المبيع الواحد ، ولا ينحلّ بالنسبة إلى بعض ؛ فإنّ الانحلال أمر اعتباري عقلائي ، لا انعدام تكويني ، ومعه لا مانع ممّا ذكر .

والدليل عليه في محيط العقلاء ، صحّة شرط الخيار في بعض المبيع ، فلو قال : «بعتك هذا الفرس ، وشرطت عليك الخيار في نصفه» جاز عند العقلاء ، ونفذ عند الشارع بدليل الشرط ، فيصحّ الفسخ بالنسبة إلى ما شرطاه ، وكذا صحّة الإقالة بالنسبة إلى البعض .

وبالجملة : لهذا العقد الذي هو من الاُمور الاعتبارية العقلائية ، إمكان الانحلال بالنسبة إلى الكلّ ، وكذا بالنسبة إلى البعض ، فلو دلّ دليل على الخيار في بعض المبيع ، لا يصحّ ردّه بتوهّم مخالفته للعقل ، فالانحلال النسبي لا يكون مخالفاً للعقل ، ولا لحكم العقلاء ، فيثبت الخيار مع ثبوت خيار التبعّض .

وعلى ما ذكرناه من الانحلال النسبي ، يدلّ كثير من الموارد التي وردت بها الأخبار ، وفتوى الأخيار(1) .

ثمّ إنّ ثبوت الحكم في المقام - وهو بيع شيئين صفقة واحدة ، مع ظهور العيب في أحدهما ، مع الغضّ عن الشهرة - يتوقّف على إطلاق دليل الخيار بالنسبة إلى حالتي الانفراد والانضمام .

وغاية ما يمكن أن يقال : إنّ قوله في المرسلة «في الرجل يشتري الثوب أو

ص: 96


1- جواهر الكلام 24 : 356 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 136 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 : 249 .

المتاع ، فيجد فيه عيباً»(1) يشمل بإطلاقه الثوب الذي بيع مع غيره صفقة واحدة ، ويصحّ أن يقال : «إنّه اشترى الثوب» وإن كان الاشتراء في ضمن المجموع ، فينطبق عليه حكمه ؛ من جواز ردّه إلى صاحبه .

ولمّا كان الردّ إلى صاحبه كناية عن ثبوت الخيار ، يستفاد منه أنّ الخيار بالنسبة إلى الثوب المعيب ، فيثبت به الخيار النسبي كما مرّ .

وأمّا البحث عن أنّ الخيار ، هل هو ثابت في مجموع الثمن(2) ، أو في أبعاضه(3) ؟

ففي غير محلّه ؛ لما تقدّم من أنّ ما يشتمل على لفظ «الردّ» وعدمه ، كناية عن حقّ الفسخ أو الخيار(4) ، فالحكم بردّ بعض ما تعلّق به العقد المستفاد من الإطلاق ، دليل على ثبوت الخيار النسبي .

ولكن يمكن الخدشة فيما ذكر - مضافاً إلى إمكان إنكار صدق «الاشتراء» في أبعاض الصفقة الواحدة إلاّ بالتسامح والتأوّل ، ولا يصار إليهما - بأنّه لمّا

كان حكم العقلاء في الصفقة الواحدة ، عدم الخيار بالنسبة إلى المعيب فقط ، بل الحكم إمّا ردّ الجميع أو قبوله ، فلا ينقدح في الأذهان من الرواية إلاّ فسخ

ص: 97


1- الكافي 5 : 207 / 2 ؛ الفقيه 3 : 136 / 592 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 60 / 258 ؛ وسائل الشيعة 18 : 30 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 16 ، الحديث 3 .
2- الظاهر أنّ الصحيح هو «المبيع» بدل «الثمن» كما في المصادر أيضاً .
3- جواهر الكلام 23 : 248 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 310 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 145 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 : 249 .
4- تقدّم في الصفحة 57 - 58 .

المعاملة ، لا الفسخ النسبي ؛ فإنّه بعيد عن الأذهان .

بل الأظهر من بين الاحتمالات في المرسلة - بعد التأمّل ، وملاحظة الارتكاز العرفي - هو ذلك ؛ فإنّ الظاهر من قوله : «الرجل يشتري الثوب أو المتاع ، فيجد فيه عيباً» هو الصدق على الأثواب المشتراة مجتمعة ، إذا كانت الصفقة واحدة ؛ بحيث لم يكن نظره في مقام الاشتراء إلى هذا وذاك ، كالخفّ والجورب ونحوهما ؛ ممّا لا يكون النظر فيها إلى أحد الزوجين منفرداً ؛ إذ مع التكثّر في مقام الاشتراء ، يخرج عن وحدة الصفقة .

فيصحّ أن يقال فيما إذا اشترى الثوبين : «إنّه اشترى الثوب» كما يصحّ أن يقال : «اشترى الخفّ والجورب» فإنّ الصدق فيهما ليس إلاّ لكون الزوجين صفقة واحدة .

والفرق بينهما وبين الثوبين بعدم تعارف التفريق فيهما ، وتعارفه في الثوبين ، وهو ليس بفارق مع فرض وحدة الصفقة ؛ إذ مع وحدة المشترى الذي في بعضه عيب ، يصحّ أن يقال : «فيه عيب» إذا وجد في بعضه ، كما يصحّ أن يقال : «في الخفّ عيب» مع كون العيب في أحد الزوجين .

فقوله علیه السلام : «إن كان الشيء قائماً بعينه» أي إذا كان المشترى كذلك ، كان له ردّه ، فالأبعاض خارجة عن السؤال والجواب ، وهذا واضح في مثل الخفّ والجورب ؛ لأجل التعارف ، وظاهر بعد التأمّل فيما لا يتعارف مع وحدة الصفقة .

والمذكور في السؤال وجوابه وإن كان «الثوب والمتاع» لكن من المعلوم أ نّه ليس لاختصاص الحكم بهما ، كما لا يختصّ الحكم ب «الرجل» المذكور فيه ، فكأ نّه قال : «الرجل يشتري الشيء ، فيجد فيه عيباً» .

ص: 98

وأمّا احتمال أن يكون المراد الثوب الواحد ، حتّى يخرج المتعدّد عن مفاد الرواية ، ويكون التعرّض لخصوص الشيء المنفرد عن غيره ، ويلحق به مثل الخفّ والجورب للتعارف ، دون غيره وإن كانت الصفقة واحدة ، ولازمه عدم الدليل اللفظي على خيار العيب في المتعدّد وإن كان جميع أجزائه معيوباً (1) .

أو احتمال شموله للمتعدّد ، ولكنّ الحكم مختصّ بمورد العيب ، فلا يكون خيار في الصحيح ، ولا يسقط الخيار مع التصرّف فيه .

فبعيدان عن الذهن العرفي ، ولا سيّما مع الارتكاز المشار إليه .

ثمّ إنّه مع الشكّ في مفاد الروايات ، أو الجزم بعدم شمولها للواحد الاعتباري ، يرجع إلى بناء العقلاء في مثل تلك المسألة العقلائية ، ولا ينبغي الريب في أنّ الحكم العقلائي ، هو ثبوت خيار العيب للمجموع المشترى صفقة واحدة ، إذا كان بعض أجزائها معيباً .

فالحكم العقلائي هو إمّا ردّ الجميع ، أو قبوله ، وهذا البناء العقلائي معتمد ما لم يردع عنه رادع ، ومعه لا يحتاج إلى الأصل ، كما أنّ المسألة لا تحتاج إلى التكلّفات التي ارتكبها الشيخ الأعظم قدّس سرّه (2) .

ثمّ إنّ ما ذكرناه ، هو مع عدم رضا البائع بردّ البعض ، وإلاّ فيصحّ ويكون إقالة نسبية ، وهي عقلائية مع وحدة العقد والمعقود عليه .

ص: 99


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 311 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 : 251 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 309 و311 - 312 .
حكم خيار تبعّض الصفقة عند تعدّد المشتري

ولو تعدّد المشتري فقط ، فالمنسوب إلى المشهور عدم جواز انفراد أحدهما (1) ، والمحكيّ عن جمع جوازه مطلقاً (2) ، أو مع تعدّد القبول(3) ، أو مع علم البائع بالتعدّد(4) .

والتحقيق : عدم الجواز إن كان المتعدّد اعتبر واحداً ؛ بأن يقال : كما يجوز اعتبار المتعدّد واحداً في المبيع - فتكون الصفقة واحدة كما تقدّم(5) - يجوز اعتبار المشتريين واحداً ، ويكون البيع منهما ملحوظاً بنحو الاجتماع والوحدة ، فينقل المبيع إلى الواحد الاعتباري ، ولا يكون واحد منهما مالكاً ؛ لا تماماً ، ولا جزءاً معيّناً ، أو مشاعاً .

وإنّما احتيج إلى قبولهما ؛ لأ نّهما محقّقان للواحد ، ففي هذه الصورة يكون البيع واحداً بوحدة الأطراف ، والخيار واحداً غير متعدّد ، وهذا نظير مالكية الجهة .

ص: 100


1- تذكرة الفقهاء 11 : 172 ؛ مفتاح الكرامة 14 : 418 ؛ جواهر الكلام 23 : 249 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 312 .
2- المبسوط 2 : 351 ؛ السرائر 2 : 345 - 346 ؛ إيضاح الفوائد 1 : 494 ؛ مسالك الأفهام 3 : 286 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 313 .
3- اُنظر المبسوط 2 : 351 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 314 .
4- تحرير الأحكام 3 : 236 ؛ جامع المقاصد 4 : 334 ؛ مسالك الأفهام 3 : 286 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 8 : 436 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 314 .
5- تقدّم في الصفحة 94 و98 - 99 .

وهذه الصورة وإن لم تكن مشمولة لظاهر أدلّة الخيار ، لكنّها بنظر العرف ، وبمناسبة الحكم والموضوع ، تلغى عنها الخصوصية ، كما تلغى عن الرجل ، والمتاع ، والثوب ، ووحدة المشتري والبائع .

وبعبارة اُخرى : يرى العرف أنّ الحكم ثابت للبيع الواقع على المعيب ، ثمناً كان أو مثمناً ، من غير دخالة لخصوصية الأطراف في ثبوت الحكم ، فهذه الصورة لا إشكال فيها .

كما لا إشكال في جوازه ، إذا باع من كلّ منهما النصف المشاع مثلاً بعقد واحد ؛ لصدق العنوان المأخوذ في الروايتين على كلّ منهما بلا ريب ، وعدم مانعية شيء إلاّ ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه : من انصراف الدليل ، وأنّ ردّ الجزء منفرداً نقص حدث فيه ، وأ نّه ليس قائماً بعينه ولو بفعل الممسك لحصّته ، وأنّ المقصود حصوله بيد البائع ، كما كان قبل الخروج ، وأنّ التشقيص ضرر عليه(1) .

وليس شيء منها صالحاً للمنع كما تقدّم منّا (2) . وتصدّى لدفعها الأعاظم قدّس سرّه (3) .

وكذا الحال لو باع كلّ منهما بلا ذكر النصف ؛ ضرورة أنّ البيع كذلك ، عين بيع كلّ نصف بنحو الإشاعة ؛ إذ البيع منهما بنحو الصورة الاُولى غير مقصود ، وبيع

ص: 101


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 315 .
2- تقدّم في الصفحة 95 - 99 .
3- حاشية المكاسب ، المحقّق الخراساني : 221 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 141 - 142 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 : 253 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 4 : 499 .

الكلّ من كلّ غير مقصود أيضاً ، مع أ نّه باطل في نفسه ؛ لاستحالة تحقّق مضمونه ، وبنحو الجزء المعيّن مفروض العدم .

فلا يبقى إلاّ بيع كلّ نصف بنحو الإشاعة ، ومعه يكون البيع متكثّراً ، وكذا المبيع والثمن والخيار ؛ لصدق العنوان ، وعدم المانع .

حول ثبوت خيار تبعّض الصفقة للوكيل والموكّل

ولو اشترى الوكيل المطلق عنهما ، من غير ذكر الموكّلين ، مع جهل البائع ، فهل يثبت الخيار للوكيل ، أو للموكّلين ، أو للجميع ؟

وجوه ، مرّ نظيرها في خيار المجلس(1) ؛ إذ لا يفرّق بين المقام وهناك ، إلاّ من جهة ذكر «البيّعين» هناك ، وخصوص «المشتري» هاهنا ، وذكر غاية الخيار هناك ، ولا غاية له هاهنا ، وهما ليسا بفارقين .

فإن قلنا : إنّ «المشتري ومن اشترى» لا يصدق إلاّ على الوكيل ؛ فإنّه أوجد الشراء بقبوله ، فلا خيار إلاّ له ، ولا يتعدّد الخيار ولا البيع ، ولا دليل على جواز الفسخ النسبي ، فله الفسخ في الجميع .

وكون النقل بحسب الواقع متعدّداً ، لا يوجب كثرة البيع والشراء الواقعين على الواحد مع وحدة الطرفين ، وكذا الحال في وليّ القاصرين والوصيّ .

إلاّ أن يقال : إنّ الاشتراء للشخصين ، يوجب صدق العنوان عليه بجهتين ؛ فإنّه اشترى لهذا ، فيكون له خيار ، واشترى لذاك فكذلك ، فيكون للوكيل خياران مستقلاّن وله الأخذ بأيّ منهما .

ص: 102


1- تقدّم في الجزء الرابع : 67 و88 - 94 و117 .

وهذا غير بعيد إذا نوى الاشتراء لهما ، وقلنا : بأنّ نظر البائعين ليس البيع من خصوص المخاطب ، بل يبيعان سلعتيهما بثمنها ، ولهذا لا يكون البائعان ركناً في البيع ، وأمّا مع عدم النيّة كما هو دأب الدلاّلين ، فلا وجه لما ذكر .

وإن قلنا : بأنّ الخيار ثابت لمن انتقل إليه المال ، وإن لم يصدق عليه «المشتري» إلاّ بالتأوّل ؛ فإنّ المنصرف إليه - بحسب المناسبات - هو المالك ، فهنا انتقالان مستقلاّن ، ومشتريان مستقلاّن ولو بالتأوّل ، فيثبت لكلّ منهما الخيار في حصّته .

وممّا ذكر ظهر الحال لو قلنا : بصدق «المشتري» على الوكيل والموكّل ، كما قيل في خيار المجلس(1) ، وأغمضنا عن الإشكال فيه .

كما يظهر الحال في تعدّد البائع مع وحدة المشتري ؛ فإنّ الكلام فيه هو الكلام في المقام .

وربّما يتوهّم : أنّ المشتري إذا كان واحداً ، يكون له خيار واحد وإن تعدّد البائع ، فلا يجوز له التفرّد ، وقضيّة عدم تضرّر البائع ليست بشيء ؛ لأنّ دليل الضرر أجنبيّ عن إثبات الخيار .

وفيه ما لا يخفى ؛ فإنّ الاشتراء من هذا ، غير الاشتراء من ذاك ، فعنوان «الاشتراء» صدق عليه بجهتين ، فله في كلّ شراء خيار .

وممّا مرّ يظهر الحال في تعدّد البائع والمشتري ، بل التفرّد هاهنا أوضح .

ص: 103


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 4 : 67 - 68 ؛ تقدّم في الجزء الرابع : 91 .

مسألة فيما يسقط به الأرش خاصّة

يسقط الأرش فقط بأمران :

الأوّل : بإسقاطه حال العقد وبعده

يسقط الأرش فقط بإسقاطه حال العقد وبعده ، على ما مرّ في مسقطات سائر الخيارات(1) .

الثاني : فيما إذا اشتري ربوياً بجنسه

وفيما إذا اشترى ربوياً بجنسه ، فظهر عيب في أحدهما ، فإنّه لا أرش فيه .

لا للزوم الربا (2) ؛ فإنّ ظاهر أدلّة حرمته(3) هو أن تكون الزيادة بجعل المتعاملين ، ولا دليل على جريان حكمه فيما إذا ترتّبت الزيادة بعد المعاملة على نحو الغرامة للعيب .

ولا لما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه : من أنّ المستفاد من أدلّة تحريم الربا، أنّ وصف الصحّة في أحد الجنسين كالمعدوم ، لا يترتّب على فقده استحقاق العوض(4) .

ص: 104


1- تقدّم في الجزء الرابع : 159 ، 200 ، 299 ، 356 و473 .
2- جواهر الكلام 23 : 244 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 317 .
3- اُنظر وسائل الشيعة 18 : 117 ، كتاب التجارة ، أبواب الربا ، الباب 1 .
4- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 318 .

فإنّه مضافا إلى عدم دلالتها على ذلك التنزيل ، يرد عليه : أ نّه إن كان التنزيل في جميع الآثار ، فيلزم عدم خيار الفسخ أيضاً بفقده .

وإن كان من حيث استحقاق الغرامة مطلقاً ، فيلزم عدم الضمان بالإتلاف أو بالاستيلاء .

وإن كان في خصوص استحقاق الأرش ، لزم التنزيل المستهجن ، إلاّ أن يرجع كلامه إلى ما نذكره :

وهو أنّ المستفاد من أدلّته عدم استحقاق الأرش والغرامة .

ويظهر ذلك بمقدّمة ؛ وهي أ نّه لا إشكال في أنّ شرط الغرامة في ضمن العقد - بأن يشترط عليه تأدية التفاوت بين الصحيح والمعيب - باطل ؛ فإنّه شرط الزيادة العينية الذي لا إشكال في بطلانه .

بل الظاهر حرمته ، بل بطلان البيع به على قول(1) ، وإن شرطها عند تعذّر الردّ ، أو عند ظهور العيب ، فإنّ كلّ ذلك باطل ، ويظهر من ذلك أنّ الإلزام بالزيادة مرغوب عنه ، ولهذا بطل شرطها .

إذا عرفت ذلك نقول : إنّ العرف يرى المنافاة بين هذا الحكم ، وإلزام الشارع بتأدية الغرامة والزيادة ، فلو كان الحكم الشرعي إلزام البائع بتأدية الغرامة ، وكان

مرغوباً فيه ، فكيف يصحّ الحكم ببطلان شرطها ؟ ! واحتمال كون المفسدة لنفس إيقاع الشرط لفظاً (2) ، كما ترى .

وبالجملة : بعد كون مفاد الشرط عين ما ألزمه الشارع من أداء الغرامة ، يكون

ص: 105


1- جواهر الكلام 23 : 334 - 335 .
2- اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 4 : 502 .

البطلان مناقضاً لهذا الحكم عرفاً ، فلا بدّ من رفع اليد إمّا عن إطلاق أدلّة الربا ، والحكم بصحّة شرط الزيادة ، وإمّا عن إطلاق دليل الأرش ، ولعلّ الثاني أهون ؛ لشدّة الاهتمام بالربا .

ولو تعارض الدليلان بالعموم من وجه ، فالترجيح لدليل الربا سنداً ، ولأجل الموافقة للكتاب والسنّة ، ولو تساقطا فالأصل موافق لعدم ثبوت الأرش .

إلاّ أن يقال : إنّه مع التساقط يرجع إلى حكم العقلاء بثبوت الأرش .

ويمكن دعوى قصور الدليل عن إثبات الأرش في المورد ، فلا يرجع الأمر إلى تعارض الدليلين ؛ وذلك لعدم إطلاق معتمد عليه في دليله :

أمّا رواية زرارة(1) فإنّها في مقام بيان مضيّ البيع عند إحداث شيء في

المقبوض ، فلا إطلاق فيها .

وأمّا المرسلة(2) فإنّ قوله علیه السلام : «إن كان الثوب قد قطع . . .» إلى آخره ، يثبت الحكم للثوب ، وبإلغاء الخصوصية يثبت الحكم لسائر الموارد ، ومع احتمال خصوصية في مورد لا يصحّ إلغاؤها ، فضلاً عن معلومية الخصوصية ، كما في المقام .

وأمّا مفهوم قوله علیه السلام : «إن كان الشيء قائماً بعينه ردّه على صاحبه» فهو «أ نّه إن لم يكن كذلك فلا ردّ» ولا دلالة له على ثبوت الأرش بوجه ، وإنّما يكون ثبوته بالمنطوق في الشرطية الثانية التي قد عرفت حالها .

وأمّا «المتاع» المذكور فيها الذي هو شامل للأجناس الربوية ، فهو في

ص: 106


1- تقدّم في الصفحة 46 - 47 .
2- تقدّم في الصفحة 46 .

السؤال ، فلا يفهم حكمها من الجواب إلاّ بإلغاء الخصوصية التي قد ظهر حالها ، فلم تبق غير أدلّة تحريم الربا ، المستفاد منها عدم الغرامة بلا معارض ، ومعها لا يصحّ الرجوع إلى حكم العقلاء في ثبوت الأرش .

الثالث : فيما لا يوجب العيب نقصاًفي القيمة

ولا يثبت الأرش أيضاً فيما لا يوجب العيب نقصاً في القيمة ، وكذا فيما إذا لم يكن خروج المبيع عن خلقته الأصلية ، موجباً لنقصه ، وهو واضح .

ص: 107

مسألة في مسقطات الأرش والردّ

اشارة

يسقط الأرش والردّ باُمور ، وإن كان في إطلاق السقوط في بعضها توسّع :

الأوّل : العلم بالعيب قبل العقد

اشارة

بلا إشكال فيه ؛ لقصور الأدلّة عن إثباتهما للعالم به ، كما يظهر بالمراجعة إلى الأدلّة ، ولكون الخيار والأرش من الأحكام العقلائية ، ولا ريب في عدمهما عند العرف والعقلاء مع العلم به .

وأمّا التمسّك بمفهوم رواية زرارة المتقدّمة(1) ، ففي غير محلّه ؛ لعدم المفهوم للقيد . وإن قال بعض الأكابر رحمهما اللّه : بأنّ النكتة الوحيدة في جميع القضايا التي ادّعي فيها المفهوم ، أنّ إتيان القيد دليل على دخالته في الحكم ، وينتفي ذلك عند انتفائه ؛ فإنّ المتكلّم إذا كان في مقام بيان موضوع حكمه ، فلا بدّ وأن يأتي بكلّ

ص: 108


1- جواهر الكلام 23 : 238 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 320 .

ما هو دخيل فيه ، ويحترز عمّا لا دخالة له .

ولمّا كان الحكم المترتّب على الموضوع - وضعياً كان أم تكليفياً - هو طبيعة

الحكم وماهيته ، فلازمه رفع الطبيعة برفع القيد ، من غير فرق بين الشرط ، واللقب ، وغيرهما ، ولو كان الموضوع للحكم أو المقوّم له أحد الأمرين ، لما كان له ذكر أحدهما دون الآخر(1) .

وفيه : أنّ المسلّم هو أنّ تعلّق الحكم بالموضوع مع القيد ، دليل على دخالته ، وعدم شريك له في الدخالة ، وإلاّ لزمت اللغوية ، أو نقض الغرض .

وأمّا الدلالة على عدم العديل ؛ وأنّ قيداً آخر لا ينوب عن القيد المأخوذ ، فلا دليل عليه ، ولا على لزوم ذكره ؛ إذ لا يلزم من عدم ذكره نقض للغرض ، ولا محذور آخر .

فقوله علیه السلام : «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء»(2) دليل على أنّ الكرّية دخيلة ، والماء الكرّ تمام الموضوع للاعتصام ، ولا شريك له ، وأمّا الدلالة على عدم البديل - الذي هو الأساس في إثبات المطلوب - فلا .

وبعبارة اُخرى : تعلّق الحكم بالموضوع المقيّد ، دليل على أ نّه تمام الموضوع ، لا على حصره ، والمفهوم تابع للدلالة على الحصر ، لا على كون الشيء تمام الموضوع ، ولا ينافي ذلك إثبات طبيعي الحكم أو ماهيته للموضوع ؛

ص: 109


1- لمحات الاُصول : 225 - 226.
2- الكافي 3 : 2 / 2 ؛ الفقيه 1 : 8 / 12 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 39 / 107 و : 40 / 108 و109 ؛ وسائل الشيعة 1 : 158 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 9 ، الحديث 1 و2 و6 .

لأنّ الطبيعي قابل للتكثّر ، ويتكثّر بتكثّر العلّة والجعل .

فقوله صلی الله علیه و آله وسلم : «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا»(1) - كقوله صلی الله علیه و آله وسلم : «صاحب الحيوان بالخيار»(2) وكسائر مثبتات الخيار - يثبت طبيعي الخيار للموضوعات

من غير تنافٍ ، والكرّ سبب لطبيعي الاعتصام كالجاري . والتفصيل يطلب من مظانّه(3) .

وربّما يقال : إنّ للمقام خصوصية ، بها يدلّ القيد على المفهوم ؛ وهي أنّ الرواية في مقام ضبط مورد الخيار ، مقدّمة لبيان سقوطه بإحداث الحدث(4) .

وفيه : أنّ ما دلّت عليه هو أنّ الخيار الثابت بهذه القيود ، ساقط بإحداث الشيء ، وهو لا يفيد ؛ لعدم الدلالة على الحصر ، وهذا نظير أن يقال : «إذا بلغ الماء قدر كرّ يتنجّس بالتغيّر» حيث لا دلالة فيه على الحصر والمفهوم .

هذا كلّه مع الغضّ عن اختلاف النقل في الرواية ، فإنّ «الكافي» نقلها بلفظ «لم يتبيّن له»(5) وفي «التهذيب» المطبوع في النجف «لم يبرأ به»(6) وفي

ص: 110


1- الكافي 5 : 170 / 6 ؛ وسائل الشيعة 18 : 6 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 1 ، الحديث 3 .
2- الكافي 5 : 170 / 5 ؛ وسائل الشيعة 18 : 5 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 1 ، الحديث 1 .
3- مناهج الوصول 2 : 157 - 159.
4- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 : 255 - 256 .
5- الكافي 5 : 207 / 3 .
6- تهذيب الأحكام 7 : 60 / 257 .

«الوافي» و «الوسائل» «لم يبيّن له»(1) وإن لم يبعد وقوع الخطأ في نسخة «التهذيب» .

حكم ما لو اشترط العالم بالعيب خيار العيب

ولو شرط العالم بالعيب في ضمن العقد ، خيار العيب ، مريداً به الخيار الخاصّ الذي له أحكام خاصّة ، ففي صحّته(2) ، أو فساده فقط(3) ، أو مع إفساده(4) ، وجوه .

والتفصيل : أ نّه بحسب التصوّر ، يمكن أن يكون خيار العيب ثابتاً للعيب المجهول ؛ بحيث يكون عدم العلم به قيداً للموضوع ، أو قيداً لمقتضي الخيار ، أو يكون المقتضي له وموضوعه هو العيب لا غير ، لكنّ العلم به مانع عن فعليته ، أو سبب لسقوطه .

فعلى الأوّل : لا مجال لإثباته لموضوع آخر بدليل الشرط ؛ لعدم كونه صالحاً لذلك ، بل الشرط لا يكون إلاّ محقّقاً لموضوع الوفاء به ، سواء تعلّق بفعل ، أو كان من قبيل شرط النتيجة ، ومعنى الوفاء به ، هو العمل على طبق ما شرط .

وأمّا صلاحيته لإثبات حكم شرعي لموضوع - كإثبات خيار العيب للعالم

ص: 111


1- الوافي 18 : 737 / 4 ؛ وسائل الشيعة 18 : 30 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 16 ، الحديث 2 .
2- جواهر الكلام 23 : 238 .
3- الخيارات (تقريرات المحقّق الحائري) الأراكي : 355 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 4 : 507 .
4- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 320 .

بالعيب - فلا ، وهذا نظير الالتزام بإمكان شرط خيار الحيوان بعنوانه في غير الحيوان ، أو خيار العيب بعنوانه فيما لا عيب فيه .

وإن شئت قلت : لا يصلح الشرط بدليله أن يجعل غير المقتضي مقتضياً ، ولا غير السبب سبباً ، ولا غير الموضوع موضوعاً .

نعم ، لا مانع من شرط التخيير بين الردّ والأرش ، والخيار إذن يكون خيار الشرط ، لا العيب .

بل قلنا في غير المقام : إنّ العناوين الثانوية كالشرط والنذر والعهد ، إذا تعلّقت بشيء ، لا تغيّر حكمه(1) ، فإذا نذر صلاة الليل ، أو شرط فعلها على غيره ،

لا تصير الصلاة واجبة ، بل هي مستحبّة كما كانت قبل التعلّق ، وإنّما الواجب هو الوفاء بالشرط ، ومعنى وجوبه لزوم الإتيان بها بعنوان الاستحباب .

فالوجوب متعلّق بعنوان ، والاستحباب بعنوان آخر ، ولا تعقل سراية الحكم من أحد العنوانين إلى الآخر ، والمصداق المتحقّق في الخارج - أي مجمع العنوانين - هو مصداق ذاتي للصلاة ، وعرضي للنذر ، ولا يجعلها النذر متعلّقة لحكم آخر ، وكذا الحال في الشرط .

وعلى الأخيرين : فإن كان لدليل مانعية العلم عن الخيار ، أو مسقطيته له إطلاق يشمل حال عروض الطوارئ ، فلا يصحّ شرط الخيار ؛ لكونه مخالفاً للشرع .

بخلاف ما إذا لم يكن كذلك ؛ إذ الشرط حينئذٍ يوجب انقلاب موضوع

ص: 112


1- مناهج الوصول 2 : 124.

المانعية والمسقطية ، فيرجع شرط الخيار إلى دفع المانعية ، لا رفعها ، نظير شرط سقوط الخيار في ضمن العقد ، حيث يرجع إلى الدفع ، لا الرفع .

وبعبارة اُخرى : إنّ المانع قاصر عن الشمول لحال الطارئ ، فيترتّب على الموضوع حكمه - أي خيار العيب - بعنوانه ؛ لتحقّقه ، أو تحقّق المقتضي ، وعدم المانع ، فيصير الخيار فعلياً ، هذا بحسب التصوّر .

وأمّا بحسب مقام الإثبات ، فلا يبعد القول : بأنّ العلم مانع أو مسقط كما عدّه الفقهاء من المسقطات(1) ، وإن كان بعض الكلمات يشعر بتعلّق الخيار بالعيب

المجهول(2) ؛ وذلك لإشكال ثبوتي في قيدية عدم العلم ، فإنّ العدم - حتّى المضاف منه - لا يعقل أن يشار إليه ، أو يتعلّق به حكم ثبوتي ، ولا تعقل دخالته في شيء ، حكماً كان ، أو غيره .

وما اشتهر : من أنّ للعدم المضاف حظّاً من الوجود(3) لا يرجع إلى محصّل ، ولعلّ ذلك من باب اشتباه العدم بالعنوان الموجود في الذهن ؛ أي الحمل الشائع بالأوّلي على وجهٍ .

والتحقيق : أنّ كلّ ما يتراءى منه أنّ العدم فيه قيد للموضوع ، يرجع إلى أنّ الوجود مانع ، عكس ما هو المعروف ؛ من أنّ مانعية الوجود ترجع إلى

ص: 113


1- غنية النزوع 1 : 222 ؛ شرائع الإسلام 2 : 29 ؛ جواهر الكلام 23 : 238 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 320 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 320 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني3 : 255 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 4 : 503 - 504 .
3- الحكمة المتعالية 1 : 337 و344 و351 ؛ شرح المنظومة ، قسم الحكمة 2 : 192 .

شرطية العدم(1) ، بتوهّم عدم إمكان المانعية ، وهو مزيّف على ما هو المحقّق في محلّه(2) .

وتوهّم : أنّ العرف لمّا رأى للأعدام المضافة نحو تحقّق ، ولا يتحاشى عن صيرورته قيداً للموضوع ، فلا محالة يكون نظره متّبعاً ، كما هو كذلك في أمثال المقام فاسد ؛ لأنّ لازمه أن يكون القيد هو الوجود الذهني المحقّق لعنوان «العدم» بالحمل الأوّلي ، وهو مقطوع الفساد .

مع أنّ إرجاع القوم مانعية الوجود إلى شرطية العدم ، أيضاً مخالف لنظر العرف .

نعم ، لو كان الخيار ثابتاً للشخص الجاهل بالعيب ، أو في العقد الذي كان العوض المعيب فيه مجهولاً ؛ بحيث لا يرجع إلى قيدية العدم ، كان لإمكانه وجه ، وإن كان باب المناقشة فيه واسعاً ، لا مجال لفتحه ، لكنّ المفروض أنّ الخيار ثابت للعقد ؛ بقيد عدم العلم بالعيب .

ثمّ إنّ التحقيق : أنّ الأدلّة في المقام ، قاصرة عن إثبات شرطية الجهل ، مع أ نّها لو كانت دالّة عليها ، لأرجعناها إلى مانعية الوجود ، كما أشرنا إليه .

وكذا قاصرة عن إثبات المانعية المطلقة ؛ لأنّ ما يتوهّم فيه الأمران هو رواية زرارة(3) وهي - مع الغضّ عن اختلاف النسخ فيها ، كما أشرنا إليه - تكون بصدد بيان حكم إحداث الشيء وثبوت الأرش وسقوط الخيار ، لا ثبوته ، ومعه

ص: 114


1- نهاية الأفكار 3 : 411 ؛ نهاية الدراية 4 : 365 - 366 .
2- راجع الطهارة ، الإمام الخميني قدس سره : 4 : 42 - 43 ؛ تهذيب الاُصول 3 : 369 .
3- تقدّم في الصفحة 46 - 47 .

لا يمكن استفادة الشرطية منها ، ولا المانعية المطلقة .

لكن بعد اللتيّا والتي ، يشكل الالتزام بصحّة الشرط المذكور ، بعد الإشكال في دلالة الأدلّة ، واحتمال المانعية أو المسقطية المطلقتين ، ومعه يحتمل مخالفة الشرط للشرع ، فلا يصحّ التمسّك بأدلّة الشرط المتقيّدة بعدم كونه مخالفاً للكتاب مع اتّصال القيد ، ولا أصل لإحراز عدم المخالفة ، على ما هو المحقّق في محلّه(1) .

ثمّ إنّ الشرط على فرض فساده ، لا يوجب فساد العقد ، وما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه من الإفساد(2) ، مخالف للتحقيق ، ولما اختاره من عدمه في باب الشروط(3) .

ويمكن توجيه كلامه بوجه بعيد ؛ وهو أن يكون لدفع توهّم أنّ شرط خيار العيب ، ينحلّ إلى شرطين أحدهما : أصل الخيار ، وثانيهما : كونه خيار العيب ، أو أنّ الشرط يرجع إلى شرط الخيار ، وقيد هو كونه للعيب ، وأ نّه يمكن أن يصحّ أصل الشرط ؛ أي شرط الخيار ، ويكون خيار الشرط مع بطلان الشرط الثاني أو القيد .

فأجاب : بأنّ مثله يوجب إفساد أصل الشرط أيضا ؛ لأنّ المقيّد الخاصّ إذا بطل قيده بطل .

ص: 115


1- يأتي في الصفحة 271 ؛ اُنظر مناهج الوصول 2 : 228 - 237 ؛ أنوار الهداية 2 : 93 ؛ الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 104 - 125.
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 320 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 92 .

الثاني : تبرّي البائع من العيوب

اشارة

وهذا ممّا لا إشكال فيه على ما ذكرناه : من أنّ ثبوت الخيار عقلائي(1) ؛ فإنّ السقوط أو عدم الثبوت مع التبرّي أيضاً ، عقلائي بلا ريب .

ويدلّ على ذلك : تعارف التبرّي منها عند العرف ، حتّى في عصر صدور الروايات ، ومن المعلوم أنّ ذلك لأجل سقوط حقّ المشتري خياراً وأرشاً .

كما أ نّه لا إشكال فيه على مبنى كون الثبوت للالتزام الضمني(2) ، أو للإجماع(3) .

ولو كان الدليل عليه الأخبار فكذلك ؛ لأ نّه ليس فيها ما يوهم الإطلاق إلاّ

مرسلة جميل(4) وهي - مع الإشكال في إطلاقها كما أشرنا إليه سالفاً (5) - لا ينبغي الإشكال في انصرافها عن مورد العلم بالعيب ، أو تبرّي البائع منه ، ولا سيّما مع كون السقوط به معهوداً معروفاً عند العرف ، ومعه لا ينقدح في الأذهان منها الثبوت معه .

فالمرجع حينئذٍ عموم )أَوْفُوا بِالْعُقُودِ((6) وسائر أدلّة اللزوم ، وأمّا

ص: 116


1- تقدّم في الصفحة 14 و17 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 271 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 : 227 .
3- مفتاح الكرامة 14 : 395 ؛ جواهر الكلام 23 : 236 .
4- تقدّم في الصفحة 19 .
5- تقدّم في الصفحة 89 .
6- المائدة (5) : 1 .

سائر الروايات(1) فلا إطلاق فيها ، كما يظهر بالمراجعة إليها .

نعم ، لو سلّمنا الإطلاق في المرسلة ، وثبوت الخيار بإطلاقها في مورد التبرّي ، ففي الخروج عنها - بمفهوم رواية زرارة(2) ومكاتبة جعفر بن عيسى(3) - إشكال :

أمّا الثانية : فللإشكال في سندها ، مضافاً إلى أنّ متنها أيضاً لا يخلو من كلام ، كما سيأتي التعرّض له(4) .

وأمّا الاُولى : فللإشكال في ثبوت المفهوم للقيد ، كما تقدّم نظيره في الأمر الأوّل(5) .

والشيخ الأعظم قدّس سرّه مع التنظّر في مفهوم الرواية في الأمر الأوّل(6) ، تمسّك به هاهنا ، بل جزم بإطلاقه لإثبات عدم الفرق بين التبرّي التفصيلي والإجمالي ، وبين العيوب الظاهرة والباطنة(7) .

وقد عرفت : أ نّه لا وجه للمفهوم هاهنا ، كما في سائر القيود ، وعلى فرضه لا إشكال في عدم إطلاقه ، بعد ما كانت الرواية بصدد بيان حكم آخر ؛

ص: 117


1- راجع وسائل الشيعة 18 : 29 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 16 ، و : 98 ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 2 ، الحديث 1 و2 و4 ، و : 101 ، الباب 3 ، الحديث 1 .
2- تقدّم في الصفحة 47 .
3- تأتي في الصفحة 174 .
4- يأتي في الصفحة 174 - 178 .
5- تقدّم في الصفحة 108 .
6- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 320 .
7- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 321 .

وهو ثبوت الأرش عند إحداث الشيء .

ولعلّ إشكاله هناك لأجل اختلاف نسخ الرواية ، وأنّ في «التهذيب» بدل «لم يتبيّن» «لم يبرأ به»(1) ومعه لا حجّية لها ، أو أ نّه أخذ الرواية من «الوسائل»

أو «الوافي» وفيهما - بدل «لم يتبيّن له» كما في «الكافي» و «مرآة العقول»(2) - «لم يبيّن له»(3) وقرأ بالبناء للفاعل ، حتّى يكون المفهوم بيان البائع لوجود العيب ، وهو غير العلم به .

ودعوى : أنّ البيان طريق إلى المعرفة(4) ، غير مسموعة ؛ لخصوصية في بيان البائع ، وذكره في المورد .

لكنّ الظاهر : أنّ الكلمة مبنيّة للمفعول ؛ لعدم ذكر في الرواية «من البائع» ومعه لا يكون البناء للفاعل متعارفاً ، لو لم يكن غلطاً .

نعم ، لو اُغمض عن الإشكال في رواية جعفر ، فلا إشكال في دلالتها ، ومقتضى عمومها عدم الفرق بين التبرّي الإجمالي والتفصيلي ، وبين العيوب الظاهرة والباطنة ، كما أ نّه لا فرق بين المذكورات عند العقلاء ، فلو قال : «بعتك بكلّ عيب» كما هو المتعارف ، يسقط الردّ والأرش عندهم مطلقاً .

ص: 118


1- تهذيب الأحكام 7 : 60 / 257 .
2- الكافي 5 : 207 / 3 ؛ مرآة العقول 19 : 230 / 3 .
3- الوافي 18 : 737 / 4 ؛ وسائل الشيعة 18 : 30 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 16 ، الحديث 2 ؛ وتقدّم في الصفحة 111 .
4- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 160 .
هل أنّ تبرّي البائع يوجب الغرر أم لا؟

ثمّ إنّ التبرّي إنّما يوجب الغرر ، لو قلنا : بأنّ الرافع له هو التزام البائع

بالصحّة(1) أو قلنا بأنّ الرافع أصالة السلامة(2) ، وهي لا تجري مع التبرّي .

ومع انحصار سبب الرفع بأحدهما ، يقع التنافي بين النهي عن الغرر ، ورواية جعفر بن عيسى(3) ورواية زرارة(4) على احتمال ، وكذا بينه وبين الإجماعات والشهرة المحكيّة(5) ، فلا بدّ من رفع اليد عن إطلاق دليل النهي عن الغرر ، ولا بأس به ، وتوهّم : إبائه عن التخصيص فاسد(6) كما لا يخفى .

وأمّا لو قلنا : بأنّ طريق رفع الغرر ليس منحصراً بما ذكر ، كما هو الواقع ، فإنّه يرفع باُمور - كالمشاهدة ، والعلم ، وإخبار غير البائع ، والقرائن والشواهد ، وغيرها - فلا وجه للتنافي ، ولا لرفع اليد عن النهي عن الغرر ؛ لأنّ مجرّد الدليل على أنّ التبرّي عن العيوب ، يوجب سقوط الخيار والأرش ، لا يوجب رفع اليد عن شرط صحّة البيع .

ص: 119


1- اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 : 226 و257 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 4 : 513 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 271 و322 .
3- تأتي في الصفحة 174 .
4- تقدّم في الصفحة 46 - 47 .
5- الخلاف 3 : 127 - 128 ؛ مفتاح الكرامة 14 : 397 ؛ جواهر الكلام 23 : 237 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 320 .
6- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 : 257 .

بل يمكن القول : بأنّ الحكم بأنّ التبرّي يسقط الخيار ، إنّما هو بعد الفراغ عن صحّة البيع بشرائطها المذكورة في محلّها ، وليس لسان الروايتين لسان التقييد أو التخصيص ، حتّى يقال : إنّه لا محيص منه .

فمع عدم التنافي ، لا بدّ من الأخذ بمقتضى الدليلين ، وهو اعتبار رفع الغرر بسائر الروافع ، وسقوط الخيار والأرش بالتبرّي .

والذي يسهّل الخطب ، أنّ التبرّي المذكور لا ينافي أصالة السلامة التي قلنا

في محلّها : إنّها أصل عقلائي معتمد عليه ، بل أمارة عقلائية موجبة لرفع الغرر(1) ؛ فإنّه يؤتى به كناية عن عدم ثبوت تبعات العيب ، فهو بمنزلة اشتراط سقوط الردّ والأرش .

ومن الواضح : أ نّه لا ينافي أصالة السلامة ، المجتمعة مع احتمال العيب احتمالاً مرجوحاً ، كما في سائر الأمارات المعتبرة ، فنداء المنادي بالتبرّي ، ليس إخباراً بوجود العيب ، ولا ملازماً لذلك ، بل إنّما ينادي للاحتياط ، ولرفع الغائلة الاحتمالية ، فجريان الأصل ورفع الغرر به ، ممّا لا إشكال فيهما .

إطلاق التبرّي يشمل العيوب الموجودة دون المتجدّدة

ثمّ إنّ إطلاق التبرّي من العيوب أو عمومه ، إنّما يشمل خصوص العيوب الموجودة حال العقد ، دون المتجدّدة ، إلاّ مع قيام قرينة عليها ؛ فإنّ الأذهان العرفية ، غافلة عن العيوب الحادثة بعد العقد قبل القبض ، أو بعده في زمان

ص: 120


1- راجع ما تقدّم في الصفحة 11 .

الخيار ، كما أ نّها غافلة عن حكمها الشرعي ، ومعها لا وجه للشمول ، بل المعهود من النداء هو خصوص العيوب الموجودة .

نعم ، لا مضايقة فيه مع قيام القرينة ، كما لا إشكال في صحّة التبرّي عن المتجدّدة .

ودعوى : رجوعه إلى إسقاط ما لم يثبت ، وهو محال(1) في غير محلّها .

مع أنّ الإشكال يرد على التبرّي من العيوب الموجودة أيضاً ؛ فإنّ الخيار لا يكون متحقّقاً حال العقد .

والجواب عنه : ما مرّ في محلّه من أنّ الاشتراط المذكور ، أو التبرّي في المقام ، دافع للخيار ، لا رافع له(2) ، كما هو كذلك عند العقلاء .

ثمّ لو فرضنا رجوع ذلك إلى إسقاطه ، فلا مانع منه بإنشاء الإسقاط فعلاً على نحو التعليق ، وحصول السقوط في محلّه .

وتوهّم : أنّ الإسقاط بنحو الإنشاء التعليقي لا يصحّ ؛ لأنّ دليل نفوذه هو قولهم : «لكلّ ذي حقّ إسقاط حقّه» وهذه الاُمور كلّها ظاهرة في الفعلية ، وليس هو في المفروض ذا حقّ فعلي ، ولا الإنشاء المزبور إسقاطاً بالحمل الشائع ، ولا متعلّقاً بالحقّ بالحمل الشائع(3) .

في غير محلّه ؛ لأنّ الحكم المذكور عقلائي ، وليس في نظر العقلاء فرق بين

ص: 121


1- اُنظر تذكرة الفقهاء 11 : 90 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 322 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 4 : 510 .
2- تقدّم في الجزء الرابع : 165 - 167 و195 و199.
3- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 4 : 510 .

إنشاء إسقاط الحقّ الفعلي فعلاً ، وبين إنشاء الإسقاط المتعلّق بالحقّ الفعلي

في محلّه .

وقد أشرنا سابقاً : إلى أنّ الإنشاء المذكور ، عقلائي إذا وقع في ضمن العقد ،

دون ما إذا وقع قبل حصول الاقتضاء للخيار(1) ، كما لو اشترط التبرّي من العيوب في العقد الذي يتحقّق في الغد مثلاً ، فإنّه لا مانع منه عقلاً ، لكنّه غير عقلائي .

وبالجملة : إنّ الإنشاء التعليقي ، متعلّق بالحقّ الذي هو فعلي في محلّه ، والمنشئ ذو حقّ فيه ، وإنّما الإشكال في التعليق ، وهو ليس بشيء إذا كان عقلائياً ، ولا دليل على بطلانه شرعاً ، ولولا ذلك لجرى الإشكال في التبرّي من العيوب الموجودة ؛ لعين ما ذكر ، ومجرّد حصول المقتضي لا يصحّح الإسقاط الفعلي .

فالتبرّي من العيوب المتجدّدة ، لا إشكال فيه ، سواء رجع الشرط إلى اشتراط الإسقاط في محلّه الذي أنشأه البائع وقبله المشتري ، أو إلى شرط السقوط كذلك ، أو شرط عدم الثبوت .

في كون التبرّي من قبيل الشرط في ضمن العقد

نعم ، هنا كلام : وهو أنّ التبرّي من العيوب ، هل هو من قبيل الشرط في ضمن العقد ، وتعتبر فيه شروط الشرط ؟

أو أمر مستقلّ عقلائي ، يترتّب عليه سقوط الخيار والأرش ، كالعلم بالعيب ، وأنّ مجرّد الإعلام بذلك قبل العقد ولو لم يكن شرطاً فيه ، موجب له ، فعليه

ص: 122


1- تقدّم في الجزء الرابع : 173 .

يكون التبرّي من العيوب الموجودة حال العقد ، متعارفاً لدى العقلاء من الأعصار القديمة ، ونافذاً لدى الشرع ؟

وأمّا العيوب المتجدّدة ، فحيث لم يعهد من العقلاء التبرّي منها ، ولم يكن متعارفاً لدى العرف ، يشكل ترتّب الأثر عليه ؛ لعدم الدليل عليه ، وعدم ثبوت تنفيذه ، فلا بدّ فيه من الاشتراط في العقد ، حتّى يترتّب عليه الأثر بدليل الشرط .

ولا يبعد أن يكون من قبيل الشرط ، ويكون النداء المذكور موجباً لوقوع العقد مبنيّاً عليه ؛ بحيث يعدّ من قيوده ، والأمر سهل .

ثمّ إنّ الاحتمالات التي ذكرها الشيخ قدّس سرّه في التبرّي(1) ، مبنيّة على الأخذ بظاهر اللفظ ، وأنّ البراءة لا بدّ من متعلّق لها ثابت في الذمّة ، ولهذا التجأ إلى

التوجيه فيه ؛ ضرورة أنّ العيب لم يكن ثابتاً على عهدة البائع ، فاحتمل أن يكون المراد بها البراءة عن تعهّد السلامة ، أو البراءة عن ضمان المعيب ؛ ممّا هو بعيد عن ظاهر اللفظ ، وعمّا يريده العرف .

والظاهر أنّ هذا النداء ، كناية عن سقوط الخيار والأرش ، وقد مرّ أ نّهما عقلائيان(2) ، ويدلّ عليه هذا التبرّي المتعارف في البلاد .

وليس في الأذهان العرفية عند البيع ، التزام بالصحّة ، أو اشتغال بالضمان ، حتّى يحمل الكلام عليه ، بل ما هو المعهود ، هو ثبوت الخيار والأرش ، ويراد بهذا التبرّي التخلّص منهما بسقوط حقّ المشتري .

ص: 123


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 323 .
2- تقدّم في الصفحة 17 - 18 .

فالكلام المذكور يرجع إلى اشتراط سقوطهما ، لا إلى البراءة عن شيء في الذمّة ، ولهذا يقع بغير لفظ «البراءة» كقوله : «بعتك بكلّ عيب» .

بل المتعارف في الغالب - بل مطلقاً في بلادنا

- عدم ذكر التبرّي بلفظه ، ومن الواضح أنّ النداء بأيّ نحو وقع ، إنّما هو لمقصد واحد .

وممّا ذكرناه : من أنّ ذلك يرجع إلى شرط سقوط حقّ المشتري خياراً وأرشاً ، يتّضح أ نّه لا وقع للنزاع في أنّ التبرّي عن العيوب ، أو عن عيب خاصّ ، هل يسقط تأثيره من حيث الخيار ، أو يشمل سائر أحكامه(1) ، كعهدة التلف قبل القبض ، أو في زمان خيار المشتري المضمون على البائع ، بناءً على القول : بأنّ التلف موجب للضمان ، لا لانفساخ العقد(2) ؟ ضرورة أنّ إسقاط خيار العيب أو سقوطه ، لا مساس له بما ذكر .

وبالجملة : إنّ الاحتمال المذكور ، من متفرّعات إرادة التبرّي من اللفظ المذكور ، وعلى فرض تسليمه ، لا مجال لاحتمال المذكور إلاّ دعوى انصراف قاعدة كلّ مبيع تلف قبل قبضه . . . أو قاعدة التلف في زمن الخيار . . . عن التلف المسبّب عن العيب الذي برئ منه .

أو دعوى إطلاق التبرّي بالنسبة إلى العهدة المتأخّرة ، وفيهما منع .

ثمّ إنّه قد وقع :

ص: 124


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 324 .
2- اُنظر مسالك الأفهام 3 : 216 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 271 .
الكلام في سقوط الردّ والأرش في موارد اُخر
منها : زوال العيب قبل العلم به، بل وبعده قبل الردّ

بدعوى أ نّه لا موجب لهما معه ، وأنّ سبق العيب لا يوجب خياراً ، كما لو سبق على العقد ، ثمّ زال قبله ، بل مهما زال العيب قبل العلم ، أو بعده قبل الردّ ،

سقط حقّ الردّ كما عن العلاّمة(1) ، بل الظاهر من قوله : «لعدم موجبه» وتنظيره بما لو زال قبل العقد ، هو سقوط الأرش أيضاً .

وفصّل الشيخ الأعظم قدّس سرّه بين الردّ والأرش ، بالسقوط في الأوّل ؛ لظهور الأدلّة في ردّ المعيوب فعلاً ، خصوصاً بملاحظة أنّ الصبر على العيب ضرر ، فعليه لا يجري الاستصحاب أيضاً ، وأمّا الأرش فلا مانع من استصحابه ، بعد تعلّقه بالذمّة حال العقد(2) .

هذا ، والأقوى عدم سقوطهما مطلقاً ؛ لمنع ظهور أدلّة الخيار فيما ذكر ، بل مقتضى الإطلاق ثبوتهما ؛ لأنّ الظاهر من رواية زرارة(3) هو أنّ من اشترى شيئاً وبه عيب حال الاشتراء ، فأحدث فيه شيئاً ، ثمّ علم بذلك العيب الذي كان حال الاشتراء ، يمضى عليه البيع ، وله الأرش ، ومقتضى إطلاقها

ص: 125


1- تذكرة الفقهاء 11 : 212 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 325 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 325 .
3- تقدّم تخريجها في الصفحة 46 - 47 .

عدم الفرق بين زوال العيب بعده وعدمه ، وليس فيها من أخذ عنوان «المعيوب» في المردود ، عين ولا أثر .

بل الظاهر من صدرها ، عدم دخالة بقاء العيب في ثبوت الخيار ، وإلاّ كان اللازم التقييد به ، وعدم الاقتصار على عدم التبرّي وعدم التبيّن ؛ فإنّ الظاهر منه

أ نّه أراد ذكر تحقّق الموضوع ، وأ نّه بعد تحقّق الخيار لو أحدث شيئاً سقط ، فالاقتصار على القيدين دليل على عدم دخالة غيرهما ، فتدبّر حتّى لا تتوهّم منافاة ذلك لما تقدّم منّا ؛ من عدم المفهوم له ، بل عدم الإطلاق للصدر(1) .

وبالجملة : إنّ الرواية ظاهرة في أنّ العيب حال الاشتراء ، موضوع للحكم بالقيود المذكورة فيها ، ومقتضى الإطلاق ثبوت الحكم ردّاً وأرشاً مع زوال العيب بعده ، فلو منع إطلاق صدرها ، فلا ريب في إطلاق ذيلها الدالّ على ثبوت الأرش .

ومقتضى إطلاق رواية جميل(2) أيضاً ثبوتهما ؛ فإنّ قوله : «يشتري الثوب ، فيجد فيه عيباً» سؤال عن العيب حال الاشتراء ، فكأ نّه قال : «يجد عيباً ، وكان ذلك العيب حال الاشتراء» .

فأجاب بالتفصيل بين القيام بعينه وعدمه ، ومقتضى إطلاقه عدم الفرق بين زوال ما كان ثابتاً حاله وعدمه ، ولا سيّما مع كون الوجدان طريقياً ، فكأ نّه قال :

«كان فيه عيب حاله» .

بل الإطلاق ثابت حتّى مع الجمود على ظاهرها ، وهو أ نّه وجد فيه عيباً

ص: 126


1- تقدّم في الصفحة 108 و117 - 118 .
2- تقدّم في الصفحة 19 .

فعلاً ؛ فإنّ مقتضى الإطلاق أنّ من وجد في المبيع عيباً سابقاً ، كان له الخيار ، سواء زال بعد ذلك أم لا .

وبالجملة : مقتضى الروايتين ثبوتهما مطلقاً .

ثمّ مع الغضّ عن ذلك ، فالتفصيل غير وجيه ؛ فإنّ قوله علیه السلام : «ردّه على صاحبه» كناية عن ثبوت خيار الفسخ كما مرّ مراراً (1) ، وعليه يكون الموضوع هو العقد ، فمع زوال العيب ، يشكّ في بقاء الخيار المتعلّق بالعقد ، فيستصحب .

بل مع تعلّق حقّ الردّ بالمعيب بعنوانه ، لا مانع من الاستصحاب ؛ لأنّ القضيّة المتيقّنة موضوعها في الخارج محفوظ ؛ ضرورة ثبوت الحكم للعين الموجودة ، والشكّ في زواله ، ولا يعتبر بقاء موضوع الدليل كما هو واضح .

ولو قيل : إنّه يشكّ في أصل ثبوت الخيار من الأوّل ؛ لاحتمال ثبوته للمعيوب الذي لا يتعقّبه الزوال .

يقال : إنّه على فرض تسليمه ، يجري في الأرش أيضاً ؛ للشكّ في ثبوته من أوّل الأمر ، مع أنّ المبنى فاسد .

وأمّا دعوى الانصراف ، أو دعوى كون النكتة الضرر ، ومع ارتفاعه لا موجب لهما (2) ، ففي غير محلّهما ، والعهدة على المدّعي ، ولم يحرز بناء العقلاء المتّصل بعصر المعصوم علیه السلام في المورد ؛ لندرة الاتّفاق .

مع أنّ بناءهم على عدمهما مع الزوال في ملك المشتري ، لم يثبت ، بل الظاهر

ص: 127


1- تقدّم في الصفحة 57 - 58 و67 و87.
2- بغية الطالب ، المحقّق الإشكوري 1 : 349 / السطر28 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 165 .

هو ملاحظة حال العقد ، كما في خيار الغبن إذا تغيّر السعر في ملك المغبون .

وممّا ذكر يظهر ضعف المحكيّ عن العلاّمة ؛ من نفي الموجب لهما مع زواله(1) ، فإنّ الموجب هو العيب حال العقد ، وهو ممّا لا يعقل زواله ، وما هو زائل هو الوجود البقائي ، ولم يكن موجباً .

ولو اُغمض عن ذلك ، فلا دليل على أنّ علّة الحدوث هي علّة البقاء ، وأنّ الخيار والأرش دائران مدار العيب ، ومعه لا مانع من استصحابهما .

وأضعف من ذلك ، قياس الزوال بعد العقد بالزوال قبله(2) ، مع وضوح الفرق .

وعلى فرض الاستناد فيهما إلى دليل نفي الضرر ، فالحكم كما ذكر من ثبوتهما مع الزوال ؛ لأنّ مقتضى دليله هو نفي اللزوم وإثبات الأرش بالعيب الموجود حال تحقّق العقد ، والزوال بعد ذلك لا دخل له فيه .

إلاّ أن يقال : إنّ المرفوع هو الضرر الذي لم يتعقّبه الجبر ولو في ملك المشتري ، وهو كما ترى ، وكيف ما كان فالتحقيق ثبوتهما مطلقاً .

ومنها : التصرّف بعد العلم بالعيب

فقد حكي عن ابن حمزة أ نّه مسقط للأمرين(3) . وفيه ما لا يخفى ؛ فإنّه :

إن أراد أ نّه مطلقاً مسقط ، فهو مخالف لكافّة الروايات الواردة في خيار

ص: 128


1- تقدّم تخريجه في الصفحة 125 ، الهامش1 .
2- تذكرة الفقهاء 11 : 212 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 325 .
3- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 257 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 326 .

العيب(1) ، الظاهرة في أنّ التصرّف الخاصّ - أي الموجب لتغيّر العين - هو الموجب لسقوط الخيار وثبوت الأرش كما في بعضها ، أو «إحداث شيء في المبيع» كما في بعضها ، أو «الوط ء» الذي هو مسبوق بلا شبهة ببعض التصرّفات ، كاللمس والتقبيل وغيرهما ، كما في كثير منها .

وعليه فلا ريب في أنّ مطلق التصرّف ، ليس موجباً لسقوط أحدهما ، فضلاً عن سقوط كليهما .

ومنه يظهر ضعف ذلك ، إن كان المراد : التشبّث بما ورد في خيار الحيوان ؛ معلّلاً «بأ نّه رضاً بالبيع»(2) فإنّه مضافاً إلى ما ذكر ، يرد عليه : أنّ ما ورد في خيار الحيوان أيضاً «إحداث الحدث» لا التصرّف مطلقاً ، وقد تقدّم وجه عدّ لمس الجارية وتقبيلها منه ، فراجع(3) .

وإن كان المراد : أنّ التصرّف الدالّ على الرضا بالبيع ، موجب لذلك .

ففيه : أنّ ذلك لا يوجب سقوط الأرش ، بل الرضا بالمعيب أيضاً لا يوجبه .

وإن كان المراد : أنّ التصرّف الدالّ على إسقاطهما كذلك ، فهو حقّ لو كان في الخارج مصداق للتصرّف الدالّ على سقوطهما عند العقلاء ؛ فإنّ المسقط العرفي ، لا بدّ فيه من دلالة عرفية عقلائية ، وعليه فلا ينبغي أن يعدّ ذلك مقابل

ص: 129


1- راجع وسائل الشيعة 18 : 29 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 16 ، و : 102 ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 ، و : 105 ، الباب 5 .
2- الكافي 5 : 169 / 2 ؛ وسائل الشيعة 18 : 13 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 4 ، الحديث 1 .
3- تقدّم في الجزء الرابع : 303 - 304 ؛ اُنظر ما تقدّم في الصفحة 61 .

المسقطات ؛ فإنّ الإسقاط الفعلي مع وجدانه لما ذكر من الشرط ، يكون كالقولي .

وإن كان المراد : أنّ إحداث الحدث ، والتصرّف المغيّر للعين ، إذا كان قبل العلم ، يوجب سقوط الردّ فقط ، وأمّا إذا كان بعده فيوجب سقوطهما :

أمّا سقوط الردّ فبظاهر الأخبار .

وأمّا سقوط الأرش ؛ فلعدم دليل على ثبوته ، فإنّ ما دلّ عليه مختصّ بما قبل العلم ، فالأصل البراءة منه .

ففيه : أنّ مقتضى إطلاق مرسلة جميل عدم الفرق في سقوط الردّ وثبوت الأرش بين كون التصرّف الخاصّ قبل العلم أو بعده ، لو لم نقل بظهورها في التصرّف بعد وجدان العيب ، وإلاّ كانت دالّة بلفظها على خلاف ما اُريد .

وكيف كان : لا إشكال في إطلاقها لو منع الاحتمال المذكور ، فلا بدّ من مقيّد له ، وهو مفقود .

وأمّا رواية زرارة فللاختلاف في نقلها لا يصحّ الاحتجاج بها ؛ إذ في رواية «الكافي» «أيّما رجل اشترى» إلى أن قال . . . «فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئاً ، ثمّ علم بذلك العوار»(1) وفي رواية «التهذيب» «وعلم بذلك العوار» بالواو(2) .

فعلى ما في «التهذيب» تكون دالّة على أنّ الإحداث كان بعد العلم ؛ فإنّ الظاهر حينئذٍ أ نّه إذا أحدث بعد علمه إذا كان عطفاً على «ما قبضه» بل وعلى فرض عطفه على «فأحدث» فإنّ الظاهر حينئذٍ أ نّه أحدث مع علمه بالعوار .

ص: 130


1- الكافي 5 : 207 / 3 .
2- تهذيب الأحكام 7 : 60 / 257 .

وعلى نسخة «الكافي» يكون الظاهر منها التصرّف قبل العلم ، مع احتمال عطفه على «ما قبضه» وإن كان بعيداً ، فيكون المراد إذا قبضه ثمّ علم بالعيب ، فأحدث فيه شيئاً ، فيكون مخالفاً لما اُريد .

ثمّ إنّ الاستدلال مبنيّ على ثبوت المفهوم للقيد ، وقد تقدّم تزييفه(1) ، مضافا إلى أ نّه مع فرض ثبوت المفهوم للقيد ليس في القيد المذكور مفهوم ؛ فإنّ ذكر العلم بالعيب جارٍ مجرى العادة ، كما في أشباه المقام .

فلو قال : «إذا علم بالغبن كان له الخيار» لا يفهم منه أنّ العلم جزء الموضوع ، ودخيل في الحكم ، ولهذا لا يفهم من تعبير بعض الفقهاء : بأنّ ظهور الغبن أو ظهور العيب موجب للخيار ، أنّ لذلك دخالة فيه .

وبالجملة : إنّه تعبير عادي ؛ لأجل أنّ الجاهل بالعيب لا يردّ المعيب ، أي لا يعمل الخيار ، ولا يطالب بالأرش ، فظرف الردّ ومطالبة الأرش هو بعد العلم ، لا أنّ ظرف ثبوت الحقّ ذلك .

ثمّ إنّه على فرض المفهوم للقيد ، يكون مفهوم قوله علیه السلام : «ثمّ علم بذلك» : «لم يعلم به» ومع عدم العلم لو أحدث فيه شيئاً ، لم يثبت مضيّ البيع عليه وردّ الأرش إليه ، ونفيهما يصدق بنفي واحد منهما ، كما يصدق بنفي المجموع .

كما أ نّه لو كان للفظة «ثمّ» مفهوم - ولم نقل بأنّ القيود إذا كانت من سنخ الحروف ليس لها مفهوم على فرض تسليم المفهوم للقيد - يكون مفهومها سلب ما ثبت في المنطوق ؛ أي أحدهما أو كليهما .

ص: 131


1- تقدّم في الصفحة 108 .

ألا ترى مفهوم قوله : «إن طلعت الشمس أكرم زيداً وعمراً» «أ نّه مع عدم طلوعها لا يجب إكرام هذا وهذا» وهو لا ينافي وجوب إكرام هذا بالخصوص ، أو هذا بالخصوص .

وبالجملة : لا يثبت برواية زرارة ما اُفيد ، ولا تصلح لتقييد المرسلة .

وممّا ذكر يظهر الكلام في الروايات الواردة في وط ء الجارية(1) ، فإنّها بإطلاقها تدلّ على أ نّه مانع عن الردّ ، وإنّما له الأرش ، سواء كان مع العلم أو

قبله .

وما ورد فيها من فرض المواقعة قبل العلم ، إنّما هو في لسان السائل ، ولا يصلح للتقييد ، بل لو كان في لسان المجيب ، لم يكن صالحاً أيضاً لذلك كما مرّ(2) ، فتدبّر جيّداً .

ومنها : التصرّف في المعيب الذي لم تنقص قيمته بالعيب

كالعبد الخصيّ ، فقيل : إنّ الأرش ساقط فرضاً ، والردّ بالتصرّف(3) .

وفيه : - مع أنّ عدّ ما ذكر من موجبات سقوط الأمرين ، واضح الإشكال - أنّ التصرّف المطلق لا يوجب سقوط الردّ كما تقدّم(4) ، وأمّا التصرّف المغيّر ، فإنّما يوجبه لا لكونه تصرّفاً ، بل لكون المبيع غير قائم بعينه ولو لم يكن ذلك بالتصرّف ، أو كان بفعل الغير .

ص: 132


1- راجع وسائل الشيعة 18 : 102 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 و5 .
2- تقدّم في الصفحة 130 - 131.
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 326 .
4- تقدّم في الصفحة 44 - 46 و128 - 129 .

وقد يقال : إنّ سقوط الردّ بالتصرّف ، مختصّ بموارد ثبوت الأرش ، وإلاّ فمقتضى القاعدة عدم سقوطه به إلاّ مع الدلالة على الرضا ، أو على إسقاطه(1) .

وفيه : أنّ مقتضى إطلاق مفهوم مرسلة جميل هو سقوطه بالتغيّر ، سواء كان من قبل التصرّف ، أو غيره .

وقد تقدّم : أنّ المرسلة متعرّضة لحكمين مستقلّين(2) .

أحدهما : حكم سقوط الردّ وثبوته بدلالة قوله علیه السلام : «إن كان الشيء قائماً بعينه ردّ على صاحبه» منطوقاً ومفهوماً ، ومقتضى الإطلاق عدم الفرق المتقدّم ، وعدم الفرق بين مورد ثبوت الأرش وعدمه .

ثانيهما : حكم الأرش بدلالة قوله علیه السلام : «إن كان الثوب قد قطع . . .»(3) إلى آخره ، وهذه الجملة متعرّضة لحكم الأرش ، لا الردّ وعدمه ، وليست مفهوماً للاُولى كما هو واضح .

فالجملتان متعرّضتان لحكمين مستقلّين ، وليست الاُولى مختصّة بمورد ثبوت الأرش ، وليس شيء من الروايات صالحاً لتقييدها كما هو واضح .

والتحقيق : سقوطه بالتغيّر مطلقاً ، ولا وجه للتمسّك بدليل نفي الضرر(4) ، مع

ص: 133


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 327 .
2- اُنظر ما تقدّم في الصفحة 106 .
3- تقدّم في الصفحة 19 .
4- الدروس الشرعية 3 : 288 ؛ مسالك الأفهام 3 : 284 ؛ جواهر الكلام 23 : 244 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 326 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 4 : 522 .

ما في التمسّك به من إشكال أو إشكالات .

ومن ذلك يظهر الكلام في المورد الآخر ؛ وهو حدوث العيب في المعيب الذي لم تنقص قيمته ؛ فإنّ الكلام فيه هو الكلام في شقيقه ، والإشكال في عدّه من مسقطاتهما كالإشكال فيه ، فلا نطيل .

وكذا الحال في الفرعين الأخيرين ؛ أي ثبوت أحد مانعي الردّ في المعيب الذي لا أرش له ؛ من جهة حصول الربا كما قيل(1) ، أو من جهة إلغاء الشارع الغرامة عنه كما تقدّم(2) ؛ فإنّ الكلام فيهما هو الكلام في سابقهما .

والتحقيق فيهما : هو سقوط الردّ ؛ للتغيّر بالتصرّف أو بالتعيّب ، وسقوط الأرش ؛ للحكم الشرعي .

وأمّا ما عن «التذكرة» وجهاً لامتناع الردّ : من أ نّه لو ردّ مع أرش العيب الحادث لزم الربا ، ولو ردّ بلا أرش لزم الضرر على البائع(3) .

ففيه : مضافاً إلى أنّ الردّ بلا أرش لا مانع منه ؛ فإنّ الإضرار إنّما هو من قبل الحكم الشرعي ، ولا دليل على نفيه ؛ لما تكرّر من أنّ مفاد دليل نفي الضرر ، هو النهي المولوي عن الإضرار ، فلا مساس له بالأحكام الإلهية تحكيماً وتقييداً (4) .

أنّ ماهية الفسخ هي حلّ العقد ، ولازمه رجوع كلّ من العوضين إلى صاحبه بالسبب السابق، لا بالسبب الذي هو الفسخ، فإنّه لم يتعلّق بتمليك العين بالعوض.

ص: 134


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 328 - 329 .
2- تقدّم في الصفحة 105 .
3- تذكرة الفقهاء 11 : 131 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 329 .
4- تقدّم في الجزء الثاني : 329 ؛ وفي الجزء الرابع : 413 .

بل في اعتبار العرف الموافق له اعتبار الشرع ، يوجب فسخ العقد وحلّه ، ولازم الحلّ إعادة الملكية السابقة نحو إعادة المعدوم العرفية ، ولا مانع منها ، كما

أنّ الإقالة أيضاً كذلك .

فالقول : بحصول المعاوضة الجديدة(1) ، أو تعاوض جديد(2) ، أو ملكية جديدة(3) ، غير وجيه ؛ فإنّ الحلّ أجنبيّ عن الأوّلين ، والملكية الجديدة بلا سبب غير معقولة ، والإقالة سبب للحلّ ، لا لإنشاء الملكية ، ولازم الحلّ عود ما سبق ، لا حصول أمر جديد ، والإشكال الفلسفي في المقام(4) لا مقام له .

وكيف كان : دليل الربا لا يجري في الإقالة ، فضلاً عن الفسخ الذي لا مساس له بالمعاملة والمعاوضة .

مع أنّ أرش العيب الجديد غرامة عقلائية ، فإنّ الفسخ موجب لردّ العين على ما كانت عليه ، فلو نقصت عمّا كانت عليه ، لا بدّ من جبرانه بالغرامة ، وهي غير مربوطة بباب الربا ، وما ذكرنا من إلغاء الشارع الغرامة(5) ، إنّما هي الغرامة في خصوص البيع ونحوه ، الذي ورد فيه لزوم كون المثل بالمثل ، ولهذا لا ترفع به غرامة اليد وضمانها .

ص: 135


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الخراساني : 225 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 170 .
3- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 4 : 525 .
4- حاشية المكاسب ، المحقّق الخراساني : 25 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 4 : 525 .
5- تقدّم في الصفحة 105 .

وممّا ذكرناه يظهر النظر ، فيما حكاه الشيخ الأعظم قدّس سرّه (1) عن جماعة من الأصحاب ؛ من عدم الحكم على المشتري بالصبر على المعيب مجّاناً ، وما ذكروا في تدارك ضرره من الوجهين :

أحدهما : جواز ردّه مع تدارك ضرر العيب الحادث ، وهذا مبنيّ على عدم جريان الربا في الفسخ كما تقدّم .

وثانيهما : الذي هو مبنيّ على جريانه فيه ، هو فسخ البيع ، وإعطاء بدل المعيب معيباً بالعيب القديم ، وسليماً عن الجديد ، فإنّه في حكم التالف ؛ لامتناع ردّه بلا أرش ، ومعه بالحكم الشرعي ، نظير بيع العين المشتراة بالغبن ، ولمّا كان المعيب مثلياً يحفظ على مثليته .

والوجهان مزيّفان لما تقدّم ، ووجيهان على فرض الغضّ عنه .

ومنها : تأخير الأخذ بمقتضى الخيار

فإنّه قد يقال : بسقوط الردّ والأرش معه(2) ، وقد يقال : بسقوط الردّ فقط(3) .

والأقوى عدم سقوطهما ؛ لإطلاق مرسلة جميل والقول : بأ نّها في مقام بيان أصل الخيار(4) ، غير مرضيّ ، بل هي في مقام بيان الحالات الطارئة ، وثبوت

ص: 136


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 331 .
2- غنية النزوع 1 : 221 - 222 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 332 .
3- المبسوط 2 : 139 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 256 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 333 .
4- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 333 .

الخيار مع بعضها ، وسقوطه مع بعض ، وثبوت الأرش مع بعض .

ومقتضى إطلاقها أنّ كون الشيء قائماً بعينه ، هو تمام الموضوع لثبوت حقّ الفسخ ، ولو كان قيد آخر دخيلاً ، لكان عليه البيان .

ومقتضى ذيلها ثبوت الأرش مع التغيّر مطلقاً ؛ إذ هو تمام الموضوع له ، فلا مجال للتمسّك بدليل وجوب الوفاء بالعقد ، ولا بالاستصحاب(1) .

نعم ، بناءً على عدم ثبوت الإطلاق ، ودعوى الإهمال في الأدلّة ، فعلى المبنى المنصور المتقدّم ؛ من أنّ حقّ الفسخ حقّ تعييني متعلّق بالعقد ، وحقّ الأرش حقّ تعييني مستقلّ في قباله ، والتخيير إنّما هو في مقام الأخذ(2) ، لا محيص عن التفصيل بالأخذ بإطلاق دليل اللزوم في الزائد على القدر المتيقّن ، والقول بفورية خيار الفسخ ، والأخذ باستصحاب بقاء حقّ الأرش ؛ ضرورة أنّ دليل لزوم العقد ، وكذا دلالة التأخير على الرضا بالبيع لو سلّمت ، لا يوجبان سقوط الأرش .

وأمّا على مبنى القائل : بأنّ الحقّ في المقام واحد ، متعلّق بالردّ والأرش على سبيل التخيير والترديد(3) ، فمع سقوط حقّ الردّ ، أو عدم تحقّقه في الزمان الثاني بدليل وجوب الوفاء بالعقد ، لا يبقى الحكم التخييري ، والمفروض عدم ثبوت حقّ الأرش تعييناً ، فلا يجري استصحاب حقّ الأرش تعييناً مع الشكّ فيه .

وأمّا استصحاب جامع الحقّ على نعت استصحاب القسم الثالث من الكلّي ،

ص: 137


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 172 .
2- تقدّم في الصفحة 25 - 26 و37 و40 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 277 و279 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 99 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 : 232 .

فلا يجري ولو سلّمنا جريانه في غير المقام ؛ لأنّ ما هو المتيقّن ، هو الجامع بين الحكم المردّد والمعيّن ؛ أي نفس الحقّ ، واستصحابه لإثبات حقّ الأرش مثبت ، نظير استصحاب الكلّي لإثبات فرده .

مضافاً إلى ما قلنا في غير المقام : من أنّ الجامع بين الحكمين الشرعيين ، ليس مجعولاً ، ولا حكماً شرعياً حتّى يستصحب ، بل هو أمر انتزاعي عقلي من الجعلين ، والتفصيل في محلّه(1) .

وعلى ذلك : لا وجه للتفصيل المذكور ، بل لا بدّ من القول بسقوط الردّ بإطلاق دليل اللزوم ، وسقوط الأرش بأصل البراءة ، وإن كان في التسمية ب «السقوط» مسامحة ، والأمر سهل ، والتحقيق ما عرفت .

ص: 138


1- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 16 .

مسألة في عدم وجوب الإعلام بالعيب مطلقاً

إذا باع شيئاً فيه عيب ، هل يجب عليه إعلامه بالعيب ، أو يحرم عليه تركه مطلقاً ، أو لا كذلك ، أو يفصّل بين العيوب الظاهرة والخفيّة ، أو بين تبرّي العيب وعدمه ؟

وجوه : أوجهها عدمه مطلقاً ؛ لعدم الدليل عليه إلاّ دعوى كونه غشّاً ،

وهو حرام(1) .

وفيه : أنّ الغشّ أمر وجودي عرفاً ولغة ، وبحسب الموارد التي وردت في الأخبار الكثيرة الدالّة على حرمته(2) ، وهو ضدّ النصيحة ، ففي اللغة : غشّه ؛ أظهر له خلاف ما أضمره ، زيّن له غير المصلحة ، خدعه ، ضدّ النصيحة(3) .

ص: 139


1- تحرير الأحكام 2 : 368 - 369 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 335 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 175 .
2- راجع وسائل الشيعة 17 : 279 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 86 .
3- لسان العرب 10 : 74 - 75 ؛ أقرب الموارد 2 : 873 ؛ القاموس المحيط 2 : 292 .

فهو متقوّم بإيجاد عمل أو قول يوقعه في خلاف مصلحته ، أو يصلح أن يوقعه فيه ، فلا يصدق على مجرّد ترك النصح .

ودعوى : أنّ التزام البائع بصحّة المتاع يوجب صدقه ؛ فإنّه بمنزلة الإخبار بصحّته(1) قد مرّ بطلانها في أوائل البحث عن خيار العيب(2) .

وحاصله : منع التزامه أوّلاً ، كما هو المعلوم عند الرجوع إلى السوق ، ومنع كونه بمنزلة الإخبار إن رجع إلى تعهّد وصف الصحّة ؛ بمعنى الالتزام بلوازم تخلّفها .

نعم ، لو رجع إلى الالتزام بكونه صحيحاً فهو كذلك ، لكنّه غير ظاهر ، فالعمدة ممنوعية الالتزام المذكور .

ثمّ لو قلنا : بأنّ الالتزام الضمني يوجب الغشّ ، فلا إشكال في أ نّه لا يصدق مع التبرّي عن العيب .

وكيف كان : لا وجه لبطلان البيع على فرض كون ترك الإعلام غشّاً ؛ ضرورة أ نّه محرّم نفسي ، لا ينطبق على البيع حتّى خارجاً ، مع أ نّه لو كان منطبقاً عليه

أيضاً ، لم يوجب بطلانه ، ولا حرمته .

ص: 140


1- اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 176 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني4 : 528 .
2- تقدّم في الصفحة 10 - 14 .

مسائل في اختلاف المتبايعين

اشارة

وهو تارة : في نفس الخيار ، واُخرى : في موجبه ، وثالثة : في مسقطه ، ورابعة : في الفسخ .

في تشخيص المدّعي والمنكر

وليعلم : أنّ المهمّ في مسائل الخلاف تشخيص المدّعي من المنكر ، وقد ذكروا له وجوهاً ، والظاهر أ نّه موكول إلى العرف ؛ فإنّ الموضوع في قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «البيّنة على المدّعي ، واليمين على المدّعى عليه»(1) - كسائر الموضوعات - عرفي لا دخالة للشرع الأنور فيه .

والموازين الاُخر التي ذكرها الفقهاء ، ليست - على الظاهر - لبيان ما يقابل التشخيص العرفي ، بل هي اُمور لبيان ذلك ، كقولهم : إنّ المدّعي من لو ترك

ص: 141


1- الكافي 7 : 415 / 2 ؛ الفقيه 3 : 20 / 52 ؛ تهذيب الأحكام 6 : 229 / 554 ؛ وسائل الشيعة 27 : 234 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ، الباب3 ، الحديث 2 ، 3 و5 .

ترك(1) ، أو لو سكت يسكت عنه(2) ، أو من يكون في مقام إثبات قضيّة(3) ، أو من يدّعي خلاف الأصل(4) ، ولا يبعد انطباق غير الأخير على الموضوع العرفي .

وأمّا الأخير ، فالظاهر عدم التطابق بينهما ؛ فإنّ مرادهم ب «الأصل» هي الاُصول العملية ، والأمارات الشرعية ، والأمارات والاُصول العقلائية غير المردوعة ، والأصل الشرعي ربّما يتخلّف عن الموضوع العرفي ، كما لو ادّعى المشتري مثلاً العيب ، وأنكر البائع ، وكان المبيع مسبوقاً بالعيب ، فإنّه قد يقال : إنّ المشتري منكر ؛ لأنّ قوله موافق للأصل الشرعي ، مع أ نّه بحسب العرف مدّعٍ .

ولو نوقش في المثال لأجل مثبتية الأصل ، فلا إشكال في أنّ موافقة الاُصول الشرعية - مثل الاستصحاب - ومخالفتها لا ربط لهما بالموضوع العرفي .

وإن شئت قلت : إنّ الأصل لا يحرز موضوع قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «البيّنة على المدّعي . . .» إلى آخره ، حتّى على القول بالأصل المثبت ، ولا يكون موافقاً للموضوع مورداً ؛ للتخلّف في كثير من الموارد .

ولو قيل : إنّ في مورد الموافقة للأصل ، لا بدّ من ترتيب الآثار عليه إلى أن يثبت خلافه ، فلو كانت عين مسبوقة بملكية زيد ، فادّعاها عمرو ، يحكم بملكية زيد حتّى يثبت خلافه .

يقال : إنّه فرق بين لزوم أو جواز ترتيب الأثر على ملكية زيد ، وبين القضاء

ص: 142


1- شرائع الإسلام 4 : 97 ؛ قواعد الأحكام 3 : 436 ؛ الروضة البهيّة 2 : 82 .
2- مجمع الفائدة والبرهان 12 : 114 ؛ جواهر الكلام 40 : 371 .
3- مجمع البحرين 1 : 143 ؛ اُنظر مستند الشيعة 17 : 140 .
4- اُنظر شرائع الإسلام 4 : 97 ؛ قواعد الأحكام 3 : 436 ؛ رياض المسائل 13 : 158 .

له في مقام التخاصم ؛ فإنّ الفاصل للخصومة ليس إلاّ حكم القاضي بعد قيام البيّنة أو الحلف ، فلا يجوز للقاضي الحكم قبلهما وإن كانت العين مسبوقة بملكية أحدهما ، أو كانت تحت يد أحدهما .

فجواز ترتيب آثار ملكيتها لذي اليد أمر ، والحكم له على موازين القضاء أمر آخر ، فربّما يكون الشيء محكوماً بملكية المدّعي العرفي ، ويطلب منه البيّنة للقضاء له ، والتفصيل موكول إلى محلّه .

نعم ، مخالفة الأمارات العقلائية كاليد ونحوهما ، منطبقة ظاهراً مع المدّعي

عرفاً، وقد يستفاد من بعض الروايات أنّ ذا اليد منكر، فراجع باب تعارض البيّنة(1).

ثمّ إنّه لو اختلف الميزان العرفي مع الأصل الشرعي ، بناءً على كونه ميزاناً أيضاً ، فالظاهر هو الأخذ بالتشخيص العرفي كما أشرنا إليه .

ثمّ إنّه لا إشكال في أنّ المراد ب «الأصل» هو الأصل المعتبر شرعاً ، فلا وقع للاُصول المثبتة ، وكذا الاستصحاب مع الشكّ في المقتضي عند القائل بعدم اعتباره(2) ، ومن هنا قد يقع اختلاف النظر بين الفقهاء في التشخيص .

ثمّ إنّ الميزان في تشخيصهما هو مصبّ الدعوى ، لا مرجعها وغايتها ، فلو ادّعى العيب ، لا يصحّ الإرجاع إلى ثبوت الخيار وعدمه ، كما أنّ الميزان في قبول الدعوى ، هو كونها ذات أثر شرعي أو عقلائي غير مردوع .

ولهذا يمكن أن تقع الدعاوى المتعدّدة على عناوين كذلك ، كلّها ترجع إلى

ص: 143


1- وسائل الشيعة 27 : 249 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ، الباب 12 .
2- فرائد الاُصول، ضمن تراث الشيخ الأعظم 26 : 51 ؛ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 372 - 376 .

غاية واحدة ، فلو ادّعى العيب ، فأنكر البائع ففصلت الخصومة بالبيّنة ، ثمّ ادّعى البائع علمه بالعيب ، أو تبرّيه منه ، تقبل دعواه .

نعم ، لو ادّعى الخيار ، وأقام البيّنة على ثبوته فعلاً ، لا تقبل سائر الدعاوى المستلزمة لنفيه ، كدعوى كونه عالماً به ، أو دعوى إسقاطه ؛ لأ نّها منافية للبيّنة

التي هي حجّة في لوازمها .

موارد اختلاف المتبايعين :

اشارة

فلنرجع إلى التعرّض لموارد اختلافهما :

الأوّل : الاختلاف في ثبوت الخيار

لو اختلفا في ثبوت الخيار ، فالقول قول المنكر بيمينه ، لا لاستصحاب عدم الخيار ؛ فإنّه لا حالة سابقة له إن اُريد به استصحاب عدمه في البيع ، ومثبت إن اُريد به استصحاب عدم الخيار بعدم الموضوع إلى زمان تحقّقه ؛ لإثبات عدم الخيار فيه ، بل لكون المدّعي عرفاً هو الذي ادّعى ثبوته .

الثاني : اختلافهما في تعيّب المبيع

لو اختلفا في تعيّب المبيع فكالأوّل ؛ لما ذكر ، من غير فرق بين كونه قبل البيع صحيحاً ، أو معيباً ، أو مجهول الحال .

وقد يتوهّم هنا : أنّ المشتري هو المنكر فيما إذا كان المبيع مسبوقاً بالعيب ؛ لاستصحاب بقائه إلى زمان تحقّق العقد ، فقوله موافق للأصل(1) .

ص: 144


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 181 .

وفيه ما لا يخفى ؛ فإنّه - مضافاً إلى ما أشرنا إليه ؛ من أنّ تشخيص العرف مقدّم على الأصل(1) - مثبت ؛ لأنّ أصالة بقائه إلى زمان العقد لا تثبت وقوعه على المعيب .

نعم ، لو ادّعى البائع زوال العيب ، لصار مدّعياً ، والمشتري منكراً ، وهي دعوى اُخرى ، وكثيراً ما ينقلب المدّعي منكراً في خلال الدعاوى .

ولو اختلفا في كون شيء عيباً فكالسابق ؛ لكون المشتري مدّعياً عرفاً وأمّا أصالة عدم كونه عيباً فلا تجري ؛ لأ نّها غير مسبوقة باليقين على وجه ، ومثبتة على وجه آخر .

كما أنّ أصالة عدم كون الحيوان مثلاً معيوباً ، لا تثبت عدم كون ذلك الشيء عيباً .

وأصالة السلامة لا تجري في مورد الشكّ في كون الشيء عيباً ، كأصالة عدم القرينة في الشكّ في قرينية الموجود ، وأصالة عدم المانع في الشكّ في مانعيته ؛ فإنّ تلك الاُصول غير جارية في تلك الموارد .

نعم ، قد يكون الشيء مسبوقاً بعدم كونه عيباً ، ثمّ بعد الرشد والنموّ ، يشكّ في صيرورته عيباً ، فيجري الأصل فيه .

ولو اتّفقا في كون شيء نقصاً عن الخلقة الأصلية ، واختلفا في كونه عيباً - كالختان ، والثيوبة - فكالسابق .

ولو اتّفقا في كونه عيباً ، واختلفا في كونه موجباً للأرش ، كان له الخيار ، وأمّا

ص: 145


1- تقدّم في الصفحة 143 .

الأرش فالقول قول منكره ، هذا بناءً على أنّ العيب غير الموجب لنقص القيمة ، موجب للخيار فقط ، وأمّا بناءً على عدمه والملازمة بينهما ، فلا وقع للنزاع .

الثالث : الاختلاف في زمان حدوث العيب
اشارة

لو اختلفا في زمان حدوث العيب ، بعد الاتّفاق على أصله ، فهو على أنحاء :

منها : الاختلاف في وجود العيب عند تعلّق العقد وعدمه .

ومنها : الاختلاف في حدوثه قبل القبض وعدمه .

ومنها : في حدوثه في زمان الخيار المضمون على البائع وعدمه .

وفي جميع الصور يكون المدّعي هو المشتري ، فالقول قول البائع بيمينه ؛ للصدق العرفي ، لا للأصل ؛ لأنّ أصالة عدم كون الشيء معيباً إلى ما بعد زمان العقد ، لا تثبت تعلّقه بغير المعيب ، وسلب التعلّق بنحو الإطلاق ليس موضوعاً لحكم شرعي ؛ فإنّه يصدق مع عدم العقد والعاقد ، وما هو موضوع الأثر هو العقد المتعلّق بغير المعيب ، أو المتعلّق بالصحيح ، فإنّ أثره لزوم البيع ، وسلب الخيار .

وما قد يقال : من أنّ وصف الصحّة ، أو عدم كونه معيباً ، لا دخل لها شرعاً في اللزوم ؛ لأنّ موضوعه هو العقد الصحيح ، لا العقد على الصحيح ، بل المأخوذ شرعاً في موضوع دليل الجواز والخيار ، هو أنّ المبيع به عيب وعوار(1) .

ص: 146


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 11 .

لا ينبغي أن يصغى إليه ؛ ضرورة أنّ دليل لزوم العقد كقوله تعالى : )أَوْفُوا بِالْعُقُودِ((1) خصّص أو قيّد بأدلّة الخيارات ، منها خيار العيب ، فيكون موضوع اللزوم بحسب الشرع بعد التقييد ، هو العقد على غير المعيب ، مقابل العقد على المعيب ، ولا يعقل بعد التقييد بقاء الموضوع على إطلاقه حسب الإرادة الجدّية ، وإن لم يعنون به بحسب الإرادة الاستعمالية .

فهاهنا موضوعان ، لكلّ منهما أثر شرعي :

العقد على المعيب ، وأثره الخيار والأرش .

والعقد على الصحيح ، وأثره اللزوم من غير أرش .

فلا بدّ في إجراء الأصل الذي يراد به تشخيص المدّعي ، من أن يكون جارياً في محطّ الدعوى ، ويكون له أثر مطلوب ، كاللزوم ، وسلب الخيار ، والأرش في المقام ، ومحطّ الدعوى هنا هو وقوع العقد على غير المعيب ، واستصحاب عدم كون الشيء معيباً إلى زمان العقد ، لا يثبت وقوعه على غير المعيب .

وتوهّم : كون العقد على العين وجدانياً ، وعدم كونها معيبة يحرز بالأصل ، فيثبت الموضوع(2) فاسد ؛ لأنّ الموضوع كون العقد متعلّقاً بالمعيب ، وهو غير وجداني ، ولا محرز بالأصل ، وليس من قبيل الموضوعات المركّبة كما يظهر بالتأمّل .

هذا حال الصورة الاُولى .

ص: 147


1- المائدة (5) : 1 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 10 .
حكم الاختلاف في حدوث العيب قبل القبض أو مضيّ الخيار

وأمّا الاختلاف في حدوث العيب قبل القبض ، أو قبل مضيّ الخيار وعدمه ، فيمكن التفصيل فيهما : بين ما إذا علم بعدم العيب بعد العقد برهة من الزمان ، وشكّ في حدوثه في قطعة اُخرى قبل القبض ، أو قبل مضيّ الخيار ، وما إذا لم يتيقّن ذلك .

فعلى الأوّل : يجري استصحاب عدم حدوثه في المبيع قبل قبضه ، أو في زمن الخيار ، فيحرز به الموضوع ذو الأثر ويحكم بلزوم البيع ، وأنّ القول قول المنكر بيمينه .

وعلى الثاني : يكون الحال كالصورة الاُولى المتقدّمة ؛ لأنّ الموضوع للأثر هو كون المبيع - المفروض متعلّقاً للعقد - تالفاً ولو وصفاً قبل القبض ، أو في زمان الخيار ، وهذا العنوان ليس مسبوقاً باليقين ، وما هو مسبوق لا يصلح لإثبات تلك العناوين .

وبما ذكر يظهر حال الدعوى إذا اُقيمت على وجه آخر ، وهو دعوى المشتري تقدّم العيب على العقد ، أو على القبض ، أو على مضيّ الخيار ، مع إنكار البائع ، فإنّه مدّعٍ عرفاً ، ولا يمكن الاتّكال على الأصل ؛ لعدم الحالة السابقة له على وجه ، وكونه مثبتاً على وجه آخر .

الاختلاف في حدوث العيب في أحد الأزمنة المتقدّمة وبعدها

ولو ادّعى المشتري حدوثه في أحد الأزمنة المتقدّمة ، وادّعى البائع حدوثه بعدها ، كان كلّ منهما مدّعيا ومنكرا ، فيعمل على طبق قاعدة التداعي ، لأنّ كلاًّ

ص: 148

منهما يدّعي موضوعاً ذا أثر شرعي ، لما عرفت من أنّ كلاًّ من اللزوم والخيار ، أثر متعلّق بموضوع خاصّ(1) .

فلو أقام البائع البيّنة على حدوثه في يد المشتري ، أو بعد مضيّ الخيار ، يحكم بلزوم العقد ، وسلب الخيار والأرش .

وما عن ابن الجنيد : من أ نّه إذا ادّعى البائع أنّ العيب حدث عند المشتري ، حلف المشتري إن كان منكراً (2) لعلّه لأنّ البائع مدّعٍ عرفاً ، وتكون دعواه أمراً ذا أثر ، والمشتري منكر كذلك .

وأمّا ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه : من احتمال استناده إلى أصالة عدم تسليم البائع العين إلى المشتري على الوجه المقصود ، وعدم استحقاقه الثمن كلاًّ ، وعدم لزوم العقد(3) .

ففيه : - مضافاً إلى غاية البعد في تمسّك مثل ابن الجنيد ونظائره بتلك الاُصول المتداولة في ألسنة المتأخّرين على هذا المنهج البعيد - أنّ الاُصول المذكورة لا أصل لها ، وفيها إشكال من وجوه :

أمّا في الاُولى : فلأنّ العدم المذكور ، ليست له حالة سابقة إلاّ بنحو العدم المحمولي ، الصادق حتّى قبل وجود العقد والعاقد ، فهو بهذا الوجه لا أثر له ؛ لأنّ الأثر لو كان ، فهو مترتّب على التسليم لا على الوجه المقصود ، لا على عدم التسليم كذلك .

ص: 149


1- تقدّم في الصفحة 146 - 147 .
2- مختلف الشيعة 5 : 199 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 340 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 340 .

مع أنّ الأصل المذكور ، لا يثبت عدم حدوث العيب عند المشتري إلاّ بالأصل المثبت ، ومع الغضّ عنهما فهو معارض بأصالة عدم تسليمه على الوجه الآخر ؛ أي مع وصف العيب .

وأمّا في الثانية : فلأنّ الثمن لا يصير معنوناً بالثمنية إلاّ بعد العقد ، وعليه فيرد

عليها ما يرد على الاُولى : من أنّ العدم المحمولي لا أثر له ، ولا يثبت باستصحابه عدم الاستحقاق بعد وصف الثمنية .

مع أ نّه مثبت أيضاً ؛ لأنّ عدم حدوث العيب عند المشتري ، لازم عقلي لعدم استحقاق الثمن كلاًّ .

مضافاً إلى منع عدم استحقاقه كلاًّ ؛ فإنّ الأرش لا يتعيّن أن يكون من الثمن

وإن كان يتوهّم من تعبير بعض الروايات(1) ، لكنّ القيد عادي أكثري ، لا يصلح لتقييد المطلقات الدالّة على لزوم تفاوت القيمة ، أو لزوم الأرش .

وتوهّم : تقسيط الثمن على السلعة والعيب(2) ، فاسد جدّاً .

كما أنّ القول : بأنّ الأرش على الذمّة(3) ، فلو كان الثمن على ذمّة المشتري يتهاتر ، فيصحّ الأصل المذكور ضعيف لما مرّ في محلّه ؛ من أنّ الأرش ليس على ذمّة البائع ، وإنّما للمشتري حقّ مطالبته به(4) .

ص: 150


1- الكافي 5 : 207 / 3 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 60 / 257 ؛ وسائل الشيعة 18 : 30 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 16 ، الحديث 2 .
2- اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 10 .
3- الروضة البهيّة 2 : 414 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 9 : 302 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 152 - 153 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 : 231 .
4- تقدّم في الصفحة 41 - 42 .

وأمّا الثالثة : فقد يقال في تقريبها : إنّ موضوع اللزوم ، هو العقد على الصحيح ، ووقوعه عليه مسبوق بالعدم ، فبأصالة عدمه يحكم بعدم اللزوم(1) .

ويرد عليها ما يرد على السابقتين ؛ فإنّ عدم وقوع العقد على الصحيح ، ليس موضوعاً لأثر شرعي ، بل الموضوع للأثر وقوعه على المعيب ، والأصل لا يثبته ، مع أ نّه مثبت بالنسبة إلى مورد الدعوى ونفيها ، ومع الغضّ عن ذلك كلّه ، فهو معارض بالمثل .

وأمّا ما قيل في جوابه : من أنّ وصف الصحّة ، لا دخل له شرعاً في اللزوم ؛ لأنّ موضوع اللزوم العقد الصحيح ، لا العقد على الصحيح(2) ، فقد مرّ دفعه(3) .

وكما لا وقع للأصل المذكور ، لا وقع لأصالة عدم وقوع العقد على ما به عيب لنفي موضوع الخيار ؛ لأنّ ما يثبت به عدم الخيار في البيع الكذائي ، هو وقوعه على غير المعيب ، لا عدم وقوعه على المعيب بالعدم المطلق ، الصادق مع عدم العاقد والعقد ، ولا يصحّ إثبات المقيّد باستصحاب المطلق ، فالاُصول المذكورة كلّها مخدوشة .

وعن العلاّمة في «التذكرة» : لو أقام أحدهما بيّنة عمل بها ، ولو أقاما عمل

ببيّنة المشتري ؛ لأنّ القول قول البائع ، لأ نّه ينكر ، فالبيّنة على المشتري(4) .

أقول : قبول بيّنة المنكر ، وكذا ترجيح بيّنته على بينّة المدّعي ، مسألتان

ص: 151


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 11 .
2- نفس المصدر.
3- تقدّم في الصفحة 146 - 147.
4- تذكرة الفقهاء 11 : 210 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 340 .

مشكلتان ، وقد اختلفت فيهما الأخبار والآراء ولا سيّما في الثانية ، ولا يمكن

تنقيحهما في المقام ؛ فإنّه خروج عن وضع الرسالة .

لزوم التطابق بين الدعوى وردّها والحلف والبيّنة

ثمّ إنّه لا إشكال في أنّ مقتضى قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «البيّنة على المدّعي ، واليمين على المدّعى عليه»(1) أو «على من أنكر»(2) هو لزوم التطابق بين الدعوى وردّها ، وبين الحلف والبيّنة ، ولزوم كون مصبّهما أمراً واحداً ؛ لأنّ منشأ صدق العنوانين هو الدعوى ، وهما متضايفان .

والظاهر من المستفيضة ، أ نّه في الدعوى التي صار لأجلها المدّعي والمدّعى عليه معنونين بهما ، تكون البيّنة على الأوّل ، واليمين على الثاني .

نعم ، يكفي في الصدق العرفي أن يكون المدّعي مدّعياً للثبوت ، والمنكر نافياً لما يدّعيه ولو باللزوم العرفي ، لا العقلي ، فلو ادّعى عليه «أ نّي أقرضتك كذا» يكفي أن يقول : «ما كانت ذمّتي مشغولة لك في حال من الأحوال» فإنّ لازمه نفي الإقراض ، فيصدق الإنكار وردّ الدعوى .

بخلاف ما لو قال : «ليست ذمّتي مشغولة لك» فإنّ عدم الاشتغال الفعلي ، ليس ملزوماً لعدم الإقراض ، فلا تطابق .

ص: 152


1- تقدّم في الصفحة 141 .
2- عوالي اللآلي 2 : 345 / 11 ؛ وسائل الشيعة 27 : 293 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ، الباب 25 ، الحديث 3 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 368 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ، الباب 3 ، الحديث 4 و5 .

ففي المقام : لو ادّعى أنّ المبيع كان معيباً ، لا بدّ من الحلف على نفيه ، وأمّا الحلف على نفي استحقاق الردّ والأرش فلا يكفي ؛ لعدم التطابق بينهما .

إلاّ أن يقال : برجوع دعوى العيب عرفاً إلى دعوى استحقاقهما ، أو تضمّنها لها كذلك ؛ فإنّ تلك الدعوى لأجل إثبات الاستحقاق ، فعليه يكون الحلف على نفيه مطابقاً للدعوى بنحو الالتزام العرفي ، وفيه كلام .

وممّا ذكر يعلم : أ نّه لو ادّعى العيب ، فقال : «لا أدري» لم يتطابق الإثبات والنفي لا مطابقة ، ولا التزاماً ، ولم يتوجّه اليمين المذكور إليه ، فلو حلف كذلك لم

يكن فاصلاً للخصومة ، ولا موجباً لتوقّف الدعوى موقّتاً ، بل لا بدّ من ردّ الحلف على المدّعي ، أو الحكم على المدّعى عليه بمجرّد النكول ، وكذا الحال في كلّ مورد من الدعاوى المتعلّقة بالواقع .

نعم ، قد يكون مدّعياً لعلمه ، كما لو ادّعى البائع علم المشتري بالعيب ، فلا بدّ من الحلف على عدمه ، أو على عنوان يلزم منه عدمه .

اشتراط الجزم في الحلف وإن استند للأمارات

ثمّ إنّه لا بدّ في الحلف أن يكون بنحو الجزم ؛ أي متعلّقاً بقضيّة تصديقية جازمة ، فلو كان متردّداً فحلف جازماً ، لم يكن مثله فاصلاً بحسب الواقع ولو حكم الحاكم أخذاً بالظاهر ، كما لو حلف كاذباً ، أو مورّياً ، أو أقام المدّعي بيّنة

كاذبة ، مع غفلة القاضي عنها ، ولا يكون الحكم في تلك الموارد فاصلاً واقعاً ، فلو اطّلع القاضي على الواقعة ، يحكم بعدم الفصل .

وهل اللازم في الجزم ، أن يكون ناشئاً من اليقين بالواقع ، فلا يكفي الحلف

ص: 153

المستند إلى الأمارات العقلائية أو الشرعية ، إلاّ أن تفيد الاطمئنان ، أو يكفي الاستناد إلى الأمارات مطلقاً ، أو يكفي الاستناد إلى الاُصول أيضاً ، كالاستصحاب ، وأصلي الطهارة والحلّ ؟

لا إشكال في عدم اعتبار اليقين والقطع ، بل ولا حصول الاطمئنان ، بل يصحّ الحلف مع الاستناد إلى الأمارات العقلائية والشرعية ، وإلاّ لتوقّف جلّ الدعاوى ؛ فإنّه قلّما يتّفق العلم القطعي ، بل الاطمئنان ، ولا سيّما في موارد الدعاوى والاختلافات .

ويدلّ على الجواز والكفاية بعض الروايات(1) ، بل السيرة القطعية من العلماء الأخيار على ذلك .

وأمّا الاستناد إلى الاُصول(2) ففيه إشكال ، لا لعدم جواز الحلف جزماً على طبقها ؛ فإنّ حكم الشارع الأقدس بكونه طاهراً أو حلالاً ، يجوّز الحلف على نحو ما ورد ، بل لأجل عدم التطابق بين الدعوى والحلف ، إذا كانت

ص: 154


1- كرواية حفص بن غياث ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : قال له رجل : إذا رأيت شيئا في يدي رجل يجوز لي أن أشهد أ نّه له ؟ قال : «نعم» ، قال الرجل : أشهد أ نّه في يده ولا أشهد أ نّه له فلعلّه لغيره ، فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «أفيحلّ الشراء منه ؟» قال : نعم ، فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «فلعلّه لغيره ، فمن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكا لك ؟ ثمّ تقول بعد الملك : هو لي وتحلف عليه ، ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك ؟» ثمّ قال أبو عبداللّه عليه السلام : «لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق» . الكافي 7 : 387 / 1 ؛ وسائل الشيعة 27 : 292 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ، الباب 25 ، الحديث 2 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 341 .

الدعوى متعلّقة بثبوت الواقع .

وأمّا ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه : من الفرق بين الطهارة وبين ما نحن فيه ؛ بأنّ المراد ب «الطهارة» في استعمال المتشرّعة ، ما يعمّ غير معلوم النجاسة ، لا الطاهر الواقعي ، كما أنّ المراد ب «الملكية والزوجية» ما استند إلى سبب شرعي ظاهري(1) .

وقرّبه بعض المحشّين ؛ بأنّ الطهارة والنجاسة ، من الموضوعات المجعولة شرعاً ، فيكون ما هو مشكوك الطهارة ، طاهراً فعلاً شرعاً (2) .

ففيهما إشكال ولا سيّما الثاني ؛ فإنّه إن كان المراد ، أ نّه ليس في استعمالهم الطهارة الظاهرية والواقعية ، ولا فرق بينهما عندهم ، فهو ممنوع .

وإن اُريد أنّ المشكوك فيه طاهر حقيقة لدى الشارع الأقدس - كما هو مفاد قول المحشّي - فهو أفحش ، إلاّ عند من قال : بأنّ النجس هو خصوص معلوم النجاسة ، والعلم جزء الموضوع(3) .

وإن كان المراد صحّة الجزم بها ؛ فإنّ الطاهر الظاهري أيضاً طاهر بحسب الأحكام ، وهو كافٍ في الحلف على ثبوتها .

ففيه : أ نّه لا يفي بالجواب عن عدم التطابق بين الدعوى ونفيها ، مضافاً إلى أنّ استصحاب عدم العيب أيضاً مجوّز للحلف عليه ، كأصالة الطهارة ، فالتفصيل غير وجيه .

ص: 155


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18: 341.
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 13 .
3- الحدائق الناضرة 1 : 136 و190 .
فرع : في لزوم ردّ المعيب على الموكّل دون الوكيل

لو باع الوكيل في خصوص البيع ، فوجد به المشتري عيباً يوجب الردّ ، ردّه على الموكّل دون الوكيل ، فلو ردّه عليه صار ضامناً كالوكيل .

ولو اختلف المشتري والموكّل في العيب ونحوه ، يحلف الموكّل مع فقد البيّنة ، ولا يقبل إقرار الوكيل ؛ لأ نّه صار أجنبيّاً .

وتوهّم : نفوذ إقراره ؛ لقاعدة من ملك شيئاً ملك الإقرار به(1) .

فاسد ؛ فإنّه - مضافاً إلى عدم دليل على القاعدة ، وعدم ثبوت قيام إجماع معتمد أو شهرة معتمدة عليها ؛ لاحتمال استناد جملة من المجمعين إلى قواعد اُخر ، كقاعدة الإقرار ، أو توهّم ثبوت قاعدة عقلائية في نفوذه ممّن كان المال تحت يده، كقبول قول ذي اليد في الطهارة والنجاسة - على فرض صدورها بهذه اللفظة من المعصوم علیه السلام ، لا تشمل مثل المقام ؛ فإنّ الظاهر منها أنّ ظرف الإقرار هو عين ظرف الملك ، فالإقرار بعد مضيّ السلطنة والملك ، غير مشمول لها .

فلو أقرّ الوليّ بما يتعلّق بملك الصغير بعد قطع ولايته ، لم ينفذ بالضرورة ، وكذا لو باع ملك الصغير ، ثمّ انقطعت ولايته ، فأقرّ بشيء بالنسبة إلى بيعه ، أو إلى

ما باعه ، لم ينفذ اتّكالاً على القاعدة ؛ لعدم وحدة ظرف الإقرار والسلطنة .

فما قيل : من أ نّه لا شبهة في نفوذ إقرار الوكيل بالبيع ، إذا أنكر الموكّل وقوعه(2) ، على فرض صحّته لا بدّ وأن يكون له مستند غير تلك القاعدة ،

ص: 156


1- اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 188 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 14 .

ولم يثبت كون التسالم بينهم في ذلك - على فرضه - لأجل تلك القاعدة .

ففي المقام : حيث إنّ الوكيل انقطعت وكالته وسلطنته على المال بالبيع ، وليس الاستيلاء الخارجي قبل إقباض المشتري سلطنة ؛ فإنّ السلطنة من قبل البائع الموكّل انقطعت ، وليس سلطاناً من قبل المشتري أيضاً ، فلا سلطنة له بعد البيع قبل الإقباض ، فضلاً عمّا بعده ، فلا ينفذ إقراره .

هذا كلّه بناءً على أنّ المراد ب «الشيء» المأخوذ في القاعدة هو الأعيان المسلّط عليها .

وأمّا لو كان المراد منه هو التصرّفات الواردة على الأشياء ، كالبيع ، والإجارة ، ونحوها ، وكان المراد أنّ من ملك تصرّفاً ملك الإقرار به ، نفذ إقراره بالبيع ؛ لأ نّه

كان سلطاناً عليه ، وأمّا الإقرار بالعيب ونحوه فلا ؛ لخروجه عنها موضوعاً ، والتفصيل موكول إلى محلّه ، وكيف كان لا دليل على نفوذ إقراره ذلك .

وإذا كان المشتري منكراً لوكالته ، ولم تكن له بيّنة على إثباتها ، فادّعى على الوكيل تقدّم العيب مثلاً ، فإن اعترف الوكيل ، لم يملك ردّه على موكّله لو كان منكراً له ؛ لأنّ ذلك دعوى على الموكّل لا بدّ من فصلها بالبيّنة ، أو إحلاف الموكّل على عدمه ، وهذه الدعوى مقبولة ، لها أثر بحسب ظاهر الشرع ، كما أنّ الحلف كذلك ؛ لأ نّه يدفع عنه الضمان في الظاهر .

كما أ نّه لو أنكر الوكيل التقدّم ، حلف ليدفع عن نفسه ما يتوجّه إليه من الضمان .

ولو نكل فحلف المشتري اليمين المردودة ، ردّ العين على الوكيل ، وليس للوكيل ردّها على موكّله إلاّ مع إقامة البيّنة .

ص: 157

وأمّا ما عن «القواعد» : من ابتناء المسألة على كون اليمين المردودة كالبيّنة ، فينفذ في حقّ الموكّل ، أو كإقرار المنكر فلا ينفذ(1) .

ففيه : أ نّه لا دليل على كونه بمنزلة واحد منهما ، مع أ نّه على فرض التسليم ، لا يصحّ في المقام إلاّ على بعض الوجوه ، وتنقيح تلك المسائل موكول إلى محالّها .

الرابع : الاختلاف في السلعة
الاختلاف في السلعة مع الخلاف في الخيار

لو اختلفا في السلعة ، فتارة : يكون مع الخلاف في الخيار واُخرى : مع الاتّفاق عليه .

وعلى الأوّل : لو ادّعى المشتري أنّ هذه السلعة هي التي وقع عليها العقد ، وكان غرضه إثبات الخيار ، فأنكر البائع ، فالقول قول البائع ؛ لأ نّه منكر عرفاً ، وطرفه مدّعٍ كذلك .

وأمّا أصالة عدم كونها سلعته ، وأصالة عدم تعلّق العقد بها (2) ، وأصالة عدم وقوع هذه السلعة الشخصية موقع البيع ، وأصالة عدم حقّ للمشتري على البائع(3) . . . إلى غير ذلك ، فكلّها ممّا لا أصل لها :

ص: 158


1- قواعد الأحكام 2 : 78 - 79 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 343 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 344 .
3- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 17 .

أمّا ما عدا الاُولى ، فلأنّ تلك الاُصول على فرض جريانها ، لا تثبت عدم كونها سلعته إلاّ بالأصل المثبت ، وقد تقدّم منّا أنّ المشخّص للمدّعي والمنكر - على فرض كون الميزان فيه هو الأصل - إنّما هو الأصل الجاري في مصبّ الدعوى(1) ، ومصبّ الدعوى على الفرض ، هو كون السلعة له وعدمه ، وهذه دعوى مقبولة ذات أثر ، ولا يجوز إرجاعها إلى أمر آخر .

مضافاً إلى الإشكال في أصل جريانها ؛ فإنّ ما هو المسبوق باليقين ، هو عدم وقوع العقد عليها بعدم العقد ، أو العدم الصادق مع عدمه ؛ أي المطلق القابل للانطباق عليه وعلى شقّ آخر ، وهذا ممّا لا أثر شرعي له .

وما هو موضوع الحكم ، هو وقوع العقد على غير المعيب على نحو معدولة المحمول، أو وقوعه على الذي ليس بمعيب على نحو الموجبة السالبة المحمول، أو كون العقد لم يقع على المعيب على نعت السالبة مع فرض تحقّق الموضوع .

ومن الواضح : أنّ استصحاب العديل لإثبات عديله ، أو استصحاب المطلق لإثبات قسم منه ، مثبت .

وبهذا ظهر الكلام ، في أصالة عدم كون هذه السلعة واقعة موقع البيع ، إن رجعت إلى غير الأصل الأوّل ؛ فإنّ عدم الوقوع موقعه ، لا سابقة يقينية له إلاّ على نحو السلب المطلق ، أو النحو الآخر المشار إليه آنفاً ، ولا أثر له ، واستصحابه لإثبات قسم منه مثبت .

وأمّا أصالة عدم حقّ له عليه :

ص: 159


1- تقدّم في الصفحة 143.

فإن اُريد بها أصالة عدم حقّ الخيار له على البائع ، ففيها : أنّ الخيار لا يتعلّق إلاّ بالعقد .

وإن اُريد عدم تعلّق حقّ الخيار بالعقد ، فيرد عليها ما تقدّم ذكره .

وإن كان المراد به حقّ الأرش ، نظير أصل البراءة عنه ، فيمكن دعوى ورود الإشكال المتقدّم عليه أيضاً ؛ لأنّ الأرش هو التفاوت بين الصحيح والمعيب في المبيع الذي تعلّق به العقد ، لا التفاوت مطلقاً ، مع أ نّه مثبت بالنسبة إلى مصبّ الدعوى ، كما تقدّم .

وأمّا أصالة عدم كون هذه السلعة سلعته على فرض جريانها ، فهي وإن كانت في مصبّ الدعوى ، لكنّ الإشكال في جريانها ؛ لأنّ الأثر مترتّب على كون السلعة - أي ما تعلّق بها البيع ، وصارت سلعة باعتباره - معيبة أو غير معيبة ، وهذا ليس مسبوقاً باليقين ، واستصحاب ما له حالة سابقة يقينية ، مثبت .

والإنصاف : أ نّه إن بنينا على أنّ الميزان في التشخيص هو الأصل ، فلا يمكن الإحراز بتلك الاُصول ونحوها .

وممّا ذكرناه يظهر الكلام في أصل آخر ، وهو أصل حكمي ؛ أي أصالة عدم الخيار ، بدعوى أنّ الخيار حقّ حادث مسبوق بالعدم(1) .

إذ فيه : أ نّه وإن كان حقّاً حادثاً مسبوقاً بالعدم ، لكن مسبوقيته باليقين إنّما هي بعدم العقد ، وأمّا عدم الخيار في العقد فغير مسبوق باليقين ، وعليه فيرد عليه ما تقدّم ، مع أ نّه على فرض جريانه مثبت .

ص: 160


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 17 .

ولو ادّعى في هذا الفرض كلّ منهما غير ما يدّعيه الآخر ، فادّعى المشتري أنّ هذه السلعة سلعة البائع ، وادّعى البائع أنّ سلعته غير ذلك ؛ أي السلعة الصحيحة ، فكلّ منهما مدّعٍ ومنكر بحسب العرف ، والاُصول المتقدّمة ونظائرها قد عرفت ما فيها (1) .

هذا حال ما لو اختلفا في ثبوت الخيار .

الاختلاف في السلعة بعد الاتّفاق على الخيار
فهنا صورتان :
اشارة

وأمّا لو اختلفا في السلعة ، بعد الاتّفاق على الخيار ، فهنا صورتان :

الاُولى : أن يريد المشتري بردّ السلعة المعيوبة الفسخ

الاُولى : أن يريد المشتري بردّ السلعة المعيوبة الفسخ ؛ أي يريد الفسخ العملي بردّ المعيوب ، فأنكر البائع كونها سلعته ، فالقول قول البائع بيمينه .

وقد يقال : بالفرق بين هذا وبين الفرض المتقدّم ، ففي هذا الفرض يكون المشتري منكراً (2) .

وعن «الإيضاح»: أ نّه بعد الاتّفاق على الخيار، يكون الاختلاف في موضعين:

أحدهما : في خيانة المشتري ، فيدّعيها البائع ، والمشتري ينكرها ، والأصل عدمها .

ثانيهما : سقوط حقّ الخيار الثابت ، فالبائع يدّعيه ، والمشتري ينكره ، والأصل بقاؤه(3) .

ص: 161


1- تقدّم في الصفحة 158 - 159.
2- قواعد الأحكام 2 : 79 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 345 .
3- إيضاح الفوائد 1 : 499 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 345 .

ويرد عليه قبل كلّ شيء : أنّ إنكار كون السلعة سلعته ، لا يرجع إلى دعوى الخيانة ، ولا إلى دعوى سقوط الخيار ، بل ولا يلازمهما كما لا يخفى .

مع أنّ أصالة عدم الخيانة ، لا تثبت كون السلعة سلعته ، وهذا هو مصبّ الدعوى ، كما أنّ أصل بقاء الخيار لا يثبت كونها سلعته .

وناقش الشيخ الأعظم قدّس سرّه في كلام الفخر قدّس سرّه : بأنّ أصالة عدم الخيانة ، لو جرت مع وجود أصالة عدم كون المال الخاصّ هو المبيع ، لكانت جارية في الفرض الأوّل ؛ أي في صورة عدم الاتّفاق على الخيار ، وكانت حاكمة على سائر الاُصول التي تمسّك بها الفخر قدّس سرّه ، فلا فرق بين المسألتين(1) .

ولم يظهر منه تصديق الفخر في الأصل المذكور ، بل نظره الإشكال عليه ، وسؤال الفرق ، ولهذا لم يتمسّك بالأصل المذكور في شيء من الصور .

وقد يقال في تأييد الفخر قدّس سرّه ، وبيان الفرق بين هذا الفرض والفرض المتقدّم

الذي لم يتّفقا فيه على ثبوت الخيار : بأ نّه في صورة معلومية الخيار للعيب أو لغيره ، يكون دفع العين من البائع إلى المشتري - مع كونها في معرض العود إليه - شبيهاً بالأمانة ، فكأنّ البائع جعل المشتري أميناً في ذلك ، فعليه أن يقبل قوله في

دعوى التعيين(2) .

وفيه ما لا يخفى ؛ ضرورة أ نّه على فرض كونه شبيهاً بالأمانة ، لا يوجب ذلك لزوم قبول قوله ؛ إذ لا دليل على كون الشبيه بالأمانة في حكمها .

ص: 162


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 346 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 190 .

مع أ نّه لا شباهة لذلك بالأمانة ؛ فإنّ ردّ مال الغير إلى صاحبه ، منافر للأمانة ، لا شبيه بها ، ومجرّد احتمال الفسخ لا يجعله شبيهاً بها .

ويتلوه في الضعف ما قيل : من أنّ المشتري بمقتضى ثبوت حقّ الخيار ، وحقّ ردّ العين له ، تكون له الولاية شرعاً على العين ، فيجب تصديقه فيما له الولاية عليه ؛ لأ نّه أمين من قبل الشارع ، فلا يجوز اتّهامه وتخوينه ؛ للنصوص الخاصّة(1) ، انتهى .

وفيه : - مضافاً إلى أنّ الحقّ إنّما يتعلّق بالعقد ، لا بالعين ، والكلام إنّما هو في قبول قوله فيها - أنّ الخيار ليس من قبيل الولاية على العين المشتراة ، ولا مستلزم لها ، بل الخيار حقّ عقلائي متعلّق بالعقد ، لا ولاية مجعولة من قبل العقلاء في الخيارات العقلائية ، كخيار الغبن ، والعيب ، أو من قبل الشارع ، كبعض الخيارات الاُخر ، وقياس المقام بولاية الحاكم أو الأب والجدّ ، مع الفارق بلا ريب .

والحاصل : أنّ مجرّد جعل الحقّ له ، لا يوجب الولاية الشرعية ، ولا سيّما مع كون العين قبل الفسخ ملكاً للمشتري ، ولا معنى لجعل ولايته على ملكه ، وبعد الفسخ ملك للبائع يجب الردّ إليه ، من غير احتمال ولاية شرعية في الحالين .

وعلى فرض صحّة كلام الفخر قدّس سرّه : من أنّ البائع مدّعٍ للخيانة ، والمشتري منكر لها ، لا يحتاج كلامه إلى توجيه بعيد لعلّه لا يرضى به .

بل الظاهر أ نّه اتّكل على العرف في تشخيص المدّعي من المنكر ، وهو أمر

ص: 163


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 17 .

صحيح ، وإن كان إرجاع إنكار البائع عدم كون السلعة له إلى دعوى الخيانة ، غير مرضيّ .

وأمّا الموضع الثاني الذي أشار إليه الفخر قدّس سرّه ؛ وهو دعوى سقوط الخيار ، فإن كان مراده أنّ إنكار البائع ، راجع إلى دعوى السقوط ، فقد تقدّم ما فيه(1) .

وإن كان مراده : أ نّه مع الاتّفاق في الخيار ، يمكن أن يختلفا في سقوط الخيار وعدمه ، وهذا مختصّ بهذه الصورة ، فلا بأس به ، ولا يحضرني كلامه ، والأمر سهل .

ثمّ إنّ الاُصول المحكيّة عن الفخر - كسائر الاُصول المتقدّمة(2) - ممّا لا أصل لها ، ويرد على أصالة بقاء الخيار لإثبات كونها سلعته ، ما يرد على تلك الاُصول .

والشيخ الأعظم قدّس سرّه أشار إلى مثبتيتها هاهنا (3) ، مع ورود ذلك على بعض الاُصول التي تشبّث بها في الصورة السابقة(4) .

الثانية : في اختلافهما في السلعة في مقام الدفع

الثانية : في اختلافهما في السلعة في مقام الدفع بعد الاتّفاق على الخيار ، وتحقّق الفسخ ، فادّعى المشتري أ نّها سلعة البائع فأنكر ، فالقول قول البائع ؛ لما تقدّم(5) ، وليس في المقام أصل أصيل كسائر الصور .

واحتمال كون يد المشتري يد أمانة على المبيع بعد الفسخ ، أقرب ممّا تقدّم

ص: 164


1- تقدّم في الصفحة 161 - 162.
2- تقدّم في الصفحة 158 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 346 .
4- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 344 .
5- تقدّم في الصفحة 158 .

من القائل(1) ؛ بأن يقال : إنّه بعد الفسخ رجعت العين إلى المالك وهي في يد المشتري ، فإن لم تكن يده يد أمانة ، فلا بدّ من تضمينه لو تلف بتلف سماوي ، ومن البعيد التزامهم بذلك ، فلا بدّ وأن تكون يد أمانة شرعية ، والأمين يقبل قوله في مورد الأمانة .

وفيه : - بعد تسليم عدم الضمان - أ نّه لا دليل على الملازمة بين ذلك وكون اليد يد أمانة؛ إذ لا دليل على ثبوت الضمان باليد مطلقاً إلاّ فيما إذا كانت يد أمانة.

فقوله صلی الله علیه و آله وسلم : «على اليد . . .»(2) مطلق قابل للتخصيص ، أو الانصراف عن بعض الصور ، فيمكن أن يكون عدم التزامهم بالضمان ؛ لأجل ثبوت تخصيص عندهم للقاعدة ، أو دعوى انصرافها عن مثله .

مع أنّ القول بالضمان أخذاً بإطلاق القاعدة ، ممّا لا بأس به ، ولم يثبت تسالمهم على عدمه .

الخامس : الاختلاف في المسقط بالمعنى الأعمّ
فيه صور :
اشارة

فإنّ في عدّ بعضها من الاختلاف فيه مسامحة ، وفيه صور :

منها : ما لو اختلفا في علم المشتري بالعيب

منها : ما لو اختلفا في علم المشتري بالعيب ، فادّعى البائع علمه فأنكره ،

ص: 165


1- تقدّم في الصفحة 162 .
2- عوالي اللآلي 1 : 224 / 106 ، و2 : 345 / 10 ، و3 : 251 / 3 ؛ مستدرك الوسائل 14 : 8 ، كتاب الوديعة ، الباب1 ، الحديث 12 ؛ المسند ، أحمد بن حنبل 15 : 121 / 19969 ؛ السنن الكبرى ، البيهقي 6 : 90 و95 ؛ المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري 2 : 47 .

فالقول قول المنكر بيمينه ؛ للصدق العرفي .

وربّما يقال : إنّ العلم مانع ، وبأصالة عدمه يعمل المقتضي عمله ، فكما لو شكّ في المسقط بعد ثبوت الخيار يبنى على عدمه ، فكذا لو شكّ فيه في حال العقد ، فهو نظير ما إذا شكّ في الحدث حال الاشتغال بالوضوء ، فإنّه يبني على عدمه ، ويحكم بصحّته ، هذا إذا كان مسبوقاً بالجهل .

وأمّا إذا كان عالماً بالعيب سابقاً ، وكان الشكّ في زوال علمه حين العقد حتّى

يثبت له الخيار ، وعدمه حتّى يكون ساقطاً ، فالأصل بقاؤه ، ولا خيار(1) ، انتهى .

وفيه : أ نّه لو كان المقام من قبيل المانع والمقتضي ، فلا ينبغي الإشكال في أنّ أصالة عدمه - على فرض جريانها - للحكم بعمل المقتضي مثبتة ؛ فإنّ ترتّب المقتضى على مقتضيه على فرض عدم المانع عقلي ، وإن كان المقتضي والمانع شرعيين .

وهذا نظير ما قلنا في محلّه : من أ نّه لو جعل الشارع الملازمة بين الشيئين ، أو جعل العلّية لشيء بالنسبة إلى آخر ، فاستصحاب وجود الملازمة لإثبات ملازمه - كاستصحاب وجود العلّة لإثبات معلولها - مثبت ؛ لأنّ ثبوت أحد المتلازمين بثبوت الآخر ، كثبوت المعلول بثبوت علّته عقلي ، لا شرعي(2) .

نعم ، لو جعل حكماً عقيب شيء كوجوب الإكرام عقيب كون الشخص عالماً ، كان الترتّب بحكم الشرع ، فلا تكون شبهة إثبات .

ص: 166


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 190 - 191 .
2- اُنظر الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 155 و288 .

وممّا ذكرنا يظهر حال سائر الأمثلة المذكورة ، فأصالة عدم المسقط لا تثبت الخيار ؛ لأنّ ثبوته مع عدم علّة زواله عقلي ، وكذا أصالة عدم الحدث لإثبات صحّة الوضوء ، وقد مرّ حال استصحاب بقاء العيب لإثبات الخيار ، وقرّرنا أ نّه مثبت(1) .

ويتلوه في الضعف ما يقال : من أنّ المشتري منكر ؛ نظراً إلى أخذ عدم العلم في المقتضي للخيار في قوله علیه السلام : «أيّما رجل اشترى شيئاً وبه عيب وعوار ، ولم يتبرّأ إليه ، ولم ينبّه»(2) .

بتقريب : أ نّه لم ينبّه حتّى يتنبّه ، فعدم العلم مقوّم المقتضي للخيار ، وجزء موضوع الأثر ، فقول المشتري موافق للأصل الذي له أثر شرعي(3) ، انتهى .

إذ فيه : بعد الغضّ عن الإشكال في إمكان كون العدم - ولو كان مضافاً - جزءاً للمقتضي ، وصحّة نسبة الاقتضاء إلى ما لا تحقّق له بوجه من الوجوه .

والغضّ عن أنّ في رواية «التهذيب» «ولم يبرأ به» بدل «لم يتبيّن»(4) .

والغضّ عن أ نّه لم يكن في مقام البيان حتّى يستفاد ما ذكر .

والغضّ عن الإشكال في دلالتها على الاقتضاء .

أنّ في بعض النسخ ك «الوسائل» و«التهذيب» «وبه عور لم يتبرّأ إليه ،

ص: 167


1- تقدّم في الصفحة 144 .
2- الكافي 5 : 207 / 3 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 60 / 257 ؛ وسائل الشيعة 18 : 30 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 16 ، الحديث 2 .
3- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 22 .
4- تهذيب الأحكام 7 : 60 / 257 .

ولم يبيّن» على نقل «الوسائل» بدون ذكر «الواو»(1) فعليه تكون الجملتان وصفين ل «العور» و «العيب» .

فيكون حاصل المضمون : إذا اشترى شيئاً والحال أنّ به عوراً موصوفاً بعدم المعلومية ، فحينئذٍ لا بدّ من إحراز هذا المضمون بالأصل ، وهو غير ممكن ؛ لأنّ ذلك ليست له حالة سابقة إلاّ بالعدم المحمولي الأزلي ، واستصحابه لإثبات الموصوف بالوصف مثبت ، كما يظهر بالتأمّل .

وعلى بعض النسخ الاُخر المذكور فيها «الواو» يحتمل أن تكون الجملة حالية كالجملة السابقة ، فيأتي فيها ما يأتي في الجملة الموصوفة من الإشكال .

وعلى أيّ حال : لا يمكن إثبات كون الموضوع من المركّبات ، التي يصحّ إثبات جزء منها بالأصل ، والآخر بالوجدان .

ومنها : ما لو اختلفا في زواله قبل علم المشتري

ومنها : ما لو اختلفا في زواله قبل علم المشتري ومحطّ البحث هاهنا بعد تسليم أنّ زوال العيب قبل علمه مسقط للخيار ، كما نقل الشيخ الأعظم قدّس سرّه (2) التصريح به عن «التذكرة»(3) و «المسالك»(4) وعن «جامع المقاصد» الميل إليه(5) .

وقد خلط بعضهم بين هذه المسألة والمسألة الاُخرى التي تقدّم الكلام فيها ، وهي أنّ العيب بوجوده الواقعي سبب للخيار ، أو ظهوره دخيل ويكون العلم

ص: 168


1- وسائل الشيعة 18 : 30 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 16 ، الحديث 2 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 324 .
3- تذكرة الفقهاء 11 : 212 .
4- مسالك الأفهام 3 : 293 .
5- جامع المقاصد 4 : 352 .

جزء الموضوع لثبوته(1) ، فحمل كلام الشيخ قدّس سرّه ومورد البحث هاهنا على المسألة الثانية ، فقال في بيان تقديم قول المشتري : إنّ العيب علّة للخيار ، لا ظهوره(2) .

وقال آخر بعد كلام منه أجنبيّ عن محطّ البحث : ومنه يعلم أنّ النزاع في أصل الخيار ، لا في سقوطه بعد ثبوته(3) ، حملاً للكلام على المسألة الاُولى من المسألتين المشار إليهما ، وقد وقع في كلام الشيخ الأعظم قدّس سرّه أيضاً خلط صدرا وذيلاً .

والأولى أن يقال : إنّه بعد البناء على أنّ العيب بوجوده الواقعي سبب ، والعلم كاشف عنه ، كما هو التحقيق ، والبناء على أنّ زواله قبل علم المشتري من المسقطات ، كما ذهب إليه جماعة ، لو وقع الاختلاف في زواله قبل علم المشتري حتّى يتحقّق المسقط ، أو لا حتّى لا يتحقّق ، فالقول قول المنكر ؛ للصدق العرفي .

وأمّا أصالة عدم زواله قبل علمه فلا تجري ؛ لأنّ عدم زواله قبل علمه بهذا العنوان ، غير مسبوق بالعلم ، وإلاّ لما وقع التنازع فيه ، وأصالة عدم زوال العيب إلى زمان العلم به ، لا تثبت القبلية إلاّ بالأصل المثبت ، وكذا أصالة بقائه .

وكذا الحال في أصالة عدم علم المشتري بالعيب قبل زواله ؛ لأ نّها بين ما ليس مسبوقاً باليقين ، وبين ما هو مثبت .

ص: 169


1- اُنظر ما تقدّم في الصفحة 33 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 191 .
3- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 23 .

نعم ، لو كان الأثر مترتّباً على عدم زوال العيب إلى زمان العلم به ، وعلى عدم علمه إلى زمان زواله ، لجرى الأصلان وتعارضا .

وممّا ذكر يظهر الحال فيما لو ادّعى المشتري تأخّر زواله عن علمه أو بقاءه إلى زمان علمه ، وأنكر البائع .

كما يظهر الحال فيما لو ادّعى كلّ منهما عنواناً ، فادّعى البائع زواله قبل علم المشتري ، وادّعى المشتري زواله بعد علمه ؛ فإنّ المورد من التداعي ، وقد عرفت حال الأصل .

وكذا الحال لو اختلفا في زواله قبل الردّ أو بعده ، بناءً على قول آخر ؛ وهو أنّ زوال العيب قبل الردّ مسقط للخيار والأرش(1) ، فتأتي فيه الفروض المتقدّمة ، والكلام فيها هو الكلام فيما تقدّم ، والإيكال في التشخيص إلى العرف ، يحسم مادّة الإشكال .

ولو اختلفا بعد حدوث عيب جديد وزوال أحد العيبين ؛ في كون الزائل هو القديم أو لا .

فتارة : ترجع دعوى كونه هو القديم إلى عدم ثبوت الخيار رأساً ، كما لو تردّد الأمر بين زواله قبل العقد ، أو بعد دفعه إلى المشتري .

واُخرى : ترجع إلى سقوطه بعد ثبوته ؛ بأن تسالما على وجود العيب حال العقد ، وثبوت الخيار به ، واختلفا في كون الزائل هو ذلك قبل دفعه ، أو الحادث في يد المشتري .

والصورة الأخيرة هي مورد البحث ، لا الاُولى ؛ لأنّ المفروض الاختلاف في

ص: 170


1- تذكرة الفقهاء 11 : 212 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 325 .

المسقط ، فقد يدّعي البائع أنّ الزائل هو القديم ، وينكر المشتري ، وقد يدّعي

المشتري أ نّه هو الحادث ، وينكر البائع ، وقد يتداعيان ، فيدّعي البائع أ نّه هو القديم ، والمشتري أ نّه هو الحادث .

ثمّ إنّ المفروض فيما إذا كان للدعوى أثر ، فلو ادّعى البائع بأنّ الزائل هو القديم ، وقلنا في المسألة الفرعية : بأنّ زوال العيب الموجود حال العقد ، لا يوجب سقوط الردّ ، ولا الأرش ، وأنّ زواله وعدمه على السواء ، لم تكن دعواه مسموعة .

بخلاف ما لو قلنا : بأنّ زواله قبل علم المشتري ، أو قبل الردّ إليه ، موجب لسقوط الردّ والأرش ، أو الردّ فقط كما قد يقال(1) ؛ فإنّ دعواه مسموعة ذات أثر .

وكذا الحال في دعوى المشتري ، فلو قلنا : بأنّ حدوث العيب مسقط للردّ ، سواء زال أم لا ، فلا أثر لدعواه .

بخلاف ما لو قلنا : بأنّ لازم زواله ثبوت الردّ ، وأنّ الميزان قيام العين بنفسها حال الردّ ، فتصير دعواه ذات أثر .

وأمّا إرجاع دعواهما إلى دعوى اُخرى ذات أثر ، فلا وجه له ، إلاّ أن يكون اللازم العرفي من تلك الدعوى ، هي دعوى اُخرى ذات أثر ، فيكون المسموع هو الدعوى المذكورة .

وكيف كان : فلو ادّعى البائع زوال القديم ، وأنكر المشتري ، كان القول قول المشتري ؛ للصدق العرفي ، ولأصالة بقاء العيب ، أو عدم زواله إلى زمان التسليم إلى المشتري ، ولا يكون الأصل المذكور مثبتاً ؛ لأنّ المفروض تحقّق العيب

ص: 171


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 325 .

حال العقد ، والشكّ في بقائه إلى زمان الدفع ، وليس الدفع من القيود التي

نحتاج إلى إثباتها ، وأمّا بقاء الحادث وزواله ، فليسا مورد الدعوى حتّى يجري الأصل فيهما .

ولو ادّعى المشتري زوال العيب الحادث ؛ ليستفيد منه حقّ الردّ ، وأنكر البائع ، فالقول قول البائع ؛ لأ نّه منكر عرفاً ، ولأصالة بقائه أو عدم زواله إن كان جواز الردّ مترتّباً على ذلك ، وكان قوله علیه السلام في المرسلة : «إن كان قائماً بعينه»(1) كناية عن عدم وجود العيب في مقابل وجوده ، كما هو الظاهر .

ولو ادّعى البائع زوال القديم ، والمشتري زوال الجديد ، فيتداعيان ويتحالفان ، فإن قلنا : بأنّ زوال العيب القديم ، لا يوجب سقوط الأرش(2) ، فحينئذٍ مع التحالف يرجع المشتري إلى الأرش ، لتسالمهما على ثبوته .

وأمّا على القول : بأ نّه يوجب سقوط الأرش أيضاً (3) ، ففي الحكم بثبوت الأرش بعد التحالف ، تأمّل وإشكال ، وإن كان الظاهر أنّ هذا الفرض هو المحكيّ عن الشافعي : بأ نّه مع التحالف استفاد البائع بيمينه دفع الردّ ، واستفاد المشتري بيمينه أخذ الأرش(4) ، انتهى .

ص: 172


1- ا لكافي 5 : 207 / 2 ؛ ا لفقيه 3 : 136 / 592 ؛ تهذيب ا لأحكام 7 : 60 / 258 ؛ وسائل الشيعة 18 : 30 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 16 ، الحديث 3 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 325 .
3- راجع ما تقدّم في الصفحة 170 ، الهامش1 .
4- تذكرة الفقهاء 11 : 131 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 348 ؛ فتح العزيز 8 : 352 .

ولا يبعد الرجوع إلى القرعة بعد التحالف ، أو إلزامهم بالتصالح .

ومنها : ما لو اختلفا في زمان حدوث عيب مشاهد

ومنها : ما لو اختلفا في زمان حدوث عيب مشاهد غير ما اتّفقا على وجوده ، فلو ادّعى المشتري حدوثه عند البائع فأنكره ، فالقول قول البائع ؛ للصدق العرفي .

وأمّا أصالة عدم حدوثه ، سواء كان المراد به عدم وجوده حال البيع ، أو عدم حدوثه قبل القبض ، على اختلاف في المدّعى ، فلا تجري لما مرّ مراراً ؛ من عدم الحالة السابقة المتيقّنة على وجه ، وكون الأصل مثبتاً على آخر(1) ، هذا إذا كان الاختلاف في وجوده حال العقد .

وأمّا لو اختلفا في أ نّه حدث بعد القبض ، أو أ نّه حدث قبل القبض الذي هو مورد قاعدة التلف ، فالحكم كذلك ؛ فإنّه بهذا العنوان غير مسبوق باليقين ، والعدم المطلق المسبوق لا يثبت به ذلك .

نعم ، لو كان بعد العقد وقبل القبض زمان ، علم عدم تلفه فيه ، يصحّ إجراء الأصل ، وليس بمثبت .

ولو ادّعى البائع حدوثه عند المشتري ؛ ليسقط الردّ ، فالقول قول المشتري ، لا لأصالة عدم حدوثه عند المشتري ؛ لأنّ فيها ما تقدّم في الاُصول المتقدّمة(2) كما يظهر بالتأمّل ، بل لما مرّ من الصدق العرفي(3) .

وأمّا أصالة عدم حدوثه عند البائع ، فلا تصلح لإثبات حدوثه عند المشتري ، مضافاً إلى أ نّها على فرض الجريان ، يكون الصدق العرفي مقدّماً

ص: 173


1- تقدّم في الصفحة 168 و169 .
2- تقدّم في الصفحة 158 .
3- تقدّمت آنفاً .

على الأصل ، كما أشرنا إليه سالفاً (1) .

ومنه يظهر الحال فيما إذا ادّعى كلّ منهما حدوثه عند صاحبه ، كما يظهر الكلام في الاختلاف في الزيادة ، فلا طائل في الإطالة .

ومنها : ما لو اختلفا في البراءة

ومنها : ما لو اختلفا في البراءة ، فادّعى البائع البراءة ، فأنكرها المشتري ، فالقول قول المنكر ؛ للصدق العرفي ، لا لأصالة عدمها ؛ فإنّ ما هو الموضوع للأثر - على ما هو المستفاد من رواية زرارة(2) - اشتراء شيء به عيب لم يتبرّأ منه ، وهذا العنوان لا يمكن إثباته إلاّ بالأصل المثبت .

ولو أنكر المشتري سماع البراءة ، فالقول قوله أيضاً .

وقد يقال : إنّ مكاتبة جعفر بن عيسى يظهر منها خلاف ذلك(3) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن علیه السلام : جعلت فداك ، المتاع يباع فيمن يزيد ، فينادي عليه المنادي ، فإذا نادى عليه برئ من كلّ عيب فيه ، فإذا اشتراه المشتري ورضيه ، ولم يبق إلاّ نقد الثمن ، فربّما زهد ، فإذا زهد فيه ادّعى عيوباً ، وأ نّه لم يعلم بها .

فيقول المنادي : قد برئت منها . فيقول المشتري : لم أسمع البراءة منها .

أيصدّق فلا يجب عليه الثمن ، أم لا يصدّق فيجب عليه الثمن ؟

فكتب : «عليه الثمن»(4) .

ص: 174


1- تقدّم في الصفحة 143 .
2- تقدّمت في الصفحة 167 .
3- مجمع الفائدة والبرهان 8 : 437 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 349 .
4- تهذيب الأحكام 7 : 66 / 285 ؛ وسائل الشيعة 18 : 111 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 8 ، الحديث 1 .

وعن «الحدائق» : أنّ المفهوم من مساق الخبر ، أنّ إنكار المشتري إنّما وقع مدالسة ؛ لعدم رغبته في المبيع(1) ، وهو غير بعيد عن ظاهر الخبر ، ولعلّ السائل نقل صورة القضيّة على ما هي عليها ؛ ليطّلع على تكليفه ، أو تكليف غيره إذا كان الثمن المأخوذ منه مورد ابتلائه .

وقد حمل الخبر الشيخ الأعظم قدّس سرّه على ما يوافق قاعدة كون البيّنة على المدّعي ، واليمين على المدّعى عليه ؛ بأنّ قول المنكر مخالف للظاهر ، بحسب جريان العادة على سماع النداء ، على ما هو المتعارف من الدلاّلين(2) ، وهو جيّد .

واستشكل بعضهم فيه - مع قوله : ولعمري إنّه توجيه وجيه - : بأ نّه يتوقّف على أنّ موافقة الظاهر ومخالفته الموجبة لتشخيص المدّعي والمنكر ، مجرّد المخالفة للظاهر العرفي وإن لم يقم دليل على حجّيته ، وإلاّ فكلّ ظهور حال ، لا دليل على حجّيته ولو من العقلاء ، وظهور مقام النداء في سماع كلّ من حضر للشراء ، من هذا القبيل(3) ، انتهى .

وفيه : - مضافاً إلى قوّة احتمال عدم اعتناء العقلاء بمثل دعوى عدم السماع - أ نّه مع التصديق بأنّ محطّ مفاد الرواية ، هو ما أفاده الشيخ قدّس سرّه ، تكون نفس تلك الرواية دليلاً على حجّية مثل هذا الظهور .

ويمكن توجيه الرواية بوجه آخر ؛ وهو أنّ المقصود من السؤال ، العلم بتكليفه

ص: 175


1- الحدائق الناضرة 19 : 91 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 350 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 351 .
3- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 28 .

من التعامل مع الثمن معاملة ملك البائع ، أو المشتري على فرض أخذ الدلاّل من

المشتري ، لا بتكليف المشتري ؛ فإنّه عالم بتكليفه ، لعلمه بالسماع أو عدمه ، ولا تكليف القاضي في مقام تشخيص المدّعي ؛ فإنّه أمر بعيد من مثل السائل الذي هو من أصحاب الكتب ، نظير محمّد بن مسلم وأشباهه من الفقهاء ، مع عدم كونه ولا غيره من أصحابنا في معرض القضاء .

ويؤيّده : أنّ دعوى النداء لا تقابل إنكار السماع ، وصورة القضيّة أنّ البائع قال : «إنّي برئت» وقال المشتري : «لم أسمع» فلم ينكر ما ادّعاه ، كما لم يدّع البائع سماعه .

وأمّا الإشكال الآخر في الرواية : من أنّ النداء ما لم يقع في ضمن العقد ، لا يوجب سقوط الخيار ، والظاهر منها أنّ النداء كان قبل العقد ، كما هو المتعارف في البيع بالمزاد(1) .

فمبنيّ على أنّ البراءة من العيوب من المسقطات ، ولا بدّ في إسقاط الخيار من الإنشاء . وهو بمكان من الضعف ؛ لما تكرّر من أنّ خيار العيب عقلائي(2) ، ولم يكن لجعل الشارع فيه دخالة إلاّ نادراً ، ومن المعلوم أنّ النداء بالبراءة على النحو المعهود المتعارف ، موجب لعدم سببية العيب - على فرض وجوده - للخيار وأنّ ذلك دافع ، لا مسقط ، ولا من قبيل شرط السقوط ، أو شرط عدم الخيار .

ص: 176


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 351 .
2- تقدّم في الصفحة 14 و116 و163.

فإذا نادى بالبراءة ، وسمع المشتري واشتراه ، وقع العقد لازماً بلا خيار عند العقلاء ، والرواية شاهدة لذلك .

فالقول : باعتبار شرط السقوط في ضمن العقد ، أو إنشاء البراءة ، أو شرط عدم الخيار بعيد عن الصواب ، وهذا نظير العلم بالعيب ، حيث يكون موجباً لعدم ثبوت الخيار ، لا لسقوطه .

فالتفصّي عنه بما أفاده الشيخ قدّس سرّه (1) ، غير محتاج إليه ، بل غير مرضيّ .

كما لا وقع للتفصّي عنه ؛ بأنّ مدرك الخيار التزام البائع بالصحّة ، ومع التبرّي

لا يكون التزام حتّى يثبت الخيار ؛ وذلك لما مرّ سالفاً من عدم الأساس لهذه الدعوى(2) .

ثمّ إنّ اليمين لا بدّ وأن تكون على إنكار مصبّ الدعوى ، وهو مختلف ، فإن ادّعى البائع النداء بالبراءة ، وأنكر المشتري نداءه ، فاليمين على عدم النداء .

وإن توافقا في النداء ، واختلفا في سماع المشتري وعدمه ، فالبائع ادّعى سماعه ، وهو أنكره ، فاليمين على عدم السماع ، وهو يمين على البتّ ، والأثر مترتّب على سماعه وعدمه .

ومنها : ما لو ادّعى البائع رضا المشتري بالعيب بعد العلم به

ومنها : ما لو ادّعى البائع رضا المشتري بالعيب بعد العلم به بناءً على كونه مسقطاً ، أو ادّعى إسقاط الخيار بعد العقد ، أو تصرّفه بما يوجب السقوط ، أو حدوث عيب عنده بعد ما كان غير موجود عند التسليم .

ص: 177


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 351 .
2- تقدّم في الصفحة 10 .

وفي جميع هذه الصور ، يكون القول قول المشتري ؛ للصدق العرفي ، وللاُصول الجارية .

نعم ، لو كان الاختلاف في اشتراط السقوط في ضمن العقد ، يرد على أصالة عدم الاشتراط ، ما يرد على الاُصول المتقدّمة ، فالاتّكال في التشخيص على الصدق العرفي .

السادس : في الاختلاف في الفسخ
وفيه مسائل :
الاُولى : الاختلاف في أصل الفسخ

لو اختلفا في الفسخ ، فإن كان سبب الخيار باقياً ؛ بمعنى أ نّه لو كان كاذباً في دعواه كان له الخيار ، فحينئذٍ لو فسخ فعلاً يعلم بالانحلال ، إمّا سابقاً لو كان صادقاً ، أو فعلاً لو كان كاذباً ، وإنّما تسمع دعوى فسخه سابقاً إذا كان لدعواه أثر .

ثمّ إنّه حكي عن الشهيد : أ نّه يمكن جعل إقراره إنشاء(1) ولم يتّضح مراده .

فإن كان المقصود منه : أنّ إخباره بالفسخ ، يمكن أن يكون على نحو الكناية ، كالإخبار بكثرة الرماد للانتقال إلى السخاوة ، وكالجمل الإخبارية التي يؤتى بها في مقام الإنشاء ، نظير «أنكحت» و «بعت» .

فهو خروج عن محلّ البحث ؛ لأنّ المفروض أ نّه ادّعى الفسخ السابق وأخبر

ص: 178


1- الدروس الشرعية 3 : 286 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 352 - 353 .

به ، لا أ نّه أنشأه بالجملة الإخبارية .

ومنه يظهر الإشكال فيه ، لو كان مراده إمكان الجمع بين الإخبار والإنشاء ؛ لجواز استعمال اللفظ في أكثر من معنىً واحد، فإنّه أيضاً خروج عن محطّ البحث.

مع أ نّه لو كان صادقاً في دعواه ، لم يعقل تمشّي الجدّ في إنشائه ؛ لأنّ إنشاء حلّ ما هو منحلّ محال جدّاً .

وإن كان المراد : أنّ الإخبار عن الفسخ إظهار لعدم الرضا بالبيع ، ولا يعتبر في الفسخ إلاّ نيّته ووجود مظهر .

ففيه : - على فرض تسليمه - أ نّه فيما إذا أراد الفسخ ونواه وأظهره بوجه ، دون ما إذا أخبر بأمر سابق ؛ بداهة أ نّه مع صحّة دعواه ، لا يعقل أن ينوي الفسخ ، فلا يمكن حمل إخباره على نيّته له .

مع أنّ في كفاية ما ذكر في الفسخ وانحلال العقد به منعاً ، مضافاً إلى أنّ ذلك

مخالف لظاهر محكيّ كلام الشهيد قدّس سرّه .

كما أنّ ما حمله الشيخ قدّس سرّه عليه ، واحتمل كون ما ذكر للقاعدة المشهورة ؛ من أنّ من ملك شيئاً ملك الإقرار به(1) بعيد ، بل غير صحيح جدّاً .

نعم ، هنا كلام آخر ؛ وهو أنّ دعواه الفسخ مشمولة للقاعدة ، بل تكون القدر المتيقّن منها ؛ لأ نّه ملك الفسخ أو الخيار ، فملك الإقرار به ، فيكون منكراً ؛ لموافقة قوله للقاعدة الشرعية ، وإن كان مدّعياً بحسب العرف(2) .

ص: 179


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 353 .
2- اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 31 .

وفيه : - مضافاً إلى تطرّق الاحتمالات في متن القاعدة ؛ بحيث يمكن منع انطباقها على المورد ، فضلاً عن كونه متيقّناً ، ومضافاً إلى منع ثبوتها بالمعنى الوسيع الذي أرادوا إثباته - أنّ الاتّكال عليها في تشخيص المنكر ، محلّ إشكال بل منع ؛ لما تقدّم من أنّ الميزان هو التشخيص عرفاً ، ويكون مع التعارض هو المتقدّم على غيره(1) .

ثمّ إنّه على فرض انطباق القاعدة على المورد ، لا وجه لعدم انطباقها على الفرض الآخر ؛ وهو ما لو اختلفا في الفسخ بعد انقضاء زمان الخيار .

فإنّه لو اعتبر في الانطباق وحدة زمان الإقرار والملك الفعلي ، لم يصحّ التمسّك بها في شيء من الموردين ، وذلك للخروج عنها في الفرض الثاني ، وكونه من قبيل الشبهة المصداقية لها في الأوّل ؛ ضرورة عدم إحراز فعلية الخيار في حال إقراره ، بل إقراره مضادّ للخيار الفعلي .

وإن لم نعتبر ذلك ، واكتفينا بالإقرار بلحاظ حال الملك ، فالفرض الثاني أيضاً كذلك ، مع أ نّهم لم يحتملوا انطباقها عليه ، بل الظاهر منهم عدم الانطباق .

وكيف كان : ففي هذا الفرض أيضاً يكون المشتري مدّعياً ، وعليه البيّنة ، وعلى البائع الحلف على عدم الفسخ بتّاً ، وهو ممكن .

ولو ادّعى علمه بذلك كان عليه الحلف على نفيه ، لكنّه لا يكون قاطعاً للخلاف وفاصلاً للخصومة .

ص: 180


1- تقدّم في الصفحة 141 - 144.

ثمّ إنّه إذا لم يثبت الفسخ ، فهل للمشتري الأرش ، أم لا لإقراره بالفسخ اللازم من عدم الأرش ؟

وعن الشهيد : أ نّه يحتمل أن يأخذ أقلّ الأمرين ، من الأرش ، وما زاد على القيمة من الثمن إن اتّفق ؛ لأ نّه بزعمه يستحقّ استرداد الثمن ، وردّ القيمة ، فيقع

التقاصّ في القيمة ، ويبقى قدر الأرش مستحقاً على التقديرين(1) ، انتهى ، وهو جيّد في بعض الفروض .

الثانية : الاختلاف في تأخّر الفسخ عن أوّل الوقت

لو اختلفا في تأخّر الفسخ عن أوّل الوقت بناءً على فورية الخيار .

فتارةً يكون مصبّ الدعوى ، تقدّم الفسخ على وقت مضيّ الخيار وعدمه ، أو تقدّمه على آخر الوقت وعدمه ، أو تأخّره عن أوّل الوقت وعدمه ، وفي شيء منها لا تجري الاُصول ، ولا تصلح لإثبات تلك العناوين ، وأمّا المدّعي والمنكر عرفاً فظاهر ، فمع الأثر للدعوى تسمع ، وتكون البيّنة على المدّعي .

واُخرى : يكون المصبّ وقوع الفسخ في حال الخيار ، فيدّعيه المشتري ، فالقول قول البائع ؛ للصدق العرفي ، ولأصالة عدم الفسخ حال وجود الخيار ؛ فإنّه بهذا العنوان مسبوق باليقين بعد العقد وفي زمان الخيار آناً ما ، والفسخ حاله

موضوع ذو أثر ؛ وهو حلّ العقد به شرعاً ، وجريان الأصل لنفيه لا مانع منه ، كما هو المتسالم بينهم .

ص: 181


1- الدروس الشرعية 3 : 287 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 353 .

وأمّا أصالة بقاء الخيار إلى حال الفسخ ، فلا وقع لها ؛ لأنّ بقاءه إلى حاله لا أثر له ، وإنّما الأثر للازمه العقلي ؛ وهو الفسخ حال الخيار ، ولا تصلح لإثباته

إلاّ على القول بالأصل المثبت .

ومن التأمّل فيما ذكرنا ، يظهر النظر في كلام السيّد الطباطبائي وغيره في تعاليقهم(1) .

وأمّا أصالة صحّة الفسخ ، ففيها إشكالات تعرّض لبعضها الأعلام(2) .

ولو علم تأريخ الفسخ ، وشكّ في وقوع العقد قبله بزمان طويل ، أو قبيله بحيث لا يضرّ بالفورية ، فلا أصل لإحرازه ، وهو واضح .

الثالثة : الاختلاف في العلم بالخيار أو بفوريته

لو ادّعى البائع علم المشتري بالخيار أو بفوريته ، وأنكره المشتري ، فالقول قول المشتري .

وقد يقال : إنّه كذلك إلاّ أن يكون قوله مخالفاً للظاهر المعتمد(3)

وفيه إشكال تقدّم الكلام فيه(4) .

ص: 182


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 197 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 32 .
2- بغية الطالب ، المحقّق الإشكوري 2 : 358 / السطر33 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 197 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 33 .
3- اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 35 ؛ الخيارات (تقريرات المحقّق الحائري) الأراكي : 408 .
4- اُنظر ما تقدّم في الصفحة 143 - 144.

وقد يقال : إنّ ثبوت الخيار للعالم به ، أو ثبوت الفورية للعالم بها ، غير معقول ، إمّا للدور ، أو للخلف ، نظير ما يقوله المصوّبة(1) .

وفيه : أنّ قول المصوّبة لا يستلزم المحال ، وإن كان خلاف الواقع ، وقد ذكرنا في محلّه أ نّه لا مانع من جعل الأحكام القانونية الصورية ؛ ليجتهد فيها المجتهدون ، فإذا أدّى اجتهاد بعضهم إلى حكم ، والآخر إلى حكم آخر يخالفه ، تبع الحكم الفعلي لاجتهادهم(2) ، ويمكن تصوّر ذلك في المقام أيضاً .

ويمكن القول فيه زائداً على ذلك - بناءً على كون الدليل على الخيار حديث نفي الضرر(3) - : بأ نّه حاكم على دليل اللزوم ؛ بمقدار لا ينسب الضرر إلى تقصير صاحب الخيار ، فيدّعى أنّ عدم إعماله مع علمه بالخيار ، إهمال موجب لسلب الخيار ؛ لقصور دليله ، والأمر سهل .

ص: 183


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الخراساني : 230 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 34 ؛ الخيارات (تقريرات المحقّق الحائري) الأراكي : 407 - 408 .
2- أنوار الهداية 1 : 62 .
3- راجع وسائل الشيعة 18 : 32 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 17 ، الحديث 3 و4 و5 ، و25 : 427 ، كتاب إحياء الموات ، الباب 12 ، الحديث 3 و4 و5 .

القول في ماهية العيب

تعريف العيب

المأخوذ فيما سوى رواية زرارة من روايات الباب هو عنوان «العيب» .

وأمّا فيها فقد ذكر «العوار» أيضاً بعد «العيب» بلفظة «أو» كما في «الكافي»(1) وجلّ الكتب التي تنقل عنه(2) سوى «الوسائل» فإنّ الموجود في النسخة التي عندنا العطف ب «الواو»(3) .

وفي «التهذيب» بدل «العوار» : «العور»(4) .

أمّا على ما في نسخة «الكافي» المعروفة ، فلا يبعد أن يكون المراد به الخرق والشقّ ، كما هو أحد معانيه(5) ، بل لم يذكر الراغب في «مفرداته» من معانيه

ص: 184


1- الكافي 5 : 207 / 3 .
2- الوافي 18 : 737 / 4 ؛ مرآة العقول 19 : 230 / 3 ؛ جامع أحاديث الشيعة 18 : 107 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 12 ، الحديث 3 .
3- وسائل الشيعة 18 : 30 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 16 ، الحديث 2 .
4- تهذيب الأحكام 7 : 60 / 257 .
5- لسان العرب 9 : 469 ؛ أقرب الموارد 2 : 846 .

العيب(1) ، وعليه فيكون العطف من قبيل عطف الخاصّ على العامّ ، وقد ذكر خصوص «الخرق» في بعض روايات الباب(2) .

وأمّا على ما في نسخة «التهذيب» فكونه من قبيل عطف الخاصّ على العامّ واضح ؛ فإنّ العور ضعف حاسّة إحدى العينين ، أو ذهابها ، ولعلّ ذكره بالخصوص لأجل التنبيه على هذا القبيل من النقص ، الذي لا أثر له في الظاهر ، وإن كان عيباً حقيقة .

وكيف كان : فالمأخوذ في النصّ والفتوى هو عنوان «العيب» ، والمعوّل في تشخيصه مفهوماً ومصداقاً هو العرف ، كما هو الحال في جميع العناوين العقلائية المأخوذة في الأدلّة ، إلاّ أن يقوم دليل على الخلاف ، وسيأتي الكلام فيه .

ثمّ إنّ العيب من العناوين التي تختلف الأنظار فيها بحسب الأمكنة ، والأزمنة ، والاعتبارات ، والعقائد ، فربّما يكون شيء في بعض الأزمنة عيباً ، ولا يعدّ عيباً في زمان آخر ، بل قد يعدّ كمالاً .

وكذا مع اختلاف الأمكنة ، كما في قصر شعر المرأة من الأصل ؛ حسب اختلاف الأمكنة والأزمنة ، وسواد اللون وبياضه في النساء ؛ حسب اختلاف البلاد ، وكما في كون المرأة قليلة الولادة ، فإنّه عيب في بعض النواحي ، وكمال في الآخر .

وكذلك الختان كمال في محيط المسلمين واليهود ، وعيب في محيط النصارى .

ص: 185


1- مفردات ألفاظ القرآن : 595 .
2- راجع وسائل الشيعة 18 : 31 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 16 ، الحديث 4 .

فلا بدّ من الإيكال إلى العرف ، مع رعاية محيط المتعاملين بحسب الأزمنة ، والأمكنة ، والعادات .

والتعاريف التي وردت في كلام الفقهاء - كالأمثلة المذكورة في لسانهم - لعلّها وردت بملاحظة محيطهم ، وعاداتهم ، وعقائدهم ، ومن الواضح أنّ المسائل الفقهية ، لا تختصّ بمحيط دون محيط ، ولا بزمان دون زمان .

مع أنّ تلك التعاريف ، قاصرة عن إفادة مطلق العيب ، الذي نحن بصدد بيان ماهيته ، كقولهم : هو الخروج عن المجرى الطبيعي(1) ، وقد ادّعى في «مفتاح الكرامة» أنّ هذا الضابط مجمع عليه في الجملة(2) ، وعن «مجمع البرهان» الاتّفاق عليه(3) ، مع أنّ المحكيّ عنه تفسيره بأصل الخلقة(4) .

وأنت خبير : بأنّ ذلك الضابط ، لا ينطبق إلاّ على الخارج عن مقتضيات الطبيعة من الماهيات الأصيلة ، دون المصنوعات بيد البشر ، كالمنسوجات ونحوها ، ولا سيّما مع تفسيره بأصل الخلقة ، كما هو الظاهر منه .

وتفسيره : بما جرت به العادة(5) ، موجب لخروج المخلوقات الطبيعية ؛ فإنّها ليست على مجاري العادة ، إذ لا دخل لها في وجودها .

والأولى إيكاله إلى العرف ، فإنّه أمر واضح ، ولعلّ التفاسير توجب الإبهام .

ص: 186


1- تذكرة الفقهاء 11 : 189 ؛ رياض المسائل 8 : 257 .
2- مفتاح الكرامة 14 : 350 .
3- اُنظر مجمع الفائدة والبرهان 8 : 424 .
4- مجمع الفائدة والبرهان 8 : 422 .
5- جامع المقاصد 4 : 323 .

ولعلّ ما في «المنجد» من تفسيره بالنقيصة(1) ، أحسن ما ذكر في الباب ؛ فإنّ

الزيادات لو لم ترجع إلى نقيصة في الشيء ، لا تعدّ عيباً ، والنقيصة تشمل النقص في الخلقة الأصلية كنقص الإصبع وزيادته ، وما في المصنوعات من العيوب في الأوصاف ونحوها .

وأمّا ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه : من أ نّه النقص عن مرتبة الصحّة المتوسّطة بينه وبين الكمال ، فالصحّة ما يقتضيها أصل الماهية ، المشتركة بين أفراد الشيء لو خلّي وطبعه(2) .

فيرد عليه ما تقدّم : من أنّ الكلام لا يختصّ بالعيوب التي تفرض في أفراد الماهيات الأصيلة ، حتّى يقال : إنّ مقتضى الماهية كذا ، والأمر سهل بعد وضوح المطلوب .

عدم انحصار خيار العيب بموارد العيب بحسب أصل الخلقة

ثمّ إنّه لا إشكال في ثبوت خيار العيب عند العقلاء في غير المخلوقات الإلهية والماهيات الأصيلة ، ولا دليل على الانحصار بموارد العيب بحسب أصل الخلقة ، إلاّ توهّم دلالة رواية السيّاري عليه ، وفيها بعد ذكر قضيّة ابن أبي ليلى :

فأتى محمّد بن مسلم الثقفي ، فقال له : أيّ شيء تروون عن أبي جعفر علیه السلام في

المرأة لا يكون على ركبها شعر ، يكون ذلك عيباً ؟

فقال محمّد بن مسلم : أمّا هذا نصّاً فلا أعرفه ، ولكنّي حدّثني أبو جعفر ، عن

ص: 187


1- المنجد : 540 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 355 .

أبيه ، عن آبائه ، عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، أ نّه قال : «كلّ ما كان في أصل الخلقة ، فزاد أو نقص ، فهو عيب . . .» (1) إلى آخرها .

بدعوى : أنّ الكلّية بصدد تحديد العيب الذي هو موضوع للحكم الشرعي ، فما هو خارج عنها ، لا حكم له وإن كان عيباً (2) .

وفيه : مضافاً إلى ضعف السند(3) وإرسالها ، وتوهّم عمل الأصحاب بها ؛ بملاحظة أنّ عباراتهم على طبق مضمونها (4) ، فاسد ؛ لأ نّها ليست كتعبيرهم ، ولعلّ التعبير بما ذكر فيها تفسير بالمعنى الارتكازي العرفي ، فتأمّل .

بل الظاهر عدم عمل أحد منهم بها ؛ ضرورة عدم حصرهم خيار العيب بما هو ناقص في الخلقة الأصلية ، فهي على فرض دلالتها على الحصر ، معرض عنها ، لا معمول بها .

أنّ دلالتها على الحصر ممنوعة ؛ ضرورة أنّ سؤال ابن أبي ليلى وجواب ابن مسلم ، يختصّان بالجارية ، وتلك الكلّية يحتمل أن تكون واردة فيها ، أو في مطلق الحيوان ، أو في المخلوقات الأصيلة مطلقاً ، ومع الاحتمالات لا يمكن استفادة الردع منها .

ص: 188


1- الكافي 5 : 215 / 12 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 65 / 282 ؛ وسائل الشيعة 18 : 97 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 1 ، الحديث 1 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 37 .
3- لأنّ أحمد بن محمّد السيّاري ضعيف الحديث ، فاسد المذهب ، مجفوّ الرواية ، كثير المراسيل ، كما قاله النجاشي والشيخ . اُنظر رجال النجاشي : 80 / 192 ؛ الفهرست ، الطوسي : 66 / 70 .
4- جواهر الكلام 23 : 258 .

وعلى فرض ورودها في المخلوقات الأصيلة ، فلا دلالة لها على التحديد والحصر ؛ فإنّ غاية دلالتها أنّ النقص والزيادة المذكورين عيب ، لا أنّ العيب منحصر بهما .

ويشهد له إثبات الخيار في الروايات بجملة من الأشياء التي لا تكون من المخلوقات بالمعنى المذكور ، كالثوب ونحوه(1) ، وكذا في الحيوان ممّا لا يكون العيب من قبيل النقص في الخلقة(2) .

فلا إشكال في عدم صلوح الرواية للردع عن بناء العقلاء ، أو لتقييد الإطلاق لو كان في الباب إطلاق .

حكم الزيادة أو النقيصة الموجبة لزيادة القيمة أو عدم النقص

ولو كانت الزيادة أو النقيصة ، موجبة لزيادة القيمة أو عدم النقص ، فإن لم تعدّ عرفاً عيباً كالختان - بناءً على أنّ الغلفة زائدة ، خلقت لأجل تربية حشفة الطفل في الباطن ، كالغلاف المخلوق لبعض الحبوب لتربيتها ، وعليه فعند الاستغناء عنها ، لا يكون قطعها عيباً - فلا إشكال في عدم ثبوت الخيار ؛ لأ نّه مترتّب على عنوانه ، لا على النقص ، وقد عرفت حال رواية السيّاري .

وإن كانت تعدّ عيباً عرفاً ، وإن أوجبت زيادة القيمة ، كالخصاء في الحيوان ، الذي لا يصير خاضعاً للعمل المطلوب منه إلاّ بإخصائه ، فهل يثبت بمثل ذلك

ص: 189


1- الكافي 5 : 207 / 2 ؛ وسائل الشيعة 18 : 29 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 16 ، و : 109 ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 7 .
2- راجع وسائل الشيعة 18 : 105 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 5 .

العيب خياره ، أم يختصّ بالعيوب الموجبة للنقص ؟

الظاهر عدم الاختصاص ، وثبوت الخيار مطلقاً ؛ لبناء العقلاء على ثبوته للعيب ، من غير نظر إلى القيم ، كما أنّ خيار الغبن ثابت للشيء بلحاظ القيمة ، من غير نظر إلى أوصاف الشيء وأجزائه إلاّ لتشخيص قيمته .

فلو اشترى عبداً أعرج ، يوجب عرجه زيادة قيمة لأجل منعه عن الإباق ، فلا ينبغي الإشكال في ثبوت الخيار له ، فالعيب بعنوانه الذاتي ، محطّ نظر العقلاء لإثبات الخيار .

كما أنّ مقتضى إطلاق السؤال والشرطية الاُولى في مرسلة جميل(1) هو ذلك .

وقد تقدّم في محلّه : أنّ المرسلة مشتملة على شرطيتين ، لإثبات حكمين مستقلّين ، وليست الشرطية الثانية مفهوم الاُولى ؛ فإنّ إحداهما متكفّلة بإثبات الردّ ، والثانية بإثبات الأرش(2) ، فلا وجه لتوهّم عدم الإطلاق في الاُولى .

فتحصّل : أنّ مقتضى بناء العرف وإطلاق الدليل ثبوته ، ولا دليل على الردع عن البناء ، ولا على تقييد الإطلاق ؛ لأنّ تعرّض الروايات(3) للعيوب الموجبة للأرش ، لا يفهم منه الاختصاص ، وإنّما ذلك لكون غالب العيوب كذلك ، فلا تصلح تلك الروايات للتقييد والردع .

وعدم أخذ ذي الخيار بخياره ، إذا كان غرضه المالية ، غير عدم حقّ الخيار ،

ص: 190


1- تقدّمت في الصفحة 19 و46 .
2- تقدّم في الصفحة 133 .
3- وسائل الشيعة 18 : 29 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 16 ، و : 102 ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 .

كما لو اشترى شيئاً بقيمة رابحة جدّاً ، فوجد فيه عيباً ، وكانت السلعة مع ذلك رابحة جدّاً ، ولأجله ترك الأخذ بالخيار ، ومن المعلوم أنّ ذلك لا ينافي ثبوته له .

وبما ذكرنا يظهر النظر في كلام الشيخ الأعظم قدّس سرّه : من تقوية احتمال كون المناط في العيب هو النقص المالي(1) .

وأمّا ما في تعليقة السيّد الطباطبائي قدّس سرّه : من أنّ هذا هو المتعيّن ، قائلاً بأنّ المراد من العيب في المقام - بحكم الانصراف - هو العيب من حيث المالية ، لا في حدّ نفسه ، وإلاّ فكثير من الأوصاف والزيادات والنقائص ، عيب في الشيء في حدّ نفسه ، خصوصاً في مثل الحيوانات ، ولا يكون متعلّقاً للحكم بلا إشكال(2) ، انتهى .

ففيه : أ نّه خلط بين العيوب التي لا يعتني بها العقلاء ، والتي هي مورد الاعتناء وإن زادت بها القيمة .

وتوضيحه : أ نّه كما يختلف تفاوت القيمة باختلاف المعاملات المتعلّقة بالأمتعة والسلع في ثبوت خيار الغبن وعدمه ، فقد يكون النقص عن القيمة بمقدار ربع الدينار أو أقلّ في معاملة غبناً ، ولا يكون كذلك في معاملة اُخرى ، بل لا تعدّ عشرات منه في بعض المعاملات غبناً ، وإن كان نقصاً بحسب الواقع ، فلا يقال عرفاً فيمن باع عمارة أو سفينة كبيرة ، قيمتها مليون ديناراً ، بأقلّ منه

بمقدار مائة دينار ونحوها : «إنّه مغبون ، وله الخيار» .

كذلك العيوب في خيار العيب ، يختلف حكمها بحسب اختلاف المعاملات ،

ص: 191


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 359 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 203 .

فلو اشترى عمارة ذات طوابق ، وكان أحد أبواب بعض الطوابق معيوباً ، لا يقال : «إنّ المبيع معيوب ، وله خيار العيب» بخلاف ما لو اشترى نفس الباب ، فإنّ نقصه عيب يوجب الخيار .

وعلى هذا القياس ، لو اشترى قرية ، وكانت فيها دور وعمارات ، وكان بعض غرفها خرباً ، لا يعتني به العقلاء بالنسبة إلى تلك المعاملة ، فتختلف المعاملات في ثبوت خيار العيب وعدمه فيها ، فقد يعتني العقلاء بأقلّ مراتب العيب ، ويثبت عندهم خياره ، وقد لا يعتنون به .

فما أفاده : من أ نّه كثيراً ما يكون في الأشياء عيب ، ولا خيار فيه بلا إشكال حقّ ، لكنّه ليس لأجل دخالة المالية في ثبوت الخيار ، بل لأجل لزوم كون العيب ممّا يعتني به العقلاء في المعاملة .

وعليه فالعرج عيب يوجب الخيار ، وإن زادت القيمة به أحياناً ، وكذا الخصاء عيب موجب له ، وإن زادت به .

حكم النقص الشائع الذي يصدق عليه «العيب»

ثمّ إنّه لو كان النقص شائعاً في أفراد طبيعة ، كالخصاء في العوامل ، وكالختان في المسلمين ، فإن كان ذلك موجباً لعدم صدق «العيب» عليه ، فلا إشكال في عدم ثبوت خياره .

وأمّا مع صدق العنوان ، فيختلف الحكم حسب اختلاف المباني في ملاك ثبوت الخيار :

فعلى القول : بأنّ الملاك هو التزام البائع ضمناً بالسلامة من العيوب ، لا بدّ من

ص: 192

التفصيل بين علم البائع بالشيوع وعدمه ؛ ضرورة أ نّه مع جهله يكون الالتزام بها متحقّقاً على فرض صحّة المبنى .

بل الأمر كذلك لو قلنا : بأنّ بيع مثل ذلك ملازم للتبرّي من العيب ؛ بداهة أ نّه مع جهل البائع لا وجه له ، ومن هنا ظهر ما في إطلاق الشيخ قدّس سرّه وغيره(1) .

وإن قلنا : بأنّ الخيار ثابت إلاّ مع إقدام المشتري على اشتراء المعيب ، فلا بدّ من التفصيل بين علمه بالواقع وعدمه ؛ إذ مع جهله لا إقدام كما لا يخفى .

وهكذا لو قلنا : بأنّ اعتماد المشتري على أصالة الصحّة ، موجب له ؛ لوضوح ثبوت ذلك مع الجهل .

نعم ، لو قلنا : بأنّ ثبوت الخيار ؛ لأجل كون الأصل والقاعدة في الأشياء السلامة ، والمناط هو ثبوت القاعدة واقعاً ، فلا يثبت مطلقاً فيما إذا كان الأصل فيه العيب ، أو لم يكن الأصل فيه السلامة .

حكم النقص عن الخلقة الأصلية الذي لا يكون عيباً

ثمّ إنّه مع عدم كون النقص عن الخلقة الأصلية عيباً ، فعلى مبنى القوم يثبت للمشتري - مع جهل المتبايعين بشيوعه - خيار تخلّف الشرط الضمني ؛ بدعوى أنّ الأصل هو السلامة عن مطلق النقص الخلقي ، سواء كان عيباً أم لا(2) .

ص: 193


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 357 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 39 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 359 .

ولازم ذلك أنّ الشرط الضمني ، يوجب خيار العيب فيما إذا كان النقص عيباً ، وخيارَ تخلّف الشرط فيما إذا لم يكن كذلك .

وفيه ما لا يخفى ؛ فإنّ الشرط المذكور ، لو كان موجباً للخيار بما هو شرط ، فلا وجه لعدم إيجابه في مورد العيب ، بل لا بدّ إذن من إثبات خيارين ، أحدهما : خيار الشرط بدليله ، والآخر : خيار العيب بالأدلّة الخاصّة .

ويجري هذا الكلام فيما إذا اشترط صريحاً عدم عيب خاصّ مثل الخصاء ، ففي مثله يمكن أن يقال : بثبوت خيارين ؛ لتحقّق سببهما .

وأن يقال : بثبوت خيار العيب فقط ، بناءً على ثبوته بسبب الشرط الضمني في غير المقام ؛ بدعوى أنّ الشرط المذكور ، لم يكن غير الشرط الضمني المصرّح به ، بل هو تأكيد له ، لا شرط زائد ، فلو لم يثبت بالشرط الضمني في مورد العيب إلاّ خيار العيب ، فلا وجه لثبوت خيار غيره .

أو يقال : بثبوت خيار الشرط فقط ؛ لأنّ ثبوت خيار العيب ، إنّما هو لأجل الاتّكال على أصل السلامة ، والشرط الصريح كاشف عن عدمه .

والأولى أن يقال : إنّ الشرط الضمني لا أصل له ، وأمّا لو شرط صريحاً فيثبت به خيار تخلّف الشرط لدى العقلاء .

وأمّا خيار العيب ، فبناء على ثبوته لدى العقلاء بتحقّق عنوانه ، مع عدم التبرّي عنه ، وعدم إقدام المشتري ، لا بدّ من القول به أيضاً ، وإن كان العيب شائعاً في افراد الطبيعة مع فرض جهلهما به .

وأمّا إن قلنا : بأ نّه إنّما يثبت عندهم ، فيما إذا كان الأصل فيه هو السلامة ، فمع شيوع العيب - حيث لا أصل ، بل الأصل خلافه - لا يثبت خياره لدى العقلاء ،

ص: 194

لكن مقتضى إطلاق دليل الخيار - كمرسلة جميل(1) - ثبوته .

فلو قلنا : بثبوت الخيارين ، كان المشتري مخيّراً شرعاً - قبل تغيّر العين - بين أخذ الأرش ، والفسخ لخيار العيب وخيارٍ آخر ؛ هو خيار تخلّف الشرط ، ومع التغيّر يكون مخيّراً بين الأرش للعيب ، والفسخ لتخلّف الشرط ، والتخيير بينهما عقلي بعد بطلان الجمع .

ثمرة المقام

ثمّ إنّ الثمرة في أنّ الثابت هل هو خيار تخلّف الشرط فقط ، أو خيار العيب كذلك ، تظهر فيما إذا كان للعيب أرش ، فمع ثبوت خيار العيب يتخيّر بين الردّ والأرش ، بخلاف خيار تخلّف الشرط ، فإنّ له الفسخ فقط .

كما أ نّها تظهر مع تغيّر العين، فليس له الردّ في خيار العيب، دون تخلّف الشرط.

وقد يقال : إنّ سقوط الردّ فيما إذا كان للعيب أرش ، لا مطلقاً ، فلا ثمرة بينهما من هذه الجهة(2) .

وفيه منع ؛ لما تقدّم منّا : من إطلاق مرسلة جميل(3) وتوهّم الاختصاص ناشئ عن توهّم كون الجملة الثانية فيها مفهوماً للاُولى ، وقد تقدّم تزييفه(4) .

ص: 195


1- تقدّمت في الصفحة 19 و46 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 327 ؛ اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 44 .
3- تقدّم في الصفحة 133 .
4- تقدّم في الصفحة 133 .

وأمّا الثمرة الاُخرى التي أشار إليها الشيخ الأعظم قدّس سرّه في صورة حصول هذا النقص قبل القبض أو في زمان الخيار(1) ، ففيها كلام طويل الذيل ، ذكرنا جملة وافية منه في مسقطات خيار العيب(2) ، وسيأتي إن شاء اللّه أيضاً في محلّه(3) ، فلا مجال هاهنا للتعرّض له ، وإن كان الأقوى أنّ النقص الحاصل قبل القبض ، يثبت به الردّ والأرش في خيار العيب ، ولا يثبت به شيء في خيار الشرط .

وأمّا الحاصل في زمان الخيار ، ففيه كلام وإشكال ، فراجع ما حرّرناه في المقام المشار إليه(4) .

ص: 196


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 359 - 360 .
2- تقدّم في الصفحة 71 .
3- يأتي في الصفحة 585 .
4- يأتي في الصفحة 472 .

الكلام في الأرش

معنى الأرش لغة واصطلاحاً

وله في اللغة معانٍ مختلفة ذاتاً ؛ بحيث لا يعقل فيها الاشتراك المعنوي .

كما أنّ القول : بالاشتراك اللفظي في جميع موارد استعمال لفظة «الأرش»(1) ، غير ظاهر ، ولا وجه لإرجاع الكلّ - بالتكلّف البارد - إلى معنىً واحد فيما أمكن ، والقول بالمجاز فيما لا يمكن ، كما لا داعي للقول : بالاشتراك فيما يكون له جامع قريب عرفي .

وكيف كان : لا إبهام في معناه المراد منه في المقام في النصّ والفتوى ، فإنّه عبارة عن التفاوت الذي يكون بين الصحيح والمعيب .

وبعبارة اُخرى : ما يردّ لجبر ما أخذه بلحاظ وصف الصحّة ، ففي رواية حمّاد بن عيسى : «له أرش العيب»(2) .

ص: 197


1- اُنظر مفتاح الكرامة 14 : 424 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 391 .
2- تهذيب الأحكام 7 : 61 / 263 ؛ وسائل الشيعة 18 : 104 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 ، الحديث 7 .

وفي رواية طلحة بن زيد : «يردّ البائع على المبتاع فضل ما بين الصحّة والداء»(1)

وهذا تفسير له .

المراد بالضمان في مورد الأرش وتحديد مقداره

ثمّ إنّه لا ريب في أنّ الضمان هنا - على فرض تسليم كون الأرش مضموناً - ليس ضمان اليد ، ولا ضمان الإتلاف ، وهو واضح ؛ لعدم سبب لضمانهما ، ولا ضمان المعاوضة ؛ لأنّ وصف الصحّة لم يقابل بعوض أوّلاً ، ولم يفرض فسخ العقد أو تنزيله منزلته ، حتّى يضمن ما يقابله ثانياً .

نعم ، لو قلنا بضمان القيمة الواقعية للعيب ، كان شبيهاً بضمان اليد ، كما أ نّه لو قلنا بضمان مقدار من الثمن الذي وقع بلحاظ وصف الصحّة ، كان شبيهاً بضمان المعاوضة .

فعلى القول : بالضمان ، يكون ضماناً مستقلاًّ غير الضمانين ، لكنّ الشأن في كونه مضموناً ، وقد تعرّضنا له سابقاً (2) ، ورجّحنا - بحسب المتفاهم من الأدلّة - أنّ للمشتري مثلاً حقّ الرجوع إلى البائع بالأرش ، وأخذه منه ، من دون أن يكون على ذمّته من الأوّل(3) ، أو عند الرجوع إليه(4) ، فلو اُطلق

ص: 198


1- الكافي 5 : 214 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 61 / 265 ؛ وسائل الشيعة 18 : 102 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 ، الحديث 2 .
2- تقدّم في الصفحة 41 .
3- تقدّم في الصفحة 41 و150 .
4- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 224 .

على ذلك «الضمان» فلا مشاحّة .

وهل المضمون بهذا المعنى ، هو ما به التفاوت بين الصحيح والمعيب بحسب القيمة الواقعية ، من غير نظر إلى العوض والثمن في المعاملة ، فيكون المضمون نظير ضمان اليد ، أو يلاحظ التفاوت بينهما ، ويكون المضمون هو ما به التفاوت بالنسبة إلى الثمن ؟

وبعبارة اُخرى : جزء من المال ، تكون نسبته إلى الثمن كنسبة المعيب إلى الصحيح ، فلو كانت قيمة المعيب نصف قيمة الصحيح ، كان المضمون نصف المسمّى ، لا نصف القيمة بحسب الواقع ؟

لا إشكال في أنّ بناء العرف والعقلاء ، على الرجوع إلى البائع ، بمقدار ما تسلّمه بلحاظ وصف الصحّة ، فلو اشترى شيئاً بعشرة ، وكان إعطاء دينارين منها بلحاظ وصف صحّته ، يرجع إليه بدينارين ، لا أزيد .

وهذا بناء عقلائي في خصوص خيار العيب ، وقد تقدّم مراراً أنّ خياره عقلائي ، كما أنّ الأرش عقلائي ، وإن لم يكن التخيير بينهما كذلك(1) ، والأرش عندهم ليس إلاّ ما ذهب من كيسهم بلحاظ وصف الصحّة .

وليس بناؤهم على تغريم البائع أزيد ممّا خرج من كيس المشتري بلحاظ الوصف ، بلا سبب للضمان والغرامة ، ولا على الإضرار بالمشتري لو اتّفق نقص القيمة الواقعية عمّا خرج من كيسه ، فما عليه الأكثر أو الجميع ، موافق لبناء العرف .

ص: 199


1- تقدّم في الصفحة 17 - 18 .

وأمّا ما أفاده السيّد الطباطبائي قدّس سرّه لإثبات التطبيق على القاعدة : من مقابلة الثمن لوصف الصحّة بحسب اللبّ ، وأنّ هنا معاوضتين ، إحداهما : حسّية إنشائية ، وثانيتهما : معاوضة لبّية ، والضمان هاهنا ضمان المعاوضة اللبّية ، ولازمه انفساخ تلك المعاوضة ، لا المعاوضة الحسّية(1) .

ففيه ما لا يخفى ؛ ضرورة عدم عين ولا أثر ، لتلك المعاوضة اللبّية المعنوية في سوق العقلاء ، يكون لها تحقّق وانفساخ في مقابل المعاملة الرائجة ، وزيادة القيمة وإعطاؤها بلحاظ وصف الصحّة ، أجنبيّة عن المعاوضة .

كما أنّ زيادتها بلحاظ أوصاف الكمال ، ككون الدار قريبة من الشارع ، أو من الشطّ ، لا تعدّ معاوضة أو معاوضات .

كما أنّ تقريره الآخر الظاهر من الشيخ الأعظم قدّس سرّه أيضاً : من أنّ البائع التزم بالوصف للمشتري ، وأخذ بملاحظته زائداً عمّا يستحقّه ، فإذا تبيّن عدم وجود الوصف ، وجب عليه أن يخرج من عهدته ، وإنّما لا يجب إعطاء تمام القيمة ، بل بنسبة الثمن ؛ لأ نّه لم يلتزم بهذا الوصف إلاّ أن يكون له هذا المقدار من المالية(2) .

غير وجيه ؛ لما تقدّم منّا : من منع الالتزام مطلقاً ، وأنّ خيار العيب ليس مترتّباً على الالتزام المذكور(3) ، فضلاً عن الالتزام بالكيفية الخاصّة المدّعاة .

ثمّ إنّه على ما ذكرنا : من حكم العقلاء - حسب ارتكازهم - باستحقاق

ص: 200


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 223 - 224 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 395 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 224 .
3- تقدّم في الصفحة 10 - 12 .

خصوص ما خسر بلحاظ وصف الصحّة ، واستبعادهم خلافه ، لا ينقدح في أذهانهم من جلّ روايات الباب إلاّ ما هو عندهم ، والميزان في فهم الروايات هو فهم العرف ، لا الدقائق العقلية ، والمناقشات العلمية .

ولا ريب في أنّ المفهوم العرفي من مثل قوله علیه السلام : «يرجع بنقصان العيب»(1) وقوله علیه السلام : «يأخذ أرش العيب»(2) ونحوهما ، ليس إلاّ ما ذهب من ماله من جهة العيب ؛ أي يرجع إلى البائع لجبر ما نقص ، وجبر ما تضرّر به ، لا بأكثر منه ، ليرجع إلى الضمان من غير سبب ، ولا بأقلّ منه ، ليرجع إلى إضراره كذلك .

وأولى بذلك قوله علیه السلام : «ويردّ بقدر ما نقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك لو لم يكن به»(3)

وقوله علیه السلام : «يوضع عنها من ثمنها بقدر عيب إن كان فيها»(4)

ونحو ذلك ، فإنّ المتفاهم منها عرفاً ، أنّ الردّ لجبر ما خرج من كيسه وأضرّ به ، لا أ نّه أمر مستقلّ ثبت عقوبة عليه من غير سبب ، كما في بعض الأحيان ، أو إرفاقاً له ، كما في بعض الموارد .

ص: 201


1- الكافي 5 : 207 / 2 ؛ وسائل الشيعة 18 : 30 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 16 ، الحديث 3 .
2- قرب الإسناد : 16 / 52 ؛ وسائل الشيعة 18 : 104 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 ، الحديث 7 .
3- الكافي 5 : 207 / 3 ؛ وسائل الشيعة 18 : 30 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 16 ، الحديث 2 .
4- الكافي 5 : 214 / 2 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 61 / 266 ؛ وسائل الشيعة 18 : 102 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 ، الحديث 1 .

نعم ، الظاهر من رواية طلحة بن زيد ثبوت القيمة الواقعية ، حيث روى عن أبي عبداللّه علیه السلام أ نّه قال : «قضى أمير المؤمنين علیه السلام في رجل اشترى جارية فوطأها ، ثمّ وجد فيها عيباً ، قال : تقوّم وهي صحيحة ، وتقوّم وبها الداء ، ثمّ يردّ

البائع على المبتاع فضل ما بين الصحّة والداء»(1) .

وفيها : - مع ضعفها سنداً (2) ، واحتمال كون القضاء في مورد خاصّ ، لا بياناً للحكم الكلّي ، فلا إطلاق فيها - أ نّها بل وجميع الروايات على فرض تسليم ظهورها في القيمة الواقعية ، واردة مورد الغالب ، ولا سيّما في مثل تلك الأعصار ، مع ملاحظة وضع السوق فيها من حيث ثباته غالباً ، خصوصاً في زمان يسير ، يطّلع فيه المشتري على عيب السلعة ، حيث لم تكن القيمة الواقعية مختلفة في مثله مع المسمّى .

وعليه فلا إطلاق في الروايات بالنسبة إلى الموارد النادرة ، فلا تصلح لردع البناء العقلائي ، على فرض تسليم الدلالة على القيمة الواقعية ، والغضّ عمّا عرفت من الدلالة على ما عليه الأصحاب .

ص: 202


1- الكافي 5 : 214 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 61 / 265 ؛ وسائل الشيعة 18 : 102 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 ، الحديث 2 .
2- رواها الكليني ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن يحيى ، عن طلحة بن زيد . والظاهر أنّ وجه ضعف السند هو كون طلحة بن زيد عامّياً - كما قاله النجاشي والشيخ في الفهرست ، أو بترياً كما قاله الشيخ في رجاله - وعدم توثيقه منهما إلاّ أنّ الشيخ ذكر في فهرسته : إلاّ أنّ كتابه معتمد . اُنظر رجال النجاشي : 207 / 550 ؛ رجال الطوسي : 138 / 3 ؛ الفهرست ، الطوسي : 149 / 372 ؛ تنقيح المقال 2 : 109 / 5937 .

وأمّا رواية محمّد بن مسلم(1)

ففيها إهمال من هذه الجهة ، بل الارتكاز العرفي لمّا كان مع ما هو المعهود عند الأصحاب ، يوجب حملها على ما هو المعهود ، وكذا بعض الروايات الاُخر(2)

فراجعها .

عدم لزوم دفع الأرش من عين الثمن المسمّى

ثمّ إنّه هل يتعيّن دفع الأرش من عين الثمن المسمّى أم لا ؟ الظاهر هو الثاني :

أمّا بحسب البناء العرفي والارتكازات العقلائية ، فلأنّ رجوع جزء الثمن قهراً - بتخيّل أنّ الثمن موزّع على العين ووصف الصحّة ، ومع فقده يستحقّ الجزء ؛ لعدم انتقاله رأساً إلى البائع ، أو لانفساخ العقد بالنسبة - ممّا تدفعه الضرورة ؛ لعدم

المقابلة إلاّ بين الثمن وذات السلعة ، والأوصاف خارجة ، وإن كانت دخيلة في زيادة القيم ونقصها .

ورجوع الجزء بلا انفساخ ولا مقابلة مذكورة ؛ بمعنى الجمع بين العوض والمعوّض - بدعوى أنّ بناءهم على الرجوع إلى عين ما ذهب من كيسهم - ممنوع بعد فرض عدم المقابلة المذكورة ، وأداء الأمر إلى الجمع الممنوع عرفاً وعقلاً ، فلا محالة يكون الرجوع لأجل سدّ الخلّة الحاصلة في تلك المعاملة ، وجبر الضرر الناشئ منها .

ص: 203


1- الكافي 5 : 215 / 6 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 61 / 264 ؛ وسائل الشيعة 18 : 103 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 ، الحديث 4 .
2- وسائل الشيعة 18 : 102 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 ، الحديث 3 و6 و8 .

وإن شئت قلت : إنّه ليس نظر العرف في مثل المورد إلاّ جبر الضرر من غير لحاظ نفس الثمن ، أو النقد المماثل له ، ولا يرى إلاّ استحقاق رجوعه بما تضرّر به ، كما أنّ الأمر كذلك في مورد الغبن لو قلنا بأنّ الرجوع إلى تفاوت القيمة هناك عرفي .

فالرجوع في المقامين ، ليس إلاّ بما يرفع به الضرر والخسارة ، من غير دخالة لخصوص الثمن .

وأمّا بحسب فتوى الأصحاب المأخوذ فيها كلمة «الأرش» تبعاً لبعض الروايات فالذي يمكن أن يقال : إنّها مفسّرة لسائر الروايات التي عبّر فيها بمثل «نقصان العيب»(1) أو «قيمة ما بين الصحّة والعيب»(2) أو «فضل ما بين الصحّة والعيب»(3) . . . أو غير ذلك من التعبيرات(4) ، وإنّ المراد من الجميع هو الأرش .

ولا سيّما مع قوله علیه السلام : «كان القضاء الأوّل أنّ الرجل إذا اشترى الأمة فوطأها ، ثمّ ظهر على عيب ، أنّ البيع لازم ، وله أرش العيب»(5) وسيأتي الكلام فيما يوهم خلاف ذلك ، أو يدلّ عليه(6) .

فمن المعلوم : أنّ «الأرش» هنا مأخوذ من أرش الجراحات ، ومستعمل فيه

ص: 204


1- وسائل الشيعة 18 : 30 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 16 ، الحديث 3 .
2- وسائل الشيعة 18 : 103 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 ، الحديث 4 .
3- وسائل الشيعة 18 : 102 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 ، الحديث 2 .
4- راجع وسائل الشيعة 18 : 102 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 .
5- وسائل الشيعة 18 : 104 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 ، الحديث 7 .
6- يأتي في الصفحة 205.

لمناسبة بين ذلك وأرش الجنايات ، فكأنّ هذه النقيصة جراحة ، ويكون ما يجبرها ديتها وأرشها ، من غير فرق بين كون الجبر بالثمن ، أو بنقد مثله .

وأمّا بحسب الروايات ، فإنّ مقتضى إطلاق كثير منها ، عدم الفرق بين الثمن وغيره ، كقوله علیه السلام : «إنّ البيع لازم ، ويأخذ أرش العيب»(1) أو «له أرش العيب» أو «يرجع بقيمة العيب»(2) أو «يرجع بقدر ما نقصها العيب» أو «بقيمة ذلك»(3) . . . إلى غير ذلك من التعبيرات التي يراد بها الأرش .

ولا دافع لهذا الإطلاق إلاّ توهّم دلالة بعض الروايات على لزوم الأداء من الثمن(4) ، وهو فاسد :

أمّا ما عبّر فيه بمثل قوله علیه السلام : «يوضع عنها من ثمنها بقدر عيب»(5) وقوله علیه السلام : «كان يضع له من ثمنها بقدر عيبها»(6) فلأنّ الظاهر منه أنّ الثمن فرض كلّياً على ذمّة المشتري ، وفي مثله لا معنى لأداء الثمن ، ثمّ الرجوع بقدر العيب ، بل يوضع عن الثمن بقدره ، ويدفع الباقي إلى البائع .

وعليه فالدلالة على الوضع من الثمن ، تكون لخصوصية المورد ، لا لخصوصية في الثمن ، وهو واضح .

ص: 205


1- وسائل الشيعة 18 : 104 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 ، ذيل الحديث 7 .
2- وسائل الشيعة 18 : 104 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 ، الحديث 8 .
3- وسائل الشيعة 18 : 102 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 ، الحديث 3 .
4- اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 79 .
5- وسائل الشيعة 18 : 102 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 ، الحديث 1 .
6- وسائل الشيعة 18 : 103 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 ، الحديث 5 .

وأمّا رواية زرارة وفيها : «يردّ عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء والعيب ، من ثمن ذلك ، لو لم يكن به»(1) .

فيحتمل أن يكون المراد : أ نّه يردّ عليه بمقدار نقصه من الثمن ، على أن يكون

المجرور متعلّقاً بقوله علیه السلام : «نقص» فيدلّ على أنّ المدفوع مقدار مساوٍ لما نقص من الثمن ، وعليه فليس فيها ما يصلح لتقييد الإطلاق ، بل مقتضى إطلاقها عدم الفرق في المقدار بين الردّ من الثمن وغيره .

ويحتمل أن يكون المجرور متعلّقاً بقوله علیه السلام : «يردّ» وعليه فهي وإن كانت توهّم لزوم الردّ من الثمن ، إلاّ أنّ الظاهر أ نّه تعبير جارٍ على طبق التعابير العرفية .

ولا شبهة في أنّ العرف إذا قال في المغبون أو في المورد «ارجع إلى ثمنك» أو «رجعت إلى ثمني» لا يقصد به خصوص ما أدّى إلى البائع ، بل المراد الرجوع إلى مقداره ، سواء كان من عينه أم لا ، فلا دافع للإطلاقات ، ولا لبناء العرف .

وعليه فلا وجه للرجوع إلى الأصل ، مع أنّ الأصل أيضاً يوافق ذلك ؛ إذ على فرض الشكّ فالأمر دائر بين المطلق والمقيّد ، للشكّ في أنّ ما يستحقّه هو نفس الغرامة وما يسدّ به الضرر ، أو أنّ لخصوصية النقدين أو خصوصية الثمن أيضاً دخالة فيه .

فالمتيقّن هو أصل ما يسدّ به الضرر ، والباقي مشكوك فيه يجري فيه الأصل ، سواء كان الأرش من قبيل التكليف ، أو من قبيل الديون على الذمّة ، أو من قبيل حقّ التغريم ، كما هو الواقع .

ص: 206


1- وسائل الشيعة 18 : 30 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 16 ، الحديث 2 .

فالشكّ مطلقاً يرجع إلى الثبوت ، ومقتضى الأصل عدمه ، لا إلى السقوط ، كما يظهر من المحقّق الخراساني(1) ، والأمر سهل بعد ما عرفت من مقتضى الأدلّة الاجتهادية .

نعم ، لا إشكال في تعيّنه من النقدين ؛ وذلك - مضافاً إلى أ نّه كسائر الغرامات المضمونة بهما - أنّ مقتضى الروايات ذلك ، كقوله علیه السلام في صحيحة منصور : «يردّ عليه بقيمة ما نقصها العيب»(2) .

وفي رواية اُخرى : «يرجع بقيمة العيب»(3) .

وفي رواية طلحة : «تقوّم وهي صحيحة ، وتقوّم وبها الداء ، ثمّ يردّ البائع على المبتاع فضل ما بين الصحّة والداء»(4) .

بل هذا هو المتفاهم من سائر الروايات(5) أيضاً ، فلا إشكال فيه ، وهذا فيما إذا كانت المقابلة بين الأجناس والنقود .

وأمّا إذا كانت بين الأجناس مع مثلها ، ففي المثليات لا يبعد القول : بتعيّن مقدار من جنس العوض ، أعمّ من أن يكون من عينه ، أو مثله ، كما أنّ الأمر كذلك في الأبواب الاُخر في باب المثليات .

بل الظاهر : أ نّه موافق لحكم العرف والعقلاء ، ومقتضى لزوم سدّ الخلّة

ص: 207


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الخراساني : 231 - 232 .
2- وسائل الشيعة 18 : 102 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 ، الحديث 3 .
3- وسائل الشيعة 18 : 104 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 ، الحديث 8 .
4- تقدّم في الصفحة 202.
5- وسائل الشيعة 18 : 102 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 ، الحديث 3 .

والضرر في المقام ، ولا يخالف ذلك ما ذكر من الروايات لاختصاصها بغير المورد .

هل المدفوع من غير النقدين نفس الأرش أو بدله؟

ثمّ إنّه لا إشكال في جواز التراضي على غير النقدين ، فيما إذا كان مقتضى الأدلّة تعيّنهما ، إنّما الإشكال والكلام في أنّ المدفوع من غيرهما عند التراضي ، هل هو عين الأرش ، أو بدله ؟

فقد اختار الشيخ الأعظم قدّس سرّه الأوّل ؛ بدعوى الفرق بين المقام وسائر الغرامات ، بأنّ المضمون بالنقدين في غير المقام ، مال متعيّن مستقرّ في ذمّة الطرف ، فلا محالة يكون الرضا بغيره ، من قبيل التبادل والتعاوض .

وفي المقام : ليس شيء ثابتاً في ذمّته ، وإنّما له حقّ الرجوع والمطالبة بالمال ، إلاّ أنّ دفع غير النقدين ، يتوقّف على رضا ذي الخيار ، وإذا رضي يكون نفس الأرش ، لا بدله(1) .

وقد تصدّى بعض المحشّين لبيان مراده وتصحيحه(2) ، بتفصيل خارج عن المقصود ، وعن مسير الفقه ، ولم يأت بشيء يدفع الإشكال الوارد عليه .

وهو أنّ مقتضى الأدلّة إن كان التغريم بنحو الإطلاق ؛ أي أعمّ من النقدين ، فلا إشكال في كون ما أدّى من غير النقدين ، هو عين الأرش ، لكن لا وجه إذن للحاجة إلى الرضا ، بل للبائع دفعه من أي شيء أراد .

ص: 208


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 397 - 398 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 81 - 82 .

وإن كان مقتضاها التغريم من النقدين ، كما هو كذلك لما تقدّم ، فلا إشكال في أنّ الأداء من غيرهما يحتاج إلى الرضا .

كما لا إشكال في أنّ المؤدّى حينئذٍ ، ليس نفس الأرش بحسب مقتضى الأدلّة ، بل يكون ممّا قام مقامه برضا الطرفين ، وليس لازم كون الشيء بدلاً عن شيء بالتراضي ، أن تقع المعاوضة بينهما .

وإن شئت قلت : إنّ البدل هنا مقابل الأصل ، كبدلية التيمّم عن الوضوء والغسل ، فالمؤدّى من غير ما تقتضي الأدلّة دفعه ، ليس أرشاً بدلالة هذه الأدلّة ، ومع ذلك لمّا كان للمشتري حقّ التغريم بالنقدين ، فله الرضا بغيرهما بدلاً منهما ، من دون أن يرجع إلى المبادلة بينهما .

عدم ثبوت الأرش المستوعب في العيب المقارن للعقد

ثمّ إنّ القوم قد أتعبوا أنفسهم الزكيّة في تصوير الأرش المستوعب لجميع الثمن ، فيما إذا كان العيب مقارناً للعقد ، بعد تسالمهم على جوازه فيما لو عرض قبل القبض ، أو في زمان الخيار المضمون على البائع(1) .

وغفلوا عمّا هو مقتضى الأدلّة في الأرش المستوعب ، لو فرض تصويره في العيب المقارن أو المتأخّر ، ومن الواضح أ نّه لا نتيجة لتصوير الصغرى ولا وقع لإثباتها ، ما لم تتمّ كبرى الحكم .

ص: 209


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 398 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الخراساني : 233 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 229 - 230 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 83 .

والتحقيق : عدم الدليل على ثبوت الأرش المستوعب ، لا بحسب البناء العقلائي إن قلنا : بأنّ ثبوت الأرش حكم عقلائي كما تقدّم(1) ، ولا بحسب الأدلّة الشرعية التعبّدية ، بناءً على أنّ ثبوته تعبّدي شرعي :

أمّا بحسب بناء العقلاء ، فلأ نّه لا ينبغي الإشكال في أ نّه لا بناء منهم على أصل الأرش ؛ بالنسبة إلى العيب الحادث في زمان الخيار ، فكيف بالمستوعب منه ؟ !

كما أ نّه يشكل ثبوت بنائهم على أصل الأرش في العيب الحادث قبل القبض ، فلا محيص إلاّ بالتشبّث لإثباته فيهما بدليل تعبّدي .

وأمّا في العيب المقارن ، فأصل ثبوت الأرش فيه وإن كان عقلائياً كما مرّ ، لكنّه لم يثبت منهم بناءً على ذلك في المستغرق منه ؛ فإنّه نادر الاتّفاق في الغاية ، وفي مثله لا طريق إلى إثبات بنائهم .

مع أنّ الظاهر بُعد التزامهم مع الاستيعاب ، بأخذ تمام الثمن ونفس المعيب ، بل لا يبعد في مثله الحكم بانفساخ العقد ، أو بالردّ فقط .

وكيف كان : لم يثبت بناؤهم على الأرش في المستوعب ، ودعوى عدم الفرق بينه وبين غير المستوعب ، كما ترى ؛ لاحتمال ثبوت الفرق عندهم ، بل الأرجح في النظر ثبوته .

وأمّا بحسب الأدلّة الشرعية ، بناءً على مسلك القوم من كون ثبوت الأرش بالتعبّد من الشرع ، فلفقد الدليل على ثبوت المستوعب منه ؛ فإنّ العمدة في

ص: 210


1- تقدّم في الصفحة 17 - 18 .

الباب معتمدة زرارة(1) ومرسلة جميل(2) ولا دلالة لشيء منهما على ثبوت المستوعب منه .

أمّا الاُولى : فلأنّ الظاهر من قوله علیه السلام : «ويردّ عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك» هو العيب غير المستوعب ، سواء تعلّق قوله علیه السلام : «من ثمن ذلك» بقوله : «يردّ» أو بقوله : «ما نقص» كما هو واضح .

وأمّا المرسلة ، فلأنّ قوله علیه السلام : «وإن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ ، يرجع بنقصان العيب» مختصّ بما لا يستوعب الأرش ، وذكر «الثوب» وإن كان من باب المثال ، لكن لا يفهم منه إلاّ ما يشابهه من سائر الأمتعة ؛ ممّا به عيب غير مستوعب ، وأمّا المستوعب فلا .

كما أنّ إلغاء الخصوصية غير ممكن مع احتمالها ، بل كونها مظنونة ، بل الظاهر

من «نقصان العيب» هو العيب غير المستوعب ؛ بحيث صار موجباً لنقص القيمة ، لا لذهابها .

وأمّا الروايات الواردة في الجارية ، فهي ظاهرة في العيب غير المستوعب ، كقوله علیه السلام : «تقوّم وبها الداء»(3) وقوله علیه السلام : «يردّ بقدر ما نقصها العيب»(4) ، وقوله علیه السلام : «يضع من ثمنها بقدر عيبها»(5) حتّى قوله علیه السلام : «يأخذ أرش

ص: 211


1- تقدّمت في الصفحة 46 - 47 .
2- تقدّمت في الصفحة 19 و46 .
3- وسائل الشيعة 18 : 102 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 ، الحديث 2 .
4- وسائل الشيعة 18 : 102 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 ، الحديث 3 .
5- وسائل الشيعة 18 : 103 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 ، الحديث 5 .

العيب»(1) ، فإنّ المتفاهم منه تفاوت القيمتين .

مع أ نّها في المورد الخاصّ ، واحتمال إطلاقها أو إطلاق بعضها للجارية الجانية المستوعبة جنايتها لتمام قيمتها ، فاسد غير معتنى به .

فتحصّل ممّا ذكر : عدم الدليل على ثبوت الأرش في العيب المستوعب في المقارن منه للعقد ، فضلاً عن غير المقارن ؛ ممّا يتفرّع ثبوت الأرش فيه على ثبوته في المقارن ، فعلى ذلك يكون التعرّض لتصوير المستوعب بلا وجه .

ص: 212


1- وسائل الشيعة 18 : 104 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 ، الحديث 7 .

مسألة : في معرفة الأرش

يعرف الأرش بمعرفة قيمتي الصحيح والمعيب ، ليعرف التفاوت ، فيؤخذ بنسبة التفاوت .

ومع الجهل بالقيمة يرجع إلى العالم بها ، فإن أخبر بالقيمة السوقية المتعارفة ، أو بتقويم أهل الخبرة ، فيدخل في الشهادة ، ولا تثبت إلاّ مع التعدّد ومع سائر ما يعتبر في الشهادة في الموضوعات .

وإن أخبر بما هو رأيه ونظره في القيمة ، وكان من أهل الخبرة ، فلا يعتبر التعدّد ، ولا العدالة ، ولا الإخبار عن حسّ ، أو المبادئ القريبة منه ، بل يتّبع نظره

إذا كان موثوقاً به ، وكان من أهل الخبرة والتشخيص ، وإن كان واحداً ، سواء كان منشأ التقويم بتشخيص نوع الجنس باجتهاده ، كالصائغ المطّلع على أنواع الذهب بالاجتهاد وإعمال الاختبار ، وإن كان كلّ نوع معلوم القيمة عند الناس .

أو كان التقويم لأجل كثرة ممارسته أشباه هذا الشيء ، واطّلاعه على الخصوصيات والخواصّ التي هي فيه وفي صنفه ونوعه ، من غير أن يكون له ميزان منضبط في السوق ، كالأحجار الكريمة .

فهذان الموردان داخلان في تصديق أهل الخبرة ، ولا يعتبر فيه ما يعتبر في الشهادة ، ويكون الرجوع إليهم من رجوع الجاهل إلى العالم بالقيمة .

نعم ، لو أخبر في الصورة الاُولى منهما : «بأنّ هذا من النوع الكذائي» من

ص: 213

غير تقويم ، كان هذا من إخبار أهل الصنعة والاجتهاد ، ولا يعتبر فيه ما يعتبر في الشهادة ، ويكتفى بقوله في معرفة القيمة وإن لم يقوّم ، ولم يكن الرجوع إليه من رجوع الجاهل بالقيمة إلى المقوّم ، ولا يحتاج إلى تقويمه ؛ فإنّ المفروض أ نّه على فرض الاطّلاع على نوع الجنس تكون القيمة معلومة .

فإخباره بالقيمة من غير ذكر الجنس ، أو إخباره بنوع الجنس من غير ذكر القيمة ، كافٍ في معرفة الأرش .

فالرجوع إليه في كلتا الصورتين ، من قبيل رجوع الجاهل إلى العالم ، وغير الخبير إلى الخبير ؛ ممّا استقرّ عليه بناء العقلاء في الأعصار والأمصار بلا إشكال ، ولا ريب ، ولم يدلّ دليل على الردع :

أمّا ما دلّ على اعتبار التعدّد والعدالة في الموارد الخاصّة ، كباب القضاء(1) ، وبعض الموضوعات كالهلال(2) وغيره(3) ، فلا مجال لتوهّم دلالتها على الردع(4) ، كما لا يخفى .

وأمّا رواية مسعدة بن صدقة فربّما تتوهّم دلالتها عليه ، وهي ما رواه الكليني والشيخ بإسنادهما عنه ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سمعته يقول : «كلّ

ص: 214


1- راجع وسائل الشيعة 27 : 237 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ، الباب 5 ، و : 391 ، كتاب الشهادات ، الباب 41 ، و : 408 ، الباب 49 .
2- راجع وسائل الشيعة 10 : 286 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ، الباب 11 .
3- راجع وسائل الشيعة 25 : 118 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المباحة ، الباب 61 ، الحديث 2 .
4- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 93 .

شيء هو لك حلال حتّى تعلم أ نّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك ، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة ، والمملوك عندك لعلّه حرّ قد باع نفسه ، أو خدع فبيع قهراً ، أو امرأة تحتك وهي اُختك أو رضيعتك ، والأشياء كلّها على هذا، حتّى يستبين لك غير ذلك ، أو تقوم به البيّنة»(1) .

بدعوى : أنّ القاعدة الكلّية في الذيل ، هي المناط الكلّي في الخروج عن القاعدة العقلية والشرعية ؛ أي أصلي البراءة والحلّ ، وليس «الحلال» المأخوذ فيها الاصطلاحي منه ، بل معنىً لغوي أعمّ ممّا يقابل الحرمة والوجوب ، فالقاعدة بكلّيتها ، تدلّ على انحصار طريق الثبوت بالعلم الوجداني والبيّنة ، والخروج عنها يحتاج إلى دليل .

وفيها : - مع الغضّ عن سندها ، ومع الغضّ عن ظهورها في الشبهة التحريمية الموضوعية - إشكال يكشف عن نوع اضطراب واغتشاش في المتن ؛ فإنّ الأمثلة المذكورة فيها ، لا تنطبق عليها الكبرى ، لو اُريد بها قاعدة الحلّ المجعولة

في الموارد التي لا توجد فيها حجّة شرعية أو عقلية على الواقع ؛ ضرورة أنّ المثالين الأوّلين توجد فيهما قاعدة اليد ، وهي أمارة عقلائية على الواقع .

ومعها لا محلّ للرجوع فيهما إلى القاعدة الكلّية ؛ أي أصل الحلّ ، أو ما يعمّه وأصل البراءة .

بل لا يبعد اعتبار اليد في المثال الثالث أيضاً على تأمّل ، مع أنّ استصحاب

ص: 215


1- الكافي 5 : 313 / 40 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 226 / 989 ؛ وسائل الشيعة 17 : 89 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 4 ، الحديث 4 .

عدم الرضاع فيه يخرجه عن أصل الحلّ ، وقوله في الذيل متفرّع على الصدر .

ومن الواضح : أنّ الخروج عن القاعدة لا ينحصر بما ذكر ، فلا بدّ من توجيه الرواية بما يخرجها عن قاعدة الحلّ ، ويوجب انطباقها على الأمثلة المذكورة فيها .

ويمكن أن يقال : إنّ قوله علیه السلام : «كلّ شيء هو لك حلال» يراد به أنّ كلّ شيء يختصّ بك ؛ بأن كان تحت يدك أو تحتك ، فهو حلال ، ولا سيّما مع ذكر ضمير الفصل فيها من غير تصديره ب «الفاء» .

وحينئذٍ تندرج الأمثلة المذكورة تحت الكلّية ، ويندفع الإشكال عن الرواية ؛ فإنّ من الواضح - فيما إذا قامت الحجّة العقلائية والشرعية على شيء - أنّه لا ترفع اليد عنها إلاّ بحجّة أقوى ، وهي العلم الوجداني والبيّنة الشرعية ، وعليه فتكون الرواية أجنبيّة عن أصل الحلّ وعن المقام .

وتوهّم : أنّ الذيل بيان مستأنف لقاعدة اُخرى تدفعه الضرورة ، ولا سيّما مع قوله علیه السلام : «والأشياء كلّها على ذلك» فإنّه ذكر لكلّية منطبقة على نحو الأمثلة في جميع الأشياء .

والإنصاف : أنّ رفع اليد عن بناء العقلاء المحكم بمثل تلك الرواية ، خروج عن السداد .

ولو تعذّرت معرفة القيمة لفقد الطريق إلى معرفتها ، فلا ريب في جواز الأخذ بالأقلّ ؛ لما تقدّم الكلام فيه(1) .

ص: 216


1- تقدّم في الصفحة 206 - 207.

مسألة في اختلاف المقوّمين

لو اختلف الشهود أو المقوّمون ففيه صور كثيرة ، لم يتعرّض الشيخ الأعظم قدّس سرّه إلاّ لصورة واحدة(1) ، ونحن نقتفي أثره ؛ لأنّ التعرّض لجميعها موجب للتطويل ، ولاحتياج بعضها إلى تنقيح بعض مسائل باب القضاء .

فنقول : لو اختلف المقوّمون مع عدم دعوى من المتبايعين ، فهل يسقطان ويرجع إلى الأصل ؛ وهو البراءة عن الزيادة على التحقيق ، أو الاشتغال على رأي ، أو يرجع إلى القرعة ، أو إلى قاعدة العدل والإنصاف ؟

أو لا يسقطان ، ويقدّم مقوّم الأقلّ ، أو الأكثر ، أو يرجع إلى الصلح ، أو يرجع إلى المفتي ، ويتخيّر في الأخذ بواحد منهما ؟

أو يؤخذ ببعض مضمون كلام كلّ من المقوّمين ؛ لوجوب الجمع بين الدليلين مهما أمكن ، وهو أولى من الطرح ، كما نسبه الشيخ الأعظم قدّس سرّه إلى المعظم(2) ؟ وفي كون مستند المعظم ما أفاده الشيخ تأمّل .

والأقوى سقوطهما ، والرجوع إلى الأصل ؛ وهو البراءة عن الزائد ، لما تقدّم(3) من أنّ الرجوع إلى المقوّمين ، من رجوع الجاهل إلى ذي الفنّ والخبير ، ولا تعتبر

ص: 217


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 405 .
2- نفس المصدر .
3- تقدّم في الصفحة 213 - 214.

فيه البيّنة والأوصاف المعتبرة فيها ، بل يكفي فيه الوثوق بعدم الكذب عمداً .

ومن الواضح : أنّ قول المقوّم من أهل الخبرة من الطرق العقلائية ، لا تحتمل فيه الموضوعية والسببية بوجه ، وإن قيل بها في أخبار الثقة في الأحكام الشرعية ؛ استناداً إلى عدم سقوط المتعارضين بحسب الأدلّة الشرعية ، خلافاً للقاعدة العقلائية ، وفي فتوى الفقهاء استناداً إلى ذلك ؛ لأنّ فتواهم إخبار عن الحكم الشرعي ، أو لبعض اعتبارات اُخر ، وفي البيّنة أحياناً ؛ لما ورد في الأخبار الكثيرة من الحكم بعدم السقوط ، والأخذ بالأكثر(1) ، أو بالقرعة لتعيين المنكر(2) ، خلافاً لمقتضى القاعدة .

وأمّا في باب التقويم وسائر النظائر؛ ممّا لم يتصرّف الشارع فيها، وإنّما انكشف رضاه بها من عدم الردع ، بعد كونها شائعة عند العقلاء في الأعصار والأمصار ، فلا تحتمل فيها السببية أو التصويب ؛ ضرورة أنّ ما عند العقلاء من الأمارات ، لا تكون إلاّ طرقاً للتوصّل إلى الواقع ، وليس فيها من السببية عين ، ولا أثر . والمفروض عدم تصرّف من الشارع الأقدس ، وعدم ورود شيء ممّا يوهم السببية فيها إلاّ في بعضها ، فالبحث عنها في المقام غير وجيه بعد القطع بخلافها .

وعلى الطريقية ، فلا شبهة في سقوط الطريقين المتعارضين عقلاً وعرفاً ، فالبحث عن تقديم بيّنة الأقلّ ، أو الأكثر ، أو التشبّث بالصلح إلزاماً ، أو تخيير

ص: 218


1- راجع وسائل الشيعة 27 : 249 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ، الباب 12 ، الحديث 1 .
2- راجع وسائل الشيعة 27 : 251 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ، الباب 12 ، الحديث 5 ، 6 ، 7 ، 8 و11 .

الحاكم ، أو الجمع بين الدليلين ، كلّها في غير محلّها ؛ فإنّها مبنيّة على أمر مقطوع الفساد .

مع أنّ في كلّ منها إشكالاً ، تعرّض لبعضها الشيخ الأعظم قدّس سرّه (1) .

والأولى بالإشكال ما اختاره : من الأخذ بقول كلّ من المقوّمين مهما أمكن ، فيؤخذ بقول كلّ منهما في النصف ، ويطرح في النصف الآخر ، استناداً إلى المحكيّ عن ابن أبي جمهور(2) : بأنّ العمل بالدليلين مهما أمكن ، خير من ترك أحدهما وتعطيله بإجماع العلماء(3) .

وما ذكره صحيح في الأخبار المتعارضة ، لو اُريد به الجمع العرفي العقلائي والعمل بالدليلين ؛ على نحو يستحسنه العقلاء في محيط التشريع ؛ بداهة أ نّه لا يؤخذ بقواعد التعارض إلاّ بعد عدم إمكان الجمع العقلائي ، ومزيّف لو اُريد به الأخذ بالدليلين ولو مع عدم مقبولية الجمع ؛ بأن يقال في مثل قوله : «أكرم كلّ عالم» وقوله : «لا تكرم عالماً» إنّا نعمل ببعض مضمون كلّ منهما ، فنحكم بوجوب إكرام نصفهم ، وحرمة إكرام النصف .

وقد ردّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه على القائل : بأنّ ذلك يوجب سدّ باب الترجيح ، والهرج في الفقه(4) .

ص: 219


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 407 .
2- عوالي اللآلي 4 : 136 ؛ اُنظر قوانين الاُصول 1 : 304 / السطر16 ؛ فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 19 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 405 .
4- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 20 .

والعجب أ نّه قدّس سرّه اختار في المقام ما كان مخدوشاً عنده في ذلك الباب ، بل ادّعى هناك الإجماع والدليل على خلافه(1) ، واستند في المقام إلى عين ما ردّه في ذلك المقام ؛ إذ من الواضح أنّ الأخذ ببعض مضمون قول كلّ من المقوّمين - بدعوى أنّ الجمع بين الدليلين أولى من الطرح - مستلزم لقبول الجمع التبرّعي غير العقلائي الذي قدح فيه .

مضافا إلى أنّ تلك القاعدة ، مختصّة بالأخبار الصادرة عن المعصومين علیهم السلام ، الحاكية عن الحكم الشرعي ؛ ممّا يصحّ فيها القول : بأنّ بعض الكلام قرينة على بعض ، فتكشف من الجمع العقلائي إرادة الشارع الأقدس ، دون مثل المقام ؛ ممّا لا وجه للجمع العرفي أو التبرّعي فيه ، فلا ينبغي الإشكال في سقوط قول المقوّمين بالتعارض .

ومن ذلك يظهر : أنّ التشبّث بالصلح قهراً على المتعاملين ، أو الرجوع إلى قاعدة العدل والإنصاف قهراً عليهما ، أو تخيير الحاكم بالأخذ بأيّهما شاء ، ممّا لا وجه لها .

كما أ نّه لا وجه للأخذ بالقرعة ؛ لأ نّها لكلّ أمر مشكل ، ومع سقوط قولهما ، يكون المرجع الأصل العقلي والشرعي ، ومع جريانه لا جهل بالوظيفة ، ولا مشكل ، فلا موضوع للقرعة .

ولهذا لم يحتمل جريان القرعة في الفرع المتقدّم في المسألة السابقة ؛ وهو ما لو تعذّرت معرفة القيمة لفقد الطريق إلى معرفتها ، ممّا كان المورد

ص: 220


1- فرائد الاُصول، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27: 20.

مجرى البراءة(1) ، وكذا في نظائرها .

ومن المعلوم : أ نّه بعد سقوط المتعارضين ، تتعذّر معرفة القيمة ، ولا حجّة عليها ، فيتعيّن الرجوع إلى البراءة ، وقياس المقام بتعارض البيّنات ، وإعمال القرعة لتشخيص من يتوجّه عليه اليمين - كما وردت به الأخبار(2) - مع الفارق .

ثمّ إنّه لو قلنا : بأنّ الأمارات المتعارضة كما هي ساقطة في المدلول المطابقي ، كذلك ساقطة في المدلول الالتزامي(3) ؛ بدعوى تبعية الثاني للأوّل في الدلالة والحجّية والسقوط ، فلا إشكال في الرجوع إلى الأصل حتّى في مورد نفي قول كلّ من المقوّمين له بالدلالة الالتزامية .

فلو قوّم أحدهما الصحيح بالعشرة ، والمعيب بالخمسة ، والآخر الصحيح بالثمانية ، والمعيب بالثلاثة ، سقطا ، ويرجع إلى الأقلّ مطلقاً ولو خالف لازم الأمارتين .

بخلاف ما لو قلنا : بعدم السقوط في الالتزامية مع توافقهما فيها (4) ، فإنّ الأصل حينئذٍ لا يجري في مورد توافقهما على نفيه .

كما أ نّه على مسلك القوم ؛ من الرجوع مع التعارض إلى أوسط القيمتين(5) ، أو

ص: 221


1- تقدّم في الصفحة 216 .
2- راجع وسائل الشيعة 27 : 251 - 255 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ، الباب 12 ، الحديث 5 ، 6 ، 7 ، 8 ، 11 ، 12 و15 .
3- أجود التقريرات 2 : 31 و183 ، الهامش .
4- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 755 .
5- جامع المقاصد 4 : 336 ؛ مسالك الأفهام 3 : 300 ؛ مفتاح الكرامة 14 : 426 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 408 .

نصف الكسرين كما عن الشهيد قدّس سرّه (1) ، تكون صورة توافق القولين في اللازم ، داخلة في محلّ النزاع ، كما لو قوّم أحدهما بالعشرة والخمسة ، والآخر بالثمانية والأربعة ، ومقتضاهما على كلا المسلكين كون التفاوت بالنصف .

ففي مثل ذلك إن قلنا : بعدم سقوطهما في اللازم المتّفق عليه ، يخرجان عن كونهما متعارضين ، فيؤخذ بالنسبة المتّفق عليها ، وإن قلنا : بالسقوط ، يعمل فيها بما يعمل به في سائر الصور .

ثمّ إنّ البحث عن طريقة المعروف وطريقة الشهيد وأنّ أيّهما أقرب إلى الصواب ، وعن موارد اختلافهما ، غير لازم بعد ما عرفت : من عدم دليل على ما أفادوا ، وبطلان التمسّك بقاعدة الجمع ، وعدم شهرة أو إجماع في المسألة .

مع أ نّه يمكن أن يقال على فرض كون المستند قاعدة الجمع : إنّه يجب الأخذ بالأكثر في موارد مخالفة طريق الشهيد قدّس سرّه مع المعروف ؛ فإنّ الأخذ به هو العمل بالدليلين مهما أمكن ، والأمر سهل .

ص: 222


1- اُنظر الروضة البهيّة 2 : 314 ؛ مفتاح الكرامة 14 : 426 - 427 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 412 .

القول في الشروط التي تقع في العقد وشروط صحّتها

اشارة

ص: 223

ص: 224

شروط صحّة الشرط

اشارة

وقد تقدّم الكلام مستقصىً في ماهية الشرط ، لغة وعرفاً في المعاطاة ، عند الكلام في التمسّك بدليل الشرط على صحّتها (1) ، فلا نطيل بالإعادة .

وأمّا شروط صحّتها - ممّا وقع الكلام والخلاف فيها - فاُمور :

الأوّل : أن يكون داخلاً تحت قدرة المشروط عليه

اشارة

وقد مثّل لغير المقدور ببعض الأمثلة ، كجعل الزرع سنبلاً ، والبسر تمراً (2) ، ممّا لا ينبغي للفقيه التعرّض لها ، فصار ذلك موجباً لبسط الكلام فيها ؛ بما هو خروج عن طريق الفقه ، وطريقة الفقهاء .

والأولى أن يمحّض الكلام في اعتبار القدرة في الصحّة ، بعد فرض اجتماع

ص: 225


1- تقدّم في الجزء الأوّل : 128 .
2- قواعد الأحكام 2 : 90 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 16 .

شروط التحقّق بأجمعها ، ومنها جواز تعلّق الإرادة الجدّية بالاشتراط ، حتّى لا يختلّ تحقّقه من قبل امتناع ذلك ، ونحو تلك الأمثلة التي لا يعقل تعلّق الجدّ باشتراطها ، تكون خارجة عن موضوع البحث ؛ لأنّ البحث عن شرط الصحّة بعد الفراغ عن إمكان الاشتراط ، وفي مثلها يكون أصل الاشتراط مختلاًّ ، لا شرطه .

ولعلّ مقصود بعض الأصحاب من الأمثلة ، بيان التنظير لما لا يقع تحت القدرة ، وإلاّ فما لا تتعلّق به الإرادة الجدّية ، ويعدّ التلفّظ به لعباً وسخرية ، خارج عن محطّ البحث .

كما أ نّه لا بدّ من البحث عن هذا الشرط بعد الفراغ عن عقلائيته ، وإلاّ يرجع إلى فقد شرط آخر تعرّض القوم له(1) .

وكذا بعد الفراغ عن عدم اختلال شرط آخر تعرّضوا له ؛ وهو لزوم الغرر من ناحية الجهل بالحصول ، أو بحال الشرط(2) .

وهذا مثل ما لو اشترط عليه خياطة ثوب مثلاً ، أو كتابة كتاب ، مع اعتقادهما قدرة المشروط عليه ، فتبيّن أ نّه لم يكن قادراً عليه ، فهذا شرط عقلائي جامع لجميع ما يعتبر فيه عند العقلاء والشرع ، وليس فاقداً لشيء سوى القدرة على إيجاده ، فيبحث عن أنّ عدم القدرة ، هل يوجب بطلانه أم لا ؟

ص: 226


1- يأتي في الصفحة 236 ، الهامش 2 .
2- جامع المقاصد 4 : 417 - 418 ؛ جواهر الكلام 23 : 199 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 50 ؛ منية الطالب 3 : 225 .
حال شرط الفعل

فنقول : لا شبهة في أنّ الاشتراط في المعاملات ، وكذا الخيار عند تخلّفه ، أمر عقلائي شائع عندهم في الأعصار والأمصار ، والشروط العقلائية يترتّب عليها أمران عندهم :

أحدهما : حقّ إلزام الشارط المشروط عليه بالعمل به .

وثانيهما : حقّ الخيار عند التخلّف .

فلو كان الحقّ الثاني مترتّباً على الأوّل ؛ بمعنى أ نّه مع عدم حقّ الإلزام لا يكون حقّ الفسخ أيضاً ، فلا محالة يقع الشرط غير المقدور باطلاً ، والبيع لازماً ، أو فاسداً لو قيل : بأنّ الشرط الفاسد يوجب فساد المعاملة حتّى عند العقلاء .

وأمّا لو كان الحقّ الثاني مترتّباً على مطلق تخلّف الشرط - سواء كان التخلّف اختيارياً أم لا ، وسواء كان تحت قدرته أم لا - صحّ الشرط ، وترتّب على تخلّفه الخيار ، نظير طروّ التعذّر بعد العقد ، فإنّ الظاهر الذي لا ينبغي الإشكال فيه ، هو

عدم حكم العقلاء ببطلان العقد حينئذٍ ، ولا بلزومه ، بل يحكمون بالخيار ؛ للتخلّف .

فالخيار عند عدم العمل بالشرط عقلائي ، مترتّب على نفس عدم حصول الشرط ، سواء كان ذلك لعدم القدرة عليه ، أو لغير ذلك ، فاعتبار القدرة ليس شرطاً لصحّة الشرط ، بل شرط عقلي لجواز إلزامه على العمل به ، هذا حال المحيط العقلائي .

وأمّا بحسب الأدلّة الشرعية ، فلا ينبغي الإشكال في أنّ قوله صلی الله علیه و آله وسلم :

ص: 227

«المؤمنون عند شروطهم»(1) يدلّ على وجوب العمل بالشرط ، بل دلالة مثل تلك الجمل الإخبارية على الوجوب أو الحرمة ، آكد من الأوامر والنواهي ، كما هو المقرّر في محلّه(2) .

فحينئذٍ إن قلنا : بأنّ الأحكام الكلّية القانونية ، لا تتقيّد بالقدرة ، كما لا تتقيّد بالعلم ، ويكون الحكم الفعلي ثابتاً لموضوعه ، سواء كان المكلّف عالماً أم لا ، وقادراً أم لا ، على ما ذكرنا في محلّه(3) ، والجهل أحياناً والعجز عذر للمكلّف في ترك المأمور به ، أو الإتيان بالمنهيّ عنه ، لا أنّه قيد للتكليف ، يكون وجوب العمل بالشرط ثابتاً ، والعذر عن الإتيان به لا يوجب بطلانه رأساً ، فيترتّب عليه الخيار .

وإن قلنا : بأنّ التكليف الكلّي ينحلّ إلى تكاليف ، ولا يعقل تعلّقه بالعاجز ، فلا يوجب ذلك أيضاً بطلان الشرط في المقام ، نظير البطلان في الشرط المخالف للكتاب ؛ لأنّ غاية ما في الباب ، قصور الأدلّة عن إيجاب العمل بمثل هذا الشرط .

ومن الواضح : أنّ تلك الأدلّة لا تتكفّل - بل لا يمكن أن تتكفّل - بالخيار عند التخلّف ، حتّى تتوهّم دلالتها على عدم الخيار عند عدم الوجوب .

بل الخيار حكم عقلائي ، مترتّب على تخلّف الشرط ، فإن دلّ دليل شرعي ،

ص: 228


1- تهذيب الأحكام 7 : 371 / 1503 ؛ الاستبصار 3 : 232 / 835 ؛ وسائل الشيعة 21 : 276 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 20 ، الحديث 4 .
2- اُنظر كفاية الاُصول : 92 - 93 ؛ مناهج الوصول 1 : 199.
3- مناهج الوصول 2 : 17 - 20 و51 - 52 ؛ أنوار الهداية 2 : 204 - 206 .

على أنّ هذا الشرط لغو وباطل رأساً ، كالشرط المخالف للكتاب ، فيحكم بعدم الخيار ، وأمّا مع عدم الدلالة على ذلك ، فالحكم العقلائي متّبع لا رادع عنه .

فتحصّل : أنّ تخلّف مثل ذلك الشرط موجب للخيار ، ولا دليل على بطلانه رأساً ، هذا حال شرط الفعل .

حال شرط النتيجة

وأمّا شرط النتيجة ، فاعتبار القدرة فيه على نحو آخر ؛ فإنّه قد يكون مؤثّراً في النقل ، كشرط صيرورة شيء من مال المشروط عليه للشارط ، وفي مثله يكون الاعتبار بالقدرة على الوفاء بالشرط وهو تسليم متعلّقه ، كما تعتبر القدرة على تسليم العوضين في البيع .

وقد لا يكون الشرط مؤثّراً في النقل لمانع ، كما لو شرط صيرورة عين له باعتقاد كونها له ، فتبيّن أ نّها لغيره مثلاً ، وفي مثله يكون الاعتبار بالقدرة على الوفاء بتسليم المتعلّق ، أو بالقدرة على النقل بالأسباب الشرعية والعقلائية ، فعلى القول : باعتبار القدرة يحكم بالبطلان في موارد فقدها .

وممّا تقدّم في شرط الفعل ، يظهر حال شرط النتيجة بقسميه ؛ وأ نّه لا يحكم ببطلانه رأساً بمجرّد فقد القدرة عليه ، بل التخلّف مع اجتماع سائر الشرائط ، يوجب الخيار في محيط العقلاء ، من غير فرق بين القسمين ، سواء كان التخلّف لأجل عدم العمل به اختياراً ، أم كان لمحذور في التسليم ، أو لمانع عن تأثير الشرط .

ففي جميع الصور يكون الحكم هو الخيار ؛ لأجل التخلّف ، لا بطلان الشرط

ص: 229

ولزوم المعاملة ، ولا فسادها ، وقصور الدليل الشرعي عن إيجاب الوفاء به - إمّا لتعذّره ، أو لممنوعية النقل - لا يوجب إسقاط الشرط والحكم ببطلانه ، كالحكم ببطلان الشرط المخالف للكتاب ، ومعه لا رادع عن الحكم العقلائي ، نظير ما لو تعذّر الشرط في الزمان المتأخّر عن العقد ، إذا كان وقت العمل متأخّراً زماناً .

وبعبارة اُخرى : إن كان المراد ببطلان الشرط فيما إذا لم يكن له وجوب الوفاء ، هو عدم التأثير في النقل أو في الوفاء ، فهو مسلّم ، لكن لا يوجب ذلك لغوية الشرط ؛ بحيث لا يترتّب على تخلّفه القهري الخيار .

بل القول بالبطلان ؛ لمجرّد عدم التأثير في النقل أو في الوفاء ، فاسد ؛ لأنّ عدم ترتّب الأثر هاهنا ، لا بدّ وأن يراد منه عدمه مطلقاً حتّى من ناحية ثبوت الخيار عند التخلّف ؛ إذ ليس المقام كالبيع ونحوه ممّا تكون ماهيته متقوّمة بالنقل ، فإذا فرض عدمه مطلقاً يحكم بالبطلان ، كبيع الوقف ، أو ملك الغير مع عدم التعقّب بالإجازة .

بل تكون ماهية الشرط ، هي الالتزام أو القرار في البيع ونحوه ، ولا يعتبر فيها نقل وغيره ، بلا فرق بين شرط النتيجة وغيره ؛ لأ نّه ماهية واحدة لا تختلف في شيء من الموارد ، وإنّما الاختلاف في المتعلّقات ، كاختلاف متعلّقات البيع ونحوه ، فإذا لم يترتّب على الشرط إلاّ الخيار ، فلا يوجب ذلك بطلانه .

فالقول بإلغاء الشرط رأساً في العرف مع عدم النقل ، والحكم بلزوم العقد أو بطلانه ممنوع .

وهذا نظير شرط وصف حالي بتوهّم وجوده ، مع فقده واقعاً ؛ فإنّ الشرط في مثله لا يؤثّر في شيء ، ولا يكون له وجوب وفاء ، ومع ذلك يكون تخلّفه موجباً

ص: 230

للخيار عرفاً ؛ فإنّه شرط سائغ جامع للشرائط يترتّب عليه الخيار .

وتوهّم : رجوع الشرط إلى التوصيف(1) في غير محلّه ؛ للفرق بينهما جعلاً واعتباراً وواقعاً ، فالشرط الباطل الذي لا يترتّب عليه الخيار ، منحصر بما هو لغو عرفاً ، كالشرط غير العقلائي ، على ما سيأتي الكلام فيه(2) ، أو شرعاً كالشرط المخالف للكتاب ، بناءً على استفادة إلغائه من الأدلّة .

ومن هنا يظهر حال شرط الأوصاف الحالية المتخلّفة عن النقل التبعي ، فإنّ اعتبار القدرة فيها ليس بالمعنى الذي تقدّم في الأقسام المتقدّمة ، بل بمعنى القدرة على النقل تبعاً ، وسلب القدرة لا يوجب إلغاء الشرط ، بل يترتّب عليه الخيار كما تقدّم .

كما يظهر الكلام في الأوصاف الاستقبالية ، فإنّها على قسمين ، أحدهما : ما يمكن تعلّق القدرة به ولو تسبيباً ، وثانيهما : على خلاف ذلك ، والكلام فيها هو الكلام فيما تقدّم .

كما أنّ الكلام في الشرط المتعلّق بفعل الغير يظهر ممّا مرّ ، فإنّ فعله تارة : يكون ممّا يمكن أن يكون مقدوراً للمشروط عليه تسبيباً ، فتوهّم ذلك وشرط ، ثمّ تبيّن خلافه .

واُخرى : يكون على خلاف ذلك ، فتوهّم إمكان تعلّق قدرته به ، وقدرته على إيجاده ، فتبيّن خلافه ، ففي الجميع يثبت خيار التخلّف .

فتحصّل من جميع ما تقدّم : أنّ الحقّ هو عدم اعتبار هذا الشرط في شيء من

ص: 231


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 121 .
2- يأتي في الصفحة 236.

الموارد ، لكنّ ذلك بعد الفراغ عن اجتماع سائر الشرائط ، كما أشرنا إليه(1) .

وتوهّم : أنّ المسألة إجماعية ، أو مشهورة شهرة معتبرة في غير محلّه ؛ لأنّ الأمثلة المأخوذة في كلماتهم ، وكذا الاستدلالات المذكورة ، تكشف عن الخلط بين هذا الشرط ، وبعض الشروط التي لا كلام في اعتبارها ، فلم يثبت قيام الإجماع على محطّ البحث بالنحو المتقدّم .

مع أنّ الاتّكال على الأدلّة - كالغرر ، واللغوية ونحوهما - يوهن الإجماع والشهرة المعتمدة .

ص: 232


1- تقدّم في الصفحة 225 .

الثاني : أن يكون الشرط سائغاً في نفسه

اعلم : أنّ «الشرط» قد يطلق ويراد به نفس الالتزام في ضمن البيع ونحوه ، الجامع بين أنحاء الشروط ؛ من شرط الفعل ، وشرط النتيجة ، وشرط الخيار ، وشرط الوصف الحالي أو الاستقبالي ، وإطلاقه بهذا المعنى يكون على نحو الحقيقة ؛ إذ لفظه موضوع لهذا المعنى المشترك .

كما أ نّه بهذا المعنى ، لا تكون المتعلّقات والملتزمات قيداً أو جزءاً له ، بل هو بمعناه المصدري أو الاسم المصدري ، مجرّد عن كافّة المتعلّقات ؛ إذ هو بهذا المعنى مشترك معنوي ، وماهية كلّية ، تنطبق على المصاديق ، فلو قيّد بها ، أو كانت المتعلّقات دخيلة فيه ، لم يعقل أن يكون مشتركاً معنوياً .

وقد يطلق ويراد به المتعلّق والملتزم به ، وإطلاقه عليه مجاز بضرب من المناسبة والعلاقة ، والجمع بين المعنيين في استعمال واحد إمّا غير جائز ، كما عليه الأكثر(1) ، أو جائز(2) ، ولكن لا يحمل عليه إلاّ بدلالة وقرينة .

إذا عرفت ذلك فنقول : من اعتبر أن يكون الشرط سائغاً في نفسه ، لو أراد به ما هو ظاهر هذه العبارة - أي نفس الالتزام ؛ لقوله : «في نفسه» ولجعله شرطاً في قبال الشرط الرابع(3) ؛ أي اعتبر أن يكون الاشتراط بالمعنى المصدري سائغا في

ص: 233


1- كفاية الاُصول : 53 ؛ أجود التقريرات 1 : 76 ؛ مقالات الاُصول 1 : 162 .
2- وقاية الأذهان : 83 ؛ مناهج الوصول 1 : 131 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 21 .

قبال ما لا يكون كذلك ، كالشرط وقت النداء بناءً على حرمته ، أو فيما إذا تعلّق به نهي الوالدين أو المولى ، بناءً على سراية الحرمة إلى نفس العنوان ، كما عليه القوم(1) - كان هذا شرطاً مستقلاًّ ، لا شبهة في أ نّه لا يؤول إلى الشرط الرابع .

فإنّ الظاهر من الأخبار الواردة في الشرط الرابع(2) ، هو الشرط بالمعنى المجازي ؛ أي الملتزمات ؛ ضرورة أنّ نفس الالتزام بالمعنى المصدري الجامع ، لا يكون موافقاً أو مخالفاً للكتاب إلاّ باعتبار متعلّقاته ، فالاستثناء دليل على أنّ المراد ب «الشرط» هو المتعلّقات والملتزمات ، كما أنّ وجوب العمل لا يكون إلاّ للملتزمات .

ففي الشرط الرابع اعتبر أن يكون متعلّق الشرط غير مخالف للكتاب ، وهنا اعتبر أن يكون الشرط في نفسه سائغاً ، فأين أحدهما من الآخر ؟ !

لكنّ الشأن في إثبات اعتبار هذا الشرط ؛ بحيث لو كان نفس الاشتراط محرّماً مع تعلّقه بأمر جائز - كاشتراط خياطة الثوب - يقع باطلاً ؛ فإنّ غاية ما يقال في مثله ، هو أنّ تنفيذ ما هو محرّم غير جائز .

وفيه ما لا يخفى؛ إذ لا مانع عقلاً من تعلّق الحرمة بسبب ، وعلى فرض تحقّقه يحكم بنفوذه ، مع أنّ دليل التنفيذ إذا كان عموماً قانونياً ، لا يأتي فيه ما ذكر .

وإن اُريد من اعتبار جواز نفس الاشتراط ، أن لا يتعلّق الشرط بأمر محرّم ؛ إذ يوجب ذلك حرمة الشرط أيضاً ، بدعوى أنّ إلزام الغير بارتكاب الحرام حرام ،

ص: 234


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 26 و35 ؛ أجود التقريرات 2 : 174 ؛ منية الطالب 3 : 197 ؛ راجع مناهج الوصول 1 : 120 - 121 .
2- يأتي في الصفحة 238.

كما يشعر به التمثيل باشتراط جعل العنب خمراً (1) ، فهذا أيضاً شرط مستقلّ ، لا يؤول إلى الشرط الرابع .

لكنّه حيث لا ينفكّ عن الشرط الرابع ، فلا ثمرة لاعتباره على حدة ، إلاّ إذا قلنا : بأنّ الشرط الرابع مختصّ بمخالفة الكتاب ، ومخالفة السنّة خارجة عنه ، فيكون الاعتبار المذكور مثمراً حينئذٍ ، لكنّ المبنى غير وجيه ، كما يأتي الكلام فيه(2) .

وقد ظهر ممّا ذكرنا : أنّ تمسّك الشيخ الأعظم قدّس سرّه (3) في المقام بالعلوي : «من شرط لامرأته شرطاً فليف به لها ؛ فإنّ المسلمين عند شروطهم ، إلاّ شرطاً حرّم حلالاً ، أو أحلّ حراماً»(4) في غير محلّه ، ومخالف لعنوان البحث ، ولعدّه شرطاً مقابلاً لسائر الشروط .

والإنصاف : أنّ كلامه لا يخلو من تشويش واضطراب ، فتدبّر .

وأمّا مرسلة «الغنية» : «الشرط جائز بين المسلمين ؛ ما لم يمنع منه كتاب أو سنّة»(5)

فمع عدم حجّيتها ، لا يراد منها إلاّ ما في سائر الروايات(6)

من اعتبار أن لا يكون الملتزم محرّماً ، والأمر سهل .

ص: 235


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 19 .
2- يأتي في الصفحة 238 - 244 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 19 .
4- تهذيب الأحكام 7 : 467 / 1872 ؛ وسائل الشيعة 18 : 17 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 6 ، الحديث 5 .
5- غنية النزوع 1 : 215 .
6- راجع وسائل الشيعة 18 : 16 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 6 .

الثالث : أن يكون الاشتراط عقلائياً

بمعنى أن لا يكون ملغىً عند العرف والعقلاء ، واعتباره بهذا المعنى لا إشكال فيه ؛ لأنّ الاشتراط غير العقلائي ، لا يكون مشمولاً للأدلّة الشرعية ، من أجل أ نّها في المعاملات ناظرة إلى ما لدى العقلاء ، ولا سيّما في باب الشرط ، حيث كان لسان الدليل : «أنّ المسلمين (أو المؤمنين) عند شروطهم»(1) .

والمقصود منه : أنّ ما اشترطه المسلمون يجب عليهم الوفاء به ، ومن المعلوم أنّ المراد منهم هو الناس والعقلاء ، لا خصوص المسلمين ، فما هو ملغىً عند العرف ، لا تصحّ دعوى إطلاق الأدلّة فيه .

وأمّا ما أفادوا في المراد بهذا الشرط : من كونه ذا فائدة معتدّ بها عند العقلاء ؛

بمعنى أنّ الملتزم لا بدّ وأن يكون ذا فائدة عقلائية ، وإلاّ يقع باطلاً(2) .

ففيه تأمّل وإشكال ؛ فإنّه ربّما يكون الشرط بالمعنى المصدري عقلائياً ؛ لأجل ترتّب الخيار على تخلّفه ، من غير أن تكون في البين فائدة اُخرى للشارط ، كاشتراط بيعه بالقيمة التي اشتراه بها ، بل اشتراط الأوصاف الحالية ،

ص: 236


1- وسائل الشيعة 18 : 17 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 6 ، الحديث 5 ، و21 : 276 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 20 ، الحديث 4 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 20 ؛ منية الطالب 3 : 194 ؛ الخيارات (تقريرات المحقّق الحائري) الأراكي : 446 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 123 .

ممّا لا فائدة له إلاّ الخيار عند التخلّف ؛ فإنّ أمرها دائر بين الوجود والعدم ، ولا يترتّب على الشرط شيء سوى الخيار ، ففي مثلها لا يعدّ الاشتراط لغواً وملغىً عرفاً ، بل يصحّ ويترتّب عليه الخيار عند التخلّف ، وهو أمر عقلائي .

ولا يقاس المقام بالبيع حيث لا تكون ماهيته إلاّ التبادل ، ولا يترتّب عليه أثر عقلائي آخر .

وبالجملة : ما لا فائدة له ؛ إمّا أن يكون بنحو يكون اشتراطه عبثاً ولغواً ، فلا إشكال فيه .

وإمّا أن تكون له فائدة لا يعتني بها العقلاء في معاملاتهم ، فبطلانه هاهنا ممنوع ؛ لأنّ ثبوت الخيار عند التخلّف من الفوائد العقلائية ، واختصاص خيار التخلّف بالشرط الذي له فائدة معتدّ بها (1) ، ممنوع .

ص: 237


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 20 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 123 .

الرابع : أن لا يكون مخالفاً للكتاب والسنّة

أدلّة بطلان الشرط المخالف للكتاب

أمّا المخالف للكتاب ، فممّا لا ريب في بطلانه ولغويته شرعاً ، كما تدلّ عليه الروايات المستفيضة وفيها الصحيحة والموثّقة ، وفيها : «كلّ شرط خالف كتاب اللّه فهو ردّ»(1) أي مردود كما في نسخة(2) ، وسيأتي التعرّض لتلك الروايات مع بعض روايات اُخر(3) .

أدلّة بطلان الشرط المخالف للسنّة

وأمّا مخالف السنّة ، فيمكن أن يستدلّ على بطلانه بوجوه :

منها : أن يقال : إنّ الشرط في محيط العقلاء ، وهو الذي تنظر إليه روايات الباب(4) ، إنّما يكون نافذاً وعقلائياً ، فيما إذا كان للمشروط عليه سلطنة عليه ، ولم يكن ذلك موجباً للتصرّف في سلطان الغير .

ولهذا لا يكون شرط غصب مال الغير أو جرحه والجناية عليه ، من الشروط العقلائية النافذة ، ومن هذا القبيل الشروط التي توجب نقض القوانين ، ولا سيّما

ص: 238


1- الكافي 5 : 212 / 17 ؛ وسائل الشيعة 18 : 267 ، كتاب التجارة ، أبواب بيع الحيوان ، الباب 15 ، الحديث 1 .
2- اُنظر الحدائق الناضرة 19 : 32 ؛ المكاسب : 277 / السطر14 (ط - الحجري) .
3- يأتي في الصفحة 243 - 244.
4- راجع وسائل الشيعة 18 : 16 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 6 .

الإلهية ؛ فإنّ اشتراط مخالفتها ونقضها ، نحو تجاوز في سلطان الغير .

فاشتراط السرقة ، والقمار ، وشرب الخمر ، وترك الحجّ ، وترك إتيان الزكاة ، وأمثالها - ممّا تعدّ نقضاً للقوانين الشرعية ، وتجاوزاً في سلطان الغير - غير عقلائي ، لا بمعنى كونه سفهياً ، بل بمعنى آخر ، حتّى لو لم تكن في الباب تلك الروايات التي استثنيت فيها مخالفة الكتاب ، لما فهم العرف أيضاً من قوله علیه السلام : «المسلمون عند شروطهم»(1) تجويز التجاوز في سلطان الغير ، ونقض الأحكام الشرعية ، ومخالفة الحدود الإلهية .

وإن شئت قلت : إنّ أدلّة النفوذ منصرفة عن مثل ذلك ، ولم يثبت بناء العقلاء على العمل بالشرط الموجب لمخالفة الحكم العرفي أو الشرعي ، وعليه فتكون مخالفة السنّة والحكم الشرعي ، كمخالفة الكتاب في بطلان الاشتراط .

هذا مع الغضّ عن الروايات المشتملة على استثناء مخالفة الكتاب ، وسيأتي الكلام فيها .

ومنها : دعوى إلغاء الخصوصية عن الروايات الواردة في مخالفة الكتاب(2) ، بأن يقال : إنّ للكتاب جهات : من كونه كلام اللّه تعالى ، وأ نّه نزل به الروح الأمين ، وأ نّه إعجاز ، وأ نّه كتاب المسلمين ، يجب عليهم الإيمان به ، وأنّه مشتمل على أحكام اللّه تعالى .

وتلك الخصوصيات سوى الأخير منها ، لا دخالة لها بنظر العرف في بطلان

ص: 239


1- راجع وسائل الشيعة 18 : 16 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 6 ، الحديث 1 و2 .
2- راجع وسائل الشيعة 18 : 16 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 6 ، و : 267 ، أبواب بيع الحيوان ، الباب 15 ، الحديث 1 .

الاشتراط ، فتمام الموضوع لذلك ، هو كونه مخالفاً للحكم الإلهي ، وعليه يكون الميزان هو المخالفة لحكم اللّه ، فخصوصية الكتاب غير دخيلة ، بل الحكم ثابت لمخالف السنّة أيضاً .

وهذا الوجه لا يخلو من نظر ، وإن كان لا يخلو من جودة .

وأمّا ما قيل : من أنّ المراد ب «الكتاب» في تلك الروايات ، كلّ ما كتب اللّه على عباده ولو على قلب نبيّه وحياً أو إلهاماً ، فالمراد كتابه التشريعي ، في قبال كتابه التكويني(1) . . . إلى آخر ما أفاد ، فهو بالعرفان أشبه من الفقه .

كما أنّ ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه : من أنّ المستفاد من الرواية التي وردت من طرق العامّة(2) ، هو أنّ المراد ب «الكتاب» ما كتبه اللّه على عباده من أحكام الدين ، وإن بيّنه على لسان رسوله صلی الله علیه و آله وسلم ، فاشتراط ولاء المملوك لبائعه ، إنّما جعل في النبوي مخالفاً لكتاب اللّه ، بهذا المعنى(3) .

غير وجيه ؛ فإنّه - مضافاً إلى أنّ الرواية غير المعتمدة ، لا يصحّ أن تجعل قرينة على ذلك - لم تذكر في تلك الرواية مخالفة الكتاب باللفظ الذي نقله عن الشيخ(4) ، والعلاّمة(5) ، وإنّما الموجود فيها : «ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب اللّه ، فما كان من شرط ليس في كتاب اللّه عزّ وجلّ ، فهو باطل ،

ص: 240


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 125 .
2- صحيح مسلم 3 : 321 / 6 ؛ السنن الكبرى ، البيهقي 5 : 338 ، و10 : 295 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 24 .
4- المبسوط 6 : 70 .
5- مختلف الشيعة 5 : 321 - 322 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 22 .

قضاء اللّه أحقّ ، وشرطه أوثق ، والولاء لمن أعتق» .

والظاهر منها : أنّ كلّ شرط ليس في كتاب اللّه ، فهو باطل ، والولاء للبائع ليس فيه ، فشرطه باطل لذلك ، لا بما أ نّه شرط مخالف لكتابه .

نعم ، لولا ضعفها سنداً ، لأمكنت استفادة بطلان الشرط المخالف للسنّة وللحكم الشرعي مطلقاً ، من قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «قضاء اللّه أحقّ ، وشرطه أوثق» فإنّه بمنزلة كبرى كلّية ، يستفاد منها أنّ كلّ شرط يخالف حكم اللّه ، فهو باطل .

ثمّ إنّ الرواية المشتملة على قصّة بريرة نقلت عن «دعائم الإسلام» بلفظ آخر ، وفيها : «ما بال القوم يشترطون شروطاً ليست في كتاب اللّه ، يبيع أحدهم الرقبة ، ويشترط الولاء ، والولاء لمن أعتق ، وشرط اللّه آكد ، وكلّ شرط خالف كتاب اللّه فهو ردّ»(1) .

وهذه أولى بما رامه الشيخ الأعظم قدّس سرّه من تلك الرواية ، وإن كان في استفادته منها أيضاً إشكال ؛ لأنّ صدرها يدلّ على أنّ شرط ولاء البائع ، حيث لا يكون في كتاب اللّه ، باطل ، فالبطلان مستند إلى ذلك ، لا إلى مخالفة حكم اللّه .

وقوله صلی الله علیه و آله وسلم : «الولاء لمن أعتق . . .» إلى آخره ، كلام مستأنف ، فكأ نّه قال : «إنّ الشرط باطل ؛ لأ نّه ليس في كتاب اللّه ، وإنّ الولاء لمن أعتق بحسب حكم اللّه وإن لم يكن في كتابه» .

نعم ، يستفاد منها أنّ شرط اللّه وحكمه ، مقدّم على شروط العباد ، لكنّ السند غير معتمد ، مع إرسالها أيضاً .

ص: 241


1- دعائم الإسلام 2 : 247 / 935 .

ومنها : بعض الروايات المذكورة فيها «مخالفة السنّة» كصحيحة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «قضى علي علیه السلام في رجل تزوّج امرأة وأصدقها ، واشترطت أنّ بيدها الجماع والطلاق ، قال : خالفت السنّة وولّيت الحقّ من ليس بأهله» . قال : «فقضى علي علیه السلام أنّ على الرجل النفقة ، وبيده الجماع والطلاق»(1) ، وقريب منها مرسلة ابن فضّال(2) .

وكمرسلة مروان بن مسلم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال قلت له : ما تقول في رجل جعل أمر امرأته بيدها ؟

قال فقال : «ولّى الأمر من ليس أهله ، وخالف السنّة ، ولم يجز النكاح»(3) .

والاستدلال بها للمقصود باعتبار التعليل بمخالفة السنّة ، غير وجيه ؛ لأنّ «السنّة» المصطلحة - أي التي تكون مقابل الكتاب - وإن كانت معروفة في عصر

ص: 242


1- تهذيب الأحكام 7 : 369 / 1497 ؛ وسائل الشيعة 21 : 290 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 29 ، الحديث 1 .
2- رواها في الوافي عن ابن فضال عن بعض أصحابنا عن أبي عبداللّه عليه السلام إلاّ أنّ الموجود في الكافي والوسائل عن ابن فضّال ، عن ابن بكير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في امرأة نكحها رجل ، فأصدقته المرأة ، وشرطت عليه أنّ بيدها الجماع والطلاق ، فقال : «خالف السنّة ، وولّى الحقّ من ليس أهله ، وقضى أنّ على الرجل الصداق ، وأنّ بيده الجماع والطلاق ، وتلك السنّة» . الكافي 5 : 403 / 7 ؛ وسائل الشيعة 22 : 98 ، كتاب الطلاق ، أبواب مقدّماته وشرائطه ، الباب 42 ، الحديث 1 .
3- تهذيب الأحكام 8 : 88 / 301 ؛ وسائل الشيعة 22 : 93 ، كتاب الطلاق ، أبواب مقدّماته وشرائطه ، الباب 41 ، الحديث 5 .

الأئمّة علیهم السلام ، لكنّها يراد بها الحكم الذي لم يذكر إلاّ بلسان النبي صلی الله علیه و آله وسلم .

وأمّا الأحكام المذكورة في الكتاب ، فإطلاق «السنّة» عليها باعتبار أنّها سنّة اللّه ، لا سنّة النبي صلی الله علیه و آله وسلم المصطلحة ، وحيث إنّ الأحكام المذكورة في تلك الروايات ، كلّها مذكورة في الكتاب المجيد ، كان الحكم على شرط خلافها - بأ نّه خلاف السنّة - من أجل أ نّها سنّة اللّه .

وعليه فمفادها من هذه الجهة ، كمفاد ما دلّت على البطلان لمخالفة الكتاب ، ولهذا تمسّك بحكم الكتاب في رواية اُخرى ، سئل فيها بعين ما سئل في رواية مروان ، وهي رواية إبراهيم بن محرز قال : سأل أبا جعفر علیه السلام رجل وأنا عنده فقال : رجل قال لامرأته : أمرك بيدك .

قال : «أ نّى يكون هذا، واللّه يقول : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ)(1) ؟ ليس هذا بشيء»(2) .

نعم ، يمكن الاستدلال بها بنحو آخر ، إمّا بأن يقال : إنّ المراد ب «السنّة» ليست هي «السنّة» المصطلحة ، بل هي محمولة على المعنى اللغوي ، وهو حكم اللّه وشريعته مطلقاً ، سواء كان مذكوراً في الكتاب ، أو بلسان النبي صلی الله علیه و آله وسلم .

أو يقال : إنّه يستفاد من تعليله علیه السلام البطلان بقوله : «ولّى الأمر من ليس بأهله» أنّ العلّة هي مخالفة حكم اللّه وشريعته مطلقاً ، ولو كان للكتاب خصوصية ، لم يحسن ذلك التعليل .

ص: 243


1- النساء (4) : 34 .
2- تهذيب الأحكام 8 : 88 / 302 ؛ وسائل الشيعة 22 : 93 ، كتاب الطلاق ، أبواب مقدّماته وشرائطه ، الباب 41 ، الحديث 6 .

ومن هذا البيان ظهر ، إمكان التمسّك لبطلان ما خالف حكم اللّه مطلقاً بموثّقة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر علیه السلام : في رجل تزوّج امرأة ، وشرط لها إن هو تزوّج عليها امرأة ، أو هجرها ، أو اتّخذ عليها سريّة ، فهي طالق .

فقضى في ذلك : «أنّ شرط اللّه قبل شرطكم . . .»(1) إلى آخره .

فإنّ التعليل بذلك دالّ على أنّ مخالفة حكم اللّه ، هي الموجبة للبطلان ، لا مخالفة خصوص كتابه ، والرواية وإن اشتملت على نحو تقيّة ، لكن الاستدلال ليس على نحو التقيّة .

فتحصّل من جميع ما مرّ : أنّ الحكم ثابت لمخالفة السنّة ، كما هو ثابت لمخالفة الكتاب ، كما في مرسلة «الغنية» : «الشرط جائز بين المسلمين ما لم يمنع منه كتاب أو سنّة»(2) .

هل موافقة الكتاب شرط أو مخالفته مانعة؟

ثمّ إنّ مقتضى بعض الروايات ، اعتبار موافقة الشرط للكتاب ، كصحيحة عبداللّه بن سنان ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال سمعته يقول :

«من اشترط شرطاً مخالفاً لكتاب اللّه ، فلا يجوز له ، ولا يجوز على الذي اشترط عليه ، والمسلمون عند شروطهم فيما وافق كتاب اللّه عزّ وجلّ»(3) .

ص: 244


1- تهذيب الأحكام 8 : 51 / 164 ؛ وسائل الشيعة 22 : 35 ، كتاب الطلاق ، أبواب مقدّماته وشرائطه ، الباب 13 ، الحديث 2 .
2- تقدّم في الصفحة 235 .
3- الكافي 5 : 169 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 22 / 94 ؛ وسائل الشيعة 18 : 16 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 6 ، الحديث 1 .

وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : أ نّه سئل عن رجل قال لامرأته : إن تزوّجت عليك ، أو بتّ عنك ، فأنت طالق .

فقال : «إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال : من شرط لامرأته شرطاً سوى كتاب اللّه تعالى ، لم يجز ذلك عليه ، ولا له»(1) .

ويتفرّع على هذا ، أ نّه لو شرط شرطاً ليس في كتاب اللّه ، كان باطلاً من أجل فقد الموافقة ، ويؤيّد ذلك مرسلة «دعائم الإسلام» عن علي علیه السلام قال : «أرادت عائشة أن تشتري بريرة ، فاشترط مواليها عليها ولاءها ، فاشترتها منهم على ذلك الشرط ، فبلغ ذلك رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، فصعد المنبر ، فحمد اللّه ، وأثنى عليه ، ثمّ قال : ما بال قوم يشترطون شروطاً ليست في كتاب اللّه ، يبيع أحدكم الرقبة ، ويشترط الولاء ، والولاء لمن أعتق وشرط اللّه آكد ، وكلّ شرط خالف كتاب اللّه فهو ردّ؟!...»(2) إلى آخرها، وقريب منها ما عن طرق العامّة في القضيّة(3).

ومقتضى بعض الروايات ، أنّ مخالفة الكتاب هي الموجبة للبطلان ، كصحيحة عبداللّه بن سنان ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «المسلمون عند شروطهم إلاّ كلّ شرط خالف كتاب اللّه عزّ وجلّ ، فلا يجوز»(4) .

ص: 245


1- الفقيه 3 : 321 / 1558 ؛ وسائل الشيعة 22 : 35 ، كتاب الطلاق ، أبواب مقدّماته وشرائطه ، الباب13 ، الحديث 1 .
2- دعائم الإسلام 2 : 247 / 935 .
3- صحيح مسلم 3 : 321 / 6 ؛ السنن الكبرى ، البيهقي 5 : 338 ، و10 : 295 .
4- الفقيه 3 : 127 / 553 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 22 / 93 ؛ وسائل الشيعة 18 : 16 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 6 ، الحديث 2 .

ثمّ اعلم : أنّ مقتضى الأخبار الدالّة على بطلان الشرط المخالف للكتاب ، أنّ المخالفة له مانعة عن صحّة الشرط ، وأنّ البطلان لأجل مزاحمة الكتاب ، لا لاعتبار عدم كونه مخالفاً له .

ويؤكّد ذلك قوله في صحيحة محمّد بن قيس : «إنّ شرط اللّه قبل شرطكم»(1) .

وفي رواية «دعائم الإسلام» : «شرط اللّه آكد»(2) .

وفي رواية : «قضاء اللّه أحقّ ، وشرطه أوثق»(3) .

ولم يدلّ دليل على اشتراط صحّة الشرط بعدم المخالفة .

وما وقع في كلام بعض : من عدّ عدم المخالفة من الشروط(4) ، ولم يستند إلى مستند إلاّ دعوى بعض المتأخّرين في غير المقام ؛ بأنّ ما دلّ بظاهره على مانعية الوجود ، لا بدّ من إرجاعه إلى شرطية العدم ، بتخيّل أنّ المانعية غير ممكنة الجعل(5) ، أو أ نّه مع عدم الاشتراط ، لا يعقل عدم الصحّة ، والوجهان غير مرضيّين على ما ثبت في محلّه(6) .

ص: 246


1- تقدّم في الصفحة 244 .
2- تقدّم في الصفحة 241 .
3- تقدّم في الصفحة 240 - 241.
4- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 21 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الخراساني : 238 .
5- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 3 : 286 ؛ نهاية الدراية 4 : 365 - 366 .
6- راجع ما تقدّم في الجزء الثالث : 319 - 321 ؛ وراجع أيضاً الطهارة ، الإمام الخميني قدس سره 4 : 42 .

وحينئذٍ يدور الأمر بحسب الواقع ، بين شرطية موافقة الكتاب ، أو مانعية مخالفته ، ولا يعقل الجمع بينهما ؛ لأ نّه مع اشتراط الموافقة ، يستند البطلان إلى فقد الشرط ، لا وجود المانع ، مع أنّ جعل المانعية لغو بعد جعل الشرط المذكور .

والتحقيق : أنّ ظهور الأدلّة في مانعية المخالفة أقوى ، بل ظهور ما يتوهّم دلالتها على شرطية الموافقة محلّ إشكال .

أمّا صحيحة ابن سنان(1) فلأ نّها مع ذكر «مخالفة الكتاب» في صدرها ، وظهور الذيل في بيان الكبرى الكلّية المنطبقة على الصدر ، لا يبقى لها ظهور في اشتراط الموافقة .

مع أنّ قوله علیه السلام : «المسلمون عند شروطهم فيما وافق كتاب اللّه» لا مفهوم له ، ولا دلالة له على الحصر ، وإنّما يدلّ على أنّ الشرط الموافق للكتاب نافذ ، وهذا لا شبهة فيه ، وأمّا كون نفوذه لوجود الشرط أو لفقد المانع ، فلا دلالة فيه على شيء منها ، ولا سيّما مع التصدير بما ذكر .

وأمّا صحيحة الحلبي فيحتمل أن يكون المراد بقوله : «سوى كتاب اللّه»(2) هو مايقابله ويغايره ، ولا سيّما مع ما في السؤال من «الشروط المخالفة لكتاب اللّه» كما اُشير إليه فيما عن «تفسير العيّاشي» عن ابن مسلم ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «قضى أمير المؤمنين علیه السلام في امرأة تزوّجها رجل ، وشرط عليها وعلى أهلها إن تزوّج عليها ، أو هجرها ، أو أتى عليها سريّة ، فهي طالق» .

فقال : «شرط اللّه قبل شرطكم ، إن شاء وفى بشرطه ، وإن شاء أمسك

ص: 247


1- تقدّم في الصفحة 244 .
2- تقدّم في الصفحة 245 .

امرأته ، ونكح عليها ، وتسرّى ، وهجرها إن أتت بسبيل ذلك ، قال اللّه تعالى : )فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ ا لنِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ((1) وقال : اُحلَّ لَكُم )مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم((2) ، وقال : )وَاللاَّتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ((3) . . .» إلى آخرها (4) .

وعليه فلا ينبغي الإشكال في عدم اشتراط موافقة الكتاب ، بل إمّا المخالفة مانعة كما تقدّم(5) ، أو عدمها شرط ، كما ذكره غير واحد(6) .

في التعارض بين صحيحة ابن سنان وموثّقة إسحاق

ثمّ إنّ الظاهر البدوي ، وقوع التعارض بين صحيحة ابن سنان : «المسلمون عند شروطهم، إلاّ كلّ شرط خالف كتاب اللّه»(7) وبين موثّقة إسحاق بن عمّار(8):

ص: 248


1- النساء (4) : 3 .
2- النساء (4) : 3 .
3- النساء (4) : 34 .
4- تفسير العيّاشي 1 : 240 / 121 ؛ وسائل الشيعة 21 : 277 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 20 ، الحديث 6 .
5- تقدّم في الصفحة 246.
6- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 21 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 257 - 258 ؛ منية الطالب 3 : 194 - 195 .
7- تقدّم في الصفحة 245 .
8- رواها الشيخ الطوسي بإسناده عن الصفّار ، عن الحسن بن موسى الخشّاب ، عن غياث بن كلّوب ، عن إسحاق بن عمّار ، عن جعفر عليه السلام ، عن أبيه عليه السلام . والرواية موثّقة بغياث بن كلّوب فإنّه عامّي ، لكن عملت الطائفة بما رواه كما قال الشيخ في العدّة . أ مّا إسحاق بن عمّار فإ نّه وإن نسبه الشيخ الطوسي إلى الفطحية لكن يظهر من المصنّف أنّ النسبة غير تامّة حيث عبّر في غير موضع من سائر كتبه ب«صحيحة» أو «مصحّحة» إسحاق بن عمّار . العدّة في اُصول الفقه 1 : 149 ؛ البيع ، الإمام الخميني قدس سره 4 : 160 .

«إنّ المسلمين عند شروطهم ، إلاّ شرطاً حرّم حلالاً ، أو أحلّ حراماً»(1) .

ومختصر الكلام : هو أ نّه يحتمل في الصحيحة أن يكون المراد ب «كتاب اللّه» هو القرآن ، على ما هو الظاهر منها بدواً .

ويحتمل أن يكون المراد ما كتب اللّه على عباده ، على ما ادّعى بعضهم(2) ، أو على ما ذكرنا : من إلغاء الخصوصية ، ومن مناسبات الحكم والموضوع(3) .

ويحتمل في الموثّقة أن يكون المراد ب «الحلال والحرام» التكليفيّين منهما .

وأن يكون المراد مطلق المضيّ والممنوعية الأعمّ من التكليفي .

فإن اُريد منهما المعنى الأعمّ ، فلا تعارض بينهما ؛ لتوافقهما في بطلان الشرط المخالف لمطلق حكم اللّه تعالى ، وإن اختلفا من بعض الجهات .

وإن اُريد من كلّ منهما المعنى الخاصّ ، تكون النسبة بينهما العموم من وجه ، فتتّفقان في الشرط المخالف للأحكام الوضعية الواردة في السنّة فقط ؛ لأ نّه مندرج في المستثنى منه من كلّ منهما ، لعدم كونه من الشرط المخالف لما في

ص: 249


1- تهذيب الأحكام 7 : 467 / 1872 ؛ وسائل الشيعة 18 : 17 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 6 ، الحديث 5 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 24 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 125 .
3- تقدّم في الصفحة 239 - 240.

القرآن ، ولا من المخالف للتكاليف ، فمقتضاهما جميعاً صحّة الشرط المخالف للحكم الوضعي الثابت بالسنّة .

وتتعارضان في الشرط المخالف للحكم الوضعي الثابت بالكتاب ، وفي الشرط المخالف للحكم التكليفي الثابت بالسنّة فقط ؛ فإنّ مقتضى الصحيحة البطلان في الأوّل ، والصحّة في الثاني ، ومقتضى الموثّقة العكس .

فحينئذٍ إن قلنا بأنّ أدلّة العلاج جارية في التعارض بالعموم من وجه ، لا بدّ من العمل بها ، وإلاّ فالحكم هو تساقطهما ، والرجوع إلى عموم الكتاب مثل )أَوْفُوا بِالْعُقُودِ((1) إن قلنا بأ نّه شامل للشروط الداخلة فيها ، وإلاّ فيرجع إلى الأصل .

وهنا احتمال آخر ، وهو الأخذ بكلتيهما ، واستثناء الشرط المخالف للكتاب ، والشرط المحرّم والمحلّل ؛ بأن يقال : إنّهما حكمان متّفقا المضمون ، ولا تعارض بينهما .

فمقتضى الصحيحة عدم نفوذ الشرط المخالف للكتاب ، ومقتضى الموثّقة عدم نفوذ الشرط المحرّم ، وعنوان الحصر ليس في الكلام حتّى يقال بالتعارض .

وإن قيل : إنّه دالّ على الحصر بعنوانه ، أو إنّه يفهم من المستثنى منه والمستثنى ، أنّ الشرط نافذ في غير المستثنى من المستثنى منه ، فهو قابل للتقييد ، فكلّ منهما يقيّد بالآخر ، وتصير النتيجة بطلان الشرط في الموردين .

وإن اُريد من الصحيحة المعنى الخاصّ ، ومن الموثّقة العامّ ، فيحتمل

ص: 250


1- المائدة (5) : 1 .

تخصيص الثانية بالاُولى ، ويحتمل الأخذ بمضمونهما ؛ لكونهما متوافقتين ، ومنه يظهر حال عكس هذه الصورة .

والذي يسهّل الخطب ، أنّ الظاهر ولو بمعونة مناسبات الحكم والموضوع ، وسائر القرائن الواردة في الأخبار والارتكاز العقلائي ، هو المعنى العامّ في كلتيهما ، فلا تعارض بينهما .

وذلك أمّا في الصحيحة فلما مرّ الكلام فيه(1) ، وأمّا في الموثّقة فلأ نّها - مضافاً إلى اشتراكها مع الصحيحة في بعض القرائن المتقدّمة - ليس للحلّ والحرمة فيها بحسب اللغة معنيان : التكليفي ، والوضعي ، بل هما بمعنى المنع ومقابله ، وكلّ منهما إذا نسب إلى ما له نفسية كالخمر والخلّ ، يفهم منه أ نّه في نفسه ممنوع ، أو غير ممنوع ، وما هو كذلك هو الحكم التكليفي ، وإذا نسبا إلى عنوان يترتّب عليه الأثر كالبيع ونحوه ، ينتزع منه الوضع .

وكذا الحال في الجواز والوجوب ، والأمر والنهي ، فإنّ الأمر أيضاً ليس له معنيان ، بل وضع للبعث والإغراء ، فإذا تعلّق بمثل الصوم ونحوه ، ينتزع منه التكليف ، وإذا تعلّق بمثل الطهارة في الصلاة ، أو بالجزء في المركّب ونحوهما ، ينتزع منه الوضع .

وفي المقام ولو بالمناسبات ، يفهم من الحرمة والحلّ ، المنع ومقابله ، من غير فرق بين التكليف والوضع ، فيعمّ الكلام جميع الأحكام الشرعية والوضعية والتكليفية .

ص: 251


1- تقدّم في الصفحة 239 - 240 .

ولو نوقش فيما ذكرناه ، فلا إشكال في أنّ مقتضى مجموع الروايات(1) هو ذلك ، فلا إشكال من هذه الناحية .

بيان معنى الشرط

ثمّ إنّه قد مرّ عند الكلام في الشرط الثاني ، شطر من الكلام حول معنى الشرط ، وقلنا : إنّه ماهية جامعة لجميع المصاديق المتعلّقة بالملتزمات والمشترطات المختلفة ، بل المتباينة أحياناً ، والاختلاف إنّما هو بين المتعلّقات لا بين ما تعلّق بها (2) .

فالشرط معنىً وحداني ؛ هو الالتزام في ضمن البيع ونحوه ، أو القرار كذلك ، وهو حقيقة في نفس الالتزام أو القرار ، منفكّاً عن الملتزمات ، وإلاّ لزم الاشتراك اللفظي بنحو بشع .

ولا خفاء في أنّ الشرط بمعناه الحقيقي منفكّاً عن المتعلّقات ، لا يكون له عمل حتّى يجب أو يحرم ، وليس له وفاء بذاته إلاّ بلحاظ المتعلّق ، ولا يخالف الكتاب ، ولا يوافقه ، بل تلك المعاني كلّها مربوطة بالملتزمات .

لكنّ القرائن قائمة على أنّ المراد منه في روايات الباب هو الملتزمات ، واستعمل «الشرط» فيها مجازاً ، وإرادة المعنى الحقيقي والمجازي وإن كانت

ص: 252


1- راجع وسائل الشيعة 18 : 16 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 6 ، و21 : 275 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 20 ، و22 : 35 ، كتاب الطلاق ، أبواب مقدّماته وشرائطه ، الباب 13 .
2- تقدّم في الصفحة 233 .

غير مستحيلة على التحقيق(1) ، لكن لا يحمل عليها إلاّ بدليل ، فالمراد ب «مخالفة الكتاب» مخالفة الملتزم له ، لا الالتزام .

يظهر من الشيخ الأعظم قدّس سرّه ، أنّ المتّصف بمخالفة الكتاب إمّا يكون نفس المشروط والملتزم ، وإمّا يكون التزامه .

وقد استشهد على عدم اختصاص ذلك بالملتزم ، واتّصاف الالتزام أيضاً بالمخالفة ، ببعض الروايات(2) ، ومن البعيد ذهابه إلى استعمال لفظ «الشرط» في أكثر من معنىً واحد ، فلعلّ نظره إلى أنّ الروايات على طائفتين :

منها : ما هي ظاهرة في مخالفة الملتزم ، كصحيحة ابن سنان(3) ونحوها (4) .

ومنها : ما هي ظاهرة أو صريحة أو كالصريحة في مخالفة نفس الالتزام .

أمّا الطائفة الثانية فمنها : رواية العيّاشي(5) .

قال رحمه الله علیه : الرواية المتقدّمة الدالّة على كون اشتراط ترك التزوّج والتسرّي مخالفاً للكتاب ، مستشهداً عليه بما دلّ من الكتاب على إباحتها ، كالصريحة في هذا المعنى(6) ، انتهى .

وفيه : - مع الغضّ عن إرسال الرواية - أ نّها بقرينة الاستشهاد فيها بالآيات ،

ص: 253


1- مناهج الوصول 1 : 131 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 25 - 26 .
3- تقدّم في الصفحة 244 .
4- دعائم الإسلام 2 : 247 / 935 ؛ السنن الكبرى ، البيهقي 10 : 295 .
5- تقدّم في الصفحة 247 - 248.
6- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 25 .

كالصريحة في أنّ المراد مخالفة الشرط للحكم الشرعي ، وما هو كذلك هو الملتزم ، لا الالتزام كما مرّ(1) ، ولم يذكر في الرواية لفظ «الإباحة» حتّى يتوهّم منه ما رامه ، فما هو المخالف لقوله تعالى : )وَأَنْكِحُوا ا لْأَيَامَى((2) هو الشرط بمعنى الملتزم ، لا نفس الالتزام ، وكذا سائر الفقرات .

مع أنّ لازم ما ذكره رحمه الله علیه ، بطلان جميع الشروط ، سواء كانت متعلّقة بالمباحات أم بغيرها ، إلاّ مثل شرط إتيان الواجب ، أو ترك المحرّم ، وهو كما ترى .

ومنها رواية إسحاق بن عمّار .

قال رحمه الله علیه : مع أنّ قوله علیه السلام في رواية إسحاق بن عمّار : «فإنّ المسلمين عند شروطهم ، إلاّ شرطاً حرّم حلالاً ، أو أحلّ حراماً»(3) ظاهر بل صريح في فعل الشارط فإنّه الذي يرخّص باشتراطه الحرام الشرعي(4) . . . إلى آخره .

وفيه : أنّ الظاهر من صدر الرواية - وهو قوله علیه السلام : «من شرط لامرأته شرطا فليف لها به» - هو الملتزم ؛ أي من شرط شيئاً ، وذلك بقرينة تعلّق الشرط به ، وبقرينة الوفاء ؛ فإنّ معنى «الوفاء» هو الإتيان بالشيء وافياً ، فمعنى «الوفاء

بالشرط» الإتيان بالملتزم وافياً ، ولا إشكال في أنّ الكبرى الكلّية المستشهد بها ،

ص: 254


1- تقدّم في الصفحة 252 - 253.
2- النور (24) : 32 .
3- تهذيب الأحكام 7 : 467 / 1872 ؛ وسائل الشيعة 18 : 17 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 6 ، الحديث 5 .
4- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 26 .

لا بدّ وأن تنطبق على الصدر الذي هو الصغرى لها ، وعليه فلا مناص من أن يراد بها الملتزمات .

مضافاً إلى ظهور قوله علیه السلام : «المسلمين عند شروطهم» - الذي هو كناية عن وجوب العمل بالشرط - في ذلك ؛ إذ لا معنى لوجوب العمل إلاّ على طبق الملتزم ، فإنّ نفس الالتزام لا عمل له ، مع أنّ التحريم والتحليل في الرواية اُسندا إلى الشرط ، لا الشارط ، فلا محالة يكون بتأوّل ، فيمكن أن يكون المراد ب «الشرط» هو الملتزم ، فإنّ مفاده قد يكون محرّماً ومحلّلاً ، فإنّ الكلام يحلّل ويحرّم .

هذا كلّه مع أنّ الجمود على ظاهر الرواية يقتضي لأن يقال : إنّ المراد استثناء ما يكون مفاده التحريم والتحليل بعنوانهما بأن يقول : «شرطت أن يكون التزويج مثلاً محرّماً عليك ، ونكاح اُخت الزوجة محلّلاً لك ، وأنّ أمر المرأة بيدها . . .» إلى غير ذلك ممّا هو شائع بين الناس .

نظير ما في بعض الروايات في باب اليمين ، كرواية زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : سألت عن رجل قال لامرأته : أنت عليّ حرام .

فقال : «لو كان لي عليه سلطان لأوجعت رأسه ، وقلت له : اللّه أحلّها لك ، فما حرّمها عليك ؟ !»(1) .

ورواية محمّد بن مسلم قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : رجل قال لامرأته : أنت عليّ حرام .

ص: 255


1- الفقيه 3 : 356 / 1703 ؛ تهذيب الأحكام 8 : 41 / 124 ؛ وسائل الشيعة 22 : 38 ، كتاب الطلاق ، أبواب مقدّماته وشرائطه ، الباب 15 ، الحديث 2 .

فقال : «ليس عليه كفّارة ، ولا طلاق»(1) .

وعن «دعائم الإسلام» في قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ ا للّه ُ لَكَ)(2) : «إنّ النبي حرّمها» أي مارية القبطية «على نفسه»(3) .

ومنها : مرسلة «الغنية» .

قال رحمه الله علیه : وأصرح من ذلك كلّه ، المرسل المرويّ في «الغنية» : «الشرط جائز بين المسلمين ، ما لم يمنع منه كتاب أو سنّة»(4) .(5)

وفيها : - مضافاً إلى الإرسال ، بل الظاهر من «الغنية» أ نّها من طرق غيرنا - أ نّها لا ظهور لها فيما رامه ، فضلاً عن الصراحة والأصرحية ؛ فإنّ قوله : «ما لم يمنع منه» إن رجع إلى الشرط ، فمعناه أنّ الاشتراط نافذ ما لم يمنع عنه كتاب أو سنّه ؛ بأن يرد نهي عن الاشتراط .

وهذا وإن لم يكن فيه إشكال ، لكنّه غير مربوط بما نحن بصدده ، بل أمر آخر زائد على ذلك .

وإن رجع إلى الشرط بمعنى الملتزم ، فلا بدّ وأن يكون المراد من «جوازه» نفوذ الملتزم ؛ فإنّ الشرط بما هو شرط مع تجرّده عن المتعلّق لا معنى لنفوذه ،

ص: 256


1- الكافي 6 : 135 / 4 ؛ وسائل الشيعة 22 : 40 ، كتاب الطلاق ، أبواب مقدّماته وشرائطه ، الباب 15 ، الحديث 8 .
2- التحريم (66) : 1 .
3- دعائم الإسلام 2 : 267 / 1006 ؛ مستدرك الوسائل 15 : 294 ، كتاب الطلاق ، أبواب مقدّماته وشرائطه ، الباب 14 ، الحديث 3 .
4- غنية النزوع 1 : 215 .
5- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 26 .

بل ذلك لأجل لزوم ترتّب الآثار على ما التزم به .

والإنصاف : أنّ جميع الروايات إنّما هي بصدد أمر واحد ؛ وهو عدم مخالفة ما التزم به للحكم الشرعي ، وهذا أمر عامّ يشمل التحليل ، والتحريم ، وشرط فعل الحرام ، وترك الواجب ، والأحكام الوضعية ، كجعل الطلاق بيد الزوجة . . . إلى غير ذلك .

نعم ، لو ورد نهي عن الاشتراط ، كان إرشاداً عرفاً إلى الفساد ، لكنّه مفقود إلاّ على احتمال في مرسلة ابن زهرة .

في تشخيص الشرط المخالف للكتاب والسنّة

ثمّ إنّه لا ينبغي الإشكال ، في أنّ تشخيص المخالفة للكتاب والسنّة وعدمها ، موكول إلى العرف ، كسائر الموضوعات المترتّبة عليها الأحكام الشرعية ، وليست المخالفة ومقابلها ، أمراً مجهولاً عند العقلاء ، حتّى يحتاج إلى البيان وإتعاب النفس في بيان الضابط لهما بما يجعلهما مجهولين بعد وضوحهما :

وذلك أمّا في موارد الأحكام التكليفية الإلزامية ، فلأ نّه لا شبهة في أنّ شرط فعل الحرام أو ترك الواجب ، مخالف عرفاً للشرع ، كما أنّ ارتكاب الحرام وترك الواجب ، مخالف لحكم اللّه .

فلو ورد : «أكرم كلّ عالم إلاّ من خالف حكم اللّه» وارتكب عالم حراماً أو ترك واجباً ، لا يشكّ أحد من العرف والعقلاء ، في أنّ هذا العالم داخل في المستثنى ؛ لكونه خالف حكمه تعالى .

وكذا في الشرط ، فلو شرط عليه ترك واجب أو فعل حرام ، لا يشكّ عاقل

ص: 257

في أ نّه شرط ما خالف حكم اللّه تعالى ؛ فإنّ معنى «الحرام» هو ما منع عن فعله ، ومعنى «الواجب» هو ما لزم إتيانه عرفاً .

وأوضح من ذلك ، ما لو شرط حرمة حلال ، كشرط أن تكون الزوجة أو ملك اليمين ، حراماً عليه ، أو ترك القسم بين الأزواج ، حلالاً له .

وقد يتوهّم : أنّ أمثال ذلك - سواء في الأحكام التكليفية أو الوضعية

- غير معقول ، لا أ نّه غير مشروع(1) .

وفيه : أنّ ما هو غير معقول ، هو اشتراط أن يكون حكم اللّه تعالى كذا ، وبعبارة اُخرى اشتراط تغييره ، وهو واضح ، ولا يشترط ذلك عاقل .

وأمّا جعل الحرمة بواسطة شرطه لطرفه ، فهو معقول ، بل واقع ، كما في الأحاديث المتقدّمة وهو قوله : «أنت عليّ حرام»(2) وكما في جعل الجماع والطلاق بيد الزوجة(3) . . . إلى غير ذلك ممّا هو واقع كثيراً .

وبالجملة : شرط أمر وضعي أو تكليفي - ينافي الأحكام الإلهية - باطل ، وتشخيص ذلك واضح .

وأمّا في موارد الأحكام غير الإلزامية ، كالمحلّلات ، والمباحات ، والمستحبّات ، والمكروهات ، فإن اشترط تركها أو فعلها ، فلا شبهة في أ نّه ليس مخالفاً للشرع .

كما أنّ إتيانها وتركها ليسا مخالفين له ؛ ضرورة أنّه أجاز الإتيان والترك

ص: 258


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 131 - 132 .
2- تقدّم في الصفحة 255 .
3- تقدّم في الصفحة 242 .

في جميع ذلك ، فالاشتراط اشتراط أمر جائز شرعاً ، وليس في ذلك تحليل حرام ، أو تحريم حلال ، ولا اشتراط أمر مخالف لأحكام اللّه ، وهو واضح لا سترة فيه .

وأمّا لو اشترط حرمة حلال ومباح ، أو حلّية ما ليس بحلال شرعاً ، فهو مخالف للشرع وباطل .

ومنه يظهر الحال في الوضعيات ، فإنّ شرط كون أمر المرأة بيدها ، أو كون الطلاق كذلك ، مخالف للشرع ، بخلاف شرطه أن لا يطلّق ، أو لا يجامع .

كما أنّ شرط الصلاة في وبر ما لا يؤكل ، أو في المكان المغصوب ، مخالف له . . . إلى غير ذلك من الموارد التي تشخيصها موكول إلى العرف .

وأمّا ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه من الضابط ، فمع كونه تبعيداً للمسافة ، غير وجيه في نفسه .

وحاصل ما أفاد : أنّ المراد بالحكم الذي تعتبر عدم مخالفة المشروط أو الشرط له ، هو ما ثبت على وجه لا يقبل تغيّره بالشرط بتغيّر موضوعه بسبب الاشتراط ، كالأحكام الإلزامية ، فإنّها ثابتة للموضوعات لا مع التجرّد عن الطوارئ ؛ فإنّ الحكم بالمنع عن الفعل مطلق ، لا مقيّد بحيثية تجرّد الموضوع إلاّ عن مثل الضرر والحرج .

ولازم ذلك ، حصول التنافي بين دليلي الحكمين ، إذا فرض ورود حكم آخر من غير جهة الضرر والحرج ، فلا بدّ من الترجيح .

وأمّا الأحكام غير الإلزامية ، فهي ثابتة لموضوعاتها من حيث نفسها ، ومجرّدة عن ملاحظة عنوان آخر ومتقيّدة بتجرّدها ، فلا محالة لا تتعارض

ص: 259

مع الأحكام الثابتة لها لأجل الطوارئ(1) ، انتهى ملخّصاً .

وفيه موارد للنظر :

منها : أنّ التحقيق أنّ الأحكام الثابتة للعناوين الطارئة على موضوعات الأحكام الأوّلية - كالنذر ، وأخويه ، والشرط ، وإطاعة الوالدين والمولى ، وأشباهها ، حتّى عنوان « المقدّمية» - لا توجب تغيّر تلك الأحكام الأوّلية في شيء من الموارد .

وذلك لعدم معقولية تجافي الحكم عن موضوعه الذي تعلّق به ، من غير فرق بين كون الواجب في تلك الموارد هو عنوان «الوفاء بالنذر وأخويه والشرط» أو «إتيان المنذور والمشروط بما هو كذلك» فإنّها عناوين طارئة زائدة على عنوان ذوات الموضوعات ، ومنطبقة عليها في الخارج الذي هو ليس ظرف ثبوت الأحكام .

فالموضوع الخارجي بعد عروض الطوارئ عليه ، له عنوانان :

عنوان كونه مصداقاً للأكل ، أو الشرب ، أو الصلاة ، أو نحوها .

وعنوان كونه وفاء بالنذر ، وإطاعة للوالد ، وهكذا .

فما هو المباح أو المستحبّ أو المكروه أو الواجب أو الحرام ، هي العناوين الأوّلية لموضوعات تلك الأحكام ، ولا تعقل سراية تلك الأحكام إلى الطوارئ ، ولو كانت متّحدة مع عناوين موضوعاتها في الخارج .

وما هو الواجب بالنذر والشرط ونحوهما ، هو العنوان الطارئ المنفكّ عن

ص: 260


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 26 - 27 .

العناوين الأوّلية في ظرف تعلّق الأحكام بها ، ولا تعقل سرايته إلى موضوعات الأحكام الأوّلية ، وذلك من غير فرق بين إطلاق أدلّة الأحكام وعدمه .

فإذا أمر المولى بإتيان صلاة الليل ، أو نذر إتيانها ، يجب عليه إتيان الصلاة المستحبّة ، فالواجب إطاعة المولى ، وإطاعته عبارة عن إتيان المستحبّ ، وكذا في سائر العناوين .

فما اشتهر بينهم : من أنّ الطهارة قد تجب بالنذر وشبهه(1) ممّا لا أساس له إن اُريد به تغيّر الحكم الاستحبابي ، أو سقوطه وثبوت الحكم الوجوبي للموضوع .

ومنها : أنّ ما ادّعى من أنّ جميع أدلّة المباحات والمستحبّات والمكروهات ، تعلّقت بموضوعاتها مع التقيّد بالتجرّد عن العناوين الطارئة غير وجيه جدّاً .

بل لقائل أن يقول : ليس في شيء من أدلّتها ، ما يوهم لحاظ التجرّد والتقيّد به ، كما أ نّه ليس في شيء من أدلّة الواجبات والمحرّمات ، لحاظ السريان ، كما تمور به الألسن موراً (2) .

بل فيما تمّت فيه مقدّمات الإطلاق ، يكون الحكم ثابتاً لموضوعه من دون لحاظ أيّ قيد فيه ، ومعنى الإطلاق أنّ المأخوذ هو تمام الموضوع للحكم ، وليس له جزء أو قيد آخر ، فأدلّة المستحبّات والمكروهات ، كسائر الأدلّة في ذلك .

ص: 261


1- جواهر الكلام 5 : 2 ؛ العروة الوثقى 1 : 333 - 334 و466 .
2- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني)، الكاظمي 2 : 511 و569 ؛ درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 234 ؛ اُنظر مناهج الوصول 2 : 203 و277 و288 .

نعم ، قد يكون إهمال في حكم ، أو لا تتمّ في مورده مقدّمات الإطلاق ، ولا فرق في ذلك بينهما بوجه .

فدعوى : أنّ أدلّة المباحات والمستحبّات والمكروهات ، مهملة ، أو مجرّدة ، أو متقيّدة بالتجرّد ، بخلاف أدلّة الواجبات والمحرّمات ، تخريص ، بل قول مخالف للواقع بحسب ظواهر الأدلّة .

ومنها : أ نّه لو فرض لأدلّة المباحات والمستحبّات والمكروهات إطلاق - كأدلّة الواجبات والمحرّمات - لم يكن شرط تركها أو إتيانها أيضاً مخالفاً للكتاب والسنّة ؛ وذلك لما عرفت من أ نّه مع جواز الفعل والترك ، لا وجه للمخالفة(1) ، ولا يلزم من لزوم العمل بالشرط ، صيرورة المباح أو المستحبّ لازماً ؛ لما تقدّم(2) .

مضافاً إلى أنّ اللزوم من أحكام الشرط شرعاً وعرفاً ، لا مفاده .

فاتّضح : أنّ السرّ في عدم المخالفة فيها ، والمخالفة في الواجبات والمحرّمات ، هو ما تقدّم(3) ، لا ما أفاده .

نعم ، لو شرط تحريم مباح أو مستحبّ على صاحبه ، فهو مخالف للحكم الشرعي وباطل .

فتحصّل ممّا مرّ : أنّ شرط إتيان ما هو مباح ، أو شرط تركه ، وكذا شرط ترك المستحبّ ، وإتيان المكروه ، نافذ وغير مخالف للشرع ولو مع إطلاق أدلّتها .

ص: 262


1- تقدّم في الصفحة 258 - 259 .
2- تقدّم في الصفحة 260 - 261 .
3- تقدّم في الصفحة 257 - 259 .
جواز اشتراط ترك التزويج والتسرّي على الزوج

ثمّ إنّ مقتضى ما ذكرناه ، جواز اشتراط ترك التزويج والتسرّي ونحوهما على الزوج ، وأ نّه غير مخالف للشرع .

وتشهد له رواية منصور بن يونس بزرج ، عن عبد صالح علیه السلام ، قال قلت له : إنّ رجلاً من مواليك تزوّج امرأة ، ثمّ طلّقها فبانت منه ، فأراد أن يراجعها ، فأبت عليه إلاّ أن يجعل للّه عليه أن لا يطلّقها ، ولا يتزوّج عليها ، فأعطاها ذلك ، ثمّ بدا له في التزويج بعد ذلك ، فكيف يصنع ؟

فقال : «بئس ما صنع ، وما كان يدريه ما يقع في قلبه بالليل والنهار ، قل له : فليف للمرأة بشرطها ؛ فإنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال : المؤمنون عند شروطهم»(1) .

فإنّ الظاهر منها وإن كان اشتراطها عليه أن ينذر عدم الطلاق والتزويج ، لا اشتراط عدمهما ، ووفاؤه لها بشرطهما يكون بجعل عدمهما نذراً على نفسه ، إلاّ أ نّه لمّا كان المستفاد منها ، أنّ نذرهما صحيح ، ولازمه عدم كون المنذور مخالفاً للكتاب وإلاّ بطل ، يستفاد منها أنّ شرطهما أيضاً غير مخالف .

وبالجملة : إنّ الرواية دالّة إمّا ابتداء على صحّة شرطهما ، إن كان المراد شرط عدمهما ، أو بالوسط إن كان المراد شرط النذر .

ولعلّ صحّة نذر عدم التزويج عليها ، لأجل كونه موجباً لرضاها ، كما أنّ التزويج موجب لإيذائها ، وهذا المقدار كافٍ في صحّة النذر .

ص: 263


1- تهذيب الأحكام 7 : 371 / 1503 ؛ وسائل الشيعة 21 : 276 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 20 ، الحديث 4 .

وأمّا ما يوهم من الروايات خلاف ذلك :

فمنها : رواية ابن سنان ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في رجل قال لامرأته : إن نكحت عليك أو تسرّيت فهي طالق .

قال : «ليس ذلك بشيء ، إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال : من اشترط شرطاً سوى كتاب اللّه فلا يجوز ذلك له ، ولا عليه»(1) .

وقريب منها رواية محمّد بن قيس ، إلاّ أنّ فيها : «فقضى في ذلك ، أنّ شرط اللّه قبل شرطكم ، فإن شاء وفى لها بما اشترط ، وإن شاء أمسكها ، واتّخذ عليها ، ونكح عليها»(2) .

ولا يخفى : أنّ الظاهر من الاُولى ومن صدر الثانية ، أنّ الشرط الفقهي - أي ما جعل لها - هو كونها طالقاً على فرض التزويج والتسرّي ، لا ترك التزويج والتسرّي .

وهذا نظير ما في نذر البرّ والزجر ، فلو قال : «للّه عليّ لو رزقت ولداً أن اتصدّق بكذا» أو «لو تركت صلاة الليل أن أصوم النهار» يكون المنذور الصدقة والصوم ، ولهذا لو ترك صلاة الليل لم يحنث ، وإنّما هو بترك الصوم .

وفي المقام : لم يشترط ترك التسرّي والتزويج ، بل شرط الطلاق على فرضهما ، فقوله صلی الله علیه و آله وسلم : «من اشترط شرطاً سوى كتاب اللّه» وقوله علیه السلام : «شرط

ص: 264


1- تهذيب الأحكام 7 : 373 / 1508 ؛ وسائل الشيعة 21 : 297 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 38 ، الحديث 2 .
2- تهذيب الأحكام 7 : 370 / 1500 ؛ وسائل الشيعة 21 : 296 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 38 ، الحديث 1 .

اللّه قبل شرطكم» راجع إلى صيرورتها مطلّقة بذلك .

ومن المعلوم : أنّ ذلك الشرط مخالف لشروط الطلاق ، وهي شروط اللّه ؛ من لزوم كونه عند شاهدي عدل ، وفي الطهر . . . إلى غير ذلك ، فالروايتان غير مربوطتين بالمدّعى .

وتشهد لما ذكر الروايات الواردة بهذا المضمون ، الدالّة على نفوذ الشرط فيما كان أمراً جائزاً ، كرواية عبدالرحمان بن أبي عبداللّه : أ نّه سأل أبا عبداللّه علیه السلام عن

رجل قال لغلامه : أعتقتك على أن اُزوّجك جاريتي هذه ، فإن نكحت عليها أو تسرّيت ، فعليك مائة دينار ، فأعتقه على ذلك ، فنكح وتسرّى ، أعليه مائة دينار ، ويجوز شرطه ؟

قال : «يجوز عليه شرطه»(1) وقريب منها غيرها (2) .

فيظهر من ذلك : أنّ البطلان في تلك الروايات ، إنّما هو لأجل ترتّب الطلاق ، وهو واضح .

نعم ، ما في ذيل رواية محمّد بن قيس ، وهو قوله علیه السلام : «إن شاء وفى لها بما اشترط ، وإن شاء أمسكها ، واتّخذ عليها ، ونكح عليها» ظاهر في أنّ الشرط المذكور قابل لأن يفي به وأن لا يفي ، وهو مخالف للصدر ؛ فإنّ ظاهره أنّ الشرط كان من قبيل شرط النتيجة ، وكان ممّا لا يقع بمجرّد الشرط ، فكان باطلاً ، وعليه فلا معنى للوفاء به ، والحمل على شرط عدم التزويج ، مخالف جدّاً للظاهر ، وكيف كان لا تدلّ الروايتان على بطلان شرطهما .

ص: 265


1- الفقيه 3 : 69 / 233 ؛ وسائل الشيعة 23 : 27 ، كتاب العتق ، الباب 12 ، الحديث 1 .
2- وسائل الشيعة 23 : 27 ، كتاب العتق ، الباب 12 ، الحديث 2 و4 .

وأمّا رواية العيّاشي(1) فهي موافقة لرواية محمّد بن قيس في المفاد ، إلاّ أنّ فيها التمسّك بآيات : كقوله تعالى )فَانْكِحُوا مَا طَابَ . . .((2) إلى آخره ، وهو موجب للاضطراب في المتن ؛ لعدم التناسب بين الآيات والشرط المذكور ، أي شرط كونها مطلّقة .

ومن المحتمل أنّ ذكر الآيات من العيّاشي اجتهاداً منه ، لا من تتمّة الحديث ، مع أنّ الرواية مرسلة لا يعتمد عليها .

ومنها : رواية حمادة اُخت أبي عبيدة الحذّاء قالت : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل تزوّج امرأة ، وشرط لها أن لا يتزوّج عليها ، ورضيت أنّ ذلك مهرها .

قالت : فقال أبو عبداللّه علیه السلام : «هذا شرط فاسد ، لا يكون النكاح إلاّ على درهم أو درهمين»(3) .

ولا يخفى : أ نّها غير دالّة على المدّعى ؛ لأنّ الظاهر منها أنّ الفساد لأجل جعل عدم التزويج مهراً ، بل تشعر بصحّة شرط عدم التزويج لولا ذلك ، وإلاّ كان الأنسب الحكم بالفساد ؛ لكون شرط عدمه باطلاً ، سواء جعله مهراً أم لا .

ومنها : رواية زرارة وفيها : أنّ ضريساً كانت تحته بنت حمران ، فجعل لها

ص: 266


1- تقدّم في الصفحة 247 - 248 .
2- النساء (4) : 3 .
3- الكافي 5 : 381 / 9 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 365 / 1479 ؛ وسائل الشيعة 21 : 275 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 20 ، الحديث 1.

أن لا يتزوّج عليها ، ولا يتسرّى أبداً في حياتها ، ولا بعد موتها . . . إلى أن قال : «اذهب فتزوّج وتسرّ ؛ فإنّ ذلك ليس بشيء . . . »(1) إلى آخرها .

والظاهر منها : أنّ الشرط كان ابتدائياً ، لا في ضمن العقد ، وكان البطلان من أجله ، لا من قبل كون ما ذكر مخالفاً للكتاب ، ولا أقلّ من احتماله ، ولا دافع له ، فلا تكون حجّة على المطلوب .

مع أنّ الجزاء الذي جعلاه عليهما ، كأ نّه سفهي غير عقلائي ، ويحتمل أن يكون البطلان لأجله .

والإنصاف : أ نّه بحسب الروايات لا إشكال في صحّة الشرط المذكور ، فإن قام الإجماع أو الشهرة المعتمدة على بطلانه ، ولم يحتمل اتّكال المجمعين على الاجتهاد من الروايات ، فلا محيص عن القول بالفساد ، ولا إشكال فيه ؛ لأ نّه تخصيص للكبرى المجعولة «المؤمنون عند شروطهم» المقتضية لصحّة الشرط المذكور بالإجماع والشهرة المعتمدة .

ولا داعي لإتعاب النفس في التوجيه ؛ بأنّ هذا المباح من المباحات التي لا يتغيّر حكمها بالشرط ، فيكون شرط تركه مخالفاً للشرع ، فإنّ إخراجه بالدليل عن الكبرى الكلّية ، كسائر موارد التخصيص في الأحكام(2) .

مع أنّ التوجيه المذكور فاسد ؛ لما تقدّم من عدم تغيّر أحكام الموضوعات الثابتة لها بالأدلّة الأوّلية ، بعروض الطوارئ - المتعلّقة بها الأحكام الثانوية -

ص: 267


1- الكافي 5 : 403 / 6 ؛ الفقيه 3 : 270 / 1285 ؛ وسائل الشيعة 21 : 276 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 20 ، الحديث 2 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 36 .

عليها ، كالشرط ، والنذر ، وغيرهما (1) ، فالتسرّي والتزويج مباحان بعد الشرط ، كما كانا قبله .

ومنه يظهر حال الموارد التي دلّت الأدلّة الخاصّة فيها على صحّة الشرط الذي كان مخالفاً لظاهر عمومات الكتاب والسنّة .

مثلاً : لو دلّ دليل على صحّة اشتراط التوريث في المتعة(2) ، أو صحّة اشتراط الضمان في العارية(3) ، بعد ما دلّت الأدلّة العامّة على عدم توريثها (4) ، وعدم ضمان العارية(5) ، كان اللازم تخصيصها بذلك الدليل الخاصّ ، من غير فرق بينها وبين سائر العمومات والخصوصات .

فيكشف التخصيص عن عدم الجدّ في العموم ؛ بالنسبة إلى مورد التخصيص ، ويخرج ذلك المورد عن مخالفة شرطه للكتاب والسنّة ، وهكذا الحكم في الأشباه والنظائر .

ولا يكون ذلك تخصيصاً أو تقييداً للشرط المخالف للكتاب ، حتّى يتوهّم إباؤه عن ذلك(6) ، بل تخصيص في العمومات الأوّلية ، وإخراج موضوعي عن

ص: 268


1- تقدّم في الصفحة 260 - 261 .
2- راجع وسائل الشيعة 21 : 66 ، كتاب النكاح ، أبواب المتعة ، الباب 32 ، الحديث 1 و5 .
3- راجع وسائل الشيعة 19 : 91 ، كتاب العارية ، الباب 1 ، الحديث 1 .
4- راجع وسائل الشيعة 21 : 67 ، كتاب النكاح ، أبواب المتعة ، الباب 32 ، الحديث 6 و8 و10 .
5- راجع وسائل الشيعة 19 : 91 ، كتاب العارية ، الباب 1 ، الحديث 2 ، 3 ، 6 ، 7 ، 8 و10 .
6- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 257 ؛ هداية الطالب 5 : 87 .

المستثنى في أدلّة الشروط ، ولا يحتاج إلى تبعيد المسافة ؛ بما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه في طرفي المستثنى منه والمستثنى(1) .

كما لا حاجة إلى توجيهات اُخر ، كالقول في مسألة شرط ترك التسرّي والتزويج : بأنّ المباحات على قسمين :

منها : ما لا اقتضاء لها ؛ أي لا تقتضي موضوعاتها حكماً من الأحكام ، فمثل هذه الإباحة عقلية لا شرعية .

ومنها : ما هي مقتضية لها ، وهي على قسمين ؛ لأنّ الاقتضاء تارة : يكون على نحو العلّية التامّة ، واُخرى : لا كذلك ، ففي جميع المباحات يصحّ شرط الفعل والترك ، إلاّ في الاقتضائية على وجه العلّية ؛ فإنّ حكمها ممّا لا يتغيّر(2) .

فإنّه تخريص يوجب سدّ باب العمل بالشروط ، وترك العمل بالكبرى فيها ، إلاّ ما نصّ الشارع على صحّته ، وهو فاسد جدّاً .

مضافاً إلى ما عرفت : من عدم تغيير الأحكام بالشروط(3) ، إلاّ أن يتشبّث بتخريص آخر ؛ وهو أنّ من المباحات ما هو مقتضٍ بنحو العلّية لأن يكون المكلّف مختاراً في تركه وإيجاده تشريعاً ، ففي مثله يكون الشرط مخالفاً للشرع ، وهو كسائر التوجيهات الباطلة غير المحتاج إليها .

ص: 269


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 26 - 27 و41 .
2- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 37 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الخراساني : 241 .
3- تقدّم في الصفحة 260 - 261.
المراد من مخالفة الشرط للكتاب

ثمّ إنّ المراد ب «مخالفة الشرط» الأعمّ من المخالفة بالتباين ، أو بالعموم والخصوص ، أو بالإطلاق والتقييد .

وتوهّم : أنّ المخالفة بالنحوين الأخيرين ، خارجة عن محلّ الكلام ، كما يقال(1) في باب الخبرين المتعارضين أو المختلفين : بأنّ المخالفة بالعموم والخصوص ، والإطلاق والتقييد ، ليست مخالفة ؛ لمكان الجمع العقلائي بينهما ، فالخبران المختلفان عبارة عمّا يختلفان بنحو التباين ، أو بالعموم من وجه .

فاسد ؛ للفرق بين المقامين ، فإنّ محيط التشريع، المتعارف فيه إلقاء الكلّيات أوّلاً ، وذكر المقيّدات والمخصّصات بعدها - من غير فرق بين القوانين الإلهية ، والعرفية المجعولة في المجالس التشريعية - قرينة على أنّ المراد ب «المخالفة» ليست المخالفة الصورية التي يمكن رفعها بالجمع بين الدليلين عرفاً ، وليس المراد أنّ المخالفة بالعموم والخصوص ، لا تكون مخالفة ؛ ضرورة أنّ الموجبة الكلّية نقيض السالبة الجزئية وبالعكس ، هذا حال محيط التشريع .

وأمّا في باب الشروط الضمنية المخالفة للكتاب أو السنّة ، فلا وجه لتخصيص المخالفة المبحوث عنها فيه بقسم منها ، مع أنّ كلّها مخالفة .

مضافاً إلى أنّ مخالفة جلّ الشروط ، من قبيل المخالفة بالعموم والخصوص والإطلاق والتقييد ، فلا إشكال من هذه الناحية .

ص: 270


1- راجع التعادل والترجيح ، الإمام الخميني قدس سره : 8 و61 و132 .

كما أنّ المراد ب «الكتاب والسنّة» هو القرآن المجيد بظواهره والأحكام الواصلة إلينا من الشارع الصادع بالطرق المعهودة ، لا ما كتب اللّه تعالى على العباد في اللوح المحفوظ ، بناءً على وجود مثلها فيه ، ولم يأن أوان تبليغها إلاّ عند ظهور الحجّة المنتظر ، عليه وعلى آبائه الصلاة والسلام .

التمسّك بالأصل لإثبات عدم المخالفة

وعلى هذا ، وما ذكرناه في خلال الكلام ، تكون موارد الشكّ في المخالفة قليلة ، مثل ما إذا شكّ في إطلاق دليل ، أو ظهور كلام ، أو كان الدليل مجملاً محتملاً . . . إلى غير ذلك .

ففي مثلها نحتاج إلى الرجوع إلى الاُصول ، فلو جرت أصالة عدم مخالفة الشرط الكذائي للكتاب لاُحرز بها قيد الموضوع لقوله : «المؤمنون عند شروطهم»(1) ، المستفاد من النبوي بعد استثناء الشروط المخالفة ، ولتمّ بذلك موضوع الأثر .

وقد تشبّثوا لجريانها بوجوه مخدوشة(2) ، ونحن قد استقصينا البحث عن مثلها في الاُصول في مبحث البراءة(3) والاستصحاب(4) عند البحث عن أصالة

ص: 271


1- تهذيب الأحكام 7 : 371 / 1503 ؛ وسائل الشيعة 21 : 276 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 20 ، الحديث 4 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 31 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الخراساني : 239 - 240 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 137 - 141 .
3- أنوار الهداية 2 : 93 .
4- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 104 .

عدم القابلية وأصالة عدم التذكية ، فلا بدّ لطالب التفصيل من الرجوع إلى ما هناك ، لكن نشير هنا إلى خلاصة منه .

فنقول : إنّه يحتمل بدواً ، أن يكون المعتبر في مقابل مخالفة الكتاب - الواردة في المستثنى - عدم المخالفة بنحو القضيّة السالبة المحصّلة ، سواء كانت المحصّلة المطلقة الصادقة مع سلب الموضوع وسلب المحمول ، أم المحصّلة بسلب الموضوع فقط ، أو بسلب المحمول كذلك .

وأن يكون عدم المخالفة بنحو الموجبة سالبة المحمول ؛ أي الشرط الذي هو لم يكن مخالفاً للكتاب ، وهذا اعتبار آخر غير اعتبار السلب المحصّل بأقسامه .

وأن يكون المعتبر عدم المخالفة على نحو الموجبة المعدولة ؛ أي الشرط غير المخالف له .

هذا بحسب التصوّر في الأقسام المعتبرة في القضايا التي ورد فيها السلب بوجه .

وأمّا في المقام وأشباهه ؛ ممّا يترتّب الحكم الثبوتي على الموضوع ، كنفوذ الشرط المقابل للشرط المخالف ، فلا يعقل أن يكون الاعتبار على السلب التحصيلي بسلب الموضوع ؛ لعدم تعقّل نفوذ المعدوم ، وعدم تعقّل ثبوت شيء له حتّى الأمر الاعتباري ، بل يؤدّي ذلك إلى التناقض في الجعل .

هذا مع الغضّ عن أنّ السلبيات بسلب الموضوع ، لا واقعية لها ولا تقرّر لها في صفحة الوجود خارجاً ، ولا ذهناً ، ولا يعقل تصوّر المعدوم ولا الإشارة إليه إلاّ بعنوانه وبالحمل الأوّلي ، كما هو المقرّر في محلّه في الإخبار

ص: 272

عن المعدوم المطلق ب «أ نّه لا يخبر عنه»(1) .

وكذا الحال في بطلان وعدم معقولية السالبة المحصّلة المطلقة ؛ بأن يكون المطلق المنطبق على السلب بنفي الموضوع ، موضوعاً للحكم الثبوتي ؛ لعين ما ذكر .

فبقي من أقسام المحصّلة ، السلب بنفي المحمول مع حفظ الموضوع ؛ أي الشرط المفروض وجوده مسلوبة عنه المخالفة ، والاعتبار على هذا النحو لا محذور فيه ، كما لا محذور في سائر الأقسام ؛ أي الموجبة السالبة المحمول والمعدولة .

إذا تبيّن ذلك فنقول : إنّ ما يصحّ اعتباره من الأقسام ، لا يجري الأصل فيه ؛ لعدم الحالة السابقة المتيقّنة فيه ، فكما لا سابقة للشرط غير المخالف ، كذلك الشرط المتّصف ب «أ نّه لم يخالف» والشرط المفروض التحقّق مسلوبة عنه المخالفة .

وجريانه فيما لا يصحّ اعتباره - أي السلب بسلب الموضوع فقط أو الأعمّ - لا يفيد ؛ لأنّ نفس المستصحب وإن كانت له حالة سابقة متيقّنة أزلية ، إلاّ أ نّه ليس موضوعاً للحكم ، وإجراؤه فيه لإثبات قسيمه أو قسم منه مثبت ، كما يظهر بأدنى تأمّل .

فما في بعض التعليقات ممّا محصّله : أنّ السالبة المحصّلة ، لا تحتاج إلى وجود الموضوع ، بل تصدق مع عدمه ومع عدم المحمول ، فعدم المخالفة أعمّ من

ص: 273


1- الحكمة المتعالية 1 : 238 - 239 و345 ؛ شرح المنظومة ، قسم الحكمة 2 : 208

نفي المخالفة مع وجود الطرفين ، ومن نفيها مع عدمهما .

فحينئذٍ لا مجال للإشكال في أصالة عدم المخالفة ، ولا حاجة إلى استصحاب العدم المحمولي حتّى يقال : إنّه مثبت بالنسبة إلى ثبوت العدم المقابل للوجود الرابط(1) ، انتهى ملخّصاً .

ناشئ من عدم التأمّل في أطراف القضيّة ، وإلاّ فاستصحاب العدم الجامع لإثبات قسم منه ، ممّا لا ريب في كونه مثبتاً ، وقد عرفت أنّ الجامع لا يعقل أن يكون موضوعاً للحكم إلاّ باعتبار قسم منه ، وهو السلب بسلب المحمول .

تقريب العلاّمة الحائري لأصالة عدم القرشية

ثمّ إنّ لشيخنا العلاّمة أعلى اللّه مقامه ، تقريباً لأصالة عدم قرشية المرأة ونحوها ؛ وهو أنّ القرشية ونحوها غير لازمة للماهية ؛ فإنّها عارضة لها بواسطة الوجود وفي ظرفه ، فيصحّ أن يشار إلى المرأة الخارجية ويقال مشاراً إلى ماهيتها : «إنّها لم تكن قرشية قبل تلبّسها بالوجود ، وبعده يشكّ في ثبوتها لها بوسيلته فيستصحب»(2) ويجري ذلك في المقام وسائر الموارد المشابهة ، وعليه يدفع إشكال المثبتية ، وكذا إشكال عدم اليقين بالحالة السابقة .

وفيه : أنّ المرأة وغيرها قبل الوجود ليست بشيء ، ولا يعقل إثبات شيء لها ، ولا سلبه عنها ؛ لأ نّها من الأباطيل التي تخترعها الواهمة ، من غير أن يكون لها تقرّر .

ص: 274


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 138 - 139 .
2- اُنظر درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 219 - 220 .

فما قد يقال : عالم تقرّر الماهيات ، وعالم الأعيان الثابتة(1)

لو اُريد به أ نّه تقرّر وثبوت بحسب الواقع للماهيات ، جزئية كانت ، أو كلّية ، قبل وجودها ، ومع سلب كافّة الوجودات الخارجية والذهنية ، فهو بمكان من الفساد ، ومن الواضح أن لا شيئية للمعدومات أمر لا يخفى على العرف العامّ أيضاً .

فحينئذٍ نقول : إنّ الإشارة إلى ماهية المرأة حال وجودها ، لا إشكال فيها ؛ فإنّها موجودة بوجودها ، لكن الحكم بأ نّها ماهية قبل الوجود - ولم يكن لها الوصف الكذائي ؛ بمعنى سلب الربط مع حفظ الموضوع - غير وجيه ؛ فإنّها قبل الوجود لا شيء ، ومعدوم مطلقاً ، لا يثبت لها شيء ، ولا يسلب عنها شيء .

هذا إن اُريد سلب الوصف عنها مع حفظ نفسها ، وأمّا إن اُريد السلب بسلبها موضوعاً ، فيأتي فيه إشكال المثبتية المتقدّم(2) .

كلام الشيخ الأعظم وما يرد عليه

وأمّا ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه بعد البناء على جريان أصالة عدم المخالفة في صدر كلامه بقوله : ومرجع هذا الأصل إلى أصالة عدم ثبوت هذا الحكم على وجه لا يقبل تغيّره بالشرط(3) .

فلم يتّضح هل مراده أنّ الأصل الثاني عين الأوّل ، وأنّ أصالة عدم مخالفة

ص: 275


1- اُنظر رسالة الصلاة في المشكوك : 457 .
2- تقدّم في الصفحة 274.
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 31 .

الشرط للحكم ، عين أصالة عدم ثبوت الحكم على الوجه المذكور ، كما يشعر به قوله : «ومرجع هذا إلى هذا» أو أ نّه أغمض عن الأصل الأوّل ، وأجرى الثاني ؛ بواسطة إشكال في الأوّل دونه ؟

فإن كان المراد وحدة الأصلين ، فمن الواضح عدمها ؛ فإنّ وحدة الأصلين لا بدّ وأن تكون بوحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوك فيها ، ومن المعلوم عدمها موضوعاً ومحمولاً .

وإن اُريد الوجه الثاني ؛ لأجل التخلّص عن إشكال عدم المسبوقية باليقين ، والمثبتية ، على ما تقدّم الكلام فيه بالنسبة إلى أصالة عدم المخالفة(1) ، فيرد على الثاني عين الإشكال ؛ فإنّ عدم الثبوت بالوجه المذكور ، غير مسبوق باليقين لو اُريد السلب بسلب المحمول ، ومثبت لو اُريد بسلب الموضوع لإثبات سلب المحمول .

توجيه المحقّق الأصفهاني ونقده

وممّا ذكرناه يظهر النظر في التوجيهات التي ارتكبها بعض الأجلّة في تعليقاته قال :

والتحقيق : أنّ الأصل السابق عبارة اُخرى عن اللاحق ، فإنّ نفي كلّ عنوان منتزع عن شيء تارةً : بنفي مبدأ العنوان ، واُخرى : بنفي الانتساب المقوّم لعنوانية العنوان ، وثالثة : بنفي المعنون .

ومآل الكلّ إلى أمر واحد ؛ وهو نفي العنوان ، فنفي عنوان المخالف

ص: 276


1- تقدّم في الصفحة 272 - 274.

تارة : بعدم المخالفة ، واُخرى : بعدم الحكم المخالف ؛ أي عدم الحكم الذي لا يتغيّر(1) ، انتهى .

وفيه : أ نّه إن اُريد بأنّ مآل الكلّ واحد ، أنّ القضيّة المستصحبة في الكلّ واحدة ، فهو خلاف الضرورة ؛ فإنّ قضيّة «عدم كون الشرط مخالفاً للكتاب» غير قضيّة «عدم ثبوت هذا الحكم على وجه لا يتغيّر» وغير «أنّ الحكم الكذائي غير مخالف للشرط» لاختلاف الموضوع والمحمول فيها ، والاستصحاب في إحداها غير كافٍ عن الاُخرى .

وإن اُريد أنّ الغرض من جريان الكلّ واحد وهو إثبات صحّة الشرط .

ففيه : - مضافاً إلى عدم دفع الإشكال - أنّ أصالة عدم ثبوت الحكم الكذائي لا تثبت صحّته ، وكذا أصالة عدم مخالفة الكتاب للشرط ، إلاّ على القول بالأصل المثبت ؛ فإنّ ما ورد في النصّ منطوقاً ومفهوما هو «مخالفة الشرط للكتاب وعدمها» والقضايا المستصحبة - ما عدا قضيّة «أصالة عدم مخالفة الشرط للكتاب» - غير منقّحة لموضوع دليل الشرط إلاّ بالاستلزامات العقلية أو العرفية .

ومن هنا يظهر الضعف في تخلّصه عن الإشكال الذي أوردوه على أصالة عدم مخالفة الكتاب للشرط ؛ بأ نّه مثبت(2) ، حيث تخلّص عنه بوجهين :

أحدهما : ما عن المحقّق الخراساني قدّس سرّه ؛ من أنّ المتلازمين المتضايفين ،

ص: 277


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 144 .
2- اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق الخراساني : 240 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 265 .

كالواحد الذي له وجهان عرفاً ، والتعبّد بأحدهما عين التعبّد بالآخر(1) ، والمخالفة بين الكتاب والشرط كذلك .

ثانيهما : ما يرجع محصّله إلى أنّ الموضوع في الشرط المخالف ، مؤلّف من الشرط ، وعدم ثبوت الحكم على وجه لا يتغيّر ، فيحرز بالوجدان والأصل(2) .

ووجه الضعف أ نّه يرد على الأوّل : - إن كان المدّعى أنّ العرف لا يفهم كثرة عنوان المتلازمين المتضايفين ، بل في نظره الاُبوّة عين البنوّة ، وقضيّة «أنّ الشرط مخالف للكتاب» عين قضيّة «الكتاب مخالف للشرط» ولا يفرّق بين الأصل والعكس ، ولا بين المتضايفات - أنّه ممنوع جدّاً .

كما أنّ دعوى : أنّه بعد البناء على فهم العرف ما ذكر ، يكون الأصل غير مثبت غير وجيهة .

وعلى الثاني : - مع أ نّه مخالف لظاهر الأدلّة ؛ فإنّ المفهوم من الاستثناء ، الشروط التي لا تخالف ونحو ذلك ، وأين هذا من التركيب الذي ذكره ؟ ! - أنّ الإشكال المتقدّم في أصالة عدم ثبوت الحكم الكذائي(3) ، لا يندفع بذلك ، كما هو واضح .

ص: 278


1- درر الفوائد ، المحقّق الخراساني : 335 - 336 ؛ كفاية الاُصول : 472 ، الهامش و : 473 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 145 .
3- تقدّم في الصفحة 275 - 276.
بناء المحقّق الخراساني على أصالة عدم المخالفة لإحراز الموضوع

ثمّ إنّ المحقّق الخراساني قدّس سرّه ، بنى على أنّ إجراء أصالة عدم تحقّق المخالفة بين الشرط والكتاب ؛ بنحو ليس التامّة والعدم المحمولي ، كافٍ في إحراز موضوع أدلّة الشروط ، من غير احتياج إلى أصالة عدم كون الشرط مخالفاً ؛ فإنّ الخارج عن عموم «المؤمنون عند شروطهم»(1) بالاستثناء ، ليس إلاّ عنوان واحد خاصّ ، والباقي - بأيّ عنوان كان - تحته ، ومن العناوين هو العدم المحمولي(2) .

وفيه أوّلاً : أنّ المناط في تشخيص ما بقي تحت عنوان العامّ ، هو الظهور العرفي للكلام ، ومن الواضح أنّ الاستثناء إنّما هو عن الشروط ، وبعد الاستثناء يعلم أنّ الشروط بحسب الواقع على قسمين : شرط مخالف ، وفي مقابله ما لم يكن مخالفاً .

وأمّا عنوان «المخالفة» نفساً وبالوجود المحمولي ، أو عدمها ، فلا يكون في العموم، حتّى يقال: إنّه بقي بعد الاستثناء ، فدعوى بقاء كلّ عنوان في غير محلّها.

وثانياً : على فرض التسليم ، يرد على الأصل المذكور وكلّ أصل مشابه له ، ما يرد على أصالة عدم كون الشرط مخالفاً بالعدم الربطي ؛ فإنّ العناوين المحمولية والنفسية على قسمين :

أحدهما : ما لا إضافة له إلى شيء في الخارج ، كالإنسان ، والعالم ، والبياض .

ص: 279


1- تقدّم في الصفحة 271، الهامش 1.
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الخراساني : 239 - 240 .

وثانيهما : ما له إضافة ، كمخالفة الشرط للكتاب ، وعدم كون المرأة من قريش ، ونحو ذلك .

ومثله وإن كان مسبوقاً بالعدم ، لكنّ المسبوقية إنّما هي بعدم الأطراف والمضاف إليها ؛ ضرورة أ نّه قبل وجود أطراف الإضافة لا تعقل إضافة ، ولا مضاف ، ولا مضاف إليه ، ومثل هذا العدم بعدم الأطراف ، لم يكن موضوعاً للحكم ، وما هو موضوع هو العدم المضاف إلى الشرط والكتاب ، وهو غير مسبوق باليقين .

وبالجملة : الإيراد الوارد على الكون الرابط ، وارد على العناوين المضافة طابق النعل بالنعل ، فما اشتهر بينهم ؛ من عدم الإشكال في مطلق «ليس» التامّة ، إذا كان الحكم مترتّباً عليها (1) ، غير متّجه بإطلاقه .

تفصيل المحقّق النائيني في القيد المأخوذ في موضوع الحكم

وهاهنا كلام من بعض الأعاظم ، في قبال المحقّق الخراساني .

وحاصله : التفصيل في القيد المأخوذ في موضوع الحكم ، بين ما إذا كان من قبيل العرض لموضوعه ، وغير ذلك ممّا كان الموضوع مركّباً من جوهرين ، أو عرضين لموضوعين ، أو لموضوع خارج عن موضوع الحكم ، فبنى على صحّة جريان الأصل ، وإحراز الموضوع به وبالوجدان في الثاني ، دون الأوّل .

ثمّ قال : إنّ استصحاب العدم المحمولي فيه ، مبنيّ على إمكان أخذه بهذا

ص: 280


1- كفاية الاُصول : 480 ؛ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 532 ؛ نهاية الأفكار 3 : 394 .

اللحاظ في موضوع الدليل ثبوتاً وإثباتاً ، والأقوى عدمه :

أمّا ثبوتاً ؛ فلأنّ المعروض بالنسبة إلى انقسامه إلى هذا العرض ونقيضه ، إمّا مطلق ، أو مقيّد .

فعلى الأوّل : يكون تقيّده بعدم كون العرض بوجوده المحمولي مقارناً له ، مدافعاً لهذا الإطلاق ؛ لأنّ المفروض أنّ المعروض - من حيث انقساماته الأوّلية ، الملحوظة قبل انقساماته من حيث الاُمور المقارنة له - مطلق ، غير مقيّد ؛ لا بوجود العرض نعتا له ، ولا بعدمه .

وعلى الثاني : أي إذا كان مقيّدا به ، فتقييده بعدم وجوده المحمولي لغو .

مثلاً في قوله : «أكرم العالم» إذا كان العالم من حيث انقسامه إلى الفاسق ونقيضه مطلقاً ، فتقيّده بعدم وجود فسقه مقارناً لوجوده ، يدافع الإطلاق ، وإن كان مقيّداً بعدم كونه فاسقاً ، فتقيّده أيضاً بعدم وجود الفسق في زمانه ، تقييد لغو مستهجن .

فيتعيّن أن يكون العرض ملحوظاً على وجه النعتية في الإطلاق والتقييد ، ولا تصل النوبة إلى لحاظه عرضاً ومحمولاً ؛ فإنّ انقساماته الطارئة عليه أوّلاً ، مقدّمة على لحاظه باعتبار مقارناته(1) ، انتهى ملخّصاً .

وفيه موارد للنظر :

منها : أنّ الظاهر منه أنّ الإطلاق متقوّم باللحاظ ، وهو بمكان من الضعف ، وتكرّر منّا أنّ الإطلاق : عبارة عن جعل الموضوع بلا قيد متعلّقاً

ص: 281


1- منية الطالب 3 : 199 - 201 .

للحكم(1) ، ومنه يحتجّ على الإطلاق .

ومنها : أنّ الإطلاق على فرض كونه لحاظياً ، فهو تابع للحاظ المتكلّم ، فله أن يلاحظ مطلقاً بالنسبة إلى وصف نعتي ، أو عرض محمولي ، أو يقيّد بالنسبة إلى واحد منهما ، وعليه فلا أثر لتقدّم أحدهما على الآخر لو فرضت صحّة التقدّم والتأخّر .

ومنها : أنّ إطلاق الكلام بالإضافة إلى الأوصاف الناعتة ، قابل للتقييد ، وليس التقييد منافياً له بحسب الجدّ ، كما في كلّ مطلق ومقيّد .

فلو فرض أنّ للكلام إطلاقاً بالنسبة إلى الأوصاف الناعتة ، ثمّ ضمّ المتكلّم إلى الموضوع وصفاً محمولياً - ليكون جزء الموضوع - يكشف ذلك عن عدم الإطلاق بالنسبة إلى النعتي أيضاً ؛ لامتناع الجمع بين الإطلاق جدّاً فيه والتقييد ،كما أنّ التقييد بالنعتي كاشف عن عدم الإطلاق .

وبالجملة : لا فرق في جواز تقييد المطلق ، بين أن يكون القيد وصفاً نعتياً ، أو محمولياً ، سواء كان الإطلاق لحاظياً كما قيل ، أو لا كما هو التحقيق .

ثمّ إنّه رحمه الله علیه ، ذكر في مقام الإثبات أمثلة من الأوصاف النعتية ولم يذكر غيرها ، مع أنّ في كلّ ما ذكر ، يمكن التقييد بها أو بالأعراض بوجودها المحمولي ، فكما يصحّ للمتكلّم أن يقول : «أكرم العالم العادل» يصحّ أن يقول : «أكرم العالم» مع كون العدالة مقارنة له .

وكذا الحال في أمثاله ونظائره ؛ ممّا كان - بحسب اللبّ - العنوان المحمولي جزء الموضوع .

ص: 282


1- تقدّم في الصفحة 261 .

الخامس : أن لا يكون منافياً لمقتضى العقد

اشارة

وقد اضطربت كلماتهم في بيان هذا الشرط ، ووقع الخلط في مورد البحث ، وذكروا أمثلة خارجة عن محطّه .

والتحقيق : أنّ البحث عن شروط صحّة الشرط ، إنّما هو بعد الفراغ عن الشروط أو الأسباب التي هي دخيلة في تحقّقه ووجوده ، فالقول : باعتبار معقولية تعلّق القصد بالعقد والشرط معاً ، والتفصيل في ذلك(1) ، أجنبيّ عن مورد البحث .

كما أنّ مقتضى العنوان «وهو عدم كون الشرط مخالفاً لمقتضى العقد » أن يكون البحث عن مخالفته لماهية العقد وأركانه ، أو مخالفته للأحكام المترتّبة على ذات العقد ، أو للأحكام المترتّبة على المعقود عليه - إلاّ في بعض الموارد التي سنشير إليها (2) - خارجاً عن محطّ الكلام .

فالتشقيقات الكثيرة الواقعة في كلام بعض الأجلّة(3) ، كالأمثلة التي وقعت مورداً للنقض والإبرام ، جلّها أجنبيّ عن عنوان البحث .

مثلاً : إنّ لعقد البيع مقوّمات وأركاناً دخيلة في مفهومه ، أو تحقّق ماهيته ،

ص: 283


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 154 .
2- يأتي في الصفحة 285 - 287 .
3- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 153 .

كالإيجاب ، والقبول بناءً على دخالته أيضا فيه ، وكالقصد ، والجدّ المقابل للهزل ونحوها .

وله بعد التحقّق أحكام ، كاللزوم ووجوب الوفاء ، ولمتعلّقاته أحكام بعد تماميته ؛ ككون كلّ منهما سلطاناً على ما انتقل إليه ، وتصحّ من كلّ منهما التصرّفات الاعتبارية ، وتجوز سائر التصرّفات .

ومن المعلوم : أنّ كلّ ذلك خارج عن مقتضى العقد ومحطّ عنوان البحث ، وما هو داخل فيه هو ما يقتضيه من النقل الإنشائي ، ويلحق به النقل الحقيقي الاعتباري ، الذي هو مترتّب على الإنشائي .

تحديد دائرة الشرط المخالف لمقتضى العقد

ثمّ إنّه لا بدّ من البحث عن الشروط المخالفة التي قد يتّفق اشتراطها من المتعاملين ولو أحياناً ، فمثل «بعتك بشرط أن لا تقبل» أو «زوّجتك بشرط أن لا تصير المرأة زوجتك» ونحوهما - ممّا لا يقع في الخارج - لا وجه للبحث عنه(1) .

فالشرط المخالف لمقتضى العقد الذي هو قابل للبحث وداخل في عنوانه ، هو مثل شرط أن ينعتق العبد ، وشرط أن يصير المبيع وقفاً ، أو ملكاً لغيره ؛ ممّا قد يتّفق من بعض الناس ، نظير اشتراء من ينعتق عليه قبل أن يصير

ص: 284


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 50 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 272 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 : 285 .

ملكاً ، كما يحتمل في النصّ(1) .

ومن المعلوم : أنّ مثل هذا الشرط مخالف لمقتضى العقد ؛ فإنّ مقتضى مضمون البيع تمليك العين للمشتري ، ومقتضى الشرط عدم ملكيته ، وبطلان الشرط على ذلك واضح ؛ للتنافي بين مضمونيهما ؛ ولا يعقل وقوعهما ، وبطلان الشرط متيقّن بعد البناء على بطلان الشرط الابتدائي ، أو في ضمن العقد الفاسد ، لا لأجل عدم تعقّل تعلّق القصد بهما كما قيل(2) ، بل لأجل التنافي بحسب الواقع .

نعم ، مع تصوّر الأطراف ، والمعرفة بجميع الجهات ، لا يكون الجدّ فيهما معقولاً ، لكنّه خارج عن عنوان البحث ، كما تقدّم(3) .

واستدلّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه لفساده : بكونه مخالفاً للشرع أيضاً (4)

وهو كذلك ؛ لأنّ مقتضى أدلّة إنفاذ العقود ، كقوله تعالى : )أَوْفُوا بِالْعُقُودِ((5) لزوم البناء على وقوع مضمونها ، سواء كان كناية عنه ، أو لازماً لمفاده .

ص: 285


1- كرواية عبدالرحمان بن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يتّخذ أباه ، أو اُمّه ، أو أخاه ، أو اُخته عبيدا ، فقال : «أمّا الاُخت فقد عتقت حين يملكها ، وأمّا الأخ فيسترقّه ، وأمّا الأبوان فقد عتقا حين يملكها . . .» الحديث . وسائل الشيعة 23 : 20 ، كتاب العتق ، الباب 7 ، الحديث 5 ، راجع ما تقدّم في الجزء الرابع : 130 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 154 .
3- تقدّم في الصفحة 283 ، الهامش 1 .
4- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 44 .
5- المائدة (5) : 1 .

لكن يرد عليه : أ نّه على ذلك داخل في الشرط السابق ، ومن أمثلته ، ولا يكون شرطاً مستقلاًّ .

ويلحق بمخالفة مقتضى العقد ، ما يرجع إلى التنافي بينه وبين أصل العقد ، أو الملكية التي هي مضمونه .

وتوضيحه : أنّ مقتضى الجمود على عنوان البحث ، تخصيص البطلان بالشرط الذي مضمونه على خلاف مضمون العقد الذي هو مقتضاه ، كالأمثلة السابقة .

لكن ربّما لا يكون بين المضمونين مطابقة مخالفة ، وإنّما التنافي بين الشرط وبين وقوع البيع عرفاً ، أو بينه وبين التمليك كذلك استلزاماً ، كما لو شرط عدم تسليم المبيع مطلقا ؛ فإنّ ذلك وإن لم يكن مخالفاً لمقتضى العقد ، فإنّ مقتضاه ومضمونه ليس إلاّ التبادل بين المالين ، أو تمليك العين بالعوض .

لكن لمّا كانت تلك العناوين الاعتبارية ، وسيلة للوصول إلى الأغراض العقلائية ؛ إذ من الواضح أنّ عنوان «البيع» ونحوه ، ليس بنفسه مطلوباً ومتعلّقاً للأغراض ، بل آلة للوصول إلى المبيع والثمن ؛ ممّا هو المقصود بالذات ، فمع فرض عدم التسلّم والتسليم مطلقاً ، لم يكن إنشاء البيع إلاّ هزلاً ولقلقة .

ولو فرض وقوع مثله غفلة عن الواقع ، لا يقع صحيحاً عند العرف ، كما لو باع ما يمتنع تسليمه وتسلّمه إلى الأبد ، فلو شرط عدم التسليم أبداً ، يقع التنافي بين البيع صحّة واعتباراً عقلائياً ، وبين الشرط ، فهو متيقّن البطلان ؛ لما مرّ .

وكما لو شرط عدم التصرّف مطلقاً في المبيع ، لا التصرّفات الخارجية ، ولا الاعتبارية ، فإنّ ذلك موجب لسلب اعتبار الملكية ، فإنّ اعتبار أمثالها ، معلول

ص: 286

للسلطة على التصرّفات ولو في الجملة ، ومع سلبها مطلقاً لا مصحّح لاعتبارها ، فيقع التنافي حينئذٍ بين الشرط ، وبين الملكية المنشأة بالبيع على وجه الاستلزام ، فيقع باطلاً .

وأمّا شرط عدم الاستمتاعات الجنسية بقول مطلق ، فالظاهر صحّته ؛ لترتّب بعض الأحكام الشرعية والأغراض العقلائية على التزويج ، كالمصاهرة مع بيت شريف شرعاً أو عرفاً ، أو حصول المحرمية . . . أو غير ذلك ممّا تتعلّق به الأغراض .

كما أ نّه لا إشكال في صحّة شرط ترك بعض التصرّفات الخارجية ، أو الاعتبارية ، كشرط عدم البيع أو الإجارة ، أو شرط البيع من شخص ، أو شرط عدم التسليم فوراً ، أو التسليم بعد زمان ، ونظائرها ممّا لا ينبغي الإشكال في صحّتها ، وعدم مخالفتها لمضمون البيع ، وعدم التنافي بينهما ولو استلزاماً ، وعدم المخالفة للشرع .

وتوهّم : كونه مخالفاً لدليل السلطنة(1) في غاية الفساد ؛ فإنّ دليلها لا يمنع ما هو من قبيل إعمالها ، كيف ! ! وجلّ الالتزامات العقلائية والشرعية ، توجب تحديداً في قاعدة السلطنة ، فبإعمال القاعدة تخرج العين عن سلطانه في الرهن ونحوه .

بل التحقيق : أنّ الإعراض عن الملك ، من شؤون السلطنة عليه ، كما أنّ شرط عدم تصرّف خاصّ في ظرف الملكية ، من قبيل إعمالها في ظرفها .

ص: 287


1- تذكرة الفقهاء 10 : 247 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 44 - 45 .

وكيف كان : لا إشكال في أمثالها ، وإنّما الكلام في بعض الأمثلة التي وقعت محلّ الإشكال :

حول صحّة اشتراط الربح لأحد المتعاملين والخسران على الآخر

منها : ما تعرّضوا له في بيع الحيوان ؛ من الخلاف في جواز الشركة فيه إذا قال : «الربح لنا ، ولا خسران عليك» فعن الشهيد جوازها ، وصحّة الشرط ، وكونه موافقاً للقاعدة(1) .

وفي صحيحة رفاعة : سألت أبا الحسن علیه السلام عن رجل شارك في جارية له ، وقال : إن ربحنا فيها فلك نصف الربح ، وإن كان وضيعة فليس عليك شيء .

فقال : «لا أرى بهذا بأساً ، إن طابت نفس صاحب الجارية»(2) .

وقريب منها رواية أبي الربيع ، عن أبي عبداللّه علیه السلام (3) .

فعمل الشهيد رحمه الله علیه بها ، على ما حكي عنه ، وتعدّى عنها إلى غير موردها ؛ لكون الحكم على القاعدة(4) .

وعن ابن إدريس رحمه الله علیه : المنع مطلقاً حتّى في مورد الرواية ، فلم يعمل بها (5) .

ص: 288


1- الدروس الشرعية 3 : 223 - 224 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 46 .
2- الكافي 5 : 212 / 16 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 71 / 304 ؛ وسائل الشيعة 18 : 265 ، كتاب التجارة ، أبواب بيع الحيوان ، الباب 14 ، الحديث 1 .
3- تهذيب الأحكام 7 : 81 / 347 ، و : 238 / 1043 ؛ وسائل الشيعة 18 : 266 ، كتاب التجارة ، أبواب بيع الحيوان ، الباب 14 ، الحديث 2 .
4- الدروس الشرعية 3 : 224 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 46 - 47 .
5- السرائر 2 : 349 ؛ اُنظر الدروس الشرعية 3 : 224 .

وعن المحقّق رحمه الله علیه : العمل بها ، مع التعدّي إلى مطلق الحيوان(1) .

وفصّل بعضهم بين الاشتراط في الربح والخسران في التجارة ، وبين اشتراط اختلاف الشريكين في النماءات المتّصلة أو المنفصلة ، فذهب إلى البطلان في الأوّل ، دون الثاني(2) .

وفصّل بعضهم بين اشتراط ذلك بعد حصول الربح وصيرورته ملكاً للمالك فصحّحه، وبين الاشتراط قبله فأبطله(3)... إلى غير ذلك من الأقوال والاحتمالات.

أقول : لا ينبغي الإشكال في الصحّة في النماءات ، متّصلة كانت أو منفصلة ، من غير فرق بين كون الاشتراط في ضمن عقد الشركة أو عقد التشريك أو في ضمن عقد آخر ، فلو شرك غيره في حيوان على النصف واشترط عليه أن يكون الثلثان من لبنه أو نتاجه له صحّ ، وكان على وفق القواعد .

وما قيل في وجه البطلان غير وجيه :

كقول بعضهم : إنّه غير معقول(4) إذ لم يتّضح أ نّه مخالف لأيّ برهان فلسفي يدلّ على امتناع عدم تبعية نماءات الملك له ، بعد وقوعه في الخارج على ما نذكره .

وكقول بعض : إنّه مخالف للقواعد العقلائية والشرعية(5) .

ص: 289


1- شرائع الإسلام 2 : 51 ؛ اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 279 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 279 - 281 .
3- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 159 .
4- نفس المصدر.
5- اُنظر جواهر الكلام 24 : 167 .

وفيه : أنّ غاية ما تقتضيه القواعد ، تبعية النماء والمنافع للملك لو خلّيا وطبعهما ، دون ما إذا تصرّف المالك بما يوجب الانفكاك ، كبيع الثمار ، وإجارة الأشجار والمساكن ، وعقد المزارعة إذا كان البذر لأحدهما مثلاً ، وعقد المساقاة . . . إلى غير ذلك ؛ ممّا ينفكّ النماء والمنافع فيه عن الأملاك ، فهل الانفكاك في تلك الموارد ، تراه غير معقول ، أو غير عقلائي ، أو غير شرعي ؟ !

وكقول بعض : إنّ الشرط إذا وقع في عقد الشركة ، يكون مخالفاً لمقتضاه فيبطل(1) .

وفيه : أنّ مقتضى عقد الشركة ، ليس إلاّ مشاركة المتعاملين في العين ، وأمّا كون نماء الملك لصاحبه ، فليس من مقتضياته ، فإذا قال : «شركتك في كذا» لم يكن مفاده ومقتضاه إلاّ حصول الشركة ، وأمّا ما يترتّب على الأشياء بعدها ، فليس من مقتضياته .

وأوهن من الكلّ ما قيل : من أنّ الشركة إنّما حصلت بالامتزاج ، وإنّما فائدة العقد هي الإذن في التصرّف في مقام التجارة ، فاشتراط التفاضل ونحوه في ضمنه ، لا يفيد شيئاً ؛ لأ نّه بمثابة الشروط الابتدائية ، حيث لا يرجع إلى خصوصيات الإذن وكيفية العمل ؛ لوضوح أنّ مجرّد اقترانه بالعقد ، لا يوجب صيرورته شرطاً في ضمنه(2) .

وفيه : - مضافاً إلى أنّ الشركة قد تحصل بالعقد ، كعقد التشريك الذي أشار إليه

ص: 290


1- اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 281 .
2- منية الطالب 3 : 220 .

في صحيحة رفاعة(1) وكعقد الشركة فيما كان للممتزجين تميّز بحسب الواقع - أنّ اعتبار كون الشرط في ضمن العقد ، إنّما هو لأجل تحقّق مفهومه لغة وعرفاً ، حيث يكون التزاماً في ضمن بيع ونحوه ، ولا يعتبر في صحّته أن يكون دخيلاً في خصوصيات العوضين ، وهو واضح .

والإنصاف : أنّ التشكيك في صحّة الشرط في باب المنافع والنماءات ، في غير محلّه .

هل يصحّ اشتراط الاختلاف في ربح التجارة؟

وإنّما الإشكال في شرط الاختلاف في ربح التجارة بالنسبة إلى المال المشترك ، فلو اشتركا بالنصف ، واشترطا كون الربح في التجارة بينهما بنحو التثليث ، أو كون الخسارة على أحدهما ، والربح مشتركاً ، كما في الصحيحة ، فيقع الإشكال بأ نّه غير معقول ؛ لأنّ ماهية البيع هي التمليك بالعوض ، أو التبادل في الملكية ، ولا يعقل مع حفظ عنوان البيع ، أن يدخل الثمن أو بعضه في ملك غير صاحب العوض .

وأ نّه مع ذلك مخالف للقواعد العقلائية في البيع ونحوه ، فإذا وقع الثمن بإزاء العين المشتركة ، فلا محالة يكون بينهما بنسبة ملكهما ، وليس ذلك نظير النماءات ، كما هو ظاهر .

ولو قيل ببطلانه ، فليس من جهة أنّ الشرط مخالف لمقتضى عقد الشركة ؛ لما عرفت من أ نّه لا يقتضي إلاّ اشتراكهما في العين ، واشتراك المنفعة ليس من

ص: 291


1- تقدّم في الصفحة 288 .

مقتضياته(1) ، بل من جهة أ نّه مخالف للعقل وحكم العقلاء ، بل والشرع .

لكن يمكن دفع الإشكال بوجهين :

الوجه الأوّل : أنّ مفاد ذلك الشرط ، يرجع إلى تفاوت الثمن المجعول ، في مقابل العين المشتركة بالنسبة إلى حصّتي الشريكين .

فكما يصحّ منهما أن يبيع كلّ حصّته ، بقيمة غير قيمة حصّة صاحبه ، ويصحّ توكيلهما للغير ؛ بأن يبيع حصّة أحدهما بمائة ، والآخر بمائتين ، فباع المجموع - حسب وكالته - بثلاثمائة ، فكان الثمن بإزاء حصّة كلّ غير ما بإزاء الآخر ، من غير أن يكون مخالفاً لشيء من القواعد العقلية أو العقلائية ، كذلك لهما أن يشترطا في عقد الشركة أو غيره ؛ بما يوجب اختلاف الثمن في البيع .

وحيث إنّ من الواضح ، أنّ الربح في التجارة ، وكذا زيادة القيمة ، لا يمتاز عن غيره ، وليس حاله حال منفعة العين وثمرة الشجرة ، فلا بدّ من رجوع شرط اختلاف الربح إلى اختلاف الثمن في البيع ، وهذا من غير فرق بين شرط اختلاف الربح ، أو اختلاف الخسران ، أو كون الربح بينهما ، والخسران على أحدهما ، كما في الصحيحة(2) فلا يكون هذا مخالفاً لشيء من القواعد .

نعم ، يقع الإشكال على فرض استغراق الخسارة لتمام إحدى الحصّتين ، كما لو اشتركا بالنصف ، وكان الخسران النصف أو أكثر ، فإنّ لازمه أن لا يقع بإزاء حصّته ثمن ، وهو موجب للبطلان .

الوجه الثاني السليم عن هذا الإشكال أن يقال : إنّ الشرط راجع إلى أنّ زيادة

ص: 292


1- تقدّم في الصفحة 290.
2- تقدّم في الصفحة 288 .

القيمة السوقية الحاصلة للسلعة قبل البيع ، تكون مختصّة - بتمامها أو ببعضها - بمال أحدهما ، ونقيصة القيمة السوقية بأيّ وجه حصلت - أي سواء حصلت من قبل نقص حاصل للعين ، أم لأجل قلّة المشتري ، أو نحو ذلك - على حصّة أحدهما.

وعلى ذلك : لو وقع البيع على العين ، يختلف ثمن الحصّتين لا محالة ، ويدفع إشكال استغراق الخسارة لإحدى الحصّتين ، فيقع الشرط صحيحاً .

ولا يخفى : أ نّه بعد عدم امتياز زيادة القيم عن أصلها ، فلا محالة يرجع الشرط إلى أحد الوجهين بعد كون الشرط عقلائياً ، كما يشهد به وقوعه عند العقلاء ، ولهذا وقع موقع السؤال في الروايات ، كصحيحة رفاعة(1) ورواية أبي الربيع(2) وغيرهما (3) ، وعلى ذلك ينحلّ الإشكال في باب الصلح ، الوارد نظير ذلك فيه(4) .

كيفية دفع الإشكال عن باب المضاربة

ثمّ إنّه لا إشكال ، في أنّ المراد من قوله في الصحيحة وغيرها : «إنّ الخسارة ليست عليك» أ نّها ليست على ماله ، لا على ذمّته ، كما هو ظاهر .

نعم ، لا يمكن دفع الإشكال عن باب المضاربة بما ذكر ، فلا محيص إلاّ عن الالتزام بأنّ الشركة ، وقعت بعد حصول الربح خارجاً في ملك صاحب المال ،

ص: 293


1- تقدّم في الصفحة 288.
2- تقدّم تخريجها في الصفحة 288 ، الهامش 3 .
3- راجع وسائل الشيعة 18 : 17 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 6 ، الحديث 4 ، و : 266 ، أبواب بيع الحيوان ، الباب 14 ، الحديث 3 .
4- جواهر الكلام 26 : 219 ؛ اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 159 .

كما هو ظاهر من قوله : «الربح بينهما»(1) فإنّه لا يتحقّق إلاّ بعد البيع ، ولازم تأخّر الحكم عن موضوعه ، أن تكون الشركة بينهما بعد تحقّقه وفي الرتبة المتأخّرة .

ومثل هذا التعبير وإن كان في باب الشركة أيضاً ، لكن قيام القرينة - وهي كون المال لهما - يدفع هذا الظهور ، بخلاف باب المضاربة ، فإنّ كون المال لصاحب السلعة يؤكّده .

بل لعلّ ظاهر الفقهاء في المضاربة ذلك أيضاً ، كما يشهد به الاختلاف في أنّ الشركة في الربح عند ظهوره ، أو بعد الإنضاض(2) .

وكيف كان فلا إشكال في باب الشركة ، ويكون الحكم على القاعدة ، كما أفاده الشهيد السعيد رحمه الله علیه (3) .

حول جواز اشتراط الضمان في الإجارة
اشارة

ومنها : ما اشتهر بينهم ؛ من عدم جواز اشتراط الضمان في عقد الإجارة ، مستدلّين بأ نّه مخالف لمقتضاه(4) .

ص: 294


1- وسائل الشيعة 19 : 15 ، كتاب المضاربة ، الباب 1 .
2- راجع مفتاح الكرامة 20 : 625 .
3- الدروس الشرعية 3 : 223 - 224 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 46 .
4- قواعد ا لأحكام 2 : 304 ؛ جامع ا لمقاصد 7 : 258 ؛ ا لروضة ا لبهيّة 3 : 12 ؛ مفتاح ا لكرامة 19 : 764 ؛ اُنظر ا لمكاسب ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 19 :47 .

وبما تقدّم منّا في معنى مقتضى العقد(1) ، يظهر عدم كونه مخالفاً له ، سواء قلنا : إنّ الإجارة عبارة عن نقل المنفعة مقابل الاُجرة ؛ بأن يقال : إنّ قوله : «آجرتك الدار بكذا» بمعنى جعلت لك منفعتها بكذا ، وعلى هذا لا يرد عليه : أنّ العقد متعلّق بالعين .

أو إنّها عبارة عن التسليط على العين للانتفاع بها ، لكن لا بمعنى الاستيلاء الخارجي ، بل التسليط الاعتباري ، كما في قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «الناس مسلّطون على أموالهم»(2) .

أو إنّها عبارة عن نحو إضافة مجعولة بين المستأجر والعين ، تستتبع ملكية المنفعة ، أو ملكية الانتفاع .

أو نحو إضافة توجب قيام المستأجر مقام المالك ؛ في دخول المنافع تدريجاً في ملكه .

ولعلّ قول بعضهم : من أ نّها ملكية للعين من تلك الحيثية أحد الاحتمالات المتقدّمة .

وكيف كان : لا يقتضي عقدها عدم الضمان حتّى يكون الشرط مخالفاً لاقتضائه .

ثمّ إنّ التحقيق : بطلان نقل المنفعة المعدومة ؛ فإنّ المعدوم لا يعقل أن يثبت له أمر ثبوتي ، بل ولا تعقل الإشارة إليه بوجه من الوجوه ، فهو ممّا يساعده نظر

ص: 295


1- تقدّم في الصفحة 283 - 284.
2- الخلاف 3 : 176 - 177 ؛ عوالي اللآلي 1 : 222 / 99 و : 457 / 198 ؛ بحار الأنوار 2 : 272 / 7 .

العرف أيضاً ، والعذر بأ نّه قابل للاعتبار العرفي أو العقلي غير وجيه ؛ فإنّ الوجود الاعتباري غير الحقيقي ، والغرض في نقل المنفعة ، نقل ما هي كذلك حقيقة .

فلا بدّ إمّا من القول : بأنّ الإجارة نقل للمنفعة الكلّية ، غير القابلة للتطبيق إلاّ على مصداق واحد ؛ أي نقل منفعة هذه الدار في المدّة المعلومة ، وهذا العنوان الكلّي قابل للتملّك ، ولمّا كان قابلاً للتحقّق يعطى بإزائه المال ، كالكلّي في باب

البيع ، بلا افتراق بينهما من هذه الجهة .

أو القول : بأ نّها إضافة خاصّة ، أو تسليط على العين للانتفاع بها ، أو إضافة تستتبع دخول المنافع عند وجودها التدريجي في ملكه ، كما هو كذلك في المالك ، وفي إجارة الأعمال أيضاً احتمالات .

وأمّا البطلان من ناحية مخالفته للشرع ، فهو خارج عن مورد البحث ، لكن نشير إلى ما تقتضيه الأدلّة العامّة والخاصّة هنا إجمالاً ، وأمّا البحث في تشخيص الصغريات فمنوط بأبوابها .

فنقول : أمّا بحسب القواعد الكلّية ، مثل قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «على اليد ما أخذت . . .»(1) الذي هو العمدة في الضمان المبحوث عنه ، فغاية ما يقال فيه : إنّه منصرف عن الأيدي الأمانية ، مالكية كانت أو شرعية ، وكذا عمّا إذا كان الأخذ بإذن المالك أو الشارع .

ص: 296


1- عوالي اللآلي 1 : 224 / 106 ، و2 : 345 / 10 ، و3 : 251 / 3 ؛ مستدرك الوسائل 14 : 8 ، كتاب الوديعة ، الباب1 ، الحديث 12 ؛ المسند ، أحمد بن حنبل 15 : 121 / 19969 ؛ السنن الكبرى ، البيهقي 6 : 90 و95 ؛ المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري 2 : 47 .

ومن المعلوم : أنّ انصراف الدليل عن مورد ، ليس دليلاً على عدم الثبوت ، بل من قبيل عدم الدليل عليه ، فدليل اليد مقتضٍ للضمان في غير الموارد المنصرف عنها ، وأمّا فيها فلا يدلّ على الضمان ، كما لا يدلّ على عدمه ، فاشتراطه في ضمن العقد لا ينافي القاعدة .

وأمّا بحسب الأدلّة الخاصّة ، فقد دلّت جملة من الروايات على عدم الضمان ، كصحيحة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : قال أمير المؤمنين علیه السلام في حديث : «ولا يغرم الرجل إذا استأجر الدابّة ، ما لم يكن يكرهها ، أو يبغها غائلة»(1) .

وصحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل ، تكارى دابّة إلى مكان معلوم ، فنفقت الدابّة .

فقال : «إن كان جاز الشرط فهو ضامن ، وإن كان دخل وادياً لم يوثقها فهو ضامن ، وإن وقعت في بئر فهو ضامن ؛ لأ نّه لم يستوثق منها»(2) ونحوهما غيرهما (3) .

والظاهر منها عدم الضمان مع عدم التفريط والإفراط ، ومن المعلوم عدم

ص: 297


1- تهذيب الأحكام 7 : 182 / 800 ؛ وسائل الشيعة 19 : 155 ، كتاب الإجارة ، الباب 32 ، الحديث 1 .
2- الكافي 5 : 289 / 3 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 214 / 939 ؛ وسائل الشيعة 19 : 155 ، كتاب الإجارة ، الباب 32 ، الحديث 2 .
3- راجع وسائل الشيعة 19 : 118 ، كتاب الإجارة ، الباب 16 و17 ، و : 156 ، الباب 32 ، الحديث 4 .

الخصوصية في الدابّة ، فاشتراط الضمان مخالف للشرع .

نعم ، تختلف الروايات في بعض الأبواب ؛ ممّا يطول بنا الكلام لو تعرّضنا لها ، والعهدة على أبوابها .

تفصيل المحقّق النائيني بين إجارة الأعيان والإجارة على الأعمال

وقد يفصّل بين إجارة الأعيان ، والإجارة على الأعمال ؛ بأنّ شرط الضمان باطل في الاُولى دون الثانية ، بدعوى أنّ إجارة الأعيان ، إمّا عبارة عن كون العين تحت يد الانتفاع ، كما هو التحقيق ، أو عبارة عن نقل المنافع .

فعلى الأوّل : استحقاق المستأجر لوضع اليد على العين واضح ؛ لأنّ حقيقة المعقود عليه ، متقوّمة بوضع اليد على العين ، بل هي هو معنىً .

وعلى الثاني : فلازم استحقاقها وملكيتها وضع اليد عليها عقلاً ، فاشتراط ضمانها مخالف للشرع .

وأمّا الإجارة على الأعمال ؛ ممّا تقع عليها يد المؤجر ، ولا استحقاق له على وضع اليد عليها ؛ لجواز استيفاء العمل مع كون العين في يد مالكها ، فلا تكون يد المؤجر عليها بحقّ يلزمه العقد بوجه ، فلا بأس باشتراط كونها مضمونة عليه .

ثمّ قال : والرهن كإجارة الأعيان ، وأمّا الوكالة والوديعة ، فعدم جواز الاشتراط فيهما ؛ لأجل كونهما استنابة عن المالك ، فجعل يدهما بمنزلة يده ينافي ضمانه ؛ لإرجاعه إلى ضمان نفسه .

وأمّا العارية ، فلا مانع من اشتراط الضمان فيها ؛ لعدم دخولها في إحدى الكبريات ، من كون تصرّف المستعير عن حقّ مالكي ، أو استنابة ، أو كونه

ص: 298

مصلحة المالك ، أو إحساناً عليه ، بل مجرّد تحليل وإباحة ، وهذا غير مقتضٍ لعدم الضمان بوجه(1) ، انتهى ملخّصاً .

وفيه محالّ للنظر :

منها : أنّ دعوى كون الإجارة عبارة عن كون العين تحت يد الانتفاع ، الظاهر منه ومن بعده ، أنّ المراد كونها تحت يده خارجاً ، في غاية الضعف ، بل لا أظنّ التزام أحد به ، بل ولا نفسه لو توجّه إلى تواليه الفاسدة ؛ من عدم إيجاب عقد الإجارة على هذا لشيء ، ومن عدم كون الأعيان المستأجرة بالعقود مستأجرة ، وهذا من وضوح البطلان بمكان .

والعجب أ نّه أرجع كلام المحقّق والعلاّمة رحمهما اللّه إلى ما أفاد(2) ؛ لقولهما : بأ نّها عقد ثمرته تمليك المنافع(3) .

وأنت خبير : بأنّ هذا التعريف في طرف النقيض لكلامه ؛ فإنّ صريح هذا أنّ العقد الذي ثمرته نقل المنافع إجارة ، ولازمه أنّ كون العين تحت يد المستأجر ، غير مربوط بها .

ومنها : أنّ دعوى الدلالة الالتزامية على كون العين تحت يده ، بناءً على أنّ الإجارة عبارة عن نقل المنافع ، في غير محلّها ؛ لجواز كون العين تحت يد مالكها مع استيفاء المستأجر منافعها ، فلو آجر الدابّة التي تحت يده ، ومكّن المستأجر من الانتفاع بها ، من غير أن يسلّمها إليه ، صحّت الإجارة حتّى على

ص: 299


1- منية الطالب 3 : 216 - 218 .
2- منية الطالب 3 : 216 .
3- شرائع الإسلام 2 : 140 ؛ قواعد الأحكام 2 : 281 .

القول : بأنّها عبارة عن التسليط على العين للانتفاع بها ؛ لأنّ المراد ليس التسليط الخارجي ، بل الاعتباري منه ، ويرجع إلى أ نّه مسلّط اعتباراً على العين من هذه الجهة خاصّة ، ولا تجوز مزاحمته في الاستيفاء .

ومنها : أ نّه لو سلّمنا كون الإجارة كذلك ، وأنّ يد المستأجر على العين يد استحقاق ، لكن لم يدلّ دليل على عدم الضمان ، وأنّ اليد الكذائية تقتضي عدمه ، بل غاية ما في الباب عدم الدليل على الضمان ، ولم يحكم به لذلك ، فلا ينافي ذلك الاشتراط .

ومنها : أنّ قوله في الوكالة والوديعة : إنّ عدم الضمان ؛ لأجل كون يد الوكيل والودعي ، بمنزلة يد صاحب المال ، وإنّ لازمه تضمين الشخص لماله غير وجيه ، وإن قال به غيره أيضاً (1) ؛ لأنّ اعتبار الوكالة والوديعة ، ينافي التنزيل المذكور ؛ فإنّ الوكالة عبارة عن إيكال الأمر إلى غيره ، أو استنابته في ذلك ، وكذا الوديعة استنابة في الحفظ ، وهذا الاعتبار ينافي التنزيل ، فالنائب غير المنوب عنه ، وفعله غير فعله في الواقع وفي الاعتبار .

وما اشتهر بينهم في باب النيابة عن الميّت : من أ نّه بمنزلته(2) فاسد مستلزم لفاسد لم يلتزموا به ، ولو سلّم التنزيل ، فلا دليل على التنزيل من جميع الجهات ، حتّى ينافي الضمان بالشرط .

ومنها : أنّ قوله في العارية بصحّة الشرط ؛ لأجل ما ذكره(3) ، غير وجيه ؛ لأنّ

ص: 300


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 283 .
2- رسائل فقهية ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 23 : 205 ؛ العروة الوثقى 3 : 76 .
3- منية الطالب 3 : 218 .

صحّة الشرط فيها إنّما هي بدليل خاصّ ، لولاه لقلنا بالبطلان ؛ لإطلاق بعض الأخبار بأنّ المستعير لا يغرم(1) .

والتحقيق : أنّ القول ببطلان الشرط في بعض ما تقدّم ، وبصحّته في بعض ، إنّما هو لأدلّة خاصّة ، لا لتلك الاعتبارات غير الوجيهة ، والبحث عنها موكول إلى محلّها .

ثمّ إنّه لا ينبغي الإشكال ، في أنّ شرط عدم إخراج الزوجة عن بلدها مثلاً ، وشرط التوارث في المتعة ، ليسا مخالفين لمقتضى العقد ، كما أشرنا إليه(2) ، فلا مانع منه من هذه الجهة .

وأمّا البطلان من جهة الشرع ، فمن متفرّعات الشرط السابق ، وإن كان الأقوى في شرط عدم الإخراج الصحّة .

وأمّا قضيّة التوارث ، فهي معركة الآراء ، واختلفت فيها الأدلّة ، وتحتاج إلى بسط الكلام فيها ، ولها محلّ آخر .

حكم الشكّ في مخالفة الشرط لمقتضى العقد

ثمّ إذا شكّ في شرط أ نّه مخالف لمقتضى العقد ، فلا أصل هنا يحرز به عدم المخالفة ، كما هو ظاهر وتقدّم نظيره(3) .

نعم ، لو كان المقتضى أمراً غير دخيل في ماهية العقد - كبعض ما يدّعى أنّه

ص: 301


1- وسائل الشيعة 19 : 91 ، كتاب العارية ، الباب 1 .
2- تقدّم في الصفحة 287 - 288.
3- تقدّم في الصفحة 271 .

من قبيل مقتضيات العقود ، نظير تسلّط الرجل على الزوجة في الإسكان - وأغمضنا عمّا تقدّم ، لأمكن القول : بأ نّه عند الشكّ يرجع إلى عموم دليل نفوذ الشرط ، لو كان المخصّص اللبّي ، لم يخصّص الدليل بعنوان واحد ، كعنوان مخالفة المقتضى ، وإلاّ لما صحّ التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقية لدليل المخصّص ولو كان لبّياً ، كما هو المحقّق في محلّه(1) .

ص: 302


1- مناهج الوصول 2 : 222.

السادس : أن لا يكون مجهولاً جهالة توجب الغرر في البيع

كما في كلمات كثير من الأعيان(1) ، وفي عدّ هذا الشرط من الشروط المستقلّة إشكال ؛ أمّا على هذا التعبير وما يشبهه ، فلأ نّه يرجع إلى بطلانه لأجل بطلان البيع ، ولازمه عدم كونه في ضمن العقد الصحيح ، وهو شرط آخر غير شرط الجهالة في الشرط بنفسه .

ولو اُسقط عنه قيد «إيجاب الغرر في البيع» وقيل : إنّ الشرط هو عدم الجهالة فيه، فإن استدلّ عليه بحديث النهي عن الغرر ونحوه ممّا يرجع إلى النهي الشرعي، فيندرج في الشرط المخالف للكتاب ؛ ضرورة أ نّه مع النهي عن الغرر ، يكون الشرط الغرري مخالفاً له ، وعليه فلا يكون شرط عدم الجهالة شرطاً مستقلاًّ .

ولو قيل : ببطلان الشرط المجهول ؛ من أجل أ نّه غير عقلائي ، لكان البطلان لأجل اعتبار العقلائية فيه ، كما أشرنا إليه سابقاً (2) ، وهو شرط آخر بعنوان آخر ، يندرج فيه ما ذكر .

فمن ادّعى : أ نّه شرط في مقابل سائر الشروط ، لا بدّ له من فرضه جامعاً لسائر الشروط ؛ من كونه عقلائياً ، وكونه في ضمن العقد الصحيح ، وعدم إيجابه

ص: 303


1- شرائع الإسلام 2 : 27 ؛ جامع المقاصد 4 : 417 - 418 ؛ جواهر الكلام 23 : 199 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 51 ؛ منية الطالب 3 : 225 .
2- تقدّم في الصفحة 236 .

لفساده حتّى يفسد لذلك ، وعدم مخالفته للشرع ، ولا لمقتضى العقد ، ثمّ إقامة الدليل عليه ، ومن الواضح عدم الدليل عليه حينئذٍ .

ولعلّ نظر من قال : إنّ الضابط أن يؤدّي إلى جهالة الثمن أو المثمن(1) ، إلى أ نّه ليس شرطاً مستقلاًّ ، وأ نّه لا يعتبر عدم الجهالة فيه إذا لم يؤدّ إلى جهالتهما .

ومع الغضّ عمّا ذكرناه ، يمكن الاستدلال على اعتباره بحديث : «نهى النبي صلی الله علیه و آله وسلم عن الغرر» .

وما قيل : من عدم استناد العلماء إليه(2) في غير محلّه ؛ فإنّ شيخ الطائفة قدّس سرّه استند إليه مراراً في «الخلاف» كباب الضمان والشركة(3) ، وكذا ابن زهرة في «الغنية»(4) وقال الشيخ الأعظم قدّس سرّه : إنّ الفقهاء استندوا إليه في غير البيع من سائر الأبواب(5) ، فتأمّل ، نعم كفاية ذلك في جبر السند محلّ كلام .

ويمكن الاستدلال عليه بقوله علیه السلام : «نهى النبي صلی الله علیه و آله وسلم عن بيع الغرر»(6) بدعوى إلغاء الخصوصية عن البيع ، وأنّ ذكر البيع من باب المثال ، فيجري في الإجارة وسائر المعاملات والقرارات ؛ إذ من البعيد أن يكون لخصوص عنوان «البيع» دخالة في اعتباره .

ص: 304


1- شرائع الإسلام 2 : 27 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 165 .
3- الخلاف 3 : 319 ، كتاب الضمان ، مسألة 13 ، و : 330 ، كتاب الشركة ، مسألة 5 .
4- غنية النزوع 1 : 264 .
5- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 52 .
6- يأتي تخريجه بعد أسطر .

وهذا الحديث ليس مرسلاً كما قيل(1)، بل رواه مسنداً في «الوسائل» في أبواب آداب التجارة(2) ، ورواه في «المستدرك» عن «صحيفة الرضا علیه السلام » مسنداً (3) .

نعم ، يمكن الخدشة في دلالتهما بأن يقال : إنّ من المحتمل أن يكون المراد ب «الغرر» الخديعة كما هي أحد معانيه ، كما تقدّم الكلام في محلّه(4) .

إلاّ أن يقال : إنّ فهم علماء العامّة والخاصّة من الحديث المعنى المعروف عندهم ، مع كونهم من أهل اللسان ، كافٍ في ذلك .

وأمّا دعوى الانصراف عن المعاملات غير المستقلّة ، كتوابع البيع ونحوه ، ومنها الشروط التابعة(5) ، ففي غير محلّها ؛ فإنّ الشرط وإن كان في ضمن البيع ونحوه، لكن ليست تبعيته نحو تبعية مفتاح البيت ونحوه، بل هو قرار بين الطرفين مستقلّ في معنى القرار ، وإن كان في ضمن قرار آخر ، فلا معنى للانصراف .

ومع ذلك كلّه ، فالمسألة محلّ إشكال فيما لا ترجع الجهالة فيه إلى جهالة الثمن أو المثمن ، ولا سيّما مع تظافر هذا القيد في كلماتهم ممّا يدلّ على عدم الاعتبار إذا لم يؤدّ إلى ذلك .

ص: 305


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 287 ؛ منية الطالب 2 : 341 ؛ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 5 : 165 .
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 45 / 168 ؛ وسائل الشيعة 17 : 448 ، كتاب التجارة ، أبواب آداب التجارة ، الباب 40 ، الحديث 3 .
3- صحيفة الرضا عليه السلام : 84 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 283 ، كتاب التجارة ، أبواب آداب التجارة ، الباب 33 ، الحديث 1 .
4- تقدّم في الجزء الثالث : 307 .
5- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 165 .

السابع : أن لا يكون مستلزماً لمحال

وفي كون هذا الشرط أيضاً مستقلاًّ في قبال سائر الشروط إشكال ؛ إذ من المعلوم أنّ نفس الشرط بالمعنى المصدري ، لا يستلزم المحال بوجه ، وإنّما يستلزمه لأجل المتعلّقات والملتزمات .

فحينئذٍ لو كان الشرط شرط فعل يكون محالاً ، فمع التفات الشارط لا يعقل القصد الجدّي به ، فإمكانه دخيل في تحقّقه ، لا في صحّته .

ولو قصده جدّاً لغفلة ونحوها ، كان بطلانه لأجل عدم القدرة على إيجاده ، وعدم عقلائيته أيضاً ، فيرجع إلى شرط آخر .

ولو كان شرط نتيجة ، فإن كان الامتناع لأجل كونه ممّا له سبب خاصّ شرعي كالطلاق ، فاشتراطه مخالف للشرع ، وغير مقدور أيضاً ، ويرجع إلى فقدان شرط آخر .

وإن كان ممّا له سبب خاصّ عقلائي ، لا يوجد إلاّ به ، ولعلّ النكاح كذلك ، فإنّ له مراسم خاصّة في كلّ الملل والنحل ، فالتسبيب إليه بالشرط غير عقلائي ، وغير مقدور ، وعلى أيّ تقدير لا يكون هذا شرطاً على حدة .

ثمّ إنّ ما مثّل به العلاّمة قدّس سرّه في محكيّ «التذكرة» من قوله : لو باعه شيئاً بشرط أن يبيعه إيّاه لم يصحّ ، سواء اتّحد الثمن قدراً وجنساً ووصفاً ، أو لا ، وإلاّ

جاء الدور ؛ لأنّ بيعه له يتوقّف على ملكيته له ، المتوقّفة على بيعه ، فيدور .

ص: 306

أمّا لو شرط أن يبيعه على غيره ، فإنّه يصحّ عندنا ؛ حيث لا منافاة فيه للكتاب والسنّة .

لا يقال : ما التزموه من الدور آتٍ هنا .

لأ نّا نقول : الفرق ظاهر ؛ لجواز أن يكون جارياً على حدّ التوكيل ، أو عقد الفضولي ، بخلاف ما لو اشترط البيع على البائع(1) ، انتهى .

فالظاهر منه : أنّ الشرط غير الشرط الفقهي المبحوث عنه ، بل بمعنى الشرط الاُصولي .

وعلى فرض كون الشرط الشرط الاُصولي ، لا يتمّ مدّعاه ؛ فإنّ «البيع» عبارة عن المبادلة الإنشائية ، أو التمليك بعوض إنشاء ، ولهذا يكون بيع الفضولي بيعاً حقيقة ، وإن لم يترتّب عليه أثر إلاّ بعد الإجازة .

وعليه فنقول : قوله «بيعه يتوقّف على ملكيته» إن اُريد ظاهره ، فهو غير وجيه جدّاً ؛ لأنّ «البيع» بمعناه الإنشائي الذي هو تمام ماهيته ، لا يتوقّف على الملكية ، وإلاّ لزم بطلان بيع الفضولي ، وعدم إمكان لحوق الإجازة به .

وإن كان المراد : أنّ بيعه على صاحبه ، يتوقّف على أن لا يكون هو مالكاً ، وإلاّ امتنع الانتقال إليه ؛ لكونه تحصيلاً للحاصل ، فهو - مع ما فيه من سوء التعبير - غير وجيه ؛ لأنّ «البيع» وهو المعنى الإنشائي ، لا يلزم منه ذلك ، فلا مانع عقلاً من بيع الشيء من صاحبه ؛ ليترتّب عليه الأثر فيما يأتي .

فكما لا امتناع في كون شيء واحد ، ملكاً حقيقة لشخص ، وإنشاء لشخص آخر كالفضولي ، كذلك لا امتناع في أن يكون لشخص واحد حقيقة وإنشاء

ص: 307


1- تذكرة الفقهاء 10 : 251 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 53 - 54 .

باعتبارين ، فلا يتوقّف بيعه منه على عدم ملكيته .

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ بيعه منه ولو إنشاء - كبيع الفضولي - غير عقلائي ، فعدم الصحّة لأجل ذلك ، لكن هو مانع آخر غير ما ادّعي من الاستحالة .

والظاهر من صدر عبارته هو الدور المستحيل ، وظاهر ذيلها - من إبداء الفرق بين بيعه منه ، وبين بيعه من غيره ؛ بأ نّه يجري فيه التوكيل والفضولي - أنّ المقصود عدم العقلائية ، لا الامتناع العقلي ، وفي العبارة اضطراب .

والأمر سهل بعد وضوح المطلب ، واندفاع إشكاله حتّى على فرض كون الشرط اُصولياً ، فضلاً عن كونه التزاماً في التزام ؛ إذ لا موضوع عليه لإشكاله رأساً ، كما لا يخفى .

وأمّا التوجيه بوجه مخالف لظاهر كلامه بل صريحه - مع عدم دفع الإشكال عنه ، بل مع ورود إشكال آخر عليه ، لا يقصر وضوحه عن الإشكال الوارد على ظاهره - فممّا لا داعي إليه .

وأمّا ما عن الشهيد رحمه الله علیه : من أنّ هذا الشرط باطل لا للدور ، بل لعدم القصد إلى البيع(1) .

ففيه : أنّه لا إشكال في إمكان تحقّق القصد ، مع اختلاف الثمن قدراً ، أو جنساً ، بل ومع اتّحادهما والاختلاف زماناً ، كأن يشترط بيعه منه بعد سنة ، أو لو أراد بيعه لا يبيعه إلاّ منه ، بل قد يتحقّق القصد مع الاتّحاد في جميع ما ذكر ؛ لبعض أغراض خارجية عقلائية .

ومن ذلك يظهر : أنّ دعوى البطلان لأجل عدم عقلائيته غير وجيهة .

ص: 308


1- الدروس الشرعية 3 : 216 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 54 .

الثامن : أن يلتزما به في ضمن العقد

اشارة

وفي كون هذا الشرط من شروط الصحّة إشكال ؛ لأنّه مبنيّ على أمرين :

أحدهما : صدق «الشرط» عرفاً ولغة على الشروط الابتدائية ؛ إذ مع عدمه - كما هو الأظهر لغة وعرفاً ، على ما تقدّم تفصيله في بيع المعاطاة(1) - يكون ذلك دخيلاً في صدق عنوانه ، وقد مرّ أنّ التعرّض لشروط صحّة الشيء ، لا بدّ وأن يكون بعد الفراغ عن شروط التحقّق وصدق العنوان(2) .

ثانيهما : قيام دليل على تقييد عموم دليل الشرط ؛ بكونه في ضمن العقد ، وهو مفقود ، إلاّ دعوى بعضهم الإجماع عليه .

وقال الشيخ الأعظم قدّس سرّه : الظاهر من كلمات الأكثر ، عدم لزوم الشرط غير المذكور في متن العقد ، ثمّ نقل حكاية الإجماع عن «الرياض»(3) عن بعض الأجلّة(4) .

ثمّ قال : وتتبّع كلماتهم في باب البيع والنكاح ، يكشف عن صدق ذلك المحكيّ(5) .

ص: 309


1- تقدّم في الجزء الأوّل : 135 .
2- تقدّم في الصفحة 283 .
3- رياض المسائل 10 : 291 .
4- القواعد والفوائد 2 : 259 .
5- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 55 - 56 .

وفيه : أنّ ثبوت الشهرة المعتمدة ، أو الإجماع في هذه المسألة ، محلّ إشكال بل منع ؛ لقوّة احتمال كون مبنى فتوى الكثير أو الأكثر على عدم صدق «الشرط» على الالتزام الابتدائي ، فيخرج عن أدلّة الشروط موضوعاً .

وعليه فلو بنينا على صدقه ، لا محيص عن الأخذ بعموم الدليل ، فالشرط المذكور لا يكون من شروط الصحّة ، بل يدور أمره بين دخالته في الصدق ، وعدم اشتراطه رأساً .

وجوب العمل بالشروط الابتدائية

ثمّ إنّه قد سبق منّا في المعاطاة ، أ نّه على فرض القول : بعدم صدق «الشرط» على الالتزامات الابتدائية ، يمكن القول : بوجوب العمل بها ؛ بدعوى إلغاء الخصوصية عن الشروط الضمنية ، بمناسبات مغروسة في ذهن العرف ، وأنّ قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «المؤمنون عند شروطهم»(1) يفهم منه عرفاً أنّ ما هو ملاك الوجوب ، هو قرار المؤمنين ، وأ نّهم عند قراراتهم وملتزماتهم ، من غير دخالة لخصوصية الشرط ؛ أي الالتزام في الالتزام ، أو القرار في القرار في ذلك(2) .

وعلى أيّ حال : يكون للقرار في ضمن المعاملة آثار ، كثبوت الخيار عند تخلّفه ، وأنّ فساده يوجب فسادها . . . إلى غير ذلك .

ص: 310


1- تهذيب الأحكام 7 : 371 / 1503 ؛ وسائل الشيعة 21 : 276 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 20 ، الحديث 4 .
2- تقدّم في الجزء الأوّل : 139 - 140.
هل يجب العمل بالشرط المتواطأ عليه قبل العقد؟

فلو وقع العقد مع تواطئهما قبله على الشرط ، فهل هو كالمذكور فيه في وجوب العمل وسائر الآثار ، فتكون منزلة الشرط ، منزلة الأوصاف والقيود في المبيع ، حيث يقع العقد عرفاً على المتقيّد مع قيام القرينة ، ومنها التواطؤ قبله ، وإيقاع العقد مبنيّاً عليه ، أم لا ؟

يمكن أن يكون الشرط بحسب التصوّر ، راجعاً إلى القيد مطلقاً ، من غير فرق بين الأوصاف - كشرط كون الحنطة كذا ، ومن كذا - وغيرها ، كشرط الخياطة ونحوها ، نظير ما قيل في الواجب المشروط : من أنّ الشرط يرجع إلى القيد في المادّة(1) ، وإن كان بين الشرط في المقام وما هناك فرق .

أو في خصوص الشروط المربوطة بالأوصاف وخصوصيات المبيع ، أو الثمن .

وعلى ذلك : لا فرق بين الشرط وبين سائر القيود ؛ في أنّ التواطؤ عليها وإيقاع العقد مبنيّاً عليها ، كافٍ في وقوعه على المقيّد بالقرينة العرفية .

لكن لازم هذا الاحتمال ، رفض خيار تخلّف الشرط مطلقاً ، أو في خصوص اشتراط الأوصاف ونحوها :

وذلك أمّا في بيع الكلّي ؛ فلأنّ كلّ قيد يلحق بعنوان كلّي ، يوجب لا محالة مخالفته لعنوان فاقد له ، أو واجد لغيره ، فعنوان «الحنطة» إذا قيّد بقيد

«البيضاء» تخالف مصاديقه مصاديق الحنطة الحمراء مثلاً ، والحنطة الحمراء

ص: 311


1- مطارح الأنظار 1 : 236 - 237 و247 .

تخالف عنواناً ومصداقاً البيضاء وهكذا .

فلو وقع البيع على الحمراء ، وأدّى البيضاء ، لم يؤدّ ما وقع عليه العقد ، ويجب عليه أداء ما هو المصداق ، ولا يصحّ أن يقال : له خيار تخلّف الشرط ، أو تخلّف الوصف .

وأمّا في الأعيان الخارجية ؛ فلأ نّه يرجع إلى خيار تخلّف القيد أو الوصف ، وهو - عرفاً وعقلاً - غير خيار تخلّف الشرط .

هذا مضافاً إلى أنّ إرجاع الشروط إلى القيود ، أمر مخالف للعرف والعقل ، فلو بدّل قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «المؤمنون عند شروطهم» بقوله : «المؤمنون عند قيودهم» أو «تقييداتهم» لكان مبتذلاً مستهجناً ، فلا وجه لهذا الاحتمال .

بل قد ذكرنا في محلّه : أنّ إرجاع الشروط في الواجب المشروط إلى قيود المادّة ، غير صحيح ، بل غير معقول في بعض الشروط(1) .

ومن هذا القبيل لو قيل : بأنّ الالتزام قيد للعوض ؛ فإنّ التقييد بالالتزام المطلق ، لا معنى له ، وبالالتزام الخاصّ المتقيّد بالملتزم ، يلزم منه ما يلزم في الفرض المتقدّم ، بل الإرجاع إليه مقطوع البطلان .

ويمكن أن يقال : إنّ الشرط يرجع إلى الالتزام الذي هو قيد للعقد ، فالعقد بلا شرط مطلق ، ومعه مقيّد بذلك الالتزام ، فعلى فرض كونه كذلك ، يمكن القول : بكفاية التواطؤ عليه في وقوعه ضمن العقد .

وهذا هو المراد من أنّ الشرط التزام في التزام ، أو التزام في بيع ونحوه ، وإلاّ

ص: 312


1- مناهج الوصول 1 : 282.

فلو وقع الشرط في خلال الإيجاب والقبول ، من غير ارتباط وتقيّد للعقد به ، يكون شرطاً ابتدائياً ، لا يوجب شيئاً .

وفيه : أنّ ماهية البيع مثلاً ليست إلاّ مبادلة مال بمال ، أو تمليك عين بعوض ، من غير أن يكون للالتزام وراء ذلك ، عين ولا أثر في المعاملة .

نعم ، قد يكون الالتزام بالعمل على طبقها ، من الأحكام العقلائية لها ، وهو أمر آخر .

فالمراد من العقد الذي يتقيّد بالشرط ، إمّا نفس التبديل والإيقاع ، أو المنشأ به .

فعلى الأوّل : يمتنع التقييد ؛ لأنّ الإيجاد لا يقبل التقييد ، سواء في التكوين أو التشريع .

وعلى الثاني : فالمبادلة الإنشائية إن كانت متقيّدة بوجود الشرط ، يلزم أن لا تقع إلاّ بعد وجوده ، وهو كما ترى .

وإن كانت متقيّدة بالالتزام المطلق ، فهو حاصل لا تخلّف فيه .

وإن كانت متقيّدة بالالتزام الخاصّ بما هو كذلك ، فإن كان متقيّداً بحال العقد ، فهو حاصل ، ولا وجود بقائي له ، وإن كان مطلقاً ، يلزم منه عدم المبادلة عند عدم الالتزام ورجوعه عنه ، لا خيار التخلّف ، والاحتمالات كلّها في غير محلّها .

فتحصّل من ذلك : أنّ الشرط عبارة عن قرار مستقلّ في قراريته ، مقابل قرار البيع ، لكن يعتبر في تحقّق عنوانه وتحقّقه أن يقع في ضمن العقد ؛ من غير تقييد مطلقاً ، لا للعوضين ، ولا للإنشاء ، ولا المنشأ .

فالارتباط بينهما غالباً ؛ لأجل دخالته في الرغبة وازدياد الثمن به ، وإن

ص: 313

لم يكن ذلك دائمياً ، فإنّه قد يقع البيع لمجرّد تحقّق الشرط في ضمنه ، من غير أن يكون في أصل البيع غرض مستقلّ .

فلو باع ريحانة بفلس ، وشرط عليه شرطاً ، صحّ البيع والشرط بلا إشكال ، مع أنّ الغرض هو إيقاع الشرط ، ويكون إيقاع البيع تبعاً في الغرض ، وإن كان الشرط تبعاً في الوجود .

فالشروط التي تقع في عقد النكاح ، لا توجب زيادة في الطرفين ، ولا تحسب مهراً لو كان بلا مهر ، ولا تزاد على المهر أيضاً ، مع أ نّها صحيحة لا يوجب تخلّفها الخيار ، بل توجب التكليف فقط ، فلا تقييد في الركنين ، ولا في المهر ، ولا في العقد والعهد .

فعلى ذلك : لا يعقل أن يكون التواطؤ قبل العقد ، موجباً لوقوع الشرط في ضمنه ؛ فإنّه من قبيل الإنشائيات المستقلّة في عالمها ، ولا يعقل إنشاء تبع إنشاء ، فتدبّر جيّداً .

إن قلت : إنّ الألفاظ الدالّة على الشروط في ضمن العقد - بحسب العرف غالباً - ممّا تشهد بأ نّها مرتبطة بالعقد ، كقوله : «بعتك بكذا على أن تخيط لي ثوباً» أو «بشرط ذلك» فيستفاد منه أنّ ذلك الارتباط بينهما عرفي .

وأيضاً : لو لم يكن ارتباط بينهما ، أو تقييد مطلقاً ، فلا يتّجه خيار التخلّف بوجه .

قلت : لو حاولت الأخذ بهذا الظهور ، يلزم أن يكون العقد مشروطاً بالعمل الخارجي ، وأن لا يتحقّق البيع والنقل إلاّ بعد العمل بالشرط ، وهو كما ترى .

فعلى ذلك : لو قصد ما هو الظاهر ، بطل البيع للتعليق .

ص: 314

وعلى فرض صحّته ، يكون الشرط - أي العمل الخارجي - مقدّمة لحصوله وتحقّقه ، لا واقعاً في ضمنه .

وأمّا قضيّة خيار التخلّف ، فهي عقلائية منوطة بتخلّف ما له دخالة في القيم والأغراض .

فالشروط أو القيود التي هي دخيلة فيها ، إن لم تذكر في ضمن العقد ، لا توجب شيئاً ، وتكون من قبيل تخلّف الدواعي ، وأمّا مع ذكرها قيداً ، أو وصفاً ، أو شرطاً ، فيكون تخلّفها موجباً لخيار تخلّف الوصف أو الشرط .

حول كلام الشيخ الأعظم في المقام

ثمّ إنّ ما ذكره الشيخ الأعظم قدّس سرّه في ذيل كلامه من قوله : إنّ هنا وجهاً آخر لا يخلو من وجه ؛ وهو بطلان العقد الواقع على الشرط ؛ لأنّ الشرط من أركان العقد المشروط ، بل عرفت أ نّه كالجزء من أحد العوضين ، فيجب ذكره في الإيجاب والقبول ، كأجزاء العوضين(1) ، انتهى .

قد يتوهّم منه : أنّ ما ذكره من الوجه هاهنا في غير محلّه ؛ لأنّ الكلام هنا في بطلان الشرط ، لا في بطلان العقد بفساد شرطه ، فالواجب ذكره في المسألة الآتية(2) .

وفيه : أنّ الكلام في المسألة الآتية ؛ في فساد العقد بفساد الشرط ، بعد الفراغ عن فساده ، وفي المقام في فساد الشرط وإن كان ذلك لعدم ذكره في ضمن

ص: 315


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 57 .
2- اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 172 - 173 .

العقد ، أو لذكره في ضمن عقد فاسد .

فالاستدلال هاهنا لفساد العقد بعدم ذكر الشرط فيه ، مقدّمة لفساد الشرط ؛ لاعتبار كونه في ضمن العقد الصحيح ، عكس المسألة الآتية .

ويمكن أن يوجّه الاستدلال ؛ بأنّ التواطؤ قبل العقد ، إنّما يكون قرينة على الاندراج في العقد ، إذا كانت القرينية عقلائية ، والتواطؤ على ثمن أو مبيع ، وإيقاع العقد مبنيّاً عليهما ، إنّما يكون قرينة عند العقلاء ، إذا لم يذكر أصل الثمن

أو المبيع ، بأن قال بعده : «بعتك هذا» ولم يذكر ثمنه ، أو «بعتك بألف» ولم يذكر المثمن .

وأمّا لو ذكر بعض الثمن أو المثمن ، لانهدم بذكر بعضهما القرينية العقلائية للتواطؤ ، فلو تواطئا على أنّ الثمن ألف دينار وألف درهم ، فقال اتّكالاً عليه : «بعتك بألف دينار» يهدم ذلك التواطؤ عليه ، كما لو قال بعد التواطؤ على الألف : «بعتك بمائة» فترك الجزء أو ما هو كالجزء يهدم القرينية ، بخلاف ما لو ترك الكلّ أو المقيّد ، هذا غاية تقريبه .

لكن يرد عليه : أنّ كون الشرط كالجزء ممنوع ، فالاستدلال مبنيّ على مبنىً غير وجيه ، والتحقيق ما تقدّم .

ص: 316

التاسع : التنجيز

وهو ممّا قد يقال باعتباره في الشرط(1) ، كما قيل باعتباره في العقود(2) ، أو البيع فقط .

وهو قد يراد به الإطلاق مقابل الاشتراط ، كأن يقال : «بعتك إذا جاء رأس شهر كذا» ويقال في المقام : «بعتك هذا بكذا على أن تخيط لي ثوباً إذا طلعت الشمس» .

وقد يراد به التنجيز مقابل التعليق ، كقوله : «بعتك هذا رأس شهر كذا» أو «بعتك على أن تخيط لي ثوبي رأس شهر كذا» وفي كلا معنييه كلام - من حيث العقلية والعقلائية - مذكور في محلّه مع الجواب عنه(3) .

وأمّا الشيخ الأعظم قدّس سرّه ، فكلامه(4) مبنيّ على الوجه الأوّل ؛ أي الاشتراط والإطلاق ، ومبنى الاستدلال سراية التعليق في الشرط إلى التعليق في العقد ، فيبطل العقد ، ويبطل ببطلانه الشرط .

وهذا الاستدلال أيضاً نظير ما مرّ في ذيل المسألة السابقة(5) ، فكان المفروض عنده عدم بطلان التعليق في الشرط ؛ لعدم الدليل عقلاً ونقلاً عليه ، لكنّه لمّا كان

ص: 317


1- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 57 ؛ منية الطالب 3 : 235 .
2- مسالك الأفهام 5 : 357 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16 : 162 .
3- تقدّم في الجزء الأوّل : 342 ؛ مناهج الوصول 1 : 282 - 299.
4- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 58 .
5- تقدّم في الصفحة 315 - 316.

يوجب التعليق في البيع ، وهو ممّا قام الإجماع على بطلانه ، فلا محالة يوجب بطلان الشرط أيضاً بالواسطة ؛ لاعتبار كونه في ضمن العقد الصحيح .

فأجاب عنه : بأنّ التعليق إنّما هو في الشرط فقط ، وإنّما يرجع التعليق إلى البيع ، لو كان الشرط مطلقاً بلا اشتراط ، وهو ممنوع(1) .

ففي قوله : «بعتك على أن تخيط إذا جاء رأس شهر كذا» لو رجع الشرط إلى البيع ، لا بدّ وأن تكون الخياطة مطلقة ، وإن كانت الخياطة مشروطة ، يكون البيع مطلقاً غير مشروط ؛ لعدم إمكان رجوع الشرط إليهما ، والمفروض أنّ الشرط للخياطة ، فلا يعقل مع ذلك اشتراط البيع .

وهذا الجواب موافق للتحقيق ، كما أ نّه موافق لما ذكرنا في الشرط ؛ من أنّه ليس من قيود البيع(2) ، وإن كان مخالفاً لما ذهب إليه في الشروط ؛ من رجوعها إلى الموادّ أو المتعلّقات على ما قيل(3) .

فما في تعليقات المحقّقين : من أنّ المراد أنّ الشرط راجع إلى متعلّق الشرط ، لا إلى نفسه(4) مخالف لظاهر كلامه ، لو لم نقل لصريحه ، فراجع .

وكيف كان : لا دليل على اعتبار التنجيز في الشرط عقلاً ولا نقلاً ، بكلا معنييه المشار إليهما .

ص: 318


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 58 .
2- تقدّم في الصفحة 313.
3- مطارح الأنظار 1 : 236 - 237 .
4- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 : 291 .

مسألة في الشرط الصحيح وحكمه

أقسام الشروط من شرط الفعل وشرط النتيجة وشرط الوصف

أقسام الشروط

قد مرّ مراراً : أنّ الشارع الأقدس ، لا اصطلاح له في الموضوعات العرفية المتعلّقة للأحكام(1) ، ومنها الشرط ، فإنّه معنى عرفي ، وموضوع عقلائي ، متداول بين العقلاء في معاملاتهم ، وجميع أقسام الشروط عقلائية شائعة في الأسواق .

سواء في ذلك الشرط المتعلّق بالأفعال كشرط الخياطة والصبغ ، ومنه الشرط المتعلّق بتسليم عين خارجية على صفة كذائية إذا كانت مقدورة ، وإيقاع صفة في المبيع الشخصي فيما إذا كانت مقدورة ، ومنه الشرط المتعلّق بالموضوع الكلّي كاشتراط كون المبيع من صنف خاصّ أو على صفة .

والشرط المتعلّق بالنتائج كشرط كون شيء ملكاً له وشرط الانعتاق ونحوهما ، فإنّه أيضاً عقلائي متداول بينهم .

ص: 319


1- تقدّم في الجزء الأوّل : 206 ، وفي الثالث : 484 ، وفي الرابع : 200 - 201.

وشرط وصف في العين الشخصية المتعلّقة بها المعاملة كشرط كون الحنطة الخارجية المشتراة من محلّ خاصّ أو من صنف خاصّ ، وشرط كون البطّيخ الخارجي حلواً . . . إلى غير ذلك ممّا يتداول بينهم .

ولا ريب في اختلاف أحكام تلك الشروط بينهم :

فحكم شرط الفعل ، لزوم الوفاء به ، والعمل على طبقه .

وحكم شرط النتيجة العمل على طبقه ؛ بمعنى ترتيب آثارها ، كما أنّ أثره حصول النتائج .

وحكم شرط الوصف خيار التخلّف عند فقدانه ، وهذا أيضاً أثر مطلوب ، ولأجله كان اشتراطه متعارفاً بلا ريب .

فما في تعليقات بعض أهل النظر : من الإشكال العقلي فيه ، وإرجاعه إلى الوصف(1) ناشئ من عدم الالتفات إلى ما في الأسواق العقلائية ، ومن توهّم كون الشرط التزاماً بعمل ، أو تعهّداً بشيء ، مع أ نّه أوسع من ذلك ؛ إذ هو قرار خاصّ في البيع ونحوه ، والالتزام المذكور في «القاموس» ونحوه(2) ، ليس المراد منه إلاّ القرار ، لا ما وقع في كلمات الفقهاء أحياناً .

ثمّ إنّ في لزوم التبعية للشروط العقلائية ، لا نحتاج إلى ورود دليل شرعي عليه ، بل ما لم يرد ردع من الشارع الأعظم ، لا بدّ من العمل على طبقها ، والالتزام بها على طبق الالتزامات العقلائية ؛ لأ نّه مع عدم الردع في تلك الاُمور

ص: 320


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 176 .
2- القاموس المحيط 2 : 381 ؛ أقرب الموارد 1 : 583 .

الرائجة ، نستكشف رضا الشارع بها ؛ وأنّ حكمه موافق لحكمهم ، كما في الأمثال والنظائر .

فلو فرضنا أنّ الأدلّة الشرعية لم تشمل بعض تلك الشروط الرائجة ، لا يضرّ ذلك بلزوم اتّباع العرف ، ما لم يستفد منها تصرّف وردع .

دلالة حديث «المؤمنون...» على وجوب الالتزام بالشرط

هذا مع أنّه لا قصور في أدلّة الشروط عن شمول جميع الأقسام المتقدّمة ؛ فإنّ قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «المؤمنون عند شروطهم»(1) مع الغضّ عن الاستثناء والصدر والذيل في الروايات ، يحتمل أن يكون «الشرط» فيه بمعناه الحقيقي ؛ أي نفس القرار بالمعنى المصدري ، أو بمعنى الملتزمات التي يكون استعماله فيها معروفاً مشهوراً .

وعلى أيّ حال : تكون الجملة الخبرية في مقام إنشاء الحكم والتشريع ، لا الإخبار عن الواقع المحفوظ ؛ فإنّه مخالف للواقع ، فإنّ كثيراً من المؤمنين والمسلمين ، لا يعملون بشروطهم ، ولا يلازمونها .

والحمل على أ نّه ينبغي أن يكون المؤمن كذلك ، أو أنّ المؤمن من كان كذا ، ومن لم يكن عاملاً فليس بمؤمن ، كما ترى ، ولا سيّما مع معهودية لزوم العمل بالشروط لدى العرف .

فلا إشكال في أنّ الجملة في مقام التشريع ، بل الجمل الخبرية المفيدة للبعث والزجر ، أبلغ في الإفادة من الأوامر والنواهي .

ص: 321


1- تهذيب الأحكام 7 : 371 / 1503 ؛ وسائل الشيعة 21 : 276 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 20 ، الحديث 4 .

فحينئذٍ يكون الظاهر المتفاهم منه على الاحتمالين ، أنّ المؤمن ملازم لشرطه لا ينفكّ منه ؛ أي لا بدّ له أن يكون ملازماً له غير منفكّ عنه .

والملازمة له مختلفة أثراً وحكماً بحسب الموارد ؛ فملازمة شرط الفعل وعدم الانفكاك عنه ، العمل على طبقه والوفاء به وفياً ، فمن شرط ولم يعمل به ، لم يكن عند شرطه ، بل انفكّ عنه .

ومن لم يعتن بشرط النتيجة ، ولم يلتزم بترتيب آثارها ، لم يكن عند شرطه .

ومن شرط الوصف ، ولم يعتنِ به عند تخلّفه من الالتزام بالخيار ، والتسليم لقبول سلعته ، لم يكن عند شرطه ، وانفكّ عنه ، وهذا من غير فرق بين الاحتمالين .

فمن قال : بأنّ الدليل مختصّ بشرط العمل ، أو أ نّه يعمّ شرط النتيجة أيضاً ، ولا يشمل شرط الوصف(1) فقد حمل الجملة على غير ظاهرها ؛ فإنّه ليس

فيها ما يوجب اختصاصها بالعمل ، وليس عنوان «العمل» و «الوفاء» في الكلام بوجه .

وما قلنا في قوله تعالى : )أَوْفُوا بِالْعُقُودِ((2) من أنّ المراد منه وجوب العمل(3) ، إنّما كان لمكان عنوان «الوفاء» المأخوذ فيه ، وأمّا في المقام فليس عنوانه مأخوذا فيه ، ولا مستفاداً منه ، فلا مانع من الحمل على لزوم الالتزام بنفس الشرط ، أو بالملتزم ، ولا يفرّق بينهما في النتيجة .

ص: 322


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 59 .
2- المائدة (5) : 1 .
3- تقدّم في الجزء الأوّل : 186 .

والحاصل : أنّ عموم قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «المؤمنون عند شروطهم» المستفاد من الجمع المضاف الشامل لجميع أقسام الشروط العقلائية محكم ، إلاّ أن يدلّ دليل على التخصيص ، أو تقوم قرينة على الاختصاص ، كالاستثناء الوارد في نفس الأدلّة .

وأمّا ما ورد في الأخبار : من وجوب الوفاء بما شرط لامرأته ، مستدلاًّ عليه بقوله علیه السلام : «المسلمون عند شروطهم»(1) .

وفي رواية : «فليتمّ للمرأة شرطها ؛ فإنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال : المسلمون عند شروطهم»(2) فلا يكون قرينة على أنّ المراد بالكبرى وجوب الوفاء بالشرط .

كما أنّ ما في جملة من الأخبار : من التعبير ب «يجوز الشرط»(3) ، و«لا يجوز»(4) أو «أنّ الشرط باطل مع مخالفته للكتاب»(5) أو «ردّ إلى الكتاب»(6) . . . إلى غير ذلك ، لا يكون قرينة على إرادة الحكم الوضعي منها .

وذلك لأنّ قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «المؤمنون عند شروطهم»(7) لا يكون مفاده الأوّلي

ص: 323


1- وسائل الشيعة 18 : 17 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 6 ، الحديث5 ، و21 : 299 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 40 ، الحديث 2 .
2- الكافي 5 : 404 / 8 .
3- وسائل الشيعة 18 : 16 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 6 ، الحديث 3 .
4- وسائل الشيعة 18 : 16 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 6 ، الحديث 1 و2 .
5- وسائل الشيعة 18 : 16 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 6 ، الحديث 3 .
6- وسائل الشيعة 18 : 17 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 6 ، الحديث 4 .
7- تقدّم تخريجها في الصفحة 321، الهامش 1.

- على ما ذكرناه - إلاّ لزوم كون المؤمنين عند شروطهم ؛ ضرورة أنّ الجمل الإخبارية التي تستعمل في مقام إفادة الحكم ، لا تستعمل في الإنشاء ، لكن يستفاد منها البعث أو الزجر أو الإلزام ، بوجه أبلغ ، وتكون الجملة الإنشائية المصطادة منها ، غير مخالفة لها إلاّ في الإخبار والإنشاء .

فقوله : «تعيد صلاتك» في مقام الأمر بالإعادة ، يصطاد منه أعد صلاتك .

وقوله صلی الله علیه و آله وسلم : «المؤمنون عند شروطهم» في مقام الإلزام والإنشاء ، يصطاد منه «فليكونوا عند شروطهم» أو «فليلتزموا بشروطهم» . . . ونحوهما ، فوجوب الوفاء بها وجوازها ، وصحّتها ونفوذها ، كلّها خارجة عن مفاده الظاهري ، وإن كانت مستفادة منه .

فتمسّك الأئمّة بقوله صلی الله علیه و آله وسلم لوجوب الوفاء تارة ، وللجواز واللا جواز والبطلان المقابل للصحّة اُخرى صحيح ؛ لأ نّها كلّها مستفادة منه ، ولكن ليس شيء منها مفاده المطابقي ، بل تستفاد منه بالملازمة الظاهرة كما تقدّم بيانه(1) .

فالعموم الشمولي لا بدّ وأن يؤخذ به ، وهو يشمل جميع الأقسام المتقدّمة ، ولا قرينة على صرفه عن بعضها بوجه .

ولو شكّ في واحد منها ؛ بأ نّه هل هو مخالف للكتاب ؟ - سواء كان شرط وصف ؛ لاحتمال أنّ شرط الوصف مطلقاً أو الوصف الكذائي ، مخالف له ، أم شرط نتيجة ؛ لاحتمال أنّ الغايات مطلقاً أو غاية خاصّة ، لها سبب خاصّ شرعاً ، أم شرط فعل ؛ لاحتمال أنّ شرط الفعل الكذائي ، مخالف له - مع عدم مخالفة

ص: 324


1- تقدّم في الصفحة 321 - 322.

شيء منها لظاهر الكتاب والسنّة التي بأيدينا ، كان منشأ الشكّ لا محالة ، احتمال مخالفتها للأحكام الواقعية التي لم تصل إلينا :

إمّا لكونها مخزونة عند وليّ الأمر ، عليه آلاف التحيّات ، وهو مأمور بتبليغها حال ظهوره وبسط يده ، عجّل اللّه تعالى فرجه .

وإمّا لضياع بعض الكتب أو بعض الأحاديث ؛ من الكتب التي بأيدينا ، في تلك المدّة الطويلة مع الحوادث الواقعة فيها .

فينسدّ إذن باب التمسّك بأدلّة الشروط مطلقاً ، ولا يختصّ الإشكال بشروط النتائج ، والاُصول التي تمسّكوا بها ، أو يمكن أن يتمسّك بها لإحراز موضوع دليل الشرط ، مخدوشة وغير جارية ، كما تقدّم الكلام في بعض(1) ، ويلحق به غيره ؛ لاشتراك الجميع في الإشكال .

والذي يسهّل الخطب ، أنّ احتمال المخالفة للأحكام غير الواصلة ، لا يعتنى به ، ولا يمنع عن الأخذ بإطلاق الأدلّة وعمومها :

وذلك أمّا في الأحكام المخزونة ؛ فلأنّها - على فرض ثبوتها - إنشائية ، لم يأن أوان تبليغها وفعليتها ، ومخالفتها اليقينية أيضا لا مانع لها .

وأمّا احتمال الضياع ، مع كونه موهوماً لا يعتني به العقلاء ، وخلاف الاُصول العقلائية في الاحتجاجات ، وفي مقابل الحجج القائمة ، ولا سيّما في المورد ؛ ممّا يعلم كمال اهتمام أصحابنا من عصر النبوّة ، إلى أعصار الأئمّة علیهم السلام وما بعدها ، على ضبطها وحفظها ، ممّا يوجب الاطمئنان بعدم الضياع .

ص: 325


1- تقدّم في الصفحة 271.

فلأنّ تلك الاُمور العقلائية الشائعة بينهم ، المتداولة في أسواقهم صباحاً ومساء ، لو تصرّف الشارع الأقدس فيها ، وسلك في الأسباب العقلائية والشروط المتداولة في النتائج وغيرها ، غير ما سلكه العقلاء ، لصار شائعاً في الأعصار والأمصار ؛ لأنّ التصرّف في السوق وقلبه إلى غير ما لدى العقلاء ، أمر لا يعقل خفاؤه على المسلمين ، فضلاً عن علمائهم .

فيعلم من ذلك : أ نّه لم يكن دليل على ذلك ، وكان التشريع غير متعرّض لأسباب المعاملات ولا نفسها ، إلاّ ما وصل إلينا .

هذا مضافاً إلى أنّ احتمال التصرّف في سبب ، أو في فعل من الأفعال ، أو وصف من الأوصاف - لأجل احتمال كون ما احتمل ضياعه متكفّلاً له - نظير الاحتمال في الشبهة غير المحصورة ؛ ممّا قلنا في محلّه : إنّ في كلّ طرف منها ، قامت الأمارة العقلائية على عدم الشوب فيه ، وإنّ الاعتناء به يعدّ من الوسوسة ، والخروج عن الاستقامة الفكرية(1) .

هذا في العلم الإجمالي ، فما ظنّك بالاحتمال الموهوم في الموهوم ؟ !

فلا ينبغي الإشكال في نفوذ الشرط ، عند عدم الدليل في الكتاب والسنّة على المنع منه ، من غير فرق بين النتائج وغيرها .

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه ، قاس شرط النتيجة بنذر النتيجة(2) ، فكأ نّه أراد تقريب الصحّة في الشرط بذلك .

ص: 326


1- أنوار الهداية 2 : 217.
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 61 .

وفيه : أ نّه لا إشكال في صحّة شرط النتيجة عند العقلاء ؛ فإنّه قرار خاصّ كسائر القرارات العقلائية .

وأمّا النذر ، فلا ينبغي الإشكال في بطلانه ، إذا تعلّق بالنتائج ؛ على نحو ما في المقام من شرط النتيجة ، فإنّ اعتبار النذر هو العهدة للّه تعالى ، فلا معنى محصّل لقوله : «للّه عليّ أن يكون هذا لزيد» بل لا معنى محصّل للنذر إلاّ ما تعلّق بالأفعال .

وإن شئت قلت : إنّ ماهية النذر تخالف تعلّقه بالنتائج ، إلاّ فيما يرجع إلى اللّه ، كنذر الحجّ أو الصلاة ، إن لم يرجع ذلك إلى نذر العمل ، بخلاف ماهية الشرط ، فتدّبر جيّداً .

في إمكان إيقاع عنوان من عناوين المعاملات بالشرط

ثمّ إنّه هل يمكن إيقاع عنوان من عناوين المعاملات بالشرط ، كما يمكن اشتراط نتائجها ؛ بحيث يوجد بالشرط عنوان المعاملة كالبيع ، ويترتّب عليه آثاره ؟

التحقيق : التفصيل بين عناوين المعاملات .

فمنها : ما لا يمكن حصوله بالشرط ؛ وهو كلّ عنوان لا يصحّ جعله ابتداء ومستقلاًّ ، بل كان ممّا ينتزع بعد إنشاء المعاملة ، كالبيع ، والإجارة ، ونحوهما .

فكما لا يصحّ جعل عنوان المبيعية والثمنية ، ابتداء للمبيع والثمن ، بل كان عنوان المبيعية لهذا ، والثمنية لذاك ، ينتزع بعد إنشاء المعاملة منه ، فيقال : «هذا مبيع ، وذاك ثمنه» كذلك لا يصحّ إيجاد مثله بالشرط ، وعليه فقوله : «اشترطت

ص: 327

أن يكون هذا مبيعاً ، وذاك ثمناً» لغو لا يفيد شيئاً .

ومنها : ما يمكن حصوله به ، وهو كلّ عنوان يصحّ جعله ابتداءً ، ويترتّب الأثر عليه عرفاً بعد تمامية شروطه ، كالوكالة ، والوديعة ، والعارية ، والرهن ، والقرض ، والشركة ، فضلاً عن الوصاية والولاية .

فكما يصحّ أن يقال : «أنت وكيلي» و «هذا وديعة» أو «عارية» أو «رهن» أو «قرض» فيستقلّ ما ذكر بالجعل ، يصحّ جعله بالاشتراط أيضاً ، فإذا قال : «بعتك هذا على أن تكون وكيلي في ذاك» فقبل ، يتحقّق عنوان «الوكالة» .

وكذا لو قال : «على أن يكون هذا وديعة» أو «رهناً» أو «قرضاً» وأمثال ذلك ، فلا يشكّ العرف في أمثال ذلك ؛ في تحقّق العناوين المذكورة بالشرط .

فما في تعليقات بعض : من الإشكال بأنّ المقابل لا يحصل بالمقابل ، والماهية بشرط لا لا تحصل بالماهية بشرط شيء(1) ناشئ من عدم التوجّه إلى الاُمور العقلائية .

ثمّ إنّه على ما ذكرنا في الصنف الأوّل : من عدم تحقّق العنوان الموضوع للأثر بالاشتراط ، فهل يصحّ شرط كون هذا بدل هذا ، بأن يقال : «بعتك هذا بهذا على أن تكون هذه العين لك بذاك المال» ؟

وهل يتحقّق به عنوان «البيع» وتترتّب عليه آثاره ؟

الظاهر صحّة هذا الشرط ، وتحقّق المبادلة به ، وأمّا صدق عنوان «البيع» فيتوقّف على أن تكون ماهية البيع مجرّد مبادلة مال بمال ، من غير دخالة شيء

ص: 328


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 182 .

آخر فيها ، وهو محلّ إشكال ؛ لأنّ المبادلة قد تحصل بأسباب اُخر غير البيع ، وليس شيء منها بيعاً .

وكذا الحال في الإجارة والصلح وأشباههما ، فهي عناوين خاصّة غير نفس النتائج ، وليست منتزعة منها ، ولا يساعد العرف على حصول العناوين بما ذكر من الشرط .

ولو شرط النتيجة قاصداً به حصول العنوان ، فهل يبطل الشرط مع عدم حصوله ، أو يصحّ الشرط ؟

الظاهر صحّته ، ولا يضرّ بها عدم حصول العنوان ، إلاّ أن يكون على نحو التقييد ، فما في بعض التعليقات من البطلان(1) ، ليس وجيهاً بإطلاقه .

في وجوب الوفاء بشرط الفعل

ثمّ إنّه ظهر ممّا قدّمناه في مفاد دليل الشرط(2) ، أنّ الظاهر منه وجوب العمل به فيما كان متعلّقاً بالعمل ، ولا سيّما وأنّ لزوم العمل بالشرط عقلائي ، ولا يحمل العقلاء ما ورد من الشارع إلاّ على ما هو المعهود عندهم .

فما قيل أو ربّما يقال : من عدم دلالته على الوجوب ؛ إمّا لأنّ الجملة خبرية لا إنشائية(3) ، أو لأنّ الجمل الخبرية ولو في مقام الإنشاء ، لا تدلّ على الوجوب(4) .

ص: 329


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 304 .
2- تقدّم في الصفحة 321.
3- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 : 293 .
4- اُنظر عوائد الأيّام : 133 .

أو أنّ القرينة قائمة على أنّ الحكم من الأخلاقيات ؛ وهي كون الموضوع «المؤمنون» لعدم الوجه لاختصاصه بهم(1) .

أو لاحتمال كونه كناية عن الصحّة والنفوذ ، أو اللزوم الوضعي(2) .

أو لأنّ ا لحمل على ا لحكم ا لإلزامي ، موجب للتخصيص ا لكثير المستهجن(3) . . . إلى غير ذلك ، ممّا يدفعه الظهور العقلائي فيما ذكرناه .

والحمل على الخبرية يوجب الكذب ، وخلاف الواقع في المستثنى والمستثنى منه ؛ ضرورة أنّ المخالفة لهما كثيرة جدّاً .

والجمل الإخبارية أبلغ في إفادة الوجوب من الأوامر ، كما قرّر في محلّه(4) .

وقرينية قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «المؤمنون» ممنوعة ، بل هي قرينة على شدّة الاهتمام وقوّة الوجوب .

والكناية عن الصحّة أو اللزوم ، خلاف الظاهر جدّاً ؛ فإنّ الظاهر من قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «المؤمنون عند شروطهم» عدم انفكاك المؤمن عن شرطه ، فإذا كان في مقام الإنشاء ، لا يفهم منه إلاّ لزوم ذلك ، وهو معنى الوجوب في شروط العمل ، وجعل هذا كناية عن الصحّة والوضع ، يحتاج إلى التكلّف والحمل على خلاف الظاهر .

وقضيّة لزوم تخصيص الأكثر باطلة ؛ فإنّ ما هو من شروط صحّة الشرط ،

ص: 330


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 : 22 و293 .
2- اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 183 .
3- اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 185 .
4- مناهج الوصول 1 : 199 ؛ تهذيب الاُصول 1 : 145 .

لا يفرّق فيه بين الحمل على الوجوب أو غيره .

مع أنّ الشرط الباطل ليس مشمولاً للدليل ، ولا سيّما بعض الشروط ، والشروط في ضمن العقود الجائزة - مع الغضّ عن كونها واجبة العمل ما دام لم يفسخ العقد ، وإن كان له رفع موضوعها بالفسخ - لا تعادل الشروط في العقود اللازمة كالبيع ونحوه ، بل هي أكثر بما لا يقاس بها غيرها ، والميزان في التخصيص المستهجن إخراج أكثر الأفراد وإبقاء النادر ، وليس الميزان أنواع المعاملات ، كما قرّرنا في محلّه(1) .

ثمّ إنّه ربّما يستدلّ للوجوب ، بقوله صلی الله علیه و آله وسلم : «المسلمون عند شروطهم ، إلاّ من عصى اللّه» بناءً على أنّ المراد عصيان اللّه بعدم العمل بالشرط(2) .

وهو مشكل ؛ لأنّ الظاهر منه عصيان اللّه باشتراطه ؛ بأن يشترط على الغير إتيان محرّم ، أو ترك واجب ، كما تشهد به رواية «الدعائم» : «المسلمون عند شروطهم ، إلاّ شرطاً فيه معصية»(3) .

والحمل على ما ذكر - مضافاً إلى أ نّه خلاف الظاهر - يوجب حمل الاستثناء على الانقطاع ، وإلاّ لا يستقيم إلاّ أن تكون الجملة إخبارية ، فيكون المراد أنّ كلّ مؤمن يعمل بشرطه إلاّ العصاة : فحينئذٍ لا يتمّ المقصود .

ص: 331


1- بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر ، الإمام الخميني قدس سره : 53 ؛ تنقيح الاُصول (تقريرات الإمام الخميني قدس سره) التقوي الاشتهاردي 3 : 600 .
2- اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 184 .
3- دعائم الإسلام 2 : 54 / 143 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 300 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 5 ، الحديث 3 .

نعم ، يدلّ على الوجوب العلوي المتقدّم(1) : «من شرط لامرأته شرطاً فليف لها به ؛ فإنّ المسلمين عند شروطهم»(2) . . . إلى آخره .

عدم تعلّق الوجوب الشرعي بعنوان الشرط

بقي شيء : وهو أنّ الوجوب المستفاد من دليل الشرط - على ما تقدّم(3) - هل هو وجوب شرعي متعلّق بعنوان «الشرط» كما يقال في قوله : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(4) ، من تعلّق الوجوب بعنوان «الوفاء» ؟

ولازم ذلك مخالفة تكليفين إذا لم يعمل بالشرط ، ولم يف بالعقد ، بل مخالفة تكاليف عديدة إذا لم يعمل بالشرط ؛ من ترك العمل بالشرط ، وترك العمل بالعقد المتضمّن للشرط ، أو العقد بناءً على أنّ الشرط أيضاً عقد ، وحبس حقّ الغير ، والظلم . . . وغير ذلك .

والتحقيق أن يقال : إنّه إن قلنا : بأنّ الشروط في قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «المؤمنون عند شروطهم»(5) عبارة عن الملتزمات بالحمل الشائع ، كالخياطة ، والكتابة ، ونحوهما ؛ بأن يكون متعلّق الوجوب نفس تلك العناوين ، ووجوب ردّ حقّ الغير

ص: 332


1- تقدّم في الصفحة 235 و323 .
2- تهذيب الأحكام 7 : 467 / 1872 ؛ وسائل الشيعة 18 : 17 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 6 ، الحديث 5 .
3- تقدّم في الصفحة 329 .
4- المائدة (5) : 1 .
5- تهذيب الأحكام 7 : 371 / 1503 ؛ وسائل الشيعة 21 : 276 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 20 ، الحديث 4 .

أيضاً ، راجعاً إلى وجوب الخياطة والكتابة بعنوانهما ، فلا يعقل تعلّق حكمين ولو متماثلين بعنوان واحد ، بل لا بدّ من رفع اليد عن أحدهما .

وإن قلنا : بأنّ الشروط هي المعاني المصدرية ؛ أي نفس القرار ، أو هي الملتزمات بعنوان الملتزم الانتزاعي ، فلا مانع عقلاً من تعلّق تكاليف متعدّدة بالعناوين كذلك ، وإن انطبقت في الخارج على موضوع واحد ، كوجوب إكرام العالم ، ووجوب إكرام الهاشمي .

فهنا وجوبان متعلّقان بعنوانين منطبقين على موضوع واحد ، وتوهّم التأكّد عند الاجتماع(1) فاسد جدّاً ، كما حقّق في محلّه(2) ، فلا مانع عقلاً من وجوب الوفاء بالعقد وبالشرط ، ووجوب ردّ مال الغير أو حقّه .

لكنّ الحقّ : أ نّه فرق بين العناوين النفسية ، كالعالم ، والهاشمي ، والعناوين الآلية التوصّلية ، كالعقد ، والشرط ، ونحوهما ؛ ممّا هي وصلة إلى اُمور اُخر ، فإنّ في تلك العناوين ، لا ينقدح في أذهان العقلاء ، أنّ الوجوب متعلّق بنفسها بل الظاهر منها عرفاً ، أنّ ما هو واجب هو ردّ مال الغير ، وأداء حقّه .

فلا يستفاد من قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «المؤمنون عند شروطهم» إلاّ وجوب العمل على طبقه ؛ بمعنى وجوب الخياطة والكتابة .

والوجوبات المتعدّدة حسب العناوين المتعدّدة إلى ما شاء اللّه ، أمر ينبو عنه الذهن السليم ، وما هو عند العرف ليس إلاّ المطالبة بنتيجة الشرط ؛ لأجل تعلّقه بالعمل ، لا وجوب موافقة القرار بما هو كذلك ، فالوجوب في أمثاله ، ناشئ من

ص: 333


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3 : 33 و45 .
2- أنوار الهداية 1 : 97.

الحقّ الثابت للغير ، بناءً على ثبوته كما هو الحقّ .

ولو سلّم تعلّقه بتلك العناوين التوصّلية ، فهو وجوب لا يترتّب عليه أثر من الإثابة والعقاب ، نظير الوجوب المقدّمي .

الاشتراط موجب لثبوت الحقّ

ثمّ إنّه لا إشكال في ثبوت الحقّ ، واستحقاق المشروط له على المشروط عليه العمل بشرطه ، لا لدلالة قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «المؤمنون عند شروطهم» على ذلك ؛ لأنّ كون المؤمن عند شرطه ، لا يلازم كون الشرط على عهدته ، أو حقّاً ثابتاً عليه ، ولا لكون شرط العمل نظير الإجارة ؛ فإنّ القياس مع الفارق ، واعتبار الإجارة يخالف اعتبار الشرط .

بل لأنّ الاستحقاق وثبوت الحقّ ، أمر عقلائي في الشروط العقلائية ، والشارع الأقدس لم يأت فيها بأمر مخالف لما في أيدي العقلاء ، وإن تصرّف فيها ببعض التصرّفات ، وقضيّة جواز مطالبة المشروط عليه بالعمل بشرطه ، بل وجواز إلزامه عليه ، وصحّة إسقاط حقّه وتأجيله ، كلّها عقلائية .

ويستفاد من دليل الشرط نفوذ ما لديهم من الشروط وأحكامها ، من غير فرق بين شرط عمل له ، أو لأجنبيّ ، فلو شرط إعطاء شيء لأجنبيّ أو عمل له ، كان له حقّ المطالبة والإسقاط ؛ إذ هو المشروط له ، دون الأجنبيّ ؛ لعدم انفكاك الشرط عن الأغراض العقلائية ، والأجنبيّ أجنبيّ وإن كان نفع الشرط يعود إليه .

بل لو كان الشرط يعود نفعه إلى المشروط عليه بوجه ؛ كأن شرط الأب على

ص: 334

ابنه إتيان فريضة الصلاة - فيما إذا كان متساهلاً - كان الأب مشروطاً له ، وله المطالبة والإسقاط ، ومع عدم الإتيان الخيار .

تخيير المشروط له بين الإجبار والفسخ

ثمّ إنّه لا ينبغي الإشكال ، في أنّ المشروط له مخيّر بين الإجبار والفسخ :

أمّا الأوّل : فلأنّه مقتضى حقّه ، ولا إشكال في أنّ الحقّ مطلق ؛ لا اشتراط فيه ولا تقييد .

وأمّا الفسخ : فلأ نّه مع التخلّف ، يثبت خيار التخلّف عند العقلاء ، من دون توقّف على التعذّر ، فبمجرّد التخلّف عن الشرط ، يثبت الخيار العقلائي ؛ لتخلّفه عن القرار والشرط .

فما في بعض التعليقات : من عدم إمكان الجمع بين حقّ الإجبار وحقّ الخيار(1) ناشئ من توهّم كون الخيار مترتّباً على تعذّر الشرط ، وهو فاسد ، يظهر وجهه من الرجوع إلى بناء العقلاء ، ولا دليل معتدّ به على الخيار إلاّ ذلك .

وأمّا دليل نفي الضرر(2) فقد مرّ مراراً ما فيه(3) ، مع أ نّه مع الغضّ عن الإشكال فيه ، لا يثبت الخيار بالمعنى المعهود ، والإجماع التعبّدي غير ثابت ، بعد كون القضيّة عقلائية .

كما أنّ التشبّث لإثباته بما في بعض التعليقات : من تقيّد الالتزام أو الملتزم ، أو

ص: 335


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 : 297 .
2- راجع وسائل الشيعة 25 : 427 ، كتاب إحياء الموات ، الباب 12 .
3- تقدّم في الجزء الثاني : 329 ، وفي الصفحة 134 .

وحدة العقد حقيقةً(1) تكلّف لا ينبغي أن يصغى إليه .

فقول الشيخ الأعظم قدّس سرّه : لا نعرف مستنداً للخيار مع التمكّن من الإجبار(2) ، منظور فيه ؛ لما عرفت من المستند .

ثمّ إنّ الإجبار المذكور هاهنا وفي أمثال ذلك ، من الحسبيات المربوطة بالحاكم الشرعي مع بسط يده ، فليس لصاحب الحقّ حبس الطرف أو زجره ؛ لكي يوفي حقّه ، وإن كانت له المطالبة ولو بالشدّة والخشونة .

وعند عدم بسط يده ، فالأمر راجع إلى عدول المؤمنين ، ومع التعذّر فله إلزامه ، وله الرجوع إلى حكّام الجور لإحقاق حقّه .

واحتمال استفادة جواز الإلزام بأيّ نحو من أدلّة الدفاع عن المال(3) ومن مثل قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «من قتل دون مظلمته فهو شهيد»(4) في غير محلّه ، بعد ما لم يكن ذلك على القواعد ، ولم يكن مصداقاً للدفاع ، حتّى يقال : إنّه عقلائي ، بل كان ممّا

يستفاد لزومه أو جوازه من الأدلّة الشرعية .

ثبوت الإلزام حتّى في العقود الجائزة

ثمّ إنّ جواز الإلزام ووجوب العمل ، من أحكام الشروط مطلقاً ، سواء كانت في ضمن العقد اللازم أو الجائز ، بناءً على ما تقدّم ؛ من أنّ الشرط مستقلّ في

ص: 336


1- اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 332 و334 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 71 .
3- راجع وسائل الشيعة 15 : 119 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد العدوّ ، الباب 46 .
4- الكافي 5 : 52 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 6 : 167 / 316 ؛ وسائل الشيعة 15 : 121 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد العدوّ ، الباب 46 ، الحديث 8 .

الجعل وإن وقع في ضمن العقد(1) ، فهو واجب العمل حتّى ولو كان في ضمن العقد الجائز ، غاية الأمر أنّ للطرف حلّ العقد ، وبه ينتفي الشرط .

وأمّا بناءً على ما قيل : من أنّ الشروط قيود للعقود ، أو للمعقود عليه(2) ، أو أنّ المعاملة المشتملة على الشرط ، ليست إلاّ معاملة واحدة خاصّة ، كما قيل(3) ، فيشكل الوجوب في الشروط في العقود الجائزة ؛ فإنّ الشرط يكون تبعاً له في الجواز واللزوم .

فما وقع من بعض السادة ؛ من الجمع بين الوجوب ما دام العقد باقياً ، وبين وحدة المعاملة(4) كأ نّه في غير محلّه ، هذا بالنسبة إلى حكم الشرط .

ثبوت الخيار إن كان للشرط دخالة في القيم

وأمّا التخلّف الموجب للخيار ، فهو إنّما يثبت ، فيما إذا كان للشرط نحو دخالة في القيم والأغراض بحسب اللبّ ، وإن لم يكن قيداً بوجه من الوجوه ، كما تقدّم الكلام فيه(5) .

وأمّا إذا لم يكن كذلك ، كما إذا أراد الاشتراط لا المعاملة ، وإنّما أوقع المعاملة ؛ لأجل تحقّق الشرط والتخلّص عن كونه ابتدائياً ، كما لو صالحه على

ص: 337


1- تقدّم في الصفحة 313 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 332 .
3- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 334 .
4- اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 335 .
5- تقدّم في الصفحة 313 - 315.

جوز بلوز ، وشرط في ضمنه ما هو المقصود ، فله إلزامه ؛ للحقّ الثابت له بالشرط ، ولكن لا خيار له لو تخلّف ؛ لعدم ما هو المناط فيه عند العقلاء ، بل ولا تأتي فيه الوجوه الاُخر المتشبّث بها للخيار ، فتدبّر .

الشروط التي يجوز للحاكم الإجبار عليها وغيرها

اشارة

ثمّ إنّ ما أشرنا إليه : من أنّ له حقّ الإجبار بالرجوع إلى الحاكم المنصوب لأمثال ذلك ، لا إشكال فيه في مثل الشروط التي لا تحتاج إلى إنشاء وقصد وتقرّب ، مثل خياطة الثوب وصبغه .

وأمّا ما يحتاج إلى الإنشاء كالمعاملات ونحوها ، فمع استنكافه عنها ، هل يجبره الحاكم على إيقاعها ، ويسقط اعتبار الرضا والاختيار ؛ لكون الإكراه بحقّ ، نظير إكراه المحتكر على بيع ما احتكره ، ومع تعذّر ذلك يقوم الحاكم مقامه في الإنشاء والإيقاع لولايته على الممتنع ، أو يقوم الحاكم مقامه في إيقاعه ابتداء ؟ لكلّ وجه .

وتوهّم : عدم ولايته على الشخص العاقل الحاضر ، كما صدر من بعض الأعاظم قدّس سرّه (1) في غير محلّه .

وكذا الحال فيما يحتاج في تحقّقه إلى قصد التقرّب ، مع كون ذات العمل قابلاً للإلزام ، كالصدقة على الفقراء ، فإنّها إعطاء بقصد القربة ، فيمكن أن يقال : بإلزامه بالإعطاء ، ويقوم الحاكم مقامه في قصد التقرّب ، كالإجبار على إعطاء الزكاة والخمس .

ص: 338


1- منية الطالب 3 : 252 .

أو يقال : يقوم الحاكم مقامه في الإعطاء أيضاً .

وأمّا بعض الشروط التي يتقوّم تحقّق ماهيتها بالقصد ؛ بحيث لا يصدق عليها العنوان بدونه ، كالصوم والصلاة ، حيث إنّ الصوم ليس مجرّد ترك المفطرات للّه ، بل عنوان لا يحصل إلاّ بالقصد ، ولا يمكن إلزامه بإيجاده .

وكذا الصلاة ، ليست مجرّد القراءة والانحناء إلى حدّ الركوع ، ووضع الجبهة على الأرض ، بل تتقوّم بالقصد ، فلو أتى بالقراءة لكونها قرآناً ، وقصد القربة ، ووضع جبهته على الأرض للّه ، لا بعنوان الصلاة ، وكذا أتى بصورة سائر الأجزاء بلا قصد العنوان ، لا تتحقّق الماهية ، حتّى على القول بالأعمّ في عناوين العبادات .

ففي مثلها لا يعقل الإلزام والإجبار ؛ لعدم إمكان إلزامه على القصد ، وقيام الحاكم مقامه غير معقول ؛ لعدم تحقّق العنوان بقصد الحاكم .

فلو استنكف عن العمل في مثل تلك الشروط ، يجبره الحاكم على استئجار شخص لإتيانها ، أو يأخذ منه قيمة العمل ، ويستأجر غيره ، إلاّ أن يكون الشرط مقيّداً بالمباشرة ، فيتعذّر حينئذٍ ، لكن عليه اُجرة العمل ، فيأخذها منه ، ويردّها

إلى المشروط له .

وبالجملة : في جميع الشروط التي لها مالية ، وللمشروط له حقّ متعلّق به ، يجبر الحاكم المشروط عليه على إيجاده ، ومع عدم الإمكان يجبره على إعطاء خسارته ، فلو شرط خياطة ثوب خاصّ فأتلفه ، تؤخذ منه قيمة الثوب والخياطة ، أو قيمة الثوب المخيط ، وكذا الحال في نظائره .

بقي اُمور:

ص: 339

الأمر الأوّل في حكم الشرط المتعذّر

لو تعذّر الشرط ، فإمّا يكون التعذّر حال العقد ، كأن شرط الوصف وكان فاقداً له ، أو شرط النتيجة ولم تتحقّق لمحذور ، ككون العين معدومة ، أو موقوفة ، أو شرط الفعل المتعذّر لعدم القدرة عليه ، أو لفقد المورد ، أو يكون طارئاً بعده .

فعلى الأوّل : هل الشرط باطل ، ولا يترتّب عليه الخيار ، أو يترتّب ولو كان الشرط باطلاً ، أو الشرط صحيح ، وله الخيار ؟

وجوه سيأتي التعرّض لها عند الكلام في أنّ الشرط الفاسد ، موجب للخيار أم لا(1) .

والظاهر أنّ الشرط صحيح ؛ يترتّب عليه الخيار ، من غير فرق بين أقسامه :

أمّا في شرط الوصف ؛ فلأ نّه لا أثر له إلاّ ترتّب الخيار عند فقده ، وهذا الأثر مترتّب عليه عند العقلاء بمجرّد فقد الوصف ، فلا وجه لفساده .

وأمّا في شرط النتيجة ؛ فلأنّ له أثرين :

أحدهما : النقل ، فمع التعذّر لا يترتّب عليه .

ثانيهما : الخيار إذا تعذّر ، وهذا مترتّب عليه عند العقلاء بمجرّد عدم تحقّق النتيجة ، ومع ترتّب مثل هذا الأثر عليه لا يقع باطلاً .

وحيث إنّ الخيار في هذين القسمين ، إنّما يترتّب على مجرّد تعذّر الشرط ،

ص: 340


1- يأتي في الصفحة 368 .

الذي هو فقدان الوصف ، وعدم إمكان النقل ، فلا معنى في مثله لبطلان الشرط .

وأمّا في شرط الفعل ، فلما قد تقدّم الكلام فيه في شروط صحّة الشرط مستقصىً(1) .

ونقول هاهنا : إنّ الخيار لم يترتّب على تخلّف الشرط اختياراً ، بل رتّب على مطلق التخلّف ، فلو شرط - غفلة عن الواقع - شرطا متعذّرا ، كان له الخيار لتخلّف الشرط ولو بلا اختيار منه ، كما لو ترك العمل بالشرط لكره أو اضطرار أو نحو ذلك ، ومع وجود الأثر له لا يقع باطلاً .

وقد سبق : أنّ الخيار لم يرتّب على ترك الشرط الواجب(2) ، حتّى يقال : مع عدم القدرة لم يكن الشرط واجب العمل على مسلك القوم .

مضافاً إلى ما سلكنا في محلّه ؛ من أنّ التكاليف عامّة وشاملة للقادر والعاجز ، كما هي عامّة للعالم والجاهل ، ولا تنحلّ إلى خطابات حسب أفراد المكلّفين ، فراجع محالّه(3) .

وعلى ذلك : لو فرض ترتّب الخيار على تخلّف الشرط الواجب ، يثبت له الخيار .

نعم ، لو قيل بترتّبه على تخلّفه من غير عذر ، فلا خيار ، لكنّه في كمال السقوط .

وتوهّم : أنّ الخيار إذا كان مترتّباً على الشرط الصحيح ، فتصحيحه بهذا الخيار

ص: 341


1- تقدّم في الصفحة 227 - 229.
2- تقدّم في الصفحة 227 - 228.
3- مناهج الوصول 2 : 17 - 20 و51 - 52 ؛ أنوار الهداية 2 : 204 - 206 .

دوري في غير محلّه ؛ لأنّ أمثال المورد ، لا تكون من الدور المصطلح المستحيل ، فيصحّ أن يقال : إنّ الخيار ثابت في الشرط الصحيح ، ولو من ناحية هذا الخيار وبلحاظه .

وبعبارة اُخرى : لا بدّ وأن يكون الشرط عقلائياً ، ويكفي فيه أن يترتّب عليه الخيار ، فلا دور ، كما أنّ شرط الخيار صحيح ، مع أنّ فيه أيضاً هذا التوهّم .

هذا حال الخيار .

عدم ثبوت الأرش عند تعذّر الشرط

وأمّا الأرش ، فالظاهر عدم ثبوته فيما إذا كان الفعل متعذّراً ؛ لأجل عدم القدرة عليه ، كما لو شرط عليه خياطة ثوب موجود ، ولم يكن قادراً عليها ، أو شرط إعطاء عين موجودة كان عاجزاً عن إعطائها ، فإنّ الظاهر في هذا القسم ، الرجوع إلى العوض إن كان الشرط مالياً ؛ فإنّ الشرط في الماليات ، يثبت به حقّ مالي على الطرف ، والحكم الوضعي لا يتوقّف على القدرة ، فللشارط حقّ خياطة هذا الثوب ، وإعطاء ذلك المال .

فمع تعذّره ، يرجع إلى العوض في مثل شرط الخياطة ؛ أي العمل الذي له مالية ، وإلى قيمة حقّه ؛ فيما إذا تعلّق الشرط بإعطاء ما له قيمة ، وكان موجوداً ، ولكن تعذّر تسليمه ؛ فإنّ للحقّ في مثله قيمة يصحّ الرجوع إليها ، فلا مورد للأرش في أمثال الفرض .

وأمّا في غيره من سائر الشروط ، ومنها شرط فعل لا يعتبر فيه الحقّ عقلاً ، أو عند العقلاء ، كما لو شرط إعطاء عين كانت معدومة ، أو خياطة ثوب كذلك ، فهل

ص: 342

يثبت فيها الأرش ، أم ليس له إلاّ الخيار ؟

قد يقال : بثبوت الأرش ، وأ نّه على القاعدة ؛ بدعوى أنّ الشرط وإن لم يقع بإزائه العوض في مقام الإنشاء ، إلاّ أ نّه يقابل به في عالم اللبّ ؛ فإنّ له قسطاً من الثمن ، ومقتضى هذه المقابلة ، جواز الفسخ ، وجواز الأرش .

ولا مانع من أن يكون مال واحد ، مقابلاً بشيئين في عالمين طوليين ، وإنّما المحال كونه مقابلاً بشيئين في عرض واحد(1) .

وفيه ما لا يخفى ؛ فإنّه إن كان المراد ب «المقابلة في عالم اللبّ» أ نّه تقع معاوضة في عالم اللبّ ، ومعاوضة اُخرى في عالم الظاهر ، فهو بمكان من الضعف ؛ ضرورة أ نّه لا يرجع شيء من المعاملات العقلائية إلى معاملتين ومعاوضتين ، فلا معاوضة إلاّ الإنشائية الظاهرية ، وفيها لم يقع الشرط مقابلاً بشيء من الثمن ، كما اعترف به .

مع أنّ لازمه الرجوع بما قابله ، لا الأرش ، والعذر بأنّ الأرش لأجل وقوع المعاملة ظاهرا وفي عالم الإنشاء ، بين العين وتمام الثمن(2) ، يهدم أساس الأرش .

مضافاً إلى أ نّه يتمّ على فرض المقابلة اللبّية ، فلا أثر لها في باب المعاملات المتقوّمة بالإنشاء .

وإن كان المراد : أنّ القيم في الأعيان ، تختلف بحسب الشروط ، وأنّ لها دخالة في ازدياد القيم ونقصانها ، كما هو المراد من قولهم : «للشرط قسط من الثمن»

ص: 343


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 339 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 340 .

فهو مسلّم ، لكن لا ينتج ما هو المقصود ؛ من إثبات كون الأرش على القواعد .

نعم ، لا يبعد القول بالأرش في بعض الصور بحسب الحكم العقلائي ، كما قلنا في خيار العيب : إنّ الأرش عقلائي(1) ، لكن عند تعذّر الردّ ، لا في عرض حقّ الردّ .

ففي المقام أيضاً ، لو فرض التعذّر فيما هو موجود ، فالظاهر ثبوت الأرش ، وأمّا مع عدم الموجودية ، فلا دليل على ثبوته ، ولا على حقّ المطالبة بقيمة الشرط أو الحقّ ، كما لو شرط إعطاء عين كانت معدومة ، أو خياطة ثوب كان معدوماً ؛ لعدم تعلّق الحقّ بالمعدوم .

بخلاف ما لو كان موجوداً ، ولكن كان العمل فيه متعذّراً ؛ فإنّ له حقّ المطالبة بالقيمة كما مرّ .

وبالجملة : الأرش هاهنا كما في خيار العيب ، ثابت مع تعذّر الردّ ، بل لا دليل على ثبوته لو كان له الفسخ ، وأخذ العوض قيمة أو مثلاً ؛ لعدم ثبوت الحكم العقلائي في غير ما تقدّم ، وعدم دليل آخر عليه ، وما قيل في المقام ، لا يرجع إلى محصّل معتمد .

وممّا ذكرنا ، يظهر الحال في التعذّر الطارئ ؛ بالنسبة إلى حقّ المطالبة والأرش .

نعم ، صحّة الشرط هاهنا أوجه ، إلاّ فيما إذا شرط النتيجة أو الفعل في زمان متأخّر ، وكان متعذّراً فيه ، فإنّ الكلام في مثله هو الكلام في التعذّر الأصلي .

ص: 344


1- تقدّم في الصفحة 17 - 18 و199 .

فالأقوى صحّة الشرط في جميع الفروض ، وثبوت الخيار بتخلّفه ، وثبوت الأرش مع تعذّر الردّ .

الأمر الثاني : حكم تعذّر الشرط مع خروج العين عن سلطنة المشروط عليه
اشارة

الأمر الثاني حكم تعذّر الشرط مع خروج العين عن سلطنة المشروط عليه

أنحاء خروج العين عن سلطنة المشروط عليه

لو تعذّر الشرط ، فإمّا أن تكون العين تالفة حقيقة ، أو تالفة عرفاً ، والمراد بالتالف العرفي ، ما لا يعتبره العرف ملكاً لأحد ، كما لو غرق في البحر ؛ بحيث لم يمكن إخراجه مطلقاً .

وإمّا أن تكون خارجة عن سلطة البائع ، كما لو غصبت أو غرقت ، ولكن كانت بحيث يرجى عودها إلى سلطته .

وإمّا أن تكون خارجة عن سلطته بنقل لازم ، أو رهن ، أو بنقل جائز .

ثبوت الخيار مع خروج العين بالتلف

فقد يستشكل في التلف الحقيقي : بامتناع ثبوت الخيار عقلاً ؛ لأ نّه حقّ متعلّق بالعين أو بالعقد .

فعلى الأوّل : امتناع ثبوته واضح ؛ لأنّ المعدوم لا يعقل أن يكون موضوعاً لشيء .

وعلى الثاني : لازمه التعلّق بالمعدوم ؛ فإنّ العقد إضافة بين العوضين ، ومع معدوميتهما أو معدومية أحدهما ينعدم ، فلا يعقل تعلّق الحقّ به حال العدم ، ولأنّ

ص: 345

الفسخ استرجاع العين ، أو حلّ العقد وإرجاع كلّ عوض إلى صاحبه الأوّل ، ولا يعقل تحقّق ذلك في المعدوم ، هذا في التلف الحقيقي .

وأمّا في التلف العرفي الموجب لسقوط اعتبار الملكية مطلقاً ، فلا يصحّ ثبوت الخيار معه أيضاً ؛ لعدم إمكان استرجاع العين في الملكية ، ولا الفسخ الذي حقيقته حلّ العقد وإرجاع العوضين إلى ملك صاحبهما (1) .

وهذا إشكال ثبوتي عامّ لمطلق الخيارات ، وقد تخلّصوا عنه بما ليس بمرضيّ ؛ وهو أنّ العقد إذا تعلّق بعين شخصية ، فقد تعلّق بشخصيتها وماليتها ، والخيار متعلّق بالعقد ، وعند فسخه ترجع العين بشخصيتها وماليتها إن كانت موجودة ، وإلاّ فبماليتها ؛ إذ العين التالفة وإن كانت معدومة بشخصيتها ، لكن ماليتها موجودة ، والفسخ يتعلّق بها ، ويرجعها بماليتها (2) .

وهذا نظير ما قيل في قاعدة اليد : من أنّ اليد إذا وقعت على عين ، وقعت على شخصيتها ، ونوعيتها ، وماليتها ، فتكون مضمونة بتمام المراتب والجهات ، ومع تلفها شخصاً يبقى ضمان النوعية والمالية(3) .

وقد تقدّم في خيار الغبن وفي بعض المباحث الاُخر ، ما يرد عليه في المقيس(4) والمقيس عليه(5) .

ص: 346


1- اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 4 : 204، و5 : 199 .
2- منية الطالب 3 : 349 ؛ اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 1 : 318 و369 .
3- منية الطالب 1 : 297 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 2 : 318 .
4- تقدّم في الجزء الرابع : 504 - 505 و542 - 543 .
5- تقدّم في الجزء الأوّل : 544 - 545.

وحاصله : منع وقوع العقد على الشيء بجهاته المتحقّقة فيه ؛ بحيث تكون عقوداً متعدّدة ، أو منحلاًّ إليها ، بل ليس إلاّ عقد واحد ومتعلّق واحد غير منحلّ ، ولا سيّما بالنسبة إلى الصفات والإضافات ، حقيقية كانت أو اعتبارية .

بل قد تقدّم فيما سلف : عدم الانحلال بالنسبة إلى الأجزاء أيضاً (1) ، وعلى فرض صحّته فيها ، فلا يصحّ في غيرها بالضرورة .

والحاصل : أنّ العقد متعلّق بواحد شخصي له صفات ، وإضافات ، ومالية ، والكثرة له ، لا للعقد ، ولا لمتعلّقه بما هو متعلّقه ، وانتقال الأوصاف وغيرها تبعي ، لا أ نّه مفاد القرار والعقد ، فبقاء العقد باعتبار المالية ، وتصحيح الفسخ باعتبار إرجاع العين بماليتها ، ممّا لا يرجع إلى محصّل .

مع أ نّه على فرض التسليم لا ينتج ؛ لأنّ ماهية الشيء وسائر أوصافه وإضافاته ، قائمة به ، وتنعدم بانعدامه .

إلاّ أن يقال : إنّ العقد تعلّق بالمالية المطلقة ولو في غير المعقود عليه ، وهو ممّا لا يصحّ التفوّه به .

والتحقيق أن يقال : إنّ البيع عبارة عن المبادلة الإنشائية ، وهي التي تقع تحت الإنشاء ، وتكون مقدورة للمنشئ ، ومتحقّقة في الفضولي وعقد المكره وأمّا النقل الواقعي فهو من الاعتبارات العقلائية ، ولا يعقل تعلّق الإنشاء به ، وكذا الحال في جميع العقود والإيقاعات ، ومنها الفسخ ، وهو متعلّق بالعقد الناقل إنشاء ، ويحلّ العقد الإنشائي .

ص: 347


1- تقدّم في الجزء الرابع : 375 - 376.

وهذا العقد الإنشائي بما أ نّه متعلّق بالعوضين حال وجودهما ، يكون باقياً اعتباراً ، وليس تابعاً في بقائه لبقاء العوضين ؛ فإنّه ليس من الصفات الخارجية التابعة وجوداً وبقاء للأعيان ، بل له بقاء اعتباري تابع لاعتباره .

وهذا الوجود الاعتباري باقٍ عرفاً حتّى مع تلف العوضين ؛ إذ لا يكون القرار امتداده بامتداد العين زماناً ، ولا تابعاً في البقاء للعوضين ، بل هو نحو اعتبار من الإنشاء والجعل حال وجود العوضين ، وباقٍ في الاعتبار إلى ما شاء اللّه ، من غير دخالة للحالات الطارئة المتأخّرة فيه .

والفسخ حلّ للعقد الإنشائي ، وبعد الفسخ إن كان العوض موجوداً ، يحكم العقلاء بردّه إلى صاحبه ، ومع عدمه بردّ المثل أو القيمة عوضاً عنه وغرامة ، من غير أن يؤثّر الفسخ في ردّهما ابتداءً ، وقد تقدّم الكلام مستقصىً في خيار الغبن فراجع(1) ، هذا في التلف حقيقةً أو عرفاً .

في ثبوت الخيار مع خروج العين بغصب ونحوه

وأمّا ما خرج عن سلطانه بغصب أو غرق ، مع رجاء العود ، أو العلم به ، فلا إشكال في ثبوت الخيار ، فمع الفسخ ترجع العين إلى ملكه ، وله مطالبة بدل الحيلولة إلى حصول المبدل ، وله الرجوع إلى الغاصب وأخذ ماله مع الإمكان ، كما أنّ له إخراج ماله من البحر .

وهل تلحق به العين المرهونة ؛ بأن يقال : إنّ الفسخ موجب لرجوع العين إلى

ص: 348


1- تقدّم في الجزء الرابع : 493.

الفاسخ ، فإن رضي بأن يكون الرهن باقياً على ماله فهو ، وإلاّ رجع إلى بدل الحيلولة إلى فكّ الرهن ؟

وقد يحتمل بطلان الرهن ؛ لمضادّته مع رجوع العين إلى غير الراهن .

وقد تحتمل صحّة الرهن ، والرجوع إلى البدل ، كما في مورد التلف .

وعلى أيّ حال : ففي جميع الصور المتقدّمة ، لا ينبغي الإشكال في ثبوت الخيار لتخلّف الشرط ، واحتمال سقوطه ، والرجوع إلى الأرش ساقط ؛ لأنّ سبب الخيار موجود ، ولا دليل على ثبوت الأرش مع إمكان الفسخ والرجوع إلى البدل .

كما لا وجه للتخيير بين الفسخ والأرش ؛ فإنّ الأرش إنّما يكون عقلائياً ، فيما إذا لم يمكن الردّ ، فلا يثبت مع إمكان الردّ ، كما في خيار العيب .

بل لا وجه لسقوط الخيار والرجوع إلى الأرش ، على القول : بأنّ الخيار لأجل تقييد الالتزام ، أو نحو ذلك(1) .

في ثبوت الخيار مع خروج العين بالنقل

ولو خرجت العين بعقد لازم أو جائز ، فإن كان النقل قبل تعذّر الشرط وتحقّق الخيار ، فلا إشكال في صحّته ، سواء قلنا : بأنّ الخيار متعلّق بالعين ، أو بالعقد ؛ لكون الملك قبل تعلّقه طلقاً ، والسلطنة مطلقة تامّة .

وقد يقال : إنّ مبادئ الخيار لمّا كانت موجودة ، فلا محالة يكون العقد متزلزلاً ، فيأتي احتمال البطلان وسائر الاحتمالات .

ص: 349


1- اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 332 .

وبالجملة : إنّ الخيار المنفصل عن العقد مع حصول مبادئه من حال العقد كالخيار المتّصل(1) .

وفيه ما لا يخفى :

أمّا أوّلاً : فلأنّ مبادئ الخيار ، لا توجب تزلزل العقد ، بل ما هو الموجب نفس الخيار .

وثانياً : أنّ الشرط لا يعقل أن يكون من مبادئ الخيار ؛ فإنّ مبدئيته بلا واسطة لا معنى لها .

ومع الوسط بأن يكون مبدأ لتخلّفه ، لا يعقل كما هو واضح ؛ لامتناع مبدئية الشيء لعدمه ، أو لتخلّفه .

وبمعنى الدخالة البعيدة لثبوته ؛ بأن يقال : لولا الشرط لما تحقّق التخلّف ، ولولا ذلك لما تحقّق الخيار ، فمضافاً إلى بطلان إطلاق «المبدأ» عليه ، لا يختصّ بالشرط ، بل يكون العقد أيضاً دخيلاً بهذا المعنى ؛ إذ لولاه لما تحقّق الشرط ، ولا التخلّف ، ولا الخيار ، فيسقط التفصيل بين خيار التفليس وخيار الشرط ، كما قال به القائل ؛ بدعوى عدم تحقّق المبادئ في الأوّل ، دون الثاني(2) .

ولو كان النقل بعد التعذّر ، فهل يقع صحيحاً أو باطلاً ؟

وعلى الأوّل : فهل يرجع بعد الفسخ إلى البدل ، أو ينفسخ العقد الثاني بفسخه العقد الأوّل من الأصل ، أو من الحين ، أو له فسخه ، أو إلزامه على الفسخ في العقد الجائز ، وعلى الشراء مع إمكانه في اللازم ؟

ص: 350


1- منية الطالب 3 : 261 .
2- نفس المصدر.

وجوه أقواها الصحّة والرجوع إلى البدل مطلقاً ؛ لضعف سائر الوجوه .

أمّا البطلان فيمكن أن يوجّه ؛ بأنّ الحقّ لو تعلّق بالعين ، كان مقتضاه بطلان نقلها وهو واضح .

وإن تعلّق بالعقد ، فماهية الفسخ لمّا كانت مقابل ماهية العقد ، فلا محالة تكون بمعنى إرجاع العوضين إلى الحالة الاُولى ، وعليه فيكون لحقّ الخيار نحو تعلّق بالعوضين ، ومعه يكون التصرّف المنافي له باطلاً .

لكن فيه : أ نّه مع تسليمه لا ينتج البطلان ، بل مع تسليم كون الحقّ متعلّقاً بالعين ، لا يمنع عن صحّة النقل ، ولا يقع باطلاً ؛ وذلك لعدم التنافي بين الحقّ المذكور والنقل ، لما أشرنا إليه مراراً ؛ من أنّ البيع مثلاً هو النقل الإنشائي والمبادلة الإيقاعية الإنشائية ، وأمّا ترتّب الأثر وهو النقل الاعتباري الحقيقي فلا يعقل إنشاؤه(1) .

والفسخ حلّ لهذا العقد الإنشائي ، وإرجاع العوضين إنشاء ، كما في عقد الفضولي ، وإقالته على القول بها .

فكما لا منافاة بين كون العين ملكاً حقيقياً لشخص ، وملكاً إنشائياً لآخر كما في الفضولي ، لا منافاة بين رجوع العين بالفسخ إلى ملك صاحبها إنشاء ، مع بقائها في ملك المشتري الثاني حقيقة .

فالتصرّفات الاعتبارية والحقيقية ، لا تنافي حقّ الخيار ، سواء قلنا : بأنّ الحقّ متعلّق بالعين ، أو بالعقد ؛ فإنّ معنى تعلّق الحقّ بالعين ، أنّ له استرجاعها إنشاء

ص: 351


1- تقدّم في الجزء الرابع : 112 و170 - 171 و493 ، وتقدّم في الصفحة 347 .

لا حقيقة ؛ لامتناع الاسترجاع الحقيقي المتقوّم باعتبار العقلاء ، والاسترجاع الإنشائي لا ينافي ملكية الغير حقيقة ، كما لا ينافي معدومية العين على ما أشرنا إليه آنفاً (1) .

فإذا فسخ العقد ، وأرجع العوضين إنشاء ، وصار الفسخ موضوعاً للحكم العقلائي ، يحكم بالبدل مع نقل العين ، وعدم كونها في ملك المشتري ، فتدبّر فيه ، فإنّه حقيق به .

وعلى ذلك : تسقط جميع الاحتمالات والوجوه المتوهّمة .

مع أنّ في بعضها إشكالاً عقلياً ؛ وهو انفساخ العقد الثاني ، فإنّ ذلك إمّا أن يكون بلا سبب ، وهو محال .

أو يكون بسبب هو غير فسخ العقد الأوّل ، وهو مفقود .

أو السبب هو الفسخ ، فإن رجع ذلك إلى أنّ الفسخ لهذا فسخ لذلك ، فهو محال ؛ لعدم تعلّقه به .

وإن رجع إلى أنّ ذلك يوجب انفساخه ، ورجوع العين إلى المشتري ، ومنه إلى ذي الخيار ، فهو محال بإنشاء واحد .

ففي الحقيقة ، يرجع ذلك إلى عدم تأثير الفسخ في العقد الأوّل إلاّ بعد تأثيره في العقد الثاني ، ورجوع العين إلى ملك الطرف ليحقّق عنوان الفسخ ، وهذا محال في محال .

كما أنّ التأثير في الفسخ والانفساخ عرضاً ، لا يصحّح تحقّق ماهية

ص: 352


1- تقدّم في الصفحة 347.

الفسخ ؛ لأنّ النقل معلول الانفساخ ، وفي رتبة الانفساخ ، تكون العين ملكاً للمشتري الثاني .

الأمر الثالث : فيما لو كان تصرّف المشروط عليه المخرج للعين منافياً للشرط

لو تصرّف المشروط عليه في متعلّق الشرط ؛ بما ينافي الوفاء به من التصرّفات الاعتبارية ، كبيع ما اشترط عليه وقفه ، أو العكس :

فهل يقع باطلاً مطلقاً ، ولا تصحّحه الإجازة ، عقداً كان أو إيقاعاً ، أو يصحّ كذلك من غير حاجة إلى الإجازة ، أو يصحّ مع الإجازة مطلقاً عقداً كان أو إيقاعاً ، أو يصحّ فيما إذا كان عقداً ، ويبطل فيما إذا كان إيقاعاً ، كالعتق ، والوقف بناءً على كونه إيقاعاً ؟ وجوه :

وجه البطلان اُمور :

منها : كون ذلك التصرّف الاعتباري ، متعلّقاً للنهي ، بناءً على أنّ الأمر بالوفاء بالشرط - وهو الوقف مثلاً - يقتضي النهي عن سائر التصرّفات المضادّة كالبيع ، ومقتضى النهي عنه بطلانه ؛ إمّا لكونه إرشاداً إلى البطلان ولو كان مثل هذا النهي التبعي ، أو للتنافي بين النهي الفعلي والإنفاذ(1) .

وفيه : - مضافاً إلى بطلان أصل المدّعى على ما قرّر في محلّه(2) - أنّ دليل

ص: 353


1- منية الطالب 3 : 263 .
2- مناهج الوصول 2 : 1 - 13 .

الشرط ، لا يعقل أن يثبت الأمر لعنوان «البيع» و «الوقف» و «الخياطة» وغيرهما ممّا يتعلّق بها الشرط ؛ لأنّ موضوع الوجوب فيه ، هو الوفاء بالشرط ، ولا يعقل تجاوز التكليف عن عنوان إلى آخر ، ولا من عنوان إلى مصاديق عنوان آخر .

مثلاً : في وجوب إطاعة الوالد ، ما هو متعلّق الأمر عنوان «الإطاعة» وما أمر به الوالد كخياطة الثوب ، لا يعقل أن يكون عنوان «الإطاعة» حاكياً عنه ومرآةً له ، ولا لمصاديقه الذاتية ، ولا الأمر المتعلّق بها ، متعلّقاً بعنوان آخر أو مصاديقه ، وهكذا الحال في جميع العناوين الأوّلية والثانوية .

فبدليل الشرط ، لا يعقل إثبات وجوب ما تعلّق به الشرط ، ولا وجوب مصاديقه ، بل الواجب هو الشرط بعنوانه ومصاديقه الذاتية ؛ أي الملتزمات بعنوان الملتزم ، لا بعنوان آخر .

إلاّ أن يقال : إنّ عنوان «الوفاء بالشرط» واجب بدليله ، وما هو مضادّ له منهيّ عنه ، بناءً على اقتضاء الأمر للنهي عن الضدّ ، وحيث إنّ البيع مثلاً مضادّ للوفاء الواجب ، فهو منهيّ عنه بعنوانه ، وهو إرشاد إلى الفساد ، أو منافٍ لدليل الإنفاذ .

لكنّه يرد عليه : أنّ مبنى المسألة هو مقدّمية الضدّ لضدّه ، وقد حرّر في مقامه ؛ أنّ وجوب المقدّمة - على فرض تسليمه - متعلّق بعنوان «المقدّمة» أو عنوان «ما يتوقّف عليه الشيء» أو عنوان «ما هو الموصل» كما هو التحقيق على فرض الوجوب(1) ، والوجوب المتعلّق بالعناوين المذكورة ، لا يعقل تجاوزه عنها إلى عنوان آخر كعنوان «البيع» و«الوقف» فإذا وجب عنوان «المقدّمة» يحرم تركها

ص: 354


1- مناهج الوصول 1 : 321 - 337.

بعنوانها ، فلا ينتج المطلوب ؛ وهو أنّ النهي المتعلّق بعنوان المعاملة ، إرشاد إلى البطلان .

مع أنّ كونه إرشاداً في مثل المقام باطل ، والحرمة الفعلية - على فرضها - مستلزمة للصحّة ؛ لأ نّه مع البطلان يخرج عن نطاق القدرة ، وكيف كان لا إشكال في بطلان هذا الاستدلال .

ومنها : أ نّه لا إشكال في أنّ للمشروط له حقّاً ولو كان متعلّقاً بالعمل ، كالبيع والعتق ، والمعاملة المخالفة موجبة لتضييع حقّه ، فتقع باطلة .

مضافاً إلى أنّ العمل بالشرط واجب ، وإنفاذ البيع ونحوه المخالف للشرط ، موجب لتعذّره الاختياري ، ولا يعقل إنفاذ ما يوجب المعصية .

على أنّ نفس إيجاب العمل بالشرط ، يوجب تحديد سلطنة المشروط عليه ، وقصرها في فعل الشرط ، وعليه فلا تصحّ المعاملات والإيقاعات .

ولا يخفى ما في جميع ما ذكر ؛ فإنّ لزوم تضييع حقّه ، لا يوجب البطلان وضعاً ، بعد استجماع شروط الصحّة ، وغاية ما في الباب حرمة التضييع ، وهي لا توجب حرمة المعاملة ، وعلى فرضها لا توجب البطلان إن لم تكن دالّة على الصحّة .

وأمّا استلزام الصحّة للمعصية ، وتوهّم عدم صحّة إنفاذ ما يوجبها ، فيندفع بأنّ القواعد الكلّية الشرعية ، لا يعقل أن تلاحظ فيها المزاحمات ، أو المعارضات ، أو اللوازم ، أو الملازمات ، وليس لإنفاذ خصوص ما يوجب المعصية ، دليل خاصّ به ، ولا مانع من صحّة معاملة محرّمة ، فضلاً عمّا يستلزمها .

وأمّا توهّم : تحديد التكليف دائرة السلطنة ، والتعجيز عن المعاملة شرعاً ،

ص: 355

فلا يرجع إلى محصّل ، ولا دليل على هذا التوهّم .

ومنها : أنّ العين متعلّقة للحقّ ، كما أنّ العمل بالشرط متعلّق له ؛ فإنّ اشتراط بيعها ، يوجب تعلّق حقّ المشروط له بها ؛ بأن يحفظها ، وينقلها إليه ، والتصرّف في متعلّق حقّ الغير باطل(1) .

وفيه : أنّ الحقّ في المقام ، إنّما هو من قبل الشرط ليس إلاّ ، وهو - أي شرط الفعل - لا يعقل أن يتعلّق بنفس العين ، بل المتعلّق فعل مضاف إليها ، كبيعها ، أو وقفها ، فإذا لم يتعلّق الشرط بها ، لم ينتزع منه الحقّ عليها .

ولو نسب إليها «الحقّ» فهو بضرب من المجاز والتأوّل ، لا على نحو الحقيقة ، ومجرّد إضافة ما تعلّق به الحقّ إلى غيره ، لا توجب حقّاً بالنسبة إليه ، كما أنّ الخيار حقّ متعلّق بالعقد المضاف إلى العوض ، ولا حقّ بالنسبة إليه .

بل يمكن أن يقال : لا يعقل أن تكون العين متعلّقة لهذا الحقّ المتعلّق بالفعل المضاف إليها ؛ لاختلاف الرتبة بينهما ، والموضوع المركّب المتعلّق للحقّ ، لا بدّ فيه من نحو وحدة بين أجزائه ، ولا يعقل ذلك في الطوليات .

ولو فرض الشكّ في تعلّق الحقّ ، فلا مانع في المقام من التمسّك بالأصل ، فالتحقيق صحّة العقود والإيقاعات ، من غير حاجة إلى الإجازة .

ثمّ لو قلنا: بثبوت حقّ للمشروط له ، فمقتضى القاعدة الصحّة مع إجازته ؛ لأنّ المفروض تحقّق عنوان المعاملة الإنشائية التي هي تمام ماهية المعاملة ، كما هو الحال في عقد الفضولي، والمكره، ونحوهما، واستجماعها لجميع شروط الصحّة.

ص: 356


1- اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 201 و202 .

وإنّما المانع عن تأثيرها ، وصيرورتها موضوعاً لحكم العقلاء والشارع للنقل الاعتباري الحقيقي ، هو تعلّق حقّ المشروط له ، ومع إجازته يرتفع المنع ، ويتحقّق النقل والصحّة الفعلية ، فيترتّب عليها سقوط حقّه لرفع موضوعه .

وهذا هو مقتضى القاعدة في الأشباه والنظائر ، فلو باع الراهن العين المرهونة ، لم يقع صحيحاً فعلياً إلاّ بعد رفع المنع ؛ بالفكّ ، أو بالإجازة .

وما قد يقال في عدم صحّة الإجازة : من أ نّها لتحقّق الانتساب إلى المجيز ، وفي المقام لا معنى له ، وليس للمشروط له إلاّ إسقاط حقّه ، لا إجازة البيع(1) .

فيه : - مضافاً إلى ما حقّق في محلّه ؛ من أنّ الإجازة في الفضولي ، لا توجب الانتساب ، بل هي مضادّة له(2) - أنّ الإجازة في المقام ، توجب رفع المانع عن التأثير والصحّة ، كما أنّ إذن صاحب الحقّ يوجبه .

ومنه يظهر النظر فيما يقال : من أنّ العقد الثاني ليس له حتّى يجيزه ، والإجازة لا تفيد ، كما أنّ إسقاط حقّه لا يفيد(3) .

وأمّا ما قيل : من أنّ العقد إذا لم يؤثّر في الحين ، فلا دليل على تأثيره فيما بعد ، وصيرورته صحيحاً فعلياً (4) .

ففيه ما لا يخفى ؛ فإنّ عقد المكره والفضولي أيضاً كذلك ، وقضيّة انقلاب العنوان في الفضولي والانتساب إليه ، لا ترجع إلى محصّل معتدّ به ، والحلّ أنّ

ص: 357


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 203 .
2- تقدّم في الجزء الثاني : 147 و152 .
3- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 3: 349.
4- نفس المصدر.

المانع إذا ارتفع ، يقع صحيحاً بعد استجماع الشروط .

نعم ، يمكن التفصيل بين العقود والإيقاعات ؛ بما قيل في الفضولي(1) ، وقد قرّبنا في محلّه صحّة الفضولي في الإيقاع على القواعد(2) ، والأمر سهل .

الأمر الرابع : في أنّ للمشروط له إسقاط حقّه

للمشروط له إسقاط حقّه الآتي من قبل الشرط ؛ فيما يقبل الإسقاط ، كشرط الفعل ، فلو شرط عليه البيع أو العتق ، كان له عليه حقّ أن يبيعه ، وله إسقاط هذا الحقّ .

وأمّا شرط النتيجة ، فلا معنى لإسقاط الحقّ فيه ، كما أنّ الأمر كذلك في شرط الصفة ، فإسقاط الحقّ منحصر في شرط الفعل .

والظاهر عدم الفرق بين الشروط المالية كالخياطة ، وغيرها كالبيع والعتق ؛ لأنّ للمشروط له حقّاً على الفعل في الفرضين ، وله إسقاطه .

بل لو قلنا : بأنّ الشروط المالية موجبة لاشتغال الذمّة بالمال - فلو اشترط عليه إعطاء عشرة دنانير ، أو خياطة الثوب ، اشتغلت ذمّته بهما - كان له أيضاً إسقاط الإعطاء والعمل ؛ لأ نّهما متعلّقان للشرط ، وله حقّ العمل ، وإنّما ينتزع الاشتغال منه .

ص: 358


1- غاية المراد 3 : 37 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16 : 346 .
2- تقدّم في الجزء الثاني : 141 - 146.

فله إسقاط حقّه ، فيسقطان من ذمّته تبعاً ، كما تشتغل بهما تبعاً ، وله إبراء ذمّته عمّا اشتغلت به ، فيسقط الحقّ استلزاماً .

بل لا يبعد أن يكون له إلغاء الشرط ، فيسقط الحقّ ، وتبرأ الذمّة ؛ فإنّ الشرط قرار ثابت للمشروط له ، ولا سلطان للمشروط عليه بالنسبة إليه ، فللمشروط له في جميع الموارد إلغاء شرطه ، وحلّ قراره .

كما أنّ للمتبايعين ، الإقالة وحلّ قرارهما بحسب الحكم العقلائي ؛ لأنّ القرار بينهما لا يتجاوزهما ، فكما لهما عقده لهما حلّه ، وكما أنّ زمام الشرط لو كان بيدهما كان لهما حلّه ، كذلك للمشروط له حلّه وإلغاؤه ؛ لأنّ زمامه بيده عرفاً ، لا بيد المشروط عليه .

ففي شرط الفعل مطلقاً ، له حلّ الشرط ، وله إسقاط الحقّ الثابت به ، من غير فرق بين المتعلّقات ، وله إبراؤه على القول : بأنّ الشرط المتعلّق بالماليات ، موجب للاشتغال(1) .

والقول : بعدم صحّة الإسقاط إلاّ في الشروط غير المالية(2) ساقط حتّى على القول بالاشتغال .

وممّا ذكرنا : من جواز إلغاء الشرط وحلّه ، يظهر الحال في شرط النتيجة ، إذا لم يتّصل حصولها بالعقد ، كما لو شرط نقل الملك في زمان متأخّر ، أو شرط الوصف كذلك ، فيجوز له إلغاء الشرط وحلّه ، ولازمه عدم النقل وعدم الخيار للتخلّف .

ص: 359


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 205 .
2- نفس المصدر .

ثمّ إنّ ما نقل عن غير واحد من الأعلام : من استثناء ما كان حقّاً لغير المشروط له كالعتق ، والقول : بعدم السقوط بإسقاطه ؛ لاجتماع الحقوق فيه ، وليس للمشروط له إسقاط حقّهما ، فلا يسقط بإسقاطه(1) .

فيه ما لا يخفى :

أمّا أوّلاً : فلمنع حقّ لغير المشروط له ؛ فإنّ الحقّ إنّما يثبت له ، لأجل قراره مع المشروط عليه ، فالشرط والقرار بينهما مثبت للحقّ ، ولا قرار بين المشروط عليه وبين اللّه تعالى ، ولا بينه وبين الأجنبيّ المنتفع بالشرط ، ومجرّد الانتفاع لا يوجب ثبوت الحقّ ، كما لو شرط عليه علف الدابّة ، ورعي الماشية .

وأمّا ثانياً : فلأ نّه لا إشكال في أنّ للمشروط له إسقاط حقّه وشرطه ، وثبوت الحقّ لغيره - لو قيل به - تبع وجوداً وبقاءً لحقّه ، فإذا أسقط حقّ عتقه ، فلا يبقى حقّ لأحد .

واحتمال عدم سقوط حقّه بالإسقاط ؛ لاستلزامه تضييع حقّ الغير فاسد جدّاً ، كاحتمال تبعيتهما له وجوداً لا بقاءً .

ص: 360


1- إيضاح الفوائد 1 : 514 ؛ الدروس الشرعية 3 : 216 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 79 .
الأمر الخامس : في عدم تقسيط الثمن على الشرط
اشارة

وقد تقدّم : أنّ الشرط لا يقابل بالثمن ، ولا يقسّط عليه مع التخلّف بحسب القاعدة(1) .

وقد يقال : باستثناء الشرط المتضمّن لجزء من المبيع المركّب ، كما لو شرط كون المبيع كذا مقداراً ؛ بأن قال : «بعتك هذا الثوب أو الأرض على أن يكون كذا ذراعاً» أو «بعتك هذه الصبرة على أن تكون كذا صاعاً» .

بدعوى : أنّ الشرط المتضمّن لجزء المبيع - متّصلاً كان أم منفصلاً - يقسّط عليه الثمن ، فالقاعدة مخصّصة بالنسبة إلى مثله ، سواء كان من الكمّ المتّصل ، أم المنفصل ، وسواء كان مختلف الأجزاء ، أو متّفقها ، وسواء تبيّن النقص ، أم الزيادة ، ففي جميع الأقسام الثمانية يقسّط الثمن(2) .

ولا بدّ من فرض المسألة فيما إذا كان الشرط في مورد البحث ، كسائر الشروط في جميع الخصوصيات ، إلاّ في المتعلّق ، حتّى يصحّ القول : بالاستثناء عن القاعدة .

فالقول: بأنّ «الشرط» لا تراد به الشرطية إلاّ صورة(3) خارج عن محطّ البحث.

ص: 361


1- تقدّم في الصفحة 343 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 82 - 88 .
3- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 354 .

والتحقيق : عدم الفرق بين هذا الشرط وسائر الشروط في عدم التقسيط ؛ وذلك لأنّ البيع مع هذا الشرط ، متضمّن لقرارين :

أحدهما : بيع هذا الشخص الموجود بعشرة دنانير مثلاً ، وهذا يتمّ إنشاؤه بقول البائع : «بعتك هذه الصبرة بعشرة» أو «بعتك هذه الأرض بها» .

ثانيهما : شرط أن يكون المبيع كذا مقداراً ، فتمام ماهية البيع - التي هي عبارة عن تمليك الشيء بالعوض - متحقّقة إنشاء به ، قبل إنشاء الشرط الذي هو أيضاً يتحقّق بإنشاء الموجب ، والقبولُ المنضمّ إلى إنشاء البيع يوجب ترتّب الأثر عليه ، كما أنّ القبول اللاحق بالشرط يوجب ذلك .

فهاهنا إيجابان وقبولان : إنشاء البيع المتضمّن لمقابلة المبيع الخاصّ بتمام الثمن ، وإنشاء الشرط الذي هو قرار آخر غير قرار البيع إيجاباً وقبولاً ، ومقتضى البيع مبادلة المبيع الخارجي في المورد بتمامه بالثمن المذكور بتمامه ؛ بحيث لو بدا للمنشئ عدم الشرط وتركه ، وقبل المشتري إيجابه صحّ ، ويقابل المبيع بتمام الثمن بالضرورة .

فالقائل بالتقسيط ، لو رجع قوله إلى أنّ البيع موجب له مع الغضّ عن الشرط ، فهو خلاف الضرورة .

ولو رجع إلى أنّ الشرط يوجب انقلاب البيع عمّا هو عليه ، فهو محال بالضرورة .

ولو رجع إلى أنّ البيع الملحق به الشرط المذكور ، موجب للتقسيط ، فإن اُريد به إنشاء المقابلة بين الثمن والمثمن مع هذا الجزء ، أو باستثنائه ، فهو خلاف المفروض ، وخلاف ما في الواقع ؛ من أنّ البيع الذي هو إنشاء مستقلّ ، يتحقّق

ص: 362

قبل تحقّق إنشاء الشرط ، وأنّ الشرط إنشاء مستقلّ آخر .

وإن اُريد به : أ نّه مع عدم المقابلة في البيع يقسّط الثمن ، فهو غير معقول ، فالقول بالتقسيط ، لا يرجع إلى محصّل وأمر معقول .

وتوهّم : أنّ حكم العرف كذلك(1) فاسد ؛ لأ نّه إن رجع إلى أنّ العرف لا يميّز بين البيع والشرط في ضمنه ، فهو كما ترى .

وإن رجع إلى أ نّهم يميّزون كلاًّ منهما عن الآخر ، ويعرفون أنّ البيع مبادلة بين الموجود الخاصّ وتمام الثمن ، وأنّ الشرط أمر زائد عنه ، له إنشاء خاصّ ، ومنشأ خاصّ ، ومع ذلك يحكمون جزافاً بذلك ، فهو أفسد ، فلا ينبغي الإشكال في عدم التقسيط ، وعدم لحوق الشرط حكم الجزء .

وقد يستدلّ على المدّعى : بأنّ جزء المبيع إذا اُخذ بنحو الاشتراط ، لا يخرج عن كونه جزءاً ملحوظاً كسائر الأجزاء مقابلاً بالثمن ، حيث لا فرق في الغرض المعاملي النوعي المتعلّق باشتراء ذات الأجزاء ، بين جزء منها ، وجزء آخر ، بعد وضوح أنّ المبيع ، ليس هو الجسم الطبيعي مع قطع النظر عن التعيّن ، الموجب لصيرورته جسماً تعليمياً .

كما أ نّه لا غرض نوعاً في شراء الجسم التعليمي المطلق الملحوظ فيه تعيّن ما ، فليس تعيّن الجسم أمراً زائداً على الغرض النوعي ، حتّى يؤخذ بنحو الاشتراط الذي هو شأن التابع .

ثمّ قال : يختصّ وصف الكمّية بخصوصية مقتضية للتقسيط وإن اُخذ بنحو

ص: 363


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 84 .

الاشتراط ، فيكون نظير ما إذا أشار إلى ما في الدار وقال : «بعت هذين العبدين» فتبيّن أنّه واحد ، ولا إشكال هناك في التقسيط ، لا أنّ المبيع هو ما في الدار ، والاثنينية وصف(1) ، انتهى .

وأنت خبير : بأ نّه لم يزد شيئاً على المدّعى إلاّ اقترانه ببعض الاصطلاحات الأجنبيّة عن المعاملات العقلائية ؛ ضرورة أنّ البيع إذا تعلّق بالعين الشخصية الموجودة ، فأشار البائع إليها بقوله : «بعتك هذا بكذا» لم تكن المقابلة إلاّ بين الموجود الخارجي كائناً ما كان ، وبين الثمن .

وهذا الموجود الخاصّ ، متعلّق للغرض المعاملي في إنشاء البيع ، لا يزيد منه شيء ، ولا ينقص ، ويكون الشرط أمراً زائداً في ضمن البيع ، ويكون الغرض في الاشتراط أ نّه لو خالف الواقع لم يلزمه البيع ، وكان له الخيار في فسخه إن أراده .

فقوله : لا فرق بين جزء وجزء في الغرض المعاملي .

إن أراد به : أنّ البيع متعلّق بالزائد أو الناقص من الشخص الخارجي ، فهو - مع خروجه عن محطّ البحث ، وإرجاع الشرط إلى الأمر الصوري ، كما هو الظاهر من كلامه وإن احترز عنه في صدره - خلاف الواقع الرائج في البيع والشرط في ضمنه .

وإن أراد به : أ نّه في الغرض اللبّي لا فرق بينهما ، فهو لا يفيد ؛ لأنّ الأغراض لا توجب تغيير المعاملات عمّا هي عليها .

والعجب مقايسته الشرط في ضمن البيع ، بالبيع في قوله مشيراً إلى ما في

ص: 364


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 208 - 209 .

البيت : «بعتهما» حيث لا يقع إلاّ بالنسبة إلى واحد منهما ؛ فإنّها مقايسة مع الفارق الواضح ، ضرورة أنّ أحد المشار إليهما في المثال مفقود ، مع وقوع البيع عليهما ، ومقتضى ذلك البطلان بالنسبة إلى المفقود .

بخلاف المقام ؛ فإنّ البيع واقع على المشار إليه الموجود ، والشرط قرار زائد تخلّف عن الواقع ، فليس فيه إلاّ الخيار ، فأيّ تناسب بين البيع الواقع على أمر خاصّ والشرط الزائد عليه ، وبين البيع الواقع على الشيئين المفقود أحدهما ؟ !

والإنصاف : أ نّه تكلّف ، وأتعب نفسه الشريفة ، ولم يأت بشيء .

هذا مع إمكان أن يقال : إنّ الشيء الخاصّ الخارجي المشهود ، الذي لا تكون فيه زيادة ونقيصة ، إذا شرط فيه أن يكون كذا مقداراً ، ليس المقدار إلاّ الكمّ الذي هو عرض كسائر الأعراض ، لا المتكمّم ، فلا يقسّط عليه الثمن حتّى مع الغضّ عمّا تقدّم .

ثمّ إنّ الوجه المتقدّم لعدم التقسيط ، مشترك بين الأقسام الأربعة أو الثمانية ، ويختصّ ما إذا تبيّنت الزيادة بوجه آخر ؛ وهو أنّ في البيع الواقع على الخاصّ الخارجي ، لو قيل : بعدم وقوعه على الزائد ، وببقاء ذلك في ملك البائع ، لا يخلو إمّا أن يقال : بوقوع البيع على المقدار المشخّص المعيّن ، وبقاء مقدار مشخّص معيّن على ملك البائع .

أو يقال : بوقوعه على الكلّي في المعيّن ، أو على الجزء المشاع .

والاحتمال الأوّل واضح الفساد ، ويتلوه الاحتمالان الآخران ؛ لأنّه :

إن كان المدّعى : أنّ إنشاء البيع على الخاصّ المشخّص الموجود ، لم يكن إلاّ صورياً ، ويراد به الكلّي في المعيّن ، أو الجزء المشاع ، فهو - مع كونه خلاف

ص: 365

الواقع والوجدان - خروج عن محطّ البحث .

وإن كان المدّعى : أنّ الشرط يوجب انقلاب الخاصّ إلى الكلّي في المعيّن أو المشاع ، فهو أفسد .

وإن كان المدّعى : أ نّه مع وقوع البيع على الخاصّ الموجود ، وبقاء الشرط على حاله - من كونه أمراً خارجاً زائداً - يحكم العقلاء بالانقلاب بلا سبب ، فهو أفسد من سابقه .

وإن كان المقصود : أنّ العقلاء يرتّبون عليه حكم الكلّي أو الإشاعة تعبّداً ، فهو يتلو السابق في الفساد ، وعليه فلو فرض تسليم التقسيط في النقيصة ، لم يمكن موافقته في تبيّن الزيادة ، فلا تغفل .

ثمّ إنّ تبيّن الزيادة ، لا يوجب الخيار إلاّ إذا كان المقدار بحدّه - لا زائداً ، ولا ناقصاً - موردَ الشرط ، والشروط في ذلك مختلفة ، فقد يستفاد من الشرط التحديد في الطرفين ، كما لو اشترى خفّاً ، وشرط أن يكون كذا قياساً ، وقد لا يستفاد ذلك ، كما في الصبرة ، والأرض ، ونحوهما .

في الاستدلال للتقسيط برواية عمر بن حنظلة

بقي شيء : وهو أ نّه ربّما يستدلّ للتقسيط برواية عمر بن حنظلة(1) ، عن

أبي عبداللّه علیه السلام : في رجل باع أرضاً على أ نّها عشرة أجربة ، فاشترى المشتري ذلك منه بحدوده ، ونقد الثمن ، ووقع صفقة البيع ، وافترقا ، فلمّا مسح الأرض إذا هي خمسة أجربة .

ص: 366


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 84 .

قال : «إن شاء استرجع فضل ماله وأخذ الأرض ، وإن شاء ردّ البيع ، وأخذ ماله كلّه ، إلاّ أن يكون له إلى جنب تلك الأرض أيضاً أرضون فليؤخذ ، ويكون البيع لازماً له ، وعليه الوفاء بتمام البيع ، فإن لم يكن له في ذلك المكان غير الذي باع ، فإن شاء المشتري أخذ الأرض ، واسترجع فضل ماله ، وإن شاء ردّ الأرض ، وأخذ المال كلّه»(1) .

وفيه : أنّ الاستناد إليها - مع ضعفها سنداً (2) ، وعدم الجابر ، ومجرّد عمل الشيخ والحلّي لو صحّ ، لا يعدّ جابراً (3) ، ومع كونها خلاف القواعد صدراً وذيلاً ، ولا سيّما الحكم بتعيّن أخذ النقص فيما إذا كان له إلى جنب الأرض أرضون ، ممّا لا يمكن الالتزام به - في غاية الإشكال ، بل هو ممنوع بلا إشكال .

ولا بدّ من تأويلها وحملها على الكلّي في المعيّن ، وإن كان خلاف ظاهرها ؛ لاحتمال وقوع اشتباه فيها ، أو ردّ علمها إلى الناقل .

ص: 367


1- الفقيه 3 : 151 / 663 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 153 / 675 ؛ وسائل الشيعة 18 : 27 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 14 ، الحديث 1 .
2- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن محمّد بن الحسين ، عن ذبيان ، عن موسى بن أكيل ، عن داود بن حصين ، عن عمر بن حنظلة . ووجه ضعف السند هو أنّ ذبيان لم يرد في حقّه توثيق ولم تثبت وثاقته . تنقيح المقال 1 : 419 / السطر 40 .
3- النهاية : 420 ؛ السرائر 2 : 375 - 376 ؛ اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 210 .

القول في حكم الشرط الفاسد

وفيه اُمور :

الأوّل : حول سراية فساد الشرط إلى العقد حسب القواعد

هل الشرط الفاسد ، موجب لفساد العقد حسب القواعد أم لا ؟

لا إشكال في أنّ محطّ البحث ، ما إذا تحقّق العقد والشرط ، واُنشئ كلّ منهما جدّاً ، فالعقد أو الشرط الذي لم يتعلّق به القصد ، وكان مجرّد صورة إنشاء ، خارج موضوعاً ، سواء كان ذلك لأجل عدم إمكان القصد إلى المتنافيين ، كما إذا كان الشرط مخالفاً لمقتضاه مع الالتفات إليه .

أم لأجل لزوم الاستحالة ، كما قيل في بعض الفروض(1) ، أو لكونه غير عقلائي ؛ بوجه يؤدّي إلى اللعب والعبث .

وكذا محلّ البحث ، ما إذا لم يكن في البين ، موجب لفساد العقد ، سوى فساد الشرط .

ص: 368


1- تذكرة الفقهاء 10 : 251 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 53 و89 .

وبالجملة : الكلام ممحّض في فساد العقد بفساد الشرط من حيث هو .

ومقتضى ما مرّ منّا مراراً في ماهية العقد(1) والشرط الذي في ضمنه ، هو عدم مفسديته حسب القواعد ؛ لأنّ العقد - بتمام ماهيته - اُنشئ بإيجاب البائع قبل إيجاب الشرط ، وفي هذا الظرف يكون تمام الثمن ، مقابل تمام المبيع بلا شبهة ، ولا يحتمل التقسيط وإن كان الشرط دخيلاً في القيم ، ككثير من الأوصاف والإضافات .

فالقول : بالبطلان من ناحية تقسيط الثمن ، ولزوم الغرر والجهالة(2) في غير محلّه .

مع أ نّه على فرض التقسيط أيضاً ، لا تلزم الجهالة ؛ لأنّ المناط في العلم الرافع لها ، هو حال العقد ، وهو حاصل بالنسبة إلى المبيع المشروط والثمن ، ولا يعتبر العلم بمقدار القسط في شيء من المعاملات التي يقسّط فيها الثمن على الأجزاء ، فلو باع ألف حصّة بسبعين مثلاً ، صحّ ولو لم يعلم مقدار قسط كلّ حصّة ، وهو واضح .

وكذا تقدّم منّا : أنّ الشرط لا يرتبط في مقام الإنشاء بالعقد نفسه ، ولا بالثمن أو المثمن(3) ؛ لعدم الفرق - وجداناً وعرفاً - بين إنشاء البيع المتعقّب بالشرط وغيره ؛ في تعلّق الجعل بلا قيد بالعوضين بلا قيد ، وأنّ الشرط الذي له إنشاء

ص: 369


1- تقدّم في الجزء الأوّل : 66 و238 ؛ والثاني : 571 ؛ والرابع : 493 .
2- مختلف الشيعة 5 : 321 ؛ المهذّب البارع 2 : 406 ؛ الروضة البهيّة 2 : 322 ؛ اُنظر مفتاح الكرامة 14 : 731 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 92 .
3- تقدّم في الصفحة 313 .

خاصّ به مستقلّ في الجعل والإرادة ، لا يوجب تقييداً في الإنشاء ، ولا المنشأ ، ولا العوضين بالوجدان ، وإن كان له بحسب الأغراض اللبّية نحو ارتباط به ، لأجله يوجب اختلاف القيم ، ويترتّب عليه خيار التخلّف .

وقد مرّ : أنّ الخيار ، لم يرتّب على تخلّف الأغراض مع عدم الاشتراط أو التوصيف ، ولا على الاشتراط مع عدم الربط اللبّي الدخيل في الأغراض ، وإنّما رتّب على الاشتراط مع الربط المشار إليه ، لكنّه لا يوجب التقييد في البيع ، ولا في العوضين(1) .

وعليه فيندفع الاستدلال الآخر ؛ وهو أنّ التراضي إنّما وقع ، على العقد الواقع على النحو الخاصّ ، فإذا فقدت الخصوصية ، لم يبق التراضي ؛ لانتفاء المقيّد بانتفاء قيده ، وارتفاع الجنس مع ارتفاع فصله ، فلا بدّ للصحّة من تراضٍ آخر جديد(2) .

ضرورة أنّ التراضي الحاصل في البيع اللازم في المعاملات - أي التراضي بمعاوضة المثمن بالثمن - لم يكن متقيّداً بشيء ، فدعوى أنّ العقد وقع على النحو الخاصّ ، الراجعة إلى أنّ خصوصية الشرط دخيلة في وقوعه ، ممنوعة .

نعم ، لا إشكال في أنّه لولا الشرط المذكور ، لما أوقع العقد نوعاً ، لكنّه غير الوقوع على النحو الخاصّ .

فالعقد وقع على الثمن والمثمن بلا تقييد ، كالعقود التي لا شرط فيها بحسب

ص: 370


1- تقدّم في الصفحة 315.
2- مختلف الشيعة 5 : 321 ؛ المهذّب البارع 2 : 407 ؛ مسالك الأفهام 3 : 273 ؛ اُنظر مفتاح الكرامة 14 : 731 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 93 .

الوجدان والعرف ، والشرط قرار مستقلّ في مقام الجعل والقرار ، لا يرتبط في ظرفه بشيء ، ولا يقيّد ما وقع مطلقاً .

وليس حال الشرط ، حال القيد المتّصل بالمبيع قبل تمام الإنشاء ، كقوله : «بعتك الفرس العربي» أو «الثوب الحريري» بل الإنشاء البيعي بتمام جهاته ، تمّ قبل الشرط ، بلا توقّف على شيء ، والإنشاء الشرطي إنشاء جديد وقرار مستقلّ ، وإن كان بينهما نحو ربط في عالم اللبّ ، ممّا لا دخل له بمقام الإنشاء والتراضي المعتبر فيه .

والربط اللبّي في المقام وغيره ، من الأغراض التي لا توجب شيئاً ولا تقييداً في اللفظ ومقام الإنشاء ، وإذا أظهرها المنشئ بصورة الوصف أو الشرط ، يوجب ذلك الخيار عند التخلّف .

والعرف والوجدان ، يشهدان بالاختلاف الجوهري بين الأوصاف اللاحقة بالعوضين ، وبين الشروط المذكورة في خلال البيع ، بعد ما تمّ الإنشاء البيعي ؛ بإيجاب البائع ، وقبل لحوق القبول .

كما يشهدان بالاختلاف الواقعي بين تقييد نفس الإنشاء أو تعليقه ، وبين الشروط المذكورة في ضمنه .

فقول القائل : العقد وقع على النحو الخاصّ ، وحديث الجنس والفصل ، وانتفاء المقيّد بانتفاء القيد(1) كلّها في غير محلّها ، وناشئة عن الخلط بين الربط اللبّي الذي يكون بمنزلة الأغراض ، وبين التقييد في مقام الظاهر والإنشاء ، وكذا

ص: 371


1- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 93 .

بين طيب النفس والرضا الواقعيين غير المربوطين بالرضا المعاملي ، وبين ما هو المعتبر فيها .

وعلى هذا الأساس ، لا يحتاج إلى التشبّثات ، بل التعسّفات الواقعة في كلام الأعلام ، المبتنية على أنّ الشروط أوصاف وقيود للمبيع أو للبيع ، ممّا لا تبتني على أساس : كالقول بتعدّد المطلوب في الشروط ، والفرق بين القيود ؛ بأنّ بعضها موجب لانتفاء المطلوب بانتفائه ، وبعضها يوجب انتفاء المطلوب الأعلى فقط ، كما هو المحتمل أو الظاهر من كلام الشيخ الأعظم قدّس سرّه (1) .

وقد وجّهه المحقّق الخراساني قدّس سرّه : بأنّ القرينة العرفية في هذا القسم من الشروط - أي التي لا تكون ركناً - قائمة على أنّ المنشأ بالصيغة ، طلب الواجِد إن كان ، وإلاّ طلب الفاقد ، وهكذا الحال في البيع(2) .

وفيه ما لا يخفى ؛ ضرورة أ نّه لا يعقل أن يكون الطلب الواحد أو الإنشاء الواحد ، طلباً أو إنشاء لشيئين طوليين على فرضي الوجدان والفقدان ، ولا منحلاًّ إليهما ، بل لو فرض إنشاء البيع كذلك ، كان باطلاً ، نظير البيع بثمنين على فرضين .

كما أنّ تعدّد المطلوب أيضاً ، لا يصحّح ما يرام(3) ؛ فإنّه إن اُريد به أنّ الإنشاء الواحد متعلّق بشيئين على نحو تعدّد المطلوب ، فهو باطل كما ذكر .

وإن اُريد به : أ نّه يكشف بالقرينة ، أنّ مطلوبه واقعاً متعدّد ، فهو لا يفيد في

ص: 372


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 95 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الخراساني : 251 .
3- نفس المصدر .

مثل البيع الذي لا يتحقّق إلاّ بالإنشاء والجعل .

نعم ، لو علم بوجه أنّ للمولى مطلوباً إلزامياً ، يحكم العقل بلزوم إتيانه ، من غير حاجة إلى الأمر ، وأمّا المعاملات فتحتاج في تحقّقها إلى الإنشاء ، والمطلوبية الواقعية لا أثر لها .

وإن اُريد : أنّ الإنشاء على المتقيّد ، ينحلّ إلى إنشاءين ، ففيه : أنّ ذلك لا مجال له في المقام ؛ فإنّ البيع على العين المتقيّدة بقيد ، لو انحلّ إلى البيع على الذات وعلى القيد ، لزم بيع القيد وهذا - كما ترى - لا معنى محصّل له .

ولو انحلّ إلى الذات وإلى الذات المتقيّدة ، حتّى يكون البيع على الذات متعدّداً ، ونقلها مرّتين ، كان أفسد .

وممّا ذكر يظهر بطلان قياس المقام ببيع شيئين ، مثل ما يملك وما لا يملك ، أو ما يملكه البائع وما لا يملكه(1) ، فإنّ الصحّة في مثله على القواعد ، سواء قلنا : بالانحلال إلى بيعين عرفاً أم لا ؛ بأن يقال : إنّ البيع مع وحدته ، نقل السلعتين إنشاء ، فلو تمّ شرط التأثير في أحدهما يعتبره العقلاء ، ويتحقّق النقل الاعتباري الواقعي العقلائي فيه ، دون ما لم يتمّ فيه شرطه ، وأمّا في المقام فلا يتأتّى ما ذكر ، كما لا يخفى .

نعم ، هنا كلام آخر ؛ وهو أ نّه لو بنينا على تقييد المبيع بالشرط ، فلا بدّ من التفصيل بين كونه من الأعيان الخارجية ، أو من الكلّيات ؛ فإنّ الشرط الموجب للتقييد ، لا يزيد عن التوصيف .

ص: 373


1- اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 370 ؛ منية الطالب 3 : 275 .

ولا إشكال في أنّ البيع المتعلّق بالعين الموجودة الموصوفة بوصف ، مع فقد الوصف ، صحيح مع ثبوت خيار تخلّف الوصف فيه ؛ لأنّ الإنشاء تعلّق بالخارج الموجود ، ولا يوجب التوصيف تعدّده ، وفقد الوصف لا يوجب عدم تعلّقه بالموجود ، فلا محالة يقع صحيحاً خيارياً .

بخلاف ما لو بيع الكلّي الموصوف ، فإنّ كلّ قيد يلحق بعنوان كلّي ، يوجب تعدّد العنوان ، وتخالف العنوانين ، والعنوان الموصوف بوصف يخالف فاقده .

وقد عرفت : بطلان دعوى تعلّقه بعنوانين في حالين ، أو انحلاله إليهما ، ففي الشخصيات ليست الصحّة لأجل تعدّد المطلوب ، أو الانحلال ، فلا تغفل(1) .

وأمّا ما قيل في مثل المقام : من أنّ البيع العقدي - مقابل المعاطاة - يشتمل على التبادل بين العوضين ، وهو البيع المشترك بين العقدي والمعاطاتي ، وعلى تبادل الالتزام بين المتعاقدين ، وهو مختصّ بالعقدي(2).

فمع بطلان الشرط أو تخلّفه ، يكون البيع صحيحاً لا موجب لبطلانه ، وخيارياً لأجل عدم الالتزام في هذا الظرف ، فيكون - كالبيع المعاطاتي - جائزاً مع فرق بينهما .

ففيه : أنّه لا يرجع إلى أساس عند الوجدان وفي سوق العقلاء ، الذي هو الميزان في تشخيص ماهية المبادلات ، فإنّه لا أثر ولا عين عند العرف لهذا الالتزام الزائد على أصل المبادلة .

ص: 374


1- اُنظر ما تقدّم في الصفحة 371 - 373.
2- منية الطالب 1 : 123 ، و2 : 4 .

فقوله : «بعتك هذا بدينار» مثلاً ، لا يدلّ إلاّ على إنشاء النقل والتبادل ، كما أنّ الفعل في المعاطاة كذلك ولا فرق عرفاً بين البيع باللفظ والفعل ، ولا يزيد أحدهما على الآخر ، فاللفظ قائم مقام الفعل أو العكس ، وليس ما وراء التبادل شيء ؛ لا في اللفظ ، ولا في اللبّ ، إلاّ ما هو دخيل من مبادئ تحقّقه .

الثاني : في الاستدلال بالروايات على إفساد الشرط الفاسد

قد يقال : بلزوم الخروج عن القاعدة ، على فرض كون عدم إفساد الشرط الفاسد على القواعد(1) ؛ وذلك للروايات الخاصّة :

منها : رواية عبدالملك بن عتبة قال : سألت أبا الحسن موسى علیه السلام ، عن الرجل أبتاع منه طعاماً ، أو أبتاع منه متاعاً ، على أن ليس عليّ منه وضيعة ، هل يستقيم هذا ، وكيف يستقيم وجه ذلك ؟

قال : «لا ينبغي»(2) .

بدعوى : أنّ السؤال عن البيع المشتمل على الشرط الفاسد ، وأنّ قوله : «لا ينبغي» إرشاد إلى فساده ، ولا موجب له إلاّ فساد شرطه .

وفيه : أنّ فيها احتمالين : أحدهما ما ذكر .

والآخر : وهو الأرجح ، أن يكون السؤال عن الشرط ، وأنّ هذا الشرط يستقيم أم لا، فعلى فرض كون الكلام إرشاداً إلى البطلان، لا يدلّ إلاّ على بطلان الشرط.

ص: 375


1- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 92 و96 .
2- تهذيب الأحكام 7 : 59 / 253 ؛ وسائل الشيعة 18 : 95 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 35 ، الحديث 1 .

بل لأحد أن يقول حينئذٍ : إنّ مقتضى السكوت عن البيع صحّته ، وإلاّ كان عليه البيان في مقام الحاجة .

وكيف كان : لو فرض تساوي الاحتمالين ، لا يصحّ الاحتجاج بها .

وأمّا ما قيل : من أنّ المورد خارج عن محطّ البحث :

أمّا أوّلاً : فلأ نّه شرط مجهول ، وجهالته تسري إلى نفس البيع .

وأمّا ثانياً : فلأ نّه شرط محال ؛ فإنّ شرط كون الخسارة واقعة في ملك غير صاحب السلعة ، محال(1) .

ففيه : منع سراية الجهالة في مثل المورد إلى نفس البيع ، إلاّ على المبنى الفاسد ؛ من التقييد في المبيع ، ومنع كون الشرط هذا الأمر غير العقلائي ، بل الشرط هو جبران الوضيعة ، لا وقوعها في ملك غير المالك .

هذا كلّه مع تسليم كون «لا ينبغي» إرشاداً ، وإلاّ فيسقط الاستدلال من رأسه ، ولو رجع السؤال إلى أصل البيع المتضمّن للشرط .

ومنها : رواية الحسين بن المنذر قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : يجيئني الرجل ، فيطلب العينة ، فأشتري له المتاع مرابحة ، ثمّ أبيعه إيّاه ، ثمّ أشتريه منه مكاني .

قال : «إذا كان بالخيار ؛ إن شاء باع ، وإن شاء لم يبع ، وكنت أنت بالخيار ؛ إن شئت اشتريت ، وإن شئت لم تشتر ، فلا بأس» .

فقلت : إنّ أهل المسجد يزعمون أنّ هذا فاسد ، ويقولون : إن جاء به بعد أشهر صلح .

ص: 376


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 224 - 225 .

قال : «إنّما هذا تقديم وتأخير ، فلا بأس»(1) .

بدعوى : أنّ سلب الاختيار إنّما هو بالشرط ، وفساد المعاملة لا وجه له إلاّ فساد الشرط .

وفيه : أنّ الظاهر منها - على فرض تسليم الدلالة على البطلان ، وكونه لسلب الاختيار بواسطة الشرط - فرض وقوع الشرط في البيع الأوّل ، حتّى جعله غير مختار في الثاني ، وأنّ ذلك صار موجباً لبطلان الثاني لا الأوّل ، فهي تدلّ على عدم فساد البيع بالشرط في ضمنه على فرض بطلانه، فتدلّ على خلاف المقصود.

مع احتمال أن يكون التعبير بقوله : «إن شئت» و «إن شاء» على النحو المتعارف ، وأ نّه مع وقوع البيع اختياراً وبلا إكراه يصحّ ، فتأمّل .

ومنها : رواية علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر علیه السلام : عن رجل باع ثوباً بعشرة دراهم ، ثمّ اشتراه بخمسة دراهم ، أيحلّ ؟

قال : «إذا لم يشترط ورضيا فلا بأس»(2) .

وعن علي بن جعفر في «كتابه» مثلها ، إلاّ أ نّه قال : بعشرة دراهم إلى أجل ، ثمّ اشتراه بخمسة دراهم بنقد(3) .

بدعوى : أ نّها تدلّ على البأس - أي البطلان - مع الاشتراط .

ص: 377


1- الكافي 5 : 202 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 51 / 223 ؛ وسائل الشيعة 18 : 41 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 5 ، الحديث 4 .
2- قرب الإسناد : 267 / 1062 ؛ وسائل الشيعة 18 : 42 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 5 ، الحديث 6 .
3- مسائل علي بن جعفر : 127 / 100 .

وفيه : - مضافاً إلى منع كون «البأس» بمعنى البطلان ، بل الظاهر منه الصحّة مع المرجوحية ، فتدلّ على خلاف المقصود ، كما أ نّه لو اُريدت منه الحرمة الشرعية ، كان لازمها الصحّة - أنّ الظاهر أنّ هذا النحو من المعاملة مع الاشتراط المذكور ، إنّما وقع حسب التعارف ؛ للتخلّص عن الربا ، فالشارط يريد أكل الربا على وجه مشروع بزعمه ، كما هو متعارف عند آكلها المتشرّع ؛ بتخيّل أ نّه مع تغيير العنوان ، يخرج الموضوع عن أكل الربا ، فيبيع شيئاً بمبلغ إلى أجل ، ويشتري منه نقداً بأقلّ منه ، حسب ما يتراضيان به في مقدار الربا .

وعليه فيمكن أن يقال : إنّ وجه البطلان أ نّه لا جدّ لهما في المعاملة واقعاً ، وعلى فرض الجدّ ، يكون البطلان والحرمة لما قرّرنا في محلّه ؛ من بطلان المعاملة التي يقصد بها التخلّص عن الربا وحرمتها (1) ، وكيف كان لا تدلّ الروايات على المقصود .

وهاهنا روايات تدلّ على الصحّة في الأبواب المتفرّقة ، لا داعي لنقلها بعد كون الصحّة على القاعدة ، كالروايات الواردة في باب النكاح(2) والصحيحة الواردة في قضيّة اشتراء عائشة(3) وما وردت في الشروط الباطلة ، ومن جملتها عدم التوريث(4) . . . إلى غير ذلك .

ص: 378


1- تقدّم في الجزء الثاني : 577 .
2- راجع وسائل الشيعة 21 : 296 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 38 ، الحديث 1 .
3- الكافي 5 : 485 / 1 ؛ الخصال : 190 / 262 ؛ وسائل الشيعة 21 : 161 ، كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، الباب 52 ، الحديث 2 .
4- ا لكافي 5 : 212 / 17 ؛ تهذيب ا لأحكام 7 : 67 / 289 ، و : 373 / 1509 ؛ وسائل الشيعة 18 : 267 ، كتاب التجارة ، أبواب بيع الحيوان ، الباب 15 ، الحديث 1 .
الثالث : في عموم خيار تخلّف الشرط للشروط الفاسدة

هل الخيار في تخلّف الشرط مختصّ بتخلّف الشروط الصحيحة ، أو يعمّ الفاسدة ؟

والكلام إنّما هو بعد تحقّق الشرط جدّاً ، فيخرج ما لا يمكن الجدّ فيه ، كالشرط غير المقدور مع العلم بعدم القدرة .

والظاهر ثبوته مطلقاً في شروط الفعل والنتيجة ؛ فإنّ الخيار في التخلّف - كما مرّ مراراً - عقلائي(1) ، وموضوع حكم العقلاء هو التخلّف ، سواء كان الشرط صحيحاً شرعاً أم لا ، ومقدوراً أم لا .

فلو شرط بنحو شرط النتيجة كون الخمر ملكاً له ، ولم تتحقّق الملكية للمحذور الشرعي يتحقّق التخلّف ، كما لو شرط كون مال الغير له مع الجهل .

وكذا الحال في شرط الفعل ، فلو شرط أن يجعل العنب خمراً ، ولم يفعل للمحذور الشرعي ، تحقّق موضوع الخيار عند العقلاء ، وكذا الحال لو كان تركه لمحذور عقلي ، كعدم القدرة .

وعلى الجملة : ما هو الموضوع للخيار ، صرف تخلّف الشرط والقرار ، لا التخلّف العمدي والاختياري ، ولا تخلّف الشرط المشروع ، ولا المقدور ، فالخيار ثابت حتّى في الشروط المخالفة للكتاب ، إلاّ أن يدلّ دليل على عدم ثبوته ، هذا على القول المختار .

ص: 379


1- تقدّم في الصفحة 226 - 227 و315 و334 - 335 .

وكذا الحال لو كان المستند للخيار ، هو تقيّد الالتزام المعاملي كما قيل(1) ، هذا بحسب القواعد .

وأمّا بالنظر إلى الأدلّة ، فقوله علیه السلام : «المسلمون عند شروطهم ، إلاّ كلّ شرط خالف كتاب اللّه»(2) وما بهذا المضمون(3) ، لا دلالة فيه على ثبوت الخيار عند التخلّف أو عدمه ، لو كان الشرط فاسداً .

نعم ، بناءً على ما تقدّم من الاستدلال به لجميع أصناف الشروط - أي شرط الوصف ، والنتيجة ، والفعل(4) - يمكن القول : بأنّ مقتضاه عدم الخيار لو كان شرط الوصف ممنوعاً شرعاً ؛ لأنّ شرط الوصف لا أثر له إلاّ الخيار عند التخلّف ، ومعنى لزوم ملازمة المشروط عليه لشرطه ، هو ترتيب آثار الخيار عند التخلّف ، فيدلّ دليل الشرط في هذا القسم ، على عدم لزوم ترتيب آثار الخيار ، أو عدم جوازه ، ولازمه عدم ثبوته .

فلو شرط كون العنب على صفة تصلح للخمرية ، وقلنا : ببطلانه شرعاً وممنوعيته ، كان لازمه عدم الخيار ؛ لعدم أثر غير ذلك ، بخلاف شروط النتائج والأفعال .

ص: 380


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 332 .
2- الفقيه 3 : 127 / 553 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 22 / 93 ؛ وسائل الشيعة 18 : 16 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 6 ، الحديث 2 .
3- الكافي 5 : 169 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 22 / 94 ؛ وسائل الشيعة 18 : 16 و17 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 6 ، الحديث 1 و5 .
4- تقدّم في الصفحة 319 - 323.

وبالجملة : إنّ الاستثناء في شرط الصفة لازمه نفي الخيار ؛ لعدم أثر غيره ، وفي غيره دالّ على نفي الأثر في النتيجة ، وعلى عدم الوجوب في الفعل ، ولا دليل على تنزيل الشرط منزلة العدم ، حتّى يستفاد منه عدم الخيار ؛ فإنّ ما دلّ على بطلان الشرط ، وعلى فساده ، وعلى كونه مردوداً ، لا يستفاد منها ذلك ، بل الظاهر منها ثبوته ولو كان فاسداً .

نعم ، ربّما يتوهّم من رواية زرارة في قضيّة ضريس وبنت حمران ذلك ، حيث قال فيها : «اذهب وتزوّج وتسرّ ؛ فإنّ ذلك ليس بشيء ، وليس شيء عليك ولا عليها»(1) .

بأن يقال : إنّ نفي الشيئية عن الشرط ، هو التنزيل منزلة العدم ، وإطلاقه يقتضي سلب الخيار في الشروط المخالفة للشرع .

وفيه : - مع ضعف سندها (2) ، ومعارضتها لصحيحة منصور بزرج(3) - أنّه

ص: 381


1- الكافي 5 : 403 / 6 ؛ الفقيه 3 : 270 / 1285 ؛ وسائل الشيعة 21 : 276 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 20 ، الحديث 2 .
2- رواها الكليني ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن علي بن الحكم ، عن موسى بن بكر ، عن زرارة . والظاهر أنّ الرواية ضعيفة بموسى بن بكر الواسطي ، فإنّه قد تعرّض له النجاشي والشيخ من دون أيّ توثيق ، بل عدّه الشيخ من الواقفة ، وإن استدلّ بعض لوثاقته باُمور . اُنظر رجال النجاشي : 407 / 1081 ؛ رجال الطوسي : 343 / 9 ؛ تنقيح المقال 3 : 254 / السطر 2 (أبواب الميم) .
3- الكافي 5 : 404 / 8 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 371 / 1503 ؛ وسائل الشيعة 21 : 276 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 20 ، الحديث 4 .

لا يستفاد منها عموم التنزيل ، ولا سيّما مع قوله علیه السلام : «وليس شيء عليك ، ولا عليها» الظاهر في بطلانه ، وخصوصاً مع التعبير في غيرها (1) ب «الفساد» وكون التنزيل منزلة العدم بنحو الإطلاق ، أمر بعيد عن الأذهان العرفية ، فلا ينقدح فيها إلاّ فساده ، وعدم لزوم العمل به ، وقد مرّ في بعض المباحث بعض الكلام فيها (2) .

فتحصّل ممّا ذكر : عدم دليل على خلاف ما عليه العقلاء - من ثبوت الخيار - إلاّ في شرط الوصف فيما لو كان على خلاف الشرع .

ثمّ إنّ البحث على فرض مفسدية الشرط الفاسد ؛ عن حكم ما لو أسقط الشرط ، أو كان الشرط بنحو المقاولة قبل البيع من غير ذكر فيه ، أمر زائد ، لا أرى وجهاً لتفصيله .

مع أ نّه على هذا الفرض ، يكون المستند المعتنى به ، هو كون الرضا المعاملي أو المنشأ ، متقيّداً وواحداً غير قابل للتحليل ، وعليه فعند نفي القيد ، لا يبقى عقد وقرار ، فلا تأثير لإلغاء الشرط ، كما أشار إليه الشيخ الأعظم قدّس سرّه (3) .

كما أ نّه لا فرق بين ذكره في ضمن العقد ، وبين كون العقد مبنيّاً عليه ، والأمر سهل .

ص: 382


1- تهذيب الأحكام 7 : 365 / 1479 ؛ وسائل الشيعة 21 : 275 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 20 ، الحديث 1 .
2- تقدّم في الصفحة 267 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 102 .

القول في أحكام الخيار

اشارة

ص: 383

ص: 384

مسألة في أنّ جميع الخيارات موروثة

اشارة

الخيار موروث بأنواعه ، والدليل عليه - بعد تسالم الأصحاب عليه ، ونقل عدم الخلاف(1) ، بل الإجماع كما هو ظاهر «التذكرة»(2) وعن «الغنية»(3) دعوى الإجماع في بعض الخيارات - ظاهر الكتاب .

كقوله تعالى : (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأَقرَبُونَ)(4) .

والنبوي المعروف : «ما ترك الميّت من حقّ فلوارثه»(5) .

ص: 385


1- رياض المسائل 8 : 202 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 109 .
2- تذكرة الفقهاء 11 : 175 .
3- غنية النزوع 1 : 221 .
4- النساء (4) : 7 .
5- لم نعثر على هذه الرواية في المجامع الروائية ولكنّها موجود في الكتب الفقهية ، راجع رياض المسائل 8 : 202 ؛ جواهر الكلام 23 : 75 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 109 - 110 .

وقد يستشكل فيهما : بأنّ الخيار أمر اعتباري ، متقوّم بذي الخيار ، ولا يعقل بقاؤه حال موته .

بل هذا جارٍ في مطلق الحقوق ؛ لأنّ وزانها وزان الملكية ، فكما لا يعقل بقاؤها مع موت المالك ، كذلك الحقوق(1) .

والظاهر من (مِمَّا تَرَكَ) هو ما بقي بعد موت المورّث ، فلا يصدق ذلك إلاّ على ما له بقاء ولو اعتباراً ، وذلك مثل الدين على عهدة المدين ، وكالكلّي في الذمّة .

وهذا بخلاف الحقوق ، فإنّها مع عدم الطرف ، لا يعقل بقاؤها ولو اعتباراً .

فما في بعض الكلمات من الجواب عنه نقضاً : بالكلّي في الذمّة ، وحلاًّ : بأنّ للخيار بقاءً اعتبارياً (2) ليس بشيء .

والجواب عن الإشكال : هو أنّ قوله تعالى : (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ . . .)(3) ، إلى آخر ، ليس المراد منه ما توهّم ، بل المراد - ولو بمساعدة فهم العرف في باب التوريث ، حيث إنّه أمر عرفي ليس من مخترعات الشرع - أنّه ينتقل إلى الوارث ما يكون الموت موجباً لانقطاعه عنه ؛ أي الموت موجب للنقل ، لا أنّ الإرث ملك بحكم الشرع بقي بلا مالك ، بعد ما ترك الشيء بموته ، حتّى يرجع إلى عدم تلقّي الورثة من مورّثهم ؛ ممّا هو خلاف الضرورة عرفاً وشرعاً .

ص: 386


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الخراساني : 253 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 :321 ؛ اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 237 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 237 - 238 .
3- النساء (4) : 7 .

فالموت سبب للنقل ، ملكاً كان ، أو حقّاً كالبيع والصلح ، ومعنى «ما تركه الميّت فلوارثه»(1) أي ما انقطعت إضافته عنه ، لا يبقى بلا مالك ، بل مالكه الوارث .

وبعبارة اُخرى : إنّ المراد بهذه الآية وأشباهها - ولو بالقرائن العقلائية ، وفهم العرف - هو أنّ ما كان للميّت حال الحياة ، يكون لوارثه بعد موته ، فالموت ليس سبباً لسلب الحقّ وإعدامه ، بل سبب لنقله إلى الورثة ، فيصدق «أنّ الميّت ترك لوارثه ما كان له» لا «أ نّه ترك المال بلا إضافة ، ثمّ اُضيف إلى الوارث» فإنّه مخالف للضرورة .

فالحقوق كالأعيان المملوكة ، تنتقل بنفس الموت ، وتكون من متروكات الميّت ، بل لها بقاء وإن تبادلت الإضافات ، ولا تصير معدومة في حال .

والشاهد على ذلك - بعد عرفية المسألة ، وعدم اختصاص الإرث عند العرف بالأعيان ، بل يكون ثابتاً في مثل حقّ التحجير وسائر الحقوق ، إلاّ ما دلّ الدليل على خلافه - النبوي المعروف الذي يقال فيه : إنّه مجبور بعمل الأصحاب(2) ، حيث نصّ فيه على أنّ الحقّ ممّا ترك ، فلا بدّ وأن لا يكون المراد من «ما ترك» ما بقي بعد الموت وله وجود بقائي مع عدم الإضافة .

بل يكون المراد منه : أنّ ما للميّت من الحقّ ، فهو لوارثه عند انقطاع إضافته عنه ، وهو عبارة اُخرى عن نقل ما للميّت إلى الورثة .

وعلى ما ذكرناه ، فالآية دالّة بإطلاقها على أنّ كلّ ما للميّت مورّث ، فعدم

ص: 387


1- تقدّم في الصفحة 385 .
2- مفتاح الكرامة 14 : 289 ؛ رياض المسائل 8 : 202 ؛ جواهر الكلام 23 : 75 .

التوريث في بعض الحقوق ، محتاج إلى الإثبات ، لا أنّ الاستدلال بالآية ، محتاج إلى إثبات كون شيء حقّاً وقابلاً للنقل(1) ، ففي موارد الشكّ في كون شيء حقّاً ، يستدلّ بالآية على كونه حقّاً ؛ لأ نّه مورّث .

وتوهّم : عدم إطلاقها من هذه الحيثية ؛ لكونها في مقام بيان كون الرجال والنساء ، وارثين ولهم نصيب(2) يردّه نفس الآية ، حيث عقّبها بقوله : (مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ) ممّا يؤكّد الإطلاق ، ويدفع التوهّم .

ولو قيل : إنّ الشبهة في الآية والرواية مصداقية ، لا يصحّ التمسّك بإطلاقهما .

يقال : - مضافاً إلى أنّ المقيّد عقلي ، يقتصر فيه على المتيّقن فيما لم يخرج بعنوان واحد ، بل مطلقاً على رأيهم - إنّ الآية الكريمة مع ذيلها ، كأ نّها نظير قوله : «لعن اللّه بني اُميّة قاطبة»(3) ويأتي فيها ما يقال فيه : من استكشاف حال الفرد عند الشكّ(4) ، فتدبّر .

وإنّ الرواية تدلّ بإطلاقها ، على أنّ كلّ حقّ مورّث ، فيستكشف منها قابلية كلّ حقّ للانتقال ، فيرفع بها الشكّ عن كون حقّ قابلاً للنقل ، فيحتاج عدم القابلية إلى دليل ، وهذا عكس ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه وغيره(5) .

ص: 388


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 110 .
2- الخيارات (تقريرات المحقّق الحائري) الأراكي : 539 .
3- كامل الزيارات : 329 ؛ بحار الأنوار 98 : 292 .
4- كفاية الاُصول : 260 .
5- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 110 ؛ منية الطالب 3 : 285 .

ثمّ إنّه مع الغضّ عمّا تقدّم ، أو تسليم الإشكال ، يمكن أن يقال : إنّه لا شكّ في أنّ الخيار المجعول بالشرط ، من الحقوق عرفا ، لا من الأحكام .

كما أنّ سائر الخيارات العقلائية - كخيار تخلّف الشرط ، والقيد ، وخيار الغبن ، والعيب - لا تكون ماهيات غير الخيار المشروط ، فالخيار الثابت بالغبن ونحوه ، عين الخيار المجعول بحسب الحقيقة والآثار .

وإذا كانت الخيارات العقلائية كذلك ، فالخيارات الشرعية - كخيار المجلس والحيوان ؛ ممّا اُخذ «الخيار» بعنوانه في دليلها - محمولة عرفاً على ما هو المعهود عندهم من الخيار ، ولا ينقدح في الأذهان ، مخالفة هذا الخيار لما عندهم من الخيارات .

وكذا الحال في سائر موارد الجواز ، بعد صدق عنوان «الخيار» عليها بحسب تسالم الأصحاب ، كخيار التأخير ، وما يفسد ليومه .

فلا ينبغي الإشكال ، في كون الخيار بأنواعه من الحقوق ، كما لا تبعد قابلية الخيارات العقلائية للنقل عند العقلاء ، كما لا إشكال في سقوطها بالإسقاط في سوقهم ، فيستكشف منه حال سائر الخيارات بالبيان المتقدّم .

هل إرث الخيار تابع لإرث المال ؟

بقي شيء : وهو أنّ إرث الخيار ، هل هو تابع لإرث المال فعلاً ، فلا يرثه الورثة فيما لو فرض استغراق الدين للتركة ، وكذا لا يرثه من هو محروم بالتعبّد الشرعي من بعض التركة ، كالزوجة بالنسبة إلى الأرض ، وغير الأكبر من الأولاد بالنسبة إلى الحبوة ؟

ص: 389

ظاهر الشيخ قدّس سرّه ، عدم الإشكال في الفرع الأوّل ؛ في أ نّه يرثه الورثة ، والإشكال في الثاني(1) .

والظاهر أ نّهما مشتركان في الإشكال تقريباً ودفعاً ، وإن اختلفا في بعض الخصوصيات .

والتحقيق : ثبوت إرث الخيار مطلقاً في الفرعين ؛ لإطلاق أدلّة الإرث ، وعدم المانع منه؛ فإنّ ما يعدّ مانعاً مطلقاً ، أو في بعض الفروض ، أو يمكن أن يعدّ ، اُمور:

منها : أنّ الخيار سلطنة على استرجاع العوضين ؛ أي سلطنة على ترادّهما ، أو سلطنة على استرجاع ما انتقل عنه ، أو على ردّ ما انتقل إليه :

فعلى الأوّل : لا يرث المحروم مطلقاً ؛ لفقد السلطنة .

وعلى الأخيرين : لا بدّ من التفصيل فيما يحرم الوارث عنه ، بين ما انتقل عنه وإليه ، تارة بالحرمان في الأوّل ، واُخرى في الثاني ، وهذا هو الوجه الذي أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه ، وفصّل فيه بالعبارات المختلفة(2) .

وفيه : أنّ الخيار حقّ قائم بالعقد ، ولا مساس له بالعوضين ، ومع فسخه وحلّه يرجع العوضان قهراً ، بلا تصرّف من ذي الخيار فيهما ، ولا سلطنة له عليهما ، فالسلطنة قائمة بالعقد ، لا بالعين .

بل التحقيق على ما تقدّم منّا مراراً : أنّ ماهية الفسخ بالخيار ، تابعة لماهية العقد(3) ، ولا شبهة في أنّ ماهية العقد وما هو تحت قدرة المتبايعين ومورد

ص: 390


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 111 .
2- نفس المصدر.
3- تقدّم في الجزء الرابع : 492 - 493 ، 501 ؛ وفي الصفحة 347 و351 .

جعلهما ، إنّما هو إنشاء التبادل والتبادل الإنشائي لا الحقيقي المتقوّم باعتبار العقلاء ؛ ضرورة أنّ اعتبار الشرع أو العقلاء ، ليس أمراً قابلاً للجعل ، ولا تتعلّق قدرة المتعاملين به ؛ فإنّ له مبادئ ومقدّمات وجودية خاصّة به .

بل الأمر كذلك في جميع العقود والإيقاعات ، فما هو المجعول موضوع اعتبار الشرع والعقلاء ، لا نفس اعتبارهما ، أو نفس ما يعتبران .

وأقوى دليل على ذلك ، صدق عنوان «البيع» و«الإجارة» و«النكاح» وغيرها ، عرفاً وعقلاً وشرعاً ، على الفضولي منها ، وعلى ما يقع كرهاً ، ومن الضروري عدم اختلاف ماهية الفضولي منها مع غيره .

فالفضولي وغيره ، لا يفترقان في ماهية العقد وعنوانه ، وإن كانا يفترقان في ترتّب الآثار وعدمه ، وكون أحدهما مورد اعتبار العقلاء والشارع فعلاً ، والآخر مشروطاً بالإجازة ، وليست الإجازة جزء ماهية العقد ومتمّم عنوانه ، بل شرط لترتّب الأثر ، وصيرورته موضوعاً للحكم العقلائي أو الشرعي .

فالفضولي بيع حقيقة مع عدم ترتّب الأثر عليه ، وعدم النقل الاعتباري الواقعي ، والتبادل فيه إنشائي محض ، فيستكشف منه أنّ ماهية العقد ، ليست إلاّ التبادل الإنشائي ، سواء في ذلك الفضولي وغيره .

ولا إشكال في أنّ الخيار ، حقّ فسخ العقد المنشأ بإنشاء المتعاقدين ، ولا يعقل أن يكون أمراً زائداً على ذلك ، فالحلّ يتعلّق بالعقد الإنشائي ليس إلاّ .

وعلى ذلك : فلا مانع من إرث الخيار بالنسبة إلى ما يحرم عنه الوارث من المال ، سواء قلنا : بأنّ الحقّ متعلّق بالعقد ، كما هو التحقيق .

أو متعلّق بالعين ، وأنّ الفسخ عبارة عن الاسترجاع والترادّ ؛ فإنّ الترادّ إنّما هو

ص: 391

في العقد الإنشائي والتبادل الإنشائي ، والسلطنة عليه هي السلطنة على هذا الترادّ ، ولا تعتبر فيه السلطنة على النقل الحقيقي ، حتّى يقال : بعدم سلطنة المحروم من الإرث ، ثمّ بعد إعمال السلطنة والخيار ، يترتّب عليه الأثر العقلائي والشرعي .

ومنها : أنّ الفسخ عبارة عن إخراج العوضين عن ملك المتعاقدين ، وإدخالهما في ملكهما ، كما أنّ العقد عبارة عن إدخالهما وإخراجهما ، وهذا المعنى مفقود في المقام .

وفي الحقيقة هذا إشكال في أصل إرث الخيار ، من غير فرق بين المحروم عن المال وغيره .

وفيه : مضافاً إلى منع دخالة هذا الإخراج والإدخال في ماهية العقد ، وكذا في ماهية الفسخ ، بل هو من آثارهما نوعاً ، ولهذا يصحّ بيع الوقف عند حصول المسوّغات ، ومبادلة الفقيهين الأجناس الزكوية عند المصلحة ، مع فقد الملكية - بلا إشكال - في الوقف العامّ ، بل مطلقاً ، وعلى التحقيق في الزكاة .

أنّ العوضين إذا صارا ملكاً لغير المتعاملين ، لا بدّ وأن يؤثّر الفسخ في الرجوع إلى المالك الفعلي ، فتكون آثار الخيار تبعاً للملك عرفاً .

على أ نّه لا مانع من دخول المعوّض في ملك الميّت ، وتلقّي الأحياء منه ، واعتبار ملكية الميّت عقلائي إذا ترتّب عليه أثر ، وليس الميّت عند الملّيين معدوماً أو كالمعدوم .

مع ما عرفت : من أنّ العقد والحلّ إنشائيان ، وترتّب الآثار عليهما عقلائي ، ولا إشكال في أنّ العقلاء ، يحكمون بملكية الورثة بعد الفسخ والحلّ الإنشائي ،

ص: 392

والردّ إنشاء إلى ملك الميّت ممّا لا إشكال فيه ، وليست الملكية حقيقية ، حتّى يتوهّم عدم اعتبارها للميّت ، مع منع ذلك أيضاً .

ومنها : أنّ الخيار ، شرع لجلب المال إلى ذي الخيار ، وفيما إذا انتقلت الأرض عن الميّت ، لا يكون الخيار للزوجة ، بخلاف ما إذا انتقلت إليه ، فإنّها بالخيار تستجلب الثمن(1) ، فيصحّ التفصيل الذي اختاره الفخر رحمه الله علیه (2) .

وفيه : أنّ اعتبار الاستجلاب إلى ذي الخيار ممنوع ، وأصله حاصل ، كما في موارد ثبوت الخيار للأجنبيّ ، وكخيار المجلس للوكيل ، على ما تقدّم وجهه .

وأمّا توهّم : كون استجلاب المال بالخيار الموروث للوارث ، قيداً في أدلّة الإرث فواضح النظر ؛ لفقد ما يشعر بذلك في أدلّته ، فضلاً عن الدلالة .

ثمّ إنّ الإشكال في مثل الأرض المنتقلة عن الميّت ، مبنيّ على أنّ الفسخ ، موجب لصيرورتها ملكاً لغير الزوجة ؛ إمّا لرجوعها بالفسخ إلى الميّت ، وتلقّي الورثة لها منه ، أو لكونها بحكم المال الموروث .

وإلاّ فلو قلنا : بأنّ التملّك بالفسخ ليس إرثاً ، ولا بحكمه ، والزوجة إنّما تتلقّاها به ، وتصير مالكة لها ، لاندفع الإشكال .

بل يمكن على هذا المبنى ، التفصيل بين ما انتقل إليه وعنه ، عكس ما ذهب إليه الفخر رحمه الله علیه (3) ، وقواه الشيخ قدّس سرّه (4) ؛ بأن يقال : فيما إذا انتقلت عن الميّت ،

ص: 393


1- منية الطالب 3 : 292 .
2- إيضاح الفوائد 1 : 487 .
3- نفس المصدر .
4- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 114 .

لا مانع من إرثها ، لا من قبل الثمن ؛ لأ نّها مالكة لحصّتها فعلاً ، ولا من قبل الأرض ؛ لأ نّها بالفسخ ترجع إلى ملكها على حساب الحصص ، بخلاف العكس ؛ لعدم سلطنتها على الأرض حتّى يردّها ، ولكن قد عرفت التحقيق في المسألة(1) .

ثمّ إنّ الإشكالات المتقدّمة ، تأتي كلاًّ أو بعضاً في الدين المستغرق(2) ، والجواب هو الجواب ، ويختصّ بإشكال آخر ؛ وهو أنّ الإرث - كتاباً (3) وسنّة(4) - بعد أداء الدين ، فالخيار لا يورث كسائر ما للميّت ، إلاّ بعد أداء الدين ، والفسخ إن أوجب ردّ العوضين ، فالسلطنة عليه مفقودة .

وإن أوجب حلّ العقد الإنشائي ، من غير تأثير وترتّب حكم شرعي أو عقلائي عليه ، فهو لغو .

ولا يدفع هذا الإشكال ؛ بأنّ الخيار لا يزاحم حقّ الديّان ؛ لأ نّه ليس بمال .

نعم ، يمكن دفع اللغوية : بأنّ له أثراً في بعض الأحيان ، وهو كافٍ ، مع أنّ في الجعل القانوني ، لا تلاحظ الخصوصيات ، كما قرّر في محلّه(5) ، وللمسألة محلّ آخر .

ص: 394


1- تقدّم في الصفحة 390 - 392 .
2- راجع ما يأتي في الصفحة 413 .
3- النساء (4) : 12 .
4- وسائل الشيعة 19 : 329 ، كتاب الوصايا ، الباب 28 .
5- مناهج الوصول 2 : 17 - 18 ؛ أنوار الهداية 2 : 204 .

مسألة : في كيفية استحقاق الورثة للخيار

اشارة

في كيفية استحقاق الورثة للخيار - بعد كونه واحداً غير قابل للتجزئة والتقسيم - احتمالات ، بل أقوال :

منها : ثبوت الخيار مستقلاًّ لكلّ من الورثة ؛ بنحو العامّ الاستغراقي ، كثبوته للمورّث ، فيكون لكلّ منهم فسخ العقد ، واسترجاع العوضين كلاًّ ، وإن أمضاه غيره(1) .

ومنها : ثبوته لكلّ على النحو المذكور ، لكن بالنسبة إلى حصّته ، واختاره بعض الأعيان(2) .

ومنها : ثبوت خيار واحد للمجموع ، كالحكم في العامّ المجموعي ، فيعتبر المجموع واحداً ، له حقّ واحد(3) .

ص: 395


1- جواهر الكلام 23 : 76 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 410 و413 ؛ منية الطالب 3 : 297 - 298 .
3- قواعد الأحكام 2 : 68 ؛ إيضاح الفوائد 1 : 487 ؛ مسالك الأفهام 3 : 214 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 118 .

ومنها : ثبوته لصرف وجود الوارث ، أو لطبيعي الوارث(1) ، وهذا الوجه وإن اختلف مع ما سبق في الاعتبار ، لكنّه يرجع إليها بحسب الحكم ؛ فإنّه إن اُريد من ثبوته له ، ثبوته للطبيعة المتكثّرة - بحيث يتكثّر الخيار بتكثّرها - فيرجع إلى الاحتمال الأوّل أو الثاني .

وإن اُريد منه ، ثبوته للمجموع المحقّق للصرف ، فيكون خيار واحد للواحد ، فيرجع إلى الثالث ؛ فإنّ صرف الوجود بحسب الاعتبار ، أمر موجود بوجود الموجود الخارجي المحقّق له ، كالطبيعة الموجودة بعين وجود الأفراد .

والفرق بينهما ليس من هذه الجهة ، بل من جهة أنّ الطبيعة ، متكثّرة بتكثّر أفرادها ، سواء في ذلك الطبائع الأصلية الحقيقية ، والاعتبارية على نحو ما في التكوين ، وأمّا الصرف فيوجد بوجود الكثير على نحو الوحدة ، نظير ما قاله الرجل الهمداني في الكلّي الطبيعي(2) .

فصرف وجود الإنسان واحد في الواحد بعينه ، وفي الكثير بعين الكثير ، وإلاّ فلو وجد مع كلّ واحد ، خرج عن الصرف ؛ لأنّ الصرف لا كثرة فيه ، ولا تكرار .

فما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه في قوله : هنا معنىً آخر لقيام الخيار بالمجموع . . . إلى آخره(3) ، فيه مسامحة ؛ فإنّه إن أراد ب «الطبيعة» طبيعي الوارث ، فلا يكون في الخارج واحداً ، ولا معنى للقيام بالمجموع ؛ فإنّ الطبيعي متكثّر بتكثّر الأفراد .

ص: 396


1- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 118 .
2- الحكمة المتعالية 1 : 273 ؛ شرح المنظومة ، قسم المنطق 1 : 149 ، وقسم الحكمة 2 : 347 - 348 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 118 .

وإن كان المراد صرف الوجود ، ففي صورة التعدّد ، لا يكون الصرف إلاّ واحداً ، موجوداً بوجود الكثير ، وللواحد الكذائي خيار ، فلا معنى لنفوذ فسخ كلّ منهم ؛ للزوم كون كلّ منهم صرفاً ، وللزم منه تكرار الصرف بتكرّر العدد .

فذو الخيار عنوان واحد ، موجود بوجود المجموع بنحو الوحدة ، لا الكثرة ، حتّى يلزم ثبوته لكلّ منهم ، فتدبّر جيّداً .

ثمّ إنّ الممكن من هذه الاحتمالات ، هو الوجه الثالث والرابع ؛ أي الثبوت للمجموع ، أو لصرف الوجود ، وأمّا الصور الاُخر فممتنعة .

توضيحه : أنّ الاُمور الاعتبارية العقلائية ، على وزان الماهيات الأصلية كالجواهر والأعراض ، فإنّه كما أنّ للطبائع الحقيقية ، مصاديق موجودة في الخارج ، جزئية غير قابلة للتكثّر والصدق على الكثيرين ، ولها جامع ذاتي ؛ هو طبيعي العنوان، كلي قابل للصدق على الكثيرين، كذلك الاُمور الاعتبارية كالملك والحقّ والبيع، فإنّ لها عنواناً طبيعياً اعتبارياً ، قابلاً للكثرة في الخارج ، ومصاديق للطبيعي منها في الخارج ؛ بمعنى اعتبار وجود خارجي غير قابل للصدق .

فعنوان «البيع» و «الحقّ» و «الملك» بنفسه كلّي صادق على المصاديق الخارجية ، والحقّ الشخصي الموجود بالوجود الخارجي ، أمر جزئي شخصي ، غير قابل للتكثّر .

وربّما يتوهّم : أنّ انحلال بعض العقود - كعقد البيع الواقع على ما يملك وما لا يملك ، وبعض الحقوق ، كحقّ التحجير الثابت في الأرض المحجّرة ، التي كلّ قطعة منها مورد للحقّ ، والحقّ القائم بالأرض منحلّ إلى الحقوق - هو نقض على ما ذكرناه .

ص: 397

وهو غفلة عن الواقعة ؛ أمّا في مثل البيع فلمّا مرّ منّا : من أنّ البيع هو العقد الإنشائي(1) ، وبه ينتقل إنشاء كلّ المبيع ، من غير فرق بين ما يملك وما لا يملك .

وإنّما يفرّق بينهما في مقام التأثير العقلائي أو الشرعي ، الخارج عن حقيقة البيع ، فيؤثّر في جزء من المبيع دون جزء ، وهذا ليس انحلال البيع الشخصي .

وأمّا الانحلال في بيع اُمور متكثّرة تجمع بلفظ واحد في الإنشاء ، فهو من أجل أ نّه إنشاء بيوع متكثّرة ، وقد مرّ دفع توهّم أنّ بيع مثل الدار ينحلّ إلى بيع أجزائها ، فينحلّ إلى بيوع(2) .

وأمّا حقّ التحجير ، فهو ثابت لعنوان صادق على الكلّ وأجزائه ، فكما أنّ الأرض محجّرة بأسباب التحجير ، كذلك قطعاتها محجّرة بتلك الأسباب ، فكلّ قطعة تلاحظ تكون محجّرة بالتحجير الواقع على الأرض ، ولصاحبه حقّ إحيائها ، كما له حقّ إحياء الجميع .

وإن شئت قلت : إنّه إذا لوحظت الأرض جميعها بنحو الوحدة ، تكون شيئاً واحداً ويتعلّق بها حقّ واحد ، وإذا لوحظت قطعات ، وانفصل بعضها عن بعض ، تعلّق بكلٍّ حقٌّ مستقلّ ؛ لأ نّها قطعة محجّرة ، كما أنّ الدار الواحدة ملك واحد ،

وإذا اُفرزت إلى قطعات ، صارت كلّ قطعة ملكاً مستقلاًّ ، ولتفصيل الواقعة محلّ آخر .

ثمّ لو قلنا : بالانحلال في مثل تلك الموارد ، فلا مجال له في المقام ؛ لأنّ حقّ الخيار لا ينحلّ إلى حقوق ، ضرورة أنّ المورّث لم يكن له إلاّ حقّ واحد متعلّق

ص: 398


1- تقدّم في الجزء الأوّل : 66 ، وتقدّم في الصفحة 351 و390 - 391 .
2- تقدّم في الجزء الثاني : 548 - 550.

بالبيع ، ولم يكن له إلاّ فسخه في جميع محتواه ، أو إمضاؤه كذلك ، فلو فرضت صحّة الانحلال في بعض الحقوق ، لا إشكال في أنّ حقّ الخيار ليس منها .

فتحصّل ممّا ذكر : أنّ حقّ الخيار حقّ شخصي ، وموجود جزئي ، غير قابل للكثرة ، فلا يعقل أن يصير بالنقل كثيراً ، كما لا يعقل انتقاله بوجوده الخارجي إلى طبيعي الوارث ، القابل للصدق على الكثيرين ؛ بمعنى تكثّره بتكثّر الأفراد ، وأمّا انتقاله إلى المجموع المعتبر شيئاً واحداً ، أو إلى صرف الوجود ، فلا مانع منه .

ثمّ إنّ الظاهر من النبوي(1) لولا القرينة العقلية ، هو طبيعي الوارث ، وبمقتضى القرينة - وهي وحدة الحقّ وجزئيته الحقيقية - هو صرف وجوده ، الموجود بوجود الكثير بنحو الوحدة .

وأمّا الحمل على المجموع ، فخلاف الظاهر جدّاً ، بل ترك للعمل به ؛ فإنّ المجموع هو الأفراد المعتبرة واحدا ، لا طبيعي الوارث ، ولا جنسه ، والظاهر منه هو الجنس ، لا الأفراد ، والحمل على الصرف مع القرينة ، أخذ بظاهره من جهة ؛ وهي كون الموضوع هو الطبيعة والجنس ، والقرينة دالّة على اعتبار الوحدة فيها ، فالطبيعة محفوظة ، وزيد عليها اعتبار .

وأمّا ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه لبيان الحمل على المجموع : من أنّ مقتضى أدلّة الإرث في الحقوق غير القابلة للتجزئة والأموال القابلة لها ، أمر واحد ، وهو ثبوت مجموع ما ترك لمجموع الورثة ، إلاّ أنّ التقسيم في الأموال لمّا كان

ص: 399


1- تقدّم في الصفحة 385.

ممكناً ، كان مرجع اشتراك المجموع في المجموع ، إلى اختصاص كلّ منهم بحصّة مشاعة .

بخلاف الحقوق ، فإنّها تبقى على حالها ؛ من اشتراك مجموع الورثة فيها ، فلا يجوز لأحدهم الاستقلال بالفسخ ؛ لا في الكلّ ، ولا في حصّته ، فافهم(1) ، انتهى .

ففيه : أ نّه لا دليل على أنّ مقتضى أدلّة الإرث ما ذكره ، بل الدليل على خلافه ؛ فإنّ أدلّة الإرث في الكتاب والسنّة ، لا تدلّ على أنّ الإرث ينتقل إلى مجموع الورثة ؛ بحيث يكون المجموع موضوعاً واحداً لنقل واحد ، كما هو مقتضى نقل المجموع إلى المجموع :

أمّا الآية الكريمة : (لِلرِّجَالِ نَصيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأَقرَبُونَ . . .)(2) إلى آخرها ، فالظاهر منها أنّ لكلّ رجل نصيباً ، وأنّ لكلّ امرأة كذلك ؛ لظهور الجمع المحلّى في الكثرة الأفرادية ، في قبال العامّ المجموعي ، ولا تعرّض فيها لمقدار النصيب ، بل هي في مقام بيان عدم حرمان الرجال ولا النساء ، ولعلّه للردّ على الجهّال الذين يقولون بحرمان النساء ، أو يحرّمونهنّ عملاً .

وأمّا سائر الآيات المتعرّضة للإرث(3) ، فهي متعرّضة للسهام ؛ من النصف ، والثلث ، وغيرهما ، فتختصّ بالأموال التي يمكن فيها فرض الكسر المشاع ؛

ص: 400


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 118 .
2- النساء (4) : 7 .
3- النساء (4) : 11 - 12 و176 .

من النصف ، والثلث . . . وغير ذلك .

فلو شملت بعض الحقوق التي متعلّقها قابل للكسر المشاع كحقّ التحجير ، فلا إشكال في عدم الشمول لحقّ الخيار ، الذي ليس كذلك ؛ لا بنفسه ، ولا بمتعلّقه الذي هو العقد الإنشائي ، على ما مرّ الكلام فيه(1) ، وآية اُولي الأرحام(2) لا تتعرّض إلاّ لتقدّم بعض على بعض .

ولا دليل في السنّة أيضاً على ما ذكره ، بل لا معنى لما أفاده بوجه ؛ فإنّ نقل المجموع إلى المجموع المقتضي للتساوي أوّلاً ، ثمّ الحكم بالاختلاف من حيث الحصص ، لغو ينزّه الكتاب والسنّة منه ، وانتزاع عنوانهما من أدلّة الإرث المتعرّضة للحصص ، ليس حكماً شرعياً كما لا يخفى .

فما بقي في المقام إلاّ النبوي الذي يقال : إنّه مجبور بعمل الأصحاب(3) ، وهو مختصّ بالحقوق ، وقد عرفت الكلام فيه(4) ، وأنّ الانتقال إلى المجموع خلاف ظاهره جزماً .

وممّا ذكرناه يظهر النظر في كلام الأعلام ، ولا سيّما السيّد الطباطبائي قدّس سرّه ، الذي اختار الخيار لكلٍّ مستقلاًّ بحسب حصّته(5) ضرورة أنّ هذا الحقّ إرث تلقّاه الوارث من مورّثه ، ولا يعقل أن يكون الانتقال على هذا النحو ، مع عدم كون

ص: 401


1- تقدّم في الصفحة 397 - 399.
2- الأنفال (8) : 75 ؛ الأحزاب (33) : 6 .
3- تقدّم تخريجه في الصفحة 387 ، الهامش 2 .
4- تقدّم في الصفحة 399 .
5- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 413 .

المورّث واجداً إلاّ لخيار واحد ، كما لا إشكال في أنّ المورّث لم يكن له خيار بالنسبة إلى الحصص ، فلا معنى لإرث ما لم يتركه المورّث .

فما أفاده مع كونه مخالفاً لأدلّة الإرث مطلقاً ، مخالف للنبوي ؛ فإنّ مقتضاه أنّ ما تركه الميّت موروث ، ومن المعلوم أنّ الميّت ما ترك الخيار في الحصص .

الموارد التي توهّم النقض على عدم انقسام الحقّ الشخصي

ثمّ إنّه قد يتوهّم ، ورود النقض على ما تقدّم(1) في موارد :

منها : حقّ الشفعة(2) ، فإنّه حقّ شخصي وجزئي حقيقي ، مع أنّه يورث بحسب السهام ، على ما نسب إلى أكثر الفقهاء ، وقالوا - على ما حكي - : إنّه لو عفا أحد الورثة عن نصيبه من الشفعة ، لم تسقط الشفعة ؛ لأنّ الحقّ للجميع ، فلا يسقط حقّ غيره(3) .

فيرد عليه عين ما ورد على إرث الخيار ، من الإشكال العقلي من جهتين :

إحداهما : وقوع التعدّد والتكثّر في الواحد الحقيقي ، اللازم من بقاء الحقّ مع إسقاط بعض .

ص: 402


1- تقدّم في الصفحة 387 - 389 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 121 ؛ اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 251 .
3- المختصر النافع : 258 ؛ المهذّب البارع 4 : 279 ؛ جامع المقاصد 6 : 448 ؛ الروضة البهيّة 3 : 60 - 61 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 9 : 11 ؛ مفتاح الكرامة 18 : 708 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 121 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 251 .

ثانيتهما : ثبوت الحقّ على نسبة السهام ، مع عدم ثبوته للمورّث ، مع أنّ ثبوته للورثة ليس إلاّ بالإرث ، ولا يعقل ذلك كما تقدّم .

وفيه : أنّ النقض إنّما يرد ، لو كان الحكم ثابتاً ، وثبوت الإرث في حقّ الشفعة محلّ إشكال وخلاف ، وقد نفاه عدّة من الفقهاء ، كالشيخ ، وابن البرّاج ، وابن حمزة ، والطبرسي رحمهما اللّه ، على ما حكي(1) .

واستدلّ عليه برواية طلحة بن زيد ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي علیهم السلام قال : «إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال : لا تورث الشفعة»(2) .

وطلحة وإن كان بترياً (3) ، لكن عن الشيخ في «الفهرست» : أنّ كتابه معتمد(4) .

ولو سلّمنا ثبوت الإرث فيها بإطلاق الآية المتقدّمة(5)

والنبوي(6) ، وتركنا رواية طلحة ، لكن لا دليل على كيفية ثبوته ، وهي أيضاً محلّ خلاف ، والقرينة العقلية المتقدّمة الحاكمة بثبوته لصرف الوجود ، أو للمجموع ، قائمة في المقام ، ولازمه عدم السقوط إلاّ بإسقاط الجميع ، وعدم حصول التملّك إلاّ بتملّك الجميع ، وعدم كونه على نسبة السهام .

ص: 403


1- النهاية : 425 ؛ الخلاف 3 : 436 ؛ المهذّب 1 : 459 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 259 ؛ اُنظر مفتاح الكرامة 18 : 702 - 703 ؛ جواهر الكلام 37 : 392 .
2- الفقيه 3 : 45 / 158 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 167 / 741 ؛ وسائل الشيعة 25 : 407 ، كتاب الشفعة ، الباب 12 ، الحديث 1 .
3- رجال الطوسي : 138 / 3 .
4- الفهرست ، الطوسي : 149 / 372 .
5- تقدّمت في الصفحة 400.
6- تقدّم في الصفحة 385.

ولو فرض ثبوت الشهرة على خلاف ما ذكر ، فهي مبنيّة على اجتهادهم من أدلّة الإرث ، ومثل هذه الشهرة ليست بحجّة .

وأمّا ما قيل في مقام الدفع عن استقلال كلّ بالعفو : من أنّ ذلك ليس بالإسقاط حتّى يقال : لا حقّ إلاّ للمجموع ، بل من باب إخراج نفسه عن المجموع ، وعن الطرفية لإضافة الحقّ ، وعدم المعية في الأخذ به ، وهذا لا مانع منه ؛ لأنّ هذه المعية له ، لا عليه ، فله الخروج عنها (1) .

ففي غاية الإشكال ؛ ضرورة أنّ الإخراج عن موضوع ما تعلّق به الحكم أو الحقّ ، ليس اختيارياً ، ومجرّد البناء على عدم المعية ، لا يوجب ثبوت الحكم أو الحقّ لما عداه ، وكون المعية له لا يوجب إمكانه ، فهل يمكن لصاحب الحيوان الذي هو موضوع حقّ الخيار ، البناء على أن لا يكون كذلك ، من دون إسقاط الحقّ ؟ !

وهو أوضح من أن يحتاج إلى النقد ، والجواب ما تقدّم(2) .

ومنها : حقّ القذف ، فإنّه حقّ واحد للمقذوف ، مع أنّ بقاء الحقّ لبعض الورثة عند عفو بعضهم ، منصوص(3) فيرد عليه ما ورد في إرث الخيار(4) ؛ لأنّ ثبوت الحقّ لكلّ مستقلاًّ محال ، لأنّ الواحد الشخصي ، لا يعقل فيه التعدّد والتكثّر ،

ص: 404


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 255 .
2- تقدّم في الصفحة 402 .
3- راجع وسائل الشيعة 28 : 208 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ القذف ، الباب 22 .
4- تقدّم في الصفحة 399 و402 .

وإن كان الحقّ ثابتاً للمجموع ، فلازمه الاجتماع في العفو والإجراء .

وفيه : أ نّه لا دليل على أنّ ثبوت الحقّ لكلّ من الورثة ، من قبل التوريث ، بل الدليل على خلافه ، ففي موثّقة عمّار الساباطي(1) ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سمعته يقول : «إنّ الحدّ لا يورث كما تورث الديَة والمال ، ولكن من قام به من الورثة فهو وليّه ، ومن تركه فلم يطلبه فلا حقّ له ، وذلك مثل رجل قذف ، وللمقذوف أخوان ، فإن عفا عنه أحدهما ، كان للآخر أن يطلبه بحقّه ؛ لأ نّها اُمّهما جميعاً ، والعفو إليهما جميعاً»(2) .

وفي موثّقة السكوني(3) ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «الحدّ لا يورث»(4) .

والظاهر من نفي إرث الحدّ ، هو نفي إرث حقّ الحدّ ؛ ضرورة أ نّه لا معنى لإرث نفس الحدّ ، فثبوت حقّ الحدّ لكلّ ليس بالإرث ، بل حكم ابتدائي لأولياء الميّت لكلٍّ مستقلاًّ .

ص: 405


1- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن عمّار الساباطي . والرواية موثّقة بعمّار الساباطي ، فإ نّه فطحي ثقة . راجع رجال النجاشي : 290 / 779 ؛ الفهرست ، الطوسي : 189 / 526 .
2- الكافي 7 : 255 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 10 : 83 / 327 ؛ وسائل الشيعة 28 : 208 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ القذف ، الباب 22 ، الحديث2 .
3- رواها الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني . والرواية موثّقة لأجل كون السكوني عامّياً ثقة معتمداً عند الأصحاب . راجع العدّة في اُصول الفقه 1 : 149 ؛ تنقيح المقال 1 : 127 / السطر 29 .
4- الكافي 7 : 255 / 2 ؛ تهذيب الأحكام 10 : 83 / 328 ؛ وسائل الشيعة 28 : 209 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ القذف ، الباب 22 ، الحديث 3 .

نعم ، لو اجتمعوا على مطالبة الحدّ ، لا يجري إلاّ حدّ واحد ، ولكلٍّ مستقلاًّ مطالبة الحدّ .

بل لا يبعد أن يقال : إنّ قذف الاُمّ أو الاُخت مثلاً ، موجب لثبوت حقّ للقريب منها ، وإن كانت الاُمّ مقدّمة عليهم في ذلك مع حياتها ، وبالجملة لم يثبت صحّة النقض في المورد .

ومنها : حقّ القصاص الذي ورد فيه أنّ لكلٍّ من الأولياء مطالبته ، ولو عفا بعض ثبت للآخرين ، مع أداء سهم الدية إلى ورثة المقتول في بعض الصور ، وإلى بعض الورثة في آخر .

وفيه : أنّ ثبوت حقّ القصاص لأولياء الميّت ، ليس بالإرث ، وهو واضح .

والظاهر ثبوته لكلٍّ منهم مستقلاًّ ، وظاهر الآية الكريمة : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً)(1) جعل السلطنة للوليّ ، ولازمه تكثّرها بتكثّره ، فلكلّ سلطنة مستقلّة ، ولكلّ مطالبة الدية فيما جازت فيه مطالبة الدية ،

ولكلّ مطالبة القصاص ، ومع اختلافهم يقتصّ طالب القصاص ، مع أداء سهم غيره من الدية .

نعم ، لو مات أحد الورثة يورث حقّه ، ولا دليل على كيفية إرثه ، بل لا بدّ من العمل فيها على القواعد ، بل لا يبعد القول : بثبوته لكلّ من الورثة مستقلاًّ ؛ باعتبار أ نّه أيضاً من الأولياء ، وإن تقدّم بعض على بعض .

فتحصّل ممّا مرّ : عدم ثبوت نقض على ما ذكر .

ص: 406


1- الإسراء (17) : 33 .

مع أ نّه لو ثبت في مورد خلاف ما حكم به العقل ، فلا بدّ من توجيهه ، ولو بأن يقال : إنّه حكم تعبّدي ، والتكثّر والتجزّؤ حكميان ، لا واقعيان ، فيعمل في مورد إرث الخيار على القواعد .

ثمّ إنّ لازم كون الخيار للمجموع أو لصرف الوجود ، عدم تأثير الفسخ إلاّ مع اجتماعهم ، وعدم تأثير التنفيذ أيضاً إلاّ معه ، وليس للوارث المريد للفسخ ، إلزام غيره عليه ، كما ليس له إلزامه على الإسقاط ، وهو واضح .

ص: 407

فرع : حول الإشكال في تحقّق ماهية الفسخ بفسخ الورثة

اشارة

إذا اجتمع الورثة على الفسخ ، أو فسخ الوارث المنفرد ، فإمّا أن تكون العين باقيةً في التركة ، أو تكون تالفة إمّا في زمان حياة المورّث أو بعد موته قبل فسخ الورثة ، سواء كان التلف حقيقياً ، أو بحكمه كالبيع اللازم ، ومع التلف قد تكون للميّت تركة ، وقد لا تكون .

وعلى جميع الصور ، يقع إشكال في تحقّق ماهية الفسخ .

توضيحه : هو أنّ الإرث بحسب العرف واللغة(1) ، وظواهر الأدلّة ، ما انتقل إلى الورثة ، فالموت سبب عند العرف لانتقال مال الميّت إلى ورثته ، ولا دليل من الشارع الأعظم على خلافه ، بل الظاهر منه ذلك ، كما يظهر بالرجوع إلى أدلّته كتاباً وسنّة .

وهنا احتمالات اُخر :

منها : أ نّه ليس من قبيل انتقال المال إلى الوارث ، بل من قبيل تبدّل المالك والمستحقّ ؛ بقيام الوارث مقام المورّث(2) .

وهذا لو رجع إلى محصّل ، لم يفترق عن الأوّل في حصول الملك للورثة ، وعدم بقائه على ملك الميّت ، لكنّه لا دليل عليه ، بل هو أمر بعيد عن الأذهان ،

ص: 408


1- الصحاح 1 : 296 ؛ معجم مقاييس اللغة 6 : 105 ؛ مفردات ألفاظ القرآن : 863 .
2- منية الطالب 3 : 303 .

ومخالف للتوريث الثابت عند العقلاء ، ولظاهر أدلّة الإرث .

ومنها : أنّ الورثة منزّلة منزلة مورّثهم ، فلا نقل ولا قيام مقامه ، بل الملك والحقّ باقيان للميّت بوجوده التنزيلي(1) .

ومنها : أنّ الوارث نائب عن المورّث في التصرّفات(2) .

ولا إشكال في فساد الوجهين ، فالوجه المتعيّن هو انتقال المال والحقّ إلى الورّاث ، وعليه فلا يعقل تحقّق ماهية الفسخ في إرث الخيار ؛ لأ نّها عبارة عن انحلال العقد الخاصّ الجزئي ، اللازم منه رجوع كلّ عوض إلى محلّه الأوّل .

فلو خرج العوضان عن ملك البائع والمشتري بالبيع ، ورجعا بالفسخ إلى غيرهما ، كان ذلك خلفاً ؛ لفرض أنّ الفسخ حلّ البيع الشخصي الواقع على العوضين ، الخارجين عن ملك صاحبهما ، وإرجاعهما إلى محلّهما .

فحينئذٍ يرد الإشكال : بأنّ ما خرج بالموت عن ملك الميّت ، وصار ملك الورثة - بناءً على الوجهين الأوّلين - لا يمكن أن يتحقّق بالنسبة إليه الفسخ بالمعنى المذكور ، ولا يعقل أن يؤثّر الفسخ في عود المال الموروث إلى الميّت ، ثمّ إخراجه عن ملكه إلى المشتري(3) ؛ ضرورة عدم معقولية إيقاع أمرين مترتّبين بإنشاء واحد .

ص: 409


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 126 ؛ اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 257 .
2- اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 392 و418 .
3- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 256 .

مضافاً إلى أنّ شأن الفسخ هو حلّ العقد ، لا نقل العين إلى ذي الخيار لتحقّق معنى الحلّ .

فلا بدّ إمّا من الالتزام ، بأنّ الإرث لا يوجب ملكية الورثة ، إمّا حقيقة ، أو تنزيلاً ، وهو فاسد .

أو الالتزام بأنّ الفسخ لا يقتضي إلاّ حلّ العقد ، من غير دخالة للإضافة إلى المتعاملين ، وهو أيضاً على خلاف الواقع من انحلال العقد .

ونحن وإن قلنا : بأنّ البيع لا يلزم أن يكون مبادلة العوضين في الملكية ، كبيع الوقف والزكاة ، لكن لو باع المالك ، لا محالة يقع التبادل بين المالين في الملكية .

وحيث إنّ الحلّ إرجاع ملكيتهما إلى حال ما قبل البيع ، فلا يعقل أن يحصل به خلاف ما أوجب البيع ؛ بأن يرجع ملكية غير الملكية المنتقلة بالبيع ، وإلاّ رجع إلى تملّك جديد ، وهو ليس مقتضى الفسخ والحلّ ، فما في كلمات بعض الأعيان(1) ليس على ما ينبغي ، فبقي الإشكال على قالبه على ما سلكوا في باب البيع والفسخ .

الجواب عن الإشكال

والتحقيق في الجواب أن يقال : إنّ البيع وكذا سائر المعاملات - إيقاعاً وعقداً - عبارة عن المبادلات أو الإيجادات الإنشائية ، من غير دخالة لترتّب الآثار المطلوبة عليها ، وإنّما المتعاملان يوجدان موضوع حكم العقلاء أو الشارع ، لا نفس الآثار الواقعية المتوقّف تحقّقها على اعتبارهما ، والحلّ مقابله ،

ص: 410


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 257 .

وإنّما ينفسخ به المعنى الإنشائي ، لا ما تترتّب عليه من الآثار ؛ ممّا خرجت عن قدرة المتعاملين .

فإذا انفسخ العقد ، يرجع كلّ من العوضين إلى محلّه إنشاء ، ومع وجودهما يحكم العقلاء بعود المبيع إلى البائع ، والثمن إلى المشتري ، ومع عدمهما أو عدم أحدهما ، يحكمون بالمثل أو القيمة من باب الغرامة ، لا من باب رجوع المثلية أو المالية .

ثمّ لو فرض أنّ العين المشتراة بالبيع الخياري ، خرجت عن ملك المشتري مثلاً بنقل لازم أو جائز ، ثمّ رجعت إليه ببيع أو نحوه ، ثمّ انفسخ العقد الأوّل الواقع عليها بسبب الخيار ، فلا إشكال في أنّ الحكم العقلائي ، هو دفعها إلى صاحبها الأوّل ، لا تأدية المثل أو القيمة .

وهذا من لوازم ما قلناه في ماهية البيع والفسخ ، ولولاه كان اللازم عدم رجوعها بالفسخ ؛ لأ نّها صارت مملوكة بملكية جديدة غير مربوطة بالعقد .

وعلى هذا المسلك الحقّ ، يمكن أن يقال : إنّ الفسخ من الوارث ، يوجب حلّ العقد الإنشائي ، ورجوع ما خرج بالعقد من ملك المورّث إليه ، وخروج ما دخل به في ملكه عنه إنشاء ؛ قضاء لحقّ الخيار ، وحقيقة الفسخ والحلّ .

ثمّ بعد الفسخ ، يحكم العقلاء والشرع برجوع ما خرج عن ملك الميّت بالعقد إلى ملكه ؛ لأنّ للورثة حقّ فسخ عقد الميّت ، ولازمه ما ذكرناه ، فيصير ما رجع إليه إرثاً للورثة ، وعليهم إرجاع نفس العين إلى الطرف ، غرامة عمّا خرج بالنقل اللازم عن ملكه ؛ أي نفس العين .

وتعيّن العين للغرامة ؛ لأولويتها من المثل والقيمة ، أو لكونها عوضاً عمّا

ص: 411

استرجع إلى الميّت بحسب الحكم العقلائي ، لا بحسب البيع والإنشاء ، أو لأنّ العوض لمّا صار ملكاً لهم إرثاً، لا بدّ من إرجاع عوضه؛ لعدم صحّة الجمع بينهما.

وكيف كان : لا شبهة في عدم حقّ للورثة لتملّكها بمالهم ، مثل ما في حقّ الشفعة ، والفرق بينهما ظاهر ، كما لا شبهة في الوراثة على الحصص والتلقّي من الميّت ، كما أ نّه لا شبهة في عدم إرث الزوجة من الأرض ، إذا رجعت إلى الميّت ، وصارت إرثاً .

ولا فرق بين الصور المتقدّمة في ذلك ، وإن افترقت في بعض الخصوصيات الاُخر ، فلو لم يكن للميّت تركة ، لا بدّ بعد الفسخ من أداء ما على ذمّة الميّت بسببه ، من المال الذي رجع إليه ، ولو زاد صارت الزيادة إرثاً ، ولو نقص بقي على ذمّته ، وليس على الورثة أداؤه .

ثمّ إنّ ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه ، في مقام بيان أنّ للورثة استيفاء الحقّ لنفسهم ، وأ نّهم ليسوا كالوالي والوكيل في استيفاء حقّ الغير ، بل بمنزلة نفس الميّت ، ولهذا جرت السيرة على أنّ ورثة البائع ببيع خيار ردّ الثمن ، يردّون مثله من أموالهم ، ويستردّون المبيع لأنفسهم ، من دون أن يلتزموا بأداء الديون منه بعد الإخراج(1) ، انتهى .

فيه : - مضافاً إلى غرابة دعوى السيرة المتّصلة إلى زمان المعصوم علیه السلام ، المفيدة لإثبات الحكم في مثل تلك المسألة النادرة الاتّفاق - أ نّه على فرض كون الورثة بمنزلة الميّت ، فلا بدّ أن يكون أخذهم بالخيار ، أخذَ الميّت بوجوده

ص: 412


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 126 .

التنزيلي ، فينتقل العوض من الميّت وإليه ، لا إلى الورثة ، فدليله مخالف لمدّعاه .

فلا بدّ له من إثبات كون الخيار كحقّ الشفعة ، وأنّ للورثة تملّك العوض بحسب حصصهم ، وهو أيضاً غير وجيه ؛ لأنّ لهم خيار حلّ عقد الميّت ، ولازمه الرجوع إليه ، لا إليهم .

حكم فسخ الورثة لو كان للميّت دين مستغرق

ثمّ إنّه لو كان للميّت دين مستغرق للتركة ، فعلى القول : بأنّ الخيار حقّ ردّ العوضين واقعاً ، مقابل البيع الذي قالوا فيه : بأ نّه نقل العوضين واقعاً ، لزم عدم نفوذ فسخ الورثة ؛ لأ نّه تصرّف في حقّ الغير ، وهم الديّان المتعلّق حقّهم بالمال ،

وليس لدليل إرث الحقّ إطلاق ، يثبت به النفوذ مع مزاحمة حقّ الغير ، أو مع التصرّف في حقّه .

وعلى القول : بأنّ الفسخ حلّ العقد الإنشائي ، يمكن أن يقال أيضاً : إنّ حلّه وإن لم يكن تصرّفاً في حقّ الغير ، إلاّ أنّ نفوذه محلّ إشكال ؛ لأ نّه تنفيذ نقل متعلّق حقّ الغير .

إلاّ أن يقال : إنّ حلّ العقد إذا كان بحقّ ، فلازمه القهري تبديل موضوع الحقّ بغيره .

وإن شئت قلت : إنّ الحقّ متعلّق بمال الميّت ، والفسخ يرفع موضوعه ، ويقيم آخر محلّه ، فتأمّل .

وعلى فرض ثبوت حقّ الفسخ ، فلا وجه لاشتراط المصلحة للديّان وضعاً أو تكليفاً ، كما لا يجوز لهم المنع عن إعماله ، أو الإلزام به ، وهو واضح .

ص: 413

مسألة في أنّ الأجنبيّ لا يورّث الخيار الثابت له

لو كان الخيار لأجنبيّ ومات ، فهل ينتقل إلى وارثه ؛ استناداً إلى إطلاق دليل الإرث ، أو لا ؛ نظراً إلى عدم انطباق أدلّة الإرث عليه ؟ فإنّ قوله : (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأَقرَبُونَ . . .)(1) إلى آخره لا ينطبق عليه لوجهين :

من جهة عدم صدق «النصيب» على إنشاء لا يؤثّر للورثة شيئاً ، وليس حقّ الخيار الثابت للأجنبيّ ، كحقّه الثابت لغير الأجنبيّ ، ولا كحقّ الشفعة والتحجير ونحوهما ، بل إنّه مجرّد حقّ الحلّ لعقد غيره ، وفي مثله لا يصدق عليه عرفاً «أنّ له نصيباً» .

ومن جهة عدم صدق «ما ترك» على ما لا أثر له بالنسبة إليهم ، أو انصراف الدليل عنهما ، ولا أقلّ من الشكّ في صدقه ، والأصل عدمه .

وتوهّم : أ نّه قد يكون للخيار أثر للورثة ؛ وهو إعطاء شيء لهم لإعماله ، أو تركه أحياناً (2) مدفوع بأنّ هذا الأمر النادر الوجود ، لا ينظر إليه ، بل

ص: 414


1- النساء (4) : 7 .
2- مصباح الفقاهة 7 : 443 .

لا يوجب مثله الصدق أو العلم به .

كما أنّ توهّم : لزوم أن لا يصدق «النصيب» و «ما ترك» على حقّ الخيار - بناءً على ما ذكر - فيما لو استغرق الدين ؛ لحرمان الورثة عن الأعيان(1) .

فاسد ؛ فإنّ الأعيان هناك ، لا تخرج عن إمكان الدخول في ملكهم إرثاً ، ولو بإعطاء الدين من مالهم ، أو بعفو الدائن ، ومثله كافٍ في صدق «ما ترك» و«النصيب» وصحّة الإرث .

وأمّا ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه وتبعه بعضهم : من أنّ ظاهر الجعل أو محتمله ، مدخلية نفس الأصيل(2) .

وزاد بعضهم : بأنّ الخيار مجعول له ، بما هو ذو بصيرة ونظر بأمر العقد ، وأنّ هذه الحيثية - بحسب الغالب الشائع - تقييدية ، لا تعليلية(3) ، وهذا في الحقيقة تصديق منهما لكونه مورّثاً ، إلاّ إذا جعل بنحو لا يتعدّاه ، فالكبرى مسلّمة عندهما ، والإشكال في الصغرى .

ففيه : - مع الغضّ عمّا تقدّم - أنّ الجهة في مثله تعليلية بلا إشكال ؛ لأنّ الجاعل لمّا رأى شخصاً ذا بصيرة بأمر العقد ، جعل الخيار له ، لا أ نّه جعل له بقيد أنّه بصير وهو واضح .

ثمّ على فرض قبوله ذاتاً للإرث ، فمع الشكّ في كيفية الجعل ، لا يحكم بالإرث .

ص: 415


1- مصباح الفقاهة 7 : 443 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 127 .
3- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 260 - 261 .

مسألة : في حصول الفسخ بالفعل

اشارة

ومن أحكام الخيار سقوطه فعلاً كسقوطه قولاً ، وقد مرّ تفصيله في مسقطات خيار الحيوان وغيره(1) .

كما أنّ من أحكامه حصول الفسخ بالتصرّف والفعل .

وتفصيله : أ نّه لا إشكال في أنّ تلك الاُمور الاعتبارية التسبيبية ، قد يتسبّب إليها بالقول ، وقد يتسبّب إليها بالفعل .

وكما لا بدّ في القول ، من أن يكون للكلام ظهور لغوي أو عرفي في ذلك ، ولو لقيام القرينة على التجوّز أو الكناية المعتبرين عند أهل اللسان ، فلا يعتنى بالقول الذي لا دلالة له عرفاً على ذلك ، وإن قصد به حصوله ، كقصد حصول البيع بلفظ «النكاح» أو العكس .

بل لا بدّ وأن يكون القول آلة عرفية ، لإيقاع الأمر التسبيبي ، مضافاً إلى كون

ص: 416


1- تقدّم في الجزء الرابع : 300 - 301، وتقدّم في الصفحة 44 .

المتكلّم قاصداً به التسبيب إليه ، فمع عدمه - ولو ارتكازاً - لا يعتنى به .

كذلك الحال في الفعل ، فإنّه إنّما يقع به الفسخ ، فيما إذا كان آلة عقلائية للتسبيب به إليه ، وقصد به الفاعل ذلك ، لا مطلقاً .

فما في بعض التعليقات: من حصوله به ولو لم يقصده ، إذا لم يقصد الخلاف(1)، لا وجه له ، وأمّا حصول الرجعة بالجماع مطلقاً ، فأمر تعبّدي ، لا يقاس به غيره.

حكم الشكّ في كون القول أو الفعل فسخاً

ثمّ إنّه مع الظهور العقلائي للقول أو الفعل ، لو اُحرز عدم قصده أو قصد خلافه ، يلغى .

وأمّا مع الشكّ فيه ، فيحمل على ما هو الظاهر منهما ؛ لحجّية الظاهر قولاً وفعلاً ، فيرفع به الشكّ ، ولو ادّعى القائل أو الفاعل خلاف ذلك ، لا بدّ عليه من إثباته ؛ لأنّه مدّعٍ .

مثلاً : لو اشترى حيواناً وقبضه ، وقبل مضيّ زمان خياره جاء به إلى بيت البائع وردّه إليه ، كان ذلك ظاهراً في الفسخ بالردّ ، فلو ادّعى خلاف ذلك كان مدّعياً .

وأمّا إذا لم يكن للفعل في نفسه هذا الظهور ، إلاّ إذا علم وجهه ، كما لو تصرّف في المتاع الذي انتقل عنه ، فإنّ مطلق التصرّف ، لا يكون دالاًّ على ردّه في ملكه اعتباراً ، إلاّ مع إرادته ذلك ، فلو تصرّف فيه بغير قصده لم يكن فسخاً ، كما لو تصرّف عدواناً ، أو بتخيّل رضا صاحبه ، أو بتخيّل كونه ملكاً له .

ص: 417


1- منية الطالب 3 : 308 .

وكذا الحال في التصرّفات الاعتبارية كبيعه ، فإنّه لا يدلّ على الردّ إلاّ إذا قصد به ذلك ، وجعله آلة للفسخ ، وإلاّ فلو باعه فضولاً ، أو بتوهّم كونه وكيلاً ، أو كونه له ، فلا يعدّ ردّاً ، وهو واضح ، هذا بحسب مقام الثبوت .

وقد يقال في التصرّف الخارجي : إنّه يحمل على الفسخ ؛ صوناً لفعله عن القبيح والمحرّم ، وحملاً لفعله على الصحّة ؛ بدعوى أنّ أصالة الصحّة في فعله ، من الظواهر المعتبرة شرعاً ، والأمارات العقلائية تثبت بها اللوازم(1) .

وفيه : أنّ أصالة الصحّة التي ثبتت ببناء العقلاء ، ودلّت عليها طوائف من الروايات - على ما أشرنا إليه في رسالة «الاستصحاب»(2) - لا تجري إلاّ في الأفعال التي تتّصف بالصحّة والفساد والبطلان ، كأنواع العقود والإيقاعات ، وكالصلاة والصوم ونحوهما من أفعال المكلّفين ، دون غيرها ممّا يدور أمره بين القبيح والحسن ، والمحرّم والمباح .

فلو دار الأمر بين كون ما شربه خمراً أو ماء ، لا دليل - شرعاً ، ولا عند العقلاء - على الحمل على الصحّة .

نعم ، لا يحمل فعله على الفساد ؛ لعدم إحرازه ، فعدم الحمل عليه شيء ، والحمل على الصحيح شيء آخر .

ولو سلّمنا جريانها ، لكن لا شبهة في عدم كونها من الأمارات المثبتة للوازمها ، ففي المثال المتقدّم ، لا تثبت بها مائية المائع حتّى يقال : بصحّة

ص: 418


1- تذكرة الفقهاء 11 : 183 ؛ جامع المقاصد 4 : 309 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 132 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 429 .
2- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 402 وما بعدها.

الوضوء منه عند الشكّ في كونه ماء .

كما أ نّها في مورد جريانها - أي في مثل الصلاة والمعاملات - ليست من الأمارات ، فلو توضّأ بمائع يشكّ في مائيته ، يحمل فعله على الصحيح ، وتترتّب عليه آثار الصحّة ، لكن لا يثبت بها كون ما توضّأ به ماء ، وهو واضح .

ولعلّه إلى هذا أشار الشيخ الأعظم قدّس سرّه بقوله : هاهنا كلام مذكور في الاُصول(1) .

ثمّ إنّ ذلك على فرضه ، إنّما هو فيما إذا دار الأمر بين الفعل المحرّم والفسخ ، وأمّا لو دار بين اُمور ، كاحتمال كون التصرّف برضا المالك ، أو بتخيّل كونه مالكاً ، أو نحو ذلك ، فلا وجه للجريان ؛ لأنّ فعله غير قبيح ، ولا محرّم ظاهراً على بعض تلك الوجوه .

والحمل في تلك الأفعال التكوينية ، على الصحّة الواقعية ، لا عند الفاعل ، أوّل الكلام ، وفي إثبات ذلك بانضمام أصالة عدم الخطأ والجهل إليها (2) ، إشكال في إشكال .

ثمّ إنّ كلّ ذلك ، مبنيّ على أن يكون فعله بإرادة الفسخ مصوناً من الحرام ، وسيأتي الكلام فيه(3) .

ص: 419


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 132 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 : 328 .
3- يأتي في الصفحة 424 - 425.

عدم دلالة التصرّفات الاعتبارية على الفسخ

وأمّا التصرّفات الاعتبارية كالبيع ونحوه ؛ ممّا لا تقع محرّمة ، وإن لم تكن نافذة بلا إذن المالك ، فقد يقال : إنّها تدلّ على إرادة الانفساخ بها ، بضميمة أصالة عدم الفضولية ، وإنّ المراد بالأصل الظاهر ، فلا يعارض بأصالة عدم الفسخ(1) .

ومحصّله : أنّ الفضولية تحتاج إلى قيد زائد ، والظهور الإطلاقي يدفعه ، فينكشف به الفسخ ؛ لكونه من الظواهر المعتبرة التي تثبت بها اللوازم ، ولا تعارضها الاُصول الشرعية .

وفيه : مضافاً إلى منع كون عدم الفضولية أو كونه لنفسه ، من الظواهر المعتبرة المستندة إلى مفاد الكلام وظاهره ، بل هو من الظنون الخارجية ، التي لا دليل على حجّيتها ؛ فإنّ في قوله : «بعت هذه السلعة» ما هو مستند إلى الظاهر المعتبر هو تحقّق بيعها ، وأمّا كونها من نفسه أو عدم كونها لغيره ، فلا يستند إلى ظاهر الكلام ؛ فإنّ كونها لنفسه أو لغيره ، غير دخيل في ماهيته ، بل هو احتمال راجح أحياناً ، لا دليل على اعتباره .

أنّ في المقام خصوصية ، لأجلها يحتاج الوقوع لنفسه إلى قيد ؛ فإنّ المفروض أنّ السلعة لغير البائع ، وأراد إرجاعها إلى نفسه بالبيع ، وفي مثله يكون مقتضى الإطلاق - على فرضه - وقوعه فضولياً ، والإخراج عنها يحتاج إلى قيد مدفوع بأصالة الإطلاق .

والتشبّث بأصالة عدم قصد الغير ، واضح الضعف لوجوه :

ص: 420


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 133 .

منها : عدم جريانها في نفسها ؛ لأنّ عدم قصده بنحو «ليس الناقصة» لا حالة سابقة له ، وبنحو التامّة مثبت .

ومنها : أ نّها على فرض جريانها ، لا تثبت كون السلعة له ، أو أ نّه أراد ببيعها الفسخ .

ومع الغضّ عن إشكال عدم الجريان ذاتاً ، فإنّ هنا أصالة عدم كون السلعة له ، وأصالة عدم ردّ المعاملة ببيعها ، وهي أصل ذو أثر ، خصوصاً الثانية ، وأمّا أصالة عدم كونها لغيره ، فلا أثر لها إلاّ مثبتاً .

ص: 421

مسألة : في أنّ التصرّف سبب للفسخ لا كاشف عنه

اشارة

هل الفسخ يحصل بنفس التصرّف ، أو يحصل قبله ، وبعبارة اُخرى : التصرّف سبب ، أو كاشف ؟

وليعلم : أنّ التصرّف إذا اُريد به الردّ الاعتباري والفسخ ، يحصل ذلك به ولو وقع محرّماً ، فلو أخذ سلعته من المشتري ، قاصداً به الردّ الاعتباري ، وقلنا : إنّ تصرّفه محرّم ، لا ريب في تحقّق الفسخ .

وكذا لو باعها قاصداً به ذلك ، يحصل الفسخ ، ولو كان البيع باطلاً ؛ فإنّ ما هو الموجب للردّ ، إنشاء البيع جدّاً بقصد الفسخ ، وترتّبُ الأثر العقلائي عليه ، لا دخالة له فيه ، وبذلك تدفع الإشكالات الآتية(1) .

ثمّ لا ينبغي الإشكال ، في أنّ الفعل كالقول في سببيته لتحقّق المعاملات ؛ من العقود والإيقاعات، والدلالة العرفية والعقلائية في بعض الأفعال، ممّا لا ريب فيها.

ص: 422


1- تأتي في الصفحة 427 .

فكما أنّ التكليف أمراً أو نهياً ، قد يقع بالإشارة المفهمة ، كذلك الوضعيات ، ولا أثر لنفس النيّة والقصد ، بل ولا للإنشاء النفساني في تحقّق المسبّبات الاعتبارية عند العقلاء ، وإن اُبرزت بغير ما هو آلة لإيقاعها .

فلو حمد اللّه تعالى قاصداً به سقوط الخيار ، والرضا بالبيع ، لم يسقط به ، كما لو استعاذ باللّه قاصداً به فسخه لم ينفسخ .

فلو كان التصرّف كاشفاً محضاً ، وكان السبب التامّ هو الكراهة الباطنية ، لما صحّ الفرق بين الكواشف ، ولا أظنّ التزام القائل بالكشف به ، ولو التزم لخالف العرف والشرع ، وقد ذكرنا في خيار الحيوان ، دلالة بعض الأخبار ، على عدم مسقطية بعض الأفعال ، كالركوب(1) .

وكيف كان : لا إشكال في كون بعض الأفعال سبباً ، لا كاشفاً .

ومن قال بالكشف ، إن ادّعى أنّ الفعل غير صالح للتسبيب ، كما هو ظاهر كلام الشيخ الأعظم قدّس سرّه (2) فهو واضح النظر ، ولا أظنّ أن يلتزم به في الأبواب المختلفة في الفقه .

وإن ادّعى أنّ الفسخ لا يحتاج إلى تسبيب ، بل هو رجوع إلى الملكية السابقة ، وهو يحصل بمجرّد الكراهة ، من غير احتياج إلى الجعل ، نظير التمسّك بالزوجية في الطلاق الرجعي(3) .

ص: 423


1- تقدّم في الجزء الرابع : 301 - 302.
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 135 - 136 .
3- اُنظر جواهر الكلام 32 : 180 و183 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 432 - 433 .

ففيه ما لا يخفى ؛ فإنّ الفسخ عرفاً وعقلاً حلّ العقد ، ورجوع الملك أثره ، لا أ نّه تمسّك بالملكية ابتداءً ، والقياس بالطلاق الرجعي مع الفارق ، مع أنّ تحقّق الرجوع هنا بتعبّد شرعي في بعض الأفعال .

وإن ادّعى استفادة حصول الفسخ بمجرّد الكراهة ، ممّا وردت في سقوط خيار الحيوان بالرضا ؛ فإنّ الكراهة مقابل الرضا ، فكما يلزم البيع ويسقط الخيار بالرضا ، يحصل الفسخ بالكراهة(1) .

ففيه : - مضافا إلى فساده في المقيس عليه ، على ما تقدّم الكلام فيه(2) - أنّ القياس مع الفارق ؛ فإنّ الالتزام بالبيع مقابل الخيار ومضادّه ، ولا يمكن الجمع بينهما في وقت واحد ، والرضا الزائد عمّا هو دخيل في أصل المعاملة ، ملازم للالتزام بها ، فلا محالة يسقط به الخيار .

وأمّا كراهة العقد ، فلا تنافي بقاء العقد ، ولا تلازم الفسخ والحلّ ، وإظهار الكراهة لا يوجب الفسخ ، بخلاف إظهار الرضا بنحو ما ذكرناه .

وإن ادّعى أنّ إطلاق أخبار الخيار ، دلّ على جواز الفسخ بالفعل والتصرّف(3) .

ففيه : أنّ الجواز التكليفي ليس مفاد الأخبار ، والوضعي لا يفيد ؛ لأنّ مقتضاه وقوع الفسخ بالفعل المحرّم ، مع أنّ الحكم حيثي ، نظير قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «الناس

ص: 424


1- الدروس الشرعية 3 : 227 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 134 - 135 .
2- تقدّم في الجزء الرابع : 300 - 301.
3- اُنظر المكاسب ،ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 140 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 439 .

مسلّطون . . .»(1) إلى آخره فإنّ إطلاقه لا يقتضي جواز ضرب الغير بعصاه ، وسلطنته عليه .

وإن ادّعى أنّ مقتضى صيانة المسلم عن الحرام هو الكشف ؛ لأ نّه مع السببية يقع الفعل محرّماً (2) .

ففيه : أنّ معنى صيانته عن الحرام ، وحمل فعله على الصحّة - على فرض الغضّ عمّا تقدّم في المسألة السابقة(3) - هو الحمل عليها فيما لو دار الأمر بين ارتكاب حرام علم حكمه ، وحلال كذلك ، لا فيما إذا لم يعلم الحكم ، فاُريد كشفه بذلك .

ففي المقام : لو علم أنّ الفسخ يحصل بمجرّد القصد ، وتردّد الأمر بين أن يكون قد قصده حتّى يكون ارتكابه له محلّلاً ، أو ما قصده حتّى يقع محرّماً ، يحمل على الصحيح ، ومع الغضّ عمّا سبق يحكم بوقوع الفسخ .

وأمّا مع الشكّ في الكشف والسببية ، فلا تكون صيانة فعله عن الحرام ، كاشفة عن الحكم الشرعي أو العقلائي ؛ أي أنّ الفسخ يقع بالقصد ، وأنّ الفعل كاشف .

وقد يقال : إنّ فعله مصون عن الحرام على السببية أيضاً ، فإنّ الفسخ مؤخّر عن الفعل رتبة ، ومقارن له زماناً ؛ قضاء لحقّ العلّية والمعلولية ، أو الموضوعية

ص: 425


1- الخلاف 3 : 176 - 177 ؛ عوالي اللآلي 1 : 222 / 99 ، و : 457 / 198 ؛ بحار الأنوار 2 : 272 / 7 .
2- تذكرة الفقهاء 11 : 183 ؛ جامع المقاصد 4 : 309 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 134 ؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 3: 429.
3- تقدّم في الصفحة 418 .

والحكم ، وهذه المقارنة الزمانية كافية في صيانته(1) .

وبالجملة : إنّ التصرّف وقع في زمان مالكيته ، وإنّما التقدّم رتبي ، فلا يقع الفعل محرّماً .

وفيه : أنّه خلط بين الفلسفة والفقه ، وبين حكم العقل والعرف الذي هو الميزان في الفقه ؛ ضرورة أنّ ضرب يده على ملك يكون للغير ، تصرّف في ملكه ، وبهذا التصرّف في ملك الغير ، يراد انقلاب الأمر .

فالتصرّف الخارجي إن وقع على ملك نفسه ، فلا يعقل أن يكون فسخاً ، بل لا بدّ من فرض الفسخ قبله ، وإن وقع على مال الغير ، وترتّب عليه النقل ، كان تصرّفاً في مال الغير .

مثلاً : لو ملّكه مكسور ماله ببيع ونحوه قبل كسره ، وقلنا : بصحّته ، فكسره المشتري ، فهل يصحّ أن يقال : «إنّ الكسر والانكسار واحد خارجاً ، ومختلفان اعتباراً» و«إنّ الكسر متّحد زماناً مع ملك المشتري ، فلا ضمان ، ولا حرمة في فعله ؟ !» . . . إلى غير ذلك من الأمثلة ، فلا ينبغي للفقيه الاتّكال على العقول في الأحكام الشرعية .

وأمّا دعوى انصراف الأدلّة عن هذا التصرّف(2) ، ففي غير محلّها ، وهل تصحّ دعوى انصراف قوله : «من أتلف مال الغير . . .»(3) إلى آخره ، عن مورد المثال المتقدّم ؟ !

ص: 426


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الخراساني : 257 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 434 .
3- قاعدة مستفادة من عدّة روايات ؛ اُنظر ما تقدّم في الجزء الثاني : 487.

وبالجملة : لا شبهة في وقوع التصرّف في أوّل وجوده محرّماً ، لكن يحلّ به العقد ، ويتحقّق به الفسخ ، هذا حال التصرّف التكويني .

إشكالات تحقّق الفسخ بالتصرّف المعاملي على السببية

وأمّا التصرّف المعاملي ؛ ممّا لا يعدّ تصرّفاً خارجاً ، ولا يكون محرّماً ، فقد استشكل فيه على السببية بوجوه :

منها : ما عن «التذكرة» عن بعض العامّة ؛ من أنّ الشيء الواحد لا يحصل به الفسخ والعقد ، كما أنّ التكبيرة الثانية في الصلاة بنيّة الشروع فيها ، يخرج بها عن الصلاة ، ولا يشرع بها فيها (1) .

ويمكن أن يقرّر ذلك ؛ بأنّ الإنشاء الواحد كالبيع مثلاً ، لا يعقل أن يتحقّق به أمران مترتّبان في التحقّق ، كما في المقام ؛ فإنّ إنشاء البيع لترتّب الفسخ عليه ، وترتّب الانتقال إلى نفسه عليه ، ثمّ نقله عن ملكه إلى غيره ، لا يعقل .

وبعبارة اُخرى : إنّ البيع الوحداني ، لا يمكن أن يكون موجباً لدخول المبيع في ملك البائع ، ثمّ خروجه عنه ؛ لأنّ الثاني مترتّب على الأوّل ، ولا يعقل وقوعه بإنشائه، نظير التكبيرة الثانية، حيث لا يعقل أن تكون مخرجة عن الصلاة، ومدخلة فيها ؛ فإنّ ما هو المبطل للصلاة ، هو التكبير الذي لا يتحقّق إلاّ بتمام الكلام ، فإذا تمّ بطلت الصلاة، ولا يعقل أن تكون تلك التكبيرة المبطلة، موجبة لانعقاد الصلاة.

ص: 427


1- تذكرة الفقهاء 11 : 184 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 137 ؛ فتح العزيز ، ذيل المجموع 8 : 322 .

والحاصل : أنّ المصلّي ما دام في الصلاة مثل صلاة الظهر مثلاً ، لا يعقل تلبّسه ثانياً بتلك الصلاة ، فلا بدّ في صحّة دخوله فيها ثانياً من بطلان الاُولى ، وهو لا يحصل إلاّ بتمام التكبيرة ، فهي مخرجة عن الصلاة ، وبعد الإخراج لا يعقل أن تكون مدخلة ؛ لعدم وجود لها حتّى يتحقّق بها الدخول .

وبما قرّرناه ، يظهر النظر في جواب العلاّمة عن الإشكال(1) ، وفي كلام بعضهم في ردّه : بأنّ المبطل لا مانع من أن يكون مصحّحاً ، وسبباً لشيء آخر ، لكنّ الصلاة حيث إ نّها عبادة ، والتكبيرة الزائدة زيادة محرّمة ، فلا يعقل أن تكون جزءاً للعبادة ، وإلاّ فلو فرضنا أنّ إبطال الصلاة بالزيادة العمدية ، غير محرّم ، لم يكن مانع من انعقادها بهذه الزيادة(2) ، انتهى .

إذ قد عرفت : أنّ الإشكال في التكبيرة ليس ما ذكره ، ولا ينحلّ به ، وإلاّ فعلى ما زعمه ، لا مانع من كونها جزءاً للعبادة ؛ فإنّها غير محرّمة ، وإنّما المحرّم إبطال الصلاة ، والمبطل لا يقع محرّماً ؛ فإنّ سبب المحرّم ليس بمحرّم ، فمن أبطل صلاته بالقهقهة ونحوها ، لا يكون مرتكباً لمحرّمين .

وأمّا على ما قرّرنا ، فلا يعقل تحقّق الدخول فيها بتلك التكبيرة ؛ محرّمة كانت ، أم لا .

والصواب في الجواب ما تكرّر منّا : من أنّ البيع بتمام ماهيته هو الإيجاب ، والقبول لا دخل له في ماهيته ، وإنّما الاحتياج إليه لأجل ترتّب الأثر الواقعي

ص: 428


1- تذكرة الفقهاء 11 : 184 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 266 .

على البيع ، وإلاّ فالبيع بنفسه لا يكون موضوع حكم العقلاء(1) .

فالقبول ليس متمّماً لماهيته ، بل متمّم لموضوع الحكم بالنقل الواقعي ، كإجازة الفضولي .

فالإيجاب الذي مفاده النقل الإنشائي ، إذا قصد به الفسخ ، يتحقّق به ، ويترتّب عليه أثره ؛ وهو ملك البائع ، سواء تعقّب بالقبول أم لا ، مثل ما لو بدا للقابل ، أو كان الموجب قد توهّم لحوقه به ، فإذا لحق به تمّ موضوع الحكم بالنقل ، فيخرج من ملكه .

فالدخول في ملكه والخروج عنه ، إنّما هو بحسب الاعتبار الواقعي العقلائي ، لا بفعل المنشئ ، وإنّما عمل المنشئ إنشاء الإيجاب ، فتحصل به المبادلة الإنشائية الموجبة لفسخ البيع الإنشائي ، ويترتّب عليه أثره ؛ أي مالكيته الواقعية ، ثمّ بعد القبول يترتّب عليه الخروج ، فالمدخل والمخرج شيئان .

وتوهّم : أنّ المترتّبين في التحقّق ، لا يعقل إيجادهما بإنشاء واحد(2) مدفوع بأنّ الإيجاب الإنشائي للبيع لنفسه ، سبب للفسخ وملكية المبيع ، وإذا انضمّ إليه القبول ، صار موضوعاً للحكم بخروجه عن ملكه ، فلا إشكال أصلاً ، وإنّما الإشكال فيما إذا قيل : بأنّ البيع موقوف على الملك .

ومنها : لزوم الدور ؛ فإنّ البيع موقوف على الملك الموقوف على الفسخ

ص: 429


1- تقدّم في الجزء الأوّل : 66 ، 237 ، 242 ، 323 ، وفي الجزء الثاني : 571 ، وفي الجزء الرابع : 493 ، وتقدّم في الصفحة 362 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 : 330 .

المتأخّر عن البيع(1) .

وبعبارة اُخرى : إنّ البيع موقوف على الملك ، والملك موقوف على الفسخ ، وهو موقوف على البيع ، فالدور مضمر .

وتقريبه : أنّ البيع الذي اُريد به الفسخ ، لا يقع ذلك به إلاّ إذا قصد به إخراج المبيع عن ملكه ، وكون البيع لنفسه ، وإلاّ فلو أراد البيع لمالكه أو أطلق ، لم يقع الفسخ به ، بل صار فضولياً لمالكه .

فسببيته للفسخ موقوفة على قصده لنفسه ، ولا يعقل القصد به إلاّ من مالك المال ، فإنشاؤه جدّاً موقوف على الملك ؛ لخصوصية في المقام ، والفرض أنّ الملك موقوف على الفسخ الموقوف على البيع .

ولعلّ ما قرّرناه هو ظاهر كلام المستشكل ، حيث قال : إنّ البيع موقوف على الملك(2) ، والحمل على أنّ صحّة البيع موقوفة عليه(3) خلاف ظاهره .

وعلى ما ذكرنا ، لا يتحقّق عنوان «البيع» وماهيته في المقام ؛ فإنّ الإنشاء غير الجدّي ، لا يكون بيعاً ، والجدّي موقوف على الملك .

وعلى ذلك : لا يصحّ الجواب ؛ بأنّ البيع الباطل أيضاً يترتّب عليه الفسخ ، أو أنّ الإيجاب فقط يترتّب عليه الفسخ(4) ، فإنّ أمثال ذلك أجنبيّة عن الإشكال .

ص: 430


1- راجع مفتاح الكرامة 22 : 208 - 209 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 137 .
2- تقدّم في الصفحة 430 ، الهامش 1 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 138 .
4- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 268 - 269 .

وإنّما الإشكال نظير الإشكال في بيع الغاصب لنفسه ، والجواب عنه نظير ما ذكرناه في بيع الغاصب لنفسه : من أنّ الجدّ لا يتوقّف على الملكية ، بل قد يتحقّق لأغراض باعثة على الإنشاء(1) ، وفي المقام حينما يرى المنشئ أنّ الفسخ لا يحصل إلاّ بالإنشاء الجدّي لنفسه للبيع الإنشائي ، لا محالة يقصده جدّاً .

ونظير هذا الإشكال وارد على جميع المعاملات الفضولية وغيرها ، إلاّ ما ندر ؛ فإنّ الجدّ في نقل ما ليس له ، ولا يكون سلطاناً عليه ، لا يعقل ، أمّا في الفضولي فظاهر .

وأمّا في الأصيل ؛ فلأنّ إيجابه تصرّف في سلطان الغير بنقل ثمنه إلى نفسه ، بل وبنقل السلعة إليه مع عدم سلطانه عليه ، فالإشكال مشترك الورود .

ومحصّله : أنّ النقل الواقعي ، لا يعقل من الغاصب والفضولي ، ولا من الأصيل مع أ نّه مالك فعلاً ؛ وذلك لما عرفت من أنّ النقل إلى الغير ، تصرّف في سلطانه ، كما أنّ نقل ماله بالإيجاب إلى نفسه كذلك .

والجواب في الجميع : هو أنّ البيع - كسائر الإنشائيات عقداً وإيقاعاً - لا يتوقّف على الملكية ؛ فإنّه نقل إيقاعي إنشائي ، يحتاج إلى الجدّ والقصد إلى مفاده ، وهو يحصل إذا رأى المنشئ فيه أثراً .

فالفضولي يقصد البيع الحقيقي ؛ برجاء لحوق الإجازة وترتّب الأثر ، والموجب يقصده مع علمه بلحوق القبول أو رجائه ، والمريد للفسخ يقصد البيع الإنشائي لنفسه ؛ لغرض تحقّق الفسخ به .

ص: 431


1- تقدّم في الجزء الثاني : 211 - 212.

وبذلك وبما تقدّم ، يندفع إشكال الدور ، ولزوم إيجاد المترتّبين بإنشاء واحد ؛ فإنّهما كانا مبنيّين على لزوم حصول الملكية الحقيقية في تحقّق البيع .

كما أ نّه يظهر ممّا تقدّم ، النظر فيما أفادوا من حصول الفسخ بأوّل جزء من الإنشاء(1) فإنّ مرادهم به - بقرينة عطف العتق على البيع ، ونفي الجزء الذي لا يتجزّأ ، كما في كلام الشيخ الأعظم قدّس سرّه (2) - هو أوّل حرف ، أو أقلّ منه ، وقد تقدّم أنّ ما يحصل به الفسخ ، هو ما يكون آلة عقلائية لإنشائه وإيجاده(3) ، ولا يكون هو في المقام إلاّ الإيجاب بتمام تحقّقه ، وسيأتي الكلام في مثل العتق(4) .

وكذا النظر فيما قيل : من أنّ التصرّف المعاملي الذي يقصد به الفسخ ، إمّا هو البيع ؛ أي التمليك الحقيقي ، أو التمليك الإنشائي المركّب من الإيجاب والقبول ، أو جزء من العقد(5) .

ضرورة أنّ التمليك الحقيقي ليس فعل الفاسخ البائع ؛ لأنّ الملكية الحقيقية ، من الاعتبارات العقلائية أو الشرعية ، وتترتّب على العقد الإنشائي ترتّب الحكم على موضوعه ، والحكم العقلائي والشرعي ليس معلولاً للإنشاء العقدي تكويناً ، حتّى يعدّ من فعل المنشئ ولو بوسط .

ص: 432


1- إيضاح الفوائد 1 : 488 و490 ، و2 : 417 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 138 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 138 .
3- تقدّم في الصفحة 416 .
4- تأتي في الصفحة 436 .
5- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 267 - 268 .

ولو اُغمض عنه ، فالعقد الذي يترتّب عليه الأثر ، ليس من فعل الفاسخ ؛ إذ القبول جزء منه ودخيل في ترتّبه ، وهو ليس من فعله .

وبهذا يظهر بطلان الشقّ الثاني من كلامه ؛ وهو حصول الفسخ بتمام العقد الإنشائي(1) إذ لا يعقل أن يكون فعل الغير سبباً أو جزء سبب لفسخ ذي الخيار ، إلاّ ممّن يكون قائماً مقامه كالوكيل ، فالفسخ في العقود لا يحصل إلاّ بالإيجاب فقط ؛ لا بجزئه ، ولا بشيء أجنبيّ ملحق به .

بقي الإشكال في الإيقاعات ، وكذا في العقود ، فيما إذا كان البائع وكيلاً عن المشتري في إجرائها :

أمّا في الإيقاع ؛ فلأنّ المفروض عدم حصول الفسخ إلاّ بتمامه ، وهو تمام الموضوع لحصول الأمر الإيقاعي ، فإذا تمّ يترتّب عليه الفسخ والعتق مثلاً في رتبة واحدة ، وحال واحد ، فلا بدّ من القول ببطلان العتق ، وتحقّق الفسخ ؛ فإنّه يحصل بنفس الإنشاء ولو لم يترتّب عليه الأثر .

وأمّا في العقد ؛ فلأنّ الإيجاب تمام حقيقة العقد ، ومع توكيل المشتري لا يحتاج إلى القبول ، بل القبول حينئذٍ لغو ؛ لأ نّه لا دخل له في ماهية البيع ، ولا في ترتّب الأثر بعد توكيله ، فيرد الإشكال المتقدّم(2) .

ويمكن أن يجاب عنه : بأنّ الفسخ مترتّب على الإنشاء في العقد والإيقاع ، بلا انتظار شيء ؛ لكونه تمام السبب له ، وأمّا الملكية والعتق واقعاً فمشروطان بالملك ، فيتأخّران رتبة عن حصول الملكية ، فالعقد سبب للفسخ المترتّبة عليه

ص: 433


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 268 .
2- تقدّم في الصفحة 427 .

الملكية ، والعقد مع حصول شرطه سبب للبيع ، وكذا الحال في العتق .

واحتمال عدم صحّة العتق ؛ لأنّ الإيقاعات لا تجري فيها الفضولية ، ولا ما هو من قبيلها (1) فاسد ؛ لأنّ جريان الفضولية في الإيقاعات على القواعد ، وإنّما يمنع عنه الإجماع ، وإن كان في تحقّقه إشكال .

وكيف كان : لا إشكال في المقام ؛ لأ نّه ليس فضولياً ، ولا بحكمه ؛ لعدم التفكيك خارجاً بين الإيقاع وترتّب الأثر ، وإنّما التأخّر رتبي .

ومنها : أنّ الظاهر من قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «لا بيع إلاّ في ملك»(2) ، «ولا عتق إلاّ في ملك»(3) هو لزوم تقدّم الملك على البيع المركّب من الإيجاب والقبول ، فلا يجوز تأخّر الملك عن جزء من أجزاء الصيغة ، وكلّ جزء وقع به الفسخ لتحصيل الملك ، يكون منحلاًّ إلى أجزاء ، بعضها سابق في الوجود على الملك .

نعم ، لو قلنا : بوجود الجزء الذي لا يتجزّأ ، يمكن أن يقال : إنّ الجزء الذي في مبدأ السلسلة يقع به الفسخ ، ولا جزء قبله ، وتأخّر الملك عنه رتبي ، لا خارجي .

لكن يرد عليه : أنّ الظاهر من الحديث ، عدم كفاية المقارنة بين الملك والإنشاء ، وهي محقّقة(4) .

ص: 434


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 138 .
2- عوالي اللآلي 2 : 247 / 16 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 230 ، كتاب التجارة ، أبواب عقد البيع ، الباب 1 ، الحديث 3 .
3- الكافي 6 : 179 / 2 ؛ تهذيب الأحكام 8 : 217 / 774 ؛ وسائل الشيعة 23 : 15 ، كتاب العتق ، الباب 5 ، الحديث 2 .
4- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 138 - 139 .

وأنت خبير بوهن هذا الإشكال ، وقد أجاب عنه الشيخ الأعظم قدّس سرّه (1) ومن العجيب ذكر الجزء الذي لا يتجزّأ في المقام واحتمال وقوع الفسخ به(2) ، ولولا كلام الشيخ الأعظم قدّس سرّه لما تعرّضنا له ، ولقد أجبنا عنه في بيع الفضولي(3) ، وأجاد الشيخ الأعظم قدّس سرّه فيما أفاد في ردّه .

فرع : في صور التصرّف في العوضين دفعة واحدة وأحكامها

اشارة

لو تصرّف تصرّفاً خارجياً أو اعتبارياً في العوضين دفعة واحدة ، فله صور كثيرة ؛ فإنّ التصرّف إمّا أن يقصد به الفسخ والإبرام ، أو يقصد به أحدهما ، أو لا يقصد به شيء منهما .

وعلى أيّ حال : فإمّا أن نقول باعتبار الإنشاء والتسبيب فيهما ؛ بفعل صالح لذلك عند العقلاء .

أو نقول بحصولهما بنفس الرضا والكراهة ، المنكشفين بشيء من القول أو الفعل .

أو نقول بحصولهما بالرضا تعبّداً ، أو بالفعل الدالّ عليه تعبّداً وإن لم يكن قاصداً أو راضياً ، وكذا في جانب الكراهة .

ص: 435


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 139 - 140 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 138 .
3- تقدّم في الجزء الثاني : 195 و392 و427 .

أو نقول بكفاية واحد ممّا ذكر في الإبرام ، دون الفسخ ، أو بالعكس .

وعلى أيّ حال : فإمّا أن يكون الخيار للمشتري ، أو للبائع ، أو لهما .

وهذه الصور بعضها معلوم الحكم ، وبعضها فاسد ، وتحتاج جملة منها إلى البيان ، ونحن نذكر بعضها ، ويعلم منه حال سائرها ، فنقول :

حكم ما لو اشترى عبداً بجارية فقال أعتقتهما

لو تصرّف فيهما تصرّفاً اعتبارياً ، كما لو اشترى عبداً بجارية مع الخيار له ، فقال : «أعتقتهما» قاصداً به الفسخ والإبرام ، لو فرضنا إمكانه ، كما لو كان غافلاً ، أو كان التصرّف منه في أحدهما ، ومن وكيله المطلق في الآخر في زمان واحد :

فلا شبهة في عدم حصول الفسخ ولا الإبرام لو قلنا : بأنّ إنشاء العتق تسبيب لهما .

ودعوى تقديم الفسخ على الإبرام(1) ، واضحة الضعف ، كما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه (2) في ردّها .

وإنّما الكلام والإشكال في عتق العبد ، بعد وضوح عدم حصول الفسخ والإبرام ، وعدم تحقّق عتق الجارية ؛ لتوقّفه على الانفساخ المفروض عدم تحقّقه .

فنقول : يمكن أن يقال : بانعتاق العبد ؛ لأنّ إنشاءه متحقّق ، ولا مانع من تأثيره .

ص: 436


1- تحرير الأحكام 2 : 297 ؛ قواعد الأحكام 2 : 70 ؛ اُنظر جواهر الكلام 23 : 71 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 141 .

توضيحه : أنّ الإنشاء الجدّي في عتق العبد - مع الغضّ عن عتق الجارية - يترتّب عليه أثران في زمان واحد ، ورتبة واحدة ، أحدهما : حصول الانعتاق ، وثانيهما : تحقّق الإبرام ، فهما أثران مترتّبان عليه في عرض واحد .

وأمّا في عتق الجارية ، فلا أثر له إلاّ الفسخ ، فيترتّب ذلك عليه عند تمام الإنشاء ، وهو تمام أثره .

وأمّا ترتّب العتق عليه ، فموقوف على حصول الملكية المتوقّفة على الانفساخ ، فليس انعتاقها أثراً مترتّباً على إنشاء عتقها ، بل على فرض عدم المزاحم ، تحصل الملكية بالانفساخ الحاصل من الإيقاع الإنشائي ، ويترتّب عليه عتقها .

فعلى ذلك : يكون لعتق العبد أثران ؛ الإبرام والانعتاق ، ولعتق الجارية أثر واحد ؛ هو الانفساخ .

لا إشكال في تنافي الإبرام والفسخ ، المترقّب حصولهما بالعتق ، كما لا إشكال في عدم المزاحمة بين العتقين الإنشائيين .

وكذا في عدم المزاحم لعتق العبد ؛ فإنّ المزاحم إنّما هو للأثر الآخر ؛ وهو الإبرام ، فلعتقه أثر يزاحم بمقابله ، وأثر لا يكون له مزاحم في هذا الحال ، ولمّا كانت المزاحمة بين الإبرام والفسخ ، مانعة عن تحقّقهما ، فيرتفع موضوع المزاحم لملكية العبد للبائع والتحرير والانعتاق .

فما في بعض الكلمات : من أنّ الفسخ له حيثيتان ؛ ذاتية ، وعرضية بلحاظ مقتضاه ، فهو منافٍ ومزاحم للعتق بلحاظ حيثيته العرضية ؛ أي حصول الملكية للبائع مقارنة لتمام الإنشاء وزوال الرقّية والملكية عنه رأساً ، فالمزاحمة

ص: 437

وإن لم تكن ذاتية ، لكن تكون بحيثيته العرضية(1) .

كأ نّه غير وارد ؛ فإنّ معنى المزاحمة العرضية ، أنّ المزاحمة حقيقة بين الآثار ، وإنّما تنسب إلى الفسخ بالعرض والمجاز ، فالفسخ لا يزاحم العتق حقيقة ، بل الأثر المترتّب عليه مزاحم لأثره ، وعلى ما أشرنا إليه ؛ من استلزام المزاحمة الذاتية بين الإبرام والفسخ بطلانَهما معاً ، يدفع موضوع المزاحمة العرضية .

وإن شئت قلت : إنّ العتق وقع على ملكه وعلى ملك غيره دفعة ، ووقوعه على ملكه يوجب الانعتاق ؛ لعدم المزاحم ، لكونه مدفوعاً بمزاحمه .

وبتقريب آخر : لا إشكال في حصول عتق العبد ، فيما لو اُحرز عدم تحقّق الفسخ للمزاحمة ؛ فإنّ القطع بعدم الفسخ ، ملازم للقطع بعدم الخروج عن ملكه ، والقطعِ بحصول شرط العتق .

وأمّا مع الشكّ فيه ؛ لاحتمال كون أحدهما مؤثّراً واقعاً ، دون الآخر ، فأصالة عدم تحقّق الفسخ ، معارضة بأصالة عدم تحقّق الإبرام ، ولا معارضة بينها وبين أصالة بقاء ملك المشتري ؛ لأنّ الشكّ في بقاء ملكه ، مسبّب عن الشكّ في تحقّق الفسخ .

فحينئذٍ يمكن تصحيح العتق بوجهين :

أحدهما : أصالة عدم الفسخ والإبرام ؛ فإنّ الأثر المشترك للمتعارضين ، لا مانع من ثبوته ، وهذا بناءً على كون بقاء ملكية المشتري للعبد ، أثراً شرعياً لعدم حلّ العقد ، وعدم إبرامه .

ص: 438


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 273 .

ولو قيل : بعدم كون أصل عدم الإبرام ، مثبتاً للملكية .

يقال : إنّ أصالة عدم الفسخ كافية ، ولا معارض لها في هذا الأثر .

ثانيهما : أصالة بقاء الملك ، ولا إشكال فيها بعد سقوط الأصل الحاكم بالمعارضة ، وشبهة المثبتية فيه ؛ بأن يقال : إنّ عدم الفسخ لازمه العقلي بقاء العقد وبقاء الملكية ، بخلاف أصالة بقاء الملك ؛ فإنّها محرزة لموضوع الحكم الشرعي ، وهو قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «لا عتق إلاّ في ملك»(1) فتدبّر جيّداً .

و ممّا ذكرنا ، يظهر الإشكال في كلام الشيخ الأعظم قدّس سرّه : من أنّ عتق العبد ، موقوف على عدم عتق الجارية ، وبالعكس(2) فإنّ الموقوف عليه في جانب عتق العبد محقّق ، وهو عدم عتق الجارية .

ولو أعتقهما وأراد به الإبرام ، فلا إشكال في تحقّق عتق العبد ، وعدم تحقّق عتق الجارية .

ولو أراد به الفسخ ، فقد يقال : بوقوعه ، وكذا وقوع عتق الجارية(3) ؛ لما تقدّم من أنّ العتق الإنشائي ، موجب للفسخ ، وتترتّب عليه ملكية الجارية للفاسخ ، وحصول شرط العتق ، ولا دليل شرعاً أو عقلاً على بطلانه(4) ، وقد تقدّم حال توهّم مزاحمة الفسخ وعدم وقوع عتق العبد(5) .

ص: 439


1- تقدّم تخريجه في الصفحة 434، الهامش 3.
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 142 .
3- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 441 ؛ اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني5 : 274 - 275 .
4- تقدّم في الصفحة 437.
5- تقدّم في الصفحة 437 - 438.

لكنّ الأقوى وقوع عتق العبد ، وعدم وقوع الفسخ ، ولا عتق الجارية ؛ وذلك للتنافي بين مقتضى الفسخ ، ومقتضى عتق العبد ؛ لامتناع الجمع بين الانعتاق ، وحصولِ الملك للبائع بالفسخ في حال واحد .

وعليه فلو فرض العلم ببطلانهما معاً ؛ لأجل التنافي ، وسقوطهما معاً ، لم يكن إشكال في بطلان الجميع ، لكن ليس لنا علم بذلك ، غاية الأمر العلم بعدم إمكان صحّتهما ؛ لاحتمال صحّة الفسخ ، ووقوع عتق الجارية ، وبطلان عتق العبد ، وبالعكس ، ومعه لا بدّ من الرجوع إلى الاُصول .

الاُصول المتصوّرة عند الشكّ في صحّة العتق والملك

والاُصول المتصوّرة هنا خمسة :

أحدهما : أصالة عدم تحقّق الفسخ ، وهي أصل سببي محض .

ثانيها : أصالة عدم عتق العبد .

ثالثها : أصالة عدم عتق الجارية ، وهما أصلان مسبّبيان محضاً .

رابعها : أصالة بقاء العبد في ملك المشتري .

خامسها : أصالة بقاء الجارية في ملك البائع .

وهما أصلان سببيان بالنسبة إلى الأصلين الآنفين ، ومسبّبيان بالنسبة إلى الأصل الأوّل ؛ فإنّ الشكّ في عتق كلّ منهما ، ناشئ عن الشكّ في حصول الملكية وعدمه ، والشكّ في الحصول ، ناشئ عن الشكّ في تحقّق الفسخ .

فحينئذٍ إن قلنا : بأنّ أصالة عدم الفسخ ، تحرز ملكية المشتري للعبد ، والبائع

ص: 440

للجارية ، فيحرز بها موضوع قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «لا عتق إلاّ في ملك »(1) «ولا بيع إلاّ في ملك»(2) وأنّ أحدهما بالنسبة إلى البائع ، مندرج تحت المستثنى ، والآخر تحت المستثنى منه ، وبالنسبة إلى المشتري عكس ذلك ، فنحكم بصحّة عتق العبد ، وبطلان عتق الجارية .

وإن قلنا : بأنّ ترتّب بقاء الملكية وزوالها على الفسخ وعدمه عقلي لا شرعي ، فيجري الأصلان الآخران ؛ أي أصالة ملك المشتري للعبد ، وملك البائع للجارية ، ولا إشكال فيهما ؛ لإحرازهما موضوع الدليل الشرعي ، وهو «لا عتق ولا بيع إلاّ في ملك» فلا محالة يحكم بصحّة عتق العبد ، وعدم صحّة عتق الجارية ، وعدم حصول الفسخ ؛ لأصالة عدمه .

ص: 441


1- تقدّم تخريجه في الصفحة 434، الهامش 3.
2- تقدّم تخريجه في الصفحة 434، الهامش 2.

مسألة : في جواز تصرّف غير ذي الخيار تصرّفاً يمنع عن استرداد العين

اشارة

ومن أحكام الخيار على قول جمع من الأصحاب : عدم جواز تصرّف غير ذي الخيار تصرّفاً يمنع عن استرداد العين عند الفسخ(1) .

والمحتمل في المقام : حرمة التصرّف تكليفاً ، وعدم النفوذ وضعاً مطلقاً ، والجواز وضعاً وتكليفاً مطلقاً ، والتفصيل بين التكليف والوضع مطلقاً ؛ بالجواز تكليفاً ، وعدم النفوذ وضعاً ، وبالعكس ، والتفصيل بين العتق وغيره .

والأقوى الجواز تكليفاً ، والنفوذ وضعاً مطلقاً ؛ لما تقدّم مراراً : من أنّ ماهية البيع وغيره من الماهيات التسبيبية عقداً وإيقاعاً ، ليست إلاّ الإنشائيات والعناوين المنشأة بالأسباب العقلائية أو الشرعية ، وترتّب الآثار خارج عن حقيقتها (2) فبيع الفضولي ، والإيجاب من الأصيل وغيره ، تمام ماهية البيع ، وإن

ص: 442


1- الجامع للشرائع : 248 ؛ جامع المقاصد 9 : 169 ؛ مفتاح الكرامة 22 : 216 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 144 .
2- راجع ما تقدّم في الصفحة 369 ، الهامش1 .

لم يترتّب عليه الأثر إلاّ بالقبول ، الذي هو بمنزلة الإجازة في الفضولي ، بل هو هي حقيقة، وبالإجازة التي هي بمنزلة القبول في عقد الأصيل، بل هي هو حقيقة.

فإذا كان البيع هو الإنشائي منه ، وكان ما يوجده المتبايعان ، هو موضوع الحكم الشرعي والعقلائي ، ولم يكن النقل الواقعي من فعلهما ، ولا فعلهما مؤثّراً فيه بوجه ، إلاّ على نحو تحقّق الموضوع الذي ليس هو التأثير بوجه ، لم يعقل أن يكون الفسخ أو الإقالة ، إلاّ حلّ العقد الإنشائي المترتّب عليه الردّ الإنشائي ، لا الحقيقي ، وإنّما الردّ الحقيقي ، أثر عقلائي وشرعي مترتّب عليه ، والحلّ موضوع له ، ولا يعقل أن يكون الفسخ سبباً لغير الحلّ ، ولا له ولأمر زائد عليه .

فعلى ذلك : لا يكون التصرّف مطلقاً تصرّفاً في حقّ ذي الخيار ، ومانعاً عن الاسترداد الاعتباري الإنشائي المترتّب على فعله ، فالعقد في الأصيل والفضولي والحلّ فيهما ، بمعنىً واحد ، وحقيقة فاردة ، فكما أنّ العقد أو الحلّ في الفضولي ،

لا يكون تصرّفاً في مال الغير ، كذلك في العقد والحلّ من الأصيل ، وإنّما الفرق بينهما بأمر خارج عن قدرتهما ، وعن ماهية العقد والفسخ .

وعلى ما ذكرنا تترتّب اُمور :

الأحكام المترتّبة على جواز تصرّف غير ذي الخيار في العين

منها : جواز التصرّف تكليفاً .

ومنها : نفوذ التصرّفات الاعتبارية عقداً وإيقاعاً .

منها : ثبوت الخيار مع تلف العين حقيقة أو حكماً ؛ فإنّ الفسخ الإيقاعي الإنشائي لا ينافيهما :

ص: 443

أمّا في الحكمي ، فلعدم المنافاة بين كون العين ملكاً للمشتري الثاني حقيقة ، وللفاسخ إيقاعاً وإنشاءً ، كما في عقد الفضولي ، الذي يوجب الملكية الإنشائية للمشتري ، مع كون العين ملك غيره حقيقة .

وأمّا في الحقيقي ، فلأنّ العقد حين وجوده أوجب تبادل العوضين إيقاعاً وإنشاءً ، وهذا المعنى الاعتباري موجود إلى ما بعد التلف ، وهو لا يوجب سلب الاعتبار .

وتخيّل أنّ العدم غير قابل للإشارة إليه ، ولا لثبوت شيء له ، أو لسلبه عنه ، فلا يعقل الحلّ الإنشائي الموجب لنقل ملك العوضين إنشاء .

مدفوع أوّلاً : بأنّ الحلّ لا يحتاج إلى تصوّر طرفي العقد ، بل يحتاج إلى تصوّر العقد .

وثانياً : بأنّ العوضين حال وجودهما - أي حال تحقّق العقد - معلومان ، والعلم بهما محفوظ ، والحلّ يوجب السلب الإيقاعي عمّا هو المشار إليه بالإشارة العقلية ، وليس ذلك أمراً خارجياً ثابتاً للمعدوم ، أو مسلوباً عنه ، فكأنّ

الفاسخ قال : «فسخت العقد الذي تعلّق بالعوضين» .

وبالجملة : الثبوت والسلب الواقعيان ، ليسا مقتضى الفسخ ، وما هو مقتضاه ليس إلاّ حلّ العقد الإيقاعي الموجود في اعتبار العقلاء ، وأثره - بحسب حكم العقلاء - رجوع العين إن كانت موجودة ، ورجوع البدل مع عدمها .

ومنها : عدم جواز إلزام الطرف بفسخ العقد الخياري والجائز ، وعدم جواز إلزامه باشتراء العين .

ومنها: عدم انفساخ العقد الواقع على المبيع، وعدم نفوذ فسخه من ذي الخيار.

ص: 444

ومنها : ثبوت المثل أو القيمة في صورة التلف - بحسب الحكم العقلائي - على ذمّة الطرف ؛ بمجرّد تحقّق الفسخ والحلّ الإنشائي ، والمعيار قيمة حال الفسخ .

كلام السيّد اليزدي وبيان وجه النظر فيه

وممّا ذكرناه يظهر النظر في كلام جملة من الأعلام ، منهم : السيّد الطباطبائي قدّس سرّه .

قال ما حاصله : أنّ مقتضى الفسخ رجوع العوضين إلى مالكهما ، ومقتضاه وجوب دفعها مع الإمكان ، وفي حال التلف يضمن نفس العين ، لا بدلها ، وإعطاء البدل لتفريغ ذمّته ، كما في سائر الضمانات .

والحاصل : أنّ العقد إذا انحلّ ، يرجع نفس العوض ، فإن كان موجوداً فهو ، وإلاّ فيقدّر موجوداً في ذمّة المفسوخ عليه ، فإذا فرض إمكان تحصيله ، وجب مقدّماً على البدل ، وبالجملة فالمقام نظير ضمان الحيلولة .

إلى أن قال : التحقيق ما ذكرنا ، كيف ! ! ولو رجع البدل لزم رجوع غير ما وقع عليه العقد بالفسخ ، ثمّ فرّع عليه اُموراً (1) .

وفيه ما لا يخفى ؛ لأ نّه أراد بذلك التخلّص عن مخالفة مقتضى الفسخ ؛ بملاحظة أنّ رجوع البدل مخالف له ، فقال : إنّ مقتضاه رجوع نفس العين ، ومع تلفها تقدّر موجودة في ذمّة الطرف ؛ عملاً بمقتضى الفسخ الذي هو ردّ العوض إلى محلّه .

ص: 445


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 450 - 451 .

وأنت خبير : بأنّ العقد وقع على العين الموجودة الشخصية الخارجية ، فلو انتقلت إلى غيره ، كان الغير مالكاً لها ، وهي موجودة في الخارج .

ولا إشكال في أنّ مقتضى الفسخ على مبناهم ، إرجاع العوض بعينه ؛ وهو العين الموجودة في ملك الغير ، وهو معترف بعدم رجوعها ، ولهذا ذهب إلى جواز إلزامه بالفسخ ، وتقدير وجودها في ذمّة الغير ، والوجود الفرضي في الذمّة لا يوجب تحقّق عنوان «الفسخ» و «الحلّ» ولا يكون ذلك الوجود ما تعلّق به العقد ، فهو أجنبيّ عن العوض وما تعلّق به العقد .

وكذا الحال لو كانت تالفة حقيقة ؛ فإنّ الفسخ لا يعقل أن يوجب إرجاعها ؛ لكونها معدومة ، وتقدير الوجود لا يصحّح اقتضاء الفسخ ، فما فرّ منه وقع فيه بوجه أفسد .

ثمّ إنّه قد مرّ منّا في مسألة ضمان اليد(1) : أنّ باب الضمانات أيضاً ليس كما ذكره ، وأمّا التنظير ببدل الحيلولة(2) ، فليس في محلّه كما هو واضح .

كلام المحقّق الأصفهاني ونقده

ومنهم : بعض أهل التحقيق قدّس سرّه في تعليقته على كلام الشيخ الأعظم قدّس سرّه ، فقال - بعد ذكر مقدّمات - ما محصّله :

العين التي وقعت المعاوضة عليها ، ذات شؤون ثلاثة ، وهي ماهيتها الشخصية التي بها تمتاز هذه الحصّة عن سائر الحصص ، والوجود الذي

ص: 446


1- تقدّم في الجزء الأوّل : 378 - 380 و494 - 510 ، وفي الجزء الثاني : 530 - 532.
2- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 451 .

تمتاز به هذه الهوية عن سائر الهويّات ، فهذه العين تنحلّ إلى ماهية شخصية ، ووجود خاصّ .

والحيثية الثانية : حيثية كونها ذات طبيعة نوعية ، كطبيعة الحنطة التي لها أفراد متماثلة .

والحيثية الثالثة : حيثية المالية التي تمتاز بها عن غيرها .

ومن الواضح : أنّ أغراض المتعاملين ، تارة تتعلّق بالحيثية الاُولى ، وهذه أغراض شخصية ، واُخرى تتعلّق بالحيثية النوعية والمالية ، وهي الأغراض النوعية ، من غير نظر إلى الخصوصيات .

وللشارع رعاية الطبيعة النوعية وحيثية المالية ، التي هي مدار الأغراض النوعية ، فيوسّع في دائرة الحقّ ، ولا يجعله مقصوراً على صورة بقاء العين الشخصية ، والطبيعة النوعية كما أ نّها محفوظة مع وجود هذه الماهية الشخصية ، كذلك مع تلفها .

وليست الطبيعة النوعية ملحوظة بما هي ، ولا بشرط ، حتّى يكون لمن عليه الخيار ، أداؤها بأداء ما يماثل العين مع وجودها ، ولا الماهية الشخصية ملحوظة بما هي متّحدة مع وجودها الخاصّ بها بالذات ، حتّى يسقط الحقّ بتلفها ، ويكون أداء بدلها باقتضاء فرد آخر من الحقّ ، أو بمعنىً أجنبيّ عن حقيقة الفسخ .

بل لوحظ متعلّق الحقّ الوحداني ، نفس الماهية الشخصية ، بما هي متّحدة مع طبيعتها النوعية ، وهذا الاتّحاد هو المصحّح لسعة دائرة موضوع الحقّ الوحداني ، فمع وجود الماهية الشخصية ، يجب رجوعها ، ومع تلفها يردّ الطبيعة النوعية ،

ص: 447

والحيثية المالية ؛ لأ نّهما لم تتلفا ، هذا بحسب الثبوت .

وأمّا بحسب الإثبات ، فيكفي إطلاق دليل الخيار لصورة تلف العين(1) ، انتهى .

وأنت خبير بما فيه من التكلّف والتعسّف ، مع عدم الإنتاج لما أراده ، ولولا بعض الملاحظات لما تعرّضنا لمثله ، لكن لا بأس بذكر بعض ما فيه من الأنظار الواضحة :

منها : أنّ قوله : «إنّ هذه العين ، تنحلّ إلى ماهية شخصية ، ووجود خاصّ» مخالف للواقع والبرهان ؛ فإنّ الماهية لا شخصية لها في قبال الوجود ، ولا يعقل انحلال الموجود إلى الماهية الشخصية والوجود ؛ لأنّ الشخصية عين الوجود ، فهذا التوهّم مساوق للقول : «بأنّ الموجود ينحلّ إلى الوجود ، والماهية الموجودة» .

فالتحقيق : أنّ كلّ موجود ممكن ، ينحلّ إلى ماهية ووجود ، وهذه الماهية لا شخصية لها ، ولا تكون فرداً إلاّ بوجودها ، وحديث «الحصّة» الذي وقع في كلامه ، فاسد أيضاً ، كما هو ظاهر عند أهله .

ومنها : أنّ قوله : «إنّ الأغراض النوعية ، متعلّقة بحيثية الطبيعة النوعية والمالية» على فرض تسليمه ، لا يفيد على وجه ، وفاسد على آخر ؛ فإنّ العقد إن وقع على ما تعلّق به الغرض - أي الماهية النوعية والمالية الكلّية الموجودتين مع سائر الأفراد - فيكون المتعلّق كلّياً ، لا شخصياً ، وللبائع أداء أيّ فرد أراد ، وهو

فاسد ؛ لأنّ المفروض تعلّق العقد بالجزئي الحقيقي ، والطبيعةُ الموجودة بوجوده

ص: 448


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 283 - 284 .

جزئية بجزئية الوجود ، وكذا المالية .

وإن وقع على الشخص - وإن كان الداعي تحصيل ماليته ، أو نفس الطبيعة النوعية - فلا يعقل بقاء متعلّق العقد بعد تلف الشخص ؛ فإنّ ما لا يتلف هو المالية الكلّية والطبيعة النوعية ، على إشكال فيه أيضاً على المذهب الدقيق ، وإن كان موافقاً للنظر العرفي العقلائي .

ومن الواضح : أنّ العقد لم يتعلّق بها ، وما تعلّق به تلف ، ولم تبق له مالية ، ولا النوع المتّحد معه ، فجعلُ الخيار مع التلف ، لا يعقل أن يكون مقتضاه ردّ ما تعلّق به العقد على هذا المبنى ، ومآل رعاية الشارع للغرض النوعي في جعل الخيار ، جعله لردّ أمر أجنبيّ عن المعاملة ، وهو غير معقول ، وإنّما المعقول جعل حقّ له لاستنقاذ حقّه ، من غير مورد المعاملة ، وهو خلاف الفرض والواقع .

ومنها : أنّ قوله : «يكفي في مقام الإثبات إطلاق دليل الخيار لصورة التلف» غير مرضيّ ؛ لعدم تعقّل إطلاق الدليل لما لا يكون موضوعاً له ، فإطلاق دليل خيار فسخ العقد المتعلّق بهذا الشخص ، لا يعقل شموله لما لا يكون متعلّقاً له ، حتّى يقتضي رجوع أمر أجنبيّ عن العقد ، وهو واضح .

والتحقيق في المقام : هو ما مرّ منّا في حقيقة العقد وماهية الفسخ(1) ، وعليه فيثبت الخيار ، ويردّ بالفسخ ما تعلّق به العقد على ما تقدّم ، من غير ورود إشكال عليه .

ص: 449


1- تقدّم في الصفحة 351 و390 - 391 و410 - 411 و442 - 443 .

كلام المحقّق النائيني والإيراد عليه

ومنهم : بعض الأعاظم قدّس سرّه على ما في تقريراته .

وحاصله : أنّ الخيار طريق إلى استرجاع نفس العين ، لا الأعمّ منها ومن المثل أو القيمة ، ولمّا كان المدار في باب الضمان على قيمة يوم الأداء ، كما قلنا في محلّه ، فلا تجوز التصرّفات المانعة عن الاسترداد(1) .

وفيه : أ نّه إن اُريد ب «الطريقية» ما كان من قبيل الأغراض ، كما هو ظاهر من بعض عباراته ، فلا يوجب ذلك عدم جواز التصرّف بوجه ؛ لأ نّها خارجة عن الخيار ، ولا يجب حفظ أغراض ذي الخيار .

وإن كان المراد : أنّ الخيار فسخ العقد ، وإرجاع العين الخارجية ، فقد تقدّم فساده .

مضافاً إلى أنّ ابتناء المسألة على مسألة الضمان ، وأنّ المعيار قيمة يوم التلف ، أو يوم الأداء ، ممّا لا وجه له ، كما لا يخفى .

في جواز التصرّف وعدمه في الخيارات المجعولة

ثمّ إنّ ما ذكرنا : من جواز التصرّف مطلقاً (2) ، إنّما هو في الخيارات العقلائية ، كخيار الغبن ، وتخلّف الوصف والشرط ، أو الشرعية كخيار الحيوان .

وأمّا في الخيارات المجعولة من قبل المتعاقدين ، فالجواز وعدمه تابعان

ص: 450


1- منية الطالب 3 : 314 .
2- تقدّم في الصفحة 442.

لجعلهما ، فإن كان المجعول نفس خيار فسخ العقد ، كما لو شرط أنّ له خيار فسخه إلى سنة مثلاً ، كان حاله حال الخيارات العقلائية والشرعية ؛ لعين ما تقدّم من البيان .

وإن كان الشرط هو ردّ العين ، كما هو المتعارف في البيع بشرط ردّ الثمن ، بأن قال : «إن أنا جئتك بالثمن إلى سنة ، تردّ عليّ العين» فلا ينبغي الإشكال في عدم جواز التصرّف ، بل ولا في عدم النفوذ لو تصرّف بالبيع ونحوه ؛ فإنّ هذا الشرط وإن كان متضمّناً لشرط الخيار وسلطنة فسخ العقد ، لكن يستفاد منه أمر آخر ؛ هو حقّ استرجاع نفس العين ، ومع هذا الحقّ لا يجوز التصرّف المانع عنه ، ولا يكون نافذاً .

وتوهّم نفوذه ولو كان التصرّف غير جائز(1) فاسد ؛ فإنّ المستفاد من مثل ذلك ، هو استحقاق الاسترجاع .

والشرط المذكور كما يكون بنحو شرط الفعل ، كأن يقول : «إن أنا جئتك بالثمن تردّ عليّ مالي» كذلك قد يكون بنحو شرط النتيجة ؛ بأن يقول : «لو جئتك بالثمن تكون العين لي» .

وفي روايات الباب ما يستفاد منها شرط الفعل ، كرواية إسحاق بن عمّار قال : حدّثني من سمع أبا عبداللّه علیه السلام ، وسأله رجل وأنا عنده فقال : رجل مسلم احتاج إلى بيع داره ، فجاء إلى أخيه ، فقال : أبيعك داري هذه وتكون لك أحبّ من أن تكون لغيرك ، على أن تشترط لي إن أنا جئتك بثمنها إلى سنة أن تردّ عليّ .

ص: 451


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 291 ؛ مصباح الفقاهة 7 : 474 - 475 .

فقال : «لا بأس بهذا، إن جاء بثمنها إلى سنة ردّها عليه . . .»(1) إلى آخرها .

والظاهر المتفاهم منها ، أنّ قوله : «أن تردّ عليّ» كناية عن حقّ الفسخ وحقّ الاسترجاع به ، لا شرط النتيجة ، كما في الرواية الآتية .

ومن المعلوم : أنّ الظاهر منها ، جعل حقّ استرجاع نفس العين ، وإن كان متضمّناً للخيار أيضاً ، فلا يتوهّم سقوط الخيار مع تلفها ؛ فإنّ مثل هذا يدلّ عرفاً على أمرين ، أحدهما : حقّ أخذ نفس العين ، وثانيهما : حقّ الفسخ .

وما يستفاد منها شرط النتيجة ، كرواية معاوية بن ميسرة قال : سمعت أبا الجارود يسأل أبا عبداللّه علیه السلام ، عن رجل باع داراً له من رجل ، وكان بينه وبين الرجل الذي اشترى منه الدار حاصر ، فشرط أ نّك إن أتيتني بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار دارك ، فأتاه بماله .

قال : «له شرطه»(2) .

ففي الصورتين لا إشكال في عدم جواز التصرّف ، ولا في عدم نفوذه ، كما لا إشكال في ثبوت حقّ الخيار مع التلف .

حكم شرط الخيار بردّ الثمن

نعم ، هنا صورة اُخرى ؛ وهي شرط الخيار بردّ الثمن ، كأن يقول : «شرطت عليك إن أنا جئت بالثمن فلي الخيار» فيحتمل أن يكون حالها حال الخيارات

ص: 452


1- الكافي 5 : 171 / 10 ؛ الفقيه 3 : 128 / 559 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 23 / 96 ؛ وسائل الشيعة 18 : 19 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 8 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 7 : 176 / 780 ؛ وسائل الشيعة 18 : 20 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 8 ، الحديث 3 .

الشرعية ؛ من جواز التصرّف ، ونفوذه فيها .

وأن تكون حال الصورة السابقة ؛ ممّا قلنا فيها : بعدم الجواز ، وعدم النفوذ ، بأن يقال : إنّ المعهود عند العقلاء في مثل هذا الشرط - بحسب النوع - هو الرجوع إلى نفس العين ، وذلك يوجب صرف الكلام إلى ما هو المتعارف ؛ من جعل حقّ الرجوع إلى نفس العين زائداً عن حقّ الخيار .

وهذا لا يخلو من جودة ، وإن لم يخلُ من إشكال ، وأمّا احتمال أنّ التصرّف لا يجوز ، لكنّه ينفذ ، فغير مرضيّ .

وممّا تقدّم منّا في صدر المسألة من وجه جواز التصرّف(1) ، يظهر عدم وقع للبحث عن تقدّم حقّ الخيار ، أو حقّ الاستيلاد ؛ ضرورة عدم التزاحم بينهما ؛ لعدم حقّ لذي الخيار في الجارية ، مع أنّ البحث في مثله قليل الجدوى في هذه الأزمنة .

جواز التصرّف في العين قبل زمان الخيار

ثمّ إنّ المتيقّن من منع التصرّف في زمان الخيار - على القول به - هو زمان تحقّق الخيار بالفعل ، كما في خيار المجلس ، والحيوان ، ونحوهما .

وأمّا لو لم يتحقّق فعلاً ، كما لو جعل الخيار بعد شهر ، وكما في خيار الغبن ، على القول بحدوثه عند ظهوره ، وغير ذلك ممّا هو كذلك ، فالظاهر عدم المانع من التصرّف ، من غير فرق بين الجعل في زمان متأخّر وغيره ؛ لاشتراكهما في فقدان المانع ، فإنّ ما هو المانع - على القول به - هو الخيار وحقّ الغير ، والفرض

ص: 453


1- تقدّم في الصفحة 442 - 443.

عدم تحقّقه ، ووجودُه في زمان متأخّر لا يوجب الفرق .

وما قلنا في مقدّمة الواجب المشروط المعلوم حصول شرطه قبل حصوله(1) ، لا يأتي في المقام كما هو ظاهر .

وما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه في وجه الفرق بين الخيار المتوقّف على حضور الزمان وغيره : من أنّ ثبوت الحقّ في الأوّل معلوم وإن لم يحضر زمانه ، بخلاف الثاني(2) .

غير وجيه ؛ لأنّ العلم بثبوت حقّ في زمان متأخّر ، لا يوجب حقّاً فعلاً ، ففي الزمان الحاضر لا حقّ بوجه ، فلا مانع ، ولا يعقل أن يكون المعدوم في الحال مانعاً ، والمانعية في زمان ثبوت الحقّ لا تسري إلى المتقدّم ، وليس الخيار كالواجب المعلّق ، كما هو واضح .

وما قيل : من أنّ المانع من التصرّف هو تزلزل العقد ، وفعلية حقّ ذي الخيار ، وهما حاصلان ؛ لأنّ نفس الشرط الموجود حال العقد ، حقّ مالكي يجوز إسقاطه ، والتصرّف المتلف منافٍ له(3) .

فيه : أنّ التزلزل الفعلي - بمعنى ثبوت الخيار فعلاً - ممنوع ، وكونه في معرض الحصول لا يوجب المنع ، مع أنّ التزلزل بنفسه ليس مانعاً ، بل المانع هو الحقّ المتعلّق بالعين .

وأمّا كون نفس الشرط حقّاً مالكياً ، فلا يرجع إلى محصّل وإن كان له إسقاطه

ص: 454


1- مناهج الوصول 1 : 290 - 293.
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 153 .
3- منية الطالب 3 : 317 - 318 .

عرفاً ، نظير الإقالة ، والمانع إنّما هو الخيار ، وهو ليس بموجود فعلاً ، والمعرضية لا تفيد .

ولو قيل : إنّ صحّة الإسقاط تستلزم ثبوت الحقّ - لو سلّم - فغايته أنّ الشرط حقّ ، لكن كونه حقّاً موجباً للمنع ، ممنوع كما لا يخفى .

وربّما يقال بناءً على ثبوت الخيار على أيّ حال ، وبناءً على الانتقال إلى البدل مع التلف القهري : إنّ الأمر دائر بين اُمور ثلاثة : إنفاذ التصرّف بقول مطلق ، فلا يبقى معه مجال للخيار ، وعدمه كذلك ، وعليه فيتمكّن من إعماله في ظرفه ، وإنفاذه إلى زمان تحقّق الخيار .

لا مجال للثالث ؛ لأنّ الصحّة غير قابلة للتوقيت .

والأوّل خلف ؛ لأنّ المفروض ثبوت الحقّ في ظرفه ، كما أنّ المفروض أنّ الانتقال إلى البدل ، مختصّ بالتلف القهري ، فيبقى الثاني وهو المطلوب(1) ، انتهى ملخّصاً .

وفيه : مضافاً إلى ابتنائه على بناءين فاسدين ؛ فإنّ ثبوت الخيار بقول مطلق - حتّى مع عدم إمكان إعماله ، وعدم تحقّق موضوعه - ممنوع ، بل فرض فاسد ، كما أنّ اختصاص البدل بالتلف القهري فاسد ، ولا أظنّ التزام القائل به ، فكيف يلتزم بعدم البدل وعدم الخيار ، لو أتلف العين عصياناً واختياراً ؟ !

أنّ الفرض الثالث على فرض صحّة البناءين ، هو المتعيّن ، ولا يلزم منه تحديد الصحّة ، بل يمكن عروض الانفساخ القهري للعقد ، فيكون العقد متحقّقاً

ص: 455


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 293 .

إلى زمان الخيار ، ومنفيّاً حاله ، كالوقف المنقطع الآخر .

وكيف كان : لا إشكال في جواز التصرّف ونفوذه ، وأنّ الخيار يتحقّق في ظرفه ، ويرجع بعد الفسخ إلى بدله ، إلاّ أن يجعل الخيار على وجه لا يتحقّق عند عدم المبيع ، فيكون التصرّف معدماً للموضوع قبل حصول الخيار ، وهو أيضاً جائز .

نعم ، يبقى الكلام في التصرّفات الاعتبارية في الفرض الأخير ، وتزاحمها مع إعمال الخيار ، والبحث عنها غير مهمّ .

هل يجوز التصرّف غير المنافي قبل زمان الخيار؟

ثمّ على القول : بالمنع من التصرّف المنافي للخيار ، هل يجوز التصرّف الذي ليس بنفسه منافياً ، لكن يحتمل أن يترتّب عليه ما يوجب ذلك ، كالتصرّف الذي يحتمل ترتّب تلف العين عليه ، وكوط ء الجارية المحتمل أن يترتّب عليه الاستيلاد ، بناءً على كونه موجباً لعدم جواز الردّ ؟

وجهان ، أوجههما عدم الجواز ؛ لأنّ مبنى هذا الحكم تعلّق حقّ الغير بالعين ، فما هو الجائز من التصرّفات فيها ، هو التصرّف الذي لا تترتّب عليه المزاحمة ، ومع الاحتمال لا بدّ من الإحراز .

والتمسّك بدليل السلطنة(1) أو أصالة الإباحة(2) ، ممّا لا وجه له ، وليس هنا

ص: 456


1- راجع غاية الآمال ، المحقّق المامقاني 10 : 158 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 456 .
2- راجع حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 : 340 .

أصل يحرز به عدم المزاحمة ؛ لأنّ عدم كون النطفة - مثلاً - مبدء نشوء الولد ، لا سابقة له ؛ لأ نّها من أوّل وجودها يحتمل أن تكون كذلك .

مع أنّ الأثر لا يترتّب عليه ، بل يترتّب على لازمه ، وعدم تحقّق الاستيلاد بالوط ء ، وصبّ النطفة في الرحم ، ليست له حالة سابقة يقينية بهذا المفهوم المتقيّد ؛ فإنّ النطفة من حين صبّها في الرحم ، يحتمل ترتّب الاستيلاد عليها ، وليس المراد التولّد الفعلي ووضع الحمل ؛ فإنّه غير مشكوك فيه .

وأمّا عدم كونها مبدء لنشوء الولد في الجارية الخارجية ، فله حالة سابقة قبل تحقّق الوط ء ، لكن لا يثبت بالأصل الجاري فيه ما هو موضوع الحكم ؛ فإنّ أصالة عدم تحقّق الاستيلاد بالوط ء المنتفي قبل حصوله ، لا تثبت أنّ الوط ء حين وجوده كذلك ، نظير الإشكال في استصحاب الأعدام الأزلية(1) .

وبهذا يظهر الحال في أصالة عدم كون الفعل مزاحماً لحقّه ، وأصالة عدم مانعيته عن الردّ . . . إلى غير ذلك .

جواز الإجارة في زمان الخيار

وأمّا جواز الإجارة في زمان الخيار ، بناءً على عدم جواز التصرّفات المانعة عن الردّ ، فلا ينبغي الإشكال فيه ؛ فإنّ الردّ في المقام عبارة عن الردّ الاعتباري ، لا الخارجي ، والمزاحم له إنّما هو التصرّف المانع عن رجوع العين بالفسخ ، كالاستيلاد ، والتلف ، والوقف ، ونحوها .

ص: 457


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 2 : 533 ؛ الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 141 .

ولا شبهة في أنّ العين المستأجرة ، التي هي مورد تعلّق العقد والحقّ ، لا مانع من أن ترجع إلى ذي الخيار بالفسخ ، وما لا ترجع إليه هي المنافع ، وهي ليست مورد العقد والحقّ ، بل هي تابعة لوجود العين حقيقة ، ويملكها مالك العين إذا لم يكن مانع عن تبعيتها ، كما لو كانت عند الرجوع مسلوبة المنفعة كما في المقام .

وأمّا تسليم العين إلى الفاسخ ، فهو وإن كان ممنوعاً مدّة الإجارة ، لكنّه ليس من آثار الفسخ ، حتّى تنافيه الإجازة ، بل هو من آثار صيرورته بالفسخ مالكاً ، ووجوبه في المقام ممنوع ؛ لتعلّق حقّ الغير بها في مدّة الإجارة ، كبيع الشيء مسلوب المنفعة بالإجارة .

وعلى ما ذكر ، لا وجه للقول بالانفساخ ، أو لبطلان الإجارة من أوّل الأمر بالنسبة إلى هذه القطعة ، كما في عروض التلف على العين في الأثناء ، فإنّ المنافع تابعة للعين في الملكية ، والعين مملوكة للمشتري بنحو الإطلاق ، والمنافع تابعة لها بنحو الإطلاق ، وقد تصرّف فيها بالنقل ، والفسخ لا يكشف عن عدم ملكيته ، والقياس بالتلف مع الفارق .

ثمّ لا إشكال في أنّ على المشتري المؤجر للعين ، جبرانَ المنافع المذكورة ؛ فإنّ العقد تعلّق بعين لها المنفعة ، ولا بدّ في الفسخ من رجوعها كذلك عرفاً ، وعند عدم عود المنفعة لمانع ، لا بدّ من جبران ماليتها ، كما أ نّه لو فقدت صفة من صفاتها التي لها مالية ، لا بدّ من جبرانها ، وإنّ لم يتعلّق بها العقد .

ص: 458

فرع : في سقوط الخيار بإذن صاحبه في التصرّف المخرج

لو أذن ذو الخيار في التصرّف المخرج ، فالظاهر سقوط خياره بمجرّده ، ولو لم يتعقّبه التصرّف ، حتّى على القول بتعلّق الحقّ بالعقد(1) على وجه موافق لحكم العقلاء والعرف ؛ فإنّ الغرض النوعي والمطلوب الأوّل بحسب النوع ، هو الفسخ للتوصّل به إلى العين ، سواء كان الحقّ متعلّقاً بالعين أو بالعقد ، وأمّا الرجوع إلى القيمة أو المثل عند فقدان العين ، فهو من قبيل الغرامة .

ومن الواضح : أنّ حقّ الخيار لم يتعلّق إلاّ بالعقد ، أو بنفس العين ، وأمّا المثل والقيمة ، فليسا متعلّقين له ، وعليه فيكون الإذن بالإتلاف أو الإخراج عن ملكه مساوقاً عرفاً لرفع اليد عن حقّه ، والتزامه بالعقد ؛ إذ لم يكن حقّه ذا مراتب حتّى

يقال : إنّ رفع اليد عن بعض مراتبه ، لا ينافي بقاءه بالنسبة إلى سائرها (2) .

ولو قيل : إنّ الإذن إنّما هو لرفع الحرمة ؛ فإنّ التصرّف في متعلّق حقّه ، لا يجوز إلاّ بإذنه ، فلا يدلّ على رفع اليد عن حقّه(3) .

يقال : هذا صحيح فيما إذا بقي مورد الحقّ مع التصرّف لو قلنا : بأ نّه تعلّق بالعين ، أو بقي مجال للاسترجاع معه لو قلنا : بتعلّقه بالعقد ، وأمّا مع كونه رافعاً

ص: 459


1- تقدّم تخريجه في الصفحة 23 ، الهامش 1 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 299 .
3- نفس المصدر.

للموضوع ، فلا مجال لهذا الاحتمال عرفاً .

وتوهّم : أنّ الإذن لعلّه لتحقّق موضوع الغرامة بالفسخ مدفوع ؛ فإنّه احتمال غير عقلائي ، بعد ما كان المطلوب العرفي استرجاع نفس العين .

وعلى ما ذكرناه ، لا فرق في السقوط بين تعقّبه بالتصرّف وعدمه ، بل لا يجوز له الرجوع ؛ فإنّ مجرّد الإذن مسقط .

وأمّا مع الغضّ عمّا ذكر ، فلا يكون التصرّف المأذون فيه أيضاً مسقطاً ؛ لأنّ غاية ما يقال : إنّ التصرّف المذكور رافع لمحلّ الحقّ ، فلا يبقى الخيار(1) ، وذلك إنّما يصحّ لو قلنا : بأنّ الحقّ متقوّم بشخص العين ، بحيث لو تلفت بنفسها سقط الخيار .

وهو واضح الفساد ؛ إذ المراد من تعلّق الحقّ بالعين ، أنّ الخيار حقّ استرجاع العين بالفسخ ، فمحلّ الفسخ هو العقد ، وهو باقٍ عند تلف العين ، ومع عدم إمكان رجوعها يرجع عوضها ، فلا يكون الحقّ متقوّماً بنفس العين ؛ بمعنى بطلانه عند امتناع رجوعها .

وعليه فلولا الظهور العرفي المتقدّم ذكره ، لما كان وجه لأن يكون التصرّف المأذون فيه مسقطاً له ، بل لا بدّ من الالتزام ببقاء الحقّ والرجوع عند الفسخ إلى البدل .

وما قيل : من أنّ التصرّف المأذون فيه ، مفوّت لمحلّ الحقّ ؛ حيث إنّ الغرض من الفسخ استرجاع العين بعينها أو ببدلها ، وكلّ منهما متعذّر ؛ أمّا العين فمعلوم .

ص: 460


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 157 .

وأمّا البدل ؛ فلأ نّه فرع كون العين مضمونة عليه ، ومع الإذن في التلف لا ضمان ، فإذا امتنع الضمان امتنع الفسخ ، فامتنع الخيار(1) .

فيه : أنّ هذه الغرامة ليست كضمان إتلاف المال ، حتّى يقال : مع إذن صاحب المال فيه لا وجه لها ؛ ضرورة أنّ المال المتلف ليس ملكاً للآذن ، بل هي غرامة عقلائية مترتّبة على فسخ العقد ؛ إمّا بالنحو الذي تقدّم منّا (2) ، أو على النحو الآخر المذكور في كلامهم .

وعليه فمع عدم دالّ على إسقاط حقّ الخيار ، لا موجب لامتناع الفسخ ، حتّى يترتّب عليه امتناع الخيار كما قاله القائل ، فالتصرّف ليس مبطلاً لمحلّ الفسخ على جميع المباني ، إلاّ على القول بتقوّم الخيار بشخص العين ؛ بحيث أ نّها لو تلفت بنفسها بطل الخيار ، وهو كما ترى .

ص: 461


1- منية الطالب 3 : 322 - 323 .
2- تقدّم في الصفحة 347 - 348.

مسألة في عدم توقّف الملكية على انقضاء الخيار

اشارة

الحقّ الحقيق بالتصديق : أنّ حصول الملكية للمتعاملين ، لا يتوقّف على انقضاء الخيار ، من غير فرق بين البائع والمشتري ، كما هو المشهور بين الأصحاب الذي هو بيّن الرشد ، في قبال القول المخالف(1) النادر على فرض ثبوته ، وعدم إمكان التأويل والتوجيه فيه .

ضرورة أنّ حصول الملكية بنفس البيع ، أمر عرفي عقلائي مرتكز في الأذهان ، بلا شبهة ولا ريب ، فإنّا وإن قلنا : إنّ ماهية البيع هي التبادل الإنشائي الجامع بين الفضولي وغيره ، لكن حصول الملكية مترتّباً على بيع الأصيلين ، من الأحكام الواضحة العقلائية ، التي لا بدّ في ردعهم عنها من دلالة واضحة ، ثابتة بنحو الجزم من الشارع الأقدس ، ولا سيّما في مثل المسألة التي ذهب فيها

ص: 462


1- الخلاف 3 : 22 ؛ الجامع للشرائع : 248 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 160 .

المشهور على ثبوتها موافقاً لما عليه العقلاء ، وليس فيها في قبالهم إلاّ بعض الإشعارات ، التي لا يصحّ الاتّكال عليها في مقابل الضرورة .

وعليه فيصحّ التمسّك بكلّ ما دلّ على تنفيذ البيع ، كآية وجوب الوفاء بالعقود(1) والتجارة عن تراضٍ(2) وحلّ البيع(3) والكلام في المناقشات حول دلالة الآيات ، وإطلاق بعضها ، مع الجواب عنها ، قد مرّ مستقصىً في الجزء الأوّل من الكتاب(4) .

مع أنّ الإشكال في آية التجارة ووجوب الوفاء موهون ، بل وكذلك في آية الحلّ ؛ فإنّ إثبات النفوذ في الجملة كافٍ في المقام ؛ لملازمة البيع مع خيار المجلس .

بل يمكن التمسّك بدليل وجوب الوفاء بالشروط بالتقريب الذي مرّ منّا في محلّه(5) .

وبالجملة : كلّ ما ورد من الشارع الأقدس في هذا المجال ، تنفيذ للحكم العقلائي ؛ وهو حصول الملك بمجرّد تحقّق البيع والإنشاء من الأصيلين .

وتدلّ على القول المشهور جملة من الروايات :

ص: 463


1- المائدة (5) : 1 .
2- النساء (4) : 29 .
3- البقرة (2) : 275 .
4- تقدّم في الجزء الأوّل : 85 و94 و98 .
5- تقدّم في الجزء الأوّل : 139 - 140 و211 .

الاستدلال بالروايات على عدم التوقّف

منها : الروايات الواردة في خيار المجلس(1) لا لقوله علیه السلام : «بالخيار»(2) ، حتّى يقال : لعلّ المراد خيار حلّ العقد ولو لم تحصل الملكية(3) وإن كان ذلك أيضاً مخالفاً لفهم العقلاء .

بل لقوله علیه السلام : «وإذا افترقا وجب البيع» إذ من الواضح أنّ العرف يفهم منه ، أنّ الافتراق غاية للخيار ، وموجب للزوم فقط ، لا أ نّه موجب له ولأصل الملكية ، فلو كان حصولها متوقّفاً عليه ، لوجب التنبيه عليه مع حكم العقلاء على خلافه ، وهذا ممّا لا ينبغي الإشكال فيه .

ومنها : جملة من الروايات المشتملة على ردّ الجارية من الجنون ، والبرص ، والجذام ، والقرن(4) ، فإنّ المراد من «الردّ» وإن كان فسخ العقد بتلك العيوب ، لكن التعبير ب «الردّ» ظاهر في أ نّه ملكها ، فله ردّها في الملكية بالخصال المذكورة ، وهو واضح للمتدبّر .

ومنها : ما دلّ على جواز النظر إلى ما كان يحرم عليه قبل الشراء ، كصحيحة ابن رئاب وفيها بعد ما ذكر سقوط الخيار بإحداث الحدث :

ص: 464


1- راجع وسائل الشيعة 18 : 6 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 1 ، الحديث 4 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 164 .
3- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 303 .
4- الكافي 5 : 216 / 15 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 64 / 277 ؛ وسائل الشيعة 18 : 98 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 2 .

قيل له : وما الحدث ؟

قال : «إن لامس ، أو قبّل ، أو نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل الشراء»(1) .

فإنّ الظاهر المتفاهم عرفاً ، أنّ الشراء موجب لحلّية النظر ؛ لكونها ملكاً له ، لا أنّ النظر موجب للملكية ، والمقارنة الخارجية بين النظر والملك ، توجب حصوله في حال الملك ؛ فإنّه نظر دقيق فلسفي مخالف لفهم العرف .

بل الظاهر من صدرها أيضاً ، أنّ إحداث الحدث - كاللمس والتقبيل - جاز له بالشراء ، والحمل على ما ذكر آنفاً ، خلاف فهم العرف .

وعلى ذلك : لا فرق في الدلالة على المشهور ، بين القول بالكشف أو النقل(2) .

كما أنّ المقايسة بين ذلك وبين المطلّقة الرجعية(3) التي ورد فيها أ نّها بحكم الزوجة(4) في غير محلّها ؛ لأنّ الظاهر من الروايات هناك ، جواز النظر قبل حصول الرجوع ؛ فإنّها بحكم الزوجة في الأحكام إلاّ ما ندر ، فقياس المقام بما هناك - لردّ ما ذكرناه من الاستئناس أو الدلالة - في غير محلّه .

ومنها : ما دلّ على أنّ النماء في زمن الخيار للمشتري ، كرواية إسحاق بن عمّار قال : حدّثني من سمع أبا عبداللّه علیه السلام ، وسأله رجل وأنا عنده ، فقال : رجل

ص: 465


1- الكافي 5 : 169 / 2 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 24 / 102 ؛ وسائل الشيعة 18 : 13 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 4 ، الحديث 1 .
2- الدروس الشرعية 3 : 270 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 160 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 165 .
4- راجع وسائل الشيعة 22 : 103 ، كتاب الطلاق ، أبواب أقسام الطلاق ، الباب 1 و13 و20 ، و : 212 ، أبواب العدد ، الباب 18 و20 و21 .

مسلم احتاج . . . إلى أن قال : على أن تشترط لي إن أنا جئتك بثمنها إلى سنة ، أن تردّ عليّ .

فقال : «لا بأس بهذا، إن جاء بثمنها إلى سنة ردّها عليه» .

قلت : فإن كان فيها غلّة كثيرة ، فأخذ الغلّة ، لمن تكون الغلّة ؟

فقال : «للمشتري ، ألا ترى أ نّه لو احترقت لكانت من ماله ؟ !»(1) .

وظاهر الذيل إرجاعه إلى ارتكازه العقلائي؛ من أنّ الدار ماله، وإذا تلفت تكون من ماله، فتكون الغلّة له، والحمل على شرط النتيجة(2) خلاف الظاهر كما تقدّم(3).

كما أنّ الحمل على حدوث الخيار بعد المجيء بالثمن(4) ، خلاف الظاهر ؛ فإنّ قوله : «إن أنا جئتك بثمنها إلى سنة» ظاهر في الخيار في تمام السنة ، وأنّ الإتيان بالثمن لفسخ المعاملة ، أو فسخ للمعاملة ، فيترتّب عليه لزوم الردّ ، وهذا واضح عرفاً ، والمناقشة فيه غير واردة .

ومنها : رواية بشّار قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل يبيع المتاع بنساء ، فيشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه .

قال : «نعم ، لا بأس به» .

فقلت له : أشتري متاعي ؟ !

ص: 466


1- الكافي 5 : 171 / 10 ؛ الفقيه 3 : 128 / 559 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 23 / 96 ؛ وسائل الشيعة 18 : 19 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 8 ، الحديث 1 .
2- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 165 .
3- تقدّم في الصفحة 452 .
4- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 165 .

فقال : «ليس هو متاعك ، ولا بقرك ، ولا غنمك»(1) .

والظاهر من قوله علیه السلام : «ليس هو متاعك ، ولا بقرك» أنّ هذا الحكم ثابت في بيع الحيوان أيضاً .

فالقول : بأ نّه ليس في مقام البيان حتّى يشمل البيع الخياري(2) غير وجيه .

كما أنّ الظاهر منه بحسب ارتكاز العرف ، أنّ المتاع متاعه بالبيع ، لا بانقضاء الخيار .

وأمّا قول السائل : «أشتري متاعي ؟ !» فلعلّه من أجل أ نّه استغرب من الشراء منه فوراً ، فكان المبيع متاعه الذي لم يمض من بيعه زمان ، وقد نقل عن العامّة في هذه الروايات : أنّ هذا فاسد إن لم يفصل بالشهر(3) ولعلّ هذا صار موجباً لتعجّبه ، فقال أبو عبداللّه علیه السلام : «ليس متاعك» .

وكيف كان : لا إشكال في دلالة تلك الروايات على المطلوب .

ونحوها صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : سألته عن رجل أتاه رجل ، فقال : ابتع لي متاعاً ، لعلّي اشتريه منك بنقد أو نسيئة ، فابتاعه الرجل من أجله .

ص: 467


1- الكافي 5 : 208 / 4 ؛ الفقيه 3 : 134 / 585 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 47 / 204 ؛ وسائل الشيعة 18 : 41 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 5 ، الحديث 3 .
2- راجع المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 166 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 : 342 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 304 - 305 .
3- الكافي 5 : 202 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 51 / 223 ؛ وسائل الشيعة 18 : 41 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 5 ، الحديث 4 .

قال : «ليس به بأس ، إنّما يشتريه منه بعد ما يملكه»(1) .

فإنّ الظاهر منها : بعد ما يملكه بالبيع المذكور ، ومقتضى إطلاقها الشمول للبيع الخياري ، وتوهّم عدم الإطلاق(2) في غير محلّه .

وأمّا النبوي المشهور - وهو قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «الخراج بالضمان»(3) - الذي يستدلّ به للمشهور تارة(4) ، ولخلافه اُخرى(5) ، فهو مشتبه المراد .

وقد ذكرنا سابقاً : أنّ الظاهر من «الخراج» هو الخراج المتعارف في الدول ، ومنها الدولة الإسلامية ، فيراد من هذه الرواية ، أنّ الخراج الذي تأخذه الدولة ، ليس مجّاناً وظلماً ، بل في مقابل الضمانات التي على عهدتها ؛ من حوائج المسلمين والاُمّة(6) ، فمفاده أجنبيّ عمّا ذكره أبو حنيفة في الدابّة المستأجرة(7) ، كما أ نّه أجنبيّ عمّا ذكر للمشهور ولخلافه .

ص: 468


1- تهذيب الأحكام 7 : 51 / 220 ؛ وسائل الشيعة 18 : 51 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 8 ، الحديث 8 .
2- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 167 - 168 ؛ مصباح الفقاهة 7 : 513 .
3- عوالي اللآلي 1 : 219 / 89 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 302 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 7 ، الحديث 3 ؛ سنن ابن ماجة 2 : 754 / 2243 ؛ السنن الكبرى ، البيهقي 5 : 321 .
4- جواهر الكلام 23 : 81 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 170 .
5- اُنظر منية الطالب 3 : 326 .
6- تقدّم في الجزء الأوّل : 468 - 469 ؛ وفي الجزء الرابع : 632.
7- الكافي 5 : 290 / 6 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 215 / 943 ؛ وسائل الشيعة 19 : 119 ، كتاب الإجارة ، الباب 17 ، الحديث 1 .

ومع الغضّ عمّا ذكر ، ففيه احتمالات موجبة لسقوطه عن الاستدلال ، ولهذا استدلّ به للقولين .

أدلّة توقّف الملكية على انقضاء الخيار

واستدلّ للقول المقابل للمشهور باُمور ، عمدتها بعض الروايات(1) ، كصحيحة عبداللّه بن سنان قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل يشتري الدابّة أو العبد ، ويشترط إلى يوم أو يومين ، فيموت العبد والدابّة ، أو يحدث فيه حدث ، على من ضمان ذلك ؟ قال : «على البائع حتّى ينقضي الشرط ثلاثة أيّام ، ويصير المبيع للمشتري»(2) .

فإنّها تدلّ على المطلوب من جهتين :

اُولاهما : الحكم بأنّ الضمان على البائع ، والمراد به الخسارة ، ولا يعقل أن تكون الخسارة إلاّ على صاحب المال .

ثانيتهما : قوله علیه السلام : «ويصير المبيع للمشتري» أي يصير ملكاً له بمضيّ الخيار .

وفيه أوّلاً : أنّ في الرواية احتمالات :

منها : أن يكون المراد ب «الضمان» المسؤول عنه الخسارة والذهاب من الكيس ، وأنّ السائل تردّد في أ نّها من كيس البائع ، فيكشف عن أ نّه صار ملكاً له

ص: 469


1- اُنظر جواهر الكلام 23 : 81 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 170 .
2- الكافي 5 : 169 / 3 ؛ الفقيه 3 : 126 / 551 ؛ وسائل الشيعة 18 : 14 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 5 ، الحديث 2 .

في زمان الخيار ، أو أ نّها من المشتري ، فيكشف عن أ نّه صار المبيع ملكا له بالبيع ، واستكشف من الجواب أ نّه ملك البائع إلى أن ينقضى الخيار .

ومنها : أن يكون المراد ب «الضمان» أعمّ من الخسارة والضمان المعهود ؛ أي العهدة ، فأراد الاستفسار عن أنّ ضمان العهدة على البائع غير المالك ، أو الخسارة على المشتري المالك ؛ باحتمال أنّ التلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له .

ومنها : أن يكون المراد ب «الضمان» ما هو المعهود ؛ أي العهدة ، فتردّد في أنّ العهدة في البيع الخياري على البائع ، فيكون المشتري مالكا في زمان الخيار ، أو على المشتري ، حتّى يكون البائع مالكا ، فأجاب بما ذكر ، واستكشف منه أنّ المشتري مالك .

ومنها : أن يكون المراد منه الضمان المعاوضي ، وأ نّه على أيّهما ؟

فقال علیه السلام : «على البائع» فيرجع الكلام إلى أنّ التلف يوجب الانفساخ ، ويكون على البائع ضمان الثمن للمشتري .

ثمّ إنّه لا شبهة ، في أنّ الظاهر من قوله : «على من ضمان ذلك ؟» وقوله علیه السلام : «على البائع» هو الضمان المعهود ، والحمل على الخسارة بعيد ، وإن استعمل فيها في بعض الروايات ، وحيث إنّ الضمان المعهود لا يعقل في مال نفسه ، فلا بدّ وأن يكون المال للمشتري حتّى يصحّ الضمان ، فيرجح أحد الاحتمالين الأخيرين ؛ أي ضمان العين المملوكة للمشتري ، أو الضمان المعاوضي ؛ أي ضمان الثمن المملوك له .

وهذا الظهور يرفع ظهور الذيل ، لو سلّم ظهور «اللام» في الملكية ، مع أ نّه ممنوع ، بل لا يستفاد منها إلاّ نحو اختصاص ، ويصحّ أن يقال مع كون المبيع

ص: 470

ملكا للمشتري : «إنّه يصير له بعد انقضاء الخيار» حيث إنّه لا يختصّ به بقول مطلق وبلا تزلزل ، إلاّ بعد مضيّ الخيار .

ولو اُغمض عنه ، وعن تحكيم ظهور الصدر على الذيل ، ولا سيّما مع وضوح الحكم العقلائي ، بترتّب الملك على العقد في الأصيلين في البيع الخياري وغيره ، فلا أقلّ من الإجمال الموجب لسقوط الاستدلال .

وعلى فرض تسليم الدلالة ، فلا ينبغي الإشكال في أظهرية الروايات المخالفة لها ، كمصحّحة بشّار بن يسار(1) وفيها : «ليس متاعك ، ولا بقرك ، ولا غنمك» .

ولو تنزّلنا عن ذلك يقع التعارض بينهما ، وكلاهما في خيار الحيوان ، والترجيح للروايات الموافقة للمشهور ، لو لم نقل : بأنّ الشهرة الكذائية تجعل مقابلها بيّن الغيّ .

ومع الغضّ عن ذلك ، والقول بسقوطها ، فالمرجع الأدلّة العامّة ، بل الحكم الواضح العقلائي ، مع عدم صلاحية الرواية للردع ، ولا مجال معها للأصل ، كما هو واضح .

ص: 471


1- تقدّم في الصفحة 466 - 467.

مسألة : في قاعدة التلف في زمن الخيار ممّن لا خيار له

اشارة

ومن أحكام الخيار : كون المبيع في ضمان من لا خيار له في الجملة ، حتّى على القول : بالتملّك بالعقد(1) .

ولا يخفى : أنّ دعوى الإجماع(2) أو الشهرة(3) المعتمدة في هذه المسألة في غير محلّها ، بعد كونها اجتهادية ، يمكن اتّكال القوم فيها على استفادة المناط من الروايات ، كصحيحة ابن سنان .

فدعوى : أنّ قولهم : «التلف في زمن الخيار ممّن لا خيار له» قاعدة لا خلاف فيها (4) - على فرض صحّتها - لا تفيد شيئاً ، مضافاً إلى المناقشة في صحّتها .

ص: 472


1- راجع ما تقدّم في الصفحة 462.
2- مفتاح ا لكرامة 14 : 312 و319 ؛ رياض ا لمسائل 8 : 208 ؛ جواهر ا لكلام 23 : 85 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 175 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 484 ؛ اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 310 .
4- مفتاح الكرامة 14 : 304 و313 و319 .

فالعمدة في المسألة بعد كونها على خلاف القاعدة على المذهب المنصور ، هي الروايات ، وعمدتها صحيحة ابن سنان وفيها : «على البائع» أي الضمان «حتّى ينقضي الشرط ثلاثة أيّام ، ويصير المبيع للمشتري»(1) .

وعن «التهذيب» زيادة قوله : «شرط له البائع أو لم يشترط» قال : «وإن كان بينهما شرط أيّاماً معدودة ، فهلك في يد المشتري قبل أن يمضي الشرط ، فهو من مال البائع»(2) .

بتقريب : أ نّها وإن كانت مختصّة بحسب المورد بالحيوان ، إلاّ أنّ المستفاد منها عموم الحكم لكلّ خيار ، خرج خيار العيب ، وبقي الباقي ؛ وذلك لأ نّه يستفاد منها أنّ انقضاء الخيار الذي سمّاه (الشرط) وصيرورة المبيع للمشتري - أي لزوم العقد - هو تمام الموضوع لرفع الضمان .

فالضمان بحسب الفهم العرفي من الرواية ، إنّما ثبت لأجل تزلزل العقد ، وكونه خيارياً ، من غير دخالة للزمان فيه ، ولا للبائع والمشتري ، ولا لاتّصال الخيار بالعقد وعدمه .

فدعوى اختصاصه بالخيار الزماني(3) ، وبخصوص البائع(4) ، وبخصوص

ص: 473


1- الكافي 5 : 169 / 3 ؛ الفقيه 3 : 126 / 551 ؛ وسائل الشيعة 18 : 14 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 5 ، الحديث 2 .
2- تهذيب الأحكام 7 : 24 / 103 .
3- جواهر الكلام 23 : 85 - 86 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 179 .
4- جواهر الكلام 23 : 87 - 89 ؛ منية الطالب 3 : 333 ؛ الخيارات (تقريرات المحقّق الحائري) الأراكي : 590 .

الخيار المتّصل بالعقد ، حتّى أ نّه لو أسقط في ضمن العقد خياره في اليوم الأوّل ، وبقي له الخيار يومين ، لما كان في ذلك ضمان على البائع(1) غير وجيهة ؛ لاستفادة العلّية من الرواية ، وأنّ تمام العلّة هو الخيار ، ولا دخل لغيره .

وبوجه آخر : إنّ مناسبة الحكم والموضوع ، توجب إلغاء الخصوصية عمّا اُخذ في الرواية ، ككون المورد هو الحيوان ، أو هو مع الشرط ، وكون الخيار متّصلاً بالعقد مستمرّاً إلى زمان التلف ، وكونه للمشتري .

مع أنّ تلك الخصوصيات في لسان السائل ، وما وقع في الجواب تبع له ، فلا دلالة فيها على الخصوصية .

مضافاً إلى ما قيل : من أنّ الرواية على نقل الصدوق «حتّى يصير البيع للمشتري»(2) أي يصير البيع لازماً ، فيكون المناط تزلزل البيع ، من غير فرق بين متعلّقاته(3) .

هذا مضافاً إلى الشهرة المنقولة(4) ، وهي وإن لم تكن حجّة مستقلّة في المقام ، لكنّها تكشف عن فهم أهل اللسان من الروايات التعميمَ ، فالمناقشة في الدلالة ، كالشبهة في مقابل الضرورة .

ص: 474


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 485 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 312 .
2- وسائل الشيعة 18 : 15 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 5 ، ذيل الحديث 2 .
3- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 314 .
4- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 310 .

اختصاص الروايات بالشرط في الحيوان

هذا ، ولكن بعد اللتيّا والتي ، فاستفادة العموم منها مشكلة ، بل ممنوعة ؛ لأنّ الحكم على خلاف القواعد المحكمة العقلائية والشرعية ، ولا دلالة لفظية في الرواية على العلّية أو المناط ، كما لا يخفى .

وإلغاء الخصوصية ممنوع ؛ لاحتمال أنّ للحيوان خصوصية ليست في غيره ، ولهذا يختصّ ببعض الأحكام ، ككون خياره ثلاثة أيّام ، وتوهّم كون ذكر الحيوان من باب المثال في غاية السقوط ، ومجرّد كون الخصوصية في لسان السائل ، لا يوجب الإلغاء بلا فهم المناط عرفاً .

بل في رواية ابن رباط ، عمّن رواه ، عن أبي عبداللّه علیه السلام ابتداءً قال : «إن حدث بالحيوان حدث قبل ثلاثة أيّام ، فهو من مال البائع»(1) بل يمكن استفادة الخصوصية منها ؛ إذ لو كان الحكم عامّاً لما كان وجه للتقييد به .

وما قيل : من نقل الصدوق الرواية المتقدّمة بقوله علیه السلام : «حتّى يصير البيع للمشتري»(2) غير ثابت ، بل الثابت خلافه ، كما في «الوافي»(3) مع ضبطه وإتقانه ، و«الوسائل»(4) و«الفقيه»(5) المطبوع ، فعلى هذا يكون اشتباه بعض

ص: 475


1- الفقيه 3 : 127 / 555 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 67 / 288 ؛ وسائل الشيعة 18 : 15 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 5 ، الحديث 5 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 314 .
3- الوافي 17 : 505 / 5 .
4- لم نعثر عليه في النسخ الموجودة لدينا من وسائل الشيعة .
5- الفقيه 3 : 126 / 551 .

النسخ المخالف - على فرض تحقّقه - مقطوعاً به ، بعد ما كان «الكافي»(1) و «التهذيب»(2) والنسخ الاُخر من «الفقيه» على خلافه .

مضافاً إلى أ نّه على فرض صحّة النسخة ، لا يصحّ إلغاء الخصوصية ، بعد سبق ذكر «الحيوان» وقوله علیه السلام : «حتّى ينقضي الشرط ثلاثة أيّام» .

نعم ، اختلاف النسخ على فرض تحقّقه ، يوجب الوهن في القول المقابل للمشهور في المسألة السابقة : من أنّ مضيّ الخيار شرط في تحقّق الملك(3) ، فإنّ عمدة المستند له هذه الرواية ، والشهرة مع عدم ثبوتها لا توجب ظهور الكلام ، واجتهادهم ليس حجّة على غيرهم .

والإنصاف : أنّ التعدّي عن مورد الرواية إلى غيره ، غير وجيه ، فإلحاق خيار المجلس به(4) في غير محلّه ، ومجرّد إطلاق «الشرط» عليه لا يوجب التعدّي ، بعد ما كان المراد ب «الشرط» في الروايات هو خيار الحيوان .

بل في التعدّي إلى خيار الشرط في غير الحيوان أيضاً كلام ، بعد ما كانت الروايات مختصّة بالحيوان ، ولم يكن له مستند إلاّ ذيل صحيحة ابن سنان على رواية «التهذيب» وهو قوله علیه السلام : «حتّى ينقضي الشرط ثلاثة أيّام ، ويصير المبيع للمشتري ، شرط له البائع أو لم يشترط» .

قال : «وإن كان بينهما شرط أيّاماً معدودة ، فهلك في يد المشتري قبل

ص: 476


1- الكافي 5 : 169 / 3 .
2- تهذيب الأحكام 7 : 24 / 103 .
3- تقدّم في الصفحة 462 .
4- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 175 - 176 ؛ منية الطالب 3 : 334 .

أن يمضي الشرط ، فهو من مال البائع»(1) .

بدعوى : أنّ الشرط بينهما أيّاماً معدودة ، شامل للزائد على ثلاثة أيّام ، ويعمّ ما إذا كان في بيع غير الحيوان إذا كان الشرط للمشتري بقرينة قوله : «من مال بائعه» .

إذ يمكن أن يقال : إنّ صدر الرواية وجميع فقراته إلى قوله هذا ، مخصوص بالحيوان ، وهو قرينة على أنّ المراد من الذيل أيضاً ، الشرط في الحيوان ، وإنّما ذكر ذلك لبيان عدم الاختصاص فيه بالثلاثة ؛ وذلك لخصوصية فيه أوّلاً ، ولظهوره في الاختصاص بخيار المشتري الذي مرّ حكمه في ثلاثة أيّام ثانياً ، وإلاّ فلو كان الحكم لخيار الشرط مطلقاً ، لم يكن وجه لاختصاصه بالمشتري ؛ ضرورة عدم الفرق في شرط الخيار بينه وبين البائع ، فالإطلاق فيها محلّ إشكال .

نعم ، لا إشكال في استفادة أمر زائد منها بالنظر إلى الذيل ، وهو الشرط الزائد على ثلاثة أيّام .

والإنصاف : أنّ دعوى اختصاص الروايات جميعا بالشرط في الحيوان ، غير مجازفة .

ولو سلّم إلحاق الشرط مطلقاً بالحيوان ، فلا ينبغي التأمّل في عدم إلحاق خيار المجلس ، فضلاً عن سائر الخيارات ؛ لفقد الدليل بعد كون الحكم على خلاف القواعد .

ص: 477


1- تهذيب الأحكام 7 : 24 / 103 .

وأمّا ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه في وجهه من قوله : أمّا الغبن ، والعيب ، والرؤية ، وتخلّف الشرط ، وتفليس المشتري ، وتبعّض الصفقة ، فهي توجب التزلزل عند ظهورها بعد لزوم العقد .

والحاصل : أنّ ظاهر الرواية استمرار الضمان الثابت قبل القبض إلى أن يصير البيع لازماً على المشتري ، وهذا مختصّ بالبيع المتزلزل من أوّل الأمر(1) ، انتهى .

ففيه : - مضافاً إلى مخالفته للتحقيق في بعضها كالغبن ، والعيب ، ونحوهما ؛ ممّا يوجب الخيار من أوّل الأمر - أنّه لا ظهور في الرواية ، في أ نّه استمرار للضمان الثابت قبل القبض ، ولا ظهور فيها في الاختصاص بالبيع المتزلزل من أوّل الأمر .

بل الظاهر من قوله علیه السلام : «على البائع حتّى ينقضي الشرط ثلاثة أيّام» أنّ الميزان تحقّق الخيار مطلقاً ، وينتهي أمده بانقضائه ، لا الثلاثة أيّام ، ولا الخيار من حين العقد ، ولهذا لا ينبغي الإشكال ، في ثبوت الضمان في خيار الحيوان ، لو اشترط في ضمن العقد سقوطه في اليوم الأوّل ، إذا تلف في زمان خياره .

نعم ، ظاهر الروايات السؤال عن الشرط المتّصل بالعقد ، كشرط يوم أو يومين .

وكيف كان : لا إشكال في ثبوت الضمان في خيار الحيوان ، سواء كان التزلزل من أوّل العقد أم لا ؛ لإطلاق بعض الروايات والمتفاهم منها عرفاً أنّ الميزان مضيّ الخيار بنحو الإطلاق ، وصيرورة المبيع له ، كما يظهر بالتأمّل فيها .

ص: 478


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم19 : 181 .

فدعوى : صدق اللزوم في الجملة ، فيما إذا كان السقوط في اليوم الأوّل ، أو الوسط(1) في غير محلّها .

كما لا إشكال في ثبوته في الشرط في خصوص الحيوان ، سواء شرط أيّاماً متّصلة بالعقد ، أم منفصلة عنه ، وشرط بمقدار خيار الحيوان ، أو أكثر ، أو أقلّ .

كما لا إشكال في عدمه في سائر الخيارات ، وأمّا في خيار الشرط في غير الحيوان ، فلا يخلو من تأمّل وإشكال .

هل ضمان الثمن على من لا خيار له ؟

وأمّا ضمان الثمن ، فلا يبعد ثبوته إذا كان حيواناً ، فإذا باع حيواناً بحيوان ، أو بغيره من العروض ، فالخيار ثابت لصاحب الحيوان ، بائعاً كان أو مشترياً ، كما مرّ القول فيه في خيار الحيوان ، ولا يبعد ثبوت الضمان أيضاً على من لا خيار له ؛ لما ذكرنا سابقاً من صدق «صاحب الحيوان» وصدق «المشتري والبائع» عليهما ، فراجع(2) .

والحاصل : أنّ الثبوت لصاحب الحيوان مطلقاً ، غير بعيد .

وأمّا ثبوت الضمان في الثمن فيما إذا لم يكن حيواناً - بأن يكون تلفه في مدّة خيار البائع المختصّ به على المشتري - فمحلّ إشكال ، بل منع ؛ لفقد الدليل ، واختصاص الأخبار بالمبيع ، ودعوى القطع بالمناط(3) في غير محلّها ، بل دعوى

ص: 479


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 485 .
2- تقدّم في الجزء الرابع : 268 - 271.
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 181 ؛ منية الطالب 3 : 334 .

استفادة الاختصاص بالحيوان ، وعدم الثبوت في الأثمان والعروض غير الحيوان ، غير بعيدة .

والتمسّك باستصحاب ضمان المشتري للثمن قبل القبض إلى ما بعده(1) في غير محلّه ، مع ما فيه من الإشكال ؛ لأ نّه لا ينبغي الإشكال ، في أ نّه من استصحاب الكلّي من القسم الثالث ، لا من قبيل استصحاب الشخص ، بداهة أنّ الحكم الثابت لما قبل القبض - على فرض صحّته ، وسيأتي الكلام فيه(2) - حكم كلّي ثابت لموضوع ؛ هو الشيء قبل قبضه ، وحكم التلف في زمان الخيار ، أيضاً حكم كلّي ثابت لموضوع آخر ، مخالف للموضوع الأوّل ، فلا يعقل أن يكون الحكمان واحداً .

وعلى ذلك : إذا وجد في الخارج فرد من أحدهما ، فهو مخالف للفرد من الآخر ، فاستصحاب الحكم الشخصي(3) ، لا وجه له .

وأمّا الكلّي ، فالإشكال فيه ليس من أجل كونه كلّياً من القسم الثالث(4) ، وإن كان له وجه في مثل المورد ، بل لأجل أنّ الكلّي المنتزع من المصداقين أو الكلّيين ، ليس بحكم شرعي ، ولا موضوعاً له ، فلا يجري استصحابه ، والمقام من قبيله .

هذا إذا كان الضمان في القاعدتين بمعنىً واحد ؛ إمّا ضمان المعاوضة ،

ص: 480


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 181 ؛ منية الطالب 3 : 335 .
2- يأتي في الصفحة 482 - 483.
3- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 314 .
4- نفس المصدر.

أو ضمان التلف ، وإلاّ فالإشكال أوضح .

ثمّ على فرض جريان الاستصحاب المذكور ، فلا يعارضه استصحاب عدم انفساخ العقد(1) ؛ فإنّ المفروض ثبوت الانفساخ بحسب الحكم الشرعي المستفاد من الروايات ، فيما إذا تلف الثمن أو المثمن .

فالحكم الشرعي قضيّة تعليقية ، فكأ نّه قال : «إذا تلف الثمن انفسخ العقد ، وكان من مال المشتري» ومع الشكّ في ثبوت هذا الحكم التعليقي الثابت قبل القبض يستصحب ، فيقال : «إذا تلف بعد القبض في زمان الخيار ، يكون من ماله ، وينفسخ العقد» وهذه الكبرى الشرعية المستصحبة ، حاكمة على الاستصحاب التنجيزي ؛ أي أصل عدم الانفساخ ؛ لأنّ الميزان الذي ذكرناه في باب الحكومة محقّق ، فراجع محالّه(2) .

في جريان القاعدة في الكلّي

ثمّ إنّ القاعدة هل تجرى في الكلّي ، كما لو باع الحيوان الكلّي الموصوف ، فأقبض فرداً منه ، فتلف في زمان الخيار ، أم لا ؟

وجهان ، أوجههما الثاني ؛ اقتصاراً فيما خالف القواعد على مورد النصوص .

ودعوى إطلاقها (3) في غير محلّها ، حتّى في مثل رواية علي بن رباط ، عمّن

ص: 481


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 182 ؛ اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 491 - 492 .
2- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 161 .
3- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 493 .

رواه ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إن حدث بالحيوان حدث قبل ثلاثة أيّام ، فهو من مال البائع»(1) فإنّ الظاهر منها ، أنّ المراد هو الحيوان المشترى ، لا ما ينطبق عليه عنوان المبيع ، أو الأعمّ منه وممّا ينطبق .

ودعوى : أنّ المبيع الكلّي إذا انطبق على الفرد ، يصدق عليه «المبيع» فتشمله الروايات(2) كقوله علیه السلام : «لا ضمان على المبتاع حتّى ينقضي الشرط ، ويصير المبيع له»(3) في غير محلّها ؛ ضرورة أنّ إطلاقه عليه أحياناً ، يكون بتأوّل وتجوّز ، وإلاّ فمن الضروري أنّ العقد وقع على عنوان قابل للصدق على كثيرين ، والأفراد الخارجية القابلة لانطباقه عليها لا تكون مبيعاً ، والتسليم بعد العقد ومضيّه ، لا يعقل أن يصير سبباً للتعلّق ، بل هو موجب لانطباق ما تعلّق به العقد - وهو الحيوان - على الفرد الذي هو مصداق له ، فكما أنّ المصداق ليس بكلّي قابل للصدق على الكثيرين ، كذلك ليس هو ما تعلّق به العقد ؛ وهو الكلّي .

نعم ، قد يقال في المتعارف : «اشتريت هذا الحيوان» لكنّه على الوجه المسامحي لا الحقيقي ، ودعوى المناط ؛ بحيث يسري به الحكم من المبيع إلى المقبوض بالبيع(4) ، ليست وجيهة .

ص: 482


1- تقدّم في الصفحة 475.
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الخراساني : 263 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 : 348.
3- الفقيه 3 : 126 / 551 ؛ وسائل الشيعة 18 : 15 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 5 ، ذيل الحديث 2 .
4- اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 317 .

وأمّا ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه في المقام : من أنّ مقتضى ضمان المبيع في مدّة الخيار ، بقاؤه على ما كان عليه قبل القبض ، ودخول الفرد في ملك المشتري لا يستلزم انفساخ العقد ، بل معنى الضمان بالنسبة إلى الفرد ، صيرورة الكلّي كغير المقبوض ، وهذا لا تدلّ عليه الأخبار ، ثمّ أمر بالتأمّل(1) .

فغير ظاهر ؛ لأنّ المراد ببقائه على ما كان عليه قبل القبض ، إن كان بقاء الضمان الشخصي ، فيكون الضمان في زمان الخيار شخص الضمان الثابت فيما قبل القبض ، حتّى يستنتج منه عدم الضمان في الكلّي ؛ لأنّ الكلّي ما لم يقبض لا معنى لتلفه ، وبعد ما قبض لو تلف لم يكن من تلف الكلّي ، ولا من التلف قبل القبض ، فلا معنى لبقاء الضمان الشخصي فيه ، فهو ممنوع ؛ إذ لا دليل عليه رأساً ، بل ظاهر الأدلّة على خلافه ، كما مرّت الإشارة إليه في تقرير الاستصحاب الشخصي في الفرع السابق(2) .

وإن كان المراد ، مماثلتهما في الضمان ؛ في أنّ كلاًّ منهما ضمان معاملي ، فعلى فرض صحّته ، لا يستنتج منه ما أراده ؛ لأنّ كلاًّ منهما قاعدة مستقلّة في موضوعها ، ولا تتفرّع إحداهما على الاُخرى ، فيمكن عدم الالتزام بقاعدة التلف قبل القبض في بعض الفروع ، مع الالتزام بالقاعدة الثانية .

والعمدة قصور الدليل عن إثباته ، وعدم فهم المناط ، ولا يمكن إلغاء الخصوصية ، ولعلّ ما ذكرناه هو وجه تأمّله .

ص: 483


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 183 .
2- تقدّم في الصفحة 480.

المراد من الضمان في المقام

ثمّ إنّ الضمان في المقام ، هل هو الضمان المعبّر عنه ب «الضمان المعاملي» كما في الضمان قبل القبض ، فينفسخ العقد ، ويرجع الثمن إلى المشتري ، ويكون التلف من مال البائع ؟

أو أ نّه ضمان واقعي ، كما في ضمان اليد والإتلاف ، فيكون العقد بحاله ، ويضمن التالف بالمثل أو القيمة الواقعية ؟

فيه خلاف ، منشؤه الاستظهار من الأخبار .

يمكن الاستدلال على الأوّل : بأنّ الظاهر من قوله علیه السلام في صحيحة ابن سنان : «وإن كان بينهما شرط أيّاما معدودة ، فهلك في يد المشتري قبل أن يمضي الشرط ، فهو من مال البائع»(1) .

ومن رواية علي بن رباط ، عمّن رواه ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إن حدث بالحيوان حدث قبل ثلاثة أيّام ، فهو من مال البائع»(2) .

أنّ التلف حدث في ماله ، ولازم ذلك هو انفساخ العقد ، ورجوع الثمن إلى المشتري ، ولا سيّما وهذا التعبير عين ما في التلف قبل القبض من التعبير في النبوي المعروف(3) المفتى به عند الطائفة ، وقد فهموا منه

ص: 484


1- تقدّم في الصفحة 469 و473 .
2- تقدّم في الصفحة 475.
3- عوالي اللآلي 3 : 212 / 59 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 303 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 9 ، الحديث 1 .

الانفساخ ، ورجوع الثمن بلا مكابرة .

وهذا الظهور أقوى من ظهور الضمان في ضمان التالف بالقيمة الواقعية ؛ لتردّد الضمان بين الأمرين ، ووقوع التعبير به في لسان الراوي ، وإنّما عبّر الإمام علیه السلام بمثل تعبيره تبعا لكلامه ، مع احتمال أنّ المعهود عند الراوي - باعتبار النبوي المعروف بين الفريقين في الضمان قبل القبض - كان هو الضمان المعاملي ، فعبّر عنه بذلك بنحو من المسامحة .

ويشهد له : أ نّه لمّا تعرّض أبو عبداللّه علیه السلام في صحيحة ابن سنان لحكم الشرط أيّاما معدودة مستقلاًّ ، عدل عن تعبير السائل إلى قوله : «فهو من مال البائع» ولا إشكال في أنّ المراد من «الضمان» في الصدر هو ما تعرّض له في الذيل ، فكأ نّه أراد بذلك بيان عدم الفرق في الشرط بين كونه بمقدار خيار الحيوان أو أكثر .

وإن شئت قلت : إنّ ذيل الصحيحة يفسّر الضمان ويبيّن أ نّه ضمان معاملي ، لا واقعي .

ويؤيّد ذلك : أنّ في رواية ابن رباط ، التي تعرّض للحكم ابتداء من غير سبق سؤال ، قال علیه السلام : «فهو من مال بائعه» بمثل تعبير النبوي المعروف .

بل الظاهر من المرويّ عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : في رجل اشترى عبدا بشرط ثلاثة أيّام ، فمات العبد في الشرط ، يستحلف باللّه ما رضيه ، ثمّ هو برئ من الضمان(1)

هو ضمان الثمن ، وهو مساوق لانفساخ العقد .

ص: 485


1- تهذيب الأحكام 7 : 80 / 343 ؛ وسائل الشيعة 18 : 15 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 5 ، الحديث 4 .

كما أنّ الظاهر من رواية عبد الرحمان بن أبي عبداللّه قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام ، في رجل اشترى أمة بشرط من رجل يوما أو يومين ، فماتت عنده ، وقد قطع الثمن ، على من يكون الضمان ؟

فقال علیه السلام : «ليس على الذي اشترى ضمان حتّى يمضي شرطه»(1) .

أنّ مراد الإمام علیه السلام بل الراوي أيضا ، ضمان الثمن ؛ من أجل أنّ الراوي فرض قطع الثمن ، لا أداءه ، والظاهر من مثل هذا التعبير ، هو فرض ما قبل الأداء ، فكان الثمن على عهدته ، وكان ضامنا له ، فحكم بعدمه عند التلف ، فتكون موافقة لما تقدّم .

بل يمكن أن يحمل الضمان في الصحيحة - ولو بقرينة ذيلها ، وبقرينة سائر الروايات - على ضمان الثمن وإن كان بعيدا .

ويمكن رفع البعد بأن يقال : إنّ ضمان الشيء ، بمعنى أنّ عليه عهدة ثمنه ، ومع عدم القرينة يحمل على ثمنه الواقعي ، وفي المقام حيث قامت القرينة على أنّ المراد ثمنه المسمّى ، فسأل عمّن هو ضامن له ؛ لتردّد الأمر لديه بين الانفساخ ، حتّى يكون البائع ضامنا ، أو عدمه ، حتّى يكون المشتري ضامنا لأدائه ، فقال علیه السلام : «على البائع ضمانه» فعلم منه أنّ البيع منفسخ ، فتأمّل .

وبالجملة : الظاهر تحكيم الظهور في سائر الروايات - ولا سيّما ذيل الصحيحة ورواية ابن رباط - على ظهور الضمان في الضمان بالعوض الواقعي .

وأمّا ما قيل في مقام التأييد لهذا القول : من أنّ ظاهر الروايات بقاء ضمان

ص: 486


1- الكافي 5 : 171 / 9 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 24 / 104 ؛ وسائل الشيعة 18 : 14 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 5 ، الحديث 1 .

ما قبل القبض ، وعدم تأثير القبض في رفعه ، لا تشريع ضمان على حدة ، ولازمه بقاء الضمان بالمسمّى ، وهذا هو الظاهر من قوله علیه السلام : «على البائع حتّى ينقضى الشرط ثلاثة أيّام»(1) لأنّ معناه أنّ القبض ليس غاية للضمان ، بل الغاية انقضاء شرطه(2) ، وهذا هو المحكيّ عن الشهيد(3) والعلاّمة(4) . وبه قال الشيخ الأعظم قدّس سرّه (5) ويرجع إلى أنّ الباقي هو شخص الضمان السابق .

ففيه ما أشرنا إليه سابقا : من أنّ الحكم في القاعدتين ، كلّي متعلّق بموضوع كلّي ، وكلّ من الموضوعين يخالف الآخر(6) ، فموضوع إحداهما «كلّ مبيع تلف قبل قبضه» وموضوع الاُخرى «تلفه قبل انقضاء الشرط» وبين العنوانين عموم من وجه ، فيجتمع الموضوعان تارة ، ويفترقان اُخرى ، وفي مثله لا معنى لبقاء شخص الحكم .

وقوله علیه السلام : «على البائع حتّى ينقضي الشرط» لا يدلّ إلاّ على أنّ الضمان عليه إلى انقضاء الخيار ، وأمّا أنّ هذا عين الضمان السابق ، أو مثله ، أو مخالفه ، فلا دلالة فيه ، فالغاية غاية للحكم الكلّي المجعول على موضوعه ؛ وهو التلف في زمان الخيار ، لا للحكم المجعول على موضوع آخر أجنبيّ عنه .

ص: 487


1- تقدّم في الصفحة 473 .
2- منية الطالب 3 : 340 - 341 .
3- الدروس الشرعية 3 : 210 - 211 .
4- والظاهر أنّ هذا سهو من قلمه الشريف ، وما يظهر من العلاّمة قدس سره خلاف ذلك ، كما حكى عنه الشيخ الأعظم قدس سره . اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 183 و184 .
5- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 183 .
6- تقدّم في الصفحة 480.

نعم ، لو قيل : بالضمان الواقعي في المقام ، وبالضمان المعاوضي في التلف قبل القبض ، ففي مورد انطباقهما - كالتلف قبله ، وقبل مضيّ الخيار - ينفسخ العقد ، ولا يبقى مجال لإجراء القاعدة الثانية .

وما قيل : من أنّ القرينة قائمة على الضمان المعاملي ؛ وهي أ نّه مع تعهّد الضامن بضمان المسمّى ، وإمضاء الشارع له ، لا معنى لأن يراد الضمان الواقعي(1) .

فيه : أ نّه خلط بين القواعد الكلّية وغيرها ؛ فإنّه لا معنى لجعل الضمان الواقعي لموضوع جعل فيه ضمان المسمّى ، وأمّا إذا كان الحكم على موضوع كلّي ، قد ينطبق على موضوع حكم آخر ، فلا مانع منه ، ونظيره غير عزيز ، فالعمدة في المقام ما ذكرناه من دلالة الأخبار .

إشكال عدم معقولية الضمان المعاملي

بقي هنا إشكال ؛ وهو أنّ الضمان المعاملي ، لا يعقل في حدوث الحدث - أي العيب - في زمان الخيار ؛ حيث إنّ الأوصاف لا تقابل بالأثمان ، فلا معنى لانفساخ العقد بحدوث العيب ، ورجوع المسمّى بمقداره ، فهذا قرينة على أنّ المراد بالضمان هو الواقعي منه ، كضمان اليد(2) .

والتفكيك بين تلف العين ، وحدوث الحدث فيها ، بعيد عن ظاهر الكلام ، كبعد

ص: 488


1- منية الطالب 3 : 339 .
2- راجع حاشية المكاسب ، المحقّق الخراساني : 265 ؛ منية الطالب 3 : 339 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 318 .

الحمل على جامع يناسب الانفساخ والغرامة كما قيل(1) ، فلا بدّ من الحمل على الضمان الواقعي ، ولا مانع عقلاً من صيرورة الخيار سببا شرعا لغرامة البائع ما تلف في ملكه للمشتري ، إن دلّ الدليل عليه .

ويمكن دفع الإشكال بأن يقال : إنّ قوله علیه السلام : «إن كان بينهما شرط أ يّاما معدودة ، فهلك في يد المشتري قبل أن يمضي الشرط ، فهو من مال البائع» كما يمكن أن يكون الوجه فيه ، انفساخ العقد آناً ما أو تقديره ، يمكن أن يكون الوجه فيه ، هو التعبّد بحصول التلف قبل العقد في خصوص هذا الأثر ، فيترتّب عليه الحكم برجوع المسمّى ؛ لفرض أنّ العقد وقع تعبّدا على التالف ، فالضمان فيه ضمان المسمّى .

وكذا الحكم في حدوث الحدث ، الذي وقع في صحيحة ابن سنان ورواية ابن رباط إن كان المراد به في الثانية خصوص العيب ، أو الأعمّ منه ومن التلف ، فيكون الوجه في كونه من ماله ، أ نّه وقع تعبّدا في ماله قبل العقد ، ولازمه ثبوت خيار العيب للمشتري .

وبالجملة : يكون الوجه في الموردين أمرا واحدا ؛ هو حدوث التلف أو الحدث في ملك البائع قبل العقد تعبّدا ، ولازمه العرفي وقوع العقد عليه ، وترتيب آثار ذلك عليه ، فينتج : رجوع المسمّى على فرض التلف ، وثبوت الخيار على فرض حدوث الحدث .

بل الظاهر من قوله علیه السلام : «من مال البائع» أ نّه منه تعبّدا ، لا واقعا ليكون

ص: 489


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 318 .

التعبّد في أمر آخر وهو الانفساخ ، فالحمل على الانفساخ الواقعي أو التعبّدي ، خلاف الظاهر .

بخلاف الحكم بوقوعه من ماله تعبّدا ، بعد ما كان مقتضى ملكية المشتري وقوع التلف منه ، ففي هذا المورد إذا قيل : «التلف من مال البائع» يحمل على التعبّد وترتيب الآثار ؛ لأجل القرينة الحافّة بالكلام ، فيترتّب عليه ضمان ثمنه المسمّى ، وضمان الحدث . ولعلّ التعبير ب «الضمان» في العيب ؛ لأجل ثبوت الأرش فيه في خيار العيب .

ما يترتّب على تلف الكلّ أو الجزء أو الوصف في زمان الخيار

وممّا ذكرناه يظهر : أنّ في تلف الكلّ ، تترتّب آثار البطلان من هذه الجهة فقط ، لا الآثار الاُخر لو كان له أثر ، وفي تلف الجزء أو الوصف ، يحكم بترتّب آثار حدوث العيب في ملكه ؛ من الخيار ، والتخيير بين الردّ والأرش ، وحيث كان الحكم مختصّا بالحيوان على ما ذكرناه ورجّحناه ، كان الحدث - سواء أوجب فقد جزء ، أو فقد وصف - موجبا لخيار العيب .

وما قيل : من أنّ تلف البعض ، موجب لانفساخ العقد بالنسبة إليه ؛ لأنّ الأبعاض يقسّط عليها الثمن(1) في غير مورده ؛ لأنّ مورد حدوث الحدث في الصحيحة ورواية ابن رباط هو الحيوان ، ومن الواضح أ نّه لا يقسّط على أجزائه الثمن ، فهذا الحكم مختصّ بالحيوان ، ولو قلنا : بجريان حكم التلف في سائر الخيارات .

ص: 490


1- منية الطالب 3 : 343 .

اختصاص القاعدة بالتلف دون الإتلاف

ثمّ إنّ القاعدة على القول بها ، والأخبار الخاصّة في بيع الحيوان ، مخصوصة بمورد التلف ، وعليه فلا بدّ في موارد الإتلاف من المشي على القواعد :

فلو أتلفه ذو الخيار ، أو أحدث فيه حدثا ، سقط خياره على التفصيل الذي مرّ في مقامه(1) .

ولو أتلفه غير ذي الخيار ، ضمن القيمة حال التلف ، فإن فسخ ذو الخيار يرجع بالثمن المسمّى ، ومع اختلاف القيمة والمسمّى ، يسترجع مقداره .

ومع إتلاف الأجنبيّ ، يرجع المشتري المالك للحيوان إلى المتلف بالقيمة ، ولو فسخ أخذ ثمنه المسمّى من البائع ، وردّ عليه قيمته الواقعية حال الفسخ .

وأمّا الحكم في غير ما نحن بصدده ، فقد تعرّضنا له في خيار الغبن ، فراجع(2) .

ص: 491


1- تقدّم في الجزء الرابع : 300.
2- تقدّم في الجزء الرابع : 549 - 552.

مسألة : في لزوم تسليم المثمن والثمن في زمان الخيار

حكي عن العلاّمة رحمه الله علیه في «التذكرة» : أنّ من أحكام الخيار ، أ نّه لا يجب على البائع تسليم المبيع ، ولا على المشتري تسليم الثمن في زمان الخيار ، ولو تبرّع أحدهما بالتسليم لم يبطل خياره ، ولا يجبر الآخر على تسليم ما عنده ، وله استرداد المدفوع ؛ قضيّة للخيار(1) ، انتهى .

أقول : أمّا على القول الحقّ ؛ من تعلّق الحقّ بالعقد ، فلا ينبغي التأمّل في لزوم تسليم كلّ مال الغير إلى مالكه ؛ لحرمة حبس مال الغير لو طالبه ، ولقاعدة السلطنة ، وللحكم العقلائي من لزوم التسليم .

ولا ينبغي الإصغاء إلى ما قيل : من أنّ العقد بجميع مداليله المطابقية والالتزامية ، تحت يد ذي الخيار ، فلا يجب عليه التسليم ، كما لا يجب عليه الوفاء بأصل العقد(2) .

ص: 492


1- تذكرة الفقهاء 11 : 181 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 187 .
2- منية الطالب 3 : 347 .

ضرورة أنّ لزوم التسليم ، ليس من مداليل العقد ؛ لا مطابقة ، ولا التزاما ، بل هو من الأحكام العقلائية والشرعية ، كما أنّ حرمة حبس مال الغير ، من الأحكام الشرعية ، بل العقلائية أيضا ، ولا يختصّ هذا الحكم بالعقد غير الخياري .

بل مقتضى إطلاق قوله تعالى : )أَوْفُوا بِالْعُقُودِ((1) وجوب العمل على وفق مقتضى العقد وافيا ؛ وهو تسليم العوضين ، ومجرّد أنّ لذي الخيار فسخ العقد ، لا يوجب تقييدا للدليل ، بل لا يعقل ؛ لأنّ الخيار حقّ يوجب بإعماله رفع موضوع وجوب الوفاء ، وكذا القواعد الاُخر .

وكذا الحال بناءً على تعلّق الحقّ بالعين(2) ؛ فإنّ وجوب التسليم الذي هو من الأحكام الواضحة الارتكازية لدى العقلاء ، موجب لتسليم ذي الحقّ على هذا الحكم ، فلا يصلح حقّه لمنع ذلك .

مع أنّ غاية ما يقال على هذا المبنى : مزاحمة حقّ ذي الخيار لما يلزم منه امتناع استرداد العين ، كالإتلاف ، والبيع ، ونحوهما ، والتسليم ليس كذلك .

نعم ، على هذا القول ، يجوز له مطالبة الاستيثاق ، وهو أمر آخر ، ثمّ إنّ في كلام العلاّمة والشيخ ، موارد للنظر ، لا يهمّنا التعرّض لها .

ص: 493


1- المائدة (5) : 1 .
2- تقدّم في الصفحة 23 ، الهامش 2 .

مسألة : في عدم سقوط الخيار بتلف العين

لا يسقط الخيار بتلف العين على حسب القاعدة الأوّلية ؛ لما مرّ مرارا : من أنّ ماهية العقد ، هي العقد الإنشائي المتحقّق اعتبارا بأسبابه ، وصيرورة المالين ملكا للمتعاملين من الأحكام العقلائية والشرعية مع اجتماع الشروط(1) وهو أمر له بقاء في اعتبار العقلاء .

وتوهّم : أ نّه أمر متصرّم(2) ناشئ من الخلط بين السبب والمسبّب ، وبين الإنشاء والمنشأ ، وما هو باقٍ هو العقد المضاف إلى العين حال وجودها ، وليس في تعلّقه بالعين من قبيل الأعراض القائمة بالموضوع ، الدائرة مداره بقاءً وارتفاعا .

بل هو أمر اعتباري مضاف إلى العين حال الوجود ، وباقٍ مع هذه الإضافة ولو تلفت العين ، وأنّ حقّ الخيار قائم بالعقد الكذائي الإنشائي ، وأنّ الفسخ حلّ

ص: 494


1- تقدّم في الجزء الرابع : 493 ؛ وتقدّم في الصفحة 347 و351 و390 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 2 : 52، و5 : 329 .

لهذا العقد الإنشائي الباقي حتّى بعد تلف العين إلى أن يفسخ ، وموجب لردّ العين التي تعلّق بها العقد إنشاءً إلى الحال الأوّل ، والعقدُ والحلُّ الإنشائيان أمر ، وترتّب الأثر - وهو النقل واقعا ولو في اعتبار العقلاء ، أو الردّ واقعا - أمر آخر .

وعلى هذا : فلا يكون التلف موجبا لسقوطه وبطلانه ، من غير فرق بين تعلّق الحقّ بالعقد كما هو الأقوى ، أو بالعين ؛ فإنّ المراد بتعلّق الحقّ بها ، أنّ لذي الخيار حقّ استردادها إنشاءً ، وأمّا حقّ إرجاع العين الخارجية حقيقة إلى ملكه ، فهو أجنبيّ عن الخيار ؛ ضرورة أنّ رجوع العين حقيقة من آثار ردّ العين في الملك إنشاء ، أو حلّ العقد كذلك ، فتدبّر جيّدا .

ثمّ إنّ أقوى الاحتمالين ، هو تعلّق الخيار بالعقد ، فلذي الخيار حقّ فسخه ، ويتبعه رجوع العوضين إنشاءً ، ثمّ اعتبار الرجوع حقيقة لدى العقلاء .

وقد مرّ منّا : أنّ الردّ الحقيقي والتمليك الحقيقي ، غير قابلين للجعل ، وليسا تحت قدرة المتعاقدين ؛ ضرورة أنّ اعتبار العقلاء أو ما هو متقوّم به ، ليس تحت اختيارهما ، وما هو تحت اختيارهما وقابل للجعل هو الإنشائي ؛ من العقد ، والحلّ ، وإيجاد موضوع حكم العقلاء(1) .

ثمّ إنّ الخيار عند العقلاء في الخيارات العقلائية - كخيار تخلّف الشرط ، والوصف ، وخيار الغبن ، والعيب - هو حقّ فسخ العقد كما أشرنا إليه ، وعلى ذلك يحمل كلّ دليل ورد فيه لفظ «الخيار» كقوله صلی الله علیه و آله وسلم : «البيّعان بالخيار»(2)

ص: 495


1- تقدّم في الجزء الرابع : 493 - 494 ؛ وتقدّم في الصفحة 390 - 391 .
2- الكافي 5 : 170 / 4 و5 و6 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 24 / 100 ؛ وسائل الشيعة 18 : 11 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 3 ، الحديث 6 .

و«صاحب الحيوان بالخيار»(1) .

ضرورة أنّ ما ورد في لسان الأدلّة ، يحمل على المعاني العرفية ، كما في سائر المقالات .

فما في تعليقة المحقّق الخراساني قدّس سرّه : من أنّ المراد من لفظ «الخيار» في الأخبار غير معلوم ؛ لاحتمال أن يراد به جواز استرداد العين بالفسخ ، فيشكل التمسّك بمثل «البيّعان بالخيار» ولا مجال للاستصحاب بعد التلف(2) .

غير مرضيّ ؛ لأنّ لفظ «الخيار» في الأخبار محمول على ما هو معناه عند العقلاء ، والأصحاب بما هم عقلاء ، ذهبوا إلى أنّ الخيار حقّ فسخ العقد ، وليس لهم في ذلك اصطلاح مقابل العرف والشرع ، كما لا اصطلاح للشرع مقابل العرف .

وقوله : «لاحتمال أن يراد به جواز الاسترداد» إن كان المراد به الاسترداد الخارجي ، فلا شبهة في فساده .

وإن كان المراد ، الاسترداد في الملكية ، فلا يعقل أن يراد به استرداد الملكية الحقيقية ؛ لما أشرنا إليه من امتناعه ، فلا بدّ من إرادة الاسترداد الاعتباري الإنشائي ، وعلى فرضها فلا يتقوّم ذلك ببقاء العين ، بل يصحّ مع تلفها ، ويظهر وجهه بالتأمّل فيما قدّمناه هاهنا وسابقا .

ص: 496


1- الكافي 5 : 170 / 5 ؛ وسائل الشيعة 18 : 5 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 1 ، الحديث 1 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الخراساني : 266 .

وأمّا ما ورد فيه لفظ «الردّ» أو «الاسترداد» كما في أخبار خيار العيب(1) فقد سبق أ نّه كناية عن خيار الفسخ(2) ، فالمراد بقوله علیه السلام : «له أن يردّها» أو «ليس له أن يردّها» هو حقّ الفسخ وعدمه ، بعد عدم معنى صحيح للردّ الخارجي ، وعدم صحّة الردّ في الملكية الحقيقية ، كما يحمل ما ورد بلفظ «الخيار» أو «حقّ الردّ» في الخيارات الجعلية العقلائية على المعنى المعروف .

نعم ، لا مانع من اشتراط الخيار على فرض وجود العين ، فيتّبع كما يتّبع الدليل الشرعي إذا دلّ على سقوطه مع تلف العين ، أو حدث فيه شيء ، كما مرّ في خيار العيب(3) ، وأمّا التلف قبل القبض ، أو في زمان الخيار المختصّ ، فهو ليس مسقطا للخيار ، بل رافع لموضوعه .

وعلى ما ذكرناه ، يظهر النظر في كثير من الكلمات ، ولا سيّما ما في كلمات الشيخ الأعظم(4) ، وتعليقة السيّد الطباطبائي(5) .

ص: 497


1- الكافي 5 : 209 / 4 ، و : 214 / 2 و3 و4 و5 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 61 / 262 - 266 ، و : 62 / 267 ، و : 69 / 297 ؛ وسائل الشيعة 18 : 102 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العيوب ، الباب 4 ، الحديث 3 ، و : 105 ، الباب 5 .
2- تقدّم في الصفحة 56 - 57 .
3- اُنظر ما تقدّم في الصفحة 46 و 54 .
4- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 189 - 192 .
5- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 503 .

مسألة : هل يضمن المتبايعان ما في يدهما بعد الفسخ؟

لو فسخت المعاملة ، فهل يضمن كلّ من الفاسخ والمفسوخ عليه ما في يده لصاحبه أم لا ؟

والمقصود بالبحث في المقام : أنّ مجرّد صيرورة ما في يده بالفسخ لصاحبه ، هل يوجب الضمان أم لا ؟ وأمّا فيما إذا صارت يده يد عدوان - كما لو حبس مال صاحبه مع مطالبته ، أو علمه بعدم رضاه - فلا إشكال في ضمانه .

لا يبعد عدم الضمان بمجرّد الفسخ ، فيما إذا تصدّى للردّ مع الاهتمام في حفظه ، فتلف في طريقه بلا تعدّ ولا تفريط ؛ لقاعدة الإحسان ، ولعدم بُعد انصراف دليل اليد عنه .

وأمّا إذا لم يصر بصدد الردّ ، من دون أن يكون في البين عدوان ، بل انتظر مطالبة صاحبه لماله ، فهل هو ملحق بالعدوان في الضمان ، أو بالإحسان في عدمه ؟

وجهان ، أوجههما الضمان ؛ لإطلاق قاعدة اليد ، وعدم انصرافها إلى يد

ص: 498

العدوان ، ولا دليل على كونه أمانة شرعية ، كما أ نّه ليس أمانة مالكية .

وأمّا ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه في المقام ، فلا تخلو من إبهام وإشكال ؛ فإنّ قوله : إنّها كانت مضمونة قبل الفسخ ، والأصل بقاؤه(1) :

إن كان المراد به ، التمسّك بالأصل لإثبات ضمان اليد فهو عجيب ؛ لأنّ ما ثبت سابقا هو الضمان المعاملي الساقط بالقبض ، واحتمال بقاء الكلّي ؛ بتجدّد فرد منه حال عدم فرد ، ساقط في المقام ، فلا يكون من القسم الثالث أيضا ، مع أنّ استصحاب الكلّي لإثبات الفرد مثبت .

وإن كان المراد ، إثبات عدم ما يقتضي كونها أمانة مالكية أو شرعية ، كما أشار إليه رحمه الله علیه ، فلا وجه لإثباته بأصل باطل غير جارٍ ، بل الأولى - على فرض الشكّ في كونها أمانة - استصحاب عدم هذا العنوان ؛ أي أصالة عدم كونها أمانة مالكية أو شرعية .

مع أنّ في هذا الأصل أيضا إشكالاً ، وإن لم يكن بوضوح الإشكال في الأصل الذي تمسّك به .

وأمّا قوله في مقام إثبات الضمان : إنّها قبضت مضمونة ، فإذا بطل ضمانها بالثمن المسمّى ، تعيّن ضمانها بالعوض الواقعي ، كما في البيع الفاسد(2) فغير سديد ؛ فإنّ ما قبضه كان ماله ، ولا معنى لضمانه ، والأخذ في مقابل الثمن لا يعدّ ضمانا .

ص: 499


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 193 .
2- نفس المصدر.

مع أنّ بطلان ذلك ، لا يوجب تعيّن الضمان بالعوض الواقعي ، وتنظيره بالمقبوض بالبيع الفاسد مع الفارق ، كما هو واضح .

ففي المسألة إن كان إشكال ، فإنّما هو من جهة احتمال كون دليل اليد منصرفا إلى اليد العدوانية ، وهو مزيّف ، ولم يلتزم به الشيخ الأعظم قدّس سرّه .

أو من جهة احتمال الاستئمان الشرعي أو المالكي ، وهو أيضا غير مرضيّ ، فالأقوى الضمان إلاّ في الصورة التي أشرنا إليها ، فإنّه محلّ إشكال فيها ، بل عدمه غير مستبعد ، واللّه العالم .

هذا بعض الكلام في الخيارات

والحمد للّه أوّلاً وآخرا .

ص: 500

القول في النقد والنسيئة

اشارة

ص: 501

ص: 502

مسألة : في تحقيق قولهم: إطلاق العقد يقتضي النقد

قالوا : إطلاق العقد يقتضي النقد ، فلو اشترطا تعجيل الثمن كان تأكيدا لمقتضى الإطلاق(1) .

أقول : قد يراد ب «الإطلاق» ما يقابل التقييد ، وقد يراد به ما يقابل الاشتراط ، ونسبة «الإطلاق» إلى «العقد» تعطي أنّ نفس القرار المعاملي قد يكون مطلقا ، وقد يكون مقيّدا أو مشروطا ، ولا يمكن أن يراد من هذا الكلام ما هو ظاهره جزما ؛ فإنّ التقييد والاشتراط في العقد يوجبان فساده .

مضافا إلى أنّ الإطلاق المقتضي للتبادل فعلاً - مقابل الاشتراط والتقييد المقتضيين لكونه استقباليا - غير مربوط بالنقد والنسيئة ، فلا محالة يكون المراد به ، أنّ العقد مع عدم اشتراط تعجيل الثمن ولا تأجيله ، يقتضي النقد .

وفي عدّ ذلك من مقتضيات العقد مسامحة ؛ فإنّ العقد بنفسه ، لا يقتضي إلاّ

ص: 503


1- تذكرة الفقهاء 11 : 251 ؛ مفتاح الكرامة 13 : 627 ؛ جواهر الكلام 23 : 98 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 198 .

التبادل بين العوضين ، وهذا الأمر موجود في النقد والنسيئة ، وأمّا لزوم الأداء في الحال عند المطالبة، أو مطلقا، أو في الاستقبال كذلك ، فليس من مقتضيات العقد.

ولا معنى لأن يقال : إنّ إطلاق العقد ، يقتضي أن يؤدّي مال الغير إذا طالبه ، بل الصحيح أن يقال : إذا لم يشترطا التأجيل في الثمن ، فالحكم العقلائي والشرعي المترتّب على نتيجة العقد ، هو وجوب أدائه حينما طالبه ، من غير أن يكون ذلك من مقتضيات العقد ، إلاّ على التأوّل والمسامحة .

ولا يظهر من رواية عمّار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في رجل اشترى من رجل جارية بثمن مسمّى ، ثمّ افترقا ، فقال : «وجب البيع ، والثمن إذا لم يكونا اشترطا فهو نقد»(1) إلاّ وجوب الأداء وأنّه نقد ، وأمّا أنّ ذلك من مقتضيات العقد ، أو أنّه حكم شرعي متعلّق به إذا لم يشترطا التأجيل ، فلا تدلّ عليه .

وعلى ذلك : لو اشترطا التعجيل يكون تأسيسا ، لا تأكيدا ، وتترتّب عليه أحكام الشرط وتخلّفه ، فما في بعض التعليقات : من أنّ شرط التعجيل ، مؤكّد للإطلاق على الوجه المتعارف للشرط وهو الإسراع عند المطالبة ، وعدم المماطلة في الأداء(2) غير وجيه .

وأمّا دعوى انصراف العقد إلى النقد بهذا المعنى المطلوب لهم ؛ من أ نّه إذا طالب يجب عليه الأداء(3)

فغير واضحة .

ص: 504


1- الكافي 5 : 474 / 10 ؛ وسائل الشيعة 18 : 36 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 1 ، الحديث 2 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 337 .
3- رياض المسائل 8 : 212 ؛ اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 516 .

إلاّ أن يقال : بانصرافه إلى التبادل الفعلي ، وهذا صحيح ، لكنّه ليس من قبيل انصراف المطلق إلى بعض حصصه ، بل ظاهر العقد مطلقا هو التبادل فعلاً ، ومع عدم اشتراط التأجيل يجب ردّ مال الغير إلى صاحبه .

والذي يمكن أن يقال تأييدا لكلام الفقهاء : هو أنّ البيع الذي هو التبادل الإنشائي الاعتباري ، وسيلة لدى العقلاء للأخذ والإعطاء ، ونظرهم إلى العقد آليّ للتوصّل إلى العوضين ، والتسليم والتسلّم ، وإن لم يكن مفاد العقد ، ولا كان العقد - أي التبادل الإنشائي - مبنيّا عليه ، بحيث يعدّ من الشرط الضمني ، ويكون الخيار عند تخلّفه ، لكنّه من الأحكام العقلائية المترتّبة على العقد ؛ في الرتبة المتأخّرة عن الحكم بحصول الملكية .

وهذا الحكم المترتّب على العقد ليس هو محض لزوم ردّ مال الغير إليه ، كردّ الأمانة أو المغصوب ، بل له حيثية زائدة ؛ وهي لزوم الوفاء بالعقد ، بحيث لو لم يف أحدهما لم يلزم الوفاء على الآخر ، وهذا من أحكام العقد بما هو كذلك .

وعلى هذا فيصحّ أن يقال : إطلاق العقد - بمعنى عدم اشتراط التأجيل فيه - محمول على النقد ، ويجوز لكلّ منهما مطالبة صاحبه بالتسليم ؛ للحقّ العقلائي زائداً على أصل الملكية ، ويجب على كلّ منهما الوفاء وجوباً عقلائياً .

وممّا ذكرناه يظهر : أنّ تعليل العلاّمة قدّس سرّه (1) ، غير موافق لما قالوا : من أنّ إطلاق العقد يقتضي النقد(2) ، وإن كان صحيحاً في نفسه ؛ فإنّ وجوب ردّ مال الغير إليه عند المطالبة أمر ، ووجوب الوفاء بالعقد أمر آخر ، وكون العقد بلا شرط تأجيل

ص: 505


1- تذكرة الفقهاء 11 : 251 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 198 .
2- تقدّم تخريجه في الصفحة 503 ، الهامش 1 .

الثمن ، محمولاً على النقد - بحيث يترتّب عليه بعد تحقّقه لزوم الوفاء به مع المطالبة - أمر ثالث .

كما يظهر النظر في محكيّ كلام الشهيد الثاني قدّس سرّه : من ثبوت خيار الشرط مع الإطلاق(1) ، واستحسان الشيخ الأعظم قدّس سرّه إيّاه(2) ؛ فإنّ العقد الإنشائي ، لم يكن مبنيّاً على ذلك ، بل هو حكم عقلائي مترتّب عليه .

كما ظهر أنّ اشتراط التعجيل في ضمن العقد ، ليس مؤكّداً لمقتضى العقد ، ولا للحكم العقلائي المتأخّر برتبتين ، بل الشرط تأسيس كما أشرنا إليه(3) .

وثمرته - مضافاً إلى ثبوت الخيار عند التخلّف - لزوم التعجيل ؛ عملاً بالشرط ولو مع عدم المطالبة ، ولا سيّما إذا كان المشروط له غافلاً ، أو جاهلاً ، بل ومع علمه ، إلاّ إذا كان السكوت رفضاً لحقّه ، وإمهالاً لصاحبه ؛ فإنّ السكوت يمكن أن يكون لأجل حصول التخلّف ، وثبوت الخيار ، بناءً على ثبوته مع إمكان الإجبار أيضاً .

ودعوى : أنّ هذا الشرط محمول على التعجيل عند المطالبة(4) خالية عن الشاهد بعد إطلاق الشرط ، واحتمال أن يكون الشرط لأجل الاستغناء به عن المطالبة ؛ لكونها أمراً شاقّاً على الشارط .

ص: 506


1- مسالك الأفهام 3 : 223 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 199 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 199 .
3- تقدّم في الصفحة 504.
4- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 198 - 199 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 337 .

وكيف كان : لا يكون شرط التعجيل ، من الشرط المجهول الموجب للبطلان ؛ لأ نّه أمر عرفي يحمل الشرط عليه ، وفي مثله لا يكون غرراً عرفاً .

وإن شئت قلت : إنّ التعجيل على فرض كونه ذا مراتب ، محمول على التعجيل في أوّل الأزمنة ؛ أي التعجيل في التعجيل ، فإنّ أصله ثابت بلا شرط ، فهو لأمر زائد .

لا لأنّ المطلق مقتضٍ لذلك ، كما قيل في الواجب المطلق : من أ نّه يحمل على التعييني العيني النفسي(1) فإنّ حمل المطلق - المتساوي النسبة إلى الأقسام - على أحدها ، بلا وجه ، وما قيل في وجهه فاسد(2) ، كما قلنا في محلّه(3) .

ثمّ إنّ الحكم بثبوت الخيار ، هل هو موقوف على عدم إمكان الإجبار ، أم لا ؟

فيه كلام ، ولا يبعد أن لا يكون متقيّداً عند العرف ، وإن كان للشارط إلزامه على العمل ، لكن لو لم يلزمه ، وتخلّف عن الشرط ، فالخيار عرفي .

فما في محكيّ «الجواهر» : من لزوم التقييد(4) غير ظاهر ، وعلى فرض كونه متقيّداً ، فما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه في جوابه(5) متين ، وما في تعليقات بعض السادة من الإشكال عليه(6) في غير محلّه ، فراجع .

ص: 507


1- كفاية الاُصول : 99 .
2- نفس المصدر.
3- مناهج الوصول 1 : 224.
4- جواهر الكلام 23 : 99 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 518 .
5- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 199 .
6- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 3 : 518 - 519 .

مسألة : في جواز اشتراط تأجيل الثمن وما يعتبر فيه

يجوز شرط تأجيل الثمن ، ويشترط فيه أن يكون معلوماً عرفاً ؛ بحيث يخرج عن الغرر بنظر العرف ، كشهر ، أو سنة .

ولا يلزم العلم بعدد أيّامهما ، كما لا يلزم العلم بمثاقيل الأوزان ، فلو عيّن المنّ الكذائي ، أو الكيل كذلك ؛ ممّا هو معروف عند العامّة ، ولم يعلم مثاقيله ، أو عدد صيعانه صحّ ، ولا تضرّ هذه الجهالة ؛ إذ لا يجب في رفع الغرر العلم بجميع الجهات ، كالعلم بكون الشهر تامّاً ، أو ناقصاً ، والسنة كم يوماً .

ويدلّ على لزوم التعيين بما ذكر ، دليل نفي الغرر(1) على ما هو المعروف

ص: 508


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 45 / 168 ؛ عوالي اللآلي 2 : 248 / 17 ؛ وسائل الشيعة 17 : 448 ، كتاب ا لتجارة ، أبواب آداب ا لتجارة ، ا لباب 40 ، ا لحديث 3 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 283 ، كتاب التجارة ، أبواب آداب التجارة ، الباب 33 ، الحديث 1 ؛ السنن الكبرى ، البيهقي 5 : 338 .

بين الفريقين ؛ من أ نّه بمعنى الجهالة .

بل في الروايات الواردة في السلم(1) - وإن كان عكس المسألة - تأييد أو دلالة على ذلك ؛ لأنّ المستفاد منها ، أنّ اعتبار معلومية الأجل ؛ لأجل دفع الغرر ، وأنّ الجهالة بهذا المقدار مضرّة ، فتلغى خصوصية المثمن والسلم ، فما في بعض التعليقات(2) : من استعجابه لكلام الشيخ الأعظم قدّس سرّه (3) في غير محلّه .

ولا فرق في الأجل بين القصير والطويل ، إذا لم يكن طول الأجل بحيث يخرج شرطه عن كونه عقلائيا ، كألف سنة ونحوها ؛ ممّا يعدّ شرطه خارجا عن القرار العقلائي .

فما في محكيّ «الدروس» : من أنّ الصحّة أقرب(4) وقبله الشيخ أيضاً (5) ، لا يخلو من إشكال ومنع ، ومجرّد حلوله بموت المشتري ، لا يجعل القرار عقلائياً ، ولا سيّما إذا احتمل عدم الحلول إلى سبعين سنة .

وبالجملة : شمول أدلّة تنفيذ المعاملات لمثل ذلك محلّ إشكال .

وأمّا ما ورد في الروايات ؛ من النهي عن التأخير إلى ثلاث سنين ، كرواية

ص: 509


1- راجع وسائل الشيعة 18 : 288 ، كتاب التجارة ، أبواب السلف ، الباب 3 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 : 357 .
3- حيث قال : «ولما دلّ في السلم الذي هو عكس المسألة على وجوب تعيين الأجل» . المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 200 .
4- الدروس الشرعية 3 : 204 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 201 .
5- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 201 .

«قرب الإسناد»(1) وغيرها (2) ، فمحمول على الكراهة أو الإرشاد ، كما يظهر بالتأمّل فيها .

ثمّ إنّه لو جعل مدّة أزيد من عمر المشتري ، وكان الحكم الشرعي حلوله عند موته ، فالظاهر أ نّه لا إشكال فيه ، لا من جهة اللغوية ؛ فإنّه يمكن أن يكون هناك غرض عقلائي ، ولا من جهة خلاف الشرع ؛ لأنّ اشتراطها لا يرجع إلى شرط عدم الحلول عند الموت ، حتّى يكون مخالفاً للشرع .

ثمّ إنّ المعتبر في التعيين هاهنا ، وفي كلّ مورد يعتبر فيه ذلك ، هو الذي يرتفع به الغرر ، فلا بدّ من كونه معلوماً عند المتبايعين ، والمعلومية عند غيرهما أو في علم اللّه ، لا يرفع بها الغرر ، فجعل المدّة إلى عيد المهرجان مثلاً ، مع عدم علمهما بأنّه في أيّ شهر ، لا يصحّ .

ص: 510


1- قرب الإسناد : 372 / 1326 ؛ وسائل الشيعة 18 : 36 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 1 ، الحديث 3 .
2- راجع وسائل الشيعة 18 : 35 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 1 ، الحديث 1 .

مسألة : فيما لو باع بثمن حالاًّ وبأزيد منه مؤجّلاً

اشارة

لو باع بثمن حالاًّ ، وبأزيد منه مؤجّلاً ؛ بأن قال : «بعتك هذا بعشرة يداً بيد ، وبعشرين إلى رأس الشهر» وأراد بذلك أن يقبل أحدهما ، فالظاهر صحّته حسب القواعد ، إن قبل واحداً منهما معيّناً ؛ فإنّه ينحلّ إلى إيجابين ، ولا جهالة في شيء

منهما ، وإنّما الجهل في أ نّه يقبل هذا أو ذاك ، وهذه الجهالة غير مضرّة ؛ إذ لم يكن غرر في أصل المعاملة .

وهذا نظير ما إذا أوجب إيجاباً واحداً ، ولم يدر حينه أ نّه هل يقبل المشتري أو لا ؟ فقبل ، أو من قبيل ما لو باع سلعة بعشرة ، وسلعة اُخرى بعشرين ولم يدر أنّ المشتري يقبل أيّهما ، فإنّه لا ينبغي الإشكال في الصحّة إن قبل واحداً منهما تعييناً ، ولا يبعد أن لا تكون هذه الصورة محطّ بحث الفقهاء .

ويظهر من بعضهم : أنّ موضوع البحث ، ما إذا أوجب البائع بنحو ما تقدّم ، وقبل المشتري بلا تعيين أحدهما ؛ بأن قال : «قبلت» وأراد التعيين بعد القبول ، كما يظهر من «الغنية» .

ص: 511

قال في المحكيّ عنه : إنّ تعليق البيع بأجلين وثمنين - كقوله : «بعت إلى مدّة بكذا ، وإلى اُخرى بكذا» - يفسده ، فإن تراضيا بإنفاذه ، كان للبائع أقلّ الثمنين في أبعد الأجلين ؛ بدليل إجماع الطائفة(1) .

والظاهر من قوله : «فإن تراضيا بإنفاذه» أنّ المراد من «البيع» تمامه إيجاباً وقبولاً .

وقريب منه عبارة «المقنعة» قال : لا يجوز البيع بأجلين على التخيير ، كقوله : «هذا المتاع بدرهم نقدا ، وبدرهمين إلى شهر أو سنة» أو «بدرهم إلى شهر ، وبدرهمين إلى شهرين» فإن ابتاع إنسان على هذا الشرط ، كان عليه أقلّ الثمنين في آخر الأجلين(2) ، انتهى .

وذيل هذه العبارة صريح ؛ في أنّ القابل قبل ما أوجبه البائع ، من دون تعيين أحدهما ، بأن قال بعد الإيجابين : «قبلت» واكتفى به ، وليس المراد ب «التخيير» المذكور في عبارته الإنشاء تخييراً ؛ لصراحة المثال في خلافه .

وعن «دعائم الإسلام» عن أبي عبداللّه، عن آبائه علیهم السلام : «أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم نهى عن شرطين في بيع» ، وقد اختلف في تأويل ذلك ، فقال قوم : أن يقول البائع : «أبيعك بالنقد بكذا ، وبالنسيئة بكذا» ويعقد البيع على هذا . . . إلى آخره(3) .

ص: 512


1- غنية النزوع 1 : 230 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 207 .
2- المقنعة : 595 .
3- دعائم الإسلام 2 : 32 / 67 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 312 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 2 ، الحديث 1 .

وصريح هذه العبارة ، أنّ المراد عقد البيع على هذا ، ويظهر ذلك من المتون ك «الشرائع»(1) و«النافع»(2) و«القواعد»(3) وكثير من العبارات المنقولة عقيب المتون شرحاً (4) ، حيث إنّ الظاهر منها ، أنّ المشهور حكموا بالبطلان في مثل الفرض ، لا فيما إذا قبل أحدهما المعيّن .

فعلى ذلك : لا إشكال في البطلان ؛ لأنّ قبولهما معاً غير معقول ، والحمل على أحدهما معيّناً بلا معيّن ، وعلى أحدهما مخيّراً لا معنى له ، فيقع باطلاً ؛ للجهالة ، والتعيين بعد البيع لا يفيد .

ويظهر من بعضهم : أنّ المراد في الفرع ، هو الإيجاب على نحو التخيير ، كما عن «النهاية» :

قال : فإن ذكر المتاع بأجلين ونقدين على التخيير ، مثل أن يقول : «بعتك هذا بدينار أو درهم عاجلاً ، أو إلى شهر أو سنة» أو «بدينارين أو درهمين إلى شهر ، أو شهور ، أو سنة ، أو سنين» كان باطلاً ، فإن أمضى البيّعان ذلك بينهما ، كان للبائع أقلّ الثمنين في آخر الأجلين(5) .

ص: 513


1- شرائع الإسلام 2 : 20 .
2- المختصر النافع : 122 .
3- قواعد الأحكام 2 : 43 .
4- جامع المقاصد 4 : 203 - 204 ؛ رياض المسائل 8 : 214 ؛ جواهر الكلام 23 : 102 .
5- كذا في المكاسب للشيخ الأعظم قدس سره ، ولكنّ الموجود في النهاية هكذا : «فإن ذكر المتاع بأجلين ونقدين مختلفين بأن يقول : «ثمن هذا المتاع كذا عاجلاً وكذا آجلاً» ثمّ أمضى البيع ؛ كان له أقلّ الثمنين وأبعد الأجلين» . النهاية : 387 - 388 ؛ اُنظر جواهر الكلام 23 : 103 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 207 .

والظاهر منه أيضاً قبولهما معاً ، ولعلّ هذا فرع آخر غير الفرع المعروف ، وإن كان بحكمه في البطلان ، لا أنّه تفسير لقولهم : «لو باع بثمن حالاًّ ، وبأزيد منه مؤجّلاً» فإنّ الظاهر منه هو الفرض المتقدّم ، الذي قال عنه في «الدعائم» : فقال قوم . . . إلى آخره .

وكيف كان : فالإيجاب تخييراً باطل ، بل غير معقول ، كالإيجاب ترديداً ؛ فإنّ النقل الإنشائي بهذا أو هذا - كنقل هذا أو هذا - لا يعقل تحقّقه واعتباره .

ونحن وإن قلنا في الواجب التخييري : إنّه بعث إلى هذا تعييناً ، وإلى ذاك كذلك ، وتخلّل بينهما لفظة «أو» لإفهام المخاطب تخييره بينهما (1) ، لكن جريان ذلك في مثل النقل الإنشائي مشكل ، بل ممنوع .

ففي مثل ذلك ، لو قبل أحدهما المعيّن لا يقع صحيحاً ؛ لبطلان الإيجاب كذلك ، بل عدم معقولية النقل الكذائي ولو إنشاءً ، فضلاً عمّا إذا قبلهما معاً .

فتحصّل ممّا مرّ : أنّ في المسألة التي هي محطّ البحث تبعاً للنصّ(2) صورتين :

إحداهما : وهي المعروفة ، ما لو باع بثمن حالاًّ ، وبأزيد منه مؤجّلاً ، لا بنحو التخيير .

وثانيتهما : ذلك الفرض بنحو التخيير .

وربّما تتوهّم من كلام بعضهم صورة اُخرى ، وهي الإنشاء على نحو التعليق ،

ص: 514


1- مناهج الوصول 2 : 73.
2- راجع وسائل الشيعة 18 : 36 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 2 .

فعن «الناصريات» : إنّ المكروه أن يبيع بثمنين ؛ بقليل إن كان الثمن نقداً ، وبأكثر إن كان نسيئة(1) .

لكنّ الظاهر : أ نّه لا يريد الإنشاء التعليقي ، بل يريد ما هو المعروف بينهم ، ويشهد له قول «الغنية» المتقدّم ذكره(2) ، فإنّه مع ذكر التعليق تصريحاً ، مثّل بما لا يكون فيه تعليق اصطلاحي .

وكيف كان : لو فرض الإيجاب على نحو التعليق ؛ بأن قال : «بعتك بعشرة إن كان نقداً ، وبعشرين إن كان نسيئة» وقع باطلاً بلا إشكال .

ولعلّ ما في «الناصريات» وما في «الغنية» [وما] عن الإسكافي من قوله في تفسير النبوي : «لا تحلّ صفقتان في واحدة»(3) وذلك بأن يقول : «إن كان بالنقد فبكذا ، وإن كان بالنسيئة فبكذا»(4) فرع آخر ، ومن محتملات قوله صلی الله علیه و آله وسلم .

وأمّا الصورة التي جعلها بعضهم من صور المسألة ؛ أي مسألة البيع بثمنين ، وهي البيع بثمن حالاًّ ، وشرط زيادة إلى شهر مثلاً(5) فهي أجنبيّة عن المسألة ، وعن كلام الفقهاء ، وعن النصوص ؛ ضرورة أ نّه ليس بيعين بثمنين كما هو المبحوث عنه في كلامهم ، ولا بيعين في بيع ، أو صفقتين في واحدة ،

ص: 515


1- مسائل الناصريات : 365 .
2- تقدّم في الصفحة 512.
3- مستدرك الوسائل 13 : 313 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 2 ، الحديث 2 .
4- اُنظر مختلف الشيعة 5 : 151 ؛ جواهر الكلام 23 : 103 .
5- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 339 .

ولا موافقاً لروايتي السكوني(1) ، ومحمّد بن قيس(2) .

وعلى أيّ حال : لو باع كذلك وشرط ذلك بطل الشرط ، وصحّ البيع ، وكان نقداً ، وما ذكرناه إلى هنا إنّما هو بحسب القواعد .

حكم المسألة بحسب الأخبار

وأمّا الأخبار الواردة ، فلا يبعد أن تكون بصدد بيان معنىً واحد ، فيمكن رفع إجمال بعضها بدلالة بعض ، فمثل قوله علیه السلام : «نهى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن بيعين في بيع»(3) أو «عن شرطين في بيع»(4) أو «لا تحلّ صفقتان في واحدة»(5) - إن كان فيها إجمال ، ولم نقل : بأ نّها ظاهرة فيما هو المعروف ؛ من البيع بثمنين ، سيّما الرواية الاُولى - يرفع الإجمال عنها بصحيحة محمّد بن قيس ، وموثّقة السكوني .

ففي الاُولى : عن أبي جعفر علیه السلام قال : «قال أمير المؤمنين علیه السلام : من باع سلعة

ص: 516


1- تهذيب الأحكام 7 : 53 / 230 ؛ وسائل الشيعة 18 : 37 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 2 ، الحديث 2 .
2- الكافي 5 : 206 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 47 / 201 ؛ وسائل الشيعة 18 : 36 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 2 ، الحديث 1 .
3- تهذيب الأحكام 7 : 230 / 1005 ؛ وسائل الشيعة 18 : 37 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 2 ، الحديث 4 .
4- تهذيب الأحكام 7 : 231 / 1006 ؛ وسائل الشيعة 18 : 37 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 2 ، الحديث 3 .
5- تقدّم في الصفحة 515.

فقال : إنّ ثمنها كذا وكذا يداً بيد ، وثمنها كذا وكذا نظرةً ، فخذها بأيّ ثمن شئت ، وجعل صفقتها واحدة ، فليس له إلاّ أقلّهما وإن كانت نظرةً» .

قال : «وقال علیه السلام : من ساوم بثمنين ؛ أحدهما عاجلاً ، والآخر نظرةً ، فليسمّ أحدهما قبل الصفقة»(1) .

وفي الثانية : عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه علیهم السلام : أنّ علياً علیه السلام قضى في رجل باع بيعاً واشترط شرطين ؛ بالنقد كذا ، وبالنسيئة كذا ، فأخذ المتاع على ذلك الشرط ، فقال : هو بأقلّ الثمنين ، وأبعد الأجلين ، يقول : ليس له إلاّ أقلّ النقدين إلى الأجل الذي أجّله بنسيئة(2) .

والظاهر منهما : أنّ المراد من مثل قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «لا تحلّ صفقتان في واحدة» أو قوله علیه السلام : «نهى صلی الله علیه و آله وسلم عن شرطين في بيع» أو «بيعين في بيع» هو البيع بثمنين حالاًّ ونظرةً ، ويظهر من جميعها - ولو بردّ بعضها إلى بعض - أنّ المراد هو الإيجاب بثمنين حالاًّ بكذا ، ونسيئة بكذا ، ولحوق القبول به كذلك من غير تعيين .

وقوله في رواية محمّد بن قيس : «إنّ ثمنها كذا وكذا يداً بيد ، وثمنها كذا وكذا نظرة ، فخذها بأيّ ثمن شئت ، وجعل صفقتها واحدة» وإن كان يوهم أنّ الأخذ هو قبول أحدهما معيّناً ، لكنّه غير صحيح :

ص: 517


1- الكافي 5 : 206 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 47 / 201 ؛ وسائل الشيعة 18 : 36 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 2 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 7 : 53 / 230 ؛ وسائل الشيعة 18 : 37 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 2 ، الحديث 2 .

أمّا أوّلاً : فلأنّ الأخذ يخالف القبول ، بل هو التسلّم بعد تمام البيع .

وثانياً : فلأنّ قوله : «وجعل صفقتها واحدة» يرفع الإبهام عنه ؛ فإنّ المراد ب «الصفقة» هو ضرب اليد لتثبيت المعاملة ، فهو ظاهر أو صريح في أنّ المعاملة وقعت على ثمنين آجلاً وعاجلاً ؛ ليختار أحدهما بعد ذلك .

بل الظاهر أنّ الروايتين نقل لقضية واحدة عن أمير المؤمنين علیه السلام ، وصريح الثانية هو أخذ المتاع على الشرط أي الثمنين ، فقبل المتاع على الشرط ليختار أحدهما .

فتحصّل ممّا ذكر : أنّ جميع الروايات بصدد بيان أمر واحد ؛ وهو النهي عن مثل هذه المعاملة التي كانت كأ نّها معهودة بينهم .

ثمّ لا يبعد أن يكون وجه الجمع بين الروايات ، حمل ما دلّت على النهي عن بيعين في بيع ، أو شرطين في بيع ونحوهما ، على الكراهة أو التحريم ، لا البطلان ؛ بشهادة روايتي السكوني ومحمّد ، حيث تظهر منهما الصحّة فيما إذا قبلهما صفقة واحدة .

والظاهر منهما : أنّ قبول الإنشاء المنحلّ إلى إنشاءين - يتقدّم أحدهما وهو النقد لفظا ، بل وطبعا - يختصّ بالنقد ، بعد ما لم يمكن الأخذ بهما ، فالمعاملة محكومة بالصحّة في أقلّ الثمنين ، ولو أخّر الثمن إلى أبعد الأجلين .

فقوله علیه السلام في رواية محمّد : «فليس له إلاّ أقلّهما وإن كانت نظرة» يدلّ على أ نّه لا يستحقّ إلاّ الأقلّ ولو أدّى نظرة ، وليس فيه دلالة على جواز التأخير لو طالبه ، فتستفاد منها صحّة المعاملة نقدا ، وعدم جواز المطالبة بالأكثر ولو تأخّر إلى أبعد الأجلين .

ص: 518

وأمّا رواية السكوني ، فالظاهر من قوله علیه السلام : «هو بأقلّ الثمنين إلى أبعد الأجلين» أ نّه يستحقّ الأقلّ في أبعد الأجلين .

لكن ظاهر التفسير الذي في ذيلها ، وهو قوله علیه السلام : «يقول : ليس له إلاّ أقلّ الثمنين إلى الأجل الذي أجّله بنسيئة» أ نّه بصدد بيان أ نّه لا يستحقّ إلاّ الأقلّ ولو إلى آخر المدّة ؛ أي لا يستحقّ الزيادة وإن أخّر إلى أبعد الأجلين ، وليس بصدد بيان جواز التأخير .

بل يشعر قوله هذا ، بأ نّه ليس له إلى آخر المدّة إلاّ الأقلّ ، وأنّ له الأخذ بالأقلّ إلى آخر المدّة ، فله المطالبة في هذه المدّة ؛ إذ ليست نظرة ، فالرواية - بمعونة التفسير في ذيلها - توافق رواية محمّد .

والظاهر أنّ التفسير منقول عن الصادق ، أو أبي جعفر علیهما السلام ، وتتمّة لحديث السكوني ، مع أنّ الروايتين حكاية لقضيّة واحدة ، كما هو المعلوم .

فتحصّل ممّا ذكر : أنّ مقتضى الجمع بين الروايات ، صحّة هذه المعاملة نقدا ؛ بترجيح لحوق القبول بما هو مقدّم طبعا وذكرا ، وإلغاء القرار المتعلّق بالنسيئة ، وليس فيها خلاف القواعد المحكمة كما قالوا (1) .

والظاهر أنّ القول بالبطلان واشتهاره بينهم ، إنّما هو من اجتهادهم ، لا لأمر آخر ، فلا تكون الشهرة بل الإجماع في مثل هذه المسألة حجّة ، واللّه العالم .

وحينئذٍ فالعمل بالروايتين متعيّن ، بعد ما كانت إحداهما صحيحة ، والاُخرى موثّقة ، لكن يقتصر على موردهما ، فلو بيع بثمنين نسيئة يحكم بالبطلان .

ص: 519


1- جواهر الكلام 23 : 102 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 210 .

مسألة : في أنّ النسيئة لا تصير نقدا بإسقاط الأجل

اشارة

لا إشكال في أنّ في النسيئة ، لا يستحقّ البائع مطالبة المشتري قبل حلول المدّة ، ولا يجب على المشتري الأداء قبل حلول الأجل ، ولو طالبه البائع بذلك ؛ فإنّ ذلك مقتضى القرار بينهما ، ويجب على البائع الوفاء به .

وأمّا لو تبرّع المشتري بأداء الثمن قبل الأجل ، فهل يجب على البائع القبول ؟ فيه وجهان .

ولا بدّ من تمحيض الكلام ، فيما إذا وقع البيع نسيئة ، بأن قال : «اشتريت منك نسيئة إلى شهر» مثلاً ، وأمّا إذا كان تأخير الثمن لأجل الشرط في ضمنه ، فهو خارج عن محطّ الكلام .

النسيئة بيع خاصّ مقابل النقد

وقبل بيان مبنى الوجهين ، لا بدّ من التنبيه على أمر :

وهو أنّ النسيئة ، هل هي بيع متضمّن لشرط التأجيل ، أو لتقييد إطلاق

ص: 520

سلطنة البائع على المطالبة متى شاء ؟

أو أنّها بيع خاصّ مقابل النقد ، لا بمعنى تقييد وتخصيص للثمن ؛ بأن يكون المملوك الثمن المؤجّل ، أو الثمن رأس الأجل ، كما قال به بعض أهل التحقيق(1) ، بل بمعنى تقييد نفس القرار المعاملي ، فالبيع نسيئة صنف من البيع مقابل النقد ، لا أ نّهما شرطان فيه ، أو قيدان في الثمن .

الظاهر العرفي هو ثاني الاحتمالين ، ويترتّب عليه لزوم التزام كلّ من البائع والمشتري بالقرار الواقع بينهما ، فكما ليس للبائع مطالبة المشتري قبل الأجل ؛ لأ نّه خلاف القرار ، كذلك ليس للمشتري إلزامه بالقبول قبله ؛ لأ نّه خلاف القرار بينهما .

ومجرّد كون القرار في الغالب لنفع المدين ، لا يوجب جواز إلزام البائع ، ولا وجوب قبوله على خلاف القرار .

نعم ، لو قلنا : بأنّ النسيئة بيع متضمّن لشرط تأجيل الثمن ، أو شرط عدم مطالبة البائع ، فالظاهر - مع عدم قرينة خارجية - أنّ المشروط له هو المدين ، وله حقّ التأخير وله إسقاط حقّه ، والبائع ليس له حقّ بوجه ، فلو أسقط حقّه صار البيع كالحالّ ، وسيأتي الكلام فيه في المسألة الآتية(2) .

هذا، وأمّا الوجوه التي ذكروها فليست مرضيّة ، مثل ما عن «التذكرة» : من أنّ

ص: 521


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الخراساني : 268 - 269 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 342 و343 - 344 .
2- يأتي في الصفحة 524.

التعجيل فيه منّة(1) فإنّه غير مطّرد ، بل في الغالب ليس كذلك .

وأمّا ما قيل في جوابه : من أنّ التعجيل في وفاء ماله(2) .

ففيه : أنّ ذلك أيضاً قد تكون فيه منّة ؛ لعدم استحقاقه التعجيل .

ومثل ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه : من أنّ التأجيل كما هو حقّ للمشتري ، يتضمّن حقّا للبائع ؛ من حيث التزامه لحفظ ماله في ذمّته ، وجعله إيّاه كالودعي ؛ فإنّ ذلك حقّ عرفا (3) .

فإنّه ممنوع ؛ أمّا بناءً على ما ذكرناه في ماهية النسيئة ، فلمنع ثبوت حقّ للمشتري ، فضلاً عن البائع ، ولو فرض اعتبار حقّ للمشتري ، فإثبات حقّ للبائع ممنوع ؛ ضرورة عدم التزامه للحفظ ، بل البيع لا يقتضي إلاّ ثبوت المال في ذمّته مؤجّلاً ليس إلاّ .

وأمّا بناءً على كون النسيئة متضمّنة لشرط التأجيل ، فلأنّ الشرط لا يقتضي إلاّ ثبوت حقّ للمشروط له ؛ وهو المشتري ، وليس البيع ولا الشرط المذكور ، متضمّنين لشرط زائد ، أو حقّ كذلك .

عدم سقوط التأجيل بالإسقاط

ثمّ إنّه على ما ذكرنا في النسيئة : من أ نّها قرار خاصّ ، لا قرار وشرط ، لا يصحّ إسقاط التأجيل ؛ لأ نّه ليس حقّا حتّى يصحّ إسقاطه ، ولا شرطا حتّى

ص: 522


1- تذكرة الفقهاء 11 : 353 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 212 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 341 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 212 .

يصحّ الإعراض عنه ، بناءً على ما أشرنا إليه في بعض المباحث ؛ من صحّته(1) .

بل جريان التقايل في التأجيل محلّ إشكال ؛ لأنّ النسيئة لا تنحلّ إلى قرارين ، بل هي قرار خاصّ تصحّ الإقالة فيها في أصلها ، لا في خصوصيتها ، وحديث الانحلال في بعض المعاملات ، مخصوص بموارد يوافق فيها العرف عليه ، فالبيع النقدي لا ينحلّ إلى بيع ، وكونه نقدا ، وكذا النسيئة .

نعم، لا مانع من توافقهما على أخذ الثمن نقدا، لكن لا تصير بذلك غير مؤجّلة.

وعلى الاحتمال الآخر يصحّ الإسقاط ، ويصير حالاًّ .

ولو شككنا في أنّ النسيئة من قبيل الشرط الضمني القابل للإسقاط ، أو من قبيل الخصوصية القابلة للتقايل ، أو على نحو لا يجري فيه ذلك ، ولا ذاك ، فأصالة عدم ثبوت الحقّ ، أو الشرط الضمني ، أو الخصوصية ونحوها ، غير جارية ، لكن أصالة بقاء النسيئة بحالها ، وأصالة بقاء التأجيل ونحوهما ، لا مانع من جريانها .

وبما ذكرناه يظهر ما في محكيّ «جامع المقاصد» في عدم صحّة الإسقاط : من أ نّه قد ثبت التأجيل في العقد اللازم ، فلا يسقط ، ولأنّ في الأجل حقّا لصاحب الدين ، ولهذا لم يجب عليه القبول قبل الأجل ، أمّا لو تقايلا في الأجل فإنّه يصحّ(2) ، انتهى .

فإنّ فيه مواقع للنظر :

منها: قوله : قد ثبت التأجيل في العقد اللازم فلا يسقط ، فإنّه لا دخل للزوم

ص: 523


1- تقدّم في الصفحة 358.
2- جامع المقاصد 5 : 41 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 213 .

العقد في ذلك ، بل التأجيل لو لم يكن حقّا ، فلا موضوع لإسقاطه وإن كان العقد غير لازم ، ويستند العدم إلى عدم المقتضي ، لا إلى وجود المانع .

ولو كان حقّا للمشروط له ، جاز إسقاطه وإن كان العقد لازما ، وقد تقدّم أنّه على فرض ثبوت الحقّ ، فإنّما هو للمشروط له ؛ وهو المشتري فقط(1) ، مع عدم القرينة على خلاف ذلك ، كما هو المفروض .

ومنها : قوله : إنّ لصاحب الدين حقّا ، ولذا لم يجب عليه القبول ، فإنّه قد تقدّم عدم ثبوت الحقّ له ، وأمّا عدم وجوب القبول ، فلا يدلّ على ثبوت الحقّ ؛ إذ يمكن أن يكون لأجل عدم الدليل على وجوبه ، وسيأتي الكلام فيه(2) .

ومنها : قوله : لو تقايلا في الأجل فإنّه يصحّ ، إذ قد عرفت آنفا ما فيه .

وأمّا ما عن «التذكرة» : من أنّ الأجل صفة تابعة ، فلا يستقلّ بالسقوط(3) ، كما لا يستقلّ بالثبوت فالظاهر منه أنّ الأجل صفة للثمن ، فوقع البيع بعشرة مؤجّلة ، نظير الوصف للمبيع ، كما لو باع فرسا عربيا مثلاً بكذا ، فيكون تابعا ثبوتا وسقوطا ، غير قابل للانحلال إلى أمرين .

وفيه : منع كونه صفة للثمن ، بل النسيئة معاملة خاصّة ، فيها تأجيل الثمن ، فالإشكال من ناحية وحدة القرار وعدم الانحلال ، لا من ناحية التبعية .

مع أنّ عدم الاستقلال في الثبوت ، لا يلزم منه عدمه في السقوط ؛ فإنّ الخيار

ص: 524


1- تقدّم في الصفحة 522 - 523.
2- يأتي في الصفحة 527 .
3- تذكرة الفقهاء 10 : 258 ؛ اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19: 213 - 214.

غير مستقلّ في الثبوت ، مع أ نّه مستقلّ في السقوط .

نعم ، بناءً على كون الأجل صفة للثمن - بأن يكون الثمن هو الكلّي الموصوف بأجل كذا ، نظير العبد الموصوف بكونه كاتبا ؛ على نحو الكلّي في طرف المبيع - فلا يستقلّ بالسقوط كما أفاده .

وتوهّم : صحّة إسقاط الكتابة عن العبد الكاتب الكلّي هناك في غير محلّه ؛ فإنّ بيع الكلّي الموصوف ، لا ينحلّ إلى بيع شيء ، وكونه موصوفا ؛ فإنّ العبد غير الكاتب ، لم يتعلّق به قرار وعقد ، بل يكون مباينا للمبيع بما هو مبيع ، كما هو الشأن في الكلّيات الموصوفة .

وأمّا ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه : من أنّ مرجع التأجيل في العقد اللازم ، إلى إسقاط حقّ المطالبة في الأجل ، فلا يعود الحقّ بإسقاط التأجيل(1) .

ففيه منع ذلك ؛ ضرورة أنّ «النسيئة» عرفا ولغةً ، ليست عبارة عن إسقاط حقّ المطالبة ، بل معاملة بتأجيل الثمن ، وحكمها العقلائي والشرعي عدم استحقاق المطالبة قبل حلوله .

مع أنّ إضافة الحقّ إلى المطالبة ، كإضافته إلى بيع المال ، والتصرّف فيه ، ونحوه ، فيقال : «له حقّ البيع ، وحقّ التصرّف في ماله» وليس المراد به إثبات حقّ قابل للنقل أو الإسقاط ، بل يكون مثله من الأحكام المترتّبة على الأموال .

وكيف كان : فقد تحصّل ممّا مرّ ، أنّ النسيئة لا تصير نقدا بإسقاط الأجل ، وأنّ الإسقاط كعدمه بلا أثر .

ص: 525


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 214 .

مسألة : في أ نّه هل يجب على الدائن قبول الدين عند تسليمه؟

اشارة

إذا كان الثمن بل مطلق الدين حالاًّ ، أو كان مؤجّلاً وحلّ أجله ، فإن قلنا : بأ نّه لا يشترط في تعيّنه قبض الطرف وقبوله ، بل يكفي وضعه عنده وجعله تحت قدرته ، ويتعيّن بذلك ، وليس على المدين أزيد من ذلك شيء ، كما هو كذلك عند العرف ، بل يصدق عليه «أداء الدين ، وردّ مال الغير إليه» فيما يجب ردّه ، كالوديعة ، والغصب ، فلا يجب عليه القبول ، بل وجوبه لغو .

نعم ، ليس له المنع عن وضعه لديه ، وجعله تحت قدرته .

وأمّا على القول : باشتراط التعيّن بالقبول والقبض ، فيجب على الطرف القبول مع دفعه إليه ، لا لقاعدة الضرر ؛ ضرورة أ نّه عبارة عن النقص في النفس أو المال ، وأمّا النقص في العرض والوجاهة وأمثالهما ، فليس من الضرر ، فلا يقال في العرف لمن تعرّض لعرض الغير أو لهتكه : «أ نّه أضرّ به» بل لقاعدة الضرار .

ص: 526

وقد قلنا في محلّه(1) : إنّ قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «لا ضرر ولا ضرار»(2) في قضيّة سمرة بن جندب ، مشتمل على قاعدتين : قاعدة الضرر ، وهي غير منطبقة على مورد الرواية ؛ حيث إنّ سمرة ما أضرّ بالأنصاري في ماله أو نفسه ، بل كان يدخل داره بلا استئذان ، وهو من الضرار ؛ أي التحريج عليه والهتك له ؛ ممّا ليس بضرر عرفا .

فالمنطبق عليه هو قاعدة الضرار ، وقد أشرنا هناك : إلى أنّ لفظة «ضرار» كان استعمالها الشائع في الكتاب والحديث في التحريج وإيقاع الكلفة والحرج على الغير ، بل لعلّها لم تستعمل في القرآن الكريم في غيره ، وأنّ استعمالها في الضرر نادر ، فراجع رسالتنا في قاعدة الضرر(3) .

وقلنا : إنّ «لا ضرر ولا ضرار» نهي سلطاني نافذ في الاُمّة(4) ، ولا دخل له في تحديد الأحكام الإلهية ، والحكومة عليها ، كما هو المعروف(5) ، فيحرم على الاُمّة إضرار الغير وإيقاع الضرار ؛ أي الحرج عليه .

وفي المقام : يكون بقاء الدين مع إرادة المدين الخروج عن عهدته ، حرجا عليه ولو لم يمسّ وجاهته ، بل نفس هذا الأمر حينما أراد الخروج عن عهدته ،

ص: 527


1- بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر ، الإمام الخميني قدس سره : 36.
2- الكافي 5 : 292 / 2 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 146 / 651 ؛ وسائل الشيعة 25 : 428 ، كتاب إحياء الموات ، الباب 12 ، الحديث 3 و5 .
3- بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر ، الإمام الخميني قدس سره : 32.
4- بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر ، الإمام الخميني قدس سره : 50 و74 .
5- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 25 : 462 ؛ منية الطالب ، قاعدة لا ضرر 3 : 402 و405 ؛ نهاية الدراية 4 : 457 - 458 .

أمر شاقّ عليه ، يدفع بقاعدة الضرار .

وأمّا كونه مستندا إلى الدائن ، فواضح على ما قرّرناه ؛ فإنّ ما هو موجب للتحريج على المدين ، هو إمساك الدائن عن قبوله عند العرض عليه ، وهذا فعل الدائن ، والمدين أقدم على أخذ الدين إلى أجل ، ولم يقدّم على هذا الأمر المشار إليه .

فما في بعض التعليقات : من عدم الاستناد إليه ؛ لأنّ الكون في الخارج ، والكون في الذمّة ، متضادّان ، وليس عدم الضدّ مقدّمة لوجود ضدّه ، حتّى يكون وجوده في الذمّة ، بقاءً مستندا إلى شرطه ؛ وهو عدم كونه في الخارج المستند إلى ترك القبول المستند إلى الدائن(1) .

ليس بمرضيّ ؛ فإنّ التحريج إنّما هو من قبيل ترك القبول عند إرادة الأداء ، فنفس الإباء عن القبول تحريج ، بل إيذاء .

هذا بحسب العادة ، وإلاّ فلو أوجب بقاء الدين الحطّ من وجاهته والمسّ بكرامته ، كان استناد الإيذاء والتحريج إليه - بترك قبوله - أوضح .

ويمكن الاستناد إلى قاعدة تسلّط الناس على أنفسهم ؛ فإنّها قاعدة عقلائية ، لم يردع عنها الشارع ، بل قاعدة تسلّط الناس على أموالهم أيضا قاعدة عقلائية ، وإن وردت من الشارع الأعظم ، بناءً على أنّ الرواية الواردة فيها (2) - على فرض ثبوتها - تنفيذ للقاعدة العقلائية ، فمقتضى القاعدة سلطنته على تفريغ ذمّته من الدين .

ص: 528


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 344 .
2- عوالي اللآلي 1 : 222 / 99 ، و: 457 / 198 ؛ بحار الأنوار 2 : 272 / 7 .

ولا تعارضها سلطنة الدائن على نفسه في القبول وتركه ؛ لأنّ قاعدتها حيثية ، لا إطلاق فيها لإيقاع الضرر أو الحرج على الغير ، فلا يصحّ التمسّك بقاعدة السلطنة على المال والنفس ؛ لإيقاع الضرب على الغير ، وقد قلنا : إنّ نفس الإباء عن القبول ضرار ، فالقاعدة قاصرة عن شمول مثل ذلك .

هذا مضافا إلى أنّ لزوم القبول على فرض الحاجة إليه عقلائي ، فلو راجع المدين المحاكم العقلائية ، ألزموه بالقبول .

نعم ، ما يمكن التشبّث له بقاعدة السلطنة ، هو أصل جواز إلزامه على القبض ، وأمّا جواز كون الإلزام من نفس المديون ، فيستقلّ بالإلزام ، فلا ؛ لأنّ ذلك من شؤون الحكومة والولاية ، وليس على نحو الهرج .

نعم ، لو جاز له إلزامه فقبضه ، تعيّن الكلّي ولو كان عن إكراه ؛ لأنّ المعيّن هو القبض ، لا خصوص الاختياري منه ولو قلنا : بأنّ مقتضى حديث الرفع ، نفي أثر القبض ، وجعله كلا قبض ؛ فإنّ ذلك فيما إذا لم يكن الإكراه عن حقّ ، كما في المقام .

إلزام الحاكم الدائن الممتنع بقبول الدين

ثمّ بناءً على ما قلناه : من وجوب القبول ، اللازم من حرمة الترك المنهيّ عنه ؛ بدليل نفي الضرار والتحريج ، لو امتنع من القبول ، كان للحاكم بعد الرفع إليه إلزامه عليه .

وإن لم يمكن الإلزام ، فله أن يقبضه من قبله ، فيصير ملكا للممتنع ؛ فإنّه مقتضى ولاية الحاكم ، وقد أشرنا إلى أنّ امتناعه بغير حقّ .

ص: 529

فما قيل : من أنّه لا دليل على كونه بغير حقّ(1) فاسد لما تقدّم ، مع أ نّه دلّت على أمثال ذلك ، قضيّة سمرة والأنصاري ؛ حيث إنّ الأمر بالقلع مذيّلاً بأ نّه «لا ضرر ولا ضرار» من الحكم السلطاني لحسم مادة الفساد ، ورفع إيقاع الضرار والحرج عن الأنصاري ، ومثل هذا الحكم ثابت في الأشباه والنظائر ، كما نحن فيه .

بل يمكن أن يقال : إنّه لا يتعيّن على الحاكم إلزامه بالقبول ، بل له دفع الحرج عنه ؛ إمّا بإلزام الدائن ، أو بتصدّيه للقبض ، أو بأمره بالإلقاء عنده ، وكلّ ذلك يوجب التعيين ، وصيرورته ملكا للممتنع .

وتوهّم : أنّ ذلك من باب الأمر بالمعروف ، المتساوي فيه الحاكم وغيره(2) في غير محلّه ؛ فإنّ باب رفع المنازعات موكول إلى الحاكم ؛ لئلاّ يلزم الهرج ، خصوصا في مثل هذه المسألة الاجتهادية المختلفة فيها الأنظار والآراء .

كما أنّ توهّم : عدم ثبوت الولاية في مثله للفقيه(3) ناشئ من عدم التأمّل في سعة ولاية السلطان ، الثابتة بإطلاقها للفقيه في عصر الغيبة .

والعجب من بعض ؛ حيث يشعر كلامه بعدم ولاية الإمام علیه السلام على مثل ذلك(4) غفلة عن حدود ولاية رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، المنتقلة إلى الأئمّة علیهم السلام ، وعن كيفية إعمال السلطنة في قضيّة سمرة ، فالتعيّن بأحد المذكورات في المقام ؛ لأجل

ص: 530


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 346 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 346 ؛ مصباح الفقاهة 7 : 572 - 573 .
3- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 346 ؛ مصباح الفقاهة 7 : 573 - 574 .
4- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 346 .

الولاية ، لا لحكومة دليل الضرر على اشتراطه بقبض الدائن ؛ فإنّه غير مرضيّ .

ثمّ إنّه لو لم يمكن الرجوع إلى الحاكم ، ولا الاستئذان منه ، ولم نقل : بكفاية الإلقاء لديه مطلقا ، بل اعتبرنا في تعيّنه قبوله وقبضه ، أو من يقوم مقامه ، فقيام عدول المؤمنين مقام الحاكم في ذلك محلّ إشكال ؛ لعدم الدليل على ولايتهم كولاية الفقيه .

نعم ، يجوز بل يجب على كلّ مكلّف ، دفع الظلم عن المدين ؛ بإلزام الدائن على القبول ، فيتعيّن بقبوله .

حكم ما لو لم يمكن الرجوع إلى الحاكم أو عدول المؤمنين

ولو لم يمكن ذلك ، فلا طريق لبراءة ذمّة المديون ، والتشبّث بدليل نفي الضرر لرفع اعتبار القبول ، فرع صحّة المبنى ، وهو حكومته على الأدلّة الأوّلية ، كما هو المعروف بينهم ، وقد زيّفناه في مقامه(1) .

وعلى ذلك : لا يتعيّن الكلّي في الذمّة بقبض عدول المؤمنين ، ولا بعزل المدين ، بل تبقى ذمّته مشغولة .

لكنّ الذي يسهّل الخطب ، أنّ الإلقاء لديه يكفي في تعيّنه ، كما مرّ في أوّل المبحث(2) ، ولا يعتبر في أداء الدين - زائدا على تقديمه إلى الدائن ، وإقداره على الأخذ - شيء .

وأمّا ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه في المقام ، فلا يخلو من غرابة :

ص: 531


1- بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر ، الإمام الخميني قدس سره : 88.
2- تقدّم في الصفحة 527 .

قال : وإن لم يمكن إجباره ، فطريق براءة الذمّة أن يعزل حقّه ، ويجعله أمانة عنده ، فإن تلف فعلى ذي الحقّ ، ولكن لم يخرج بذلك عن ملك مالكه ، فنماء المعزول له(1) .

إذ لا دليل على لزوم براءة ذمّته بأيّ طريق كان ، فلا معنى لصيرورة العزل ، موجبا لبراءته مع فقد الدليل عليها ، ثمّ لا وجه لبقائه على ملك المدين ، وتلفه على الدائن ، والفرار منه بتقديره آنا ما ملكا له ، حتّى يقع التلف منه(2) ، بلا وجه .

والإنصاف : أنّ المسألة لا تحتاج إلى تلك التشبّثات والتطويلات ، فالبحث عن نمائه ، وعن تلفه ، وعن وجوب حفظه ، وعن جواز تصرّفه فيه . . . إلى غير ذلك ، تطويل بلا فائدة .

ثمّ على ما ذكرناه في مفاد دليل الضرر والضرار - من أ نّه نهي سلطاني ، لا أ نّه نفي وحاكم على الأدلّة الأوّلية(3)

- يظهر الحال في أشباه المقام ، كما فيما ذكره في محكيّ «جامع المقاصد» بعد الحكم بكون تلف المعزول من صاحب الدين الممتنع من أخذه : من أنّ في انسحاب هذا الحكم لمن أجبره الظالم على دفع نصيب شريكه الغائب في مال على جهة الإشاعة ؛ بحيث يتعيّن المدفوع للشريك بدليل نفي الضرر ، ولا يتلف منهما ، تردّدا ، ثمّ قال : والمتّجه عدم الانسحاب(4) .

ص: 532


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 218 .
2- نفس المصدر.
3- تقدّم في الصفحة 528.
4- جامع المقاصد 5 : 40 - 41 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 219 .

قال الشيخ الأعظم قدّس سرّه بعد كلام : إنّ التمسّك بعموم نفي الضرر في موارد الفقه ، من دون انجباره بعمل الأصحاب ، يؤسّس فقهاً جديداً (1) .

أقول : هذا متين ، لكنّه دليل على عدم كون مفاد الدليل ما ذكروه ، وعدم تمامية ما فرّعوا عليه ؛ من حكومته على الأدلّة ، وشاهد على ما ذكرناه ، كما تشهد به نفس الواقعة .

ص: 533


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 220 .

مسألة : في عدم جواز تأجيل الثمن الحالّ بأزيد منه

اشارة

لا ينبغي الإشكال في عدم جواز تأجيل الثمن الحالّ - بل مطلق الدين - بأزيد منه ؛ فإنّه رباً محرّم ، وكذا لو كان القرض إلى أجل ، فزاد فيه مقابل زيادة عينية أو حكمية ؛ لأ نّه من الربا عرفاً ، ولا يحلّل الربا بالتخلّص عنه بالحيلة ؛ بأن يصالحه في مقابل الإمهال بشيء ، أو بغير ذلك .

ومن تأمّل في الآيات(1) والروايات(2) الواردة في باب الربا - هذا السحت الذي يستجلب من المفاسد والمشاكل ما لا يحصى ، ولقد عدّه اللّه تعالى في كتابه من الظلم فقال : (فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ)(3) وما ورد في الروايات من التشديد عليه ، وأنّ الدرهم منه كذا وكذا (4) - لعلم أ نّه

ص: 534


1- البقرة (2) : 275 - 279 ؛ آل عمران (3) : 130 ؛ النساء (4) : 161 .
2- راجع وسائل الشيعة 18 : 117 ، كتاب التجارة ، أبواب الربا ، الباب 1 .
3- البقرة (2) : 279 .
4- راجع وسائل الشيعة 18 : 117 ، كتاب التجارة ، أبواب الربا ، الباب 1 ، الحديث 1 ، 6 ، 19 ، 21 و22 .

لا يحلّ ولا يجوز بالتخلّص منه بتغيير العبارة أو العنوان، مع بقاء واقع الربا بحاله.

مثلاً : لو وهبه عشرين ديناراً ؛ ليقرضه ألفاً إلى شهر ، حرم ولو لم يكن في القرض شرط الزيادة .

ففي المقام وإن لم يكن شرط الزيادة في القرض ، وإنّما زاد شيئاً لتأخير الثمن أو القرض ، لكنّه محرّم ؛ إمّا لصدق «الربا» عليه كما هو كذلك عرفاً ، أو لانسحاب مفسدة الربا فيه .

وبالجملة : لا يجوز بوجه من الوجوه التخلّص منه بالحيل التي ذكروها (1) .

وما ذكرناه إنّما هو في الربا القرضي ، وأمّا قضيّة بيع المثل بالمثل ، فهو أمر آخر غير مربوط بالربا ، وإن اُطلق عليه «السمة» والتفصيل في محلّه(2) .

وتدلّ على الحكم رواية محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر علیه السلام : في الرجل يكون عليه دين إلى أجل مسمّى ، فيأتيه غريمه فيقول : أنقدني من الذي لي كذا وكذا ، وأضع لك بقيّته ، أو يقول : أنقدني بعضاً ، وأمدّ لك في الأجل فيما بقي .

فقال : «لا أرى به بأساً ما لم يزد على رأس ماله شيئاً ، يقول اللّه عزّ وجلّ : (فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ)(3) »(4) .

وهي ظاهرة الدلالة في أنّ الزيادة على رؤوس الأموال - ولو بإعطائها

ص: 535


1- الحدائق الناضرة 19 : 269 ؛ جواهر الكلام 23 : 396 ؛ العروة الوثقى 6 : 75 - 77 .
2- تقدّم في الجزء الثاني : 577 .
3- البقرة (2) : 279 .
4- الفقيه 3 : 21 / 55 ؛ وسائل الشيعة 18 : 376 ، كتاب التجارة ، أبواب الدين والقرض ، الباب 32 ، الحديث 1 .

للتأجيل - رباً ، وأ نّها من الظلم المحرّم .

ويؤيّده ما عن ابن عبّاس : من أنّ قوله تعالى : (أَحَلَّ اللّه ُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَوا)(1) نزل في زيادة المال لزيادة الأجل في الديون الحالّة(2) .

وقد أيّده الشيخ الأعظم قدّس سرّه (3) ، بالأخبار الواردة في تعليم الحيل(4) ولنا في تلك الروايات تأمّل وكلام قد ذكرناه بتفصيله في محلّه(5) ، وإجماله :

بحث في أخبار تعليم حيل الربا

أنّ الروايات الواردة في ذلك - مع ضعف بعض منها ، وكون مرجع جملة منها محمّد بن إسحاق بن عمّار(6) ، الذي قال الصدوق بوقفه(7) ، وتوقّف العلاّمة في حديثه(8) ، ومعارضتها لبعض الروايات(9) ، واختلاف متونها في الجملة -

ص: 536


1- البقرة (2) : 275 .
2- مجمع البيان 2 : 670 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 223 .
4- راجع وسائل الشيعة 18 : 54 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 9 ، و : 162 ، أبواب الربا ، الباب 20 ، و : 178 ، أبواب الصرف ، الباب 6 .
5- تقدّم في الجزء الثاني : 582.
6- راجع وسائل الشيعة 18 : 54 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 9 ، الحديث 1 ، 4 ، و6 .
7- اُنظر رجال ابن داود : 165 / 1310 ؛ خلاصة الأقوال : 262 / 123 .
8- خلاصة الأقوال : 262/ 123 .
9- راجع وسائل الشيعة 18 : 42 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 5 ، الحديث 5 ، و : 163 ، أبواب الربا ، الباب 20 ، الحديث 4 ؛ وتقدّمتا في الجزء الثاني : 588 - 589 .

مخالفة للكتاب الذي عدّ الربا ظلماً .

ومن الواضح : أنّ الزيادة في المال للزيادة في الأجل بأيّ نحو كان ، يعدّ في العرف رباً ، ولا فرق بين إعطاء عشرة دنانير مثلاً ، في مقابل زيادة الأجل ، الذي هو الربا عرفاً وبحسب الروايات ، وبين بيع ما يساوي درهماً بعشرة دنانير ، في مقابل ازدياد الأجل .

ومخالفة أيضا للتعليلات الواردة في الأخبار ، كقوله علیه السلام : «إنّما حرّم اللّه عزّ وجلّ الربا ؛ لكيلا يمتنع الناس من اصطناع المعروف»(1) .

وقوله علیه السلام : «لو كان الربا حلالاً لترك الناس التجارات»(2) .

وقوله علیه السلام : «وعلّة تحريم الربا بالنسيئة ، لعلّة ذهاب المعروف ، وتلف الأموال ، ورغبة الناس في الربح ، وتركهم القرض ، والقرض صنائع المعروف ، ولما في ذلك من الفساد ، والظلم ، وفناء الأموال»(3) .

فهل ترى يدفع الظلم والفساد وفناء الأموال ؛ باختلاف كلمة ، مع بقاء ذلك بحاله ؟ !

وحكي أنّ من ألفاظ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم الموجزة التي لم يسبق إليها : «شرّ

ص: 537


1- الكافي 5 : 146 / 8 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 17 / 72 ؛ وسائل الشيعة 18 : 118 ، كتاب التجارة ، أبواب الربا ، الباب 1 ، الحديث 4 .
2- الفقيه 3 : 371 / 1751 ؛ علل الشرائع : 482 / 1 ؛ وسائل الشيعة 18 : 120 ، كتاب التجارة ، أبواب الربا ، الباب 1 ، الحديث 8 .
3- الفقيه 3 : 371 / 1748 ؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 94 ؛ علل الشرائع : 483 / 4 ؛ وسائل الشيعة 18 : 121 ، كتاب التجارة ، أبواب الربا ، الباب 1 ، الحديث 11 .

المكاسب كسب الربا»(1) والظاهر صدقه على هذه الحيل .

وعن «نهج البلاغة» عن أمير المؤمنين علیه السلام في كلام له : أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال له : «يا علي ، إنّ القوم سيفتنون بأموالهم» . . . إلى أن قال : «ويستحلّون حرامه بالشبهات الكاذبة ، والأهواء الساهية ، فيستحلّون الخمر بالنبيذ ، والسحت بالهديّة ، والربا بالبيع»(2) فهل يكون استحلال الربا بالبيع ، غير هذه الحيل المنسوبة إلى المعصوم علیه السلام ، اللازم تنزيهه عنها ؟ !

مضافاً إلى أنّ في نفس تلك الروايات ، ما هو شاهد على عدم صدورها منهم علیهم السلام ، فإنّ ابن إسحاق تارة : يروي عن الرضا علیه السلام أ نّه قال : «قد أمرني أبي ففعلت ذلك» ، أي الحيلة المذكورة ، واُخرى : يروي عن أبي الحسن علیه السلام عين ذلك(3) .

وروى مسعدة عن أبي عبداللّه علیه السلام : «أ نّه فعل أبي ، وأمرني أن أفعل ذلك في شيء كان عليه»(4) .

ص: 538


1- الفقيه 4 : 272 / 828 ؛ وسائل الشيعة 18 : 122 ، كتاب التجارة ، أبواب الربا ، الباب1 ، الحديث 13 .
2- نهج البلاغة : 220 ، الخطبة 156 ؛ وسائل الشيعة 18 : 163 ، كتاب التجارة ، أبواب الربا ، الباب 20 ، الحديث 4 .
3- الكافي 5 : 205 / 10 ؛ الفقيه 3 : 183 / 823 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 53 / 228 ؛ وسائل الشيعة 18 : 55 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 9 ، الحديث 6 .
4- الكافي 5 : 316 / 49 ؛ وسائل الشيعة 18 : 54 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 9 ، الحديث 3 .

ولا أستبعد أن تكون تلك الروايات من دسّ المخالفين ؛ لتشويه سمعة الأئمّة الطاهرين علیهم السلام .

كما لا أستبعد ذلك في الروايات الواردة في باب بيع العنب أو التمر ممّن يعلم أنّه يصنعه خمراً ، حيث ورد فيها عن أبي عبداللّه علیه السلام : «ألسنا نبيع تمرنا ممّن يجعله شراباً خبيثاً (1) ؟ !» .

وفي رواية : «نحن نبيع تمرنا ممّن نعلم أ نّه يصنعه خمراً»(2) .

مع ما ورد من التشديد في أمر الخمر ، واللعن على أصناف ، حتّى الغارس والحارس والحامل(3) ؛ لكونهم معينين على هذا الحرام الخبيث ، أفلا يكون البيع ممّن يعلم أ نّه يجعله خمراً ، إعانة على ذلك ؟ ! فهي ممّا لا يعقل صدوره من المعصوم علیه السلام .

وكيف كان : إنّ العمل بمثل تلك الروايات ، جرأة على المولى ؛ لمخالفة مضمونها للكتاب والسنّة .

ص: 539


1- تهذيب الأحكام 7 : 136 / 603 ؛ وسائل الشيعة 17 : 231 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 59 ، الحديث 8 .
2- الكافي 5 : 232 / 12 ؛ وسائل الشيعة 17 : 230 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 59 ، الحديث 6 .
3- راجع وسائل الشيعة 25 : 296 و375 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 9 و34 .

مسألة : في صور بيع المبتاع بالثمن المؤجّل

اشارة

إذا ابتاع عيناً شخصية بثمن مؤجّل ، جاز بيعه من بائعه وغيره ، قبل حلول الأجل وبعده ، بجنس الثمن وغيره ، مساوياً له ، أو زائداً عليه ، أو ناقصاً ، حالاًّ أو مؤجّلاً ، سواء اشترط أحد المتعاملين على صاحبه في البيع الأوّل قبوله منه بمعاملة ثانية أم لا .

هذا كلّه حسب ما تقتضيه القواعد العقلائية ، والإطلاقات ، والعمومات ، كتاباً وسنّة .

ولا إشكال فيه ، إلاّ فيما إذا اشترط أحدهما على صاحبه قبوله منه ببيع جديد ، فإنّه قد يتوهّم أنّ البطلان حينئذٍ موافق للقواعد ، وسيأتي الكلام فيه(1) ، وإنّما الإشكال في بعض صور المسألة :

ص: 540


1- يأتي في الصفحة 549.

حكم بيع المبتاع بالثمن المؤجّل بعد حلوله بنقصان

منها : ما نسب إلى الشيخ رحمه الله علیه في «نهايته» : من أ نّه إذا باعه من البائع بعد الحلول بنقصان ، لم يكن صحيحا (1) .

وعبارة الشيخ في «النهاية» مشتبهة المراد ؛ إذ من المحتمل أن يكون مراده الإقالة ، ويشهد له أنّ المتعارف بين الناس في مثل المفروض ، ردّ ما باعه ، لا بيعه .

قال : ومتى باع الشيء بأجل ، ثمّ حضر الأجل ولم يكن مع المشتري ما يعطيه إيّاه ، جاز له أن يأخذ منه ما كان باعه إيّاه ، من غير نقصان من ثمنه ، فإن أخذه بنقصان ممّا باع له ، لم يكن ذلك صحيحاً ، ولزمه ثمنه الذي كان أعطاه له ، فإن أخذ من المبتاع متاعاً آخر بقيمته في الحال ، لم يكن بذلك بأس(2) ، انتهى .

والمحتمل أن يكون مراده بقوله : «إن أخذه بنقصان» هو الإقالة بالنقصان .

وقوله : «لزمه ثمنه» يحتمل أن يكون المراد منه تحقّق الإقالة ، وفساد قرار النقصان ، فلذلك لزمه ثمنه .

وأمّا قوله : فإن أخذ من المبتاع متاعاً آخر . . . إلى قوله : لا بأس به ، فلكون ذلك بيعاً جديداً ، لا إقالة .

وحكي عنه هذا القول في «الاستبصار» وأ نّه استدلّ عليه برواية

ص: 541


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 225 - 226 .
2- النهاية : 388 .

خالد بن الحجّاج ورواية عبدالصمد(1) الآتيتين(2) .

لكنّه لم يستدلّ بهما في «الاستبصار» لهذه المسألة ، بل بعد ما روى رواية خالد ، ورواية عبيد بن زرارة الدالّة على الجواز قال :

فلا ينافي خبر عبيد الخبر الأوّل ؛ لأنّ ما تضمّن هذا الخبر من جواز ذلك ، إنّما يجوز إذا أخذ ذلك منه الطعام ، كما كان باعه إيّاه من غير زيادة ، والنهي الذي في الخبر الأوّل ، متوجّه إلى من يأخذ الطعام أكثر ممّا أعطاه ، فيؤدّي ذلك إلى الربا ، وذلك لا يجوز على حال .

ثمّ ذكر رواية عبدالصمد شاهداً لما قاله(3) ، فالاستدلال إنّما هو لمسألة اُخرى ؛ هي بيع الطعام الربوي ، وسيأتي الكلام فيه(4) .

وكيف كان : لا إشكال في جواز بيع المؤجّل مطلقاً من صاحبه ، ومن غيره ، حلّ أجله أو لا ، بزيادة أو نقيصة ، بجنسه أو بغيره ؛ للأدلّة العامّة ، والقاعدة العقلائية ، والروايات الخاصّة ، كرواية بشّار بن يسار قال :

سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل يبيع المتاع بنساء ، فيشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه .

قال : «نعم ، لا بأس به» .

فقلت له : أشتري متاعي ؟ !

ص: 542


1- الحدائق الناضرة 19 : 130 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 229 .
2- يأتي في الصفحة 546 .
3- الاستبصار 3 : 77 .
4- يأتي في الصفحة 545 .

فقال : «ليس هو متاعك ، ولا بقرك ، ولا غنمك»(1) .

فموردها الاشتراء من صاحبه ، ومقتضى ترك الاستفصال جوازه ولو مع التفاوت .

إلاّ أن يقال : إنّها بصدد بيان أصل الاشتراء من صاحبه ، لا كيفية الاشتراء ، فهي مهملة من هذه الجهة ، فلا تدلّ على جواز البيع مع التفاوت .

ورواية ابن حازم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في رجل كان له على رجل دراهم ؛ من ثمن غنم اشتراها منه ، فأتى الطالب المطلوب يتقاضاه ، فقال له المطلوب : أبيعك هذا الغنم بدراهمك التي لك عندي ، فرضي .

قال : «لا بأس بذلك»(2) .

فإنّ الظاهر منها جواز البيع من صاحبه بالنقصان ؛ لأنّ الظاهر من قوله : كان له على رجل دراهم ؛ من ثمن غنم . . . إلى آخره ، أنّ الدراهم بعض الثمن .

إلاّ أن يقال : إنّ المحتمل أن يكون المراد ، أنّ عليه دراهم من قبل ثمن الغنم ، لا أ نّها بعض الثمن ، ومع ذلك الاحتمال يسقط الاستدلال بها على صحّة البيع منه بنقصان ، وأمّا أصل الصحّة فلا كلام فيها .

مع أنّ الظاهر من الرواية : أنّ المراد من هذا الغنم ، غير الغنم الذي اشتراه ، فتأمّل .

ص: 543


1- الكافي 5 : 208 / 4 ؛ الفقيه 3 : 134 / 585 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 47 / 204 ؛ وسائل الشيعة 18 : 41 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 5 ، الحديث 3 .
2- الفقيه 3 : 165 / 727 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 43 / 181 ؛ وسائل الشيعة 18 : 40 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 5 ، الحديث 1 .

ورواية الحسين بن المنذر ، قال قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : يجيئني الرجل فيطلب العينة ، فأشتري له المتاع مرابحة ، ثمّ أبيعه إيّاه ، ثمّ أشتريه منه مكاني .

قال : «إذا كان بالخيار ؛ إن شاء باع ، وإن شاء لم يبع ، وكنت أنت بالخيار ؛ إن شئت اشتريت ، وإن شئت لم تشتر ، فلا بأس» .

فقلت : أهل المسجد يزعمون أنّ هذا فاسد ، ويقولون : إن جاء به بعد أشهر صلح .

قال : «إنّما هذا تقديم وتأخير ، فلا بأس»(1) .

فإنّ إطلاقها يقتضي الجواز مع النقص أو الزيادة .

إلاّ أن يقال : إنّها بصدد بيان حكم أصل الاشتراء في مكانه ، مقابل قول أهل المسجد ، فهي مهملة لا إطلاق فيها .

إلاّ أن يقال : إنّ الاشتراء في مكانه ملازم للاختلاف .

وفيه : أ نّه ممنوع ، وعلى فرض تسليمه ، فالاشتراء في مكانه ملازم للاختلاف بالزيادة ، لا بالنقيصة ، فلا تنافي قول الشيخ قدّس سرّه .

مع أنّ في «العينة» احتمالات ، تخرج الرواية على بعضها عمّا نحن بصدده .

والمحكيّ عن عبداللّه بن جعفر في «قرب الإسناد» بإسناده عن موسى بن جعفر علیه السلام قال : سألته عن رجل باع ثوباً بعشرة دراهم ، ثمّ اشتراه بخمسة دراهم ، أيحلّ ؟

ص: 544


1- الكافي 5 : 202 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 51 / 223 ؛ وسائل الشيعة 18 : 41 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 5 ، الحديث 4 .

قال : «إذا لم يشترط ورضيا فلا بأس» .

وعن علي بن جعفر في كتابه مثلها ، إلاّ أ نّه قال : بعشرة دراهم إلى أجل ، ثمّ اشتراه بخمسة دراهم بنقد(1) .

فإنّها تدلّ على جواز الاشتراء بالنقيصة .

إلاّ أن يقال : إنّها لا تنافي قول الشيخ رحمه الله علیه ؛ فإنّه قال : بعدم جواز الاشتراء بنقصان ؛ فيما إذا حلّ الوقت ، والرواية - على ما في «كتاب علي بن جعفر» - أجنبيّة عن قوله ، وعلى ما في «قرب الإسناد» ظاهرة في النقد ، مع أنّ الظاهر صحّة ما في الكتاب .

مضافاً إلى أنّ الاختلاف المذكور ، يسقط الاستدلال بهما على ردّ الشيخ رحمه الله علیه .

وأمّا رواية يعقوب بن شعيب وعبيد بن زرارة ، فيأتي الكلام فيها (2) ، فالعمدة في الباب هي الأدلّة العامّة كتاباً وسنّةً .

الروايات الدالّة على عدم جواز بيع المبتاع بالثمن المؤجّل

وليس مقابل الأدلّة العامّة المجوّزة إلاّ رواية خالد بن الحجّاج ، وعبدالصمد ابن بشير ، ولم يتمسّك بهما الشيخ رحمه الله علیه للصورة المبحوث عنها ، بل تمسّك بهما في «الاستبصار» لصورة اُخرى ؛ هي بيع الطعام بتأخير ، واشتراء الطعام عند حلول الأجل ، وقد حمل الطعام على الجنس الربوي ، حيث ادّعى لزوم الربا ،

ص: 545


1- مسائل علي بن جعفر : 127 / 100 ؛ قرب الإسناد : 267 / 1062 ؛ وسائل الشيعة 18 : 43 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 5 ، الحديث 6 .
2- يأتي في الصفحة 546 - 547.

كما مرّ نقله منه(1) ، ولم يذكر لما أفاده في «النهاية»(2) رواية ؛ لا في «تهذيبه» ولا في «استبصاره» .

وأمّا بيع الطعام ؛ أي الجنس الربوي بدراهم ، ثمّ أخذ طعام أكثر ممّا أعطاه ، فقد استدلّ الشيخ رحمه الله علیه في «الاستبصار» لبطلانه برواية خالد بن الحجّاج قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام ، عن رجل بعته طعاماً بتأخير إلى أجل مسمّى ، فلمّا جاء الأجل أخذته بدراهمي ، فقال : ليس عندي دراهم ، ولكن عندي طعام فاشتره منّي .

فقال علیه السلام : «لا تشتره منه ؛ فإنّه لا خير فيه»(3) .

وبرواية عبدالصمد بن بشير قال : سأله محمّد بن القاسم الحنّاط فقال : أصلحك اللّه ، أبيع الطعام من الرجل إلى أجل ، فأجييء وقد تغيّر الطعام من سعره ، فيقول : ليس عندي دراهم .

قال : «خذ منه بسعر يومه» .

قال : إفهم أصلحك اللّه ، إنّه طعامي الذي اشتراه منّي .

قال : «لا تأخذ منه حتّى يبيعه ويعطيك» .

قال : أرغم اللّه أنفي ، رخّص لي فرددت عليه ، فشدّد عليّ(4) .

وقد جمع بينهما وبين رواية يعقوب وعبيد قالا : سألنا أبا عبداللّه علیه السلام عن

ص: 546


1- تقدّم في الصفحة 542.
2- تقدّم في الصفحة 541 .
3- الاستبصار 3 : 76 / 255 .
4- الاستبصار 3 : 77 / 257 .

رجل ، باع طعاماً بدراهم إلى أجل ، فلمّا بلغ الأجل تقاضاه فقال : ليس عندي دراهم ، خذ منّي طعاماً .

قال : «لا بأس به ، إنّما له دراهمه ، يأخذ بها ما شاء»(1) .

فقال : لا ينافي الخبر الأوّل ؛ أي خبر خالد ، ثمّ أتى بالعبارة المتقدّم نقلها (2) ، فحمل رواية الجواز على المساواة ، ورواية المنع على أخذ الطعام أكثر ممّا أعطاه ، قال : يؤدّي ذلك إلى الربا (3) .

وأنت خبير بما في جمعه من التكلّف ، وعدم عقلائيته .

والأولى أن يقال : إنّ رواية خالد ظاهرة في الجواز مع الكراهة ، ورواية يعقوب دالّة على جواز اشتراء طعام بدراهمه التي عليه ؛ لقوله : «إنّما له دراهمه ، يأخذ بها ما شاء» والحمل على الوفاء بغير الجنس(4) خلاف ظاهرها ، لو لم نقل : إنّه خلاف صريحها .

فهي دالّة على جواز الاشتراء ، وأعمّ من طعامه وطعام آخر ، ورواية عبد الصمد أعمّ من الأخذ بالإقالة والاشتراء ، فيتعارضان ، والترجيح للجواز بوجوه .

ثمّ إنّ «الطعام» لا يختصّ بالجنس الربوي ؛ فإنّه كلّ ما يؤكل بحسب اللغة(5)

ص: 547


1- الاستبصار 3 : 77 / 256 .
2- تقدّم في الصفحة 542.
3- الاستبصار 3 : 76 - 77 .
4- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 357 .
5- لسان العرب 8 : 164 ؛ مجمع البحرين 6 : 105 ؛ المنجد : 466 .

والعرف ، وإن استعمل في البرّ أيضاً (1) ، فحينئذٍ تكون رواية المنع مخالفة لفتوى الشيخ رحمه الله علیه أيضاً .

والحمل على خصوص البرّ(2) بلا وجه ، مع أ نّه على فرضه ، يكون أخصّ من مدّعاه ، إن كان مدّعاه مطلق الجنس الربوي .

وأمّا رواية علي بن جعفر قال : سألته عن رجل ، له على آخر تمر أو شعير أو حنطة ، أيأخذ بقيمته دراهم ؟

قال : «إذا قوّمه دراهم فسد ؛ لأنّ الأصل الذي يشتري به دراهم ، فلا يصلح دراهم بدراهم»(3) .

ففيها : - مضافاً إلى كونها خلاف القواعد ، ومعارضتها بغيرها - أنّ ظاهر قوله علیه السلام : «لأنّ الأصل الذي يشتري به دراهم ، فلا يصلح دراهم بدراهم» ممّا لم يعمل به أحد ، مع أ نّها ليست فيها دلالة على منع خصوص صورة التفاضل .

على أنّ ظاهرها لا يخلو من اضطراب ؛ فإنّ ظاهر السؤال أنّ التمر أو الشعير أو نحوهما ، على عهدة الرجل ، وهذا أعمّ من أن كان اشتراها بالدرهم ، فالجواب أخصّ من السؤال .

إلاّ أن يحمل على أنّ ما يشترى بالدراهم ، لا يجوز فيه ذلك ، وإن لم

ص: 548


1- راجع ما يأتي في الصفحة 608 .
2- اُنظر الصحاح 5 : 1974 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 171 ؛ مستند الشيعة 1 : 202 .
3- مسائل علي بن جعفر : 123 / 82 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 30 / 129 ؛ وسائل الشيعة 18 : 308 ، كتاب التجارة ، أبواب السلف ، الباب 11 ، الحديث 12 .

يشتر بها فعلاً ، كما لا يبعد أن يكون الظاهر من قوله علیه السلام : «لأنّ الأصل الذي يشتري به دراهم» هو ذلك ، وعليه فيكون الخبر مهجوراً بلا شبهة ، فلا بدّ من ردّ علمه إلى أهله .

حكم ما لو باع شيئاً بشرط أن يبيعه منه

بقيت صورة اُخرى ؛ وهي ما إذا باع شيئاً بشرط أن يبيعه منه ، وقد نسب إلى المشهور بطلانها (1) ، والشهرة غير ثابتة ، وعلى فرض الثبوت ، لا تكون حجّة في المسألة التي ورد فيها النصّ ، وتمسّك فيها الأصحاب به تارة(2) ، وبلزوم الدور اُخرى(3) ، وبعدم القصد ثالثة(4) ، وبإمكان دعوى عدم عقلائية تلك المعاملة رابعة .

ونقول : أمّا الدور بأن يقال : ملكية كلّ من المشتري والبائع ، تتوقّف على ملكية الآخر ، فهو واضح الدفع ؛ فإنّ الشرط ليس بمعنى التعليق ، كما هو واضح .

وقد يقال : إنّ الشرط إذا كان بنحو شرط النتيجة ، كان محالاً ؛ لأنّ مقتضى العقد المشروط بشرط النتيجة ، حصول مضمونهما معاً عند تمامية الإيجاب

ص: 549


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 232 .
2- الحدائق الناضرة 19 : 127 - 128 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 235 .
3- تذكرة الفقهاء 10 : 251 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 232 .
4- غاية المراد 2 : 78 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 234 .

والقبول ، ويستحيل دخول المبيع في ملك المشتري وخروجه عنه إلى البائع ؛ في آنٍ واحد ، وكذا دخوله في ملكهما معاً في آنٍ واحد ؛ فإنّ لازم الأوّل اجتماع النقيضين ، ولازم الثاني اجتماع الضدّين(1) .

وفيه : - مع الغضّ عمّا في عدّه الأوّل من اجتماع النقيضين ، مع أ نّه أيضاً من قبيل الضدّين ؛ إذ نقيض الدخول عدمه ، لا الخروج - أنّ شرط النتيجة في المقام هو شرط الانتقال ، ولا يعقل ذلك الشرط إلاّ إذا كان المراد الانتقال منه بعد الانتقال إليه .

فقوله : «بعتك بشرط أن ينتقل المبيع إليّ» يرجع إلى أ نّه بعد الانتقال إليك ينتقل إليّ ، فالانتقال الأوّل موضوع الانتقال الثاني ، فلا يلزم المحال .

نعم ، مثل هذا القرار والشرط ، خارج عن الشروط العقلائية ، إلاّ أن يفرض في مورد جهة عقلائية .

وأمّا دعوى عدم القصد فغير مسموعة ؛ إذ المراد بهذا الشرط ليس شرط بيعه فوراً ، فلا مانع من تعلّق القصد به وهو واضح .

ومنه يظهر النظر في دعوى عدم عقلائيته ، مع أ نّه قد يكون في شرط البيع فوراً ، أغراض عقلائية .

فالعمدة في المقام بعض النصوص ، كرواية الحسين بن المنذر المتقدّمة(2) .

وهي - مع ضعفها (3) ، وعدم ثبوت الجابر ؛ لعدم ثبوت الشهرة أوّلاً ، وعدم

ص: 550


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 360 .
2- تقدّمت في الصفحة 544.
3- رواها الكليني ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن سوقة ، عن الحسين بن المنذر . والرواية ضعيفة لأجل جهالة الحسين بن المنذر ، فإ نّه لم يرد بشأنه شيء من الجرح أو التعديل . اُنظر رجال الطوسي : 131 / 24 ، و : 182 / 58 ؛ تنقيح المقال 1 : 346 / السطر 5 .

ثبوت استناد المشهور إليها ثانياً ، واحتمال كون قوله علیه السلام : «إذا كان بالخيار . . .» إلى آخره ، هو الرضا بالبيع ، كما صرّح بذلك في رواية «قرب الإسناد»(1) في نفس تلك المسألة ، واحتمال أن يكون البيع والشراء في مكان واحد بالاشتراط ؛ للتخلّص عن الربا ، كما لعلّه المتعارف عند آكلي الربا المريدين للتمشّي في عملهم مع الشريعة بتخيّلهم ، وقد وقع في رواية الشيباني ما يظهر منه أنّ نحو ذلك من الربا (2) ، فراجع - تكون أخصّ من المدّعى .

والتفصيل بين البيع في مكانه وغيره ، ممّا لا قائل به ظاهراً ، فالرواية مهجورة بظاهرها ، وكيف كان ، لا يمكن رفع اليد عن القواعد بمثلها .

ومن هنا يظهر الحال في رواية «قرب الإسناد» بل احتمال التخلّص من الربا فيها أقرب .

ص: 551


1- تقدّمت في الصفحة 544 - 545.
2- وهي ما عن يونس الشيباني ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : الرجل يبيع البيع والبائع يعلم أ نّه لا يسوى والمشتري يعلم أ نّه لا يسوى إلاّ أ نّه يعلم أ نّه سيرجع فيه فيشتريه منه . قال : فقال : «يا يونس إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم قال لجابر بن عبداللّه : كيف أنت إذا ظهر الجور وأورثهم الذلّ ، قال : فقال له جابر : لا بقيت إلى ذلك الزمان ، ومتى يكون ذلك بأبي أنت واُمّي ؟ قال : إذا ظهر الربا يا يونس ، وهذا الربا فإن لم تشتره ردّه عليك ؟ قال : قلت : نعم ، وقال : فلا تقربنّه فلا تقربنّه» . تهذيب الأحكام 7 : 19 / 82 ؛ وسائل الشيعة 18 : 42 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 5 ، الحديث 5 .

مضافاً إلى أنّ الظاهر منهما مع الغضّ عمّا ذكرنا ، هو بطلان البيع الثاني ، بل يمكن دعوى ظهورهما في صحّة الأوّل ، وكان المدّعى بطلانه ، فهما على خلاف المدّعى أدلّ .

بل يمكن أن يقال فيما لو اشترط عليه البيع فوراً وفي مكانه ، كما هو الظاهر من الرواية الثانية ، وصريح الاُولى : إنّ القصد لم يتعلّق بالبيع ، بل تعلّق بالربا ، فتأمّل .

فالأشبه صحّة البيع مطلقاً ، وطريق الاحتياط واضح ، واللّه العالم .

ص: 552

القول في القبض

اشارة

ص: 553

ص: 554

المراد من القبض لغةً واصطلاحاً

المعنى اللغوي للقبض

وهو الأخذ بالكفّ أو باليد على ما في اللغة(1) ، والذي يظهر من التأمّل في موارد استعماله الحقيقي والمناسبات اللغوية ، أنّ القبض بالمعنى المصدري هو الأخذ بالقبضة ، والإقباض هو جعل الشيء في قبضته .

والقبضة إمّا نفس الكفّ في حال انقباضها ، أو المأخوذ بها في حاله ، كما هو الظاهر من قوله تعالى : (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَ ثَرِ الرَّسُولِ)(2) .

وكذا من قوله علیه السلام : «ما زاد على القبضة ففي النار»(3) أي اللحية .

وقوله علیه السلام : «هذا من الصدقة ، تعطي المسكين القبضة بعد القبضة»(4) .

ص: 555


1- لسان العرب 11 : 14 ؛ القاموس المحيط 2 : 354 ؛ أقرب الموارد 2 : 959 .
2- طه (20) : 96 .
3- الكافي 6 : 487 / 10 ؛ وسائل الشيعة 2 : 112 ، كتاب الطهارة ، أبواب آداب الحمّام ، الباب 65 ، الحديث 1 .
4- الكافي 3 : 565 / 2 ؛ تهذيب الأحكام 4 : 106 / 303 ؛ وسائل الشيعة 9 : 195 ، كتاب الزكاة ، أبواب زكاة الغلاّت ، الباب 13 ، الحديث 1 .

والمقبض من السيف وقبضته محلّ يقبض ؛ أي ما وقع في قبضتك . . . إلى غير ذلك من الاستعمالات .

وعلى ذلك : يكون معناه الحقيقي أخذ الشيء بقبضتك ؛ أي كفّك مقبوضة ، مقابل كونها مبسوطة .

ولا يخفى : أنّ القبض والإقباض ليسا كالوجود والإيجاد ؛ لأنّ الإقباض جعل الشيء في قبضة غيره ، والقبض أخذه بقبضته ، وهما غير متلازمين ، فضلاً عن أن يكونا واحداً حقيقة ، ومختلفين اعتبارا .

فقد يقبض الشيء من دون إقباض من أحد ، كما أ نّه قد يتحقّق الإقباض من دون تحقّق القبض ، كما لو جعل شيئاً في حال نوم الشخص في قبضته ؛ إذ لا يتحقّق منه الأخذ بقبضته ، بل يقع فيها .

معنى القبض في المعاملات

ثمّ لا يخفى : أنّ القبض في الموارد التي يكون له فيها حكم في المعاملات ونحوها ، لم يستعمل بمعناه الحقيقي ؛ لقيام القرينة العامّة العقلائية فيها على التوسّع ، بل وقيام القرينة اللفظية عليه في كلّ مورد ورد فيه القبض بعنوانه موضوعاً للحكم ، حتّى في بيع الصرف الذي فيه الدنانير والدراهم ؛ ضرورة عدم اعتبار القبض بالمعنى الحقيقي اللغوي فيه ، بل لا يعتبر الأخذ باليد أيضاً .

فقوله علیه السلام في بعض روايات بيع الصرف : «يدفع إليه الورق ، ويقبض منه

ص: 556

الدنانير»(1) ليس المراد منهما إلاّ الأخذ والإعطاء عرفاً ، فلو وضعه عنده ، وعمل صاحبه كذلك ، صحّ الدفع والقبض .

وما في بعضها : «لا يبتاع رجل فضّة بذهب إلاّ يداً بيد»(2) ليس المراد منه إلاّ التكنية عن النقد .

وقوله علیه السلام : «فلا تفارقه حتّى تأخذ منه»(3) ليس المراد إلاّ الأخذ العقلائي العرفي .

فيعلم : أنّ القبض هو الأخذ ، فلو كان الذهب في كيس أو صندوق ، ووضعه عنده ، وجعله تحت يده ، صدق الأخذ وسائر العناوين .

وأولى بذلك القبض الواقع بعنوانه في سائر الأبواب ، كباب الرهن ، والهبة ، والوقف، والبيع في التلف قبل القبض، ونحو ذلك؛ فإنّ المبيع والمرهون والموهوب والموقوف غالباً أو في كثير من الموارد ، ليس ممّا يؤخذ بالقبضة واليد ، ففي تلك الموارد قامت القرينة القطعية على عدم اعتبار القبض بمعناه الحقيقي .

فالحديث النبوي : «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه»(4) وفي حديث آخر :

ص: 557


1- الكافي 5 : 252 / 32 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 99 / 429 ؛ وسائل الشيعة 18 : 167 ، كتاب التجارة ، أبواب الصرف ، الباب 2 ، الحديث 1 .
2- الكافي 5 : 251 / 31 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 99 / 426 ؛ وسائل الشيعة 18 : 168 ، كتاب التجارة ، أبواب الصرف ، الباب 2 ، الحديث 3 .
3- تهذيب الأحكام 7 : 99 / 427 ؛ وسائل الشيعة 18 : 169 ، كتاب التجارة ، أبواب الصرف ، الباب 2 ، الحديث 8 .
4- عوالي اللآلي 1 : 224 / 106 ، و2 : 345 / 10 ، و3 : 251 / 3 ؛ مستدرك الوسائل 14 : 8 ، كتاب الوديعة ، الباب1 ، الحديث 12 ؛ المسند ، أحمد بن حنبل 15 : 121 / 19969 ؛ السنن الكبرى ، البيهقي 6 : 90 و95 ؛ المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري 2 : 47 .

«على اليد ما قبضت . . .»(1) وفي ثالث : «على اليد ما جنت . . .»(2) ليس دالاًّ على اعتبار القبض باليد والأخذ والاجتناء بها ، بل القرينة قائمة على التوسعة .

وعلى هذا : لا يكون القبض المعتبر في المعاملات ونحوها ، مختلفاً بحسب الموارد ، ولا يكون المراد بالإقباض إلاّ الردّ والتأدية عرفاً .

ففي الرهن الذي ورد فيه : «لا رهن إلاّ مقبوضاً»(3) وقوله تعالى : )فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ((4) إذا جعل المرهون تحت اختيار المرتهن وقدرته ، تحقّق القبض المعتبر .

كما يتحقّق به القبض الموجب للخروج عن الضمان ، المستفاد من النبوي : «كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه»(5) ، وكذا في غيره من الموارد ، ولا يعتبر أزيد ممّا ذكر .

وعليه فلا إشكال في عدم اعتبار القبض بمعناه الحقيقي ، حتّى فيما اعتبر فيه

ص: 558


1- غنية النزوع 1 : 280 .
2- متن الحديث مطابق للطبعة الحجرية من الانتصار ، ضمن الجوامع الفقهية : 192 / السطر 15 .
3- تهذيب الأحكام 7 : 176 / 779 ؛ وسائل الشيعة 18 : 383 ، كتاب الرهن ، الباب 3 ، الحديث 1 .
4- البقرة (2) : 283 .
5- عوالي اللآلي 3 : 212 / 59 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 303 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 9 ، الحديث 1 .

القبض بعنوانه ، كما لا ينبغي الإشكال في صدقه عرفاً بالمعنى المجازي الموسّع ، مع تحقّق التأدية ، والأخذ ، والإعطاء ، والردّ وأمثالها .

وإن شئت قلت : مع تعذّر المعنى الحقيقي في جميع الأبواب ، لا وجه للأخذ به في بعض المصاديق ، كالدنانير ، والأحجار الكريمة ، ونحوهما ؛ لأنّ استعماله في جميع الأبواب على نسق واحد ، ويكون استعماله فيما يمكن فيه إرادة الحقيقة ، نحو استعماله فيما يتعذّر فيه المعنى الحقيقي .

بل ما يمكن فيه تحقّق المعنى الحقيقي ، لم يتفوّه باعتباره أحد من الفقهاء ؛ بأن يقول : لا بدّ من جعله في كفّه ، وجعله مقبوضاً ، فاعتبار الأخذ باليد أو الجارحة ، واضح الإشكال والفساد .

وعلى ذلك : فلا بدّ من الحمل على ما يناسب المعنى العرفي والاعتبار العقلائي ، وليس في اعتبارهم في القبض والتسليم والتحويل وما شابه ذلك ، إلاّ معنى واحد .

والأنسب بالمعنى الحقيقي بحسب العرف وموارد الاستعمال ، هو الاستيلاء والاستبداد به ، من غير حاجة إلى ضمّ التصرّف الخارجي ؛ لأنّ الاستعمال الشائع في القبضة والقبض والمقبوض ونحوها ، هو الأخذ بما يعمّ الاستيلاء والأخذ باليد ، كقوله تعالى : )وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ((1) وكقولهم : «الملك في قبضة فلان» .

فكما أنّ عنوان القبض والتسلّم والتحويل ، صادق في غير المنقول بنفس الاستيلاء الحاصل بالتخلية ، وجعله تحت يده يفعل به ما يشاء ، كذلك صادق

ص: 559


1- الزمر (39) : 67 .

في المنقول كائناً ما كان ، وفي أيّ مورد اُخذ عنوانه موضوعاً للحكم .

كفاية مجرّد الاستيلاء في الخروج عن ضمان المبيع

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ القبض الموجب لرفع الضمان ، يحصل بمجرّد ما ذكر ، ولو لم يكن القابض راضياً ، بل مع إظهار الكراهة ، وفي غيره يحصل مع الإذن بلا إشكال ، ومع الرضا أيضاً .

وقد يقال : بعدم كفاية الاستيلاء في الخروج عن ضمان المبيع المنوط بقبضه ؛ تمسّكاً برواية عقبة بن خالد ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في رجل اشترى متاعاً من رجل وأوجبه ، غير أ نّه ترك المتاع عنده ، ولم يقبضه ، قال : آتيك غداً إن شاء اللّه ، فسرق المتاع ، من مال من يكون ؟

قال : «من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته ، حتّى يُقبض المتاع ، ويخرجه من بيته ، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقّه ، حتّى يردّ ماله إليه»(1) .

بدعوى : أنّ صدرها ظاهر بل صريح في عدم الكفاية ؛ فإنّ ترك المتاع عنده باختياره ، يتضمّن السلطنة والاستيلاء على الترك والأخذ ، ومع ذلك نفي عنه القبض ، فيعلم أنّ الاستيلاء غير القبض(2) .

ص: 560


1- ا لكافي 5 : 171 / 12 ؛ تهذيب ا لأحكام 7 : 21 / 89 ، و : 230 / 1003 ؛ وسائل الشيعة 18 : 23 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 10 ، الحديث 1 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 367 .

وأنت خبير بما فيه ؛ ضرورة أنّ القدرة على سلب استيلاء الغير ، غير الاستيلاء على المتاع ، ومفاد الرواية أنّ المشتري بعد الاشتراء ، ترك المتاع على حاله تحت استيلاء البائع ، وإن كان قادراً على سلبه ، ومثل ذلك لا يكون قبضاً ، ولم يقل أحد ممّن يقول بكفاية استيلاء المشتري : بكفاية القدرة على الاستيلاء .

كما أنّ ذيلها ظاهر في كفاية الاستيلاء ، وجعل البائع المتاع تحت استيلائه ؛ فإنّ الظاهر من سياق الكلام ، أنّ قوله علیه السلام : «حتّى يقبض المتاع ، ويخرجه من بيته» من الإقباض والإخراج ؛ أي فعل البائع ، والظاهر من الإخراج من بيته هو الإخراج عن تحت استيلائه ، وجعله تحت استيلاء المشتري ، فكأنّ ذلك تفسير للقبض .

ولهذا قال بعده : «فإن أخرجه من بيته» من غير ذكر القبض ، ومن المعلوم أنّ الإخراج عن البيت ، لا موضوعية له ، بل المراد الإخراج من تحت استيلائه وسلطنته ، وإدخاله في استيلاء صاحبه .

فالرواية مؤكّدة لكفاية الاستيلاء والاستبداد ، ومفسّرة للقبض ، وشارحة للمراد في النبوي : «كلّ مبيع تلف قبل قبضه»(1) .

ويؤيّد ما قلناه النبوي المعروف : «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه»(2) فإنّ الخروج عن الضمان علّق فيه على التأدية ، ومن البعيد أن يكون الخروج عنه في البابين مختلفاً ، فكما أنّ التأدية الموجبة للخروج عنه ، صادقة مع

ص: 561


1- تقدّم في الصفحة 558، الهامش 5.
2- تقدّم في الصفحة 557.

جعله تحت استيلائه ، والتخلية بينه وبين المأخوذ ؛ بحيث له أن يفعل فيه ما يشاء ، كذلك القبض ؛ فإنّه أيضاً كذلك .

فتحصّل : أنّ اعتبار التصرّف الخارجي والنقل ونحوهما ، غير مرضيّ ، ولم يدلّ عليه دليل ، بل العرف على خلافه ، والشواهد في شتات الروايات على عدمه - كالتعبير فيها ب «القبض»(1) تارة ، وب «الأخذ»(2) اُخرى ، وب «التأدية»(3) ثالثة ، وب «الردّ»(4) رابعة ، وب «التسليم»(5) و «التحويل»(6) ونحوهما (7) خامسة - ممّا يشرف المتأمّل على القطع بأنّ المراد منها معنىً واحد ، وهو ما فهمه العرف منها ؛ من كفاية الاستيلاء والاستبداد .

ومع ذلك : لا بدّ في كلّ باب من المراجعة والتأمّل في لسان الأدلّة ، وما ذكرناه هو القاعدة الكلّية ، إلاّ أن يدلّ دليل على خلافه .

ص: 562


1- تقدّم في الصفحة 560 ، الهامش 1 .
2- نحو ما تقدّم في الصفحة 557 ، الهامش 3 .
3- نحو ما تقدّم في الصفحة 561 .
4- نحو ما تقدّم في الصفحة 82 ، الهامش 1 .
5- كما عن صاحب الزمان عليه السلام : « . . . وكلّ ما سلّم فلا خيار لصاحبه احتاج أو لم يحتج...». وسائل الشيعة 19 : 182 ، كتاب الوقوف والصدقات ، الباب 4 ، الحديث 8 .
6- نحو ما تقدّم في الجزء الثالث : 70 - 71 ، عن أبي عبداللّه عليه السلام : « . . . ويحوّل حقّ المسلمين عليه . . .» . راجع وسائل الشيعة 15 : 155 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد العدوّ ، الباب 71 ، الحديث 1 .
7- ك «الإعطاء» ، راجع وسائل الشيعة 18 : 290 ، كتاب التجارة ، أبواب السلف ، الباب 3 ، الحديث 7 .

في كفاية الكيل والوزن في تحقّق القبض

وقد يتوهّم : قيام الدليل على الخلاف في المكيل والموزون ، وأنّ القبض فيهما بالكيل والوزن مستشهداً بروايات(1) ليس في شيء منها ، ما يدلّ على أنّ الكيل أو الوزن بمجرّده قبض ، وإن لم يجعلهما تحت استيلاء المشتري .

وبعبارة اُخرى : ليس فيها ما يدلّ على قيام كيل البائع - بلا مساس بالمشتري - مقام قبضه ، بل مثل ذلك قطعي الفساد ، ولم يدلّ عليه دليل .

وما تمسّكوا به لذلك روايات :

منها : صحيحة معاوية بن وهب قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل ، يبيع البيع قبل أن يقبضه .

فقال : «ما لم يكن كيل أو وزن ، فلا تبعه حتّى تكيله أو تزنه ، إلاّ أن تولّيه الذي قام عليه»(2) .

ومنها : صحيحة الحلبي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : أ نّه قال في الرجل يبتاع الطعام ، ثمّ يبيعه قبل أن يكال ، قال : «لا يصلح له ذلك»(3) .

ومنها : صحيحة منصور بن حازم : «إذا اشتريت متاعاً فيه كيل أو وزن ،

ص: 563


1- مسالك الأفهام 3 : 237 - 239 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 243 .
2- تهذيب الأحكام 7 : 35 / 146 ؛ وسائل الشيعة 18 : 68 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 16 ، الحديث 11 .
3- الكافي 5 : 178 / 2 ؛ وسائل الشيعة 18 : 66 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 16 ، الحديث 5 .

فلا تبعه حتّى تقبضه إلاّ أن تولّيه ، فإذا لم يكن فيه كيل أو وزن فبعه»(1) .

ومنها : رواية أبي بصير قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل اشترى طعاماً ، ثمّ باعه قبل أن يكيله .

قال : «لا يعجبني أن يبيع كيلاً أو وزناً قبل أن يكيله أو يزنه»(2) . . . إلى غير ذلك(3) .

وأنت خبير : بأنّ شيئاً منها لا يدلّ على أنّ القبض هو الكيل والوزن ، فإن كان المدّعى أ نّهما قبض ولو لم يجعل تحت اختيار المشتري واستيلائه ، فلا دلالة فيها عليه .

وإن كان المدّعى كفاية الكيل بحضرة المشتري ، فلا إشكال فيه ، لا لأنّ الكيل قبض ، بل لأنّ القبض - وهو جعله تحت استيلائه - حاصل بالكيل على النحو المتعارف ؛ من كيل البائع وجعل المكيل عند المشتري ، فمفاد تلك الأخبار ، يؤيّد القاعدة الكلّية التي أشرنا إليها .

وأمّا مسألة كراهة بيع المكيل والموزون قبل الكيل والوزن ، أو حرمته ، أو شرطيتهما لصحّته ، فهي أمر آخر غير مربوط بالمقام .

ودعوى : أنّ مقتضى الجمع بين ما اشتمل على النهي عن بيعهما قبل القبض

ص: 564


1- الفقيه 3 : 129 / 560 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 35 / 147 ؛ وسائل الشيعة 18 : 68 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 16 ، الحديث 1 و12 .
2- تهذيب الأحكام 7 : 37 / 154 ؛ وسائل الشيعة 18 : 69 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 16 ، الحديث 16 .
3- وسائل ا لشيعة 18 : 68 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام ا لعقود ، الباب 16 ، الحديث 13 و14 .

- كصحيحة منصور وغيرها - وبين ما اشتمل على النهي عن بيعهما قبل الكيل والوزن - كصحيحة معاوية - هو أنّ الكيل والوزن هو القبض(1) في غير محلّها ، إن كان المراد حصوله بمجرّد الكيل بلا مساس بالمشتري .

وإن كان المراد حصوله بهما ، إذا كان بمحضر منه ورضاً وقبول منه ، فلا إشكال في حصوله ، لكن يكون الكيل مقدّمة لما هو القبض حقيقة ؛ وهو استيلاء المشتري .

وعلى فرض تسليم أنّ مفاد تلك الروايات بعد الجمع بينها ، وبعد استثناء التولّي ، هو أنّ الكيل قبض ، بل لو فرض ورود دليل على أنّ الكيل قبض ، أو أ نّه يكفي في القبض الكيل ، فهو من أقوى الشواهد على ما ذكرناه ؛ من أنّ القبض هو الاستيلاء على الشيء ، والإقباض هو جعل الشيء تحت استيلائه ؛ ضرورة أنّ المراد بأنّ الكيل قبض ، ليس كيل البائع في نفسه ؛ بلا دخل للمشتري ، ولا حضور له .

بل المراد ما هو الشائع المتداول بين المتعاملين ؛ من كيل الطعام عند البيع ، أو بعده ، أو قبله ، وجعله في متناول يد المشتري وتحت استيلائه ، وبه يحصل القبض المعتبر حسب ما قدّمناه(2) .

نعم ، هذا استثناء عمّا قيل في باب القبض : من أ نّه لا يكتفى بالاستيلاء ، بل لا بدّ من التصرّف بوجه(3) .

ص: 565


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 : 368 .
2- تقدّم في الصفحة 556 .
3- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 : 367 .

ثمّ إنّا قد تعرّضنا لجانب من مفاد الروايات الواردة في المكيل والموزون في محلّه(1) ، فراجع حتّى يتّضح الحال فيما نقله الشيخ الأعظم قدّس سرّه عن «المسالك» في الفرع الثاني(2) .

كما اتّضح ممّا ذكرناه ، الحال في السفينة المبتاعة المشحونة بأمتعة البائع أو غيره(3) ، وأنّ القبض الذي هو الاستيلاء ، لا يتوقّف على شيء غيره ، وهو يحصل بالاستيلاء على السفينة ، سواء كانت مشحونة بمال البائع أم لا .

ص: 566


1- تقدّم في الجزء الثالث : 363 ، 384 ، 385 و396 .
2- مسالك الأفهام 3 : 241 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 253 - 254 .
3- تذكرة الفقهاء 10 : 103 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 253 .

القول في وجوب التسليم

اشارة

ص: 567

ص: 568

مسألة : في وجوب تسليم المثمن والثمن وآثاره

اشارة

يجب على كلّ من المتبايعين تسليم ما وقع عليه العقد ؛ وذلك لا لأجل مجرّد وجوب ردّ مال الغير إليه ، حتّى يترتّب عليه وجوب التسليم على كلّ منهما وإن امتنع الآخر عن التسليم ؛ فإنّ إمساك مال الغير ظلم ، وظلم أحدهما لا يستلزم جواز الظلم على الآخر ، كما هو المحكيّ عن الأردبيلي(1) ، واستجوده صاحب «الحدائق»(2) .

ولا لأجل بناء عقود المعاوضات على تسليم كلّ منهما ما عنده في قبال تسليم الآخر ؛ بدعوى أ نّه من الشروط الضمنية التي التزمها المتعاملان ، كما عليه جمع من المحقّقين(3) ؛ ضرورة عدم اشتمال البيع إلاّ على التمليك بالعوض تمليكاً إنشائياً فقط ، بلا التزام بأمر آخر .

ص: 569


1- مجمع الفائدة والبرهان 8 : 504 ؛ جواهر الكلام 23 : 146 .
2- الحدائق الناضرة 19 : 152 .
3- ا لمكاسب ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 19 : 263 ؛ منية ا لطالب 3 : 347 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 372 .

فما قيل : من أنّ مساواة العوضين في القيمة(1) ، وعدم العيب فيهما (2) ، وتسليم كلّ منهما عند تسليم الآخر(3) ، من الشروط الضمنية الموجبة لثبوت حقّ لهما في المقام ، ولثبوت الخيار عند التخلّف غير وجيه ؛ لكونه مخالفاً للوجدان في المعاملات ، ولارتكاز العقلاء .

بل لأنّ التسليم والتسلّم ، من الأحكام العقلائية المترتّبة على البيع ، حتّى صحّ بلحاظه أن يقال توسّعاً : «إنّ البيع هو الأخذ والإعطاء» وذلك لأنّ البيع طريق للوصول إلى العوضين ، كما أنّ البيع الإنشائي للوصول إلى الملكية العقلائية .

وهذا وذاك من الدواعي العقلائية ، من دون أن يكون هنا تقييد والتزام في نفس المعاوضة ، ومن الأحكام الواضحة العقلائية اللازمة العمل ، إلاّ أن يدلّ دليل شرعي على الردع .

الآثار المترتّبة على وجوب التسليم

ويترتّب على ذلك عند العقلاء ، حقّ الامتناع إذا امتنع صاحبه من التسليم ، كما أنّ لكلّ منهما حقّ المطالبة ، لا لكونه ملكه و «الناس مسلّطون على أموالهم» لأنّ ذلك لا يستلزم ما ذكر .

بل لكونه حقّاً عقلائياً مترتّباً على المعاوضة ، فإذا امتنع أحدهما أو كلاهما من التسليم ، ورجعا إلى الحاكم ، يجبره عليه ، لا من باب الأمر بالمعروف ، بل

ص: 570


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 158 ؛ منية الطالب 3 : 107 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 4 : 237 و249 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18 : 271 .
3- تقدّم في الصفحة 569 ، الهامش3 .

من باب ثبوت الحقّ لكلّ منهما ، والمرجع فيه هو الحاكم .

كما يترتّب عليه عدم حقّ المطالبة ، إذا امتنع عن أداء حقّ صاحبه ؛ إذ حقّه بنظر العرف متقيّد ، لا مطلق ، فليس له أن يطالب صاحبه بماله وهو لا يسلّم عوضه إليه .

ولو امتنع أحدهما أو كلاهما ، ولم يمكن الإجبار ، فإن كان ذلك من نيّتهما حال العقد بطل ؛ لأ نّه غير عقلائي ، وإلاّ ففي الامتناع المطلق يحتمل انحلال العقد ، ويحتمل ثبوت الخيار ، وهو الأرجح ، وليس الخيار للشرط الضمني ، بل هو خيار آخر ثابت عند العقلاء .

ولو امتنع أحدهما ، فإن كان هو البائع ، كان للمشتري خيار الامتناع ، وإن كان هو المشتري ، كان للبائع خيار التأخير .

ولو كان كلّ منهما باذلاً ، لكن اختلفا في التقدّم والتأخّر ؛ لغرض عقلائي ، اُجبرا على التسليم ، وليس لأحدهما حقّ التقدّم .

فما عن «الخلاف» : من أ نّه يجبر البائع أوّلاً على تسليم المبيع ، ثمّ يجبر المشتري على تسليم الثمن ، سواء كان الثمن عيناً ، أو في الذمّة ؛ لأنّ الثمن إنّما يستحقّ على المبيع ، فيجب أوّلاً تسليم المبيع ليستحقّ الثمن(1) .

غير وجيه ، وتعليله ضعيف ؛ إذ كما أنّ الثمن يستحقّ على المبيع ، كذلك المبيع يستحقّ في قبال الثمن ؛ وذلك لأنّ الملكية الإنشائية وكذا الحقيقية ، لا إشكال في حصولهما بالنسبة إليهما في رتبة واحدة ، وتقديم المبيع في اللفظ غالباً ،

ص: 571


1- الخلاف 3 : 151 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 262 .

لا يوجب تقديم حصول ملكيته على ملكية الثمن ، ولا تقديم حكم أحدهما على الآخر .

فهما على السواء في المالكية ، وفي الأحكام المترتّبة على المعاوضة ، ومنها وجوب تسليم كلّ منهما مال صاحبه ، فهذا حكم عقلائي مترتّب على المعاوضة ، مقدّم على دليل السلطنة ، وحرمة حبس مال الغير العقلائيين .

مع أنّ حرمة الحبس ، إنّما هي فيما إذا لم يكن بحقّ ، كما أ نّه لا سلطان له فيما إذا كان الحبس بحقّ .

وربّما يقال : إنّ المشتري يجبر على البدأة ، فيما إذا كان الثمن كلّياً ؛ لأنّ حقّ المشتري متعيّن في المبيع ، فيؤمر بدفع الثمن ؛ ليتعيّن حقّ البائع أيضاً (1) .

وفيه : أ نّه لا دليل على هذا المدّعى ، وإنّما الواجب دفع العوض الكلّي بدفع الفرد ، وأمّا تقدّم الدفع ؛ ليتعيّن الحقّ فيه ، فلا وجه له .

وأمّا ما عن «الجواهر» : من أنّ قبض البائع مقدّماً ، يوجب تفويت حقّ آخر منه ؛ وهو حقّ خيار التأخير(2) .

ففيه : أنّ الحقّ غير ثابت فعلاً ، غاية ما هنا أ نّه يحتمل تحقّقه في المستقبل ، ومثله لا يصدق عليه «التفويت» ولو قلنا : بعدم جواز رفع موضوع الحقّ .

مع أنّ المفروض عدم التأخير لأ نّهما لم يختلفا في أصل التسليم ، بل في البدأة به .

ص: 572


1- اُنظر تذكرة الفقهاء 10 : 109 ؛ جواهر الكلام 23 : 145 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 375 .
2- جواهر الكلام 23 : 145 ؛ اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 375 .

وممّا ذكرنا في وجه المسألة ، يظهر الحكم فيما إذا كان أحد العوضين مؤجّلاً ، ففي مثله يكون الحكم العقلائي غير المردوع ، ثابتاً من حين حلول الأجل ، فلكلّ منهما الامتناع مع امتناع الآخر ؛ لأنّ ذلك مقتضى المعاوضة بحسب الحكم العقلائي .

وإنّما لم يجز الامتناع قبل حلوله ؛ لعدم حقّ عقلائي له ما دام الأجل باقياً ، وبعد ما حلّ الأجل ثبت الحكم المتعلّق بالمعاوضة ؛ وهو جواز امتناع دفع العوض مع امتناع صاحبه .

وليس هذا الحكم لأجل الالتزام الضمني ، حتّى يقال : ليس هنا التزامان ، فلا بدّ من ردّ مال الغير ولو امتنع عن ردّ ماله(1) .

وبالجملة : الحكم ثابت لعنوان «المعاوضة» أو «للتسليم المعاوضي» خرج منه ما أجّله صاحب الحقّ إلى زمان حلوله ، وبقي ما بعده ، وليس ذلك من قبيل عموم العامّ والمخصّص ، حتّى يبحث عن أنّ المورد ، هل من موارد التمسّك بالعامّ ، أو من موارد استصحاب حكم المخصّص ؟

فلو قبض الممتنع ما في يد صاحبه فعل حراماً ، وكان لصاحبه استرجاعه ، لكنّ المأخوذ ليس غصباً ، ولا بحكمه ، فله التصرّف فيه ؛ لأنّ الحقّ تعلّق بعنوان «الحبس» أو «الامتناع» فله حقّ الحبس والامتناع من التسليم مع امتناع صاحبه ، نظير حقّ الخيار المتعلّق بالعقد ، لا بالعين .

نعم ، لو فرض ترتّب أثر على الإقباض أو القبض بحقّ ، لم يترتّب على ذلك القبض .

ص: 573


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 373 .

مسألة : في وجوب تفريغ البائع للمبيع من أمواله

اشارة

يجب على البائع تفريغ المبيع من أمواله ، سواء قلنا : بوجوب التسليم أم لا ؛ لأنّ إشغال مال الغير بدون إذنه ، غير جائز ، وكذا لو كان مشغولاً بمال غيره بإذنه ، وجب عليه وعلى الغير تفريغه .

وهذا الوجوب ثابت من حين تمامية العقد ، إلى زمان التسليم وإلى ما بعده ، ما دام الاشتغال بلا إذن من المالك .

وله إلزام البائع وغيره على التفريغ ، أو إفراغه إذا امتنع صاحبه وإن تضرّر به ، وعلى مالكه اُجرة التفريغ ، كما أنّ عليه اُجرة مثل زمان الإشغال ، كلّ ذلك من لوازم التصرّف في مال الغير بلا إذنه ، وإشغاله له ، بل هذا الإشغال تفويت للمنافع ، واستيفاء لها .

نعم ، لو اشتغل المبيع بمال البائع ، بلا اختيار منه ، ولم يمكنه التفريغ ، أو تصدّى له فوراً ، ولكن طالت مدّته ، فالظاهر عدم ثبوت الاُجرة ؛ لعدم تفويت منه ، وعدم الاستيفاء .

ص: 574

ثمّ إنّه هل يكون للتفريغ زائداً على وجوبه لما ذكر ، وجوب آخر تستتبعه المعاوضة ، كوجوب التسليم المترتّب على المعاوضة ، الذي قلنا : إنّه حكم عقلائي غير الحكم الشرعي بوجوب ردّ مال الغير ، وقالوا : إنّه مقتضى إطلاق العقد والتزام المتعاملين(1) ؟

ثمّ على القول به ، فهل هنا التزامان مستقلاّن ، أحدهما : التزام التسليم ، وثانيهما : التزام التفريغ عند التسليم ؟

وعلى المختار ، هنا حكمان عقلائيان مستقلاّن ، أحدهما : لزوم التسليم ، وثانيهما : لزوم الإفراغ عنده ؟

أو أنّ هنا التزاماً واحداً ، أو حكماً واحداً متقيّداً ؛ بحيث لو سلّم المبيع غير فارغ ، لم يقع التسليم ، ولم يتحقّق القبض ؟

لا إشكال في عدم التزام هنا من المتعاملين في أصل التسليم ، فكيف في التفريغ عن المزاحم ؟ ! كما لا إشكال في عدم حكمين مستقلّين عقلائيين ، بحيث يترتّب على كلّ منهما الأثر .

وأمّا الحكم الواحد المقيّد ، ففيه تأمّل وإشكال ، والظاهر عدم ثبوته ، فلو سلّم العين مشغولة صحّ وتحقّق التسليم ، وليس للمشتري حبس الثمن ، ولا حقّ الامتناع .

وما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه : من أنّ التسليم بدون التفريغ كالعدم(2)

ص: 575


1- تقدّم تخريجه في الصفحة 569 ، الهامش 3 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 266 .

غير واضح ، بل الظاهر أنّ التسليم مع التفريغ والاشتغال سواء ؛ فإنّه عبارة عن جعله تحت استيلائه ، وهو حاصل حتّى مع الاشتغال بمال الغير .

ولو امتنع البائع عن التفريغ ، ولم يمكن إلزامه ، أو كان مشغولاً بمال غاصب لم يمكن إلزامه ، ولم يمكن في الصورتين التفريغ ، كان له الخيار ، على ما يأتي بيانه في الفرع الآتي .

حكم ما لو كان المبيع أرضاً مشغولة بزرع البائع

ولو كان المبيع أرضاً مشغولة بالزرع للبائع ، فإن بلغ حصاده يجب عليه الحصاد والتفريغ ، ومع الامتناع يجبر عليه ، ومع عدم إمكانه حصده المشتري ، وأخذ اُجرة الحصاد منه .

وإن لم يبلغ ، فإن كان زرعها بعد البيع وقبل التسليم ، فهو خارج عن محلّ البحث ؛ لكونه غاصباً يعامل معه معاملة الغاصب .

وإن كانت مشغولة به حين البيع ، فإن علم به المشتري ، فلا خيار له ولا القلع بلا إشكال ، لكن له اُجرة الأرض إن لم تقم قرينة على البناء على بقائه مجّاناً .

وإن جهل به فله خيار الفسخ ، والظاهر أ نّه خيار مستقلّ عقلائي ، فيه مناط خيار العيب ؛ فإنّ العين المشغولة التي لا يمكن الانتفاع بها ، مساوقة لما فيها نقص مانع عن الانتفاع ، فكما أنّ خيار العيب هناك عقلائي ، وإن كان التخيير بين الفسخ والأرش بالتعبّد من الشارع الأعظم ، كذلك الخيار في المورد عقلائي ملحق بخيار العيب ، ولكن لا أرش فيه ؛ لاختصاصه بمورد نقص الخلقة .

ص: 576

وأمّا ما قيل : من أ نّه من قبيل تخلّف الوصف(1) ، أو تخلّف الشرط(2) ، وما قيل في وجهه : من أنّ الخصوصيات التي تتعلّق بها الأغراض النوعية لنوع المتعاملين ، بمنزلة القرينة النوعية على إرادتها في مورد العقد ، فتكون كالتوصيف المذكور ، أو كالالتزام الضمني بها ، فتخلّف مثل هذا الوصف أو الالتزام ، يوجب الخيار ؛ لأنّ لزوم العقد والحال هذه ، يوجب الضرر ، وهو نقض الغرض المعاملي ، وإن لم يكن ضرراً مالياً (3) .

فليس بوجيه :

أمّا أوّلاً : فلمنع صيرورة ما تعلّقت به الأغراض - وكانت كالدواعي - وصفاً أو التزاماً في المعاملة ، وإلاّ لوجب ثبوت الخيار في موارد لا يلتزم به أحد حتّى القائل ، ككون الفاكهة حلوةً ، وكون الدواء مفيداً .

فالصفات الكمالية وإن كانت متعلّقة للأغراض النوعية في المعاملات لنوع المتعاملين ، وكانت من الدواعي إلى المعاملة ، إلاّ أ نّها بمجرّد ذلك ، لا خيار فيها

عند التخلّف .

مع أنّ الالتزام الضمني الذي تكرّر منهم في كثير من الموارد ، لا عين ولا أثر له عند العقلاء في معاملاتهم .

وأمّا ثانياً : فلأنّ خيار التخلّف على فرضه عقلائي ، ليس مدركه دليل نفي

ص: 577


1- اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 378 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 3 : 371 .
3- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 379 .

الضرر ، وقد مرّ منهم أنّ دليله لا يثبت الخيار بالمعنى المقصود منه(1) .

وأمّا ثالثاً : فلأنّ مجرّد نقض الأغراض ليس بضرر عرفاً ، ولا لغةً .

فتحصّل : أنّ الخيار ثابت في المقام بلا إشكال ، لكنّه ليس لما ذكروه ، بل الوجه فيه ما ذكرناه ؛ من كون المقام ملحقاً بالعيب عند العقلاء(2) .

عدم جواز قلع زرع البائع ولا إلزامه به

وليس للمشتري قلع الزرع ، ولا إلزام البائع بقلعه ؛ لأ نّه عرق محترم لغير ظالم ، ودليل السلطنة على الأموال حيثي كما مرّ منّا (3) ، فلا إطلاق له للإضرار بالغير ، فكما لا يسوّغ دليل السلطنة للبائع ، بقاء زرعه في مال الغير ، كذلك لا يسوّغ للمشتري ، قلع مال الغير والإضرار به .

مضافاً إلى حكومة دليل نفي الضرر(4) على قاعدة السلطنة ، على فرض إطلاقها ؛ فإنّ دليله نهي سلطاني من رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، أو شرعي من اللّه ، مقدّم على دليل السلطنة ، لا على سائر الأدلّة الأوّلية .

ومن هنا يظهر : أ نّه لا يوجب دفع الأرش رفع النهي عن الإضرار ؛ فإنّه مترتّب عليه .

نعم ، لو خالف وقلع ، ثبت عليه الأرش مع ارتكابه الحرام ، فالقلع خلاف

ص: 578


1- راجع ما تقدّم في الصفحة 52 - 53 .
2- تقدّم في الصفحة 576.
3- تقدّم في الصفحة 528 - 529.
4- راجع وسائل الشيعة 25: 428 - 429، كتاب إحياء الموات، الباب 12، الحديث 3 و5.

احترام مال المسلم ، وخلاف نهي النبي صلی الله علیه و آله وسلم .

كما أنّ الإبقاء بلا اُجرة ، خلاف احترام مال المسلم .

وتوهّم : أنّ الإبقاء إضرار ، والاُجرة جابرة فاسد ؛ لأنّ بقاء الزرع في الأرض ، ليس من فعل البائع ، وما هو من فعله زرعه فيها ، وهو واقع في ملكه قبل النقل .

وأمّا بقاؤه فليس كذلك ، ومجرّد قدرته على القلع ، لا يوجب صيرورة البقاء فعلاً له ، وإلاّ لوجب أن يكون فعلاً لجميع الناس القادرين عليه ، فالقلع إضرار بالبائع ، والإبقاء ليس كذلك ، والاُجرة ثابتة لاحترام مال المشتري ، وجمع بين الحقوق .

نعم ، لو قلنا : بأنّ مفاد دليل نفي الضرر نفي الأحكام الضررية ، كان كلّ من القلع والإبقاء ضررياً ، وكلّ من الأرش والاُجرة جابراً له ؛ ضرورة أنّ بقاء الزرع في الأرض ، استيفاء لمنافعها ، وتفويت على صاحب الأرض ، وجوازه ضرر منفيّ ، كما أنّ جواز القلع ضرر منفيّ فيتعارضان ، وما في بعض التعليقات مع طوله(1) غير مرضيّ .

فتحصّل ممّا مرّ : ثبوت الخيار للمشتري ، واُجرة المثل مع عدم إعماله ، ولو أراد البائع القلع ، لم يكن للمشتري منعه ، فعلى البائع الاستجازة من المشتري في الإبقاء ولو بالاُجرة ، ولو لم يجبه على ذلك ، كان له القلع ، وتخليص ماله بغير إجازة ، ولو لم يتمكّن سقطت اُجرة الأرض .

ص: 579


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 379 - 382 .

ولو قلع يجب عليه طمّ الأرض وإصلاحها ، ولا يبعد أن يكون الحكم في أمثال ذلك - حتّى في مثل هدم البيوت والجدر ؛ ممّا يمكن إعادته على ما كان عليه - وجوب الإعادة ، إلاّ أن يرضى المالك بالقيمة .

ويحتمل عدم جواز إلزامه على القيمة لو أراد الإعادة على ما هو عليه ، فقول الشيخ الأعظم قدّس سرّه : ولو اُلحق مطلقاً بالقيمي فله وجه(1) غير مرضيّ ، ودليل الضمان عقلائي أنفذه الشارع الأقدس ، ولا يقتضي الدليل زائداً على ما ذكرناه ، وبعدُ فالمسألة محتاجة إلى التأمّل .

حكم ما لو امتنع البائع من تسليم المبيع

ثمّ إنّه لو امتنع البائع من التسليم ، فإن كان بغير حقّ ، فلا إشكال في كونه غاصباً ، وتجري عليه آثار الغصب ، وعليه الاُجرة والنفقة .

وإن كان بحقّ ، كما لو كان امتناعه لامتناع المشتري من تسليم الثمن ، فبالنسبة للمنافع لو أتلفها ، كما لو أتلف الثمرة ، أو استوفاها - كما لو سكن البيت - صار ضامناً لها ، وعليه عوضها .

وإن تلفت لا بتقصير منه ، أو فاتت المنفعة بلا استيفاء ، كما لو بقيت الدار خالية ، والدابّة معطّلة ، فهل عليه ضمان ما تلف أو فات من المنافع ، أم لا ؟

وجهان ، أوجههما العدم ؛ لانصراف دليل اليد ، عن اليد التي وقعت على مال الغير أو بقيت عليه ؛ بحقّ عقلائي أو شرعي ، ولا سيّما في مثل المورد ، الذي كان

ص: 580


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 267 .

البقاء فيه بتقصير من صاحب المال ، إن لم تصدق عليه «الأمانة الشرعية» أو «المالكية» فضلاً عمّا إذا صدقت عليه ، كما يقال : «إنّ مثله أمانة شرعية»(1) .

وأمّا ما قيل : من أنّ الفوات تحت يده إتلاف ومع ذلك قال : بعدم الضمان ؛ تشبّثاً بقصور قاعدة اليد عن الأمانة الشرعية(2) ففي غير محلّه ؛ لأنّ دليل الإتلاف ليس فيه قيد ، وكون الحبس بحقّ ، لا يوجب أن يكون الإتلاف كذلك .

لكنّ الذي يسهّل الخطب ، أنّ الفوات تحت يده ليس إتلافاً ، فالضمان لو كان ، إنّما هو ضمان اليد ، لا الإتلاف ، وفي غير المورد إذا منع المالك عن استيفاء منفعة ملكه ، يثبت الضمان العقلائي ، وإن لم يصدق «الإتلاف» .

بل يمكن أن يقال : إنّ جواز الامتناع عند الامتناع ، ملازم لجوازه بلا ضمان الاُجرة ، وإلاّ فربّما يحتال المشتري بالتوسّل بالامتناع ؛ لأخذ الاُجرة بسهولة ، فيمتنع عن الثمن ليأخذها .

ولو كان لحفظ مثل الدار نفقة ، فعلى المشتري ، كما أنّ نفقة الدابّة عليه .

ولو طلب من البائع الانتفاع بماله وهو في يده ، ففي وجوب إجابته وجهان ، أشبههما بالقواعد الوجوب ، وإن أمكنت المناقشة فيه بأن يقال : لازم جواز الامتناع عن تسليم العين ، جواز الامتناع عن الانتفاع بها ، وفيه كلام .

ص: 581


1- اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 383 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 383 .

ص: 582

القول في أحكام القبض

اشارة

ص: 583

ص: 584

مسألة في ضمان المبيع على المشتري بعد القبض

اشارة

من أحكام القبض : انتقال ضمان المبيع إلى المشتري القابض ؛ إذ يكون قبل القبض على البائع ، وهو في الجملة ممّا لا كلام فيه .

في أنّ الضمان في المقام ضمان المعاوضة

وإنّما الكلام في أ نّه مضمون عليه بالضمان المعاوضي ، أو أ نّه مضمون عليه بالضمان الواقعي .

ربّما يحتمل أو يقال : إنّه مضمون عليه بضمان اليد ؛ أي الضمان الواقعي ، بدعوى أ نّه تحت يده ، من غير أن يكون أمانة شرعية أو مالكية .

وبدعوى ظهور النبوي المعروف : «كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه»(1) في ذلك ؛ فإنّ الضمير المنفصل يرجع إلى التلف المستفاد من الفعل ،

ص: 585


1- عوالي اللآلي 3 : 212 / 59 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 303 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 9 ، الحديث 1 .

فيكون المعنى «أنّ تلفه من مال البائع» وهو عبارة اُخرى عن أنّ ضمانه عليه مثلاً أو قيمة .

وعلى فرض تسليم رجوعه إلى المبيع الذي تلف ، فبما أ نّه لا يمكن الأخذ بظاهره ، فلا بدّ من الحمل على أنّ خسارته من ماله ، وهو عبارة اُخرى عن الضمان بأحدهما .

ولا تنافيهما رواية عقبة بن خالد ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في رجل اشترى متاعاً من رجل وأوجبه ، غير أ نّه ترك المتاع عنده ولم يقبضه ، قال : آتيك غداً إن شاء اللّه ، فسرق المتاع ، من مال من يكون ؟

قال : «من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته ، حتّى يقبض المتاع ، ويخرجه من بيته ، فإذا أخرجه من بيته ، فالمبتاع ضامن لحقّه حتّى يردّ ماله إليه»(1) .

لأنّ الظاهر : أنّ السؤال عن الضمان المعهود ، وإلاّ فبعد تحقّق البيع ، لا يحتمل بحسب العادة أن يكون التلف واقعاً على مال البائع مع خروجه عن ملكه ، والانفساخُ بالتلف أو تقديره آناً ما قبل التلف ، أمر مخالف لفهم العقلاء .

فلعلّ في ارتكاز السائل احتمال أنّ وقوع التلف في يده ، موجب للضمان مع احتمال عدمه ، فكأ نّه قال : «إنّ السرقة التي هي الخسارة ، من مال من تكون ؟» فأجاب : «بأ نّها من مال البائع إلى أن يقبض المتاع» .

ص: 586


1- ا لكافي 5 : 171 / 12 ؛ تهذيب ا لأحكام 7 : 21 / 89 ، و : 230 / 1003 ؛ وسائل الشيعة 18 : 23 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 10 ، الحديث 1 .

وبدعوى : أنّ الإجماعات المدّعاة(1)

- على فرض اعتبارها ، والغضّ عن أ نّها ليست حجّة في مثل المسألة التي ورد فيها النبوي المشهور ، والرواية المتقدّمة ، وتمسّك الأصحاب بهما - إنّما انعقدت على العنوان المأخوذ في النبوي ، الذي قلنا : بظهوره في ضمان اليد .

وأمّا التفريع في بعض العبارات ؛ بأ نّه يرجع إلى ثمنه(2) ، فلم ينعقد عليه إجماع ، مضافاً إلى عدم إمكان الانفساخ بلا سبب ، وليس التلف - ولا آناً ما قبله - من أسبابه .

فلابدّ من التخلّص عن الأمر المحال - أي كون مالية الشيء بعد تلفه وملكيته من البائع - بالحمل على تعبّد شرعي ، وهو كما يحتمل أن يكون بالانفساخ ، يحتمل أن يكون بالضمان ، وأنّ خسارته من ماله مثلاً أو قيمة .

ويمكن تأييده بالروايات الواردة في خيار الحيوان ؛ بأنّ التلف في زمان الخيار ، مضمون على البائع ، حيث كان في بعضها : «أنّ الضمان على البائع»(3) وهو ظاهر في الضمان المعهود .

وفي بعضها (4) كان التعبير عين ما في النبوي ، فيحمل على الضمان

ص: 587


1- مفتاح الكرامة 14 : 306 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 270 .
2- المبسوط 2 : 86 ؛ مفتاح الكرامة 14 : 306 .
3- الكافي 5 : 169 / 3 ؛ وسائل الشيعة 18 : 14 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 5 ، الحديث 2 .
4- الفقيه 3 : 127 / 555 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 67 / 288 ؛ وسائل الشيعة 18 : 15 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، الباب 5 ، الحديث 5 .

المعهود ، ويستفاد منه حكم المقام ، هذا غاية ما يمكن أن يستدلّ لهذا الاحتمال أو القول .

ويرد عليه : أنّ شمول دليل اليد للمورد ممنوع ، بعد فرض أ نّه لم يصدر منه الإفراط ولا التفريط ، ولم يماطل في القبض الواجب عليه ، فإنّه حينئذٍ محسن بحفظه ، لا سبيل عليه ، ولأ نّه أمانة شرعية في يده ، بل دليل اليد منصرف عن مثله بلا شبهة ، فالقاعدة تقتضي عدم ضمان اليد .

وأمّا النبوي ، فلا شبهة في ظهوره في رجوع الضمير إلى المبيع ؛ فإنّه موضوع للسؤال عن أ نّه إذا تلف فما حكمه ؟ وسيق الكلام لبيان حكمه فالإرجاع إلى التلف تكلّف بلا قيام قرينة ، بل مع القرينة على خلافه تعسّف .

مع أ نّه على هذا الفرض ، ظاهر في أنّ التلف وقع من ماله ؛ أي ماله تلف ، وحمله على لزوم الجبران بمال آخر ، وأنّ عليه جبران خسارته ، تكلّف ، بل على هذا الاحتمال ، يرفع الإشكال عن ظاهر الكلام ؛ حيث يوهم أنّ المبيع حال التلف مال .

فلو أرجعنا الضمير إلى التلف المستفاد من الفعل ، يستفاد ما عليه المشهور بلا ورود إشكال عليه ؛ فإنّ مفاده حينئذٍ «أنّ كلّ مبيع تلف ، يكون تلفه من مال بائعه» وهو ظاهر في وقوعه على ماله ، لا كونه حال التلف ماله .

بل يمكن دعوى لزوم الإرجاع إليه ؛ لقيام القرينة العقلية على عدم صحّة الرجوع إلى المبيع ، ولا مرجع بعده إلاّ التلف المستفاد من الفعل ، فيكون النبوي ظاهراً في القول المعروف .

فدعوى : أنّ عدم إمكان الرجوع إلى المبيع ، دليل على الرجوع إلى

ص: 588

التلف ، فيستفاد منه الضمان المعهود في غير محلّها ؛ لأنّ الرجوع إليه يؤكّد قول المشهور .

ورواية عقبة ظاهرة كالصريحة ، في أنّ السرقة من مال البائع ، ودعوى أنّ السؤال عن الضمان المعهود ؛ لعدم احتمال السائل أنّ التلف من مال البائع ، بعد خروجه عن ملكه تخرّص .

بل يمكن أن يقال : إنّ اشتهار النبوي الظاهر في أنّ التلف من مال البائع ، أوجب السؤال ، فلا عذر في ردّ الظاهر الذي هو كالصريح - في أنّ السرقة من مال البائع - بالاحتمال الذي يمكن أن يكون مرجوحاً .

ودعوى : عدم إمكان الانفساخ بلا سبب مدفوعة بأنّ الأسباب في الاعتباريات ، هي موضوعات للاعتبار العقلائي أو الشرعي ، وليست أسباباً تكوينية ، فلا مانع من كون التلف ، موضوعاً لاعتبار الشارع انفساخ العقد آناً ما قبل التلف ، أو لحكمه بانفساخه قبل تلفه ، ولا يحتاج إلى سبب تكويني .

والتأييد بروايات خيار الحيوان في غير محلّه ، وقد ذكرنا في البحث حول التلف في زمان الخيار شطراً وافياً من الكلام ، يستفاد منه عكس ما ذكر من التأييد(1) .

ولا ينبغي الإشكال ، في أنّ الضمان المعاوضي ، كان مشهوراً من زمن شيخ الطائفة قدّس سرّه إلى الأعصار المتأخّرة من غير نكير ، وهي شاهدة على أ نّهم أخذوا الحكم من الشارع الأقدس يداً بيد .

ص: 589


1- تقدّم في الصفحة 484 - 490.

ولو استشكل في ذلك ، فلا أقلّ من كونها شاهدة على أنّ الظاهر المتفاهم من النبوي(1) والرواية(2) عرفاً عند أهل اللسان والتحقيق ، هو الضمان المعاوضي .

انفساخ العقد حقيقة آناً ما قبل التلف

ثمّ على القول بالضمان المعاوضي اللازم منه رجوع الثمن إلى المشتري ، فهل ينفسخ العقد حقيقة آناً ما قبل التلف كما هو المشهور(3) ، أو من الأصل(4) ، أو يكشف التلف عن بطلان العقد رأساً؛ بأن تكون صحّته مشروطة بعدم التلف قبله؟

أو لا يكون هنا انفساخ ، ولا بطلان حقيقة ، بل الشارع تعبّد بأحدهما حكماً ، فحكم بأ نّه بحكم الانفساخ آناً ما قبل التلف ، أو من الأصل ، أو تعبّد بترتيب آثار البطلان رأساً ؟

والأوجه من بين الاحتمالات ، ما هو المعروف بين الأصحاب ؛ لأنّ حمل النبوي والرواية على التعبّد ، وترتيب الآثار ، خلاف ظاهرهما ، ويحتاج إلى الدعوى المعتبرة في المجاز .

والبطلان من الأصل ؛ بدعوى الاشتراط والتقيّد ، مخالف لإطلاق أدلّة صحّة البيع ونفوذه .

ص: 590


1- تقدّم في الصفحة 585 .
2- تقدّمت في الصفحة 586 .
3- الحدائق الناضرة 19 : 75 - 78 ؛ مفتاح الكرامة 14 : 309 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 271 .
4- تذكرة الفقهاء 10 : 112 ؛ اُنظر مفتاح الكرامة 14 : 309 .

وكذا الانفساخ من الأصل ؛ فإنّه مخالف للأدلّة والاُصول ، فلا يجوز رفع اليد عنها إلاّ بمقدار الضرورة ، وهو الانفساخ آناً ما قبل العقد .

وبعبارة اُخرى : إنّ مقتضى إطلاق أدلّة صحّة العقد ولزومه ، نفوذه ولزومه ؛ من غير تقييد بزمان دون زمان ، خرج منه آناً ما قبل التلف يقيناً ؛ إمّا لخروجه مطلقاً ، أو في خصوص هذا الزمان ، وفي الزائد على المتيقّن يكون محتمل البقاء على نفوذه ولزومه ، فيؤخذ بالإطلاق .

كما أنّ بقاءه إلى زمان ما قبل التلف ، مقتضى الاستصحاب ، بعد كون البطلان من رأس خلاف الأدلّة ؛ لأنّ المتيقّن خروج ما قبل التلف ، وفيما عداه محتمل ، فيجري فيه الأصل ، وليس في النبوي والرواية ، دلالة على الانفساخ من الأصل ، ولا إطلاق فيهما من هذه الجهة ، فالحكم المشهور موافق للتحقيق .

وأمّا ما ذكرناه في التلف في زمان الخيار : من الحمل على التعبّد(1) ، فإنّما هو لقيام قرينة هناك عليه ؛ وهي أنّ العيب الحادث أيضاً مضمون على البائع فراجع ، وسيأتي الكلام في ضمان الأوصاف التالفة قبل القبض(2) .

وعلى ما ذكرنا : من دلالة الدليل على الانفساخ الحقيقي قبل التلف ، تكون المنافع إلى زمان الانفساخ للمشتري ، ومن حال التلف تترتّب جميع آثار الملك الحقيقي للبائع ، فله الانتفاع بالتالف ، وإذا كانت له منفعة فهي له .

وأمّا لو قلنا : بالحقيقة الادّعائية ، اللازم منها ترتيب آثار كون التلف من ماله ، فلا مجال لترتيب آثار الملك عليه ؛ لأنّ الادّعاء على أنّ التلف من ملكه ، لا أنّ

ص: 591


1- تقدّم في الصفحة 489 - 490.
2- يأتي في الصفحة 603.

التالف ملكه ، فلا بدّ من الاقتصار على مورد التعبّد ، فليس للبائع الانتفاع بالتالف ، ولا يجب عليه تجهيز العبد الذي مات قبل القبض ، بل يكون ذلك للمشتري ، وذاك عليه .

ثمّ إنّ الضمان المعاوضي المذكور ، ليس من الحقوق القابلة للإسقاط ؛ فإنّ انفساخ العقد ورجوع العوضين - سواء قلنا : بانفساخه حقيقة أو حكماً - من الأحكام الشرعية غير القابلة للإسقاط والإبراء والنقل ؛ ممّا يجري في الحقوق ، كما أنّ اشتراط عدم الانفساخ عند التلف ، مخالف للشرع ، فلا نفوذ له .

ثمّ إنّ الرافع لهذا الضمان هو القبض ، وهو - كما مرّ(1) - عبارة عن الاستيلاء على المبيع والاستقلال به ، لا جعله في قبضة البائع ، فالتخلية بلا حصول استيلاء للقابض ، ليست بقبض ، ومعه يصدق القبض عرفاً بلا إشكال .

وقد قامت القرينة في النبوي(2) على أنّ القبض ليس بالمعنى الحقيقي ؛ وهي عموم الحكم لكلّ مبيع ، ومنه الدار ، والبستان ، ونحوهما ، فلا ينبغي الإشكال في أنّ القبض - أي الاستيلاء عليه - رافع للضمان .

المراد بالنبوي هو التلف العرفي ولو مع عدم إقباض البائع

ثمّ إنّ المراد ب «التلف» في النبوي هو التلف العرفي ، وتشهد به رواية عقبة(3) ، فيشمل الغرق والسرقة ونحوهما ؛ ممّا يعدّ عند العرف تلفاً ،

ص: 592


1- تقدّم في الصفحة 559 .
2- تقدّم في الصفحة 585 .
3- تقدّمت في الصفحة 586 .

فيما إذا كان بحيث لا يرجى عوده ، ومنه انفلات الطير وفرار الوحش ، إذا لم يرج عودهما .

فلو اتّفق العود ، فإن قلنا : بأنّ «التلف» صادق قبله فانفسخ العقد ، أو حكم به شرعاً ، وأنّ العود نظير الإحياء بعد الموت والتلف الحقيقي ، فالحكم كما لم يعد .

وإن قلنا : بأنّ صدق «التلف» على مثل المذكورات ، يتوقّف على عدم العود ، وأنّ اليأس عنه اُخذ على نحو الطريقية ، فمع انكشاف الخلاف ينكشف عدم الانفساخ .

ثمّ إنّ الموضوع في النبوي هو التلف قبل القبض ، وهو - كما مرّ - استيلاء القابض على المبيع ، وهو صادق ولو مع عدم إقباض البائع ، وعدم إذنه ، فلا إشكال في انتقال الضمان إلى المشتري بالقبض مطلقاً .

ورواية عقبة بن خالد(1) ، وإن كانت توهّم دخالة الإقباض ، أو كونه تمام الموضوع ، لكنّ الأقوى هو ما ذكرناه ؛ لأنّ قوله : «يخرجه» و«أخرجه من بيته» كناية عن الإقباض ، وهو - على ما يساعده فهم العرف - طريق إلى حصول القبض عرفاً ، ومع الاحتمال لا ترفع اليد عن إطلاق النبوي(2) ، بل ما هو المستند الأصيل للحكم ، هو النبوي المشهور المفتى به .

وعليه فلو قبضه بلا حقّ ، واستردّه البائع فتلف ، فهل هو من التلف قبل القبض ، أو من التلف بعده ؟ وجهان ، أوجههما الثاني ، هذا كلّه حكم التلف .

ص: 593


1- تقدّمت في الصفحة 586.
2- تقدّم في الصفحة 585 .

حكم إتلاف المشتري للمبيع

وأمّا الإتلاف ، فإمّا أن يكون من المشتري ، وإمّا أن يكون من البائع ، أو من الأجنبيّ .

وعلى الأوّل : فإن قلنا بأنّ مفاد النبوي والرواية ، أعمّ من التلف ، بدعوى أنّ الإتلاف محقّق للتلف ، ويصدق معه «أ نّه تلف بإتلاف الغير» فيكون الحكم حينئذٍ كما تقدّم في التلف(1) .

مضافاً إلى إمكان دعوى : أ نّه بمناسبات الحكم والموضوع ، يفهم العرف أنّ الموضوع عدم وصول المبيع إلى المشتري وتعذّره ، من غير فرق بين التلف والإتلاف .

مع أنّ التلف مطلقاً ، لا يعقل وقوعه بلا سبب يكون هو المتلف ، فالتلف بجميع أنحائه يكون تلفاً بإتلاف ، غاية الأمر أنّ السبب قد يكون مختاراً ويصحّ إسناد «التلف» إليه وقد لا يكون كذلك .

وتشهد لعموم الحكم رواية عقبة ؛ حيث إنّ السرقة بما أ نّها تلف عرفي ، ثبت عليها حكم التلف ، وهي فعل السارق ، ويصدق «أ نّه أتلف المبيع على المشتري» أو «البائع» .

وعليه فلا بدّ من الحكم في إتلاف المشتري ، بانفساخ العقد آناً ما قبله ، ووقوع الإتلاف على مال البائع ، فيكون المشتري ضامناً له بالغرامة ، والبائع ضامناً للثمن المسمّى .

ص: 594


1- تقدّم في الصفحة 590 - 591.

وإن قلنا بانصراف الدليل - على فرض إطلاقه - عن إتلاف المشتري صاحب السلعة ، وإن لم نقل : بانصرافه عن إتلاف الأجنبيّ أو البائع ، فعلى المشتري الثمن المسمّى ، وليست على البائع غرامة .

ومع الشكّ في ذلك ، يكون مقتضى الاُصول بقاء العقد ، وبقاء العين ملكاً للمشتري ، والثمن ملكاً للبائع .

والظاهر انصراف الدليل عن إتلاف المشتري ، ورواية عقبة وردت في إتلاف الأجنبيّ ، ولا يمكن إلغاء الخصوصية ، لأنّ له خصوصية ، فالحكم بسقوط الضمان الذي نفي عنه الخلاف ، في محلّه .

حكم إتلاف البائع للمبيع

وممّا ذكر يظهر الحال في إتلاف البائع ؛ فإنّه مع القول بانصراف النبوي عن الإتلاف ، فعلى البائع غرامة مال المشتري ، وعليه ثمن المبيع ، ومع القول بعدمه ينفسخ العقد قبل الإتلاف ، فلا غرامة عليه ، وإنّما عليه الثمن المسمّى للمشتري ، ومع الشكّ يعمل على مقتضى الاُصول المتقدّمة .

وأمّا القول باجتماع السببين ؛ سبب إتلاف مال الغير ، وسبب الانفساخ(1) ، فضعيف ؛ لامتناع اجتماعهما ، لأدائه إلى اجتماع النقيضين ؛ أي الانفساخ وعدمه ، والتردّد بين هذا وذاك ممكن ، لكن يرجع معه إلى الاُصول كما تقدّم .

والظاهر انصراف النبوي عن إتلاف البائع أيضاً ، ورواية عقبة في إتلاف

ص: 595


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 276 ؛ اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 393 .

الأجنبيّ ، وإلغاء الخصوصية مشكل أو ممنوع ، والحكم على خلاف القاعدة ، لا بدّ فيه من أن يقتصر على مورده .

وهل للمشتري حينئذٍ خيار الفسخ ؛ لتعذّر تسليمه ؟

الظاهر ذلك ؛ فإنّ خيار تعذّر التسليم عقلائي ، ولا فرق فيه بين وجود العين وتلفها .

وتوهّم : اختصاص الخيار بمورد إمكان التسليم في نفسه ، وعدم التمكّن منه فعلاً(1) في غير محلّه .

وأمّا إتلاف الأجنبيّ ، فمع الغضّ عن رواية عقبة أو الإشكال في سندها ، يكون الحكم كما مرّ ، وأمّا مع النظر إليها ، والقول : بجبر سندها بعمل الأصحاب ، فينفسخ العقد ، كما لو تلف قبل القبض .

عدم جواز حبس القيمة المضمونة إلى دفع المشتري للثمن

ثمّ إنّه في كلّ مورد تكون للمشتري القيمة على البائع ، هل له حبس القيمة على الثمن ، كما له حبس العين ، أم لا ؟

الأقوى العدم ؛ لعدم الدليل عليه ، فإنّ جواز الحبس إن كان لحكم العقلاء به في طرفي المعاوضة ، فلا شبهة في أنّ القيمة ليست طرفاً ، وما وقع في بعض الكلمات : من وقوع العقد على العين بشؤونها (2) غير مرضيّ ، قد مرّ الكلام فيه في محلّه(3) .

ص: 596


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 394 .
2- اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 1 : 318 .
3- تقدّم في الجزء الأوّل : 483 - 487.

وإن كان للالتزام الضمني من المتعاقدين ، فلا شبهة في عدم الالتزام - على فرضه - إلاّ بالنسبة إلى العوضين ، لا قيمتهما ، أو مثلهما ، مع أنّ الالتزام المذكور لا أساس له .

وما قد يقال : من أنّ هذا الالتزام ليس إلاّ للتحفّظ على ماله ؛ لئلاّ يذهب هدراً خارجاً مع عدم تسلّم عوضه ، وهذا المعنى موجود في القيمة ، وهي في الحقيقة مالية ماله ، وبها العبرة في المعاملات ، لا بأشخاص الأموال(1) .

لا يرجع إلى محصّل ، لا لمجرّد منع أصل الالتزام ، بل لأ نّه مع تسليمه لا التزام إلاّ بالنسبة إلى العوضين ، وأمّا بالنسبة إلى المالية ، فمن الضروري أن لا التزام بالمالية المشتركة بين العين وغيرها .

والالتزام بالقيمة في عرض الالتزام بالعين - على نحو يلزم منه الجمع بين العين وبدلها أو التخيير بينهما - ممّا هو ظاهر الفساد .

والالتزام بها في طول الالتزام بالعين ؛ بأن يلتزم كلّ على ردّ العين ، وعلى فرض عدمه على ردّ بدلها ، ممّا لا ينبغي التفوّه به ، ولا دليل على ثبوت حكم المبدل للبدل ، فالأقوى عدم جواز الحبس .

وممّا مرّ ظهر حال ما لو كان إتلاف البائع ، بعد ما قبض المشتري بغير إذنه ، وكان له الاسترداد ، حيث إنّ إتلافه وقع بعد القبض ، فلا يشمله النبوي(2) بل تكون عليه الغرامة للمشتري ، وعلى المشتري الثمن المسمّى ، هذا كلّه في تلف المبيع .

ص: 597


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 395 .
2- تقدّم في الصفحة 585.

حكم تلف عوض المبيع المعيّن قبل قبضه

وأمّا تلف عوض المبيع المعيّن قبل قبضه ، فهل يلحق بتلف المبيع فيما مرّ ، أو لا ؟

أو يفصّل بين ما إذا كان من النقد فلا يلحق ، وبين ما إذا كان من العروض ، فيلحق تلفه قبل القبض حكم تلف المبيع قبل القبض ، وذلك لأنّ في الثاني يصدق «المبيع» على كلّ من العوضين ، ويصدق «البائع» عليهما ، وكذا «المشتري» كما مرّ في محلّه(1) ؛ فإنّ «البيع» مبادلة مال بمال ، أو تمليك عين بعوض ، وهما صادقان على كلّ من العوضين ؟

فإذا باع ناقة بجمل ، أو بادلها به ، يصدق على كلّ منهما عنوان «المبيع» وكان كلّ من المتعاملين بائعاً ومشترياً ، فلا ينبغي الإشكال في صدق النبوي(2) عليهما ، وثبوت الحكم لهما .

والمعاملات الواقعة في عصر النبي صلی الله علیه و آله وسلم ومصره ، لو لم تكن جميعها من مبادلات الأعيان بالأعيان ، فلا إشكال في أ نّها كانت متعارفة وشائعة ؛ بحيث لم يكن ينقدح في ذهن السامع من قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «كلّ مبيع تلف قبل قبضه . . .»(3) إلاّ عموم الحكم لطرفي المبادلة ؛ لعدم تعارف البيع بالأثمان ، ولا سيّما في عصر صدور الحديث .

ص: 598


1- تقدّم في الجزء الرابع : 266 .
2- تقدّم في الصفحة 585 .
3- تقدّم في الصفحة 585 .

وأمّا إذا كان الثمن من النقدين ونحوهما ، ففي صدق «المبيع» عليه خفاء ، وعلى فرض تسليم الصدق ، فيمكن القول بالانصراف .

وما في كلمات القوم المحكيّة في كتاب الشيخ الأعظم قدّس سرّه من الصدق(1) ، إنّما هو في فرض مبادلة عين بعين ، فلا دلالة في كلماتهم على الصدق في الأثمان .

ولكن يمكن أن يقال : إنّه إذا جرى الحكم في العوضين فيما إذا كانا من الأعيان ، فمن البعيد جدّاً التفصيل بين النقد وغيره ، بل المناسبات العقلائية توجب تعميم الحكم لهما ، ويؤيّده ذيل رواية عقبة(2) .

لكن باب المناقشة في دلالتها واسع ؛ لاحتمالات فيها ، لعلّ أقربها بفهم العرف ، أ نّه بعد قبض المبيع ، ضامن للثمن إلى أن يردّه ، وليس في ذكر الظاهر مكان الضمير دلالة على غير ذلك ؛ إذ مثله كثير في الكلمات .

بل لا يبعد أن يكون المتفاهم من الرواية ، كون الثمن في مورد السؤال كلّياً ، ولا يقاس عصر الصادقين علیهما السلام ، بعصر النبي صلی الله علیه و آله وسلم ؛ فإنّ في عصرهما كان النقد رائجاً ، لكنّ المعاملة بالنقد الخارجي نادرة جدّاً .

وكيف كان : لا إشكال في الحكم في الصورة الاُولى من الصورتين المتقدّمتين ، ولا يبعد في الصورة الثانية ، وقد حكي عدم الخلاف في المسألة(3) .

ص: 599


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 278 .
2- تقدّمت في الصفحة 586 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 279 .

عدم إلحاق سائر المعاوضات بالبيع

ثمّ إنّه لا وجه لإلحاق سائر المعاوضات بالبيع في الحكم المتقدّم ؛ لعدم شمول الدليل لها ، وعدم إمكان إلغاء الخصوصية ، بعد أن كان الحكم على خلاف الاُصول والقواعد .

ودعوى : أنّ الحكم في البيع وغيره عقلائي ؛ فإنّه إذا تلف المبيع مثلاً في يد البائع قبل قبضه ، يكون بناء العقلاء على ردّ الثمن ، أو عدم تأديته ، من غير رجوع إلى الغرامة(1) .

غير مسموعة ؛ لعدم ثبوت هذا البناء على نحو يمكن أن يثبت به حكم مخالف للقاعدة والاُصول الشرعية ، فالتجاوز عن مورد النصّ بلا وجه .

ومجرّد ذكر العلاّمة رحمه الله علیه في «التذكرة» فرعاً يستفاد منه حكمه بثبوته لمطلق المعاوضات(2) ، لا يدلّ على تسالم الفريقين .

حكم تلف بعض المبيع قبل القبض

ولو تلف بعض المبيع قبل القبض ، فإن كان ممّا يكون مبيعاً مستقلاًّ في الواقع وإن كان جزءاً بحسب الإنشاء ؛ بحيث كان العقد منحلاًّ في الواقع إلى عقود ، والبيع إلى بيوع ومبيعات ، كما لو ساوم أشياء مختلفة ، وكان لكلّ منها قيمة خاصّة ، ثمّ نقلها بعقد واحد ، فلا إشكال في تعدّد البيع والمبيع ،

ص: 600


1- مصباح الفقاهة 7 : 600 - 601 و605 .
2- تذكرة الفقهاء 10 : 130 .

وفي صدق «المبيع» على كلّ سلعة .

بل ولا كلام فيه ، ولعلّه خارج عن محطّ بحثهم .

كما لا إشكال في أنّ الأجزاء التي لا يقسّط عليها الثمن بوجه - كعين الدابّة ويدها - لا يتعدّد بتعدّدها البيع والمبيع ، ولا ينحلّ البيع بالنسبة إليها إلى بيوع .

نعم ، يكون تلفها موجباً لتعيّب المبيع ، كفقد الأوصاف ، ويأتي الكلام فيها (1) .

إنّما الكلام في الأجزاء التي يقسّط عليها الثمن لبّاً ، ولكن لم تكن بمثابة الصورة الاُولى ، كبيع منّ من السمن ، وكيل من الحنطة ، وبيع الدار والبستان ، وأنّ البيع هل ينحلّ بالنسبة إليها إلى بيوع متعدّدة حسب الأجزاء الفرضية والكسور المشاعة ، وهل هنا تمليكات عديدة ، وقرارات متعدّدة .

أو أنّ البيع والقرار والتمليك والنقل ، واحد ينقل به الدار ، ونقل الدار نقل مجموعها ؟ وهذا هو الحقّ الحقيق بالتصديق .

وأمّا الاحتمال الأوّل الذي التزم به جمع من المحقّقين(2) ، فمع أ نّه مخالف للاعتبار العقلائي ، لازمه أن ينتقل الجزء الواحد مرّات كثيرة ، فالدار تنتقل تارة :

نفسها المشتملة على الأجزاء الفرضية والمشاعة ، وتنتقل الأجزاء بنقلها ، والأجزاء تنتقل تارة : بوجودها المعيّن الفرضي ، وتارة : بنحو الإشاعة .

فعند التأمّل فيه والمحاسبة ، يعلم لزوم تعلّق بيوع غير متناهية على كلّ جزء ؛

ص: 601


1- يأتي في الصفحة 603.
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 281 ؛ منية الطالب 3 : 359 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 399 .

بالعناوين غير المتناهية ، ولازمه غررية أكثر تلك البيوع .

فالحقّ : أنّ في تلك الموارد ، ليس المنشأ إلاّ بيعاً واحداً ، وقراراً فارداً ، وتمليكاً واحداً ، ونقلاً واحداً ، به تنقل الدار ، فالأجزاء المشاعة والمفروضة ، منقولة بنقل الكلّ ومملوكة بتملّكه ، والوجدان أصدق شاهد على عدم تعلّق قصود كثيرة في بيع الدار ، وعلى عدم وجود قرارات متعدّدة .

وعلى ذلك : يكون الانفساخ بالنسبة إلى الأجزاء المشاعة أو غير المشاعة ممتنعاً ؛ لأ نّه فرع تعلّق العقد بها ، فلا ينبغي الإشكال في خروج تلف الأجزاء عن مفاد النبوي(1) .

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ العرف بمناسبات مغروسة في أذهانهم ، يفهمون حكم الأجزاء بتنقيح المناط القطعي ، وعلى ذلك لا بدّ من الالتزام بالانفساخ التعبّدي ؛ في كلّ من تلف الكلّ ، وتلف الجزء ، بعد عدم إمكان الالتزام بالانفساخ الحقيقي في تلف الأجزاء .

وعدم جواز التفكيك بينهما ؛ إمّا لعدم إمكانه ، أو لعدم مساعدة العرف عليه ، ولازم إطلاق الانفساخ التعبّدي ، ترتيب جميع آثار الانفساخ الحقيقي .

أو القول بأنّ للشارع الأقدس الحكم بالانفساخ الحقيقي ؛ بالنسبة إلى الجزء الفائت ، ومصحّحه إضافة البيع الإنشائي إلى الأجزاء بنحو من الاعتبار ، وإن لم يتعلّق العقد والقرار إلاّ بالمجموع والكلّ .

أو القول باعتبار الشارع وقوع التلف كلاًّ أو بعضاً قبل العقد وفي مال

ص: 602


1- تقدّم في الصفحة 585 .

المالك ، فيكون العقد بحسب هذا الاعتبار والتعبّد ، واقعاً على التالف - لا حقيقة ، بل تعبّداً - قبيل التلف ، ومقتضاه رجوع تمام الثمن مع تلف الكلّ ، وبعضه مع تلف البعض .

هذا كلّه بناءً على استفادة الحكم في الأجزاء من الدليل ، وإلاّ فيختصّ بتلف المبيع ، وهو الكلّ ، لا جزؤه .

حكم تلف أوصاف المبيع قبل القبض

وأمّا تلف الأوصاف أو ما هو نظيرها ؛ ممّا لا يقسّط عليه الثمن ، ويكون ممّا يوجب تعيّب المبيع ، فلو قام عليه دليل ، لجاء فيه ما ذكرناه في التلف في زمن الخيار(1) ، حيث دلّ الدليل على ضمان العيب .

وأمّا مجرّد تصوّر المصحّح للضمان ، فلا يوجب الحكم به ما لم يقم عليه دليل ، ولم يدلّ في المقام دليل على ضمان الأوصاف ، ولا على ضمان الأجزاء التي هي مثلها ، والتقدير في النبوي ؛ بأن يقال : «كلّ مبيع تلف بذاته ، أو بوصفه وشؤونه . . .» خلاف الأصل .

وما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه (2) مجرّد تصوّر لا دليل عليه في مقام الإثبات .

والاستدلال : بأنّ الكلّ لمّا كان مضموناً ، فكذا الجزء والوصف(3) واضح البطلان ، حتّى على القول بالقياس .

ص: 603


1- تقدّم في الصفحة 473.
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 283 - 284 .
3- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 283 .

وقياس المقام بالتلف في زمان الخيار(1) باطل ، بل مع الفارق ، فالردّ بلا دليل ، فضلاً عن التخيير بينه وبين الأرش .

والتشبّث بدليل نفي الضرر(2) مع بطلانه من أساسه ، لا وجه له في المقام الذي كان التلف فيه ، واقعاً على مال المشتري وفي ملكه .

بل لأحد أن يقول : إنّ أخذ الأرش ضرر على البائع ، فلو قام إجماع على الردّ يؤخذ به ، ولا يحتاج إلى تطويل في وجهه ، لكنّه غير معلوم ، هذا كلّه إذا تعيّب بآفة سماوية .

وأمّا لو تعيّب بفعل أحد ، فلا بدّ من الحكم على مقتضى القواعد ، فإن كان بفعل المشتري فلا أثر له ، وإن كان بفعل البائع أو الأجنبيّ ، فعليه الضمان .

ص: 604


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 284 .
2- تقدّم في الصفحة 526 - 527.

مسألة : في بيع ما يكال ويوزن قبل قبضه

اشارة

اختلفت كلمات الأصحاب في بيع ما يكال ويوزن قبل قبضه ، كما اختلفت الأخبار في ذلك ، وقد وردت جملة منها في البيع قبل القبض ، وجملة منها في البيع قبل الكيل والوزن .

والظاهر رجوع الطائفتين إلى أمر واحد ؛ إمّا برجوع القبض إلى الكيل والوزن ، أو بالعكس ؛ لأنّ المتعارف حصول القبض بالكيل ، وتحقّق الكيل إذا تحقّق القبض ، فهما متلازمان عادة ، والظاهر أنّ المراد في الطائفتين حصول القبض ، فترجع الطائفة الثانية إلى الاُولى .

وتدلّ على ذلك صحيحة معاوية بن وهب قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل ، يبيع البيع قبل أن يقبضه .

فقال : «ما لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتّى تكيله أو تزنه ، إلاّ أن تولّيه الذي قام عليه»(1) .

ص: 605


1- تهذيب الأحكام 7 : 35 / 146 ؛ وسائل الشيعة 18 : 68 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 16 ، الحديث 11 .

حيث إنّ السائل سأل عن بيعه قبل قبضه ، فأجاب علیه السلام بقوله : «فلا تبعه حتّى تكيله أو تزنه» فيكون ذلك ظاهر الدلالة على أنّ المراد ب «الكيل» و«الوزن» هو القبض كناية ، وإرجاع السؤال إلى الكيل بعيد جدّاً .

وروايةُ أبي بصير قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل اشترى طعاماً ، ثمّ باعه قبل أن يكيله .

قال : «لا يعجبني أن يبيع كيلاً أو وزناً قبل أن يكيله أو يزنه ، إلاّ أن يولّيه كما اشتراه ، إذا لم يربح فيه أو يضع ، وما كان من شيء عنده ليس بكيل ولا وزن ، فلا بأس أن يبيعه قبل أن يقبضه»(1) .

فإنّ الظاهر منها : أنّ المراد ب «الكيل» في الصدر هو القبض كناية ؛ للتلازم بينهما في الغالب .

وكيف كان : فجميع الروايات الواردة في الباب - ممّا تعرّضت للقبض ، أو للكيل والوزن - ترجع إلى البيع قبل القبض ، فلا بدّ من ملاحظة المجموع والجمع بينها .

الروايات الواردة في بيع المتاع قبل قبضه

فنقول : لا إشكال في دلالة جملة من الروايات لولا القرينة ، على بطلان البيع قبل القبض ؛ فإنّ النواهي المتعلّقة بالبيع ونحوه - ممّا يتوقّع منه ترتّب الأثر والصحّة - ظاهرة عرفاً في الإرشاد إلى الفساد ، لا بمعنى الظهور اللفظي اللغوي ؛

ص: 606


1- تهذيب الأحكام 7 : 37 / 154 ؛ وسائل الشيعة 18 : 69 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 16 ، الحديث 16 .

فإنّ النهي لم يوضع إلاّ للزجر ، بل بمعنى أنّ تعلّقه بما ذكر ، يوجب فهم الإرشاد إلى الوضع .

وهذه الروايات :

منها : ما هي شاملة لجميع أنواع البيع ، من غير فرق بين المكيل والموزون وغيرهما ، ومن غير فرق بين المرابحة والتولية .

كموثّقة عمّار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «بعث رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم رجلاً من أصحابه والياً ، فقال له : إنّي بعثتك إلى أهل اللّه - يعني أهل مكّة - فانههم عن بيع ما لم يقبض ، وعن شرطين في بيع ، وعن ربح ما لم يضمن»(1) .

وفي مناهي النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «ونهى عن بيع ما لم يضمن»(2) بناءً على أنّ المراد به قبل القبض ، فإنّه لا ضمان قبله على المشتري .

ورواية غياث بن إبراهيم ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي علیهم السلام : «أ نّه كره بيع صكّ الورق حتّى يقبض»(3) .

وفي «المجمع» : الصكّ بتشديد «الكاف» ، كتاب كالسجلّ ، يكتب في المعاملات ، نقل أنّ الرؤساء في القديم ، كانوا يكتبون كتباً في عطاياهم لرعيتهم

ص: 607


1- تهذيب الأحكام 7 : 231 / 1006 ؛ وسائل الشيعة 18 : 58 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 10 ، الحديث 6 .
2- الفقيه 4 : 4 / 1 ؛ وسائل الشيعة 18 : 58 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 10 ، الحديث 8 .
3- تهذيب الأحكام 6 : 386 / 1149 ؛ وسائل الشيعة 18 : 70 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 16 ، الحديث 20 .

على شيء من الورق ، فيبيعونها معجّلاً قبل قبضها ، فجاء في الشرع النهي عن ذلك ؛ لعدم القبض(1) ، انتهى .

ومن الواضح : أنّ العطايا المسجّلة ، إمّا أعمّ من المكيل والموزون ، أو مخصوصة بغيرهما .

ومنها : ما تختصّ ب «الطعام» من غير فرق بين المكيل والموزون وغيرهما ، فإنّه مطلق ما يؤكل على ما في اللغة(2) ، وربّما يستعمل في البرّ ، كرواية حزام قال : ابتعت طعاماً من طعام الصدقة ، فاُربحت فيه قبل أن أقبضه ، فأردت بيعه ، فسألت النبي صلی الله علیه و آله وسلم .

فقال : «لا تبعه حتّى تقبضه»(3) .

وقوله صلی الله علیه و آله وسلم في الجواب إن كان مطلقاً وإن كان السؤال في مورد الربح ، يعمّ بيع التولية - ويحتمل أن يكون السؤال أيضاً مطلقاً ، وإن كانت الواقعة في المرابحة ، وإلاّ كما هو الظاهر ، اختصّ بالمرابحة - ويعمّ مطلق الطعام ، سواء كان فيه كيل ووزن أو لا ، ونحوها رواية علي بن جعفر(4) .

واستعمال «الطعام» في بعض روايات الباب(5) في المكيل بقرينة ، لا يوجب

ص: 608


1- مجمع البحرين 5 : 279 .
2- لسان العرب 8 : 164 ؛ مجمع البحرين 6 : 105 ؛ المنجد : 466 .
3- الأمالي ، الطوسي : 399 / 891 ؛ وسائل الشيعة 18 : 70 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 16 ، الحديث 21 .
4- ستأتي في الصفحة 610 .
5- وسائل الشيعة 18 : 66 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 16 ، الحديث 3 ، 5 ، 6 ، و13 .

حمل غيره عليه بلا قرينة قائمة .

وفي بعضها ضمّ الثمرة إلى الطعام ، وهي إمّا خصوص التي في الشجرة ، فلا تكون من المكيل والموزون فعلاً ، وإمّا أعمّ منها ، مع أنّ بعض الأثمار ليس بمكيل ولا موزون ، بل من المعدود ، كرواية سماعة(1) قال : سألته عن الرجل يبيع الطعام أو الثمرة ، وقد كان اشتراها ولم يقبضها .

قال : «لا ، حتّى يقبضها ، إلاّ أن يكون معه قوم يشاركهم ، فيخرجه بعضهم من نصيبه من شركته بربح ، أو يولّيه بعضهم ، فلا بأس»(2) .

والحكم فيها يعمّ المكيل والموزون وغيره ، وقد استثنى الموردين .

ومنها : ما هي مختصّة بالمكيل على نحو الإطلاق ، من غير استثناء التولية ، كصحيحة الحلبي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام أ نّه قال : في الرجل يبتاع الطعام ، ثمّ يبيعه قبل أن يكال .

قال : «لا يصلح له ذلك»(3) .

ص: 609


1- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن الحسين بن سعيد ، عن الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة . والرواية موثّقة - كما يأتي في الصفحة 612 - بزرعة وسماعة ، فإنّهما ثقتان واقفيان . اُنظر رجال النجاشي : 176 / 466 ، و193 / 517 ؛ الفهرست ، الطوسي : 134 / 313 ؛ رجال الطوسي : 337 / 2 و337 / 4 .
2- تهذيب الأحكام 7 : 36 / 152 ؛ وسائل الشيعة 18 : 68 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 16 ، الحديث 15 .
3- الكافي 5 : 178 / 2 ؛ وسائل الشيعة 18 : 66 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 16 ، الحديث 5 .

ومنها : ما تختصّ بالمكيل ، أو به وبالموزون ، مع التفصيل فيها بين المرابحة والتولية ، كصحيحة علي بن جعفر المصرّحة بالتفصيل : أ نّه سأل أخاه موسى بن جعفر علیه السلام عن الرجل يشتري الطعام ، أيصلح بيعه قبل أن يقبضه ؟

قال : «إذا ربح لم يصلح حتّى يقبض ، وإن كان يولّيه فلا بأس» .

وسألته عن الرجل يشتري الطعام ، أيحلّ له أن يولّي منه قبل أن يقبضه ؟

قال : «إذا لم يربح عليه شيئاً فلا بأس ، فإن ربح فلا بيع حتّى يقبضه»(1) .

ونحوها صحيحة منصور(2) ومعاوية بن وهب(3) وإن كان في قوله : «يولّيه» احتمال آخر .

ومنها : نحو ذلك مع استثناء المواضعة أيضاً ، كرواية أبي بصير(4) .

القرائن الدالّة على إرادة الكراهة

وكيف كان: ففي تلك الروايات - مع الغضّ عمّا يقابلها - شواهد على الكراهة:

منها : ما في موثّقة عمّار(5) ، من بعث رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم الوالي إلى مكّة ، وأمره

ص: 610


1- مسائل علي بن جعفر : 123 / 83 ، و : 124 / 84 ؛ قرب الإسناد : 265 / 1052 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 36 / 153 ؛ وسائل الشيعة 18 : 67 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 16 ، الحديث 9 .
2- تهذيب الأحكام 7 : 35 / 147 ؛ وسائل الشيعة 18 : 68 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 16 ، الحديث 12 .
3- تقدّمت في الصفحة 605.
4- تقدّمت في الصفحة 606.
5- تقدّمت في الصفحة 607.

بنهيهم عن بيع ما لم يقبض بنحو الإطلاق ، مع أ نّه لا منع في غير المكيل والموزون والطعام - كالثياب ونحوها - بلا ريب .

وقضيّة الإطلاق والتقييد في مثله غير جارية بلا إشكال ، وإنّما يجريان في الأحكام القانونية ، وأمّا في المورد الواردة فيه هذه القضيّة - ممّا هو بعث للوالي إلى طائفة ، وأمره بنهيهم فعلاً بنحو الإطلاق عن شيء - فلا يصحّ أن يقال : إنّه إطلاق يقيّد بغيره .

بل في كلّ مورد كان من هذا القبيل ، لا يكون ذلك الجمع عرفياً ، بل يقع التعارض بينه وبين المقيّد ، فلا بدّ من الحمل على الكراهة .

ولا إشكال فيه ؛ فإنّ كراهة بيع ما لا يقبض وما لا يضمن الذي ورد في رواية اُخرى بنحو الإطلاق ، لا مانع من القول بها ؛ فإنّ للكراهة مراتب ، بعضها أشدّ من بعض ، فيجمع بين مثله وبين الموارد التي نفي فيها البأس عن غير المكيل ، على نفي شدّة الكراهة ، ولولا غير هذا الشاهد ، لتعيّن الحمل على الكراهة .

هذا مع أنّ النهي التنزيهي في مناهي النبي ، غير عزيز .

ومنها : ما في ذيل الموثّقة ؛ من النهي عن ربح ما لم يضمن ، مع أ نّه ليس على الإطلاق ممنوعاً ، ولا يجري فيه الجمع بالإطلاق والتقييد ؛ لما مرّ من عدم عقلائيته ، ولا سيّما مع الإشعار أو الدلالة على العلّية ، وأمّا الحمل على الكراهة

فلا مانع منه .

فيظهر من الموثّقة ، كراهة بيع ما لم يقبض مطلقاً ، وكراهة ربح ما لم يقبض

ص: 611

كذلك ، فالكراهة في بيع المرابحة قبل القبض أشدّ ؛ لكونها من جهتين .

ومنها : ما في مناهي النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «ونهى عن بيع ما لا يضمن»(1) المشعر بل الدالّ ، على أنّ علّة النهي هو عدم الضمان ، مع أ نّه محقّق في مطلق ما لم يقبض ، فالعلّة موجودة في الجميع ، والتقييد في مثله مرجوح ، والحمل على الكراهة هيّن .

ومنها : ما في موثّقة سماعة(2) من الجمع بين الطعام والثمرة في النهي عن البيع قبل القبض ، حيث إنّ «الثمرة» إمّا بنفسها ظاهرة في الثمرة على الشجرة ، أو في تلك الرواية ؛ لمكان المقابلة بينها وبين الطعام ، مع أنّ الثمرة على الشجرة ، ليست من المكيل والموزون ، ولا منع في بيعها قبل القبض ، وأمّا الكراهة فلا مانع منها .

ومنها : التعبيرات الواردة فيها ممّا تناسب الكراهة ، مثل «لا يصلح» خصوصاً ما في صحيحة الحلبي حيث قال : «لا يصلح له ذلك»(3) فإنّ المفهوم منه أ نّه جائز ، لكن ليس صالحاً له ، وإلاّ ففي الحكم الشرعي الإلزامي لا يعبّر بمثله ، فهو مناسب للإرشاد إلى مصلحته ، أو للكراهة ؛ فإنّ أمرها سهل .

ومثل مفهوم «لا بأس» وخصوصاً «لا يعجبني» الظاهر فيها ، وحمل النهي على الكراهة ، أهون من حمل مثله على الحرمة .

بل الحمل على الكراهة في النواهي ، وعلى الاستحباب في الأوامر ، أمر هيّن

ص: 612


1- تقدّم في الصفحة 607.
2- تقدّمت في الصفحة 609 .
3- تقدّمت في الصفحة 609 .

في نفسه ؛ لعدم الدلالة فيهما على الوجوب والحرمة وضعاً ولفظاً ، وإنّما الحمل على الوجوب والحرمة ؛ لأجل تمامية حجّة المولى ببعثه وزجره ، ومن الواضح أ نّه ترفع الحجّة بأدنى ظهور .

وليس الأمر من قبيل تقديم الظاهر والأظهر ؛ فإنّ ذلك إنّما يصحّ في الدلالات اللفظية اللغوية ، وليس فيهما دلالة لفظية لغوية على الحرمة والوجوب .

ولا إشكال في أنّ مثل قوله علیه السلام : «لا يعجبني»(1) الظاهر في الكراهة عرفاً مقدّم على النواهي ؛ لقطع الحجّة به ، وعدم الظهور فيها رأساً .

ومنها : الاختلاف الشديد في الروايات كما يظهر للمراجع ، ممّا يرتفع بالحمل على الكراهة ، والالتزام بالمراتب فيها ، وأمر الكراهة هيّن .

فعلى ما ذكرناه ، لا تصل النوبة إلى الجمع بين الروايات الناهية وبين ما يعارضها ، مثل صحيحة الحلبي(2)

- المشتملة على «الثمرة» ونفي البأس عن بيعها مع الربح ، بل الأمر به - المعارضة لموثّقة سماعة(3)

المشتملة على النهي عن بيعها قبل القبض مرابحة .

ص: 613


1- تقدّم في الصفحة 606.
2- عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن الرجل يشتري الثمرة ثمّ يبيعها قبل أن يأخذها ؟ قال : «لا بأس به إن وجد بها ربحا فليبع» . الفقيه 3 : 132 / 576 ؛ وسائل الشيعة 18 : 65 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 16 ، الحديث 4 .
3- تقدّمت في الصفحة 609 .

ومثل رواية الكرخي قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : أشتري الطعام من الرجل ، ثمّ أبيعه من رجل آخر قبل أن أكتاله ، فأقول : ابعث وكيلك حتّى يشهد كيله إذا قبضته .

قال : «لا بأس»(1) .

وليس فيه دلالة على كون المبيع كلّياً ، بل إمّا كان شخصياً ، كما لا يبعد بحسب المتفاهم العرفي ، وكان اشتراؤه بإخبار البائع أو بعلمه بكيله ، وإمّا كان السؤال أعمّ من ذلك .

ورواية جميل ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في الرجل يشتري الطعام ، ثمّ يبيعه قبل أن يقبضه . قال : «لا بأس» . ويوكّل الرجل المشتري منه بقبضه وكيله . قال : «لا بأس»(2) .

وقوله : «يوكّل . . .» إلى آخره ، سؤال آخر ، فصدرها صريح في المطلوب .

فتحصّل من جميع ما مرّ : أقربية الجمع بين شتاتها ؛ بالحمل على الكراهة ومراتبها ، والظاهر عدم الفرق في الحكم بين بيع الكلّي وغيره .

وما ذكرناه في مقام الجمع وإن كان فيه بعض مخالفة للظاهر ، لكنّه أرجح من عمل الإطلاق والتقييد ، والحمل على الحرمة أو البطلان ، كما لا يخفى على المنصف .

ص: 614


1- الفقيه 3 : 131 / 569 ؛ وسائل الشيعة 18 : 65 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 16 ، الحديث 3 .
2- الكافي 5 : 179 / 3 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 36 / 151 ؛ وسائل الشيعة 18 : 66 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 16 ، الحديث 6 .

شمول النهي عن بيع ما لم يقبض للمبيع والثمن

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق موثّقة عمّار المتقدّمة(1) عدم الفرق في الحكم بين المبيع والثمن ، وقد مرّ أنّ عمل الجمع بالإطلاق والتقييد ، لا يجري في مثله(2) .

مع أنّ ما ورد(3) من الروايات في المبيع وإن كان مورد السؤال والجواب فيها هو المبيع ، لكنّها لم يظهر منها الاختصاص به ، فلا مانع من الأخذ بالموثّقة وبالأخبار الواردة في المبيع ، وقد رجّحنا ثبوت الكراهة لمطلق ما لم يقبض ولو لم يكن مكيلاً .

مضافا إلى إمكان استفادة حكم الثمن أيضاً من نهيه صلی الله علیه و آله وسلم : «عن بيع ما لم يضمن»(4) بناءً على عموم الحكم بعدم الضمان قبل القبض للثمن ، كما مرّ الكلام فيه(5) .

مضافاً إلى أنّ المبادلة إذا وقعت بين الأعيان - كبيع حنطة بشعير وحمار ببقر - يصدق على كلّ من العوضين «المبيع» كما مرّ(6) ، والتفصيل بينه وبين المبادلة بالنقود بعيد .

ص: 615


1- تقدّمت في الصفحة 607.
2- تقدّم في الصفحة 611.
3- راجع وسائل الشيعة 18 : 65 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 16 .
4- تقدّم في الصفحة 607.
5- تقدّم في الصفحة 598 - 599.
6- تقدّم في الجزء الرابع : 266 ؛ وتقدّم في الصفحة 598 .

وبعد ذلك ، لا يحتاج في الحكم إلى الاستدلال بما حكي عن «التذكرة»(1) ، ولا بما في ذيل صحيحة الحلبي(2) كما تشبّث به بعض المحشّين ، واستشكل فيه(3) .

ومن العجيب عدم استدلالهم بالموثّقة ، بل قال بعض أهل التحقيق : لم يثبت من طرقنا ما يدلّ على المنع عن بيع ما لم يقبض مطلقاً ، حتّى يسري حكم المبيع إلى الثمن(4) .

وقد عرفت : ورود الرواية الموثّقة من طرقنا (5) ، وكذا الرواية الواردة في مناهي النبي صلی الله علیه و آله وسلم من طرقنا (6) ، المشتملة على بيع ما لم يضمن ، وإن كان في طريقها ضعف(7) .

ص: 616


1- تذكرة الفقهاء 10 : 123 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19 : 295 - 296 .
2- كرواية الحلبي قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن قوم اشتروا بزّا فاشتركوا فيه جميعا ولم يقسموه ، أيصلح لأحد منهم بيع بزّه قبل أن يقبضه ؟ «قال : لا بأس به ، وقال : إنّ هذا ليس بمنزلة الطعام ، إنّ الطعام يكال» . الفقيه 3 : 136 / 594 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 55 / 240 ؛ وسائل الشيعة 18 : 67 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 16 ، الحديث 10 .
3- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 5 : 413 .
4- نفس المصدر.
5- تقدّم في الصفحة 607.
6- تقدّم في الصفحة 607.
7- لاشتماله على بعض المجاهيل كشعيب بن واقد وعبدالعزيز بن محمّد بن عيسى الأبهري . اُنظر الفقيه ، المشيخة 4 : 114 .

واحتمال كون أمر النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، والي مكّة بالنهي عن المذكورات ، من مختصّات أهل مكّة مقطوع البطلان ، كاحتمال كون تلك النواهي من الأحكام السلطانية ، لا الشرعية .

مع أنّ الحكم التنزيهي السلطاني بعيد في نفسه ، مضافاً إلى أنّ أحكامه السلطانية ، نافذة في الاُمّة إلى الأبد .

شمول النهي لجميع أسباب النقل

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الموثّقة ، ثبوت الحكم لكلّ ما انتقل إليه ولم يقبضه ، سواء انتقل بالبيع ، أو بغيره من المعاوضات ، بل وبغيرها كالإرث والصداق ؛ فإنّ النهي عن بيع ما لم يقبض شامل للجميع ، وإن احتمل انصرافه إلى المضمونات قبل القبض ، ويستأنس له بما في رواية مناهي النبي صلی الله علیه و آله وسلم من النهي عن بيع ما لم يضمن ، وبما في ذيل موثّقة عمّار من النهي عن ربح ما لم يضمن ، وبعدم إشارة في الروايات الكثيرة الواردة في الباب إلى غير ما انتقل بالبيع .

لكنّ الانصراف غير ظاهر ، والاستئناس بما ذكر غير مفيد ، والأمر سهل حيث يكون الحكم على سبيل الكراهة ، هذا كلّه في بيع غير المقبوض .

حكم نقل غير المقبوض بغير البيع

وأمّا نقل غير المقبوض - ممّا انتقل إليه ببيع وغيره - بغير البيع ، فلا دليل عليه . إلاّ أن يقال : إنّ النهي عن بيع ما لم يضمن المشعر بالعلّية ، يستفاد منه أنّ

ص: 617

عدم الضمان ، موجب للمنع تنزيهاً عن مطلق الانتقال ، بل مناسبة الحكم والموضوع أيضاً تقتضيه ، وفيه تأمّل .

ثمّ إنّه بعد ما عرفت : من أنّ النهي عن بيع ما لم يقبض تنزيهي(1) ، لا داعي إلى بسط الكلام في الفروع .

مع أ نّك قد عرفت : أنّ بيع ما لم يقبض مطلقاً مكروه ، سواء كان الانتقال إليه بالبيع أو بغيره ، وعرفت أنّ في نقل ذلك بغير البيع ، وجهاً للكراهة قابلاً للمناقشة ، فيستخرج ممّا ذكر جميع ما ذكروه في فروع المسألة .

والحمد للّه أوّلاً وآخراً ، وظاهراً وباطناً ، والصلاة والسلام على النبي الأعظم ، وعلى أوصيائه الهداة المهديّين . وقد وقع الفراغ من تسويده يوم السبت 15 / ج 1 / 1396 في جوار مرقد مولانا أمير المؤمنين ، سلام اللّه عليه وعلى أبنائه الطاهرين . وقد ابتلينا ببليّات نزلت بالإسلام والمسلمين ، أرجو من اللّه تعالى أن يمنّ علينا برفعها ، وينظر إلينا نظرة رحمة وإن كنّا مستحقّين ؛ لتقصيرنا في القيام بالوظائف التي على كاهلنا .

ربّنا عاملنا بلطفك ، لا بعدلك .

ص: 618


1- تقدّم في الصفحة 610 و614 .

الفهارس العامّة

اشارة

1 - الآيات الكريمة

2 - الأحاديث الشريفة

3 - أسماء المعصومين علیهم السلام

4 - الأعلام

5 - الكتب الواردة في المتن

6 - مصادر التحقيق

7 - الموضوعات

ص: 619

ص: 620

1- فهرس الآيات الكريمة

الآية رقمها الصفحة

البقرة (2)

(أَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبوا)...275...536

فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ...279...534، 535

(فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ)...283...558

النساء (4)

(فَانْكِحُوا مَا طَابَ)...3...266

(فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ ا لنِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ)...3...248

(لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ)...7...386

(لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ)...7...385، 400، 414

(مِمَّا تَرَكَ)...7...386

ص: 621

الآية رقمها الصفحة

(مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ)...7...388

(فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآ تُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً)...24...65

(اسْتَمْتَعْتُمْ)...24...65

(أُجُورَهُنَّ)...24...65

(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ)...34...243

(وَاللاَّتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ)...34...248

المائدة (5)

(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)...1...89 ، 116 ، 147 ، 250، 285، 322، 332، 493

الإسراء (17)

(وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً)...33...406

طه (20)

(فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَ ثَرِ الرَّسُولِ)...96...555

النور (24)

(وَأَنكِحُوا ا لْأَيَامَى)...32...254

ص: 622

الآية رقمها الصفحة

الأحزاب (33)

(يَا أَ يُّهَا النَّبِىُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِى آ تَيْتَ أُجُورَهُنَّ)...50...65

(أُجُورَهُنَّ)...50...65

الزمر (39)

(وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)...67...559

التحريم (66)

(يَا أَ يُّهَا النَّبِىُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللّه ُ لَكَ)...1...256

ص: 623

ص: 624

2- فهرس الأحاديث الشريفة

أخذ مقنعتها ، ووضعها على رأسها ، واعتزالها 43

إذا أحدث فيه شيئاً يمضي عليه البيع ، ويردّ عليه بقدر ما نقص 90

إذا اشتريت متاعاً فيه كيل أو وزن ، فلا تبعه حتّى تقبضه 563

إذا ربح لم يصلح حتّى يقبض ، وإن كان يولّيه فلا بأس 610

إذا قوّمه دراهم فسد ؛ لأنّ الأصل الذي يشتري به دراهم 548

إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء 91، 109

إذا كان بالخيار ؛ إن شاء باع ، وإن شاء لم يبع 376، 544

إذا لم يربح عليه شيئاً فلا بأس ، فإن ربح فلا بيع حتّى يقبضه 610

إذا لم يشترط ورضيا فلا بأس 377، 545

اذهب فتزوّج وتسرّ ؛ فإنّ ذلك ليس بشيء 267، 381

اذهب وتزوّج وتسرّ ؛ فإنّ ذلك ليس بشيء ، وليس شيء عليك ولا عليها 381

أرادت عائشة أن تشتري بريرة ، فاشترط مواليها عليها ولاءها 245

استمتعتم إلى أجل مسمّى 65

ألسنا نبيع تمرنا ممّن يجعله شراباً خبيثاً ؟ ! 539

إنّ البيع لازم لا يردّها ، ويأخذ أرش العيب 57

إنّ البيع لازم ، ويأخذ أرش العيب 205

ص: 625

إنّ الحدّ لا يورث كما تورث الديَة والمال 405

إنّ الخسارة ليست عليك 293

أنّ الشرط باطل مع مخالفته للكتاب 323

أنّ الضمان على البائع 587

أنّ المسلمين (أو المؤمنين) عند شروطهم 236

إنّ المسلمين عند شروطهم ، إلاّ شرطاً حرّم حلالاً ، أو أحلّ حراماً 249

إنّ النبي حرّمها 256

إنّ ثمنها كذا وكذا يداً بيد ، وثمنها كذا وكذا نظرة 517

إن حدث بالحيوان حدث فهو من مال البائع 84

إن حدث بالحيوان حدث قبل ثلاثة أيّام ، فهو من مال البائع 475، 482، 484

إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال : لا تورث الشفعة 403

أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم نهى عن شرطين في بيع . . . 512

إن شاء استرجع فضل ماله وأخذ الأرض 367

إن شاء بعدُ أمسكها ، وإن شاء سرّحها إلى أهلها 58

إن شاء وفى لها بما اشترط ، وإن شاء أمسكها ، واتّخذ عليها 265

أنّ شرط اللّه قبل شرطكم 244، 246

أنّ شرط اللّه قبل شرطكم ، فإن شاء وفى لها بما اشترط 264

إن كان الثوب قد قطع . . . 106، 133

إن كان الشيء قائماً بعينه . . . 98

إن كان الشيء قائماً بعينه ردّ على صاحبه 133

إن كان الشيء قائماً بعينه ردّه على صاحبه 19، 91، 106

إن كان الشيء قائماً بعينه ردّه عليه ، وأخذ الثمن 46

إن كان بينهما شرط أ يّاما معدودة ، فهلك في يد المشتري قبل . . . 489

ص: 626

إن كان جاز الشرط فهو ضامن ، وإن كان دخل وادياً لم يوثقها فهو ضامن 297

إن كان قائماً بعينه ردّه على صاحبه ، وأخذ الثمن 87

إن كان مثلها تحيض ولم يكن ذلك من كبر ، فهذا عيب تردّ منه 48

إن كان يعلم أنّ ذلك يكون في الزيت ، لم يرده 20

إن لامس ، أو قبّل ، أو نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل الشراء . . . 465

إنّما حرّم اللّه عزّ وجلّ الربا ؛ لكيلا يمتنع الناس من اصطناع المعروف 537

إنّما له دراهمه ، يأخذ بها ما شاء 547

إنّما هذا تقديم وتأخير ، فلا بأس 377، 544

أ نّه فعل أبي ، وأمرني أن أفعل ذلك في شيء كان عليه 538

أ نّه كره بيع صكّ الورق حتّى يقبض 607

إنّهنّ مستأجرات 62، 63، 64

أ نّى يكون هذا، واللّه يقول : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) ؟ 243

أيّما رجل اشترى شيئاً وبه عيب أو عوار ، ولم يتبرّأ إليه . . . 47

أيّما رجل اشترى شيئاً وبه عيب وعوار ، ولم يتبرّأ إليه . . . 167

بئس ما صنع ، وما كان يدريه ما يقع في قلبه بالليل والنهار . . . 263

بأ نّها من مال البائع إلى أن يقبض المتاع 586

البيّعان بالخيار 495، 496

البيّعان بالخيار ما لم يفترقا 110

البيّنة على المدّعي ، واليمين على المدّعى عليه 141، 142، 152

تردّ الجارية من أربع خصال : من الجنون . . . 67

تردّ الحبلى 68

تزوّج منهنّ ألفاً ، فإنّهنّ مستأجرات 63

التقبيل ، واللمس ، والنظر إلى ما لا يحلّ له 15

تقوّم ما بين العيب والصحّة ، فيردّ على المبتاع 43

ص: 627

تقوّم وبها الداء 211

تقوّم وهي صحيحة ، وتقوّم وبها الداء ، ثمّ يردّ البائع على المبتاع فضل... 207

حتّى يصير البيع للمشتري 474، 475

حتّى يصير المبيع للمشتري 83

حتّى يصير المبيع له 83

حتّى يقبض المتاع ، ويخرجه من بيته 561

حتّى ينقضي الشرط ثلاثة أيّام ، ويصير المبيع للمشتري 473، 476

الحدّ لا يورث 405

خذ منه بسعر يومه 546

الخراج بالضمان 468

الربح بينهما 294

ردّ إلى الكتاب 323

سرقة المتاع من مال صاحبه حتّى يقبضه ، ويخرجه من بيته 82

شرّ المكاسب كسب الربا 538

شرط اللّه آكد 246

شرط اللّه قبل شرطكم 265

شرط اللّه قبل شرطكم ، إن شاء وفى بشرطه ، وإن شاء أمسك امرأته 247

الشرط جائز بين المسلمين ؛ ما لم يمنع منه كتاب أو سنّة 235، 244، 256

شرط له البائع أو لم يشترط 473

صاحب الحيوان بالخيار 110، 496

صيرورة المبيع للمشتري 82

صيرورة المبيع له 83

على البائع حتّى ينقضي الشرط ثلاثة أيّام 81، 469، 478، 487

على البائع ضمانه 486

ص: 628

على اليد ما أخذت . . . 296

على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه 557، 561

على اليد ما جنت . . . 558

على اليد ما قبضت . . . 558

فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئاً ، ثمّ علم بذلك العوار 130

فإنّ المسلمين عند شروطهم ، إلاّ شرطاً حرّم حلالاً ، أو أحلّ حراماً 254

فانههم عن بيع ما لم يقبض ، وعن شرطين في بيع 607

فضل ما بين الصحّة والعيب 204

فقضى علي علیه السلام أنّ على الرجل النفقة ، وبيده الجماع والطلاق 242

فلا تبعه حتّى تكيله أو تزنه 606

فلا تفارقه حتّى تأخذ منه 557

فليتمّ للمرأة شرطها ؛ فإنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال : المسلمون عند شروطهم 323

فليس له إلاّ أقلّهما وإن كانت نظرة 518

فهو من مال البائع 485

فهو من مال بائعه 485

قال أمير المؤمنين علیه السلام : من باع سلعة فقال : إنّ ثمنها كذا وكذا يداً بيد . . . 517

قال علي علیه السلام : لا تردّ التي ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها 19

قضاء اللّه أحقّ ، وشرطه أوثق 241، 246

قضى أمير المؤمنين علیه السلام في امرأة تزوّجها رجل ، وشرط عليها . . . 247

قضى أمير المؤمنين علیه السلام في رجل اشترى جارية فوطأها ، ثمّ وجد . . . 202

قضى علي علیه السلام في رجل تزوّج امرأة وأصدقها ، واشترطت . . . 242

قيمة ما بين الصحّة والعيب . . . 204

كان القضاء الأوّل أنّ الرجل إذا اشترى الأمة فوطأها ، ثمّ ظهر . . . 204

كان القضاء الأوّل في الرجل إذا اشترى الأمة فوطأها . . . 42، 57

ص: 629

كان يضع له من ثمنها بقدر عيبها 205

كلّ شرط خالف كتاب اللّه فهو ردّ 238

كلّ شيء هو لك حلال 216

كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعلم أ نّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك 215

كلّ ما كان في أصل الخلقة ، فزاد أو نقص ، فهو عيب 188

كلّ مبيع تلف قبل قبضه . . . 561، 598

كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه 558، 585

لا أرى به بأساً ما لم يزد على رأس ماله شيئاً 535

لا أرى بهذا بأساً ، إن طابت نفس صاحب الجارية 288

لا بأس به ، إنّما له دراهمه ، يأخذ بها ما شاء 547

لا بأس بهذا، إن جاء بثمنها إلى سنة ردّها عليه 452، 466

لا بيع إلاّ في ملك 434

لا تأخذ منه حتّى يبيعه ويعطيك 546

لا تبعه حتّى تقبضه 608

لا تردّ التي ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها ، وله أرش العيب . . . 68

لا تشتره منه ؛ فإنّه لا خير فيه 546

لا ، حتّى يقبضها ، إلاّ أن يكون معه قوم يشاركهم . . . 609

لا رهن إلاّ مقبوضاً 558

لا ضرر ولا ضرار . . . 527، 530

لا ضمان على المبتاع حتّى ينقضي الشرط ، ويصير المبيع له 81، 482

لا عتق إلاّ في ملك 439، 441

لا عتق ولا بيع إلاّ في ملك 441

لأنّ الأصل الذي يشتري به دراهم . . . 549

لأنّ الأصل الذي يشتري به دراهم ، فلا يصلح دراهم بدراهم 548

ص: 630

لا يبتاع رجل فضّة بذهب إلاّ يداً بيد 557

لا يعجبني أن يبيع كيلاً أو وزناً قبل أن يكيله أو يزنه 564، 606

لعن اللّه بني اُميّة قاطبة 388

للمشتري ، ألا ترى أ نّه لو احترقت لكانت من ماله ؟ ! 466

اللمس ، والتقبيل ، والنظر إلى ما لا يحلّ النظر إليه 47

لو كان الربا حلالاً لترك الناس التجارات 537

لو كان لي عليه سلطان لأوجعت رأسه ، وقلت له : اللّه أحلّها لك 255

له أرش العيب 42، 197، 205

ليس به بأس ، إنّما يشتريه منه بعد ما يملكه 468

ليس على الذي اشترى ضمان حتّى يمضي شرطه 486

ليس عليه كفّارة ، ولا طلاق 256

ليس لك أن تردّها ، ولك أن تأخذ قيمة ما بين الصحّة والعيب 41

ليس له أن يردّها 497

ليس متاعك ، ولا بقرك ، ولا غنمك 471

ليس هو متاعك ، ولا بقرك ، ولا غنمك 467، 543

ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب اللّه 240

ما بال القوم يشترطون شروطاً ليست في كتاب اللّه 241

ما ترك الميّت من حقّ فلوارثه 385

ما تركه الميّت فلوارثه 387

ما زاد على القبضة ففي النار 555

ما لم يكن كيل أو وزن ، فلا تبعه حتّى تكيله أو تزنه 563، 605

مخالفة الشرط للكتاب وعدمها . . . 277

المرأة تردّ من أربعة أشياء 58

المسلمون عند شروطهم 239، 255، 323

ص: 631

المسلمون عند شروطهم ، إلاّ شرطاً فيه معصية 331

المسلمون عند شروطهم، إلاّ كلّ شرط خالف كتاب اللّه 248، 380

المسلمون عند شروطهم إلاّ كلّ شرط خالف كتاب اللّه عزّ وجلّ ، فلا يجوز 245

المسلمون عند شروطهم ، إلاّ من عصى اللّه 331

المسلمون عند شروطهم فيما وافق كتاب اللّه 247

معاذ اللّه أن يجعل لها أجراً 62، 65

من اشترط شرطاً سوى كتاب اللّه فلا يجوز ذلك له ، ولا عليه 264

من اشترط شرطاً مخالفاً لكتاب اللّه ، فلا يجوز له 244

من شرط لامرأته شرطاً سوى كتاب اللّه تعالى ، لم يجز ذلك عليه 245

من شرط لامرأته شرطاً فليف به لها ؛ فإنّ المسلمين عند شروطهم 235

من شرط لامرأته شرطا فليف لها به 254

من شرط لامرأته شرطاً فليف لها به ؛ فإنّ المسلمين عند شروطهم 332

من قتل دون مظلمته فهو شهيد 336

من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته ، حتّى يُقبض المتاع . . . 560، 586

المؤمنون عند شروطهم 228، 267، 271، 279، 310، 312، 321، 323، 324، 330، 332، 333، 334

المؤمنون عند قيودهم 312

الناس مسلّطون على أموالهم 295، 425، 570

نحن نبيع تمرنا ممّن نعلم أ نّه يصنعه خمراً 539

نهى النبي صلی الله علیه و آله وسلم عن الغرر 304

نهى النبي صلی الله علیه و آله وسلم عن بيع الغرر 304

نهى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن بيعين في بيع 516

ص: 632

نهى صلی الله علیه و آله وسلم عن شرطين في بيع 517

وإذا افترقا وجب البيع 464

والأشياء كلّها على ذلك 216

وإن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ ، يرجع بنقصان العيب 211

وإن كان بينهما شرط أيّاماً معدودة ، فهلك في يد المشتري قبل . . . 473، 477، 484

وجب البيع ، والثمن إذا لم يكونا اشترطا فهو نقد 504

وعلّة تحريم الربا بالنسيئة ، لعلّة ذهاب المعروف ، وتلف الأموال 537

وقال علیه السلام : من ساوم بثمنين ؛ أحدهما عاجلاً ، والآخر نظرةً . . . 517

الولاء لمن أعتق 241

ولا بيع إلاّ في ملك 441

ولا عتق إلاّ في ملك 434

ولا يغرم الرجل إذا استأجر الدابّة ، ما لم يكن يكرهها ، أو يبغها غائلة 297

ولك أن تأخذ قيمة ما بين الصحّة والعيب 42

ولّى الأمر من ليس أهله ، وخالف السنّة ، ولم يجز النكاح 242

ولّى الأمر من ليس بأهله 243

وليس شيء عليك، ولا عليها 382

ونهى عن بيع ما لا يضمن 612

ونهى عن بيع ما لم يضمن 607

ويردّ بقدر ما نقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك 201

ويردّ عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك 211

ويردّ معها نصف عشر قيمتها 68

ويستحلّون حرامه بالشبهات الكاذبة ، والأهواء الساهية 538

ويصير المبيع للمشتري 469

هذا شرط فاسد ، لا يكون النكاح إلاّ على درهم أو درهمين 266

ص: 633

هذا من الصدقة ، تعطي المسكين القبضة بعد القبضة 555

هنّ بمنزلة الإماء 64

هو بأقلّ الثمنين إلى أبعد الأجلين 519

يأخذ أرش العيب 201، 212

يا علي ، إنّ القوم سيفتنون بأموالهم 538

يدفع إليه الورق ، ويقبض منه الدنانير 557

يرجع بقدر ما نقصها العيب 205

يرجع بقيمة العيب 205، 207

يرجع بنقصان العيب 201

يردّ البائع على المبتاع فضل ما بين الصحّة والداء 198

يردّ بقدر ما نقصها العيب 211

يردّ عليه بقدر ما نقص . . . 87، 206

يردّ عليه بقيمة ما نقصها العيب 207

يردّ عليه فضل القيمة إذا علم أ نّه صادق 15

يردّ معها شيء 70

يردّها ويكسوها 70

يضع من ثمنها بقدر عيبها 211

يقول : ليس له إلاّ أقلّ الثمنين إلى الأجل الذي أجّله بنسيئة 519

يوضع عنها من ثمنها بقدر عيب 205

يوضع عنها من ثمنها بقدر عيب إن كان فيها 201

يوضع عنه من ثمنها بقدر العيب 43

ص: 634

3- فهرس أسماء المعصومين علیهم السلام

النبي، محمّد، رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم =محمّد بن عبداللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، نبي الإسلام

محمّد بن عبداللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، نبي الإسلام 5، 65، 188، 240، 243، 245، 256، 263، 264، 304، 323، 403، 485، 512، 516، 530، 537، 538، 555، 578، 579، 598، 599، 607، 608، 610، 611، 612، 616، 617، 618

علي، أمير المؤمنين علیه السلام =علي بن أبي طالب علیه السلام ، الإمام الأوّل

علي بن أبي طالب علیه السلام ، الإمام الأوّل 19، 65، 202، 242، 245، 247، 297، 403، 516، 517، 518، 538، 607، 618

علي بن الحسين علیه السلام ، الإمام الرابع 42، 57

أبو جعفر علیه السلام =محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام الخامس

محمد بن علي علیه السلام ، الإمام الخامس 47، 187، 242، 243، 244، 247، 255، 297، 467، 516، 519، 535

أبو عبداللّه علیه السلام =جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام السادس

جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام السادس 19، 41، 42، 48، 57، 63، 68، 81، 82، 202، 214، 242، 244، 245، 255، 264، 265، 266، 288، 297، 366، 376، 403، 405، 451، 452، 465، 466، 467، 469، 475، 482، 484، 485، 486، 504، 512، 517، 538، 539، 542، 543، 544، 546، 560، 563، 564، 586، 605، 606، 607، 609، 614

الصادقين علیهما السلام (محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام

ص: 635

الخامس / جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام السادس) 599

أحدهما علیهما السلام (محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام الخامس / جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام

السادس) 19، 46

العبد الصالح ، أبو الحسن علیه السلام =موسى بن جعفر علیه السلام ، الإمام السابع

موسى بن جعفر علیه السلام ، الإمام السابع 263، 288، 375، 377، 538، 544، 610

الرضا ، أبو الحسن علیه السلام =علي بن موسى علیه السلام ، الإمام الثامن

علي بن موسى علیه السلام ، الإمام الثامن 15، 16، 21، 174، 305، 538

ص: 636

4- فهرس الأعلام

الآخوند الخراساني، محمّد كاظم بن الحسين 77، 207، 277، 279، 280، 372، 496

إبراهيم بن محرز 243

ابن أبي جمهور، محمّد بن زين الدين 219

ابن أبي ليلى 187، 188

ابن إدريس، محمّد بن أحمد 288، 367

ابن إسحاق=محمّد بن إسحاق بن عمّار

ابن البرّاج، عبدالعزيز بن نحرير 403

ابن الجنيد الإسكافي، محمّد بن أحمد 61، 149، 515

ابن بابويه، محمّد بن علي 22، 81، 82، 474، 475، 536

ابن حازم=منصور بن حازم

ابن حمزة، محمّد بن علي 128، 403

ابن رئاب=علي بن رئاب

ابن رباط=علي بن رباط

ابن زهرة، حمزة بن علي 257، 304

ابن سنان=عبداللّه بن سنان

ابن عبّاس، عبداللّه بن عبّاس 536

ابن فضّال 242

ابن مسلم=محمّد بن مسلم

أبو الجارود 452

أبو الربيع 288، 293

أبو بصير 564، 606، 610

أبو حنيفة 468

أبو عبيدة الحذّاء 266

الأردبيلي، أحمد بن محمّد 569

إسحاق بن عمّار 248، 254، 451، 465

الإسكافي=ابن الجنيد الإسكافي، محمّد بن أحمد

الأصفهاني، محمّد حسين 55، 155، 208، 276، 283، 320، 410، 446، 616

ص: 637

الأنصاري=الأنصاري، مرتضى بن محمّد أمين

الأنصاري، مرتضى بن محمّد أمين 9، 13، 34، 37، 38، 40، 47، 62، 66، 91، 92، 99، 101، 104، 115، 117، 123، 125، 136، 149، 155، 162، 164، 168، 169، 175، 177، 179، 187، 191، 193، 196، 200، 208، 217، 219، 235، 240، 241، 253، 259، 269، 275، 285، 304، 309، 315، 317، 326، 336، 372، 382، 388، 390، 393، 396، 399، 412، 415، 419، 423، 432، 435، 436، 439، 446، 454، 478، 483، 487، 493، 497، 499، 500، 506، 507، 509، 522، 525، 531، 533، 536، 566، 575، 580، 599، 603

البحراني، يوسف بن أحمد 569

بريرة 241، 245

البروجردي، حسين 108

بشّار بن يسار 466، 471، 542

بعض الأجلّة=الأصفهاني، محمّد حسين

بعض الأجلّة=الشهيد الأوّل، محمّد بن مكّي

بعض الأعاظم=النائيني، محمّد حسين

بعض الأعيان=الأصفهاني، محمّد حسين

بعض الأكابر=البروجردي، حسين

بعض السادة=اليزدي، محمّد كاظم بن عبدالعظيم

بعض المحشّين=الأصفهاني، محمّد حسين

بعض أهل التحقيق=الأصفهاني، محمّد حسين

بعض أهل النظر=الأصفهاني، محمّد حسين

بنت حمران 266، 381

جعفر بن عيسى 117، 118، 119، 174

جميل=جميل بن درّاج

جميل بن درّاج 19، 21، 46، 59، 61، 71، 75، 76، 79، 85، 87، 89، 116، 126، 130، 133، 136، 190، 195، 211، 614

الحائري، عبدالكريم 274

الحسين بن المنذر 376، 544، 550

الحلبي، عبيداللّه بن علي 245، 247، 297، 563، 609، 612، 613، 616

الحلّي=ابن إدريس، محمّد بن أحمد

ص: 638

حمّاد بن عيسى 42، 57، 197

حمّادة 266

الحميري، أبو العبّاس عبداللّه= الحميري، عبداللّه بن جعفر

الحميري، عبداللّه بن جعفر 57

خالد بن الحجّاج 541، 542، 545، 546، 547

الخراساني=الآخوند الخراساني، محمّد كاظم بن الحسين

داود بن فرقد 34، 48

الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمّد 184

رفاعة بن موسى النخّاس=النخّاس، رفاعة بن موسى

زرارة 46، 47، 49، 51، 57، 59، 85، 87، 89، 106، 108، 114، 117، 119، 125، 130، 132، 174، 184، 206، 211، 255، 266، 381

الساباطي، عمّار بن موسى 405، 504، 607، 610، 615، 617

السكوني، إسماعيل بن أبي زياد 21، 405، 516، 518، 519

سماعة بن مهران 609، 612، 613

سمرة بن جندب 527، 530

السيّد اليزدي=اليزدي، محمّد كاظم بن عبدالعظيم

الشافعي، محمّد بن إدريس 172

الشهيد الأوّل، محمّد بن مكّي 309

الشهيد الثاني، زين الدين بن علي 506

الشيباني، يونس 551

الشيخ=الأنصاري، مرتضى بن محمّد أمين

الشيخ=الطوسي، محمّد بن الحسن

الشيخ الأعظم=الأنصاري، مرتضى بن محمّد أمين

شيخ الطائفة=الطوسي، محمّد بن الحسن

شيخنا العلاّمة=الحائري، عبدالكريم

صاحب الحدائق=البحراني، يوسف بن أحمد

صاحب الكفاية=المحقّق السبزواري، محمّد باقر بن محمّد مؤمن

الصدوق=ابن بابويه، محمّد بن علي

ضريس=الكناسي، ضريس

الطباطبائي=اليزدي، محمّد كاظم بن عبدالعظيم

الطبرسي، فضل بن الحسن 403

طلحة بن زيد 198، 202، 207، 403

ص: 639

الطوسي، محمّد بن الحسن 69، 214، 240، 304، 367، 403، 541، 544، 545، 546، 548، 589

عائشة بنت أبي بكر 245، 378

عبدالرحمان بن أبي عبداللّه 70، 265، 486

عبدالصمد بن بشير 542، 545، 546، 547

عبداللّه بن جعفر 544

عبداللّه بن سنان 19، 81، 244، 245، 248، 253، 264، 469، 472، 473، 476، 484، 485، 489

عبدالملك 68، 69

عبدالملك بن عتبة 375

عبيد بن زرارة 63، 542، 545، 546

العلاّمة الحائري=الحائري، عبدالكريم

العلاّمة الحلّي، الحسن بن يوسف 11، 55، 58، 125، 128، 151، 240، 299، 306، 428، 487، 492، 493، 505، 536، 600

علي بن جعفر 377، 545، 548، 608، 610

علي بن رئاب 48، 464

علي بن رباط 81، 84، 475، 481، 484، 485، 486، 489، 490

عمر بن حنظلة 366

عمر بن يزيد 20

العيّاشي، محمّد بن مسعود 247، 253، 266

غياث بن إبراهيم 607

الفخر=فخر المحقّقين، محمّد بن الحسن

فخر الدين=فخر المحقّقين، محمّد بن الحسن

فخر المحقّقين، محمّد بن الحسن 162، 163، 164، 393

الكليني، محمّد بن يعقوب 214

الكناسي، ضريس 266، 381

مارية القبطية 256

المجلسي، محمّد باقر بن محمّد تقي 15

المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن 288، 299

محمّد بن إسحاق بن عمّار 536، 538

محمّد بن القاسم الحنّاط 546

محمّد بن قيس 242، 244، 246، 264،

265، 266، 297، 516، 517، 518، 519

محمّد بن مسلم 70، 176، 187، 188، 203، 247، 255، 467، 535

ص: 640

مروان بن مسلم 242، 243

مسعدة بن صدقة 214، 538

معاوية بن ميسرة 452

معاوية بن وهب 563، 565، 605، 610

المفيد، محمّد بن محمّد 22

منصور بن حازم 207، 543، 563، 565، 610

منصور بن يونس بزرج 263، 381

النائيني، محمّد حسين 280، 298، 338، 450

النخّاس، رفاعة بن موسى 41، 288، 291، 293

اليزدي، محمّد كاظم بن عبدالعظيم 37، 182، 191، 200، 337، 401، 445، 497، 507

يعقوب بن شعيب 545، 546، 547

يونس الشيباني=الشيباني، يونس

يونس=يونس بن عبدالرحمان

يونس بن عبدالرحمان 15، 20

ص: 641

ص: 642

5- فهرس الكتب الواردة في المتن

القرآن الكريم 527

الاستبصار 541، 542، 545، 546

الإيضاح=إيضاح الفوائد

إيضاح الفوائد 161

التذكرة=تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء 11 ،61، 134، 151، 168، 306، 385، 427، 492، 521، 524، 600، 616

تعليقة السيّد الطباطبائي على المكاسب

‘حاشية المكاسب للمحقّق اليزدي

تعليقة المحقّق الخراساني على المكاسب

‘حاشية المكاسب للمحقّق الخراساني

تفسير العيّاشي 247

تقريرات بعض الأعاظم على المكاسب منية الطالب

التهذيب=تهذيب الأحكام

تهذيب الأحكام 110، 111، 118، 130،

167، 184، 185، 473، 476، 546

جامع المقاصد 168، 523، 532

الجواهر=جواهر الكلام

جواهر الكلام 507، 572

حاشية المكاسب للمحقّق الخراساني 496

حاشية المكاسب للمحقّق اليزدي 37، 191، 497، 507

الحدائق الناضرة 175، 569

الخلاف 92، 304، 571

الدروس الشرعية 509

الدعائم=دعائم الإسلام

دعائم الإسلام 241، 245، 246، 256، 331، 512 ،514

رسالة الاستصحاب للإمام الخميني (سلام اللّه عليه) 418

ص: 643

رسالة لا ضرر للإمام الخميني (سلام اللّه عليه) 527

الرياض=رياض المسائل

رياض المسائل 309

الشرائع=شرائع الإسلام

شرائع الإسلام 513

شرح التهذيب=ملاذ الأخيار

الغنية=غنية النزوع

غنية النزوع 92، 235، 244، 256، 304، 385، 511، 515

الفقه الرضوي=الفقه المنسوب للإمام

الرضا علیه السلام

الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام 21

الفقيه=من لا يحضره الفقيه

الفهرست للشيخ الطوسي 403

قرب الإسناد 510، 544، 545، 551

القواعد=قواعد الأحكام

قواعد الأحكام 158، 513

كتاب الشيخ الأعظم=المكاسب

للشيخ الأنصاري

الكفاية=كفاية الفقه

كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 13

المجمع=مجمع البحرين

مجمع الفائدة والبرهان 186

مجمع البحرين 607

المسالك=مسالك الأفهام

مسالك الأفهام 168، 566

المستدرك=مستدرك الوسائل

مستدرك الوسائل 305

مفتاح الكرامة 186

المفردات=مفردات ألفاظ القرآن

مفردات ألفاظ القرآن 184

المقنعة 512

المكاسب للشيخ الأنصاري 46، 599

ملاذ الأخيار 15

المنجد 187

من لا يحضره الفقيه 475، 476

منية الطالب 450

الناصريات 515

النهاية=النهاية في مجرّد الفقه

والفتاوى

النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى 513، 541، 546

نهج البلاغة 538

الوافي 111، 118، 475

الوسائل=وسائل الشيعة

وسائل الشيعة 111، 118، 167، 168 184، 305، 475

ص: 644

6- فهرس مصادر التحقيق

«القرآن الكريم» .

«أ»

1 - أجود التقريرات (تقريرات المحقّق النائيني) . السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي (1317 - 1413) ، تحقيق مؤسّسة صاحب الأمر(عج) ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مطبعة ستارة ، 1419 ق .

2 - الاستبصار فيما اختلف من الأخبار . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الثالثة ، 4 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1390 ق .

3 - الاستصحاب ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه ».=موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

4 - أقرب الموارد . سعيد الخوري الشرتوني اللبناني ، 3 مجلّدات ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1403 ق .

5 - الأمالي . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق مؤسّسة البعثة ، الطبعة الاُولى ، قم ، دار الثقافة ، 1414 ق .

6 - أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . ‘موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

7 - إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد . فخر المحقّقين الشيخ أبو طالب محمّد بن الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي (682 - 771) ، إعداد عدّة من العلماء ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، المطبعة العلمية ، 1387 ق .

ص: 645

«ب»

8 - بحار الأنوار الجامعة لدُرر أخبار الأئمّة الأطهار . العلاّمة محمّد باقر بن محمّدتقيّ المجلسي (1037 - 1110) ، الطبعة الثانية ، إعداد عدّة من العلماء ، 110 مجلدٍ ( إلاّ 6 مجلّدات ، من المجلّد 29 - 34) + المدخل ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1403 ق / 1983 م .

9 - بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

10 - بغية الطالب في حاشية المكاسب . السيّد أبو القاسم الجيلاني الإشكوري ، الطبعة الحجرية ، طهران ، دار الطباعة ، 1332 ق .

«ت»

11 - تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق علیه السلام ، 1421 ق .

12 - تذكرة الفقهاء . جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر ، العلاّمة الحلّي (648 - 726) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، صدر منه حتّى الآن 20 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1414 - 1433 ق .

13 - التعادل والترجيح، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه ».=موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

14 - تفسير العيّاشي . أبو النضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش السمرقندي ( أواخر قرن الثالث) ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي ، مجلّدان ، طهران ، المكتبة العلمية الإسلامية .

15 - تنقيح الاُصول (تقريرات الإمام الخميني قدّس سرّه ) . حسين التقوي الاشتهاردي (1304 - 1378 ش) ، تحقيق مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، الطبعة الاُولى ،

ص: 646

4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، 1418 - 1419 ق / 1376 - 1377 ش .

16 - تنقيح المقال في علم الرجال . الشيخ عبداللّه بن محمّد حسن المامقاني (1290 - 1351) ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، بالاُفست عن طبعة النجف الأشرف ، المطبعة المرتضوية ، 1352 ق .

17 - تهذيب الأحكام . أبو جعفر محمّد بن الحسن ، الشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الرابعة ، 10 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1365 ش .

18 - تهذيب الاُصول (تقريرات الإمام الخميني قدّس سرّه ) . الشيخ جعفر السبحاني التبريزي ، تحقيق مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، 1424 ق .

«ج»

19 - جامع أحاديث الشيعة ، الذي اُ لّف تحت إشراف آية اللّه العظمى الحاج آقا حسين الطباطبائي البروجردي . (1291 - 1380) ، الشيخ إسماعيل المعزّي الملايري ، الطبعة الثانيه ، 26 مجلّداً ، مطبعة مهر ، 1413 ق / 1371 ش .

20 - جامع المقاصد في شرح القواعد . المحقّق الثاني علي بن الحسين بن عبدالعالي الكركي (868 - 940) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 13 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1408 - 1411 ق .

21 - الجامع للشرائع . نجيب الدين يحيى بن أحمد بن سعيد الحلّي الهذلي (601 - 689) ، تحقيق جمع من الفضلاء ، قم ، مؤسّسة سيّد الشهداء علیه السلام ، 1405 ق .

22 - جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام . الشيخ محمّد حسن بن باقر النجفي (م 1266) ، تحقيق الشيخ عبّاس القوچاني ، الطبعة الثالثة ، 43 مجلّداً ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1367 ش .

«ح»

23 - حاشية المكاسب . الآخوند الخراساني محمّد كاظم بن حسين الهروي (1255 -

ص: 647

1329) ، تصحيح السيّد مهديّ شمس الدين . الطبعة الاُولى ، طهران ، وزارة الثقافة الإسلامية ، 1406 ق .

24 - حاشية المكاسب . الحاج ميرزا علي الإيرواني الغروي ، تحقيق باقر الفخّار الأصفهاني ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، دار ذوي القربى ، 1421 ق .

25 - حاشية المكاسب . الشيخ محمّد حسين الغروي الأصفهاني (1296 - 1361) ، تحقيق الشيخ عبّاس محمّد آل سباع القطيفي ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، قم ، ذوي القربى ، 1418 ق .

26 - حاشية المكاسب . العلاّمة السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (م 1337) ، تحقيق الشيخ عبّاس محمّد آل سباع القطيفي ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، دار المصطفى لإحياء التراث ، 1423 ق / 2002 م .

27 - الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة . الشيخ يوسف بن أحمد البحراني (1107 - 1186) ، تحقيق محمّد تقيّ الإيرواني ، الطبعة الاُولى ، 25 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1406 ق .

28 - الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة . صدر المتأ لّهين محمّد بن إبراهيم الشيرازي (م 1050) ، الطبعة الثانية ، 9 مجلّدات ، قم ، مكتبة المصطفوي.

«خ»

29 - الخصال . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الثانية ، جزءان في مجلّد واحد ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1403 ق .

30 - الخلاف . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق جماعة من المحقّقين ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1407 ق .

31 - الخيارات (تقريرات المحقّق الحائري) . الشيخ محمّد علي الأراكي ، الطبعة الاُولى ، قم ، المطبعة مهر ، 1414 ق .

ص: 648

«د»

32 - درر الفوائد . العلاّمة الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي ، تعليق آية اللّه الشيخ محمّد علي الأراكي والمؤلّف ، تحقيق الشيخ محمّد المؤمن القمّي ، الطبعة الخامسة ، جزءان في مجلّد واحد ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1408 ق .

33 - درر الفوائد في الحاشية على الفرائد . الآخوند محمّد كاظم الهروي الخراساني (1255 - 1329) ، تحقيق السيّد مهديّ شمس الدين ، الطبعة الاُولى ، طهران ، مؤسّسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ، 1410 ق / 1990 م .

34 - الدروس الشرعية في فقه الإمامية . الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي (م 786) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1412 - 1414 ق .

35 - دعائم الإسلام . أبو حنيفة القاضي النعمان بن محمّد بن منصور بن أحمد بن حيّون التميمي المغربي (م 363) ، تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي ، مجلّدان ، القاهرة ، دار المعارف ، 1383 ق / 1963 م .

«ر»

36 - رجال الطوسي . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق جواد القيّومي الأصفهاني ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1415 ق .

37 - رجال النجاشي . أبو العبّاس أحمد بن علي بن أحمد بن العبّاس النجاشي الأسدي الكوفي (372 - 450) ، تحقيق السيّد موسى الشبيري الزنجاني ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1407 ق .

38 - رسالة الصلاة في المشكوك . الميرزا محمّد حسين الغروي النائيني (1276 - 1355) ، تحقيق الشيخ جعفر الغروي النائيني ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1418 ق .

39 - الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية . الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد

ص: 649

العاملي (911 - 965) ، تحقيق مجمع الفكر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي ، 1424 ق .

40 - رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل . السيّد علي بن محمّد علي الطباطبائي (1161 - 1231) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1412 - 1423 ق .

«س»

41 - السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي . أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي (543 - 598) ، إعداد مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1410 - 1411 ق .

42 - السنن الكبرى . أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (384 - 458) ، إعداد الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الطبعة الاُولى ، 10 مجلّدات ، الفهرس ، بيروت ، دار المعرفة ، 1413 ق / 1992 م .

«ش»

43 - شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام . المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن الحسن ابن يحيى بن سعيد الهذلي (602 - 676) ، تحقيق عبد الحسين محمّد علي بقّال ، الطبعة الثالثة ، 4 أجزاء في مجلّدين ، قم ، مؤسّسة إسماعيليان ، 1409 ق .

44 - شرح المنظومة . المولى هادي بن مهديّ السبزواري (1212 - 1289) ، تصحيح و تعليق وتحقيق حسن حسن زاده الآملي ومسعود الطالبي ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، طهران ، نشر ناب ، 1369 - 1379 ش .

«ص»

45 - الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية) . إسماعيل بن حمّاد الجوهري (م 393) ، تحقيق أحمد عبد الغفور عطّار ، الطبعة الرابعة ، 6 مجلّدات ، بيروت ، دار العلم للملايين ، 1407 ق / 1987 م .

46 - صحيح مسلم . أبو الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوري (206 - 261) ،

ص: 650

تحقيق وتعليق الدكتور موسى شاهين لاشين والدكتور أحمد عمر هاشم ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، بيروت ، مؤسّسة عزّ الدين ، 1407 ق / 1987 م .

47 - صحيفة الإمام الرضا علیه السلام . تحقيق محمّد مهديّ نجف ، الطبعة الاُولى ، مشهد ، المؤتمر العالمي للإمام الرضا علیه السلام ، مؤسّسة طبع ونشر الآستانة الرضوية المقدّسة ، 1406 ق .

«ط»

48 - الطهارة ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » .=موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

«ع»

49 - العدّة في اُصول الفقه . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق محمّد رضا الأنصاري القمّي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مطبعة ستارة ، 1417 ق .

50 - العروة الوثقى . السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (م 1337) مع تعليقات عدّة من الفقهاء العظام ، إعداد أحمد المحسني السبزواري ، الطبعة الثانية ، 6 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1421 ق .

51 - عوائد الأيّام . المولى أحمد بن محمّد مهديّ بن أبي ذرّ النراقي (1185 - 1245) ، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1417 ق / 1375 ش .

52 - عوالي اللآلي العزيزية في الأحاديث الدينية . محمّد بن علي بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور (م - أوائل القرن العاشر) ، تحقيق مجتبى العراقي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مطبعة سيّد الشهداء ، 1403 ق .

53 - عيون أخبار الرضا علیه السلام . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، الشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح السيّد مهديّ الحسيني اللاجوردي ، الطبعة الثانية ، منشورات جهان .

«غ»

54 - غاية الآمال في حاشية المكاسب . الشيخ محمّد حسن المامقاني (1238 - 1323) ، مع

ص: 651

نهاية المقال في تكملة غاية الآمال . الشيخ عبداللّه المامقانى (1290 - 1351) ، تحقيق الشيخ محمّد أمين المامقاني ، الطبعة الاُولى ، 10 مجلّدات ، قم ، مطبعة ثامن الحجج علیهم السلام ، 1423 ق / 1381 ش .

55 - غاية المراد . شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي الشهيد الأوّل (م 786) ، تحقيق رضا المختاري ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، قم ، 1414 ق .

56 - غنية النزوع إلى علمي الاُصول والفروع . أبو المكارم السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي المعروف بابن زهرة (511 - 585) ، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق علیه السلام ، 1417 ق .

«ف»

57 - فتح العزيز شرح الوجيز .=المجموع شرح المهذّب.

58 - فرائد الاُصول ، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 24 - 27 . الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري (1214 - 1281) ، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي ، 1419 ق / 1377 ش .

59 - الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام . تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، مشهد المقدّس ، المؤتمر العالمي للإمام الرضا علیه السلام ، 1406 ق .

60 - الفقيه (من لا يحضره الفقيه) . أبو جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الرابعة ، 4 مجلّدات ، النجف الأشرف ، دار الكتب الإسلامية ، 1377 ق / 1957 م .

61 - فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) . الشيخ محمّد علي الكاظمي الخراساني (1309 - 1365) ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1404 ق .

62 - الفهرست . أبو جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (380 - 460) ، تحقيق الشيخ جواد القيّومي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، 1417 ق .

ص: 652

«ق»

63 - القاموس المحيط والقابوس الوسيط . أبو طاهر مجد الدين محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي (729 - 817) ، 4 مجلّدات ، بيروت ، دار الجيل .

64 - قرب الإسناد . أبو العبّاس عبداللّه بن جعفر الحميري القمّي (م بعد 304) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1413 ق .

65 - قواعد الأحكام في مسائل الحلال والحرام . العلاّمة الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي (648 - 726) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1413 ق .

66 - القواعد والفوائد في الفقه والاُصول والعربية . الشيخ شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي المعروف بالشهيد الأوّل (734 - 786) ، تحقيق عبد الهادي الحكيم ، الطبعة الثانية ، مجلّدان ، قم ، مكتبة المفيد ، 1399 ق / 1979 م .

67 - قوانين الاُصول . المحقّق ميرزا أبو القاسم القمّي بن المولى محمّد حسين الجيلاني المعروف بالميرزا القمّي (1151 - 1231) ، مجلّدان ، الطبعة الحجرية ، المجلّد الأوّل ،

طهران ، المكتبة العلمية الإسلامية ، 1378 ، والمجلّد الثاني ، طهران ، المستنسخة سنة

1310 ق .

«ك»

68 - الكافي . ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (م 329) ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الخامسة ، 8 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1363 ش .

69 - الكافي في الفقه . تقيّ الدين بن نجم أبو الصلاح الحلبي (374 - 447) ، تحقيق رضا الاُستادي ، أصفهان ، مكتبة الإمام أمير المؤمنين علیه السلام ، 1403 ق .

70 - كامل الزيارات . أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه القمّي ، الشيخ جواد القيّومي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، 1417 ق .

ص: 653

71 - كفاية الاُصول . الآخوند الخراساني المولى محمّد كاظم بن حسين الهروي (1255 - 1329) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي .

72 - كفاية الفقه المشتهر ب «كفاية الأحكام» . محمّد باقر بن محمّد مؤمن الشريف الخراساني السبزواري (1017 - 1090) ، تحقيق الشيخ مرتضى الواعظي الأراكي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1423 ق .

«ل»

73 - لسان العرب . أبو الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم بن منظور المصري (630 - 711) ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً + الفهرس ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1408 ق / 1988 م .

74 - لمحات الاُصول (تقريرات المحقّق البروجردي) ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » .

‘ موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

«م»

75 - المبسوط في فقه الإمامية . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد محمّد تقيّ الكشفي ، الطبعة الثانية ، 8 أجزاء في 4 مجلّدات، طهران ، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية ، 1387 - 1393 ق .

76 - مجمع البحرين ومطلع النيّرين . فخر الدين الطريحي (972 - 1085) ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، بيروت ، دار ومكتبة الهلال ، 1985 م .

77 - مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان . أحمد بن محمّد المعروف بالمقدّس الأردبيلي (م 993) ، تحقيق مجتبى العراقي وعلي پناه الاشتهاردي وحسين اليزدي ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1402 - 1414 ق .

78 - المجموع (شرح المهذّب) ويليه فتح العزيز ويليه التلخيص الحبير . أبو زكريّا يحيى بن شرف النووي الشافعي (631 - 676) ، [الطبعة الاُولى]، 20 مجلّداً ، بيروت ، دار الفكر .

79 - المختصر النافع . أبو القاسم نجم الدين جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهُذَلي (602

ص: 654

- 676) ، الطبعة الثانية ، قم ، منشورات مؤسّسة المطبوعات الديني ، 1368 ش .

80 - مختلف الشيعة في أحكام الشريعة . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 9 مجلّدات + الفهرس ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1412 - 1420 ق .

81 - مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول . العلاّمة محمّد باقر بن محمّد تقيّ المجلسي (1037 - 1110) ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي والسيّد جعفر الحسيني والشيخ علي الآخوندي ، الطبعة الثانية ، 26 مجلّداً ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1363 ش .

82 - المراسم في الفقه الإمامي . حمزة بن عبد العزيز الديلمي الملقّب بسلاّر (م 463) ، إعداد محمود البستاني ، قم ، منشورات حرمين ، 1404 ق .

83 - مسائل علي بن جعفر ومستدركاتها . تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، بيروت ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1410 ق / 1990 م .

84 - مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام . الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي الجبعي (911 - 965) ، تحقيق مؤسّسة المعارف الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة المعارف الإسلامية ، 1413 - 1419 ق .

85 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل . الحاج الميرزا حسين المحدّث النوري الطبرسي (1254 - 1320) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 25 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1407 ق .

86 - المستدرك على الصحيحين . الإمام الحافظ أبو عبداللّه الحاكم النيسابوري (312 - 405) ، تحت إشراف يوسف عبدالرحمن المرعشلي ، 4 مجلّدات + الفهرس ، بيروت ، دار المعرفة .

87 - مستند الشيعة في أحكام الشريعة . أحمد بن محمّد مهديّ النراقي (م 1245) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 18 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1415 - 1420 ق .

88 - المسند . أحمد بن محمّد بن حنبل (164 - 241) ، إعداد أحمد محمّد شاكر وحمزة

ص: 655

أحمد الزين ، الطبعة الاُولى ، 20 مجلّداً ، القاهرة ، دار الحديث ، 1416 ق .

89 - مصباح الفقاهة (تقريرات المحقّق آية اللّه الخوئي) . محمّد علي التوحيدي ، 7 مجلّدات ، انتشارات وجداني ، 1371 ش .

90 - مطارح الأنظار (تقريرات الشيخ الأعظم الأنصاري) . الميرزا أبو القاسم الكلانتري (1236 - 1292) ، تحقيق مجمع الفكر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي ، 1425 ق .

91 - معجم مقاييس اللغة . أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا (م 395) ، تحقيق عبد السلام محمّد هارون ، 6 مجلّدات ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1404 ق .

92 - مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلاّمة . السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي (1160 - 1228) ، تحقيق محمّد باقر الخالصي ، الطبعة الاُولى ، 26 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1419 - 1433 ق .

93 - مفردات ألفاظ القرآن . حسين بن محمّد المفضّل الراغب الأصفهاني (م حدود 425) ، تحقيق عدنان صفوان داوودي ، الطبعة الثانية ، قم ، منشورات ذوي القربى ، 1423 ق .

94 - مقالات الاُصول . الشيخ ضياء الدين العراقي (1278 - 1361) ، تحقيق الشيخ محسن العراقي والسيّد منذر الحكيم والشيخ مجتبى المحمودي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي ، 1414 - 1420 ق .

95 - المقنعة . أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (م 413) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1410 ق .

96 - المكاسب ، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 14 - 19 . الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري الدزفولي (1214 - 1281) ، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، قم ، مكتبة الفقهية ، 1415 - 1420 ق .

والطبعة الحجرية من المكاسب ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، 1416 ق .

97 - ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار . العلاّمة محمّد باقر بن محمّد تقيّ المجلسي ،

ص: 656

تحقيق السيّد مهديّ الرجائي ، 16 مجلّداً ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1406 ق .

98 - مناهج الوصول إلى علم الاُصول ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » .موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

99 - المنجد في اللغة . لوئيس معلوف وعدّة من الأساتذة ، الطبعة الثالثة والثلاثون ، بيروت ، دار المشرق ، 1992 م .

100 - منية الطالب في شرح المكاسب (تقريرات المحقّق النائيني) . الشيخ موسى بن محمّد النجفي الخوانساري (1254 - 1363) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1424 ق .

101 - موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه . تحقيق مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، 1434 ق / 1392 ش .

102 - المهذّب . أبو القاسم عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز القاضي ابن البرّاج (400 - 481) ، إعداد مؤسّسة سيّد الشهداء ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1406 ق .

103 - المهذّب البارع في شرح المختصر النافع . العلاّمة أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي (757 - 841) ، تحقيق مجتبى العراقي ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1407 - 1413 ق .

«ن»

104 - نهاية الأفكار (تقريرات المحقّق آغا ضياء الدين العراقي) . الشيخ محمّد تقيّ البروجردي النجفي (م 1391) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 4 أجزاء في 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1405 ق .

105 - نهاية الدراية في شرح الكفاية . الشيخ محمّد حسين الأصفهاني (1296 - 1361) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1414 ق .

ص: 657

106 - النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، قم ، انتشارات قدس محمّدي .

«و»

107 - الوافي . محمّد بن المرتضى المولى محسن المعروف بالفيض الكاشاني (1006 - 1091) ، إعداد ضياء الدين الحسيني ، الطبعة الاُولى ، 26 مجلّداً ، أصفهان ، مكتبة الإمام أمير المؤمنين علیه السلام ، 1412 ق .

108 - وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة . الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (1033 - 1104) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 30 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1409 ق .

109 - الوسيلة إلى نيل الفضيلة . عماد الدين أبو جعفر محمّد بن علي الطوسي المعروف بابن حمزة ( القرن السادس) ، تحقيق الشيخ محمّد الحسّون ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1408 ق .

110 - وقاية الأذهان مع رسالتي سمطا اللآل في مسألتي الوضع والاستعمال وإماطة الغين عن استعمال العين في معنيين . الشيخ أبو المجد محمّد رضا بن محمّد حسين النجفي الأصفهاني ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1413 ق .

«ه »

111 - هداية الطالب إلى أسرار المكاسب . الميرزا فتّاح الشهيدي التبريزي (1214 - 1281) ، الطبعة الثانية ، 5 مجلّدات ، قم ، دار الفقه للطباعة والنشر ، 1428 ق / 1386 ش .

ص: 658

7- فهرس الموضوعات

السابع : خيار العيب

القول في خيار العيب

إشكال غررية البيع إذا كان المشتري جاهلاً بصفة السلامة ··· 9

عدم اقتضاء أصالة الإطلاق للصحّة ··· 12

بطلان الانصراف إلى الصحيح ··· 13

عدم رجوع خيار العيب إلى تخلّف الشرط ··· 14

مسألة : حول التخيير بين الردّ والأرش في خيار العيب ··· 17

في عقلائية التخيير بين الردّ والأرش ··· 17

السرّ في ثبوت الأرش ··· 18

في ثبوت التخيير بين الردّ والأرش لخصوص المشتري ··· 26

حكم ما لو كان العوضان أو أحدهما كلّياً ··· 28

ظهور العيب كاشف عن تحقّق الخيار لا مثبت ··· 33

القول في مسقطات خيار العيب

مسألة : فيما يسقط به خيار الفسخ خاصّة ··· 37

وهو يسقط باُمور :

الأوّل : إسقاط الخيار صريحاً ··· 38

ص: 659

دلالة الروايات على ثبوت حقّين : حقّ الفسخ وحقّ الأرش ··· 41

صحّة إسقاط الخيار بالمجاز والكناية والفعل ··· 43

الثاني : التصرّف ··· 44

الروايات الدالّة على سقوط الخيار بالتصرّف ··· 46

هل المسقط للخيار هو التغيّر أو التصرّف المغيّر؟ ··· 49

حول مسقطية التصرّفات الاعتبارية ··· 51

عدم إمكان مسقطية التصرّف أو التغيّر على رأي المشهور ··· 53

الثالث : التلف ··· 54

بيان المحقّق الأصفهاني في وجه سقوط الخيار بالتلف ··· 55

وجه آخر لسقوط الردّ بالتلف ونحوه ··· 60

في وجه مانعية وط ء الجارية عن الردّ بالعيب ··· 60

في ردّ الجارية بالحبل ولو مع الوط ء ··· 66

وهنا جهتان :

الجهة الاُولى : اختصاص الحبل بالحبل من غير مولى ··· 66

الجهة الثانية : ردّ نصف العشر عند ردّ الحبلى ··· 69

الرابع : حدوث عيب عند المشتري ··· 70

حكم العيب الحادث بعد العقد وقبل القبض ··· 71

وحدة الخيار عند تعدّد العيوب ··· 75

الإشكال على ثبوت خيار الفسخ والأرش بالعيوب المتعدّدة ··· 78

حكم العيب الحادث في زمان الخيار ··· 80

حكم العيب الحادث بعد القبض ومضيّ الخيار ··· 85

حكم زوال العيب الحادث ··· 86

سقوط الخيار ولو مع رضا البائع بردّ المعيب ··· 90

تبعّض الصفقة على البائع مانع عن ردّ المعيب ··· 92

ص: 660

خيار تبعّض الصفقة ··· 92

كيفية انحلال العقد بالنسبة إلى بعض المبيع خاصّة ··· 95

حكم خيار تبعّض الصفقة عند تعدّد المشتري ··· 100

حول ثبوت خيار تبعّض الصفقة للوكيل والموكّل ··· 102

مسألة : فيما يسقط به الأرش خاصّة ··· 104

يسقط الأرش فقط بأمران :

الأوّل : بإسقاطه حال العقد وبعده ··· 104

الثاني : فيما إذا اشتري ربوياً بجنسه ··· 104

الثالث : فيما لا يوجب العيب نقصاًفي القيمة ··· 107

مسألة : في مسقطات الأرش والردّ ··· 108

الأوّل : العلم بالعيب قبل العقد ··· 108

حكم ما لو اشترط العالم بالعيب خيار العيب ··· 111

الثاني : تبرّي البائع من العيوب ··· 116

هل أنّ تبرّي البائع يوجب الغرر أم لا ؟ ··· 119

إطلاق التبرّي يشمل العيوب الموجودة دون المتجدّدة ··· 120

في كون التبرّي من قبيل الشرط في ضمن العقد ··· 122

الكلام في سقوط الردّ والأرش في موارد اُخر ··· 125

منها : زوال العيب قبل العلم به، بل وبعده قبل الردّ ··· 125

ومنها : التصرّف بعد العلم بالعيب ··· 128

ومنها : التصرّف في المعيب الذي لم تنقص قيمته بالعيب ··· 132

ومنها : تأخير الأخذ بمقتضى الخيار ··· 136

مسألة : في عدم وجوب الإعلام بالعيب مطلقاً ··· 139

مسائل في اختلاف المتبايعين ··· 141

في تشخيص المدّعي والمنكر ··· 141

ص: 661

موارد اختلاف المتبايعين :

الأوّل : الاختلاف في ثبوت الخيار ··· 144

الثاني : اختلافهما في تعيّب المبيع ··· 144

الثالث : الاختلاف في زمان حدوث العيب ··· 146

حكم الاختلاف في حدوث العيب قبل القبض أو مضيّ الخيار ··· 148

الاختلاف في حدوث العيب في أحد الأزمنة المتقدّمة وبعدها ··· 148

لزوم التطابق بين الدعوى وردّها والحلف والبيّنة ··· 152

اشتراط الجزم في الحلف وإن استند للأمارات ··· 153

فرع : في لزوم ردّ المعيب على الموكّل دون الوكيل ··· 156

الرابع : الاختلاف في السلعة ··· 158

الاختلاف في السلعة مع الخلاف في الخيار ··· 158

الاختلاف في السلعة بعد الاتّفاق على الخيار ··· 161

فهنا صورتان :

الاُولى : أن يريد المشتري بردّ السلعة المعيوبة الفسخ ··· 161

الثانية : في اختلافهما في السلعة في مقام الدفع ··· 164

الخامس : الاختلاف في المسقط بالمعنى الأعمّ ··· 165

فيه صور :

منها : ما لو اختلفا في علم المشتري بالعيب ··· 165

ومنها : ما لو اختلفا في زواله قبل علم المشتري ··· 168

ومنها : ما لو اختلفا في زمان حدوث عيب مشاهد ··· 173

ومنها : ما لو اختلفا في البراءة ··· 174

ومنها : ما لو ادّعى البائع رضا المشتري بالعيب بعد العلم به ··· 177

السادس : في الاختلاف في الفسخ ··· 178

فيه مسائل :

الاُولى : الاختلاف في أصل الفسخ ··· 178

ص: 662

الثانية : الاختلاف في تأخّر الفسخ عن أوّل الوقت ··· 181

الثالثة : الاختلاف في العلم بالخيار أو بفوريته ··· 182

القول في ماهية العيب

تعريف العيب ··· 184

عدم انحصار خيار العيب بموارد العيب بحسب أصل الخلقة ··· 187

حكم الزيادة أو النقيصة الموجبة لزيادة القيمة أو عدم النقص ··· 189

حكم النقص الشائع الذي يصدق عليه «العيب» ··· 192

حكم النقص عن الخلقة الأصلية الذي لا يكون عيباً ··· 193

ثمرة المقام ··· 195

الكلام في الأرش

معنى الأرش لغة واصطلاحاً ··· 197

المراد بالضمان في مورد الأرش وتحديد مقداره ··· 198

عدم لزوم دفع الأرش من عين الثمن المسمّى ··· 203

هل المدفوع من غير النقدين نفس الأرش أو بدله؟ ··· 208

عدم ثبوت الأرش المستوعب في العيب المقارن للعقد ··· 209

مسألة : في معرفة الأرش ··· 213

مسألة : في اختلاف المقوّمين ··· 217

القول في الشروط التي تقع في العقد وشروط صحّتها

شروط صحّة الشرط :

الأوّل : أن يكون داخلاً تحت قدرة المشروط عليه ··· 225

ص: 663

حال شرط الفعل ··· 227

حال شرط النتيجة ··· 229

الثاني : أن يكون الشرط سائغاً في نفسه ··· 233

الثالث : أن يكون الاشتراط عقلائياً ··· 236

الرابع : أن لا يكون مخالفاً للكتاب والسنّة ··· 238

أدلّة بطلان الشرط المخالف للكتاب ··· 238

أدلّة بطلان الشرط المخالف للسنّة ··· 238

هل موافقة الكتاب شرط أو مخالفته مانعة؟ ··· 244

في التعارض بين صحيحة ابن سنان وموثّقة إسحاق ··· 248

بيان معنى الشرط ··· 252

في تشخيص الشرط المخالف للكتاب والسنّة ··· 257

جواز اشتراط ترك التزويج والتسرّي على الزوج ··· 263

المراد من مخالفة الشرط للكتاب ··· 270

التمسّك بالأصل لإثبات عدم المخالفة ··· 271

تقريب العلاّمة الحائري لأصالة عدم القرشية ··· 274

كلام الشيخ الأعظم وما يرد عليه ··· 275

توجيه المحقّق الأصفهاني ونقده ··· 276

بناء المحقّق الخراساني على أصالة عدم المخالفة لإحراز الموضوع ··· 279

تفصيل المحقّق النائيني في القيد المأخوذ في موضوع الحكم ··· 280

الخامس : أن لا يكون منافياً لمقتضى العقد ··· 283

تحديد دائرة الشرط المخالف لمقتضى العقد ··· 284

حول صحّة اشتراط الربح لأحد المتعاملين والخسران على الآخر ··· 288

هل يصحّ اشتراط الاختلاف في ربح التجارة؟ ··· 291

كيفية دفع الإشكال عن باب المضاربة ··· 293

ص: 664

حول جواز اشتراط الضمان في الإجارة ··· 294

تفصيل المحقّق النائيني بين إجارة الأعيان والإجارة على الأعمال ··· 298

حكم الشكّ في مخالفة الشرط لمقتضى العقد ··· 301

السادس : أن لا يكون مجهولاً جهالة توجب الغرر في البيع ··· 303

السابع : أن لا يكون مستلزماً لمحال ··· 306

الثامن : أن يلتزما به في ضمن العقد ··· 309

وجوب العمل بالشروط الابتدائية ··· 310

هل يجب العمل بالشرط المتواطأ عليه قبل العقد؟ ··· 311

حول كلام الشيخ الأعظم في المقام ··· 315

التاسع : التنجيز ··· 317

مسألة : في الشرط الصحيح وحكمه ··· 319

أقسام الشروط من شرط الفعل وشرط النتيجة وشرط الوصف ··· 319

دلالة حديث «المؤمنون...» على وجوب الالتزام بالشرط ··· 321

في إمكان إيقاع عنوان من عناوين المعاملات بالشرط ··· 327

في وجوب الوفاء بشرط الفعل ··· 329

عدم تعلّق الوجوب الشرعي بعنوان الشرط ··· 332

الاشتراط موجب لثبوت الحقّ ··· 334

تخيير المشروط له بين الإجبار والفسخ ··· 335

ثبوت الإلزام حتّى في العقود الجائزة ··· 336

ثبوت الخيار إن كان للشرط دخالة في القيم ··· 337

الشروط التي يجوز للحاكم الإجبار عليها وغيرها ··· 338

بقي اُمور :

الأمر الأوّل : في حكم الشرط المتعذّر ··· 340

عدم ثبوت الأرش عند تعذّر الشرط ··· 342

ص: 665

الأمر الثاني : حكم تعذّر الشرط مع خروج العين عن سلطنة المشروط عليه ··· 345

أنحاء خروج العين عن سلطنة المشروط عليه ··· 345

ثبوت الخيار مع خروج العين بالتلف ··· 345

في ثبوت الخيار مع خروج العين بغصب ونحوه ··· 348

في ثبوت الخيار مع خروج العين بالنقل ··· 349

الأمر الثالث : فيما لو كان تصرّف المشروط عليه المخرج للعين منافياً للشرط ··· 353

الأمر الرابع : في أنّ للمشروط له إسقاط حقّه ··· 358

الأمر الخامس : في عدم تقسيط الثمن على الشرط ··· 361

في الاستدلال للتقسيط برواية عمر بن حنظلة ··· 366

القول في حكم الشرط الفاسد

وفيه اُمور :

الأوّل : حول سراية فساد الشرط إلى العقد حسب القواعد ··· 368

الثاني : في الاستدلال بالروايات على إفساد الشرط الفاسد ··· 375

الثالث : في عموم خيار تخلّف الشرط للشروط الفاسدة ··· 379

القول في أحكام الخيار

مسألة : في أنّ جميع الخيارات موروثة ··· 385

هل إرث الخيار تابع لإرث المال ؟ ··· 389

مسألة : في كيفية استحقاق الورثة للخيار ··· 395

الموارد التي توهّم النقض على عدم انقسام الحقّ الشخصي ··· 402

فرع : حول الإشكال في تحقّق ماهية الفسخ بفسخ الورثة ··· 408

الجواب عن الإشكال ··· 410

ص: 666

حكم فسخ الورثة لو كان للميّت دين مستغرق ··· 413

مسألة : في أنّ الأجنبيّ لا يورّث الخيار الثابت له ··· 414

مسألة : في حصول الفسخ بالفعل ··· 416

حكم الشكّ في كون القول أو الفعل فسخاً ··· 417

عدم دلالة التصرّفات الاعتبارية على الفسخ ··· 420

مسألة : في أنّ التصرّف سبب للفسخ لا كاشف عنه ··· 422

إشكالات تحقّق الفسخ بالتصرّف المعاملي على السببية ··· 427

فرع : في صور التصرّف في العوضين دفعة واحدة وأحكامها ··· 435

حكم ما لو اشترى عبداً بجارية فقال أعتقتهما ··· 436

الاُصول المتصوّرة عند الشكّ في صحّة العتق والملك ··· 440

مسألة : في جواز تصرّف غير ذي الخيار تصرّفاً يمنع عن استرداد العين ··· 442

الأحكام المترتّبة على جواز تصرّف غير ذي الخيار في العين ··· 443

كلام السيّد اليزدي وبيان وجه النظر فيه ··· 445

كلام المحقّق الأصفهاني ونقده ··· 446

كلام المحقّق النائيني والإيراد عليه ··· 450

في جواز التصرّف وعدمه في الخيارات المجعولة ··· 450

حكم شرط الخيار بردّ الثمن ··· 452

جواز التصرّف في العين قبل زمان الخيار ··· 453

هل يجوز التصرّف غير المنافي قبل زمان الخيار؟ ··· 456

جواز الإجارة في زمان الخيار ··· 457

فرع : في سقوط الخيار بإذن صاحبه في التصرّف المخرج ··· 459

مسألة : في عدم توقّف الملكية على انقضاء الخيار ··· 462

الاستدلال بالروايات على عدم التوقّف ··· 464

أدلّة توقّف الملكية على انقضاء الخيار ··· 469

ص: 667

مسألة : في قاعدة التلف في زمن الخيار ممّن لا خيار له ··· 472

اختصاص الروايات بالشرط في الحيوان ··· 475

هل ضمان الثمن على من لا خيار له ؟ ··· 479

في جريان القاعدة في الكلّي ··· 481

المراد من الضمان في المقام ··· 484

إشكال عدم معقولية الضمان المعاملي ··· 488

ما يترتّب على تلف الكلّ أو الجزء أو الوصف في زمان الخيار ··· 490

اختصاص القاعدة بالتلف دون الإتلاف ··· 491

مسألة : في لزوم تسليم المثمن والثمن في زمان الخيار ··· 492

مسألة : في عدم سقوط الخيار بتلف العين ··· 494

مسألة : هل يضمن المتبايعان ما في يدهما بعد الفسخ؟ ··· 498

القول في النقد والنسيئة

مسألة : في تحقيق قولهم: إطلاق العقد يقتضي النقد ··· 503

مسألة : في جواز اشتراط تأجيل الثمن وما يعتبر فيه ··· 508

مسألة : فيما لو باع بثمن حالاًّ وبأزيد منه مؤجّلاً ··· 511

حكم المسألة بحسب الأخبار ··· 516

مسألة : في أنّ النسيئة لا تصير نقدا بإسقاط الأجل ··· 520

النسيئة بيع خاصّ مقابل النقد ··· 520

عدم سقوط التأجيل بالإسقاط ··· 522

مسألة : في أنّه هل يجب على الدائن قبول الدين عند تسليمه؟ ··· 526

إلزام الحاكم الدائن الممتنع بقبول الدين ··· 529

حكم ما لو لم يمكن الرجوع إلى الحاكم أو عدول المؤمنين ··· 531

مسألة : في عدم جواز تأجيل الثمن الحالّ بأزيد منه ··· 534

ص: 668

بحث في أخبار تعليم حيل الربا ··· 536

مسألة : في صور بيع المبتاع بالثمن المؤجّل ··· 540

حكم بيع المبتاع بالثمن المؤجّل بعد حلوله بنقصان ··· 541

الروايات الدالّة على عدم جواز بيع المبتاع بالثمن المؤجّل ··· 545

حكم ما لو باع شيئاً بشرط أن يبيعه منه ··· 549

القول في القبض

المراد من القبض لغةً واصطلاحاً ··· 555

المعنى اللغوي للقبض ··· 555

معنى القبض في المعاملات ··· 556

كفاية مجرّد الاستيلاء في الخروج عن ضمان المبيع ··· 560

في كفاية الكيل والوزن في تحقّق القبض ··· 563

القول في وجوب التسليم

مسألة : في وجوب تسليم المثمن والثمن وآثاره ··· 569

الآثار المترتّبة على وجوب التسليم ··· 570

مسألة : في وجوب تفريغ البائع للمبيع من أمواله ··· 574

حكم ما لو كان المبيع أرضاً مشغولة بزرع البائع ··· 576

عدم جواز قلع زرع البائع ولا إلزامه به ··· 578

حكم ما لو امتنع البائع من تسليم المبيع ··· 580

القول في أحكام القبض

مسألة : في ضمان المبيع على المشتري بعد القبض ··· 585

في أنّ الضمان في المقام ضمان المعاوضة ··· 585

ص: 669

انفساخ العقد حقيقة آناً ما قبل التلف ··· 590

المراد بالنبوي هو التلف العرفي ولو مع عدم إقباض البائع ··· 592

حكم إتلاف المشتري للمبيع ··· 594

حكم إتلاف البائع للمبيع ··· 595

عدم جواز حبس القيمة المضمونة إلى دفع المشتري للثمن ··· 596

حكم تلف عوض المبيع المعيّن قبل قبضه ··· 598

عدم إلحاق سائر المعاوضات بالبيع ··· 600

حكم تلف بعض المبيع قبل القبض ··· 600

حكم تلف أوصاف المبيع قبل القبض ··· 603

مسألة : في بيع ما يكال ويوزن قبل قبضه ··· 605

الروايات الواردة في بيع المتاع قبل قبضه ··· 606

القرائن الدالّة على إرادة الكراهة ··· 610

شمول النهي عن بيع ما لم يقبض للمبيع والثمن ··· 615

شمول النهي لجميع أسباب النقل ··· 617

حكم نقل غير المقبوض بغير البيع ··· 617

الفهارس العامّة

1 - فهرس الآيات الكريمة ··· 621

2 - فهرس الأحاديث الشريفة ··· 625

3 - فهرس أسماء المعصومين علیهم السلام ··· 635

4 - فهرس الأعلام ··· 637

5 - فهرس الكتب الواردة في المتن ··· 643

6 - فهرس مصادر التحقيق ··· 645

7 - فهرس الموضوعات ··· 659

ص: 670

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.