موسوعة الامام الخمیني قدّس سرّه الشّریف المجلد 16 کتاب البیع المجلد 2

هوية الکتاب

عنوان و اسم المؤلف: موسوعة الامام الخمیني قدّس سرّه الشریف المجلد 16 کتاب البیع المجلد 2/ [روح الله الامام الخمیني قدّس سرّه].

مواصفات النشر : طهران: موسسة تنظیم و نشر آثارالامام الخمیني قدّس سرّه، 1401.

مواصفات المظهر: 753ص.

الصقيع: موسوعة الامام الخمیني قدس سرّه

ISBN: 9789642123568

حالة القائمة: الفيفا

ملاحظة: الببليوغرافيا مترجمة.

عنوان : الخميني، روح الله، قائد الثورة ومؤسس جمهورية إيران الإسلامية، 1279 - 1368.

عنوان : الفقه والأحكام

المعرف المضاف: معهد الإمام الخميني للتحرير والنشر (س)

ترتيب الكونجرس: BP183/9/خ8الف47 1396

تصنيف ديوي : 297/3422

رقم الببليوغرافيا الوطنية : 3421059

عنوان الإنترنت للمؤسسة: https://www.icpikw.ir

جمعية خيرية رقمية: مركز خدمة مدرسة إصفهان

ویراستار: السيد محمّد هادي الرضوي الخانکهداني

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

الكلام في شروط المتعاملين

الشرط الأول: البلوغ في المتعاملين

مسألة اعتبار البلوغ في المتعاملين

إشارة

ص: 5

ص: 6

وقد ادّعيت الشهرة(1) والإجماع(2) على بطلان عقد الصبيّ.

وعن «التذكرة»: أنّ الصغير محجور عليه بالنصّ والإجماع - سواء كان مميّزاً أو لا - في جميع تصرّفاته إلاّ ما استثني، كعباداته، وإسلامه، وإحرامه، وتدبيره، ووصيّته، وإيصال الهديّة، وإذنه في الدخول، على خلاف في ذلك(3)، انتهى.

ومورد البحث الصبيّ المميّز، وأمّا غيره ممّن لا يعرف معنى المعاملة والعقود، فلا بحث في بطلان ما صدر منه؛ ممّا هو قابل للصحّة والبطلان.

نعم، الظاهر عدم الفرق بين المميّز وغيره في بعض الوضعيات ، كحصول الجنابة بالدخول، وضمان الإتلاف.

ص: 7


1- - الدروس الشرعية 3: 192 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1: 449 ؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16 : 275 .
2- - غنية النزوع 1: 210 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 275 .
3- - تذكرة الفقهاء 14: 185؛ اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16 : 275.

والأولى صرف الكلام إلى معاملات الصبيّ وعقوده وإيقاعاته ؛ فإنّ الاستقصاء في موارد الاستثناء واُمور اُخر، مغاير لوضع الرسالة، فنقول:

الكلام في عقد الصبيّ المميّز
تمهید

يقع الكلام تارةً: في عقد الصبيّ المميّز الرشيد، واُخرى: في المميّز غير الرشيد، وفي كلّ منهما يقع الكلام في جهات:

منها: أنّه هل يكون الصبيّ مستقلاًّ في عقوده وإيقاعاته، ولا يحتاج في صحّتها إلى إذن الوليّ ولا إجازته؟ لا بمعنى أنّه مع بقاء ولايته هل يحتاج إليهما؟ حتّى يقال: إنّ جعل الولاية حينئذٍ لغو، بل بمعنى أنّ أمد ولاية الوليّ الإجباري إلى وقت التميّز أو الرشد، فمع أحدهما تنقطع الولاية، مضافاً إلى عدم لغويته، فتصحّ من الوليّ والمولّى عليه مستقلاًّ، نظير ولاية الجدّ والأب، فتأمّل.

ومنها: بناءً على عدم استقلاله، هل تصحّ معاملاته بإذن وليّه أو إجازته، فيكون بعد الإذن مستقلاًّ في العمل من غير احتياج إلى نظر الوليّ، وتكون معاملاته بلا إذنٍ فضولية؟

ومنها: بناءً على عدم استقلاله بهذا المعنى، هل تصحّ معاملاته بوكالة من وليّه في مال نفسه؛ أي الصغير، أو بوكالة من غيره في ماله؟

ومنها: بناءً على عدم صحّة معاملاته مطلقاً، هل تصحّ عقوده وإيقاعاته بالوكالة في مجرّد إجراء الصيغة، أو أنّ العقد الصادر منه كالصادر من غير المميّز؟

وبالجملة: هل الصبيّ غير محجور مطلقاً، أو محجور عن الاستقلال، أو عن

ص: 8

العمل مطلقاً، أو عن مجرّد إجراء الصيغة أيضاً ولو كان العمل لغيره؟

والأولى تقديم الكلام في الرشيد الذي وردت فيه آية الابتلاء(1) ويظهر منه حال غير الرشيد أيضاً، فنقول:

احتمالات أخذ الرشد والبلوغ في موضوع صحّة المعاملات

يحتمل - بحسب التصوّر - أن يكون الرشد تمام الموضوع في صحّة المعاملات، من غير دخالة البلوغ فيها.

وأن يكون البلوغ تمام الموضوع ، والرشد غير دخيل.

وأن يكون كلّ منهما جزء الموضوع، فتصحّ المعاملات من البالغ الرشيد لا غيره.

وأن يكون كلّ منهما تمام الموضوع؛ بمعنى صحّة المعاملة مع أحد الشرطين: الرشد، أو البلوغ، فتصحّ من الرشيد غير البالغ، ومن البالغ غير الرشيد.

ولا استبعاد في كون البلوغ تمام الموضوع منفكّاً عن الرشد، كما أنّ السفيه الذي عرض عليه السفه بعد البلوغ، غير محجور عليه، وتصحّ معاملاته قبل حجر الحاكم إيّاه على أصحّ القولين.

الكلام حول آية الابتلاء والتحقيق عن مفادها

والأصل في الاحتمالات، الآية الكريمة: «وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً

ص: 9


1- - النساء (4): 6.

أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ...»إلى آخرها (1)، إذ فيها احتمالات:

أوّلها: أن يكون الأمر بالاختبار حتّى زمان البلوغ، كقوله: «أكلت السمكة حتّى رأسها» أي اختبروهم حتّى زمان بلوغ النكاح الذي هو كناية عن البلوغ، سواء كان بالاحتلام أو غيره، ووقت البلوغ وإن كان زمان انقطاع اليتم، فلا يقال للبالغ: إنّه «يتيم» لكنّه مجاز شائع في أوّل البلوغ.

ولازم ذلك أن يكون الرشد تمام الموضوع، ولا يكون البلوغ دخيلاً في صحّة المعاملة؛ لأنّ الظاهر أنّ الاختبار واجب من وقت يحتمل الرشد في اليتامى، ويبقى وجوبه إلى زمان البلوغ، فيكون زمان اليتم والبلوغ داخلاً في الاختبار.

فإيناس الرشد في كلّ من الزمانين موضوع لحكم الصحّة، فيجب ردّ مال اليتيم إليه مع إيناس الرشد، سواء كان قبل بلوغه أو بعده.

وإنّما ذكر حال البلوغ على هذا الاحتمال؛ لدفع توهّم أنّ الاختبار مختصّ بغير البالغ، وأمّا البالغ فلا يحتاج إليه، ويجب دفعه إليه بلا اختبار، أو حتّى مع عدم رشده.

ثانيها: أن تكون «حتّى» للغاية؛ بحيث تكون الغاية خارجة عن المغيّا، كقوله تعالى: «كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ ...» إلى آخره(2)، فيكون مورد الاختبار من زمان يحتمل فيه رشده إلى انقطاع اليتم.

ص: 10


1- النساء (4): 6 .
2- - البقرة (2): 187 .

ولازمه أن يكون الرشد قبل البلوغ موضوعاً مستقلاًّ لصحّة معاملاته، والبلوغ موضوعاً مستقلاًّ آخر ولو مع عدم الرشد؛ ضرورة أنّ الموضوع للاختبار هو اليتامى ، وحال البلوغ خارج، فيختصّ حكم الاختبار وإيناس الرشد ووجوب ردّ المال، باليتامى .

فيحتمل أن يكون البالغ موضوعاً مستقلاًّ غير محتاج إلى الاختبار، أو موضوعاً مستقلاًّ ولو انكشف عدم الرشد.

نعم، لو كان الرشد من الصفات اللازمة - ولو نوعاً - لمن بلغ النكاح، يمكن أن يقال: إنّ عدم الاختبار حال البلوغ ليس لأجل دخالة البلوغ أو استقلاله، بل لأجل تحقّق الرشد؛ لقيام الأمارة عليه.

والفرق بين ما قبل البلوغ وما بعده - بعد اشتراكهما في تمام موضوعية الرشد -: أنّ العلم بالرشد قبل البلوغ يحتاج إلى الاختبار، وبعده لا يحتاج إليه؛ لقيام الأمارة عليه .

لكن من المعلوم: أنّ الرشد لا يلازم بلوغ النكاح ، ولا يكون من الصفات النوعية له، فإيناس الرشد قبل البلوغ علّة للاستقلال ووجوب ردّ المال، فإذا بلغ النكاح يردّ إليه ماله بلا احتياج إلى الاختبار؛ لعدم احتمال عدم جواز ردّه إليه بعد البلوغ، وعدم وجوب الاختبار، فيكون البالغ أسوأ حالاً من غيره، ولازمه استقلال البالغ ولو لم يكن رشيداً.

فتحصّل منه: أنّ الاستقلال معلول لأحد أمرين : إمّا الرشد وإن كان قبل البلوغ، أو البلوغ وإن لم يتحقّق الرشد.

ثالثها: أن تكون «حتّى» للغاية، ويكون المراد من الآية الكريمة أنّ لزوم

ص: 11

الابتلاء مستمرّ إلى زمان البلوغ، وبعد استمراره إليه إمّا أن يعلم رشده، فيردّ إليه ماله ، أو لا فلا يردّ.

ولازم ذلك عدم كون واحد منهما، تمام الموضوع لاستقلاله ووجوب دفعه إليه، وإنّما المجموع موضوع له.

وإنّما أوجب الابتلاء من زمان يحتمل فيه الرشد إلى زمان البلوغ؛ لأجل أهمّية الموضوع، واحتياج كشف الرشد وإيناسه إلى زمان معتدّ به، جرّب فيه الطفل ، وعلم منه العقل والتدبير، وهو ممّا لا يمكن الاطّلاع عليه بشهر أو شهرين.

أو لعلّ ذلك للاحتياط في أموال اليتامى، ولعلّ الأمر به قبل البلوغ إلى أوّل زمانه؛ لأجل عدم التأخير في ردّ المال إلى صاحبه، وعدم الأكل منه بقدر المعروف - في زمان كان المالك مستقلاًّ رشيداً ولو لم يحرز رشده - حرصاً على ردّ المال إلى صاحبه، وعدم الأكل منه في أوّل زمان استقلاله.

رابعها: أن تكون «حتّى» حرف ابتداء للتعليل، و«إذا» للشرط ، وجملة الشرط والجزاء جزاء له، فيراد أنّه يجب ابتلاء اليتامى؛ لأجل أ نّه إذا بلغوا النكاح فاُونس منهم الرشد، يدفع إليهم أموالهم، فتكون النتيجة كالثالث، ولعلّ هذا الوجه هو ما نسب إلى بحر العلوم قدّس سرّه(1).

ثمّ إنّ أظهرها ثالثها ، لا لما ذكره بعض الأعاظم قدّس سرّه بقوله:

أوّلاً : أنّه لمّا أمر سبحانه بإيتاء الأيتام أموالهم بقوله تعالى : «وَآتُوا الْيَتَامَى

ص: 12


1- - اُنظر جواهر الكلام 26 : 19 .

أَمْوَالَهُمْ»(1) ونهى عن دفع المال إلى السفيه بقوله تعالى: «وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ»(2) بيّن الحدّ الفاصل بين ما يحلّ للوليّ وما لا يحلّ، فجعل لجواز الدفع شرطين: البلوغ، وإيناس الرشد.

وثانياً: لو لم يكن قوله تعالى : «فَادْفَعُوا» تفريعاً على إحراز الرشد بعد البلوغ، لم يكن وجه لجعل غاية الابتلاء هو البلوغ، وكان المناسب أن يقال: «وابتلوا اليتامى، فإن آنستم منهم رشداً ...»(3) إلى آخره.

فإنّ الوجه الأوّل المأخوذ من الطبرسي(4)، لا يدلّ على مقصوده لو لم يكن مؤيّداً للاحتمال الثاني من الاحتمالات؛ بدعوى أنّ إطلاق قوله تعالى : «وَآتُواالْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ» يقتضي وجوب الإيتاء ولو مع سفههم، وقوله تعالى: «وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ» لو كان المراد منه أموالهم - كما قيل(5) - يقتضي عدم جواز إيتاء السفهاء من اليتامى أموالهم، والجمع بينهما يقتضي الإيتاء مع رشدهم، وهذا عين الاحتمال الثاني.

وإنّما الفرق بين الآيتين - بعد الجمع - وبين آية الابتلاء : أنّ في الثانية بيّن كيفية العلم بالرشد والسفه.

وأمّا الوجه الثاني، فيرد عليه : أنّ من المحتمل أن جعل البلوغ غاية ؛ لأجل

ص: 13


1- النساء (4): 2 .
2- النساء (4): 5 .
3- - منية الطالب 1 : 367 .
4- - مجمع البيان 3: 15 - 16 .
5- - اُنظر التبيان في تفسير القرآن 3 : 114 ؛ مجمع البيان 3: 14؛ منية الطالب 1: 367 .

إفهام أنّ لزوم الابتلاء إنّما هو قبل البلوغ، لكشف الرشد الذي هو تمام الموضوع للاستقلال، وأمّا إذا انتهى إلى البلوغ فلا يجب الابتلاء ؛ لأنّ البلوغ موضوع آخر للاستقلال كما مرّ بيانه، فيكون ذلك أيضاً من مرجّحات الاحتمال الثاني في كلامنا، والأوّل في كلامه.

بل الأظهرية لأجل أنّ الظاهر من «حتّى» الظاهرة في الغاية، أنّ الابتلاء يجب أن يكون مستمرّاً من زمان احتمال الرشد إلى زمان بلوغ النكاح، فيكون قوله تعالى : «فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً» تفريعاً على الابتلاء المستمرّ عرفاً إلى حال البلوغ.

فكأنّه قال : «إذا اختبرتموهم إلى زمان بلوغهم فآنستم حاله منهم رشداً، فادفعوا إليهم أموالهم» فإيناس الرشد في زمان البلوغ موضوع للحكم ، فتدلّ الآية على أنّ كلاًّ منهما جزء الموضوع.

واستظهر صاحب «الجواهر» قدّس سرّه كون «إذا» للشرط، ورجّحه على سائر الوجوه ؛ بدعوى : أنّ «إذا» ظرفية شرطية، وخروجها عنهما نادر جدّاً ، لا يحمل عليه التنزيل، بل يقتضي انقطاع الابتلاء بالبلوغ ، وليس كذلك ؛ لاستمراره إلى ظهور الرشد أو اليأس منه.

بل لازمه الحجر على البالغ الرشيد إذا لم يؤنس منه رشد قبل البلوغ ، وارتفاعه عمّن لم يبلغ إذا اُونس منه الرشد ؛ لانتفاء الشرط في الأوّل ، ووجوده في الثاني ...(1) إلى آخره.

ص: 14


1- جواهر الكلام 26 : 18 .

وفيه: أنّ الميزان في الاستظهار من الكلام هو العرف العامّ ، ولا شبهة في فهم العرف من الآية أنّ «حتّى» غاية الابتلاء ، وقوله تعالى: «فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً» متفرّع على الابتلاء إلى زمان البلوغ.

وندرة استعمال «إذا» في غير الشرط على فرض تسليمها، لا توجب عدم حمل التنزيل عليه بعد ظهوره فيه ، ما لم يخلّ بالفصاحة.

مع أنّ جعل «إذا» شرطية، وجملة الشرط والجزاء جزاءً، والمجموع غاية ل- «حتّى» احتمال مخالف لفهم العقلاء، ومحتاج إلى التأوّل والتأمّل، بل وخارج عن الاُسلوب السديد الفصيح ، ولا يحمل عليه التنزيل.

مع أنّ ورود «حتّى» لغير الغاية وابتدائية، نادر أيضاً.

والإنصاف: أنّ الأذهان الخالية عن المناقشات وتحميل الدقائق عليها، لا ينقدح فيها إلاّ ما ذكرناه واستظهرناه.

وأمّا اقتضاء انقطاع الابتلاء بالبلوغ، فهو إمّا لازم الوجه الذي اختاره أيضاً، وإمّا غير لازم لسائر الوجوه؛ فإنّ لازم سياق الكلام، والعلّة التي من أجلها عرفاً أمر الشارع الأقدس بالابتلاء قبل زمان البلوغ - ممّا يصحّ فيه الابتلاء - هي الاجتناب عن ثبوت الولاية ظاهراً لمن خرج عن الحجر بالرشد، أو بالرشد والبلوغ، أو بأحدهما حسب اختلاف الاحتمالات، وللاحتياط في أموال اليتامى بعد خروجهم عن الحجر بحسب الواقع.

ومناسبات الحكم والموضوع عرفاً، تقتضي أن لا يكون للغاية مفهوم، وأن يثبت الابتلاء حتّى بعد البلوغ ولا ينقطع به.

بل الآية ظاهراً ليست بصدد بيان حدود الابتلاء بحسب الغاية، بل سيقت

ص: 15

لنكتة اُخرى، هي تقديم الابتلاء على زمان البلوغ؛ لردّ مال الطفل إليه أوّل زمانه إذا كان رشيداً، وفي مثله لا مفهوم للغاية، بل النكتة الموجودة قبلها موجودة بعدها أيضاً ، فيفهم منها لزوم الابتلاء مطلقاً.

ومع الغضّ عنه، لا نسلّم دلالتها على لزومه بعد البلوغ على الوجه الذي اختاره؛ لأنّ الظاهر أنّ الابتلاء مختصّ باليتامى.

فقوله تعالى: «إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ ...» إلى آخره، لو فرض كونه جملة شرطية على نحو ما رامه، لكن لا شبهة في عدم انقطاعها عن الجملة السابقة؛ بمعنى أنّ الظاهر الذي لا ينكر أنّ قوله تعالى : «فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً» مربوط ومتفرّع على الابتلاء المذكور قبلها، ويكون الابتلاء لأجل إيناس الرشد، فحينئذٍ تكون الآية ساكتة عن الابتلاء بعد البلوغ.

فيكون محصّل المعنى على فرض الشرطية: «وابتلوا اليتامى، فإذا بلغوا وصار ابتلاؤهم قبل البلوغ موجباً لإيناس الرشد منهم بعده، فادفعوا إليهم أموالهم» فهي ساكتة عن الاختبار بعد البلوغ، فمع عدم الاختبار قبل البلوغ - عصياناً، أو نسياناً، أو لعذر آخر - لا يجب بعده.

بل لو فرض قطع الجملة السابقة عن اللاحقة، وكان قوله تعالى: «حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ ...» إلى آخره، جملة مستأنفة غير مربوطة بما قبلها، لم تدلّ على وجوب الاختبار؛ لأنّ إيناس الرشد لا يلزم أن يكون بوجوب الاختبار.

بل الظاهر منه على ذلك، أنّ البالغ إذا اُونس منه الرشد، يردّ ماله إليه، فللوليّ انتظار حصول الرشد والعلم به من باب الاتّفاق.

ص: 16

وأمّا قوله: لازمه الحجر على البالغ الرشيد ... إلى آخره، فقد ظهر جوابه في خلال ذكر الوجوه المتقدّمة ولازمها، فراجع.

ثمّ إنّ الظاهر من الآية الكريمة أنّ الطفل المميّز قبل الرشد، أو قبل البلوغ والرشد - بناءً على ما رجّحناه - لا يصير مستقلّاً، ولا يدفع إليه ماله.

وعليه هل تدلّ الآية على عدم نفوذ معاملاته ولو بإذن الوليّ أو إجازته ، أو تدلّ على نفوذها في الجملة؟

فعن أبي حنيفة(1): دلالتها على نفوذها بإذن الوليّ في المعاملات الاختبارية؛ تمسّكاً بإطلاق قوله تعالى: «وَابْتَلُوا الْيَتَامَى» فإنّ مقتضاه جواز الابتلاء بالمعاملات، ولازمه صحّتها ونفوذها.

وأجاب عنه الشافعي(2) -على ما حكي- بما حاصله: أنّ اللّه سبحانه أمر بدفع المال إليهم بعد البلوغ وإيناس الرشد، وإذا ثبت بموجب هذه الآية أ نّه لا يجوز دفع المال إليه حال الصغر، وجب أن لا يجوز تصرّفه حاله؛ لأ نّه لا قائل بالفرق(3)، انتهى.

والظاهر عدم ورود إشكاله عليه؛ لأنّ مدّعاه أنّ الآية تدلّ على نفوذ تصرّفه بإذن وليّه؛ فيما يرجع إلى الاختبار، لا تصرّفه مطلقاً، وهو لا يلازم دفع المال إليه واستقلاله في المعاملات، وعدم القائل بالفرق - على فرضه - لا يوجب جواز رفع اليد عن ظاهر الآية.

ص: 17


1- - اُنظر تذكرة الفقهاء 10: 11 ؛ التفسير الكبير 9: 187 ؛ المغني، ابن قدامة 4 : 533.
2- - اُنظر التفسير الكبير 9 : 188 .
3- - منية الطالب 1 : 368 .

والأولى أن يقال في جوابه: إنّ إطلاق الآية لا يقتضي صحّة المعاملة ونفوذها؛ لعدم إطلاقها من هذه الجهة، بل لها إطلاق من جهة الابتلاء فقط، والابتلاء لا يلازم صحّة المعاملة، بل الدخيل فيه نفس المعاملة، سواء كانت صحيحة نافذة أم لا.

فتمام الموضوع في الابتلاء الكاشف عن رشده، هو ذات المعاملة، والصحّة لا دخالة لها في المقصود، وليست الآية في مقام البيان من هذه الجهة، بل لا معنى له، فتدبّر.

ثمّ إنّه لا إشكال في أنّ الابتلاء إنّما هو لإيناس الرشد، لا لكشف البلوغ بناءً على غير الاحتمال الرابع:

أمّا على الأوّل: فواضح.

وأمّا على الثاني والثالث، ممّا كان بلوغ النكاح بحسبهما غاية للابتلاء: فلأنّ الابتلاء إلى البلوغ لا يعقل أن يكون كاشفاً عنه؛ لأنّ الكاشف لا يعقل أن يكون مقيّداً بالمنكشف ، ولا مغيّاً به ؛ لأنّ الابتلاء إلى البلوغ يقتضي معلوميته، وجعل الأمارة له يقتضي عدمها.

وأمّا على الاحتمال الرابع: فلا مانع عقلي من كون الابتلاء لكشف البلوغ أو الرشد؛ بأن يقال: «وابتلوا اليتامى، فإذا بلغوا حدّ النكاح - بكشف الابتلاء عن بلوغهم حدّه - فادفعوا إليهم أموالهم إذا اُونس منهم الرشد».

أو يقال: «وابتلوهم؛ لأجل أنّه إذا بلغوا النكاح، وكان ابتلاؤهم كاشفاً عن رشدهم، فادفعوا ...» إلى آخره.

ص: 18

لكن مع ضعف أصل الاحتمال كما مرّ(1)، يكون الاحتمال الأخير من الاحتمالين أظهر؛ لأنّ البلوغ حدّ النكاح واقعاً لا ربط له بالابتلاء؛ فإنّ وجوده الواقعي حاصل، ابتلي اليتيم أم لا ، والربط إنّما هو بين الابتلاء والعلم بالبلوغ، فكان حقّ العبارة - على هذا الفرض - أن يقال: «وابتلوا اليتامى حتّى إذا اُونس منهم البلوغ أو علم منهم ذلك».

مضافاً إلى أنّ قوله تعالى: «فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً» قرينة على كون الابتلاء لإيناس الرشد؛ للمناسبة الواضحة بين الابتلاء والإيناس.

وربّما يتشبّث برواية أبي الجارود - المحكيّة عن «تفسير علي بن إبراهيم» عن أبي جعفر (علیه السّلام) - لكون الابتلاء لكشف البلوغ.

قال: قال في قوله جلّ وعزّ شأنه: «وَابْتَلُوا الْيَتَامَى ...»: «من كان في يده مال بعض اليتامى، فلا يجوز أن يعطيه حتّى يبلغ النكاح ويحتلم، فإذا احتلم ووجب عليه الحدود وإقامة الفرائض، ولا يكون مضيّعاً، ولا شارب خمر، ولا زانياً، فإذا اُونس منه الرشد دفع إليه المال، ويشهد عليه.

فإذا كانوا لا يعلمون أنّه قد بلغ، فليمتحن بريح إبطه، أو نبت عانته، وإذا كان ذلك فقد بلغ، فيدفع إليه ماله إذا كان رشيداً»(2).

بدعوى: أنّ الامتحان في الرواية تفسير للابتلاء في الآية الكريمة(3).

ص: 19


1- - تقدّم في الصفحة 15 .
2- - تفسير القمّي 1: 131 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 428، كتاب الحجر، الباب 2، الحديث 1.
3- - اُنظر جواهر الكلام 26 : 109.

وفيه: بعد الغضّ عن ضعف الرواية(1) ، بل قد يقال: إنّ كونها رواية غير ظاهر(2)، بل لم تسند إلى أبي جعفرu ولا غيره في «التفسير»، نعم، في ذيل الآية السابقة على هذه الآية ذكر عن أبي عبداللّه (عليه السّلام)، ثمّ قال بعد الآية: «قال» ولعلّه (عليه السّلام) هو المراد منه، أو أنّ المراد نفسه كما هو دأبه ودأب القدماء.

أنّ صدرها بصدد بيان حاصل مفاد الآية؛ حيث كان البلوغ والرشد معتبرين في وجوب دفع المال إليه، فقوله (عليه السّلام): «ولا يكون مضيّعاً ...» إلى آخره، بيان للرشد.

وكيفية امتحان الرّشد لا تحتاج إلى البيان، وأصل الامتحان قد تعرّضت له الآية، وأمّا كيفية امتحان البلوغ بما ذكر، فمحتاج إلى البيان، ولا إشعار فيها بأنّ الامتحان المذكور هو الابتلاء في الآية.

بل يمكن أن يقال: إنّ مورد الامتحان هو الجهل بالمنكشف، فالآية لو كانت متعرّضة لامتحان البلوغ، لا بدّ من فرض جهل المخاطب بالبلوغ، فلا يتناسب معه قوله (عليه السّلام): «فإذا كانوا لا يعلمون» فيظهر منه أنّ الابتلاء لكشف المجهول، وهو الرشد، لكن لمّا كان البلوغ جزء موضوع وقد يتّفق عدم العلم به، بيّن أمارة البلوغ أيضاً.

ص: 20


1- - الرواية ضعيفة بأبي الجارود وهو زياد بن المنذر الهمداني الكوفي الأعمى، زيدي المذهب، وإليه تُنسب الزيدية الجارودية، وكان من أصحاب الإمام أبي جعفر (عليه السّلام) وروى عن أبي عبداللّه (عليه السّلام) وتغيّر لمّا خرج زيد (رضى الله عنه) وورد اللعن عليه من الإمام الصادق (عليه السّلام). اُنظر رجال النجاشي: 170 / 448؛ الفهرست، الطوسي: 131 / 303؛ اختيار معرفة الرجال: 229 / 413 .
2- - جواهر الكلام 26 : 7 .

ثمّ الظاهر - سيّما بعد مسبوقية الآية بآية: «وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ ...»(1) بناءً على بعض الاحتمالات - أنّ وجوب دفع المال إلى البالغ الرشيد، معلول رفع حجره، وسقوط ولاية الوليّ عنه، واستقلاله في اُموره، فيكون وجوب الدفع على حذو وجوب ردّ مال الغير، وعدم حلّه إلاّ بطيبة نفسه.

فيفهم من الآية الكريمة رفع حجره، واستقلاله، وصيرورته بالرشد والبلوغ كسائر الناس، فلا يحلّ ماله بلا إذنه وطيب نفسه(2).

وأمّا احتمال كونه وجوباً تعبّدياً مستقلاًّ مخصوصاً باليتامى - بحيث وجب دفع المال إليه حتّى مع طيب نفسه بالبقاء عند وليّه(3) - فمقطوع الخلاف.

كما أنّ احتمال كون وجوب الدفع كناية عن رفع الحجر وسقوط ولاية الوليّ(4)، بعيد.

وما ذكرناه موافق لفهم العرف، وعلى هذا لا يحتمل بقاء الحجر بعد دفع المال إليه، وهو واضح.

ويمكن أن يفهم من مفهوم الآية: أنّ غير البالغ والبالغ غير الرشيد محجوران عن التصرّف الاستقلالي، سواء كان بنحو الدفع إليهما وكانا كسائر المالكين، أو

ص: 21


1- النساء (4): 5 .
2- - قد أضاف المصنّف بخطّه الشريف بعد هذا في هامش كتابه المخطوط ما هذا نصّه: «وعلى هذا : لا وقع للنزاع في أنّ مفهوم قوله تعالى: «فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا» هو رفع وجوب الدفع، أو حرمة الدفع.» ردّاً على جواهر الكلام 26: 19 - 20، ولكن شطبه بعد ذلك، ولعدم الإلتفات إليه أثبتوه في الطبعات السابقة خطأً.
3- - مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام، الكاظمي 3 : 133 .
4- - جواهر الكلام 26 : 20 ؛ هداية الطالب 2 : 419 .

لم يدفع إليهما، لكن كانا مستقلّين في معاملاتهما؛ بحيث وجب على الوليّ ترتيب آثار الصحّة على معاملاتهما، وردّ الثمن أو المثمن إلى المتعامل، وأخذ العوض.

وذلك لما عرفت من أنّ وجوب الدفع معلول سلب الحجر ورفع ولاية الوليّ، وفي مقابله عدم سلبه وبقاء ولايته.

مضافاً إلى أنّ المناسبة بين الصغر والسفه وعدم الاستقلال، تفيد ذلك.

وكذا يفهم منه - ولو بمناسبات الحكم والموضوع - أنّه غير صالح لاستقلال التصرّف ولو بإذن الوليّ، أو بالوكالة منه في التصرّف في أمواله الّتي تحت يد الوليّ ؛ وذلك لأنّ المتفاهم عرفاً من حجره أنّ النكتة فيه أ نّه لصلاح حال اليتيم، ولأجل التحفّظ على ماله؛ لئلاّ يضيع ماله بالتصرّفات السفهية، فيبقى عند بلوغه ورشده صفر الكفّ.

ولهذا لا يكتفى بالبلوغ فقط، ولا بالرشد كذلك؛ لغاية الاحتياط والحزم.

ومن الواضح أنّ إذن الوليّ في تصرّفه بنحو الاستبداد والاستقلال، بلا نظر منه في صلاحه وفساده، وتوكيله في التصرّف في أمواله، وإجازته لتصرّفاته كذلك، منافٍ لحجره وجعل الولاية عليه، ومخالف للآية الكريمة ولو بمناسبات الحكم والموضوع.

فهل يصحّ أن يقال: إنّ اليتيم محجور عن التصرّف في ماله، ولا يرفع الحجر عنه إلاّ بالبلوغ والرشد، ثمّ يقال: لو قال الوليّ له: «أنت مأذون في التصرّف في مالك» صحّت معاملاته، وصار مستقلاًّ كسائر البالغين العاقلين، من غير احتياج إلى تشخيص الوليّ صلاحه؟!

ص: 22

أو إذا أقدم على معاملة بلا إذنه، ثمّ قال الوليّ : «أجزتها» من غير نظر في الصلاح والفساد صحّت؟!

أو إذا قال: «أنت وكيلي في التصرّف في مالك» تمّ الأمر وصحّت المعاملة؛ لأ نّها تنسب إلى الوليّ؟! لا شبهة في أنّ ما ذكر مخالف للحجر ونكتته المعلومة لدى العقلاء.

نعم، لا دلالة في الآية على حجره عن إجراء مجرّد الصيغة بعد تمامية المقاولة بين وليّه وغيره، والظاهر عدم استفادة حجره عن الوكالة عن الغير أيضاً، فلا بدّ فيهما من التماس دليل آخر.

ولا يتوقّف ما ذكرناه - من استفادة المذكورات - على الإطلاق في المفهوم، حتّى ينكر إطلاقه، ويقال : إنّ الآية بصدد بيان حدّ الخروج عن اليتم، لا في مقام بيان الحجر، فلعلّ كيفية الحجر كانت معروفة معهودة، فنزلت الآية لبيان حدّه وزمان ارتفاعه.

ويشهد له: أنّ الخطاب فيها للأولياء، ومن كان مال اليتيم تحت يده ، فكان الحجر مفروغاً عنه، وإن أمكن أن يقال: إنّ المعهود هو كون مالهم تحت يد الأولياء العرفية، وأمّا الحجر بالمعنى الشرعي وحدوده، فليس كذلك، أو لم تثبت معهوديته، فيمكن أن يكون التنزيل وارداً لبيان الأمرين، فيؤخذ بإطلاقه في الموردين، فتأمّل.

وإنّما قلنا: لا يتوقّف ما ذكرناه على الإطلاق؛ لأنّ طريق استفادته المناسبات العقلائية بين الحكم وموضوعه، بل لا يتوقّف ذلك على المفهوم بالمعنى المعهود، حتّى يردّ بإنكار المفهوم للشرط وغيره؛ وذلك لأنّ ارتفاع الحكم عن

ص: 23

الموضوع بارتفاعه عقلي، وهو كافٍ في استفادة ما ذكرناه بالمناسبات العرفية.

ثمّ إنّه قد يقال: الظاهر من أخذ «الْيَتَامَى» موضوعاً للحكم، أنّ الابتلاء وغيره ممّا يستفاد من الآية، مختصّ باليتامى، فالصغار الذين هم تحت ولاية الأب والجدّ غير مشمولين لها؛ لعدم كونهم يتامى.

وبالجملة: من له أب ليس يتيماً، فهو خارج عن مفاد الآية، سيّما مع خصوصية في اليتامى ليست في سائر الصغار، وهي فقد الأب، واحتياجه إلى المال أكثر ممّن له أب يقوم بنفقته.

لكنّ الظاهر لدى العقل والعقلاء، أنّ الرشد والبلوغ تمام الموضوع لرفع الحجر، ولا دخالة لوجود الأب والجدّ وفقدهما فيه.

ثمّ إنّ المراد ببلوغ النكاح: إمّا بلوغ حدّه؛ أي حدّ صلاحية النكاح، وهو حدّ الحلم بحسب العادة والنوع، فيختصّ بمن بلغ خمسة عشر؛ فإنّ نوع الأطفال يبلغون في هذا الحدّ، بتفاوتٍ واختلافٍ في شهور ما، فيخرج منه من احتلم فيما دونه، كثلاثة عشر، ويدخل فيه من بلغ خمسة عشر ولو لم يحتلم.

أو يراد منه بلوغ الحلم فعلاً، فيدخل فيه من احتلم في أيّ زمان كان، ويخرج من لم يحتلم ولو بلغ من العمر ما بلغ.

أو يراد منه بلوغ حدّه فعلاً لولا العوارض؛ أي بلوغه بحسب الطبائع السليمة لا العليلة، فيدخل فيه المحتلم في أيّ زمان كان، ومن بلغ خمسة عشر ولو لم يحتلم لعلّة.

والأقوى هو الأخير؛ لأنّ الظاهر من بلوغ النكاح بلوغه فعلاً، والطبائع غير السليمة النادرة ترجع إلى السليمة.

ص: 24

ثمّ إنّ مقتضى الجمود على ظاهر الآية، أنّ حصول رشدٍ ما، كافٍ في وجوب دفع المال إليهم بعد بلوغهم.

وحاصل الكلام بحسب الاحتمال: أنّه إمّا أن يكون الموضوع لوجوبه عدم السفاهة، أو حصول الرشد؛ وذلك لأنّ قوله تعالى قبل آية الابتلاء: «وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِى جَعَلَ اللّه ُ لَكُمْ قِيَاماً» - سواء اُريد به أموالهم؛ أي أموال السفهاء، كما في رواية(1)، أو الأعمّ من أموالهم وأموال الأولياء - ظاهر في أنّ الميزان في حرمة الدفع ولزومه هو السفه وعدمه.

وظاهر آية الابتلاء أنّ الميزان هو إيناس رشدٍ منهم.

فإن كان الموضوع لحرمة الدفع السفاهة، يمكن أن يقال: إنّ سفاهة ما كافية في تحقّقه، فإذا كان سفيهاً في معاملاته دون عطاياه، أو في عطاياه وجوائزه دون معاملاته، كفى في الحرمة.

ويمكن أن يقال: إنّ الظاهر من السفيه هو ما كان سفيهاً بقول مطلق وبلا قيد، والسفيه من جهة ليس كذلك، فيكون الموضوع هو السفيه من جميع الجهات، فمن كان رشيداً من جهة يجب دفع المال إليه؛ إذ الأمر دائر بين الحرمة والوجوب، وفي وجوب الدفع إلى غير السفيه يأتي الاحتمالان أيضاً.

فحينئذٍ لو كان الموضوع في وجوب الدفع غير السفيه بقول مطلق، يمكن أن يكون إيناس رشدٍ ما، أمارةً على عدم سفهه بقول مطلق عند الشكّ في تحقّق الموضوع.

ص: 25


1- - تفسير العيّاشي 1 : 220 / 23؛ تفسير الصافي 1: 390؛ البرهان في تفسير القرآن 3 : 27 / 11.

والتحقيق: أنّ الموضوع لوجوب الدفع إيناس الرشد مطلقاً؛ لظهور آية الابتلاء فيه ببيان نشير إليه، وأمّا الآية المتقدّمة، فظاهرها عدم إيتاء أموال المخاطبين، لا اليتامى والسفهاء، وإن ورد في بعض ضعاف الروايات أنّ المراد من «أَمْوَالَكُمْ» أموالهم.

ويمكن تأييده بأن يقال: إنّ المراد من قوله تعالى: «الَّتِى جَعَلَ اللّه ُ لَكُمْ قِيَاماً»هو القيام بأمرها، وهو مال السفيه، ويستأنس من قوله تعالى: «وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُم».

وكيف كان: فالظاهر بدواً من آية الابتلاء وإن كان كفاية رشدٍ ما؛ إذ الرشد كالعلم ماهية بسيطة يتنوّع أو يتصنّف باعتبار متعلّقاته، فكما أنّ علم الفقه غير علم الكلام؛ باعتبار اختلاف متعلّقهما، كذلك الرشد في المعاملات غير الرشد في العطيّات والجوائز.

والظاهر البدوي من الآية كفاية رشدٍ ما في وجوب الدفع، فيمكن أن يكون رشدٌ ما موضوعاً، فيجب الدفع ولو مع العلم بعدم رشده من جهة أو جهات، أو يكون أمارة تحقّق الرشد المطلق، فلا يدفع مع العلم بعدم رشده من جهة اُخرى، ويجب عند الشكّ؛ لقيام الأمارة.

والتحقيق: أنّ المراد به حصول الرشد بقول مطلق ومن جميع الجهات؛ لمناسبات الحكم والموضوع، لأنّ إيناس الرشد ليس إلاّ لأجل صلوحه معه لإصلاح ماله وعدم صرفه فيما لا يعني، وهو يناسب الرشد بالنسبة إلى التصرّفات في ماله مطلقاً، لا من جهة.

مضافاً إلى أنّه يفهم من إيجاب الابتلاء من زمان يحتمل فيه الرشد إلى

ص: 26

زمان البلوغ - كما استظهرناه - وهو قد يكون زماناً طويلاً: أنّ المراد بإيناس الرشد العلم بالرشد المطلق، لا من جهة ما؛ فإنّه المناسب للابتلاء في تلك المدّة الطويلة.

فاحتمال كفاية الرشد في الجملة ساقط، كاحتمال طريقيته للرشد المطلق.

هذا بعض الكلام حول الآية الكريمة، وبقيّته موكولة إلى كتاب الحجر.

الكلام حول الروايات الواردة في المقام

وأمّا الروايات: فمنها ما لها ربط بالآية الكريمة من حيث التعرّض لغاية انقطاع اليتم، وهي على طوائف:

منها: ما دلّت على جواز أمر الصغير إذا صار بالغاً، ولم تتعرّض للرشد، كرواية حمران، عن أبي جعفر (علیه السّلام) في حديث قال: «إنّ الجارية ليست مثل الغلام، إنّ الجارية إذا تزوّجت ودخل بها ولها تسع سنين، ذهب عنها اليتم، ودفع إليها مالها، وجاز أمرها في الشراء والبيع، واُقيمت عليها الحدود التامّة، واُخذت لها وبها.

قال: والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع، ولا يخرج عن اليتم حتّى يبلغ خمس عشرة سنة، أو يحتلم، أو يشعر، أو ينبت قبل ذلك»(1).

وقريب منها غيرها (2) .

ومنها: ما دلّت على جواز أمر الرشيد، كرواية الأصبغ بن نُباتة، عن

ص: 27


1- - الكافي 7: 197 / 1؛ وسائل الشيعة 18: 410 ، كتاب الحجر، الباب 2، الحديث 1.
2- الفقيه 4 : 164 / 574 ؛ وسائل الشيعة 18 : 411 ، كتاب الحجر ، الباب 2 ، الحديث 3 .

أمير المؤمنين (علیه السّلام): «أنّه قضى أن يحجر على الغلام المفسد حتّى يعقل»(1).

وظاهرها أنّ الحجر يرتفع بالرشد، والغلام الرشيد غير محجور عليه، والظاهر أنّه من أحكامه الكلّية، لا قضيّة شخصية.

ومنها: ما دلّت على كفاية أحد الأمرين في جواز أمره، كصحيحة العيص بن القاسم، عن أبي عبداللّه (علیه السّلام) قال: سألته عن اليتيمة متى يدفع إليها مالها؟

قال: «إذا علمت أنّها لا تفسد ولا تضيّع».

فسألته: إن كانت قد زوّجت؟

فقال: «إذا زوّجت فقد انقطع ملك الوصيّ عنها»(2).

فإنّ الظاهر أنّ المزوّجة تنقطع عنها الولاية وتستقلّ في أمرها، والتزويج كناية عن البلوغ حدّ النكاح؛ إذ لا دخالة للزواج الفعلي في الحكم، وليس كناية عن الرشد؛ لأنّ الرشيدة قد ذكر حكمها، والظاهر أنّ الرشد تمام الموضوع، وكذا بلوغ النكاح.

ومنها: ما دلّت على أنّهما دخيلان في الموضوع؛ وكلاًّ منهما جزؤه، كصحيحة هشام، عن أبي عبداللّه (علیه السّلام) قال: «انقطاع يتم اليتيم بالاحتلام، وهو أشدّه، وإن احتلم ولم يؤنس منه رشده وكان سفيهاً أو ضعيفاً، فليمسك عنه وليّه ماله»(3).

ص: 28


1- - الفقيه 3 : 19 / 43؛ وسائل الشيعة 18: 410، كتاب الحجر، الباب 1 ، الحديث 4.
2- - الفقيه 4 : 164 / 572 ؛ تهذيب الأحكام 9: 184 / 740؛ وسائل الشيعة 18: 410، كتاب الحجر، الباب 1، الحديث 3.
3- - الكافي 7: 68 / 2؛ الفقيه 4: 163 / 569؛ وسائل الشيعة 18: 409 ، كتاب الحجر، الباب 1، الحديث 1.

ورواية أبي بصير، عن أبي عبداللّه (علیه السّلام) قال: سألته عن يتيم قد قرأ القرآن، وليس بعقله بأس، وله مال على يد رجل، فأراد الذي عنده المال أن يعمل به مضاربة، فأذن له الغلام.

فقال: «لا يصلح له أن يعمل به حتّى يحتلم ويدفع إليه ماله، وإن احتلم ولم يكن له عقل، لم يُدفع إليه شيء أبداً»(1).

والظاهر أنّ المراد بالعقل الرشد، لا مقابل الجنون.

وبهذا المضمون روايات(2).

وطريق الجمع بين الطائفتين الأوّلتين والثالثة وكذا الرابعة، واضح؛ لحمل المطلقات على المقيّدات.

وأمّا الثالثة مع الرابعة، فلا يخلو من إشكال؛ لأنّ الظاهر من الثالثة مقابلة الرشد للبلوغ، وأنّ كلّ واحدٍ منهما تمام الموضوع، ومن الرابعة أنّ كلاًّ منهما جزؤه.

ويمكن أن يقال: إنّ الرابعة صريحة في دخالة الرشد بعد الاحتلام، والثالثة ظاهرها السياقي استقلال كلّ منهما، وهو لا يقاوم الصريح، فيحمل إطلاق كلّ من الفقرتين على المقيّد، مضافاً إلى مخالفة الثالثة لظاهر الكتاب.

فلا إشكال من هذه الجهة في الروايات؛ إذ بعد جمعها توافق ظاهر الآية

ص: 29


1- - الكافي 7: 68 / 3 ؛ الفقيه 4: 164 / 570؛ وسائل الشيعة 19 : 367، كتاب الوصايا ، الباب 45، الحديث 5، مع تفاوت يسير في الفقيه.
2- - راجع وسائل الشيعة 18: 412 ، كتاب الحجر، الباب 2 ، الحديث 5، و19 : 369، كتاب الوصايا، الباب 45، الحديث 12 والباب 46، الحديث 2.

الكريمة؛ من توقّف الاستقلال على البلوغ والرشد.

فهل يمكن استفادة عدم نفوذ معاملاته ولو بإذن الوليّ، أو إجازته، أو توكيله في التصرّف في ماله منها؟

الظاهر ذلك، سواء فيه ما ورد بلفظ «الجواز» و«اللا جواز» أو بلفظ «لا يدفع إليه ماله» أو بلفظ «فليمسك عنه وليّه ماله» أو بلفظ «يحجر ... حتّى يعقل» لإطلاق قوله (علیه السّلام) : «والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع، ولا يخرج عن اليتم حتّى يبلغ ...» إلى آخره.

والدّليل على الإطلاق صحّة الاستثناء؛ بأن يقال: «لا يجوز أمره إلاّ بإذن وليّه أو إجازته» من غير تأوّل وتجوّز، وليس مفهوم: «لا يجوز أمره» أنّه موقوف على الإذن كما في البيع الفضولي، حتّى لا يشمل - بحسب المفهوم - الأمر المأذون فيه.

وإن شئت قلت: إنّ الأمر بعد الإذن أمر المولّى عليه؛ لأنّ البيع والشراء لنفسه، والتدبير له، ومجرّد الإذن في العمل لا يوجب سلب الأمر عنه، وثبوته للوليّ، وكذا الحال في التوكيل المطلق؛ بحيث يستقلّ في التدبير بعد كون المعاملة لنفسه.

مع أنّ قوله (علیه السّلام) في صحيحة أبي الحسين الخادم : «جاز عليه أمره، إلاّ أن يكون سفيهاً أو ضعيفاً»(1) يدلّ على أنّ عدم الجواز لأجل إفساده المال، ومعه كيف يمكن إنفاذ معاملاته بمجرّد قول الوليّ: «أذنت لك» أو «أجزت معاملتك» أو «وكّلتك فيها» وجعل عنان الاختيار بيده، وترك التدبير فيها، حتّى

ص: 30


1- - الخصال : 495 / 3؛ وسائل الشيعة 18: 412، كتاب الحجر، الباب 2، الحديث 5.

أفسد وضيّع، أو كان في مظانّهما؟! وهذا ممّا لا ينبغي الارتياب فيه.

ومنه يعلم: وضوح استفادة ما ذكر من مفهوم قوله (علیه السّلام): «إذا علمت أ نّها لا تفسد ولا تضيّع، يدفع إليها مالها».

ومن قوله (علیه السّلام): «وإن احتلم ولم يؤنس منه رشده وكان سفيهاً أو ضعيفاً، فليمسك عنه وليّه».

ومن قضاء أمير المؤمنين (علیه السّلام) أن يحجر على الغلام المفسد حتّى يعقل.

ضرورة أنّ المراد منها عدم دفع المال إليهم، وإمساك الوليّ مالهم، والحجر عليهم لأجل إفسادهم وتضييعهم، فكيف يمكن القول بجواز جعل مالهم في مظانّ الإفساد ومعرض التضييع، والاكتفاء بلفظ «أذنت» و«أجزت» و«وكّلتك»؟!

ولعلّ المراد بدفع المال ليس الدفع الخارجي، بل يكون كناية عن جعلهم مختارين ومدبّرين في الأمر، ومع عدم الرشد لا يجوز جعلهم كذلك، فكانت دلالتها أوضح.

ومنها: ما هي غير ناظرة إلى الآية، كروايات رفع القلم، فعن «الخصال» بإسناده عن أبي ظبيان قال: اُتي عمر بامرأة مجنونة قد زنت فأمر برجمها.

فقال علي (علیه السّلام): «أما علمت أنّ القلم يرفع عن ثلاثة: عن الصبيّ حتّى يحتلم، وعن المجنون حتّى يفيق، وعن النائم حتّى يستيقظ؟!»(1).

ص: 31


1- - الخصال: 93 / 40، و175 / 233؛ وسائل الشيعة 1: 45 ، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 4، الحديث 11.

وعن «دعائم الإسلام» قريب منها، إلاّ أنّ فيها: «أما علمت أنّ اللّه رفع القلم ...» إلى آخرها (1).

وعن «قرب الإسناد» بسنده عن أبي البختري، عن أبي عبداللّه، عن أبيه، عن علي (علیهم السّلام): «أنّه كان يقول في المجنون والمعتوه الذي لا يفيق والصبيّ الذي لم يبلغ: عمدهما خطأ تحمله العاقلة، وقد رفع عنهما القلم»(2).

وفي موثّقة عمّار الساباطي، عن أبي عبداللّه (علیه السّلام) قال: سألته عن الغلام متى يجب عليه الصلاة.

قال: «إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة، فإن احتلم قبل ذلك فقد وجب عليه الصلاة، وجرى عليه القلم ...» إلى آخره(3).

ربّما يقال: إنّ المراد برفع القلم، هو التعبير المعروف في الألسنة: «إنّ فلاناً رُفع القلم عنه، وكانت أعماله كأعمال المجانين، لا يترتّب عليها الأثر، ووجودها كعدمها»(4).

وفيه: أنّ الظاهر أنّ التعبير المعروف مأخوذ من الرواية، لا العكس، مع أنّ فيها رفع القلم عن المجنون، ولا يصحّ فيه ما ذكر بأن يقال: «أعمال

ص: 32


1- دعائم الإسلام 2 : 456 / 1607؛ مستدرك الوسائل 1: 84، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 3، الحديث 10.
2- - قرب الإسناد : 155 / 569؛ وسائل الشيعة 29: 90 ، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 36، الحديث 2.
3- - تهذيب الأحكام 2: 380 / 1588؛ وسائل الشيعة 1: 45 ، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 4، الحديث 12.
4- - منية الطالب 1 : 373 .

المجنون كأعمال المجانين».

نعم، يمكن أن يراد أنّ وجوده كعدمه، لكنّه خلاف الظاهر.

ثمّ إنّ من المحتمل أن يراد بالرفع، قبال ما ورد في بعض الروايات: أنّه «إذا بلغ الحلم كتبت عليه السيّ-ئات»(1) فيراد أنّه قبل بلوغه لا تكتب عليه السيّئات، وقلم كتب السيّئات مرفوع عنه، فكان كناية عن عدم كونه مكلّفاً بالأحكام الإلزامية، التي كانت مخالفتها موجبة للسيّئة.

وأمّا المستحبّات والأفعال الحسنة عقلاً وشرعاً، فلا ترفع عنه، وهذا يناسب الامتنان، بل يتلائم مع رفع القلم.

إن قلت: إنّ مورد الرواية رفع الرجم عن الزانية، وهو دليل على أعمّية مضمونها من الأحكام الوضعية.

قلت: الرجم لا يثبت في الزنا إذا كان بغير معصية، كالصادر مكرهاً، أو اشتباهاً وخطأً، ولعلّ المراد برفع القلم رفع التكليف، ومعه لا يرجم، فلا تدلّ الرواية - بملاحظة موردها - على سلب الوضعيات.

ويحتمل أن يراد برفعه رفع ذاته؛ بنحو الحقيقة الادّعائية، وكان مصحّح الادّعاء رفع الآثار المكتوبة بالقلم مطلقاً، نظير ما قلناه في حديث الرفع(2)؛ بأن يدّعى أنّ القلم الذي لا يترتّب عليه الأثر، ولا يكتب به شيء، ليس بقلم، فهو مرفوع.

أو يراد رفع ذاته بلحاظ الآثار المترتّبة على الأفعال الصادرة عن عمد

ص: 33


1- - الكافي 6: 3 / 8؛ التوحيد، الصدوق : 392 / 3؛ وسائل الشيعة 1: 42 ، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 4، الحديث 1.
2- - أنوار الهداية 2 : 30 .

والتفات؛ بمناسبة الحكم والموضوع، ومناسبة ذكر المجنون والنائم، فخرجت الأفعال التی تترتّب الآثار على ذات ها ولو مع عدم الالتفات، كالجنابة والضمان.

أو یراد برفعه رفع وصفه لا ذاته؛ أی رفعه عن صفحة المكتوب، كنایة عن سلب الآثار مطلقاً، أو الآثار المذكورة فی الاحتمال السابق؛ بمناسبة الحكم والموضوع.

والأظهر من بینها هو رفع القلم عنهم، لا رفع ذاته، ویراد رفع الكتب علیهم، والتعبیر ب- «رفع القلم عنهم» كأنّه بدعوى أنّ القلم موضوع علیهم، والثقل ثقل القلم بلحاظ الآثار، وهو المرفوع عنهم.

ومقتضى إطلاقه رفع مطلق الآثار، أو الآثار التی لها وزر وثقل، ومع قیام القرینة المتقدّمة، یختصّ بالآثار المترتّبة على الأفعال الصادرة عن التفات، دون ما یترتّب على ذات العمل.

كما أنّ الظاهر خروج الأفعال المستحبّة، بل وما لا وزر وثقل علیه، ودخول سائر الآثار وضعاً وتكلیفاً.

إلاّ أن يقال: لا إطلاق لقوله (عليه السّلام): «أما علمت أنّ القلم يرفع ...» الوارد في ذيل قضيّة المجنونة؛ لأنّه إشارة إلى أمر معهود وارد عن رسول اللّه (صلّی الله عليه و آله و سلّم)، ولعلّ ما هو المعهود هو رفع أمر خاصّ، كقلم التكليف اللازم منه درء الحدّ أو قلم الحدّ، كما ورد في رواية عن أمير المؤمنين (عليه السّلام): «لا حدّ على مجنون حتّى يفيق، ولا على صبيّ حتّى يدرك، ولا على النائم حتّى يستيقظ»(1).

ص: 34


1- - الفقيه 4: 36 / 115؛ تهذيب الأحكام 10: 152 / 609؛ وسائل الشيعة 28 : 22، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود، الباب 8 ، الحديث 1.

وبه يفترق عن حديث الرفع؛ فإنّه في مقام البيان، دون هذا الذي ذكر لردع عمر ودرء الحدّ.

وكيف كان: لو فرض إطلاقه، فلا يشمل رفع الأثر عن مجرّد عقده، بعد كون تدبير المعاملة تحت نظر الوليّ أو المتعاملين، وإنّما كان الصغير وكيلاً أو مأذوناً في مجرّد إجراء الصيغة؛ لأنّ الظاهر من رفع القلم عنه، عدم كتب الآثار التي تكتب عليه لو كان كبيراً، وفي إجراء الصيغة لا يكتب أثر على المجري، لا له، ولا عليه، فهو خارج عن الحديث موضوعاً.

ودعوى: استفادة أنّ كلّ ما صدر منه بحكم العدم، وأنّ عباراته مسلوبة الأثر(1) ، ممنوعة مخالفة لظاهر الرواية.

وأمّا رواية أبي البختري، فيأتي الكلام فيها عقيب بيان مفاد ما دلّت على أنّ عمده خطأ، كحسنة محمّد بن مسلم(2)، عن أبي عبداللّه (علیه السّلام) قال: «عمد الصبيّ وخطأه واحد»(3).

ص: 35


1- - مقابس الأنوار: 108 / السطر 19؛ منية الطالب 1: 373 .
2- - رواها الشيخ الطوسي بإسناده عن محمّد بن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن محمّد ابن مسلم. والظاهر أنّ توصيف الرواية بالحسنة؛ إمّا لأجل وقوع جعفر بن محمّد العلوي الموسوي في طريق الشيخ إلى محمّد بن أبي عمير كما في مشيخة التهذيب أو لأجل إبراهيم بن هاشم كما في طريقه الآخر في الفهرست. راجع تهذيب الأحكام، المشيخة 10: 79؛ الفهرست، الطوسي: 218 / 617.
3- - تهذيب الأحكام 10: 233 / 920؛ وسائل الشيعة 29 : 400، كتاب الديات، أبواب العاقلة، الباب 11، الحديث 2.

وموثّقة إسحاق بن عمّار(1)، عن جعفر، عن أبيه (عليهم السّلام) : «أنّ علياً (عليه السّلام) كان يقول: عمد الصبيان خطأ، يحمل على العاقلة»(2).

وعن «الجعفريات» عن أمير المؤمنين (عليه السّلام): «ليس بين الصبيان قصاص، عمدهم خطأ، يكون فيه العقل»(3).

وعن «دعائم الإسلام» عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) أنّه قال: «ما قتل المجنون المغلوب على عقله والصبيّ، فعمدهما خطأ على عاقلتهما»(4).

وعن الصدوق في «المقنع»: ليس على الصبيان قصاص، عمدهم خطأ تحمله العاقلة(5).

والظاهر من غير الرواية الاُولى، الاختصاص بباب الجنايات، لا لمجرّد ذكر الحمل على العاقلة في ذيلها، بل لأنّ الظاهر من قوله (عليه السّلام): «عمده خطأ يحمل

ص: 36


1- - رواها الشيخ الطوسي بإسناده عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن غياث بن كلوب، عن إسحاق بن عمّار. والرواية موثّقة بغياث بن كلوب، فإنّه عامّي وعملت الطائفة بما رواه كما قال الشيخ في العدّة. اُنظر العدّة في اُصول الفقه 1: 149.
2- - تهذيب الأحكام 10: 233 / 921؛ وسائل الشيعة 29: 400، كتاب الديات، أبواب العاقلة، الباب 11، الحديث 3.
3- - الجعفريات: 124 ؛ مستدرك الوسائل 18: 418، كتاب الديات، أبواب العاقلة، الباب 8 ، الحديث 2.
4- - دعائم الإسلام 2: 417 / 1454؛ مستدرك الوسائل 18: 418 ، كتاب الديات، أبواب العاقلة، الباب 8، الحديث 4.
5- - المقنع : 521؛ مستدرك الوسائل 18 : 418، كتاب الديات، أبواب العاقلة، الباب 8، الحديث 5.

على العاقلة» أنّ مطلق عمده يحمل عليها، مع أنّ ما يحمل عليها فرد نادر من عمده.

فلا بدّ من أن يراد خصوص عمده في الجنايات؛ لأجل معهودية كون الخطأ مورد الحكم، وهو الحمل على العاقلة، وإلاّ يلزم منه التقييد إلى حدّ الاستهجان، فلا إطلاق فيها.

وأمّا حسنة محمّد بن مسلم، فهي وإن كان لها إطلاق، ومقتضى الصناعة لزوم الأخذ بإطلاقها؛ لعدم التنافي بينها وبين غيرها، لكونهما مثبتين، لكن ورود جميع الروايات المتقدّمة وغيرها - الواردة في المجنون والأعمى - في مورد الجناية، وكون الحكم فيها معهوداً، يوهن الإطلاق؛ لقوّة احتمال اتّكال المتكلّم على تلك المعهودية فلم يذكر القيد.

وأمّا ما قيل من أنّ الظاهر مقابلة العمد والخطأ، وإنّما يتصوّر العمد والخطأ فيما أمكن انقسامه إليهما؛ بأن يكون ترتّب مسبّبه عليه قهراً معقولاً، فتارةً يصيب القصد بالإضافة إلى ما يترتّب عليه، واُخرى يخطّئ عنه، كالرمي الذي يترتّب عليه القتل المقصود به تارةً، وغير المقصود به اُخرى.

ولا يترتّب على الأسباب المعاملية شيء قهراً، حتّى يكون تارةً مقصوداً من السبب، واُخرى غير مقصود منه، ليوصف المترتّب عليه ب-«أ نّه عمدي» تارةً، و«خطئي» اُخرى(1).

ففيه ما لا يخفى؛ لأنّ الظاهر من قوله (عليه السّلام): «عمده خطأ» أو «عمده وخطأه

ص: 37


1- - حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 2: 18 .

واحد» أنّ كلّ ما صدر منه عمداً خطأ تنزيلاً، فالعقد الصادر منه على قسمين: قسم صدر عمداً، وقسم خطأً، كمن أراد تزويج فاطمة من زيد، فأخطأ وقال: «زوّجت سكينة عمراً» أو أراد إجارة ملك فأنشأ بيعه خطأً، فكما أنّ الإنشاء الخطئي لا يترتّب عليه أثر، فكذلك العمدي منه.

فكلّ ما صدر منه وأمكن تقسيمه إلى العمد والخطأ، كان عمده بمنزلته، والاختصاص بالأفعال التي ذكرها بلا مخصّص.

نعم، لا بدّ في التنزيل من أثر، إمّا في المنزّل، أو المنزّل عليه، أو فيهما، فقد يكون للفعل الخطئي أثر، وفي العمدي أثر آخر، وقد يكون في العمدي أثر، دون الخطئي أو العكس، وفي جميعها يصحّ التنزيل، وأثره ثبوت الأثر تارةً، وسلبه اُخرى، وثبوت وسلب ثالثة.

كما أنّ ما قيل من أنّ التعبير بأنّ «عمد الصبيّ وخطأه واحد» إنّما يكون في مقام كان لكلّ من العمد والخطأ حكم في الشريعة على خلاف الآخر، فيراد عدم تعدّده واختلافه في الصبيّ، فيختصّ بباب الجنايات(1).

مدفوع: بأنّ الأظهر في مثل هذا التعبير إرادة سلب الأثر عن العمد، كما يقال: «فلان قوله وعدم قوله سواء» يراد أنّه لا يترتّب على قوله أثر، ولو منع هذا الظهور فلا أقلّ من إطلاقه لكلا الموردين، فلا وجه لاختصاصه بما ادّعي.

وأمّا رواية أبي البختري التي جمع فيها بينهما، فقال (عليه السّلام): «عمدهما خطأ تحمله العاقلة، وقد رفع عنهما القلم».

ص: 38


1- - حاشية المكاسب ، المحقّق الخراساني: 46.

فقد قال الشيخ الأعظم قدّس سرّه فيها: إنّ ذكر رفع القلم في الذيل ليس له وجه ارتباط إلاّ بأن يكون علّة لأصل الحكم، وهو ثبوت الدية على العاقلة، أو بأن يكون معلولاً لقوله (عليه السّلام): «عمدهما خطأ»(1).

أقول: لا يلزم أن يكون ذكره للارتباط المذكور، بل يكفي في الارتباط كونهما - أي كون عمده خطأً، ورفع القلم عنه - حكمين لموضوع واحد، كما يقال: «الجنب لا يجوز له الدخول في المسجدين، ولا يجوز له مسّ الكتاب» وذكر الجملة الثانية مصدّرة ب- «قد» وإن أوهم كونها حالية مرتبطة بما قبلها نحو ارتباط، لكن يمكن أن تكون معطوفة لا حالية.

وإن كان لا بدّ من الربط، فيمكن أن يقال: إنّ جملة «تحمله العاقلة» وجملة «رفع القلم» بمنزلة التفسيرين لقوله (عليه السّلام): «عمدهما خطأ» إذ كون العمد خطأً يتصوّر في موردين:

أحدهما: ما يكون للخطأ حكم كباب الجنايات.

وثانيهما: ما يكون ملغىً كالعقود والإيقاعات ونحوها ممّا لو وقع خطأً لا يترتّب عليه أثر.

فأراد المتكلّم أن يفيد الموردين وتفسيرهما بقوله(عليه السّلام) «تحمله العاقلة» بالنسبة إلى الأثر الثبوتي، وقوله (عليه السّلام): «رفع القلم» بالنسبة إلى الأثر السلبي، فكأ نّه قال: عمدهما بمنزلة الخطأ في باب الجنايات، فتحمله العاقلة، وعمدهما بلا حكم في غيرها، وقد رفع القلم عنهما.

ص: 39


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16 : 282.

وأمّا ما أفاده الشيخ رحمه اللّه تعالى من علّية رفع القلم لثبوت الحكمعلى العاقلة.

ففيه إشكال ظاهر، وهو أنّ رفع القلم عنهما لا يعقل أن يكون علّة لثبوت الحكم على غيرهما.

ويمكن أن يوجّه كلامه بأن يقال: إنّ الملازمة الشرعية ثابتة بين سلب حكم الجناية عن الصغير والمجنون، وبين ثبوته على العاقلة، كما يشعر أو يشير إليها بعض الروايات الدالّة على أنّ جناية الأعمى على بيت المال، معلّلاً بأنّه «لا يبطل حقّ مسلم»(1) ونحوها في غير الباب ظاهراً (2).

ومع هذه الملازمة، لو كان رفع القلم علّة لسلب الحكم عنهما، لكان بوجه علّة لثبوت ملازمه، فلولا رفع القلم عنهما لم يثبت الحكم على العاقلة.

ويؤيّد التوجيه المذكور قوله متّصلاً بما ذكره : «ولا يخفى أنّ ارتباطها بالكلام على وجه العلّية أو المعلولية للحكم المذكور في الرواية؛ أعني عدم مؤاخذة الصبيّ والمجنون بمقتضى جناية العمد، وهو القصاص، ولا بمقتضى شبه العمد، وهو الدية في مالهما ...» إلى آخره(3).

فإنّ الجمع بين كلامه السابق؛ حيث جعل العلّة علّة لثبوت الحكم على

ص: 40


1- - الكافي 7: 302 / 3؛ الفقيه 4: 85 / 271؛ تهذيب الأحكام 10: 232 / 917؛ وسائل الشيعة 29: 89 ، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 35، الحديث 1.
2- راجع وسائل الشيعة 29: 395، كتاب الديات، أبواب العاقلة، الباب 4، الحديث 1.
3- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 282.

العاقلة، وكلامه هاهنا - حيث جعل المعلول عدم مؤاخذتهما - لا يستقيم له إلاّ بما ذكرناه.

ثمّ إنّه بما ذكرناه في وجه ربط رفع القلم بسابقه، يمكن استفادة الكبرى الكلّية من قوله (عليه السّلام): «عمدهما خطأ».

ولا يرد عليها ما ذكرناه في سائر الروايات المشتملة على الحمل على العاقلة: من لزوم الحمل على المعهود، تخلّصاً من التقييد المستهجن(1) ؛ وذلك لأنّ فيها - كما عرفت - تفسير الموردين، فكأ نّه قال: «لعمدهما في مورد الجنايات حكم الجناية خطأً، وفي غيرها مسلوب عنهما الحكم؛ لرفع القلم عنهما».

كما لا يرد عليها ما أوردناه على بعض روايات رفع القلم؛ من الإشكال على إطلاقها (2)؛ لأنّها في مقام البيان، ولا بأس في إطلاقها.

كما أنّه على فرض كونهما جملتين مستقلّتين وحكمين لموضوع واحد، يصحّ الأخذ بإطلاق «رفع القلم» دون «عمدهما خطأ» لورود الإشكال المتقدّم على الثاني دون الأوّل.

وأمّا قضيّة الارتباط العلّي والمعلولي، فلا تخلو من إشكال.

أمّا ما قيل من أنّ رفع القلم علّة للجملة السابقة؛ أي عمده خطأ، ومقتضاه التعدّي إلى غير باب الجنايات(3).

ص: 41


1- - تقدّم في الصفحة 37 .
2- تقدّم في الصفحة 34 .
3- - منية الطالب1: 375.

فيرد عليه: أنّ قوله (عليه السّلام): «عمدهما خطأ» لو اختصّ بباب الجنايات، لكان تنزيل العمد منزلة الخطأ بلحاظ ثبوت حكم الخطأ له، ولا تعقل علّية رفع القلم للتنزيل بهذا اللحاظ؛ فإنّ مفاد «رفع القلم» عدم جعل الحكم على الطفل، والتنزيل المذكور بلحاظ ثبوت حكم الخطأ ؛ أي الحمل على العاقلة.

ثمّ على فرض علّيته للتنزيل المذكور، فمقتضاها التعميم لكلّ مورد يكون للخطأ حكم ولو في غير الجنايات، لا التعميم لما هو أجنبيّ عنها.

وبهذا يظهر عدم جواز جعل «عمدهما خطأ» علّة لرفع القلم؛ لأنّ التنزيل بلحاظ ثبوت الحكم على العاقلة، ليس علّة لسلب الحكم عن الصغير والمجنون.

كما لا يصحّ جعل تنزيل العمد منزلة الخطأ - مطلقاً - علّة؛ لعين المحذور في إطلاقه.

نعم، لو جعل عمدهما في غير مورد الجنايات علّة، فلا محذور فيه من هذه الجهة، لكنّه مخالف لظاهر الرواية، بل لا تصحّ إرادة خصوص غير موردها مع ذكر الحمل على العاقلة. مضافاً إلى أنّ علّية تنزيل العمد منزلة الخطأ - لرفع القلم - غير صحيحة، بل العكس أولى.

وأمّا ما قيل في وجه ارتباط رفع القلم بما قبله من «أنّ تنزيل العمد منزلة الخطأ يقتضي - بالمطابقة - إثبات حكم الخطأ، وهو الدية على العاقلة، ويقتضي - بالالتزام - نفي حكم العمد وشبهه، وحيث قال (عليه السّلام): «عمدهما خطأ» أراد بيان ما يقتضيه بالمطابقة، فقال (عليه السّلام): «تحمله العاقلة» وبيان ما يقتضيه بالالتزام، فقال (عليه السّلام): «وقد رفع عنهما القلم» على الترتيب بين الدلالتين»(1).

ص: 42


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 22.

ففيه: أنّه لا بدّ وأن تكون الدلالة المطابقية والالتزامية - مع قطع النظر عن قوله (عليه السّلام): «تحمله العاقلة» وقوله (عليه السّلام): «قد رفع عنهما القلم» - متحقّقة كما هو مدّعاه، وهي مفقودة؛ لأنّ قوله (عليه السّلام): «عمدهما خطأ» لولا التذييل بما ذكر، لكان شاملاً لباب الجنايات وغيره بمقتضى إطلاقه، فيشمل ما لم يكن للخطأ فيه حكم، وكان ملغىً وبلا أثر.

فحينئذٍ دلالته المطابقية على فرضها، أعمّ من ثبوت حكم الخطأ، ومن مورد رفع القلم، فلا تصحّ الدلالة المطابقية ولا الالتزامية بما أفاد، فلا يكون وجه الربط ما ذكره.

ثمّ إنّ المتحصّل من أوّل الباب إلى هاهنا: عدم صحّة معاملات الصبيّ على التفصيل المتقدّم.

عدم اعتبار البلوغ في إجراء الصيغة والوكالة عن الغير

وأمّا اعتبار البلوغ في إجراء الصيغة بعد تمامية المساومة بين المتبايعين، فلم يقم دليل عليه.

كما أ نّه لم يقم دليل ممّا تقدّم على بطلان وكالته عن الغير في المعاملة، فلو أذن شخص صبيّاً مميّزاً في إيقاع معاملة، أو أجاز معاملته، كانت الأدلّة السابقة قاصرة عن إثبات بطلانها؛ فإنّها كلّها - عدا رواية «عمده وخطأه سواء» - مربوطة بتصرّفاته في أمواله بالبيع والشراء ونحوهما، وقد عرفت حال هذه الرواية وغيرها في هذا المنوال.

ص: 43

حول الإجماع المدّعى في المقام

بقي الكلام في الإجماع المدّعى والمعروف بين المتأخّرين(1)، وتحقّقه ممنوع في مثل هذه المسألة التي تراكمت فيها الأدلّة كتاباً وسنّة، مع تمسّكهم بها قديماً وحديثاً، ومعه كيف يمكن دعوى الإجماع عليها؟!

مع أنّ الظاهر عدم إجماعية المسألة في عصر شيخ الطائفة قدّس سرّه كما يظهر من «الخلاف»:

قال في مسألة 294 من كتاب البيع: لا يصحّ بيع الصبيّ وشراؤه، سواء أذن له فيه الوليّ أم لم يأذن، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: إن كان بإذن الوليّ صحّ، وإن كان بغير إذنه وقف على إجازة الوليّ. دليلنا: أنّ البيع والشراء حكم شرعي، ولا يثبت إلاّ بشرع، وليس فيه ما يدلّ على أنّ بيع الصبيّ وشراءه صحيحان وأيضاً قوله (عليه السّلام): «رفع القلم . . .»(2) إلى آخره.

فإنّ طريقته المعهودة في كتاب «الخلاف» هي الاستناد إلى الإجماع في كلّ مسألة إجماعية عنده، وقد صرّح في أوّل الكتاب(3) بذلك، فمن عدم تمسّكه به والاستناد إلى الأصل، يظهر عدم تحقّق الإجماع في عصره.

مضافاً إلى أنّ عنوان المسألة إنّما هو في معاملات الصبيّ، التي تكون لإذن الوليّ أو إجازته فيها دخالة، وهو تصرّفاته في ماله، فالوكالة في مجرّد إجراء

ص: 44


1- - تقدّم في الصفحة 7، الهامش 1 و2 .
2- - الخلاف 3 : 178.
3- - الخلاف 1: 45.

الصيغة، وكذا الوكالة عن الغير في إيقاع المعاملة، خارجتان عن محطّ الكلام.

ويظهر من حجر «المبسوط» أيضاً أ نّها غير إجماعية(1) ، فراجع وتدبّر.

وفي «الوسيلة» عدّ من جملة ما يحتاج إليه في صحّة البيع: كون المتبايعين نافذي التصرّف(2).

ومعلوم أنّ موضوع كلامه هو التصرّفات المالية، فالوكالة في مال الغير - بل وفي مال نفسه عن وليّه - وفي مجرّد إجراء الصيغة، خارجة عن محطّ كلامه.

وفي «الغنية» بعد ذكر أنّ من شرائط صحّة انعقاد العقد ثبوت الولاية في المعقود عليه، وتعقيبه بكلام طويل، قال: ويخرج عن ذلك أيضاً بيع من ليس بكامل العقل وشراؤه؛ فإنّه لا ينعقد وإن أجازه الوليّ؛ بدليل ما قدّمناه من الإجماع، ونفي الدليل الشرعي على انعقاده، ويحتجّ على المخالف بما رووه من قوله (عليه السّلام): «رفع القلم ...» إلى آخره(3).

وأنت خبير: بأنّ الظاهر من صدر كلامه - من جعل الشرط ثبوت الولاية في المعقود عليه - أنّ محطّ كلامه هو التصرّفات المالية المحتاجة إلى الولاية في المعقود عليه، فمثل مجرّد إجراء الصيغة والوكالة عن الوليّ خارج عنه.

مضافاً إلى أنّ الإجماع المدّعى إنّما هو في ناقص العقل، وهو السفيه أو الأعمّ منه ومن المجنون، فالصغير الرشيد خارج عن كلامه.

ص: 45


1- - المبسوط 2: 281 ، حيث قال قدس سره: والأصل في الحجر على الصبيّ قوله تعالى: «وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ ...».
2- - الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 236 .
3- - غنية النزوع 1: 210 .

وفي «الشرائع»: وأمّا الشروط فمنها ما يتعلّق بالمتعاقدين، وهو البلوغ والعقل والاختيار، فلا يصحّ بيع الصبيّ ولا شراؤه ولو أذن له الوليّ(1).

والظاهر منه بقرينة قوله: ولو أذن له الوليّ، غير صورة إجراء الصيغة محضاً، بل وغير صورة وكالته عن الغير في التصرّفات المالية.

نعم، ظاهر موضع من «التذكرة» سلب عبارته حيث قال: فلا تصحّ عبارة الصبيّ سواء كان مميّزاً أو لا، أذن له الوليّ أو لا.

ثمّ ذكر وجهين اعتباريين فيه(2) .

وعن موضع آخر منها: هل يصحّ بيع المميّز وشراؤه بإذن الوليّ؟ الوجه عندي: أ نّه لا يصحّ ولا ينفذ(3).

والظاهر منه ثبوت الخلاف فيه.

حول التفصيل في معاملات الصبيّ بين الأشياء اليسيرة والخطيرة

ثمّ إنّه هل تكون معاملات الصبيّ باطلة مطلقاً، من غير فرق بين الأشياء اليسيرة والخطيرة، ومن غير فرق بين معاملاته في أمواله بإذن الوليّ ولو في اليسيرة، وبين معاملاته في أموال غيره بإذنه كذلك؟

قد يقال: بالبطلان بمقتضى عموم النصّ والفتوى(4).

ص: 46


1- - شرائع الإسلام 2: 8.
2- - تذكرة الفقهاء 10: 11 .
3- - تذكرة الفقهاء 14: 241.
4- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 286.

أقول: أمّا التصرّف في أموال غيره بإذنه، فقد مرّ الإشكال في شمول الأدلّة له(1).

ومع الغضّ عنه يمكن أن يقال: إنّ تعارف المعاملات غير الخطيرة من الصبيان، لم يكن مختصّاً بزمان، بل نوع البشر من لدن اجتماعه المدني وتعارف المعاملات والأخذ والإعطاء بينهم، كان أمرهم على هذا المنوال.

واحتمال حدوث تعارف معاملة الصبيّ بعد عصر النبي والأئمّة (صلوات اللّه عليهم)(2)، باطل مقطوع الخلاف.

وهذا التعارف في عصر نزول الآية وصدور الأحاديث، كان موجباً لصرف الأذهان عمّا تعارف بينهم؛ فإنّ كسر ما هو المتعارف وردع ما هو الشائع الذائع، يحتاج إلى بيان زائد على ما في مثل تلك الأدلّة، كما قلنا نظيره في رادعية مثل قوله تعالى: «إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِى مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً»(3) من أنّه غير صالح للرادعية عمّا هو المرتكز الشائع المعمول به(4).

فلو كان مراد الشارع من الأدلّة المتقدّمة هو الإطلاق، وأراد نهي المسلمين عن المعاملة مع الصغار حتّى في اليسيرة، وكان المسلمون يفهمون منها مراده، فلا بدّ وأن يلتزم إمّا بعدم تعارف بيع الصغير في عصر النبوّة والخلفاء في الدول الإسلامية، وهو باطل بالضرورة.

ص: 47


1- - راجع ما تقدّم في الصفحة 43.
2- - جواهر الكلام 22 : 263 .
3- يونس (10) : 36 .
4- - أنوار الهداية 1: 221.

أو يلتزم بتجاهر المسلمين بمخالفة الإسلام في هذا الأمر الشائع من عصر النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم) إلى عصر الخلفاء إلى سائر الأعصار، وترك الجميع نهيهم عن ذلك الأمر الفاسد المفسد، واكتفوا بمثل «عمد الصبيّ خطأ» و«رفع القلم» فهو أفسد.

أو الالتزام بصحّة معاملاته في تلك المحقّرات، وهو المطلوب.

وعن المحدّث الكاشاني قدّس سرّه التمسّك بدليل الحرج في تصحيح معاملاته في اليسيرة ممّا جرت العادة بها (1).

وأجاب عنه الشيخ الأعظم قدّس سرّه بأنّ الحرج ممنوع، سواء أراد أنّ الحرج يلزم من منعهم عن المعاملة في المحقّرات، والتزام مباشرة البالغين لشرائها، أم أراد أنّه يلزم من التجنّب عن معاملتهم بعد بناء الناس على نصب الصبيان للبيع والشراء في الأشياء الحقيرة(2)، انتهى.

ولعلّه قدّس سرّه أراد بلزوم الحرج أنّ التعارف الكذائي يوجب اختلاط جميع أموال أهل السوق وغيرهم بالحرام، اختلاط الكثير بالكثير، ومعه يلزم الحرج؛ لعدم المفرّ من الحرام حتّى في المعاملة مع الكبار، بعد مخالطة الصغار معهم في المعاملات والأخذ والإعطاء.

إلاّ أن يقال باعتبار اليد حتّى مع هذا الاختلاط الكثير، وهو مشكل.

إن قلت: تصحيح المعاملة بدليل الحرج غير وجيه؛ لأنّ دليله ليس مشرّعاً ومثبتاً للحكم، بل رافع للحكم الحرجي(3).

ص: 48


1- مفاتيح الشرائع 3: 46.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 287.
3- - غاية الآمال، المحقّق المامقاني 5: 258.

قلت: إنّ مقتضى الأدلّة العامّة صحّة معاملات الصبيّ المميّز؛ لصدق العناوين عليها قطعاً، وإنّما المانع عنها دليل حجر الصبيّ، ومع محكوميته في مورد المحقّرات لدليل الحرج، تبقى الأدلّة المصحّحة على حالها، فالاستناد في الصحّة إليها، لا إلى دليل الحرج، فلو ثبت الحرج فلا إشكال، إلاّ أنّ الشأن فيه.

ويمكن الاستدلال على صحّة معاملاته في الجملة بموثّقة السكوني(1)، عن أبي عبداللّه (عليه السّلام) قال : «نهى رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) عن كسب الإماء ؛ فإنّها إن لم تجد زنت، إلاّ أمة قد عُرفت بصنعة يد، ونهى عن كسب الغلام الصغير الذي لا يُحسن صناعة بيده؛ فإنّه إن لم يجد سرق»(2).

فإنّ المفروض فيها هو المكسوب الذي في يده، ويراد الأخذ منه بمعاملة ونحوها.

وأمّا إذا لم يكن رأس المال والثمن ونحوهما تحت يده، وكان تحت يد الوليّ، وأجازه في إجراء الصيغة أو إتمام المعاملة، من غير أن يكون المال تحت يده، فهو خارج عن مصبّ الرواية، ولا يناسبه تعليلها؛ فإنّ النهي لأجل التحرّز عن مال الحرام المحتمل، إذ مع احتمال السرقة، يحتمل أن يكون ما في يده من الكسب أيضاً مكسوباً بمال السرقة، وكان حراماً لأجل بطلان المعاملة بالمتاع المسروق.

ص: 49


1- - التوصيف بالموثّقة لأجل كون السكوني عامّياً ثقةً معتمداً عند الأصحاب. اُنظر العدّة في اُصول الفقه 1: 149؛ تنقيح المقال 1: 127 / السطر 29.
2- - الكافي 5: 128 / 8؛ تهذيب الأحكام 6: 367 / 1057؛ وسائل الشيعة 17: 163، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 33، الحديث 1.

فلا داعي لرفع اليد عن ظاهرها - من تعلّق النهي بالكسب - وحملها على ما في يده؛ بزعم أنّ الكسب بعد فرضه لا يحتمل فيه الحرمة.

وكيف كان: فإنّها تدلّ على صحّة معاملات الصبيّ الذي يحسن صنعة، بل على صحّة معاملات الصبيّ مطلقاً إن كان النهي تنزيهياً، كما هو الظاهر بقرينة صدرها وتعليلها.

نعم، لا إطلاق فيها بالنسبة إلى مطلق معاملاته؛ لكونها في مقام بيان حكم كراهة كسب من لا يحسن الصنعة، فلو احتمل اعتبار شرط في صحّة معاملاته، لا يمكن دفعه بها، فالقدر المتيقّن منها صحّتها بإذن الوليّ.

ويظهر منها عدم سقوط أفعاله وألفاظه، ومورد الرواية - بمناسبة الصغير - هو المعاملة في الأشياء اليسيرة ممّا تعارف إيكالها إليه.

ثمّ إنّ الظاهر منها هو معاملاته بمال نفسه، لا بمال غيره بوكالة منه أو إذنه؛ لأنّ سلب الكراهة عمّن يحسن صنعة واستثناءه، ظاهر في أنّ الكسب المنهيّ عنه تنزيهاً هو الكسب بمال نفسه، ولو فرض التعميم لأجل التعليل، لا يحتمل الاختصاص بمال الغير ومورد الوكالة.

والإنصاف: أ نّها تدلّ على صحّتها في الجملة، سواء كان النهي متعلّقاً بكسبه بالمعنى المصدري، أم بمكسوبه، وسواء كان النهي للتحريم، أو التنزيه، وسواء كان المراد بالمكسوب ما في يده أعمّ من كسبه وغيره، أم اختصّ بما حصل بالكسب كما هو ظاهرها.

ثمّ لو قلنا بإطلاق الأدلّة وعمومها بالنسبة إلى مطلق معاملاته، وكانت المعاملة باليسيرة داخلة فيها، فلا تنبغي الشبهة في قيام السيرة - حتّى من

ص: 50

المتديّنين والمبالين بالدين - على المعاملة بالأشياء غير الخطيرة مع الأطفال، ولا يحتمل حدوثها في العصر المتأخّر عن عصر الشارع الأقدس.

فلو لم نقل بانصرافها عن موردها، فتخصيصها بها مشكل؛ لأنّ حجّية السيرة وصلاحيتها لتخصيصها، معلّقة على عدم الردع وإمضاء الشارع، وإطلاق الأدلّة صالح للرادعية بلا توقّف على شيء، فحجّية الإطلاق منجّزة، وحجّية السيرة وصلاحيتها للتخصيص معلّقة على عدم الرادع.

نعم، الظاهر انصراف الأدلّة عن مورد السيرة كما تقدّم(1)، لكن القدر المتيقّن منها معاملاته مع إذن الوليّ ولو بالكشف عن ظاهر الحال.

ثمّ إنّ بعض المحقّقين قدّس سرّه لمّا لم ير مجالاً لإنكار السيرة واتّصالها بعصر النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم)، ولم يرتض برفع اليد عن الأدلّة وإطلاقها، حاول التطبيق على القواعد بأنّ المعاملة واقعة في تلك الموارد بين الوليّ والطرف، وكان الطرف موجباً وقابلاً، من الوليّ وكالة، ومن نفسه أصالة.

أو أنّ الوليّ موجب، والطرف قابل، وفعل الطفل كاشف عن إنشائه.

أو أنّ ما قامت عليه السيرة معاطاة أو بحكمها، ولا يعتبر فيها إلاّ المراضاة ووصول كلّ من العوضين إلى الطرف(2).

وأنت خبير بأنّ مثلها كالفرار من المطر إلى الميزاب، والتزام بخلاف الواقعيات والقواعد بلا وجه ملزم، ولعلّ إنكار السيرة أو اتّصالها بعصر النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم)، أسهل من الالتزام بما هو خلاف الواقع بداهة؛ إذ لا شبهة في أنّ ما

ص: 51


1- - تقدّم في الصفحة 47 .
2- - المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 287 - 294؛ منية الطالب 1: 378 - 379.

هو الواقع في المعاملات المتعارفة أنّ الصبيان طرف فيها، من غير خطور أوليائهم في الأذهان، ويرى العقلاء والمتعاملان معاملاتهم معاطاة، كسائر المعاملات المعاطاتية، والتعاطي المعاملي بين الصبيّ وطرفه لا غير.

فالتحقيق: صحّة وكالته عن الغير في إجراء الصيغة، بل وفي أصل المعاملات بلا إذن الوليّ، وصحّة معاملاته في الاُمور اليسيرة المتعارفة مع إذن الأولياء.

ص: 52

الشرط الثاني: قصد المتعاملين لمدلول العقد

مسألة اعتبار قصد المتعاملين لمدلول العقد

ص: 53

ص: 54

قال الشيخ الأعظم قدّس سرّه: «ومن جملة شرائط المتعاقدين قصدهما لمدلول العقد الذي يتلفّظان به»(1).

أقول: لا شبهة في اعتبار ذلك في المعاملات الجارية باللفظ، ولا في اعتبار القصد لمدلول العقد في المعاطاة، فالتلفّظ والتعاطي غلطاً واشتباهاً - كمن أراد أن يقول: «قمت» فسبق لسانه وقال: «بعت داري» أو أعطى سلعته كذلك - ليس بمعاملة.

ومن تلفّظ عن إرادة والتفات، لكن أراد إيجاد اللفظ من دون استعماله في المعنى، كمن قال: «بعت داري لفظ موضوع» أو استعمل الألفاظ في معانيها، لكن أراد الحكاية التصوّرية، كمن قال: «بعت داري من زيد، غير آجرت داري» أو استعملها في المعاني التصديقية، لكن لم يكن جدّه تحقّق مدلول العقد،

ص: 55


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 295.

كالمستعمل مجازاً أو كناية - بناءً على ما هو التحقيق من استعمال الألفاظ في معانيها الحقيقية في المجازات والكنايات(1) - فلم ينشئ المعاملة، وكلّ ذلك ليس بمعاملة.

فلا بدّ فيها من إرادة إيقاع مدلول العقد جدّاً، سواء في المعاطاة ممّا يكون التعاطي لذلك، أو العقود اللفظية، واعتبار ذلك لا إشكال فيه.

لكن كون ذلك من شرائط العقد أو المتعاقدين، غير ظاهر؛ فإنّ شرائط الشيء تلاحظ بعد ما هو دخيل في ماهيته أو تحقّق حقيقته، فليس الإيجاب والقبول من شرائط العقد وزان الشروط المصطلحة، والقصد المذكور محقّق لحقيقة المعاملة، لا من شرائط العقد، ولا المتعاقدين.

وبعبارة اُخرى: الشرائط المعتبرة في العقد، ما تعتبر فيه بعد تجوهره وتحقّق حقيقته - ولو عرفاً - مع الغضّ عنها، كالعربية؛ فإنّ العقد غير العربي عقد فاقد للشرط، والعقد العربي واجد له، وكالبلوغ في المتعاقدين، فإنّه من غير البالغ عقد فاقد للشرط، وأمّا إيقاع العقد فليس من شرائط العقد أو المتعاقدين، والقصد دخيل في إيقاعه وتحقّقه، والأمر سهل.

مسألة: اعتبار تعيين المالكين

إشارة

هل يعتبر تعيين المالكين اللذين يتحقّق النقل والانتقال بالنسبة إليهما، أو لا؟

قد اختار لزومه فيما إذا توقّف التعيّن عليه - لتعدّد وجه وقوع العقد الممكن

ص: 56


1- - مناهج الوصول 1: 62 .

شرعاً - جمع من المحقّقين، كصاحب «المقابس»(1) والشيخ الأعظم(2)، وبعض من تأخّر عنهما (3) قدّس أسرارهم، وإن اختلفوا في وجهه.

حول استدلال صاحب المقابس على اعتبار التعيين

وقد استدلّ الأوّل بوجه عقلي، هو لزوم بقاء المملوك بلا مالك معيّن في نفس الأمر(4).

وحاصل برهانه: أنّ المبهم وغير المعيّن لا تحقّق له واقعاً، فلا يعقل أن يكون طرف الإضافة، فيلزم منه أن يكون المملوك - بما هو - بلا مالك واقعي، مع أنّ المتضايفين متكافئان.

أقول: الكلام يقع في مقامين، كلّ منهما محتمل في كلامه:

أحدهما: فيما إذا وقع العقد على وجه الإبهام، كمن كان وكيلاً من شخصين في شراء شيء أو بيعه، فقال: «بعت كرّاً من الحنطة من أحدهما بعشرة» فقبل الوكيل من شخصين آخرين لأحدهما، وقال : «قبلت لأحد الموكّلين».

أو كان الإيجاب مبهماً، والقابل المعيّن قبل المبهم، كما إذا أوجب الوكيل من أحد الموكّلين، وقبل شخص معيّن ذلك المبهم أو العكس.

ثانيهما: أن يكون الإيجاب من معيّن لمبهم، فقبل معيّن، كمن قال: «بعت

ص: 57


1- - مقابس الأنوار: 115 / السطر 16 وما بعده.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 299 - 300.
3- منية الطالب 1: 385 - 387.
4- - مقابس الأنوار: 115 / السطر 21.

فرسي من أحدكما» أو «من واحد من التجّار» وقال: شخص معيّن: «قبلت» أو قال: «بعت من أحدهما» فقال القابل «قبلت من زيد».

وكما لو باع الفضولي لغيره في الذمّة ولم يعيّن، فأجاز معيّن، والظاهر من صدر كلامه وذيله اعتبار التعيين في المقامين.

ثمّ إنّ البرهان العقلي الذي أقامه قاصر عن إثبات مطلوبه:

أمّا في المقام الثاني فواضح؛ لأنّ الإيجاب لا يؤثّر في النقل الواقعي حتّى يلزم ما ذكره، وبعد ضمّ القبول من معيّن أو عن معيّن، انتقل الملك إلى المعيّن.

وأمّا في المقام الأوّل؛ فلأنّ غاية ما يلزم من برهانه أ نّه يعتبر في انتقال المال في المعاملات أن ينتقل إلى مالك معيّن، فيلزم منه أن لا يؤثّر الإيجاب والقبول إلاّ بعد تعيّن الطرفين، فإذا باع وكيل أحد الشخصين عن قبل أحدهما من أحد الشخصين، وقبل وكيلهما لأحدهما، لم يقع نقل واقعي؛ للزوم المحذور المتقدّم.

ويتوقّف على شرط عقلي هو تعيين الطرفين، فإذا تعيّنا بوجه من وجوه التعيين، صار المال منتقلاً إلى المعيّنين بلا لزوم محذور.

وبعبارة اُخرى: إنّ برهانه على فرض تماميته، يقتضي عدم معقولية تأثير المعاملة فعلاً، لا إلغاء الإيجاب والقبول، غاية الأمر تصير المعاملة كالفضولي وكبيع المكره.

وإن شئت قلت: إنّ الإيجاب والقبول لو كانا علّة تامّة للتأثير، ولم يمكن انفكاك الأثر منهما، لكان لما ذكره وجه، لكن بعد ما لم يكن ألفاظ المعاملات من قبيل العلل، بل تكون موضوعة لاعتبار العقلاء، فلا مانع من اشتراطها شرعاً أو عقلاً بشرائط متأخّرة، وعند حصولها يصير النقل محقّقاً.

ص: 58

وفي المقام: لو تمّ البرهان العقلي، للزم منه عدم التأثير الفعلي، لا إلغاء العقد ولغويته، فلا بدّ فيه من التماس دليل آخر.

ومنه يظهر دفع برهان آخر، ربّما يستشمّ من كلام الشيخ الأعظم قدّس سرّه حيث قال: «مقتضى المعاوضة والمبادلة دخول كلّ من العوضين في ملك مالك الآخر، وإلاّ لم يكن كلّ منهما عوضاً وبدلاً»(1)، انتهى.

وتقريبه على الوجه العقلي أن يقال: إنّ المعاوضة الحقيقية غير معقولة في المقام؛ لامتناع دخول العوض في ملك الواحد المردّد واقعاً، إذ لا واقعية له ذاتاً وتحقّقاً وماهية وتقرّراً، فلو صحّت المعاوضة لزم منها تحقّق الإضافة بلا مضاف، أو مضاف إليه، أو بدونهما معاً.

وقد تقدّم وجه دفعه، وعرفت: أنّ لازم ما ذكر عدم ترتّب الأثر فعلاً على الإنشاء، لا إلغاؤه رأساً (2).

ويمكن الاستدلال على المطلوب بأنّ إنشاء البيع عبارة عن جعل إضافة بين العوضين إيقاعاً؛ بمقتضى ماهية المبادلة، وجعل الإضافة بين الشيء وما هو مردّد واقعي محال؛ لامتناع جعل إضافة ولو إنشائية بين الموجود والمعدوم، ولازم عدم تعيين المالكين - اللازم منه عدم تعيين العوضين - ذلك من وجهين:

من ناحية لا موجودية الواحد المردّد من المالكين.

ومن ناحية لا موجودية الواحد المردّد من العوضين.

ويمكن أن يُجاب عنه بأنّ الإنشاء على العناوين القابلة للتحقّق لا مانع منه،

ص: 59


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 299 .
2- تقدّم في الصفحة 58.

كما هو الشأن في الأحكام الشرعية المترتّبة على الماهيات والعناوين القابلة للصدق على الخارج ، وفي المقام يمكن إنشاء مبادلة عين بعشرة في ذمّة أحد الشخصين ، أو مبادلة مال أحد الشخصين بكذا.

فالإنشاء متعلّق بالعناوين التي لا ترديد فيها إلاّ بالحمل الأوّلي، كمفهوم «أحدهما» أو «إحدى العينين» ولمّا كان كلّ منهما قابلاً للصدق على المصداق المعيّن غير المبهم، صحّ وأمكن ذلك الإنشاء، ولا يلزم أن يكون مصداق أحدهما - المبهم مفهوماً - مبهماً، كما لا يكون مصداق الكلّي كلّياً، فزيد مصداق أحدهما وهو معيّن.

نعم، لا مصداق لأحدهما بما هو، كما لا مصداق للكلّي في الخارج بما هو.

وبالجملة: إنّ الإنشاء متعلّق بالعنوان المعيّن بالحمل الشائع، وهو قابل للتحقّق، فإذا قال: «بعت لأحدكما» وقبل أحدهما صحّ، ولا يأتي الإشكال المذكور فيه.

وأولى بذلك ما لو أنشأ على عنوان كلّي، لا إبهام فيه حتّى بحسب المفهوم.

واستدلّ أيضاً للبطلان بأ نّه لولا التعيين لزم أن لا يحصل الجزم بشيء من العقود التي لم يتعيّن فيها العوضان، ولا بشيء من الأحكام والآثار المترتّبة على ذلك(1).

وفيه: أنّه إن اُريد بالجزم ما هو معتبر في العبادات على رأي(2) - بأن يكون

ص: 60


1- - اُنظر مقابس الأنوار: 115 / السطر 22.
2- - القواعد والفوائد 1: 85 .

حين الإتيان جازماً بنقل شيء معيّن في مقابل معيّن - فهو مصادرة؛ لأنّ الكلام في اعتباره، ولا دليل عليه.

وإن اُريد أنّ اللازم منه هو الترديد في الإنشاء، فهو ممنوع؛ لأنّ المردّد هو المتعلّق لا الإنشاء، واعتبار عدم الترديد في المتعلّق أوّل الكلام.

وإن كان المراد عدم الجزم والعلم بترتّب الأثر على هذه المعاملة - لاحتمال عدم الانتهاء إلى التعيين - فهو ليس بتالٍ فاسد؛ إذ لا يعتبر في صحّتها الجزم بهذا المعنى، كما أ نّه قد يلزم ذلك في الفضولي.

مع أنّ في المقام يمكن الجزم؛ لانتهائه إلى التعيين - ولو بالقرعة - إلزاماً أو اختياراً.

وأمّا الجزم بالأحكام والآثار، فلا وجه لاعتباره؛ لأنّ ترتّبها على الموضوعات لا يتوقّف على جزم المتعاملين.

وأمّا ادّعاء انصراف الأدلّة عن العقد المبهم؛ لعدم التعارف والمعهودية(1)، فممنوع بعد كونه عقداً عقلائياً.

بل أدلّة إنفاذ العقود - كقوله تعالى: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(2) وكقوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «المؤمنون عند شروطهم»(3) - ظاهرة في أنّ الموضوع للوفاء القرار بما هو، والمؤمن عند شرطه بما هو شرط، من غير لحاظ متعلّقات الشرط وأطراف العقود.

ص: 61


1- - مقابس الأنوار: 115 / السطر 23؛ اُنظر منية الطالب 1: 387.
2- المائدة (5): 1.
3- - تهذيب الأحكام 7: 371 / 1503؛ وسائل الشيعة 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 4.

بل لو فرض قصور الأدلّة عن شمول مثل المورد، فلا شبهة في إمكان إسراء الحكم إليه عرفاً بمناسبات الحكم والموضوع.

مع أنّ الانصراف عن العقد بما هو عقد وقرار وعن الشرط بما هو كذلك، ممنوع جدّاً.

استدلال الشيخ الأعظم على اعتبار التعيين

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه تمسّك للمطلوب بوجهين غير ما احتمل من كلامه فيما تقدّم:

أحدهما: أنّ ملكية العوض وترتّب آثار الملك عليه في الكلّيات، إنّما هي بالإضافة إلى ذمّة معيّنة، وإجراء أحكام الملك على ما في ذمّة الواحد المردّد بين شخصين فصاعداً غير معهود، والاحتياج إلى تعيين المالك لذلك، لا لكونه في نفسه معتبراً (1).

ولعلّ نظره قدّس سرّه إلى أنّ شرط تعيين المالك متأخّر عمّا يعتبر في قوام ذات المعاملة، وملكية الشيء دخيلة في ذاتها، والتعيين لأجل ما هو دخيل في قوامها، لا لاعتباره في نفسه.

وثانيهما: أنّ ما لا يضاف إلى ذمّة معيّن لا يكون مالاً، ولا يترتّب عليه أحكامه، ومالية العوضين دخيلة في ذات المعاملة(2).

ويرد عليهما: أ نّه لا دليل على لزوم الملكية والمالية بالمعنى المدّعى في

ص: 62


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 299.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 300.

المعاملات، فلو قال: «بعت هذا بعشرة في ذمّة أحدكما» وقال واحد منهما: «قبلت» فصارت العشرة بالقبول ملكاً ومالاً ومضافة إلى ذمّة معيّنة، صحّ البيع.

وكذا لو قال: «بعت منّاً من الحنطة من ذمّة أحدكما بكذا» فأجاز أحدهما صحّ؛ لكون المعاملة عقلائية.

نعم، لو لم ينته إلى التعيين أبداً لم يصحّ.

وبعبارة اُخرى: إنّ مبادلة مال بمال أو تمليك عين بعوض، إنّما هو في المعاملة المسبّبية لا الإنشائية، والمبادلة الحقيقية لا تكون بصرف الإيجاب، ومع ضمّ القبول - الذي هو جزء السبب، أو شرط لتمامية السبب للتبادل - تحصل الملكية والمالية، فالتبادل الواقعي إنّما هو بين المالين والملكين، هذا إذا كان الموجب غير القابل كما في المثال.

وأمّا إذا كان المتصدّي للمعاملة شخص واحد، فأوجب من أحد الموكّلين، وقبل لأحدهما، فيأتي فيه الكلام المتقدّم في الجواب عن المحقّق التستري قدّس سرّه: من أنّ التبادل الواقعي موقوف على التعيين، فلا يلزم ممّا ذكر لغوية الصيغة(1).

مع أنّ الإضافة إلى الذمّة لا تعقل أن تكون موجبة للملكية، وكيف تكون الإضافة التصوّرية مملّكة قهراً؟! ولو صارت موجبة، لكانت موجبة في عهدة أحدهما؛ فإنّ عنوان «أحدهما» كلّي لا ترديد فيه، وإنّما الترديد في مثل هذا أو هذا، لا أحدهما.

وأمّا المالية، فإنّ الإضافة إلى ذمّة أحد الشخصين أو أشخاص معدودين

ص: 63


1- - تقدّم في الصفحة 58.

محصورين، توجب المالية بعد إمكان التحقّق الخارجي، كما أنّ مالية ما في الذمّة المعيّنة أيضاً لأجل إمكان التحقّق لا لذاتها، هذا كلّه إذا كان تعيّن المالكين يحتاج إلى التعيين.

حول اعتبار تعيين المالكين فيما إذا كانا معيّنين في الخارج

وأمّا إذا كانا معيّنين، كما في الأعيان الخارجية المملوكة لأشخاص معيّنة، ولم يصحّ وقوع البيع إلاّ بوجه واحد، فهل يعتبر التعيين في النيّة أو اللفظ ومنه الانصراف، أو لا يعتبر، لكن تضرّ نيّة الخلاف أو التصريح به، أو لا يضرّ التصريح به فضلاً عن نيّته؟ وجوه.

والتحقيق: أنّ التعيين غير لازم؛ لأنّ لازم مبادلة مال مملوك لشخص معيّن واقعاً بمال كذلك، هو خروج كلّ منهما عن ملك صاحبه، ودخوله في ملك الآخر.

وهذا ممّا لا ينبغي الكلام فيه، لكن قد يقع البيع على العين الشخصية الخارجية على نحو الإبهام والإجمال، كما لو علم إجمالاً بأنّ العين إمّا لزيد أو لعمرو، فأنشأ البيع لأحدهما، أو علم أ نّها لزيد، لكن أوقع البيع لأحدهما فضولاً؛ برجاء إجازة زيد أو عمرو بعد تملّكه - لو قلنا بصحّة الفضولي كذلك - ففي هذا النحو وأشباهه يأتي الخلاف في لزوم التعيين وعدمه.

وأمّا ما جعله الأعلام - كالشيخين المتقدّمين(1) - محلّ البحث في الشخصي،

ص: 64


1- - اُنظر مقابس الأنوار : 115 / السطر الأخير؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 300 .

فلا يرجع النزاع فيه إلى محصّل؛ لأنّ المفروض التعيّن، فلا معنى فيه للنزاع في لزوم التعيين وعدمه، إلاّ أن يرجع إلى لزوم التلفّظ به أو الإخطار بالبال تفصيلاً، وهو كما ترى.

وأمّا مع نيّة الخلاف أو التصريح بذلك، فإن كان مع جهل المتعامل: فتارةً يكون الإنشاء على عنوان واقعي، له مصداق واقعي، فأخطأ في التطبيق، كأن يقول: «بعت من موكّلي زيد أو وهو زيد، لموكّلي عمرو، أو وهو عمرو، بكذا» مع أنّ موكّله في البيع عمرو، وفي الشراء زيد، فاشتبه الأمر عليه واعتقد الخلاف.

ففي هذه الصورة لا إشكال في الصحّة؛ لأنّ الإنشاء وقع على ما هو عليه، والخطأ في التطبيق لا يضرّه.

واُخرى: يصير اعتقاده الخلاف موجباً لإيقاع المعاملة جدّاً على خلاف الواقع، كمن اعتقد أنّه وكيل زيد في بيع فرسه من عمرو، ووكيل عمرو في شرائه فقال: «بعت فرس زيد من عمرو بهذه العشرة» وكان الفرس لعمرو، والعشرة لزيد.

ففي هذه الصورة إن قلنا: بأنّ ماهية البيع عبارة عن التبادل بين الشيئين في الملكية، ولا دخالة لإضافة المالكين فيها، صحّ؛ لحصول ما هو دخيل فيه، وتحقّق الجدّ من المنشئ.

وإن قلنا بأنّها عبارة عن إخراج مال من ملك البائع إلى ملك المشتري وبالعكس، وكانت هذه القيود دخيلة فيها، يقع باطلاً.

ويمكن الفرق بين الإنشاء بمثل «بعت هذا الفرس الذي لزيد بهذا الثمن الذي

ص: 65

لعمرو» وبين مثل «بعت من زيد فرسه بثمن عمرو» فيقال بالصحّة في الأوّل؛ لأنّ العقد واقع بين الفرس والثمن، والتوصيف بغير ما هو عليه فيهما غير مضرّ، نظير ما يقال في مثل «بعت هذا الفرس العربي»: من الحكم بالصحّة مع خيار تخلّف الوصف.

وبالبطلان في الثاني؛ لعدم وجود المثمن والثمن، لأنّ زيداً ليس مالكاً للفرس، ولا سيّما إذا قلنا بأنّ البيع عبارة عن تبادل إضافة المالكية؛ فإنّ الفرق على هذا أوضح، لوقوع الإنشاء على الأوّل على ذات المتبادلين، والتوصيف خارج عن مصبّه، وليس توصيف الأمر الموجود كتوصيف الكلّيات، وعلى الثاني على نفس الإضافة إذا اُريد بقوله: «من زيد» الإضافة المتخيّلة.

وكذا لو قال: «ملّكت عمراً فرس زيد بعوض كذا» وكان الفرس والعوض خارجيين، والفرس لعمرو، والعوض لزيد؛ فإنّ تمليك مال كلّ منهما لنفسه غير معقول، ومباين لحقيقة المعاوضة، والإنشاء وقع على إضافة مفقودة، ولا معنى لوقوع المعاملة على خلاف ما وقعت وانشئت.

وبعبارة اُخرى: إن وقعت المبادلة بين الإضافتين استقلالاً، تكون باطلة لفقدهما، وإن وقعت بين العينين وكان تبادل الإضافتين الواقعيتين قهراً وتبعاً، صحّت ولغا التوصيف.

نعم، لو قلنا بأنّ ماهية المعاملة هي مبادلة مال بمال، ويقع تبادل الإضافات تبعاً مطلقاً، كان الوجه الصحّة في الفرضين، هذا كلّه مع جهل المنشئ بالواقعة.

وأمّا مع علمه وتعقيبه الإنشاء بما يخالف الواقع في العوضين الموجودين،

ص: 66

فهل تقع المعاملة باطلة، أو صحيحة ويلغو القيد المنافي، أو يقع كلّ من المعاملة وقيده صحيحاً؟

قد يقال بالثالث؛ بدعوى أنّ المعاوضة الحقيقية، لا تتقوّم بدخول العوض في ملك من خرج عن ملكه المعوّض، فجاز مع قصد المعاوضة الحقيقية، قصد دخول أحدهما في ملك غير من خرج الآخر عن ملكه.

ثمّ قال: إنّ اعتبار البيع اعتبار التبديل في المملوك، واعتبار الهبة التبديل في المالك، فيقوم مالك، ويجلس آخر مكانه، كما في الإرث، فإن قيّدت المعاوضة بأن ينتقل كلّ منهما أو أحدهما إلى غير مالك الآخر، انتقل إلى الذي قصد، فتصير بيعاً فيه معنى الهبة، أو معاملة فيها معنى البيع والهبة جميعاً (1)، انتهى ملخّصاً.

وفيه: أنّه إن اُريد بما ذكر: أنّ في المعاملة الكذائية إنشاء الهبة والبيع جميعاً؛ بأن يقال - في مثل قوله: «بعتك هذا الفرس من مال زيد» مع كونه من مال الموجب-: إنّ إضافة المال إلى زيد وإن كانت قبل ورود الهيئة الإنشائية عليها، جملةً ناقصة ومعنى تصوّرياً، لا يمكن إنشاء الهبة ونحوها بها، لكن بعد ما وردت عليها الهيئة التامّة، صارت الجملة الناقصة تامّة؛ بتبع تمامية الهيئة، كما أنّ القيود الناقصة تصير تامّة بتبع الهيئة الإخبارية.

فحينئذٍ ينحلّ قوله في المثال المتقدّم إلى بيع الفرس، وإنشاء كونه لزيد، فصحّ أ نّه بيع فيه معنى الهبة، أو معاملة فيها معناهما، ويمكن أن تجعل الجملة

ص: 67


1- حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 177 - 178.

المذكورة - بعد كونها إنشاء بيع حقيقةً وبالمعنى المطابقي - كناية عن إنشاء الهبة، فجمع فيه البيع والهبة.

ففيه: أنّ الإنشاء الجدّي بإخراج المال عن ملك زيد، لا يعقل إلاّ أن تتقدّم عليه الهبة، وتحقّق الهبة - على هذا التصوير - موقوف على الإنشاء الجدّي للبيع الكذائي، وهو دور واضح.

مضافاً إلى أنّ استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي والكنائي، أسوأ حالاً من استعماله في أكثر من معنىً واحد، فإن قلنا: بالجواز في الثاني(1)، يشكل في الأوّل.

مضافاً إلى أنّه على هذا، لا بدّ من قبول المتّهب وقبضه أيضاً حتّى تصحّ الهبة، ففي الحقيقة يكون ذلك معاملتين، يحتاج كلّ منهما إلى القبول، لا معاملة فيها معنى الهبة والبيع.

ثمّ إنّ ما ذكره في اعتبار الهبة غير مرضيّ؛ فإنّ اعتبارها نقل الملك مجّاناً أو بعوض، لا قيام مالك مقام مالك آخر، كما أنّ باب الإرث أيضاً نقل الملك إلى الوارث، كما هو ظاهر الكتاب والسنّة(2)، لا قيام الوارث مقام المورّث كما قيل(3).

مع أنّ إثبات مطلوبه لا يبتني على كون اعتبار الهبة ما ذكره.

وإن اُريد بما ذكر: أنّ هذا نحو بيع أو نحو معاملة، مفاده إخراج المثمن من

ص: 68


1- - راجع مناهج الوصول 1 : 131.
2- - راجع ما يأتي في الجزء الخامس : 386 و408.
3- - حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 177؛ منية الطالب 1: 16 و92، و2: 118.

ملك شخص، وإدخال ثمنه في ملك آخر، فهو بيع حقيقة ينتج معنى الهبة، أو معاملة تنتج معناهما، كما هو الظاهر من كلامه.

ففيه منع؛ لأنّ إنشاء إخراج ملك نفسه عن ملك غيره جدّاً غير معقول، وإدخال الثمن أو المثمن في ملك الغير - في مقابل إخراج أحدهما عن ملكه أو ملك ثالث - وإن كان معقولاً، لكن لا يكون ذلك بيعاً، ولا معاملة اُخرى عرفاً.

ولعلّه اغترّ ببعض الأمثلة، كما يقال : «اشتريت النعل لابني أو للفقير» أو «بعته كذلك».

لكنّك خبير: بأنّ المراد منها الهبة بعد الاشتراء، أو لانتفاعهما بعده، كما يقال: «اشتريت الجلّ لفرسي» ولهذا لو بدا له بعد الاشتراء ولم يعطهما، لا يعدّ غاصباً، بل لا يجوز لهما التصرّف فيه بعد البيع.

وبالجملة: لا يصدق عليه «البيع» على فرض جواز الإنشاء كذلك جدّاً، فلا محالة تتبادل الإضافات - ولو تبعاً - في البيع ونحوه.

وما قلناه سابقاً (1): من أنّ البيع لا يتوقّف على إدخال الشيء في ملك من خرج عوضه عن ملكه، كان في قبال من زعم اعتبار الملكية فيه، فقلنا: إنّ بيع الوقف ليس كذلك، لكن تبادل الإضافات - ولو إضافة الولاية والسلطنة - لا بدّ منه، وفي بيع الكلّي أيضاً تمليك وإيقاع إضافة مقابل عوض.

ثمّ إنّ لازم ما ذكره دخول الشيء في ملك الغير قهراً عليه وبلا اختيار منه، كما في الإرث، وهو غير وجيه في المعاملات والعقود.

ص: 69


1- تقدّم في الجزء الأوّل: 19 و46.

ثمّ بعد عدم معقولية إنشاء إخراج ملكه عن ملك الغير جدّاً، فهل يقع البيع باطلاً، أو يصحّ ويلغو القيد؟

يمكن أن يقال بالثاني؛ بدعوى أنّ ما لا يصحّ الجدّ به هو حيثية إضافة ملكه إلى غيره تصديقاً، وأمّا أصل تبادل العينين فلا مانع منه، فينحلّ الإنشاء إلى تبادلهما، وإلى إضافة غير واقعية، فيصحّ الجدّ في الأوّل، دون الثاني فيلغو.

وفيه: أنّ الإنشاء الخاصّ لا ينحلّ إلى أمرين، بل هو إنشاء وحداني خاصّ، لا يعقل الجدّ به، وليس نظير بيع ما يملك وما لا يملك؛ فإنّه قابل للانحلال عرفاً.

وربّما قيل: إنّ التعقيب بالمنافي لا يضرّ بالإنشاء؛ لأ نّه من المعاني الإيجادية، فلا يعقل بعد الإيجاد انقلابه عمّا هو عليه(1).

وفيه: أنّ ذلك صحيح لو وقع المنافي بعد تمام المعاملة إيجاباً وقبولاً، لا في مثل المقام؛ فإنّ إيجاب إخراج مال نفسه عن غيره غير معقول، فلا يعقل تحقّق المعنى الإيجادي، لا أ نّه بعد تحقّقه تعقّب بالمنافي.

وأمّا ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه من أنّه إذا باع مال نفسه عن غيره، فلا إشكال في عدم وقوعه عن غيره، والظاهر وقوعه عن البائع، ولغوية قصده عن الغير؛ لأنّه غير معقول لا يتحقّق القصد إليه حقيقة، ولذا لو باع مال غيره عن نفسه وقع للغير مع إجازته.

إلى أن قال: فقصد وقوعه عن نفسه لغو دائماً، ووجوده كعدمه، إلاّ أن يقال:

ص: 70


1- - منية الطالب 1: 383 - 384.

إنّ وقوع بيع مال نفسه لغيره إنّما لا يعقل إذا فرض قصده للمعاوضة الحقيقية، لم لا يجعل هذا قرينة على عدم إرادته من البيع المبادلة الحقيقية، أو على تنزيل الغير منزلة نفسه في مالكية المبيع كما سيأتي أنّ المعاوضة الحقيقية في بيع الغاصب لنفسه لا تتصوّر إلاّ على هذا الوجه؟! وحينئذٍ فيحكم ببطلان المعاملة؛ لعدم قصد المعاوضة الحقيقية مع المالك الحقيقي(1)، انتهى.

ففيه: أنّ عدم معقولية القصد إلى وقوع بيع مال نفسه عن غيره، لا يوجب صحّة المعاملة ولغوية القيد، بل الظاهر بطلانها رأساً؛ لعدم القصد إلى البيع الحقيقي بل امتناعه، وقد مرّ: أنّ هذا الإنشاء الخاصّ لا ينحلّ إلى إنشاءين ومنشأين، نظير ما يقال في الشرط الفاسد وعدم مفسديته للمعاملة(2)، وكذا الحال في بيع مال غيره عن نفسه.

وبالجملة: إن اُريد بوقوع المعاملة ترتّب الأثر فعلاً، وانتقال مال الغير عن نفسه، أو مال نفسه عن غيره فعلاً، فلا يعقل قصده، فتقع باطلة.

وإن اُريد به إنشاؤها فعلاً - كي يترتّب عليه الأثر في موطنه - فتصحّ مع الإجازة لو قلنا بصحّة عقد من باع شيئاً عن نفسه ثمّ ملكه(3)، فلو باع مال نفسه عن غيره مع العلم بأنّ الغير يملكه فيجيز، أو مع رجائه، صحّ على هذا المبنى، فلا فرق بين من باع مال غيره عن نفسه، أو مال نفسه عن غيره في ذلك.

وأمّا قوله قدّس سرّه: إلاّ أن يقال ... إلى آخره، ففيه: - مضافاً إلى ما في استثنائه -

ص: 71


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 301 - 302.
2- - اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19: 92؛ منية الطالب 3: 278.
3- - يأتي في الصفحة 356.

أنّ الكلام إنّما هو في مقام الثبوت لا الإثبات، فلا وجه لجعل ما ذكره قرينة على ما أفاده.

وأمّا التنزيل فلا يصحّح المعاملة الحقيقية، لا في المقام، ولا في بيع الغاصب؛ لأنّ الجدّ بها محال، والتنزيل مع الالتفات إلى أطراف القضيّة، لا يوجب إمكان الجدّ حقيقة وإخراج مال غيره عن نفسه أو العكس واقعاً، فهل يمكن أن ينزّل أحد نفسه منزلة السلطان، فيأمر الجند جدّاً بأوامر سلطانية؟!

نعم، يصحّ جعل نفسه منزلة المالك، والبيع له بوجوده التنزيلي، فيقع حقيقة للمالك إذا أجاز لا للمنشئ.

هذا كلّه في بيع الأعيان الخارجية.

وأمّا في الكلّيات وما في الذمم، فقال المحقّق التستري قدّس سرّه فيها: لو اشترى لنفسه بمال في ذمّة زيد، فإن لم يكن وكيلاً عن زيد، وقع عنه، وتعلّق المال بذمّته، لا عن زيد ليقف على إجازته.

وإن كان وكيلاً فالمقتضي لكلّ من العقدين - منفرداً - موجود، والجمع بينهما يقتضي إلغاء أحدهما، ولمّا لم يتعيّن احتمل البطلان؛ للتدافع، وصحّته عن نفسه؛ لعدم تعلّق الوكالة بمثل هذا الشراء، وترجيح جانب الأصالة، وعن الموكّل؛ لتعيّن العوض في ذمّة الموكّل، فقصد كون الشراء لنفسه لغو كما في المعيّن(1) ، انتهى.

أقول: يرد عليه: - مضافاً إلى نحو اضطراب في كلامه؛ حيث يظهر من

ص: 72


1- - مقابس الأنوار: 116 / السطر 3 - 6 .

بعضه أنّ الكلام في مقام الثبوت، ومن بعضه أنّه في مقام الإثبات - أنّه مع عدم الوكالة لا وجه لتعلّق المال بذمّته وإلغاء ذمّة زيد، ولو قلنا في الأعيان الخارجية: بلغوية القيد المنافي(1)؛ لأنّ الكلّيات تعيّنها بالإضافة إلى الذمم لفظاً أو انصرافاً، وليست مثل الأعيان المضافة واقعاً إلى صاحبها، فمع إلغاء القيد تقع صحيحة لصاحبها الواقعي.

فالكلّيات مع عدم إضافتها لما ذكر، لا تكون مضافة إلى أحد، فلا وجه لإلغاء القيد فيها، وجعلها على ذمّة العاقد؛ بدعوى الانصراف، كما هو واضح.

ولو قيل بأنّ قوله «اشتريت لنفسي» قرينة على لغوية قيد «زيد».

يقال: لا ترجيح لجعل ذلك قرينة لما ذكر، على جعل ذمّة زيد قرينة على إلغاء قيد «لنفسه».

وتوهّم: ترجيح جانب الأصالة، فاسد؛ لأنّ ترجيحه إنّما هو فيما لم يتقيّد بما يفيد عدم الأصالة، ففي المقام يقع التدافع بين الصدر والذيل، ولا ترجيح بحسب مقام الإثبات ولا مقام الثبوت.

بل التحقيق: أ نّه مع الالتفات إلى أطراف القضيّة، لا يعقل الجدّ في المعاملة إن اُريد تأثيرها فعلاً، كما تقدّم نظيره(2)، ومع عدم الالتفات تقع باطلة فعلاً؛ لعدم حصول المعاوضة حقيقة، وتصحّ فضولية - بناءً على الصحّة - فيما إذا باع ثمّ ملك.

وأمّا قوله قدّس سرّه: وإن كان وكيلاً ... إلى آخره، الظاهر منه أنّ الحكم

ص: 73


1- - اُنظر ما تقدّم في الصفحة 70 .
2- - تقدّم في الصفحة 71.

بالبطلان لعدم الترجيح في مقام الظاهر، وإلاّ فيقتضي الجمع صحّة أحدهما وإلغاء الآخر.

فيرد عليه: أنّه لو قلنا بالصحّة في الواحد لا بعينه، يلزم منه ما أورده على مثله قبيل ذلك من لزوم كون الملك بلا مالك معيّن ... إلى آخره.

ومع الغضّ عنه أو دفع الإشكال بما سبق منّا (1) ، لا يلزم البطلان، بل يلزم الرجوع إلى القرعة، وقد فرغنا في محلّه عن أنّ القرعة لكلّ أمر مشكل، ومصبّها باب تزاحم الحقوق، وهي من القواعد المحكمة العقلائية والشرعية، غير المخصّصة إلاّ نادراً (2).

والظاهر أنّ مراده من التدافع تعليلاً للبطلان، هو التدافع في مقام الإثبات، وإلاّ كان مناقضاً لقوله: يقتضي إلغاء أحدهما.

وأمّا التشبّث في مقام ترجيح صحّته عن نفسه، بعدم تعلّق الوكالة بمثله، فهو خروج عن محطّ البحث، وبترجيح جانب الأصالة، ففيه: أنّ ترجيحه إنّما هو في مقام الظاهر والدعوى إذا لم يتقيّد الكلام بما يجعله ظاهراً في غير الأصالة، وكذا فيما إذا تدافع القيدان لا وجه للترجيح الظاهري أو الواقعي.

وأضعف منه تشبّثه في مقام ترجيح الوقوع عن الموكّل، بتعيّن العوض في ذمّته، فقصد كون الشراء لنفسه لغو كما في المعيّن؛ لعدم ترجيح ذلك على العكس، كما تقدّم ذكره.

ص: 74


1- تقدّم في الصفحة 58 .
2- الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 434.
حول اعتبار تعيين الموجب للمشتري والقابل للبائع

وهل يعتبر تعيين الموجب لخصوص المشتري، والقابل لخصوص البائع؟

والكلام فيه يقع تارةً: في التعيين مقابل الإبهام، كأن قال الوكيل: «بعت من أحدهما» أو قال القابل: «قبلت من أحدهما» وقد مرّ الكلام فيه عقداً وحلاًّ(1).

واُخرى: في لزوم معرفة البائع المشتري وبالعكس.

فقد يقال: بعدم لزومه؛ لأنّ المتعاملين ليسا ركناً في المعاملة، بل العوضان ركن؛ لاختلاف الأغراض بالنسبة إليهما.

نعم، يكون الطرفان في باب النكاح ركناً، وكذا المخاطب في الهبة والوصيّة والوكالة والوقف ركن؛ لاختلاف الأغراض بالنسبة إليهما في الأوّل، وبالنسبة إليه في غيره(2).

أقول: المعروف بينهم أنّ الزوجين في النكاح بمنزلة العوضين؛ لاختلاف الأغراض بالنسبة إليهما، كاختلافها بالنسبة إلى العوضين، فتجب معرفتهما كما تجب معرفة العوضين(3).

وفيه: أنّ اختلاف الأغراض النوعية في باب العوضين، موجب للغرر مع عدم المعرفة بهما ذاتاً ووصفاً بما يدفع بها الغرر، فلو باع منّاً معيّناً غير معلوم

ص: 75


1- - تقدّم في الصفحة 56 وما بعدها.
2- - منية الطالب 1: 391 - 392.
3- - مقابس الأنوار: 115 / السطر 31؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 34؛ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 37.

ذاتاً، أو منّاً من حنطة لم يعلم أ نّها جيّدة أو رديئة، أو لا يعلم سائر أوصافها الدخيلة في الأغراض، بطل للغرر.

وأمّا الزوجان فليسا ركناً بهذا المعنى؛ لعدم لزوم معرفة كلّ منهما الآخر كمعرفة المتبايعين للعوضين، فيصحّ نكاح زوجة معيّ-نة مجهولة الاسم والوصف لزوج كذلك، فما هو المعتبر في النكاح ليس إلاّ التعيين على إشكال.

وما في كلام بعضهم من أنّ الزوجين في النكاح كالعوضين في سائر العقود، وتختلف الأغراض باختلافهما، فلا بدّ من التعيين وتوارد الإيجاب والقبول على شيء واحد(1).

فيه: أنّ اختلاف الأغراض ليس دليلاً على لزوم التعيين في قبال الإبهام؛ لعدم اطّراده لا في البيع، ولا في النكاح؛ لأنّ صاعين من صبرة واحدة لا تختلف الأغراض فيهما، فلا بدّ من الالتزام بصحّة بيع أحدهما لا بعينه، وهم لا يلتزمون به، وكذا الحال في امرأتين متماثلتين فيما لا تختلف فيه الأغراض.

وأمّا التعيين في قبال التوغّل في الإبهام، كبيع أحد الأشياء مع تعيّ-نه في القصد واقعاً، فاعتباره في البيع لرفع الغرر، وأمّا النكاح فليس معاملة عند العقلاء والشارع الأقدس، ولا يجري فيه حكم الغرر.

فلا مانع من صحّة نكاح زوج معيّن واقعاً مجهول من جميع الجهات من معيّ-نة كذلك، ولا دليل على اعتبار المعرفة بهما، وقد عرفت حال اختلاف الأغراض.

ص: 76


1- - مقابس الأنوار: 115 / السطر 31.

وعدم التعارف لا يوجب انصراف الأدلّة؛ فإنّ المتعارف في النكاح التفتيش عن حالها، وحال طائفتها، وجمالها، وثروتها... إلى غير ذلك؛ ممّا لا يمكن الالتزام ببطلانه مع عدم المعرفة بها.

وثالثة: في أ نّه هل يعتبر تعيين الطرف في مقام التخاطب، بأن يكون الخطاب متوجّهاً إلى المشتري مثلاً؛ أي من ينتقل إليه المثمن؟

أو يصحّ التخاطب مع وكيله أو وصيّه، فيقول للوكيل: «بعتك هذا»؟

أو لا يعتبر مطلقاً؟

أو يعتبر فيما كان الطرف ركناً كالنكاح، دون غيره؟

والكلام هاهنا في أنّ السبب عند العقلاء والشارع هل هو العقد الذي خوطب به المشتري؛ أي يكون الخطاب معه من شرائط صحّته وسببيته، فلو خوطب به غيره بطل ولو أراد جدّاً الانتقال إلى الطرف الحقيقي، أو لا يعتبر؟

والظاهر التفصيل بين ما تعارف فيه لدى العقلاء أن يخاطب المقابل من غير نظر إلى كونه أصيلاً أو غيره، كالبيع وسائر المعاملات التي هي نظيره، وبين ما لا يتعارف فيه ذلك، كالنكاح والوقف.

والدليل عليه: أنّ ألفاظ المعاملات لا بدّ وأن تكون جارية على قانون الوضع واللسان والمحاورات، من غير فرق بين أن تكون حقيقة أو مجازاً أو كناية، إذا جرت على قانون الاستعمال لدى العرف.

فكما أنّه لو قال: «أنكحت» وأراد به البيع جدّاً - من غير اقتران بما يجعله ظاهراً في المعنى المقصود - لم يعدّ ذلك بيعاً، ولم تشمله الأدلّة وإن فرض استعماله في إنشاء البيع وقصد به الانتقال، وكذا لو أنشأه بنحو الرمز؛ بأن جعل

ص: 77

المتعاملان حرفاً من حروف التهجّي علامة إنشاء الإيجاب، وحرفاً علامة القبول، وذكرا العلامتين، وأرادا بهما إنشاء النقل وقبوله جدّاً، لم يكن بيعاً، ولم تترتّب عليه الآثار لدى العقلاء، ولم تشمله الأدلّة الشرعية.

فكذا الحال في المخاطبات الجارية في المعاملات، فلو قال مخاطباً للشمس: «بعتك داري» مريداً بها صاحبه، لم يعد بيعاً إلاّ مع قيام قرينة تجعله ظاهراً في مقصوده عرفاً، وكذا لو قال مخاطباً لأجنبيّ كذلك.

فحينئذٍ نقول: إذا تعارف إنشاء معاملة بالتخاطب مع القابل، من غير نظر إلى كونه أصيلاً، أو بمنزلته كالوكيل والوليّ، فالظاهر صحّتها؛ لأنّ التعارف يجعل الكلام ظاهراً في المعنى المقصود، أي الانتقال إلى المالك ولو بمثل الخطاب إلى وكيله، فتكون المعاملة عقلائية، وتشملها الأدلّة، بخلاف ما لو لم يتعارف كالنكاح والوقف.

ولو شكّ في التعارف يلحق بالثاني؛ للشكّ في الصدق والشمول.

والسرّ في ذلك التعارف: هو عدم غرض عقلائي غالباً في معرفة خصوص المشتري الذي ينتقل إليه المبيع، كما أنّ السرّ في عدمه في النكاح ونحوه تعلّق الأغراض العقلائية غالباً بمعرفة الزوجين أو الطرف كالموقوف عليهم، فكون الزوجين كالعوضين بهذا المعنى صحيح، دون المعنى المتقدّم، ولعلّ ذلك مراد الشيخ الأعظم قدّس سرّه(1) لا ما تقدّم(2).

نعم، يمكن المناقشة في تعارفه في البيع بأن يقال: إنّ المتعارف في

ص: 78


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 303 و305.
2- - تقدّم في الصفحة 75.

المعاملات التخاطب مع طرف المخاطبة بخصوصيته؛ لأنّ أمارية اليد على ملكية ذي اليد، توجب الغفلة عن احتمال كون ما في يده لغيره، كالموكّل والموصي، وعلى فرض الاحتمال لا يعتني به العقلاء، ولازم التعارف المدّعى سقوط اليد عن الاعتبار وأمارية الملكية، وهو كما ترى.

مع أنّ وجدان كلّ شخص، يشهد بأ نّه لدى المبايعة والمعاملة لا ينقدح في ذهنه التخاطب على الوجه الأعمّ، الذي ادّعاه الشيخ الأعظم قدّس سرّه(1)، لو فرضت صحّته ثبوتاً، فبقي الإشكال بحاله.

إلاّ أن يقال: إنّ الغرض في باب البيع ونحوه لمّا لم يتعلّق إلاّ بمبادلة العينين، أو العين بالثمن ولو في الكلّيات، لا يكون الخطاب منظوراً إليه بالخصوص ولو ارتكازاً، ويكون المراد التعاطي والتقابل بين العوضين في المعاطاة وغيرها، من غير نظر إلى خصوصية المخاطب.

ومع ذلك فالمسألة محلّ إشكال، ولا سيّما في الكلّيات؛ حيث لا تتعيّن إلاّ بالإضافة إلى الذمم.

ورابعة: في جواز التخاطب مع وكيل الطرف؛ بأن يقول: «ملّكتك» مريداً به البائع الحقيقي و«أنكحتك» مريداً به الزوج.

والظاهر جوازه إذا أقام القرينة بنحو صار الكلام ظاهراً في المعنى المقصود، وجارياً على قواعد المحاورات، من غير فرق بين البيع ونحوه، والنكاح والوقف ونحوهما؛ لإطلاق الأدلّة، وعدم دليل على الاشتراط المذكور.

ص: 79


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 303 و305.

ص: 80

الشرط الثالث: الاختيار في المتعاقدين

مسألة اعتبار الاختيار في المتعاقدين

إشارة

ص: 81

ص: 82

قالوا: ومن شرائط المتعاقدين الاختيار(1). والمراد به القصد إلى وقوع مضمون العقد عن طيب النفس، في مقابل الكراهة وعدم طيب النفس، لا الاختيار في مقابل الجبر أو الاضطرار(2).

عدم الإكراه هو الشرط المعتبر دون الاختيار

أقول: جميع الأفعال الصادرة عن التفات وإرادة مسبوقة بالاختيار؛ لأنّه من مبادئها، غاية الأمر قد يكون الاختيار لأجل ملائمة الشيء وموافقته لشهوات الفاعل وميوله، فيشتاق إليه ويختاره ويصطفيه، ويرجّح وجوده فيريده.

وقد يكون الشيء مخالفاً لميوله، فيكون إيجاده مكروهاً ومبغوضاً له، ومع

ص: 83


1- - شرائع الإسلام 2: 8؛ قواعد الأحكام 2: 17؛ اللمعة الدمشقية: 104؛ جامع المقاصد 4: 61؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 307.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 307.

ذلك يدرك العقل الصلاح فيه؛ لدفع الأفسد بالفاسد، فهذا الإدراك العقلي المخالف للتمايلات النفسانية، موجب لترجيح جانب الفعل واختياره، فيريده مع كراهته جدّاً، كتناول السمّ للفرار عن الأشقّ منه.

وما قيل من أنّ هذا أيضاً مشتاق إليه عقلاً(1)، كما ترى؛ لأنّ شأن العقل الإدراك لا الاشتياق، فكأنّ القائل زعم أنّ الإرادة شوق مؤكّد، وهو غير وجيه، مخالف للوجدان والبرهان؛ لأنّ الإرادة والشوق من مقولتين، وليس الشوق عينها، ولا من مبادئها دائماً، نعم هو من مبادئها غالباً.

وكيف كان: جميع الأفعال الصادرة عن التفات وإرادة مسبوقة بالاختيار والاصطفاء، ولا يعقل تعلّق الإرادة بلا ترجيح واصطفاء واختيار، فالفعل الاضطراري والإجباري والإكراهي كلّها من الأفعال الاختيارية، فمن يضطرّ إلى شرب دواء، أو يجبر أو يكره عليه، فلا محالة يرجّح فعله على الترك المترتّبة عليه المفسدة، فيفعله باختيار واصطفاء.

والاختيار في جميع الموارد ماهية واحدة، لا تختلف ذاتاً وماهية، وليس الاختيار المقابل للاضطرار غير الاختيار المقابل للإكراه، ولا غير الاختيار الذي في سائر الأفعال، وإن اختلفت مبادئ الاختيار في تلك الأفعال.

فعلى هذا: ما هو الشرط في المتعاقدين ليس الاختيار، حتّى نحتاج إلى دعوى خروج الاختيار المقابل للاضطرار وغيره، مع ما عرفت من عدم ثبوت معانٍ كثيرة له، أو نحتاج إلى تفسيره بما فسّره الشيخ الأعظم قدّس سرّه:

ص: 84


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 39.

تارةً: بالقصد إلى وقوع مضمون العقد عن طيب النفس(1)، مع أنّ المضطرّ أيضاً لا يقصده عن طيب النفس.

ولو اُريد بطيب النفس القصد إلى وقوعه جدّاً، فالمكره قد يكون كذلك، إلاّ أن يراد به قصده بلا إكراه مكره، وهو كما ترى تبعيد للمسافة بلا وجه.

واُخرى: بأنّ المراد القصد إلى وقوع مضمون العقد في الخارج، كما يظهر من ذيل كلامه(2).

وهو كما ترى غير تامّ؛ لأنّ مورد البحث في عقد المكره هو ما تمّ سائر شرائطه، ولا فرق بينه وبين سائر العقود إلاّ بأنّه أوجده بإكراه مكره دون غيره، ففرض عدم القصد إلى تحقّق مضمونه خروج عن محطّ البحث؛ لأنّ المختار أيضاً إن لم يقصد تحقّق مضمونه لا يكون عقده صحيحاً.

فالبطلان فيه لأجل عدم القصد المعتبر فيه، لا للإكراه، فلو فرض أنّ المكره - لدهشته ووحشته - أوقع العقد وقصد حصول مضمونه في الخارج، يقع باطلاً؛ بدليل نفي الإكراه.

بل موضوع البحث هو ذلك، لا ما كان فاقداً لسائر الشروط، كما صرّحوا به(3)، وليس الشرط أيضاً عدم صدوره بكره منه؛ لما عرفت من أنّ الصدور بكره يشترك بين المكره والمضطرّ.

ص: 85


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 307.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 309.
3- - حاشية المكاسب، المحقّ-ق اليزدي 2: 39؛ منية الطالب 1: 395؛ جامع المدارك 3: 77.

بل الشرط هو عدم مكره يكره المتعاقدين على العقد، أو عدم إكراههما فيه، أو عدم كونهما مكرهين، فهل الإكراه مانع، أو عدمه شرط؟ فيه كلام.

الاستدلال بحديث الرفع على اعتبار عدم الإكراه

ويدلّ على المطلوب: - مضافاً إلى الإجماع المدّعى(1)، على تأمّل فيه، ومضافاً إلى أنّ الأمر كذلك عند العقلاء أيضاً؛ فإنّهم لا يلزمون العاقد مكرهاً بالعمل به، وأدلّة نفوذ المعاملات منصرفة عن مثله أيضاً، وعليه يكون التمسّك بحديث الرفع مع الغضّ عمّا ذكر، كالتمسّك بالأصل مع وجود الدليل الاجتهادي - حديث الرفع(2) بالتقريب الذي فصّلناه في الاُصول(3).

وإجماله: أنّ نسبة الرفع إلى نفس الموضوعات من الحقائق الادّعائية، ومصحّحها رفع جميع آثارها؛ إذ ليس فيها أثر بارز يمكن دعوى كونه بمنزلة جميع الآثار، حتّى يكون مصحّحاً للدعوى المذكورة، كقولهu: «يا أشباه الرجال ولا رجال»(4) لأنّ قائله ادّعى انحصار آثار الرجولية وصفاتها بالشجاعة والإقدام في المعارك، وادّعى أيضاً أنّ من لم يتّصف بهذه الصفة ليس برجل.

وبالجملة: الظاهر من قوله: «رفع... وما اُكرهوا عليه» أنّ نفس ما اُكرهوا عليه مرفوع، وهو من الحقائق الادّعائية، ولا مصحّح للدعوى إلاّ رفع

ص: 86


1- - جواهر الكلام 22: 265؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 307.
2- - الكافي 2: 463 / 2؛ التوحيد، الصدوق: 353 / 24؛ الخصال: 417 / 9؛ وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 56، الحديث 1 و2.
3- - أنوار الهداية 2: 30 و37.
4- - نهج البلاغة: 70، الخطبة 27.

جميع الآثار، أو المعظم الذي يكون غيره بمنزلة العدم، ولا شبهة في أنّ الأحكام الوضعية مشمولة له؛ إذ لا مصحّح لها مع عدم الشمول لها.

وأمّا التقدير - سواء فيه تقدير الأثر، أو تقدير المؤاخذة(1) - فهو بعيد، كما يظهر بالقياس إلى أشباه التركيب في الكتاب والسنّة، وكلمات الفصحاء شعراً ونثراً (2).

ولو اُغمض عنه، فلا شبهة في أنّ «ما اُكرهوا عليه» أعمّ من الوضعيات؛ بملاحظة ما ورد في الأخبار وكلمات المفسّرين في شأن نزول «إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ»(3) من أنّها نزلت في قضيّة عمّار بن ياسر، حيث أكرهه الكفّار على سبّ النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم)(4).

وما ورد في رواية عمرو بن مروان، عن أبي عبداللّه (عليه السّلام) قال: «قال رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم): رُفع عن اُمّتي أربع خصال: خطاُها، ونسيانها، وما اُكرهوا عليه، وما لم يطيقوا، وذلك قول اللّه عزّ وجلّ: «رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا...»(5) إلى أن قال: وقوله تعالى: «إِلاَّ مَنْ أكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ»(6).

فيظهر منه أنّ قضي-ة عمّار - التي هي شأن نزول الآية - أصل لقول

ص: 87


1- - فرائد الاُصول، ضمن تراث الشيخ الأعظم 25: 28.
2- راجع بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر، الإمام الخميني قدس سره: 41.
3- النحل (16): 106.
4- - الدرّ المنثور 4: 132؛ تفسير العيّاشي 2: 272 / 76؛ وسائل الشيعة 16: 230، كتاب الأمر والنهي، الباب 29، الحديث 13؛ البرهان في تفسير القرآن 5: 607 - 609.
5- البقرة (2): 286.
6- - الكافي 2: 462 / 1؛ وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 56، الحديث 2.

رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «رفع... وما اُكرهوا عليه».

ومن المعلوم: أنّ سبّ النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم) والبراءة منه، له أحكام تكليفية ووضعية، كالكفر ونجاسة البدن وغيرهما، وقد ورد في روايات عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) الأمر بسبّه إذا اُكره عليه(1).

إلاّ أن يقال: إنّ الأحكام الوضعية في السبّ والبراءة ونحوهما تابعة للحرمة التكليفية، فمع عدمها لا يترتّب عليهما الوضع، فلا تدلّ تلك الروايات على شموله للوضع؛ إذ مع اختصاصه بالتكليف يرفع الوضع أيضاً.

ولو اُغمض عمّا تقدّم، فاستفادة العموم من صحيحة البزنطي عن أبي الحسن (عليه السّلام): في الرجل يستكره على اليمين، فيحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك، أيلزمه ذلك؟

فقال: «لا، قال رسول اللّه : وضع عن اُمّتي ما اُكرهوا عليه، وما لم يطيقوا، وما أخطأوا»(2).

بدعوى: «أنّ الحلف بالطلاق والعتاق وإن لم يكن صحيحاً عندنا من غير إكراه أيضاً، إلاّ أنّ مجرّد استشهاد الإمام (عليه السّلام) في عدم وقوع آثار ما حلف به بوضع ما اُكرهوا عليه، دليل على التعميم»(3).

ص: 88


1- - الكافي 2: 219 / 10؛ وسائل الشيعة 16: 225، كتاب الأمر والنهي، الباب 29، الحديث 2 و8 و9 و10 و21.
2- - المحاسن: 339 / 124؛ وسائل الشيعة 23: 226، كتاب الأيمان، الباب 12، الحديث 12.
3- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 308.

مشكلة؛ لأنّ استشهاده به إنّما هو على سبيل التقيّة، لا على سبيل التصديق بصحّة التعليل؛ ضرورة أنّ حديث الرفع أجنبيّ عن بطلان الحلف على العتاق والطلاق، لأنّ تعليله بالإكراه - بعد ما كان الحلف بهما باطلاً ذاتاً - تعليل بغير العلّة؛ لعدم تأثيره في بطلان الحلف بهما في شيء من الموارد.

ومع عدم تصديق الإمامu انطباق الكبرى على الصغرى، وعلّية الإكراه على الحلف للبطلان، لا وجه لاستفادة الحكم الوضعي منه؛ إذ الاستفادة منوطة بالاستشهاد والتطبيق، وهو على خلاف رأيه (عليه السّلام).

نعم، يستفاد منها أنّ العامّة أو بعضهم كانوا قائلين باستفادة الحكم الوضعي منه، ولهذا استشهد به تقيّة وموافقة لهم، ولهذا قال: «لا، قال رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم)...» إلى آخره، ولم يقل: «لقول رسول اللّه» أو «لأنّه قال».

ولعلّ عدوله بما ذكر لأجل عدم التعليل بقوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم)، مع فهم الطرف تعليله به، ففي الحقيقة تشبّث بتورية لطيفة، فأفاد الحكم وأظهر التقيّة، ولم يأتِ بشيء مخالف للواقع.

نعم، يمكن أن يؤيّد الشمول للوضعيات بفهم علماء أهل اللسان الشمول، وإلاّ لم تكن التقيّة بمحلّها.

ثمّ إنّ الإشكال في عموم حديث الرفع بأنّ شأن صدوره الآيات المشار إليها في رواية عمرو بن مروان المتقدّمة، فيراد به خصوص المؤاخذة في النسيان والخطأ، وخصوص «ما» في غيرهما.

مدفوع بأنّ المورد وشأن النزول لا يوجب التقييد والتضييق في الكبرى الكلّية، ولا سيّما مع ورودها في روايات خالية عن هذه الإشارة، أترى إمكان

ص: 89

الاقتصار في قضيّة عمّار بن ياسر على المشابه لقصّته من سبّ رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) فقط، وعدم الإسراء إلى سبّ غيره وإلى سائر المعاصي كشرب الخمر ونحوه؟!

والإنصاف: أنّ إطلاق روايات الرفع قويّ، لا يطرح بمجرّد ورود أنّ وجه صدورها ما ذكر في رواية ابن مروان.

كما أنّ الإشكال على كون مصحّح الدعوى رفع عموم الآثار، بأنّ بعض الآثار غير مرتفع، كما إذا اُكره على الجنابة أو الحدث الأصغر؛ فإنّ الحدث الأكبر أو الأصغر لو فرض كونهما من التكوينيات والحقائق التي كشف عنها الشارع، وهي غير قابلة للرفع، لكن حكمهما وأثرهما - وهو الغسل والوضوء - قابلان له، مع عدم إمكان الالتزام به(1).

مدفوع بأنّ الإكراه عرفاً إنّما يتعلّق بفعل المكلّف، وهو الجماع أو الإجناب بالمعنى المصدري، ولا يتعلّق بالجنابة؛ لأنّها ليست فعله، ولا بالحدث الأصغر، فما هو مانع لم يتعلّق به الإكراه، وما تعلّق به لا أثر له.

نعم، لو كان للجماع أو الإجناب أثر يرتفع بالحديث.

وقد أجبنا عن الإشكال في الاُصول بوجه آخر أوجه(2).

وأمّا ما قال بعض الأعاظم قدّس سرّه في الجواب من أنّ الغسل والتطهير أمران وجوديان، قد أمر الشارع بهما عقيب الجنابة والنجاسة مطلقاً، من غير فرق بين الجنابة والنجاسة الاختيارية وغيرها (3)، فلا يرجع إلى محصّل؛ لأنّ كونهما

ص: 90


1- - اُنظر فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 358.
2- - أنوار الهداية 2: 54.
3- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 358.

وجوديين لا ينافي الرفع، بل يؤيّده، وإطلاق أدلّتهما لحال الاختيار وغيره، مصحّح الحكومة لا مانعها، ولا دليل على لزومهما حال الإكراه بالخصوص.

ثمّ إنّ الإشكال في تصحيح الدعوى المتقدّمة على ما ذكرناه بخروج بعض الآثار كالآثار الاستحبابية، وكالإكراه على القتل، بل على الاُمور العظيمة جدّاً، كالردّ على الإسلام، وإبطال حجّته ونحوهما.

مدفوع: بأنّ الرفع إنّما تعلّق بعنوان «ما اُكرهوا عليه» لا بمصاديقه، والمذكورات بالنسبة إلى ذلك العنوان في غاية القلّ-ة، بل تلحق بالعدم، فلا يتنافى خروجها مع الدعوى المتقدّمة، بل انصراف الأدلّة عنها ربّما يصحّح الدعوى، فتدبّر.

ثمّ إنّ الإكراه في المقام: حمل الغير على شيء قهراً، كما هو أحد معانيه لغةً(1)، وهذا هو المناسب للرفع، ولما ورد من أنّ: «الجبر من السلطان، والإكراه من الزوجة»(2) سواء كان ما يقهره ويحمله عليه ممّ-ا يكرهه أم لا؛ لما عرفت من أنّ الإرادة ربّما تتعلّق بالمكروهات، وقد تتعلّق بما يشتاق إليه(3).

فقد يكون شيء مشتاقاً إليه بحسب الطبع، لكن بواسطة الترجيحات العقلية لا تتعلّق به الإرادة، بل تتعلّق بتركه، كشرب الماء للمستسقي، فحينئذٍ

ص: 91


1- - المنجد: 682.
2- - الكافي 7: 442 / 16 و17؛ وسائل الشيعة 23: 235، كتاب الأيمان، الباب 16، الحديث 1.
3- - تقدّم في الصفحة 83.

إن ألزمه جابر على شربه، يكون شربه عن إكراه مكره.

وليس معنى إكراهه حمله على ما يكرهه(1)، وإن كان أحد معانيه، رغماً لقواعد باب الإفعال؛ ضرورة أنّ المعاملة التي تعلّقت الإرادة بتركها - لأجل الترجيحات العقلية - وإن اشتاقت النفس إليها، لو اُوجدت بإ لزام القاهر وإجباره تقع باطلة.

وكذا لو اشتاقت النفس إلى إيقاع معاملة بحسب حوائجها، وكان الشخص بصدد إيقاعها، لكن عند أمر آمر بإيقاعها تأ نّف عنه وأراد الترك، لا للكراهة عنها، بل لكراهة إطاعة أمره، فأوعده على الترك فأوجدها، يكون مكرهاً عليه وإن اشتاق إلى ذات المعاملة، وقد حقّق في محلّه عدم سراية الكراهة من عنوان إلى سائر العناوين المقارنة أو الملازمة له(2).

فالمعاملة التي كانت مشتاقاً إليها بذاتها، وانطبق عليها في الخارج عنوان إطاعة الجائر، وكان هذا العنوان مكروهاً، تقع باطلة؛ لصدق «الإكراه عليها» لا لحمل الغير على ما يكرهه؛ لأنّ الظاهر من حمله على ما يكرهه تحقّق الكراهة قبل الحمل عليه لا به، فتأمّل.

مضافاً إلى عدم سراية الكراهة من عنوان الإطاعة للجائر إلى ذات المعاملة، وإن انطبق العنوانان على مصداق واحد واتّحدا في الخارج.

ص: 92


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 311.
2- - مناهج الوصول 2: 111.
حول القيود التي اعتبرها الشيخ الأعظم لوقوع الفعل مكرهاً عليه

ثمّ إنّ القيود التي اعتبرها الشيخ الأعظم قدّس سرّه في وقوع الفعل مكرهاً عليه(1) مخدوشة:

منها: اقترانه بتوعيد منه؛ لأنّ الاقتران به غير لازم، بل يكفي الأمر ممّن يخاف منه ولا يأمن من شرّه وضرّه لو ترك الإطاعة، ولعلّ مراده ذلك أيضاً.

ومنها: كونه مظنون الترتّب على تركه؛ لأنّ الظنّ به غير لازم، بل يكفي الخوف الحاصل من الاحتمال العقلائي، بل مطلق الاحتمال ولو ضعيفاً إذا كان الإيعاد بأمر مهمّ كالقتل مثلاً.

ومنها: كونه مضرّاً بحاله؛ لأنّه لا يلزم أن يكون كذلك إن اُريد به الوصول إلى حدّ الحرج، بل مطلق الضرر المعتدّ به كافٍ فيه، بل لا يلزم أن يكون ضرراً، فيكفي المنع عن النفع المعتدّ به.

وأمّا حديث سلب الاستقلال، فإن أراد به بيان الإكراه فلا كلام، وإلاّ فالمكره مستقلّ في العمل ومختار ومريد له كما تقدّم(2).

حول اعتبار عدم إمكان التفصّي في موضوع الإكراه

هل يعتبر في موضوع الإكراه عدم إمكان التفصّي عن المتوعّد عليه بما لا يوجب ضرراً آخر مطلقاً، سواء كان بالتورية أو بفعل خارجي، أو لا مطلقاً،

ص: 93


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 311 - 312.
2- - تقدّم في الصفحة 84.

أو يفصّل بين التورية والفعل الخارجي؟

قد اضطربت كلمات الشيخ الأعظم قدّس سرّه في المقام:

فتارة: اختار الصدق العرفي مع إمكان التخلّص بالتورية(1).

واُخرى: اختار عدم الفرق بين الفعل والقول في عدم الصدق مع إمكانه(2).

وثالثة: اختار التفصيل(3).

والتحقيق: أنّ التورية قد تكون سهلة لشخص، بلا خوف الوقوع في الضرر المتوعّد به؛ لأجل الدهشة والوحشة والتمجمج في الكلام، ففي مثله لا شبهة في عدم صدق الإكراه لو أوقع المعاملة مع التفات ولم يورّ.

وأمّا لو كان خائفاً من كشف الحال فيصدق «الإكراه».

وكذا لو أمكن التفصّي بالفعل الخارجي، كما لو أمكنه التفصّي في الباطن من غير علن، ولا يخاف كشف الحال والوقوع في الضرر، أو أمكنه علناً كذلك، فلا يصدق «الإكراه» فالتفصيل بين القول والفعل في غير محلّه.

وتوهّم: أنّ في التورية يكون أصل التكلّم بالكلام مكرهاً عليه، فأثره مرفوع بالحديث(4).

في غير محلّه؛ لأنّ الأثر مترتّب على الخصوصية، وهو مختار فيها، وإلاّ أمكن أن يقال بمثله في الفعل أيضاً أحياناً.

ص: 94


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 313.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 314.
3- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 316.
4- - اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 42.

ثمّ إنّه على فرض عدم صدق «الإكراه» مع إمكان التورية، لا يصحّ إلحاقه حكماً به بواسطة الأدلّة التي اُخذ عنوان الإكراه في موضوعها، كحديث الرفع، وما ورد في طلاق المكره، وعتقه، وكذا معاقد الإجماعات والشهرات المدّعاة(1)؛ لعدم إمكان الإلحاق بها، ضرورة عدم تعدّي الحكم عن موضوعه، وعدم مفاد لها إلاّ تعليق الحكم على المكره والإكراه.

فما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه من أنّ حملها على صورة العجز عن التورية لجهل أو دهشة بعيد جدّاً (2)، كما ترى.

وأمّا ما ورد في الأمر بالكذب للتخلّص عن الظالم(3) من غير ذكر لزوم التورية، فلعلّ وجهه: أنّها غير سهلة لنوع المكلّفين، فلو اُلزموا بها لوقعوا نوعاً في الضرر، وهذا لا يوجب جواز الكذب لو أمكن التخلّص عنه بلا خوف ومع سهولة.

وأمّا ما يُقال من أنّ الكذب عبارة عن كلام ظاهر في معنىً غير مطابق للواقع، فالتورية كذب(4).

فممنوع عرفاً ولغة؛ فإنّه عبارة عن الإخبار بما لا يطابق الواقع، من غير دخالة لظهور الكلام أو فهم المخاطب فيه، ولهذا لو أنشأ بكلام ظاهر في الإخبار

ص: 95


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 313؛ منية الطالب 1: 404.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 313.
3- - اُنظر الكافي 7: 463 / 17؛ الفقيه 3: 230 / 14 و17؛ وسائل الشيعة 23: 224، كتاب الأيمان، الباب 12.
4- - منية الطالب 1: 403.

بما لا يطابق الواقع، لا يمكن أن يقال: «إنّ إنشاءه إخبار كاذب».

وأمّا ما يقال من أنّها مشتركة مع الكذب ملاكاً وحكماً؛ لأنّ مفسدته - كالإغراء بالجهل والإيقاع في المفسدة - موجودة فيها (1).

فمدفوع؛ لعدم كون ملاك الكذب ما ذكر، ولهذا لا شبهة في حرمته ولو لم تترتّب عليه مفسدة، والإغراء بالجهل لا دليل على حرمته مطلقاً، كالإخبار كذباً بأنّ قطر الأرض كذا، أو بعدها عن الشمس كذا، فإنّه حرام، ولا تترتّب عليه مفسدة، ولا دليل على حرمة الإغراء بالجهل في مثله.

فالأولى ما أشرنا إليه من أنّ عدم التنبيه على التورية؛ لأجل ندرة إمكان التخلّص بها من غير احتمال الوقوع في الضرر المتوعّد به في موارد هجمة العشّار والظالم(2)، فهل يكون ذلك نكتة للجعل، فيكون الكذب جائزاً في موارد الاستثناء مطلقاً ولو مع سهولة التخلّص بها، أو تكون الأدلّة منصرفة عن مثله؛ لندرته بنحو يلحق بالمعدوم؟

ثمّ لو فرض جواز الكذب في الصلاح والتقيّة مطلقاً، فلا يصحّ إسراء الحكم منه إلى الإنشائيات، كالبيع والإجارة وغيرهما، والبناء على عدم نفوذها مع عدم صدق «الإكراه» ضرورة أنّ إلحاق الإنشاء في عدم النفوذ بالإخبار كذباً في عدم الحرمة التكليفية، لا وجه له.

ومنه يظهر الكلام في قضيّة عمّار، وما ورد في ذلك المضمار من الأمر

ص: 96


1- اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 44.
2- - تقدّم في الصفحة 95.

بالسبّ والبراءة(1)؛ فإنّ عدم الأمر بالتورية - مضافاً إلى إمكان أن يقال: إنّ ما ظاهره السباب حرام؛ لأنّه إهانة، بل لعلّه نحو سباب، كما قيل: إنّ نقل السباب سباب؛ إذ ليست له واقعية ولو في الاعتبار كالبيع وغيره من سائر المعاملات - لأجل أنّ المكره على السباب لأئمّة الحقّ (علیهم السّلام)، كان في ذلك العصر في معرض القتل، وكان اُمراء الجور عليهم اللعنة يقتلون شيعة أمير المؤمنين (عليه السّلام) بالظنّ والوهم والتهمة، فالأمر بالتورية مع ذلك في مظنّة إيقاع المورّي في الهلاك.

ومع ذلك يأتي فيه: ما تقدّم من عدم جواز إسراء الحكم منه إلى باب البيع ونحوه؛ ضرورة أنّ جواز الكذب لحفظ الدم، لا ربط له بنفوذ البيع مكرهاً مع إمكان التورية، كما لا يخفى.

كما يأتي فيه: ما تقدّم من احتمال انصراف الأدلّة عن الذي يقدر على التورية بسهولة وبلا خوف كشف الحال.

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه تمسّك برواية عبداللّه بن سنان قال: قال أبو عبداللّه (عليه السّلام): «لا يمين في غضب ولا في قطيعة رحم ولا في جبر ولا في إكراه».

قال: قلت: أصلحك اللّه، فما فرق بين الجبر والإكراه؟

فقال: «الجبر من السلطان، ويكون الإكراه من الزوجة والاُمّ والأب، وليس ذلك بشيء»(2) على عدم اعتبار العجز عن التفصّي بوجه آخر

ص: 97


1- - تقدّم في الصفحة 87.
2- - الكافي 7: 442 / 16؛ وسائل الشيعة 23: 235، كتاب الأيمان، الباب 16، الحديث 1.

غير التورية في صدق «الإكراه»(1).

وفيه: - بعد ضعف السند(2) - أنّ الصدق العرفي غير قابل للتعبّد، ولا شبهة في عدم الصدق مع إمكان التفصّي كما تقدّم(3)، ولا يستفاد منها الإلحاق حكماً؛ لما تقدّم من أنّ الحكم المتعلّق بعنوان «الإكراه» لا يصلح لإلحاق غيره به(4).

نعم، لو كان الإكراه من المذكورين غير متصوّر وغير متحقّق، لكان اللازم حمل الإكراه فيها على معنى مقارب للإكراه العرفي، فيفهم منها الإلحاق حكماً.

لكن إكراه الزوجة وكذا الاُمّ والأب، أمر ممكن بل واقع، ولا يلزم في صدقه كون المكره أقوى من المكره، فلو أوعدت الزوجة زوجها بأنّه لو لم يطلّقها مثلاً لهتكت حرمته بخروجها من داره بوجه ينافي عرضه، أو أوعدته بأمثال ذلك، كانت مكرهة نحو إكراه الغالب القاهر أو أشدّ أحياناً.

وكذا الحال في الاُمّ والأب؛ لإمكان إكراههما ابنهما بالإيعاد بفنون

ص: 98


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 313 - 314.
2- - رواها الكليني، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبداللّه بن القاسم، عن عبداللّه بن سنان، والرواية ضعيفة بموسى بن سعدان الحنّاط الذي قال النجاشي في ترجمته: «ضعيف في الحديث»، وضعيفة أيضاً بواسطة عبداللّه بن القاسم وهو عبداللّه بن القاسم الحضرمي بقرينة الراوي عنه، الذي قال النجاشي في ترجمته: «كذّابٌ غالٍ يروي عن الغلاة لا خير فيه ولا يعتدّ بروايته». رجال النجاشي: 404 / 1072، و226 / 594؛ تنقيح المقال 3: 256 / السطر 10 (أبواب الميم)، و2: 203 / السطر 4 (أبواب العين).
3- - تقدّم في الصفحة 94.
4- - تقدّم في الصفحة 95.

أعمال يهتك بها عرضه، ومع إمكان ذلك لا وجه للحمل على معنىً آخر غير الإكراه عرفاً.

ومقابلة الجبر والإكراه لبيان التسوية بين الموارد، وعدم الفرق بين كون المكره الجابر القاهر كالسلطان وغيره، مع صدق «الإكراه» في كليهما، ولا يعقل جعل السببية للأخصّ بعد جعلها للأعمّ؛ للزوم اللغوية.

تفصيل الشيخ بين الإكراه المسوّغ للمحرّمات والرافع لأثر المعاملات

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه فرّق بين الإكراه المسوّغ للمحرّمات وجعل مناطه

توقّف دفع ضرر المكره على ارتكاب المكره عليه، وبين الإكراه الرافع لأثر المعاملات وجعل المناط فيه عدم طيب النفس بالمعاملة؛ إذ قد يتحقّق مع إمكان التفصّي.

مثلاً: من كان قاعداً في مكان متفرّغاً للعبادة، فجاءه من أكرهه على بيع وهو في هذا الحال، غير قادر على دفع ضرره، وهو كاره للخروج، لكن لو خرج أمكنه التفصّي بأمر خادمه على دفعه، ولو فرض في ذلك المثال إكراهه على محرّم لم يعذر فيه.

قال: وقد تقدّم الفرق بين الجبر والإكراه في رواية ابن سنان، فالإكراه المعتبر في تسويغ المحظورات بمعنى الجبر، والرافع لأثر المعاملات هو الإكراه الذي في الخبر، والمعيار فيه عدم طيب النفس، لا الضرورة والإلجاء(1)، انتهى ملخّصاً.

ص: 99


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 317.

وفيه: أنّ الإكراه كما تقدّم(1) ليس بمعنى الحمل على ما يكرهه، بل بمعنى الإلزام والحمل على الشيء بكره وإجبار، ولا شبهة في عدم صدقه في المثال المذكور، ولا في عدم الفرق بين الوضعيات والتكليفيات.

فمن تفرّغ في مكان للعبادة، وأمكن خروجه منه بلا محذور ولا حرج، فأوجد المعاملة بأمر الغير، لا يصدق: «أنّه مكره وملزم فيها» كما لا يصدق: «أنّه مكره في ارتكاب الحرام» ولو كان الخروج ضررياً أو حرجياً يصدق فيهما معاً.

وقد تقدّم(2) أنّ طيب النفس في المعاملات غير معتبر لو اُريد منه انشراح الصدر واشتياق النفس، وكذا الرضا المعتبر فيها ليس مقابل السخط، بل الطيب المعتبر فيها هو إيقاعها بلا تحميل الغير إيّاه، والرضا بها كذلك.

فمن سخط من معاملة، فغايته أنّه كالمضطرّ الذي يكون بيع داره التي هي ظلّ رأسه مكروهاً له، ومورد سخطه جدّاً، فلو باعها مع ذلك بلا إلزام غيره، يقال: «إنّه رضي بالبيع» مع عدم طيب نفسه وعدم رضاه بالمعنى المتقدّم، ولا شبهة في تحقّق الرضا والطيب المعتبر في المعاملة في المثال المتقدّم.

فالكراهة وعدم انشراح الصدر غير مضرّة بصحّتها، وقد تقدّم الكلام في رواية ابن سنان(3).

ص: 100


1- - تقدّم في الصفحة 92.
2- - تقدّم في الصفحة 85.
3- - تقدّم في الصفحة 98.
النسبة بين الاضطرار والإكراه في حديث الرفع

ثمّ إنّ النسبة بين الاضطرار والإكراه في حديث الرفع - بحسب المفهوم - التباين؛ فإنّ الإكراه الذي هو صفة للمكره بالكسر، فعل منه، والاضطرار صفة للمضطرّ، وهو منفعل به، ولا ربط بينهما مفهوماً، كما لا ينطبقان على مورد واحد، سواء حصل الاضطرار من إكراه مكره، أو حصل بحسب حوائجه.

وإن اُريد به الملزمية التي هي صفة المكره بالفتح، فهي مباينة للاضطرار مفهوماً، وبينهما عموم من وجه مورداً، فالاضطرار قد يحصل بواسطة الإكراه، فيكون الشخص ملزماً ومكرهاً وملجأً ومضطرّاً، كما لو أوعده بأمر خطير حرجي.

وقد يحصل بحسب حوائجه لا من فعل الغير.

وقد يتحقّق الإكراه بلا اضطرار، كما لو أوعده بنهب مال معتدّ به، لا يكون نهبه موجباً للحرج.

فلو قلنا بأنّ المرفوع في حديث الرفع هو الفعل الصادر عن إلزام الغير، يكون البطلان في المعاملات مستنداً إليه، لا إلى الاضطرار الحاصل منه؛ لتقدّمه ذاتاً عليه.

والاضطرار الحاصل من حوائجه لا يوجب بطلانها؛ لانصراف دليل الاضطرار عنه، إذ يلزم منه التضييق والتحريج عليه، مع أنّ الرفع للتوسعة امتناناً، فبطلان المعاملات لا يستند إلى الاضطرار مطلقاً إلاّ في بعض الموارد النادرة على ما سيأتي(1).

ص: 101


1- - يأتي في الصفحة 113.

لكن الاضطرار موجب لرفع التكليف، كما أنّ الإكراه موجب له وإن لم يصل إلى حدّ الاضطرار والإلجاء، كما هو ظاهر دليل الرفع، وآية «إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاْءِيمَانِ»(1) فإنّ الإكراه - بحسب شأن نزولها على ما في التفاسير والأخبار(2) - كان على سبّ النبي في قضيّة عمّار بن ياسر.

والحمل على الاضطرار الحاصل من الإكراه(3)، خلاف ظاهر الآية والروايات؛ حيث علّق الحكم فيها على عنوان «الإكراه» وجعل الإكراه في الروايات قبال الاضطرار.

فما قيل من أنّ الإكراه بمراتبه يختصّ بالوضعيات(4)، التزام بما هو خلاف الظواهر بلا جهة ملزمة، كما أنّ الاختصاص بالإكراه الموجب للاضطرار(5)، خلاف الظاهر.

نعم، يمكن دعوى اختلاف المحرّمات في جواز ارتكابها بالإكراه، بل في صدقه أيضاً عرفاً، فربّما يصدق الإلزام على فعل صغيرة دون كبيرة، وعلى كبيرة دون موبقة، كما قد يقال(6)، وفيه تأمّل.

ص: 102


1- النحل (16): 106.
2- - تفسير العيّاشي 2: 272 / 76؛ وسائل الشيعة 16: 230، كتاب الأمر والنهي، الباب 29، الحديث 13؛ البرهان في تفسير القرآن 5: 607 - 609؛ تفسير نور الثقلين 3: 88 - 90.
3- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 318.
4- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 48.
5- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 317 - 318.
6- - اُنظر منية الطالب 1: 411.

وقد قلنا في «رسالة التقيّة»: إنّ أدلّة التقيّة والحرج والضرر، منصرفة عن بعض المحرّمات التي في غاية الأهمّية بحسب الشرع والعقل وارتكاز المتشرّعة، كالإكراه على إبطال حجج الإسلام بالمغالطات، وكهدم الكعبة المعظّمة ومحو آثارها؛ بحيث يبطل هذا المشعر ويمحو أثره(1).

حكم الإكراه على نحو الاستغراق أو الطبيعة السارية

ثمّ إنّ الإكراه قد يكون على نحو الاستغراق؛ بأن أكرهه على بيع جميع أمواله، وقد يكون على نحو الطبيعة المطلقة السارية، ففيهما كلّ ما وقع من المصاديق يكون مكرهاً عليه، فيكون باطلاً في الوضعيات، وغير محرّم في التكليفيات.

نعم، الخصوصيات المقارنة للمصاديق في الوجود الخارجي لم يتعلّق بها الأمر؛ ضرورة عدم تجاوز الأمر عن موضوعه، فالفرد الموجود في الخارج - بما أنّه مصداق عنوان «البيع» أو «الخمر» - وجد مكرهاً عليه، لا بسائر العناوين، ككونه في مكان كذا، أو زمان كذا، أو البيع من شخص كذا.

فلو كان في المصاديق خصوصية ذات حكم، لم ترتفع بدليل الإكراه، فلو أكرهه على بيع جميع أمواله، ليس له بيع مصحفه من الكافر، ولو باع منه بطل البيع؛ للإكراه، وأثم في بيعه من الكافر؛ لأنّ الخصوصية غير مكره عليها.

نعم؛ لو لم يمكن بيعه إلاّ منه ارتفعت الحرمة؛ للاضطرار، بل لو فرض أنّ

ص: 103


1- - الرسالات الفقهية والاُصولية: 10.

جميع المصاديق ذو أثر ملازم، ترتفع بالاضطرار لا الإكراه.

ولو قيل: لو لم ترتفع في مثله بالإكراه، لكان دليله لغواً.

قلنا: قد فرغنا من نحو هذا التوهّم؛ بالفرق بين القوانين الكلّية والأوامر الشخصية(1).

حكم الإكراه على نفس الطبيعة

ولو كان الإكراه على نفس الطبيعة؛ بحيث يسقط طلبه بأوّل الوجود، بطل ما وجد أوّلاً.

ولو كان لبعض المصاديق خصوصية زائدة لاحقة بها في الخارج، لم يرتفع حكمه كما تقدّم.

وأمّا المصداق الذاتي للطبيعة، فيقع مكرهاً عليه وإن كان الإكراه على نفس الطبيعة لا الفرد؛ لأنّ الفرد عين الطبيعة، فما وجد هي الطبيعة المكره عليها.

وما قيل: من أنّ المكره عليها هي الطبيعة لا المصاديق، فهو مختار في المصاديق، فكلّ مصداق وجد فهو باختياره لا بالإكراه(2).

مدفوع: بأنّ كلّ فرد وجد في الخارج وكان أوّل وجود الطبيعة، فهو منطبق عليه بالنسبة للطبيعة المكره عليها، ولا يعقل وقوعه على نعت الاختيار مقابل الإكراه، والخصوصية المختارة ليست موضوعة للأثر، كالبيع في مكان كذا، أو مع خصوصيات محتفّة بالطبيعة حتّى صارت مثلاً هذا المصداق دون ذاك.

ص: 104


1- - مناهج الوصول 2: 18 - 20؛ أنوار الهداية 2: 204 - 205.
2- - اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 319.

لكن نفس الطبيعة لا يعقل أن لا تكون مكرهاً عليها في الفرض، وأوّل المصاديق عين الطبيعة المكره عليها خارجاً.

لا أقول: إنّ الأمر بالطبيعة سرى إلى المصداق؛ فإنّه واضح البطلان.

بل أقول: إنّه بالأمر بالطبيعة ملزم ومكره على إيجادها بفردٍ ما، فيوجده إلزاماً وإكراهاً.

ولو أوجد في الفرض عدّة مصاديق في عرض واحد، فلا شبهة في عدم وقوع جميعها مكرهاً عليها ولو قلنا بأنّ كلّ واحد وقع امتثالاً للأمر - كما قيل في الأوامر الإلهية المتعلّقة بالطبائع: إنّ الإتيان بأفراد عرضاً موجب لوقوع كلّ على سبيل الامتثال مستقلاًّ، ويستحقّ مثوبات بعدد الأفراد(1) - وذلك لأنّ في الإكراه يعتبر عدم إمكان التفصّي، ومع كون ترك ما عدا واحد منها لا يترتّب عليه ضرر، لا يقع مكرهاً عليه.

مع أنّ حديث الامتثالات الكثيرة غير مرضيّ، وإن أمكن إقامة البرهان عليه؛ بأن يقال: لا سبيل إلى إنكار عدم حصول الامتثال رأساً، ومع حصوله إمّا يكون بواحد معيّن، أو غير معيّن، أو بالمجموع، أو الجامع، أو كلّ واحد.

وما عدا الأخير باطل؛ لعدم ترجيح واحد معيّن، وعدم وجود غير المعيّن والمجموع بما هو كذلك، وكذا الجامع إلاّ على رأي الهمداني(2) فلا بدّ من القول بالامتثال متكثّراً والمثوبات كذلك.

ص: 105


1- - لمحات الاُصول: 69.
2- - رسائل ابن سينا: 462؛ اُنظر الحكمة المتعالية 1: 273؛ شرح المنظومة، قسم المنطق 1: 149، وقسم الحكمة 2: 347 - 348.

وفيه: أنّ الخلط بين المسائل العقلية البرهانية ومسألة الإطاعة والمثوبة - من العقليات العرفية - يوجب الاشتباه والمغالطة.

ألا ترى: أنّه لو وقع الأمر على عامّ مجموعي، والامتثال بعامّ مجموعي، لا يوجب ذلك خرق القاعدة العقلية: من أنّ المجموع ليس بموجود؟!

ولو قلنا باستصحاب الجامع في القسم الثاني والثالث منه(1)، واتّبعنا العرف في وجود الجامع - لكون تشخيص موضوعات الأحكام عرفياً - لم نخرق القاعدة العقلية؟!

فالإطاعة وقعت بالجامع عرفاً أو المجموع كذلك؛ فإنّ الأمر الواحد والمأمور به كذلك، ليس له إلاّ إطاعة واحدة.

وإن أمكن الحلّ بطريق عقلي أيضاً، بأن يقال: إنّ الأمر بعد ما تعلّق بالطبيعة عارية عن كلّ لاحق، وبعد عدم إمكان تعلّقه بالأفراد الخارجية، وعدم إمكان كون الطبيعة مرآة للخارج بخصوصيتها، فالمأمور به لا محالة نفس الطبيعة، والأفراد مصاديق للطبيعة المأمور بها، وليست الأفراد بمأمور بها، كما أنّ مصاديق الكلّي ليست بكلّيات.

فالمصاديق أفراد لكلّي واحد، وكذلك أفراد ومصاديق للمأمور به الواحد، وفي مثله لا يعقل أن تكون إطاعات، بل إطاعة لأمر واحد بالوجود الكثير، فلمّا كانت الأفراد لا تقع على نعت المأمور بها، لا يعقل أن تقع على نعت الإطاعات وإن وقعت على نعت الكثرة.

ص: 106


1- - الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 91 و101.

ولك أن تقول: إنّ ما وجدت في الخارج من الأفراد الكثيرة - بعد التحليل والتجزئة - لا تكون مصداق الإطاعة حقيقة إلاّ حيثية ما تعلّق بها الأمر؛ أي نفس الطبيعة، وتكثّرها خارج عن المطلوب والطلب والامتثال، فتكون الكثرة الخارجية امتثالاً واحداً لا امتثالات، وإن تحقّقت الكثرة بالوجود ولواحقه.

وبعبارة اُخرى: مقام تشخيص الطاعة مقام التحليل والتجريد، ففي هذا المقام يحكم العقل بأنّ نفس الطبيعة بما هي وقعت طاعة، لا الكثرة والملحقات بها، وإن كانت بتبع الوجود والعوارض متكثّرة حقيقة، فالطاعة واحدة بإتيان الكثير، فالطبيعة المتكثّرة في الخارج إطاعة واحدة لأمر واحد.

وكيف كان: لو أكرهه على الطبيعة، وأتى بأكثر من فرد واحد، يقع الكلام في أنّ الجميع صحيح أو باطل، أو بعضها صحيح وبعضها باطل، وسيأتي الكلام فيه عند التعرّض للإكراه على أحدهما والإتيان بهما (1).

ولو كان بين أفراد الطبيعة تفاوت في الشدّة والضعف، أو الزيادة والنقص، فإن كان المكره عليه من التكليفيات، فالظاهر لزوم اختيار أقلّها محذوراً.

فلو أكرهه على شرب حرام ما، يجب عليه اختيار أضعفه مناطاً؛ لأنّ الرفع وإن تعلّق بالطبيعة القابلة للصدق على كلّ فرد، ومقتضى ما تقدّم(2) أنّ أوّل الوجود منها مكره عليه ومرفوع الحكم، وبعد رفعه لا وجه للترجيح، لكن لمّا كان الرفع منّة على الاُمّة مع بقاء مفسدة المكره عليه، وليس من قبيل التخصّص

ص: 107


1- يأتي في الصفحة 112 وما بعدها.
2- - تقدّم في الصفحة 104.

الكاشف عن عدم الملاك، فلا محالة يحكم العقل بالجمع بين الغرضين ودفع الإكراه بالأقلّ محذوراً من بينها.

نعم، الظاهر عدم جريان ذلك في الوضعيات، فلو أكرهه على بيع داره أو بستانه، يقع بيع أوّلهما مكرهاً عليه وإن كان أكثر قيمة، أو بقاؤه أهمّ لدى المالك.

حكم إكراه الشخص على أحد الأمرين وبعض صور اُخرى

ولو أكرهه على بيع داره أو أداء دينه، فلا شبهة في صدق الإكراه على إيقاع كلّ منهما لو كان أداء الدين مخالفاً لغرضه العقلائي، وكان كارهاً لأدائه، فالزم عليه أو على بيع الدار، فحينئذٍ لو باعها وقع باطلاً؛ لصدق الإكراه، وعدم انصراف الأدلّة عنه ولو قلنا: بانصرافها عن الإكراه بحقّ؛ لأنّ الانصراف عنه لا يلازم الانصراف عن قرينه، وهو البيع، فدعوى صحّته(1) في غير محلّها.

ولو أكره أحد الشخصين على فعل أو على فعلين، فإن علم أحدهما أنّه لو لم يبادر إليه بادر الآخر؛ لجبنه وضعف قلبه، فالظاهر عدم كونه مكرهاً؛ لأنّه غير ملزم بالعمل، ولا يصدق «أنّه مكره» ومع الشكّ في إتيان الآخر وخوف الوقوع في المهلكة يكون مكرهاً.

ولو كان أحدهما قادراً على إكراه الآخر على العمل، فإن كان إكراهه بحقّ، فالظاهر عدم صدق كونه «مكرهاً» لإمكان التخلّص له.

بخلاف ما لو كان بغير حقّ؛ لأنّ إمكان التخلّص بالقبيح أو بالحرام

ص: 108


1- - مقابس الأنوار: 118 / السطر 4 و5؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 321؛ منية الطالب 1: 411.

- المستتبع للقبح العقلائي أو العقوبة الاُخروية - لا يوجب سلب صدق «الإكراه».

ثمّ إنّه قد يتعلّق الإكراه بالعاقد المالك، وقد يتعلّق بالمالك دون العاقد، كما لو اُكره على التوكيل في بيع داره، فالوكالة باطلة، والعقد فضولي، إلاّ أن يجيز الوكالة، وقلنا بالكشف الحقيقي أو الحكمي.

ولو وكّله عن إكراه على طلاق زوجته، فالظاهر بطلان الطلاق، ولا يمكن تصحيحه بالإجازة إلاّ على الكشف المذكور، سواء قلنا بقيام الإجماع على عدم جريان الفضولية في الإيقاعات(1)؛ لأنّ إنفاذ الوكالة على النقل لا يفيد إلاّ في الأعمال اللاحقة، فلا بدّ في الطلاق من إجازة مستقلّة، والمفروض عدم جريان الفضولية في الإيقاع.

أو قلنا بأنّ عدم جريانها على مقتضى القاعدة، بدعوى أنّ العقود إنّما تجري فيها لا لاشتمالها على ألفاظها؛ لأنّها متصرّمة ذاتاً، ولا يعتبر العقلاء بقاءها، فلاتلحقها الإجازة، ولا للنقل والانتقال الاعتباريين؛ لعدم تحقّقهما في الفضولي.

بل لحيثية اُخرى مشتملة عليها العقود، وهي حيثية العقد والقرار، ولا شبهة في بقائها اعتباراً عرفاً وشرعاً، ولهذا تعلّق بها وجوب الوفاء، فيجوز لحوق الإجازة بها لتلك الحيثية الباقية.

وأمّا الإيقاعات، فليس لها حيثية باقية؛ فإنّ الإنشاء وألفاظه لا بقاء لهما واقعاً ولا اعتباراً، والمنشأ لم يتحقّق؛ لعدم سلطنة الفضولي على إيقاعه،

ص: 109


1- - يأتي في الصفحة 141 و146.

فلا شيء فيها له بقاء يمكن لحوق الإجازة به، فتأمّل؛ لأنّه سيأتي النظر فيما ذكر فانتظر(1).

وقد يتعلّق الإكراه بالعاقد دون المالك، كما لو أكره المالك غيره على العقد أو الإيقاع، والظاهر هنا الصحّة، لا لما قاله الشيخ قدّس سرّه: من أنّ المكره بالكسر قاصد لمضمون العقد وراضٍ به(2)، المشعر أو الظاهر في أنّ المأمور غير قاصد؛ لأنّه غير مطّرد.

وليست عبارته مسلوبة لعارض تخلّف القصد، كما نقله عن الشهيد قدّس سرّه واستحسنه(3)؛ فإنّ المكره غالباً قاصد لمضمونه، وبطلان عقده ليس لفقد القصد، بل لكونه مكرهاً، وللإكراه موضوعية، والقصد الناشئ عن الإكراه - بوجه - قصد لمضمونه واقعاً، وإن لم يترتّب عليه وعلى العقد الواقع به أثر من حيث كونه مكرهاً عليه.

بل لأنّ الظاهر من حديث الرفع هو رفع ما وضع - لولا الإكراه - على الاُمّة؛ منّةً على الاُمّة المرحومة، والظاهر من الرفع عنهم منّةً هو رفع ما كان في وضعه نحو ثقل وشدّة تكليفاً أو وضعاً، ولا يرتفع به مطلق الأثر ولو كان بنفع المكره.

ومجرّد كون شيء خلاف غرضه لا يوجب رفعه بالحديث؛ لأنّه لا يرفع ما يخالف أغراض المكلّفين تكويناً، بل يرفع ما له بحسب الجعل الشرعي ثقل ووزر عليهم، وإجراء صيغة الطلاق لا أثر له بالنسبة إلى المجري.

ص: 110


1- - يأتي في الصفحة 144.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 322.
3- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 322؛ مسالك الأفهام 9: 22.

ولو فرض تحقّق أثر ملازم أو مقارن له لا يرتفع بالحديث، فلو اُكره على طلاق ابنته، لا يكون في نفس الطلاق أثر بالنسبة إلى مجري الصيغة، وإن كان طلاقها قد يوجب وجوب نفقتها عليه، لكن مثل هذا الأمر ليس منشأً لشمول الحديث مورده.

ولو أكرهه على أمر في وقت موسّع، فقال: «بع دارك من دلوك الشمس إلى غسق الليل» أو «اشرب الخمر كذلك» فهل يصحّ بيعه لو بادر إليه قبل ضيق الوقت، ويحرم عليه شربها كذلك، أو يبطل ويحلّ، أو يفصّل بين الوضع والتكليف؟

الظاهر صدق «الإكراه» على إيقاع العقد وشرب الخمر في جميع أجزاء الوقت، بعد العلم بأنّه لا يرتفع الإكراه إلى آخر الوقت، وليس له التخلّص كذلك، كما هو مفروض المسألة؛ لأنّ التخيير عقلاً في إيقاعه آخر الوقت لا يوجب عدم صدق «الإكراه» في سائر أجزائه.

كما أنّ إيجاب الصلاة من دلوك الشمس إلى غسق الليل، وكون المكلّف مختاراً عقلاً في تأخيرها إلى آخر الوقت، لا يوجب عدم وقوعها على صفة الفريضة لو أتى بها أوّل الوقت.

وهذا نظير اختياره في إيقاعه في هذا المكان أو ذاك، فهو لا ينافي الإكراه، فهو مكره في صرف الوجود، ومختار في إيقاع ما اُكره عليه في هذا المكان أو الزمان أو ذاك.

والظاهر عدم الفرق بين التكليف والوضع، بعد إطلاق دليل «رفع... ما اُكرهوا عليه» وعدم الاختصاص بواحد منهما، فمقتضاه جواز الارتكاب في أوّل الوقت.

ص: 111

وما قيل من أنّ المكلّف غير مضطرّ في الارتكاب، وفي التكاليف لا بدّ من الاضطرار(1)، غير مرضيّ؛ لما مرّ من أنّ دليل الرفع رافع للتكليف في مورد الإكراه، كمورد الاضطرار(2)، والبدار إلى الحرام - بعد رفع حكمه - لا مانع منه.

إلاّ أن يُقال: بعد بقاء الملاك مع رفعه، لا بدّ من التأخير إلى الضيق وحصول الاضطرار، وهو غير ظاهر بعد لزوم الإتيان على أيّ حال.

وليس هذا من قبيل العجز عن القيام في الصلاة في ركعة واحدة - حيث يقال فيه: بلزوم التأخير إلى الأخيرة(3) - وذلك لأنّ المقام تابع لصدق «الإكراه» ووقوع الفعل مكرهاً عليه، وهو صادق مع البدار، وفي باب الصلاة تابع لصدق العجز، والقادر على الركعات الأوّليات ليس بعاجز، ومع إتيانها يصير عاجزاً عن الأخيرة، فتدبّر.

لكن الاحتياط في التأخير إلى ضيق الوقت.

حكم الإكراه على بيع واحد غير معيّن

ولو أكرهه على بيع واحد غير معيّن فباعهما، فإن كان الإكراه على غير معيّن بعنوانه وبما هو غير معيّن، فلا شبهة في صحّة بيع المجموع؛ لعدم الإكراه عليه.

وإن كان على نحو الواجب التخييري، وكان على هذا أو على ذاك بشرط عدم الاجتماع، فكذلك.

ص: 112


1- - حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 60؛ منية الطالب 1: 409.
2- - تقدّم في الصفحة 102.
3- - العروة الوثقى 2: 485.

وإن كان لا بشرط، فإن أوقعهما تدريجاً وقع الأوّل مكرهاً عليه، دون الثاني.

ولو غفل الفاعل فأوجد الأوّل لحوائجه النفسانية، وأراد إيقاع الثاني امتثالاً للمكره، وقعا صحيحين؛ لعدم الإكراه على شيء منهما وإن غفل عنه الفاعل، فإنّ توهّمه الإكراه لا يوجب وقوعه مكرهاً عليه.

ولو أوقعهما دفعة، فإن كان إيقاع أحدهما عن إكراه وإلزام، وأحدهما عن اضطرار وإلجاء - بمعنى أنّه مع فرض بيع أحدهما صار مضطرّاً إلى بيع الآخر - فالظاهر بطلانهما؛ لأنّ أحدهما مرفوع بدليل رفع الإكراه، والآخر بدليل رفع الاضطرار.

وما يقال من أنّ البيع المضطرّ إليه وقع صحيحاً؛ لأنّ البطلان خلاف الامتنان(1)، صحيح لو كان حصول الاضطرار بحسب حوائجه، لا في مثل المقام الذي كانت صحّة أحدهما وبطلان الآخر خلاف غرضه، وموجباً لضرره أو حرجه؛ فإنّ رفعه منّة عليه، ودليل الرفع مطلق شامل للوضعيات والتكليفيات.

ورفع اليد عنه في بعض الوضعيات - لكونه خلاف المنّة - لا يوجب طرحه مطلقاً.

ومع عدم اضطراره إلى بيع الآخر، لكن صار الإكراه في بيع أحدهما موجباً لتعلّق غرضه ببيعهما من دون الاضطرار، فمقتضى القاعدة صحّة أحدهما لا بعينه، وبطلان أحدهما كذلك.

وقد يُستشكل في صحّة أحدهما بأنّ لازمه مملوكية الشيء المردّد واقعاً،

ص: 113


1- - حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 46؛ منية الطالب 1: 397.

وهو غير معقول، كما أنّ مالكية شخص مردّد واقعاً غير معقول، فلا بدّ من الحكم بالبطلان(1).

ويمكن دفعه بوجهين أشرنا إليهما سابقاً (2) - بعد ما كان هذا النحو من التملّك أمراً عقلائياً، فإنّه إذا قال: «وهبتك أحد هذين» فقبل، صحّ عند العقلاء، وكذا إذا

قال: «وهبته أحدكما» فقبلا صحّ عرفاً -:

أحدهما: أن يقال إنّ التمليك لعنوان «أحدهما» القابل للانطباق على كلّ منهما بدلاً، وهذا العنوان غير مردّد ولا مبهم، وملكيته غير ممتنعة، ويتعيّن بالقرعة ونحوها.

وما قيل: من أنّ مورد القرعة ما هو معلوم واقعاً مجهول عندنا (3)، غير صحيح، بل موردها أعمّ، كما يظهر من الأخبار الواردة فيها (4) فراجع.

ثانيهما: أن يقال إنّ للإنشاء المذكور سببية ناقصة عقلاً، وتتمّ بالقرعة، كما أنّ بيع الفضولي سبب ناقص يتمّ بالإجازة، فصحّته اقتضائية، فإذا ضمّ إليه المتمّم صار صحيحاً.

وهذا أوجه من الوجه الأوّل؛ لأنّه لا يخلو من إشكال.

ص: 114


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 54.
2- تقدّم في الصفحة 59.
3- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 54؛ منية الطالب 1: 418.
4- الكافي 7: 18 / 11 و55 / 12؛ تهذيب الأحكام 8: 225 - 226 / 810 و811؛ وسائل الشيعة 19: 408، كتاب الوصايا، الباب 75، و23: 92، كتاب العتق، الباب 57، و27: 257، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم، الباب 13.

وبهذا الوجه يمكن رفع الإشكال العقلي عن بعض موارد وردت الروايات فيه كما لو أسلم كتابي عن أكثر من أربع(1)، أو عقد مسلم على خمس(2)، أو على اُختين(3)، ففي الموارد المذكورة ورد: «أنّه يُمسك أربعاً» أو «يُمسك إحداهنّ».

فيرد الإشكال العقلي بأنّ الزوجة المبهمة غير ممكنة التحقّق، وصحّة الجميع لا تمكن شرعاً، ولازم بطلان الجميع إيقاع العقد من رأس.

والجواب: أنّ العقد وقع عليهنّ، وفي تأثيره في الجميع مانع، والاختيار رافع للمنع شرعاً، وفي المقام القرعة متمّمة، وفي جمع الاُختين أو جمع خمس الاختيار متمّم، فلا يحتاج إلى العقد ولا الطلاق، وفي الذمّي إذا أسلم خرج الجميع بواسطة المانع عن حبالته، وبرفع المانع دخل ما لا مانع فيه.

وبعبارة اُخرى: العقد واجب الوفاء ولو لم يؤثّر فعلاً، كالأصيل في الفضولي، وهو مقتض للتأثير، ومع رفع المانع يؤثّر أثره.

كما أنّه لو أكرهه على أحدهما، فأتى بهما ثمّ أجاز، لا ينبغي الإشكال في صحّتهما، لا لأنّ أحدهما لا بعينه صحيح، والآخر محتاج إلى الإجازة؛ لأنّ ذلك باطل عرفاً وعقلاً، بل لأنّ المانع العقلي منع عن تأثير المقتضي فيهما، وبرفعه أثّر.

ص: 115


1- - الكافي 5: 436 / 7؛ تهذيب الأحكام 7: 295 / 1238؛ وسائل الشيعة 20: 524، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، الباب 6.
2- - الكافي 5: 430 / 5؛ تهذيب الأحكام 7: 295 / 1237؛ وسائل الشيعة 20: 522، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، الباب 4.
3- - الكافي 5: 431 / 3؛ تهذيب الأحكام 7: 285 / 1203؛ وسائل الشيعة 20: 478، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الباب 25، الحديث 1 و2.

ولو عقد على خمس فماتت واحدة، فالظاهر صحّته في الأربع من غير احتياج إلى الاختيار؛ لأنّ الاختيار للترجيح ورفع المانع، ومع ارتفاعه عقلاً لا يحتاج إليه، وطريق الاحتياط واضح.

وممّا ذكر يظهر الكلام في الإكراه على الطبيعة والإتيان بأكثر من فرد.

وما يُقال في وجه صحّتهما من أنّ بيعهما دفعة مع كون الإكراه على أحدهما، يكشف عن رضاه ببيع أحدهما، فلا يؤثّر الإكراه شيئاً؛ لأنّ المفروض أنّ ما ألزمه المكره - وهو بيع أحدهما غير معيّن - نفس ما هو راضٍ به، فلا يكون إكراهاً على ما لا يرضاه(1).

غير مرضيّ؛ ضرورة أنّ أحدهما وقع مكرهاً عليه، وهو غير ما رضي به، فلولا الإكراه ما باعهما.

فالإكراه على بيع أحدهما وبعض أغراضه المترتّبة عليه، صارا سببين لإيقاعهما، فلا يعقل أن ينطبق المرضيّ به على ما اُكره عليه؛ لاختلاف سببهما وتضادّ عنوانهما.

كما أنّ ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه في وجه صحّتهما من كونه خلاف المكره عليه، وأنّ ما وقع غير مكره عليه، وما اُكره عليه لم يقع(2)، غير مرضيّ أيضاً؛ لأنّ الإكراه على بيع أحدهما إن كان بشرط لا، يصحّ أن يقال: إنّ ما وقع خلاف المكره عليه؛ لكنّه غير محلّ البحث؛ فإنّ موضوعه ما إذا اُكره على أحدهما، وأوقع المكره البيع على طبق إكراهه، وهو لا يصحّ إلاّ إذا كان المكره عليه

ص: 116


1- - حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 64.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 324.

أحدهما لا بشرط، ومعه لا يكون إيقاعهما خلاف المكره عليه.

كما يظهر ممّا تقدّم بطلان ما افيد في وجه بطلانهما جميعاً من أنّه إذا باعهما جميعاً فنسبة الإكراه والاضطرار إلى كلّ منهما على السواء، فلا يمكن الحكم بصحّة أحدهما معيّناً؛ لأنّه تخصيص بلا مخصّص، ولا أحدهما المردّد؛ لأنّه غير معقول، ولا الجميع؛ لفرض وجود الإكراه المانع عن صحّة أحدهما.

ولا مجال للتعيين بالقرعة؛ لأنّها فيما كان له تعيّن واقعي مجهول، ولا نعني بالفساد إلاّ عدم إمكان الحكم بصحّته بوجه(1)، انتهى.

وفيه: - مضافاً إلى ما عرفت من أنّ مورد الاضطرار كمورد الإكراه يقع في المقام باطلاً، ولا يكون أحدهما صحيحاً حتّى نحتاج إلى ما ذكر(2) - أنّه قد عرفت دفع شبهة عدم المعقولية، وقد عرفت أنّ دليل القرعة أعمّ(3).

حول كلام العلاّمة في الإكراه على الطلاق

ثمّ إنّه قد حكي عن العلاّمة قدّس سرّه في «التحرير»: «أنّه لو اُكره على الطلاق فطلّق ناوياً، فالأقرب أنّه غير مكره؛ إذ لا إكراه على القصد»(4).

وهو ظاهر في أنّه مع إمكان التورية لا يتحقّق الإكراه، وقد مرّ(5) التفصيل بين

ص: 117


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 54.
2- - تقدّم في الصفحة 113.
3- - تقدّم في الصفحة 114.
4- - تحرير الأحكام 4: 51؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 311 و325.
5- - تقدّم في الصفحة 94.

القادر عليها بسهولة مع عدم خوف الوقوع في الضرر، وغيره، وأنّ في الثاني لا يعتبر إمكان التخلّص بها، بل ينبغي أن يراد بإمكان التخلّص القسم الأوّل؛ إذ ليس المراد بإمكانه إمكانه الذاتي أو الوقوعي كائناً ما كان، بل ربّما صار من أخذته الدهشة والوحشة مكرهاً في قصده، ولا يمكنه عدم القصد، والظاهر أنّ ما احتملناه هو مراد العلاّمة قدّس سرّه.

وقيل: إنّ في محتملات كلامه وجوهاً:

منها: أن يكون كلّ من الإكراه والرضا مستقلاًّ، فإذا اجتمعا لا يمكن تواردهما على محلّ واحد، فيستند إليهما جميعاً.

ومنها: أن يكون كل منهما جزء السبب.

وفي الصورتين يحتمل وجهان، فاختلفوا في الصحّة والفساد، فقيل: بالصحّة؛ لأنّ دليل الإكراه ودليل «تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ»(1) من قبيل المقتضي واللا مقتضي، وقيل: بالفساد؛ لأنّ الظاهر من دليل الصحّة أن يكون مستقلاًّ، لا جزء السبب، وقيل: بالتفصيل.

ومنها: أن يكون الإكراه داعياً للداعي، فالفعل مستند إليهما طولاً، فاحتمل فيه وجهان أيضاً، وحمل كلامه عليه(2).

أقول: أمّا على مسلك القوم - من أنّ الرضا هو طيب النفس، والإكراه هو الحمل على ما يكرهه، أو بلا طيب نفس(3) - فالصور الثلاثة باطلة؛ لعدم إمكان

ص: 118


1- النساء (4): 29.
2- - منية الطالب 1: 420 - 422.
3- - جواهر الكلام 22: 265؛ اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 311.

اجتماع الطيب واللاطيب استقلالاً، ولا بنحو جزء السبب، ومعه لا معنى لتأثيرهما ولا لتعارضهما، وعدم إمكان الداعي إلى الداعي؛ لأنّ الداعي الثاني يطرد الأوّل، فكيف يمكن كونه معلولاً له؟!

ثمّ على فرض اجتماعهما في الصورة الاُولى، فكيف يقدّم دليل الصحّة مع حكومة دليل الرفع عليه، فمع اجتماع موضوع الدليلين في مورد يقدّم الحاكم، فهل يمكن أن يقال: إنّ دليل حرمة الكذب أو الخمر في مورد الإكراه مقدّم؛ لأنّ التعارض من قبيل المقتضي واللا مقتضي؟!

ولا فرق بين المقامين إلاّ بعدم الاجتماع في المقام، وهم يلتزمون باجتماعهما.

وأمّا على مسلكنا - من أنّ الرضا هو الرضا المعاملي الحاصل حتّى بعد الإكراه، والإكراه هو الإلزام بالشيء قهراً وإن طابت نفسه فرضاً كما تقدّم(1) - فلا يجتمعان في الصورة الاُولى والثالثة؛ لأنّ الرضا بحسب الحوائج إذا كان تامّاً

مستقلاًّ، لا يعقل انبعاث المأمور من الأمر والإلزام، فأمره كلا أمر، لا يوجب الإكراه كما مرّ(2).

وكذا لا يعقل أن يكون الإلزام قهراً داعياً إلى الرضا، إذا اُريد به الرضا الحاصل من حوائجه.

وأمّا الرضا الأعمّ من الحاصل بالإكراه، فلا منع من اجتماعهما، بل في المعاملات الإكراهية يصير الإكراه داعياً إلى الاختيار والرضا المعاملي والإرادة،

ص: 119


1- - تقدّم في الصفحة 91 و100.
2- - تقدّم في الصفحة 100.

ومع اجتماعهما يكون دليل الإكراه حاكماً وموجباً للفساد.

كما يجوز الاجتماع بنحو جزء السبب، فلا مانع من اجتماع أمر القاهر والداعي النفساني الناقص، فإذا كان كلّ منهما ناقصاً في التأثير، والمجموع تامّاً، فالظاهر صحّة المعاملة؛ لأنّ الرضا حاصل، ودليل الإكراه قاصر عن شمول المورد؛ لكونه ظاهراً في الاستقلال، ودليل «تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ»(1) وإن كان كذلك، لكن الرضا الحاصل بالإكراه مشمول له، وإنّما يدفع بالحكومة المفقودة هنا.

لكن هنا إشكال على القوم وعلينا:

أمّا عليهم: فلأنّ المراد من «تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ» إن كان التجارة عن طيب النفس، تخرج التجارة المكرهة عن أدلّة صحّة المعاملات تخصّصاً، ومعه لا معنى لحكومة دليل الإكراه، فلا حكم حتّى يرفع بالحكومة.

فالاستدلال بدليل الرفع لبطلان بيع المكره غير صحيح، إلاّ أن يكون مع الغضّ عن ذلك، كالاستدلال بالأصل والدليل الاجتهادي، وهو خلاف ظاهرهم.

وأمّا علينا: فلأنّ الرضا إن كان بمعنى ما هو حاصل بغير إلزام وإكراه، يرد عليه الإشكال المتقدّم، وإن كان المراد القصد إلى حصول المفاد، فمع عدمه لم يكن العنوان صادقاً، والظاهر من قوله تعالى: «تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ»أنّ القيد احترازي.

وفيه: أنّ الرضا المعاملي غير الطيب وغير القصد؛ فإنّ القصد من

ص: 120


1- النساء (4): 29.

صفات النفس الفعلية، والرضا من صفاتها الانفعالية، وقد مرّت التفرقة بين الرضا والطيب(1).

فالرضا مقابل التأبّي والامتناع، سواء حصل بمقاصده النفسانية، أو بإ لزام ملزم وإكراه مكره، ولا مفهوم للوصف، مع أنّه من القيود الغالبية، فلا يكون للاحتراز، وعليه يجتمع العنوانان وتصحّ الحكومة.

نعم، قد أشرنا في أوائل البحث إلى أنّ بطلان بيع المكره عقلائي(2)، فهل ترى من نفسك أنّ العقلاء والمحاكم العرفية، يحكمون بلزوم الوفاء بالعقد إذا ضربه وحبسه حتّى باع داره ؟ ! ولا شكّ في أنّ الأدلّة الشرعية منصرفة عن مثله، ويكون هذا من أكل المال بالباطل، وهذا واضح جدّاً.

ومعه لا مجال لحكومة دليل الرفع، إلاّ أن يكون الاستدلال به مع الغضّ عمّا ذكر.

ثمّ إنّ الظاهر من دليل الرفع أنّ المرتفع هو الأعمال الصادرة عن إكراه أو اضطرار؛ بحيث صار الإكراه أو الاضطرار منشأً لصدورها.

فمن أراد إيقاع البيع بحسب مقاصده النفسانية، فاُمر به واُوعد على تركه، ولا يؤثّر أمره وإيعاده في إيقاعه، لا يرتفع ذلك بالحديث.

وكذا من كان من عادته شرب الخمر، اضطرّ إليه أم لا، ثمّ اضطرّ إليه، لكن شربها بمقتضى عادته، لا يرتفع حكمه بالحديث؛ إذ الظاهر من «رفع... ما اضطرّوا إليه» - ولا سيّما بمؤونة كونه حكماً امتنانياً - أنّ المرفوع ما أوقعه

ص: 121


1- - تقدّم في الصفحة 100.
2- - تقدّم في الصفحة 86.

لأجل اضطراره، لا لمقاصده الاُخر مقارناً للاضطرار.

ولو كان العمل بداعي الإكراه، وكان مستقلاًّ في إيقاعه، فإن كان لا من جهة التخلّص عن الضرر عن نفسه، بل من جهة دفعه عن المكره، كما لو قال: «بع وإلاّ قتلت نفسي» فإن كان هو من متعلّقيه كولده ووالده، وكان عدم إيجاده موجباً لضرر عليه، فهو مكره.

بخلاف ما لو كان أجنبيّاً، ولو كان الإتيان لأجل شفقة دينية، فغير مكره عرفاً.

ولو كان لأجل الضرر المتوعّد به، يكون باطلاً وإن اعتقد المكره بأنّ الحذر لا يتحقّق إلاّ بإيقاعه حقيقة، فوطّن نفسه على تحقّقه، أو كان جاهلاً فوطّنها كذلك؛ لحديث الرفع، بل الظاهر أنّ مصبّ دليله مثل هاتين الصورتين.

وأمّا صورة العلم بالحكم وبخصوصيات الواقعة فسيأتي الكلام فيها (1).

عقد المكره لو تعقّبه الرضا

ثمّ لو رضي المكره بما فعله، فهل يصحّ مطلقاً، أو لا كذلك، أو يفصّل بين الصور؟

والتحقيق: أنّ المكره تارة يعتقد بأنّ بيع المكره صحيح، وكان غافلاً عن التورية، فيوقعه معتقداً بصحّته.

واُخرى: يعلم بطلانه، لكن يحتمل لحوق رضاه به بعد ذلك، ويعتقد بأنّ

ص: 122


1- يأتي في الصفحة 123.

لحوقه به موجب لصحّته فعلاً.

وثالثة: يعتقد بطلانه، وأنّ الرضا المتأخّر لا يوجب الصحّة، أو يعلم بعدم لحوق رضاه به.

أمّا الصورة الاُولى: فلا شبهة في صدق «البيع» عليه عرفاً؛ لتحقّق الإنشاء جدّاً بغرض حصول مضمونه، ولا دخالة لشيء آخر في الصدق، ومجرّد كون بعض المبادئ البعيدة فيه مغايراً لما في بيع غير المكره، لا يضرّ بالصدق؛ لعدم معقولية دخالة تلك المبادئ في صدق العنوان المتأخّر.

فبيع المكره وغيره لا يفترقان إلاّ في أنّ مبدأ اختيار الأوّل هو ترجيح البيع على الضرر المتوعّد به، ومبدأ اختيار الثاني ترجيحه بحسب مقاصده النفسانية، وذلك المبدأ البعيد لا تعقل دخالته في صدق عنوان «البيع» ولا ترتّب الأثر الشرعي وعدمه دخيل فيه؛ لأنّ الأثر متأخّر عن عنوانه ومترتّب عليه، فلا تعقل دخالته في صدقه، ولهذا يصدق على البيع الربوي وبيع الخمر ونحوهما.

وبالجملة: لا تعقل دخالة ما هو من مبادئ الوجود أو الآثار اللاحقة به في صدقه.

والظاهر صدقه في الصورة الثانية أيضاً؛ إذ لا يعتبر في صدقه الجزم بحصول المضمون، بل إيقاعه - برجاء لحوق الرضا به - يكفي في صدقه.

وأمّا الصورة الثالثة: فلا يعقل تحقّق الجدّ به؛ ضرورة امتناع الجدّ بداعي سببية العقد مع العلم بعدمها، ومع فقده لا يصدق عليه «البيع» و«العقد».

ولا يرد عليه النقض ببيع الفضولي وبيع المكره ولو مع العلم بلحوق الإجازة، بل بالإيجاب، بدعوى أنّ الأثر المطلوب لا يترتّب فعلاً على شيء منها؛ فإنّ

ص: 123

الإيجاب لا يترتّب عليه الأثر ولا يكون سبباً فعلياً إلاّ مع تعقّبه بالقبول، وكذا بيع المكره والفضولي قبل الإجازة، فيأتي الإشكال العقلي المذكور فيها، فإيقاعها لغرض ترتّب الأثر عليها غير معقول، فلا بدّ من الالتزام بعدم الصدق.

وذلك لأنّ العلم بترتّب الأثر عليه بعد الإجازة أو لحوق القبول، موجب لتحقّق الجدّ، فإذا علم الفضولي بأنّ إيقاع المعاملة جدّاً يترتّب عليه الأثر بعد الإجازة، وعلم بلحوقها بها، تحقّق منه الجدّ جزماً، بخلاف ما لو علم بعدم اللحوق؛ فإنّ الجدّ لا يعقل فيه، بل يكون في إنشائه كالهازل واللاغي.

والمراد بالجدّ هو الجدّ في المبادلة الإنشائية، لا حصولها حقيقة؛ فإنّ الجدّ به غير معقول حتّى من الموجب في البيع الصادر من الأصيلين.

فتحصّل من ذلك: أنّ الإشكال في الصدق العرفي في الصورتين الاُوليين في غير محلّه، سواء ادّعي أنّ المعتبر في صدقه مقارنة طيب نفس المالك به، أم ادّعي أنّ المعتبر مقارنة طيب نفس العاقد به، أو ادّعي أنّ العقد غير المؤثّر فعلاً ليس بعقد؛ فإنّ الرضا المعاملي حاصل، ولا يعتبر طيب النفس كما مرّ(1)، ولما عرفت من عدم تعقّل دخالة ما هو من مبادئ وجود الشيء أو من آثاره في قوام ماهيته.

مع أنّ الصدق العرفي في بيع المكره والفضولي والبيع الربوي، لا ينبغي الإشكال فيه.

وبه يدفع توهّم: أنّ أمر المعاملة عند العرف لا يدور بين الصحّة والفساد، بل بين الصدق وعدمه؛ فإنّ البيع الواقع عن إكراه وجبر لا يكون في محيط العرف

ص: 124


1- - تقدّم في الصفحة 84 - 85 و100.

وفي المحاكم العرفية لازم الوفاء، ولا يرى العقلاء البائع المكره ملزماً بالوفاء

بقراره وعقده وشرطه.

ومع هذا الارتكاز، تكون الأدلّة العامّة - مثل «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(1) و«المؤمنون عند شروطهم»(2) ونحوهما - منصرفة عن بيع المكره، بل لعلّ تلك الأدلّة إمضائية تنفيذية، لا تأسيسية تعبّدية.

لكن الانصراف عنه إنّما هو مع عدم لحوق الإجازة والرضا به، وإلاّ فلا شبهة في عدمه، كما أنّه مع لحوقها يكون لازماً في محيط العرف أيضاً، وهذا عين الصحّة والفساد.

وما قيل: من أنّ لازم ذلك عدم دخول البيع أوّلاً في الأدلّة، ودخوله فيها بعد لحوقها (3)، ليس بتال فاسد، كما أنّ الفضولي كذلك؛ إذ ليس واجب الوفاء إلاّ بعد لحوقها، فيكون البيع المكره عليه بعد الإجازة داخلاً في الأدلّة العامّة، ولا بدّ من دليل مخرج.

الاستدلال بآية التجارة على بطلان عقد المكره المتعقّب بالرضا

وربّما يقال: إنّ المخرج قوله تعالى: «إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ»(4) بدعوى أنّ استثناء خصوص التجارة الناشئة عن تراضٍ من المتعاقدين، دليل

ص: 125


1- المائدة (5): 1.
2- - تهذيب الأحكام 7: 371 / 1503؛ وسائل الشيعة 21: 276 كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 4.
3- اُنظر منية الطالب 1: 425.
4- النساء (4): 29.

على حصر التجارة الصحيحة بها، فغيرها داخل في المستثنى منه ولو لحقته الإجازة(1).

وفيه: - بعد تسليم الحصر، وتسليم دلالتها على لزوم مقارنة الرضا للعقد ونشوئه منه - أنّه يمكن أن يقال: إنّ خصوصية المقارنة بين العقد والرضا ملغاة في نظر العرف والعقلاء، فما هو موضوع في نظرهم لخروج الأكل عن كونه باطلاً، هو العقد برضاهما، سواء كان مقارناً أو متأخّراً؛ ضرورة عدم كون الأكل بالعقد الفضولي من أكل المال بالباطل عرفاً وشرعاً.

ولا يمكن الالتزام بكونه باطلاً استثني من قوله تعالى: «لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ...»(2) إلى آخره؛ ضرورة إبائه عن التخصيص إذ لا يصحّ أن يقال: «هذا الأكل بالباطل جائز».

وبالجملة: لا شبهة في عدم فهم العرف من الآية الكريمة إلاّ لزوم كون التجارة برضاهما، من غير فرق بين الرضا المقارن وغيره.

ولعلّ الإتيان بما يظهر منه المقارنة؛ لكون الغالب كذلك، لا لعناية في نشوئه منه، فالقيد غالبي لا يستفاد منه الاحتراز.

مضافاً إلى ما ذكرنا سابقاً: من أنّ المتفاهم العرفي من المستثنى منه، أنّ الباطل علّة لتعلّق الحرمة بأكل المال، فكأنّه قال: «لا تأكلوا أموالكم بينكم إذا كان باطلاً»(3).

ص: 126


1- - اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 196.
2- النساء (4): 29.
3- - تقدّم في الجزء الأوّل: 96.

ولأجل المقابلة بين المستثنى والمستثنى منه، وعدم صحّة استثناء مصداق من الباطل وإجازة أكله؛ لاستهجانه، وأنّ التجارة عن تراضٍ حقّ عرفاً لا باطل، والمناسبات المغروسة في ذهن العقلاء، يستفاد من المستثنى أنّ استثناء التجارة عن تراضٍ إنّما هو لكونها حقّاً، لا لخصوصية التجارة، ولا لخصوصية عنوان الرضا، فكما أنّ العلّة لحرمة أكل قسم من المال كونه باطلاً، كذلك العلّة في الجواز عدم بطلانه، وهو مساوق عرفاً للحقّ.

فالخارج هو مطلق الأكل بالحقّ، والداخل هو مطلق الأكل بالباطل، وإنّما ذكرت التجارة عن تراضٍ؛ لكونها المصداق المتداول الكثير الدور، لا لخصوصية فيها.

ولا شبهة في أنّ التجارة اللاحق بها الرضا، تكون حقّاً عرفاً لا باطلاً، فبيع الفضولي مع لحوق الإجازة به وبيع المكره كذلك، حقّ داخل في المستثنى.

ولو قلنا: بأنّ «الباء» للسببية، ويكون المراد من المستثنى منه حرمة أكل المال الحاصل بسبب باطل، يفهم منه ما ذكرناه أيضاً: من علّية الأسباب الباطلة لحرمة الأكل، فكلّ سبب باطل علّة لحرمة المال المكتسب به، وفي مقابله كلّ سبب حقّ موجب لرفع الحرمة أو لجواز الأكل.

هذا كلّه بناءً على إفادة الاستثناء الحصر، كما لا يبعد بمقتضى المناسبات المذكورة، وعدم خلوّ واقعة إلاّ وأنّها إمّا داخلة في الباطل أو الحقّ.

ثمّ لا إشكال في أنّ الاستثناء المنقطع في المحاورات وكلمات البلغاء، لا يكون جزافاً وبلا نكتة أدبية، وهي مختلفة، فربّما تكون النكتة ادّعاء دخول المستثنى في المستثنى منه ومن قبيل الحقائق الادّعائية، كقوله: «ما رأيت أسداً

ص: 127

إلاّ زيداً» أو «ما جاءني حمار إلاّ زيد» بدعوى أنّ زيداً داخل في المستثنى منه، والاستثناء لإخراجه، فهو منقطع حقيقة، ومتّصل ادّعاءً.

وقد يكون الانقطاع لغاية المبالغة، ويكون الممدوح مثلاً فوق تلك المدائح، وتكون هي ذمّاً بالنسبة إليه، نظير قوله تعالى: «مَا هَذَا بَشَراً»(1) حيث نفي عنه ذلك لغاية المبالغة، فإذا قيل: «لا عيب فيه إلاّ أنّه بشر» يكون الاستثناء لغاية المبالغة.

وربّما يكون إيراد الاستثناء لمجرّد تأكيد الحكم في المستثنى منه بوجه بليغ، لا لداعي الاستثناء جدّاً، ولعلّ قوله: «جاءني القوم إلاّ الحمار» من هذا القبيل، فأراد المتكلّم تأكيد مضمون الجملة السابقة، وعدم خروج فرد من المستثنى منه، فالاستثناء صوري لداعي التأكيد.

ولعلّ استثناءه تعالى إبليس من الملائكة من هذا القبيل، فأراد تأكيد مضمون الجملة السابقة، وإن كان بينه وبين المثال السابق فرق؛ فإنّ الحكم في المستثنى في قوله تعالى مقصود، بخلاف المثال السابق؛ لجواز أن لا يكون مراداً، ولعلّ القوم لم يكن لهم حمار نظير باب الكنايات، مثل «زيد كثير الرماد».

وربّما يكون الاستثناء لاحتمال دخول المستثنى في المستثنى منه، ولعلّ استثناء إبليس من قبيله... إلى غير ذلك.

وكيف كان: إنّ الاستثناء في قوله تعالى: «إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ

ص: 128


1- يوسف (12): 31.

مِنْكُمْ» ليس من قبيل الحقائق الادّعائية، ولا لتوهّم الدخول، ولا يبعد أن يكون لتأكيد مضمون المستثنى منه، وإن كان المستثنى أيضاً مقصوداً.

وعلى هذا: لا يكون الاستثناء دليلاً على الحصر؛ أي حصر جواز الأكل في التجارة عن تراضٍ، لعدم إرادة الإخراج جدّاً، بل لإفادة عدم خروج شيء من الباطل من المستثنى منه، فكأنّه أراد استثناء غير الداخل؛ لإفادة أنّ الداخل لم يستثن منه شيء، لا أنّ المستثنى منحصر به.

لكن بناءً على ما ذكرناه - من فهم العلّية في المستثنى، والمستثنى منه، ومقتضى المقابلة بينهما - تكون إفادة الحصر لأجل عدم خروج شيء من الحقّ والباطل، فكلّ باطل داخل في المستثنى منه، وكلّ حقّ داخل في المستثنى، ولا ثالث لهما، فليس جواز الأكل منحصراً في التجارة عن تراضٍ، بل هو منحصر في الحقّ المقابل للباطل.

فتحصّل ممّا ذكر: أنّ الآية الكريمة لا تدلّ على بطلان عقد المكره إذا لحقته الإجازة، وأنّ الاستثناء فيها منقطع، والحصر مستفاد من الآية، لا للاستثناء، وخصوصية مقارنة الرضا ملغاة.

حول إرجاع الاستثناء المنقطع إلى المتّصل

وما قيل: من أنّ الاستثناء المنقطع يرجع إلى المتّصل، ففي مثل قوله: «جاءني القوم إلاّ الحمار» يكون المراد من القوم أعمّ منهم ومتعلّقاتهم(1).

ص: 129


1- - حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 72؛ منية الطالب 1: 426.

لا يرجع إلى محصّل، فهب أنّ في المثال صحّ ما ذكر على إشكال، لكن في قوله تعالى: «لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيمَاً * إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً»(1) لا يصحّ، بل الإرجاع إلى الاتّصال مستهجن وكذب وخلاف المقصود، وكذا في مثل:

ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم***بهنّ فُلُولٌ من قراع الكتائب(2)

فإنّ التقدير بما ذكره يوجب الذمّ لا المدح.

وإرجاع الآية الكريمة إلى المتّصل، بأن يقال: «لا تأكلوا الأموال بوجه من الوجوه إلاّ التجارة عن تراضٍ؛ لأنّ غيرها باطل تعبّداً وشرعاً»(3) كما ترى؛ ضرورة أنّ رفع اليد عنها أهون من ارتكاب هذا الأمر الركيك، الذي لا يصدر من متعارف الناس.

ودعوى: أنّ العناوين الاعتبارية التي يمكن أن يكون اعتبارها في محيط الشرع غير ما هي عليه في محيط العرف، إذا وقعت في لسان الشرع، تحمل على الشرعي، ضعيفة جدّاً؛ ضرورة سريان هذه الدعوى بالنسبة إلى العمومات والإطلاقات، ولازمه عدم صحّة التمسّك بها، بل اللازم صدورها بلا فائدة ولا لإفادة أمر، وهو كما ترى.

مع أنّها غير مفيدة؛ فإنّ الحمل على الشرعي لا يوجب الاتّصال إلاّ بوجه مستهجن كما مرّ.

ص: 130


1- الواقعة (56): 25 - 26.
2- - ديوان النابغة الذبياني: 15؛ اُنظر شرح شواهد المغني، السيوطي 1: 349.
3- - حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 73؛ منية الطالب 1: 427.

ودعوى: أنّ ظهور «إلاّ» في الاستثناء الحقيقي، أقوى من ظهور الباطل في العرفي(1)، غير صحيحة في المقام الذي ظاهره الانقطاع، عرفياً كان الباطل أو شرعياً.

ثمّ الظاهر من الآية - مع الغضّ عمّا تقدّم - أنّ المعتبر هو الرضا المقارن لصدور التجارة، ولا سيّما إذا قلنا: بأنّ المراد بالباطل الأسباب الباطلة، وكان المستثنى حينئذٍ سبباً خاصّاً.

فما قيل: من أنّ المعتبر هو الرضا بنتيجة المصدر، والتجارة هي الاكتساب، وهو لا يحصل شرعاً إلاّ بعد تحقّق الرضا بناءً على النقل أو الكشف الحكمي(2).

غير سديد؛ لأنّ المراد من الاكتساب إن كان حصول النفع ونقل السلعة، فلا يكون ذلك تجارة لا عرفاً، ولا شرعاً، ولا لغة.

وإن كان المراد المجعول بسبب ألفاظ العقود - كما هو ظاهر قوله: نتيجة المصدر - فهي حاصلة بإيقاع العقد لفظاً، بل لا فرق بينها وبين المصدر إلاّ اعتباراً.

والظاهر من الآية أنّ حدوث هذا الأمر لا بدّ وأن يكون مقترناً بالرضا، مع أنّ الظاهر الذي لا ينبغي إنكاره أنّ المراد بالتجارة عن تراضٍ هو المصدر، لا اسمه حال الحدوث، فضلاً عن حال البقاء، هذا حال الآية الكريمة.

ص: 131


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 197.
2- - منية الطالب 1: 425.
الاستدلال بحديث الرفع على البطلان وإشكالي الشيخ عليه

وأمّا حديث الرفع، فقد استشكل عليه الشيخ الأعظم قدّس سرّه بأمرين:

أحدهما: أنّ المرفوع فيه المؤاخذة والأحكام المتضمّنة لمؤاخذة المكره وإلزامه بشيء، والحكم بوقوف عقده على رضاه راجع إلى أنّ له أن يرضى بذلك، وهذا حقّ له لا عليه(1).

أقول: هذا الإشكال مع الغضّ عن الإشكال الثاني.

ويرد عليه: أنّ الموضوعات المترتّبة عليها الأحكام على أقسام:

منها: ما كانت آثارها على المكره، وكانت ثقيلة عليه.

ومنها: ما كانت له بجميعها.

ومنها: ما كانت له وعليه.

لا إشكال في رفعها عنه في الأوّل، كما أنّ الظاهر عدم رفعها في الثاني؛ لما مرّ(2) من أنّ الظاهر من حديث الرفع، رفع ما وضع عليه لولا الإكراه بحسب الجعل الشرعي، وما كان له لا يصدق الوضع عليه والرفع عنه، ولا سيّما مع كون الحديث في مقام الامتنان على الاُمّة.

وأمّا القسم الثالث فتوضيحه: أنّه بعد ضعف احتمال التقدير في الحديث، سواء قدّرت الآثار أو المؤاخذة(3)، وأنّ التحقيق في مثله أنّه من الحقائق

ص: 132


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 331.
2- - تقدّم في الصفحة 110.
3- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 331؛ فرائد الاُصول، ضمن تراث الشيخ الأعظم 25: 28.

الادّعائية(1)، يقع الكلام في أنّه هل يكون الاعتبار فيه هو ادّعاء رفع الموضوع برفع أثره عنه، ويكون الملحوظ أنّ الأثر ثقل ووزر عليه، فالموضوع مرفوع باعتبار هذا الأثر؟

أو يكون الاعتبار فيه برفع نفس الموضوع ادّعاءً، ويكون لازم هذه الدعوى ثبوت الموضوع على المكلّف؛ بمعنى أنّ المتكلّم ادّعى أنّ الموضوع ثقيل وثابت على المكلّف؟

ومصحّح هذه الدعوى أنّ أثره ثابت وثقيل عليه، فيكون الكلام مشتملاً على دعويين:

إحداهما: دعوى ثبوت الموضوع الثقيل عليه، ومصحّحها كون أثره عليه، وهو وزر ثقيل.

وثانيتهما: أنّ الموضوع بنفسه مرفوع، ومصحّحها رفع أحكامه.

ورفع الموضوع تارة: حيثي؛ أي يلاحظ رفعه من حيث الأحكام الثقيلة.

واُخرى: يكون بنحو الإطلاق، ويدّعى أنّ الموضوع ثقيل مطلقاً، ولو كان ثقله بلحاظ الآثار، لكن كان ذلك جهة تعليلية لثقله مطلقاً.

وعلى هذا: يكون الرفع متعلّقاً بالموضوع على نحو الإطلاق، ولازمه رفع جميع آثاره؛ كانت له أو عليه.

نعم؛ في صحّة دعوى كون الموضوع ثقيلاً بقول مطلق، لا بدّ من كون آثاره ثقيلة مطلقاً، أو غير الثقيل طفيفاً ملحقاً بالعدم.

ص: 133


1- - أنوار الهداية 2: 30.

ثمّ إنّ مقتضى انتساب الرفع إلى الموضوع وإطلاق الدليل، هو رفعه بقول مطلق، وبرفعه ترفع الآثار مطلقاً، وهذا لا ينافي ما ذكرناه سابقاً: من عدم رفع الموضوع الذي ليس أثره عليه(1)، وهو واضح.

وبما ذكرناه يظهر النظر في إشكاله الثاني، حيث قال قدّس سرّه: إنّه يدلّ على أنّ الحكم الثابت للفعل المكره عليه لولا الإكراه، يرتفع عنه إذا وقع مكرهاً عليه، كالسببية المستقلّة لنقل المال، واللزوم الثابت للعقد.

وأمّا الأثر الناقص المترتّب عليه وبدليله - كالعلّية الناقصة المحتاجة إلى لحوق الرضا - فلم يكن ثابتاً له مع قطع النظر عن الإكراه، فلا يرتفع به(2).

وذلك لأنّ الرفع لم يتعلّق بالآثار، ولا باستقلال السبب والعقد، بل تعلّق بذات ما اُكره عليه، وهو العقد، ولمّا كان الرفع التكويني غير معقول، فلا محالة يحمل على الرفع الادّعائي؛ أي تنزيل الموجود منزلة المعدوم، كما أنّ الأمر كذلك في مثله في المحاورات نظماً ونثراً.

وكون الكلام من الشارع وفي محيط الشرع، لا يوجب حمله على نفي الآثار أو المؤاخذة بنحو التقدير، ولا سيّما مع اختلاف الحكم في الأخذ بما هو الشائع المتعارف؛ أي الحقيقة الادّعائية، مع الحكم في حذف الآثار أو المؤاخذة وتقديرهما، كما هو في المقام؛ فإنّ الحمل على رفع الأثر أو المؤاخذة بالمعنى الأعمّ - كما صنعه الشيخ (3) - موجب لما أفاده من سلب الأثر الفعلي،

ص: 134


1- - تقدّم في الصفحة 110.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 332.
3- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 331.

وهو الاستقلال في التأثير وبقاء العقد جزء العلّة، اللازم منه صيرورته مؤثّراً

بلحوق الرضا.

وأمّا على ما ذكرناه، فالعقد بنفسه مرفوع تنزيلاً، ومع رفعه وإعدامه شرعاً وفي محيط التشريع، لا يبقى منه شيء يكون علّة ناقصة صالحة للحوق الرضا بها؛ فإنّ اعتبار بقاء العقد مع دعوى رفع ما اُكرهوا عليه - الذي هو العقد ونحوه - متنافيان.

ويمكن أن يقال: إنّ قوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «رفع... ما اُكرهوا عليه» ظاهر في رفع عنوان ما اُكره بما هو، والعقد المرضيّ به - ولو متأخّراً - خارج عن هذا العنوان، فالعقد إلى زمان لحوق الرضا داخل في المكره عليه، ومن زمان لحوقه داخل في المرضيّ به.

فما هو الخارج عن أدلّة وجوب الوفاء وصحّة العقد، هو العنوان المذكور، والعنوان المقابل له لم يكن خارجاً عنها من أوّل الأمر، فيتمسّك بإطلاقها لصحّته.

ولا ينافي ذلك ما ذكرناه: من أنّ الظاهر من الحديث رفع ما اُكره عليه، وتنزيل الموجود منزلة المعدوم؛ فإنّ الكلام هاهنا في أنّ ما نزّل منزلة العدم ليس ذات العقد، بل عنوان «ما اُكره عليه» بما هو؛ بحيث يكون الإكراه جهة تقييدية.

فما نزّل منزلة العدم هذا العنوان، لا عنوان «المرضيّ به» وتشخيص موضوع المكره عليه والمرضيّ به عرفي، والموضوع في الرتبة السابقة على تعلّق الحكم، والعقد العرفي المكره عليه باقٍ بنظر العرف إلى زمان لحوق الرضا، ويخرج بلحوقه به عن عنوان «المكره عليه» ويدخل في عنوان «المرضيّ به»

ص: 135

وهذا العنوان لم يكن داخلاً فيه من أوّل الأمر، فما جعل منزلة العدم هو هذا العنوان، لا العنوان المقابل.

ولو جعل العنوان جهة تعليلية لتمّ ما ذكرناه أيضاً؛ لأنّه على هذا الفرض تكون العلّة علّة واقعية يدور الحكم مدارها.

كما أنّ الأمر كذلك في سائر فقرات الحديث، مثل «رفع... وما لا يعلمون وما اضطرّوا إليه» فإنّه على فرض كون العنوان تعليلاً، لا يمكن أن يجعل حدوثه علّة لرفع الحكم مطلقاً ولو مع سلب الاضطرار والجهل، كما هو ظاهر، وهكذا الأمر فيما اُكره عليه.

وإن شئت قلت: إنّ الموصول في «ما اُكرهوا عليه» إمّا كناية عن ذوات العناوين كالبيع ونحوه، أو مأخوذ بعنوانه في الموضوع.

فعلى الثاني: لا ينطبق العنوان مع قيده إلاّ على البيع حال الإكراه.

وكذا على الأوّل لو كان الإكراه علّة للرفع؛ ضرورة عدم تجاوز المعلول عن حدود علّته.

نعم؛ لو كان الإكراه نكتة للجعل، يكون المرفوع ذات البيع بلا قيد، ففي هذه الصورة لا يمكن إلحاق الرضا به بعد فرضه معدوماً في لحاظ الشارع، بخلاف الفرضين الأوّلين.

ثمّ على الفرضين لا يتمّ المطلوب إلاّ مع إطلاق أدلّة التنفيذ، كقوله تعالى: «أَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ»(1) و«تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ»(2) بعد دعوى إلغاء الخصوصية،

ص: 136


1- البقرة (2): 275.
2- النساء (4): 29.

وكون الموضوع نفس التجارة، خرج منها التجارة عن إكراه، وبقي الباقي بأصالة الإطلاق، هذا إذا كان الدليل هو الإطلاقات.

وأمّا نحو: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(1) المشتمل على عموم لفظي دالّ على وجوب الوفاء بكلّ فرد، وإطلاق بالنسبة إلى حالات الأفراد بعد كونه في مقام البيان، فلو شكّ في فرد أنّه بنفسه موضوع الحكم أو مع قيد، يرفع الشكّ بالإطلاق لا بالعموم.

ففي المقام: لو اُحرز أنّ دليل الرفع مخصّص للعموم؛ بدعوى أنّ الموصول كناية عن الذات، وقيد الإكراه نكتة الجعل، فالمرفوع هو ذات البيع، ولا يصحّ التمسّك بالعموم؛ لأنّ الحالات غير مشمولة له، والتخصيص ثابت فرضاً، ولا بالإطلاق؛ لرفع موضوعه، بل لعدم الشكّ بعد إحراز التخصيص.

ولو اُحرز أنّه مقيّد لإطلاق الفرد، يؤخذ بالإطلاق في غير مورد الإحراز لو شكّ فيه.

ولو لم يحرز واحد منهما، فقد يتوهّم أنّ العلم الإجمالي بأحد الأمرين - أي التخصيص أو التقييد - يوجب سقوط العامّ والمطلق عن الحجّية.

وفيه: أنّ أصالة الإطلاق في المورد غير أصيلة؛ لأنّ مصبّها فيما إذا شكّ في المراد، لا فيما إذا علم المراد، وشكّ في كون الخروج من قبيل التقييد أو لا.

مع أنّ جريان أصالة الإطلاق لدخول حال الإكراه باطل؛ للعلم بخروجه.

وإن كان لأجل لازمه - وهو ورود التخصيص في العامّ، لا التقييد في

ص: 137


1- المائدة (5): 1.

الإطلاق - فهو أفحش؛ إذ يلزم من الإجراء عدم الإجراء، فإنّ العموم موضوع للإطلاق، وبالتخصيص يرفع الموضوع، فيلزم من إجراء أصالة الإطلاق ورود التخصيص على العامّ فرضاً، وهو رافع لموضوع الإطلاق، ومستلزم لعدم جريان أصالة الإطلاق، فيلزم من وجودها عدمها.

ثمّ إنّ التحقيق كما أشرنا إليه سابقاً (1): أنّ العقد المكره عليه ولو كان عقداً عرفاً، لكن لا يكون المكره ملزماً بالوفاء به عند العقلاء، ولو لحق الرضا صار تامّاً لازم العمل عرفاً من غير لزوم تجديد الصيغة.

فحينئذٍ نقول: إنّ الأدلّة العامّة من قبيل: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و«المؤمنون عند شروطهم» منصرفة عن عقد المكره، وغير منصرفة عمّا لحقه الرضا، ودليل الرفع لا يفيد في العقود إلاّ ما لدى العقلاء، كما أنّ الأدلّة العامّة أيضاً كذلك.

فتحصّل من ذلك: أنّ لحوق الرضا موجب لصحّة العقد ولزومه.

وأمّا ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه تارة: بأنّ العقد لا يترتّب عليه الأثر الناقص إلاّ بدليل الإكراه، ومثله ما لا يرتفع بدليله.

واُخرى: بأنّ هذا الأثر عقلي قهري يحصل له(2).

فغير وجيه؛ لأنّ العقد مع الغضّ عن الحديث جزء الموضوع، وجزؤه الآخر الرضا المعاملي، وأنّ أثر الناقص عقلائي ممضى من الشارع الأقدس، ولا يختصّ الرفع بالآثار التأسيسية، فتدبّر.

ثمّ إنّ البحث عن الكشف والنقل يأتي في الفضولي إن شاء اللّه تعالى.

ص: 138


1- تقدّم في الصفحة 124 - 125.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 332 و335.

الشرط الرابع: كون المتعاقدين نافذي التصرّف

مسألة اعتبار كون المتعاقدين نافذي التصرّف

إشارة

ص: 139

ص: 140

ومن شروط المتعاقدين أن يكونا نافذي التصرّف، كالمالك غير الممنوع بحجر، والوليّ الشرعي، فعقد الفضولي لا يصحّ فعلاً، ولا يترتّب عليه أثر قبل لحوق الإجازة به، سواء كان الفضولي مالكاً غير نافذ التصرّف كالمحجور عليه، أو غير مالك كذلك.

في جريان الفضولي في الإيقاعات

ثمّ إنّ المعروف بينهم عدم جريان الفضولي في الإيقاعات(1)، فهل هو بمقتضى القواعد، بعد تسليم كونه في العقود على القواعد؟

يمكن أن يقال: إنّ الوجه في كون جريانه في العقود مقتضى القاعدة، إمّا للبناء على أنّ لحوق الإجازة بالإنشاء الذي كان موجوداً في ظرفه - وإن

ص: 141


1- - غاية المراد 3: 37؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 346.

لم يكن موجوداً في حال الإجازة - صار سبباً لصيرورة العقد عقد المجيز، فيشمله عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُود» (بناءً على أنّ المراد به وبنحوه وجوب الوفاء بعقودكم(1)، وسيأتي الكلام فيه(2).

أو للبناء على أنّ العقد جزء السبب للنقل العقلائي، وجزؤه الآخر الإجازة، كما أنّ الإيجاب جزؤه، والقبول متمّمه.

أو للبناء على أنّ لحوقها بالعقد - أي القرار الذي بين الفضوليين - صار سبباً لذلك، وهذا؛ أي المعاقدة والقرار بينهما، موجود اعتباراً إلى زمان لحوق الإجازة، فتلحق بذلك الأمر الموجود اعتباراً، فيصير العقد بلحوقها عقداً للأصيل، فتشمله العمومات.

أو للبناء على أنّ دائرة العمومات أوسع ممّا ذكروه، فلا يلزم أن يكون العقد عقداً للأصيل ومنسوباً إليه حتّى يجب الوفاء به، ولا التجارة تجارة له برضاه حتّى تكون خارجة عن المستثنى منه، وإن كان ذلك مقتضى الجمود على الظواهر.

لكن لا يبعد استفادة لزوم الوفاء والدخول في المستثنى بالنسبة إلى العقد والقرار الذي هو بين الفضوليين بلحوق الإجازة، وإن لم يصر منسوباً إلى الأصيل ولا عقداً له.

بأن يقال: إنّ الإجازة والإنفاذ والإمضاء إنفاذ وإمضاء لما فعل الفضوليان؛ أي قرار تبادل مال الأصيل مع مال أصيل آخر، وإنفاذ ذلك موجب لوجوب الوفاء

ص: 142


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني:52؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 101.
2- - يأتي في الصفحة 147 - 148.

بالعقد ولو كان القرار من غيره، فقرار غيره وعقده بالنسبة إلى ماله المتعقّب بإجازته، موضوع وجوب وفائه، فيجب عليه الوفاء بالعقد الواقع من الفضولي على ماله بعد إنفاذه وإمضائه، فتشمله العمومات ولو بمناسبات مغروسة في أذهان العرف، وسيأتي الكلام فيه(1).

وكيف كان: لو بنينا على الأوّل، لكان جريان الفضولي في الإيقاعات أيضاً موافقاً للقواعد؛ لأنّ المفروض أنّ لحوق الإجازة بالإنشاء الموجود في ظرفه، مبنى صيرورة العقد عقداً له؛ ومبنى جريانه فيه، وهو بعينه موجود في الإيقاعات.

وكذا على الثاني، يجري في الإيقاعات أيضاً على القواعد.

وأمّا على الثالث: فلا يجري فيها على القواعد؛ لأنّ المعاقدة والمعاهدة والقرار المتحقّقة في العقود الباقية إلى زمان الإجازة اعتباراً، غير موجودة في الإيقاعات، وليس فيها سوى ألفاظ الإنشاء والمعنى المنشأ، اللذين لا بقاء لهما - ولو اعتباراً - حال الإجازة.

فإنشاء الطلاق والتحرير من غير الأصيل لا يبقى منه شيء ولو اعتباراً إلى زمان الإجازة؛ لأنّ الألفاظ متصرّمة غير باقية لا واقعاً، ولا اعتباراً لدى العرف، والمنشأ - أي فكّ الزوجية والملك - لم يتحقّق، وليس له إلاّ وجود اعتباري لم يعتبره الشارع ولا العقلاء إذا أنشأه الفضولي، ولا شيء آخر وراءهما يعتبر باقياً، بخلاف العقود، فإنّ فيها وراءهما شيء آخر، هو ماهية العقد حقيقة،

ص: 143


1- - يأتي في الصفحة 148.

وهو القرار والعهد بين المتعاقدين الذي له نحو بقاء اعتباراً لدى العقلاء، وهو صالح للحوق الإجازة به.

إلاّ أن يقال: إنّ ما له البقاء اعتباراً في العقود هو الوجود الإنشائي المنشأ بالألفاظ، ويكون موضوعاً لبناء العقلاء على ترتيب الآثار؛ أي اعتبار النقل عقيبه إذا صدر من الأصيل، وهذا هو الباقي، وتلحقه الإجازة، لا القرار والعهد الذي له وجود حقيقي ينعدم بتمامية العقد أو بالذهول عنه.

وليس العقد هو القرار والعهد، بل هو عبارة عن العقدة الحاصلة بين العينين؛ باعتبار التبادل الاعتباري.

وهذا المعنى - أي المنشأ، أو الوجود الإنشائي الذي هو موضوع اعتبار الأثر لدى الشارع الأقدس والعقلاء - موجود في الإيقاعات أيضاً؛ فإنّ الفكّ الإنشائي من الاعتبارات العقلائية الحاصل بإنشاء الفكّ، وهو موضوع للفكّ الحقيقي الذي هو أثره وإن كان اعتبارياً أيضاً.

فالتبادل الإنشائي موضوع لاعتبار التبادل الحقيقي ولو كان وجوده الحقيقي اعتبارياً، لكنّه غير الوجود الإنشائي المتحقّق في عقد الأصيل والفضولي، وهذا المعنى الإنشائي الموضوع للأثر موجود في الإيقاعات، وباقٍ اعتباراً إلى زمان لحوق الإجازة.

والشاهد على أنّ العقد عبارة عن هذا التبادل الإنشائي: - مضافاً إلى صدق التعاريف التي في البيع ونحوه عليه - أنّ التبادل الحقيقي لا واقعية له إلاّ باعتبار العقلاء، ولا يعقل إيجاد اعتبارهم؛ فإنّ له مبادئ خاصّ-ة، ولا واقعية للتبادل حتّ-ى يكون ذلك أثر إنشائهما، وليس إنشاؤهما مجرّد

ص: 144

لفظ خال عن المعنى، فلا يبقى إلاّ المعنى الإنشائي المستتبع للإيقاع الإنشائي.

فالمنشأ هو التبادل الإنشائي الإيقاعي، وهو موضوع لاعتبار التبادل الواقعي، وهو حاصل في العقود والإيقاعات، فجريان الفضولي فيها على القاعدة، لو قلنا: إنّه في العقود كذلك.

بل الظاهر جريان الفضولية فيها مع الغضّ عنه أيضاً؛ فإنّ القرار بين المتعاقدين، ليس إلاّ بناء كلّ منهما على كون ماله عوضاً عن مال صاحبه، فإذا اُنشئت المعاملة مع هذا البناء يقال: «إنّ القرار بينهما كذلك».

وهذا البناء بعينه موجود في الإيقاع؛ فإنّ منشئ الطلاق بناؤه على إيقاعه بلفظ كذا، فلو كان منشأ صحّة الفضولي - على القواعد - القرار والبناء من الطرفين، يكون منشأها في الإيقاع هو البناء من الشخص الواحد، لكنّ المبنى فاسد جدّاً.

والحاصل: أنّ العقد والإيقاع مشتركان في المبادئ الوجودية من التصوّر إلى إرادة الإيجاد، وفي الإنشاء، وأسباب الإنشاء، وفي حصول النتيجة بالإنشاء، فلو كان العقد لسببه مع ضمّ المتمّم، أو لوجوده الإنشائي - مع ضمّه - صار موافقاً للقواعد، كان الإيقاع كذلك، وظاهر أنّ المبادئ والنتائج خارجتان عن ماهية المعاملة، وستأتي تتمّة البحث إن شاء اللّه (1).

ويظهر الكلام ممّا ذكر على المبنى الرابع أيضاً.

ص: 145


1- - يأتي في الصفحة 150.

والظاهر عدم قيام دليل معتمد عليه على بطلان الفضولي فيها، والإجماع(1) غير ثابت حتّى في الطلاق والعتاق، بل ظاهر بعض النصوص جريانه في الطلاق(2).

هل العقد المقرون برضا المالك باطناً من دون إذن منه فضولي؟

وهل البيع المقارن لرضا المالك وطيب نفسه باطناً - من دون حصول إذن منه صريحاً، أو بالفحوى، أو بشاهد الحال - داخل في الفضولي أو لا؟

اختار الشيخ الأعظم قدّس سرّه ثانيهما، متمسّكاً بالأدلّة العامّة والخاصّة(3).

واختار بعضهم التفصيل بين ما يكون العقد صادراً من غير المالك، وما يكون صادراً منه، وإن احتاج إلى الإجازة كبيع الراهن والعبد؛ بدعوى أنّ الرضا في الأوّل لا يجعل عقد الغير عقده، فلا تشمله العمومات، مثل «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(4) الظاهر في وجوب الوفاء بالعقد الصادر منه، لا مطلق العقد(5).

وقد يقال: إنّ العقد بالمعنى المصدري وإن لم ينسب إلى الراضي ولا المجيز

ص: 146


1- - غاية المراد 3: 37؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 346؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 99؛ منية الطالب 2: 7.
2- - الفقيه 4: 227 / 722؛ وسائل الشيعة 26: 220، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 11، الحديث 4.
3- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 347 - 348.
4- المائدة (5): 1.
5- - حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 52 - 53؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 101.

في الفضولي بالرضا والإجازة؛ لأنّ انتساب الفعل إليهما لا بدّ فيه من التسبيب المفقود في المقام، لكن نفس العقد - بمعنى حاصل المصدر - يصير بالإجازة والرضا والإمضاء منسوباً إليه، وظاهر «أَوْفُوا...» وجوب الوفاء بعقودكم، لا بما عقدتم(1).

أقول: حقيقة الإجازة والإمضاء والإنفاذ في الفضولي عبارة عن تثبيت ما صدر عن الغير، فاعتبارها ملازم للحاظ صدور الفعل من الغير واعتبار كونه فعله، غاية الأمر أنّ المجيز ينفذ ما صدر من غيره في ماله، ومع مفروضية صدور البيع من الغير ولحاظ ذلك، لا يعقل صيرورة المجاز فعلاً له، سواء اُريد به الفعل بالمعنى المصدري، أو بمعنى حاصل المصدر.

ومع أنّ التفكيك بينهما غير وجيه، فكيف يمكن أن يكون العقد الصادر من الغير غير منسوب إلى الأصيل، وحاصله منسوباً إليه وعقداً له؟

والحاصل: أنّ الإجازة بنفسها تدفع انتساب الفعل إلى المجيز، فتصحيح الفضولي بما ذكر وجعله موافقاً للقواعد، غير وجيه.

في تصحيح عقد الفضولي وجعله موافقاً للقاعدة

لكن يمكن أن يقال: إنّ عقد الفضولي موافق للقواعد وإن لم تشمله العمومات؛ وذلك لأنّه عقد عقلائي، ومع لحوق الإجازة به صحيح لازم عند العقلاء، ومتعارف في سوق المسلمين؛ لأنّ عمل الدلاّلين كثيراً ما يكون من قبيله، لا من قبيل الوكالة، وبعد كونه عقلائياً متداولاً لدى العقلاء، لا بدّ في

ص: 147


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 77 - 78.

الحكم بفساده من ورود ردع عنه، ومع عدمه يحكم بصحّته ولزومه شرعاً أيضاً.

إلاّ أن يقال: إثبات تعارفه في الحال - فضلاً عن اتّصاله بعصر الشارع الأقدس - مشكل، ومجرّد ارتكاز العقلاء على عدم الفرق بينه مع لحوق الإجازة، وبين بيع الأصيل - مع عدم التعارف عملاً - لا يفيد.

والأولى أن يقال: إنّ بيع الفضولي مع مقارنته لرضا المالك مشمول لمثل «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(1) و«تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ»(2) لأنّ التقييد بعقودكم أو تجارتكم أو بيعكم ليس في الأدلّة، وإنّما هو من باب الانصراف، ولا تنصرف الأدلّة إلاّ عن أجنبيّ لا تنسب إليه المذكورات بوجه.

وأمّا العقود المأذون فيها والمجازة والمرضيّ بها، فلا وجه لانصرافها عنها، بعد كونها صحيحة لازمة عرفاً وفي محيط العقلاء.

ألا ترى: أنّه لو أذن المالك لغيره في عقد، فلا شبهة في صحّته وخروجه عن الفضولي، مع أنّ الإذن والرخصة لا يوجب أن يصير العقد عقده، لا بالتسبيب، ولا بالمباشرة، والإذن غير الوكالة، وغير الأمر المولوي من القاهر الغالب الموجب للسببية والصدق.

بل في الوكالة أيضاً لا يصدق كون الصادر من الوكيل عقداً للموكّل إلاّ مسامحة؛ فإنّ اعتبارها هو إيكال الأمر إلى غيره، ولهذا لو استفسر من المالك «أ نّك بنفسك بعت؟» لقال: «لا، بل باع وكيلي بإذني».

فالانتساب إلى الموكّل بنحو من المسامحة، وهو حاصل في الفضولي مع

ص: 148


1- المائدة (5): 1.
2- النساء (4): 29.

الإجازة، وسيأتي توضيح ذلك فانتظر(1).

وكذلك العقد مع رضا المالك، لا يكون عقده وإن انتسب إليه نحو انتساب، وهو كافٍ في الصحّة واللزوم عند العقلاء، فيحتجّون على صاحب المال «بأ نّك كنت راضياً به، وليس لك التخلّف والنقض».

وبالجملة: لا وجه لإخراج تلك العقود عن عموم الأدلّة وإطلاقها، وإنّما الخارج انصرافاً هو الأجنبيّ غير المربوط به العقد، فالعقود المجازة والمأذون فيها داخلة فيها كالعقود المرضيّ بها.

بل لو كانت الأدلّة: «أوفوا بعقودكم» و«أحلّ اللّه بيعكم» لكان إسراء الحكم إلى المذكورات جائزاً بإ لغاء الخصوصية عرفاً؛ فإنّ ما هو تمام الموضوع لوجوب الوفاء ونفوذ المعاملة لدى العرف، هو كون المعاملة برضا المالك وإذنه وإجازته، وصدور ألفاظ المعاملات وإنشائها منه أو من غيره سواء.

هذا مضافاً إلى ما قدّمناه في آية التجارة عن تراضٍ(2): من أنّ مقتضى علّية الباطل لحرمة الأكل - كما هو المتفاهم من المستثنى منه - ومقابلة التجارة عن تراضٍ مع الأكل بالباطل هو كون التجارة عن تراضٍ حقّاً مقابلاً للباطل، وهو السبب لجواز الأكل، كما هو المتفاهم عرفاً.

فذكر التجارة عن تراضٍ ليس لخصوصية فيها، بل لكونها فرداً شائعاً، فالخارج هو الأكل بالحقّ مقابل الباطل، وتشخيصهما موكول إلى العرف، ولا شبهة في أنّ البيع المرضيّ به والمجاز داخل في الحقّ لا الباطل.

ص: 149


1- - يأتي في الصفحة 152 - 154.
2- - تقدّم في الصفحة 125 - 127.

بل التحقيق أن يقال: إنّ في موارد تيقّن شمول الأدلّة - كالإيجاب والقبول من الأصيلين - يكون الإيجاب إنشاء تمام ماهية المعاملة؛ ضرورة أنّ البيع ليس إلاّ تمليك العين بالعوض، أو مبادلة مال بمال، والموجب بإيجابه ينشئ تمليك العين بالعوض، وهو أصيل بالنسبة إلى ماله، وفضولي بالنسبة إلى مال المشتري، والقبول ليس ركناً في تحقّق مفهوم العقد، بل هو بمنزلة إجازة بيع الفضولي، بل هو هي حقيقة.

وعدم ترتّب الأثر على الإيجاب قبل القبول، كعدم ترتّب الأثر على بيع الفضولي قبل الإجازة مع تحقّق مفهوم البيع بفعل الفضولي.

فالقبول إمضاء لبيع الفضولي، كما أنّ الإجازة في البيع الفضولي بمنزلة القبول؛ فإنّها إمضاء للبيع، وهو يحصل بالإيجاب.

وأمّا القبول في بيع الفضولي من الفضولي فهو لغو؛ لأنّه إمّا لتتميم مفهوم العقد، أو لترتيب الأثر عليه، وكلاهما منفيّان؛ فإنّ مفهومه حصل بالإيجاب فقط، والأثر موقوف على إجازة الأصيل، فالموجب في الفضولي يكون فضولياً من الطرفين، والقابل لا شأن له رأساً.

وإن شئت قلت: إنّ القبول في بيع الأصيلين إجازة متّصلة بالبيع الفضولي، والإجازة في الفضولي قبول متأخّر عن البيع، والقاعدة تقتضي الصحّة، ولا دليل على لزوم اتّصال الإجازة أو القبول به.

وما قيل: من لزوم التوالي بين الإيجاب والقبول(1)، إنّما هو لتوهّم أنّ القبول

ص: 150


1- - المبسوط 4: 362؛ قواعد الأحكام 3: 10؛ الدروس الشرعية 3: 191؛ اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 158.

دخيل في العقد وركن فيه، ومع ظهور خلافه لا وجه للزومه.

فالبيع الفضولي لا يشذّ بشيء إلاّ بتأخير القبول غالباً عن الإيجاب الذي هو تمام البيع، وعدم التوالي بينهما، والبيع غير الفضولي لا يزيد عن الفضولي إلاّ باتّصال الإجازة غالباً به.

نعم، قد لا يكون البيع فضولياً، كما إذا وكّل الطرفان شخصاً لإيقاعه، فحينئذٍ يكون الإيجاب كافياً، والقبول لغواً محضاً، فالبيع المحتاج إلى القبول فضولي ليس إلاّ، وما لا يحتاج إلى القبول غير فضولي.

ولو بادر المشتري وقال: «اشتريت مالك بكذا» لكان منشئاً لتمام ماهية المعاملة، ولو قال البائع: «قبلت» أو «أمضيت» ونحو ذلك، لصحّت وتمّت، وليس قول المشتري القبول المتقدّم، بل إيجاب.

فالإيجاب قد يكون من البائع، وقد يكون من المشتري، فإذا أوجب المشتري يكون أصيلاً بالنسبة إلى نفسه، فضولياً بالنسبة إلى البائع، وقبول البائع وإنفاذه كإنفاذ الفضولي، بل هو هو.

ففي مثل هذين الموردين ممّا هو مشمول للأدلّة بلا إشكال، لم يكن العقد عقداً للمشتري في الفرض الأوّل، وللبائع في الفرض الثاني، بل كلّ منهما أنفذ ما أوجد صاحبه؛ أي تمام ماهية العقد، فيظهر من ذلك عدم لزوم كون العقد عقده في لزوم الوفاء، بل يكفي الانتساب الحاصل بالإنفاذ والإجازة.

بل على القول المعروف: من أنّ العقد مركّب من الإيجاب والقبول، وكلاًّ

ص: 151

منهما ركن في حصوله(1)، لا يكون العقد والبيع عقداً وبيعاً للبائع ولا للمشتري؛ فإنّ الإيجاب إيجاب الموجب لا القابل، والقبول قبول القابل لا الموجب، والعقد المركّب منهما لا يعقل انتسابه تماماً إليهما، بل ينتسب إليهما؛ بمعنى إيجاد كلّ ركناً منه.

فالانتساب انتساب مجموع لمجموع، وهو حاصل في الفضولي، ولا سيّما على ما هو التحقيق: من أنّ قبول الفضولي لا أثر له رأساً.

وقد أشرنا سابقاً: إلى أنّ الإذن في عقد أو إيقاع أيضاً، لا يوجب صيرورة فعل الغير فعلاً للآذن(2)، مع أنّه مشمول للأدلّة بلا شبهة، بل الوكالة أيضاً كذلك، فشمول الأدلّة لمثل ما ذكرنا دليل على عدم توقّف الشمول على كون العقد أو الإيقاع عقداً أو إيقاعاً للمكلّف، بل يكفي حصولهما بإذنه، والإجازة والإذن يشتركان فيما عدا التقدّم والتأخّر.

فتحصّل من ذلك: أنّ عقد الفضولي موافق للقاعدة وكذا إيقاعه، ولا يتوقّف لزوم ترتّب الأثر إلاّ على الإجازة، ولا يلزم أن يكون العقد عقده أو الإيقاع إيقاعه.

وأمّا القائل بلزوم ذلك، فإمّا أن يدّعي أنّ العقد السببي - أي أسباب العقد - ينتسب إلى المجيز بعد الإجازة(3).

ص: 152


1- - اُنظر غنية النزوع 1: 214؛ مختلف الشيعة 5: 83؛ المختصر النافع: 118؛ الروضة البهيّة 3: 221.
2- - تقدّم في الصفحة 148.
3- - اُنظر بلغة الفقيه 2: 203 و316؛ البيع، (تقريرات المحقّق الكوهكمري) التجليل: 279 - 282.

أو يدّعي أنّ العقد بالمعنى المصدري لا ينتسب، بل حاصل المصدر ينتسب إليه بها (1).

أو يدّعي أنّ النتيجة المرغوب فيها - وهي الأثر - منسوبة بالإجازة إليه، وسمّاها حاصل المصدر المنفكّ عن المصدر في الاُمور الاعتبارية(2).

والكلّ مشترك في الضعف؛ فإنّ الانتساب المدّعى إن كان حقيقياً فالضرورة تدفعه، فإنّ الفعل الصادر من الغير وحاصله ونتيجته، لا يعقل أن يكون فعل الآخر حقيقة.

وإن كان على نحو المسامحة والدعوى، فشمول الأدلّة للفرد الادّعائي ممنوع؛ ضرورة ظهورها في الحقيقي من الأفراد.

مضافاً إلى ما تقدّم من أنّ سنخ الإجازة والإمضاء ينافي الانتساب والادّعاء(3)، وهذا واضح جدّاً.

ويختصّ الوسط بما تقدّم من عدم معقولية انفكاك المصدر من حاصله(4).

والأخير بما ذكر، وبأنّ ما سمّاه: «حاصل المصدر» ليس بصحيح، بل المصدر وحاصله واحد حتّى في الاُمور الاعتبارية، وفي المقام المنشأ بالإنشاء حاصل المصدر، وهو موجود إنشائي متّحد مع المصدر، ويختلف معه اعتباراً، وأمّا الأثر الحاصل بعد الإجازة فليس مصدراً ولا حاصله، كما لا يخفى.

ص: 153


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 77 - 79.
2- - منية الطالب 2: 8 - 10.
3- - تقدّم في الصفحة 147.
4- - تقدّم في الصفحة 147.

ويرد عليه أيضاً: أنّ الإجازة لو كانت موجبة لحصول الأثر عرفاً أو شرعاً، فلا معنى لدخالة استناد الأثر الحاصل إلى المتعامل في صحّة المعاملة، وتوقّف صيرورتها موافقة للقاعدة على الاستناد؛ لأنّ اعتبار الاستناد بعد حصول الأثر لغو.

ولو قيل بحصول الاستناد قهراً، فلا مجال لكونه دخيلاً في كونها موافقة للقاعدة، بل الالتزام بحصول الأثر بالإجازة التزام بعدم لزوم الاستناد في ترتّب الأثر.

نعم، يمكن أن يقال: إنّ الإجازة موجبة لاستناد العقد السببي أو المسبّبي - أي المنشأ بالأسباب - أو هما إلى المالك، وفي الرتبة المتأخّرة عنه يحصل الأثر عرفاً أو شرعاً، لكن القائل نفى ذلك الاستناد، والتزم بأنّ الأثر الحاصل مستند.

فحينئذٍ يقال: لو كان حصول الأثر متوقّفاً على الاستناد - حتّ-ى تصير المعاملة موافقة للقاعدة وتشملها الأدلّة - والاستناد متوقّفاً على حصول الأثر كما هو ظاهر كلامه، للزم الدور.

فالتحقيق: عدم اعتبار الاستناد بما ذكروه في شيء من المعاملات كما تقدّم(1).

ص: 154


1- - تقدّم في الصفحة 152.
الصّور المتصوّرة في بيع الفصولي
الصورة الاُولى في بيع الفضولي للمالك مع عدم سبق المنع
فيما يستدلّ به على صحّة هذا القسم من الفضولي
إشارة

وممّا ذكرنا في تقرير الأدلّة العامّة يظهر حال الفضولي إذا باع أو اشترى للمالك من دون سبق منع منه.

وأمّا ما قيل: من أنّ الاُمور الاعتبارية كالبيع ونحوه - قبال الاُمور الواقعية كالضرب والشتم - لمّا كان تحقّقها بالاعتبار، تصلح للاستناد إلى غير من صدرت منه، كالتزويج يصدر من الوكيل ويستند إلى الزوجين، فيمكن استناد البيع الفضولي إلى المالك بلحوق الإجازة، كما يستند إليه بالإذن والوكالة(1).

فغير وجيه؛ لأنّ العقد الإنشائي الاعتباري من الفضولي - قبل تحقّق الإجازة - أمر موجود باقٍ إلى زمانها، وهو منشأ بإنشاء الفضولي وفعله التسبيبي، والإجازة إمضاء وإنفاذ لفعله على مال المجيز، وهي لا تؤثّر إلاّ في صيرورة العقد الصادر من الغير مجازاً ومرضيّاً، لا صيرورته عقده كما تقدّم(2)، ومجرّد كونه اعتبارياً لا يوجب صيرورته بالإجازة عقده.

وعقد الزواج الصادر من الفضولي فعله وعقده، لا فعل الزوجين، لكنّ فعله

ص: 155


1- - البيع، (تقريرات المحقّق الكوهكمري) التجليل: 279 - 282.
2- - تقدّم في الصفحة 147.

هو التزويج بين الزوجين، فالزوجية الحاصلة بينهما فعل الفضولي، كما أنّ المبادلة بين مال الأصيلين فعل الفضولي، لا فعلهما.

واستدلّ لصحّة هذا القسم بروايات:

الاستدلال للصحّة برواية البارقي

منها: رواية عروة بن أبي الجعد البارقي، وهي رواية مسندة عند العامّة، محكيّة عن «صحاحهم»(1) حتّى «صحيح البخاري»(2) مشهورة عندهم وعند المتأخّرين من أصحابنا، وقالوا: إنّ اشتهارها بين الفريقين يغني عن النظر في سندها (3).

واستدلّ بها العلاّمة قدّس سرّه في «التذكرة»(4) ومحكيّ «المختلف»(5) وحكي عن شيخ الطائفة قدّس سرّه الاستدلال بها على صحّة الشراء(6)، ومع ذلك لا تطمئنّ النفس بجبرها.

فعن «مسند أحمد» بسنده عن عروة بن أبي الجعد البارقي قال: عرض لرسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) جلب، فأعطاني ديناراً وقال: «أي عروة، ائت

ص: 156


1- - سنن أبي داود 2: 276 / 3384؛ سنن ابن ماجة 2: 803 / 2402؛ سنن الترمذي 2: 365 / 1276.
2- - صحيح البخاري 5: 58 / 166.
3- جواهر الكلام 22: 277؛ بلغة الفقيه 2: 203.
4- - تذكرة الفقهاء 10: 14.
5- - مختلف الشيعة 5: 86.
6- - الخلاف 3: 354، مسألة 22.

الجلب(1) فاشتر لنا شاة».

فأتيت الجلب فساومت صاحبه، فاشتريت منه شاتين بدينار، فجئت أسوقهما - أو قال: أقودهما - فلقيني رجل فساومني، فأبيعه شاة بدينار، فجئت بالدينار وجئت بالشاة فقلت: يا رسول اللّه، هذا ديناركم، وهذه شاتكم.

قال: «وصنعت كيف؟».

قال: فحدّثت الحديث.

فقال: «اللهمّ بارك له في صفقة يمينه...»(2).

وعن «أمالي ابن الشيخ» عن حكيم بن حزام: أنّ النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم) دفع إليه ديناراً وقال: «اشتر لنا به شاة».

فاشترى به شاة، ثمّ باعها بدينارين، ثمّ اشترى اُخرى بدينار، فجاء إلى النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم) بشاة ودينار.

فقال له النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «بارك اللّه في صفقة يمينك»(3).

وعن ابن حمزة في «ثاقب المناقب» نسبتها إلى عروة(4) فهي قضيّتان من عروة، أو منه ومن حكيم.

وكيف كان: فالمحتمل من قوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم) في رواية عروة: «فاشتر لنا شاة» أنّ

ص: 157


1- - الجلب: الذي يجلب الإبل والغنم للبيع؛ اُنظر لسان العرب 2: 314.
2- - المسند، أحمد بن حنبل 14: 451 / 19257.
3- - الأمالي، الطوسي: 399 / 890؛ بحار الأنوار 100: 136 / 4؛ اُنظر البيع، (تقريرات المحقّق الكوهكمري) التجليل: 297 - 298.
4- - الثاقب في المناقب: 112 / 108؛ مستدرك الوسائل 13: 245، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 18، الحديث 1.

المراد اشتراء جنس الشاة - ولو متعدّدة - بدينار.

أو اشتراء شاة تساوي قيمتها ديناراً؛ أي تكون صحيحة سمينة مساوية للدينار.

أو اشتراء شاة بتمام الدينار، لا من باب تعلّق غرضه بوحدتها كما في الاحتمال المتقدّم، بل لاحتمال أنّ قيمتها كذلك.

أو اشتراء شاة واحدة ببعض الدينار أو كلّه، وكان غرضه اشتراء شاة واحدة، لا مساواة قيمتها للدينار، وإعطاء دينار واحد؛ لعدم احتمال زيادة قيمة الشاة عليه، وما عدا الاحتمال الأخير خلاف ظاهرها.

لكن على الأوّل: لا يكون الشراء فضولياً.

وعلى الثاني: فضولياً.

وعلى الثالث: لا يبعد عدم الفضولية؛ لدلالة الكلام بالفحوى على الإذن في شرائهما.

وعلى الرابع الذي هو الظاهر: فإن اشتراهما تدريجاً وقع الأوّل غير فضولي، والثاني فضولياً، لكنّه خلاف الظاهر.

وإن اشتراهما صفقة واحدة كما هو الظاهر، تحتمل الفضولية بالنسبة إلى واحدة غير معيّ-نة، وعدمها في واحدة كذلك، بناءً على صحّة مملوكية الشيء المردّد واقعاً، كما التزم الفقهاء بأمثاله(1)، أو بناءً على حصول الملكية بعد الإجازة حتّى في غير الفضولي؛ أخذاً بأدلّة إنفاذ العقود بقدر الممكن، والالتزام

ص: 158


1- - اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 31.

بتوقّف تأثيرها في حصول الملكية على ما يرفع به الإبهام.

ولو فرض عدم الإجازة، يرجع إلى القرعة بين المالك الأوّل والثاني، فتكون القرعة - بحكم العقل - متمّماً للسبب، وهذا أقوى الاحتمالات لو صحّ ما ذكرناه من عدم الإشكال أو رفعه على فرضه.

وأمّا احتمال الصحّة الفعلية بالنسبة إليهما، أو الصحّة بنحو الإشاعة، أو صحّة أحدهما المعيّن فعلاً، وفضولية الآخر كذلك، فلا سبيل إليها.

نعم، لو بطل الاحتمال المتقدّم لا مجال إلاّ لاحتمال آخر، وهو فضوليتهما معاً؛ لعدم الطريق إلى التصحيح، وعدم وجه للبطلان مطلقاً؛ أي عدم صلوح لحوق الإجازة به، فلا محيص من القول بالصحّة مع لحوق الإجازة، وبالفساد فيهما مع عدمه.

ثمّ على فرض كون شرائهما أو شراء إحداهما فضولياً، وبيع إحداهما كذلك، لا يمكن تصحيحهما بإجازة واحدة عرضاً؛ لأنّ إجازة المعاملة الثانية إنّما تصحّ وتوجب خروج الشاة عن ملك النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم)، لو صارت الشاة بإجازة الشراء ملكاً له، فالإجازة الواحدة لا تصلح لدخول الشاة في ملكه، ثمّ خروجها عن ملكه.

وهذا نظير ما يقال في تكرار تكبيرة الإحرام: من أنّ التكبيرة الثانية لا يمكن أن تكون مخرجة من الصلاة التي بيده، ومدخلةً في صلاة اُخرى؛ لأنّ الدخول في الثانية مترتّب على الخروج من الاُولى(1).

إلاّ أن يقال في المقام: إنّ الإجازة المستفادة من دعاء النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم) تلحق

ص: 159


1- - اُنظر جواهر الكلام 9: 222.

بالمعاملة الاُولى؛ أي الشراء، والرضا المتحقّق في الآن الثاني بالمعاملة الثانية - المستكشف من دعائه أيضاً - موجب لصحّة الثانية.

ما استشكل على رواية البارقي

ثمّ إنّه قد يرد الإشكال عليها: بأنّها مشتملة على أخذ الشاتين وإقباض الدينار في المعاملة الاُولى، وإقباض الشاة وأخذ ثمنها في الثانية، فعلى فضوليتهما - كما هي الأظهر - ليس له ذلك، وعلى فضولية الثانية ليس له الأخذ والإعطاء فيها، مع أنّ دعاء النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم) له يدلّ على عدم ارتكابه الحرام.

وأجاب عنه الشيخ الأعظم قدّس سرّه: بأنّ هذا البيع لمّا كان مقروناً برضا النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم) فهو خارج عن الفضولي، كما مرّ(1).

وفيه: أنّ ما يوجب الخروج عن الفضولي هو الرضا الفعلي، ولو بوجوده في النفس مع عدم الالتفات إليه تفصيلاً، إمّا لأجل أنّه يجعل البيع بيعه كما قيل(2)، أو لأجل دخوله في العمومات كما قلنا (3)، وأمّا الرضا التقديري(4) - بمعنى أنّه على فرض التفاته إلى المعاملة وتشخيص الصلاح فيها يرضى بها - فهو لا يوجب الخروج عنه بلا إشكال.

ص: 160


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 352 - 353.
2- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 78 - 79؛ منية الطالب 2: 8 - 10؛ البيع، (تقريرات المحقّق الكوهكمري) التجليل: 281.
3- تقدّم في الصفحة 148 و152.
4- - الإجارة، المحقّق الرشتي: 184 / السطر 13.

والظاهر من الرواية أنّ النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم) لم يكن عالماً بكيفية شرائه وبيعه، حيث قال (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «وصنعت كيف؟» فحدّثه الحديث فقال: «اللهمّ بارك...» إلى آخره.

وقد يقال: إنّ الرواية لا تدلّ على إعطائه الدينار لصاحب الشاتين، ولا إعطاء الشاة لمشتريها، بل تدلّ على أخذ الشاتين من البائع، وأخذ الدينار من المشتري، وهو برضاهما، وإن كان لأجل جهلهما بالفضولية فلا يكون حراماً (1).

وفيه: - مضافاً إلى أنّ الظاهر من ذيل رواية «مسند أحمد» حيث قال: «هذا ديناركم، وهذه شاتكم»(2) أنّ عنده ديناراً واحداً وشاة واحدة، ومضافاً إلى الجزم بوقوع الأخذ والإعطاء في المعاملتين، وإلاّ كان عليه البيان، وأن لا يسكت عنه - أنّ أخذ الشاتين في الاُولى، وأخذ الدينار في الثانية، كان أخذاً بعنوان العمل بالمعاملة، كالمقبوض بالبيع الفاسد، وهو غير الرضا بالتصرّف في ماله.

وقد قلنا في المقبوض بالبيع الفاسد: إنّ الرضا بالمعاملة غير الرضا بالتصرّف في ماله، بل لا معنى لهذا الرضا في المعاملات؛ لأنّ البيع مثلاً موجب لخروج المبيع عن ملك البائع، فلا يعقل في هذا الفرض إجازة التصرّف في المبيع؛ فإنّه إجازة تصرّف الغير في مال نفسه، والبائع أجنبيّ عن هذه الإجازة، فلا يعقل منه الجدّ في الإجازة(3).

وأمّا الرضا التقديري - بمعنى أنّه على فرض علمه بالبطلان أو علمه بفضولية

ص: 161


1- مقابس الأنوار: 123 / السطر 8 - 10.
2- - تقدّم في الصفحة 157.
3- - تقدّم في الجزء الأوّل: 367.

الشراء والبيع يكون راضياً بأخذه وتصرّفه - فهو مبنيّ على جواز التصرّف في مال الغير بلا رضا فعلي منه، وبلا طيب نفسه كذلك، وكفاية الطيب والرضا التقديري، وهو خلاف ظواهر الأدلّة، كقوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ بطيبة نفس منه»(1)، وقوله (عليه السّلام): «لا يحلّ لأحدٍ أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه»(2) الظاهر في فعلية الرضا والطيب أو الإذن.

إلاّ أن يقال: إنّ بناء العقلاء والمتشرّعة على التصرّف في أموال الغير مع إحراز الرضا التقديري، وهو غير ثابت، نعم، الرضا الارتكازي كافٍ.

ويمكن أن يقال: لا إشكال في أنّ الظاهر منها ومن رواية حكيم بن حزام صحّة الفضولي، وهذا الإشكال - أي إشكال حرمة التصرّف في مال الغير بلا إذنه - قابل للدفع:

أمّا على الكشف الحقيقي أو الحكمي - بمعنى الكشف عن الحكم الشرعي من أوّل الأمر - فواضح، وكذا على القول بجوازه مع الرضا التقديري.

نعم، على النقل الحقيقي أو الحكمي - بمعنى النقل في الحين من أوّل الأمر - يرد الإشكال، ويمكن دفعه بالحمل على اعتقاده بالرضا الفعلي.

وبالجملة: لا يجوز طرح الرواية بهذا الإشكال القابل للدفع بوجه.

ص: 162


1- - الفقيه 4: 66 / 195؛ وسائل الشيعة 5: 120، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 3، الحديث 1؛ و29: 10، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 1، الحديث 3.
2- - كمال الدين: 520 / 49؛ الاحتجاج 2: 559؛ وسائل الشيعة 9: 540، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 3، الحديث 7.
الاستدلال للصحّة بصحيحة محمّد بن قيس

ومنها: صحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في وليدة باعها ابن سيّدها وأبوه غائب، فاشتراها رجل، فولدت منه غلاماً، ثمّ قدم سيّدها الأوّل، فخاصم سيّدها الأخير، فقال: هذه وليدتي باعها ابني بغير إذني.

فقال: خذ وليدتك وابنها، فناشده المشتري.

فقال: خذ ابنه - يعني الذي باع الوليدة - حتّى ينفذ لك ما باعك.

فلمّا أخذ البيّع الابن قال أبوه: أرسل ابني.

فقال: لا اُرسل ابنك حتّى ترسل ابني.

فلمّا رأى ذلك سيّد الوليدة الأوّل أجاز بيع ابنه»(1).

وهي كالصريحة في الدلالة على صحّة الفضولي بلحوق الإجازة، ولا إشكال فيها من هذه الجهة.

والإشكالات التي أوردوها عليها (2) غير معتنى بها، إلاّ الإشكال بأنّ الظاهر من فقراتها ردّ السيّد هذا البيع(3)، مع أنّ الإجماع قام على عدم

ص: 163


1- - الكافي 5: 211 / 12؛ الفقيه 3: 140 / 615؛ تهذيب الأحكام 7: 488 / 1960؛ وسائل الشيعة 21: 203، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد والإماء، الباب 88، الحديث 1.
2- راجع حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 110 - 111؛ غاية الآمال، المحقّق المامقاني 6: 34؛ منية الطالب 2: 12 - 13.
3- - راجع المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 354.

صحّة لحوق الإجازة بعد الردّ(1)، بل هو مقتضى القواعد أيضاً، فأجابوا عنه بوجوه(2).

والأولى أن يقال: إنّ القضيّة إن كانت من قضايا أمير المؤمنين (عليه السّلام)، وفصله الخصومة بموازين القضاء كما هو الظاهر، لا من قبيل بيان الأحكام كما هو المحتمل أيضاً، فلا شبهة في عدم ذكر كيفية الخصومة وطرح الدعوى وكيفية فصلها، بل ليس فيها إلاّ وقوع خصومة بين السيّدين في الوليدة، وقول السيّد الأوّل: إنّ هذه وليدتي باعها ابني بغير إذني.

فلا دلالة فيها على أنّ النزاع في أنّ الوليدة منه أو من ابنه، أو في أنّ البيع وقع بإذنه أو لا، أو في أنّ الثمن لا بدّ من ردّه إليه لا إلى الولد أو لا.

وعلى أيّ حال: كان الحقّ في القضاء مع السيّد الأوّل بوجه من وجوه فصل الخصومة.

والأمر بأخذ الوليدة وابنها يمكن أن يكون لأجل ردّ المعاملة، أو لأجل عدم الإذن مع الكراهة، أو عدمه بلا كراهة؛ إذ مع كلّ منها يجوز أخذهما:

أمّا الوليدة فلكونها قبل الإجازة ملكاً له.

وأمّا ابنها فلجواز أخذه حتّى يردّ قيمته، سواء أجاز المعاملة أو ردّها، كما هو مقتضى غيرها من الروايات.

ص: 164


1- - جواهر الكلام 22: 278؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 354 و426.
2- - راجع المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 355؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 111 - 112؛ حاشية المكاسب، المحقّ-ق الأصفهاني 2: 86؛ منية الطالب 2: 14 - 15.

كموثّقة سماعة(1) قال: سألت أبا عبداللّه (عليه السّلام) عن مملوكة أتت قوماً وزعمت أنّها حرّة، فتزوّجها رجل منهم وأولدها، ثمّ إنّ مولاها أتاهم، فأقام عندهم البيّنة أنّها مملوكة، وأقرّت الجارية بذلك.

قال: «تدفع إلى مولاها هي وولدها، وعلى مولاها أن يدفع ولدها إلى أبيه بقيمته يوم يصير إليه».

قلت: فإن لم يكن لأبيه ما يأخذ ابنه به؟

قال: «يسعى أبوه في ثمنه حتّى يؤدّيه ويأخذ ولده».

قلت: فإن أبى الأب أن يسعى في ثمن ابنه؟

قال: «فعلى الإمام أن يفتديه، ولا يملك ولد حرّ»(2).

كما أنّ أخذ البائع فضولاً جائز لأخذ قيمة الوليدة وابنها؛ لأنّه غارّ يرجع إليه المغرور فيما ورد عليه بغروره، ويجوز له حبسه لأخذها مع إذن الإمام (عليه السّلام).

وبالجملة: إنّ الرواية ظاهرة الدلالة في صحّة بيع الفضولي وصحّة لحوق الإجازة به، ولا دلالة فيها على الردّ بوجه؛ لعدم معلومية كيفية المخاصمة ومحطّ النزاع.

ص: 165


1- - الرواية موثّقة بسماعة؛ فإنّه قال النجاشي في شأنه: «ثقة ثقة»، وقال الشيخ في رجاله: «واقفي». لكنّ المصنّف عبّر في موردين من كتاب طهارته: ب- «موثّقة سماعة» أو «صحيحته». راجع رجال النجاشي: 193 / 517؛ رجال الطوسي: 337 / 4؛ الطهارة، الإمام الخميني قدس سره: 277، و3: 175.
2- - تهذيب الأحكام 7: 350 / 1429؛ وسائل الشيعة 21: 187، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد والإماء، الباب 67، الحديث 5.

بل لا دلالة فيها على كراهته لتلك المعاملة؛ لاحتمال كون رضاه معلّقاً على وصول قيمة الوليدة إليه، فإنّ الظاهر أنّ الولد باعها وأخذ قيمتها وتلفت عنده في تلك المدّة الكثيرة، بل الظاهر أنّ حاجته إلى ثمنها ألجأته إلى بيعها، فلا ظهور لواحد من فقراتها في ردّه البيع، ولا في كراهته له، فلا يصحّ طرح الصحيحة الظاهرة أو الصريحة بمجرّد الاحتمالات والتخريصات.

بل الظاهر أنّ صحّة الإجازة في تلك القضيّة الشخصية كانت مفروغاً عنها من غير تعبّد فيها:

إمّا لكونها أمراً عقلائياً وطريقاً لتخلّص المشتري عرفاً، كما هو الظاهر.

أو أمراً تعبّدياً ثابتاً قبل القضيّة معهوداً بين المتخاصمين.

ثمّ الكلام في أنّ الإجازة بعد الردّ مفيدة أو لا؟ وأنّ مقتضى القواعد ما هو؟ وأنّ الإجماع المدّعى ثابت أو لا؟ موكول إلى محلّه(1).

الاستدلال للصحّة بروايات نكاح العبيد

ومنها: الأخبار المستفيضة الواردة في باب النكاح، كصحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّده.

فقال: «ذاك إلى سيّده، إن شاء أجازه، وإن شاء فرّق بينهما».

قلت: أصلحك اللّه، إنّ الحكم بن عتيبة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون: إنّ أصل النكاح فاسد، ولا تحلّ إجازة السيّد له.

ص: 166


1- - يأتي في الصفحة 301.

فقال أبو جعفر (عليه السّلام): «إنّه لم يعصِ اللّه، إنّما عصى سيّده، فإذا أجازه فهو له جائز»(1).

وكرواية اُخرى منه، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل تزوّج عبده امرأة بغير إذنه فدخل بها، ثمّ اطّلع على ذلك مولاه.

قال: «ذلك لمولاه، إن شاء فرّق بينهما، وإن شاء أجاز نكاحهما...».

إلى أن قال: فقلت لأبي جعفر (عليه السّلام): فإنّه في أصل النكاح كان عاصياً؟

فقال أبو جعفر (عليه السّلام): «إنّما أتى شيئاً حلالاً، وليس بعاصٍ للّه، إنّما عصى سيّده ولم يعصِ اللّه، إنّ ذلك ليس كإتيان ما حرّم اللّه عليه من نكاح في عدّة وأشباهه»(2).

وجه الاستدلال بها على وجه لا يرد عليه ما أوردوا عليها (3): هو أنّ قوله في الصحيحة: مملوك تزوّج بغير إذن سيّده، ظاهر في أنّ المملوك - مع أنّه ليس له التصرّف إلاّ بإذن صاحبه - تزوّج بلا إذنه، فالشبهة في أنّ التصرّف بلا إذن المالك

غير نافذ من غير نظر إلى النكاح.

ص: 167


1- - الكافي 5: 478 / 3؛ الفقيه 3: 350 / 1675؛ تهذيب الأحكام 7: 351 / 1432؛ وسائل الشيعة 21: 114، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد والإماء، الباب 24، الحديث 1.
2- - الكافي 5: 478 / 2؛ الفقيه 3: 283 / 1349؛ تهذيب الأحكام 7: 351 / 1431؛ وسائل الشيعة 21: 115، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد والإماء، الباب 24، الحديث 2.
3- هداية الطالب 3: 41؛ البيع، (تقريرات المحقّ-ق الكوهكمري) التجليل: 306؛ حاشية المكاسب، المحقّق الهمداني: 198.

ويظهر من الجواب أنّ تصرّفه فضولي، والإجازة محوّلة إلى سيّده، فالشبهة في أنّ المملوك ليس له التصرّف في ملك الغير - أي في نفسه - بنكاح وغيره، والجواب: أنّه كذلك، لكن ذلك لا يوجب إلغاء كلامه وإنشائه، بل هو فضولي يصحّ بإجازة المالك، فيظهر منه أنّ تصرّفات الأجنبيّ لا تكون ملغاة، بل تصلح للحوق الإجازة بها من غير نظر إلى النكاح وغيره.

وإن شئت قلت: إنّ الشبهة في ذلك إمّا من جهة أنّ المملوك عبد «لاَ يَقدِرُ عَلَى شَىْ ءٍ»(1) وإنشاء النكاح شيء، فإذا كان ملغىً تشريعاً لا يمكن لحوق الإجازة به.

أو من جهة أنّه غير مستقلّ في التصرّف، وتصرّفه محتاج إلى الإذن.

أو من جهة أنّه مملوك للغير، والنكاح تصرّف في مال الغير بغير إذن صاحبه.

وعلى أيّ حال: يستفاد منه أنّ العقد غير ملغىً، ولا تضرّه محجورية العبد، ولا عدم استقلاله، ولا من حيث التصرّف في مال الغير من غير ربط بالتزويج والنكاح.

وهذا ليس من جهة إلغاء الخصوصية، بل من جهة أنّ وجه السؤال معلوم من الرواية.

ويمكن الاستدلال بها بوجه آخر، وهو أنّ زرارة حكى فتوى الحكم، والنخعي، بأنّ أصل النكاح فاسد، ولا تحلّ إجازة السيّد له، ولم يذكر وجه فتواهما، فأجاب أبو جعفر (عليه السّلام): ب- «أنّه لم يعصِ اللّه، إنّما عصى سيّده، فإذا أجازه فهو له جائز».

ص: 168


1- النحل (16): 75.

فيظهر منه أنّ الوجه في عدم الجواز منحصر بعصيان اللّه تعالى، وهو غير محقّق، وأمّا عصيان السيّد فهو لا يوجب إلغاء الإنشاء، بل لحوق إجازته موجب لصحّته، فيظهر منه أنّ مخالفة العبد لسيّده موجبة لعدم النفوذ الفعلي لا مطلقاً.

فيظهر من السؤال والجواب أنّ الوجه في البطلان منحصر بمخالفة اللّه، التي لا يمكن أن تجبر بالإجازة، وأمّا مخالفة السيّد فقابلة للجبران بالإجازة.

بل الظاهر أنّ جهة الفضولية لم تكن وجهاً للشبهة والبطلان حتّى لدى العامّة، وإلاّ فمجرّد عدم عصيان اللّه لا يدفع إشكالهم إن كانت الفضولية أيضاً موجبة للبطلان، فكأنّ قولهم: لا تحلّ إجازة السيّد، مبنيّ على أنّ مخالفة اللّه لا ترفع بإجازة السيّد.

فأجاب: بأنّ العصيان ليس في أصل النكاح، بل في مخالفة السيّد، وهي لا توجب البطلان:

أمّا من حيث الحرمة، فلأنّها لا تتعلّق بعنوان النكاح حتّى يقال: حرمة النكاح دليل على بطلانه، أو حرمته تنافي تنفيذه، بل تعلّقت بعنوان مخالفة المولى، ولا يمكن سراية الحكم من عنوان إلى عنوان آخر، كما فصّلناه في محلّه(1).

وأمّا من حيث الفضولية، فإنّها لا توجب البطلان المطلق، بل توجب الوقوف على الإجازة، فكأنّ صحّة الفضولي كانت مفروغاً عنها لدى الفريقين.

ص: 169


1- - مناهج الوصول 2: 111.

وبالجملة: إنّ الشبهة لم تكن مربوطة بالنكاح حتّى يتمسّك بالأولوية.

وأمّا التمسّك بالأولوية، فتارة: من جهة أنّ العبد في هذا التزويج محجور عليه، وفعله فضولي، فإذا صحّ ذلك صحّ ما كان فضولياً فقط(1).

وفيه: أنّ ذلك موجب لصحّة نكاح الفضولي من غير العبد، لا سائر المعاملات.

واُخرى: ما أشار إليه الشيخ الأعظم قدّس سرّه حاكياً عن غيره: بأنّ تمليك بضع الغير إذا لزم بالإجازة، كان تمليك ماله أولى، مضافاً إلى ما علم من شدّة الاهتمام في عقد النكاح؛ لأنّه يكون منه الولد(2).

وفيه: - مضافاً إلى أنّ التعبير بتمليك البضع غير وجيه حتّى في تزويج الإماء، فضلاً عن غيرهنّ - أنّ الاهتمام بأمر الفروج لا يوجب التضييق في أسبابه، بل لعلّه موجب لتوسعتها؛ لئلاّ يقع الناس في السفاح، وهذا الاحتمال المعتدّ به موجب لعدم صحّة دعوى الأولوية.

وأمّا شدّة الاهتمام في عقد النكاح فلا دليل عليها، بل الدليل على خلافها،كما في رواية تزويج آدم حوّاء، ففيها: «وقد زوّجتكها فضمّها إليك»(3).

وفي رواية تزويج رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) الامرأة التي جاءت إليه وقالت: زوّجني، قال (صلّی الله عليه وآله وسلّم) مخاطباً الزوج: «قد زوّجتكها على ما تحسن من القرآن، فعلّمها

ص: 170


1- - مقابس الأنوار: 126 / السطر 22؛ اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 89.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 356.
3- - الفقيه 3: 239 / 1133؛ علل الشرائع: 17 / 1؛ وسائل الشيعة 20: 261، كتاب النكاح، أبواب عقد النكاح، الباب 1، الحديث 1.

إيّاه»(1)... إلى غير ذلك ممّا يظهر منها عدم شدّة الاهتمام في عقد النكاح(2).

ثمّ على فرض تمامية دعوى الأولوية، ربّما يقال،: بوهنها بالنصّ الوارد في الوكالة ردّاً على العامّة(3)، وهو رواية العلاء بن سيابة قال: سألت أبا عبداللّه (عليه السّلام) عن امرأة وكّلت رجلاً بأن يزوّجها...

إلى أن قال قلت: نعم، يزعمون أنّها لو وكّلت رجلاً وأشهدت في الملأ، وقالت في الخلأ(4): اشهدوا أ نّي قد عزلته وأبطلت وكالته بلا أن تعلم بالعزل، وينقضون جميع ما فعل الوكيل في النكاح خاصّة، وفي غيره لا يبطلون الوكالة إلاّ أن يعلم الوكيل بالعزل.

ويقولون: المال منه عوض لصاحبه، والفرج ليس منه عوض إذا وقع منه ولد.

فقال: «سبحان اللّه، ما أجور هذا الحُكم وأفسده ! إنّ النكاح أحرى أن يحتاط فيه، وهو فرج، ومنه يكون الولد»(5).

ثمّ ذكر قضاء أمير المؤمنين (عليه السّلام) في مثل القضيّة، وعدم إبطاله الوكالة قبل وصول العزل.

ص: 171


1- - الكافي 5: 380 / 5؛ تهذيب الأحكام 7: 354 / 1444؛ وسائل الشيعة 20: 262، كتاب النكاح، أبواب عقد النكاح، الباب 1، الحديث 3، و21: 242، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 2، الحديث 1.
2- - راجع وسائل الشيعة 20: 262، كتاب النكاح، أبواب عقد النكاح، الباب 1.
3- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 356.
4- - كذا في الطبعة الحجرية من وسائل الشيعة، لكن في الوسائل طبع آل البيت «النملأ».
5- - الفقيه 3: 48 / 168؛ تهذيب الأحكام 6: 214 / 506؛ وسائل الشيعة 19: 163، كتاب الوكالة، الباب 2، الحديث 2.

قال الشيخ الأعظم قدّس سرّه ما حاصله: أنّ مقتضى الاحتياط كون النكاح الواقع أولى بالصحّة من البيع من حيث الاحتياط المتأكّد في النكاح دون غيره، فدلّ على أنّ صحّة البيع تستلزم صحّة النكاح بطريق أولى، خلافاً للعامّة، حيث عكسوا وحكموا بصحّة البيع دون النكاح.

ثمّ ذكر وجه جعل الإمام (عليه السّلام) الاحتياط في النكاح بإبقائه؛ بأنّ مع الحكم بالصحّة يلزم الزنا بامرأة غير ذات البعل على فرض فساده، بخلاف الحكم بالفساد؛ فإنّه على فرض صحّته يلزم الزنا بذات البعل(1).

وأنت خبير: بأنّ حكم العامّة بفساد الوكالة في النكاح قبل وصول العزل، وعدم فسادها في غيره، لم يكن لأجل الاحتياط على ما يستفاد من الرواية، بل لأجل استحسان أنّ الفرج ليس له عوض، والمال له عوض، فلا وجه لجعل قول الإمام (عليه السّلام): «إنّ النكاح أحرى أن يحتاط فيه» ردّاً عليهم من هذه الجهة.

بل الظاهر أنّ مراده أنّه إذا لم يكن في مثل الوكالة المذكورة نصّ، لا يصحّ الحكم بالاستحسان والاجتهاد، بل لا بدّ من الاحتياط، لا الحكم بالصحّة ولا الفساد، ولم يذكر طريق الاحتياط، فإنّه إمّا بتجديد النكاح، أو بالطلاق.

فالمراد أنّ النكاح حريّ بالاحتياط، أو أحرى من كلّ شيء بالاحتياط، ولهذا ذكر قضاء علي (عليه السّلام)؛ ردّاً عليهم بأنّ اجتهادهم باطل، بل لا بدّ من الحكم بالصحّة لقول النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «إنّ علياً (عليه السّلام) أقضاكم»(2).

ص: 172


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 357 - 358.
2- - راجع إحقاق الحقّ 4: 321 و382، و15: 367 - 374؛ الغدير 3: 96.

فلا يوجب النصّ المذكور وهناً في روايات النكاح، على فرض استفادة الحكم منها بالأولوية.

ثمّ إنّ روايات نكاح العبيد على طائفتين:

إحداهما ما مرّ الكلام فيها (1).

وثانيتهما: ما وردت في نكاح أحد الشريكين مملوكه بلا إذن صاحبه، كرواية عبيد بن زرارة، عن أبي عبداللّه (عليه السّلام): في عبد بين رجلين، زوّجه أحدهما والآخر لا يعلم، ثمّ إنّه علم بعد ذلك، أ له أن يفرّق بينهما؟

قال: «للذي لم يعلم ولم يأذن أن يفرّق بينهما، وإن شاء تركه على نكاحه»(2).

ورواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن مملوكة بين رجلين، زوّجها أحدهما والآخر غائب، هل يجوز النكاح؟

قال: «إذا كره الغائب لم يجز النكاح»(3).

ولا يرد على هذه الطائفة ما توهّم وروده على الاُولى: من كونه نظير بيع الراهن، فلا يستفاد منها بيع غير المالك(4)؛ فإنّ المتزوّج فيهما المولى لا المملوك.

ص: 173


1- تقدّم في الصفحة 166.
2- - الفقيه 3: 289 / 1374؛ تهذيب الأحكام 8: 207 / 732؛ وسائل الشيعة 21: 116، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد والإماء، الباب 25، الحديث 1.
3- - مسائل علي بن جعفر: 124 / 87؛ قرب الإسناد: 250 / 991؛ تهذيب الأحكام 8: 200 / 704؛ وسائل الشيعة 21: 190، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد والإماء، الباب 70، الحديث 1.
4- - هداية الطالب 3: 41.

واحتمال كونه بإذن المملوك والمملوكة ضعيف؛ ضرورة أنّ إذنهما غير معتبر.

مضافاً إلى أنّ ترك الاستفصال دليل على عدم الفرق بين ما إذا كان بإذنهما أو لا.

كما أنّ احتمال كون قوله (عليه السّلام): «إذا كره الغائب» يراد به الكراهة حين جريان العقد حتّى يدلّ على بطلان الفضولي لا صحّته، ضعيف؛ ضرورة أنّ قوله: والآخر غائب، كناية عرفاً عن عدم إذنه ورضاه حال العقد؛ لعدم احتمال كون الغيبة بنفسها دخيلة في فساد المعاملة.

فقوله: والآخر غائب، يراد به عدم الإذن والرضا، وهو قرينة على أنّ قوله (عليه السّلام): «إذا كره الغائب» يراد به الكراهة حين الاطّلاع على التزويج، فدلالتهما على صحّة الفضولي في النكاح بلا إشكال.

كما أنّ فهم العرف منهما صحّة مطلق الفضولي أيضاً، لا تنبغي الشبهة فيه؛ ضرورة أنّ مساق السؤال والجواب هو جهة التصرّف في مال الغير بلا إذنه، من غير نظر إلى النكاح.

الاستدلال للصحّة بروايات تزويج الأولياء للصغير

ومنها: روايات تزويج الأولياء العرفيين للصغير أو الصغيرة، كصحيحة أبي عبيدة الحذّاء قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن غلام وجارية زوّجهما وليّان لهما وهما غير مدركين.

قال: فقال: «النكاح جائز، أ يّهما أدرك كان له الخيار، فإن ماتا قبل أن يُدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر، إلاّ أن يكونا قد أدركا ورضيا».

ص: 174

قلت: فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟

قال: «يجوز ذلك عليه إن هو رضي».

قلت: فإن كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية ورضي النكاح، ثمّ مات قبل أن تدرك الجاريه، أترثه؟

قال: «نعم، يعزل ميراثها منه حتّى تدرك، وتحلف باللّه بأنّه ما دعاها إلى أخذ الميراث إلاّ رضاها بالتزويج، ثمّ يدفع إليها الميراث، ونصف المهر».

قلت: فإن ماتت الجارية ولم تكن أدركت، أيرثها الزوج المدرك؟

قال: «لا؛ لأنّ لها الخيار إذا أدركت».

قلت: فإن كان أبوها هو الذي زوّجها قبل أن تدرك؟

قال: «يجوز عليها تزويج الأب، ويجوز على الغلام، والمهر على الأب للجارية»(1).

ورواية عبّاد بن كثير، عن أبي عبداللّه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل زوّج ابناً له مدركاً من يتيمة في حجره.

قال: «ترثه إن مات، ولا يرثها؛ لأنّ لها الخيار، ولا خيار عليها»(2) وغيرهما (3).

ص: 175


1- - الكافي 7: 131 - 132 / 1؛ تهذيب الأحكام 7: 388 / 1555؛ وسائل الشيعة 26: 219، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 11، الحديث 1.
2- - الكافي 7: 132 / 2؛ تهذيب الأحكام 9: 383 / 1367؛ وسائل الشيعة 26: 219، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 11، الحديث 2.
3- وسائل الشيعة 26: 220، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 11، الحديث 4.

بأن يقال: الوليّان في الصحيحة هما الوليّان العرفيان؛ بقرينة الحكم، وبقرينة قوله في ذيلها: فإن كان أبوها هو الذي زوّجها، الظاهر منه أنّ السؤال في الأوّل عن غير الوليّ الشرعي. واحتمال كون المراد بالوليين جدّهما أو وصيّ أبيهما، ضعيف.

ثمّ إنّ المراد بقوله (عليه السّلام): «النكاح جائز» ليس الجواز مقابل اللزوم كالبيع الخياري، وإن كان يوهمه قوله (عليه السّلام): «كان له الخيار» بل المراد الجواز في البيع الفضولي؛ بقرينة الحكم بعدم التوارث بينهما إلاّ إذا أدركا ورضيا.

وتوهّم: تعبّدية الحكم بعدم التوارث في زمان الخيار، نظير تلف المبيع قبل القبض الذي هو من مال بائعه، ويراد بالرضا ما يوجب إسقاط الخيار لا تنفيذ النكاح، ضعيف مخالف للنصّ والفتوى.

وقوله (عليه السّلام): «يجوز ذلك عليه إن هو رضي» لا يراد به تحقّق النكاح من جانب الراضي، حتّى تلزم الزوجية من أحد الطرفين دون الآخر؛ فإنّ ذلك غير معقول، وترتّب الآثار تعبّداً من أحد الطرفين دون الآخر وإن أمكن، إلاّ أنّه مقطوع الخلاف.

بل المراد منه أنّ الراضي يجب عليه الوفاء بالعقد؛ بمعنى أنّه بعد رضاه لا يجوز له التخلّف، بل لا بدّ له من الالتزام بالعقد وانتظار إدراك الآخر، فإن أدرك ولم يرض جاز له التخلّف.

والشاهد عليه: وجوب عزل الميراث إلى زمان الإدراك، ودفع الميراث والمهر إليها إذا حلفت.

وكيف كان: تدلّ على صحّة الفضولي في النكاح، وعلى صحّته في غيره

ص: 176

بالتقريب المتقدّم، وإن لم تخل من إشكال ستأتي الإشارة إليه في باب الإجازة(1)، فانتظر وراجع.

وتدلّ عليه أيضاً روايات اُخرى في باب النكاح، كنكاح العمّ، ونكاح الاُمّ(2).

الاستدلال للصحّة بروايات المضاربة

واستدلّ عليه بروايات المضاربة(3)، وهي على طوائف:

منها: ما دلّت على أنّ العامل لو تخلّف عمّا شرط عليه المالك - كشرط عدم السفر، أو عدم ركوب البحر مع المال - كان ضامناً، والربح بينهما، كصحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن الرجل يعطي المال مضاربة، وينهى أن يخرج به، فخرج.

قال: «يضمن المال، والربح بينهما»(4) ونحوها غيرها (5).

ومنها: ما دلّ على أنّه إذا خالف أمر صاحب المال أو خالف شرطه كان ضامناً، وفي بعضها الربح بينهما، كصحيحة الحلبي، عن أبي عبداللّه (عليه السّلام): في الرجل يعطي الرجل مالاً مضاربة، فيخالف ما شرط عليه.

ص: 177


1- - يأتي في الصفحة 258 - 261.
2- - راجع وسائل الشيعة 20: 276، كتاب النكاح، أبواب عقد النكاح، الباب 6، الحديث 2، والباب 7، الحديث 3.
3- - مقابس الأنوار: 126 / السطر 5؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 358.
4- - الكافي 5: 240 / 2؛ تهذيب الأحكام 7: 189 / 836؛ وسائل الشيعة 19: 15، كتاب المضاربة، الباب 1، الحديث 1.
5- راجع وسائل الشيعة 19: 18، كتاب المضاربة، الباب 1، الحديث 10 و11.

قال: «هو ضامن والربح بينهما»(1).

وعن الحلبي، عنه (عليه السّلام) قال: «المال الذي يعمل به مُضاربة له من الربح، وليس عليه من الوضيعة شيء، إلاّ أن يُخالف أمر صاحب المال»(2).

ونحوهما غيرهما ممّا هي مطلقة تشمل بإطلاقها ما إذا أمر بشراء متاع خاصّ فخالفه، كما في الطائفة الثالثة(3).

لكنّها بمناسبة الحكم بل وبالتعبير بالشرط في بعضها، محمولة على الشرط الخارجي، فتدلّ هاتان الطائفتان على أنّ مخالفة الشرط في ضمن عقد المضاربة - نحو شرط عدم الخروج بالمتاع، أو عدم النزول به إلى وادي كذا - موجبة للضمان، ولا توجب بطلان المضاربة، فهو ضامن، والربح بينهما.

وهو موافق للقواعد؛ لأنّ اليد الأمانية تنقلب إلى اليد العادية الضمانية، ولا موجب لبطلان أصل المضاربة، كما أنّه لا ربط لها بالفضولي.

وتشهد للحمل المذكور صحيحة الحلبي، عن أبي عبداللّه (عليه السّلام): أنّه قال في المال الذي يعمل به مضاربة: «له من الربح، وليس عليه من الوضيعة شيء، إلاّ أن يُخالف أمر صاحب المال، فإنّ العبّاس كان كثير المال، وكان يُعطي الرجال يعملون به مُضاربة، ويشترط عليهم أن لا ينزلوا بطن وادٍ، ولا يشتروا ذا كبد

ص: 178


1- - تهذيب الأحكام 7: 190 / 838؛ وسائل الشيعة 19: 16، كتاب المضاربة، الباب 1، الحديث 5.
2- - تهذيب الأحكام 7: 187 / 828؛ وسائل الشيعة 19: 16، كتاب المضاربة، الباب 1، الحديث 4.
3- - راجع وسائل الشيعة 19: 16، كتاب المضاربة، الباب 1، الحديث 3.

رطبة، فإن خالفت شيئاً ممّا أمرتك به فأنت ضامن للمال»(1) حيث فسّر مخالفة أمر صاحب المال بما عن العبّاس من الشرط الخارجي.

ومنها: ما دلّت بظاهرها على أنّه إذا خالف أصل المضاربة كان ضامناً، والربح بينهما، كصحيحة جميل، عن أبي عبداللّه (عليه السّلام): في رجل دفع إلى رجل مالاً يشتري به ضرباً من المتاع مضاربة، فذهب فاشترى به غير الذي أمره.

قال: «هو ضامن، والربح بينهما على ما شرط»(2).

وصحيحة الحلبي، عن أبي عبداللّه (عليه السّلام): أنّه قال في الرجل يعطي المال فيقول له: ائت أرض كذا وكذا ولا تجاوزها، واشتر منها.

قال: «فإن جاوزها وهلك المال فهو ضامن، وإن اشترى متاعاً فوضع فيه فهو عليه، وإن ربح فهو بينهما»(3).

وهذه الطائفة هي التي كان الشيخ الأعظم قدّس سرّه يؤيّ-د بها الفضولي أو يستأنس بها له(4).

وأنت خبير: بأنّ ظاهرها مخالف للقواعد العقلائية والشرعية؛ فإنّ الظاهر منها أنّ المضاربة - مع التخلّف واشتراء شيء خارج عن قرارها - صحيحة

ص: 179


1- - تهذيب الأحكام 7: 191 / 843؛ وسائل الشيعة 19: 17، كتاب المضاربة، الباب 1، الحديث 7.
2- - تهذيب الأحكام 7: 193 / 853؛ وسائل الشيعة 19: 18، كتاب المضاربة، الباب 1، الحديث 9.
3- - الكافي 5: 240 / 1؛ تهذيب الأحكام 7: 189 / 835؛ وسائل الشيعة 19: 15، كتاب المضاربة، الباب 1، الحديث 2.
4- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 358 - 359.

بلا إجازة، ويكون الربح بينهما، كما هو مقتضى الجمود على ظاهرها؛ لعدم وجه لصحّة معاملة الأجنبيّ رغماً لصاحب المال.

ثمّ لا وجه لكون الربح بينهما مع عدم قرار مضاربة في المعاملة الرابحة، بل لا يستحقّ شيئاً؛ لعدم احترام عمله، ولو استحقّ شيئاً لكان ذلك اُجرة عمله، ولا تكون مؤيّدة لصحّة الفضولي، ولا مربوطة به.

ولو حملناها على لحوق الإجازة، فلا وجه أيضاً لكون الربح بينهما؛ لأنّ شراءه وإن كان بتخيّل العمل بالمضاربة، لا يوجب كون المعاملة مضاربة فضولية، بل يكون بيعاً فضولياً، وحينئذٍ أيضاً لا وجه لكون الربح بينهما.

وهذا نظير ما إذا وكّله لبيع داره، فذهب وباع بستانه بعنوان الوكالة، فأجاز المالك، فإنّ إجازته لا تصحّح الوكالة، بل تصحّح البيع.

والأولى أن يقال: إنّ الرواية الثانية لا تأبى عن الحمل على الاشتراط الخارجي لو لم نقل بظهورها فيه؛ فإنّ قوله: يعطي المال، من غير ذكر المضاربة وكيفية قرارها، ظاهر في أنّ المراد إهمال التفصيل، ويكون المقصود أنّه يعطي مضاربة بكذا وكذا، فقوله: «فيقول» مصدّراً ب- «الفاء» ظاهر في أنّ هذا شرط زائد على أصل المضاربة.

مع أنّ الأمر بإتيان أرض كذا، والنهي عن التجاوز، خارجان عن أصل المضاربة، وكذا «اشتر منها».

مع أنّ الاشتراء من أرض كذا غير اشتراء متاع كذا؛ فإنّ الأوّل أيضاً ظاهر في الاشتراط، فتكون الرواية كسائر الروايات موافقة للقاعدة.

وأمّا صحيحة جميل، فلا تنبغي الشبهة في ظهورها في محدودية المضاربة

ص: 180

بالمتاع الخاصّ، فهي مخالفة للقواعد بما عرفت، والعمل بها في غاية الإشكال.

والحمل على الشرط الخارجي - بقرينة حكمها - أهون؛ بقرينة تظافر الروايات في الاشتراط، وحمل تخلّف الأمر في الرواية المتقدّمة المذكورة فيها قضيّة العبّاس عليه، وبعد التعبّد بهذا الأمر المخالف للقواعد جدّاً، والاستئناس من قوله: غير الذي أمره، فتكون كسائر الروايات الدالّة على أنّ مخالفة أمره بكون عمله مخالفاً لشرطه، ومن قوله: «على ما شرط» بناءً على رجوعه إلى قوله: «ضامن».

والحمل على الرضا المقارن أو المتأخّر لا يصحّحها؛ لعدم وجه لكون الربح بينهما، واللّه العالم.

الاستدلال للصحّة بروايات الاتّجار بمال اليتيم

وممّا يستدلّ أو يستأنس به في المقام(1) روايات الاتّجار بمال اليتيم(2) وهي على كثرتها لا دلالة فيها على المطلوب، ولا يستأنس بها له، إلاّ أن تحمل على اتّجار الأجنبيّ من غير إذن الوليّ ثمّ أجاز، وهو أمر لا إشعار به في الأخبار، فضلاً عن دلالتها عليه.

ثمّ إنّ في الروايات إشكالات يشكل دفعها وجعلها مطابقة للقواعد إلاّ بتكلّف، بل لعلّه لا يمكن ارتكابه في بعضها، كرواية بكر بن حبيب قال: قلت لأبي عبداللّه (عليه السّلام): رجل دفع إليه مال يتيم مضاربة.

ص: 181


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 360.
2- - وسائل الشيعة 9: 87، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 2.

فقال: «إن كان ربح فلليتيم، وإن كان وضيعة فالذي أعطى ضامن»(1).

إذ ترك الاستفصال يقتضي أن يكون الحكم ثابتاً للوليّ، مليّاً كان أو لا، وللأجنبيّ، كانت المضاربة لليتيم أو للمعطي.

وعلى أيّ تقدير: لا يكون الربح لليتيم على القواعد، بل على فرض صحّة المضاربة كان الربح بين اليتيم والعامل، وعلى بطلانها لا يكون الربح لواحد منهما.

ثمّ إنّ الوضيعة على اليتيم لو أعطى الوليّ المال مضاربة لليتيم، سواء كان مليّاً أو لا؛ إذ تصرّفات الوليّ لصلاح حال اليتيم، والمعاملة له نافذة، وليس عليه ضمان.

وعلى فرض إعطاء الوليّ المال مضاربة لنفسه؛ بأن استقرض من اليتيم وأعطاه مضاربة، فإن كان مليّاً فلا إشكال فيه، وكان الربح له، والخسران عليه، وإن كان غير مليّ بطل القرض.

ويمكن أن يقال: بصحّة المضاربة؛ لأنّ ولايته غير ساقطة، وإنّما لا يجوز له استقراض ماله، فالمضاربة الواقعة على مال الطفل بإذنه وقعت في محلّها، وصدرت من أهلها، فحينئذٍ يكون الربح لليتيم والعامل، والوضيعة على الوليّ غير المليّ؛ لتصرّفه العدواني في مال الطفل.

ويمكن أن يقال: إنّ المعاملة وقعت في مال الطفل وللطفل، وبطلت المضاربة أيضاً، فحينئذٍ يكون الربح للطفل، والوضيعة على من أعطاه.

ص: 182


1- - تهذيب الأحكام 7: 190 / 842؛ وسائل الشيعة 19: 27، كتاب المضاربة، الباب 10، الحديث 1.

ولو قرئ (اُعطي) بصيغة المجهول، تكون الوضيعة على العامل إن كان عالماً بالواقعة، كما يجوز الرجوع إلى الوليّ أيضاً، ويستقرّ الضمان على من تلف عنده.

وإن لم يكن عالماً يجوز الرجوع إليه، وهو يرجع إلى الوليّ؛ لقاعدة الغرور.

ويمكن الجمع بين الروايات بأن يقال: إنّ رواية السمّان(1) وما هي بمضمونها (2) ظاهرة في أنّ الاتّجار كان لليتيم، ومقتضى إطلاقها الصحّة بلا لحوق الإذن، فيعلم منه أنّ التاجر هو الوليّ، ومقتضى إطلاق ذيلها أنّ الوليّ ضامن، وهذا الحكم للاهتمام بأمر اليتيم.

ومقتضى رواية أبي الربيع الشامي أنّ المضاربة بمال اليتيم جائزة للوصيّ، وقوله في ذيلها: قلت فهل عليه ضمان؟ قال: «لا، إذا كان ناظراً له»(3) يحتمل أن يكون المراد منه إذا كان وصيّاً، ويحتمل أن يكون المراد إذا كان ناظراً في المضاربة.

فعلى الأوّل: إطلاقها يقتضي عدم ضمان الوليّ.

وعلى الثاني: يختصّ عدم الضمان بما إذا أوصى الأب بالمضاربة، فتكون

ص: 183


1- - الكافي 3: 541 / 6؛ تهذيب الأحكام 4: 27 / 65؛ وسائل الشيعة 9: 87، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 2، الحديث 2.
2- راجع وسائل الشيعة 9: 87، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 2.
3- - تهذيب الأحكام 4: 28 / 70؛ وسائل الشيعة 9: 89، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 2، الحديث 6.

موافقة لرواية خالد بن بكير الطويل(1) ورواية محمّد بن مسلم(2) في باب الوصيّة، فتقيّد بها المطلقات.

فالنتيجة: ضمان الوليّ إذا اتّجر بمال الطفل للطفل أو بنحو المضاربة، إلاّ إذا أذن الأب بخصوص الاتّجار به، ولا منافاة بين صحّة التجارة والضمان.

وأمّا رواية بكر بن حبيب، فالظاهر منها أنّ المراد بقوله (عليه السّلام): «إن كان ربح فلليتيم» هو كونه له على قرار المضاربة، لا أنّ الجميع له وتبطل المضاربة، فتكون موافقة لسائر الروايات، وعليه يحمل بعض روايات اُخر(3) وردت بهذا المضمون.

وهنا روايات بعضها ظاهر في الاقتراض من مال اليتيم، مثل رواية الصيقل(4) ففصّل فيها بين المليّ وغيره، وأبطل اقتراض غيره، لكن حكم بصحّة أصل المعاملة، ولمّا كان الاتّجار بمال اليتيم كان الربح له، والاتّجار بنحو الكلّي في الثمن مع البناء على الإعطاء من مال اليتيم، والإعطاء منه يجعل الاتّجار بماله عرفاً.

ص: 184


1- - الكافي 7: 61 / 16؛ تهذيب الأحكام 9: 236 / 919؛ وسائل الشيعة 19: 427، كتاب الوصايا، الباب 92، الحديث 2.
2- - الكافي 7: 62 / 19؛ تهذيب الأحكام 9: 236 / 921؛ وسائل الشيعة 19: 427، كتاب الوصايا، الباب 92، الحديث 1.
3- - راجع وسائل الشيعة 9: 87، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 2، الحديث 2 و8.
4- - تهذيب الأحكام 4: 29 / 71؛ وسائل الشيعة 9: 89، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 2، الحديث 7.

ومثل رواية أسباط بن سالم فإنّ قوله: «فما كان من فضل سلّمه لليتيم وضمن له»(1) ظاهر في الاقتراض والاتّجار لنفسه، والبناء على إعطاء ربحه لليتيم، وعلى ذلك تحمل صحيحة حريز، عن محمّد بن مسلم(2).

وبعضها محتمل لذلك وللاتّجار لليتيم، كرواية علي بن أسباط، عن أسباط بن سالم(3) وصحيحة ربعي بن عبداللّه (4).

فإن حملناها على الاقتراض، تصير نتيجة الروايات: أنّ المليّ يجوز له الاقتراض دون غيره، ولو اقترض غيره بطل القرض، وصحّت التجارة لليتيم.

وإن حملناها على الاتّجار، تصير النتيجة: أنّ الاتّجار بمال اليتيم لا يجوز تكليفاً لغير المليّ، لكن لو اتّجر صحّ؛ لكونه وليّاً، وهو ضامن، وعليه لا معارضة بين الروايات.

فتحصّل من جميعها: أنّ الاتّجار بمال اليتيم موجب للضمان، سواء اتّجر له، أو عمل به مضاربة، إلاّ في صورة إذن الأب بخصوص الاتّجار مضاربة، بل ولليتيم، فإنّه أيضاً يفهم ممّا ورد في المضاربة.

ص: 185


1- - الكافي 5: 131 / 1؛ تهذيب الأحكام 6: 342 / 957؛ وسائل الشيعة 17: 257، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 75، الحديث 1.
2- - الكافي 5: 131 / 2؛ تهذيب الأحكام 6: 342 / 956؛ وسائل الشيعة 17: 257، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 75، الحديث 2.
3- - الكافي 5: 131 / 4؛ تهذيب الأحكام 6: 341 / 954؛ وسائل الشيعة 17: 258، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 75، الحديث 4.
4- - الكافي 5: 131 / 3؛ تهذيب الأحكام 6: 341 / 955؛ وسائل الشيعة 17: 257، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 75، الحديث 3.

ولا يجوز لغير المليّ الاتّجار بمال اليتيم مطلقاً، ولو اتّجر صحّ وضمن، وجاز للمليّ وضمن.

ولا يجوز اقتراض غير المليّ ويبطل، ولو اقترض واتّجر به صحّ لليتيم، والتاجر ضامن، بخلاف المليّ، فإنّ اقتراضه صحيح، والربح للتاجر، وعليه مال اليتيم.

بقي أمر: هو أنّه لو أوصى الأب بخصوص التجارة، وكان الوصيّ غير مليّ، هل يجوز له الاتّجار أو لا؟

الظاهر جوازه؛ لعدم الضمان، فلا فرق بينه وبين المليّ في ذلك.

الاستدلال للصحّة برواية ابن أشيم

وربّما يؤيّد(1) الفضولي بروايات:

منها: رواية ابن أشيم، عن أبي جعفر (عليه السّلام): في عبد لقوم مأذون له في التجارة، دفع إليه رجل ألف درهم، فقال: اشتر بها نسمة وأعتقها، وحجّ عنّي بالباقي. ثمّ مات صاحب الألف، فانطلق العبد فاشترى أباه، فأعتقه عن الميّت، ودفع إليه الباقي يحجّ عن الميّت، فحجّ عنه.

وبلغ ذلك موالي أبيه ومواليه وورثة الميّت جميعاً، فاختصموا جميعاً في الألف. فقال موالي العبد المعتق: إنّما اشتريت أباك بمالنا. وقال الورثة: إنّما اشتريت أباك بمالنا. وقال موالي العبد: إنّما اشتريت أباك بمالنا.

فقال أبو جعفر (عليه السّلام): «أمّا الحجّة فقد مضت بما فيها لا تردّ، وأمّا المعتق فهو

ص: 186


1- - راجع المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 361.

ردّ في الرقّ لموالي أبيه، وأيّ الفريقين بعد أقاموا البيّ-نة على أنّه اشترى أباه من أموالهم كان له رقّاً»(1).

أمّا دلالتها على الفضولي، فمبنيّة على أنّ دعوى الورثة هي رجوع مال والدهم إليهم، وكان الرجل وكيلاً عنه، وإذا مات بطلت الوكالة، فاشترى أباه بمالهم من غير إذن، وكان اختصامهم ودعواهم - ظاهراً - في الإجازة، فقوله (عليه السّلام): «أيّ الفريقين...» إلى آخره، دليل على نفوذ الفضولي بالإجازة.

والإنصاف: أنّ المتفاهم من الرواية ذلك.

واحتمال أن يكون لمجموع الورثة مال عنده للتجارة(2)، في غاية البعد، مع أنّ الظاهر أنّ الدعوى كانت ثلاثية الأطراف، لا رباعيتها، ولا خماسيتها، وسكوت الرجل دليل على أ نّ-ه لم يكن وصيّ-اً، بل سكوت العبد المعتق وعدم دعوى كونه معتقاً، دليل على ذلك، فدلالتها على صحّ-ة الفضولي في غاية القوّة.

نعم، ربّما ترد على الرواية إشكالات:

منها: أنّ صحّة الحجّ من العبد بلا إذن مولاه خلاف القاعدة(3).

مع أنّ التفكيك بين الحجّ والرقّ، والحكم ببطلان العتق ظاهراً، وصحّ-ة الحجّ، غير مرضيّ.

ص: 187


1- - الكافي 7: 62 / 20؛ تهذيب الأحكام 7: 234 / 1023؛ وسائل الشيعة 18: 280، كتاب التجارة، أبواب بيع الحيوان، الباب 25، الحديث 1.
2- - منية الطالب 2: 23.
3- - اُنظر منية الطالب 2: 23.

مع أنّه لو قامت البيّ-نة على الرقّية كان الحجّ باطلاً بحكم البيّ-نة.

ويمكن أن يقال: إنّ قوله (عليه السّلام): «الحجّة قد مضت بما فيها لا تردّ». لا يكون بصدد بيان حكم الحجّ صحّة وفساداً، بل بصدد التقابل بينه وبين العبد؛ بأنّ العبد باقٍ قابل للردّ، دون الحجّ الذي مضى وتصرّم، ولم يكن النزاع في المال المصروف في الحجّ، بل النزاع في العبد، وكان أبو جعفر (عليه السّلام) بصدد بيان تشخيص المدّعي والمنكر.

فكأنّه قال: «الحجّ غير قابل للردّ، دون العبد» فلا دلالة لها على صحّته.

ومنها: أنّ تقديم قول موالي العبد وإرجاعه رقّاً لهم، خلاف قواعد القضاء؛ فإنّ قول الوكيل حجّة وكذا فعله، وظاهر الرواية أنّه اشترى أباه بما دفع إليه الميّت حال حياته، وقوله حجّة، فيكون الورثة منكرين، والقول قولهم(1).

وفيه: أنّ الظاهر من سكوته أنّه كان وكيلاً للميّت وبطلت وكالته بموته، فلا يكون فعله أو قوله حجّ-ة؛ لأ نّ-ه أجنبيّ بالنسبة إلى مال الورثة، بل احتمال كونه وصيّ-اً للأب أو وكيلاً له ثمّ بطلت وكالته، كافٍ في عدم اعتبار قوله.

ومنها: أنّ أصالة الصحّة مقدّمة على الأصل العملي، والورثة كانوا يدّعون صحّة الاشتراء فضولياً، وموالي المعتق - بالكسر - كانوا يدّعون الصحّة الفعلية، وموالي الأب كانوا يدّعون الفساد(2).

ص: 188


1- - اُنظر منية الطالب 2: 24.
2- - اُنظر منية الطالب 2: 23.

وفيه: أنّ المورد ليس من مصبّ أصالة الصحّ-ة؛ لأنّها جارية فيما لو اُحرز تحقّ-ق معاملة خاصّ-ة، وشكّ في صحّتها، وأمّ-ا إذا دار الأمر بين معاملتين: إحداهما صحيحة، والاُخرى فاسدة، فلا تجري أصالة الصحّ-ة، ولا يحرز تحقّق الصحيحة بأصلها، فضلاً عن المقام المردّد بين المعاملة الصحيحة وما ليس بمعاملة؛ فإنّ اشتراء العبد بمال مالكه لا معنى له، ومخالف لمفهوم البيع.

ومنها: أنّ الاشتراء بالثمن الخارجي بعيد، بل المتعارف الاشتراء بالكلّي، وإعطاء الثمن بعده أداء لما في الذمّة، فحينئذٍ كان قول المتعامل معتبراً؛ لأنّ قصده لا يعلم إلاّ من قبله(1).

وفيه: - مضافاً إلى فرض الرواية الاشتراء بمالهم، الظاهر في الاشتراء بالعين، ومضافاً إلى أنّ المتعارف بين الدلاّلين أن يعرضوا النقد على الطرف للحثّ على المعاملة، ومضافاً إلى كون المعاملات نوعاً معاطاة - أنّ حجّية قول من لا يعلم الأمر إلاّ من قبله في مقام التخاصم غير ظاهرة بنحو الإطلاق.

ومنها: اُمور اُخر سهلة الدفع.

ص: 189


1- - البيع، (تقريرات المحقّق الكوهكمري) التجليل: 321.
فيما يستدلّ به على بطلان الفضولي
الإشارة

وقد استدلّ على بطلان الفضولي باُمور:

الاستدلال بآية التجارة على البطلان

منها: الكتاب، وهو قوله تعالى: «لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ»(1).

فإنّ الظاهر منه لزوم كون التجارة ناشئة عن الرضا، ولازم الحصر بطلان التجارة التي لم تنشأ منه(2).

وما قيل: من أنّ التجارة عبارة عن النقل والانتقال المسبّبي، وهو حاصل بالإجازة ومقارن للرضا (3).

غير مرضيّ؛ فإنّ الإجازة ليست تجارة، بل ولا ناقلة، بل بالإجازة يصير إنشاء النقل سبباً حقيقةً بعد ما كان سبباً إنشاءً.

فالإجازة عبارة اُخرى عن قوله: «بارك اللّه في صفقة يمينك»(4) والظاهر من الآية الشريفة أنّ التجارة لا بدّ من نشوئها من الرضا.

ص: 190


1- النساء (4): 29.
2- - مجمع الفائدة والبرهان 8: 158 - 159؛ اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 364.
3- منية الطالب 2: 26.
4- - عوالي اللآلي 3: 205 / 36؛ مستدرك الوسائل 13: 245، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع، الباب 18، الحديث 1.

وبعبارة اُخرى: إنّ الإجازة ليست بناقلة، بل موجبة لكون عمل الغير سبباً واقعياً، فالرضا إنّما هو بالعقد الحاصل من الغير، ولا يوجب ذلك أن يصير المجيز تاجراً، وعقد الغير عقده ولو قلنا: بأنّ الوكالة موجبة لكون العقد عقد الموكّل، وإن كان فيه أيضاً كلام وإشكال كما مرّ(1).

ومن ذلك يظهر النظر في كلام الشيخ الأعظم حيث قال: التجارة في الفضولي إنّما تصير تجارة المالك بعد الإجازة، فتجارته عن تراضٍ(2).

لكن الخطب سهل بعد ما عرفت سابقاً (3): من أنّ المتفاهم من المستثنى منه أنّ الباطل علّة لحرمة أكل الأموال بالباطل، وفي مقابله التجارة عن تراضٍ؛ لكونها حقّاً خارجة عنه.

فأكل المال بالباطل منهيّ عنه لأجل كونه باطلاً، وبمقتضى المقابلة الأكل بالتجارة عن تراضٍ غير منهيّ عنه؛ لكونها حقّاً، والعلّة تعمّم وتخصّص، وتشخيص الحقّ والباطل عرفي.

ولا شكّ في أنّ التجارة المرضيّ بها حقّ، سواء كان الرضا سابقاً، أو مقارناً، أو لاحقاً.

واحتمال أن تكون الآية الكريمة بصدد تخطئة العرف في تشخيص الحقّ، وأنّ التجارة المقارنة للرضا حقّ فقط، والباقي باطل بحكم الشارع وتخطئة للعرف، في كمال السقوط.

ص: 191


1- - تقدّم في الصفحة 148.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 365.
3- تقدّم في الصفحة 125 - 127.

ولا فرق فيما ذكرناه من التقريب بين انقطاع الاستثناء واتّصاله، ولا بين إفادة الحصر وعدمها، ولا بين كون التجارة منصوبة أو مرفوعة، كما هو واضح.

الاستدلال بالروايات على البطلان

ومنها: طوائف من الأخبار، كالنبوي من طرقهم: «لا تبع ما ليس عندك»(1).

ومن طرقنا في مناهي النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «أنّه نهى عن بيع ما ليس عندك»(2). ونحوه خبر سليمان بن صالح، عن أبي عبداللّه (عليه السّلام)(3).

بتقريب: أنّ الكون عنده كناية عن الملكية، فيكون المراد النهي عن بيع ما لا يكون مملوكاً للبائع، وهو يدلّ على الفساد(4).

وفيه: أنّ هذه الجملة يحتمل أن تكون كناية عن التسلّط على الشيء، فيكون المقصود النهي عمّا لا يكون تحت قدرتك، فلا يمكن لك التسليم؛ فإنّ القدرة عليه من شروط صحّة المعاملة، فعليه لا ربط له بالفضولي؛ فإنّ مدّعي

ص: 192


1- - المسند، أحمد بن حنبل 12: 129 / 15248؛ سنن النسائي 7: 289؛ السنن الكبرى، البيهقي 5: 339؛ سنن أبي داود 2: 305 / 3503.
2- - الفقيه 4: 4 / 1؛ وسائل الشيعة 18: 48، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 7، الحديث 5.
3- - وهو ما رواه عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «نهى رسول اللّه (صلى الله عليه و آله وسلّم) عن سلف وبيع، وعن بيعين في بيع، وعن بيع ما ليس عندك، وعن ربح ما لم يضمن». تهذيب الأحكام 7: 230 / 1005؛ وسائل الشيعة 18: 47، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 7، الحديث 2.
4- - اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 365.

بطلان الفضولي يدّعي أنّ الفضولي - بما هو فضولي - باطل، من غير نظر إلى قدرة التسليم وعدمها، فقدرة التسليم شرط في المعاملات غير الفضولية أيضاً، وقد تكون القدرة عليه في الفضولي.

ويحتمل أن تكون كناية عن المالكية؛ أي لا تبع غير مملوكك، والظاهر على هذا الفرض النهي عن بيع غير المملوك كبيع المملوك، كالنهي عن بيع السرقة والخيانة، وليس المراد عدم إنشاء البيع لغير المملوك متوقّعاً للإجازة من المالك كما هو الظاهر.

وقد يقال: إنّ المراد من قوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «لا تبع ما ليس عندك» النهي عن أن يبيع عن نفسه، ثمّ يمضي ليشتريه من مالكه؛ لأ نّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) ذكره جواباً لحكيم بن حزام، حيث سأله عن أن يبيع الشيء، ويمضي ويشتريه ويسلّمه، فإنّ هذا البيع غير جائز، ولا نعلم فيه خلافاً؛ للنهي المذكور، وللغرر؛ لأنّ صاحبه قد لا يبيعه(1).

وفيه: أنّ حمل السؤال على بيع الشخصي خلاف الظاهر المتعارف من الدلاّلين، بل ما تعارف هو بيع الكلّي من الأجناس التي كانت تحت يد التجّار للبيع، فيأتي الدلاّل ويبيع طاقات أو أصواعاً، ثمّ يمضي ويشتري ويسلّم.

فحينئذٍ تكون مخالفة لأخبارنا، كصحيحة عبدالرحمان بن الحجّاج قال: سألت أبا عبداللّه (عليه السّلام) عن الرجل يشتري الطعام ليس عنده، فيشتري منه حالاًّ.

قال: «ليس به بأس».

ص: 193


1- - تذكرة الفقهاء 10: 14 - 16؛ اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 367.

قلت: إنّهم يفسدونه عندنا... إلى آخرها (1).

وموافقةً للقول المحكيّ عن العامّة(2) فتطرح، وأمّا ما ورد بهذا المضمون من طرقنا (3) فيحمل على التقيّة.

مع أنّه لو فرض أنّ السؤال عن العين الشخصية، لكن إلقاء الكبرى الكلّية بعده، والإعراض عن مثل «لا يجوز» بإعطاء قاعدة كلّية، تدلّ على أنّ الميزان عدم جواز بيع ما ليس عنده مطلقاً، سواء في الأعيان أو الكلّيات، فتنزيل السؤال على خصوص الشخصيات، والجواب على خصوص مورد السؤال، خلاف الظاهر في خلاف الظاهر.

والأولى في الجواب عن مثله أن يقال بعد الغضّ عن السند: إنّ الظاهر من رواياتنا تكذيب هذا المضمون، فتكون حاكمة عليه.

أو يقال: إنّ قوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «لا تبع ما ليس عندك» ظاهر في نفي الصحّة فعلاً، فلا ينافي إلحاق الإجازة به كما أفادوه، وستأتي تتمّة لذلك في مسألة من باع ثمّ ملك، فراجعها (4).

وكالنبوي الآخر: «لا بيع إلاّ فيما تملك»(5).

ص: 194


1- الفقيه 3: 179 / 811؛ تهذيب الأحكام 7: 49 / 211؛ وسائل الشيعة 18: 46، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 7، الحديث 1.
2- - المغني، ابن قدامة 4: 328؛ الخلاف 3: 196.
3- تقدّم في الصفحة 192.
4- يأتي في الصفحة 388.
5- - عوالي اللآلي 2: 247 / 16؛ مستدرك الوسائل 13: 230، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 1، الحديث 3؛ سنن أبي داود 1: 665 / 2190.

وكالثالث: «لا طلاق إلاّ فيما تملكه، ولا بيع إلاّ فيما تملكه»(1).

وفي التوقيع المنسوب إلى العسكري (عليه السّلام): «لا يجوز بيع ما ليس يملك، وقد وجب الشراء من البائع على ما يملك»(2).

والظاهر منها النهي عن بيع ما لا يملك كبيع مملوكه، وترتيب الآثار عليه كما تقدّم(3)، مع احتمال أن يراد بما لا تملكه عدم التسلّط عليه.

كما أنّ الطلاق فيما تملكه ليس بمعنى الملكية في الأموال، ولعلّه قرينة على إرادة نحوه في البيع أيضاً، فيكون مفاده مثل ما مرّ، فلا دلالة لها على بطلان

الفضولي.

نعم، يمكن أن يقال: فرق بين قوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «لا تبع ما لا تملك» وقوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «لا بيع إلاّ فيما تملك» فإنّ مفاد الثاني سلب تحقّق ماهية البيع، ومع سلبها لا يمكن لحوق الإجازة بها؛ فإنّ الظاهر سلبها بلحاظ جميع الآثار، ومنها ترتّب الأثر بعد الإجازة.

إلاّ أن يقال: إنّ المحتمل فيه اُمور:

منها: التعبّد بسلب البيع؛ أي سلب ماهيته.

ومنها: التعبّد بسلبه بلحاظ الصحّة فعلاً.

ص: 195


1- - عوالي اللآلي 3: 205 / 37؛ مستدرك الوسائل 13: 230، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 1، الحديث 4.
2- - الفقيه 3: 153 / 674؛ تهذيب الأحكام 7: 150 / 667؛ وسائل الشيعة 17: 339، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 2، الحديث 1.
3- - تقدّم في الصفحة 193.

ومنها: ادّعاء السلب بلحاظ جميع الآثار.

ومنها: ادّعاؤه بلحاظ الصحّة، ولمّا كانت الصحّة أثراً ظاهراً تصحّ الدعوى بلحاظها، لا يبعد الانصراف إليها، ولا سيّما مع ارتكاز العرف في مثل المقام على أنّ المقصود ذلك، لا نفي الماهيّة.

والحمل على نفي المفهوم لا يخلو من بعد، ولو سلّم فإطلاقه قابل للتقييد بالأدلّة الخاصّة في خصوص البيع، كرواية عروة(1) وصحيحة محمّد بن قيس(2) وغيرهما (3).

وقد يقال: إنّ التعارض بين الطائفتين بالتباين؛ فإنّ دليل المنع لا يشمل البيع لنفسه أو لمالكه مع عدم إجازته، بل يختصّ بما إذا باع لمالكه مع إجازته؛ فإنّ الصورتين الاُولتين واضحتان لا معنى للنهي عنهما (4).

وفيه: - مضافاً إلى ورود النهي في مثله، كالنهي عن بيع السرقة والخيانة، ومعه لا وجه لرفع اليد عن الإطلاق - أنّ البيع لنفسه لأن يمضي ويشتري داخل فيه، سواء كان في الكلّيات كما هو المتعارف، أو الأعيان الشخصية،

ص: 196


1- - المسند، أحمد بن حنبل 14: 451 / 19257؛ صحيح البخاري 5: 58 / 166؛ سنن أبي داود 2: 276 / 3384؛ سنن الترمذي 2: 365 / 1276؛ عوالي اللآلي 3: 205 / 36.
2- - الكافي 5: 211 / 12؛ الفقيه 3: 140 / 615؛ تهذيب الأحكام 7: 488 / 1960؛ الاستبصار 3: 205 / 739؛ وسائل الشيعة 21: 203، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد والإماء، الباب 88، الحديث 1.
3- راجع ما تقدّم في الصفحة 181 و186.
4- منية الطالب 2: 29.

فتكون النسبة بينهما بالإطلاق والتقييد.

نعم، هنا كلام آخر، وهو أنّه لو لزم من جميع التقييدات بقاء الفرد النادر في المطلق - بحيث كان التقييد بها مستهجناً - يقع التعارض بالعرض بين المقيّدات نفسها، أو بين جميعها مع المطلق، ففي مثله وكيفية العلاج كلام لا يسعه المقام.

وأمّا ما دلّت على النهي عن الاشتراء إلاّ برضا المالك - كصحيحة محمّد بن مسلم(1) ومكاتبة الحميري(2) - فلا دلالة فيها على لزوم مقارنة الرضا لإجراء العقد، بل يمكن دعوى أنّ مناسبة الحكم والموضوع تقتضي عدم الفرق بين المقارن والمتأخّر، ولعلّه مقتضى الإطلاق أيضاً.

الاستدلال بحكم العقل على البطلان

وأمّا حكم العقل - المؤيّد بالنقل - بقبح التصرّف في مال الغير بغير إذنه.

ففيه: مضافاً إلى أنّ مجرّد إجراء الصيغة على مال الغير ليس تصرّفاً فيه؛ لعدم تأثير واقعي أو اعتباري، ومن غير فرق بين الغاصب والفضولي؛ ضرورة أنّ بيع الغاصب الذي يريد العمل على طبقه ليس تصرّفاً فيه.

نعم، ترتيب الآثار - من قبيل التسليم ونحوه - تصرّف، فدعوى الفرق(3)

في غير محلّها.

ص: 197


1- - الكافي 5: 283 / 4؛ تهذيب الأحكام 7: 149 / 662؛ وسائل الشيعة 17: 334، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 1، الحديث 3.
2- - الاحتجاج 2: 577 / 356؛ وسائل الشيعة 17: 337، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 1، الحديث 8.
3- - منية الطالب 2: 30.

وأمّا دعوى كون عقد الغاصب المستقلّ علّة تامّة عرفاً لحصول الأثر(1)، فغريبة؛ لعدم العلّية جزماً، فضلاً عن العلّية التامّة:

أمّا بالنسبة إلى الأثر الاعتباري - أي النقل - فمعلوم.

وأمّا بالنسبة إلى ترتيب الأثر الخارجي، فالعقد لا علّية له أصلاً، بل ترتيب الآثار متوقّف على مبادئ خاصّة به.

ومضافاً إلى أنّ الحرمة الشرعية لا تدلّ على الفساد.

وما قيل: من أنّ التحريم موجب لسلب قدرة الفضولي(2)، غير مرضيّ؛ لأنّ القدرة تكويناً غير مرادة، وتشريعاً ترجع إلى الإلزام والتحريم، وهو مصادرة واضحة.

نعم، لو قيل: إنّ التحريم لا يجتمع مع إنفاذ المعاملة، لكان له وجه.

لكنّه قابل الدفع: بأنّ دليل الإنفاذ من قبيل القانون الكلّي الشامل للمورد، لا من قبيل الإنفاذ الشخصي، كما فصّلنا الفرق في الاُصول(3).

مضافاً إلى أنّ التحريم متعلّق بالطبيعة قبل الوجود، وأدلّة الإنفاذ متعلّقة بها بعده، فلا تزاحم.

مع أنّ المخاطب بالتحريم، الفضولي وفي أدلّة الإنفاذ صاحب المال.

ص: 198


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 371؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 133.
2- - منية الطالب 2: 31.
3- - مناهج الوصول 2: 18؛ أنوار الهداية 2: 204.

أنّ الحرمة تعلّقت بأمر خارج، هو التصرّف في مال الغير لا البيع، كما أنّ موضوع القبح العقلي هو التعدّي والظلم، لا البيع.

وما قيل: من أنّ عنوان التصرّف أمر انتزاعي من الموارد الخاصّة، والنهي تعلّق بالموارد(1)، ليس بشيء؛ لعدم الدليل عليه، بل الظاهر من أخذ عنوان تلو حكم أنّه موضوع له.

ولهذا لم يقل صاحب هذا القول ولا غيره - ممّن يجوّز اجتماع الأمر والنهي -: إنّ الصلاة بعنوانها منهيّ عنها؛ لأنّها تصرّف في مال الغير، والتصرّفأمر انتزاعي، فتدبّر.

ولو قيل: إنّ بيع مال الغير بغير إذنه أخصّ من التصرّف في مال الغير، فلا ربط له بباب الاجتماع.

يقال: إنّ دليل نفوذ البيع متعلّق بنفس طبيعته، لا ببيع زيد وعمرو والغاصب وغيره.

هذا حكم العقل المؤيّد بالنقل.

وأمّا حكم العقل المحض، وهو عدم إمكان تعلّق القصد بالنقل، فقد ذكرناه في أوائل الرسالة(2)، وسيأتي بعض الكلام فيه وفي حلّه في الصورة الثالثة(3).

ص: 199


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 106.
2- - تقدّم في الصفحة 71.
3- - يأتي في الصفحة 206 و211.
الاستدلال بالحكم العقلائي المحض على البطلان

ويمكن الاستدلال بالحكم العقلائي المحض؛ بأن يقال: البيع عند العقلاء هو التبادل بين العوضين في المالية؛ أي التبادل الفعلي الواقعي، ولهذا ترى تسالم الفقهاء بل العرف على أنّ القبول مقوّم له(1)، وأنّ البيع مركّب من الإيجاب والقبول، ولولا اعتبار النقل فعلاً فلا وجه له؛ لأنّ الإيجاب تمام ماهية المعاملةبحسب الإنشاء، وشأن القبول شأن «شكر اللّه سعيك» لكن لا يترتّب الأثر إلاّ بعده، فالبيع هو تبادل الإضافة فعلاً.

وأيضاً ترى قولهم: إنّ البيع المسبّبي أمره دائر بين الوجود والعدم، ولهذا لا يكون محطّ البحث في الصحيح والأعمّ(2)، واختار المحقّقون أنّ ألفاظ المعاملات وضعت للمسبّبي لا للأسباب(3)، والمسبّب الذي دار أمره بين الوجود والعدم هو النقل الفعلي، وإلاّ فالنقل الإنشائي يتّصف بالصحّة والفساد.

فعليه لا يكون بيع الفضولي - بحسب عرف العقلاء - بيعاً، ولا يمكن لحوق الإجازة بما لا يكون بيعاً، ولا يمكن أن تكون الإجازة مقوّمة لماهية البيع.

وأمّا مثل بيع الصرف والسلم، ففي محيط العقلاء لا يشترط بالتسليم والقبض، وفي محيط الشرع يشترط به، لا بمعنى وضع خاصّ للشارع، بل

ص: 200


1- - المبسوط 2: 87؛ اُنظر غنية النزوع 1: 214؛ السرائر 2: 250.
2- - كفاية الاُصول: 49؛ أجود التقريرات 1: 71، و2: 230؛ درر الفوائد، المحقّق الحائري 1: 54؛ نهاية الدراية 1: 134.
3- - فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 80؛ نهاية الأفكار 1: 97.

بمعنى التعبّد بالآثار، كالتعبّد في بيع الخمر.

وفيه: منع كون البيع ما ذكر في محيط العقلاء، بل المراد بالتبادل هو التبادل الإنشائي الإيجادي وإن لم يترتّب عليه الأثر فعلاً.

والشاهد عليه: وضوح كون بيع الغاصب والفضولي عندهم بيعاً، ووضوح ذلك يكشف عن مرادهم في تعريف البيع، وأنّ المراد بالتبادل الإنشائي منه، وكذا التمليك في قولهم: «تمليك العين بالعوض».

وأمّا قول الفقهاء في تقوّم البيع بالقبول، فإن كان المراد عدم ترتّب الأثر إلاّ به، فلا كلام إلاّ في الوكيل من الجانبين.

وإن كان المراد أنّ الماهية متقوّمة به، ففيه كلام وإشكال كما مرّ(1).

وكذا قولهم في الصحيح والأعمّ، فإنّ المسبّب المنشأ يتّصف بالصحّة والفساد، وهو البيع المسبّبي، وما لا يتّصف بهما وأمره دائر بين الوجود والعدم - أي وقوع الأثر وعدمه - ليس ببيع، بل هو أثر البيع والمعاملة، فالبيع سبب للانتقال، ولا يتقوّم بالنقل الفعلي، فضلاً عن الانتقال.

والشاهد ضرورةً: صدق الماهية مع عدم ترتّب الأثر.

ص: 201


1- - اُنظر ما تقدّم في الجزء الأوّل: 323.
الصورة الثانية في بيع الفضولي للمالك مع سبق المنع

ولو باع الفضولي مع سبق نهي المالك؛ بحيث وقع بيعه منهيّاً عنه من قبله، فالظاهر صحّته وصلوحه لتعقّب الإجازة؛ لأنّ النهي لا يوجب انعدام ما فعله الفضولي، لا حقيقة، ولا في اعتبار العقلاء؛ لأنّ نهيه قابل للعصيان عند العقلاء، ضرورة صدق قوله: «نهيته فعصاني» فلو كان عنوان البيع غير صادق مع نهيه، لم يكن معنىً لذلك.

فالنهي لا يوجب عدم صدق البيع جزماً، فتشمله عمومات الإنفاذ.

نعم، لو قلنا: بأنّ معنى «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» أوفوا بعقودكم، لا بدّ من إحراز انتساب العقد إلى المالك، وإلاّ صارت الشبهة مصداقية مع الشكّ، ومع القول بعدم الانتساب يخرج العقد عن الأدلّة موضوعاً، وإثبات الانتساب - بحيث يصير عقده المنهيّ عنه عقد المالك - غير ممكن.

لكنّ الذي يسهّل الخطب عدم لزوم صدق كون العقد عقده، حتّى يجب الوفاء به، بل المسلّم من الخروج عن تحت الأدلّة هو عقد الأجنبيّ بلا لحوق الإجازة، وغيره داخل فيها من غير لزوم كونه عقده.

كما أنّ الأمر كذلك في محيط العقلاء، فإنّهم يلزمونه بالعمل بالعقد الصادر من الغير على ماله بعد إجازته، لا لصيرورة العقد عقده، بل لإجازة العقد الواقع على ماله.

بل لا شبهة في عدم صيرورة عقد الفضولي عقد المالك عقلاً ولا عرفاً،

ص: 202

لا قبل الإجازة - وهو معلوم - ولا بعدها؛ لأنّ الإجازة والإمضاء اعتبارهما اعتبار إجازة العقد المتحقّق عن الغير في ماله، وهذا عين اعتبار الاثنينية وكون العقد عقد الغير، فكيف يمكن أن يكون ذلك موجباً للانتساب إليه؟!

وإن شككت فاسأل العرف والعقلاء عن الفرق بين بيع الفضولي والأصيل، تراهم يقولون: «إنّ الأصيل باع ماله بنفسه، بخلاف بيع الفضولي، فإنّه صادر من الغير، والأصيل أجازه» بل بيع الوكيل أيضاً كذلك، ولا يلزم في وجوب الوفاء صيرورة البيع بيعه.

بل لا يبعد أن يقال: إنّ وجوب الوفاء بالعقود متوجّه إلى سائر المكلّفين غير المتبايعين أيضاً، وإن كانت الآثار مختلفة؛ فإنّ وجوب الوفاء من غير المتبايعين هو لزوم ترتيب آثار ملكية البائع للثمن، والمشتري للمثمن، ومنهما لزوم تسليم العوضين ونحوه، فتأمّل.

ويدلّ على الصحّة التعليل الوارد في أدلّة نكاح العبد بدون إذن مولاه، وهو قوله (علیه السّلام): «إنّه لم يعصِ اللّه، وإنّما عصى سيّده»(1) الظاهر منه أنّ عصيان السيّد مطلقاً لا يوجب الهدم، لا خصوص عدم الإذن، فإذا نهاه عن الزواج فتزوّج، يصدق: إنّه لم يعص اللّه، وإنّما عصى سيّده، فإذا أجاز صحّ.

وأمّا صحيحة محمّد بن قيس(2)، فالاستدلال بها - من حيث ترك

ص: 203


1- - الكافي 5: 478 / 3؛ الفقيه 3: 350 / 1675؛ تهذيب الأحكام 7: 351 / 1432؛ وسائل الشيعة 21: 114، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد والإماء، الباب 24، الحديث 1.
2- - تقدّم في الصفحة 163.

الاستفصال(1) - غير تامّ؛ لأنّ الظاهر من قوله: «بغير إذني» أنّه لم يستأذن منه، لا أنّ الأب نهاه عنه، فلا وجه للاستفصال.

ويمكن أن يقال: إنّ الظاهر من بعض فقراتها أنّ السيّد الأوّل ردّ البيع، وأظهر عدم رضاه به، فلو كان البيع مع ردّه صالحاً لتعقّب الإجازة، لكان صالحاً له مع نهيه بالأولوية وبدلالة الالتزام.

ولو قيل: إنّ الإجماع قائم على الهدم مع الردّ(2)، فلا معنى للأخذ بدلالة الالتزام مع بطلان الحكم في المطابقة.

يقال: إنّ الإجماع لم يهدم الدلالة، بل قام على أنّ الردّ يوجب الهدم، ودليل حجّية الخبر الواحد شامل للمعنى المطابقي والالتزامي في عرض واحد، وليست حجّيته في الالتزامي تابعة لحجّيته في المطابقي، فإذا سقطت الحجّية في المعنى المطابقي، بقيت في المعنى الالتزامي، نظير ما يقال في الدليلين المتعارضين: إنّه لا مانع من نفي الثالث بالالتزام.

وبإزاء هذا البيان بيان آخر للدلالة على البطلان: وهو دعوى أنّ الردّ بعد تحقّق العقد إذا كان هادماً، فالنهي أولى بالهدم؛ لأنّ الدفع أهون من الرفع، وهدم الموجود أصعب من المنع عن الوجود، فإذا قام الإجماع على أنّ الردّ هادم، يفهم منه أنّ النهي هادم.

وفيهما ما لا يخفى، ولا سيّما في دعوى الأولوية وحجّيتها، ودعوى القطع مجازفة.

ص: 204


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 374.
2- - اُنظر جواهر الكلام 22: 278؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 354.

مضافاً إلى ما مرّ من عدم دلالة الصحيحة على أنّ السيّد قد ردّ البيع، فراجع(1).

هذا مع الفرق بين مثل الخبرين المتعارضين - حيث يمكن الأخذ بلازمهما؛ لعدم الدليل على عدم الملزوم واحتمال صدق أحدهما - وبين مثل المقام ممّا قام الإجماع فرضاً على عدم الملزوم، اللازم منه عدم اللازم.

وقد قلنا في محلّه(2): إنّ دلالة الالتزام من دلالة المعنى على المعنى، والانتساب إلى اللفظ مسامحة، فمع عدم المعنى الملزوم، لا معنى لبقاء اللازم، فتأمّل.

وأمّا دعوى: أنّ النهي باقٍ آناً ما بعد البيع، وهو كافٍ في الردّ(3)، فليست بشيء؛ ضرورة عدم بقائه بعد وجود المنهيّ عنه، ووجود الكراهة لا يوجب الهدم.

وأمّا الروايات الواردة في المضاربة والاتّجار بمال اليتيم، فقد مرّ الكلام فيها، وأنّها أجنبيّة عن المقام(4).

ص: 205


1- - تقدّم في الصفحة 163 - 165.
2- - مناهج الوصول 1: 264.
3- - اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 373 - 374.
4- - تقدّم في الصفحة 177 - 186.
الصورة الثالثة في بيع الفضولي لنفسه
تمهید

وأمّا بيع الفضولي لنفسه فالمنسوب إلى المشهور صحّته، واستدلّ لها بالعموم

والإطلاق، وبعض ما تقدّم من الشواهد(1).

أقول: يتوقّف التمسّك بالعمومات على رفع بعض الإشكالات التي لو تمّت لم يصحّ التمسّك بها لتصحيحه، بل مع احتمال تماميتها تصير الشبهة موضوعية بالنسبة إلى العمومات والإطلاقات.

الإشكال العقلي بعدم تمشّي قصد المعاوضة الحقيقية

منها: أنّ ماهية البيع عبارة عن تبادل المالين في الملكية، أو تمليك العين بالعوض، وهو متقوّم بإخراج العين عن ملك مالكها، وإدخالها في ملك المشتري بإزاء الثمن، وإدخاله في ملك البائع، ولا يمكن للفضولي في البيع لنفسه قصد هذا المعنى جدّاً، لا التمليك الجدّي فعلاً، ولا تملّك الثمن كذلك.

مع أنّ الفضولي لنفسه يريد إدخال العين في ملك الطرف، وتملّك الثمن بإزائه(2).

فأجابوا عنه بوجوهٍ:

ص: 206


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 376.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 377.

الأوّل: ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه بقوله: إنّ قصد المعاوضة الحقيقية مبنيّ على جعل الغاصب نفسه مالكاً حقيقياً، وإن كان هذا الجعل لا حقيقة له، لكن المعاوضة المبنيّة على هذا الأمر غير الحقيقي حقيقية، نظير المجاز الادّعائي في الاُصول(1)، انتهى.

وهو يحتمل وجهين:

أحدهما: أن يدّعي الغاصب ملكية العين لنفسه، فيصير مالكاً ادّعاءً.

ثانيهما: أنّه ادّعى كونه مالكاً؛ أي مغصوباً منه.

وهنا وجه آخر، وهو دعوى كون المغصوب منه هو، وهي عكس الدعوى السابقة.

وعلى أيّ تقدير: إنّ هذا الوجه غير مرضيّ؛ لاستحالة حصول الجدّ والتمليك الحقيقي والتملّك كذلك مع الالتفات إلى هذه الحقيقة الادّعائية؛ فإنّ المدّعي يرى نفسه مالكاً ادّعاءً ومجازاً لا حقيقة، فكيف يتمشّى منه الجدّ في التمليك الواقعي، مع موقوفيته على المالكية الحقيقية؟!

فكلّ ما يبتني على الحقائق الادّعائية لا يخرج عن الادّعائية، ولا يدخل في حيطة الحقيقية حتّى عند المدّعي.

ومنه يظهر النظر في كلام من قال: إنّ الغاصب يغصب الإضافة المالكية ويسرقها (2)، ضرورة أنّ السرقة الحقيقية غير ممكنة ولا واقعة، والسرقة الادّعائية لا تدفع الإشكال.

ص: 207


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 377 - 378.
2- منية الطالب 2: 35.

وقد يقال: «إنّ القصد المتقوّم به العقد يتصوّر على وجوه:

أحدها: ما عن المحقّق التستري قدّس سرّه من أنّه القصد إلى اللفظ مع الالتفات إلى المعنى، وربّما يعبّر عنه ب- «القصد الصوري الناقص»(1).

ثانيها: ما عن الشيخ الأعظم قدّس سرّه من اعتبار أمر زائد، وهو أن يكون المضمون مراداً جدّاً في نظره؛ بأن يريد إيجاد النقل جدّاً بنظره(2).

ثالثها: هو قصد التسبّب بالإنشاء إلى الملكية الشرعية أو العرفية.

فعلى المسلكين الأوّلين يصحّ التنزيل والبناء جدّاً في تحقّق العقد.

بخلاف الثالث، فإنّ الملكية العرفية والشرعية لا تقع بإنشائه، فلا يمكن القصد إلى التسبّب به»(3).

وفيه: بعد الغضّ عن الإشكال الواضح فيما اختاره؛ أي الوجه الثالث، وهو أنّ التسبّب إلى الملكية - التي هي أمر اعتباري - غير ممكن من العاقد؛ فإنّ للاعتبار العقلائي أو الشرعي مبادئ خاصّة به، لا يعقل أن يكون الإنشاء من العاقد علّة له، ولا تكون للملكية واقعية غير الاعتبار، حتّى تكون الأسباب أسباباً لها.

وما أفاده في خلال كلامه: من أنّ المنشئ ينشئ الملكية بعد القبول في الأصيل، وبعد الإجازة في الفضولي(4)، مع كونه خلاف الواقع في الإنشاءات

ص: 208


1- - مقابس الأنوار: 114 / السطر 34، و115 / السطر 9.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 295.
3- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 114 - 117.
4- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 116.

المتداولة، غير ممكن في نفسه؛ لأنّ المسبّب الحاصل من فعلين - أحدهما الإيجاب، والثاني القبول، أو البيع والإجازة - لا يمكن التسبّب إليه بالإيجاب حتّى بعد القبول؛ لأنّ القبول والإجازة دخيلان، لا كاشفان محضاً.

أنّ التصديق بأنّ البناء مجدٍ جدّاً على المسلكين، غير مرضيّ، بل على مسلك الشيخ قدّس سرّه لا يكون مفيداً جدّاً؛ لما مرّ من الإشكال(1).

نعم، لا يبعد أن يكون مراد صاحب «المقابس» ما ذكرناه: من أنّ العقد عبارة عن المبادلة المنشأة بالإنشاء اللفظي أو العملي، والنقل الواقعي الاعتباري غير دخيل في ماهية العقد، وعليه لا يحتاج في الدفاع عن الإشكال العقلي إلى ما تشبّث به الشيخ الأعظم قدّس سرّه.

وظاهر كلام المحقّق التستري قدّس سرّه وإن كان غير ما ذكرناه، لكن مع وضوح بطلان ظاهره، وعلوّ مقام متكلّمه، لا أستبعد ذلك، وإلاّ فمجرّد القصد إلى اللفظ مع الشعور بالمعنى، لا يعقل أن يكون عقداً؛ فإنّ الاستعمال التصوّري أيضاً كذلك.

فمراده بالقصد الصوري الناقص، لا يبعد أن يكون نظير الإرادة الاستعمالية في العمومات المخصّصة؛ فإنّ في مورد التخصيص يكون استعمال اللفظ في معناه جدّاً، ولا يكون العامّ مستعملاً في الخاصّ، ولا الاستعمال هزلاً غير جدّي، بل اللفظ مستعمل جدّاً في معناه، وإن لم يكن بجميع أفراده موضوعاً للحكم جدّاً، فماهية البيع عبارة عن التبادل الإنشائي، لا الواقعي الاعتباري، فتدبّر.

ص: 209


1- - تقدّم في الصفحة 207.
الإشكال العقلائي في المقام

ثمّ اعلم: أنّ هاهنا إشكالاً عقلياً هو ما ذكر، وهو يختصّ بالغاصب الملتفت، وإشكالاً عقلائياً، هو أنّ البيع عبارة عن تمليك العين بالعوض، وهو متقوّم بدخول الثمن في ملك من يخرج من ملكه المثمن، وهذا المعنى لا يتحقّق في بيع الغاصب لنفسه ولو تمشّى منه القصد أو تفصّي عن الإشكال العقلي(1).

وبالجملة: إنّ ماهية البيع تنافي بيع الغاصب لنفسه، فلا مجال للتمسّك بالأدلّة والعمومات، بل لا بدّ من تأويل ما لو فرض دلالته على الصحّة.

وقد يجاب عنه: بأنّ الغاصب بعد دعوى المالكية، يبيع للمالك، ويدّعي أنّه هو(2). وهو يحتمل وجهين:

أحدهما: أنّه يدّعي المالكية لنفسه، ويبيع لعنوان المالك بما هو، ويدّعي أنّه هو.

وثانيهما: أنّه يدّعي كونه مغصوباً منه، ويبيع له، فلا يكون البيع على التقديرين من الفضولي لنفسه، ولو تمّ ذلك لاندفع الإشكال العقلي والعقلائي.

لكنّ الشأن في صحّته؛ لأنّ الدعوى المذكورة لا توجب إيقاع البيع لعنوان المالك أو لشخصه، بل لازمها إيقاعه لنفسه؛ بدعوى المالكية.

كما أنّ مدّعي الأسدية يدّعي أ نّ-ه أسد وهو شجاع، لا أنّ الأسد شجاع، ومن ادّعى أنّه يوسف، يريد إثبات الجمال لنفسه، لا إثباته ليوسف (علیه السّلام)

ص: 210


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 378.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 383؛ منية الطالب 2: 35.

ودعوى كونه إيّاه، وهو واضح في الأشباه والنظائر.

فمدّعي المالكية يبيع لنفسه، ويأخذ الثمن بدعوى استحقاقه.

الجواب عن الإشكال العقلي

والذي يمكن أن يقال في جواب الإشكال العقلي: إنّ الإيجاب والقبول في البيع وسائر الأسباب في المعاملات، لا تكون أسباباً واقعية وعللاً لإيجاد الملكية أو الزوجية ونحوهما؛ ضرورة أنّ المذكورات اُمور اعتبارية، لا واقعية لها في غير صقع الاعتبار. ولو كان الاعتبار اعتبار أمر خارج، فلا تكون الملكية من الأوصاف التكوينية الموجودة في الخارج، بل لو كان لها خارجية، تكون خارجيتها خارجية اعتبارية لا واقعية، فلا يعقل أن تكون الأسباب عللاً لها؛ لعدم إمكان علّيتها لاعتبار العقلاء، بل له مبادئ خاصّة به.

فإنشاء الملكية أينما تحقّق، لا يوجد الملكية، بل قد يكون موضوعاً لاعتبار العقلاء، كالإيجاب والقبول من الأصيلين، فالبائع الأصيل لمّا رأى موضوعية الإيجاب المقارن للقبول لاعتبار العقلاء، ينشئ الإيجاب لغرض مقارنته للقبول، وصيرورتهما موضوعاً لذلك.

والبائع الفضولي للمالك ينشئ تمليك العين بالعوض؛ لغرض تعقّبه بالإجازة وترتّب الأثر عليه، والبائع المكره ينشئ تمليك العين بالعوض؛ للفرار من الضرر المتوعّد، والغاصب ينشئ تمليك العين بالعوض لجلب المنفعة، وهو أخذ الثمن.

ففي جميع الموارد لا يكون إيجاد السبب موجباً لوجود المسبّب؛ أي الملكية، وليس التمليك والتملّك الواقعيان من قبيل الإيجاد والوجود، أو الكسر

ص: 211

والانكسار، بل الإيجاب والقبول موضوع لاعتبار العقلاء، وفي جميع الموارد المذكورة يكون قوله: «بعت هذا بهذا» و«قبلت» على وزان واحد وإن كانت الأغراض مختلفة، فلا وقع للإشكال المتقدّم(1).

الجواب عن الإشكال العقلائي

وأمّا الجواب عن الإشكال الآخر(2): فهو أنّ ماهية البيع عبارة عن مبادلة المال بالمال، وهذا المعنى لا يتقوّم بإخراج المال عن ملك البائع، وإخراج العوض عن ملك الطرف، كما في بيع الوقف، أو بيع وقف بمال وقف؛ بناءً على عدم كون الموقوف ملكاً لأحد، وكمبادلة الزكاة بمثلها من وليين شرعيين.

نعم، بعد تأثير الإيجاب والقبول بالمعنى الذي تقدّم، وصيرورة العين ملكاً للمشتري غالباً، وفي المعاملات المتعارفة، تسقط ملكية البائع عن المبيع، وملكية المشتري عن الثمن، وهذا غير كونهما داخلين في ماهية المعاملة.

فالمعاملات المتعارفة من الفضولي لنفسه - بل كلّ متعامل - هي المبادلة بين المالين، من غير كون خروج العين من الملك ودخول الثمن في الملك في حريم الإنشاء، فبيع الفضولي لنفسه كبيع الفضولي للمالك، بل كبيع الأصيلين في مقام الإنشاء.

فقول: «بعتك بدرهم» من الفضولي البائع، كقول الأصيل: «بعتك بدرهم» إلاّ أنّ بيع الأصيل بتعقّب القبول يصحّ ويصير موضوعاً للأثر، وبيع الفضولي يحتاج

ص: 212


1- - تقدّم في الصفحة 206.
2- - تقدّم في الصفحة 210.

إلى الإجازة، وبالإجازة يدخل الثمن في ملك البائع، والمثمن في ملك المشتري.

ونيّة الفضولي كون الثمن داخلاً في ملكه لو فرض إمكانه، أو دعواه كونه منه، أو اعتقاد الجاهل به، غير مربوط بماهية المعاملة والبيع.

وعلى ذلك يدفع إشكال عدم لحوق الإجازة بالبيع المذكور، وأنّ ما وقع غير مجاز، والمجاز غير واقع.

وقد اتّضح أنّ هذا الجواب يدفع الإشكالين.

والعجب أنّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه أفرد جواب الإشكال الأوّل بما هو واضح الإشكال(1)، وأجاب عن الثاني بما ذكر(2)، مع أنّه مع تمامية ذلك، لا وقع للإشكال الأوّل حتّى يجاب عنه.

وأمّا ما عن المحقّق القمّي قدّس سرّه في دفع الإشكال(3)، فهو لا يخلو من غرابة، ولعلّ مراده غير ظاهر كلامه، وإلاّ فصدوره من مثله غير متوقّع، هذا كلّه في الإنشاءات والبيوع المتعارفة.

وأمّا لو فرض كون المشتري فضولياً غاصباً لدراهم، فإن قال: «تملّكت العين بالدراهم» أو «ملّكتها بها» فالظاهر أيضاً صحّة لحوق الإجازة به؛ لأنّ معناه المطاوعي يرجع إلى «قبلت التمليك» لا «صرت مالكاً» أو «جعلت نفسي مالكاً» فإنّه ليس معنى مطاوعياً، ولا يصحّ القبول به.

ص: 213


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 377 - 378.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 380.
3- - جامع الشتات 2: 319؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 378.

ولو قال الفضولي البائع: «بعتك هذا من نفسي بعشرة دراهم لنفسي» فلا يبعد إلغاء القيدين وصحّة الفضولي للمالك؛ لأنّ تقييد العين الشخصية المبيعة لا يؤثّر شيئاً بعد كونها لمالكها، نظير تقديم الإشارة على القيد في «بعت هذا الفرس العربي» فإذا اُلغي القيد في المبيع، لا تبعد لغويته في الثمن أيضاً؛ تحقيقاً لحقيقة المعاوضة.

وأمّا ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه في الدفاع عن الإشكال(1)، فقد مرّ ما فيه(2)، وقضيّة ثبوت الحكم في الجهات التقييدية لنفس القيد(3) لو صحّت في محلّها، لا تصحّ في المقام؛ ضرورة أنّ مدّعي الملكية يريد بيع المملوك لنفسه بدعوى المالكية، لا للمالك أو لنفسه بما هو مالك، ولا له ودعوى كونه إيّاه.

حول تصحيح كاشف الغطاء بيع الفضولي لنفسه

وربّما يقال: إنّ الإجازة لعقد الفضولي لنفسه، موجبة لصيرورة العوض ملكاً للفضولي، نسب(4) إلى كاشف الغطاء في «شرحه على القواعد»(5) ونقل عن بعض تلاميذه في ذلك وجهان:

أحدهما: أنّ قضيّة بيع مال الغير عن نفسه والشراء بمال الغير لنفسه، جعل

ص: 214


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 383.
2- - تقدّم في الصفحة 210.
3- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 383.
4- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 384.
5- - شرح القواعد، كاشف الغطاء 2: 85.

ذلك المال لنفسه، حتّى أنّه على فرض صحّة ذلك البيع أو الشراء، يتملّكه قبل انتقاله إلى غيره؛ ليكون انتقاله إليه عن ملكه، نظير «أعتق عبدك عنّي» أو قوله: «بع مالي عنك» فهو تمليك ضمني حاصل بالبيع أو الشراء(1).

وفيه: أنّ صحّة نحو «أعتق عبدك عنّي» بنحو يكون العتق من مال الآمر، ممنوعة، بل غير ممكنة؛ لأنّ ذلك لو فرض كونه بمنزلة استيهاب العبد، لكن صيرورة صيغة العتق بوحدتها إيجاباً للتملّك وموجبة للعتق من ماله، غير ممكنة؛ لأنّهما أمران مترتّبان، لا يعقل تحقّقهما بصيغة واحدة؛ بحيث يصير إنشاء العتق مملّكاً ومخرجاً له من مال المالك، الذي يصير مالكاً بهذا الإنشاء.

نعم، يمكن القول بالصحّة في مثل «أعتق عبدي عنك» بأن يقال: إنّ قوله ذلك إيجاب للتمليك، ولا يلزم في القبول إلاّ ما دلّ على الرضا، فقوله: «أعتقته» قائم مقام القبول بمجرّد التلفّظ بأوّل حرف منه، فيصير مالكاً قبل تحقّق إنشاء العتق، فيرد إنشاؤه على ملكه، ولا تلزم الملكية قبل الشروع في الإنشاء.

وبهذا تظهر صحّة «بع مالي عنك» مريداً به إنشاء التمليك؛ فإنّ إيجابه بمنزلة القبول وإيجاب المعاملة اللاحقة، فيصير ملكاً له بأوّل حرف منه قبل تمامية البيع.

ص: 215


1- - اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 384؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 147.

فإن قلت: يمكن تصحيح «أعتق عبدك عنّي» بنحو ما ذكرت في «أعتق عبدي عنك» بأن يقال: إنّ «أعتق عبدك عنّي» إيجاب للتمليك لنفسه فضولاً، فإظهار الرضا بأوّل حرف موجب للتملّك، والعتق يقع في ملكه.

قلت: لا يصحّ الجمع بين التمليك والأمر بالعتق من ماله بصيغة واحدة، ولو اُنشئ الأمر بالعتق للانتقال إلى التمليك، بقي التمليك بلا إنشاء لفظي، وهو غير صحيح.

ولو اُنشئ التمليك بالأمر الكذائي بقرينة، بقي العتق غير مأمور به، وهو خلاف الفرض، وإنشاؤهما معاً بنحو الاستعمال في أكثر من معنى، غير ممكن في المقام ولو قلنا: بالصحّة في العرضيات.

مع أنّ إنشاء الأمر بالعتق مع عدم قيام قرينة موجبة للظهور في التمليك، لا يصلح له، ومع قيام قرينة صارفة لا يكون أمراً بالعتق.

وأمّا في مثل: «أعتق عبدي عنك» لو اُنشئ به التمليك، فلا حاجة إلى الأمر بالعتق؛ فإنّه بالتمليك يصير ملكاً بإظهار القبول، والعتق من ماله لا يحتاج إلى أمر، بخلاف العتق من مال الآمر، فتدبّر.

هذا حال الإذن؛ أي قوله: «بع مالي عنك».

وأمّا الإجازة، فالظاهر أنّها من قبيل «أعتق عبدك عنّي» ولا يمكن تصحيحها؛ بمعنى صيرورة المال بها ملكاً للفضولي، وخارجاً عن ملكه إن كان قوله: «بعت لنفسي» استيهاباً، لتكون الإجازة تمليكاً وإخراجاً للملك بعده.

وإن اُريد تصحيحه بما ذكر في «أعتق عبدي عنك» يأتي الإشكال المتقدّم؛ من عدم صلاحية قوله: «بعته عن نفسي» للأمرين.

ص: 216

مع أنّ هنا إشكالاً آخر، وهو أنّ ما ذكره القائل بقوله -: كما أنّ الإجازة المذكورة تصحّح البيع والشراء، كذلك تقضي بحصول الانتقال الذي يتضمّن البيع الصحيح(1) - لا يمكن تصحيحه بوجه؛ لأنّها إن تعلّقت بنفس المبادلة فلا تنفع لما رامه.

وإن تعلّقت بالتمليك الضمني على فرضه، فكذلك، وصارت المسألة من قبيل من باع ثمّ ملك، وسيأتي الكلام فيه(2).

وإن تعلّقت بالبيع المشتمل على التمليك لا يمكن تصحيحه بما أراد؛ لأنّ مراده إن كان تصحيح البيع والتمليك عرضاً، فلا يمكن كما تقدّم.

مضافاً إلى أنّ التمليك إذا تحقّق فلا وقع لإجازته للبيع.

وإن كان المراد تصحيح البيع أوّلاً، وكشف مالكية الفضولي من صحّته.

ففيه: أنّ الإجازة الواقعة في محلّها لا يمكن أن تكشف عن الملك قبل البيع؛ فإنّ ذلك مستلزم للكشف عن عدم وقوع الإجازة في محلّها؛ ضرورة أنّ بيع الأصيل لا يحتاج إليها، هذا حال مقام التصوّر.

وأمّا بحسب مقام الإثبات والتصديق، فلا شبهة في أنّ الفضولي الغاصب لا يريد بالبيع إنشاء التمليك لنفسه، بل هو بانٍ على أنّ المال ماله، والإجازة لا توجب تأثيراً فيما بنى عليه.

ولو قيل: إنّ الغاصب يبيع ويأخذ الثمن لنفسه، فإذا أجاز المالك ما فعل

ص: 217


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 384 - 385.
2- - يأتي في الصفحة 355.

الفضولي - أي أجاز البيع والأخذ لنفسه - يكون البيع صحيحاً، فيصير الثمن ملكاً لمالك المبيع، ويكون موضوعاً للإجازة، فتكون الإجازة هبة، عكس ما قرّره تلميذ الشيخ(1)، ولا مانع من انحلال الإجازة وانطباقها أوّلاً على المتقدّم، وبعد وجود الموضوع تنطبق على المتأخّر، كالإجازة في المعاملات المتسلسلة المترتّبة.

قلت: هذا وجيه إذا كان الغاصب قصد التملّك، دون ما إذا قصد صرف المال غصباً، كما هو دأب الغاصبين.

نعم، الإجازة موجبة لجواز التصرّف في مال المجيز.

ثانيهما: أنّه لا دليل على اشتراط كون أحد العوضين ملكاً للعاقد في انتقال بدله إليه، فلو قال: «بع هذا لنفسك» فباع، ملك الثمن، وإن خرج المثمن عن ملك غيره(2).

وربّما يستشهد لذلك بمساعدة العرف على مثل اشتراء الثوب لولده أو لبعض السادة، فيخرج الثمن من ملك المشتري، ويدخل المثمن في ملك الولد.

وفيه: أنّ ذلك مخالف لماهية البيع التي هي مبادلة مال بمال، أو تمليك عين بعوض، والأمثلة الموهمة ليست على ما ذكر، بل هي بيع لنفسه، وإعطاء للولد بعده، ويراد بقوله: «أبيع لولدي» انتفاعه به، نظير «اشتريت الجلّ لفرسي، والفراش لمنزلي».

ص: 218


1- - تقدّم في الصفحة 214 - 215.
2- - اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 385.
إشكال آخر في بيع الفضولي لنفسه

وأمّا الإشكال في الفضولي: بأنّ المشتري الأصيل العالم بكون البائع لنفسه غاصباً، قد سلّطه على الثمن، فليس له الرجوع إليه إذا ردّ المالك - على ما حكي عن الأصحاب - وهو كاشف عن عدم تحقّق المعاوضة الحقيقية، وإلاّ كان له ذلك، فإذا أجاز المالك لم يملك الثمن؛ لسبق اختصاص الغاصب به، فيكون البيع بلا ثمن(1).

ففيه: منع عدم جواز الرجوع حتّى فيما لو تلف الثمن، فضلاً عن حال وجوده؛ لأنّ التسليط عليه ليس مجّاناً وبلا عوض، بل في مقابل العين وإن كان البيع فاسداً، نظير تسليطه على ثمن الخمر وآلات القمار وغيرها من المقبوض بالبيع الفاسد، مضافاً إلى منع صحّة الحكاية.

وهنا أمران:
الأمر الأوّل: جريان الفضولي في بيع الكلّي
حکمه

قالوا: لا فرق على القول بصحّة الفضولي، بين كون المبيع أو الثمن عيناً شخصية، أو كلّياً في الذمّة(2).

أقول: هو كذلك فيما إذا كان لشخص مال في ذمّة الغير فعلاً، فباع الفضولي هذا المال المعتبر في ذمّة المديون، وأجاز الدائن.

ص: 219


1- - اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 388.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 390.

وأمّا إذا أراد بيعه ابتداءً من ذمّة الغير، فيمكن الإشكال فيه: بأنّ الكلّي ليس مالاً للغير مطلقاً؛ بحيث كان كلّ غنيّ مالكاً لنقود وأجناس كلّية فعلاً بمقدار تمكّنه، وهو واضح.

وكذلك لو اعتبر الأجنبيّ في ذمّته شيئاً نقداً أو جنساً، لا يصير مالاً له.

نعم، لو كان الأصيل بنفسه بصدد بيع كلّي، فعرضه على المشتري، يكون مالاً ويبذل بإزائه المال، ويستقرّ على عهدته، فلا وقع لاعتبار الأجنبيّ الفضولي، فيكون بيعه بيعاً بلا ثمن أو بلا مثمن.

ولو قيل: إنّ إجازة الأصيل توجب تحقّق المالية.

يقال: - مضافاً إلى أنّ الإجازة المتأخّرة لا بدّ وأن تتعلّق بالبيع، وهو ليس ببيع - إنّها على النقل لا تعقل أن توجد المالية وتصير مصحّحة للبيع؛ لأنّهما أمران مترتّبان، لا يمكن إيجادهما بإنشاء واحد، والكشف الحقيقي غير معقول في المقام، والكشف الحكمي إنّما هو بعد صحّة البيع، فلا يعقل التصحيح به.

والتحقيق أن يقال: إنّ هاهنا إشكالين:

أحدهما: أنّ البيع مبادلة بين المالين، والكلّي ليس بمال، سواء اُضيف إلى ذمّة أو لا.

وفيه: منع كونه ليس بمال، بل هو مال لدى العقلاء ولو لم يضف إلى ذمّة؛ فإنّ كرّاً من الحنطة - باعتبار قابليته للوجود - له قيمة لدى العقلاء، فيقال: «إنّ الكرّ منه يساوي عشرين ديناراً مثلاً، ومثقالاً من الذهب يساوي كذا» وإلاّ فبالإضافة إلى الذمّة أيضاً لا يصير مالاً؛ ضرورة أنّ الإضافة الناقصة التصوّرية لا يعقل أن تكون موجبة لذلك.

ص: 220

وعروض التمام عليها بعد الإنشاء - مضافاً إلى عدم الدليل على إيجابه ذلك - لا يفيد؛ للزوم كون المالية قبل إيقاع المعاملة، حتّى يصدق عليها «البيع» ولا يعقل أن يكون الإنشاء موجباً للمالية في الرتبة السابقة، وموجباً لبيع المال في اللاحق.

فالحقّ: أنّ الكلّي الذي مصاديقه مال، يصدق عليه «المال» عرفاً، فلا إشكال من هذه الناحية، بل الإضافة إلى الذمّة توجب صيرورته كلّياً عقلياً غير قابل للوجود، فتكون الإضافة سالبة للمالية، لا موجبة لها.

ثانيهما: أنّ البيع عبارة عن تبادل الإضافتين، فلا بدّ من أن يكون الكلّي مالاً للبائع، مع أنّه بدون الإضافة إلى ذمّته ليس مالاً له بلا إشكال، والإضافة التصوّرية لا توجب الملكية، ولا سيّما إذا كانت من الأجنبيّ، والإضافة التامّة تتحقّق بعد الإنشاء.

فلا يعقل أن يكون الإنشاء موجباً لملكية الكلّي والخروج عن ملكه ولو إنشاءً.

كما لا يعقل أن تكون الإجازة موجبة لذلك؛ فإنّه - على النقل - يأتي الإشكال المذكور، ولا يعقل الكشف الحقيقي في المقام، والكشف الحكمي لا يمكن أيضاً؛ لأنّه إنّما هو بعد صحّة البيع بالأدلّة العامّة، ولا يعقل أن يكون

كاشفاً أو موجباً لانطباق الأدلّة.

والجواب: منع كون البيع عبارة عن تبادل الإضافتين المذكورتين، بل البيع عبارة عن مبادلة المالين، ولا يتوقّف ذلك على كون المال ملكاً.

بل التبادل بين المالين قد يكون في الملك، كما هو الغالب الشائع، وقد يكون

ص: 221

في غيره، كتبادل مال الوقف في الأوقاف العامّة لو قلنا: بعدم ملكيتها حتّى للجهات(1)، فإنّ البيع صحيح إذا وقع من وليّها، وتمليك العين بالعوض صادق عليه، وكذا مبادلة المال بالمال، مع أنّها لا تخرج بالبيع عن ملك أحد، ويصير العوض وقفاً عامّاً.

وكذا الحال في بيع الزكاة والخمس بناءً على عدم كونهما ملكاً للفقراء أو للجهة، بل الظاهر الصدق في بيع الطير في السماء، والسمك في البحر، مع القدرة على التسليم.

وبيع الحرّ عمله، وبيع الشخص ما في ذمّته، مشتركان في الإشكال مع المورد، والدفع ما ذكرناه، كما مرّ في أوائل البيع(2).

كيفية تعيين الكلّي في الذمّة

ثمّ إنّ تعيين الكلّي في الذمّة، بإضافة البيع إليها في اللفظ؛ بأن يقول: «بعت من قبل زيد» أو يقول: «بعت من زيد» أو بنيّة ذلك، وأمّا إضافة الكلّي إليها، فقد مرّ الإشكال فيها (3).

ولو قيل: يبيع من ذمّته على أن تكون الذمّة ظرفاً لا قيداً.

قلنا: ليس الكلّي موجوداً ولو اعتباراً في الذمّة، ليكون صاحب الذمّة مالكاً لجميع ما يمكن اعتباره فيها.

ص: 222


1- - يأتي في الجزء الثالث: 185.
2- - تقدّم في الجزء الأوّل: 19 و27.
3- تقدّم في الصفحة 220.

نعم، يمكن التعيين بالجعل إنشاءً على الذمّة، فيقول: «بعت على ذمّة فلان» ويكون المراد من «ذمّة فلان» ذلك.

فلو ذكر في اللفظ ذلك فأجاز، فالظاهر صحّته ووقوعه لصاحب الذمّة، كما في غيره من الفضولي، ولو ردّه يقع باطلاً.

ولو قيل: إذا لغا القيد بقي البيع - بلا قيد - صحيحاً راجعاً إلى العاقد.

يقال: إنّ الإضافة ولو بالقصد، توجب التعيين، والردّ لا يوجب إلغاء القيد من الأوّل حتّى يدّعى الانصراف إلى العاقد.

مضافاً إلى أنّ تعيين العاقد مع عدم الانتساب إلى الغير، ليس لأجل الانصراف، بل لأجل التعيين الارتكازي من العاقد، ومع قصد غيره لا معنى لذلك.

ولو لم يذكر القيد في اللفظ ونوى ذمّة الغير، فإن أجازه فالظاهر صحّته له، وإن ردّ يقع باطلاً من رأس، وإن ألزم العاقد في مقام الظاهر.

وقد يقال في هذه الصورة بالصحّة واقعاً للعاقد مع الردّ، ولصاحب الذمّة مع الإجازة. قال: «أمّا وقوعها للعاقد، فلاُمور مسلّمة في باب المعاملات:

أوّلها: أنّ الاُمور البنائية والأغراض المنويّة لا أثر لها.

ثانيها: أنّ الالتزامات العقدية يملكها كلّ من المتعاقدين.

ثالثها: عدم اعتبار تعيين المالكين في المعاوضات، ومقتضاها أن يكون نفس العاقد هو الملزم بالالتزامات الصريحة والضمنية، وأن يكون طرفه هو المالك لها عليه، فلا وجه لبطلان المعاملة لو ردّ من قصده العاقد.

وأمّا وقوعها له لو أجاز، فلأنّ القصد وإن لم يؤثّر في صرف الالتزامات إلى

ص: 223

الغير، إلاّ أنّه لا ينفكّ عن أثره التكويني، فيجعل المعاملة كالمادّة الهيولانية القابلة لصرفها إلى الغير بإجازته، فيكون القصد كجعل التولية للغير، وتكون الإجازة بمنزلة القبول»(1).

وفيه أوّلاً: أنّ ما لا أثر له من الأغراض المنويّة المترتّبة على شراء المبيع، مثل شراء الدواء للصحّة، وشراء الماء للشرب، والاُمور البنائية - مثل البناء على اشتراط من غير ذكره في ضمن العقد - لا ربط له بالمورد؛ أي تعيين البائع بالقصد، لعدم الشبهة في حصول التعيّن بالقصد.

فلو قصد الوكيل البيع لنفسه يقع له، ولو قصد لموكّله يقع للموكّل، وكذا الحال في بيع الوليّ... إلى غير ذلك ممّا هو متعارف في سوق المسلمين من التعيين بالقصد، من غير ذكر صاحب السلعة، ولا شكّ في أنّ العقود تابعة للقصود، وليست القصود بلا أثر.

ومنه يظهر: أنّ مقدّمته الثانية غير مربوطة بالمورد؛ ضرورة أنّ الفضولي القاصد للبيع من ذمّة الغير، ليس طرفاً للالتزامات العقدية، ولا يملك المشتري عليه شيئاً بحسب الواقع، وإن كان ملزماً في الظاهر، فلا تنتج المقدّمات إثبات مطلوبه.

مع أنّه بمكان من الضعف؛ ضرورة أنّ الكلّي بما هو، لا يتعيّن ولا يتعلّق بذمّة، والتعلّق بذمّة العاقد البائع إنّما هو لأجل التعيين الارتكازي، ومع قصد الخلاف لا معنى لتعلّقه بها، ولو قلنا: بأنّ التعلّق بها لأجل الانصراف، فلا وجه له

ص: 224


1- - منية الطالب 2: 49.

مع قصد الخلاف أيضاً، ولا يؤثّر ردّ الغير في قصد العاقد، ولا يجعله لا شيء من أوّل الأمر حتّى يقال: إنّ إطلاق «العقد» ينصرف إلى كذا.

وما ذكرناه هو الفارق بين الكلّيات والأعيان المملوكة الخارجية؛ فإنّها متعيّنة بلا تعيين، فيمكن أن يقال: إنّ قصد كونها لنفسه أو خروجها عن ملكه لا أثر له، ومعه تصير المبادلة قهراً بينها وبين الثمن لمالكها الواقعي، بخلاف المقام، فإنّ إلغاء القيد لا يوجب إضافتها إلى العاقد، وهو واضح جدّاً.

وثانياً: على فرض تسليم كون القصد بلا أثر، فلا وجه لصيرورة الإجازة مؤثّرة للصرف.

وما ذكره: من أنّ أثره التكويني يجعل المعاملة كالمادّة الهيولانية... إلى آخره، لا يرجع إلى محصّل؛ فإنّ القصد لو أثّر تكويناً، لا بدّ وأن يكون تأثيره فيما يقصده، وهو الإضافة إلى الغير، فكيف يمكن أن يكون أثر قصد البيع عن ذمّة الغير، مؤثّراً تكويناً في صيرورة المعاملة كالمادّة القابلة للصرف إلى الغير؟!

والإنصاف: أنّ ما أفاده رحمه الله علیه لا يمكن المساعدة على شيء منه.

وحيث عرفت: أنّ قصد البيع للغير أو إضافته إليه يوجب صرف الكلّي إليه، ظهر التنافي بين إضافة البيع إلى الغير، وإضافة الكلّي إلى نفسه بنحو ما ذكرناه، وبالعكس.

فلو جمع بينهما وقال: «اشتريت هذا لفلان بدرهم على ذمّتي» أو «اشتريت هذا لنفسي بدرهم على ذمّة فلان» فإن قلنا: بأنّ هذه المبادلة لا تنافي

ص: 225

ماهية البيع، أو لا مانع من دخول المبيع في ملك شخص، وخروج الثمن عن كيس غيره، فلا تنافي بين القيدين، ويصحّ البيع بالإجازة.

وإن قلنا: بمنافاتها لها، فالظاهر بطلان البيع في كلتا الصورتين.

وقد مرّ: أنّ قياس الكلّي بالأعيان الخارجية مع الفارق، والكلّي والموجود الخارجي في المقام نظير بيع الفرس العربي الكلّي وبيع الفرس الخارجي بعنوان «العربي» حيث إنّ الفرس غير العربي لا ينطبق عليه عنوان المبيع؛ أي الكلّي المقيّد، ولا يصحّ أن يقال: إنّ بيع الفرس صحيح، والقيد ملغىً، أو فقد القيد موجب للخيار.

بخلاف الثاني، فإنّه مع فقد القيد يصحّ البيع؛ لوقوعه على الموجود الخارجي، والتقييد لا يوجب عدم وقوعه عليه، بل التخلّف موجب للخيار، فالكلّي لا تعيّن له إلاّ بإضافته إلى ذمّة، ومع الإضافة إلى ذمّة الغير يتعيّن بها، فلو أتى بما ينافيه لا يتعيّن بشيء منهما ولا بغيرهما.

وما قيل: من أنّه مع تعارض القيدين وتساقطهما يرجع إلى العاقد؛ لأنّ المطلق ينصرف إليه بحسب طبعه(1).

في غير محلّه؛ لأنّه - مضافاً إلى أنّ وقوع العقد بلا قيد للعاقد ليس لأجل انصراف المطلق إليه، بل لأجل القصد الارتكازي، ومع فقده لا ينسب إليه - أنّ التعارض الموجب للتساقط لا يوجب حصول مطلق منصرف إلى العاقد؛ ضرورة أنّ الإطلاق عبارة عن الإيقاع بلا قيد، وسقوط القيدين

ص: 226


1- - منية الطالب 2: 45.

لا يوجب عدم القيد من أوّل الأمر.

وأمّا ما قيل في تصحيح الصورة الاُولى - أي قوله: «اشتريت هذا لفلان بدرهم على ذمّتي» - تارة: بدعوى كونه متضمّناً للهبة، نحو قوله: «اشتر بمالي لنفسك طعاماً».

واُخرى: بإرجاعه إلى الضمان، فيكون معناه «اشتريت لفلان بدرهم في ذمّته، ولكنّي تعهّدت الدرهم وضمنت»(1).

ففيه: - مضافاً إلى أنّه مجرّد تصوّر خارج عن محلّ البحث - أنّ التوجيه المذكور، للتخلّص عن الإشكال الوارد، وهو عدم صحّة خروج الثمن عن ملك غير من يدخل المثمن في ملكه، ولا يصحّ التخلّص عنه بالوجه الأوّل؛ لأنّ الإنشاء الواحد لا يمكن أن يكون مملّكاً، أو إنشاءً للتمليك وفي الرتبة المتأخّرة، أو في الحال المتأخّر مخرجاً للملك الحادث به عن كيس مالكه ولو إنشاءً.

بل الوجه الثاني أيضاً غير معقول مع إنشاء واحد؛ بحيث يصير الإنشاء مملّكاً، وفي الرتبة المتأخّرة موجباً لضمان ما صار مملّكاً له.

نعم، يمكن أن يكون قوله: «اشتريت لفلان بدرهم» إنشاءً مستقلاًّ، يراد به أنّه في ذمّة فلان، وقوله: «في ذمّتي» إنشاءً آخر في قوّة قوله: «وهو في ذمّتي» ويراد به التعهّد وضمّ ذمّته إلى ذمّة فلان، لكنّه مجرّد فرض خارج عن مصبّ الدعوى والكلام.

ص: 227


1- - منية الطالب 2: 46.
الأمر الثاني: جريان الفضولي في المعاطاة

الظاهر جريان الفضولي في المعاطاة؛ لما تقدّم من أنّها بيع حقيقة(1)، بل هي البيع الشائع في السوق من لدن حضارة البشر، وتحقّق المبادلات والمعاملات اللفظية كانت في موارد خاصّة ومتأخّرة عن المعاطاة، وعليه فشمول أدلّة الإنفاذ لها أولى من المعاملات اللفظية.

ثمّ من الواضح أنّ الإعطاء التكويني والتقابض الخارجي - بما هو أمر تكويني - ليس سبباً وإنشاءً للمعاملة، بل الإعطاء بعنوان إيقاع البيع سبب، أو موضوع لحكم العقلاء واعتبارهم، فكما أنّ إنشاء المعاملة باللفظ موضوع لحكمهم، كذلك الإنشاء بالفعل.

وكما أنّ إنشاء الفضولي باللفظ قابل للحوق الإجازة واعتبار العقلاء وحصول موضوع اعتبارهم، كذلك الإنشاء بالفعل.

والخلط بين القبض والإقباض تكويناً، وبين ما هو موضوع حكمهم، صار سبباً لإشكال بعضهم في جريان الفضولي في المعاطاة حتّى بناءً على حصول الملك؛ بدعوى: أنّ الفعل الواقع من الفضولي لا يعنون إلاّ بعنوان الإعطاء والتبديل المكاني، وأمّا تبديل طرفي الإضافة، فمصداقه إمّا إيجاد المادّة بالهيئة، وإمّا فعل المالك، فإنّه حيث يقع في مقام البيع والشراء، يعنون بالعنوان الثانوي بتبديل طرفي الإضافة.

ص: 228


1- - تقدّم في الجزء الأوّل: 84 و235.

والفرق بينه وبين القول: هو أنّه يمكن انفكاك حاصل المصدر عن المصدر في الإنشاء القولي، فإذا أجاز المالك وأسنده إلى نفسه وقع له، وأمّا الفعل فاسم المصدر منه لا ينفكّ عن مصدره؛ بمعنى أ نّه ليس للإعطاء اسم مصدر غير العطاء، وهذا لا ينفكّ عنه، وبإجازة المالك لا ينقلب الفعل عمّا وقع عليه(1)، انتهى.

وأنت خبير بما فيه؛ فإنّ الفعل من الفضولي الصادر بعنوان البيع، يكون له عنوان ذاتي، هو الإعطاء والإقباض، وعنوان ثانوي؛ باعتبار صدوره عن قصد المعاملة، وبهذا الاعتبار يكون بيعاً فضولياً معاطاةً، وإيقاعاً للتمليك، وقابلاً للإجازة، وبها تتحقّق الملكية الاعتبارية كما في الإنشاء القولي، طابق النعل بالنعل.

فنفي تبديل طرفي الإضافة عنه، والحصر في القول وفي الفعل الصادر من المالك، لا وجه له.

وبالجملة: بيع الفضولي المعاطاتي مركّب من أمرين صحيحين: الفضولي، والمعاطاة، الموافقين للقاعدة.

وأمّا الإشكال عليه: بأنّ الإقباض محرّم، فلا يحصل به البيع؛ بدعوى أنّ المبغوض والمنهيّ عنه لا يمكن أن ينفذه الشارع الأقدس(2).

ففيه: - مع أنّ التحريم لا يدلّ على الفساد - أنّ النهي عنه هو التصرّف في

ص: 229


1- - منية الطالب 2: 51 - 52.
2- - اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 395.

مال الغير بلا إذنه، وعنوان المعاملات غيره وإن اتّحدا في الخارج، والإنفاذ القانوني غير الناظر إلى المصاديق والعناوين المنطبقة على المعاملات خارجاً، غير إنفاذ المحرّم بعنوانه.

مضافاً إلى ما مرّت الإشارة إليه سابقاً: من أنّ المحرّم - على الفرض - هو البيع قبل وجوده، والإنفاذ له بعده، فلا مزاحمة بينهما (1)، فلا مانع من حرمة البيع وشمول أدلّة النفوذ له على فرض تحقّقه.

وأمّا الجواب عنه: بأنّ النهي لو دلّ على الفساد، لدلّ على عدم ترتّب الأثر المقصود، وهو استقلال الإقباض في السببية، فلا ينافي كونه جزء سبب، كما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه(2).

ففيه: أنّ النهي إذا اقتضى الفساد وعدم ترتّب الأثر المقصود، يقتضي عدم ترتّب الأثر الناقص أيضاً.

وبعبارة اُخرى: إمّا أن يكون النهي إرشاداً إلى الفساد، فلا يفرّق فيه بين الأثر الناقص - أي جزء السبب - والتامّ، وإمّا أن يكون للتحريم، وهو لا يجامع إنفاذ المعاملة، فلا يفرّق أيضاً بينهما.

هذا بناءً على ما هو التحقيق من حصول الملكية بالمعاطاة.

وأمّا بناءً على الإباحة، فإن كانت مالكية فيمكن أن يقال: بجريان الفضولية فيها؛ لأنّ الإباحة المالكية ليست بمعنى الإباحة استقلالاً وابتداءً، بل ما صدر

ص: 230


1- تقدّم في الصفحة 198.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 395.

من المتعاطيين ليس إلاّ البيع، والقائل بالإباحة يقول: «إنّ المعاملة متضمّنة للإباحة» كما يقال في المقبوض بالبيع الفاسد.

وهذا وإن كان خلاف التحقيق، لكن بناءً عليه يمكن أن يقال: إنّ الإجازة متعلّقة بالبيع المتضمّن للإباحة، فإذا ثبت بالإجماع عدم حصول الملكية في المعاطاة، تؤثّر الإجازة في الإباحة الضمنية، ويأتي اختلاف النقل والكشف فيها أيضاً، فيقول القائل بالكشف: «إنّ الإجازة توجب الإباحة من أوّل الأمر» أو «إنّ الإباحة التقديرية كافية» والقائل بالنقل يقول: «إنّ إجازة البيع توجب الإباحة من حينها».

وإن كانت الإباحة شرعية، فإن قلنا: بأنّ القاعدة تقتضي صحّة المعاطاة، والإجماع قائم على عدم حصول الملك، وحصول الإباحة شرعاً، فيجري فيها الفضولي أيضاً؛ لأنّ مقتضى القاعدة صحّتها، فإن قلنا: بالاقتصار على المتيقّن من الإجماع، نلتزم في الفضولي بحصول الملك؛ لعدم ثبوت الإجماع فيه.

وإن قلنا: بأولوية الفضولي في شمول الإجماع له، نقول بالإباحة فيها أيضاً. إلاّ أن يقال: إنّ الإباحة ثبتت بالإجماع من غير دخالة البيع، وهو كما ترى.

نعم، بناءً على أنّ المعاطاة على خلاف القاعدة، وأنّ ثبوت الإباحة بالإجماع، لا يجري الفضولي فيها.

ص: 231

القول في الإجازة والردّ

إمکانهما

قد اختلفت كلماتهم في أنّ الإجازة ناقلة أو كاشفة(1).

ولا بدّ قبل الورود في بيان القواعد من البحث عن إمكان كلّ منهما؛ إذ مع امتناع واحد منهما أو كليهما، لا محيص عن طرح القواعد وتأويل الأدلّة، فالأخذ بها فرع عدم الامتناع، أو عدم ثبوت الامتناع.

فقد يقال: بامتناع النقل؛ للزوم تأثير المعدوم، فإنّ العقد حال الإجازة معدوم، والإجازة ليست تمام السبب في النقل، بل البيع دخيل إمّا بنحو تمام السبب، أو جزئه، وكلاهما ممتنع؛ لامتناع دخالة العدم شرطاً أو جزءاً (2).

وفيه ما مرّ: من أنّ ما صار معدوماً هو ألفاظ المعاملات والعقود، وأمّا المعنى المنشأ، فله بقاء اعتباري، ولا يحتاج في باب الاعتبارات إلى أزيد من ذلك، وليست العقود مؤثّرات نحو تأثير العلّة والسبب، بل هي موضوع اعتبارات العقلاء والشارع الأقدس(3).

والسند للبقاء الاعتباري عند العقلاء، هو صحّة فسخ العقود الخيارية، وصحّة الإقالة، وصحّة لحوق القبول بالإيجاب عرفاً... إلى غير ذلك ممّا هو

ص: 232


1- - اُنظر مفتاح الكرامة 12: 604 - 605؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 399.
2- إيضاح الفوائد 1: 419؛ اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 400.
3- - تقدّم في الصفحة 143 - 144 و208.

مبنيّ على بقاء العقد، فالإجازة ليست لاحقة بأمر معدوم، كما أنّ المعدوم لم يكن مؤثّراً ولا موضوعاً للحكم.

وقد يقال في الجواب: إنّ المنشأ بنظر المنشئ لا يتخلّف عن الإنشاء، وإنّما المتخلّف هو المنشأ في عالم الاعتبار العقلائي أو الشرعي، وهو إذا كان متوقّفاً على رضا المالك، لا يتحقّق بمجرّد إنشاء الفضولي(1).

وفيه: بعد فساده في نفسه؛ فإنّ المراد بالمنشأ إن كان النقل الاعتباري واقعاً؛ بحيث صار التبادل بين العوضين حاصلاً، فلا يعقل حصوله عند المنشئ الفضولي بعد التفاته إلى أنّ النقل الواقعي منوط بإجازة المالك، اللهمّ إلاّ أن يكون

ذاهلاً أو جاهلاً.

وإن كان المراد حصول المنشأ - أي العناوين الإنشائية كالبيع ونحوه - فلا شبهة في حصوله بنظر الكلّ؛ ضرورة أنّ المنشأ قبل الإجازة بيع وإجارة ونحوهما.

أنّه غير مربوط بالإشكال، بل تسليم له.

إلاّ أن يقول: بأنّ الإجازة تمام السبب من غير دخالة البيع بوجه، وهو كما ترى.

وربّما يقال: بامتناع الكشف؛ لاستلزامه القول بالشرط المتأخّر، وهو محال؛ لمساوقته لتأثير المعدوم، وتقدّم المعلول على العلّة(2).

ص: 233


1- - منية الطالب 2: 56.
2- - إيضاح الفوائد 1: 420؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 401.

وقد أجابوا عنه بوجوه، ذكرنا بعضها في الاُصول(1)، ولا بأس بالإشارة إلى بعضها.

فمنهم: من ذهب إلى صحّة الشرط المتأخّر حتّى في التكوينيات، قائلاً: إنّ المقتضي هو حصّة خاصّة من الطبيعي، حاصلة بإضافته إلى شيء ما، والمضاف يسمّى «شرطاً» والمؤثّر نفس الحصّة، وما هذا شأنه جاز أن يتقدّم على المضاف إليه، أو يتأخّر، أو يقارن(2).

وفيه: أنّ المؤثّر في التكوين هو نحو وجود حقيقي حاصل من مبادئه الوجودية، ولا يعقل حصوله بالإضافات الاعتبارية، فقياس التكوين على التشريع في غير محلّه.

مع أنّ الإضافة إلى المعدوم محال في المقولية منها والاعتبارية:

أمّا في المقولية فواضح؛ ضرورة تكافؤ المتضايفين قوّةً وفعلاً.

وأمّا في الاعتبارية، فلاستلزامه الإشارة إلى المعدوم بما هو معدوم، والضرورة قاضية بعدم إمكان كون العدم مشاراً إليه، ولا موضوعاً لحكم أو لإشارة.

نعم، قد يتخيّل مفهوم المعدوم ويشار إليه، فالإشارة إلى الموجود ذهناً، لا إلى المعدوم، وهو واضح.

ومنهم: من أراد التخلّص عن الشرط المتأخّر، كالمحقّق الخراساني قدّس سرّه، حيث ذهب إلى أنّ العلّة في الاُمور الاعتبارية التي لا وجود لها إلاّ بمنشأ

ص: 234


1- - راجع مناهج الوصول 1: 272.
2- - بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1: 320.

انتزاعها، ليس إلاّ لحاظ ما هو منشأ الانتزاع، فكما يمكن لحاظ المقارن، يمكن لحاظ المتقدّم، والمتأخّر، وما هي علّة مقارنة(1).

وفيه: أنّ الملحوظ بالعرض لا بدّ وأن تكون له خصوصية، بها يكون منشأً للانتزاع، وإلاّ صحّ انتزاع كلّ شيء من كلّ شيء، فالإجازة فيما نحن بصدده، لو لم تكن دخيلة بوجه من الوجوه في صحّة العقد، فلا وجه للحاظها وانتزاع أمر منها أو اعتباره، حتّى يقال: إنّها بوجودها اللحاظي كذلك.

وإن كانت كذلك دخيلة، فدخالتها في حال العدم محال، فلا بدّ وأن تكون حال وجودها ذات خصوصية كذلك.

ومعه لو لوحظت واُريد الاعتبار بلحاظ حال الوجود فلا كلام، ولا ربط له بما نحن بصدده.

وإن اُريد الاعتبار لحال عدمها فلا يعقل؛ لفقد الخصوصية اللازمة، فهل يمكن لحاظ حصول الزوجية غداً لاعتبارها حالاً؟!

وكالمحقّق صاحب «الفصول» قدّس سرّه، تبعاً لأخيه المحقّق على ما حكي(2)، حيث ذهب إلى أنّ وصف «التعقّب بالإجازة» شرط، لا نفسها، وهو حاصل حين العقد.

وفيه: أنّ الأوصاف الإضافية لا يعقل الاتّصاف بها فعلاً إلاّ مع اتّصاف مضايفاتها فعلاً، فلا يعقل انتزاع الاُبوّة أو الاتّصاف بها، إلاّ مع فعلية اتّصاف

ص: 235


1- - كفاية الاُصول: 118 - 119.
2- - الفصول الغروية: 80 / السطر 36؛ اُنظر هداية المسترشدين 2: 175 و273؛ منية الطالب 2: 53.

شخص آخر بالولدية، وعنوان «التعقّب» و«التقدّم» و«التأخّر» من الإضافيات، فلا بدّ وأن يكون المتأخّر موصوفاً بالتأخّر حال اتّصاف المتقدّم بالتقدّم، ولا يعقل اتّصاف المعدوم - بما هو معدوم - بشيء.

ولو تشبّث بالوجود اللحاظي، يرد عليه: أنّ الطرف ليس لحاظ الشيء، بل نفسه، فالحلّ من طريق العقل الدقيق بهذا المسلك لا يمكن.

نعم، لو اُريد بوصف «التعقّب» العنوان الذي تأتي بعده الإجازة، أو اُريد الحلّ في محيط العرف، ويقال: إنّ الموضوع عرفي لا عقلي، والعرف يرى اليوم مقدّماً على الغد عنواناً، وينتزع من اليوم التقدّم ومن الغد التأخّر فعلاً وإن كان العقل يخطّئه، لا بأس به.

ولنا في حلّه طريق عقلي دقيق ذكرناه في الاُصول، فراجع(1).

وبالجملة: لا دليل على الامتناع، فلو دلّ دليل على النقل أو الكشف، لا يجوز ردّه للامتناع.

نعم، بعض أقسام الكشف - وهو الكشف الانقلابي - محال إن اُريد القلب حقيقة؛ للزوم اجتماع النقيضين، واجتماع المالكين المستقلّين على مملوك واحد، ولزوم القلب المستحيل، وسيأتي بعض الكلام في القلب(2).

ولا مانع من الكشف الحكمي؛ بمعنى ترتيب آثار الملك أو بعضها من الأوّل لو دلّ عليه دليل.

ص: 236


1- - مناهج الوصول 1: 276 - 277.
2- - سيأتي في الصفحة 243 - 245.
حول كون مقتضى القاعدة هو الكشف
إشارة

ثمّ إنّ مقتضى القاعدة هل هو الكشف أو النقل؟

فمن قائل: إنّ مقتضاها الكشف، وقد ذكر في تقريبه وجوه، لا بأس بالإشارة إلى بعضها.

تقريب المحقّق الرشتي

منها: ما أفاده المحقّق الرشتي قدّس سرّه من كفاية الرضا التقديري في صحّة العقد، نظير الإذن المستفاد من شاهد الحال.

قال: إنّ الإجازة كاشفة عن ذلك جدّاً ولو بعد الردّ؛ فإنّ الكراهة الباعثة على الردّ من حيث خفاء الجهة الراجحة، فلا منافاة بين الردّ فعلاً والرضا التقديري.

ثمّ قال: وليس فيه سوى اُمور:

أحدها: أنّه مخالف لظاهر كلمات الفقهاء.

ثانيها: أنّ مقتضاه تأثير الإجازة ولو بعد الردّ، ووقوع الردّ لغواً.

ثالثها: ظهور الأدلّة في اعتبار الرضا الفعلي.

رابعها: أنّ مقتضاه جواز التصرّف قبل الإجازة إذا علم أنّ المالك يجيز.

والكلّ هيّن... إلى أن قال: أمّا الثاني، فإنّ الردّ ليس مانعاً ولو على تقدير اعتبار الرضا الفعلي؛ لعموم الأدلّة وخصوصها.

مضافاً إلى أنّ الردّ يوجب زوال ارتباط العقد بالمالك المجيز، فتكون الإجازة بعده كالرضا الابتدائي من غير عقد، ثمّ أمر بالتأمّل.

ص: 237

وأمّا الثالث، فلمنع الظهور؛ لأ نّا لا نجد فرقاً بين قوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ بطيبة نفسه»(1) وبين قوله تعالى: «إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ»(2) فكما أنّ الرضا التقديري كافٍ في الحلّ تكليفاً، كذلك هنا يكفي في صحّة العقد وتأثيره(3)، انتهى ملخّصاً، وترك الجواب عن الرابع.

ودعواه مركّبة من صغرى: هي أنّ الإجازة كاشفة عن الرضا التقديري جدّاً، وكبرى: هي أنّ ذلك كافٍ في صحّة العقد.

أقول: أمّا كاشفية الإجازة عن الرضا التقديري، ففيه: أنّ الكاشفية إمّا بدعوى كون الإجازة بدلالتها اللفظية دالّة وكاشفة عنه، نظير كاشفية الجملة الخبرية عن المخبر به واقعاً، فهي باطلة بالضرورة، ولا أظنّه كان قائلاً بذلك.

وإمّا بدعوى كونها كاشفة ككشف المعلول عن علّته، أو ذي المبادئ عن مبادئه، ككشف الفعل الاختياري عن الإرادة والرضا والتصديق بالفائدة والتصوّر.

ففيها: أنّ الرضا التقديري في حال عدمه، لا يمكن أن يكون كاشفاً، ولا منكشفاً، ولا من مبادئ وجود الإجازة أو غيرها.

مع أنّ الإجازة الفعلية لا بدّ وأن يكون من مبادئها الرضا الفعلي، ولا يعقل

ص: 238


1- - الكافي 7: 273 / 12؛ الفقيه 4: 66 / 195؛ وسائل الشيعة 5: 120، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 3، الحديث 1، و29: 10، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 1، الحديث 3.
2- النساء (4): 29.
3- - الإجارة، المحقّق الرشتي: 184 / السطر 13.

أن يكون علّتها أو من مبادئها الرضا التقديري.

مضافاً إلى أنّ كاشفيتها عن الرضا الفعلي بالعقد لا تنكر، فلا سبيل إلى القول بأنّها كاشفة عن الرضا التقديري فقط، بل لا بدّ من القول: بأنّها كاشفة عن الرضا الفعلي والتقديري معاً.

فحينئذٍ نقول: إنّ الجمع بين الكاشفية عن الأمر الفعلي والتقديري، جمع بين المتنافيين؛ فإنّ زمان المنكشفين إن كان واحداً، لا يعقل ثبوت الرضا الفعلي والتقديري معاً، حتّى تكون الإجازة كاشفة عنهما.

ولو كان الزمان مختلفاً، لا يعقل أن تكون الإجازة الشخصية والإنشاء الجزئي - بلا قيد - كاشفاً عن الرضا الفعلي في هذا الزمان، والرضا التقديري في زمان صدور العقد.

ولو قيل: إنّ الإجازة كاشفة عن الرضا الفعلي، وهو كاشف عن الرضا التقديري.

يقال: إنّ ذلك أيضاً محال؛ لعدم تناسب بين الرضا الفعلي والتقديري، لا من جهة العلّية والمعلولية، ولا كون أحدهما - بوجه - مبدءاً للآخر.

مع أنّ الرضا التقديري مع عدم حصول ما علّق عليه، معدوم، والمعدوم لا كاشف، ولا منكشف.

وبهذا يتّضح الإشكال في دعوى الملازمة بينهما عقلاً؛ فإنّ الملازمة العقلية لا تكون إلاّ بين المعلولين لعلّة واحدة، والمعدوم - حال عدمه - لا يكون معلولاً، ولا يمكن وجود الملازمة بينه وبين غيره.

وما قرع الأسماع من لوازم الماهيات وملازماتها، ليس بمعنى أنّ المعدوم

ص: 239

حال عدمه له لازم أو ملازم، بل بمعنى أنّ الماهية - مع الغفلة عن وجودها - لها لازم، فاللازم لازمها في ظرف الوجود، لا بقيده.

كما أنّ لزوم المعلول لعلّته، إنّما هو في حال الوجود وبالوجود، وإنّما نحكم بعناوين مناسبة أنّ كلّ معلول لا ينفكّ عن علّته التامّة، أو أنّ النهار لازم طلوع الشمس، لا بمعنى حصول الملازمة بينهما في حال العدم، وهو واضح.

فتحصّل ممّا مرّ: أنّ القول بكشف الإجازة عن الرضا التقديري، باطل عقلاً بجميع محتملاته.

نعم، بقي محتمل آخر، وهو الكشف عرفاً، بأن يقال: إنّها كاشفة عرفاً عن الرضا التقديري.

وفيه: - مع الغضّ عن بطلان العدم عند العقلاء والعرف، وعدم الملازمة بين الموجود والمعدوم حتّى عرفاً - أنّ المدّعى لو كان الملازمة بين الإجازة والرضا التقديري؛ بمعنى أنّ المجيز لو علم حال العقد به لأجاز، سواء كان في نظره صلاحاً أو لا، فهذا باطل بالوجدان.

وإن كان المدّعى أنّ كلّ عقد وجد في زمان، وهو موافق للصلاح بنظر المالك، فهو ذو صلاح حال العقد بنظره، فهو أفسد؛ ضرورة أنّ المصالح كثيراً ما تتغيّر.

بقي وجهٌ آخر لم يكن مراده جزماً، لكن نذكره تتميماً للبحث، وهو الملازمة بين الإجازة والرضا التقديري بما أنّه تقديري.

وبعبارة اُخرى: الملازمة بين الإجازة والقضيّة التعليقية؛ أي قضيّة لو علم لرضي به.

ص: 240

وفيه: - مضافاً إلى ورود بعض الإشكالات العقلية المتقدّمة عليه - أنّ لازمه عدم اعتبار الرضا مطلقاً في العقد، بل المعتبر هو تعليق الرضا على شيء آخر، وهو كما ترى، هذا كلّه في الصغرى.

وأمّا الكبرى؛ أي اعتبار الرضا أعمّ من الفعلي والتقديري ففيها: أنّ الرضا التقديري - قبل حصول المعلّق عليه - ليس بشيء؛ ضرورة صدق قولنا: «إن علم بالعقد رضي به، لكنّه لم يعلم به فما رضي به».

والوجود التقديري إن كان المراد به الوجود في الأعيان قبل حصول ما علّق عليه، فهو باطل بالضرورة، فيرجع كلامه إلى أنّ المعتبر في العقد الرضا، أعمّ من الموجود والمعدوم، وهذا عبارة اُخرى عن عدم اعتبار الرضا مطلقاً.

ولو ذهب إلى الاعتبار بوجوده الذهني التقديري اللحاظي كما أفاده المحقّق الخراساني قدّس سرّه(1)، ففيه ما تقدّم(2).

وإن ذهب إلى الاعتبار في حال العدم، والتزم بالإشكال العقلي في هذه الاُمور الاعتبارية، ففيه: - مع عدم الفرق في الامتناع بين الاعتباريات وغيرها - أنّه على ذلك لا يحتاج إلى ما ذكره، بل له الالتزام بتأثير الإجازة حال عدمها وتأخّرها، وهو أسلم من بعض الجهات ممّا التزم به.

هذا كلّه، مع أنّ نتيجة ما ذكره - على فرض تسليم المقدّمتين - إنكار الفضولي، والالتزام بأنّ كلّ عقد لحقته الإجازة ينكشف أنّه خرج عن الفضولية، فالإجازة كاشفة عن البيع غير الفضولي، لا مصحّحة بعد تسليم الفضولية،

ص: 241


1- - كفاية الاُصول: 118 - 119.
2- - تقدّم في الصفحة 234 - 235.

فهو خروج عن رسم البحث وطرح النزاع.

ثمّ إنّ ما ذكره في جواب ثاني الإشكالات من طريق الحلّ - بأنّ الردّ يوجب زوال ارتباط العقد بالمالك المجيز، فالإجازة بعده كالرضا الابتدائي - يناقض أصل الدعوى، ويهدم المدّعى؛ ضرورة أنّه لو كان المؤثّر هو العقد المقارن للرضا التقديري، فلا معنى لكون الردّ موجباً لزوال الإضافة، وصيرورة الرضا كالابتدائي؛ فإنّ العقد المقرون بالرضا التقديري من الأصيلين يصحّ من أوّل الأمر، فالردّ يقع لغواً، وهو ظاهر، ولعلّ أمره بالتأمّل لذلك.

كما أنّ دفاعه عن الثالث بمنع الظهور في غير محلّه.

بل قوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ بطيبة نفسه» أيضاً ظاهر في الطيب الفعلي، لا التقديري المعدوم الذي مرجعه إلى عدم اعتبار طيب النفس.

نعم، الطيب المخزون في النفس، المعبّر عنه ب- «الطيب الارتكازي» غير الملتفت إليه تفصيلاً، كافٍ في حلّ مال المسلم، لكنّه ليس طيباً تقديرياً، بل طيب فعلي، فهل هو كافٍ في الخروج عن الفضولية؟ فيه كلام، قد سبق منّا بعضه عند تعرّض الشيخ الأعظم قدّس سرّه لذلك(1).

ثمّ إنّه قدّس سرّه أيّد مذهبه بالروايات الخاصّة(2)، فإن كان المراد تأييد الكشف فلا كلام، وإن كان المراد تأييد مسلكه فيه فلا وجه له؛ لأنّها لم تتعرّض لكيفية الكشف، بل غاية ما يظهر منها هو أصله.

ص: 242


1- - تقدّم في الصفحة 160.
2- - الإجارة، المحقّق الرشتي: 185 / السطر 17.
استدلال آخر لكون الكشف على مقتضى القاعدة

وممّا استدلّ به للكشف وأنّه على القاعدة: هو أنّ الإجازة متعلّقة بالعقد المتحقّق سابقاً، والرضا لاحق بمضمونه الذي هو النقل سابقاً، فلا بدّ من الانتقال من حينه، لا من حينها (1).

وإن شئت قلت: إنّ العقد السببي أوجد المنشأ به من حينه؛ لأنّ الإنشاء لا ينفكّ عن المنشأ، والإجازة تعلّقت بهذا المعنى الذي وجد من أوّل الأمر، فلا بدّ وأن يكون بعد لحوق الإجازة مؤثّراً من حينه، فالدعوى مركّبة من أمرين:

أحدهما: أنّ العقد السببي موجد للمسبّب، وهو عناوين المعاملات من حينه.

وثانيهما: أنّ الإجازة متعلّقة بما أوجد العقد، فتجعله كأنّه وجد من المالك.

وفيه: - مضافاً إلى أنّه نقل لا كشف وإن شاركه في الآثار - أنّ تصوّر لازم هذا المدّعى كافٍ في الحكم ببطلانه؛ فإنّ المالكية والمملوكية من المتضايفين المتكافئين في القوّة والفعل.

ولازم كون شيء مملوكاً لشخص في زمان سابق، كون المالك مالكاً فيه، ومعنى كون الإجازة موجبة للنقل من أوّل زمان العقد - أي الزمان السابق - صيرورة المالك مالكاً في هذا الزمان من الزمان السابق، على أن يكون الزمان السابق ظرفاً للمالك والمملوك والملكية.

وهذا موقوف على رجوع الزمان السابق، أو كونه في الزمان اللاحق، وهو ضروري الفساد.

ص: 243


1- رياض المسائل 8: 124؛ اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 400.

وبعبارة اُخرى: أنّ هذا النحو من النقل يشارك الكشف في أنّ المالك مالك في الزمان السابق، وإنّما الفرق بينهما أنّه على الكشف ينكشف أنّ العقد واجد للشرائط من الأوّل بأحد الوجوه المذكورة، وهذا ناقل للملك من حين العقد من هذا الزمان؛ أي يجعله في الزمان السابق مالكاً من هذا الزمان.

وهذا معنىً لا يمكن اعتباره إلاّ مع وجود الزمان، وكون المالك والمملوك فيه، واعتبار الزمان أو الزمان الاعتباري لا يفيد؛ لأنّ العقد لم يقع فيه، بل وقع في الزمان الواقعي، وهو غير قابل للإرجاع، ولا يمكن وقوع زمان في زمان.

هذا، مضافاً إلى لزوم اجتماع النقيضين؛ لأنّ من زمان العقد إلى زمان الإجازة ظرف واحد للمالكية وعدمها، واختلاف ظرف المعتبر أو وجه الاعتبار، لا يوجب اختلاف ظرف ما يعتبر.

أو لزوم الانقلاب المحال، لا بمعنى انقلاب العقد غير المؤثّر مؤثّراً، حتّى يجاب: بأنّ المؤثّر، العقد بعد الإجازة، أو العقد المستند، وغير المؤثّر هو العقد مجرّداً عنهما، بل بمعنى انقلاب غير المالك مالكاً في ظرف واحد، وزمان واحد، فهل يمكن أن يكون زيد غير مالك لشيء أوّل الظهر، ثمّ ينقلب مالكاً في الظرف الذي ليس مالكاً، مع لزوم اجتماع المالكين، ومع لزوم كون شيء واحد في ظرف واحد مملوكاً لواحد فقط، ومملوكاً لاثنين؟!... إلى غير ذلك من المفاسد.

ولعمري، إنّ هذا الرأي أشكل وأفسد من سائر الآراء.

هذا كلّه، مع أنّ الفقيه إذا تصدّى لتصحيح عقد، لا بدّ وأن ينظر إلى ما في محيط العقلاء، وإلى الأدلّة العامّة الشرعية الواردة في محيطهم، فصرف تصوّر أمر بأيّ نحو كان، لا يوجب إرجاع الاُمور العقلائية إليه.

ص: 244

ولا شكّ في أنّ العقد الباقي عند العقلاء والعرف، يكون بقاؤه الاعتباري نحو بقاء سائر الموجودات، فكما أنّ بقاء زيد في مثل قولك: «زيد باقٍ من أوّل عمره إلى الآن» ليس معناه أنّ بقاءه محفوف بجميع عوارضه حتّى زمانه، ليكون معناه بقاءه مع زمانه السابق في اللاحق، كذلك بقاء العقد.

فالعقد المسبّبي الذي وجد في الزمان السابق، باقٍ إلى الزمان اللاحق، على أن يكون الزمان ظرفاً لا قيداً، وهذا واضح عقلاً وعرفاً.

وأيضاً: لا شبهة في أنّ إيقاع البيع في محيط العقلاء، ليس إلاّ تبديل العوضين إنشاءً من غير نظر إلى الزمان، وإنّما هو من ضروريات وجوده، لا من قيوده، فعليه تكون الإجازة ملحقة به، ويتمّ في التأثير.

وهذا لا إشكال فيه؛ لمساعدة العرف والعقلاء عليه، وموافقته للقواعد الشرعية، بل لو قيّد عقده بالزمان فقال: «بعت في هذا الزمان» لم يكن القيد إلاّ قيداً للإيقاع؛ إذ لا معنى للبيع المتقيّد بالزمان، ولو قيّده وقع لاغياً عند العقلاء.

مع أنّ القيد المزبور لا يوجب رفع الإشكالات العقلية المتقدّمة؛ إذ لا تأثير للعقد مجرّداً عن الإجازة، وإنّما الأثر بعدها، فتأتي الإشكالات العقلية، ومعه لا بدّ إمّا من الالتزام بلغوية التقييد، أو لغوية أصل العقد المقيّد.

بيان المحقّق النائيني لكون الكشف الحكمي على مقتضى القاعدة

وممّا ذكرنا ظهر ما في إفادات بعض أعاظم العصر رحمه الله علیه؛ من أنّ الإجازة ليست كالقبض، بل هي صورة للمادّة المتحقّقة، وإنفاذ من المالك لما سبق، كإنفاذ الحاكم حكم مجتهد آخر، فما يمكن ترتيبه من السابق بإنفاذ المالك يجب ترتيبه.

ص: 245

فعلى هذا: تكون واسطة بين الكشف الحقيقي والنقل، وهو الكشف الحكمي الموافق للقاعدة.

ثمّ أوضح مراده: بأنّ الإجازة لمّا كانت إنفاذاً لما سبق، فمن جهة أنّ السبب التامّ للنقل لا يتحقّق بدونها، فهي ناقلة، ومن حيث إنّها إنفاذ، يجب من حين الإجازة ترتيب الآثار التي لها اعتبار وجود حين الإجازة من حين العقد، فهي كاشفة.

فعلى هذا: يقع التفكيك بين الملك وآثاره من النماء والمنافع، فالملكية لا يمكن تحقّقها قبل الإجازة، وليس لها اعتبار وجود في الحال، بخلاف المنافع فإنّه يمكن تحقّقها من قبل؛ لأنّ لها اعتبار وجود في الحال باعتبار تعلّق الضمان بها، فلو أجاز المالك استيفاء المنافع لمستوفيها، تسقط اُجرتها وضمانها.

ثمّ قال: كما يمكن اعتبار التأخّر في المملوك مع عدم إمكان تأخّر الملك كما في الإجارة، كذا يمكن اعتبار التقدّم فيه، فإذا تحقّقت الإجازة فالنقل وإن حصل حينها، إلاّ أنّ المنقول - باعتبار آثاره - يتحقّق من قبل، وهذا كشف حكمي؛ أي نقل حقيقي مع ترتيب الآثار السابقة التي أمكن ترتيبها على العقد بوصف السبق(1)، انتهى ملخّصاً.

أقول: في كلامه اضطراب، ولم يتّضح أنّ مراده من التفكيك هل هو التفكيك الواقعي؛ بمعنى أنّ الإجازة لم تؤثّر في ملك العين من الأوّل، بل ناقلة بالنسبة إليه في الحال، وتؤثّر في ملك المنافع والنماءات من الأوّل؛ أي بعد الإجازة

ص: 246


1- - منية الطالب 2: 55 - 56.

صارت المنافع ملكاً له من الأوّل؛ لأنّ اعتبار الملكية فيها له آثار، دون ملكية العين، كما هو ظاهر بعض تعبيراته، كتشبيه المقام بالإجارة، والتصريح بعدم الفرق بين المنافع المتأخّرة والمتقدّمة؟

أو مراده التفكيك تعبّداً، فذهب إلى حصول الملكية بالنسبة إلى العين في الحال، وترتيب آثار الملكية بالنسبة إلى المنافع والنماءات من الأوّل؟

وكيف كان: لا يصحّ على أيّ منهما.

أمّا على الأوّل: فلأنّه مضافاً إلى الإشكالات العقلية المتقدّمة(1) بالنسبة إلى المنافع والنماءات، كانقلاب اللا ضمان إلى الضمان من الأوّل، وسائر الإشكالات.

ومضافاً إلى أنّ التعبير بالمادّة والصورة لم يتّضح وجهه، فإن كان الوجه هو عدم مؤثّرية العقد إلاّ بها، فهذا موجود في القبض، بل أولى فيه؛ لأنّه الجزء الأخير للسبب، فيمكن أن يقال: إنّ الأثر مترتّب عليه، وأمّا الإجازة فصرف كونها إنفاذاً للعقد، لا يوجب ذلك.

وإن كان الوجه أنّ العقد يصير عقداً بالإجازة، فهو كما ترى، ولعلّه تفنّن في العبارة.

يرد عليه: أنّ العقد لا يكون مضمونه إلاّ تبديل العوضين، والمنافع والنماءات خارجة عن مضمون العقد، وإنّما تصير ملكاً لمالك العين؛ لتبعيتها لها، لا لأصالتها في النقل، وهو واضح.

ص: 247


1- - تقدّم في الصفحة 243 - 245.

وعلى هذا: فإنفاذ العقد إن أمكن بما رامه، وقع مضمونه من الأوّل على فرض تسليم ما ذكره، وإلاّ وقع لغواً، ولا معنى للتفكيك المذكور.

مع أنّ وجود الأثر لو كان يصحّح الملكية من الأوّل، لكان لملكية العين من الأوّل أثر، وهو ملكية المنافع، والنماءات بتبعها، وإيجاب الضمان من الأوّل مع الغضّ عن الإشكال العقلي.

فالأولى على هذا الفرض أن يقال: إنّ الإجازة لمّا كانت إنفاذاً لمضمون العقد، وقع صحيحاً من الأوّل، وأثره ملكية العين، وملكية النماءات والمنافع تبعاً، والضمان على فرض الاستيفاء والتلف، بل ضمان العين أيضاً في بعض الفروض.

فما أفاده: من أنّه ليس للملكية السابقة اعتبار وجود في الحال بخلاف ملكية المنافع، غير متّجه.

وبهذا يتّضح الإشكال في الاحتمال الثاني؛ فإنّ وجه البناء التعبّدي على ترتيب آثار الملكية في النماءات والمنافع، ليس كون الإجازة إنفاذاً للعقد، بل لو كان الإنفاذ موجباً للتعبّد على طبقه، لا بدّ من القول بتعبّد ترتيب آثار ملكية العين لا المنافع؛ لأنّ الإنفاذ غير مربوط بها، فالتعبّد بها - تبعاً للإنفاذ - لا معنى له.

ثمّ لم يتّضح أنّ التعبّد بترتيب الآثار، هل هو تعبّد عقلائي أو شرعي؟

فإن كان الأوّل: فلا وجه له، بل التعبّد بما ذكر ليس في بناء العقلاء.

وإن كان الثاني: فلا دليل عليه؛ لأنّ العقد بمضمونه إن أمكن إنفاذه بالعمومات، فلا وجه للتفكيك، وإلاّ وقع باطلاً من رأسه، فلا معنى للتفكيك

ص: 248

أيضاً، فظهر أنّ دعوى كون ذلك موافقاً للقاعدة، غير مسموعة.

ثمّ في كلامه مواقع للنظر، كدعوى عدم الفرق بين المنافع اللاحقة والسابقة، مع أنّ الإشكالات العقلية - كالانقلاب، والجمع بين المالكين وغيرهما - لا ترد في اللاحقة؛ لعدم مضيّ الزمان، وإمكان نقل الزماني قبل تحقّق زمانه، بخلاف ما مضى زمانه ووقع فيه على نحو.

وكقوله: لو أجاز المالك استيفاء المنافع لمستوفي المنفعة، تسقط اُجرتها وضمانها، فإنّه إن كان المراد أنّ الإجازة كناية عن إسقاطها، فهو غير مربوط بالمقام.

وإن كان المراد أنّ الإجازة توجب حصول الملكية حال الإتلاف، فلا معنى لإسقاط الضمان، بل لازمه عدم ثبوته، مع أنّه فاسد، وترد عليه الإشكالات العقلية.

مضافاً إلى أنّ الإجازة لا تصلح للتمليك من غير سبق عقد، مع عدم معنىً لملكية التالف المعدوم.

وكتنظير المقام بإنفاذ الحاكم حكم مجتهد آخر، فإنّ حكم الحاكم نافذ، أنفذه المجتهد أو لا، فإنفاذ الثاني كاشف عن نفوذ الأوّل حال حكمه، ولو مثّل له بإنفاذ المجتهد حكم العامّي - على القول به - لكان له وجه، لكنّه أيضاً غير متّجه في غير متّجه.

وممّا ذكرناه يظهر النظر فيما ذكره في آخرة البحث، قال: إنّ الكشف الحكمي موافق للقاعدة؛ للفرق بين الاُمور المتأخّرة الدخيلة في المتقدّم، فإنّها على أقسام:

ص: 249

الأوّل: كالقبض في الصرف، والسلم، والهبة، والوقف، ونحوه، فيتوقّف فيه تأثير العقد على وجوده، ولا مجال لتوهّم الكشف فيه، سواء كان جزء المؤثّر، كالقبض في الصرف، والسلم، أو شرط الصحّة، كالقبض في الرهن، والهبة، والوقف.

الثاني: كالإجازة من المالك والمرتهن ونحوهما، فحيث إنّه ناظر إلى تنفيذ ما وقع سابقاً، فيوجب تأثيره فيما سبق بالنسبة إلى ما يمكن أن يتعلّق به الإنفاذ.

الثالث: كإخراج الزكاة بعد بيع الزكوي، وإبراء الدين من المرتهن، وفكّ الراهن الرهانة، وهذا أيضاً كالثاني بحكم العقلاء؛ فإنّهم يرون الأمر الذي يصير موضوعاً لحكم - بتوسّط عنوان متأخّر - أنّه هو الموضوع، والآثار تترتّب عليه من الأوّل، والمتأخّر واسطة في الثبوت، والأدلّة إمضاء لذلك.

نعم، هذا يختصّ بما إذا كان السابق تمام الموضوع بالنسبة إلى الآثار، كالنماء والمنافع، فبالإجازة ينكشف تحقّق حرّية الولد من قبل، لكنّه لا ينكشف بها أنّ وط ء الزوجة التي عقد عليها الفضولي، زناء بذات البعل، ولا تحقّق الزوجية.

والسرّ فيه: أنّ ترتيب الآثار من قبل إنّما هو بالنسبة إلى الآثار التي لها اعتبار بقاء في زمان الإجازة لا غيرها، ولا نفس المنشأ (1)، انتهى ملخّصاً.

وقد مرّ ما فيه من الإشكالات العقلية(2)، ويرد عليه زائداً: مضافاً إلى وضوح النظر في تفريقه بين القبض في الصرف والسلم، فجعله جزء السبب،

ص: 250


1- منية الطالب 2: 66.
2- - تقدّم في الصفحة 243 - 244.

وبينه في الرهن والهبة والوقف، فجعله شرط الصحّة؛ ضرورة عدم الفرق بينهما نصّاً وفتوى، بل القبض في الجميع شرط عند الاعتبار، ولا دليل على هذا الفرق، فراجع.

ومضافاً إلى ما في دعوى عدم مجال توهّم الكشف فيه، مع أنّه أولى بتوهّمه من القسم الثالث كما لا يخفى، وظاهر «الجواهر» احتمال الكشف في السلم(1).

ومضافاً إلى ما في قوله: إنّ الإجازة إنفاذ لما سلف؛ لما عرفت من الإشكالات عليه.

مع أنّ ما سلف نفسه باقٍ، لا بما أنّه سلف، ومقتضى بقائه في الحال هو النقل، كما هو واضح.

ومضافاً إلى ما مرّ: من عدم الوجه في تفكيك مضمون العقد والمنافع والنماءات(2).

ومضافاً إلى أن لا معنى لإنفاذ المنافع والنماءات رأساً، إلاّ أن يرجع إلى ترتيب آثار وجود العقد بالنسبة إليهما، وعدم ترتيب آثاره بذاته، وهو - كماترى - تفكيك باطل، لا يرضى به أحد، فضلاً عن كونه موافقاً لقواعد العقلاء.

مع أنّ الجمع بين إيجاب الوفاء بالعقد - أي بمضمونه الذي هو تبديل العوضين - وبين التعبّد بترتيب الآثار حتّى الإمكان، جمع بين المتنافيين، ولا يمكن الجمع بينهما بدليل واحد ك- «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» وغيره.

ص: 251


1- - جواهر الكلام 24: 289.
2- - تقدّم في الصفحة 246.

وبهذا يظهر النظر في كلام الشيخ الأعظم قدّس سرّه، حيث ذهب إلى اقتضاء الدليل - بدليل الاقتضاء - ذلك(1).

مع أنّه على الفرض الثالث لا بدّ من القول بالبطلان رأساً؛ لعدم إمكان الجمع بين إنفاذ المعاملات بمضمونها - على فرض عدم الإمكان - والحكم تعبّداً بترتيب الآثار.

ومضافاً إلى بطلان التفكيك بين حرّية الولد في مسألة الوليدة، وبين كون الوط ء زناءً بذات البعل ونفس الزوجية؛ لأنّ لكلّ منها أثراً حال الإجازة، وأثر الثاني الحرمة أبداً.

أنّ ما أفاده في القسم الثالث - من أنّ دخالة المتأخّر من قبيل الواسطة في الثبوت عند العقلاء(2) - ضعيف جدّاً؛ لأنّ الشيء المتأخّر كالإجازة، إذا كان دخيلاً بنظر العقلاء، يكون الموضوع هو العقد مع هذا الشرط المتأخّر.

فدعوى كون الموضوع هو ذات المتقدّم، والعنوان المتأخّر واسطة في الثبوت، لا عين لها ولا أثر في سوق العقلاء، وإنّما هو أمر أبداه أصحاب البحث؛ حرصاً على تطبيق القواعد على ما لا يكون موافقاً لها.

وأولى بالضعف، الأمثلة التي جعلها من هذا القبيل، كإخراج الزكاة بعد بيع الزكوي؛ فإنّه لا ينطبق على مدّعاه، مع فساده في نفسه؛ ضرورة أنّ العين الزكوية: إمّا مشتركة بين صاحب المال وأرباب الزكاة بالإشاعة كما هو الأظهر.

ص: 252


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 407.
2- - منية الطالب 2: 67.

أو متعلّقة لحقّهم؛ بنحو لا يجوز التصرّف إلاّ بعد إخراج الزكاة، وإنّما تتخلّص العين عن الإشاعة أو الحقّ بعد أدائها، فكيف يقال: إنّ إخراج الزكاة موجب لصحّة البيع من الأوّل، وأيّ شيء واسطة في الثبوت؟!

وكذا في الرهن المتعلّق لحقّ الدائن، فإنّه لا يتخلّص عن الحقّ إلاّ بعد سقوط الدين أو فكّ الرهن، ولا معنى لعدم كونه رهناً من الأوّل؛ أي حال الدين.

وفي كلامه بعض أنظار اُخر تركناها، كقوله: إنّ العقد تمام الموضوع بالنسبة إلى المنافع والنماءات، وقد مرّ بعضها (1)، فراجع.

وبالجملة: ما أفاده رحمه الله علیه لا ينطبق على قواعد عقلائية، ولا يمكن تصحيحه بالأدلّة العامّة، والقواعد الشرعية.

حول بيان المحقّقين الخراساني والأصفهاني في المقام

وبما تقدّم إلى هاهنا، يظهر النظر في إفادات المحقّق الخراساني قدّس سرّه في المقام وتلميذه المدقّق، حيث ذهبا إلى أنّ الملكية لو كانت اعتبارية، فلا استحالة في الانقلاب؛ فإنّه من قبيل الانقلاب بحسب العنوان، فلا مانع من اعتبار الملكية للمالك الأصلي إلى حال الإجازة، واعتبارها بعينها في السابق حال الإجازة لمن عقد له الفضولي(2).

ص: 253


1- تقدّم في الصفحة 246 - 247.
2- - حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 61؛ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 145.

وقد مرّ بطلان ذلك(1)، وحاصله:

إنّ الملكية في الزمان الذي مضى، واستيفاء المنافع الماضية من ملكه، لا يعقل تبديلهما من الزمان الشخصي الماضي؛ فإنّه انقلاب محال، ويرجع إلى سلب ما ثبت حال ثبوته.

وبعبارة اُخرى: لا بدّ وأن يصدق أنّه لم يكن مالكاً في الماضي بعد الإجازة، وهو محال.

ومجرّد كون الملكية اعتبارية، لا يدفع الاستحالة؛ ضرورة أنّ اجتماع الاعتبار التصديقي، مع عدم الاعتبار التصديقي، أو اعتبار العدم تصديقياً في زمان شخصي واحد، لا يعقل، والزمان غير قابل للرجوع، وكلّي المنافع غير قابل للتحقّق بعد عدمه ومضيّ الزمان عليه، وقياس الماضي بالمستقبل مع الفارق، كما أومأنا إليه سالفاً (2).

فتحصّل من جميع ما تقدّم: أنّ النقل من زمان الإجازة لا مانع منه عقلاً، ولا عرفاً، ولا شرعاً؛ فإنّ العقد المسبّبي باقٍ عرفاً إلى زمان الإجازة، ولحوقها به موجب لإتمامه، ومضمونه ليس إلاّ النقل، فيحصل ذلك بالإجازة من حينها بعد امتناع النقل من الأوّل، حتّى في باب الإجارة التي مضى مقدار من مدّتها.

ففي مثل الإجارة والعقد المنقطع: إمّا أن يساعد العرف والشرع على التحليل

ص: 254


1- - تقدّم في الصفحة 243 - 244.
2- تقدّم في الصفحة 249.

بحسب الأزمان، ولازمه الصحّة بالنسبة إلى ما بقي من المدّة، أو لا يساعدا، فلا بدّ من الحكم بالبطلان، هذا كلّه بحسب القواعد.

حول مقتضى الأخبار
إشارة

وأمّا الأخبار، فقد تسالموا ظاهراً على دلالة صحيحتي محمّد بن قيس والحذّاء على الكشف، على اختلافهم في معناه(1)، وفي دلالتهما نظر، ولا بدّ من نقلهما ليتّضح الحال.

الاستدلال بصحيحة محمّد بن قيس على الكشف

روى المشايخ قدّست أسرارهم، بإسنادهم عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر (علیه السّلام) قال: «قضى - أي أمير المؤمنين (علیه السّلام) كما في رواية الكليني قدّس سرّه - في وليدة باعها ابن سيّدها وأبوه غائب، فاشتراها رجل، فولدت منه غلاماً، ثمّ قدم سيّدها الأوّل، فخاصم سيّدها الأخير، فقال: هذه وليدتي، باعها ابني بغير إذني.

فقال: خذ وليدتك وابنها، فناشده المشتري.

فقال: خذ ابنه - يعني الذي باع الوليدة - حتّى ينفذ لك ما باعك. فلمّا أخذ البيّع الابن قال أبوه: أرسل ابني.

ص: 255


1- - الدروس الشرعية 3: 233؛ جواهر الكلام 22: 286؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 409؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 182.

فقال: لا اُرسل ابنك حتّى ترسل ابني، فلمّا رأى ذلك سيّد الوليدة الأوّل أجاز بيع ابنه»(1).

فمن قائل: إنّ مقتضاها تحرير الابن من السابق، فالإجازة أثّرت في صحّة البيع من الأوّل، وولادة الولد في ملك المشتري الحرّ، فصار حرّاً (2).

وفيه: أنّ الوط ء كان شبهة، والولد لحق بأبيه، وولد الحرّ لا يملك، كما نصّت عليه موثّقة سماعة(3) وهو ظاهر سائر الروايات في الباب، فالحكم هو حرّية الابن، ولزوم ردّ القيمة، سواء أجاز البيع أم لا.

ومن قائل: إنّ الظاهر منها عدم أداء قيمة الولد، وهو دالّ على الكشف ولو حكماً (4).

ص: 256


1- - الكافي 5: 211 / 12؛ الفقيه 3: 140 / 615؛ تهذيب الأحكام 7: 488 / 1960؛ الاستبصار 3: 205 / 739؛ وسائل الشيعة 21: 203، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد والإماء، الباب 88، الحديث 1.
2- اُنظر منية الطالب 2: 67.
3- - وهي ما عن سماعة قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن مملوكة أتت قوماً وزعمت أنّها حرّة فتزوّجها رجل منهم وأولدها ولداً ثمّ إنّ مولاها أتاهم فأقام عندهم البيّنة أنّها مملوكة، وأقرّت الجارية بذلك، فقال: «تدفع إلى مولاها هي وولدها، وعلى مولاها أن يدفع ولدها إلى أبيه بقيمته يوم يصير إليه»، قلت: فإن لم يكن لأبيه ما يأخذ ابنه به؟ قال: «يسعى أبوه في ثمنه حتّى يؤدّيه ويأخذ ولده»، قلت: فإن أبى الأب أن يسعى في ثمن ابنه، قال: «فعلى الإمام أن يفتديه ولا يملك ولد حرّ». تهذيب الأحكام 7: 350 / 1429؛ وسائل الشيعة 21: 187، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد والإماء، الباب 67، الحديث 5.
4- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 88.

ومن قائل: إنّ الظاهر منها عدم أخذ قيمة الخدمة واللبن، وهو دليل الكشف(1).

وفيهما: أنّ الاستفادة إنّما هي من السكوت لو كان في مقام البيان، ولا يخفى أنّ أبا جعفر (علیه السّلام) لم يكن في مقام بيان خصوصيات القضيّة، ولهذا لم يذكر كيفية المخاصمة وكيفية فصلها؛ ضرورة أنّه بمجرّد قول المدّعي: «إنّ هذه وليدتي باعها ابني بغير إذني» لا يوجب الحكم - لا شرعاً، ولا في مقام القضاء - بردّها وردّ ابنها إلى المدّعي.

والناظر في الرواية يرى أنّه علیه السلام بصدد بيان مجرّد أنّ الإجازة بعد المخاصمة صحيحة موجبة للنفوذ، وأمّا أنّه تثبت بعد الإجازة على الرجل قيمة الولد، أو قيمة المنافع، فلا يكون بصدد البيان.

مع أنّ القضيّة شخصية لم تتّضح خصوصيتها.

وتوهّم: أنّ الظاهر أنّ الإجازة دخيلة في ردّ الولد، فاسد؛ لأنّ المحتمل - بل الظاهر من الرواية - أنّ سيّدها الأوّل لم يرض بأداء دين ابنه إلى المشتري، وكذا ولده؛ لعدم بضاعة لهما، أو لغير ذلك، فيمكن أن تكون إجازته وعدم مطالبته بقيمة الولد والمنافع على فرض الدلالة، في مقابل دين ابنه، فرضيا بسقوط دين بدين.

وبالجملة: لا دلالة للصحيحة على الكشف كما هو ظاهر.

ص: 257


1- - جواهر الكلام 22: 286 - 287.
الاستدلال بصحيحة الحذّاء على الكشف

وأمّا صحيحة أبي عبيدة الحذّاء، قال: سألت أبا جعفر (علیه السّلام) عن غلام وجارية، زوّجهما وليّان لهما وهما غير مدركين.

قال: فقال: «النكاح جائز، أيّهما أدرك كان له الخيار، فإن ماتا قبل أن يدركا، فلا ميراث بينهما ولا مهر، إلاّ أن يكونا قد أدركا ورضيا».

قلت: فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟

قال: «يجوز ذلك عليه إن هو رضي».

قلت: فإن كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية ورضي النكاح، ثمّ مات قبل أن تدرك الجارية، أترثه؟

قال: «نعم، يعزل ميراثها منه حتّى تدرك، وتحلف باللّه ما دعاها إلى أخذ الميراث إلاّ رضاها بالتزويج، ثمّ يدفع إليها الميراث ونصف المهر».

قلت: فإن ماتت الجارية ولم تكن أدركت، أيرثها الزوج المدرك؟

قال: «لا؛ لأنّ لها الخيار إذا أدركت».

قلت: فإن كان أبوها هو الذي زوّجها قبل أن تدرك؟

قال: «يجوز عليها تزويج الأب، ويجوز على الغلام، والمهر على الأب للجارية»(1).

ص: 258


1- - الكافي 7: 131 / 1؛ تهذيب الأحكام 7: 388 / 1555، و9: 382 / 1366؛ وسائل الشيعة 26: 219، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 11، الحديث1.

فلا بدّ في القول بدلالتها على المقصود من ارتكاب خلاف الظاهر فيها من جهات:

كحمل ال-«وليّان» على خصوص الأولياء العرفيين غير الشرعيين، مع أنّ الأب والجدّ - بل والوصيّ على القول بولايته في باب النكاح - من الأولياء العرفيين، فالحمل على غير الشرعيين خلاف الظاهر.

وكحمل «جائز» على باب الفضولي والصحّة التأهّلية، أو الجواز على فرض؛ أي معلّقاً على الإجازة، وهو ارتكاب خلاف ظاهر آخر؛ فإنّ الجائز ظاهر في النفوذ فعلاً.

وكحمل الخيار على اختيار الإجازة والردّ، دون خيار الفسخ.

والظاهر إلى هاهنا أنّ العقد الصادر من الأولياء هو عقد صحيح فعلي خياري.

ويؤيّده: أنّ التعبير عن العقد الفضولي في باب نكاح العبيد والإماء مخالف لما هاهنا، فراجع(1).

وقوله: «فإن ماتا...» إلى آخره، دلّ بعد هذا الظهور على أنّ النكاح الخياري لا إرث فيه ولا مهر، إلاّ أن يدركا ويرضيا، والرضا شائع استعماله في باب الخيارات نصّاً (2) وفي كلماتهم، فلا ظهور له في الفضولي.

وقوله (علیه السّلام): «يجوز ذلك عليه» ظاهر في أنّ الجواز هاهنا بعد الرضا،

ص: 259


1- - تقدّم في الصفحة 163 و166 و174.
2- راجع وسائل الشيعة 18: 6، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 3، و: 15، الباب 5، الحديث 4، و: 25، الباب 12، الحديث 1.

غير الجواز في الصدر، فبناءً على الفضولي لا بدّ وأن يحمل على خلاف ظاهره؛ فإنّ ظاهره أنّه نافذ صحيح مطلقاً بعد الرضا، وهو في الفضولي غير معقول، بخلاف الخياري، فإنّ العقد الخياري صحيح، ويصير نافذاً لازماً بعد الرضا بالنسبة إلى الراضي، فتأمّل.

وكحمل «ترثه؟» و«نعم، يعزل ميراثها» على خلاف الظاهر؛ فإنّ الظاهر أنّه إرث فعلاً، لكنّه متزلزل موقوف على رضا الآخر؛ أي سقوط الخيار، والحمل على الإرث معلّقاً خلاف الظاهر.

كما أنّ العزل بناءً على الفضولي، على خلاف القواعد، وظاهر قوله (علیه السّلام): «لأنّ لها الخيار» أنّ العلّة لعدم الإرث خيارها، مع أنّه على الفضولي علّته عدم اقتضاء العقد، لا مانعية الخيار.

فالصحيحة مع إغماض العين عن الأخبار والفتاوى، ظاهرة في أنّ العقد من الأولياء خياري، وحكمه عدم الإرث والمهر إلاّ بعد لزومه وسقوط الخيار بالرضا من الطرفين.

غاية الأمر: يكون ذيلها - أي قوله: فإن كان أبوها... إلى آخره - قرينة على إرادة غير الأب من الأولياء، فيكون الحكم في غيره ما ذكر.

ولو قيل: بأعمّية «الأب» من الجدّ، يخرج الجدّ أيضاً من الحكم، فتصير النتيجة: أنّ عقد غير الأب والجدّ خياري، حكمه ما ذكر.

هذا ظاهرها الذي لا ينبغي أن ينكر، ومجرّد كون ذلك مخالفاً للفتاوى وبعض الروايات، لا يوجب ظهورها في العقد الفضولي، فلا بدّ من رفع اليد عن ظهورها؛ لمخالفتها لما ذكر.

ص: 260

وأمّا الحمل على خلاف الظاهر، ثمّ الذهاب إلى خلاف القواعد المحكمة لأجلها، ثمّ الإسراء إلى باب المعاملات، والقول: بالكشف في مطلق المعاملات، فلا سبيل إليه؛ لأنّ الأمر دائر بين طرح هذا الظهور، وتأويله والحمل على خلاف الظاهر، ولا حجّة على الثاني حتّى يصحّ معها رفع اليد عن القواعد.

هذا مضافاً إلى أنّ ذيل صحيحة الحذّاء - أي قوله: فإن كان أبوها... إلى آخره - معارض لصحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (علیه السّلام) عن الصبيّ يزوّج الصبيّة.

قال: «إن كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم جائز، ولكن لهما الخيار إذا أدركا...» إلى آخره(1).

بل معارض لذيل صحيحة الحلبي؛ أي قوله: فإن ماتت أو مات... إلى آخره(2).

ولعلّ صحيحة ابن مسلم تقدّم؛ لقوّة ظهورها، بعد كون الظهور في صحيحة الحذّاء سياقياً لا لفظياً.

وحمل «الأب» على خصوص الجدّ خلاف الظاهر جدّاً، ولا يكون جمعاً عقلائياً، وإن حمله عليه شيخ الطائفة قدّس سرّه على المحكيّ(3).

ص: 261


1- - تهذيب الأحكام 7: 382 / 1543؛ وسائل الشيعة 20: 277، كتاب النكاح، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، الباب 6، الحديث 8.
2- - ستأتي في الصفحة 262.
3- - تهذيب الأحكام 7: 384، ذيل الحديث 1544.
الاستدلال بصحيحة الحلبي على الكشف

وأمّا صحيحة الحلبي، قال: قلت لأبي عبداللّه (علیه السّلام): الغلام له عشر سنين، فيزوّجه أبوه في صغره، أيجوز طلاقه وهو ابن عشر سنين؟

قال: فقال: «أمّا تزويجه فهو صحيح، وأمّا طلاقه فينبغي أن تحبس عليه امرأته حتّى يدرك، فيعلم أنّه كان قد طلّق، فإن أقرّ بذلك وأمضاه فهي واحدة بائنة، وهو خاطب من الخطّاب، وإن أنكر ذلك وأبى أن يمضيه فهي امرأته».

قلت: فإن ماتت أو مات؟

قال: «يوقف الميراث حتّى يدرك أيّهما بقي، ثمّ يحلف باللّه ما دعاه إلى أخذ الميراث إلاّ الرضا بالنكاح، ويدفع إليه الميراث»(1).

بدعوى ظهورها في الكشف؛ فإنّ حبس المرأة عليه للاحتياط في الفروج، وهو لا يتمّ إلاّ على الكشف.

ففيه: - مضافاً إلى اشتمالها على ما يخالفه الأصحاب بلا خلاف(2)، وهو ظهور ذيلها في خيارية العقد إذا صدر من الأب أو فضوليته - أنّ ظاهرها أنّ الحكم استحبابي، وهو كما يمكن أن يكون لما ذكر، يمكن أن يكون لمراعاة حال الصغيرة؛ فإنّ الملامسة معها مع كونها في اُهبة الطلاق، نحو نقيصة لها، ربّما تضرّ بحالها في الآتي.

ص: 262


1- - الفقيه 4: 227 / 722؛ وسائل الشيعة 26: 220، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 11، الحديث 4.
2- - جواهر الكلام 29: 216.

بل لو كان الحكم لزومياً أيضاً لم يتّضح أن يكون لهذا أو لذاك، بعد كونه على خلاف الأصل، كشفاً كان أو نقلاً.

الاستدلال برواية الكناسي على الكشف

وبما ذكرنا يظهر النظر في رواية يزيد الكناسي، عن أبي جعفر (علیه السّلام)، ففيها قلت له: جعلت فداك، فإن طلّقها في تلك الحال، ولم يكن قد أدرك، أيجوز طلاقه؟

فقال: «إن كان قد مسّها في الفرج فإنّ طلاقها جائز عليها وعليه، وإن لم يمسّها في الفرج، ولم يلذّ منها، ولم تلذّ منه، فإنّها تعزل عنه، وتصير إلى أهلها، فلا يراها ولا تقربه حتّى يدرك، فيسأل ويقال له: إنّك كنت قد طلّقت امرأتك فلانة، فإن هو أقرّ بذلك وأجاز الطلاق كانت تطليقة بائنة، وكان خاطباً من الخطّاب»(1)؛ فإنّ وجوب العزل وحرمة القرب، يمكن أن يكون لأحد الوجهين المتقدّمين، فلا دلالة لها على الكشف بعد وجود الاحتمال.

هذا لو لم نقل: إنّها محمولة على الاستحباب؛ بقرينة صحيحة الحلبي، وإلاّ فالأمر أوضح.

مضافاً إلى ضعف سندها، واشتمالها على اُمور لا نقول بها، كالتفصيل بين الابنة التي جازت تسع سنين وغيرها، فجعل عقد الأب في الاُولى نافذاً غير خياري، وفي الثانية خيارياً، فكانت البالغة أسوأ حالاً.

إلاّ أن يحمل على خلاف الظاهر؛ بأن يقال: إنّه بصدد بيان عقد غير البالغة،

ص: 263


1- - تهذيب الأحكام 7: 382 / 1544؛ وسائل الشيعة 20: 278، كتاب النكاح، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، الباب 6، الحديث 9.

مع أنّ أصل خيارية العقد أو فضوليته - إذا صدر من الأب - خلاف التسالم بينهم، بل ادّعي الإجماع على خلافه(1).

وكاشتمالها على خيارية عقد الأب إذا زوّج ابنه قبل بلوغه.

وكالتفصيل بين المرأة التي دخل بها، ولذّ منها، وأقام معها سنة وغيرها، فجعل الخيار للثاني دون الأوّل.

وكالتفصيل في طلاق الصبيّ بين ما إذا مسّها في الفرج وغيره، فجعل الأوّل جائزاً فعلاً، والثاني منوطاً بإمضائه بعد البلوغ.

وكيف كان: لا يمكن رفع اليد عن القواعد بمثل تلك الروايات مع ما عرفت.

الاستدلال برواية مسمع على الكشف

وأمّا رواية مسمع أبي سيّار قال: قلت لأبي عبداللّه (علیه السّلام): إنّي كنت استودعت رجلاً مالاً فجحدنيه، وحلف لي عليه. ثمّ جاء بعد ذلك بسنين بالمال الذي كنت استودعته إيّاه، فقال: هذا مالك فخذه، وهذه أربعة آلاف درهم ربحتها في مالك، فهي لك مع مالك، واجعلني في حلّ، فأخذت المال منه، وأبيت أن آخذ الربح، وأوقفت المال الذي كنت استودعته حتّى أستطلع رأيك، فما ترى؟

فقال: «خذ الربح، وأعطه النصف وأحلّه، إنّ هذا رجل تائب، واللّه يحبّ التوّابين»(2).

ص: 264


1- - جواهر الكلام 29: 172 - 174.
2- - تهذيب الأحكام 7: 180 / 793؛ الفقيه 3: 194 / 882؛ وسائل الشيعة 19: 89، كتاب الوديعة، الباب 10، الحديث 1.

فقد يقال: إنّها تدلّ على الكشف؛ لأنّ صحّة المعاملات المترتّبة لا تتمّ إلاّ عليه.

أقول: يمكن تطبيقها على الكشف الحقيقي؛ بأن يقال: جميع المعاملات المترتّبة متعقّبة بالإجازة؛ فإنّه يظهر من حال مسمع أنّه أجازها، وإنّما رجع إليه (علیه السّلام) لجهله بتكليفه، فالشرط المتأخّر حاصل بالنسبة إلى الجميع.

إلاّ أن يقال: إنّ إجازة الجميع لو فرض انحلالها إلى الكثير، إنّما تنحلّ عرضاً وإن كانت المعاملات المجازة مترتّبة، فتقع الإجازة فيما عدا المعاملة الاُولى إجازة في مال الغير.

نعم، لو انحلّت بنحو الترتّب كان وجيهاً، لكن لا موجب لهذا النحو من الانحلال، إلاّ أن يقال: لا مانع من الإجازة قبل الملكية، وتكفي في الصحّة الإجازة إذا تعقّبتها الملكية، فالإجازة في مبدأ السلسلة موجبة لصيرورة المبيع ملكاً للمجيز، وبعد ما صار ملكاً له، أثّرت الإجازة المتعقّبة بالمعاملة الثانية في حصول الملكية، فصار الثمن في المعاملة الثانية ملكاً... وهكذا إلى آخر السلسلة.

ويمكن تقريب الصحّة على النقل أيضاً، وتطبيق الرواية عليه بأن يقال: إنّ الإجازة انحلّت إلى الإجازات بمقدار المعاملات، فالإجازة في مبدأ السلسلة أثّرت في الملكية، وبوجودها البقائي الانحلالي، أوجبت الصحّة في سائر ما في السلسلة على القول بكفاية ذلك.

والأولى أن يقال: إنّ الظاهر من حال مسمع أنّه رضي بالمعاملات، لا أنّه

ص: 265

أجازها؛ لعدم إشارة إلى إنشاء الإجازة، بل الظاهر أنّه رضي بأخذ المال وربحه، وإنّما منعه عن الأخذ عدم علمه بفتوى أبي عبداللّه (علیه السّلام).

فلحوق الرضا بالمعاملة في مبدأ السلسلة، يوجب صحّتها، فصارت السلعة له، وقد بيعت فضولاً، ورضاه فعلاً بالمعاملة الثانية في الآن الثاني يوجب صحّتها، فكلّ معاملة ملحوقة بالرضا بوجوده البقائي، وعلى ذلك أيضاً لا تدلّ الرواية على الكشف، بل حال النقل والكشف سواء.

هذا ما هو المنساق من الرواية؛ من أنّ الربح الذي أتى به ربح التجارة بالمال، وأمّا لو حمل على الربح الحاصل من التجارة وثمرات المال المبتاع - كما لو اشترى بالمال بستاناً فيه ثمرات، فباع الثمرات وحصل مقدار من الربح، ثمّ باع البستان وأتى بجميع الربح، فأمره (علیه السّلام) بأخذ الربح - لدلّت على الكشف.

ولو احتمل الأمران عند إلقاء السؤال لدلّت عليه أيضاً؛ لترك الاستفصال.

لكنّ الشأن في انقداح الاحتمال عند خلوّ الذهن؛ فإنّ المنساق منها هو ربح التجارة، ولو لم يحرز الإطلاق أيضاً لم يمكن الاستدلال بها للكشف، مع أنّ الرواية ضعيفة بسنديها.

وبما ذكرناه يظهر الكلام في روايات المضاربة(1) والاتّجار بمال اليتيم(2)، فإنّها على فرض الدلالة على الفضولي، لا دلالة فيها على الكشف.

ص: 266


1- - تقدّم في الصفحة 177.
2- - تقدّم في الصفحة 181.
الاستدلال برواية البارقي على الكشف

وأمّا رواية عروة(1)، فدلالتها على الكشف منوطة بأنّ دعاء رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) لعروة، دليل على عدم ارتكابه الحرام، وهو موقوف على الكشف.

وفيه: أنّه على القول بالكشف أيضاً ارتكب قبيحاً، وتجرّى على مولاه، ولا يمكن دعاء رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) في أمر ارتكب فيه القبيح والتجرّي.

وتوهّم: أنّ عروة كان يعلم تعقّب عقده بالإجازة وكاشفيتها، واضح المنع بالنسبة إلى الحكم، ومع عدم علمه كان الارتكاب تجرّياً، فلا بدّ على القولين من ارتكاب تأوّل، إمّا بأن يقال: كان عالماً برضا الأصيل والفضولي زائداً على الرضا المعاملي.

أو يقال: كان عالماً بلحوق الإجازة، وهذا المقدار كافٍ في جواز التصرّف، فلا يفرّق معه بين الكشف والنقل.

وكيف كان: لا يمكن ارتكاب خلاف القواعد بمثل هذه الرواية وهذه الإشعارات.

دعوى المحقّق الرشتي دلالة روايات تحليل الخمس على الكشف

والعجب أنّ بعض أهل التحقيق قدّس سرّه ادّعى أنّ روايات تحليل الخمس(2) كالصريحة في الكشف؛ فإنّ تحليل بعض الأئمّة (علیهم السّلام) للتصرّفات المتقدّمة

ص: 267


1- - تقدّمت في الصفحة 156.
2- - راجع وسائل الشيعة 9: 543، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4.

- بل لتصرّفات الآباء - دليل عليه(1).

وكأنّه رحمه الله علیه لم يراجع حين الكتابة - حقّ المراجعة - الروايات، وإلاّ لم يبق له شكّ في أنّ قضيّة التحليل سبقت على التصرّفات؛ فإنّ التحليل كان من رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم)، وفاطمة (عليها السّلام) بحسب بعض الروايات، ومن أمير المؤمنين (علیه السّلام) في روايات، وظاهر الأخبار أنّ التحليل من جميع الأئمّة (علیهم السّلام)، حيث إنّ التعبير بلفظ (أحللنا) و(طيّبنا) و(اُبيح) و(محلّلون) فلا يبقى فيها إشعار بالكشف، فضلاً عن الصراحة أو نحوها، فراجعها.

نعم، في رواية أبي بصير، وزرارة، ومحمّد بن مسلم: «إنّ شيعتنا من ذلك وآباءهم في حلّ»(2).

لكن برواية الصدوق: بدل «آباءهم»: «أبناءهم»(3).

مع أنّه لم يظهر من قوله (علیه السّلام): «في حلّ» أنّه بصدد إنشاء الحلّ، بل لا يبعد أن يكون إخباراً بالحلّ السابق من زمن رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم)، وبهذا يظهر الكلام في جميع ما هو بهذا المضمون.

فتحصّل من جميع ذلك: أنّه لا دليل على الكشف، كما أنّ الشهرة على فرضها حصلت من الاجتهاد في الروايات، ومثل هذه غير حجّة، والاحتياط مطلوب.

ص: 268


1- - الإجارة، المحقّق الرشتي: 186 / السطر 2.
2- - الاستبصار 2: 58 / 191؛ وسائل الشيعة 9: 543، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 1.
3- - علل الشرائع: 377 / 2؛ وسائل الشيعة 9: 543، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، ذيل الحديث 1.
ثمرة النزاع بين الكشف بأنواعه والنقل
معنی الکشف وأقسامه

بقي الكلام في ثمرة النزاع بين الكشف الحقيقي والحكمي والتعبّدي، وبينها وبين النقل حين الإجازة.

فنقول: إنّ الكشف الحقيقي - بمعنى الكشف عن تأثير العقد من حين تحقّقه - أمر واحد، وإن كانت المباني في تصوّره وتحقيقه مختلفة:

فمن قائل: إنّ نفس العقد تمام الموضوع(1).

ومن قائل: إنّ التعقّب بالإجازة شرط، وهو حاصل(2).

أو ما ستلحقه الإجازة موضوع التأثير(3).

أو نفس المتقدّم بالذات تبعاً للزمان موضوع(4).

أو الإجازة شرط، والإضافة إليها حاصلة قبل تحقّقها، والموضوع حصّة مضافة(5).

ص: 269


1- - جامع المقاصد 4: 74 - 75؛ الروضة البهيّة 2: 188؛ اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 399؛ منية الطالب 2: 52.
2- - الفصول الغروية: 80 / السطر 36؛ اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 131؛ منية الطالب 2: 53.
3- - جواهر الكلام 22: 286 و289.
4- - مناهج الوصول 1: 277 - 278.
5- - بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي: 320 و 332؛ نهاية الأفكار 1: 280.

أو اللحاظ شرط، وهو مقارن(1).

أو الإجازة كاشفة عن الرضا التقديري(2).

كما أنّ الكشف الحكمي أمر واحد، والمباني فيه مختلفة:

فمن قائل: إنّ الإجازة تنفيذ لمضمون العقد الموجود في زمن سابق، فتوجب انقلاب الواقع من حال الإجازة(3).

ومن قائل: إنّها توجب انقلاب العنوان من أوّل الأمر، ويلزم منه الانتقال من أوّل الأمر(4).

ولو قلنا: بأنّ الإجازة بعد وجودها مؤثّرة، أو قلنا: بأنّ وصف «التعقّب» بها لا يحصل إلاّ بعد وجودها، وبعده يكون الموصوف مؤثّراً من الأوّل، لكان الكشف حكمياً انقلابياً.

والكشف التعبّدي يلحق بالكشف الحقيقي لو قلنا: بأنّ موضوع التعبّد العقد حال وجوده، إذا كان ممّا تتعقّبه الإجازة، وكان التعبّد في جميع الآثار.

ويلحق به في بعض الآثار إذا كان التعبّد في البعض، وبالكشف الحكمي الانقلابي لو قلنا بأنّ موضوع التعبّد الإجازة، أو العقد بعد الإجازة خارجاً،

ص: 270


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 60؛ كفاية الاُصول: 118 - 119؛ فوائد الاُصول، المحقّق الخراساني: 59 - 60.
2- - بدائع الأفكار، المحقّق الرشتي: 323 / السطر 13؛ الإجارة، المحقّق الرشتي: 184 / السطر 14؛ اُنظر منية الطالب 2: 52.
3- - اُنظر جواهر الكلام 22: 289؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 169.
4- - حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 61؛ اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 145.

فتعبّدنا الشارع حال الإجازة بترتيب الآثار جميعاً أو بعضاً من الأوّل.

فالمحتملات في الحقيقة ثلاثة: كشف حقيقي، وكشف حكمي، وكشف تعبّدي، ومع إلحاق التعبّدي - بأحد احتماليه - بالحقيقي، وبالآخر بالحكمي، يكون المحتمل اثنين.

فما فعله بعضهم من تكثير الأقسام؛ بجعل مباني الاحتمال الواحد موجباً للتكثير(1)، لا وقع له، مع أنّه لو كان كذلك، لم تنحصر الاحتمالات بخمسة عشر، بل ربّما تزيد على مائة وثلاثين، بل وخمسين.

فالأولى ملاحظة الثمرة بين الكشف الحقيقي وما يلحق به - أي التعبّدي بالمعنى الأوّل - وبين الكشف الحكمي وما في حكمه؛ أي التعبّدي بالمعنى الثاني.

ثمّ إنّ الكلام هاهنا مع الغضّ عمّا سيأتي(2) من الخلاف: في أنّ الأصيل هل يجوز له التصرّف فيما انتقل عنه أو إليه، أم لا؟

بل المفروض هاهنا جوازه تكليفاً ووضعاً.

بيان الثمرة بين الكشف الحقيقي والكشف الحكمي

فنقول: الثمرة بين الكشف الحقيقي بالمعنى المتقدّم على جميع المباني، والكشف الحكمي الانقلابي بجميع الاحتمالات: أنّه على الكشف الحقيقي لمّا انتقل العوضان إلى المتعاملين من الأوّل، كان لهما جميع التصرّفات بحسب

ص: 271


1- - الإجارة، المحقّق الرشتي: 186 / السطر 7.
2- - يأتي في الصفحة 280.

الواقع تكليفاً ووضعاً، فلو علما بالإجازة، كان لهما ذلك ظاهراً أيضاً.

وأمّا مع الجهل، فلا يكون لهما ظاهراً، ويحكم في الظاهر بحرمة التصرّف، وعدم النفوذ، لا لاستصحاب عدم لحوق الإجازة؛ فإنّ إثبات عدم مؤثّرية العقد باستصحاب عدمها مثبت، فإنّ عدم تأثير المقتضي مع فقد الشرط عقلي، ولو فرضت السببية شرعية، فضلاً عن المقام، حيث كان السبب عقلائياً أمضاه الشرع.

وأولى بالمثبتية لو أردنا إثبات سلب الوصف الانتزاعي - أي عدم كون العقد ملحوقاً بالإجازة - باستصحاب عدم الإجازة.

أو أردنا إثبات عدم التقدّم الذاتي تبعاً للتقدّم زماناً، كما سلكنا في تصوير الشرط المتأخّر(1).

أو أردنا إثبات عدم الرضا التقديري، أو عدم اللحاظ الذي هو شرط على بعض المسالك(2)، بل وعلى مسلك من قال: إنّ العقد تمام الموضوع، والإجازة كاشفة؛ أي موجبة للعلم، فإنّ البقاء على ظاهره خلاف الضرورة، ولا أظنّ التفوّه به من أحد، فضلاً عن المحقّق الثاني قدّس سرّه(3) ونحوه.

فحينئذٍ إثبات استقلال العقد، وكونه تمام الموضوع بالأصل، مثبت، بل إثبات نفي الحكم بنفي الموضوع، أو بعض أجزائه، مثبت؛ فإنّ نفيه - مع عدم تمام الموضوع - من الأحكام العقلية، لا الشرعية.

ص: 272


1- - مناهج الوصول 1: 277 - 278.
2- - تقدّم في الصفحة 234 - 235 و270.
3- - جامع المقاصد 4: 74.

بل ذلك لاستصحاب بقاء ملكية كلّ من المتعاملين، ومع الغضّ عنه يجري الأصل الحكمي أيضاً.

ويلحق به الكشف التعبّدي على أحد احتماليه، وهو كون العقد - حين تحقّقه - موضوع الحكم إذا تعقّبته الإجازة، فإنّه كالكشف الحقيقي في الحكم، هذا حال الكشف الحقيقي وما يلحق به.

وأمّا الكشف الحكمي، فإن قلنا: بأنّ المقصود منه هو النقل حال الإجازة من الأوّل - بمعنى أنّ العقد قبل الإجازة لم يكن ناقلاً، وبعدها يكون ناقلاً من أوّل صدوره، وبعبارة اُخرى: يكون انقلاب عنوان إلى عنوان آخر موجباً للنقل - فلا شبهة في عدم جواز تصرّف كلّ فيما انتقل إليه فضولاً، وجواز تصرّفه فيما انتقل عنه إنشاءً، تكليفاً ووضعاً؛ ضرورة بقاء كلّ على ملك صاحبه قبل الإجازة.

وكذا يترتّب عليه سائر الآثار، فلو وطأ أمة الغير قبل الإجازة، كان زناءً، أو سرق ما وقع عليه العقد فضولاً، لجرى عليه الحدّ بشرائطه.

وإن قلنا: بأنّ الإجازة توجب الانقلاب؛ بمعنى أنّه ينقلب نفس التصرّف الشخصي في ملك غيره إلى التصرّف في ملكه، ونفس الوط ء الخارجي الشخصي لأمة غيره إلى الوط ء لأمته، ونفس السرقة الخارجية الشخصية إلى عدم السرقة، فهل هو كالفرض السابق يحرم عليه التصرّف، وتجري عليه الحدود؛ لوقوع العناوين حال الإيجاد، فيكون سارقاً وزانياً ومتصرّفاً في مال الغير حراماً، ومجرّد الانقلاب لا يوجب نفي الآثار عن العناوين؟

أو لا تترتّب عليه آثار العناوين بعد انقلاب الشخص الخارجي إلى ما هو مقابله؛ لانصراف الأدلّة - خصوصاً أدلّة الحدود - عن مثله؟

ص: 273

أو يفصّل بين ما ثبت السبب قبل الانقلاب أو بعده؟

أو بين نحو الحدود التي تدرأ بالشبهة وغيرها؟

أو بين الأحكام العقلية كالعصيان وغيره؟

وجوه، والمسألة مشكلة تحتاج إلى التأمّل، لكنّ المبنى فاسد جدّاً.

وممّا ذكرناه يظهر النظر فيما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه، فإنّه في فرض كون نفس الإجازة شرطاً، ذهب تارة: إلى عدم حلّية التصرّف واقعاً، واُخرى: إلى حلّية الوط ء واقعاً (1).

فإنّ الشرط لو كان بنحو الشرط المتأخّر بما هو حاصل حال العقد، يحلّ التصرّف والوط ء، ولا وجه للتفريق بينهما، ولو كان بنحو الانقلاب، فلا يحلّ شيء منهما.

وكذا فيما أفاده من إجراء أصالة عدم الإجازة لسلب تأثير العقد وعدم تحقّق النقل(2).

وكذا في قوله: ويحتمل عدم تحقّق الاستيلاد على الحكمي؛ لعدم تحقّق حدوث الولد في الملك(3).

فإنّه على الكشف الحكمي التعبّدي - بمعنى كون العقد المتعقّب بالإجازة المتأخّرة موضوعاً لحكم الشارع الأقدس، كما هو أحد الاحتمالين - كونه في ملكه واضح وإن قلنا: بأنّ وجود الإجازة شرط للحكم بالتعبّد بالملكية

ص: 274


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 410.
2- - نفس المصدر.
3- - نفس المصدر.

وترتيب الآثار من الأوّل، فمن أولده محكوم بكونه حاصلاً في ملكه، فتترتّب عليها آثار اُمّ الولد.

ومنه يظهر النظر في قوله قدّس سرّه: ولو نقل المالك اُمّ الولد عن ملكه قبل الإجازة فأجاز، بطل النقل على الكشف الحقيقي دون الحكمي، وعلى المجيز قيمتها؛ لأنّه مقتضى الجمع بين جعل العقد ماضياً من حين وقوعه، ومقتضى صحّة النقل الواقع قبل حكم الشارع بهذا الجعل، كما في الفسخ بالخيار مع انتقال متعلّقه بنقل لازم(1)، انتهى.

أمّا على الكشف الحكمي على الاحتمال الأوّل فواضح.

وأمّا على الاحتمال الآخر، فلأنّ مقتضى حكم الشارع - بعد الإجازة - بالملكية التنزيلية من أوّل الأمر، هو الحكم بعدم تحقّق النقل من ملك الناقل، ووقوعه في ملك الغير، وهذا الحكم مقدّم على أدلّة وجوب الوفاء بالعقود؛ لأنّه رافع لموضوعها، فلا وجه للجمع المذكور، والقياس بباب الفسخ كأنّه غير وجيه؛ لأنّ الفسخ من حينه.

هذا كلّه، لو قلنا: بأنّ النقل ليس بمنزلة الردّ، وأنّ محلّ الإجازة باقٍ.

وأمّا لو قلنا: بأنّ النقل ونحوه كالتلف، موجب لهدم العقد، ولا يبقى معه محلّ للإجازة، فلا يبقى فرق بين الكشف الحقيقي وغيره في صحّة النقل ولغوية الإجازة؛ فإنّه على جميع المباني والاحتمالات يكون العقد موضوعاً وسبباً.

وبالجملة: إن قلنا بأنّ النقل ونحوه هادم للعقد، فلا فرق بين الوجوه في

ص: 275


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 411.

لغوية الإجازة، وإن قلنا: بعدمه، فلا فرق بينها في بطلان النقل، وصحّة الفضولي بالإجازة.

ثمّ لا يخفى: أنّ في ظاهر كلام الشيخ الأعظم قدّس سرّه تناقضاً واضحاً، لا يناسب مقامه، ولهذا أوّل بعضهم كلامه إلى ما هو غير مرضيّ(1).

ويمكن التوجيه بوجه أقرب، وهو أنّ قوله: أمّا الثمرة على الكشف الحقيقي بين كون نفس الإجازة شرطاً، وكون الشرط تعقّب العقد بها ولحوقها له... إلى آخره(2)، يراد به أنّ الفرق - على مبنى الكشف - بين كون الإجازة شرطاً بوجودها، فيرجع إلى الكشف الحكمي، وبين كون التعقّب شرطاً، وهو كشف حقيقي، هو جواز التصرّف على الكشف الحقيقي، وعدمه على الحكمي.

والشاهد عليه: التفرقة في الحكم بينهما؛ إذ لا معنى للتفرقة بين مصداقين من الكشف الحقيقي.

أو يراد به أنّ الثمرة بين الكشف الحقيقي سواء كانت الإجازة شرطاً - أي نحو الشرط المتأخّر الراجع إلى تأثير العقد من أوّل حدوثه - أو التعقّب بها شرطاً، وبين غيره.

وقوله: وأمّا الثمرة بين الكشف الحقيقي والحكمي مع كون نفس الإجارة شرطاً (3).

ص: 276


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 151 - 152.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 410.
3- نفس المصدر.

يراد به الكشف الحقيقي مطلقاً، مع الحكمي إذا كان نفس الإجازة شرطاً للتعبّد والحكم، فيكون القيد راجعاً إلى الحكمي كما هو ظاهر العبارة، لا إلى الكشف، فحينئذٍ يرتفع التنافي وإن كان مخالفاً للظاهر في الجملة، فتدبّر.

وقد ذكروا للثمرة بين الكشف والنقل مواضع:

الثمرات المذكورة بين الكشف والنقل
الثمرة الاُولى في النماء

منها: النماء والمنافع، فإنّها على الكشف مطلقاً لمن انتقلت إليه العين، وعلى النقل لمن انتقلت عنه(1).

الثمرة الثانية في فسخ الأصيل

ومنها: أنّ فسخ الأصيل لإنشائه - قبل إجازة الآخر - مبطل له على النقل، كفسخ الموجب قبل قبول القابل، بخلاف الكشف الحقيقي، فإنّ العقد تامّ من قبل الأصيل، غاية الأمر تسلّط الآخر على الردّ(2).

أقول: لا شبهة في أنّ للإجازة نحو دخالة في حصول النقل شرطاً أو شطراً، سواء قلنا: بالكشف بأقسامه، أو بالنقل، وليس لأحد أن يتوهّم أنّ الإجازة غير دخيلة، وأنّ وجودها وعدمها على السواء.

ص: 277


1- - اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 411.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 412.

فحينئذٍ يقع البحث في أنّ الفسخ هل هو هادم للعقد أم لا؟

فإن قلنا: إنّه هادم، فلا فرق بين النقل والكشف حتّى الحقيقي منه؛ لأنّ تعقّب العقد بالإجازة إنّما هو مؤثّر إذا لم ينهدم العقد، فإذا تخلّل بين العقد والإجازة فسخ هادم، لم يبق عقد حتّى تتعقّبه الإجازة.

وبعبارة اُخرى: إنّ العقد إذا تعقّبه الهدم قبل الإجازة، لم يكن في علم اللّه من الأوّل عقداً متعقّباً بالإجازة حتّى يكون مؤثّراً.

وإن لم يكن هادماً، فلا فرق بينهما أيضاً.

نعم، لو قلنا بأنّه على النقل هادم دون الكشف، يتمّ القول بالثمرة، لكن لا دليل على التفريق.

وما قيل: من أنّ العقد تامّ من قبل الأصيل على الكشف، لا يرجع إلى محصّل؛ فإنّ المراد من التمام إن رجع إلى أنّ الأصيل حصل منه ما هو من قبله من إنشاء العقد، فلا شبهة في أنّه على النقل أيضاً كذلك، بل الموجب أيضاً حصل منه ما هو من قبله.

وإن رجع إلى أنّ النقل حاصل من قبله على الكشف، فهو موقوف على القول بأنّ الإجازة لا دخالة لها، أو أنّ الفسخ غير هادم، فتمامية العقد موقوفة على عدم الهادمية، وهو أوّل الكلام.

ثمّ إنّ التمسّك بعمومات الصحّة واللزوم(1) غير صحيح، لا في الكشف، ولا في النقل:

ص: 278


1- - اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 413.

أمّا مثل: «تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ»(1) و«أَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ»(2) فظاهر، فإنّ حلّية الأكل موضوعها مال التجارة الحاصل بين التاجرين الأصيلين، ومع فضولية الطرفين أو أحدهما، لم يحصل مال تجارة عرفاً حتّى يحلّ أو يحرم.

نعم، بعد الإجازة يحصل مال التجارة؛ لتمامية التجارة عرفاً، كما أنّ نفوذ البيع والحلّية الفعلية متعلّق بالبيع الحاصل من الأصيلين؛ ضرورة أنّه لو كان أحدهما أو كلاهما فضولياً، لا ينفذ البيع، ولا يكون له أثر قابل للإنفاذ.

وأمّا وجوب الوفاء بالعقود، فهو كوجوب الوفاء بالنذر والعهد والقسم ونحوها، الظاهر منها وجوب العمل على طبق المضمون، ووجوب الخروج عن العهدة العرفية، وهو لا يكون إلاّ إذا كان العقد بين الأصيلين.

وليس المراد منه إبقاء العقد وعدم فسخه، حتّى يقال: إنّه بالنسبة إلى الأصيل ممكن(3)، وإن كان فيه إشكال أيضاً.

ولو فرضت صحّة ذلك، لا فرق بين الكشف والنقل، ولكنّ الأصحّ ما مرّ، ولا أقلّ من انصراف الأدلّة إلى عقد المالكين، والمأذون والمجاز منهما.

ولو فسخ الأصيل ثمّ أجاز الآخر، فمع إحراز أنّ الفسخ هادم، لا إشكال في عدم لحوق الإجازة به، كشفاً كان المبنى، أو نقلاً.

ولو شكّ فيه، فهل يمكن إحراز موضوع وجوب الوفاء بالعقد باستصحاب بقائه إلى زمان الإجازة؟

ص: 279


1- النساء (4): 29.
2- البقرة (2): 275.
3- - اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 413.

لا يبعد ذلك إن قلنا: بأنّ العقد والإجازة موضوع مركّب له، أو قلنا: بأنّ العقد تمام الموضوع لوجوب الوفاء إذا لحقت به الإجازة.

بخلاف ما لو كان العقد المشروط بالإجازة أو المتعقّب بها موضوعاً؛ لأنّ استصحاب بقاء العقد إلى حين الإجازة لا يثبت المشروط والمتقيّد.

الثمرة الثالثة في تصرّف الأصيل

ومنه يظهر الكلام في ثمرة اُخرى، وهي أنّ الأصيل يجوز له التصرّف فيما انتقل عنه على النقل وإن قلنا: بأنّ فسخه غير مبطل، دون الكشف، بدعوى أنّ الإجازة على النقل شرط أو شطر، فما لم تتحقّق لا يجب الوفاء على أحد المتعاقدين، وأمّا على الكشف، فيجب الوفاء بالعقد - بموجب العموم - على الأصيل، ويحرم عليه نقضه، ووجوب الوفاء عليه ليس مراعىً بإجازة المالك، بل مقتضى العموم وجوبه حتّى مع العلم بعدم الإجازة(1).

أقول: الكلام يقع تارة في أنّه لو قلنا بأنّ فسخ الأصيل غير مبطل على النقل، هل يجوز له التصرّف؟ واُخرى في الثمرة المذكورة.

أمّا الأوّل: فمبنى عدم مبطلية فسخه هو عموم وجوب الوفاء بالعقد، فإن تمّ ذلك لا تنبغي الشبهة في عدم جواز التصرّف، ولا سيّما التصرّف الناقل والمعدم؛ فإنّ الظاهر من وجوب الوفاء - كما مرّ - هو العمل على طبق مقتضى العقد(2)، ومنه ينتقل إلى صحّته ولزومه.

ص: 280


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 413 - 415.
2- - تقدّم في الصفحة 279، وفي الجزء الأوّل: 106 و186.

وليس لأحد أن يقول: إنّ معنى وجوب الوفاء حرمة النقض؛ ضرورة عدم كون حرمة النقض معنى وجوب الوفاء، واستعمال أحدهما في الآخر غلط، لا مجاز.

نعم، يمكن أن يكون المراد الإرشاد إلى الصحّة واللزوم، لا بمعنى استعماله في المرشد إليه، بل بمعنى استعماله في معناه حقيقة للانتقال إلى الصحّة واللزوم.

فعليه يكون في المقام المعنى المستعمل فيه مراداً أيضاً؛ ضرورة لزوم العمل على طبق العقد ووجوب الوفاء به، فكأنّه ذكر لازم المعنى؛ للانتقال إلى الملزوم، فلا يصحّ تجريده عن المعنى اللازم؛ إذ معه لا يمكن استفادة الملزوم منه.

وبعبارة اُخرى: لمّا كان وجوب العمل على طبق مضمون العقد، ووجوب الوفاء به عند العقلاء، من لوازم صحّة العقد ولزومه، أراد المولى إفهام أنّ العقد عنده أيضاً نحو ما عند العقلاء، فذكر اللازم وأراده جدّاً؛ للإرشاد إلى الصحّة واللزوم بالانتقال إلى الملزوم.

فحينئذٍ لو قلنا: بأنّ وجوب الوفاء يمنع عن صحّة الفسخ وتأثيره، لا يمكن أن يقال: لا يمنع عن التصرّفات؛ فإنّ المنع عن تأثيره مترتّب على المنع عن التصرّفات، فإنّه من شؤون وجوب الوفاء.

فتحصّل من ذلك: أنّه لو قيل بعدم نفوذ فسخه؛ بدليل وجوب الوفاء، لا بدّ وأن يقال: بعدم جواز التصرّف مطلقاً؛ لأنّه أولى منه.

ولكن قد عرفت: أنّه لا سبيل إلى ذلك؛ ضرورة أنّ مضمون العقد لم يتحقّق قبل الإجازة عرفاً وشرعاً وعقلاً، فلا معنى للإلزام بالعمل بمضمونه.

ص: 281

والقول: بلزوم العمل من طرف الأصيل، وكذا لزوم الالتزام من قبله(1)، غير مرضيّ؛ لما تأتي الإشارة إليه(2).

فتحصّل من ذلك: أ نّ-ه لا مانع من جواز تصرّف الأصيل فيما انتقل عنه إنشاءً.

وأمّا الأمر الثاني: أي بيان الثمرة، فإن قلنا بأنّ العقد تمام الموضوع لوجوب الوفاء بالنسبة إلى الأصيل؛ لأنّ الالتزام من قبله حاصل كما قيل(3)، فلا فرق بين النقل والكشف؛ ضرورة عدم الفرق في حصول الالتزام منه.

وكون الإجازة ناقلة أو كاشفة، غير مربوط بالالتزام وعدمه، فلا بدّ من الالتزام بعدم جواز التصرّف إلى زمان الردّ من الطرف الآخر، فدخالة الإجازة بعد حصولها في النقل، لا توجب جواز التصرّف؛ فإنّ عدم الجواز فرع التزامه ووجوب الوفاء بما التزم به، لا فرع النقل خارجاً.

وإن قلنا: بأنّ موضوع وجوبه هو العقد المربوط بالمالكين، فمع العلم بعدم الإجازة، لا ينبغي الإشكال في جواز التصرّف.

فما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه: من عدم جوازه على الكشف المشهوري حتّى مع العلم بعدم الإجازة، معلّلاً بأنّ العقد السابق بنفسه مؤثّر من غير ضميمة شيء شرطاً أو شطراً (4)، لا يخلو من غرابة؛ فإنّه صرّح بأنّ نفس الإجازة المتأخّرة

ص: 282


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 414 - 415.
2- - تأتي في الصفحة 284.
3- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 414 - 415.
4- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 415.

شرط لكون العقد السابق بنفسه مؤثّراً تامّاً، فكيف يمكن أن تكون الإجازة شرطاً لمؤثّرية العقد، ولا يكون العقد مشروطاً بها في تأثيره؟!

بل كيف يعقل أن تكون الإجازة شرطاً لتأثير العقد بنفسه من غير شرط؟! فإنّه يرجع إلى التناقض؛ أي أنّها شرط لتأثير العقد بلا شرط، أو يرجع إلى أنّ لتأثير العقد شرطاً، والإجازة هادمة للشرطية، وهو كما ترى.

وبالجملة: لا شبهة في أنّ الإجازة لها دخل في تأثير العقد شرطاً أو شطراً، سواء قلنا: بالنقل أو الكشف، فحينئذٍ لو قلنا: بأنّ تخلّل التصرّفات المنافية مانع عن لحوق الإجازة؛ بحيث كان في علم اللّه العقد المتعقّب بالإجازة غير المتخلّل بما ينافيه مؤثّراً، يرفع التصرّف موضوعه، ولا يبقى بين النقل والكشف فرق؛ لأنّ التصرّف مانع عن الكشف، فلا يكون موضوع الأثر متحقّقاً.

وإن قلنا: بأنّ التصرّف غير هادم، وموضوع التأثير هو العقد بوجوده الحدوثي إذا تعقّبته الإجازة، سواء تخلّلت بينهما التصرّفات أو لا، فالثمرة بين النقل والكشف الحقيقي حاصلة؛ لأنّه على النقل لم تتحقّق الملكية للمنقول إليه، بخلاف الكشف، فلا يجوز له التصرّف فيما انتقل عنه على الكشف.

ويلحق بالنقل الكشف الحكمي والكشف التعبّدي بأحد معنييه، وبالكشف بمعناه الآخر كما تقدّم(1).

ثمّ إنّه على ذلك يترتّب على الكشف جميع الأحكام؛ من حرمة المصاهرة ونحوها، دون النقل.

ص: 283


1- - تقدّم في الصفحة 270.

والالتزام بحصول أحكام المصاهرة على النقل أو الكشف، مع فرض عدم لحوق الإجازة(1)، غير مرضيّ؛ ضرورة أنّ تلك الأحكام مترتّبة على الزوجية الواقعية، لا على الإنشاء بلا أثر.

وممّا ذكرنا يظهر حال أدلّة الشروط على القول بشمولها للابتدائي، فإنّ الظاهر منها أيضاً لزوم الوفاء بالشرط، كما يظهر من مواردها (2).

ولو قيل: إنّ الكبرى - أي قوله (علیه السّلام): «المسلمون عند شروطهم»(3) - دالّة على ملازمة المسلم مع شرطه، فهي ناظرة إلى نفس الشروط، لا إلى الوفاء بها، لم يتمّ أيضاً الاستدلال؛ فإنّ القرار في البيع ليس التزاماً مطلقاً، بل التزام في مقابل التزام، والفرض أنّه لا التزام من طرف الفضولي، ولا معنى للزوم الالتزام بنحو الإطلاق، مع أنّ التزامه لم يكن كذلك.

فيظهر الأمر أيضاً في وجوب الوفاء لو قلنا بمقالة من قال: إنّه ناظر إلى نفس العقد، لا العمل بمضمونه.

وقد مرّ(4) حال الاُصول مع الشكّ في الهدم، وأنّ الحقّ جريان أصالة بقاء العقد على بعض الوجوه الذي هو الأظهر، فحينئذٍ تتمّ النتيجة على الكشف الحقيقي وغيره، ويتمّ القول: بعدم تأثير فسخ الأصيل حتّى على النقل.

ص: 284


1- - منية الطالب 2: 80.
2- راجع الجزء الأوّل: 135 - 139.
3- - الكافي 5: 169 / 1؛ الفقيه 3: 127 / 553؛ تهذيب الأحكام 7: 22 / 93 و94؛ وسائل الشيعة 18: 16، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 1 و2.
4- - تقدّم في الصفحة 279 - 280.
حول قول كاشف الغطاء في ظهور ثمرات اُخرى

وقيل: تظهر الثمرة فيما إذا انسلخت قابلية الملك عن أحدهما قبل إجازة الآخر بموت، أو بعروض الكفر بالارتداد، مع كون المبيع مسلماً أو مصحفاً، فيصحّ على الكشف، دون النقل(1).

أقول: لا بدّ من بيان اُمور حتّى يتّضح الحال في هذه الثمرة وما يتلوها من فقد شرائط العوضين أو العقد:

الأوّل: قد مرّ أنّ الفضولي على القاعدة(2)، وهي تقتضي النقل(3)، والكشف على خلاف القواعد، ولا بدّ في إثباته من دليل خاصّ.

لكن لو قلنا بالكشف بدليل خاصّ، لا يلزم منه خروج المعاملة عن تحت الأدلّة العامّة، حتّى يمتنع التمسّك بها في رفع بعض الشكوك التي لا يفترق فيها النقل والكشف.

مثلاً: لو شككنا في اعتبار شيء في العقد كالعربية، أو في المتعاقدين، كما لو شكّ في صحّة عقد المرأة بلا إذن زوجها، أو في العوضين، فالمرجع لرفع الشكّ هو إطلاق الأدلّة العامّة، نحو: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(4) سواء قلنا: بالكشف، أو النقل.

ص: 285


1- - شرح القواعد، كاشف الغطاء 2: 96؛ اُنظر جواهر الكلام 22: 290؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 418.
2- - تقدّم في الصفحة 147.
3- - تقدّم في الصفحة 254.
4- المائدة (5): 1.

غاية الأمر: على الكشف تصرّف الشارع في محلّ النقل، كما تصرّف في بيع الصرف والسلم، فلو شككنا في اعتبار شيء زائد على عنوان «العقد» وما ثبت بالدليل الشرعي، فالمرجع هو الإطلاقات.

وأولى منه لو قلنا: بأنّ الكشف على القواعد؛ فإنّه يرجع إليها في الموارد المشكوك فيها.

نعم، لو قلنا: بأنّه على خلاف القاعدة، فإن كان لدليله الخاصّ إطلاق يرفع به الشكّ فهو، وإلاّ ففي كلّ مورد شكّ في دخالة شيء في الكشف، لا يمكن الحكم به، بل لا بدّ من القول فيه بالنقل؛ لكونه على القواعد، والشكّ في الخروج عنها،

فتدبّر جيّداً.

الثاني: يحتمل في الكشف الحقيقي أن يكون البيع السابق المتقدّم على الإجازة مؤثّراً، فيكون موضوع الحكم عنوان «البيع المتقدّم» أو «البيع مضافاً إلى الإجازة» كما قيل(1).

ويحتمل أن يكون الموضوع هو التعاقد الحاصل بين المتعاقدين بالعقد والإجازة؛ بمعنى أنّ المؤثّر هو المعاقدة بين الأصيل والمجيز الحيّين، ولمّا علم الشارع حصول هذا الأمر متأخّراً، حكم بحصول الأثر بعد إنشاء العقد.

فعلى الأوّل: لو مات الأصيل فأجاز، تكشف الإجازة عن وجود الموضوع من الأوّل.

ص: 286


1- - بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي: 320 و332؛ نهاية الأفكار1: 279 و286.

وعلى الثاني: لا يتحقّق موضوع الأثر؛ لأنّ موضوعه المعاقدة بين الحيّين حال التعاقد.

ومع عدم إحراز أحد الاحتمالين، لا بدّ في غير المورد المتيقّن من العمل على القواعد، وهي تقتضي النقل، وإن كان العمل على النقل أيضاً باطلاً، يقع البيع باطلاً.

الثالث: لا شبهة في أنّ ماهية البيع إذا كانت مبادلة مال بمال، تكون المبادلة في نحو إضافة، لا بمعنى نقل إضافة شخصية خاصّة من أحد المتعاملين إلى الآخر؛ فإنّه ظاهر البطلان، ضرورة لزوم تحقّق الإضافة بلا مضاف، أو بلا مضاف إليه، وهو باطل حتّى عند العرف.

بل بمعنى أنّ لازم تحقّق البيع هو سقوط إضافة البائع عن المبيع، وحدوث إضافة المشتري إليه وبالعكس، فتمليك العين بالعوض، لازمه تبادل الإضافة بهذا المعنى، لا المعنى غير المعقول، كما تفوّه به بعض الألسن(1).

ولازم ذلك هل هو بطلان البيع إذا أنشأ لشخص، وأجاز شخص آخر؟

فلو ملّك زيداً شيئاً بالعوض، فانتقل المال إلى عمرو، وأراد عمرو أن يجيز، فمقتضى القاعدة عدم الصحّة؛ لأنّ الإجازة لا تصلح إلاّ للّحوق بما اُنشئ.

فإن أراد عمرو بإجازته وقوع العقد لزيد، فلا إشكال في أنّه غير صالح لذلك، ولو أراد وقوعه لنفسه فالإنشاء غير صالح لذلك.

ففي أمثال ذلك، لا بدّ من قيام دليل تعبّدي على الصحّة، أو لا، بل يصحّ

ص: 287


1- - منية الطالب 1: 16 و92؛ راجع ما تقدّم في الجزء الأوّل: 16.

إذا أجاز المالك الفعلي؟

وجهان، فلو قيل: بأنّ البيع تبادل الإضافات بالمعنى الأوّل غير المرضيّ،

لا مجال للقول بالصحّة، وقد تقدّم في مسألة بيع الفضولي لنفسه ما هو التحقيق، وقلنا: بالصحّة فراجع(1).

إذا عرفت ذلك، ففي مثل الكفر والارتداد - وكذا في مثل قابلية العوضين للمملوكية - لا شبهة في الاعتبار عند النقل؛ لعدم مالكية الكافر المسلم والمصحف، وعدم صحّة تملّك الخمر مثلاً.

لكن لو أنشأ البيع فضولاً، وكان - في حال الإنشاء قبل الإجازة - مشتري المسلم والمصحف كافراً، والمبيع خمراً، ثمّ عند الإجازة أسلم الكافر، وانقلب الخمر خلاًّ، فلا شبهة في تحقّق عنوان «المعاملة» عرفاً، ويكون الشكّ في اعتبار إسلام المشتري من زمن إجراء الصيغة فضولاً إلى زمان الإجازة، وفي اعتبار قابلية المبيع للتملّك كذلك.

وهذا الشكّ مرتفع بإطلاق وجوب الوفاء بالعقد وحلّية البيع على فرض إطلاقها، والدليل الدالّ على عدم مالكية الكافر للمسلم، أو عدم مملوكية الخمر، قاصر عن إثبات ذلك، كما هو واضح.

فلو باع المصحف من كافر فضولاً، وأجاز بعد إسلامه، صحّ على النقل، دون الكشف، ولو انعكس بطل على النقل بلا إشكال.

والظاهر الصحّة على الكشف: أمّا على مبنى كون الكشف على القواعد، فظاهر.

ص: 288


1- - تقدّم في الصفحة 206.

وأمّا على غيره، فلما عرفت: من أنّ إطلاق الأدلّة رافع للشكّ؛ لأنّه اعتبار زائد على أصل المعاملة، والتعبّد بالكشف لا يوجب خروج العقد عن موضوعية الأدلّة، فالتعبّد إنّما هو في الكشف فقط(1).

نعم، لو كان دليل الكشف قاصراً عن إثبات الكشف في المورد، فالأخذ بالقواعد في مورد القصور يقتضي النقل، ولمّا كان النقل أيضاً باطلاً، يقع العقد باطلاً.

وما ذكر جارٍ في جميع موارد قصور دليل الكشف، فإنّه يرجع معه إلى القواعد، ومقتضاها النقل، فمع صحّة النقل نقول به، ومع عدم صحّته تبطل المعاملة، وقد تقدّم أنّه لا دليل على الكشف، وما دلّ عليه - على فرض التسليم - لا إطلاق له(2).

فتحصّل ممّا ذكر: حصول الثمرة فيما مرّ في بعض الصور.

وأمّا في موت الأصيل قبل إجازة الآخر، فلا شبهة في عدم تأثير الإجازة على النقل؛ لعدم اعتبار مالكية الميّت، وعلى فرض اعتبارها له في بعض الأحيان، لا يكون إلاّ بدليل خاصّ، والأدلّة العامّة قاصرة عن إثبات النقل إليه.

وأمّا على الكشف، فمن قال: بأنّه على القواعد، لا مجال له لإنكار الصحّة هاهنا؛ لأنّ إطلاق دليل وجوب الوفاء يرفع احتمال استمرار بقاء حياة البائع الأصيل إلى زمان الإجازة.

ص: 289


1- - تقدّم في الصفحة 285.
2- - تقدّم في الصفحة 254 - 268 و285.

ومن قال: إنّه على خلاف القاعدة، لا مجال له للحكم بالصحّة؛ لاحتمال دخالة المعاقدة بين الحيّين في الصحّة على الكشف.

ولو قيل: بأنّ المعاقدة حاصلة بينهما؛ لأنّ الأصيل حال العقد حيّ، والمجيز يعاقده حال حياته، فهو مع كونه كلاماً شعرياً، لا يفيد في المقام؛ لأنّ احتمال دخالة استمرار حياة الأصيل إلى زمان الإجازة في الكشف، لا دافع له مع عدم إطلاق في البين.

نعم، لو قيل بأنّ الموضوع نفس البيع وعنوانه مع لحوق الإجازة متأخّراً، صحّ على الكشف، لكن أنّى له بإثباته؟!

ثمّ إنّ البحث في أنّه مع موت الأصيل يقوم ورّاثه مقامه، بل وإذا مات المالك الأصلي أيضاً يقوم ورّاثه مقامه في الإجازة، بحث خارج عن المقام، وإن كان الأصحّ أنّ إجازة المجيز لا تكفي في الصحّة الفعلية بعد انتقال العوض إلى ورثة الأصيل بالإرث، بل لا بدّ من إجازتهم أيضاً.

نعم، لو قيل إنّ المال انتقل إليهم مع ثبوت حقّ الإجازة، أو قيل: إنّ الورثة قائمون مقام المورّث، لا أنّ المال انتقل إليهم، لكان لما ذكر وجه، لكنّ الاحتمالين ساقطان، ولا سيّما الثاني منهما، وإن ذهب إليه بعض الأعاظم قدّس سرّه(1).

ولو تلف أحد العوضين، فعلى الكشف تصحّ المعاملة، دون النقل.

وقد يقال: إنّه في تلف المبيع لا ثمرة؛ لأنّه قبل القبض من مال بائعه(2).

ص: 290


1- - منية الطالب 1: 16، 92؛ و2: 82.
2- - منية الطالب 2: 85.

وفيه: - مع أنّ الكلام في الفضولي ليس في البيع فقط، وفي التلف ليس في تلف المبيع فقط، بل لو تلف الثمن الشخصي الذي وقع عليه البيع تظهر الثمرة - أنّه في إتلاف المبيع سواء كان من قبل الأجنبيّ، أو من قبل البائع، تظهر أيضاً؛ فإنّ الحكم في تلف المبيع تعبّدي، مستنده النبوي المفتى به: «كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه»(1) وهو ظاهر في التلف السماوي.

وقد ادّعيت الشهرة وعدم وجدان الخلاف في أنّ المشتري مع إتلاف الأجنبيّ مخيّر بين الرجوع إلى المتلف والفسخ(2)، وهو أيضاً ثمرة.

وأمّا فقدان شرائط نفس العقد في حاله، دون حال الإجازة وبالعكس، فيتصوّر في تبدّل الرأي، فلو كان رأيه صحّة العقد بالفارسي فعقد، وتبدّل رأيه قبل الإجازة، فالظاهر صحّته على الكشف؛ لأنّ المعاملة تامّة، وتسالم الأصحاب على الإجزاء، وعدم هدم الاجتهاد الثاني الآثار المترتّبة على الاجتهاد الأوّل.

وأمّا على النقل حيث لم تتمّ المعاملة، ولم يكن مورد تسلّم الأصحاب، فيمكن أن يقال - بل لا بدّ وأن يقال -: ببطلان العقد؛ إذ لا دليل على الإجزاء.

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه(3) وغيره(4) ذكروا ثمرات اُخرى، أغمضنا عن ذكرها، ولا بأس بذكر التنبيهات المذكورة.

ص: 291


1- - عوالي اللآلي 3: 212 / 59؛ مستدرك الوسائل 13: 303، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 9، الحديث 1.
2- - جواهر الكلام 23: 157؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19: 277.
3- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 420.
4- - شرح القواعد، كاشف الغطاء 2: 96 - 97.
تنبيهات الإجازة
التنبيه الأوّل: لو كانت الإجازة على خلاف اقتضاء الكشف أو النقل

لو أجاز العقد من حال الإجازة، فهل يصحّ العقد والإجازة حتّى على الكشف أو لا؟ أو أجاز من حين العقد، فهل يصحّ حتّى على النقل أو لا؟

محطّ البحث هاهنا ما لو كانت الإجازة على خلاف اقتضاء الكشف، فهل يصحّ العقد والإجازة على الكشف، أو على خلاف اقتضاء النقل، فهل يصحّان على النقل؟

فقضيّة تعدّد المطلوب والشرط الفاسد أجنبيّة عن محطّه.

فنقول: أمّا على الكشف الحقيقي، فالقائل به إمّا أن يرى أنّ العقد الإنشائي المتعقّب بإجازته(1)، أو الملحوظ مع إجازته(2)، أو الحصّة المضافة إلى إجازته(3)، أو المقارن للرضا التقديري(4)، مؤثّر، فلو تعقّب العقد بالإجازة من حينها، لم تتحقّق العناوين؛ ضرورة أنّ التعقّب بمطلق الإجازة ليس مؤثّراً، بل المتعقّب

ص: 292


1- - الفصول الغروية: 80 / السطر 36.
2- - حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 59 - 60؛ كفاية الاُصول: 118 - 119؛ فوائد الاُصول، المحقّق الخراساني: 59 - 60.
3- - بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي: 320 و332.
4- - بدائع الأفكار، المحقّق الرشتي: 323 / السطر 13؛ الإجارة، المحقّق الرشتي: 184 / السطر 14.

بالإجازة المتعلّقة بالعقد الإنشائي مؤثّر.

وكذا لو رأى أنّ المنشأ بوجوده الحدوثي المتعقّب بإجازته، أو الملحوظ كذلك، أو المقارن للرضا، مؤثّر؛ فإنّ إجازة الحصّة المقارنة للإجازة لا يعقل أن تصير موضوعاً ومؤثّراً على هذا الفرض.

واحتمال أن يكون المؤثّر - من الأوّل - الحصّة المقارنة للإجازة، ساقط على القول بالكشف الحقيقي، بل غير معقول؛ للزوم تأثير الشيء في المتقدّم منه.

وأمّا على الكشف الحكمي، فعلى القول: بأنّ مضمون العقد هو النقل من حينه(1)، أو أنّ إطلاقه يقتضي النقل من حينه إن أجاز من حين الإجازة(2)، كانت الإجازة على خلاف مضمون العقد، أو مقتضى إطلاقه، فلا تكون مثل تلك الإجازة مؤثّرة من حال العقد؛ لأنّ مضمونه غير مجاز، والمجاز غير مضمونه ومقتضاه، من غير فرق بين النقل الانقلابي حقيقة أو عنواناً.

وأمّا على الكشف التعبّدي، فهو تابع لمقدار التعبّد، وقد عرفت أنّه لا دليل عليه يمكن التمسّك بإطلاقه(3).

ولو احتملنا أنّ موضوع التعبّد بالكشف هو العقد مع الإجازة الملحقة به، من غير تقييد بحال العقد أو بحال الإجازة - كما هو المتيقّن من الأدلّة على فرض دلالتها على الكشف - فمع التخلّف حتّى بالتقييد بالموافقة، يشكّ في موضوع الحكم.

ص: 293


1- - تقدّم في الصفحة 243.
2- - حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 252.
3- - تقدّم في الصفحة 254 - 268.

وممّا ذكر يظهر الحال في الإجازة المخالفة للنقل على القول به؛ فإنّ القائل بالنقل يرى أنّ العقد بوجوده البقائي اعتباراً جزء السبب، وجزءه الآخر الإجازة، ومعها تتمّ السببية، فلا بدّ من لحوقها بالبيع الموجود اعتباراً حال الإجازة، فلو أجاز بلا قيد تلحق به، لكنّه ليس محطّ البحث.

ولو أجاز متقيّداً بأوّل وجود العقد فلا تأثير لها؛ إذ لا يتحقّق سبب النقل وموضوعه.

فاتّضح ممّا ذكر بطلان الإجازة - بمعنى عدم كونها جزءاً للمؤثّر، أو موجبةً للتأثير في فرض المسألة - على جميع التقادير.

وكذا اتّضح الخلط الواقع لكثير من المحشّين؛ من التصحيح بتعدّد المطلوب(1)، أو بعدم بطلان المشروط بالشرط الفاسد(2)، أو بإلغاء القيد ولغويته(3)، فإنّها خارجة عن محطّ الكلام.

نعم؛ لو انعقد البحث بأنّ الإجازة إذا كانت - بواسطة مقارنتها بقيد أو شرط - ظاهرة في خلاف الكشف أو النقل، هل يمكن تصحيحها بإلغاء القيد أو الشرط أو نحو ذلك؟ كان لما ذكروا وجه.

ص: 294


1- - اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 179؛ البيع، (تقريرات المحقّق الكوهكمري) التجليل: 392؛ نهج الفقاهة: 402.
2- - منية الطالب 2: 88.
3- - اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 178.
التنبيه الثاني: حول اعتبار الإنشاء في الإجازة
لا يعتبر في نفوذ العقد الفضولي إلاّ الرضا

لا يعتبر في نفوذ العقد الفضولي إلاّ الرضا، ولو شكّ في الرضا يحكم في الظاهر بعدم التأثير وعدم النقل؛ لاستصحاب بقاء ملك كلّ منهما على حاله.

وقد يقال باعتبار إنشاء الإجازة والإنفاذ(1)، وهو غير مرضيّ؛ لأنّ اعتباره إمّا لأجل عدم صدق العناوين إلاّ به، كما قيل في القبول: من كون العقد مركّباً من الإيجاب ومنه، وهما ركنان فيه(2)، وقد قلنا: إنّ الإجازة في الفضولي كالقبول في غيره(3).

وفيه ما لا يخفى؛ ضرورة صدق العناوين عليه، أجازه، أو ردّه، أو لا؛ فإنّ البيع مثلاً ليس إلاّ تمليك العين بالعوض، وبيع الفضولي لا يقصر عن بيع الأصيل في ذلك، وحصول الأثر لا دخالة له في عنوان المعاملات، بل لا يعقل دخالته فيه.

بل العناوين صادقة على الفاسد من المصاديق، فبيع الربوي والخمر بيع فاسد، وبيع الصرف قبل القبض بيع، فالفضولي بيع عرفاً وشرعاً.

ص: 295


1- - حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 205؛ البيع، (تقريرات المحقّق الكوهكمري) التجليل: 393.
2- - مقابس الأنوار: 107 - 108، و275 / السطر 12؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 144؛ حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 27.
3- - تقدّم في الصفحة 150.

وإمّا لأجل أنّ المعتبر في الفضولي صيرورته عقداً وبيعاً وتجارة للأصيل، فإنّ قوله تعالى:«أَوْفُوا بالْعُقُود» بمعنى عقودكم، وكذا سائر العناوين، فإنّ الوفاء لا يجب إلاّ على من كان العقد عقده.

فالأدلّة لا تشمل الفضولي رأساً حتّى يقال: إنّها متقيّدة بالرضا فقط، بل الخطاب للأصيل؛ باعتبار كون العقد عقده، ولا يصير العقد عقده إلاّ بإنشاء الإجازة، فإنّ الانتساب أمر تسبيبي كالبيع، لا يحصل إلاّ بالإنشاء والإيجاد، ولا يحصل بالرضا أو بإظهاره.

وفيه ما مرّ سابقاً: من أنّ الإنشاء الصادر من الفضولي وحاصله الذي لا يختلف مع المصدر إلاّ اعتباراً، لا يكون فعلاً ولا أثر فعل إلاّ للفضولي، والمالك الأصلي لم يوجد العقد، ولا يكون العقد فعله، ولا نتيجة العقد - أي المصدر وحاصله - فعله، فلو كان المعتبر صيرورة العقد عقده، لا شبهة في أنّ الإجازة بأيّ وجه اُخذت، لا توجب ذلك(1).

بل ذكرنا: أنّ عقد الأصيلين لا يعقل أن يكون عقد كلّ منهما (2)، سواء قلنا: بأنّ العقد مركّب من الإيجاب والقبول وهما ركنان، أو قلنا: بأنّ تمام ماهية العقد توجد بفعل الموجب كما هو الواقع؛ فإنّه على الأوّل لا يكون العقد فعل كلّ منهما حقيقة، بل جزء منه فعل الموجب، وجزؤه الآخر فعل القابل، وكذا البيع والتجارة.

ولو نسب الكلّ إلى كلّ منهما، فهو بنحو من الادّعاء والمجاز.

ص: 296


1- - تقدّم في الصفحة 147 و153.
2- تقدّم في الصفحة 151 - 152.

وعلى الثاني: لا يكون فعل القابل؛ فإنّ القابل لا شأن له إلاّ مطاوعة ما أوجده الموجب.

فلو قيل: بلزوم كون العقد لكلّ منهما - أي يصدق حقيقة «أنّه بيع كلّ منهما وعقده» بمعنى أنّه فعلهما - فلا عقد الأصيلين كذلك، ولا الوكيل منهما، ولا المأذون، ولا الفضولي، ولمّا لم نشكّ في أنّ عقد الأصيلين ووكيلهما والمأذون منهما مشمول للأدلّة، فلا نشكّ في عدم اعتبار ما ذكر.

بل المعتبر أن يكون للعقد والبيع والتجارة نحو ارتباط وانتساب إلى المالكين، إمّا بإيجاد كلّ منهما ركناً منه، أو إيجاد أحدهما وقبول الآخر، أو إيجاد وكيلهما، أو كونه مأذوناً فيه، أو مجازاً.

كما أنّ الأمر كذلك عند العقلاء كافّة، والأدلّة لا تخرج عمّا يفهمه العقلاء.

ولو قلنا في الأصيلين: بأنّ العقد الواقع بينهما كافٍ في وجوب الوفاء - أي يجب الوفاء على كلّ بالعقد الواقع بينهما، فالعقد عقدهما، فيجب الوفاء به - لم يتمّ ذلك في باب الوكالة والإذن، وكذا الفضولي؛ لعدم الصدق إلاّ مسامحة ومجازاً.

هذا مضافاً إلى ما مرّ أيضاً: من أنّ الإجازة والإمضاء والإنفاذ ذاتها - بذاتها - تأبى عن صيرورة العقد بها عقد المالك(1)؛ فإنّها إجازة فعل الغير وإمضاؤه وإنفاذه، فكأنّه قال: «ما فعلته وأوجدته أمضيته» كما في رواية عروة: «بارك اللّه في صفقة يمينك»(2) لو كان كناية عن الإمضاء.

ص: 297


1- - تقدّم في الصفحة 147.
2- - عوالي اللآلي 3: 205 / 36؛ مستدرك الوسائل 13: 245، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 18، الحديث 1.

فالصفقة اعتبرت على ما هو الواقع من كونها صفقة يمينه، فكيف يمكن أن يكون هذا الأمر المضادّ - ذاتاً وعنواناً وأثراً - لملاحظة كون العقد عقد الأصيل، موجباً لصيرورته كذلك حتّى مجازاً وادّعاءً، فضلاً عن الحقيقة؟!

ولو قيل: بأنّ للشارع أن يدّعي أنّ العقد عقدهما باعتبار نحو استناد إليهما.

يقال: إنّ ذلك لا يتمّ إلاّ مع ثبوت استعمال العناوين مجازاً، وإلاّ فالأصل الحقيقة.

نعم، الإجازة موجبة لكون العقد مجازاً من المالك، وهو كافٍ في النفوذ ووجوب الوفاء عرفاً وشرعاً، وهذا المعنى بعينه موجود في الرضا؛ فإنّ العقد مع الرضا عقد مرضيّ به من المالك، وهو كافٍ، بل هو أولى بشمول: «تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ» له من العقد المجاز.

وبهذا يظهر: أنّ دعوى كون الانتساب أمراً تسبيبياً لا بدّ لحصوله من الإنشاء والإيجاد(1)، غير مرضيّة؛ فإنّ ما هو تسبيبي ومحتاج إلى الإنشاء والإيجاد، هو عناوين المعاملات، وهي حاصلة في الفضولي كالأصيل، بلا فرق بينهما، كما أنّ العقد لا يكون عقدهما في شيء من الموارد.

والانتساب بالمعنى المتقدّم - أي حصول نحو ربط بين العقد والمالك - حاصل بالرضا وبالإجازة وبالإذن ونحوها، وهو كافٍ في شمول الأدلّة، بعد عدم اشتمالها على أمر يوجب عدم الصدق، نحو «أوفوا بعقودكم».

ص: 298


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 65؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 206.

مع أنّه لو كانت الأدلّة مشتملة عليه، لا محيص إلاّ عن الحمل على نحو انتساب، غير كون العقد عقده حقيقة، إمّا بالحمل على المجاز، أو الادّعاء، ومناطه حاصل في العقد المرضيّ به كالعقد المجاز.

وبالجملة: إطلاق الأدلّة يقتضي الشمول للعقد المرضيّ به.

وبهذا يظهر حال مقايسة الإجازة مع القبول؛ بأن يقال: كما أنّ القبول أمر إنشائي، كذا الإجازة.

فإنّه مع كونه مع الفارق عرفاً، يمكن لنا دعوى عدم اعتبار الإيجاد في القبول أيضاً؛ فإنّ عنوان المعاملة الذي هو أمر تسبيبي، يحصل بالإيجاب، ولا شأن للقبول إلاّ إظهار الرضا بما أوجده، فعلى القواعد يكفي في القبول الرضا الباطني أيضاً، إلاّ أن يقوم الإجماع على خلافها.

كما ظهر: أنّ المعتبر هو الرضا لا إظهاره، هذا حال الأدلّة العامّة.

دلالة صحيحة الحذّاء على كفاية الرضا في الإجازة

وأمّا الأدلّة الخاصّة، فمقتضى صحيحة الحذّاء(1) هو اعتبار الرضا ليس إلاّ، والعجب أنّ الشيخ قدّس سرّه وغيره مع عدّهم لها من أدلّة الفضولي، واستدلالهم بها على الكشف(2)، لم يتمسّكوا في المقام بها، مع أنّها صريحة في ذلك، أو كالصريحة فيه، فراجعها.

ص: 299


1- - تقدّم في الصفحة 258.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 409؛ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 148.

نعم، بناءً على ما قلنا في مفادها (1) فهي أجنبيّة عن المقام.

ولو اعتبرنا إنشاء الإجازة، فلا إشكال في حصوله بأيّ مظهر عقلائي؛ من اللفظ الصريح، والكنائي، والفعل إذا فهم منه ذلك، كما لو قيل له: «هل تجيز بيع كذا؟» فأشار برأسه: نعم.

وأمّا الأفعال كالتصرّف، وتمكين المعقود عليها، فإن قلنا: بأنّها كاشفة عن الرضا المعتبر، فلا إشكال.

وإن قلنا: بأنّها إنشاء الإجازة، فلازمه حرمة التصرّف والتمكين؛ فإنّ حصول الملكية والزواج إنّما هو بعد تحقّق العمل الذي يتحقّق به الإنشاء، فالتصرّف وقع في مال الغير بلا إذنه، والرضا المعاملي لا يفيد، والرضا بالتصرّف مفقود، كما أنّ

التمكين حرام وإن وقع به الزواج.

تردّد الشيخ الأنصاري في كفاية الرضا الباطني

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه بعد اختيار كفاية الرضا الباطني، تردّد فيها؛ نظراً إلى أنّ لازمها كفايته في أوّل العقد، والظاهر أنّ الأصحاب لا يلتزمون به.

وأيّده بأنّه لو كان مجرّد الرضا ملزماً، لكان مجرّد الكراهة فسخاً (2).

وأنت خبير: بأنّ الالتزام باللازم الأوّل لا مانع منه، وليست المسألة إجماعية بلا إشكال.

وأمّا اللازم الثاني فلا يلزم؛ ضرورة أنّ الاكتفاء بالرضا في الإلزام؛ لأجل أنّ

ص: 300


1- تقدّم في الصفحة 258 - 261.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 425.

ما هو أمر تسبيبي إنشائي حصل بإنشاء الفضولي، وشرط تأثيره الرضا، وهو أيضاً حاصل، فلا وجه لعدم الإلزام.

وأمّا الفسخ، فهو كنفس المعاملة يحتاج إلى الإنشاء؛ فإنّه حلّ العقد، وهو أمر تسبيبي، يحتاج إيجاده إلى الإنشاء.

فما أفاده أخيراً بقوله: إلاّ أن يلتزم بعدم كون مجرّد الكراهة فسخاً، وإن كان مجرّد الرضا إجازة(1)، صحيح، لكن لا لأجل كون الرضا إجازة، بل لأجل عدم الاشتراط إلاّ بالرضا، والإجازة كاشفة عنه.

التنبيه الثالث اعتبار عدم سبق الردّ في الإجازة
أدلّة اعتباره

قالوا: من شروط الإجازة أن لا يسبقها الردّ.

واستدلّ عليه بعد نقل الإجماع: بأنّ الإجازة بما أنّها تجعل المجيز أحد طرفي العقد - وإلاّ لم يكن مكلّفاً بوجوب الوفاء - تكون كالإيجاب إذا كان البيع فضولياً، وكالقبول إذا كان الاشتراء فضولياً، وكما أنّ الردّ بعد الإيجاب قبل القبول موجب لسلب صدق «العقد» سواء كان من الموجب، أو القابل، فكذلك في المقام(2).

وهذا المدّعى يتوقّف ثبوته على أمرين:

ص: 301


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 426.
2- - نفس المصدر.

أحدهما: أنّ ردّ الإيجاب قبل القبول - سواء كان من الموجب أو القابل - موجب لسقوطهما عن صدق «العقد».

وثانيهما: أنّ الردّ قبل الإجازة كالردّ قبل القبول.

أمّا الدعوى الاُولى: فلا تبعد صحّتها بالنسبة إلى ردّ الموجب إيجابه، إذا كان الإيجاب عبارة عن الإرادة المظهرة كما قيل(1)، أو عبارة عن البناء والقرار القلبي بأنّ هذا ملك الطرف بإزاء كذا، أو عبارة عن التعهّد بذلك(2)، فإذا ارتبطت الإرادة المظهرة من القابل بالإرادة المظهرة من الموجب، تمّ العقد، وكذا الحال في البناء والقرار وفي التعهّد؛ لأنّ العدول عن الإيجاب قبل القبول، يوجب سقوط الإرادة والبناء والقرار القلبي، والتعهّد كذلك.

ومعه لا يعقل ارتباط القبول بالإيجاب؛ لمعدومية الإرادة وسقوطها، وما كان مظهراً للإرادة السابقة، لا يعقل أن يبقى على مظهريته، فلا بدّ من إرادة اُخرى، وبناء آخر، وتعهّد آخر، وإظهارها حتّى يرتبط القبول به، هذا بالنسبة إلى ردّ الموجب.

وأمّا ردّ القابل، فلا يصلح لإسقاط إرادة الموجب، ولا قراره وبنائه، ولا تعهّده؛ لأنّ لها مبادئ خاصّة، ما دامت باقية تبقى بوجود علّتها ومبادئها.

نعم، لو ردّ القابل وأيس الموجب من قبوله، سقطت المعاليل؛ لسقوط عللها ومبادئها، لكن لو ردّ ثمّ عدل قبل سقوطها، تمّ نصاب العقد، وارتبطت الإرادة والقرار والتعهّد بنظائرها في الموجب.

ص: 302


1- - مقالات الاُصول 1: 310 - 311؛ نهاية الأفكار 1: 302.
2- - اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 426.

هذا، لكنّ المباني كلّها غير مرضيّة، ولا يوافقها عرف، ولا عقل، ولا لغة:

أمّا حديث الإرادة المظهرة والبناء القلبي، فتصوّره يغني في الحكم بالفساد.

وأمّا حديث التعهّد فقد يقال إنّ قوله تعالى: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» معناه وجوب الوفاء بالعهد، والعقد هو معاقدة الطرفين ومعاهدتهما، ومع فقد تعهّد أحدهما لا تتحقّق المعاهدة والمعاقدة(1).

وفيه: أنّ العقد لو كان بمعنى العهد، والتعاقد لو كان بمعنى التعاهد، فلا بدّ من الالتزام بخروج البيع ونحوه منه؛ ضرورة أنّ البيع - عرفاً ولغة - عبارة عن مبادلة مال بمال، أو تمليك عين بالعوض، وعناوين العهدة والالتزام خارجة عنه، فلا يقال لمن باع خبزاً بدرهم: «إنّه عاهده، وهما تعاهدا على كون الخبز في مقابل الدرهم».

بل العرف والعقلاء يدركون عناوين المعاملات، ويغفلون عن التعاهد والمعاهدة والمعاقدة.

نعم، بعد التبادل وتمامية المعاملة، وصيرورة كلّ من العوضين ملكاً للآخر، يرى العقلاء عهدة أداء كلّ مال صاحبه، والعهدة للأداء من أحكام المعاملة لا نفسها.

والتحقيق: أنّ العقد في «أَوْفُوا بِالْعقُودِ» عبارة عن الربط الاعتباري الحاصل من التبادل الاعتباري، فكأنّه عقدة حاصلة من الإنشاء، كما يشهد به قوله تعالى: «أَوْ يَعْفُوَا الَّذِى بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ»(2).

ص: 303


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 426.
2- البقرة (2): 237.

فعقدة البيع كعقدة النكاح، فهي عبارة عن تبادل العوضين، الذي يتوهّم منه حصول عقدة بتبادل الإضافات، ولمّا كان العقد موجباً لصيرورة العوضين متبادلين، وكان لكلّ منهما عهدة أداء مال صاحبه بواسطة العقد، توجّه الأمر بوجوب الوفاء به والعمل على طبق مضمونه.

فقوله تعالى: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و«أَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْع» و«تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ» كلّها وردت لتصحيح المعاملات وإنفاذها، كما تمسّك بها السلف والخلف، لكن لسانها مختلف:

ف-«أَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ» ظاهر في إنفاذ أصل الماهية، وإن شئت قلت: يدلّ بالمطابقة على نفوذها وحلّيتها.

و«أَوْفُوا بِالعُقُودِ» ناظر إلى مضمونها، وأمر بالوفاء بها، ولازمه صحّتها ونفوذها، فيدلّ عليها بالالتزام.

وقوله تعالى: «تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ» ناظر إلى الأموال الحاصلة بالتجارة، وحلّ أكلها والتصرّف فيها، فيدلّ بالالتزام على صيرورة المال ماله وصحّة المعاملة.

وقوله تعالى: «أَوْفُوا بِالعُقُودِ» ليس حكماً تكليفياً زائداً على لزوم العمل على طبق المعاملة، وردّ مال الغير الذي صار ماله من قبل العقد، وإنّما هو حكم إرشادي لا مولوي، وإلاّ لزمت منه صحّة العقوبتين لمن ترك العمل بالعقد: عقوبة عدم ردّ مال الغير، وعقوبة عدم الوفاء بالعقد، وإن كان العنوانان حاصلين بعمل واحد، واجتمعا في الردّ الخارجي، ولا أظنّ صحّة الالتزام بذلك والتزامهم به.

والإنصاف: أنّ ما ذكره المتأخّرون اُمور عقلية، خارجة عن المتفاهم

ص: 304

العرفي الذي هو الميزان في باب المعاملات.

ثمّ إنّه على المبنى المنصور - من أنّ البيع هو التبادل، أو التمليك بالعوض - لو أنشأ الموجب ذلك فردّ القابل، لا يوجب ذلك هدم الإنشاء لا عرفاً، ولا عقلاً، ولا شرعاً، فله القبول بعد ردّه، وكذا لو ردّ الموجب؛ إذ لا دليل على سقوط إنشائه، فالقاعدة تقتضي صحّته لو رجع، إلاّ أن يقوم إجماع على خلافها، أو يحرز من العرف والعقلاء أنّ رجوع الموجب يوجب عدم اعتبار بقاء إيجابه، والعهدة على مدّعيه.

ولو شكّ في ذلك يجري استصحاب بقاء الإيجاب، فإذا لحقه القبول، يندرج في موضوع وجوب الوفاء؛ لأنّ موضوعه مركّب من الإيجاب والقبول، وهو حاصل بالأصل والوجدان.

نعم؛ لو كان موضوعه العقد، وقلنا إنّه أمر انتزاعي من الإيجاب والقبول، لكان الأصل مثبتاً؛ هذا حال الإيجاب والقبول.

وأمّا الدعوى الثانية: فالظاهر عدم صحّتها، ومقتضى القاعدة عدم كون الردّ مضرّاً بها على جميع المباني؛ لأنّ العقد وجد بفعل الفضولي، أي بإرادته المظهرة، أو بنائه، أو تعهّده، أو إنشائه المبادلة، ولا وجه لكون ردّ غيره موجباً لهدم فعله.

فالعقد المتحقّق من الغير يحتاج إلى نحو انتساب إلى المالك، وقبل الإجازة لم يكن منتسباً إليه حتّى يقطع الانتساب، وبعدها يصير منتسباً، فلو التزمنا في ردّ الموجب بأنّه موجب لعدم صدق العقد، وبعبارة اُخرى موجب لهدم الإنشاء، فلا موجب للالتزام به في المقام.

نعم، لو قلنا بأنّ ردّ القابل أيضاً موجب لذلك، فالظاهر لزوم الالتزام بذلك في

ص: 305

الفضولي أيضاً؛ لأنّهما مشتركان في أنّ فعل الغير ينهدم بردّ صاحبه.

وقد تقدّم: أن ليس للإجازة شأن إلاّ قبول فعل الغير وإيجابه(1)، وأنّ تمام ماهية البيع الإنشائي حصل بإيجاب الموجب، وقبول الفضولي لا أثر له، لا في تحقّق مفهوم البيع، ولا في ترتّب الأثر، فالإجازة قبول متأخّر، لكنّ الالتزام به ضعيف.

مع إمكان أن يقال: إنّه على مبنى القوم - من أنّ العقد مركّب من الإيجاب والقبول، ولا تتمّ ماهية العقد إلاّ بهما (2) - يمكن الالتزام بأنّ الردّ قبل القبول موجب لعدم صدق «العقد» لأنّ المركّب إذا وجد بعض أجزائه، وتخلّل بينه وبين بعض آخر المنافي، لزم منه سلب الاسم، وعدم تحقّقه، وعدم بقاء صورته.

وهذا بخلاف الفضولي بعد تماميته، وصدق «العقد» عليه، وحصول الردّ بعد تمامية الماهية وصدق الاسم، فمقايسة الردّ بعد تمامية الماهية بالردّ في خلالها وقبل تماميتها، مع الفارق.

استدلال الشيخ الأنصاري على اعتبار عدم سبق الردّ

والعجب من الشيخ الأعظم قدّس سرّه، فإنّه مع اعترافه بأنّ الفضولي عقد - حيث قال: إذ مع الردّ ينفسخ العقد - استدلّ عليه: بأنّ الإجازة تجعل المجيز أحد

ص: 306


1- - تقدّم في الصفحة 150.
2- مقابس الأنوار: 107 / السطر الأخير، و275 / السطر 12؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 144؛ حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 27؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 307؛ منية الطالب 1: 94.

طرفي العقد، وإلاّ لم يكن مكلّفاً بالوفاء، وقد تقرّر أنّ من شروط الصيغة

أن لا يحصل بين طرفي العقد ما يسقطهما عن صدق «العقد» الذي هو في معنى المعاهدة(1)، انتهى.

إذ مع صدق «العقد» قبل الإجازة لا وقع لاستدلاله، ولا مجال للمقايسة، إلاّ أن يدّعى أنّه بالإجازة ينتقل الانتساب من المباشر الفضولي إلى المجيز، وهو مع فساده في نفسه لا ينتج؛ إذ المفروض حصول الردّ قبل الإجازة.

وإن رجع قوله إلى أنّه بعد الردّ لا يصحّ أن تجعل الإجازة المجيز أحد طرفي العقد، فهو مصادرة ظاهرة.

مضافاً إلى ما تقدّم: من أنّ الإجازة لا تصلح لأن تجعل المجيز أحد طرفي العقد حقيقة، ودليل وجوب الوفاء لا يتوقّف شموله على ذلك، بل العقد المجاز والمأذون فيه مشمول لإطلاقه(2).

مع أنّ قوله: إنّ العقد في معنى المعاهدة، محلّ منع؛ فإنّ اعتبار العهد والمعاهدة يخالف اعتبار المعاملات نحو البيع والإجارة؛ فإنّ مفادها ليس التعاهد والعهدة، بل بعد تحقّقها وترتّب الأثر، يحكم بأنّ كلاًّ من الطرفين على عهدته أداء مال الغير، أو على عهدته ماله إن كان العوض أو المعوّض كلّياً، وهذا غير كون ماهية البيع عبارة عن التعاهد.

والشاهد عليه: أنّ كيفية إنشاء قرار المعاهدات بين الدول - كالمعاهدات الحربية والسياسية - تغاير إنشاء المبايعات، ففي المعاهدات يقال ويقرّر: «أنّ

ص: 307


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 426.
2- - تقدّم في الصفحة 147 و148 و296.

طرفي المعاهدة تعاهدا على كذا وكذا» وليس في المعاملات اسم وأثر من المعاهدة.

فلو قيل: إنّ «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» معناه أوفوا بالعهود، لا بدّ - كما مرّ - من الالتزام بأنّه مخصوص بباب المعاهدات، وأنّ أبواب المعاملات خارجة عن مفاده.

الاستدلال بقاعدة السلطنة

واستدلّ على المطلوب بقاعدة السلطنة؛ وأنّ مقتضاها تأثير الردّ في قطع علاقة الطرف الآخر عن ملكه، فلا يبقى ما تلحقه الإجازة(1).

وفيه ما لا يخفى؛ فإنّ قاعدة السلطنة على الأموال - التي هي قاعدة عقلائية ممضاة من قبل الشارع - غير مرتبطة بالسلطنة على العقود، ولا سيّما العقد الذي هو من فعل الغير، ولا بالسلطنة على إسقاط العقد عن قابليته للحوق الإجازة به.

وليس إنشاء العقد على الأموال تصرّفاً فيها حتّى يزاحم سلطنته على ماله، ولم تحصل علقة حقيقة حتّى يقطع المالك تلك العلقة، وليس للمالك إلاّ السلطنة على الإجازة وتركها؛ فإنّها من شؤون السلطنة على ماله، فإنّها سلطنة على نقله، فله النقل وعدمه، وليس له حلّ إنشاء الغير.

هذا ما أوردوا عليه(2)، ولعلّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه أشار بالتأمّل إلى بعض ما ذكر(3).

ص: 308


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 426.
2- - حاشية المكاسب، المحقّ-ق الخراساني: 67؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 210؛ منية الطالب 2: 92 - 93.
3- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 426.
كلام المحقّق النائيني في تصحيح التمسّك بقاعدة السلطنة

لكنّ بعض الأعاظم قدّس سرّه تصدّى لتصحيح التمسّك بالقاعدة، فقال ما حاصله:

إنّ إسقاط العقد عن قابليته للحوق الإجازة ليس من الأحكام، بل كونه من الحقوق المالية ظاهر؛ فإنّ البيع من الغير من السلطنة المالية، وثبوتها للمالك بأدلّة نفوذ البيع واضح.

فردّ البيع أيضاً من أنحاء السلطنة، وشمول عموم القاعدة لهذا النحو من السلطنة لا ينبغي الإشكال فيه(1).

وفيه: أنّ مقايسة ردّ الإنشاء الذي هو فعل الغير، ولا يكون تصرّفاً بوجه في ماله - بل هو إنشاء صرف لبيع صاحب المال الذي هو تصرّف في ماله، ومن أنحاء السلطنة بلا إشكال - من عجائب الدعاوى، فأيّ ربط بين تصرّف الشخص في ماله بالبيع، وإنفاذه بدليل شرعي، وبين ردّ إنشاء الغير الذي هو ليس تصرّفاً خارجياً، ولا اعتبارياً، عرفاً وشرعاً؟!

وما أفاد في خلال كلامه: من أنّ الفضولي وإن لم يتصرّف في ملك المالك، ولم يتحقّق المنشأ بإنشائه في عالم الاعتبار، إلاّ أنّه تحقّق منه المنشأ بنظره؛ فإنّه أوقع التبديل بين المالين، ومقتضى السلطنة المطلقة أن يكون له إبطال هذا الإنشاء(2).

عجيب آخر؛ فإنّه بعد الاعتراف بعدم كونه تصرّفاً واقعاً، فمجرّد كونه بنظره

ص: 309


1- - منية الطالب 2: 94.
2- - نفس المصدر.

تصرّفاً لا يوجب قلب الواقع، وموضوع دليل السلطنة هو الواقع، لا ما هو بنظر شخص خطأ.

مع أنّ ما أنشأ المنشئ بوجوده الإنشائي، متحقّق في نظره ونظر سائر العقلاء، والنقل الواقعي غير متحقّق بنظره ونظر غيره، إلاّ أن يكون شخصاً غافلاً عن الحقائق.

مع أنّه لو كان الإنشاء تصرّفاً مزاحماً لسلطنة المالك، فلا بدّ وأن يكون محرّماً وغير واقع، فبطل الفضولي من رأس.

وعجيب آخر ما أفاد: من أنّ ردّ المرتهن بيع الراهن ليس موجباً لزوال عقده؛ لأنّ المرتهن ليست له سلطنة على العقد، وإنّما له استيفاء دينه من العين، ومجرّد العقد عليها لا يكون مزاحماً لهذا الحقّ(1).

فإنّ مجرّد الإنشاء إن كان نحو تصرّف في مال الغير، لا يبقى فرق بين ملك الغير ومتعلّق حقّه، وإلاّ فلا فرق بينهما أيضاً، فكما أنّ إنشاء الراهن ليس مزاحماً لحقّ المرتهن، كذلك إنشاء الفضولي ليس مزاحماً لشيء من حقوق المالك، فللمالك بعد هذا الإنشاء جميع التصرّفات الخارجية والاعتبارية.

ثمّ قال: بل لو لم نقل بأنّ السلطنة على إسقاط العقد من السلطنة على المال، بل هو من الأحكام الشرعية، إلاّ أنّه لا شبهة في أنّ هذا الذي ثبت له شرعاً - لو تحقّق منه - ينفذ عليه، ولا يمكنه حلّه وإيجاد ضدّه، فنفوذ ردّه عقد الفضولي كجواز البيع، فكما لا يجوز له فسخ البيع بعد صدوره منه،

ص: 310


1- - منية الطالب 2: 95.

فكذلك لا ينفذ منه إبطال ردّه بعد تحقّقه(1).

وهو أعجب ممّا سبق؛ ضرورة أنّ جواز البيع ثبت له بقاعدة السلطنة، وليس له فسخه؛ لأدلّة لزوم البيع، وأمّا ردّه فلا دليل على إنفاذه وعدم جواز الرجوع منه، فالمقايسة باطلة.

ثمّ قال: أمّا قولهم: بأ نّا لا نسلّم حصول العلقة، ففيه: أنّه وإن لم تحصل له العلقة شرعاً، لكنّها حصلت له عرفاً، فالردّ يبطل هذه العلقة، مع أنّ تأثير الردّ لا يتوقّف على العلقة فعلاً، بل تكفي شأنية تحقّقها، ولا شبهة في أنّ العقد الفضولي مادّة قابلة للحوق الإجازة به، فالردّ مقابل للإجازة، وهو يسقط العقد عن القابلية(2).

وهو أيضاً من الدعاوى العجيبة، فإنّ العلقة التي حصلت عرفاً بزعمه، إن كانت وراء إنشاء البيع - أي المبادلة الإنشائية - فهي لم تحصل لا عرفاً، ولا شرعاً.

وإن كانت ذلك فهي حاصلة عرفاً وشرعاً، ولهذا لو أجاز صحّ شرعاً وعرفاً، وهذه العلقة ليست تصرّفاً في المال قطعاً، وإلاّ لزمت حرمته وبطلانه، وهو لا يقول به.

وإن كان المقصود أنّ مجرّد الإنشاء كافٍ في جواز حلّه، كما ادّعاه أخيراً، فهو مصادرة ظاهرة؛ فإنّ المدّعى أنّ الإنشاء قابل للردّ والفسخ، والدليل أنّ الإنشاء كافٍ في الردّ والفسخ، وهو كما ترى.

فاتّضح ممّا مرّ: أنّ مقتضى قاعدة السلطنة ليس إلاّ صحّة الإجازة؛ فإنّها

ص: 311


1- - منية الطالب 2: 94.
2- - منية الطالب 2: 95.

موجبة للنقل، وهو من أنحاء التصرّف، والسلطنة عليه من أنحاء السلطنة على المال، ولازم السلطنة على الإجازة السلطنة على تركها، وإلاّ لم يكن سلطاناً على الفعل؛ فإنّ القدرة على الشيء قدرة على إيجاده وتركه.

ولعلّه رحمه الله علیه كان في نظره ما هو المعروف؛ من أنّ القدرة شأنها كذلك(1)، فتوهّم أنّ مقابل القدرة على الإجازة القدرة على حلّ الإنشاء، ولازم القدرة على طرف هو القدرة على الطرف الآخر.

وأنت خبير: بأنّ المقابل الذي يلزم تعلّق القدرة عليه - إذا تعلّقت بمقابله - هو الفعل والترك، لا الفعل وفعل آخر، ولا سيّما إذا كان الفعل تصرّفاً في المال، والفعل الآخر تصرّفاً في العقد لا في المال.

ثمّ إنّه لو فرض تمامية ما ذكر - من اقتضاء قاعدة السلطنة جواز الردّ، أو أنّ الردّ موجب بحسب القاعدة لفسخ العقد - لا يوجب ذلك طرح ما يدلّ على صحّتها بعد الردّ فرضاً؛ فإنّ قاعدة السلطنة قابلة للتقييد، والقاعدة الاُخرى قابلة للردع، فإذا دلّت رواية صحيحة على ذلك، لزم الأخذ بها.

فما أفاده الشيخ قدّس سرّه وتبعه بعض آخر: من طرح الصحيحة الدالّة عليه أو تأويلها (2)، غير موجّه.

نعم، قد مرّ سابقاً أنّ صحيحة محمّد بن قيس لا تدلّ على الردّ(3).

ص: 312


1- - الحكمة المتعالية 6: 307؛ شرح المنظومة، قسم الحكمة 3: 614.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 427؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 112.
3- - تقدّم في الصفحة 165.
الاستدلال بصحيحة ابن بزيع

ويمكن الاستدلال على المطلوب بصحيحة ابن بزيع قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن امرأة ابتليت بشرب النبيذ فسكرت، فزوّجت نفسها رجلاً في سكرها، ثمّ أفاقت فأنكرت ذلك، ثمّ ظنّت أنّه يلزمها ففزعت منه، فأقامت مع الرجل على ذلك التزويج، أحلال هو لها، أم التزويج فاسد؛ لمكان السكر، ولا سبيل للزوج عليها؟

فقال: «إذا أقامت معه بعد ما أفاقت فهو رضاً منها».

قلت: ويجوز ذلك التزويج عليها؟

فقال: «نعم»(1).

فإنّ قوله: فأنكرت ذلك، وقوله: ففزعت منه، ظاهر في إظهار التنفّر والمخالفة للنكاح، ولا شكّ أنّ هذا كافٍ في الردّ، ولا يلزم فيه إنشاء نحو قولها: «رددت».

وليس معنى «أنكرت» الإنكار لتحقّق الفعل منها، بل الظاهر الإنكار في مقابل الرضا، والفزع إظهار عدم الرضا والتنفّر، وهو ردّ فعلي بلا شبهة.

نعم، قوله: «فزوّجت» ظاهر في تزويجها نفسها مباشرة، لا التوكيل فيها، فحينئذٍ قد يقال: إنّه غير المورد الذي هو الفضولي(2).

ص: 313


1- - الفقيه 3: 259 / 1230؛ تهذيب الأحكام 7: 392 / 1571؛ وسائل الشيعة 20: 294، كتاب النكاح، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، الباب 14، الحديث 1.
2- - البيع، (تقريرات المحقّق الكوهكمري) التجليل: 396.

وفيه: - مضافاً إلى أنّ شيوع التوكيل في باب الزواج حتّى في العصور السابقة يوجب على الأقلّ انقداح احتماله، فحينئذٍ مع ترك الاستفصال تدلّ على عدم الفرق بين المباشرة والتوكيل - أنّ الشبهة في المقام إنّما هي أنّ الردّ هل يوجب انهدام العقد وفسخ الإنشاء أم لا؟ فمن هذه الحيثية لا فرق بين إنشاء وإنشاء بالضرورة.

نعم، لو كانت الشبهة في صحّة الفضولي، يمكن القول بالاختصاص بباب النكاح.

ولو قيل: إنّ السكر لو أوجب سلب التمييز لم يصحّ الإنشاء، وإلاّ فلا مانع من الصحّة الفعلية(1).

يقال: إنّ السكر - ولا سيّما الحاصل من النبيذ - لا يوجب رفع التمييز؛ بنحو لا يفهم صاحبه معاني الألفاظ وموارد استعمالها، وإن أوجب عدم تشخيص المصالح والمفاسد، فلا يبعد القول: بصحّة إنشائه واحتياجه إلى الإنفاذ، كما هو ظاهر الرواية.

مع أنّ الرواية تدلّ على صحّة إنشائه واحتياجه إلى الإنفاذ، فيعلم منها أنّ الإنشاء منه صحيح متمشٍّ، والاحتياج إلى الإنفاذ تعبّد من الشارع.

ولو قيل: إنّ رضاها بالتزويج معلّق على اللزوم، والرضا المشروط والتعليقي لا أثر له، فلا يجوز الاتّكال على الرواية(2).

يقال: إنّ ظنّها باللزوم جهة تعليلية، وبعد ذلك رضيت به، والرضا في باب

ص: 314


1- - مسالك الأفهام 7: 99؛ اُنظر جواهر الكلام 29: 145.
2- - البيع، (تقريرات المحقّق الكوهكمري) التجليل: 397.

المعاملات ليس بمعنى طيب النفس، بل أعمّ منه، كما في عقد المضطرّ كما مرّ

في محلّه(1).

وأمّا ذيل رواية أبي ولاّد(2) المتقدّمة فيما سلف(3)، فلا يدلّ على عدم اعتبار الرضا ولو مع جهة تعليلية؛ لأنّ الرجل في تلك الرواية لم يكن راضياً، وإنّما أظهر الرضا لاستنقاذ بعض حقّه، كما يظهر بالتأمّل فيها.

مع أنّه يفترق باب حلّ الأموال عن الرضا المعاملي، ولهذا لو اضطرّه الغاصب إلى الرضا في التصرّف في ماله، لم يصر حلالاً، فلو أراد قتله فأدّى مالاً فدية وقال: «رضيت بتصرّفك» لم يصر حلالاً، بخلاف ما لو اضطرّه إلى المعاملة والبيع.

ثمّ لو شككنا في أنّ الردّ موجب للفسخ، فاستصحاب بقاء العقد لا مانع منه؛ فإنّ العقد إذا لحقته الإجازة، يكون موضوعاً لوجوب الوفاء، فالعقد موجود بالأصل، ولحوق الإجازة به وجداني.

نعم، لو قلنا بأنّ العقد المتقيّد والمتّصف بكونه مرضيّاً به ومجازاً موضوع، لكان الأصل مثبتاً.

فالتحقيق بحسب القواعد: عدم اشتراط الإجازة بعدم مسبوقيتها بالردّ، إلاّ أن يقوم إجماع على ذلك، وإثبات الإجماع في تلك المسألة المبنيّة على القواعد مشكل، بل ممنوع، والاحتياط حسن.

ص: 315


1- - تقدّم في الصفحة 84 - 85 و100.
2- - الكافي 5: 290 / 6؛ وسائل الشيعة 19: 119، كتاب الإجارة، الباب 17، الحديث 1.
3- - تقدّمت في الجزء الأوّل: 602.
التنبيه الرابع: عدم تورّث الإجازة

لا إشكال في أنّ الإجازة لا تورث؛ لأنّها ليست من الحقوق، بل نفوذها من الأحكام العقلائية الثابتة للملك، أو من شؤون السلطنة على الأموال، كالبيع والصلح.

إنّما الإشكال في أنّه إذا قلنا: بأنّها من الحقوق، هل تورث - كما هو الظاهر منهم(1) - أم لا تورث، أو تورث على بعض المباني دون بعض؟

أقول: إن قلنا بأنّ المجيز لا بدّ وأن يكون مالكاً حال العقد، فلا شبهة في عدم إرثها، بل لو كانت من الحقوق، تكون من الحقوق غير القابلة للإرث، كحقّ القسم مثلاً.

وإن قلنا: بعدم لزوم ذلك، فانتقال الإجازة أيضاً بالإرث لا يخلو من إشكال؛ لأنّ للوارث حقّ الإجازة بالأصالة، وما كان له بالأصالة، لا يعقل أن ينتقل إليه بالإرث.

وليس حقّ الإجازة في بيع واحد متعدّداً كالخيار؛ لأنّ الخيارات المتعدّدة لا مانع من ثبوتها لشخص، كخيار العيب وخيار الغبن وغيرهما، وأمّا حقّ

ص: 316


1- - غاية الآمال، المحقّق المامقاني 6: 175؛ حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 67؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 211؛ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 187.

الإجازة فأمر وحداني، فإذا كان شخص واجداً له، لا يعقل أن يكون واجداً له ثانياً ولو بسبب آخر.

والقول: بأنّ للوارث حقّين، أحدهما أصلي، والآخر إرثي، ضعيف غير موافق لاعتبار العقلاء، فتأمّل.

ثمّ مع الغضّ عنه، لا تورث أيضاً على القول بالكشف، بناءً على أنّ مضمون العقد هو النقل من حينه، والإجازة إنفاذ لمضمونه؛ فإنّ الوارث ليس له إنفاذ مضمون العقد، فإنّه غير مالك لهذا الإنفاذ، والإنفاذ من حال موت المورّث ليس مضموناً للعقد على هذا المبنى، وكذا الحال على بعض المباني الاُخر.

والأمر سهل بعد فساد كونها حقّاً، وستأتي تتمّة لذلك البحث في محلّه إن شاء اللّه تعالى(1).

التنبيه الخامس: حول جريان الفضولية في القبض والإقباض
فیه وجوه

هل تجري الفضولية في القبض والإقباض مطلقاً، أو لا مطلقاً، أو تجري في قبض الكلّيات وإقباضها دون الأعيان الشخصية؟

وجوه، أقواها عدم الجريان مطلقاً؛ لأنّ الفضولية متقوّمة بأن يكون للموضوع الذي تجري فيه تركّب، يحصل أحد جزئيه مثلاً بفعل الفضولي، والآخر بفعل المالك الأصلي.

ص: 317


1- - يأتي في الصفحة 355 - 356 و366.

أو يحصل عنوانه بفعل الفضولي، وشرط تأثيره بفعل المالك الأصلي أو رضاه، كالعقود والإيقاعات التي تحصل عناوينها بفعل الفضولي، وتكون العناوين جزء المؤثّر، والجزء الآخر إجازة المالك الأصلي أو رضاه، أو تكون العناوين حاصلة بفعل الفضولي، وشرط تأثيرها بفعل المالك الأصلي أو رضاه كما تقدّم(1).

ولازم جريانها في مثل القبض والإقباض، أن يكون موضوع الأثر القبض أو الإقباض بعنوانهما، بضمّ جزء آخر أو شرط هو الإجازة، فتكون الإجازة جزءاً متمّماً للمؤثّر، أو شرطاً للتأثير، فحينئذٍ يكون للقبض والإقباض صحّة وفساد.

فالقبض من الفضولي لا يكون صحيحاً فعلاً، ولا يترتّب عليه أثر إلاّ إذا ضمّت إليه الإجازة، فتصحّ ويترتّب عليه الأثر.

وأمّا إذا كان القبض والإقباض بعنوانهما غير دخيلين في الموارد التي اُخذا - بحسب ظاهر الأدلّة والجمود عليه - موضوعاً للحكم، بل الموضوع أمر آخر، كالوصول في يد الطرف بأيّ وسيلة، أو الإجازة والرضا بإيصاله بأيّ شخص أو محلّ، ولا يكون عنوان القبض والإقباض جزء المؤثّر ولا تمامه مع شرط، فلا معنى للفضولية فيهما.

وأنت خبير: بأنّ التسليم والتسلّم، والقبض والإقباض - في باب المعاملات عند العقلاء، بالنسبة إلى العوضين الشخصيين - ليسا معتبرين بوجه من الوجوه، بل المعتبر حصول العوضين عندهما بأيّ نحو كان.

ص: 318


1- - اُنظر ما تقدّم في الصفحة 294.

بل الأمر أوسع من ذلك، فلو وصل أحدهما أو كلاهما إلى أجنبيّ ورضيا بذلك، أو وقعا في محلّ اتّفاقاً ورضيا بذلك، كفى في حصول ما يعتبر عند العقلاء مع عدم القبض والإقباض.

ولا فرق بين قوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه»(1) حيث أخذ عنوان «الأداء» غاية للضمان، ومع ذلك لا شكّ في أنّ العرف - بإلغاء الخصوصية، والمناسبات المغروسة - يفهم منه أنّ غاية الضمان حصوله عنده ولو لم تصدق التأدية.

بل أوسع من ذلك، فإذا رضي المالك ببقاء العين تحت يد الغاصب، سقط الضمان بلا إشكال، ولا يرى العرف ذلك مخالفاً للنبوي، وبين التسليم والتسلّم المعتبرين عرفاً في المعاملات.

فلو رضي أحد المتعاملين ببقاء ماله عند الآخر تمّ التسلّم، لا لأجل كونه وكيلاً في التسلّم، بل لأجل كفاية ذلك في باب المعاملات، وعدم كون التسليم بعنوانه موضوعاً لحكم العرف.

ولا يشذّ من ذلك النبوي المشهور: «كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه»(2) فلو وقع المبيع بأيّ سبب - ولو من جهة فعل حيوان - بيد المشتري،

ص: 319


1- - سنن ابن ماجة 2: 802 / 2400؛ سنن الترمذي 2: 368 / 1284؛ السنن الكبرى، البيهقي 6: 95؛ عوالي اللآلي 3: 246 / 2، و251 / 3؛ مستدرك الوسائل 14: 7، كتاب الوديعة، الباب 1، الحديث 12، و17: 88، كتاب الغصب، الباب 1، الحديث 4.
2- - عوالي اللآلي 3: 212 / 59؛ مستدرك الوسائل 13: 303، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 9، الحديث 1.

سقط ضمان البائع، وبتلفه لا ينفسخ العقد، بل لو وقع في محلّ، وأجاز المشتري

بقاءه فيه، سقط الضمان.

فموضوع سقوط الضمان هو إجازة إيصاله إلى شخص أو إلى محلّ، ففي مثل ذلك لا معنى للفضولية؛ لعدم دخالة القبض والإقباض، وعدم كونهما جزءاً للموضوع، هذا في العوضين الشخصيين.

وأمّا في الكلّيات التي يكون تعيّنها بالانطباق على المصداق، فقد يقال: بإمكان جريانها فيها؛ لأنّ تشخيص الكلّي المملوك بالفرد وتعيينه فيه، نوع من المعاملة، وهو في اللبّ مبادلة بين الكلّي والفرد المتشخّص(1).

وفيه نظر؛ لعدم كون إيفاء الطبيعة بمصداقها تبادلاً بينهما، بل المصداق عين الطبيعة في الخارج، وإيجاد الطبيعة ليس إلاّ بالفرد الذي هو عينها، فإذا كان عليه منّ من الحنطة، فأعطى الدائن منّاً منها، فقد أعطى ما عليه؛ فإنّ ما عليه هو نفس

الطبيعة التي هو هي فيه، فإرجاع ذلك إلى المبادلة غير وجيه.

لكن الكلّي أيضاً - نحو الجزئي المتشخّص - لا يحتاج التعيين فيه إلى إقباض المديون، وقبض الدائن، بل لو وقع مصداق منه في يده بأيّ نحو كان، ورضيا بكونه مصداق الدين، صحّ وتعيّن.

فلو كان منّ من الحنطة في جانب من الدار وقال: «هذا ما طلبت منّي» ورضي بذلك، أدّى دينه، ولا يحتاج إلى القبض الخارجي، وهذا أمر عقلائي، لا يحتاج إثباته إلى مؤونة زائدة.

ص: 320


1- - حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 212 - 213.

فتحصّل من جميع ذلك: أنّ الفضولية لا تجري فيما يعتبر من القبض والإقباض في باب المعاملات.

ثمّ لو قلنا: بأنّ عنوان «القبض والإقباض» معتبر، فالظاهر جريانها فيهما؛ لأنّ كلاًّ منهما إذا وقع من الفضولي، لا يقع صحيحاً مؤثّراً في الصرف والسلم مثلاً، فالتأثير موقوف على الإجازة أو الرضا، فإذا أجاز تمّ الموضوع المؤثّر، فما هو محقّق الفضولية هو كون أثر مترتّباً على عنوان حاصل من الغير، مع ضمّ الإجازة من المالك الأصلي.

وما قيل: من أنّ الأفعال الخارجية لا تنقلب عمّا هي عليه(1)، صحيح، لكنّه أجنبيّ عن المقام؛ لأنّ فعل الغير جزء الموضوع، وإذا صار مجازاً، يكون مؤثّراً في أمر اعتباري، كما أنّ البيع أيضاً فعل الغير، وإذا صار مجازاً أثّر في النقل من غير انقلاب، لا في الإنشاء، ولا في المنشأ، كما مرّ(2).

حول جريان نزاع الكشف والنقل في المقام

ثمّ بعد فرض جريان الفضولية فيهما، فهل يأتي نزاع الكشف والنقل؟

يمكن أن يقال: لا بدّ من القول بالكشف، بأن يقال: إنّ النقل إنّما يصحّ في أفعال وعناوين لها بقاء اعتباري إلى زمان الإجازة، والاُمور الاعتبارية المنشأة في البيع ونحوه، باقية إلى زمان الإجازة، فبلحوقها تؤثّر أثرها.

وأمّا الفعل التكويني الخارجي، فليس له بقاء، فإذا حدث القبض ثمّ تلف

ص: 321


1- - اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 68؛ منية الطالب 2: 97.
2- - تقدّم في الصفحة 147.

مثلاً، أو خرج عن تحت يده، فلا يعقل بقاؤه واقعاً، وليس هو من الاعتباريات حتّى يبقى اعتباراً، واعتبار القبض في حال الإجازة ليس قبضاً واقعاً، فلا يترتّب عليه الأثر، وما هو موضوع الأثر ليس موجوداً.

وهذا بخلاف القول بالكشف، فإنّ وجوده الحدوثي - إذا كان متعقّباً بالإجازة - كافٍ في ترتيب الأثر، فالنقل لا يصحّ إلاّ إذا استمرّ القبض إلى زمان الإجازة، مع كون وجوده البقائي موضوعاً للأثر، وفيه إشكال.

هذا، ويمكن أن يقال: إنّ القبض المعتبر في المعاملات ليس هو الحصول في اليد خارجاً، بل المعتبر هو جعل الشيء تحت استيلاء الطرف، وإنّما القبض الخارجي في بعض الأحيان محصّل للاستيلاء المعتبر.

فلو استولى عليه من غير قبض خارجي - كما في غير المنقولات، وكثير من المنقولات - لصار مقبوضاً، فتخلية اليد عن قرية أو بستان، وجعلهما تحت سلطنة المشتري، كافٍ فيما هو المعتبر، وليست قبضاً خارجياً، والقبض الخارجي من غير استيلاء لا يكفي، لا في باب المعاملات، ولا في ضمان اليد، والاستيلاء تمام الموضوع في ضمان اليد، وكذا باب التسليم في المعاملات.

وهذا المعنى أمر اعتباري أيضاً لا واقعي، فلو كفت في اعتبار البقاء اعتبارية الشيء، لكانت في المقام أيضاً كافية.

إلاّ أن يقال: إنّ الاستيلاء على فرض اعتباريته، لا يبقى مع سلبه، فإذا استولى على شيء، وخرج الشيء عن تحت استيلائه، لا يعقل بقاء الاستيلاء عليه مع حلول نقيضه أو ضدّه، وهذا كما إذا باع ثمّ فسخ، فإنّ البيع لا يبقى بعد الفسخ.

ص: 322

إلاّ أن يقال: إنّ الاستيلاء إذا حدث وبقي إلى زمان الإجازة، فالقبض المعتبر هو وجوده الحدوثي، ويمكن القول: ببقائه اعتباراً ولحوق الإجازة به، فصارت النتيجة نقلاً، فتأمّل.

أو يقال: إنّ الاستيلاء بوجوده البقائي كافٍ في التأثير.

ومع الغضّ عمّا ذكر، يمكن أن يقال: إنّ المؤثّر في مثل المقام ليس مؤثّراً تكوينياً، بل التأثير اعتباري.

وإن شئت قلت: إنّ القبض المجاز موضوع حكم العقلاء أو الشارع الأقدس، ولا يلزم اجتماع جزئي الموضوع في الوجود، فالقبض السابق مع الإجازة اللاحقة، موضوع للأثر وإن تخلّل بينهما زمان.

وقد يقال: لا بدّ من القول بالنقل؛ لأنّ الإجازة المتعلّقة بهما - كالإجازة المتعلّقة بالعقود الإذنية - تؤثّر من حينها (1).

وقد قال القائل في العقود الإذنية: بعدم جريان الفضولي فيها؛ لأنّ إجازة المجيز علّة تامّة لتحقّق أثرها (2).

بل أخرج القائل في أوائل الفضولي القبض والإقباض منه، وعلّله: بأنّ الفعل علّة تامّة لتحقّق أثره(3).

فكلامه هاهنا مع ما هناك متهافت.

وكيف كان: لو اعترف بجريان الفضولي فيهما، وأنكر الكشف كما هو ظاهره

ص: 323


1- منية الطالب 2: 98.
2- منية الطالب 2: 9-10.
3- - منية الطالب 2: 9.

في المقام، يرد عليه: أنّ لازم كون الإجازة علّة تامّة أن لا يجري النقل فيالقبض والإقباض؛ لأنّ الإجازة تمام المؤثّر فيما يصحّ تأثيرها، وهو حال تحقّقها.

وأمّا تأثيرها في حال القبض، فلا يمكن إلاّ مع جريان الفضولي فيه، بأن يقال: إنّ القبض بعض المؤثّر، وتعقّبه بالإجازة متمّمه، أو الإجازة بوجودها شرط التأثير، فإنكار جريان النقل على هذا المبنى أولى.

وقد يقال: بعدم قبول القبض هنا للإجازة، دون القبض في الصرف والسلم؛ لأنّ القبض هنا موضوع لحكم شرعي، كقاعدة التلف قبل القبض، وهناك شرط تأثير العقد في الملكية.

وعلى أيّ حال: فالقبض لا ينتسب إلى المالك إلاّ بالإجازة، والانتساب أمر واقعي، لا يعقل تقدّمه على ما به الانتساب، ففيما إذا كان موضوعاً لحكم، لا يترتّب عليه إلاّ حين تحقّق موضوعه، وإذا كان شرطاً للتأثير، أمكن أن يكون القبض المنسوب إليه حال الإجازة شرطاً متأخّراً للتأثير حال العقد، أو حال قبض الأجنبيّ(1).

وفيه: أنّ ذلك لا يوجب عدم جريان النزاع فيهما على جميع المباني؛ فإنّ القائل: بأنّ التأثير إنّما هو للوجود اللحاظي، والقائل: بأنّ الحصّة المضافة موضوع الأثر، والقائل: بأنّ الإجازة كاشفة عن الرضا التقديري، والقائل: بالانقلاب الحقيقي، والقائل: بالكشف التعبّدي، لا مانع لهم من القول بالكشف

ص: 324


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 190.

في القبض والإقباض بعد فرض جريان الفضولي فيهما.

والتحقيق كما مرّ: عدم جريان الفضولي فيهما(1)، ومع فرض الجريان يجري نزاع الكشف والنقل.

حول كون إجازة البيع إجازة القبض

ثمّ إنّه لا إشكال في عدم كون إجازة البيع إجازة القبض، ولا مستلزمة لها، فيما إذا لم يكن القبض شرطاً لصحّة العقد.

وأمّا إذا كان شرطاً، فإن علم المجيز ذلك فأجاز، كان لازمها الإجازة بعد ما أجاز العقد الصحيح.

وأمّا مع جهله، فهل تستلزمها أيضاً كما في سائر شرائط الصحّة، أو لا؛ لأنّ هذا الشرط أمر خارج عن العقد وتعبّد شرعي، وربّما لا يرضى المجيز للعقد أن يقع ماله بيد الفضولي؟ الظاهر ذلك.

ولو قال: «أجزت العقد دون القبض» فإن قلنا بصحّة قبض المالك غير العاقد، وصحّ العقد بقبضه، وكان متمكّناً من القبض قبل التفرّق، صحّ العقد والردّ، فإذا قبض صحّ فعلاً.

وإن اشترطنا قبض العاقد، أو لم يمكن للمالك القبض قبل التفرّق، بطل العقد.

نعم، لو ردّ القبض ثمّ أجازه، فالظاهر صحّة العقد إذا بقي مجلس التقابض.

ص: 325


1- - تقدّم في الصفحة 317.
التنبيه السادس: حول فورية الإجازة
ليست الإجازة على الفور

ليست الإجازة على الفور؛ لأنّ تأخيرها لا يوجب زوال عناوين العقود بلا ريب، ولا تقاس الإجازة بالقبول على مسلك القوم، من كون العقد مركّباً من الإيجاب والقبول(1)؛ لأنّه في تأخير القبول تزول صورة المركّب، ولا يصدق عليه «العقد» وهاهنا تمّ العقد، وتأخيرها لا يوجب زوالها.

ولهذا لو لم يطّلع المالك على العقد إلاّ بعد مدّة، ثمّ اطّلع وأجاز، صحّت الإجازة بلا إشكال.

وإنّما الكلام في الفورية بعد علمه بخلاف القبول، فإنّه لو لم يطّلع المشتري على الإيجاب إلاّ بعد زمان مضرّ بالتوالي، بطل الإيجاب، هذا على مسلك القوم.

وأمّا على ما ذكرناه(2): من أنّ الإجازة شأنها هو القبول، بل القبول إجازة إنشاء الفضولي في الأصيلين أيضاً؛ لأنّ إنشاء الموجب بالنسبة إلى مال المشتري فضولي، فمقتضى القواعد عدم اعتبار التوالي بين الإيجاب والقبول أيضاً، إلاّ مع قيام دليل عليه، ولا شبهة في عدم قيامه في الفضولي.

ص: 326


1- - مقابس الأنوار: 107 / السطر الأخير، و275 / السطر 12؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 144؛ حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 27.
2- - تقدّم في الصفحة 150.

نعم، يحتمل فيه التعبّد الشرعي باعتبار الفور، لكنّه مدفوع بعمومات أدلّة العقود، وإطلاق دليل السلطنة؛ لأنّ اعتبار ذلك مخالف لسلطنة الناس على أموالهم.

وأمّا ما أفاده بعض الأعاظم قدّس سرّه: من أنّ الموارد التي يقال فيها بالفورية - كخيار الغبن والشفعة ونحوهما - إنّما يقال لأنّ الطبع مجبول على دفع ما يكرهه، والأخذ بما يحبّه، فإذا لم يعمل الخيار مع علمه بثبوته، فلا محالة إمّا مقدم على الضرر، أو مسقط لحقّه(1).

ففيه ما لا يخفى؛ فإنّه - مضافاً إلى أنّ المبنى في تلك الموارد ليس ما ذكر بل هو الاختلاف في جواز التمسّك بالعمومات أو الإطلاقات، أو استصحاب حكم المخصّص، كما اعترف به أيضاً في بابه(2) - أنّ الكلام في المقام وغيره في أنّ الخيار أو الإجازة بحسب مقام الثبوت، على الفور، أو على التراخي، لا في دلالة حال صاحبهما على إسقاط الخيار.

مع أنّ كون الطبائع كذلك لا تقتضي ما ذكره؛ لإمكان أن يكون التأخير لأجل عدم إحراز ما هو صلاحه.

مضافاً إلى عدم مجيء ما ذكره في مورد يعلم من حاله - بتصريحه أو غيره - عدم إسقاط حقّه وعدم الإقدام على الضرر.

والإنصاف: أنّ ما أفاده غير مرضيّ في نفسه، وخارج عن محطّ البحث.

ص: 327


1- - منية الطالب 2: 100.
2- - منية الطالب 3: 161.
حول تضرّر الأصيل بعدم الإجازة وعدم الردّ

ثمّ إنّه لو لم يجز المالك ولم يردّ، فإن قلنا: بعدم لزوم العقد من قبل الأصيل قبل الإجازة، أو قلنا: بجواز تصرّفه في ماله قبل انتقاله إلى غيره - كما قوّينا ذلك(1) - فلا إشكال؛ لعدم توجّه الضرر عليه.

ولو قلنا: بلزوم العقد عليه، وحرمة تصرّفه فيما انتقل عنه وإليه، فالأقوى على مسلك القوم، من حكومة دليل الضرر على أدلّة الأحكام، رفع حرمة تصرّفه، وبه يدفع الضرر عنه، ولا يلزم من لزوم العقد ضرر عليه.

وبعبارة اُخرى: إنّ نفس لزوم العقد في باب الخيارات أيضاً لم يكن ضرراً، بل تحمّل الغبن ضرر، ولمّا كان ذلك من آثار لزوم العقد، يرفع اللزوم لدفع الضرر اللازم منه.

وفي المقام: لمّا كان المال غير منتقل إلى الغير، لكنّه بالعقد صار محروماً عن التصرّف، وهذا - أي حرمة تصرّفه - ضرري؛ أي موجب لحرمانه، لا لزوم العقد، فدليل لا ضرر يرفع هذا الحكم، لا اللزوم.

فمن قال: بأنّ العقد لازم، ولا يجوز له التصرّف في ماله، لا بدّ وأن يقول: بأنّ دليل الضرر حاكم على الحكم الأخير الذي يلزم منه الضرر؛ أي العلّة الأخيرة له.

إن قلت: إنّ لزوم العقد علّة لحرمة التصرّفات وضعاً وتكليفاً، فمع رفع الحرمة، يرتفع اللزوم، كما أنّه مع الحرمة يستكشف اللزوم.

قلت: استكشاف اللزوم - كاستكشاف الصحّة من وجوب الوفاء، الملازمة

ص: 328


1- - تقدّم في الصفحة 282.

لحرمة التصرّفات عرفاً - مسلّم، لكن رفع حرمة التصرّف بدليل نفي الضرر لا يستلزم نفي اللزوم، بل ما هو مستلزم لذلك هو عدم وجوب الوفاء في عقد بذاته.

فإذا ثبت بدليل شرعي وجوب الوفاء، واستكشف منه اللزوم والصحّة، فدلّ دليل على عدم الحرمة لعارض، لا يوجب ذلك عدم اللزوم، كما لا يوجب عدم الصحّة.

والسرّ فيه: أنّ العلّية والمعلولية ليست على حذو علل التكوين، ولهذا ترى أنّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه مع فرض لزوم العقد بالنسبة إلى الأصيل، فصّل في حرمة التصرّف بين الكشف والنقل، وقال في النقل: بعدم الحرمة، مع لزوم العقد(1).

فتحصّل من ذلك: أنّ دليل نفي الضرر حاكم على حرمة التصرّف تكليفاً ووضعاً، على فرض استفادة الحرمتين، ووضعاً على فرض الوضع فقط، ومع رفعهما لا ضرر في اللزوم، والحرمة علّة أخيرة للضرر، هذا على مبنى القوم.

وأمّا على ما سلكناه في دليل نفي الضرر: من عدم حكومته على أدلّة الأحكام، بل هو حكم سياسي سلطاني من رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) بما هو سلطان(2)،

فلا بدّ في مثل المقام - الذي يكون المجيز مماطلاً، وهو يوجب الضرر على المالك - من الرجوع إلى الوالي، كما رجع الأنصاري إلى رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) في قضيّة سمرة بن جندب، فأمر بقلع الشجرة؛ لقطع الفساد(3).

ص: 329


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 413.
2- - بدائع الدرر في قاعدة نفى الضرر، الإمام الخميني قدس سره: 74 و87.
3- - الكافي 5: 292 / 2؛ تهذيب الأحكام 7: 146 / 651؛ وسائل الشيعة 25: 427، كتاب إحياء الموات، الباب 12، الحديث 3.

فهاهنا للحاكم إلزامه بالردّ أو الإجازة، ولو امتنع فله الإجازة أو الردّ، والضرر وإن ورد عليه بحكم الشرع وحرمانه عن التصرّف، لكن قطع النزاع بعد الرفع إلى الحاكم بيده وبنظره.

هذا كلّه، على فرض حرمة التصرّف، وإلاّ فقد عرفت(1) عدمها في النقل واقعاً وظاهراً، وفي الكشف ظاهراً على بعض المباني، ومعه لا ضرر على الأصيل حتّى يدفع بدليل نفيه.

التنبيه السابع اعتبار مطابقة الإجازة للعقد
إشارة

لا ينبغي الإشكال في اعتبار مطابقة الإجازة للعقد، ولا ينبغي أن يكون النزاع في المقام كبروياً، وإن أوهم كلام الشيخ الأعظم قدّس سرّه بأنّه كبروي، وأنّ في الأجزاء لا تجب المطابقة، دون الشروط(2).

بيان المحقّق النائيني في كون النزاع كبروياً

ولعلّ إجمال كلامه غرّ بعض الأعاظم قدّس سرّه، فذهب إلى عدم اعتبار المطابقة، مستدلاًّ عليه: بأنّ حكم الإجازة حكم البيع ابتداءً، فكما يجوز للمالك بيع بعض ماله ابتداءً، فكذلك تجوز له إجازة بعضه(3)، فجعل الكلام في الكبرى.

ص: 330


1- - تقدّم في الصفحة 280.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 429 - 430.
3- - منية الطالب 2: 101.

وأنت خبير: بأنّ الإجازة كقبول الإيجاب، لا شأن لها إلاّ إنفاذ ما وقع، والرضا بما أوجده الفضولي، فلو كانت كالبيع الابتدائي لزمت التوالي الفاسدة التي لا يلتزم بها قطعاً، كما لو باع الفضولي، وأجاز هبة، أو إجارة، أو باع بدرهم، وأجاز بمنّ من الحنطة.

وقد سبق منه قدّس سرّه في مسألة مطابقة القبول للإيجاب، أنّ اعتبارها من القضايا التي قياساتها معها (1)، كما أنّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه أيضاً ذهب إلى وضوح الاعتبار هناك، فراجع(2).

مع أنّ الوجه هاهنا هو الوجه هناك:

أمّا على مسلكنا من أنّ القبول إجازة للفضولي حقيقة، وأنّ الإجازة بمنزلة القبول كما مرّ(3)، فواضح.

وأمّا على مسلكهم؛ من أنّ العقد مركّب من الإيجاب والقبول(4)، والإجازة

تنفيذ للعقد، وبها يصير العقد عقداً للمجيز؛ فلأنّ الوجه في لزوم مطابقة القبول للإيجاب، هو أنّه لا شأن للقبول إلاّ مطاوعة ما أوقعه الموجب، والإنفاذ لما فعله، والإجازة بعينها كذلك، فلو لم تطابق العقد، لا تكون إجازة وإنفاذاً، كما لا يكون القبول في الفرض قبولاً.

ص: 331


1- منية الطالب 1: 256.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 175.
3- - تقدّم في الصفحة 150.
4- - مقابس الأنوار: 107 / السطر الأخير، و275 / السطر 12؛ اُنظر جواهر الكلام 22: 206؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 17.

فما اُفيد: من أنّ الإجازة بحكم البيع ابتداءً، إن رجع إلى أنّ الإجازة إيقاع للبيع ابتداءً، فهو واضح الضعف، ومخالف لماهية الإجازة.

وإن رجع إلى أنّها في هذا الأثر كالبيع الابتدائي، فهو مصادرة لا يصغى إليها.

والإنصاف: أنّه لا وقع للنزاع الكبروي.

بيان المحقّق الأصفهاني في كون النزاع صغروياً

وقد يظهر من بعض أهل التدقيق قدّس سرّه أنّ النزاع صغروي، وأنّ المطابقة معتبرة، لكنّه ادّعى حصول المطابقة في جميع الموارد بالنسبة إلى الأجزاء؛ بدعوى أنّ الملكية حيث كانت من الإضافات والاعتبارات التي تتشخّص بأطرافها، فلا محالة تتعدّد الملكية حقيقة بتعدّد المملوك، لا أنّ الكلّ مملوك بملكية واحدة، وإلاّ لم يعقل تمليك بعضه ابتداءً.

وحيث إنّ العقد هو القرار المعاملي الوارد على الملكية، فلا محالة هناك قرارات متعدّدة بتعدّد أطرافها، وإن جمعها إنشاء واحد... إلى آخره(1).

وهذا لا يخلو من غرابة؛ فإنّ الاعتبارات العقلائية لا بدّ في كشف حيثيتها من الرجوع إلى العقلاء والعرف، ومن الضروري أنّ بائع سلعة واحدة، لم يتحقّق منه إلاّ قرار واحد ومعاملة واحدة، لا معاملات كثيرة بعدد أجزائها المتوهّمة أو المفروضة.

فمن باع كتاباً له ألف صفحة، لم يصدر منه إلاّ بيع واحد، لا ألف بيع بعدد الصفحات.

ص: 332


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 196.

وعلى ما ذكره رحمه الله علیه لو باع داراً، لصدرت منه قرارات بعدد الخشب والطوب(1) والآلات، وأيضاً صدرت منه قرارات بحسب الكسر المشاع إلى ما شاء اللّه، ويكون كلّ بيع مشتملاً على بيوع، بعضها غررية؛ لعدم العلم بالأجزاء الظاهرة والباطنة، وهو كما ترى.

والأولى إيكال تلك الاُمور إلى العرف، لا إلى الاعتبار العقلي الموجب للخطأ في الاُمور العرفية.

التحقيق في لزوم تطابق الإجازة للعقد

والتحقيق أن يقال في باب الإيجاب والقبول وفي هذا الباب: إنّ القبول لو كان قبولاً لإنشاء الموجب، والإجازة إجازةً لإنشاء البيع، فلا مجال للتجزّؤ فيهما؛ لأنّ الإنشاء لا يتجزّأ، ولا ينحلّ إلى إنشاءات، كما أنّ الإخبار باُمور متكثّرة، لا ينحلّ إلى إخبارات، فلو قال: «كلّ نار باردة» لم يقل إلاّ كذباً واحداً، ولا ينحلّ إلى أكاذيب بعدد ما أخبر به.

وكذا الحال في النذر والعهد ونحوهما، فلو نذر أن يصوم كلّ جمعة، لم ينحلّ إلى نذور كثيرة، بل نذر واحد لاُمور كثيرة، فلو ترك صوم جمعة حنث في نذره، ولا حنث بعده؛ إذ لا نذر.

ولو خاطب جماعة، لم ينحلّ خطابه إلى خطابات بعدد المخاطبين، بل خطاب واحد يخاطب به الجميع، وهذا واضح عند التدبّر، وتترتّب عليه أحكام كثيرة.

ص: 333


1- - الطوب: الآجر. لسان العرب 8: 215.

ولو كان قبولاً للمنشأ وإجازة للبيع المسبّبي - أي المنشأ بالإنشاء - لاختلفت الموارد عرفاً، فإذا كانت السلعة واحدة ككتاب واحد، وثوب واحد، ودار واحدة وهكذا، لا ينحلّ البيع المنشأ إلى بيوع كثيرة وانتقالات عديدة، إلاّ مع وجود منشأ للتحليل والتكثير، كما لو كانت السلعة الشخصية لشخصين، أو نقل ما يملكه وما لا يملكه.

وإذا كانت كثيرة غير مرتبطة في المعاملة، كمن أراد بيع ثوبه بعشرة، وفراشه بعشرين، وبعد التقاول جمع بينهما في الإيجاب، أو البيع فضولاً، فحينئذٍ لو قبل المشتري أحدهما، أو أجازه المالك، صحّ، ولم يكن ما قبله وأجازه غير مطابق للإيجاب والبيع.

فالميزان هو الانحلال العرفي، ومعه تصحّ الإجازة في البعض، كما يصحّ القبول فيه، ومع عدمه لا يصحّان، ولا فرق بين القبول والإجازة بوجه، فالنزاع صغروي، والموارد مختلفة.

هذا حال البيع بحسب الأجزاء.

وأمّا بحسب الأوصاف والقيود فملخّص الكلام فيه أنّ البيع إن وقع على الكلّي الموصوف، فلا بدّ من إجازة الموصوف، فإن أجاز بوصف مغاير أو بلا وصف، لم تقع صحيحة؛ لأنّ ما أجازه غير ما وقع عليه العقد، ولا ينحلّ العقد على الموصوف إلى العقد على الذات، وعلى القيد، وهو واضح.

وكذا الحال لو وقع على الكلّي بلا قيد، فأجاز المقيّد، ومجرّد صدق الكلّي على المقيّد، لا يوجب إيقاع العقد على ما صدق عليه.

ولو وقع على الجزئي الخارجي، ووصفه بوصف وقال: «بعت هذا الفرس

ص: 334

العربي» فأجاز بيع هذا الفرس غير العربي، فالظاهر صحّة الإجازة؛ لتعلّقها بالعقد على الموجود الخارجي، والتوصيف لا يوجب عدم الإجازة له، إلاّ أن يرجع إلى أنّه «أجزت إن كان كذا» وهو خلاف الفرض.

والسرّ فيه: أنّ الموجود الخارجي لا يخرج عن هذيّته بضمّ القيود أو رفضها، كما أنّه لو باع الفرس الخارجي وقال «بعت هذا الفرس العربي» وقبل المشتري، ثمّ بان أنّه غير عربي، صحّ البيع، وكان له الخيار.

ولا يصحّ أن يقال: إنّ البيع وقع على المقيّد وهو مفقود، وغيره لم يقع عليه العقد؛ ضرورة أنّ العقد وقع على الموجود الخارجي، لا على عنوان كلّي مقيّد.

ففرق بين القيود المنضمّة إلى الكلّيات، والمنضمّة إلى الجزئيات الخارجية، فكلّ قيد ضمّ إلى كلّي، يصير به عنواناً آخر مغايراً للمطلق وللمقيّد بغيره، بخلاف القيود المنضمّة إلى الجزئي؛ فإنّ الجزئي لا يصير لأجل القيد شيئاً آخر.

ولهذا قلنا: إنّ الاقتداء بشخص خارجي ولو بقيد أنّه زيد وكان واقعاً عمراً، صحيح(1)؛ لأنّ الاقتداء لم يكن بالعنوان، حتّى يقال بالتخلّف، بل يقع على الخارج، ولا يتخلّف مطلقاً.

وأمّا بحسب الشروط، فحاصل الكلام: أنّ الشرط تارةً يقع في ضمن العقد، واُخرى في تلو الإجازة.

فعلى الأوّل: التحقيق التفصيل بين الموارد، والميزان هو الانحلال وعدمه، فقد يكون العقد والشرط منحلّين إلى قرارين بنظر العرف، كما لو أرادا إيقاع

ص: 335


1- - تحرير الوسيلة 1: 279، مسألة 5.

شرط، ولكن لمّا رأيا أنّ الشروط الابتدائية باطلة، أوقعاه في ضمن معاملة مستقلّة.

بل قد تكون المعاملة غير مطلوبة بالذات، لكن لأجل إيقاع الشرط في ضمنها بنيا على إيقاعها، فلا شبهة في أنّ الشرط في مثله غير منوط بالعقد، ولا دخيل في الثمن والمثمن حتّى بحسب اللبّ والداعي، وعليه لو أجاز البيع دون الشرط صحّ، ففيما نحن فيه أيضاً لو كان الشرط كذلك، صحّت إجازة البيع دون الشرط.

ولو سيق الشرط لبيان حدود المبيع في نظر العرف، كما لو شرط أوصاف المبيع بأن قال: «بعت وزنة من البطّيخ، وشرطت أن يكون حلواً» فالظاهر عدم الانحلال عرفاً إلى بيع أصل البطّيخ، وشرط في ضمن البيع، بل العرف يرى أنّ موضوع المعاملة هو البطّيخ الحلو، وإنّما ذكر المقصود تارة: بنحو القيد، واُخرى: بنحو الشرط، ففي مثله التزام واحد عرفاً وإن كان منحلاًّ عقلاً.

ولو كان الشرط مطلوباً مرتبطاً لبّاً بالمعاملة؛ بحيث كان للشرط - بنحو من الاعتبار - قسط من الثمن؛ بمعنى أنّ ثمن المبيع بحسب اللبّ، هو المقدار الذي جعل بإزاء المبيع في عقد البيع، مع المقدار الذي ذكر شرطاً، كما أنّه لو باع الدار التي قيمتها ألف ومائة بألف، وشرط عليه عملاً يساوي مائة، كان في اللبّ باعها بألف ومائة.

ففي مثله يقع الكلام: في أنّ البيع المشروط في ضمنه ينحلّ إلى بيع الدار بألف، وهو قرار، وقرار آخر هو في ضمنه؛ أي العمل الكذائي، فللمالك إجازة البيع دون الشرط؟

ص: 336

أو أنّ الالتزامين يرجعان عرفاً إلى التزام واحد، كما هو ظاهر الشيخ قدّس سرّه هاهنا (1)، وإن رجع عنه في باب الشروط(2)؟

لا يبعد ترجيح الأوّل والحكم بالصحّة والانحلال؛ بدعوى أنّ الدواعي والاُمور اللبّية لا توجب تقييد الإنشاءات بها، فمن اشترى دواءً إنّما اشتراه للشرب وترتّب الصحّة عليه، ولا يكون ذلك قيداً للإنشاء، ولا للمنشأ.

ففي اللبّ وإن وقعت الدار في مقابل ألف ومائة، وكان الداعي للمعاملة أخذ الثمن، ومورد الشرط بإزائها، لكن لم يصر ذلك موجباً لعدم تفكيك إنشاء البيع عن إنشاء الشرط.

فهاهنا إنشاءان، ومنشآن بهما، فله إجازة عقد البيع، وعدم إجازة الشرط، والتفصيل في محلّه(3).

ومن الموارد التي لا يصحّ تفكيكهما، ومعه تبطل الإجازة، ما إذا كان ذكر الشرط دخيلاً في صحّة العقد، كما لو كان رفع الغرر بذكر الشرط، فلو باع طاقة عباء بطل للغرر، فإذا ذكر القيود الرافعة للغرر - بنحو الاشتراط - ليس للمالك قبول البيع دون الشرط؛ للزوم الغرر.

وعلى الثاني: أي إذا وقع الشرط في تلو الإجازة، فالبحث فيه تارة: في صحّة الشرط ولزومه، واُخرى: في صحّة الإجازة.

والبحث الأصيل هاهنا هو الثاني، فالظاهر فيه هو اختلاف الموارد هنا أيضاً،

ص: 337


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 430.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19: 93.
3- - يأتي في الجزء الخامس: 313 و369.

فقد تنحلّ الإجازة المتلوّة بالشرط إلى إجازة البيع، واشتراط مستقلّ مذكور في تلوها، كما لو أراد اشتراط شيء مستقلّ، وزعم أنّ ذكره في تلو الإجازة يخرجه عن الشرط البدوي من غير ارتباط بين المعاملة والشرط.

ومنه ما إذا كان الشرط غير دخيل في تفاوت القيم، كما لو شرط عليه أن يعتكف لنفسه لا للشارط، أو يصلّي أوّل الوقت، وكان غرضه عبادة اللّه تعالى، من غير أن يكون للشرط قسط من الثمن ولو لبّاً.

وقد لا ينحلّ ما أوقعه إلى أمرين، بل يرجع الشرط - في نظر العرف - إلى تحديد حدود الإجازة، كما لو قال: «أجزت، وشرطت أن تكون السلعة بوصف كذائي» فإنّ الظاهر بنظر العرف وحدة الالتزام، لا أنّه التزام مستقلّ في ضمن التزام.

وقد يكون الشرط دخيلاً في الرغبات، كاشتراط خياطة الثوب، ونحوها ممّا يكون له بحسب اللبّ قسط من الثمن، ففيه الكلام السابق، كما أنّ الأمر في السلعة الجزئية كما مرّ(1).

وأمّا حال لزوم الشرط في تلو الإجازة، فالظاهر أنّه مبنيّ على صحّة الشروط الابتدائية.

وتوهّم: أنّ الشرط في ضمن الإيقاع يخرجه عن الابتدائية.

مدفوع: بأنّ الإيقاع إذا تحقّق تمّ، ولا يتوقّف على ضمّ شيء آخر إليه، فإذا تمّ يكون ما لحقه بعد تمامه خارجاً منه.

ص: 338


1- - تقدّم في الصفحة 334 - 335.

فإذا قال: «أنت طالق» بعد تحقّق شروط الطلاق، وقع من غير انتظار لأمر آخر، والشرط بعده أجنبيّ عنه، والفرض أنّه لم يعلّق على الشرط، بل يكون الشرط في تلوه بلا تعليق، وإلاّ بطل الطلاق.

ثمّ لو قلنا: بصحّة الشرط في تلو الإجازة، فلو لم يقبل الطرف، أو قبل ولم يعمل بالشرط، فهل له خيار ردّ الإجازة، فيكون حال الإجازة حال البيع مع تخلّف الشرط، ومع ردّ الإجازة يصير البيع خالياً عنها؟

أو أنّ الإجازة بوجودها الحدوثي صارت سبباً للنقل، ولا يعقل إمحاؤها بوجودها الحدوثي، ولا بقاء لها حتّى يردّها في هذا الحال، كفسخ العقد الباقي إلى زمانه؟ وجهان.

ص: 339

القول في المجيز

وفيه اُمور:
الأمر الأوّل: اعتبار كون المجيز جائز التصرّف حين الإجازة

لا شبهة في اعتبار كونه جائز التصرّف حين الإجازة بالبلوغ، والعقل، وعدم الحجر لفلس أو سفه أو مرض، بناءً على عدم نفوذ منجّزات المريض زائداً على الثلث، من غير فرق بين النقل والكشف إذا كانت الإجازة دخيلة في النقل والصحّة، ولو من أوّل الأمر.

نعم، على مسلك من قال بالكشف المحض من غير دخالة للإجازة(1)، أو من قال بكاشفيتها عن الرضا التقديري، والشرط هو الرضا التقديري المقارن للعقد(2)، لا مناص له عن القول: بعدم الاعتبار في مثل المحجور عليه لسفه أو نحوه؛ لعدم كون الإجازة حينئذٍ تصرّفاً مالياً بوجه، وعدم الحجر عن الإتيان بالكاشف عن أمر سابق.

وأمّا ما احتمل بعض الأجلّة: من أنّه على الكشف يمضي إجازة المريض؛

ص: 340


1- - تقدّم في الصفحة 269.
2- - بدائع الأفكار، المحقّق الرشتي: 323 / السطر13؛ الإجارة، المحقّق الرشتي: 184 / السطر14.

بدعوى أنّ الإجازة ليست تصرّفاً، بل هي شرط لنفوذ التصرّفات(1).

ففيه ما لا يخفى؛ ضرورة أنّ الإنشاء إذا كان غير مؤثّر في النقل من الأوّل، فليس تصرّفاً، وإلاّ لزم القول بحرمته وببطلانه بناءً على عدم اجتماع الحرمة والإنفاذ، والإجازة المتأخّرة دخيلة في النقل على أيّ حال، إلاّ على مسلك من أشرنا إليه، والمريض على المبنى المتقدّم محجور عليه فيه بلا إشكال.

ثمّ إنّ الكلام في هذا الأمر في شرائط المجيز، كالعقل، والبلوغ، وعدم الحجر.

وقد خلط بعض الأعاظم قدّس سرّه بما إذا تصرّف المجيز بما ينافي الإجازة فقال: إنّ تأثير الإجازة مع تصرّف المجيز بما ينافي الإجازة دور واضح؛ فإنّ بطلان تصرّفه يتوقّف على تأثيرها، وتأثيرها يتوقّف على بطلانه، ولا عكس؛ فإنّ تصرّفه وقع من أهله في محلّه، فإرهان المالك المبيع قبل الإجازة، يوجب عدم تأثيرها (2)، انتهى.

وفيه: أنّ قضيّة تصرّف المالك بعد عقد الفضولي وقبل الإجازة بما ينافيها، أجنبيّة عن المقام، بل هي مسألة اُخرى، مبناها غير مسألتنا هذه، وهو أنّ تصرّفه ذلك هل هو هادم للعقد نظير الردّ على القول بالهدم، أو مانع عن لحوق الإجازة به، أو أنّ العقد المتعقّب بالإجازة مؤثّر، وموجب لخروج المبيع عن ملكه، فبطل تصرّفه؟

فأين هذا من اعتبار كون المجيز جائز التصرّف؟!

ص: 341


1- - حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 218.
2- منية الطالب 2: 104.

وبعبارة اُخرى: قد يكون الكلام في شرائط المجيز، وقد يكون في شرائط الإجازة، وقد يكون في شرائط العقد المجاز، وإرجاع بعضها إلى بعض خلط، والكلام هاهنا في شرائط الأوّل كما هو واضح.

الأمر الثاني: اعتبار وجود المجيز حين العقد

هل يعتبر في الصحّة أن يكون للعقد مجيز حاله؟ ولا بأس بالبحث عنه كبروياً، وإن فرض أنّه لا مورد له عندنا؛ إذ يكفي في عدم اللغوية كونه ذا أثر ولو عند غيرنا، كما يبحث في باب الجهاد بعض ما يتعلّق بوجود الإمام (عليه السّلام)وتكليفه(1)، بل قد يبحث عمّا لا يتّفق الوجود له، كالبحث عن نجاسة دم مخلوق الساعة(2).

مع أنّه في المقام قد يذهب إلى عدم الولاية لأحد حتّى الإمام (عليه السّلام)، كبيع مال الصغير بخلاف مصلحته، ويمكن التمثيل أيضاً ببيع مال الغير عن نفسه، بناءً على عدم صحّة إجازة المالك الفعلي.

وكيف كان: الظاهر عدم الاعتبار بعد كون عقد الفضولي على القواعد، ومشمولاً للعمومات والإطلاقات، فلو شكّ في اعتباره يرفعه الإطلاق.

نعم، بناءً على الكشف، وأنّه على خلاف القواعد، وعدم إطلاق في الدليل الذي يدلّ عليه، لو شكّ في اعتبار ذلك لا يمكن تصحيحه.

لكن قد مرّ في سالف القول: أنّ النقل لمّا كان على القواعد، لو فرض قصور

ص: 342


1- - جواهر الكلام 21: 50.
2- - جواهر الكلام 5: 362.

دليل الكشف في مورد، يؤخذ بالقواعد فيه، ويحكم بالنقل(1).

وبعبارة اُخرى: القاعدة تقتضي النقل، وإنّما خرجنا عنها لدليل خاصّ، دالّ على الكشف على فرض تماميته، فلو كان له إطلاق يؤخذ به، ويحكم بالصحّة - كشفاً - في موارد الشكّ، وإلاّ فيؤخذ بإطلاق دليل النقل؛ أي القواعد.

ولا مانع من الأخذ بها إلاّ ما استدلّ به فخر الدين قدّس سرّه تقريباً لقول العلاّمة قدّس سرّه، فعنه أنّه يبتني على مقدّمات:

الاُولى: أنّ معنى صحّة بيع الفضولي قبل الإجازة، كونه في التأثير على أقرب مراتب الإمكان الاستعدادي؛ لاجتماع الشرائط غير الإجازة، فإذا أمكنت إمكاناً قريباً حكم بالصحّة.

الثانية: أنّ كلّ شرط امتنع تحقّقه امتنع وقوع المشروط به.

الثالثة: أنّ البيع إذا امتنعت صحّته في زمان امتنع دائماً؛ لأنّه إذا امتنعت الصحّة حينئذٍ تعيّن البطلان؛ لامتناع ارتفاعهما معاً واقعاً، والبطلان في زمان يقتضي بطلانه دائماً (2).

وفيه: منع المقدّمة الاُولى؛ لعدم الدليل عليها، بل ما ذكره مصادرة عند التحقيق؛ فإنّ المدّعى أنّه يعتبر وجود مجيز حال العقد، والدليل أنّ معنى الصحّة في الفضولي هو استجماعه لجميع القيود، منها وجود مجيز حال العقد.

ولو تسالمنا معه على جميع القيود، وخالفناه في اعتبار المجيز، وطالبناه بالدليل عليه، لكان الجواب بحسب هذه المقدّمة: أنّه لا بدّ في العقد من

ص: 343


1- - تقدّم في الصفحة 289.
2- إيضاح الفوائد 1: 418 - 419؛ اُنظر مقابس الأنوار: 133 / السطر 25.

أن يكون له مجيز حاله حتّى يتمّ مراتب الإمكان الاستعدادي.

وبالجملة: لا دليل على ما ذكره، بل إطلاق الأدلّة على خلافه، وليس معنى صحّة الفضولي ما ذكره، بل معناها أنّه لو فرض إلحاق الإجازة به لصحّ فعلاً، وإمكان اللحوق فعلاً ولا إمكانه خارجان عنها.

بل لنا أن نقول: بالصحّة فيما إذا وجد عقد وضمّت إليه الإجازة، وكان حالها جامعاً لشرائط الصحّة، وإن كان في حال وجوده بحيث لو ضمّت إليه لكان باطلاً، كما لو باع الفضولي مائعاً خارجياً وكان خمراً، ثمّ صار خلاًّ فأجاز، أو باع كلباً هراشاً، فصار حارساً، إذ لا دليل على بطلان الإنشاء على المذكورات، والفرض صدق العناوين وحصول الشرط عند الإجازة التي بها يحصل النقل.

ولو سلّم البطلان في المذكورات، لم يسلّم في مورد البحث؛ أي إمكان لحوق الإجازة في زمان.

نعم، لو صحّت هذه المقدّمة فلا يرد الإشكال على الاُخريين؛ ضرورة أنّه مع بطلان العقد الفضولي حال صدوره بطل مطلقاً، ولا ينقلب الباطل عمّا هو عليه.

فما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه: من منع الكبرى، وأنّ امتناع صحّة العقد في زمان لا يقتضي امتناعه دائماً (1)، منظور فيه.

نعم، لو كان المدّعى أنّ العقد ممتنع الصحّة، وكلّ ما كان ممتنع الصحّة في زمان كان ممتنعاً دائماً، كان الإشكال عليه كبروياً؛ لأنّ الامتناع المذكور ليس امتناعاً ذاتياً بالضرورة، بل هو امتناع بالغير؛ أي بامتناع لحوق الإجازة،

ص: 344


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 431.

والممتنع بالغير إذا أمكن الغير صار ممكناً، وإلاّ خرج عن الامتناع بالغير.

مع أنّ المفروض في المقام ليس امتناع وجود المجيز، بل عدم المجيز فعلاً، فلا ينتج ذلك امتناع الصحّة.

وإن أراد أنّ الصحّة ممتنعة مع عدم لحوق الإجازة؛ أي ممتنعة بشرط عدم اللحوق، أو في حال عدمه - لأنّ المعلول ممتنع مع عدم تمامية أجزاء علّته - فهو أفحش؛ لأنّ مطلق الفضولي كذلك.

لكن الفخر قدّس سرّه استدلّ بما تقدّم(1)، لا بما ذكر آنفاً، وكذا المحقّق الثاني قدّس سرّه، أراد ما أراد الفخر؛ لأنّه قال: «وجه القرب أنّه مع عدم من له أهلية الإجازة، تكون صحّة العقد ممتنعة في الحال، وإذا امتنعت في زمان ما امتنعت دائماً؛ لأنّ بطلان العقد في زمان يقتضي بطلانه دائماً»(2).

وهو عين تقرير الفخر، فالإشكال حينئذٍ صغروي لا كبروي، لكن الشيخ الأعظم قدّس سرّه اقتصر في نقل الدليل على صدر العبارة، وأغمض عن ذيلها، فزعم أنّ تمام الدليل هو هذه الكلّية، فأجاب بما أجاب(3)، والأمر سهل.

وأمّا الاستدلال على البطلان بلزوم الضرر على المشتري؛ لكونه ممنوعاً عن التصرّف في الثمن إذا كان معيّناً، للزوم العقد من جانبه، واحتمال الإجازة، وفي المبيع أيضاً؛ لعدم المقتضي لجواز التصرّف وإمكان عدمها (4).

ص: 345


1- - تقدّم في الصفحة 343.
2- - جامع المقاصد 4: 72.
3- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 431.
4- اُنظر جامع المقاصد 4: 72؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 431.

ففيه: - مضافاً إلى منع عدم جواز تصرّفه في الثمن، ومنع لزوم العقد من قبله كما مرّ(1)، وعلى فرض التسليم يمكن إجراء بعض الاُصول لإثبات الجواز ظاهراً، ومنع لزوم الضرر دائماً على فرض عدم جواز التصرّف إذا تحقّق المجيز في زمان قصير، أو عدم الداعي له في تصرّفه - أنّ دليل نفي الضرر لا يقتضي البطلان، ولا عدم اللزوم، بل ما يوجب الضرر هو حرمة تصرّفه في ماله، وهو المنفيّ على المبنى؛ فإنّه مع جواز التصرّف، لا ضرر عليه من قبل الصحّة واللزوم كما مرّ(2).

ثمّ إنّ في نصوص النكاح الفضولي ما يشهد على المدّعى(3)، فراجع.

الأمر الثالث: كون المجيز جائز التصرّف حال العقد
إشارة

هل يشترط في المجيز كونه جائز التصرّف حال العقد أو لا؟ ويتمّ ذلك في ضمن مسألتين:

حكم ما لو لم يكن جائز التصرّف بسبب الحجر كالراهن
إشارة

المسألة الاُولى: ما إذا كان المالك حال العقد هو المالك حال الإجازة، لكن المجيز لم يكن حال العقد جائز التصرّف؛ لثبوت حق الغير على ماله، كتعلّق

ص: 346


1- - تقدّم في الصفحة 279 و281 - 282.
2- - تقدّم في الصفحة 328.
3- - تقدّم في الصفحة 173.

حق الرهانة، كما لو باع الراهن ففكّ الرهن، فيقع الكلام فيه:

تارة: في صحّته.

واُخرى: في احتياجه إلى الإجازة.

وثالثة: في جريان نزاع الكشف والنقل فيه.

الأمر الأوّل: صحّة بيع الراهن
الظاهر هو صحّته

أمّا الأوّل: فالظاهر هو صحّته؛ لعموم دليل الوفاء بالعقد وإطلاقه بالنسبة إلى الأفراد، وإنّما خرج منه حال من أحوال فرد منه، وهو حال تعلّق حقّ الغير به، فيبقى الباقي تحت الإطلاق.

وبعبارة اُخرى: إنّ لقوله تعالى: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» عموماً أفرادياً، وإطلاقاً يستفاد من دليل الحكمة؛ بأنّ كلّ فرد تمام الموضوع للصحّة، وأنّ حكم لزوم الوفاء بالنسبة إليه كلازم يستمرّ معه، كما قرّر في محلّه(1)، وحقّ الغير ليس مانعاً عن العموم الأفرادي، بل عن الإطلاق حال التعلّق، ومقتضى العموم والإطلاق - بعد رفع المنع - هو الصحّة، وكذا الحال في إطلاق سائر الأدلّة.

فالكلام هاهنا - بوجه - نظير الكلام في باب الخيارات، وقد فرغنا هناك عن جواز التمسّك بالإطلاق مع دفع الإشكالات(2).

ص: 347


1- - الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 219.
2- - يأتي في الجزء الرابع: 554.
كلام المحقّق الأصفهاني في المقام

وقد يقال هاهنا: بعدم جواز التمسّك بعموم «أَوْفُوا» بالنسبة إلى ما عدا زمان الرهن؛ لأنّ تخصيص العامّ وتقييد المطلق يوجب التنويع إلى كلّيين:

أحدهما: ينطبق على الأفراد الصحيحة.

والآخر: على الأفراد الفاسدة، كدليل اعتبار الرضا، فإنّه يوجب تقييد العقد بالمرضيّ به، فمتى وجد عقد ثمّ تعقّبه الرضا، يوجد فرد يندرج تحت الكلّي الواجب وفاؤه بنحو القضيّة الحقيقية.

وأمّا إذا كان مثل البيع والرهن؛ بحيث كان كلّ منهما واجب الوفاء، وكانا متمانعين متزاحمين، فلا يعمّهما العامّ مع عدم الترجيح، وحيث إنّ المفروض سبق حقّ الرهن، فلا يعقل شمول العامّ للفرد المزاحم عقلاً.

ولا يوجد بعد زوال الحقّ فرد من العامّ حتّى يعمّه العامّ من الأوّل؛ إذ ليس التزاحم العقلي موجباً لحصول عنوانين، رتّب على أحدهما وجوب الوفاء بنحو القضيّة الحقيقية، حتّى يتوهّم أنّ العقد بعد زوال المانع مندرج تحت ذلك الكلّي المرتّب عليه الحكم من الأوّل(1)، انتهى ملخّصاً.

وفيه موارد من النظر نشير إلى مهمّاتها، ولا بدّ لتحقيق الحال فيها من الرجوع إلى الاُصول:

منها: أنّ قوله: تخصيص العامّ يوجب التنويع، غير مرضيّ، ولازمه

ص: 348


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 207.

سراية الإجمال من المخصّص المنفصل إلى العامّ، نعم لا يبعد التنويع في باب الإطلاق والتقييد.

والفرق بينهما: أنّ العموم من الدلالات اللفظية، والخاصّ لا يصادمه فيها، بل لم يكن الخاصّ - في مفاده ودلالته - لفظاً أقوى من العامّ في مقام الدلالات اللفظية، وليس حكم العامّ جارياً على عنوان، بل بدلالة لفظ «الكلّ» وشبهه يدلّ على أفراد العنوان، فالمحكوم بالحكم هو الأفراد لا العناوين، والإخراج بالخاصّ أيضاً إخراج لطائفة من الأفراد.

فإذا كان الخاصّ منفصلاً، واستقرّ ظهور العامّ، وشمل الأفراد بالدلالة اللفظية، لم يكن وجه لحصول عنوانين لأجل الخروج بالتخصيص.

وليس باب تقدّم الخاصّ باب تقديم ظاهر على ظاهر، حتّى يتوهّم منه ذلك، وإن كان التوهّم أيضاً غير مرضيّ، وإنّما يتقدّم الخاصّ؛ لتقدّم أصالة الجدّ في الخاصّ على أصالة الجدّ في العامّ في محيط التقنين، الذي ضعف فيه أصل الجدّ في القوانين العامّة؛ بحيث لا تقاوم أصالته في الخاصّ.

وأمّا المطلق فليس من الدلالات اللفظية، بل الإطلاق ثابت لأجل جعل عنوان موضوعاً لحكم، وهو من الأفعال الاختيارية، لا الدلالة اللغوية، وبعد كون الحكم على العنوان يقال: «إنّه تمام الموضوع للحكم مع عدم القيد» فيحتجّ بالفعل الاختياري على كونه تمام الموضوع.

وإذا ورد قيد منفصلاً، يعلم أنّ العنوان المأخوذ في المطلق مع قيد كذائي موضوع للحكم، ولهذا صار المطلق مقيّداً، وحصل مع لحاظ القيد عنوانان،

ص: 349

ويسري إجمال القيد إلى المطلق، والتفصيل في محلّه(1).

ومنها: أنّ المقام لو كان من قبيل الدليلين المتزاحمين، فلا وجه لعدم شمول العموم لهما؛ لأنّ التزاحم إنّما هو بعد الانطباق، وكلّ حكم على موضوعه قبل الانطباق عامّ غير مزاحم، والتزاحم العقلي لا يوجب عدم الشمول، والتفصيل في باب الترتّب(2).

ولكنّ المقام ليس من قبيل التزاحم، وإلاّ فلا وجه لتقدّم الأسبق؛ لأنّ السبق ليس من المرجّحات عقلاً في باب التزاحم.

بل المقام من باب الخروج موضوعاً في جانب، والانصراف الموجب لنحو تقييد في جانب آخر؛ فإنّ البيع إذا سبق على عين من الأصيلين، خرج الموضوع عن وجوب الوفاء بعقد الرهن؛ لأنّ العين خارجة عن ملك الراهن، فالخروج موضوعي.

وإذا سبق الرهن وصارت متعلّقة لحقّ الغير، انصرف إطلاق دليل وجوب الوفاء بعقد البيع عن العين المتعلّقة لحقّ الغير ما دام كذلك، وبعد رفع المانع يؤخذ بإطلاق دليل وجوب الوفاء، لا عمومه؛ لأنّ عمومه غير متمانع مع دليل الرهن.

ومنها: أنّ باب الإطلاق والتقييد أجنبيّ عن القضايا الحقيقية، نعم العمومات لها نحو تشابه بها.

ومنها: أنّ المخالفة في المقام - بعد التسليم - ليست بين مصداقين من عموم

ص: 350


1- - مناهج الوصول 2: 203 و215.
2- - مناهج الوصول 2: 20 - 22.

«أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(1) بل بين مصداق منه وإطلاق آخر، كما أشرنا إليه.

ثمّ قال ما حاصله: أنّه لا بأس بالأخذ بقوله تعالى: «أَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ»(2) ونحوه؛ لأنّ ضمّه إلى دليل الرهن يوجب تنويعه إلى بيع وارد على المرهونة وغيره، فالبيع الذي زال حقّ الرهانة عن متعلّقه فرد مندرج تحت الكلّي المحكوم بالصحّة، فيكون كالبيع غير المرضيّ به حال حدوثه، وكان بقاءً مرضيّاً به.

ومقتضى مانعية حقّ الرهانة المانعية ما دام الحقّ، فيكون بعينه كدليل الإكراه المانع عن النفوذ ما دام الإكراه(3)، انتهى ملخّصاً.

وفيه: أنّ تنويع دليل بضمّ دليل آخر، إنّما هو فيما إذا كان الثاني مقيّداً له، كتقييد إطلاق دليل حلّ البيع بقوله تعالى: «تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ»(4) أو كتقييد الأدلّة بحديث الرفع(5)؛ تحكيماً لما يوجب التقييد.

وأمّا مجرّد اختلاف دليلين والتمانع بينهما، فلا يوجب ذلك، نحو مقامنا هذا؛ فإنّ دليل حلّ البيع ودليل صحّة الرهن - كقوله (عليه السّلام): «استوثق من مالك ما استطعت»(6) وقوله (عليه السّلام): «لا بأس به» بعد السؤال عن الرهن

ص: 351


1- المائدة (5): 1.
2- البقرة (2): 275.
3- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 208.
4- النساء (4): 29.
5- - تقدّم في الصفحة 87.
6- - تهذيب الأحكام 7: 42 / 178؛ وسائل الشيعة 18: 380، كتاب الرهن، الباب 1، الحديث 4.

والكفيل في بيع النسيئة(1) - متمانعان كعامّين من وجه، لا يقدّم أحدهما على الآخر.

وإذا تقدّم الرهن لا يعقل نفوذ البيع وبالعكس، حسب ما أفاد في: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» لا من باب معنونيته بعنوانين.

والقياس على الدليل المفيد لاعتبار الرضا ودليل الإكراه في غير محلّه؛ لأنّهما مقيّدان لإطلاق دليل البيع، لأجل التقييد الوارد في قوله تعالى: «تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ» وتحكيم دليل الإكراه الموجب للتنويع، فأين هذا من ضمّ دليل نفوذ الرهن إلى دليل البيع مع عدم وجه للتقديم؟!

نعم، بناءً على ما ذكرناه من انصراف دليل نفوذ البيع عن مورد الرهن(2)، كان ذلك موجّهاً، كما أنّ الأمر كذلك في «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» فالتفرقة بينهما في غير محلّه.

فتحصّل ممّا مرّ: أنّ الصحّة نحو صحّة الفضولي لا مانع منها.

الأمر الثاني: حول لزوم الإجازة بعد فكّ الرهن

ثمّ إنّه هل يحتاج العقد بعد فكّ الرهن إلى الإجازة، لو قلنا: بلزوم إنشاء الإجازة في الفضولي؟ أو يكفي في المقام الرضا حال العقد، فلو لم يردّ العقد قبل فكّ الرهن وفكّه، صار صحيحاً بالفعل؟

ص: 352


1- - الفقيه 3: 168 / 742؛ تهذيب الأحكام 7: 42 / 178، و168 / 744؛ وسائل الشيعة 18: 380، كتاب الرهن، الباب 1، الحديث 4 و6.
2- - تقدّم في الصفحة 350.

الظاهر ذلك؛ لأنّ إنشاء الإجازة على القول به، إنّما هو لأجل الانتساب إلى المالك، وهو حاصل، والرضا المقارن كافٍ.

والقول: بأنّ رضاه كرضا الأجنبيّ، حيث إنّه لا يترتّب عليه الأثر(1)، غير مرضيّ؛ لأنّ رضا المالك مقتضٍ للصحّة ودخيل فيها، وإنّما يمنع عن ترتّب الأثر كونه رهناً، فإذا زال أثّر المقتضي أثره، بخلاف رضا الأجنبيّ، فإنّه غير مقتضٍ رأساً.

نعم، يبقى الكلام في أنّ له ردّ البيع، أو لو كره بعد الرضا المقارن كان مؤثّراً في عدم النفوذ؟

وجهان تقدّم الكلام فيهما، وقد ذكرنا أنّ دليل وجوب الوفاء قاصر عن إثبات وجوب إبقاء العقد الذي لم يؤثّر أثره؛ لأنّ الوفاء هو العمل على طبق مضمون العقد، لا إبقاء العقد بنفسه، فراجع(2).

الأمر الثالث: جريان نزاع الكشف والنقل في المقام

بقي الكلام في الأمر الثالث؛ أي جريان نزاع الكشف، وفيه جهتان:

إحداهما: أنّ الإجازة لو قلنا باعتبارها، أو فرض أنّ العاقد غير المالك فيحتاج إلى إجازته، هل يصحّ فيها القول بالكشف كما في باب الفضولي؟

قد يقال: بعدم الجريان؛ لأنّ لازم الكشف حصول النقل من الأوّل، وهو حال

ص: 353


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 209.
2- - تقدّم في الجزء الأوّل: 106، وتقدّم في الصفحة 279.

تعلّق حقّ الرهن، ومع حفظه لا يعقل تأثير العقد، والفرض أنّ الفكّ من الحين لا من أوّل العقد(1).

وفيه: أنّ ذلك لازم الكشف الحقيقي، وأمّا الكشف التعبّدي بأحد معنييه - وهو كون التعبّد مترتّباً على الإجازة بعد تحقّقها - فلا يرد فيه الإشكال، لأنّ التعبّد بترتيب الآثار من الأوّل إنّما هو بعد فكّ الرهن، وليس التعبّد الكذائي مخالفاً لحقّ المرتهن، وليس ذلك كاشفاً عن حصول الملك من الأوّل، ولا من التعبّد بحصوله حال الرهن، كما يظهر بالتأمّل.

وكذلك الكشف الحكمي الانقلابي، سواء كان الانقلاب حقيقياً أو عنوانياً، فإنّه كما لا مانع من ملكية شيء واحد لشخص في زمان قبل كون العقد مجازاً، وملكيته في نفس ذلك الزمان لآخر بعد كونه مجازاً - كما ذهب إليه المحقّق صاحب الإشكال هاهنا (2)، وإن مرّ الإشكال فيه(3)، لكن الكلام هاهنا في صحّة جريان النزاع، لا في صحّة الكشف أو قسم منه - كذلك الحال في المقام؛ فإنّه لا مانع من صحّة البيع بعد الإجازة التي بعد فكّ الرهن. فالانتقال حصل في حال الفكّ من الأوّل، ولا إشكال في عدم منافاته لحقّ المرتهن.

ثانيتهما: هل أنّ الفكّ كالإجازة، يمكن نزاع الكشف والنقل فيه، فلو قلنا: بعدم اعتبار الإجازة، بل يصحّ البيع بمجرّد الفكّ، فهل يمكن القول: بأنّ الفكّ كاشف، أو لا بدّ من القول بالنقل؟

ص: 354


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 206 - 207.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 145.
3- - اُنظر ما تقدّم في الصفحة 243 و254.

قد اضطرب في المقام كلام بعض الأعاظم قدّس أسرارهم(1)، والظاهر صحّة النزاع هاهنا أيضاً على بعض المباني، كما إذا قلنا: بأنّ العقد مضمونه حصول النقل في زمانه، والمانع منه هو الرهن، فإذا سقط الرهن، انتقل من حال العقد بعد السقوط، وهو لا ينافي حقّ المرتهن.

ثمّ إنّ ما ذكرناه جارٍ فيما تعلّق به حقّ الغرماء، وأمّا إذا كان المانع من قبيل السفه، فلا إشكال في جريان نزاع الكشف على جميع المباني؛ فإنّ السفيه لم يسقط كلامه، بل منع بعد حجره عن التصرّف في أمواله، وبعد رفعه لا مانع من إنفاذ المعاملة حال سفهه، وهو واضح.

هذا كلّه فيما إذا كان المجيز غير جائز التصرّف لأجل المانع؛ أي المسألة الاُولى.

حكم ما لو لم يكن جائز التصرّف بسبب عدم الملك
إشارة

وأمّا المسألة الثانية: وهي ما إذا كان عدم جواز التصرّف لأجل عدم المقتضي، كما إذا باع شيئاً ثمّ ملكه بالاشتراء أو غيره، ففيها صور يعرف حالها في ضمن المسألة.

من باع شيئاً ثمّ ملكه

وقد اختلف الأصحاب فيها، فمن قائل: إنّه صحيح غير محتاج إلى الإجازة(2).

ص: 355


1- - منية الطالب 2: 108.
2- - إيضاح الفوائد 1: 419؛ مسالك الأفهام 6: 51؛ اُنظر مقابس الأنوار: 134 / السطر 24.

ومن قائل: إنّه محتاج إليها (1).

ومن قائل: بالبطلان(2).

وقد اختار الشيخ الأعظم قدّس سرّه الصحّة، متمسّكاً بالأصل والعمومات بعد دفع ما يرد عليه من الإشكال(3).

أقول: لا إشكال في عموم الأدلّة وإطلاقها لو لم يمنع عنه المانع، فمع الشكّ في اعتبار شيء يدفع بإطلاق الأدلّة أو عمومها.

وأمّا الأصل، فالظاهر أنّ مراده هو الأصل العملي مقابل العموم، مع الغضّ عنه، وعليه فإن كان المراد أصالة عدم اشتراط كون المجيز هو المالك حال العقد، ورجع إلى عدم اشتراط العقد الخارجي، فلا حالة سابقة له.

وإن رجع إلى أصالة عدم اشتراط طبيعة العقد الفضولي - أي هذه الطبيعة قبل تشريع الشرع لم تكن مشروطة بشرط، وبعده علم اشتراطها بشرائط، وشكّ في غيرها، منها الشرط المذكور - فالأصل عدم الاشتراط.

ففيه: أنّ الأصل المذكور لا يثبت كون المجرّد عن الشرط مؤثّراً، ولا كونه تمام الموضوع لحكم الشرع بالانتقال.

هذا إذا قلنا: بأنّ الأثر للطبيعة، وأنّها عين الأفراد في الخارج، وإلاّ فالأصل

ص: 356


1- الدروس الشرعية 3: 193؛ اُنظر مقابس الأنوار: 134 / السطر 20 - 23.
2- - حياة المحقّق الكركي وآثاره، حاشية إرشاد الأذهان 9: 337؛ مقابس الأنوار: 134 / السطر 27.
3- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 437.

الجاري فيها لا يثبت الحكم للفرد بخصوصيته، والتفصيل في محلّه(1).

وكذا استصحاب الصحّة التأهّلية إلى زمان الإجازة، لا يثبت ترتّب الأثر بلحوق الإجازة بها؛ فإنّ ترتّب الأثر على العلّة عقلي، وتأثير العلّة التامّة أيضاً عقلي.

هذا مع الغضّ عن أنّ المعلوم حال صدور العقد هو الصحّة إذا لحقت إجازة المالك الأوّل به، وصحّة لحوق إجازة الثاني مشكوك فيها من الأوّل.

وكذا الحال في التمسّك بحديث الرفع(2) لرفع شرطية المشكوك فيه؛ فإنّ رفعها لا يثبت ترتّب الأثر بلحوق الإجازة به.

إشكالات صاحب المقابس قدّس سرّه
إشارة

ثمّ إنّ هاهنا اُموراً لا بدّ للقائل بالصحّة المتمسّك بالعموم والإطلاق لها من دفعها، ونحن نذكرها حسب ما قرّرها الشيخ صاحب «المقابس» قدّس سرّه.

الإشكال الأوّل:

أنّه قد باع مال الغير لنفسه، وقد مرّ الإشكال فيه(3).

وأجاب الشيخ قدّس سرّه عنه: بأنّه قد سبق أنّ الأقوى صحّته، وربّما يسلم هنا عن بعض الإشكالات، مثل مخالفة الإجازة لما قصده المتعاقدان(4).

ص: 357


1- - الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 90.
2- - تقدّم في الصفحة 87.
3- - مقابس الأنوار: 134 / السطر28.
4- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 437.

أقول: أجاب الشيخ قدّس سرّه عن الإشكال العقلي هناك: بأنّ قصد المعاوضة الحقيقية مبنيّ على جعل الغاصب نفسه مالكاً حقيقياً نظير المجاز الادّعائي(1)، فإن أراد من ذلك أنّه جعل نفسه مالكاً وباع للمالك، كما صرّح بذلك بعض الأعاظم قدّس سرّه: بأنّه مبنى صحّته تحليل داعيه إلى أمرين:

الأوّل: وقوع التبديل بين ملكي مالكهما.

والثاني: تخيّل أنّ المالك لأحد العوضين هو نفسه، فيلغى هذا الخيال والتطبيق، ويؤخذ بقصد المعاوضة بين ملكي المالكين(2).

ففيه: أنّه لو صحّ هذا الادّعاء لا بدّ من القول هاهنا: ببطلان إجازة المالك الثاني؛ لأنّ المفروض أنّه جعل نفسه مالكاً وباع لمالكه، والمالك حال العقد هو غير المجيز، فهذا التقريب - على فرض صحّته - يؤكّد الإشكال في المقام، وإن رفعه عن المقام السابق.

نعم، لو كان مراده من جعل الغاصب نفسه مالكاً حقيقياً، أنّه بعد جعله كذلك باع لنفسه، اندفع الإشكال العقلي في كلا المقامين، والإشكال العقلائي؛ أي مخالفة الإجازة لما قصده المتعاقدان هاهنا.

لكن مبنى اندفاع الإشكال العقلائي هناك، ما صرّح به الشيخ قدّس سرّه: من أنّ البائع الفضولي إنّما قصد تمليك المثمن للمشتري بإزاء الثمن، وأمّا كون الثمن مالاً له أو لغيره، فإيجاب البيع ساكت عنه، فيرجع فيه إلى ما يقتضيه مفهوم «المعاوضة» من دخول العوض في ملك مالك المعوّض، تحقيقاً لمعنى المعاوضة... إلى

ص: 358


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 377 - 378.
2- - منية الطالب 2: 113.

أن قال: وحيث إنّ المثمن ملك لمالكه واقعاً، فإذا أجاز المعاوضة انتقل عوضه إليه(1)، انتهى.

ولازم هذا المبنى أنّ العقد الإنشائي نقل الثمن إلى مالك المثمن حال العقد إنشاءً؛ لأنّه مقتضى مفهوم «المعاوضة» فإنشاء هذا المفهوم يقتضي وجود ذلك إنشاءً؛ أي دخول الثمن في ملك مالك المثمن إنشاءً، والإجازة تتعلّق بهذا المنشأ إذا كانت صادرة من مالكه حال العقد.

وعلى هذا يرد عليه إشكالان:

أحدهما: أنّ هذا المبنى على فرض صحّته، يهدم أساس الصحّة في المقام؛ لأنّ لازمه مغايرة الإجازة لما هو مضمون العقد ومقتضاه، لأنّ المجيز فعلاً غير المالك حال العقد.

ثانيهما: أنّ مبنى الجواب عن الإشكال الأوّل - أي الإشكال العقلي على الاحتمال الذي ذكرناه الموافق لظاهر كلامه - أنّ العاقد بعد جعل نفسه مالكاً باع لنفسه، وبعد البناء على ذلك صارت المعاوضة حقيقية، فحينئذٍ لا بدّ بمقتضى مفهوم «المعاوضة» من أن يدخل الثمن في ملكه إنشاءً؛ لأنّه مالك للمثمن.

فالمعاوضة الحقيقية على هذا المبنى، لا بدّ وأن تقع بين ملك المالك الادّعائي وبين الثمن، وهذا ممّا يوجب هدم الجواب عن الإشكال الثاني، المبنيّ على أنّ مقتضى مفهوم «المعاوضة» دخول الثمن في ملك المالك الحقيقي.

وإن شئت قلت: إنّ إنشاء البيع المذكور لا بدّ وأن يكون بوجه يصحّ بإجازة

ص: 359


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 380 - 381.

صاحب السلعة؛ أي المالك الأوّل، وبعد الانتقال عنه يصحّ بإجازة المالك الثاني، والجمع بينهما لا يمكن، كما لا يمكن أن يكون مقتضى المعاوضة ذلك؛ أي الانتقال إلى المالك الأصلي إنشاءً في حال، وإلى المالك الجديد في حال آخر.

وبعبارة اُخرى: بعد فرض أنّ الإجازة من المجيز لا شأن لها إلاّ تنفيذ ما أنشأه الفضولي، فالنقل الإنشائي من الفضولي يصير حقيقياً نافذاً بالإجازة، وليست الإجازة معاملة؛ أي إنشاءً للنقل بالعوض؛ بل هي إنفاذ للنقل بالعوض الحاصل بإنشاء الفضولي.

فالمعاوضة الإنشائية هي ماهية البيع المتحقّقة إنشاءً؛ فإنّ بيع الفضولي لا يقصر عن بيع الأصيل في مفهوم «البيع» وإنّما يفترق عنه في الأثر الذي لا يدخل في الماهية ولا في صدقها على المنشأ، فحينئذٍ لا بدّ وأن يتحقّق مفهوم «المعاوضة» ببيع الفضولي.

ولا شبهة في أنّ مفهومها هو نحو تبادل بين السلعة والثمن، ونتيجته تبادل الإضافات إنشاءً في الفضولي، وإنشاءً وحقيقة في غيره.

ولا شبهة في أنّ تبادلهما المستتبع لتبادل نحو إضافة، لا يعقل إلاّ مع وجود إضافة، إمّا حقيقة، أو تخيّلاً وادّعاءً على نحو ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه(1).

فحينئذٍ نقول: إنّ إنشاء الفضولي لنفسه، إمّا لادّعاء الملكية لنفسه، والتمليك والتملّك بعد هذه الدعوى لنفسه، فيرى تبادل الإضافات عن نفسه ومنها.

وإمّا يرجع ذلك إلى التبادل بين ملكي مالكين حقيقة، وتنزيل نفسه بعده

ص: 360


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 377 - 378.

منزلة المالك، كما أفاده بعض الأعاظم قدّس سرّه (1).

فعلى الأوّل: لا تكون إجازة المالك موافقة لقصد الفضولي.

وعلى الثاني: لا تكون إجازة الفضولي بعد الاشتراء موافقة لقصده.

فلو بنينا على إلغاء قيد «لنفسه» لأنّه أمر زائد على ماهية البيع، وقلنا: بالأخذ بمقتضى مفهوم «المعاوضة» صارت النتيجة: أنّ إنشاء الفضولي هو تبادل السلعة الخارجية التي هي ملك المالك مع الثمن، ومقتضى مفهوم «المعاوضة» رجوع الثمن - حتّى إنشاءً - إلى مالك السلعة، فعاد المحذور في المقام.

ولو بنينا على إبقاء قيد «لنفسه» كانت النتيجة تبادل تمليك العين، وتملّك الثمن لنفسه ادّعاءً، فهذا الإنشاء - بعد ادّعاء ما ذكر - لا تلحقه الإجازة من المالك؛ لعدم تبادل ملكه مع الثمن فرضاً، فالجمع بينهما؛ بحيث يصحّ لحوقها من كلّ منهما، لا يمكن على مبنى الشيخ ومن تبعه قدّست أسرارهم.

وتوهّم: أنّ التبادل الإنشائي بين ملك طبيعي المالك للسلعة المنطبق على المالك قبل الخروج عن ملكه باشتراء الفضولي، وعلى الفضولي بعده.

فاسد؛ لأنّه - مضافاً إلى أنّه لو كان المراد بالطبيعي صرف الوجود باصطلاح الاُصولي، فهو منطبق على أوّل الوجود، ولا ينطبق على الثاني، فلا بدّ من الالتزام بأنّ المراد ملك المالك على نحو الكلّي البدلي أو الوجود الساري، وهو كما ترى - يرد عليه: أنّه مع إلغاء قيد «لنفسه» عن الإنشاء على المملوك المعيّن المشخّص، لا يبقى إلاّ ذلك المشخّص، ولا ينقلب كلّياً، كما هو واضح.

ص: 361


1- - منية الطالب 2: 36.

هذا كلّه لوازم كلماتهم في المقام المتقدّم وهاهنا، ومع الغضّ عنها، وجعل المسألة التي كلامنا فيها نصب العين، يصحّ أن يجاب عن الإشكال العقلي المشترك بما سلكنا هناك في الجواب(1).

بل هاهنا أهون؛ لأنّ إنشاء البيع لنفسه مع الوثوق بتحصيل المبيع والردّ إليه - بل مع رجاء ذلك - أمر ممكن، ولا يفترق في الإشكال عن بيع الفضولي، فكما يصحّ الجدّ برجاء إجازة صاحب المال، يصحّ هاهنا أيضاً، ومع شراء المبيع تتمّ المعاملة بالإجازة أو بدونها، على اختلاف القول في ذلك.

الإشكال الثاني:

أنّا حيث جوّزنا بيع غير المملوك مع انتفاء الملك، ورضا المالك، والقدرة على التسليم، اكتفينا بحصول ذلك للمالك المجيز؛ لأنّه البائع حقيقة، والفرض هنا عدم إجازته، وعدم وقوع البيع عنه(2)، انتهى.

وقد أجابوا عنه بوجوه(3)، ولم يتعرّضوا لجميع خصوصيات كلامه، بل لم يتعرّضوا لما هو أشكل.

وحاصل كلامه على ما يستفاد من التأمّل فيه: أنّ البيع هاهنا فاقد لجهات:

ص: 362


1- - تقدّم في الصفحة 211.
2- - مقابس الأنوار: 134 / السطر 29؛ اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 437.
3- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 437؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 227؛ حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 284؛ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 213.

منها: عدم مالكية ما وقع عنه، وعدم وقوعه للمالك، فتختلّ بذلك أركان البيع، ولا يصدق عليه العنوان؛ لأنّ البيع عبارة عن التبادل بين ملكي مالكين كما في الفضولي.

ويفترق هاهنا عن بيع الغاصب لنفسه: بأ نّا هناك أردنا تصحيحه بإجازة المالك، ويمكن أن يقال: بأنّ البيع وقع على العين الخارجية، وضمّ القيد الزائد لغو، لا يوجب عدم الوقوع عليها، كما قلنا في باب الاقتداء: بأنّه دائماً يقع بالإمام الموجود قدّام الصفوف، وإن قيّده المأموم بألف قيد(1).

وهاهنا لا يصحّ، سواء اُلغي قيد «لنفسه» أو بقي؛ لعدم إجازة المالك على الأوّل، واختلال أركان البيع على الثاني.

وفيه: أنّ هذا مبنيّ على لزوم موافقة البيع الإنشائي للواقع المحقّق، ودخالة ذلك في صدق المفهوم، وهو ممنوع، ألا ترى أنّ إنشاء بيع الكلّي بالكلّي بيع حقيقة، وصادق عليه عنوان «البيع» و«العقد» و«التجارة» مع أنّ الكلّي قبل إيقاع البيع ليس ملكاً لصاحب الذمّة.

فلا يكون الإنسان مالكاً لالُوف من الاُمور الكثيرة في ذمّته، سواء اُضيف إليها أم لا، فلا يكون بيع الكلّي بالكلّي من قبيل بيع الأعيان بالأعيان.

وبالجملة: لا يعتبر في مفهوم «البيع» ولا فيما يصدق عليه إلاّ التمليك بالعوض؛ بمعنى أوسع من مفهوم الملك حتّى يشمل الحقوق ونحوها.

نعم، لا بدّ من كون الثمن عوضاً عن المثمن، وداخلاً في ملك صاحب السلعة

ص: 363


1- - راجع تحرير الوسيلة 1: 279، مسألة 5.

إنشاءً؛ تحقيقاً لمعنى المعاوضة، وفيما نحن فيه باع عن نفسه ملك غيره بعوض لنفسه، ولا قصور له في مقام المفهومية والإنشاء، وعدم الانتقال فعلاً لا يضرّ كما في غير المقام.

ومنها: أنّه ليس لهذا العقد من كان رضاه دخيلاً في صحّته؛ لأنّ صاحب المال ليس له العقد، ومن له العقد لا دخالة لرضاه فيها.

ومنها: أنّه ليس لهذا العقد من له قدرة التسليم؛ لأنّ قدرة صاحب المال غير معتبرة ولا مفيدة، لعدم كون العقد له، وقدرة الفضولي أجنبيّة لا دخالة لها في الصحّة.

والجواب: أنّ رضا من له العقد عند تأثير العقد معتبر، وهو حاصل، ولا دليل على اعتبار الزائد عليه، ولو شكّ يدفع بالإطلاقات، وكذا الحال في اعتبار القدرة على التسليم، فلو علم أنّ الفضولي له القدرة على التسليم عند صيرورة البيع له صحّ، ولا دليل على الزائد على ذلك.

بل يمكن إنكار اعتبار القدرة على التسليم تعبّداً غير ما هو المعتبر عند العقلاء، فلو لم يقدر البائع عليه، ولكنّ المشتري يقدر على تحصيل المبيع صحّ، كما لو غصبه ظالم، ولم يقدر المالك على أخذه، ولكن يقدر شخص ثالث عليه، صحّ بيعه منه.

ولو سلّم، فما هو المعتبر قدرة تسليم من له البيع عند صيرورة البيع له، وأمّا ما أفاده الشيخ قدّس سرّه في جوابه(1)، فالظاهر أنّه غير مربوط بإشكاله.

ص: 364


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 437.

ومن المحتمل أن يكون مراد المستدلّ بما ذكره في هذا الأمر: أنّ بيع الفضولي على خلاف القاعدة، ولا بدّ من الاقتصار على المتيقّن منه، وهو غير هذه الصورة، كما صرّح بذلك في باب بيع الغاصب لنفسه(1)، فحينئذٍ يكون الجواب منع كونه على خلاف القاعدة.

نعم، الكشف على خلافها، لا مطلق الفضولي، ومع كون الفضولي على القاعدة، كلّما شكّ في اعتبار شيء زائد، يدفع بالإطلاق بعد صدق «العقد» عليه.

الإشكال الثالث:
بيانه

الإجازة حيث صحّت، كاشفة على الأصحّ مطلقاً؛ لعموم الدليل الدالّ عليه، ويلزم حينئذٍ خروج المال عن ملك البائع قبل دخوله في ملكه(2).

والجواب: منع كون الإجازة كاشفة، بل ناقلة بحسب القواعد على الأقوى، ولم يدلّ دليل - حتّى الأدلّة الخاصّة - على الكشف، كما مرّ مستقصىً(3).

ولو سلّمت دلالة الأدلّة الخاصّة عليه، فلا عموم ولا إطلاق لها، فلا بدّ من الاقتصار على موردها، والمقام ليس من تلك الموارد، فمع قصور دليل الكشف، لا بدّ من القول بالنقل؛ عملاً بالقواعد في غير مورد التقييد.

ص: 365


1- - مقابس الأنوار: 132 / السطر12.
2- - مقابس الأنوار: 134 / السطر30؛ اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 438.
3- - تقدّم في الصفحة 237.

فالدليل العقلي في هذا الأمر والأمرين الآتيين يدلّ على بطلان الكشف، لا بطلان الفضولي، وهو واضح.

ثمّ إنّ الدليل العقلي المذكور جار في الكشف الحقيقي، وفي الحكمي الانقلابي.

والقول: بأنّ الكشف الانقلابي العنواني لا مانع منه عقلاً، ولا يلزم منه التالي المذكور(1)، قد فرغنا سابقاً عن الجواب عنه(2).

وعلى ما قدّمناه يرد الإشكال حتّى على الكشف الحكمي الانقلابي ولو مع تسليم ذلك في الفضولي؛ لأنّ الخروج عن ملكه من أوّل زمان العقد، إنّما هو قبل دخوله في ملكه، وإن كان بالإجازة أراد الإخراج؛ ضرورة أنّ الملك حاصل له من زمن الابتياع، وأراد الإخراج قبل زمنه الذي ليس ملكاً له.

وإن شئت فقس ذلك بباب الإجارة، فلو آجر بيتاً فضولاً سنتين، ثمّ انتقل إليه بالبيع وأجاز الإجارة، فالمنافع قبل البيع ليست ملكاً له، ولم تصر له بالبيع أيضاً، فلو دخلت المنافع بالإجازة في ملك المستأجر، لا بدّ وأن يكون الخروج قبل الدخول، نعم لا يرد على الكشف التعبّدي.

لكن يرد إشكال آخر عقلائي على جميع أقسامه، وهو لزوم كون نماء العين للمشتري في زمان كانت العين فيه ملكاً للمالك، من غير أن يكون طرفاً للبيع، فمجرّد بيع أجنبيّ مال الغير - من غير دخالة للمالك - أوجب انتقال النماءات

ص: 366


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 215.
2- - تقدّم في الصفحة 254.

إلى المشتري، وهو أمر لا يمكن الالتزام به.

فعلى هذا: بطل الكشف مطلقاً على وزان سائر الموارد، لكن يصحّ البيع نقلاً.

ثمّ لو قلنا: بأنّ الكشف مقتضى القواعد، وبنينا على أنّ العقد يقتضي النقل من حينه، والإجازة لا بدّ وأن تتعلّق به كذلك وإلاّ لم تصحّ، فلو تعلّقت بزمان متأخّر عن العقد كانت باطلة؛ لعدم تعلّقها بما هو منشأ، كما لو باع فأجاز صلحاً أو إجارة.

فهل يمكن التصحيح في المقام على هذا المبنى، والحكم بالكشف من زمان الابتياع؛ أي أوّل زمان إمكان الكشف، كما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه: من أنّ المقتضي موجود، ولا مانع شرعاً وعقلاً من كاشفية الإجازة من زمان قابلية تأثيرها (1)؟

أقول: العمدة في المقام - بعد تسليم كون الكشف على القاعدة، والغضّ عمّا سبق - النظر في عموم قوله تعالى: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(2) الشامل لكلّ فرد منها، وإطلاق كلّ فرد بالنسبة إلى الأزمنة؛ بدليل الحكمة المقرّر في محلّه(3).

فإن قلنا: بأنّ المقتضي لشمول العموم الأفرادي لهذا العقد موجود، لكنّ المانع العقلي أيضاً موجود بالنسبة إلى أوّل زمان العقد إلى زمان الابتياع، فالظاهر صحّة ما أفاده، لا لما ذكره، بل لأنّ الإجازة تعلّقت بمضمون العقد، والعامّ باقٍ على عمومه.

ص: 367


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 438 - 439.
2- المائدة (5): 1.
3- - الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 219.

وليس المانع بالنسبة إلى الشمول الأفرادي، وإنّما المانع مانع عن الإطلاق المستفاد من دليل الحكمة، فبعد رفع المانع يؤخذ بإطلاقه، نظير ما ذكرناه في باب الخيارات: من أنّه في غير مورد المتيقّن يؤخذ بإطلاق «أَوْفُوا» بالنسبة إلى حالات الأفراد، لا باستصحاب حكم المخصّص، من غير فرق بين الخروج من أوّل الأمر إلى زمان، أو غيره، فراجع(1).

وإن قلنا: بأنّ المقتضي للشمول مفقود، وأنّ العقد على مال الغير - من غير انتساب إليه بوجه - غير مشمول للأدلّة، فلا يمكن تصحيحه؛ لأنّ الفرد المقتضي لحصول مضمونه في أوّل زمان تحقّقه كما هو الفرض، خارج عن العامّ، وزمان الابتياع غير مشمول أيضاً؛ لأنّ النقل من ذلك الزمان مخالف لمقتضى مضمون العقد.

مضافاً إلى أنّ الشمول للحالات تابع لشمول العموم الأفرادي، ومع عدمه لا موضوع للإطلاق.

وأمّا القول: بالشمول من أوّل الأمر للفرد المتقيّد بزمان الابتياع.

ففيه: - مضافاً إلى ما ذكرناه؛ من أنّ الشمول لذلك غير معقول، لأنّ المضمون المتقيّد بزمان العقد، كما هو المفروض ومحطّ كلام الشيخ قدّس سرّه في المقام، لا يعقل انطباقه على زمان آخر، فالإجازة من زمان الابتياع إجازة لغير العقد المنشأ - أنّ ذلك عود إلى التقييد الحالي مع وجود المقتضي للشمول، وهو خلاف الفرض.

ص: 368


1- - يأتي في الجزء الرابع: 555.

وبالجملة: إنّ فرض وجود المقتضي وتعلّق الإجازة بالعقد من زمان تحقّقه، هو كون المانع من النفوذ في قطعة من الزمان، ومقتضى الإطلاق الصحّة فيما بعدها.

لكن التحقيق: قصور المقتضي، وعدم شمول وجوب الوفاء للعقد على مال الغير من غير انتساب إليه بوجه، فزمان تحقّق العقد لا يكون منتسباً إلى من هو صالح للانتساب إليه، وبعد تحقّق الابتياع كان المنشأ غير متحقّق.

هذا كلّه على مبنى الكشف على أحد الاحتمالات، وهو كون الإجازة متعلّقة بالعقد الذي مقتضاه النقل من حين الوقوع، كما هو مفروض كلام الشيخ الأعظم قدّس سرّه(1)، وقد عرفت أ نّه لا يمكن التصحيح على هذا الاحتمال بنحو ما رامه رحمه الله علیه.

نعم، لا مانع من هذا التفكيك والتبعيض على بعض المسالك الاُخر في باب الكشف، كمسلك المحقّق الرشتي قدّس سرّه (2)، بل ومسلك صاحب «الفصول» قدّس سرّه (3)، ولا جدوى في التعرّض لها بعد عدم كونها مرضيّة، وعدم دليل عليها في مقام الإثبات.

ص: 369


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 439.
2- - بدائع الأفكار، المحقّق الرشتي: 323 / السطر 13؛ الإجارة، المحقّق الرشتي: 184 / السطر13.
3- - الفصول الغروية: 80 / السطر36.
كلام المحقّق النائيني في المقام

ثمّ إنّه قال بعض الأعاظم قدّس سرّه: صحّة البيع في المقام متوقّفة على أمرين:

الأوّل: عدم اعتبار كون شخص خاصّ طرفاً للمعاوضة، لا بمعنى إمكان كونه كلّياً؛ فإنّ هذا غير معقول، لأنّ الإضافة تتوقّف على مضاف إليه معيّن، بل بمعنى عدم اعتبار خصوص كونه زيداً أو بكراً، فلو اشترى من شخص باعتقاد كونه زيداً، فتبيّن كونه بكراً، لا يضرّ، وليس البيع كالنكاح.

الثاني: كون مسألة من باع شيئاً ثمّ ملك، كمسألة اختلاف المالك حال العقد والإجازة بسبب الموت والوراثة؛ بأن يكون تبدّل الملك كتبدّل المالك.

فإذا تمّ هذان الأمران، فلا محيص عن الصحّة في المقام، وإن كان اقتضاء الإجازة كشف الملك من حين العقد في جميع المقامات.

ثمّ نفى الإشكال عن الأمر الأوّل، وفرّق في الثاني بين باب البيع والإرث بما تكرّر منه سابقاً: من أنّ الوارث يقوم مقام المورّث، والتبديل في المالك دون الملك، بخلاف البيع؛ فإنّه تبديل في الملك، فإذا أجاز الوارث كانت إجازته متعلّقة بنفس هذا التبديل، وأمّا إذا أجاز الفضولي فتعلّقت إجازته بغير ما وقع(1). انتهى.

وأنت خبير بما في مقدّمتيه، وفي النتيجة التي أراد ترتيبها عليهما:

أمّا أوّلاً: فلأنّ قوله: لا يعقل أن يكون الكلّي طرف الإضافة؛ لكونه غير معيّن، فيه نظر ظاهر؛ فإنّ الكلّي معيّن قابل لتعلّق الإضافة به، كما في

ص: 370


1- - منية الطالب 2: 117 - 118.

بيع الكلّي، ولا فرق بين كون المبيع أو الثمن كلّياً، وبين كون البائع أو المشتري كلّياً، حتّى أنّ نحو «واحد منهما» أو «منهم» أو «أحدهم» أو «أحدهما» عناوين كلّية ومعيّنات وإن كانت مصاديقها غير معيّنة، ولهذا يتعلّق العلم بها.

نعم، الفرد المردّد نحو «هذا أو هذا» غير معيّن لا يعقل وقوعه - بما هو مردّد - طرف الإضافة، ولعلّ مراده ذلك.

وأمّا ثانياً: فلأنّ قوله: لو اشترى من شخص... إلى آخره، صحيح، لكن في باب النكاح أيضاً كذلك، فلو تزوّجت شخصاً خاصّاً بتوهّم أنّه زيد فكان عمراً، صحّ وإن كان الزوجان ركنين.

وأمّا ثالثاً: فلأنّ ما ذكره في باب الإرث مراراً - من أنّ التبديل في المالك دون الملك، وأنّ الورثة قائمون مقام المورّث - أمر لا يصدّقه عقل ولا نقل، بل الأدلّة النقلية؛ كتاباً، وسنّة، وارتكاز العقلاء والمتشرّعة، مخالفة له.

مع أنّ قيام كلّ وارث مقام مورّثه في مقدار إرثه - أي قيام الزوجة في الثمن، والبنت في النصف وهكذا - ممّا يردّه الذوق السليم.

هذا مع عدم ربط المقدّمتين بالمسألة؛ فإنّ المفروض بيع مال لنفسه لا لصاحبه، ثمّ بعد ما تملّكه أجاز ما أنشأ لنفسه، وهذا أجنبيّ عن المقدّمتين.

وقد مرّ منه: أنّ المقام ليس من قبيل سرقة الإضافة، بل من قبيل مجاز المشارفة، فيبيع ما يملكه فعلاً بلحاظ ملكه فيما بعد، ثمّ أمر بالتأمّل(1)، لكن لا تأمّل في أنّ البيع لنفسه، كما أنّه لا تأمّل في ذلك في الغاصب.

ص: 371


1- - منية الطالب 2: 113.

ثمّ إنّ ما أفاده قدّس سرّه ينتج عكس ما رامه؛ فإنّ البيع إن وقع لنفسه، فإن انتقل إليه ببيع صحّ؛ لأنّ ما أجاز عين ما أنشأه.

وأمّا إن مات مورّثه، وقام هو مقامه - بحيث كان في الاعتبار هو هو؛ قضاءً لحقّ عدم تغيير الملك - لم يصحّ؛ لعدم موافقة الإجازة للمنشأ، فإنّه نقل مال نفسه وتملّك ثمنه إنشاءً، وبعد قيامه مقام الميّت صار هو الميّت اعتباراً، وإجازته إجازة الميّت، ولم ينشئ البيع للميّت.

وتوهّم: أنّ مجاز المشارفة يرجع إلى البيع للمالك الواقعي، لا يرجع إلى محصّل وإن لم يبعد أن يكون منشأ اشتباهه في المقام ذلك.

الإشكال الرابع:
بيانه

أنّه على الكشف الحقيقي يلزم اجتماع المالكين - أي المشتري والمالك الأصلي - على مال معيّن معاً في زمان واحد، وهما متضادّان، واجتماع الضدّين مستلزم لاجتماع النقيضين.

إن قلت: مثل هذا لازم في كلّ عقد فضولي على الكشف؛ لأنّ المشتري لا بدّ وأن يملك بعد العقد والمالك كذلك حتّى تصحّ إجازته.

قلنا: يكفي في الإجازة الملك الصوري المستصحب، ولا يكفي ذلك في العقد الثاني، انتهى ملخّصاً (1).

أقول: هذا الإشكال غير الإشكال السابق؛ فإنّ مبنى السابق لحاظ

ص: 372


1- مقابس الأنوار: 134 / السطر31؛ اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 439.

البائع الفضولي، واستلزام خروج الشيء عن ملكه قبل دخوله فيه، ومبنى هذا الإشكال لحاظ المشتري والمالك الأصلي، واجتماع ملكهما على شيء واحد.

وبعبارة اُخرى: دخول الشيء في ملك المشتري قبل خروجه عن ملك المالك.

وهذا إشكال مستقلّ، ولهذا لو فرض صحّة اجتماع المالكين على مال واحد - كما قال بعضهم(1) - لم يضرّ ببطلان الأوّل وبالعكس.

كما أنّ الإشكال العامّ في باب الفضولي عين هذا الإشكال وهذا التالي الباطل، وهو اجتماع المالكين على ملك واحد، وإن شئت قلت: اجتماع ملك المشتري والمالك الأصلي.

فما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه في المقامين(2) ردّاً على المستشكل، ليس على ما ينبغي.

ثمّ إنّه أجاب عن أصل الإشكال بما مرّ، وقد مرّ الكلام حوله(3)، فلا نعيد.

أجوبة المحقّقين عن الإشكال العامّ

وأمّا الإشكال العامّ في الفضولي على الكشف، فقد أجابوا عنه بوجوه:

منها: ما أجاب عنه صاحب «المقابس» كما مرّ؛ من كفاية الملكية

ص: 373


1- - العروة الوثقى 6: 588، مسألة 3.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 440 و442.
3- - تقدّم في الصفحة 367.

الاستصحابية في صحّة الفضولي، ولا تكفي في العقد الثاني(1).

ويمكن تقريبه: بأنّ مقتضى الأدلّة العامّة أو الخاصّة لمّا كان الصحّة على الكشف الحقيقي، ولا شبهة في دخالة الإجازة ولو بنحو الشرط المتأخّر فيها، فلا بدّ - بعد امتناع اجتماع المالكين على ملك واحد - من الالتزام بكفاية الملكية الظاهرية.

وبعبارة اُخرى: بعد ذاك الدليل وهذا الامتناع نستكشف إقامة الشارع الملكية الظاهرية مقام الواقعية، كما قلنا في باب اعتبار الطهارة في الصلاة: من تحكيم أصالة الطهارة على أدلّة اعتبار الطهارة الظاهرة في حدّ نفسها في الطهارة الواقعية(2).

ففي المقام أيضاً مقتضى دليل الاستصحاب الملكية، وهو حاكم على ما دلّ على لزوم إجازة صاحب المال في التصرّفات في ماله، وهذا وإن اقتضى الصحّة في جميع المقامات، لكن الضرورة أو الإجماع قائمة على عدم كفاية الملكية الظاهرية في الصحّة في غير الفضولي.

وبما قرّرناه لا يرد عليه إيراد القوم كالشيخ وغيره قدّست أسرارهم: بأنّ المعتبر الملكية الواقعية(3).

نعم، يرد عليه: أنّ مقتضى ما ذكر عدم الاّطراد؛ للعلم بحصول الإجازة

ص: 374


1- - مقابس الأنوار: 134 / السطر الأخير.
2- - مناهج الوصول 1: 255.
3- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 442؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 230؛ هداية الطالب 3: 139.

أحياناً، ومعه يسقط الحكم الظاهري.

ومنها: ما أفاده السيّد الطباطبائي قدّس سرّه من كفاية الملكية التقديرية؛ أي لولا الإجازة(1).

وهذا أيضاً مبنيّ على الالتزام بذلك بعد قيام الدليل على الكشف الحقيقي، ولا يراد كفايتها مطلقاً وهو واضح.

ومنها: ما أفاده بعض أهل التحقيق قدّس سرّه من أنّ اتّصال ملك المجيز بزمان الإجازة غير لازم، بل اللازم اتّصال الملك بزمان التصرّف الناقل؛ ليكون النقل عن ملكه، فللمالك نقله مباشرة وتسبيباً وإجازة، فكما أنّ الملكية الفعلية المتّصلة بحال العقد مباشرة تصحّح النقل، كذلك هذه الملكية تصحّح من حين العقد.

ولا يتوهّم: أنّ زوال ملكه حال العقد مانع عن إجازته فيما بعد؛ لاندفاعه بأنّ مقتضي الشيء لا يعقل أن يكون مانعاً عنه؛ فإنّ زواله بسبب الإجازة المتأخّرة، فكيف يأبى عن الإجازة؟! انتهى ملخّصاً (2).

وفيه: أنّ الإجازة المتأخّرة إجازة لمضمون العقد بعد تمامه، وهو حال الانتقال على الكشف الحقيقي، فتكون رتبة الانتقال أو حاله مقارنة لحال الإجازة، فلا يعقل أن يكون الانتقال وزوال الملك من مقتضياتها.

إلاّ أن يقال: بعد تصوّر الشرط المتأخّر، يكون الانتقال بعد تحقّق المشروط بما هو مشروط، فيترتّب عليه النقل، فرتبة النقل متأخّرة عن الشرط.

ص: 375


1- - حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 230.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 218.

مضافاً إلى أنّه لو كفت الملكية حال العقد، ولم يلزم اتّصالها بحال الإجازة، ولم يعتبر اتّصال الملكية التقديرية أو الظاهرية، لكان اللازم صحّة الإجازة ولو بعد بيع المالك الأصلي.

فلو باع الفضولي، ثمّ باع المالك الأصلي ما باعه، ثمّ أجاز، كانت الإجازة للملكية الحاصلة حال العقد، ومع الكشف كان عقد المالك الأصلي باطلاً.

والقول: بأنّ شرط الصحّة عدم التصرّف الناقل، يرجع إلى لزوم بقاء الملكية التقديرية من زمان العقد إلى زمان الإجازة، ولولا هذا الشرط لم يكن عقد المالك الأصلي موجباً لتفويت المحلّ؛ ضرورة أنّ المحلّ القابل قبل عقد المالك الأصلي متحقّق، والإجازة المتأخّرة - على فرضها - لا تجب أن تكون من المالك.

والتقييد بعدم التخلّل عبارة اُخرى عن اتّصال الملكية التقديرية من زمان العقد إلى زمان الإجازة.

وإن شئت قلت: إنّ الأقوال الثلاثة المتقدّمة مشتركة في أنّ المال للمالك المجيز حال العقد؛ أي قبل وقوعه، وفي أنّ المجيز حال الإجازة غير مالك، وإنّما الاختلاف في اعتبار أمر زائد على ذلك، وهو الملكية الظاهرية على رأي، والملكية التقديرية على رأي، وعدم اعتبار شيء على الأخير، ولولا ذاك أو ذلك يلزم التالي المتقدّم، هذا على الكشف الحقيقي.

وأمّا الكشف الانقلابي الحقيقي والاعتباري، فقد تقدّم فيما سلف امتناعهما (1)، ومع الغضّ عنه لا يرد الإشكال المذكور عليهما.

ص: 376


1- تقدّم في الصفحة 236 و243 و253.

ومنها: ما أفاده بعض الأعاظم قدّس سرّه؛ من أنّه وإن اجتمع مالكان على ملك واحد في زمان واحد، إلاّ أنّه إذا كان ملك أحدهما في طول ملك الآخر، فلا دليل على امتناعه، وأدلّ دليل على إمكانه وقوعه، كما في ملك العبد الذي يملكه المولى، وإنّما الممتنع اجتماع مالكين عرضيين.

ففي المقام: حيث إنّ ملك المجاز له مترتّب على ملك المجيز وقوامه به، فاجتماعهما لا يضرّ، انتهى(1).

ولم يتّضح أنّ مراده بيان عدم اجتماع المتضادّين لأجل الطولية، أو أنّ اجتماع المتضادّين لا مانع منه مع الطولية.

ظاهر العبارة الثاني، وهو في غاية السقوط؛ لأنّه بعد فرض التضادّ بينهما، وعدم تأثير الطولية في رفع الاجتماع، يلزم الالتزام بجواز اجتماع الضدّين.

ولو كان مراده الأوّل، فإن كان المراد بالطولية الرافعة للاجتماع هو أنّ المجاز له يتلقّى الملك من المجيز؛ لأنّ الإجازة شرط الانتقال، كما أنّ بيع الأصيل شرطه، فهذا وإن رفع الاجتماع، لكنّه خروج عن البحث، وليس الاجتماع في زمان واحد، ولا يناسب التمثيل بملك العبد.

فلا بدّ وأن يراد اجتماعهما في آن واحد على موضوع واحد، لكن بنحو الطولية، وهو كافٍ في رفع الاجتماع؛ بأن يقال: إنّ المال مملوك العبد، ومملوك العبد مملوك المولى، فملك العبد تعلّق بالذات، وملك المولى بعنوان المملوك المتأخّر عن الذات.

ص: 377


1- - منية الطالب 2: 119.

وفيه: أنّه لا إشكال في امتناع ذلك؛ للزوم قيام الضدّ بالضدّ، نظير أن يقال: «إنّ الجسم أبيض، والأبيض بما هو أبيض أسود» بأن يرجع إلى أنّ الذات قام بها البياض، والبياض المتأخّر عن الذات قام به السواد، أو أنّ الذات بوصف البياض قام بها السواد، فهذا قيام الضدّ بالضدّ واجتماع الضدّين، هذا بالنسبة إلى الموجود الخارجي وأوصافه.

نعم، قد يقع البحث في باب اجتماع الأمر والنهي، بأنّ العامّين المطلقين أيضاً داخلان في محطّ البحث، لكنّ البحث هناك أجنبيّ عن المقام؛ لأنّ الكلام في المقام في الموجود الخارجي، وهناك في عناوين كلّية، مع أنّ التحقيق في ذلك المقام عدم كونهما محطّ البحث(1).

وقوله: أدلّ دليل على إمكان الشيء وقوعه... إلى آخره.

فيه: أنّ الامتناع ثابت، وما ادّعي وقوعه غير ثابت، ولو دلّ ظاهر عليه لا بدّ من تأويله؛ بأن يقال: إنّ العبد مالك، والمولى أولى بالتصرّف، كمالكية الناس وأولوية النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم).

نعم، لا تضادّ - بالمعنى المصطلح - في الاُمور الاعتبارية، واجتماع المالكين على ملك، ليس من قبيل اجتماع الضدّين، ولو كان تنافٍ وتضادّ فإنّما هو في اعتبارهما، لا في نفسهما، والكلام هاهنا بعد الفراغ عن عدم إمكان اجتماعهما، كان لأجل التضادّ، أو التنافي في الاعتبار، أو مبادئه.

هذا مضافاً إلى منع الطولية في المقام، فإنّ المجاز له لم يكن مالكاً لملك

ص: 378


1- - مناهج الوصول 2: 109.

المجيز بما أنّه ملكه؛ بأن يكون المجيز مالكاً للذات، والمجاز له مالكاً لما هو ملك المجيز، بل المجاز له تملّك الذات بواسطة الإجازة، فالمجيز مالك للمال، والمجاز له مالك له بإجازته.

ثمّ قال الشيخ الأعظم قدّس سرّه: يلزم من ضمّ الإشكال العامّ إلى ما يلزم في المسألة، اجتماع ملاّك ثلاثة على ملك واحد قبل العقد الثاني؛ لأنّه على الكشف يكون ملكاً للمشتري، ولم يخرج من ملك المالك الأصلي، ولا بدّ من ملكية العاقد، وإلاّ لم تنفع إجازته(1).

وقد استشكل عليه: بأنّه بعد الالتزام بالشرط المتأخّر، لا يرد إشكال اجتماع ملاّك ثلاثة؛ لأنّ المشتري والمالك الأصيل مالكان إلى زمان البيع الثاني، والمشتري والمجيز مالكان بعد البيع الثاني إلى زمان الإجازة، ولا موجب للالتزام بكون المجيز مالكاً من حين العقد الأوّل؛ لأنّ المشتري وإن كان يتلقّى الملك من مالكه، إلاّ أنّه لا يجب أن يكون هو المجيز بالخصوص، بل إمّا هو أو الأصيل(2)، انتهى.

ولولا تعليله لأمكن أن يقال: بعد فرض إمكان خروج الملك عن ملك العاقد قبل دخوله فيه، لا يلزم اجتماع الثلاثة، كما يشعر به صدر كلامه، لكن تعليله صريح بخلاف ذلك.

وأنت خبير بما فيه؛ فإنّ إمكان التلقّي من أحدهما غير وقوعه، ولا إشكال

ص: 379


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 441.
2- - منية الطالب 2: 116.

في أنّ تلقّي الملك فعلاً من المجيز لا من مالكه الأصلي، فلزم على الفرض الاجتماع.

وأمّا ما قاله بعض أهل التحقيق قدّس سرّه في المقام: من أنّ ملك المشتري الأوّل له مقتضي الثبوت، وملك المالك الأصلي له مقتضي البقاء، وأمّا ملك الفضولي قبل العقد الثاني فليس له موجب.

نعم، الالتزام بعدم ملكه - لعدم موجبه - يوجب خروج مال المالك الأصلي قبل العقد الثاني قهراً عليه، فكون الفضولي لا بدّ من أن يكون مالكاً - لئلاّ يلزم المحذور المزبور - أمر، واجتماع ملاّك ثلاثة أمر آخر(1)، انتهى.

فلم يتّضح أنّه بصدد الإشكال على الشيخ، أو بيان أمر واقعي، فإن كان الأوّل فلا يظهر من الشيخ قدّس سرّه أنّه أراد أنّ الاجتماع لأجل حصول أسبابه، بل صريحه أنّ ملك العاقد لا بدّ منه، وإلاّ لغت إجازته من حين العقد(2)، فإشكاله أجنبيّ عن كلامه.

وإن كان الثاني ففيه: أنّ لزوم ملكية العاقد ليس لدفع هذا المحذور؛ ضرورة أنّ محذور خروج مال عن ملك صاحبه قهراً عليه، ليس أشدّ من دخول مال في ملك شخص بلا سبب وقهراً عليه، فلا يمكن دفع هذا المحذور بمحذور نحوه، والأمر سهل.

ص: 380


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 219.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 441.
الإشكال الخامس:

أنّه على الكشف يقع العقد الثاني على مال المشتري، فلا بدّ من إجازته حتّى يصحّ، فيلزم توقفّ صحّة إجازة العاقد على صحّة إجازة المشتري، وصحّة إجازة المشتري على صحّة إجازة العاقد، وهو دور محال.

ويلزم توقّف صحّة العقدين على إجازة المشتري غير الفضولي:

أمّا العقد الثاني: فواضح على الكشف.

وأمّا الأوّل: فلأنّه لولا هذه الإجازة لم يصحّ، فتوقّفت الصحّة عليها بالواسطة.

وهو من الأعاجيب، بل من المستحيل؛ لاستلزام ذلك عدم تملّك المالك الأصلي شيئاً من الثمن والمثمن، وتملّك المشتري الأوّل المبيع بلا عوض إن اتّحد الثمنان، ودون تمامه إن زاد الأوّل، ومع زيادة إن نقص؛ لانكشاف وقوعه في ملكه، فالثمن له، وقد كان المبيع له بما بذل من الثمن، وهو ظاهر(1).

والجواب: أنّ الميزان في تعدّد الاستدلال على مدّعىً واحد، هو كون كلّ دليل مستقلاًّ في الإثبات، فلو توقّفت تمامية دليل على تمامية دليل آخر، لا يعقل أن يكون دليلاً مستقلاًّ.

وفي المقام: لا يتمّ الدليل الخامس إلاّ بعد تمامية الدليل الرابع؛ أي عدم إمكان اجتماع المالكين على ملك واحد، فلو بنينا على جواز اجتماعهما، وكان

ص: 381


1- - مقابس الأنوار: 135 / السطر 1؛ اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 443.

ما وقع عليه العقد الأوّل ملكاً للمشتري بتمامه، وملكاً للمالك الأصلي بتمامه، لم يرد الإشكال الخامس؛ ضرورة أنّ المالك الأصلي مالك لتمامه، ولم يتصرّف إلاّ في ملكه، ولم ينقل ملك المشتري، بل صار المال بعد البيع بتمامه ملكاً للمجيز والمشتري.

وبعبارة اُخرى: إنّ مقتضى مملوكية شيء لشخصين - على أن يكون كلّ منهما مالكاً لتمامه مستقلاًّ - أنّ بيع كلّ واحد منهما ماله لا يحتاج إلى إجازة الآخر؛ لعدم تصرّفه في ملك الآخر، بل نقل تمام ماله، فصار ملكاً للمشتري بتمامه، وبقي ملك صاحبه على حاله.

غاية الأمر: كان الملك قبل البيع ملكاً للبائع والمالك الآخر، وبعده للمشتري والمالك الآخر، كما في المال المشترك.

نعم، لا يجوز التصرّف الخارجي إلاّ بإذن صاحبه؛ فإنّه وإن تصرّف في ملكه، لكنّه تصرّف في ملك الآخر أيضاً، ففرق بين التصرّف الخارجي والاعتباري، كما في الشريكين.

فتحصّل ممّا ذكر: أنّه لا تتوقّف صحّة المعاملة الثانية على إجازة المشتري، فيندفع الإشكال بحذافيره.

ثمّ إنّه لو أغمضنا عن ذلك، فتوقّف صحّة إجازة كلّ من شخصين على صحّة إجازة الآخر دور.

وقد يقال: بمنع الحاجة إلى إجازة المشتري الأوّل؛ لأنّ المفروض أنّ ملكيته حال العقد موقوفة على هذا البيع الثاني، ومثل هذه الملكية لا تقتضي نفوذ البيع برضاه؛ لأنّ المفروض أنّه فرع هذا التصرّف وناشئة من قبله، ونحن نسلّم أنّ

ص: 382

المال قبل البيع الثاني للمشتري الأوّل، لكنّه إنّما يكون له بشرط هذا البيع، ولولاه لما كان له، فلا يحتاج إلى إجازته(1).

وفيه: أنّه لو دلّ دليل بالخصوص على صحّة هذا البيع على الكشف، ودار الأمر بين الالتزام بالدور المحال، أو الالتزام بما ذكره، لا محيص عن الثاني.

ولكن لو اُريد البناء على الصحّة بالأدلّة العامّة، أو الدليل على مطلق الفضولي كشفاً، ففيما دار الأمر بين محال عقلي، وأمر مخالف لمقتضى المعاملات العقلائية - وهو خروج مال الغير عن ملكه بلا سبب وتصرّف منه - وبين بطلان المعاملة الكذائية، لا بدّ وأن يبنى على البطلان؛ إذ لولاه للزم أحد الباطلين، والالتزام بما ذكره بلا دلالة دليل باطل.

وقد يقال: إنّ الإشكال المذكور لا يرد على الانقلاب، حقيقياً كان أو اعتبارياً، والانقلاب في الملك لا يوجب الانقلاب في العقد، وليس العقد كالنماء؛ لأنّ النماء تابع للعين في الملكية، فانقلاب المتبوع يوجب انقلاب التابع، والعقد ليس كذلك(2)، وهو غير مرضيّ:

أمّا في الانقلاب الحقيقي، فكيف يمكن أن يكون الشيء الذي وقع عليه العقد ملكاً لشخص، ثمّ ينقلب من الأوّل إلى زمان الإجازة ملكاً لشخص آخر، مع أنّ العقد في ذلك الزمان على العين - التي هي ماله - لم يتعلّق بماله؟!

فلو فرض تكويناً انقلاب شيء ذي إضافة إلى شيء آخر، هل يصحّ بقاء

ص: 383


1- - حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 230.
2- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 221.

إضافته على حالها قبل الانقلاب، وهل هذا إلاّ الخلف؟! والانقلاب الاعتباري لا يقصر في هذا الأمر عن الحقيقي.

نعم، لو كان الانقلاب تعبّدياً، كان في السعة والضيق تابعاً للتعبّد.

وبالجملة: ليس معنى الانقلاب هو التغيير في الحال وما بعده، بل انقلاب الماضي بواقعيته عمّا هو عليه، ولازمه انقلاب جميع إضافاته وتبعاته.

ثمّ إنّه لو أغمضنا في أصل الإشكال عن الدور، فالظاهر عدم إشكال آخر، وعدم وقوع شيء عجيب؛ فإنّ الكشف إذا اقتضى كون المال من الأوّل للمشتري، فلا عجب في احتياجه إلى إجازته.

وكذا توقّف العقدين على إجازته لا عجب فيه، وكذا مالكية المشتري للثمن غير عجيب، بل العجب مقابلات ما ذكر.

نعم، هنا شيء عجيب، وهو خروج مال المالك الأصلي عن ملكه بلا تسبيب منه، وبمجرّد تصرّف شخص أجنبيّ، والقائل لم يذكر هذا العجيب، وذكر ما لا عجب فيه.

الإشكال السادس:

أنّ بيع المالك الأصلي فسخ للمعاملة الفضولية، فلا تجدي الإجازة المتأخّرة بعد الفسخ، فعقد الفضولي قبل الإجازة كسائر العقود الجائزة، بل أولى منها، فكما أنّ التصرّف المنافي مبطل لها، كذلك للعقد الفضولي(1).

ص: 384


1- - مقابس الأنوار: 135 / السطر 6؛ اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 444.

والجواب: مضافاً إلى ابتناء تمامية هذا الدليل على بعض الاُمور المتقدّمة، ومع الغضّ عنه لا يتمّ هذا، فلا يكون دليلاً مستقلاًّ.

فلو بنينا على جواز اجتماع المالكين على ملك واحد، وقلنا: بأنّ المشتري والمالك الأصلي بعد العقد الأوّل مالكان مستقلاّن، فلا وجه لكون نقل مالك ماله في بيع ردّاً لبيع آخر، صار لأجله شخص آخر مالكاً مستقلاًّ، فلا بدّ في تمامية هذا الدليل من البناء على عدم مالكيتهما معاً.

بل مقتضى الأمر الخامس أنّ العقد وقع على ملك المشتري الأوّل، فلا يعقل أن يكون البيع على ماله فضولاً - المبتني على صحّة العقد الأوّل فعلاً - موجباً لردّه.

أنّ الردّ في باب الفضولي يغاير الفسخ في باب العقود؛ فإنّ اعتبار الفسخ - عرفاً وعقلاً - بعد تمامية العقد بشرائطه.

فحينئذٍ لو قلنا: بأنّ العقد يتمّ بحصول شرطه في محلّه متأخّراً، فلا يعقل أن يكون البيع من المالك فسخاً؛ للزوم البيع الأوّل، وعدم خيار فسخ للمالك الأجنبيّ عن العقد الأوّل.

وإن قلنا: بأنّ تماميته موقوفة على عدم تعقّبه بالردّ، فلا يكون الردّ فسخاً؛ لعدم تسلّط المالك على فعل الغير، أي إنشائه، وعدم كون الإنشاء تصرّفاً، بل له أن يقبل وأن لا يقبل، نظير قبول القابل؛ فإنّ عدم قبوله أو ردّه للإيجاب، ليس فسخاً لفعل الموجب؛ أي إنشاء المعاوضة بين السلعة والثمن، لعدم تسلّطه على فعل الغير، وإنّما له السلطنة على فعل نفسه، فله قبول الإيجاب، وله عدم القبول، والردّ لا يفيد شيئاً زائداً على عدم القبول.

ص: 385

وبالجملة: لا دليل على سلطنة المالك على فسخ عقد الفضولي.

وما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه: من أنّ إنشاء الفسخ يبطل العقد من حينه إجماعاً، ولعموم تسلّط الناس على أموالهم بقطع علاقة الغير عنها (1)، قد مرّ سالفاً ما فيه(2).

فتحصّل ممّا ذكر: أنّ ردّ بيع الفضولي وإيقاع فسخه لا يوجبان انفساخه؛ لعدم الدليل عليه، لو لم نقل: إنّ الدليل على خلافه.

ولو سلّمنا كون الردّ فسخاً، وكون الفسخ موجباً للانفساخ في الفضولي، لا نسلّم ذلك في المقام؛ فإنّ المفروض أنّ العقد الأوّل وقع لنفسه على أن يكون العوض لنفسه إنشاءً.

فالمعاوضة الإنشائية من الموجب الأوّل هي إنشاء التبادل بين المالين على أن تخرج السلعة من ملكه، ويدخل الثمن في ملكه عوضاً، وبعد تصوّر هذا الإنشاء لا يكون للإنشاء والبيع الإنشائي مساس بالمالك حتّى يفسخه.

وما قيل: من أنّ العقد تبادل الإضافة الخاصّة بين المالين وصاحبهما، فحينئذٍ بعد بيع المالك لا تصحّ إجازته؛ لقطع علاقته عن المال، ولا إجازة المالك الجديد؛ لعدم إضافة بينه وبين المال حين العقد(3)، إن رجع إلى عدم صدق «البيع» على البيع لنفسه، فهو كما ترى.

وإن رجع إلى أنّ العقد وقع للمالك الأصلي، فهو خروج عن البحث والفرض.

ص: 386


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 445.
2- - تقدّم في الصفحة 301 - 308.
3- - منية الطالب 2: 119.

وإن رجع إلى أنّ البيع موجب للردّ، فقد عرفت ما فيه.

نعم، لو قلنا: بأنّ العقد الواقع على عين شخصية، لا يضرّ تقيّده أو تقيّدها باُمور وقوعه عليها لو تخلّفت القيود، فإذا باع المال الخارجي لنفسه، فأجاز المالك الأصلي صحّ؛ لأنّ العقد واقع على ملكه، والقيد لا يضرّ به.

فحينئذٍ لو فسخ العقد الواقع على ماله، وقلنا: بأنّ الفسخ يوجب الانفساخ، يمكن أن يقال: بعدم تفكيك في الفسخ؛ لكون العقد واحداً لا ينحلّ إلى عقدين، لكن قد عرفت الإشكال في المبنى(1).

ثمّ إنّ التحقيق ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه من الفرق بين الفسخ وإيجاد الفعل المنافي(2).

لكن بقي شيء، وهو أنّ ما أفاده: من أنّ بيع المالك لا يكون فسخاً، خصوصاً مع عدم التفاته إلى وقوع عقد الفضولي، إنّما يصحّ في غير المقام؛ أي فيما إذا باع الفضولي للمالك.

وأمّا إذا باع الفضولي لنفسه، وجاء إلى صاحب السلعة وحكى الواقعة: «بأ نّي بعت مالك لنفسي، وجئت لأن أشتري منك؛ لاُسلّمه إليه بعد الاشتراء» فباع منه لذلك، فلا شبهة في أنّ هذا الفعل ليس ردّاً، بل تثبيت وتأييد لبيعه، كما هو واضح.

فالأولى أن يقال: إنّ بيع المالك لا يكون فسخاً، خصوصاً مع التفاته إلى وقوع عقد الفضولي لنفسه.

ص: 387


1- - تقدّم في الصفحة 386.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 444.
الإشكال السابع:
إشارة

الأخبار(1)، وهي على طوائف:

الأخبار الناهية عن بيع ما ليس عندك

منها: ما عن النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «لا تبع ما ليس عندك» من غير طرقنا كرواية حكيم بن حزام(2).

وعنه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) من طرقنا: «نهى عن بيع ما ليس عندك»(3) وقد مرّ بعض الكلام فيه(4).

ونزيدك هاهنا: بأنّ الاحتمالات فيه كثيرة، مع قطع النظر عن صدر رواية حكيم وسائر القرائن، كاحتمال كون المراد بالموصول الأعيان الخارجية، أو الكلّي، أو الأعمّ.

واحتمال كون المراد ب-«ليس عندك» عدم كونه مملوكاً، أو تحت سلطته، أو الأعمّ.

ص: 388


1- - مقابس الأنوار: 135 / السطر 11؛ اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 446.
2- - المسند، أحمد بن حنبل 12: 129 / 15248؛ سنن أبي داود 2: 305 / 3503؛ سنن النسائي 7: 289؛ السنن الكبرى، البيهقي 5: 267.
3- - الفقيه 4: 4 / 1؛ تهذيب الأحكام 7: 230 / 1005؛ وسائل الشيعة 18: 47 - 48، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 7، الحديث 2 و5.
4- - تقدّم في الصفحة 192.

وكاحتمال أن يكون النهي للإرشاد إلى البطلان، أو للتحريم، أو التنزيه، أو الإرشاد بالنسبة إلى بعض مفاده، وللتنزيه بالنسبة إلى بعض.

والجمع بينهما لا مانع منه عقلاً، لا لأجل جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنىً واحد كما هو التحقيق(1)، بل لأنّ النهي والأمر لا يستعملان في جميع الموارد إلاّ في المعنى الحقيقي، وهو الزجر والبعث، ولا دلالة لشيء منهما على الحرمة والوجوب كما قرّرنا في محلّه(2)، وإنّما يستفاد الإرشاد وغيره منهما من المناسبات بين الموضوعات والأحكام.

مثلاً قوله تعالى: «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا...»(3) وقوله: «صلّ صلاة الظهر» لا يختلفان في استعمال هيئة الأمر في البعث الذي هو معناها حقيقة، وإنّما يستفاد عرفاً من الأوّل الشرطية؛ بمناسبة مغروسة في ذهنه، ومن الثاني الوجوب؛ لكون الوضوء شيئاً اُمر به لغيره، والصلاة اُمر بها لا كذلك.

ففهمُ الإرشاد إلى الشرطية من الأوّل، والوجوب من الثاني، ليس لأجل الدلالة اللغوية، أو استعمال اللفظ في الإرشاد أو الوجوب.

وكذا «لا تصلّ في وبر ما لا يؤكل...» و«لا تشرب الخمر» والأشباه والنظائر، فاستعمال اللفظ في جميع الموارد استعمال فيما وضع له.

ففي المقام: استعملت ألفاظ «لاتبع ما ليس عندك» في معانيها الحقيقية، ولولا القرائن الخارجية، لكان المستفاد منه بطلان بيع ما ليس عندك، كلّياً كان المبيع،

ص: 389


1- - مناهج الوصول 1: 131.
2- - مناهج الوصول 1: 86 و188 و198، و2: 90؛ وتقدّم في الجزء الأوّل: 88 - 89.
3- المائدة (5): 6.

أم جزئياً؛ لاستفادة ذلك من تعلّق النهي بالبيع الذي يتوقّع منه السببية في النقل.

فاللفظ استعمل في الزجر، وبتلك المناسبة يستفاد منه الإرشاد إلى البطلان بحسب الجدّ، فلو قامت قرينة على عدم الإرشاد بالنسبة إلى الكلّيات، يقيّد الإطلاق إن لم يكن محذور التقييد البشع؛ لندرة بيع الأعيان كذلك.

ولو فرضت الندرة والمحذور في التقييد، يمكن حمل النهي في غير الأعيان على التنزيه، لا لاستعماله فيه وفي الإرشاد، بل لاستفادتهما بالمناسبة والقرينة.

وتوهّم: جعل المتكلّم المعنى المستعمل فيه كناية عن الإرشاد، ولا يجمع بين المعنى الكنائي والحقيقي، غير وجيه؛ فإنّ الإرشاد يستفاد من تعلّق النهي بالسبب، ومعه لا معنى لجعل المعنى كناية أو آلة، أو ما شئت فسمّه.

وهذا - بوجه - نظير فهم لازم المعنى؛ فإنّ اللازم مستفاد من الكلام، سواء أراد المتكلّم إفادته أو لا.

ففي المقام أيضاً يستفاد الإرشاد من النهي، لكن لو نصب قرينة على عدمه - ولو منفصلة - كانت متّبعة، فالتفرقة بين الموردين من الإطلاق إنّما هي في الجدّ لا الاستعمال، فلا مانع منها عقلاً لو فرض عدم صحّة استعمال اللفظ في معنيين، أو في المعنى الكنائي والحقيقي.

ثمّ إنّ الدلالة على المقصود إنّما هي على بعض احتمالاته، لا جميعها كما هو واضح، هذا بحسب مقام الاحتمال.

وأمّا بحسب مقام الاستظهار - مع الغضّ عن صدر رواية حكيم(1) وسائر

ص: 390


1- - تقدّم في الصفحة 388.

القرائن - فالظاهر هو النهي عن بيع الأعيان؛ لأنّ الظاهر أنّ ما تعلّق به النهي هو بيع ما لم يكن عنده، وفي بيع الكلّيات يتعلّق البيع بالكلّي، ولا يتّصف ذلك بكونه عنده أو ليس عنده، بل مصاديقه الخارجية كذلك.

ولو قال: «بعت منّاً من الحنطة، ولم يكن عندي» فلا يخلو من مسامحة؛ فإنّ المصداق لم يتعلّق به البيع، وما لم يكن عنده هو المصداق لا الكلّي.

كما أنّ الظاهر من قوله: «لم يكن عندي» هو الخروج عن تحت يده، وإرادة عدم المملوكية منه تحتاج إلى تأوّل ومسامحة.

فتحصّل من ذلك: أنّ الظاهر هو النهي عن بيع مملوك خارجي لم يكن تحت سلطته، فيدلّ على اشتراط القدرة على التسليم عند البيع أو عند وقت التسليم.

هذا، لكنّ الشائع في الروايات استعمال «بيع ما ليس عندي» أو «عندك» في الكلّيات غير المملوكة، فراجع «الوسائل» الباب السابع والثامن من أحكام العقود(1)، يظهر منها أنّ الخلاف بين العامّة والخاصّة في بيع الكلّي حالاًّ إذا لم يكن عنده، كان معهوداً، ومعه لا يبقى اعتماد على ذلك الظاهر الابتدائي، خصوصاً مع عدم معهودية بيع مال الغير لنفسه، ثمّ الاشتراء كما هو مفروض المقام.

فالظاهر أنّ تلك الروايات الضعيفة إمّا مختلقة، أو محمولة على التقيّة على فرض الصدور.

ص: 391


1- - راجع وسائل الشيعة 18: 46 - 53، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 7 - 8.
الإشكال بروايات «لا بيع إلاّ فيما تملك»

ومنها: الروايات الواردة في «عوالي اللآلي» عن النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «لا بيع إلاّ فيما تملك»(1).

وعنه (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «لا طلاق إلاّ فيما تملك، ولا عتق إلاّ فيما تملك، ولا بيع إلاّ فيما تملك»(2) وقد تقدّم الكلام فيه(3).

ونزيدك هاهنا: أنّه بعد ما عرفت من أنّ نفي البيع من قبيل الحقائق الادّعائية ولو فرض أنّ الادّعاء بلحاظ جميع الآثار، فيمكن أن يدّعى أنّ بيع الفضولي خارج عن مصبّها إذا باع لصاحب المال.

كما أنّ بيع الوكيل والمأذون خارجان، مع كون البائع - أي منشئ البيع - غير المالك؛ وذلك لأنّ البيع للمالك، فإذا أجاز صحّ أن يقال: «إنّ البيع فيما تملك».

بل المتفاهم منها أنّ المنفيّ هو بيع غير المالك لنفسه، كبيع السارق والغاصب، ويدخل فيه ما نحن فيه؛ فإنّ المفروض أنّ البيع لنفسه برجاء الاشتراء والتسليم، لا لصاحبه، فيشمله النفي.

فلو باع الغاصب والسارق وغيرهما المبيع لنفسه، كان داخلاً في النفي، فإذا ملك فأجاز لا يصحّ؛ لعدم بيع بحسب الادّعاء حتّى تلحقه الإجازة،

ص: 392


1- - عوالي اللآلي 2: 247 / 16؛ مستدرك الوسائل 13: 230، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 1، الحديث 3.
2- - عوالي اللآلي 3: 205 / 37؛ مستدرك الوسائل 15: 293، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب 12، الحديث 5؛ سنن أبي داود 1: 665 / 2190.
3- - تقدّم في الصفحة 195.

ففي حال صدور البيع نفيت ماهيته ادّعاءً، وفي حال التملّك لا يكون بيع وعقد جديد.

ومنها: روايات خاصّة، وهي كثيرة:

الإشكال برواية خالد بن الحجّاج

منها: رواية خالد بن الحجّاج قال: قلت لأبي عبداللّه (عليه السّلام): الرجل يجيء فيقول: «اشتر هذا الثوب واُربحك كذا وكذا».

قال: «أليس إن شاء ترك، وإن شاء أخذ؟».

قلت: بلى.

قال: «لا بأس به، إنّما يحلّل الكلام، ويحرّم الكلام»(1).

بدعوى أنّ قوله (عليه السّلام): «إن شاء ترك...» إلى آخره، كناية عن عدم تحقّق بيع ملزم عرفاً، وفي مقابله ما إذا سلب الاختيار منه، والمراد به تحقّق البيع الذي هو ملزم عرفاً، فتدلّ على أنّ بيع ما ليس عنده باطل(2).

وفيه: أنّ الظاهر من السؤال هو الأمر باشتراء ثوب خاصّ وإعطاء ربح، وفيه احتمالات، كان الاستفصال لأجلها، كاحتمال أنّ الأمر بالاشتراء للآمر، وإعطاء الثمن من الدلاّل: إمّا بالاشتراء بثمن كلّي على الآمر، وأداء دينه بأمره قرضاً

ص: 393


1- - الكافي 5: 201 / 6؛ تهذيب الأحكام 7: 50 / 216؛ وسائل الشيعة 18: 50، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 8، الحديث 4، وفيه: «إنّما يحلّ الكلام ويحرّم الكلام».
2- - راجع ما تقدّم في الجزء الأوّل: 220.

عليه، أو بالاشتراء بثمن شخصي بعد الاقتراض له بواسطة أمره، والاحتمال الأوّل أقرب.

وكاحتمال أنّ الأمر بالاشتراء للدلاّل ليشتري منه الآمر.

ومعلوم أنّه على الاحتمال الأوّل يحرم الربح؛ لأنّه رباً محرّم.

وعلى الاحتمال الأخير يكون البيع الثاني بيع مرابحة، وهو صحيح، والربح حلال.

فقوله (عليه السّلام): «أليس إن شاء ترك» استفصال عن أنّ البيع كان للآمر بأمره، فحينئذٍ ليس له الاختيار في الترك والأخذ، بل لا بدّ له من الأخذ، أو كان للدلاّل، فللآمر أن يأخذ ويترك.

فأجاب: بأنّ له ذلك؛ أي كان البيع للدلاّل.

فأجاب (عليه السّلام): بأنه «لا بأس به...».

وهنا احتمال آخر، وهو أنّ البيع للدلاّل، لكن لمّا أمره بالاشتراء ووعده بالربح، ألزمه الدلاّل بالاشتراء منه وإعطاء الربح، فكان البيع مكرهاً عليه باطلاً، وحرم الربح.

أمّا الاحتمال المتقدّم الذي يكون به محطّ الاستدلال، ففي غاية البعد والسقوط؛ لعدم شاهد له فيها، إلاّ أن يراد بالاشتراء البيع، وبالترك والأخذ الردّ والقبول، ولمّا كان ذلك في الأصيل، يكون كنايةً عن بطلان البيع رأساً ودليلاً على حلّية الربح في المعاملة بعد التملّك، وهو كما ترى.

ولو سلّم ذلك، لكن دلالتها في هذا الاحتمال على بطلان البيع قبل التملّك، تبتني على أن يكون المراد بقوله: «اُربحك كذا وكذا» هو الإرباح في البيع منه

ص: 394

بأكثر من قيمته السوقية؛ لتكون الزيادة ربحاً.

مثلاً: اشترى من الدلاّل الثوب الخاصّ بعشرين، مع كون قيمته في السوق عشرة، فاشترى الدلاّل بعشرة من كيسه فسلّم إليه، فأخذ العشرين بعد وجدانه، ففي هذا الفرض لو أجاب: بحرمة الربح، لم يكن لها وجه إلاّ بطلان البيع الأوّل، وعدم صحّة لحوق الإجازة به.

لكن هذا الاحتمال بعيد؛ لأنّ الظاهر - مع الغضّ عمّا تقدّم - هو أنّ الإرباح بعد اشتراء الدلاّل، وعليه تكون حرمة الربح لأجل الربا، لا لبطلان البيع الأوّل، فلو اشترى من الدلاّل ثوباً معيّناً بعشرة، واشترى من السوق بعشرة من كيسه، ثمّ ردّ إليه وطالب بالربح، كان الربح لأجل تأخير ثمنه، وهو رباً، فالحكم بحرمة الربح التي هي محطّ السؤال لا يلازم بطلان البيع.

فتحصّل من جميع ذلك: أنّ الدلالة على البطلان تبتني على خلاف ظاهر في خلاف ظاهر.

ثمّ إنّه قد مرّ في المعاطاة شطر حول قوله (عليه السّلام): «إنّما يحلّل الكلام، ويحرّم الكلام»(1).

ونزيدك هاهنا: أنّ الأقرب بحسب ظاهر الرواية على ما تقدّم، أنّ البيع الثاني - أي بيع الدلاّل ما اشترى لنفسه من الآمر - محلّل للربح؛ فإنّه بيع مرابحة، أي أنّ البيع يوجب الربح، لا تأخير الثمن.

والظاهر أنّ المراد اندراج المقام في قوله (عليه السّلام): «إنّما يحلّل الكلام» لا فيه

ص: 395


1- - تقدّم في الجزء الأوّل: 216.

وفي قوله (عليه السّلام): «ويحرّم» فلا حاجة إلى التوجيه بما ذكرنا سابقاً، ولا بما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه (1) ممّا هو بعيد بجميع احتمالاته، والأمر سهل.

والظاهر أنّ صحيحة معاوية بن عمّار(2) أيضاً كرواية خالد بن الحجّاج، وأنّ الاستفصال فيها لأجل العلم بأنّه اشترى المتاع للآمر، فيكون الربح حراماً، أم اشتراه لنفسه، فيكون تحصيل الربح لا محالة ببيع المرابحة، فيكون حلالاً، ولعلّها أظهر فيما ذكر من رواية خالد، فراجعها.

الإشكال بصحيحة يحيى بن الحجّاج

ومنها: صحيحة يحيى بن الحجّاج قال: سألت أبا عبداللّه (عليه السّلام) عن رجل قال لي: «اشتر هذا الثوب وهذه الدابّة وبعنيها، اُربحك فيها كذا وكذا».

قال: «لا بأس بذلك، اشترها ولا تواجبه البيع قبل أن تستوجبها أو تشتريها»(3).

ص: 396


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 448.
2- - وهي ما عن معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السّلام يجيئني الرجل يطلب بيع الحرير وليس عندي منه شيء، فيقاولني عليه واُقاوله في الربح والأجل حتّى نجتمع على شيء، ثمّ أذهب فأشتري له الحرير فأدعوه إليه. فقال: «أرأيت إن وجد بيعاً هو أحبّ إليه ممّا عندك أيستطيع أن ينصرف إليه ويدعك، أو وجدت أنت ذلك أتستطيع أن تنصرف إليه وتدعه؟» قلت: نعم، قال: «فلا بأس». الكافي 5: 200 / 5؛ الفقيه 3: 179 / 809؛ تهذيب الأحكام 7: 50 / 219؛ وسائل الشيعة 18: 50، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 8، الحديث 7.
3- - الكافي 5: 198 / 6؛ تهذيب الأحكام 7: 58 / 250؛ وسائل الشيعة 18: 52، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 8، الحديث 13.

بدعوى: أنّ النهي المتعلّق ببيع ما لا يملكه إرشاد إلى البطلان(1).

وفيه: أنّ الظاهر أنّ السؤال إنّما هو عن الربح وحلّيته، لا عن اشتراء شيء وبيعه؛ فإنّ مجرّد الأمر باشتراء شيء من شخص، ثمّ بيعه من الآمر، لا شبهة فيه، ولا يوجب السؤال، فالسؤال عن حلّية الربح وحرمته.

ووجه الشبهة: أنّ الاشتراء بزيادة لأجل تأخير ثمنه، ولعلّ ذلك كالربا.

والظاهر أنّ الجواب والنهي عن البيع قبل تملّكه مناسب لسؤاله:

أمّا الجواب فظاهر؛ فإنّ البيع الثاني بيع مرابحة، ولا بأس به.

وأمّا النهي عن البيع؛ فلأنّ البيع موجب لتملّك الثمن ولو بعد الاشتراء، أو تسليم المبيع الذي هو إجازة فعلية، فحينئذٍ يكون الربح لأجل تأخير الثمن.

فلو باع الدابّة الخاصّة بمائة، ولم يأخذ منه، واشتراها من صاحبها بثمنه، وردّه إلى المشتري الأوّل فطالب بالربح، كان الربح لأجل تأخير ثمنه الذي اشترى به الدابّة، وهو محرّم؛ لكونه رباً.

فحينئذٍ لو ادّعى أحد أنّ الرواية دالّة على صحّة البيع لم يكن ببعيد، ولا أقلّ من عدم الدلالة على الفساد.

وبالجملة: النهي ليس للإرشاد إلى البطلان، بل للإرشاد إلى التخلّص عن الربا.

نعم، لو فرض أنّ البيع الأوّل كان بيع مرابحة، فجعلا الربح المنظور، فيه؛ بأن باع منه شيئاً بعشرين نسيئة، مع كون قيمته عشرة، ثمّ اشترى ذلك الشيء

ص: 397


1- - اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 451.

بعشرة وسلّمها إليه، تخلّص عن الربا.

لكنّ الظاهر من السؤال أنّ الربح بعد الشراء، فيكون النهي للإرشاد إلى التخلّص.

الإشكال بروايات ظاهرة في بيع الكلّي

ومنها: روايات اُخر كلّها ظاهرة في بيع الكلّي، أو أعمّ منه ومن الشخصي، كصحيحة منصور بن حازم، عن أبي عبداللّه (عليه السّلام): في رجل أمر رجلاً يشتري له متاعاً فيشتريه منه.

قال: «لا بأس بذلك، إنّما البيع بعد ما يشتريه»(1).

وقريب منها صحيحة محمّد بن مسلم(2) وكصحيحة معاوية بن عمّار(3).

ولا يخفى: أنّ تلك الروايات - سؤالاً وجواباً - كالرواية السابقة، ليست الشبهة فيها في نفس البيع والشراء، بل في الربح الآتي منهما:

أمّا صحيحة [ابن] عمّار وما هي بمضمونها فواضح.

وأمّا صحيحة منصور فكذلك أيضاً؛ ضرورة أنّ الأمر بأن يشتري له ليشتري منه، لا يكون إلاّ مع قرار الربح، فالدلاّل لا يعمل إلاّ للربح، فالسؤال عنه،

ص: 398


1- - تهذيب الأحكام 7: 50 / 218؛ وسائل الشيعة 18: 50، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 8، الحديث 6.
2- - تهذيب الأحكام 7: 51 / 220؛ وسائل الشيعة 18: 51، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 8، الحديث 8.
3- - تقدّم في الصفحة 396، الهامش 2.

ولم يذكر لمعلومية ذلك بحسب التداول.

فحمل تلك الروايات على بيع الأعيان الشخصية(1) - كحملها على التنزيه(2) - خروج عن الصواب، بل النهي للإرشاد إلى التخلّص من الربا، ولا فرق في ذلك بين بيع الأعيان أو الكلّيات، كما لا يخفى.

وعلى ما ذكرنا: فلا دلالة فيها على بطلان بيع ما لا يملكه لولا الدلالة على الصحّة.

المسائل التي لا ينبغي الخلط بينها

وبالجملة: هنا مسائل:

مسألة بيع ما ليس عنده، وفيها روايات عامّة قد مرّت(3)، وروايات خاصّة، كصحيحة عبدالرحمان بن الحجّاج قال:

سألت أبا عبداللّه (عليه السّلام) عن الرجل يشتري الطعام من الرجل ليس عنده، فيشتري منه حالاًّ.

قال: «ليس به بأس».

قلت: إنّهم يفسدونه عندنا.

قال: «وأيّ شيء يقولون في السلم؟».

ص: 399


1- - حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 235.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 453؛ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 230.
3- - تقدّم في الصفحة 388 و392.

قلت: لا يرون به بأساً، يقولون: «هذا إلى أجل، فإذا كان إلى غير أجل وليس عند صاحبه فلا يصلح».

فقال: «فإذا لم يكن إلى أجل كان أجود» ثمّ قال: «لا بأس بأن يشتري الطعام - وليس هو عند صاحبه - حالاًّ وإلى أجل»(1).

وهذه المسألة كانت مورد خلاف بين العامّة والخاصّة(2)، ولولا بعض القرائن في الرواية التي توجب ظهورها في الكلّيات، لم استبعد استفادة صحّة بيع الأعيان الشخصية التي ليست عنده من قوله (عليه السّلام): «لا بأس بأن يشتري الطعام...» إلى آخره، فإنّه بمنزلة كبرى كلّية ألقاها لإفادة صحّة بيع ما ليس عنده، وإطلاقه يقتضي التعميم في الكلّيات والأعيان.

إلاّ أن يقال: إنّ قوله (عليه السّلام): «حالاًّ وإلى أجل» ظاهر في الكلّي.

ويمكن استفادة التعميم من ذيل صحيحة عبدالرحمان بن الحجّاج، وهو قوله (عليه السّلام): «إنّ أبي كان يقول: لا بأس ببيع كلّ متاع كنت تجده في الوقت الذي بعته فيه»(3).

ومسألة المساومة على الربح والأجل، والأمر بالاشتراء بثمنه؛ ليشتري منه

ص: 400


1- - الفقيه 3: 179 / 811؛ تهذيب الأحكام 7: 49 / 211؛ وسائل الشيعة 18: 46، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 7، الحديث 1.
2- - تذكرة الفقهاء 10: 16؛ إيضاح الفوائد 1: 419؛ الدروس الشرعية 3: 193؛ مقابس الأنوار: 134 / السطر11؛ المغني، ابن قدامة 4: 274 / السطر 29.
3- - الكافي 5: 200 / 4؛ وسائل الشيعة 18: 47، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 7، الحديث 3.

بأكثر إلى أجل، وفيها روايات تقدّم بعضها (1)، وكان المقصود - كما يظهر من السؤال - تحصيل متاع كلّي أو جزئي، ولمّا لم يكن عنده الثمن، أمر غيره ليشتري له ويبيع مرابحة إلى أجل.

ومسألة ثالثة: هي تحصيل نقد بربح، يحتال فيه ببيع شيء بثمن نقداً، وشرائه نسيئة بأكثر منه، وفيها أيضاً روايات دالّة على الجواز إذا لم يشترط ذلك، وفي بعض الروايات المنع عنه؛ للزوم الربا، كرواية يونس الشيباني(2)، ولا ينبغي الخلط بينها.

تأييد الشيخ قدّس سرّه البطلان برواية الحسن بن زياد

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه، أيّد المنع عن بيع ما لا يملكه برواية الحسن بن زياد الطائي قال: قلت لأبي عبداللّه (عليه السّلام): إنّي كنت رجلاً مملوكاً، فتزوّجت بغير إذن مولاي، ثمّ أعتقني اللّه بعد، فاُجدّد النكاح؟

قال: فقال: «علموا أنّك تزوّجت؟».

قلت: نعم، قد علموا وسكتوا، ولم يقولوا لي شيئاً.

قال: «ذلك إقرار منهم، أنت على نكاحك»(3).

بدعوى أنّها ظاهرة - بل صريحة - في أنّ علّة البقاء بعد العتق على ما فعله

ص: 401


1- تقدّم في الصفحة 393 - 399.
2- - تهذيب الأحكام 7: 19 / 82؛ وسائل الشيعة 18: 42، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 5، الحديث 5.
3- - الفقيه 3: 283 / 1350؛ تهذيب الأحكام 7: 343 / 1406؛ وسائل الشيعة 21: 118، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد والإماء، الباب 26، الحديث 3.

بغير إذن مولاه، هو إقراره المستفاد من سكوته، فلو كان صيرورته حرّاً مالكاً لنفسه مسوّغة للبقاء مع إجازته أو بدونها، لم يحتج إلى الاستفصال عن أنّ المولى سكت أم لا؛ للزوم العقد على كلّ تقدير(1).

وفيه: أنّ الاستفصال يمكن أن يكون لرفع احتمال ردّ الموالي العقد، ويمكن أن يكون لأجل أنّه لو لم يعلموا به صحّ العقد من حين العتق أو الإجازة، بناءً على النقل لا الكشف، بخلاف ما لو علموا وسكتوا، فلا يصحّ التأييد بها.

تأييد الصحّة بصحيحة معاوية بن وهب

بل يمكن تأييد الصحّة بذيل صحيحة معاوية بن وهب، الواردة في ذلك الباب، عن أبي عبداللّه (عليه السّلام) في حديث المكاتب قال: «لا يصلح له أن يحدث في ماله إلاّ الأكلة من الطعام، ونكاحه فاسد مردود».

قيل: فإنّ سيّده علم بنكاحه، ولم يقل شيئاً.

فقال: «إذا صمت حين يعلم ذلك فقد أقرّ».

قيل: فإنّ المكاتب عتق، أفترى يجدّد نكاحه، أم يمضي على نكاحه الأوّل؟

قال: «يمضي على نكاحه»(2).

بأن يقال: إنّ قوله: فإنّ المكاتب عتق، سؤال عن أنّ المكاتب إذا تزوّج بغير إذن سيّده ثمّ عتق، فأجاب (عليه السّلام): بالمضيّ على نكاحه، فيدلّ على أمرين:

ص: 402


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 454.
2- - الكافي 5: 478 / 6؛ الفقيه 3: 76 / 271؛ تهذيب الأحكام 8: 269 / 978؛ وسائل الشيعة 21: 117، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد والإماء، الباب 26، الحديث 2.

أحدهما: أنّ نكاحه بعد العتق صحيح.

وثانيهما: أنّه لا يحتاج إلى الإجازة.

واحتمال أن يكون السؤال عن أنّ المكاتب الذي أقرّ سيّده نكاحه، إذا عتق فهل يجدّد النكاح؟ بعيد غايته؛ لعدم احتمال أنّ العتق أحد أسباب انفصال الزوجية كالطلاق.

بيان مورد الروايات المانعة

ثمّ إنّه على فرض دلالة الروايات على المنع، فهل يجب الاقتصار على موردها، وأنّ موردها ما لو باع البائع لنفسه، واشترى المشتري غير مترقّب لإجازة المالك، ولا لإجازة البائع إذا صار مالكاً، كما أفاده الشيخ قدّس سرّه (1)، مستفيداً من كلام العلاّمة قدّس سرّه (2)؟

أقول: الظاهر أنّ مورد الروايات هو ما إذا ترقّب المشتري إجازة البائع إذا ملك، فإنّه بعد وضوح الواقعة عند البائع والمشتري - بأنّه يبيعه الدابّة الخاصّة التي لغيره؛ ليشتريها من صاحبها ويسلّمها إليه - فلا محالة يكون المشتري مترقّباً لاشتراء البائع وتسليمها إيّاه.

ولا شبهة في أنّ هذا التسليم إجازة عملية للبائع، كما لا شبهة في أنّ البائع والمشتري عالمان بأنّ الدابّة لم تصر ملكاً للمشتري بمجرّد العقد.

نعم، يحتمل أن تكون ملكاً له بالشراء، لكن مورد الرواية هو الترقّب للتسليم.

ص: 403


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 454.
2- - تذكرة الفقهاء 10: 16.

كما أنّ الظاهر إلغاء الخصوصية عن المورد عرفاً؛ فإنّ العرف يرى أنّ النهي عن مال الغير الذي لا يملكه، إنّما هو لأجل أنّ غير المالك لا يجوز له بيع ماله لنفسه، من غير خصوصية للبائع، فكما لا يصحّ بيع مال الغير لنفسه، لا يصحّ بيع ماله لشخص آخر.

فلو باع لثالث فأجاز بعد تملّكه، يفهم من الروايات - على الفرض المتقدّم - البطلان.

ولو باع لمالكه فلا شبهة في خروجه عن الروايات، فهل تصحّ إجازة البائع إذا ملكه؟

الظاهر عدم الصحّة؛ لعدم توافق المنشأ للمجاز.

ولا يأتي فيه ما ذكرناه في تصحيح بيع الغاصب لنفسه: من أنّ الإنشاء تعلّق بالجزئي الخارجي، والتقييد بكونه لنفسه لا يوجب عدم التعلّق به، فمع إجازة المالك يلغو القيد، نظير بيع الأعيان الخارجية موصوفة بصفة(1)، لأنّه في المقام كان البيع للمالك الخاصّ، ومع إلغاء القيد لا يبقى إنشاء قابل للإجازة؛ ضرورة أنّه مع إلغاء القيد لا تصير النتيجة التعلّق بمقيّد آخر.

نعم، لو قلنا: بأنّ البيع نفس المبادلة بلا قيد وبنحو الإبهام، صحّ بالإجازة، لكنّ المبنى باطل كما تقدّم(2).

ومن هذا يتّضح: أنّ بيعه لمالكه ولنفسه ولثالث يصحّ بإجازة مالكه على التوجيه المتقدّم، ولو باع لنفسه لم يصحّ بإجازة الثالث، وكذا العكس.

ص: 404


1- - تقدّم في الصفحة 214 و363.
2- - تقدّم في الجزء الأوّل: 16 و18.

ولو لم يجز البائع بعد تملّكه فالظاهر صحّة بيعه، سواء دخل تحت الأخبار المتقدّمة أم لا؛ لما عرفت من أنّها لا تدلّ على بطلان البيع.

نعم، يقع الكلام هاهنا في مقامين:

الأوّل: في أنّه هل يحتاج بيعه بعد تملّكه إلى الإجازة، أم ينتقل المبيع إلى المشتري بمجرّد تملّكه؟

الثاني: في وجوب الإجازة عليه لو قلنا: باحتياجه إليها.

حول اعتبار الإجازة بعد تملّك البائع في المقام
الأشبه بالقواعد عدم الاحتياج

الأشبه بالقواعد عدم الاحتياج؛ لأنّ إنشاء البيع صدر من البائع لنفسه، وعدم التأثير إنّما هو من جهة عدم الملك، فإذا حصل دخل في عموم «أَوْفُوا بِالعُقُودِ»(1) وسائر الأدلّة العامّة.

وإنّما الشكّ في عدم الانتقال؛ لأجل الشكّ في اعتبار مقارنة الملكية لإنشاء البيع، وهو محصّل ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه من أنّ البائع بعد ما صار مالكاً، لم تطب نفسه بكون ماله للمشتري الأوّل، والتزامه قبل تملّكه بكون هذا المال المعيّن للمشتري، ليس التزاماً إلاّ بكون مال غيره له(2).

وهو يرجع إلى اعتبار أمر زائد على ماهية العقد بشرائطه، وهو مالكية المنشئ للعقد لنفسه حال العقد، ومعلوم أنّ اعتبار ذلك ليس متيقّناً، بل مشكوك فيه، فيندفع بإطلاق الأدلّة كسائر الشكوك.

ص: 405


1- المائدة (5): 1.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 457.

وهذا بوجه نظير ما إذا باع الراهن العين المرهونة، أو باع السفيه العين التي هي مورد حجره، ثمّ ارتفع المانع، فإنّهما أيضاً لا يحتاجان إلى الإجازة، بل يصحّان بمجرّد رفع الحجر، واحتمال مقارنة الإنشاء مع عدم المانع، يدفع بالإطلاق.

حول كلام الشيخ قدّس سرّه في المقام

وعلى ما ذكر يسقط ما أفاده الشيخ قدّس سرّه في المقام: من التمسّك بقاعدة السلطنة، وعدم الحلّ إلاّ بطيب النفس(1)، فإنّ المعاملة التي أوجد البائع سببها باختياره وطيب نفسه، لم يكن النقل فيها بعد حصول الشرط - أعني المالكية - مخالفاً لقاعدة السلطنة وغيرها، نظير الأصيل في الفضولي من أحد الطرفين إذا أوجد سبب البيع باختياره وطيب نفسه، ثمّ أجاز المالك، وانتقل الثمن أو المثمن من الأصيل حال إجازة غيره، فإنّه لم يكن هذا الانتقال - بعد إيجاده أحد جزئي السبب - مخالفاً لقاعدة السلطنة واحترام مال الغير.

وإن شئت قلت: إنّ القاعدتين مؤكّدتان للصحّة، لا معارضتان لها؛ فإنّ الانتقال لم يكن قهراً على البائع، بل بتسبيب منه، ومعلوم أنّ أسباب النقل بأجمعها ليست تحت اختيار أحد المتعاملين في المعاملات.

وممّا ذكرناه يتّضح: أنّ دعوى معارضة القاعدتين لدليل وجوب الوفاء(2) ليست متّجهة.

ص: 406


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 457.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 418.

ثمّ إنّه لو شككنا في شمول «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» لمثل ذلك البيع، لا يصحّ التمسّك بالقاعدتين؛ لاحتمال خروج المال بواسطته عن ملكه، فصارت الشبهة موضوعية، أو كالموضوعية، فإنّ حصول الملك للبائع الأوّل عند الاشتراء وإن كان معلوماً، ولكن مع احتمال كون الانتقال بتسبيب منه غير مخالف للقاعدتين كما مرّ(1) لا يصحّ التمسّك بهما إلاّ بعد إحراز الموضوع.

نعم، يمكن إحرازه باستصحاب ملكهما، فحينئذٍ لا يصحّ البيع إلاّ بإجازته للقاعدتين.

ومع الغضّ عن ذلك، لا يصحّ التمسّك بالاستصحاب لإثبات كون إجازة المالك مؤثّرة في النقل، بناءً على أنّ السبب هو العقد المتعقّب أو المتقيّد بالإجازة أو العقد بسببيتها؛ فإنّ إحراز تلك العناوين بالأصل مثبت، إلاّ أن يكون الموضوع للنقل أو السبب له مركّباً من العقد والإجازة، وكان الحكم الشرعي مترتّباً على العقد وإجازة المالك، فيحرز بالوجدان والأصل، مع الغضّ عن الإشكال في الموضوع المركّب.

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه بعد فرض أنّ مقتضى عموم وجوب الوفاء بالعقود على كلّ عاقد، هو اللزوم على البائع بمجرّد الانتقال إليه، وإن كان قبله أجنبيّاً لا حكم لوفائه ونقضه، ضعّفه بأنّ البائع غير مأمور بالوفاء قبل الملك، فيستصحب، والمقام مقام استصحاب حكم الخاصّ، لا مقام الرجوع إلى حكم العامّ، ثمّ أمر بالتأمّل(2).

ص: 407


1- - تقدّم في الصفحة 406.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 457 - 458.

وهذا بظاهره واضح الإشكال؛ ضرورة أنّه من قبيل التخصّص لا التخصيص.

لكن يمكن توجيهه: بأنّ مقتضى عموم وجوب الوفاء، هو اللزوم بالنسبة إلى هذا الشخص الذي باع ملك الغير لنفسه، فيجب عليه الابتياع من الغير، والردّ إلى المشتري وإن لم يكن ملكاً له، كما مرّ منه نظيره في بيع الفضولي بالنسبة إلى الأصيل: من أنّ مقتضى وجوب الوفاء بالعقد هو اللزوم بالنسبة إليه، فلا يصحّ الفسخ منه، وإن صحّ الردّ من المالك الأصلي(1).

فيكون حاصل مراده: أنّ هذا العقد الصادر من البائع، لمّا كان عقداً لنفسه، يجب عليه الوفاء من أوّل الأمر، فيجب عليه الاشتراء، وينتقل منه بمجرّده.

لكن لا إشكال في خروج قطعة من الزمان عن لزوم الوفاء، وهو حال عدم كونه مالكاً؛ بإجماع أو تسلّم، فكان المقام من موارد اختلافهم في التمسّك باستصحاب حكم المخصّص، أو بالعموم، أو إطلاق العامّ.

وهذا التوجيه وإن كان مخالفاً لظاهر كلامه بدواً، لكنّه أولى من توهّم عدم تفريقه بين التخصيص والتخصّص، وتقديم أصالة عدم النقل على القواعد الاجتهادية.

ولعلّ أمره بالتأمّل(2) لإنكار شمول العامّ لما قبل الملك، فيكون من قبيل التخصّص لا تخصيص العامّ، وهذا أمر يجب البحث عنه في مجال أوسع.

ولقائل أن يدّعي إطلاق دليل وجوب الوفاء والشرط لما قبل الملك، فيجب

ص: 408


1- - المكاسب،ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 414 - 415.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 458.

عليه الاشتراء للعمل بمضمون العقد، وكذا لو باع ما لا يملكه أحد، كطير معيّن، ومقدار مشخّص من المعدن، فيجب عليه أخذ الطير واستخراج المعدن والتسليم إلى المشتري، ولا يبعد أن يكون ذلك عقلائياً أيضاً، فتأمّل.

ثمّ إنّه يمكن استفادة عدم الاحتياج إلى الإجازة من بعض الروايات المتقدّمة، كصحيحة يحيى بن الحجّاج(1) بناءً على ما مرّ: من أنّ النهي عن البيع قبل الاشتراء إنّما هو لأجل التخلّص عن الربا، لا للإرشاد إلى بطلان البيع(2).

فحينئذٍ لو توقّف بيعه قبل الاشتراء على الإجازة بعده، كان له التخلّص عن الربا بعدم الإجازة، فلا يكون البيع ثمّ الاشتراء موجباً للربا.

والظاهر منها أنّ الموجب نفس البيع والاشتراء، وهو لا يتمّ إلاّ على فرض عدم الاحتياج إلى الإجازة، والأمر سهل بعد ما عرفت من أنّ مقتضى القاعدة الصحّة من غير احتياج إلى الإجازة(3).

ومن بعض ما ذكرناه يظهر الكلام في المقام الثاني، وهو وجوب الإجازة عليه لو قلنا: باحتياج العقد إليها؛ بأن يقال: إنّ مقتضى إطلاق وجوب الوفاء عليه العمل على طبق مضمونه، وهو لا يحصل إلاّ بإجازته.

إلاّ أن يقال: إنّ الإجازة - كالقبول - من متمّمات العقد، لا من مقتضياته وجزء مضمونه، فتدبّر.

ص: 409


1- - تقدّم في الصفحة 396.
2- - تقدّم في الصفحة 397.
3- - تقدّم في الصفحة 405.
حكم ما لو باع معتقداً بكونه غير جائز التصرّف فبان خلافه
إشارة

مسألة: لو باع معتقداً بكونه غير جائز التصرّف فبان خلافه ففيه صور:

الاُولى: أن يبيع عن المالك، فينكشف كونه وليّاً.

والظاهر صحّته من غير توقّف على إجازته.

وتوهّم: بطلانه حتّى على القول بصحّة الفضولي؛ لكون الفضولي على خلاف القاعدة، فيقتصر على مورده المنصوص عليه.

مدفوع: بمنع كونه على خلافها، كما تقدّم(1)، فلا إشكال في الصحّة.

وأمّا احتمال الاحتياج إلى الإجازة، فيمكن تقريبه: بأنّ ألفاظ العقود إيجادية، ولا بدّ في سببيتها للنقل من الجزم بحصول مضامينها، والفضولي لا يعقل منه ذلك، والجزء الآخر للعلّة هو الإجازة من المالك أو وليّ الأمر، وبها يحصل الجزم المعتبر في المعاملات.

وفيه: مضافاً إلى أنّ الإجازة ليست إنشاء مبادلة، بل إمضاء لما حصل ووجد، فلا يعقل أن ينقلب الواقع عمّا هو عليه بالإجازة، فلو اعتبر الجزم بحصول المضمون، فلا بدّ من اعتباره في الإنشاء، والفرض أنّه وجد غير مجزوم بمضمونه.

ومضافاً إلى النقض بالإيجاب في الأصيلين؛ إذ لا يترتّب الأثر على إنشائه بلا شبهة، فلا بدّ من القول ببطلان جملة المعاملات إلاّ ما وقعت بفعل الوكيل من

ص: 410


1- - تقدّم في الصفحة 147.

الطرفين أو الوليّ منهما، وهو كما ترى.

ومضافاً إلى عدم دليل على اعتبار الجزم، ولا شبهة في صدق «البيع» على الفضولي مع فرض عدم الجزم بالمضمون، ومعه يدفع احتمال الاعتبار بإطلاق الأدلّة.

أنّ الجزم حاصل في الفضولي كالأصيل، وكالوكيل من الطرفين.

وتوهّم عدم الجزم، ناشئ من الخلط بين معاني ألفاظ المعاملات؛ بزعم أنّها وضعت للنقل الواقعي العقلائي، ومعه لا يمكن الجزم بحصول أثر، بل الجزم حاصل بعدم حصوله، وإنّما يترتّب الأثر بعد الإجازة.

وفيه: - مضافاً إلى أنّ لازم ذلك عدم صدق عناوين المعاملات على الفضولي كما لا يخفى، وهو خلاف البداهة - أنّ الهيئات سواء كانت إيجادية أو إخبارية، والإيجادية سواء كانت من قبيل ألفاظ العقود، أو الأوامر والنواهي، لم توضع للواقعيات، حقيقية كانت أو اعتبارية:

أمّا الأوامر والنواهي فظاهر؛ ضرورة أنّ البعث والزجر الحقيقيين الملازمين للانبعاث والانزجار، أجنبيّان عن معناهما، ولا يترتّب عليهما في مورد من الموارد، فالأمر بعث إيقاعي إنشائي، والنهي زجر كذلك، والإطاعة والعصيان مترتّبان عليهما بعد استعمالهما في معناهما.

وكذا الجمل الإنشائية في باب المعاملات، فإنّ هيئآتها إنّما وضعت لإيقاع المادّة وإنشائها، فالأثر - حيثما ترتّب - إنّما يترتّب عليها بعد استعمالها الإيجادي وتمامية معانيها، فالبيع إنّما يترتّب عليه الأثر، لا أنّه مستعمل في الأثر.

ص: 411

مع أنّ الأثر لا واقعية له إلاّ في اعتبار العقلاء، وهذا لا يمكن أن يكون إيقاعاً إنشائياً، كما هو ظاهر.

فالفضولي كالأصيل يستعمل ألفاظ المعاملات في معانيها الحقيقية استعمالاً إيجادياً إنشائياً إيقاعياً، سواء رتّبت عليها الآثار فعلاً، أم يترقّب ترتّبها عليها بعد تحقّق شرائط حصولها.

فالجزم حاصل بمضامين المعاملات، وإن لم يكن حاصلاً بترتّب الأثر الواقعي الاعتباري، كبيع الصرف والسلم المشروط بالقبض في ترتّب الأثر، وكالإيجاب في مطلق المعاملات.

وقد يقال في تقريب التوقّف على الإجازة: إنّه وإن صدر عمّن كان نافذ التصرّف، إلاّ أنّ المفروض عدم علمه بذلك، فلعلّه لو كان عالماً بأنّه وليّ، لم يكن راضياً بهذا البيع الخاصّ.... إلى أن قال: لا بدّ في المقام من القصد إلى النقل والرضا به بعنوان أنّه مال المولّى عليه، أو الموكّل، أو نحوهما، وكون البيع واجباً من جهة موافقته للمصلحة، لا يمنع من كون اختيار الخصوصيات منوطاً بنظره وبرضاه(1)، انتهى.

وفيه ما لا يخفى؛ فإنّه بعد استجماع البيع لجميع الشرائط، لا يوجب مجرّد عدم علمه بنفوذ التصرّف - وأنّه لو علم لعلّه يختار مصداقاً آخر - خللاً فيما فعل باختياره ومصادفته لمورد ولايته ونفوذ تصرّفه.

ودعوى: أنّه لا بدّ من القصد بعنوان أنّه مال المولّى عليه(2)، مجرّدة عن

ص: 412


1- - حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 245.
2- - حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 246.

البرهان، بل احتمال اعتبار ذلك مدفوع بإطلاق الأدلّة.

ودعوى: انصراف أدلّة ولاية الأب والجدّ عن مثل المقام(1)، غير وجيهة.

وأمّا ما عن القاضي في إذن السيّد لعبده في التجارة(2)، فالظاهر هو عدم خلافه في هذه المسألة؛ لأنّ الظاهر منه أنّ الإذن إذا لم يطّلع عليه أحد - لا العبد ولا غيره - ليس إذناً، فعدم صحّته على ذلك، لأجل عدم كونه مأذوناً نافذ التصرّف، وهو غير مسألتنا.

وقد يقال: إنّ مقتضى أدلّة اعتبار التراضي وطيب النفس، اعتبار رضا المالك بنقل خصوص ماله بعنوان أنّه ماله، لا بنقل مال معيّن اتّفق كونه ملكاً له في الواقع؛ فإنّ حكم الرضا وطيب النفس لا يترتّب على ذلك.

فلو أذن في التصرّف في مال معتقداً أنّه لغيره، والمأذون يعلم أنّه له، لم يجز له التصرّف بذلك الإذن، ولو أعتق عبداً عن غيره، فبان أنّه له لم ينعتق، وكذا لو طلّق امرأة وكالة عن غيره، فبان أنّها زوجته.

ولو غرّه الغاصب فقال: «هذا عبدي أعتقه عنك» فأعتقه عن نفسه، فبان كونه له، فالأقوى أيضاً عدم النفوذ(3).

وحاصله: أنّه يعتبر في نفوذ التجارة وغيرها من الإيقاعات، وحلّ مال الغير - زائداً على كون التجارة بماله واقعاً - كونها بماله بعنوان أنّه ماله، وكذا يعتبر في

ص: 413


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 73.
2- - اُنظر مختلف الشيعة 5: 455 - 456؛ مقابس الأنوار: 136 / السطر 7؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 459.
3- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 463.

حلّ المال رضاه بالتصرّف في ماله بعنوان أنّه ماله، هذا ما أفاده الشيخ قدّس سرّه في الصورة الثالثة، وقد أجرى حكمها بعضهم(1) في جميع الصور.

والحقّ: أنّه لو تمّ في الثالثة والرابعة كما أفاده، جرى حكمه في الاُوليين أيضاً.

لكنّ الشأن في صحّته؛ فإنّه لو كان المدّعى أنّ الظاهر من الآية والرواية ما ذكر، فلا يخفى ما فيه؛ ضرورة أنّ الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعية، ولا إشكال في أنّ التجارة إذا وقعت على مال واقعي شخصي برضاه، انطبق عليها قوله تعالى: «إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ»(2).

ولو شكّ في اعتبار أمر زائد على ذلك - وهو علمه بالواقعة، أو اعتبار التجارة بعنوان أنّه ماله - يدفع بالإطلاق.

وكذا الحال في دليل الحلّ؛ فإنّ صاحب المال لو رضي بالتصرّف في ماله الواقعي - ولو لم يعلم به - صحّ أنّه طيّب النفس بالتصرّف في ماله، واحتمال أنّه لو علم بأنّه ماله لم يرض، لا يضرّ بالرضا الفعلي، كالأشباه والنظائر، والأمر الزائد يدفع بالإطلاق.

ولو كان المدّعى أنّ الدليل منصرف إليه بمناسبة الحكم والموضوع، فهي دعوى بلا شاهد.

بل الشاهد على خلافها، فهل ترى عند العقلاء أنّه لو باع شخص ماله عن نفسه باعتقاد أنّه مال الغير، واشترى منه شخص، يكون هذا من الأكل بالباطل،

ص: 414


1- - حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 245.
2- النساء (4): 29.

أو أذن في التصرّف في ماله، مع عدم علمه بأنّه ماله فتصرّف، يكون عادياً وغاصباً عند العقلاء، ويكون إتلافه بإذنه موجباً للضمان عند العقلاء؟!

وممّا يدفع ما اُفيد: أنّ لازمه إحراز كون التجارة عن تراضٍ في ماله بعنوان أنّه ماله، وإحراز طيب نفسه في التصرّف في ماله بعنوان أنّه ماله، ومع الشكّ في حصول ذلك يحكم ببطلان العقد، وحرمة التصرّف، مع أنّ المعلوم من سيرة العقلاء والمتشرّعة خلاف ذلك.

ولا يصحّ أن يقال: إنّ هذا العنوان يحرز بواسطة الأمارة القائمة على ملكيته من يد وغيرها؛ لأنّ الأمارات حجّة في اللوازم العقلية والعقلائية، وليس اعتقاد ذي اليد بأنّه ماله من لوازم الأمارة، بل ما هو من لوازمها أنّ العقد الواقع على هذا الذي بيده واقع على ماله الواقعي، وأنّ بيعه صحيح، ونحو ذلك.

وأمّا أنّه عالم بأنّ ما بيده لنفسه، أو أنّ بيعه إنّما هو بعنوان بيع ماله بما أنّه ماله، فليس من اللوازم، وكون أكثر المعاملات كذلك لا يوجب إلاّ الظنّ، وهو «لاَ يُغْنِى مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً»(1).

وأمّا الأمثلة التي ذكرها، ففي مثل عتق عبده عن غيره، وطلاق زوجته عنه، يكون احتياجهما إلى الإجازة - لو قلنا: بجريان الفضولي في الإيقاعات - أو إلى الاستئناف، ليس لما ذكر، بل لما قاله في الصورة الثانية، وسيأتي توضيحه.

وفي مثل التصرّف بماله بإذن منه، أو عتق عبده بغرور من الغاصب، فالأشبه الجواز والنفوذ، وإن جاز له الرجوع إلى الغارّ في قيمة العبد؛ لقاعدة الغرور.

ص: 415


1- يونس (10): 36.
الصورة الثانية: أن يبيع لنفسه، فينكشف كونه وليّاً.

قال الشيخ الأعظم قدّس سرّه: الظاهر صحّة العقد؛ لما عرفت من أنّ قصد بيع مال الغير لنفسه لا ينفع ولا يقدح، وفي توقّفه على إجازته للمولّى عليه وجه؛ لأنّ قصد كونه لنفسه يوجب عدم وقوع البيع على الوجه المأذون، فتأمّل(1)، انتهى.

ولعلّ وجه التأمّل ما يتراءى من التنافي بين صدر كلامه وذيله، حيث ظهر من صدره أنّ قيد «لنفسه» ملغىً، وعليه لا بدّ وأن يقع لمالكه بلا احتياج إلى الإجازة، كما في الصورة الاُولى.

والظاهر من ذيله كون العقد على وجه غير مأذون، وهو يلازم القيدية، ومعها لا تنفع الإجازة.

وبالجملة: إمّا أن يكون قيد «لنفسه» ملغىً، فلا يحتاج إلى الإجازة، أو لا، فلا يصحّ بها.

ويمكن أن يقال: إنّ القيود الملحقة بالموجودات الخارجية لا تكون ملغاة؛ بمعنى أنّ وجودها وعدمها على السواء، ولا موجبةً لعدم الحكم على الذات مع فقد القيد.

مثلاً: لو سلّم على شخص فقال: «السّلام عليك أيّها الرجل العالم» فإن كان عالماً وقع السّلام على الرجل العالم، وإن كان غير عالم وقع على الرجل، والقيد ملغىً، فيجب في الصورتين جواب السّلام.

ولو قال: «السّلام على الرجل العالم» فإن كان عالماً يجب عليه الردّ لو قلنا:

ص: 416


1- -المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 460.

بوجوب الردّ في مثله، وإن كان غير عالم لا يجب.

وفي المقام: لا يكون قيد «لنفسه» ملغىً؛ بحيث وقع العقد على الذات بلا قيد، حتّى يقال إنّه كالصورة السابقة حيث وقع العقد لصاحبه فيها.

ولهذا لو ملكه وقع العقد له، من غير احتياج إلى الإجازة كما مرّ(1)، لكن لمّا كان العقد واقعاً على الموجود الذي هو ملك الغير، يمكن صرف العقد إليه بالإجازة.

فالإجازة موجبة لإلغاء القيد، لا أنّ القيد بنفسه ملغىً.

بل يمكن أن يقال: إنّه لو قلنا بإ لغاء القيد، لكن وجوده يمنع عن انصراف العقد إلى صاحبه، فلا يقع للمقيّد ولا لصاحبه؛ لمانعية القيد عن الانصراف إليه، والإجازة تدفع المانع، فيقع صحيحاً.

الصورة الثالثة: أن يبيع عن المالك، ثمّ ينكشف كونه مالكاً.

كما لو باع عن أبيه مع قطعه بحياته، فبان كونه ميّتاً، ويتصوّر البيع على أنحاء:

منها: أن يبيع للمالك مع اعتقاده حياته فقال: «بعته لمالكه».

ومنها: أن يقول: «بعته لمالكه الذي هو أبي».

ومنها: أن يقول: «بعته لأبي الذي هو مالكه».

ومنها: أن يقول: «بعته لأبي».

يظهر منهم التسالم على صحّة الأوّل، كما قال بعض الأعاظم قدّس سرّه: إنّه

ص: 417


1- - تقدّم في الصفحة 405.

لا إشكال في صحّته؛ لأنّه قصد البيع عن مالك المال، وتطبيق المالك على الأب لا يضرّ بصحّته، وإنّما الإشكال فيما إذا باع لشخص أبيه(1).

ويظهر من الشيخ الأعظم قدّس سرّه أيضاً عدم الإشكال في هذه الصورة، ولهذا تخلّص عن الإشكال: بأنّه نقل الملك عن الأب من حيث إنّه مالك باعتقاده، ففي الحقيقة إنّما قصد النقل عن المالك، لكن أخطأ في اعتقاده أنّ المالك أبوه(2).

أقول: الظاهر أنّ الإشكال مشترك بين هذه الصورة وغيرها؛ فإنّ المعتقد بأنّ المالك أبوه لو قال: «بعته لمالكه» لم يقصد من المالك إلاّ أباه، ويكون عنوان «المالك» عبرة له.

وعنوان «المالك» مع قطع النظر عن قصده وإن كان قابلاً للصدق على أبيه وعليه وعلى غيرهما، لكن العقود تابعة للقصود، والعنوان بما أنّه مقصوده لا ينطبق على غير أبيه.

نعم، لو احتمل كون المالك أباه أو غيره فقال: «بعته عن مالكه» يكون مقصوده مالكه الواقعي؛ أيّ شخص كان، لكنّ المفروض خلافه.

وبعبارة اُخرى: من أراد بيع مال أبيه، وكان قصده ذلك، لا يعقل أن يقصد بعنوان «المالك» غير أبيه، واللفظ في نفسه وإن كان قابلاً للصدق على كثيرين، لكن المقصود غير قابل للانطباق إلاّ على أبيه.

وهذا نظير أن يطلّق فاطمة عن زوجها، وكان الاسم مشتركاً بين بنت زيد

ص: 418


1- - منية الطالب 2: 129.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 460.

وعمرو، وأراد فاطمة بنت زيد، فإنّ ظاهر كلامه وإن كان قابلاً للصدق على بنت عمرو، لكن كلامه - بما هو مقصود - لا ينطبق إلاّ على بنت زيد.

ومع الغضّ عنه، فالفرق بين الصور: أنّ في هذه الصورة يكون البيع للمالك، وهو مخطئ في اعتقاده.

وفي الثانية كذلك، لكنّه مخطئ في تطبيقه على أبيه.

وفي الثالثة يكون البيع لشخص أبيه، والتوصيف خطأً.

وفي الرابعة يكون لأبيه بعد اعتقاده أنّه المالك، وغالب المعاملات تقع على النحو الرابع، وفي هذا النحو لا يكون البيع لعنوان «المالك» بوجه، ولا وجه لتوهّم كون حيثية المالك طرف المعاملة.

فقول الشيخ الأعظم قدّس سرّه إنّما يصحّ على الصورة الثالثة؛ فإنّ البيع فيها لأبيه بما أنّه مالك، فيصحّ أن يقال: «إنّه باع لحيث مالكه، والحكم على الحيثية».

وأمّا ما قيل: من أنّ الحيثية التقييدية لا يمكن الالتزام بها في الموضوعات الشخصية؛ لأنّ الفرد الخارجي غير قابل للتعدّد، فتقييده ممتنع، والحيثية تعليلية في الموضوعات الخارجية، فالنزاع في أنّ الحيثية تقييدية أو تعليلية، إنّما هو في الأحكام الكلّية المتعلّقة بالعناوين، كتعلّق الأمر بالصلاة، والنهي عن الغصب(1).

ففيه ما لايخفى؛ فإنّ الإطلاق والتقييد كما يجريان في الكلّيات، يجريان في الأشخاص، ولا يتوقّفان على إمكان التعدّد، بل إمكان التضييق الحالي كافٍ.

ص: 419


1- - منية الطالب 2: 131.

فإذا قال: «أكرم زيداً» يؤخذ بالإطلاق في صحّة إكرامه بأيّ حال كان، ككونه عادلاً أو لا، عالماً أو لا، وإذا قال: «أكرم زيداً العادل» يكون تقييداً.

بل التقييد يأتي في الحروف، فإذا قال: «أكرم زيداً في السوق» فهو تقييد للهيئة على أقرب الاحتمالات.

وأمّا قضيّة تعلّق الأمر بالصلاة، والنهي عن الغصب، فأجنبيّة عن الحيثية التقييدية والتعليلية، كما قرّر في مقامه(1).

ثمّ إنّ ما عن الفخر قدّس سرّه: من أنّه لو قيل بالبطلان أمكن؛ لأنّه إنّما قصد نقل المال عن الأب لا عنه، ولأنّه وإن كان منجّزاً في الصورة، إلاّ أنّه معلّق، والتقدير: «إن مات مورّثي فقد بعتك»، ولأنّه كالعابث عند مباشرة العقد؛ لاعتقاده أنّ المبيع لغيره(2) انتهى، واضح الإشكال، ومن البعيد صدوره من مثله.

ومن المحتمل أنّه أراد بيان بطلان العقد المذكور بجميع احتمالات وقوعه؛ فإنّه لا يخلو إمّا أن يقصد النقل عن أبيه، أو عن نفسه، أو لا ذا ولا ذاك.

ولازم الأوّل عدم موافقة المجاز للمقصود.

ولازم الثاني عدم تنجّزه.

ولازم الثالث كونه عبثاً.

وهذا التوجيه وإن كان مخالفاً لظاهر كلامه، لكنّه أحسن من الالتزام بعدم

ص: 420


1- - مناهج الوصول 2: 109.
2- - إيضاح الفوائد 1: 420.

تشخيصه محطّ النزاع، والتدافع بين الدليلين، وعدم لزوم العبث، كما في مطلق الفضولي.

وقد عرفت: أنّ جواب الشيخ قدّس سرّه وغيره غير وافٍ بالجواب عن الاحتمال الأوّل(1)، فلا بدّ من التشبّث بما مرّ في باب بيع الشخصيات عن غير مالكها: بأنّه صالح لإجازة بائعه إذا ملكه، ولإجازة مالكه(2).

كما أنّ ما اُفيد من الجواب عن إشكال التعليق(3)، غير تامّ على ما تقدّم: من أنّ دعوى المالكية لا تصحّحه(4).

كما أنّ ما قيل: من أنّ البناء على أمر يعتقد خلافه بمكان من الإمكان(5)، بمكان من الضعف؛ ضرورة امتناع البناء الجدّي على خلاف اعتقاده، فهل يمكن البناء على أنّ الإنسان حجر، والنور ظلمة؟!

والتجزّم الذي أفاده السيّد الفشاركي قدّس سرّه في القضايا الكاذبة(6) - كالتشريع الذي أفادوه في باب حرمة التشريع - قد فرغنا من امتناعه في محلّه(7).

والحقّ في الجواب ما أشرنا إليه سابقاً: من أنّ ماهية البيع ليست إلاّ النقل الإنشائي بالعوض، وهو أمر مجزوم به في جميع أنحاء البيع، وما لا يمكن

ص: 421


1- - تقدّم في الصفحة 417 - 418.
2- - تقدّم في الصفحة 71 - 72 و404 - 405.
3- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 461.
4- - تقدّم في الصفحة 210.
5- - منية الطالب 2: 35 و130.
6- - اُنظر درر الفوائد، المحقّق الحائري 1: 70.
7- - أنوار الهداية 1: 107 - 108.

الجزم به والتنجيز فيه هو النقل الواقعي شرعاً، أو عند العقلاء، وهو غير مربوط بمفهوم العقد، ولا بالعقد بالحمل الشائع، بل هو أثر العقد بالحمل الشائع(1).

والعجب أنّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه قد أشار إلى ذلك بعد أسطر(2) في توضيح كلام «جامع المقاصد»(3) ومع ذلك قد تشبّث بالحقيقة الادّعائية، ودعوى السلطنة والاستقلال(4).

ص: 422


1- - تقدّم في الصفحة 411.
2- - قال في المكاسب: لكنّ الأقوى... وقوفه على الإجازة لا لما ذكره في جامع المقاصد من أنّه لم يقصد إلى البيع الناقل للملك الآن بل مع إجازة المالك لاندفاعه بما ذكره بقوله إلاّ أن يقال إنّ قصده إلى أصل البيع كافٍ وتوضيحه: إنّ انتقال المبيع شرعاً بمجرّد العقد أو بعد إجازة المالك ليس من مدلول لفظ العقد حتّى يعتبر قصده أو يقدح قصد خلافه وإنّما هو من الأحكام الشرعية العارضة للعقود بحسب اختلافها في التوقّف على الاُمور المتأخّرة وعدمه. المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 462.
3- - جامع المقاصد 4: 76.
4- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 463.

القول في المُجاز

ويتمّ ببيان اُمور:
الأوّل: اعتبار كون العقد المجاز جامعاً لجميع الشروط
بيان التحقيق

لا إشكال في أنّ عقد الفضولي كسائر العقود في أنّه يعتبر فيه ما يعتبر فيها، إنّما الكلام في أنّ الشرائط المعتبرة هل هي معتبرة عند العقد، أو عند الإجازة، أو عندهما، أو من زمان العقد إلى زمان الإجازة؟

والتحقيق: أنّ من الشرائط ما هو دخيل في ماهية العقد؛ أي تتقوّم الماهية به، أو في تحقّقها، كالقصد، والعقل، والتميّز في المتعاقدين، وكالمالية في العوضين.

ومنها: ما هو شرط في الإنشاء أو في ألفاظ العقود، كالتنجيز، والعربية، وكون المنشئ بالغاً على رأي معروف(1)، ونحوها.

لا كلام في نحو تلك الشروط، إنّما الكلام في غيرها ممّا يعتبر في العقود شرعاً، ككون المعاملة غير غررية وغير ربوية، وكون العوضين غير الخمر والأعيان النجسة وآلات القمار واللهو ونحوها، وكالقدرة على التسليم، وكون مشتري المسلم والمصحف مسلماً... إلى غير ذلك.

ص: 423


1- - راجع ما تقدّم في الصفحة 7.

فهل تعتبر تلك الشرائط حال العقد أو حال الإجازة، أو يكفي وجودها في أحد الحالين، أو تشترط في حالهما، أو من حال العقد مستمرّاً إلى حال الإجازة؟ وجوه:

حول مختار الشيخ قدّس سرّه

اختار الشيخ الأعظم قدّس سرّه لزوم حصول الشرائط عند إنشاء النقل، إلاّ فيما دلّ الدليل على اعتبار الشرط في ترتّب الأثر الشرعي على العقد، من غير ظهور في اعتباره في أصل الإنشاء.

قال: يشترط فيه كونه جامعاً لجميع الشروط المعتبرة في تأثيره، عدا رضا المالك؛ وذلك لأنّ العقد إمّا تمام السبب أو جزؤه، وعلى أيّ حال: يعتبر اجتماع الشروط عنده.

ولهذا لا يجوز الإيجاب في حال جهل القابل بالعوضين، بل لو قلنا: بجواز ذلك، لم يلزم منه الجواز هنا؛ لأنّ الإجازة - على القول بالنقل - أشبه بالشرط.

ولو سلّم كونها جزءاً، فهي جزء للمؤثّر لا للعقد، فيكون جميع ما دلّ - من النصّ والإجماع - على اعتبار الشروط في البيع، ظاهرة في اعتبارها في إنشاء النقل والانتقال بالعقد.

نعم، لو دلّ دليل على اعتبار شرط في ترتّب الأثر الشرعي على العقد - من غير ظهور في اعتباره في أصل الإنشاء - أمكن القول بكفاية وجوده حين الإجازة، ولعلّ من هذا القبيل القدرة على التسليم، وإسلام مشتري

ص: 424

المصحف والعبد المسلم(1)، انتهى.

أقول: أمّا دعوى الظهور المذكور، ففيها: مضافاً إلى اختلاف لسان الأدلّة في إيفاء الشروط، ففرق بين قوله (عليه السّلام): «ثمن العذرة من السحت»(2) «وثمن الخمر والنبيذ والمسكر والربا بعد البيّنة سحت»(3) وبين قوله: نهى النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم) عن بيع الغرر(4).

وكذا فرق بحسب مناسبات الحكم والموضوع بين الموارد، ففرق بين قوله: نهى النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم) عن بيع الغرر، و«لا تبع ما ليس عندك»(5) وبين قوله (عليه السّلام)في العذرة: «حرام بيعها وثمنها»(6).

فلا بدّ من مراجعة الأدلّة تفصيلاً، وملاحظة المناسبات العرفية بين الأحكام وموضوعاتها، فبمجرّد تعلّق النهي بعنوان البيع، لا يصحّ الحكم: بأنّ الظاهر

ص: 425


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 467.
2- - تهذيب الأحكام 6: 372 / 1080؛ وسائل الشيعة 17: 175، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 40، الحديث 1.
3- - الكافي 5: 126 / 1؛ تهذيب الأحكام 6: 368 / 1062؛ وسائل الشيعة 17: 92، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 5، الحديث 1.
4- - عيون أخبار الرضا عليه السّلام 2: 45 / 168؛ عوالي اللآلي 2: 248 / 17؛ وسائل الشيعة 17: 448، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 40، الحديث 3؛ المسند، أحمد ابن حنبل 3: 226 / 2752؛ السنن الكبرى، البيهقي 5: 338.
5- - المسند، أحمد بن حنبل 12: 129 / 15248؛ سنن أبي داود 2: 305 / 3503؛ سنن النسائي 7: 289.
6- - تهذيب الأحكام 6: 372 / 1081؛ وسائل الشيعة 17: 175، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 40، الحديث 2.

اعتبار الشرط في إنشاء النقل.

أنّ الشرائط الشرعية كلّها ترجع إلى شرط تأثير العقود والبيوع؛ ضرورة عدم دخالتها في مفهومها، ولا في تحقّقها الإنشائي، بل ولا في ترتّب الأثر العقلائي؛ فإنّ كلّ ذلك خارج عن حيطة التشريع.

بل الشرائط لا بدّ وأن ترجع إلى تأثيرها في ترتّب الأثر عند الشارع الأقدس، فالنهي عن بيع الخمر إرشاد إلى بطلان بيع الخمر، وعدم ترتّب الأثر عليه عند الشارع، كان الإيفاء بلفظ الشرط، أو بالنهي، أو الأمر الإرشادي إلى البطلان، أو بلسان نفي الموضوع، كقوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «لا بيع إلاّ فيما تملك»(1) وهذا ممّا لا إشكال فيه.

كما لا إشكال في أنّ ألفاظ البيع وإنشائه ليست بيعاً عقلاً ولا عرفاً، بل البيع هو المنشأ بالألفاظ؛ أي المسبّب الذي يكون سبباً للنقل الحقيقي الاعتباري.

فهاهنا اُمور ثلاثة: ألفاظ وآلات للإنشاء، وما هو منشأ بها - أي البيع الإنشائي، ترتّب عليه الأثر فعلاً، أو لا كبيع الفضولي - وأثر مترتّب عليه وهو النقل العقلائي الواقعي مقابل الإنشائي، فقد يترتّب عليه بلا فصل، كبيع الأصيلين، وقد يترتّب بفصل، كبيع الفضولي.

والظاهر من الأدلّة التي رتّب فيها الحكم على البيع - مع قطع النظر عن مناسبات الحكم والموضوع - هو اشتراط تأثير البيع المسبّبي بشرط كذائي؛ أي لا يترتّب عليه الأثر إلاّ بعد الشرط الكذائي.

ص: 426


1- - عوالي اللآلي 2: 247 / 16؛ مستدرك الوسائل 13: 230، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 1، الحديث 3.

فقوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «لا تبع ما ليس عندك» دالّ على اشتراط صحّة البيع بكون المبيع عند بائعه.

وكذا «لا بيع إلاّ فيما تملكه»(1) أي لا يترتّب عليه أثر فعلاً من غير دلالة على لزوم مقارنة الشرط لحدوث المنشأ وعدمه، فالاشتراط ثابت، فإذا شكّ في لزوم حصوله عند إنشاء البيع، يدفع بإطلاق الأدلّة.

فما أفاده رحمه الله علیه: من أنّ ما دلّ على اعتبار الشروط في البيع ظاهر في اعتبارها في إنشاء النقل، خلاف الظاهر، بل ظاهر في اعتبارها في تأثير البيع، لا في إنشاء النقل.

ففي الفضولي الذي لا يترتّب عليه الأثر إلاّ بعد الإجازة، لو فرض عدم وجود شرط التأثير إلى ما قبل الإجازة، فوجد فأجاز، لم تدلّ الأدلّة على عدم الكفاية.

بل مقتضى إطلاق أدلّة صحّة البيع وعمومها هو الصحّة، بل لعلّ مقتضى إطلاق أدلّة الاشتراط أيضاً كذلك.

بل لعلّ الكفاية في بعض ما تقدّم أولى من إسلام مشتري المصحف والمسلم؛ لإمكان أن يقال: إنشاء البيع على المصحف والمسلم لغير المسلم مخالف لاحترامهما.

وأمّا البيع الغرري، فالمقصود من النهي عنه هو عدم إقدام المالكين على أمر غرري خطري، فإذا باع الفضولي ما هو مجهول عنده بحسب المقدار، وحال

ص: 427


1- - عوالي اللآلي 3: 205 / 37؛ مستدرك الوسائل 13: 230، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 1، الحديث 4.

إجازة المالكين كان معلوماً عندهما فأجازا، لم يقدما على غرر وخطر.

بل الأمر كذلك في غالب الشرائط غير ما دلّ دليل خاصّ على اعتباره في حال الإنشاء، أو عند حدوث المنشأ، فلو باع الخمر فصارت خلاًّ عند الإجازة، أو باع ربويّاً فصار حين الإجازة غير ربوي، فالظاهر الصحّة؛ لما عرفت من أنّ الظاهر من الأدلّة، أنّ الشرائط لتأثير البيع المنشأ بالألفاظ أو بالأفعال، ومقتضى ذلك كفاية حصولها عند الإجازة.

ولو كان الشرط حاصلاً حال العقد، وغير حاصل حال التأثير، فالتحقيق عدم الكفاية؛ للزوم مقارنة الشرط لحال التأثير، فلو باع عصير العنب فضولاً فصار خمراً لم يصحّ.

نعم، يقع الإشكال في العلم بمقدار المثمن والثمن، فهل يكفي حصوله للفضولي حال العقد وإن جهل به المالك حال الإجازة، ومنشؤه أنّ الفضولي كالوكيل المفوّض، فإذا علم بالواقعة كفى، بل المناط علمه لا علم الموكّل؟

أو لا يكون كذلك، بل المناط علم المجيز حال الإجازة؛ فإنّ البيع مشروط بعدم كونه غررياً، والغرر إنّما هو عند إجازة المجيز المالك؟ والأصحّ الثاني.

ثمّ الاحتمالات - على ما تقدّم الكلام فيها - أربعة: لزوم حصول الشرط عند العقد، أو عند الإجازة، أو عندهما، أو من حال العقد مستمرّاً إلى حال الإجازة، فإن اُحرز أحدها بالأدلّة اُخذ به.

ومع إحراز الاعتبار في حال، والشكّ في اعتبار زائد، يؤخذ بإطلاق الأدلّة، ويدفع به الشكّ.

ص: 428

هذا بناءً على النقل لكونه مقتضى القواعد كما مرّ(1)، وأنّ الكشف على خلاف القاعدة.

وأمّا على الكشف، فإن قلنا: بأنّه أيضاً مقتضى القواعد فكذلك.

وأمّا لو قلنا: بخلافه لمقتضاها، ولم يكن في دليل إثبات الكشف أيضاً إطلاق، كما أنّ الأمر كذلك، ففي كلّ مورد احتملت دخالة شرط في الكشف، لا بدّ من إحرازه.

بل لو اقتصر دليل الكشف على ثبوته في مورد، لا بدّ من القول بالنقل في ما عداه؛ لما تقدّم من أنّ جواز الخروج عن القواعد التي تقتضي النقل، إنّما هو في مورد ثبوت الكشف، وفي غيره يؤخذ بها، ويحكم بالنقل الذي هو موافق للقواعد(2).

ثمّ إنّ ما ذكرنا جارٍ في الإيجاب أيضاً، إلاّ أن يدلّ دليل على لزوم جامعية القابل في حال الإيجاب لجميع شرائط الصحّة وبالعكس.

فلو كان الموجب واجداً للشرائط حال الإيجاب دون القابل - بأن كان محجوراً، أو جاهلاً، أو كان المبيع خمراً - فرفع الحجر والجهل، وانقلب الخمر خلاًّ حال القبول، فمقتضى القواعد الصحّة؛ لصدق العناوين وإطلاق الأدلّة.

بل لو أوجب الموجب فصار نائماً أو مغمىً عليه فقبل القابل، صحّ على القواعد.

وقد يقال: إنّ المعاقدة مع الغير تقتضي أن يكون طرفاها أهلاً للمعاقدة والمعاهدة، فكما لا يمكن الالتزام الجدّي مع الميّت والمجنون والنائم ونحوه،

ص: 429


1- - تقدّم في الصفحة 254.
2- - تقدّم في الصفحة 285.

كذلك الالتزام الجدّي مع من هو كالجدار أو كالحمار(1).

وفيه: أنّ البيع وغيره من التجارات لم يؤخذ في ماهيتها المعاقدة والمعاهدة، بل البيع تمليك العين بالعوض، أو مبادلة مال بمال، لا المعاهدة على أن يكون كذلك، ولا تبادل الالتزامات، وإعطاء التزام وأخذ التزام؛ ضرورة أنّ كلّ ما ذكر خارج عن مفهوم «البيع» و«الإجارة» و«الصلح» وغيرها عرفاً.

نعم، بعد تحقّق المعاملة، يكون كلّ منهما بحكم العرف والشرع ملزماً بالوفاء، وهو من أحكامها، لا دخيل في ماهيتها.

وقد مرّ(2) في بعض المباحث: أنّ إطلاق «العقد» على البيع ونحوه، باعتبار العقدة الحاصلة من تبادل العوضين ادّعاءً، فعقدة البيع كعقدة النكاح في قوله تعالى: «أَوْ يَعْفُوَا الَّذِى بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ»(3).

وبالجملة: التعاقد والتعاهد ونحوهما أجانب عن معاني المعاملات، وإنّما هي اُمور أبداها أهل التحقيق خارجاً عن محيط العرف والمفاهيم العرفية، فلو قال: «بعت هذا لزيد بعشرة» مع غفلة زيد، فتنبّه وقال: «قبلت» لا يشكّ أحد في صدق «البيع».

وقد تقدّم(4): أنّ شأن بيع الفضولي والإجازة شأن الإيجاب والقبول، فالقبول إجازة الفضولي في بيع الأصيلين، والإجازة قبول الإيجاب لا فرق بينهما.

ص: 430


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 257.
2- - تقدّم في الصفحة 303 - 304.
3- البقرة (2): 237.
4- - تقدّم في الصفحة 150.

فما قيل: من أنّ القول بأنّ الإجازة قبول للإيجاب سخيف جدّاً (1)، قول صدر من غير تأمّل في ماهية البيع، والإيجاب والقبول، وبيع الفضولي والإجازة، فراجع ما مرّ منّا سالفاً (2).

فتحصّل ممّا ذكر: أنّ لزوم حصول جميع الشرائط حال الإيجاب بالنسبة إلى الطرفين وبالعكس، لم يدلّ عليه دليل، لكن تسالمهم - ظاهراً - على ما ذكر، يمنعنا عن الالتزام به.

كما أنّه لولا تسالمهم على لزوم اجتماع الشرائط مطلقاً حال إيقاع البيع في الأصيلين، لم استبعد عدم لزوم ما هو شرط للتأثير شرعاً حاله، فلو عقدا على خمر فصار خلاًّ، كان الأمر كما لو عقدا مكرهين فصارا راضيين، فكلّ منهما شرط التأثير، وكبيع غير المملوك إذا صار مملوكاً.

وهكذا القدرة على التسليم وبيع المصحف والمسلم من الكافر وبيع المجهول، فإنّ مفهوم البيع ووجوده الإنشائي محقّق، فإذا وجد شرط التأثير أثّر في النقل، لكن لا يساعدنا القوم.

وغاية ما يمكن أن يقال: انصراف الأدلّة عن مثله وعمّا تقدّم، والعهدة على مدّعيه.

ثمّ إنّه قد تقدّم حال الشكّ في اعتبار شرط حال العقد، أو حال الإجازة، أو مستمرّاً من حاله إلى حالها (3).

ص: 431


1- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 255.
2- تقدّم في الصفحة 150.
3- تقدّم في الصفحة 423 - 424.
حكم صور العلم الإجمالي باعتبار شرائط المعاملة

بقي حال العلم الإجمالي، ففيه صور لا إشكال في بعضها، كما لو علم بأنّه إمّا معتبر حال العقد أو حاله إلى زمان الإجازة، أو علم أنّه معتبر إمّا حال الإجازة أو حالها إلى زمان العقد، فإنّ العلم منحلّ.

والكلام فيه هو الكلام في الأقلّ والأكثر، ففي الاُولى اعتباره حال العقد معلوم تفصيلاً، والزائد مشكوك فيه.

وفي الثانية اعتباره حال الإجازة معلوم، والزائد مشكوك فيه، ويؤخذ بالقواعد في موارد الشكّ.

وكالعلم الإجمالي باعتباره: إمّا حال العقد، أو حال الإجازة، فيجب إحرازه في حالهما؛ عملاً بالعلم الإجمالي، وخروجاً عن أصالة عدم النقل، أو أصالة بقاء المبيع والثمن على ملك صاحبهما.

إنّما الإشكال في بعضها، كالعلم إجمالاً باعتباره: إمّا حال العقد، أو حال الإجازة، أو من حال العقد مستمرّاً إلى حال الإجازة.

ومنشؤه أنّ مثل هذا العلم الإجمالي هل هو صالح لتنجيز تمام الأطراف، فيجب - عملاً به - الإحراز من حال العقد مستمرّاً إلى حال الإجازة؟

ونظيره في التكليف العلم إجمالاً بوجوب إكرام زيد، أو وجوب إكرام عمرو، أو إكرام زيد مستمرّاً إلى حال إكرام عمرو، فيجب إكرامه إلى زمان إكرام عمرو؛ خروجاً عن عهدة التكليف في البين؟

أو لا يصلح إلاّ لتنجيز الطرفين؛ أي زمان العقد وزمان الإجازة، لا بينهما،

ص: 432

وفي التكليف ينجّز وجوب إكرام زيد وإكرام عمرو، لا إكرام زيد مستمرّاً إلى زمان إكرام عمرو؟

بدعوى: أنّ الأمر بحسب اللبّ دائر بين الأقلّ والأكثر؛ فإنّ اعتباره في أحد الطرفين معلوم على أيّ حال، سواء كان الاعتبار لهذا أو هذا، أو هما مع الاستمرار، فيرجع الأمر إلى العلم بأنّ اعتباره إمّا في أحدهما، أو أحدهما مع الزيادة.

فالتنجيز بالنسبة إلى أحدهما معلوم تفصيلاً، وبالنسبة إلى الزيادة مشكوك فيه، الراجع حقيقة إلى العلم بعدم التنجيز.

وإن شئت قلت: إنّ تنجيز أحد الطرفين مرّتين لا يعقل، ومع عدم إمكان تنجيز الطرف مع قيد الاستمرار - اللازم منه تنجيز الطرف مرّتين - يبقى تنجيز الطرفين فقط.

ففي المثال الثاني، يرجع الأمر إلى العلم بوجوب إكرام الشخص الواقعي في علم اللّه، أو إكرامه مع إكرام غيره، فيرجع إلى الأقلّ والأكثر واقعاً، فكما في باب الأقلّ والأكثر يقال: «إنّ الأقلّ واجب على أيّ حال» ففي المقام يقال: إنّ أحدهما واجب الإكرام على أيّ حال.

فالعلم الإجمالي بأحدهما منجّز تفصيلاً، والزائد - أي قيد الاستمرار - مشكوك فيه، فلا يعقل التنجيز فيه.

بل مع الغضّ عن قيد الاستمرار، يبقى العلم الإجمالي بحاله، فضمّ القيد لا دخالة له في تنجيز العلم بالنسبة إلى الطرفين، فلا يكون القيد طرفاً للعلم، ولا المقيّد طرفاً مرّتين.

ص: 433

والفرق بين المقام وبين الأقلّ والأكثر: أنّ المقام من قبيل الانحلال في التنجيز، وهناك من قبيل الانحلال في التكليف، بل ببعض التقارير يكون المقام أيضاً من قبيل الانحلال في التكليف، الموجب للانحلال في التنجيز.

بقي شيء:

وهو أنّ الفضولي هل هو كالوكيل المفوّض، أو كالمأذون كذلك، حتّى يكون اعتبار الشرائط عند إيقاعه العقد وإحرازها بنظره، إلاّ ما دلّ الدليل على لزوم اعتباره حال الإجازة، كشرائط الإجازة والمجيز، وبعض شرائط العوضين؟

أو كالوكيل في إجراء الصيغة، أو المأذون فيه، حتّى يكون الاعتبار بحال الإجازة، إلاّ ما دلّ الدليل على لزوم اعتباره في حال العقد، كشرائط العاقد والمجري للصيغة، وكمقوّمات ماهية المعاملة، وذلك من غير فرق بين الكشف والنقل، إلاّ إذا دلّ الدليل على الافتراق؟

أو أنّه كالوكيل المفوّض، أو المأذون كذلك على الكشف، وكالوكيل في إجراء

الصيغة على النقل؟ وجوه.

والتحقيق: عدم دليل على شيء ممّا ذكر؛ بحيث يكون قاعدة يرجع إليها في موارد الشكّ، فاللازم ملاحظة كلّ شرط على الكشف والنقل.

لا إشكال في اختلاف الكشف - بجميع أقسامه - مع النقل في بعض الشرائط، فلو باع خمراً أو شيئاً من آلات اللهو أو القمار، أو ما لا تكون له منفعة محلّلة، فعلى الكشف بأقسامه لا يصحّ؛ فإنّ في جميعها يكون التملّك حال العقد:

أمّا على الكشف الحقيقي فمعلوم.

وعلى الحكمي أيضاً كذلك؛ فإنّ النقل من الأوّل حال الإجازة، وعلى

ص: 434

التعبّدي يكون التعبّد بملكيته حال العقد ولو كان التعبّد حال الإجازة فيرجع كلّها إلى ملكية ما لا يجوز ملكيته.

وعلى النقل يصحّ لو صار الخمر خلاًّ، وخرجت الآلات المذكورة عن الآلية، فإنّه لا إشكال في الصحّة إذا اجتمعت الشرائط حال النقل.

ولو شكّ في اعتبار الشرائط حال العقد، أو من حاله إلى حال الإجازة - زائداً على الاشتراط حال الإجازة الذي هو معلوم - يدفع بأصالة الإطلاق.

كما أنّه لو اجتمعت الشرائط حال العقد، وقلنا: بالكشف وأنّه على القواعد، وشكّ في اعتبارها حال الإجازة، أو من حال العقد إلى حال الإجازة، يدفع ذلك بالإطلاق.

وأمّا بناءً على كون الكشف على خلاف القواعد، فلا يصحّ الحكم بالكشف إلاّ مع اجتماع الشرائط المحتملة؛ فإنّه لا إطلاق لدليل إثبات الكشف حتّى تدفع به الاحتمالات.

ولو فقد بعض الشرائط حال العقد ووجد بعده، وقلنا: بأنّ الكشف على القواعد، كما لو كان المبيع خمراً حال العقد فصار خلاًّ بعده، فهل يحكم بالبطلان وعدم صلوح البيع للإجازة؟

أو يصحّ كشفاً، ويكون صحيحاً من حال إمكان الكشف، وهو حال تبدّل الخمر خلاًّ؟

الأقوى ذلك لو قلنا: بأنّ لقوله تعالى: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(1) عموماً أفرادياً

ص: 435


1- المائدة (5): 1.

وإطلاقاً يقتضي استمرار وجوب الوفاء، على نحو ما قرّرناه في محلّه(1)، فيستكشف من وجوب الوفاء صحّة العقد ولزومه، وإذا خرج بعض الأفراد في زمان أو حال بقي الباقي، نظير ما قرّر في باب الخيارات، وقد قلنا: إنّ الخروج كذلك ليس تخصيصاً للعموم، بل تقييد للإطلاق(2).

والفرق بين المقام وهناك: أنّ القيد في المقام دخيل في الصحّة، وهناك في اللزوم، وهذا ليس فارقاً.

وبالجملة: المقام مقام التمسّك بالإطلاق في غير مورد الخروج، فيحكم بصحّته بعد حصول الشرط، كما يحكم باللزوم بعد زمان تيقّن الخيار.

فتحصّل من ذلك: أنّه مع فقدان الشرط حال العقد لا يحكم بالبطلان، سواء قلنا: بالنقل أو الكشف، وسواء كان النقل على وفق القاعدة أو الكشف.

غاية الأمر: أنّ الكشف إذا كان على خلاف القاعدة، ولم يحرز ما يحتمل دخالته فيه، يحكم بالنقل لا بالبطلان، وإن كان على وفقها يحكم بالصحّة من حال حصول الشرط، لا من حال العقد.

حول اشتراط بقاء الشرائط إلى زمان الإجازة

ثمّ إنّه ممّا ذكر ظهر حال أمر آخر، وهو أنّه هل يشترط بقاء الشرائط المعتبرة حال العقد إلى زمان الإجازة أم لا؟

وخلاصة الكلام مع توسعة في البحث: أنّ العاقدين إمّا فضوليان، أو أحدهما

ص: 436


1- - الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 214؛ ويأتي في الجزء الرابع: 555.
2- - يأتي في الجزء الرابع: 558 - 559.

فضولي، وعلى أيّ حال قد يشكّ في لزوم بقاء شرائط العاقد الفضولي من زمان العقد إلى زمان الإجازة.

وقد يشكّ في لزوم كون الأصيلين في الفرض الأوّل والأصيل في الثاني، واجدين للشرائط المعتبرة في المجيز زائداً على زمان الإجازة؛ أي من حال العقد مستمرّاً إلى حال الإجازة.

ففي جميع الموارد إذا كان اعتبار الشرط متيقّناً في حال، ومشكوكاً فيه في غيره، يؤخذ بالمتيقّن، ويدفع المحتمل بالإطلاق بناءً على النقل؛ لما عرفت من أنّه موافق للقواعد(1).

وأمّا على الكشف، فلا بدّ من اعتباره في جميع الحالات المحتملة.

نعم، الظاهر أنّ شرائط الفضولي العاقد لا تعتبر في غير حال العقد، فلا يلزم أن يكون العاقد عاقلاً أو حيّاً بعده، بل لا يبعد ذلك في شرائط الأصيلين أيضاً.

فما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه في شرائط المتعاقدين: من أنّه لا ينبغي الإشكال في عدم اشتراط بقاء المتعاقدين على شروطهما حتّى على النقل(2)، صحيح.

لكنّ الأولى أن يقال: حتّى على الكشف؛ لأنّه على النقل لا إشكال فيه من جهة إطلاق الدليل، وأمّا الكشف فعلى خلاف القاعدة، ولا إطلاق لدليله.

ووجه كلام الشيخ قدّس سرّه أنّ حال الإجازة لمّا كان حال النقل - على القول به - يرجّح بقاء الشرائط إلى حالها، لكن قد عرفت(3) أنّ إطلاق الدليل محكّم.

ص: 437


1- - تقدّم في الصفحة 254.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 467 - 468.
3- - تقدّم في الصفحة 435.

ثمّ إنّه لا فرق في الرجوع إلى أصالة الإطلاق لرفع الشكّ، بين أن يقال: إنّ الإجازة بيع مستأنف؛ بمعنى كونها بمنزلة القبول، وبين غيره، بل يأتي الكلام في إيجاب الأصيل أيضاً كما مرّ(1).

ولو لم نلتزم به في إيجاب الأصيل لكونه خلاف تسالمهم، لا بأس بالالتزام في الفضولي وإن كانت الإجازة كالقبول، كما هو الحقّ الحقيق بالتصديق كما مرّ(2).

وأمّا شروط العوضين، فإن قلنا: بأنّ ظاهر الأدلّة اعتبارها في حال العقد، ويفهم منها أو من غيرها أنّها معتبرة حال الإجازة أيضاً - كمن باع عصير العنب فضولاً، ثمّ صار خمراً عند النقل - فلا يمكن القول بالصحّة؛ لعدم تملّك الخمر.

فالمتيقّن بناءً على ذلك، الاعتبار حال العقد وحال الإجازة، وأمّا ما بينهما فلا دليل عليه، فلو صار عصير العنب خمراً، ثمّ صار خلاًّ فأجاز، صحّ على النقل بلا إشكال؛ لإطلاق الأدلّة.

وأمّا على الكشف، فالظاهر لزوم بقاء الشرط؛ لعدم إطلاق في دليله، فلا بدّ من مراعاة كلّ ما يحتمل.

فما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه: من أنّ الظاهر اعتبارها بناءً على النقل(3)، غير متّجه بناءً على التحقيق من أنّ النقل على القواعد.

كما أنّه لو قلنا: بأنّ الكشف على القواعد، نحكم بالصحّة مع وجود الشرط

ص: 438


1- - تقدّم في الصفحة 429 - 431.
2- - تقدّم في الصفحة 150 و430.
3- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 468.

في الحاشيتين دون الوسط، هذا على ما أفادوه من ظهور الأدلّة في اعتبار الشروط حال العقد(1).

وأمّا على ما ذكرنا: من إنكار الظهور(2)، فما كان معتبراً حال الإجازة، وشكّ في اعتباره في غير حالها، يؤخذ بالمتيقّن، ويحكم في غيره بعدم الاعتبار.

الأمر الثاني: اعتبار كون المجاز معلوماً بالتفصيل للمجيز

ممّا ذكرناه يظهر حال الأمر الثاني الذي ذكره الشيخ الأعظم قدّس سرّه(3)، فإنّ كفاية علم الفضولي في دفع الغرر، مبنيّة على كونه كالوكيل المفوّض أو المأذون بنحو الإطلاق؛ فإنّ إيكال الأمر إلى الغير، موجب لكون تشخيص خصوصيات المبيع ونوع المعاملة بعهدته، كما هو المتعارف عند العقلاء، ولا يعتبر علم الموكّل، وما ذكر من لزوم الغرر(4) ليس كما ينبغي.

والظاهر كفاية علم الموكّل أيضاً أحياناً، وعدم تحقّق الغرر معه، فلو لم يعلم

ص: 439


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 467.
2- - تقدّم في الصفحة 425.
3- - قال الشيخ قدس سره: «الثاني: هل يشترط في المجاز كونه معلوماً للمجيز بالتفصيل؛ من تعيين العوضين وتعيين نوع العقد من كونه بيعاً أو صلحاً فضلاً عن جنسه من كونه نكاحاً لجاريته أو بيعاً لها، أم يكفي العلم الإجمالي بوقوع عقد قابل للإجازة، وجهان:... ». المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 468.
4- - منية الطالب 2: 139.

الوكيل عدد المبيع في المعدود، أو وزنه في الموزون، فأجرى العقد بمحضر من الموكّل مع علم الموكّل، فالظاهر الصحّة، بل هو أولى بالصحّة من الفرض الأوّل.

ولازم ذلك أنّه لو قلنا: بأنّ الفضولي كالمفوّض، لكفى علمه في الصحّة، كما أنّه يكفي علم المجيز في بعض الصور، كما ذكرناه(1).

هذا، ولكن لا دليل على كونه كذلك، بل الظاهر عدمه؛ للفرق الظاهر بين الوكالة والإذن قبل المعاملة - لأنّ الإيكال إليه يوجب أن يكون مستقلاًّ في المعاملة - وبين الإجازة؛ ضرورة أنّها بعد تحقّق المعاملة ولا تصلح لأن تكون موجبة للإيكال إليه، ولا يدفع الغرر بعلم الأجنبيّ، فلا بدّ من علم المجيز لرفع الغرر.

والظاهر شمول دليل الغرر لمثله، واحتمال اعتبار علم الفضولي زائداً على علم المجيز، مدفوع بالإطلاق.

وأمّا ما أفاده الشيخ قدّس سرّه: من أنّ الإجازة أحد ركني العقد(2)، فهو مخالف لمبناهم؛ من أنّ بيع الفضولي مركّب من الإيجاب والقبول، والإجازة إنفاذ للبيع بعد تمامية أركانه.

وأمّا على ما ذكرنا سابقاً: من أنّ الإجازة قبول لإيجاب الموجب، وقبول الفضولي لا دخالة له، لا في ماهية المعاملة، ولا في ترتّب الأثر(3)، فالوجه

ص: 440


1- - تقدّم في الصفحة 427 - 428.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 468.
3- - تقدّم في الصفحة 150.

اعتبار علمه بالإيجاب؛ أي خصوصيات متعلّقه حتّى يدفع الغرر، فهي كالقبول، بل قبول حقيقة.

ولا مانع من تأخّره عن الإيجاب وإن قلنا: باعتبار التوالي في عقد الأصيلين؛ لتسالمهم هناك دون المقام، وإن لم يكن دليل عليه هناك أيضاً.

ولو شكّ المجيز في تحقّق المعاملة، مع علمه بالخصوصيات بما يدفع الغرر على فرض وجودها، فالظاهر الصحّة حتّى مع التعليق ظاهراً؛ لعدم الدليل على اعتبار التنجيز في الإجازة، لعدم ثبوت الإجماع حتّى في نفس المعاملات، فضلاً عن الإجازة التي هي شرط للتأثير حتّى على مسلك القوم.

هذا مع عدم استلزام الإجازة للتعليق، نعم لو قلنا: باعتبار الجزم، لا بدّ من التعليق، لكن لا دليل على اعتباره.

وربّما يقال: إنّ الإجازة من الإيقاعات، وهي لا تقبل التعليق(1).

وهو كما ترى، فإنّ عدم القبول إن كان عقلاً، فلا وجه له يعتمد عليه، والوجوه التي ذكروها في باب الواجب المشروط: من كون الهيئة معنى حرفياً، لا يمكن أن تكون ملحوظة استقلالاً، ولا بدّ في التقييد والتعليق من لحاظ الموضوع استقلالاً(2).

وأنّ معنى الهيئة جزئي، على ما هو التحقيق في معاني الحروف من كونها جزئية، والوضع فيها عامّ، والموضوع له خاصّ، والجزئي لا يقبل التقييد(3).

ص: 441


1- - منية الطالب 2: 139.
2- - فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 181.
3- - مطارح الأنظار 1: 236.

وأنّ الحروف إيجادية لا يعقل التعليق فيها؛ لأنّ التعليق مساوق لعدم إيجاديتها (1).

قد فرغنا عن الجواب عنها في الاُصول(2)، مع أنّ الإيقاعات والعقود مشتركة في الإشكال، فلا وجه لاختصاصه بها.

وإن كان شرعاً ليرجع إلى دعوى الإجماع، فهو أفسد.

الأمر الثالث: حكم العقود المتعدّدة
شقوق البحث

لو وقعت عقود متعدّدة على مال الغير، فتارة تكون عرضية من شخص واحد، أو أشخاص متعدّدين، واُخرى تكون طولية مترتّبة.

فعلى الأوّل: إن كان العاقد الفضولي شخصاً واحداً - بأن باع مال زيد من عمرو، ثمّ باعه من بكر، ثمّ من خالد - فإن قلنا: بأنّ العقد الثاني هدم وفسخ للأوّل، والثالث للثاني وهكذا، فليس للمالك إلاّ إجازة الأخير.

وإن قلنا: بعدم هدمه، وأنّه ليس للفضولي فسخ ما فعل، أو ليس العقد الثاني فسخاً، أو أنّه فسخ فضولي يحتاج إلى الإجازة - بناءً على جريان الفضولية في الإيقاعات - فللمالك إجازة أيّ عقد منها شاء، فإن أجاز مبدأ السلسلة كانت ردّاً للفسخ على الأخير، وإمضاءً وإجازة للعقد.

وإن أجاز غيره، كان إمضاءً للفسخ بالنسبة إلى السابق، وإمضاءً لما أجاز.

ص: 442


1- اُنظر لمحات الاُصول: 109.
2- - مناهج الوصول 1: 285 - 287.

وإن كان البائع متعدّداً في زمان واحد أو غيره، فله إجازة أيّها شاء، فهل تكون إجازته ردّاً لغير المجاز أو لا؟ وجهان.

وعلى الثاني: لو تملّك المبيع بعد الإجازة، فهل له إجازة إحدى العقود الواقعة قبل الإجازة؟ وجهان.

وعلى الثاني: - أي إذا وقعت طولية مترتّبة؛ بأن باع المبيع، ثمّ باعه المشتري، ثمّ المشتري الثاني وهكذا - فلا إشكال في أنّه على الكشف الحقيقي يصحّ المجاز وما بعده، ولا يكون ما بعده فضولياً.

وهل تكون الإجازة ردّاً لما قبل المجاز، وموجبة لهدمه، فلو تملّكه لم يكن له إجازة ما قبله أو لا؟ وجهان.

وعلى النقل يصحّ المجاز وما بعده إن قلنا: بعدم اعتبار ملكية المجيز حال العقد، وعدم لزوم الإجازة بعد ما باع لنفسه ثمّ ملك، وإلاّ فلا يصحّ على الأوّل، ولا يصحّ إلاّ بالإجازة على الثاني، فحينئذٍ كلّ مجاز يحقّق موضوع العقد الذي بعده بلا فصل.

وهل الكشف الحكمي ملحق بالحقيقي، أو بالنقل، أو يفصّل بين المباني في الكشف الحكمي، فإن قلنا: بالانقلاب الحقيقي يكون ملحقاً بالحقيقي، وإن قلنا: بالانقلاب العنواني يلحق بالنقل؟

الظاهر ذلك؛ فإنّ الحكمي بهذا المعنى، عبارة عن النقل حال الإجازة من أوّل الأمر، فقبل الإجازة لا يكون المبيع ملكاً للبائعين، فيأتي فيها ما تقدّم في النقل.

وأمّا الكشف التعبّدي، فإن قلنا: بأنّ موضوع التعبّد العقد المتعقّب بالإجازة، فيلحق بالكشف الحقيقي.

ص: 443

وإن قلنا: بأنّ موضوعه الإجازة، فحال الإجازة تعبّدنا بترتيب الآثار من الأوّل، فيلحق بالنقل.

لكن في الكشف التعبّدي - بقسميه - إشكال في المقام، نظير الإشكال في الأخبار مع الواسطة(1)، والإشكال الذي أبديناه في الاستصحاب بالنسبة إلى الآثار المترتّبة(2):

وهو أنّ التعبّد بترتيب أثر الصحّة حال العقد - بالنسبة إلى المعاملة التي هي في رأس السلسلة - لا إشكال فيه.

وأمّا بالنسبة إلى باقي السلسلة، فيوجب تحقّق موضوع الحكم بالحكم، فالتعبّد بترتيب آثار الصحّة، يوجب البناء على لزوم ترتيب آثار الملكية على المبيع، والصحّة في العقد المترتّب عليه تحتاج إلى تعبّد آخر، وكذا العقود اللاحقة، ولا يمكن تكفّل دليل التعبّد بذلك.

وما ذكرنا في الجواب عن الإشكال في الاستصحاب(3)، لا يجري هاهنا، وكذا ما أجابوا به عن الإشكال في الأخبار مع الواسطة(4)؛ لعدم دليل على التعبّد بكون المبيع ملكاً للمشتري، حتّى ينسلك في موضوع دليل السلطنة، ولا كبرى

ص: 444


1- - راجع فرائد الاُصول، ضمن تراث الشيخ الأعظم 24: 265؛ كفاية الاُصول: 341؛ أنوار الهداية 1: 238.
2- - الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 175.
3- - الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 177 - 178.
4- - راجع فرائد الاُصول، ضمن تراث الشيخ الأعظم 24: 266؛ كفاية الاُصول: 341؛ فوائد الاُصول (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 3: 179 و182؛ نهاية الأفكار 3: 122 - 124.

كلّية في المقام، حتّى يقال بما قيل في الإخبار مع الواسطة وإن كان ما ذكر فيها أيضاً محلّ إشكال.

وبالجملة: لا لسان لدليل التعبّد في المقام حتّى يحقّق موضوع الأدلّة الاجتهادية كما في الاستصحاب.

وغاية ما يمكن أن يقال: إنّ التعبّد بالصحّة هاهنا لازمه العرفي صحّة جميع ما في السلسلة، وهذا أيضاً لا يخلو من إشكال، والأمر سهل بعد عدم صحّة المبنى.

حكم العقود المترتّبة على العوض

ولو وقعت العقود المترتّبة على العوض؛ بأن باع الفرس الذي هو عوض المبيع بالحمار، والحمار بالبغل، والبغل بالجمل وهكذا، هنا قالوا: فإن أجاز الوسط صحّ وما قبله، عكس ترتّب العقود على المبيع(1).

وفيه إشكال بناءً على توقّف صحّة الفضولي على إجازة المالك، وأنّ إيقاع الإجازة وإنشاءها محتاج إليه، ليستند العقد إلى المجيز، كما قالوا (2)؛ ضرورة أنّ إجازة المتوسّط إجازة في غير ماله، ولا تؤثّر إلاّ إذا وقعت الإجازة على مبدأ السلسلة، ثمّ على ما بعده وهكذا، إلى أن تنتهي إلى العقد المذكور.

والفرض أنّه لم تقع إجازة إلاّ على العقد المتوسّط، فلا بدّ في تصحيحه إمّا

ص: 445


1- - إيضاح الفوائد 1: 418؛ الدروس الشرعية 3: 193؛ راجع مفتاح الكرامة 12: 611؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 470.
2- حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 52 - 53؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 101؛ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 78 - 79؛ منية الطالب 2: 9 - 10.

بأن يقال: إنّ إجازة هذا إجازة لما سبقه، وهذا فاسد؛ لعدم إمكان دلالة لفظ إلاّ على ما وضع له، فإذا أجاز بيع البغل، لا يعقل أن تكون إجازة بيعه إجازة لبيع الحمار والفرس.

أو يقال: إنّ إجازة المتوسّط مستلزمة لإجازة ما سبقه، وهذا أفسد؛ لأنّ الإجازة - بأيّ شيء تعلّقت - تكون من الأفعال الاختيارية للمجيز، ولها مبادئ خاصّة.

فإجازة بيع البغل بما أنّها فعل اختياري، لا بدّ فيها من حصول مبادئ خاصّة بها: من التصوّر، والتصديق بالفائدة وغيرهما، حتّى ينتهي الأمر إلى إرادة الإيجاد فيوجدها، ولا يعقل أن يكون ذاك الفعل الاختياري مستلزماً لفعل آخر من الفاعل؛ بحيث لا يحتاج إلى المبادئ.

ففي المقام: لا يعقل تحقّق الإجازة في العقود المتقدّمة بلا حصول مبادئها، فالاستلزام بهذا المعنى فاسد جدّاً.

كما أنّ الاستلزام بمعنى لزوم تحقّق الإجازة منه بمبادئها الاختيارية، أيضاً فاسد، وهو واضح؛ ضرورة عدم حصول إجازة منه إلاّ بالنسبة إلى الوسط.

نعم، إجازة الوسط تكشف عن رضاه بما سبقه مع فرض التفاته إليه، لكنّ المفروض أنّ الرضا غير كافٍ في صحّة الفضولي.

ثمّ لو قلنا: إنّ إجازة الوسط إجازة لكلّ ما سبقه، أو مستلزمة لذلك، فكأنّه قال: «أجزت جميعها» لم يدفع الإشكال أيضاً؛ لأنّ إنشاء الإجازة لكلّ ما سبق - سواء كان مستقلاًّ، أو باستلزام ونحوه - ينحلّ إلى إجازات عرضية، فجميع العقود المترتّبة تصير مجازة في عرض واحد.

ص: 446

ولا يعقل الانحلال طولاً؛ بمعنى انحلال الإنشاء إلى إنشاء لمبدأ السلسلة، ثمّ بعد تحقّق الملكية إلى إنشاء آخر مترتّب على الأوّل، وهكذا.

كما أنّ الاستلزام بهذا المعنى لا يكون عقلياً ولا عقلائياً، بل غير معقول، فالانحلال العرضي إجازة لملكه في مبدأ السلسلة، ولغير ملكه في غيره، والطولي لم يتحقّق.

هذا مع أنّه لو فرض استلزام هذه الإجازة لإجازات اُخر مترتّبة، لكن لا يعقل أن تكون هذه الإجازة مستلزمة لإجازة اُخرى، متعلّقة بما تعلّقت به نفس هذه الإجازة، فصحّته تتوقّف على إجازة مستأنفة بعد حصول الملكية بواسطة الإجازة المتقدّمة.

والتحقيق: أنّه مع اعتبار إجازة إنشائية إيقاعية في صحّة الفضولي، لا يمكن تصحيح المتوسّط وما قبله.

وكذا الحال لو قلنا: باعتبار إظهار الرضا ولو بقضيّة إخبارية؛ فإنّ الإظهار فعل اختياري، ولا يعقل أن يكون إظهار الرضا بشيء، إظهار الرضا بشيء آخر بلا حصول المبادئ الاختيارية، ولا مستلزماً لذلك.

وبالجملة: الإشكال الوارد على الإجازة وارد عليه أيضاً.

نعم، لو قلنا: بأنّ المعتبر هو الرضا لا غير، فإن قلنا: بأنّ المعتبر هو الرضا ولو بوجوده التقديري، فالظاهر الصحّة؛ لأنّ المجيز إذا التفت إلى مبدأ السلسلة، فلا محالة يرضى به مع بنائه على تصحيح هذه المعاملة، وبرضاه يصير مالكاً للثمن في مبدأ السلسلة، ومع الالتفات إلى المعاملة الثانية فكذلك، إلى أن ينتهي إلى ما أجاز.

ص: 447

وكذا يمكن التصحيح مع اعتبار الرضا الفعلي، إذا التفت إلى حصول معاملات إجمالاً؛ فإنّ الرضا الفعلي في مبدأ السلسلة يصحّح تلك المعاملة، فيصير مالكاً للثمن، والرضا بوجوده البقائي حاصل بعد مالكيته، فيصحّح الثانية وهكذا، إلى أن ينتهي إلى ما أجاز، فيكون ما أجاز صحيحاً، لا بالإجازة، بل بالرضا الحاصل فعلاً بقاءً بعد صحّة ما سبقه.

وتدلّ على كفاية الرضا كذلك، وكونه موجباً للصحّة في جميع السلسلة: رواية مسمع بن عبدالملك المتقدّمة في بعض المباحث، الواردة في باب الوديعة، فراجعها (1).

ثمّ إنّك قد عرفت: أنّ هاهنا سلسلتين، إحداهما في جانب المبيع، والاُخرى في جانب الثمن.

فتارة: تكون السلسلتان مفترقتين لا تلاقي إحداهما الاُخرى.

واُخرى: تكونان ملتقيتين.

فعلى الأوّل: لو قلنا بأنّ الإجازة في وسط سلسلة المبيع ردّ بالنسبة إلى السابق، وفي وسط سلسلة الثمن ردّ بالنسبة إلى اللاحق، فلو أجاز وسط السلسلة الاُولى، وأجاز وكيله أو نفسه - مع الغفلة - وسط السلسلة الثانية، يتعارض الردّ مع الإجازة في مبدأ السلسلة.

ولازمه عدم صحّة ما وقع على الثمن في طول السلسلة، وكذا ما وقع على المبيع إلى البيع المجاز، فيصحّ هو وما بعده.

ص: 448


1- تقدّم في الصفحة 264.

وإن قلنا: بعدم كونها ردّاً، بل سكوت عن السابق في الاُولى، وعن اللاحق في الثانية، كان اللازم صحّة سلسلة ما وقع على المبيع بجميعها، وصحّة سلسلة الثمن من مبدأ السلسلة إلى المجاز، وعدم صحّة ما بعده؛ لأنّ المفروض أنّ الإجازة الواقعة على الثمن تصحّح المعاملات إلى مبدأ السلسلة.

وإذا صحّ مبدأ السلسلة ولم يعارضه الردّ، صحّ ما بعده إلى المجاز في سلسلة المبيع؛ بإجازة ما وقع على الثمن، وصحّ المجاز وما بعده بإجازتين.

وعلى الثاني: وهو صورة التلاقي - بأن وقعت بيوع على المبيع، ومعاملات على العوض بوجوده النوعي، ثمّ اشترى بالعوض مع الواسطة المبيع، ثمّ وقعت معاملات على المثمن والثمن، ثمّ باع المثمن بالثمن الذي هو عوض مع الواسطة، وهكذا - ففي كلّ فرد من التلاقي كالأوّل والثالث والخامس وهكذا، يكون اشتراء المبيع بالعوض، وفي كلّ زوج كالثاني والرابع والسادس وهكذا، يكون مورد المعاملة بيع المبيع بالثمن؛ أي العوض.

ولازم إجازة الأوّل أو الثالث أو الخامس وهكذا، صحّة جميع ما في السلسلتين صاعداً من مورد التلاقي إلى مبدأ السلسلة، ونازلاً من مبدئها إلى مورد التلاقي.

وأمّا ما بعد التلاقي، فلا يصحّ إلاّ بإجازة مستأنفة من المالك، ولازم إجازة الثاني والرابع والسادس وهكذا، صحّة مورد الإجازة وما بعده إلى التلاقي فيما ورد على المبيع، وأمّا ما وقع على الثمن، فحاله يظهر ممّا تقدّم.

ص: 449

الإشكال على صحّة تتبّع العقود في صورة علم المشتري بالغصب

ثمّ إنّ هاهنا إشكالاً على صحّة تتبّع العقود في صورة علم المشتري بالغصب، منشؤه ما عن المشهور: من عدم ضمان الغاصب الثمن الذي سلّم إليه لو تلف عنده(1)، بل عن الفخر قدّس سرّه: أنّه بالتسليم إلى الغاصب يكون قد ملّكه مجّاناً، وليس للمشتري استعادته من الغاصب بنصّ الأصحاب(2).

فلا بدّ من البحث أوّلاً عن المبنى، ثمّ البحث عمّا يتفرّع عليه.

فنقول: إن كان منشأ فتوى المشهور - على فرض صحّة النسبة - هو أنّ العالم بالغصب لا يمكن له قصد المعاوضة حقيقة، وإنّما سلّم الثمن إلى الغاصب، لا بعنوان عوض المبيع، بل ملّكه مجّاناً لاستنقاذ المبيع.

ففيه: مضافاً إلى أنّ عدم إمكان تحقّق قصد المعاوضة لو صحّ مع علم المشتري - ولازمه عدم صحّة الإجازة من المغصوب منه ولا غيره - لجرى الحكم مع جهله أيضاً؛ فإنّ الغاصب على هذا المبنى، لا يعقل منه القصد إلى حقيقتها.

ومضافاً إلى أنّ لازم ذلك، عدم القصد إلى حقيقة المعاوضة في جميع العقود الفاسدة مع الالتفات إلى فسادها، ولازمه عدم حرمة ثمن الخمر، وأجر الفواحش، وأثمان القمار والربا وغيرها في هذا الفرض.

أنّ ذلك مخالف لفتوى المحقّقين من الأصحاب؛ بصحّة بيع الغاصب إذا أجاز

ص: 450


1- - تذكرة الفقهاء 10: 18؛ جامع المقاصد 4: 76؛ اُنظر مفتاح الكرامة 12: 614 - 615؛ جواهر الكلام 22: 305؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 471.
2- - إيضاح الفوائد 1: 417.

المالك(1)، بل مخالف لفتواهم بصحّة عقد الفضولي لنفسه(2)، لو لم نقل: بأنّه مخالف لصحّة عقد الفضولي مطلقاً، ولعقد المكره.

مع أنّه مخالف للواقع أيضاً؛ ضرورة صدق عنوان «البيع» على تلك البيوع، وقد مرّ في محلّه إمكان قصد المعاوضة ووقوعه(3).

وإن كان المنشأ أنّ تسليم الثمن ليس وفاءً بالمعاملة، بل هو تمليك مجّاناً، ولازمه عدم الضمان لو تلف أو أتلف، أو أنّ المشتري بعد علمه بأنّ البائع غاصب، ليس إقباضه الثمن إيّاه إقباضاً وفائياً، فهذا الإقباض تسليط منه للغاصب على ماله برضاه واختياره، فلا يكون ضامناً بإتلافه وتلفه، ويجوز استرداد الثمن مع بقائه، كما ذهب إليه بعض(4) ونسبه إلى الفخر قدّس سرّه (5) أيضاً.

ففيه: أنّه خلاف المعهود والمتعارف في المعاملات الواقعة من الغاصب والسارق والخائن، ولازمه إسراء الحكم إلى كلّ عقد فاسد مع علم المشتري بالفساد، وهو كما ترى.

فلا شبهة في أنّ التسليم إنّما هو بعنوان التسليم المعاوضي، ومعه لا وجه لعدم ضمان التلف، فضلاً عن الإتلاف.

ص: 451


1- - مختلف الشيعة 5: 87، المسألة 48؛ تذكرة الفقهاء 10: 17؛ جامع المقاصد 4: 69.
2- - راجع مقابس الأنوار: 130 / السطر 28؛ جواهر الكلام 22: 308؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 376.
3- - تقدّم في الصفحة 211 - 213.
4- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 269.
5- إيضاح الفوائد 1: 418؛ اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 474.

وربّما يقال: لا إشكال في أنّ التسليم مبنيّ على المعاوضة؛ فإنّه بعد فرض المشتري، الغاصب مالكاً يملّكه الثمن، إلاّ أنّ هذه الجهة التعليلية مصحّحة للقصد المعاوضي لا للتسليم؛ وذلك لأنّ الجهات يمكن أن تكون موضوعات للاعتباريات كالإنشاءات المعاملية، دون الاُمور الخارجية، فإنّها لا تتغيّر بالقصد.

فتسليم المشتري الثمن إلى الغاصب لكونه مالكاً، لا يجعل المسلّم إليه هو المالك الحقيقي، فالتسليط الخارجي يرفع ضمان اليد، وإن لم يرفع ضمان الإتلاف(1).

وفيه: - مع الغضّ عن أنّ الجهة إذا كانت تعليلية تنتج خلاف مقصوده كما هو واضح - أنّ الكلام ليس في تغيير الواقع عمّا هو عليه، بل الكلام في أنّه مع التسليم إلى الغاصب، هل يرفع ضمان اليد أم لا؟

وبعد الاعتراف بأنّ التسليم معاوضي بلا إشكال، لا ينبغي الإشكال في الضمان تلفاً وإتلافاً؛ لأنّ اليد لم تخرج عن يد الضمان، بل لا يجوز للفضولي أخذ الثمن الذي سلّمه إيّاه بعنوان العوض بعد بطلان المعاملة، ولو أخذه لا يجوز له التصرّف، وضمن على أيّ حال.

وبالجملة: الكلام هاهنا هو الكلام في المقبوض بالعقد الفاسد.

ثمّ بعد تسليم المبنى، إن قلنا: بأنّ المعاوضة الحقيقية لم تتحقّق، فلا إشكال في عدم جواز إمضاء الإنشاء الأوّل ولا التتبّع، وهو واضح، نقلاً قلنا، أو كشفاً بأقسامه.

ص: 452


1- - منية الطالب 2: 149.

وإن قلنا: بأنّ العقد متحقّق وقابل للإمضاء، والإجازة قبل التسليم، لكنّ التسليم تمليك الثمن للغاصب، لا تسليم بعنوان المعاوضة، فعلى النقل لا تصحّ الإجازة؛ لعدم مورد لها بعد تمليك المشتري الثمن للغاصب.

وكذا على الكشف الانقلابي العنواني الحكمي؛ لعدم مورد للنقل من أوّل الأمر مترتّباً على الإجازة.

وكذا على الكشف التعبّدي إذا كان موضوعه الإجازة؛ فإنّ الإجازة التي لم تقع في موقعها، ليست موضوعاً للتعبّد.

وأمّا على الكشف الحقيقي، والانقلابي الحقيقي، والتعبّدي، إذا كان موضوع التعبّد هو العقد عند وجوده إذا كان متعقّباً بالإجازة، فتصحّ الإجازة والتتبّع:

أمّا على الحقيقي فواضح.

وأمّا على الانقلابي؛ فلفرض انقلاب الواقع عمّا هو عليه، فانقلبت مالكية المشتري للثمن إلى لا مالكيته، وإلى مالكية المالك، فالتمليك للثمن انقلب إلى تمليك مال الغير.

وعلى التعبّدي فكذلك، لكن بحسب التعبّد.

وإن كان التسليم إباحة للتصرّف، فإن قلنا: بأنّ الإذن في التصرّف الناقل لازمه الملكية للناقل آناً ما قبل النقل، تصحّ الإجازة للبيع الأوّل حتّى على النقل.

ويفترق الحكم بالنسبة إلى التتبّع بين الكشف الحقيقي وما يلحق به، وبين النقل وما يلحق به.

وإن قلنا: بعدم الملكية للناقل، بل هو باقٍ على ملك المالك، والإباحة المطلقة نتيجتها جواز الاشتراء للمالك والتصرّف فيما يشترى له، صحّت الإجازة والتتبّع.

ص: 453

مسألة في أحكام الردّ

إشارة

فرض هذه المسألة بعد البناء على أنّ الردّ هادم للعقد، وفسخ له في الجملة، وقد عرفت فيما سبق عدم دليل على الأصل(1).

حكم الشكّ في تحقّق الفسخ

ثمّ إنّه لمّا كانت موارد الشكّ في هذه المسألة كثيرة، لا بأس بالتعرّض لحالها.

فنقول: لو ردّ بغير الألفاظ الصريحة أو الظاهرة، أو بالفعل ونحوه، وشككنا في تأثيره وانفساخ العقد به، فلا إشكال في جريان استصحاب بقاء العقد؛ بمعنى أن يقال: إنّ العقد كان موجوداً أو محقّقاً، فالآن محقّق، فيحرز موضوع الأدلّة الاجتهادية، كقوله تعالى: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(2) ويثبت اللزوم بالنسبة إلى الأصيل لو قلنا: بأنّ العقد لازم بالنسبة إليه.

وأمّا بالنسبة إلى المجيز، فإن قلنا: بأنّ موضوع الأثر هو العقد إذا اُجيز، فلا إشكال فيه أيضاً؛ فإنّ العقد ثابت بالاستصحاب، والإجازة متعلّقة به وجداناً.

وإن قلنا: بأنّ العقد المجاز بوصف كونه كذلك موضوع، فإثباته مشكل؛ لأنّ الإجازة المتعلّقة بالعقد لازمها العقلي هو كون العقد مجازاً، فإثبات

ص: 454


1- - تقدّم في الصفحة 301.
2- المائدة (5): 1.

التقيّد والتوصيف من الأصل المثبت.

هذا، وأمّا ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه: من التمسّك بأصالة بقاء اللزوم من طرف الأصيل، وأصالة بقاء قابلية اللزوم من طرف المجيز(1)، ففيه إشكال:

أمّا أصالة بقاء اللزوم، فلأنّ المحتمل فيها اُمور:

منها: ما هو ظاهر كلامه، فالقضيّة المتيقّنة «هي أنّ اللزوم كان موجوداً، فالآن موجود إذا شكّ في بقائه».

ولا شبهة في أنّ التعبّد ببقاء اللزوم لا يثبت أنّ العقد لازم، وأنّه موجود، مع أ نّا شككنا في وجود العقد، وبقاء اللزوم لازمه العقلي وجود العقد، وكذا لازمه العقلي أنّ العقد لازم.

ومنها أن يقال: العقد اللازم كان موجوداً، والآن كذلك.

وهو أيضاً مثبت؛ لأنّ موجودية العقد اللازم لازمه العقلي كون العقد لازماً، والمقصود إثبات كون العقد لازماً.

ومنها أن يقال: إنّ هنا قضيّتين، إحداهما: «أنّ العقد كان موجوداً» وثانيتهما: «أنّ العقد كان لازماً» فتستصحب القضيّة الاُولى ويحرز به موضوع القضيّة الثانية، فيقال: إنّ العقد موجود تعبّداً بالاستصحاب الأوّل، والعقد المتحقّق كان

لازماً، والآن كذلك.

وفيه: - مضافاً إلى أنّ استصحاب وجود العقد كافٍ للحكم باللزوم، وبانسلاك الموضوع في عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» كما تقدّم - أنّه مع الغضّ عنه لا يمكن

ص: 455


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 477.

إحراز وحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوك فيها - في الاستصحاب الثاني - بالاستصحاب الأوّل؛ لأنّ الوحدة حكم عقلي لا شرعي.

مضافاً إلى أنّ ما هو لازم قطعاً هو العقد بوجوده الواقعي، لا الاستصحابي.

فقوله: العقد المتحقّق كان لازماً، إن رجع إلى أنّ العقد المتحقّق تعبّداً كان لازماً، فهو ممنوع.

وإن رجع إلى أنّ العقد المتحقّق تعبّداً كان لازماً بوجوده الواقعي، فلا يرجع إلى محصّل، فتدبّر.

وما ربّما يقال: من أنّه من قبيل الموضوعات المركّبة؛ حيث يحرز كلا جزئيها بالأصل، خلط؛ لأنّ موضوع الثاني هو العقد الموجود، وهو المشكوك فيه، والأصل الأوّل يحرز العقد، لكن لا يصحّ أن تحرز به وحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوك فيها في القضيّة الثانية، كما فصّلناه في الاُصول(1)، فراجع.

وأمّا أصالة بقاء القابلية، فيرد عليها كلّ ما ورد على الأصل الأوّل مع زيادة، وهي أنّ استصحاب بقاء القابلية لا يثبت أنّه مع لحوق الإجازة يؤثّر العقد؛ فإنّه مثبت بلا شبهة، والتفصيل في محلّه.

ثمّ إنّ هاهنا مسائل لا ينبغي الخلط بينها:

الاُولى: أنّ الردّ بعد تسليم تأثيره في الفسخ، بم يحصل؟

وملخّص القول فيها: أنّه إن كان المدرك هو الإجماع، فلا بدّ من الأخذ بالقدر المتيقّن، وهو اللفظ الصريح أو الظاهر، وحصوله بالكنايات والمجازات

ص: 456


1- - الاستصحاب، الإمام الخميني قدّس سرّه: 240 - 243.

والأفعال الدالّة على الفسخ - ولو مع القرائن الموجبة للظهور - لا أثر له، فضلاً عن الأفعال المنافية للإجازة.

وإن كان المدرك ارتكاز العقلاء على أنّ الردّ يوجب هدم العقد، أو إطلاق دليل على فرضه، أو إطلاق معقد إجماع، فلا شبهة في عدم الفرق بين الألفاظ الصريحة أو الظاهرة، وبين الكنايات والمجازات الظاهرة بالقرائن في الردّ، وكذا الأفعال الظاهرة ولو بالقرائن فيه.

وأمّا إيقاع الفعل المنافي للإجازة، أو حصول ما ينافيها فلا، فلو تلف المبيع أو أتلفه، لا يكون ذلك ردّاً وفسخاً للمعاملة، وإن لم يبق لها محلّ للإجازة.

وكذا لو نقله ببيع أو صلح أو آجره ونحو ذلك، فإنّ تلك المعاملات لا تكون ردّاً ولو مع الالتفات إلى عقد الفضولي، فضلاً عن عدمه، فلو باعه جاز للمشتري إجازة العقد الفضولي على النقل، وكذا على الكشف، على إشكال قد مرّ التفصيل فيه(1).

وليعلم: أنّ الردّ يحتاج إلى الإنشاء ولو قلنا: بأنّ صحّة معاملة الفضولي لا تحتاج إليه، بل الرضا بها كافٍ؛ ضرورة أنّ البيع الفضولي تمّ فيه ما يحتاج إلى الإيقاع، وهو أصل المعاملة، وبقي ما يتوقّف عليه نفوذه، ورضا المالك الأصلي كافٍ في صدق «التجارة عن تراضٍ».

كما أنّ الرضا كافٍ عن القبول على الأشبه؛ فإنّ تمام المعاملة حصل بإنشاء الموجب، وتأثيره يحتاج إلى رضا القابل، ولو لم نقل في الأصيلين فلا ينبغي

ص: 457


1- - تقدّم في الصفحة 365.

الإشكال في كفاية الرضا بالمعاملة في الفضولي.

وأمّا هدم المعاملة وفسخها، فهو كنفس المعاملة يحتاج إلى الإيقاع والإنشاء، ولا يكفي الرضا في هدمه وفسخه، كالفسخ في المعاملة الخيارية.

الثانية: أنّ الردّ هل يوجب الفسخ والهدم؛ بحيث لا يصحّ لغير الرادّ الإجازة، أو لا يوجب إلاّ عدم صحّة لحوق إجازة الرادّ به، فلو ردّ بيع الفضولي ثمّ باع المبيع، صحّ بإجازة المالك الفعلي؟

أقول: لا دليل على كونه فسخاً وحلاًّ:

أمّا الإجماع على فرضه، فالمتيقّن منه غيره.

وأمّا دعوى ارتكاز العقلاء(1)، فالعهدة على مدّعيها، والإنصاف أنّها لم تثبت.

وأمّا الأخبار التي أشار إليها الشيخ قدّس سرّه(2)، ففي دلالتها على أنّ الرادّ لا تجوز له الإجازة بعده إشكال، فضلاً عن الدلالة على الفسخ والهدم.

فقوله (عليه السّلام) في موثّقة زرارة: «ذلك إلى مولاه، إن شاء فرّق بينهما، وإن شاء أجاز»(3) غاية دلالته - على إشكال - أنّ الأمر دائر بين شيئين لا ثالث لهما: إمّا الإجازة، وإمّا التفريق، والإجازة بعد التفريق، والتفريق بعد الإجازة ليسا له.

وأمّا دلالته على الهدم والفسخ، بحيث لو أسرينا الحكم إلى باب المعاملات

ص: 458


1- - راجع ما تقدّم في الصفحة 305.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 479.
3- - الكافي 5: 478 / 2؛ الفقيه 3: 283 / 1349؛ تهذيب الأحكام 7: 351 / 1431؛ وسائل الشيعة 21: 115، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد والإماء، الباب 24، الحديث 2.

لم تكن لغيره الإجازة إذا تملّكه، فلا.

بل يمكن أن يقال: إنّ اعتبار الفسخ في العقود، إنّما هو بعد تمامية العقد، وصيرورته مؤثّراً موجباً لنقل العوضين، فإرجاع العوضين إلى صاحبيهما لا يمكن إلاّ بفسخ العقد، أو إقالته، أو انفساخه.

وليس للموجب أن يقول بعد تمامية المعاملة: «رجعت عن إيجابي» ولا للقابل أن يقول: «رجعت عن قبولي» بل الموجب لرجوع العوضين هو فسخ العقد وحلّه.

وأمّا قبل تماميته ومؤثّريته، فالاعتبار هو قبول الإيجاب، أو إجازة العقد الفضولي، وعدم القبول وعدم الإجازة، والردّ يرجع إليه، ولا تأثير له زائداً على ذلك؛ إذ العقد لم ينسب إليه بوجه، ولم يكن مؤثّراً، ولم يتمّ نصاب مؤثّريته.

فما للقابل والمجيز هو القبول وعدم القبول؛ بمقتضى سلطنتهما على مالهما، وأمّا فسخ العقد الذي لا مساس له بهما ولا تأثير له، فلا وجه له، ولا سلطنة للمجيز والقابل على فعل الغير.

الثالثة: في التصرّفات التي يقال: «إنّها موجبة لفوات محلّ الإجازة»(1).

وهي مسألة استطرادية مناسبة لعقد البحث؛ لأنّ عقد البحث إنّما هو في أحكام الردّ، لا في مفوّت محلّ الإجازة.

وكيف كان: لو أخرج المالك ما عقد عليه الفضولي عن ملكه ببيع أو عتق أو هبة أو صلح ونحوها، فلا إشكال - على النقل - في وقوعه صحيحاً،

ص: 459


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 477.

وعدم نفوذ إجازته؛ لصيرورته أجنبيّاً.

وأمّا التعبير ب-«خروج العقد عن قابلية تأثير الإجازة»(1) ففيه مسامحة؛ لأنّ العقد باقٍ على قابليته، والإجازة من المجيز - الذي صار أجنبيّاً - غير صالحة للتنفيذ، فلو أجاز المالك الجديد صحّ.

كما أنّه لو تملّكه البائع صحّت إجازته على الأشبه، ومع الشكّ قد عرفت حكمه(2).

كما أنّه لا إشكال على الكشف الحقيقي في عدم وقوعه صحيحاً، بناءً على كون الكشف موافقاً للقواعد؛ لأنّ مقتضى إطلاق «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(3) وغيره، رفع جميع الشكوك الطارئة، ومنها احتمال دخالة عدم تصرّف المالك في الصحّة كشفاً.

وأمّا لو قلنا: بأنّه على خلاف القواعد، وعدم إطلاق في الأدلّة الخاصّة كما هو الحقّ(4)، صحّ عقد المالك؛ لعدم الدليل على انتقال ماله، فمقتضى الأصل المحرز لموضوع دليل السلطنة والعمومات، الصحّة.

ولو قيل: إنّ اعتبار ملكية المجيز إلى زمان الإجازة غير معقول؛ للزوم الخلف أو الانقلاب(5).

ص: 460


1- - منية الطالب 2: 153.
2- - تقدّم في الصفحة 407.
3- المائدة (5): 1.
4- - تقدّم في الصفحة 237 - 268.
5- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 274.

ففيه: أنّه على فرض عدم الإطلاق، لا دليل على صحّة الكشف في فرض تصرّف المالك، لا أنّه يعتبر في الكشف ملكية المجيز إلى زمان الإجازة، فالكشف إنّما يثبت في عقد لم يتعقّبه تصرّف المالك، فالإجازة المتأخّرة عنه غير مؤثّرة.

ففرق بين اعتبار عدم تصرّف من المالك الأوّل، وبين اعتبار مالكيته إلى زمان الإجازة.

ويلحق بالكشف الحقيقي الكشف الحكمي الانقلابي الواقعي، فإنّه - على فرض صحّته - يوجب انقلاب الواقع من الأوّل عمّا هو عليه، فينقلب الملك إلى اللا ملك، ولازمه صيرورة تصرّفه تصرّفاً في ملك الغير.

كما أنّه يلحق بالنقل الكشف التعبّدي إذا لم يكن لدليله إطلاق.

وأمّا الكشف الحكمي؛ أي الانقلابي العنواني، فعلى فرض الإطلاق لدليله فيه وجوه: صحّة العقد الثاني وبطلان الفضولي، وعكسه، وصحّة الفضولي والعقد الثاني معاً، فصحّ الأوّل إلى تحقّق الثاني.

وتظهر الثمرة في النماء والمنافع للعين من زمان تحقّق الأوّل إلى تحقّق الثاني.

أمّا صحّة الثاني؛ فلأنّه عقد واقع من أهله، ولا مزاحم له؛ لأنّ مقتضى الكشف الحكمي المذكور هو النقل حال الإجازة من الأوّل، وهو إنّما يصحّ إذا بقي على ملك المجيز، والفرض أنّه على ملكه إلى زمان الثاني، فلا مانع من صحّة الأوّل إلى زمانه، ولا من صحّة الثاني.

وليس لازم صحّة الأوّل إلى الثاني، كون التمليك محدوداً، حتّى يقال: إنّ

ص: 461

التمليك في قطعة من الزمان ليس ببيع، بل العقد الأوّل وقع بلا قيد، والإجازة تعلّقت به كذلك، لكنّ التأثير لا يصحّ إلاّ فيما لا مانع له.

وبالجملة: العقد والإجازة وقعا على نحو الإطلاق؛ أي بلا قيد، والتملّك كذلك، لكن لبقاء الملكية إلى ما بعد الثاني مانع، فلم تبق، ولازم ذلك رجوع المشتري إلى البدل، كما أنّ له الفسخ.

هذا مع قطع النظر عن قاعدة «كلّ مبيع تلف قبل القبض...»(1) التي يحتمل شمولها للمقام على إشكال.

ولكن مع ذلك لا تخلو صحّتهما من إشكال، ولعلّ الأقوى بطلان الفضولي، وصحّة الثاني.

مضافاً إلى أنّه مجرّد فرض، وإلاّ فليس لدليل الكشف كذلك إطلاق، كما أنّه ليس على القواعد على ما مرّ في محلّه(2).

بل يمكن الإشكال في العقد الأوّل؛ من ناحية عدم القدرة على التسليم ولو فرض كونه على القواعد.

وقد يقال في مورد الإخراج عن الملك كالبيع والهبة: إنّه لا يبقى محلّ للإجازة حتّى على الكشف الحقيقي؛ لأنّ المجيز - بعد فرض صحّة البيع - أجنبيّ، والكاشفية حكم شرعي مترتّب على إجازة المالك حال الإجازة(3).

ص: 462


1- - عوالي اللآلي 3: 212 / 59؛ مستدرك الوسائل 13: 303، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 9، الحديث 1.
2- - تقدّم في الصفحة 237 - 268.
3- - منية الطالب 2: 153.

وهو لا يخلو من غرابة؛ لأنّ اعتبار الملكية إلى حال الإجازة ينافي الكشف الحقيقي.

وتوهّم: كون المجيز أجنبيّاً، غير صحيح حتّى على فرض صحّة البيع؛ لأنّ الإجازة متعلّقة بحال العقد، فهي من المالك لا الأجنبيّ.

مع أنّ الصحّة فرع بطلان الكشف، ومع صحّة الكشف لا تعقل صحّة العقد.

ولولا تصريحه باعتبار مالكيته حال الإجازة، لأمكن توجيه كلامه بما تقدّم مراراً: من أنّ الكشف على خلاف القواعد(1)، فيقتصر على مورد اليقين، وهو غير المورد، وإن كان يرد عليه حينئذٍ: أنّ لازم ذلك عدم صحّة الكشف مع التصرّف غير الناقل كالإجارة، وهو لا يقول به.

وممّا مرّ ظهر الحال في التصرّفات غير الناقلة كالإجارة ونحوها، فإنّها على الكشف الحقيقي وما يلحق به - كالانقلاب الحقيقي، والكشف التعبّدي من أوّل العقد - تقع باطلة، وعلى النقل وما يلحق به تقع صحيحة.

وأمّا الرهن فعلى النقل وما في حكمه، يصحّ وتبطل الإجازة؛ لأنّ الرهن ينافي البيع، بخلاف الإجارة.

وعلى الكشف الحقيقي وما في حكمه، يبطل الرهن بناءً على كون الكشف على القواعد.

ومنه يظهر النظر في كلام بعض الأعاظم قدّس سرّه في الدورة الاُولى، حيث جعل الرهن كالإجارة(2)، وفي الدورة الثانية، حيث ذهب إلى بطلان الإجازة حتّى

ص: 463


1- - تقدّم في الصفحة 254 و285 و342.
2- - منية الطالب 2: 156.

على الكشف قائلاً: إنّ المفروض صحّة الرهن(1).

وفيه: أنّ فرض الصحّة من قبيل أخذ القضيّة بشرط المحمول، وعليه لو صحّت الإجارة أيضاً بطلت الإجازة؛ إذ معنى صحّتها أنّها صدرت من مالكها، والكشف يضادّه.

وكذا لو فرض صحّة الكشف بطلت الإجارة والرهن، فلا بدّ من البحث في الصحّة والفساد مع عدم فرض الصحّة لأحد الطرفين.

فحينئذٍ نقول: لو كان الكشف على القواعد، تصحّ الإجازة وتبطل التصرّفات؛ لدفع احتمال اعتبار عدمها بالإطلاق، ومع عدم كونها على القواعد لا يمكن إثبات الكشف إلاّ في المورد المتيقّن.

وأمّا التصرّفات غير المعاملية كاستيفاء المنفعة، فعلى الكشف الحقيقي توجب الضمان، كما أنّ التلف تحت يد غير المالك كذلك؛ لقاعدة الإتلاف في الأوّل، وقاعدة اليد في الثاني.

وقد يقال: إنّ العين أمانة شرعية فلا ضمان(2). وهو غير مرضيّ؛ لأنّ الأمانة الشرعية هي ما إذا أذن الشارع أو أوجب حفظ مال الغير، كما في اللقطة بعد التعريف ونحوها، وفي المقام لا دليل على ذلك، بل مقتضى وجوب الوفاء بالعقد هو لزوم الردّ واقعاً وإن جهل به المستولي.

ولو فرض عدم وجوب الوفاء إلاّ بعد استناد العقد إليه بالإجازة، فلا شبهة

ص: 464


1- - منية الطالب 2: 156.
2- - منية الطالب 2: 155، الهامش.

في أنّ العين - على الكشف - مال المشتري، ويجب ردّها، ولا يجوز إدامة الاستيلاء عليها إلاّ بإذن مالكها.

والحكم الظاهري كاستصحاب بقاء العين على ملكه، لا تستفاد منه الأمانة الشرعية، بل لسان هذا الاستصحاب ينافيها؛ فإنّ الحكم بكون المال مالك، غير مناسب للأمانة الشرعية لمالكه.

ولو قيل: إنّ الاستصحاب يحكم بملكيته، وهو حاكم على قاعدة اليد.

يقال: إنّ لازمه عدم الضمان مع الإتلاف أيضاً، ولا يلتزم به أحد.

وبالجملة: قاعدة اليد موجبة للضمان، من غير فرق بين العلم والجهل، ووجود حكم ظاهري وعدمه، كما هو المتسالم عندهم في تعاقب الأيادي وغيره، فالأشبه الضمان على الكشف الحقيقي.

كما أنّ الأشبه عدم الضمان حتّى مع الإتلاف على الكشف الحكمي المعروف؛ أي بناءً على الانقلاب في العنوان، لا الانقلاب الحقيقي؛ فإنّ مقتضى ذلك أنّ كلّ تصرّف وقع قبل الإجازة كان في ملكه، وكلّ ما وقع بعدها كان في ملك صاحبه، ولا يعقل انقلاب ما قبل الإجازة بما بعدها بالإجازة.

فعليه كان إتلاف المنافع قبلها إتلافاً لمال نفسه، والإجازة بعد تحقّقها تنقل العين بعد إتلاف المنفعة بيد مالكها، فلا وجه لضمان الإتلاف، فضلاً عن ضمان التلف.

ص: 465

مسألة: في الأيادي المتعاقبة

إشارة

لو لم يجز المالك، وكان المبيع في يد البائع الفضولي، فله انتزاعه منه مع منافعه المستوفاة وغيرها ممّا تلفت تحت يده، وقد مرّ الكلام فيه مستقصىً في المقبوض بالبيع الفاسد(1)، فلا نطيل، والمناسب هاهنا البحث عن الأيادي المتعاقبة، فنقول:

حكم المالك مع من وقعت العين تحت يده

لو تعاقبت الأيادي على عين، وكانت العين موجودة في يد أحد من في السلسلة، فهل يجب على كلّ منهم ردّ العين إلى صاحبها، فإن كانت موجودة عنده يردّها، وإلاّ يأخذها ممّن كانت عنده ويردّها؟

وهل يجوز لصاحب العين الرجوع إلى كلّ من في السلسلة، كانت العين عنده أم لا؟

حكم المسألة مختلف بحسب اختلاف المباني المتقدّمة:

فإن قلنا: بأنّ مقتضى قاعدة «على اليد...» هو كون العين على عهدة الآخذ، ولازمه العرفي أداؤها عند وجودها، وضمانها عند التلف، أو قلنا: بأنّ عهدة العين عليه، ولازمه العرفي ما ذكر، فيجوز له الرجوع إلى كلّ واحد وإلى الجميع، كما يجب عليهم ردّها.

ص: 466


1- - تقدّم في الجزء الأوّل: 466 و476.

والفرق بين الاحتمالين: هو أنّه في الثاني لم تعتبر العين على العهدة كما في الدين، بل العين الخارجية بخارجيتها يكون الآخذ متعهّداً بها.

والظاهر أنّ باب الكفالة من هذا القبيل؛ فإنّ اعتبار كون الشخص على العهدة - كالدين - غير عقلائي، بخلاف اعتبار كونه مورد تعهّده، وهذا الاحتمال أقرب ممّا ذكره السيّد الطباطبائي قدّس سرّه(1) وتبعه غيره(2)، وأسلم من الإشكالات السابقة(3).

وإن قلنا: بأنّ مقتضى القاعدة هو الضمان عند التلف؛ بمعنى تحقّق ماهية الضمان على عهدته، وهي ماهية تعليقية، ولا يبعد أن يكون ذلك مراد المشهور على ما نسب إليهم(4)، فعليه لا يجب ردّها على غير من هي في يده، وليس للمالك الرجوع إلى غيره ممّن في السلسلة.

وقد مرّ الكلام في الاستظهار من لفظ القاعدة، وأنّ المختار هو الأخير(5).

وأمّا المنافع المستوفاة وغيرها، فلا شبهة في ضمان المستوفي، بل في ضمان من تلفت تحت يده، وقد مرّ الكلام فيها وفي دفع الإشكالات عنها (6).

وأمّا غيره، فقد يقال: بضمان كلّ من كان قبله في السلسلة دون المتأخّر؛

ص: 467


1- -حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 469.
2- - منية الطالب 1: 304، و2: 160.
3- - تقدّم في الجزء الأوّل: 376.
4- - حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 469.
5- - تقدّم في الجزء الأوّل: 378 و508 و544.
6- تقدّم في الجزء الأوّل: 466 و476.

بدعوى أنّ مقتضى «على اليد...» أن يكون ضمان العين مع خصوصياتها - من منافعها، وصفاتها الموجودة، والمتجدّدة ولو عند من تأخّر عن الآخذ - على آخذها (1).

وفيه ما لا يخفى؛ فإنّ الضمان على الفرض ضمان اليد، فإن كان المدّعى أنّ في ضمان المنافع والصفات لا تعتبر اليد حتّى تبعاً، وتكفي اليد على العين، فهو لا يستأهل الجواب؛ ضرورة أنّ الضمان بلا وجه، ومعه لا فرق بين المتقدّم والمتأخّر.

وإن كان المدّعى أنّ وقوع اليد على العين، وقوع على المنافع والصفات تبعاً، ولا يلزم الاستيلاء الاستقلالي، فهو صحيح، لكن لازمه عدم ضمان غير من استولى على المنافع والصفات بتبع العين.

ومع عدم تحقّق الوصف والمنافع إلاّ عند أحد من في السلسلة، لا وجه لضمان غيره، فلو صارت الشاة سمينة عند أحدهم، ثمّ صارت هزيلة عنده، فوصف السمن لم يكن موجوداً عند السابق، ولا تحت يده؛ ضرورة عدم كون المعدوم تحت اليد، فلا مقتضى للضمان بالنسبة إلى غيره، سابقاً كان أو لاحقاً.

ويمكن تقرير الضمان بأن يقال: على فرض كون العين المأخوذة على العهدة، يكون ما في العهدة - من الصفات والمنافع - تبعاً للخارج، فلو صار الخارج ذا صفة، اعتبرت الصفة في العين المعتبرة في الذمّة، فتشتغل الذمّة بها.

أو يقال: على فرض تعلّق العهدة بالعين الموجودة - عكس الفرض الأوّل -

ص: 468


1- منية الطالب 2: 160.

تكون العين الموجودة متعلّقة للعهدة، فكلّما حصل التغيّر فيها، حصل فيما هو متعلّق العهدة، فيجب أداؤه لرفع الضمان والعهدة.

ولكنّه مخدوش بتقريريه؛ لأنّ اعتبار العهدة أو التعهّد بالعين، تبع لقاعدة اليد، ولا يمكن تخلّفه سعةً وضيقاً عنها، ومقتضى القاعدة أنّ ما وقعت اليد عليه وكان مأخوذاً، صار مضموناً بأيّ نحو فرض، والأوصاف أو المنافع الحاصلة بعد خروج العين عن تحت استيلاء الآخذ، لا يعقل أن تصير مضمونة؛ لعدم وقوع اليد عليها، لا تبعاً ولا استقلالاً.

ويتلوهما في الضعف لو قيل: إنّ المنافع والأوصاف لا يلزم أن تقع تحت اليد، بل اليد على العين كافية في الضمان، وخروج عهدة العين لا يكون إلاّ بأدائها، وأداء منافعها، وقيم أوصافها.

لأنّ ثبوت العهدة بالنسبة إلى المنافع والأوصاف التي لم تكن موجودة - لا عند وقوع العين تحت اليد، ولا بعده ما دام كونها تحت اليد - ممنوع ولو قيل: بأنّ اليد على العين كافية للضمان بالنسبة إلى المنافع؛ إذ خروج العهدة بأداء قيم المنافع إنّما هو فيما ثبت الضمان فيه.

مع أنّ المبنى أيضاً مخدوش؛ ضرورة أنّ الدليل الوحيد للضمان هو اليد، من غير فرق بين ضمان الأعيان والمنافع، كما أنّ خروج العهدة بالنسبة إلى المنافع غير خروجها بالنسبة إلى الأعيان.

فدعوى: أنّ خروج عهدة العين متوقّف على أداء المنافع(1)، خالية عن

ص: 469


1- - حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 467؛ حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 2: 128.

الشاهد، بل الشاهد على خلافها.

كما أنّ دعوى صدق «الإتلاف» مع جعل العين تحت يد الغير(1)، ممنوعة، وعلى فرض التسليم - في الجملة - غير مطّردة، كما هو واضح.

والإنصاف: أنّه لا دليل على ضمان المتقدّم، سواء بقيت العين وتلفت المنافع الحاصلة تحت يد المتأخّر، أو تلفت العين أيضاً، وسواء في ذلك الأوصاف والمنافع والقيم إذا قلنا: بالضمان فيها أيضاً.

هذا كلّه حكم المالك مع من وقعت العين تحت يده، وقد بقي حكم قرار الضمان، وسيأتي الكلام فيه(2).

ص: 470


1- - حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 467.
2- - يأتي في الصفحة 483 و505.
حكم المشتري مع الفضولي
إشارة

وأمّا حكم المشتري مع الفضولي، فيقع الكلام فيه تارة: في الثمن واُخرى: فيما يغرمه للمالك زائداً على الثمن.

فهاهنا مسألتان:

المسألة الاُولى حول رجوع المشتري إلى الفضولي بالثمن

لا إشكال في جواز رجوعه إلى الفضولي بالثمن مع جهله بكونه فضولياً، سواء كان موجوداً أو تالفاً، بإتلاف منه أو لا، هذا بحسب الحكم الواقعي.

وأمّا بحسب الظاهر ومقام الترافع، فإن كان المشتري شاكّاً في كونه فضولياً وبقي على شكّه، واحتمل كون البائع مالكاً، يجب عليه ترتيب آثار الملكية، فلا يجوز له أخذ الثمن أو التصرّف فيه، ويجوز التصرّف المالكي في المبيع، كلّ ذلك لقاعدة اليد الكاشفة عن الملكية، إلاّ أن تقوم البيّنة على ملكية غيره.

ولمدّعي الملكية إقامة الدعوى على البائع وعلى المشتري، فإن أقام على المشتري، فحكم الحاكم بملكية المدّعي متّكلاً على البيّنة العادلة، فللمشتري الرجوع إلى الثمن، إلاّ إذا أصرّ على الإقرار بعد البيّنة، أو ادّعى العلم وعدم الاتّكال على اليد.

وإن اتّكل الحاكم على اليمين المردودة، لا يجوز له الرجوع.

كما أنّه لو حكم الحاكم بعلمه لا يجوز له الرجوع؛ لعدم حجّية علمه بالنسبة

ص: 471

إلى غيره، وعدم كون الحكم حجّة على الواقع، بل هو فاصل للخصومة، ولو أقام الدعوى على البائع فكذلك أيضاً.

ولو اتّكل الحاكم في الدعويين على البيّنة، وكانت عند المشتري فاسقة، فلا يجوز له النقض ظاهراً، فهل يجوز باطناً؟

الظاهر ذلك، كما لو ظهر فساد اجتهاده عنده قطعاً لا اجتهاداً، وفروع المسألة موكولة إلى محلّها.

وإن كان المشتري عالماً بالفضولية، فإن كان الثمن موجوداً، استردّه بلا إشكال حتّى مع تمليكه مجّاناً.

مع أنّ هذا الفرض خارج عن محطّ البحث؛ إذ محطّه ما إذا باع الفضولي - كالغاصب - لنفسه، واشترى المشتري منه، وتبادلا بحسب الخارج بين المثمن والثمن بعنوان أداء كلّ منهما العوض.

ففرض تمليكه مجّاناً - أي بلا ارتباط بالمعاملة، كفرض عدم تحقّق المعاملة، وفرض تسليمه النقد وإجازة تصرّفه فيه من غير نظر إلى المعاملة - خارج عن محلّ البحث.

فلا بدّ من تخصيص البحث في هذا الفرع والفرع اللاحق، بما إذا وقع البيع والشراء ممّن لا يعتني بالقوانين العرفية والشرعية، كما هو الحال في الظلمة والسرقة، فإنّهم يبيعون أموال الناس كأموالهم، كما هو الحال في المقبوض بالبيع الفاسد مع علمهما بالفساد، فالخمّار يبيع الخمر كالخلّ.

وأمّا المعتني بأحكام الشرع فلا يمكن له الجدّ بالمعاملة والتسليم بعنوان العوض.

ص: 472

فيقع الكلام حينئذٍ: في أنّ التبادل كذلك - أي مع الجدّ به - هل يوجب عدم جواز الاسترداد مع وجود الثمن، وعدم الضمان مع الإتلاف أو التلف؟:

أمّا مع وجوده، فلا ينبغي الإشكال في جوازه، بل في عدم جواز أخذ البائع الثمن والتصرّف فيه؛ لأنّ الأداء إنّما هو بعنوان لا ينطبق على الواقع، ولا يكون الأداء مجّاناً وابتداءً.

وبالجملة: إنّ التسليم إنّما هو بعنوان عوض المبيع، فلا يجوز له الأخذ والتصرّف، ولم يحصل مجوّز له؛ من ملك، أو إجازة تصرّف، والرضا المعاملي والعمل على طبقه ليس مجوّزاً ولا مملّكاً.

والشيخ الأعظم قدّس سرّه أصاب فيما أفاد: من عدم جواز تصرّف البائع في الثمن، وأنّه أكل مال بالباطل(1)، لكن ذلك مخالف لما أفاده في الفرع الآتي: من أنّ المشتري سلّطه على الثمن للتصرّف والإتلاف(2).

إلاّ أن يكون مراده في المقام التصرّف المعاملي، وفي الفرع الآتي التصرّف غير المعاملي، وهو أيضاً غير خال عن الإشكال.

كما أنّ ظاهره في المقام أنّ جواز الاسترداد؛ لعدم حصول الملكية، الظاهر منه أنّه لو حصلت الملكية لم يجز الاسترداد، مع أنّه تمليك مجّان، يجوز معه الرجوع والاسترداد مع بقائه على ما هو عليه.

واحتمال أن يكون مراده أنّ التمليك من المشتري، إذا كان في مقابل

ص: 473


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 485.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 486.

تمليك الفضولي - أي التمليك الباطل - لا يجوز له الرجوع؛ لأنّ المقابلة ليست بين المالين، بل بين تمليك الأصيل وتمليك الفضولي بالمعنى المصدري، مقطوع الخلاف، بل غير صحيح في نفسه.

ولو تلف الثمن فالمعروف عدم الضمان، بل هو المنسوب إلى المشهور(1)، بل ادّعي الاتّفاق عليه(2)، وقد تقدّم الكلام فيه(3).

وحاصله: أنّ الدليل على الضمان هو قاعدة اليد، وليس شيء مخصّصاً أو مقيّداً لها.

وما أفاده الأعلام قدّست أسرارهم: من أنّ التمليك مجّاني، أو أنّ الادّعاء يصحّح التمليك الاعتباري، لا التسليم الخارجي، قد مرّ الكلام فيه(4)، وقلنا: إنّ التسليط ليس مجّانياً.

والشاهد عليه: أ نّه لو سلّطه على الثمن، ولم يؤدّ البائع السلعة، يرجع إلى الثمن، وكذا لو لم يؤدّ البائع المثمن وظهر عنده تناكله، لم يؤدّ الثمن إليه بلا إشكال.

وكذا الشاهد عليه: أنّه تقع المماكسة في القيمة بينهما.

ص: 474


1- - تذكرة الفقهاء 10: 18؛ إيضاح الفوائد 1: 418 و420 - 421؛ مسالك الأفهام 3: 160؛ رياض المسائل 8: 125؛ اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 485.
2- - تذكرة الفقهاء 10: 18؛ إيضاح الفوائد 1: 417 و421؛ جواهر الكلام 22: 305؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 485.
3- - تقدّم في الصفحة 450 - 452.
4- - تقدّم في الصفحة 450 - 452.

وما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه: من أنّه سلّطه مقابل ملك غيره، فلم يضمّنه شيئاً من كيسه، فهو كالهبة الفاسدة(1).

فيه: أنّ ضمان اليد لا يتوقّف على تضمينه، بل اليد تمام الموضوع له، إلاّ أن يسلّطه عليه مجّاناً، ولا شباهة لذلك بالهبة الفاسدة، بل هو عمل على طبق البيع الفاسد.

نعم، لو اُغمض عن قاعدة اليد، فلا دليل على الضمان؛ لما مرّ في باب المقبوض بالبيع الفاسد: من أنّ الدليل الوحيد هو اليد مع التلف، وقاعدة الإتلاف معه، لا قاعدة الإقدام و«كلّ ما يضمن بصحيحه...» فراجع(2).

ثمّ إنّ كلّ ذلك فيما إذا باع الفضولي لنفسه، وأمّا إذا باع لمالكه، ودفع المشتري الثمن إليه ليردّه إلى المالك، فالظاهر عدم الرجوع إذا تلف في يد الفضولي بلا إفراط وتفريط؛ ضرورة أنّ يده أمانية كيد الوكيل، بل هو الوكيل في الردّ إلى المالك، فلا وجه للضمان إلاّ إذا أفرط أو أتلف، ولم يتّضح ما أفاده الشيخ قدّس سرّه من ثبوت الرجوع إليه مطلقاً (3).

وقد اتّضح ممّا مرّ حكم ما إذا كان الثمن كلّياً، فدفع المشتري بعض أفراده، فإنّه - على ما قرّرناه - ضامن، ويجوز الرجوع إليه في التلف والإتلاف.

ص: 475


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 486.
2- - تقدّم في الجزء الأوّل: 367 وما بعدها.
3- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 491 - 492.
المسألة الثانية: حكم ما يغترمه المشتري زائداً على الثمن
انحاء الغرامات

الغرامات التي يتحمّلها المشتري على أنحاء:

منها: ما تكون في مقابل العين، كزيادة القيمة على الثمن، كما إذا تلفت العين ورجع إليه المالك، وكانت القيمة المأخوذة منه أكثر من الثمن.

ومنها: ما تكون في مقابل ما استوفاه، كسكنى الدار والثمرة.

ومنها: ما تكون في مقابل المنافع غير المستوفاة.

ومنها: الغرامة من جهة حفر نهر، أو غرس، أو نفقة، أو نقص وصف، ونحو ذلك.

الاستدلال بقاعدة الغرور على رجوع المشتري إلى الغارّ
إشارة

ثمّ لو كان المشتري عالماً فلا رجوع في شيء ممّا ذكر؛ إذ لا دليل عليه، وأمّا إذا كان جاهلاً فالظاهر الرجوع في الجميع:

أمّا الأخير منها، فقد ادّعي الإجماع عليه(1)، وتدلّ عليه قاعدة الغرور.

ص: 476


1- - كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 2: 655؛ رياض المسائل 12: 289؛ اُنظر مفتاح الكرامة12: 631؛ جواهر الكلام 37: 181؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 493 - 494.
بيان قاعدة الغرور ومدركها

وهي قاعدة مسلّمة، لها دليل مستقلّ بعنوانها، ولا يكون مستندها قاعدة الإتلاف، ولا قاعدة الضرر.

بل لا يمكن أن يكون المستند ذلك؛ لأنّ عنوان «الغرور» منطبق على حيثية تباين حيثية الإتلاف والإضرار، ضرورة أنّه صادق في المقام على بيع مال الغير خدعة وتدليساً، فالعنوان صادق قبل الإتلاف والضرر رتبةً بل وزماناً، وقاعدتا الإتلاف والضرر لا تنطبقان إلاّ بعد الإتلاف والضرر.

فالعنوانان متباينان، ولا يعقل كون دليل قاعدة، ما دلّ على قاعدة مباينة لها.

ولو سومح فلا أقلّ من كونهما معها من قبيل العامّين من وجه، وفي مثله أيضاً لا يمكن أن يكون الدليل على قاعدة الغرور ما هو نسبته إليهما كذلك، فلا بدّ إمّا من إنكار قاعدة الغرور، أو إثباتها بغير دليل الإتلاف والإضرار.

والتحقيق: أنّها قاعدة برأسها وعنوانها، لا لما نسب إلى النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «المغرور يرجع إلى من غرّه» لعدم ثبوت استناد الأصحاب في الحكم إليه، وقرب احتمال استنادهم إلى الروايات الآتية.

والعجب من بعض الأجلّة حيث قال: «ربّما ينسب إلى النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «المغرور يرجع إلى من غرّه» كما حكي عن المحقّق الثاني في «حاشية الإرشاد»(1) ويمكن دعوى انجبار ضعفها بالشهرة؛ فإنّ هذه القضيّة بهذا

ص: 477


1- - راجع حياة المحقّق الكركي وآثاره، حاشية إرشاد الأذهان 9: 338.

اللفظ متداولة في ألسنتهم»(1).

ضرورة أنّ المرسلة بهذا الإرسال لا يمكن دعوى جبرها مع عدم استنادهم إليها، وقرب احتمال اصطيادها من الأخبار الخاصّة:

كرواية إسماعيل بن جابر - التي هي صحيحة أو كالصحيحة؛ إذ ليس في سندها إلاّ محمّد بن سنان، وهو ثقة على الأصحّ - قال: سألت أبا عبداللّه (عليه السّلام) عن رجل نظر إلى امرأة فأعجبته، فسأل عنها، فقيل: هي ابنة فلان.

فأتى أباها فقال: زوّجني ابنتك، فزوّجه غيرها فولدت منه، فعلم بعد أنّها غير ابنته، وأنّها أمة.

قال: «تردّ الوليدة على مواليها، والولد للرجل، وعلى الذي زوّجه قيمة ثمن الولد، يعطيه موالي الوليدة كما غرّ الرجل وخدعه»(2).

ولا يخفى: أنّ المتفاهم عرفاً أنّ غرور الرجل وخدعته علّة للرجوع، فيفهم منه أنّ المغرور يرجع إلى من غرّه وخدعه، وتستفاد منه قاعدة كلّية سارية.

والظاهر من أخذ العنوان هو موضوعيته، فالغرور موجب للرجوع في الخسارات، سواء كان إتلافاً أو لا، وضرراً أو لا.

ثمّ لا يخفى: أنّ عناوين «الغرور» و«الخدعة» و«التدليس» بحسب اللغة والعرف ودلالة الأخبار، ترجع إلى شيء واحد، وقد فسّر في اللغة كلّ بالآخر.

ص: 478


1- - حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 286.
2- - الكافي 5: 408 / 13؛ وسائل الشيعة 21: 220، كتاب النكاح، أبواب العيوب والتدليس، الباب 7، الحديث 1.

وقوله (عليه السّلام) في الرواية المتقدّمة: «كما غرّ الرجل وخدعه» ظاهر في أنّهما بمعنى واحد، لا أنّ الغرور قاعدة، والخدعة قاعدة اُخرى، أو كلّ من العنوانين جزء موضوع، وهو واضح.

وقد ورد في باب تدليس الجارية لفظ «الغرور» في رواية «دعائم الإسلام» فقال في القرن والجذام ونحوهما: «ويرجع بالمهر على من غرّه بها، وإن كانت هي التي غرّته رجع به عليها»(1).

فيظهر منها أنّ التدليس والغرور أمر واحد، فيصحّ الاستدلال لقاعدة الغرور بروايات باب التدليس، كمعتبرة رفاعة بن موسى(2) قال: سألت أبا عبداللّه (عليه السّلام)... إلى أن قال: وسألته عن البرصاء.

قال: «قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في امرأة زوّجها وليّها وهي برصاء، أنّ لها المهر بما استحلّ من فرجها، وأنّ المهر على الذي زوّجها، وإنّما صار عليه المهر؛ لأنّه دلّسها، ولو أنّ رجلاً تزوّج امرأة، وزوّجه إيّاها رجل لا يعرف

ص: 479


1- - دعائم الإسلام 2: 231 / 865؛ مستدرك الوسائل 15: 46، كتاب النكاح، أبواب العيوب والتدليس، الباب 1، الحديث 5.
2- - رواها الكليني عن عدّة من أصحابنا، عن سهل، عن أحمد بن محمّد، عن رفاعة بن موسى. والتوصيف بالمعتبرة لأجل سهل بن زياد، فإنّه ثقة عند المصنّف. قال في كتاب طهارته: إنّ سهل بن زياد وإن ضعّف لكن المتتبّع في رواياته يطمئنّ بوثاقته من كثرة رواياته وإتقانها واعتناء المشايخ بها فوق ما يطمئنّ من توثيق أصحاب الرجال. راجع رجال النجاشي: 185 / 490؛ الفهرست، الطوسي: 142 / 339؛ الطهارة، الإمام الخميني قدس سره 1: 71، 78 و267 - 268.

دخيلة أمرها، لم يكن عليه شيء، وكان المهر يأخذه منها»(1) وقريب منها غيرها (2).

ويظهر من ذيلها ومن بعض روايات اُخر التفصيل بين العالم والجاهل(3)، والظاهر أنّ الجاهل خارج موضوعاً، لا أنّه مدلّس ولا حكم له، واعتبار العلم في مادّة الخديعة والتدليس ظاهر من العرف واللغة.

وفي «المجمع»(4) و«القاموس»(5) و«الصحاح»(6): التدليس كتمان عيب السلعة عن المشتري، وقريب منه في «المنجد»(7).

وفيه(8) وفي «المجمع»(9) و«القاموس»(10): غرّه خدعه وأطمعه بالباطل.

وفي «المنجد»: خدعه أظهر له خلاف ما يخفيه(11).

ص: 480


1- - الكافي 5: 407 / 9؛ تهذيب الأحكام 7: 424 / 1697؛ وسائل الشيعة 21: 212، كتاب النكاح، أبواب العيوب والتدليس، الباب 2، الحديث 2.
2- راجع وسائل الشيعة 21: 211، كتاب النكاح، أبواب العيوب والتدليس، الباب 2.
3- - راجع وسائل الشيعة 21: 211 - 212، كتاب النكاح، أبواب العيوب والتدليس، الباب 2، الحديث 1 و2 و4.
4- - مجمع البحرين 4: 71.
5- - القاموس المحيط 2: 224.
6- - صحاح اللغة 3: 930.
7- - المنجد: 222.
8- - المنجد: 546.
9- - مجمع البحرين 3: 422.
10- - القاموس المحيط 2: 104.
11- - المنجد: 170.

وفي «المجمع»: الخدع: إخفاء الشيء(1).

وبعد ما كان الغرور بمعنى الخدعة وقد اُخذ فيها العلم، يتّضح حال الغرور أيضاً، مع أنّ عدم الإحراز والشكّ كافٍ في عدم جواز التمسّك بقاعدة الغرور في مورد الجهل.

كما أنّ التفصيل المستفاد من الرواية المتقدّمة وغيرها، سارٍ في قاعدة الغرور أيضاً، بعد كونهما معنى واحداً.

فإثبات الضمان بقاعدة الغرور في الجاهل بالواقعة، في غاية الإشكال، بل غير ممكن؛ لأنّه متوقّف على إثبات كون الغرور غير التدليس والخديعة، وإثبات أعمّيته من حال العلم والجهل، وهما في معرض المنع.

ثمّ إنّ الظاهر من نحو قوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «المغرور يرجع إلى من غرّه»(2) وكذا موارد سائر الروايات، أنّ الحكم بالرجوع ثابت فيما إذا كان الغرور والخديعة دخيلاً بنحو من الدخالة في إقدام المغرور، كما لو دعاه إلى ارتكابه، وزيّنه في نظره وأغراه به، أو أخفى العيب؛ بحيث لو كان ظاهراً لما أقدم عليه، كموارد روايات التدليس.

وأمّا لو كان للفاعل داعٍ إلى الإقدام؛ بحيث لم تؤثّر دعوته ولا إغراؤه فيه، وكان ممّن يرتكب حتّى مع علمه بالواقعة، فهو خارج عن القاعدة.

كما أنّ الظاهر أنّ الرجوع إنّما هو في الخسارات الواردة عليه لأجل

ص: 481


1- - مجمع البحرين 4: 320.
2- - تقدّم في الصفحة 477.

غروره، فلو لم تحصل له خسارة فلا رجوع.

فحينئذٍ لو كان الرجل عازماً على اشتراء الطعام لأكله وأكل عائلته، فقدّم إليه طعام الغير أو طعام نفسه فأكله، وكانت قيمته مساوية لما عزم على اشترائه أو أقلّ منه، لم يقع في خسارة وضرر عرفاً.

أو أراد استئجار محلّ لسكناه بقيمة، فسلّم إليه داراً ليسكنها، فاتّضح أنّها لنفسه أو لغيره، لم يكن واقعاً في خسارة عرفاً، وفي المنافع المستوفاة أيضاً كذلك إذا كان محتاجاً إليها؛ بحيث لو لم تكن حاصلة له لحصّلها بطريق آخر.

ففي جميع تلك الموارد لم يقع في خسارة، وهو خارج عن مفاد القاعدة، فما هو المعروف من الضمان ليس على إطلاقه متّجهاً.

وما يظهر من روايات التدليس(1) - من أنّها حكمت بالضمان مع حصول النفع له - لا ينافي ما ذكرناه؛ لأنّ حصول النفع شيء، وعدم تحقّق الخسارة شيء آخر، فالمهر في تلك الروايات الحاكمة بضمانه، خسارة على الزوج، وليس الدخول بها مقابلاً له حتّى يقال: بعدم تحقّق الخسارة.

ثمّ إنّ الظاهر من عدّة من الروايات وصريح بعضها أنّ الغارّ ضامن، واحتمال أن يكون الحكم بالجبر تكليفياً، أو أنّ للمغرور حقّ الرجوع، وليس من قبيل الضمان، ساقط، ففي رواية إسماعيل بن جابر: «وعلى الذي زوّجه قيمة ثمن الولد»(2) ويستفاد منها قاعدة كلّية.

ص: 482


1- - راجع وسائل الشيعة 21: 211، كتاب النكاح، أبواب العيوب والتدليس، الباب 2.
2- - تقدّم في الصفحة 478.

وكذا تستفاد القاعدة والضمان من رواية رفاعة بن موسى المتقدّمة(1).

وفي روايات شاهد الزور في أبواب الشهادات: «يضمنان الصداق»(2) وليس في الروايات ما يخالف الضمان؛ فإنّ رجوع المغرور إلى الغارّ يؤيّد الضمان، وهذا لا إشكال فيه.

بيان كون ضمان الغارّ والمتلف في عرض واحد

إنّما الإشكال في أنّ الغارّ ضامن لصاحب المال المتلف في عرض المتلف، ولصاحب المال الرجوع إلى أيّهما شاء، فلو رجع إلى الغارّ لا يرجع الغارّ إلى المتلف، ولو رجع إلى المتلف يرجع هو إلى الغارّ، نظير ضمان اليد في الأيادي المتعاقبة، بناءً على ما قالوه: من استقرار الضمان على من تلف عنده أو بيده(3)؟

أو أنّ الضمان على المتلف، وليس للمالك الرجوع إلى الغارّ، بل له أخذ ماله من المتلف، وبعد أخذه منه يرجع هو إلى الغارّ؟

أو أنّ الضمان على الغارّ دون المتلف، فمن أتلف مال الغير وهو مغرور، لا يضمن شيئاً، بل الغرور موجب لتوجّه الضمان - الذي كان بحسب القواعد على المتلف - إلى الغارّ، وسلبه عن المغرور؟

ص: 483


1- - تقدّم في الصفحة 479.
2- - الكافي 7: 384 / 7؛ تهذيب الأحكام 6: 260 / 689؛ وسائل الشيعة 27: 330، كتاب الشهادات، الباب 13، الحديث 1.
3- - تذكرة الفقهاء 10: 18؛ جامع المقاصد 6: 225 - 226؛ اُنظر مفتاح الكرامة 18: 97؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 508.

وجوه، أوجهها بحسب جمع الروايات أوّلها؛ فإنّها على طوائف:

منها: ما هو ظاهر في أنّ الضمان على الغارّ ابتداءً، كرواية إسماعيل بن جابر المتقدّمة، قال: «تردّ الوليدة على مواليها، والولد للرجل، وعلى الذي زوّجه قيمة ثمن الولد، يعطيه موالي الوليدة كما غرّ الرجل وخدعه»(1).

فيظهر منها أنّ القيمة على الغارّ، ولا بدّ من إعطائها الموالي، فللموالي مطالبة القيمة منه، فيكون الغارّ ضامناً لهم، لا أنّ الزوج ضامن قيمة الولد للموالي، وبعد إعطائها يجوز له الرجوع إلى الغارّ، فلو كان الحكم كذلك، كان عليه البيان بعد كونه في مقام بيان الحكم.

ويستفاد من ذيلها أنّ القاعدة الكلّية كذلك، فكلّ من غرّ الرجل وخدعه في كلّ مورد، يكون ضامناً للمضمون له ابتداءً.

وكرواية رفاعة بن موسى المتقدّمة(2) وفيها: «أنّ المهر على الذي زوّجها، وإنّما صار عليه المهر؛ لأنّه دلّسها» إذ الظاهر منها أنّ كلّ مدلّس يتوجّه الضمان إليه، فللزوجة مطالبة مهرها من الوليّ ابتداءً.

بل المتفاهم منها ومن السابقة وغيرها - ممّا هو قريب منها - أنّ الضمان الذي كان على المغرور لولا الغرور، يتعلّق بالغارّ.

ومنها: ما هو ظاهر في أنّ الضمان على المغرور، وله الرجوع إلى الغارّ بعد أداء الغرامة، كرواية جميل المتقدّمة(3)، وفيها: «يأخذ الجارية المستحقّ، ويدفع

ص: 484


1- - تقدّم في الصفحة 478.
2- - تقدّم في الصفحة 479.
3- - تقدّم في الجزء الأوّل: 381.

إليه المبتاع قيمة الولد، ويرجع على من باعه بثمن الجارية وقيمة الولد التي اُخذت منه»(1).

وقريب منها رواية زرارة، وفيها: «يردّ إليه جاريته، ويعوّضه بما انتفع» قال: كأنّ معناه قيمة الولد(2) وروايته الاُخرى(3).

ولا منافاة بين الطائفتين، والجمع بينهما أنّ الضمان على المغرور وعلى الغارّ جميعاً، كما في ضمان الأيادي المتعاقبة، ولصاحب المال الرجوع إلى أيّ منهما، لكن لو رجع إلى المغرور يرجع هو إلى الغارّ، ويستقرّ الضمان عليه.

ومنها: رواية إبراهيم بن عبدالحميد، عن أبي عبداللّه (عليه السّلام): في شاهدين شهدا على امرأة بأنّ زوجها طلّقها فتزوّجت، ثمّ جاء زوجها فأنكر الطلاق.

قال: «يضربان الحدّ، ويضمنان الصداق للزوج، ثمّ تعتدّ، ثمّ ترجع إلى زوجها الأوّل»(4).

وبمناسبة الحكم يعلم ثبوت كونهما كاذبين، وأنّ شهادتهما زور.

وفي رواية أبي بصير، عن أبي عبداللّه (عليه السّلام) في الشهادة بالموت: «ويضرب

ص: 485


1- - تهذيب الأحكام 7: 82 / 353؛ وسائل الشيعة 21: 205، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد والإماء، الباب 88، الحديث 5.
2- - الكافي 5: 216 / 13؛ تهذيب الأحكام 7: 64 / 276؛ وسائل الشيعة 21: 204، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد والإماء، الباب 88، الحديث 2.
3- - تهذيب الأحكام 7: 83 / 357؛ وسائل الشيعة 21: 204، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد والإماء، الباب 88، الحديث 4.
4- - تقدّم في الصفحة 483، الهامش 2.

الشاهدان الحدّ، ويضمنان المهر لها عن الرجل»(1).

ولا منافاة بينهما وبين ما تقدّمت؛ فإنّ قوله (عليه السّلام): «يضمنان الصداق للزوج» إنّما هو بعد فرض أداء الزوج الصداق، كما لعلّه المتعارف في تلك الأزمنة والظاهر من جملة من الروايات.

كما أنّ الظاهر من رواية أبي بصير أنّهما ضمنا المهر، ويجوز للمرأة الرجوع إليهما، وكان الصداق الذي ترجع به إليهما هو من قبل الرجل، فلا يجوز لها بعد الأخذ منهما الرجوع إلى الرجل بالمهر.

فالجمع بين جميع الروايات بما تقدّم: من ضمان الغارّ والمغرور، وجواز الرجوع إليهما، ورجوع المغرور بعد الأداء إلى الغارّ.

وبما ذكر يظهر أنّه لو أبرأ المضمون له المغرور المتلف، ليس له الرجوع إلى الغارّ، فلو أبرأت المرأة الزوج من المهر، ليس لها الرجوع به إلى الغارّ؛ لأنّ الضمان كان عنه.

وبعبارة اُخرى: إنّ الزوج ضامن للزوجة، والغارّ ضامن لها عن الزوج؛ أي ضامن لها ما هو ضامن لها، فعليه ضمان ما هو ضامن، فإذا سقط ضمان الزوج سقط ضمانه، نظير الضمان بمعنى ضمّ ذمّة إلى ذمّة بوجه.

ولو أبرأت المرأة الغارّ، لم يكن له تأثير إلاّ في عدم جواز رجوعها إليه، فلها أخذ المهر من الزوج بعد إبراء الغارّ، وللزوج الرجوع إليه بعد الأداء.

ص: 486


1- - الفقيه 3: 36 / 119؛ تهذيب الأحكام 6: 286 / 791؛ وسائل الشيعة 27: 330، كتاب الشهادات، الباب 13، الحديث 2.
الاستدلال بقاعدة الإتلاف على رجوع المشتري إلى الغارّ
إشارة

واستدلّ على رجوع المشتري إلى البائع في المقام بقاعدة الإتلاف، قال الشيخ الأعظم قدّس سرّه: فإنّ البائع متلف، عليه ما يغرمه، فهو كشاهد الزور الذي يرجع إليه إذا رجع عن شهادته(1).

أقول: لا بأس بالتعرّض لقاعدة الإتلاف وحدودها عرفاً وشرعاً، ثمّ النظر في أنّ المقام مشمول لها، وإن تعرّضنا لأصل القاعدة فيما سبق(2).

بيان قاعدة الإتلاف ومدركها

فالظاهر أنّ قاعدة الإتلاف - بنطاق أوسع من مفهوم «الإتلاف» - أمر عقلائي، فلو أتلف مال الغير، أو أفسده، أو أكله، أو عيّبه، أو أفسده على صاحب المال ولو لم يفسده في نفسه، كمن سلّم مال الغير إلى غاصب لا يمكن أخذه منه، أو أخرج الطير من قفصه... إلى غير ذلك من التضييع والإفساد، فهو ضامن عند العقلاء، يرجع بعضهم إلى بعض في الضمان.

ويدلّ على ذلك روايات في أبواب متفرّقة.

منها: موثّقة سماعة(3) قال: سألته عن المملوك بين شركاء، فيعتق أحدهم نصيبه.

ص: 487


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 494.
2- - تقدّم في الجزء الأوّل: 466، 499، 588 - 589 و592 - 593.
3- - راجع ما تقدّم في الصفحة 165، الهامش 1.

فقال: «هذا فساد على أصحابه، يقوّم قيمة، ثمّ يضمن الثمن الذي أعتقه؛ لأنّه أفسده على أصحابه»(1).

وصحيحة سليمان بن خالد، عن أبي عبداللّه (عليه السّلام) قال: سألته عن المملوك بين شركاء، فيعتق أحدهم نصيبه.

قال: «ذلك فساد على أصحابه، فلا يستطيعون بيعه ولا مؤاجرته» قال: «يقوّم قيمة، فيجعل على الذي أعتقه عقوبة، وإنّما جعل ذلك لما أفسده»(2).

فيظهر منهما ومن غيرهما أنّ الإفساد على المالك موجب للضمان، سواء كان في نفسه فساداً أم لا، فالعلّة للضمان هو الفساد على المالك؛ بنحو لا يمكن له الانتفاع المتوقّع من ملكه.

فالحيلولة بين المالك وملكه - كإ لقائه في البحر، أو إخراج طيره من القفص ونحو ذلك - إفساد على المالك، وموجب للضمان، ويستفاد من ذلك قاعدة الإتلاف وأوسع منها، فيفهم العرف منه أنّ الإفساد بالتعييب أو بالحرق ونحوهما، موجب للضمان.

نعم، مقتضى قاعدة الإتلاف هو ضمان النقص الحاصل للمال، لا التقويم بما ذكر في تلك الطائفة، ولعلّ التقويم لأجل عدم إمكان الاستفادة من العبد الذي اُعتق شقص منه، فهو بحكم التلف.

ص: 488


1- - الكافي 6: 183 / 5؛ تهذيب الأحكام 8: 220 / 789؛ وسائل الشيعة 23: 37، كتاب العتق، الباب 18، الحديث 5.
2- - تهذيب الأحكام 8: 220 / 790؛ وسائل الشيعة 23: 39، كتاب العتق، الباب 18، الحديث 9.

وكيف كان: لا يضرّ ذلك بالمقصود؛ من استفادة الضمان للإتلاف والإفساد.

ومنها: رواية عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه (عليه السّلام)، في وط ء أحد الشركاء الجارية المشتراة، وفيها: «تقوّم الجارية، ويغرم ثمنها للشركاء، فإن كانت القيمة في اليوم الذي وطأ أقلّ ممّا اشتريت به، فإنّه يلزمه أكثر الثمن؛ لأنّه أفسدها على شركائه، وإن كانت القيمة في اليوم الذي وطأ أكثر ممّا اشتريت به، يلزمه الأكثر؛ لاستفسادها»(1).

والظاهر أنّ الإفساد لأجل احتمال الحبل، كما يشعر به أو يدلّ عليه بعض روايات الباب(2)، أو يقيّد بحصول الحبل، كما يدلّ عليه بعض آخر(3).

وكيف كان: يستفاد منها قاعدة الإتلاف وأزيد منها كما أشرنا إليه.

ومنها: ما وردت في ضمان الأجير إذا أفسد، كصحيحة الحلبي، عن أبي عبداللّه (عليه السّلام) قال: سئل عن القصّار يفسد.

فقال: «كلّ أجير يعطى الاُجرة على أن يصلح فيفسد، فهو ضامن»(4).

ص: 489


1- - الكافي 7: 194 / 1؛ تهذيب الأحكام 10: 29 / 96؛ وسائل الشيعة 28: 119، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 22، الحديث 4.
2- - راجع وسائل الشيعة 28: 120، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 22، الحديث 6.
3- - راجع وسائل الشيعة 28: 121، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 22، الحديث 7 و8.
4- - الكافي 5: 241 / 1؛ تهذيب الأحكام 7: 219 / 955؛ وسائل الشيعة 19: 141، كتاب الإجارة، الباب 29، الحديث 1.

ومعلوم أنّ الضمان لأجل الإفساد من غير دخالة للأجير فيه.

نعم، لا يبعد أن يستفاد من نحوها أنّ المصلح من غير أخذ الأجر - إذا أفسد من غير تقصير - فهو غير ضامن؛ لقاعدة الإحسان.

وكرواية إسماعيل بن أبي الصباح، أو إسماعيل بن صباح، أو إسماعيل عن أبي الصباح، وفيها: عن القصّار يسلّم إليه المتاع فيخرقه أو يحرقه، أيغرمه؟

قال: «غرمه بما جنت يده»(1).

ويظهر منها أنّ الجناية مطلقاً موجبة للضمان.

ومنها: حسنة سدير(2)، عن أبي جعفر (عليه السّلام): في الرجل يأتي البهيمة.

قال: «يجلد دون الحدّ، ويغرم قيمة البهيمة لصاحبها؛ لأنّه أفسدها عليه، وتذبح وتحرق وتدفن إن كانت ممّا يؤكل لحمه، وإن كانت ممّا يركب ظهره اُغرم قيمتها، وجلد دون الحدّ، وأخرجها من المدينة التي فعل بها فيها إلى بلاد اُخرى؛ حيث لا تعرف، فيبيعها فيها؛ كي لا يعيّر بها صاحبها»(3).

ويظهر منها أنّ الإفساد على صاحب المال - بأن تمتنع عليه التصرّفات المطلوبة ولو بحكم الشارع الأقدس - موجب للضمان، فمن جعل عصير

ص: 490


1- - الفقيه 3: 161 / 705؛ تهذيب الأحكام 7: 221 / 968؛ وسائل الشيعة 19: 143، كتاب الإجارة، الباب 29، الحديث 8.
2- - الرواية حسنة بسدير، فإنّه لم يرد في حقّه توثيق، وكان من أصحاب الإمام السجّاد والباقر والصادق عليهم السّلام. اُنظر اختيار معرفة الرجال: 210 / 371 و372؛ خلاصة الأقوال: 165 / 3.
3- - الكافي 7: 204 / 1؛ تهذيب الأحكام 10: 61 / 220؛ وسائل الشيعة 28: 358، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب نكاح البهائم، الباب 1، الحديث 4.

عنب الغير خمراً، أو أراق على كرّ من الخلّ قطرة من خمر، يكون ضامناً؛ لأنّه أفسده على صاحبه.

بل الظاهر أنّ المناط في الضمان هو الإفساد على صاحب المال، لا إفساد نفس المال، وإفساد المال أيضاً لأجل الإفساد على صاحبه موجب للضمان.

والمراد من الإفساد على الصاحب، جعله بحيث يمتنع عليه التصرّف شرعاً، كالمذكور في الرواية، أو عقلاً كما لو ألقاه في البحر؛ بحيث لا يرجى عوده، فإنّه إتلاف على صاحبه وإفساد عليه، بل لو سلّم مال الغير إلى ظالم لا يمكن استرجاعه، شملته الرواية.

فمضمون الرواية أعمّ من قاعدة الإتلاف؛ لأنّ إتلاف المال إفساد على صاحبه، كما أنّ الموارد المتقدّمة إفساد عليه.

ويظهر من ذيل الرواية أنّه بعد الاغترام يكون ما أدّى غرامته للضامن؛ فإنّ الظاهر أنّ الفاعل في «اُغرم» و«أخرجها» و«يبيعها» هو الضامن، ويفهم عرفاً منه أنّ الثمن له كما هو واضح، ويستفاد ذلك من بعض الروايات المتقدّمة(1) أيضاً.

بل الظاهر أنّ الاعتبار العرفي مساعد لذلك، فمن كسر زجاج الغير وأدّى غرامته تامّة، يتملّك بأداء الغرامة الأجزاء المكسورة.

نعم، لو كان لشيء مادّة وصورة ذات قيمة، وأتلف صورته، وأدّى غرامتها، كانت المادّة لمالكه، والمسألة محلّ كلام وإشكال، ولها محلّ آخر.

ص: 491


1- - تقدّم في الصفحة 488.

ومنها: موثّقة إسحاق بن عمّار(1) - على رواية الصدوق قدّس سرّه - قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن الرجل يرهن الرهن بمائة درهم، وهو يساوي ثلاثمائة درهم فيهلكه، أ على الرجل أن يردّ على صاحبه مائتي درهم؟

قال: «نعم؛ لأنّه أخذه رهناً فيه فضل وضيّعه»(2).

ويفهم من التعليل أنّ كلّ من ضيّع مال الغير وأهلكه، فهو ضامن.

واحتمال أن يكون الضمان لليد؛ فإنّه إذا همّ بالإهلاك تتبدّل يده الأمانية إلى الضمان، فلو هلك أيضاً يكون ضامناً، بعيد جدّاً؛ لظهورها في أنّ التضييع والإهلاك موجب للضمان.

وإن شئت قلت: إنّ الغاصب مثلاً لو أتلف المال المغصوب، يكون ضمانه ضمان إتلاف، لا ضمان يد؛ لقوّة سببية الإتلاف.

نعم، على رواية الكليني قدّس سرّه (3) يكون الضمان لليد؛ لأنّ الظاهر من قوله: «فيهلك» هو الهلاك لا بفعله.

وقوله (عليه السّلام): «ضيّعه» على رواية الكليني، محمول على الإهمال والتفريط؛ بقرينة «هلك» و«يهلك».

وأمّا رواية أبان بن عثمان، عن أبي عبداللّه (عليه السّلام) قال: «في الرهن إذا ضاع من عند المرتهن من غير أن يستهلكه، رجع بحقّه على الراهن فأخذه،

ص: 492


1- - الرواية موثّقة بإسحاق بن عمّار، على ما نسبه الشيخ إليه من مذهب الفطحية. الفهرست، الطوسي: 54 / 52؛ اُنظر رجال النجاشي: 71 / 169.
2- - الفقيه 3: 199 / 904؛ وسائل الشيعة 18: 391، كتاب الرهن، الباب 7، الحديث 2.
3- الكافي 5: 234 / 9.

وإن استهلكه ترادّا الفضل بينهما»(1).

فإن كان «استهلكه» بمعنى «أهلكه» يكون كموثّقة إسحاق على رواية الصدوق قدّس سرّه، وإن كان المراد منه جعله في معرض الهلاك فكأنّه طلب هلاكه، يكون - نحو رواية الكليني قدّس سرّه - راجعاً إلى ضمان اليد.

وكيف كان: لا إشكال في دلالة الأدلّة المتقدّمة على قاعدة الإتلاف بنطاق أوسع على ما مرّ.

بيان قاعدة التسبيب ومدركها

وهل هنا قاعدة اُخرى، وهي قاعدة التسبيب؟

ومحلّ الكلام ما إذا لم يكن التسبيب موجباً لصدق «الإتلاف» عرفاً، كالإلقاء في النار، أو في البحر، أو عند حيوان مفترس؛ فإنّ الضمان في مثله للإتلاف، لصدق «المتلف» عرفاً على الملقي.

ويمكن الاستدلال عليها بأخبار كثيرة في أبواب متفرّقة:

منها: روايات ضمان من رجع عن شهادته، كمرسلة جميل، عن أحدهماH: قال في الشهود إذا شهدوا على رجل، ثمّ رجعوا عن شهادتهم وقد قضي على الرجل: «ضمنوا ما شهدوا به وغرموا، وإن لم يكن قضي طرحت شهادتهم ولم يغرموا»(2).

ص: 493


1- - الفقيه 3: 196 / 893؛ تهذيب الأحكام 7: 172 / 765؛ وسائل الشيعة 18: 386، كتاب الرهن، الباب 5، الحديث 2.
2- -الكافي 7: 383 / 1؛ الفقيه 3: 37 / 124؛ تهذيب الأحكام 6: 259 / 685؛ وسائل الشيعة 27: 326، كتاب الشهادات، الباب 10، الحديث 1.

وصحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في رجل شهد عليه رجلان بأنّه سرق، فقطع يده، حتّى إذا كان بعد ذلك جاء الشاهدان برجل آخر فقالا: هذا السارق، وليس الذي قطعت يده، وإنّما شبّهنا ذلك بهذا، فقضى عليهما أن غرّمهما نصف الدية، ولم يجز شهادتهما على الآخر»(1) وقريب منها غيرها (2).

ومنها: روايات شاهد الزور كصحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي عبداللّه (عليه السّلام): في شاهد الزور ما توبته؟

قال: «يؤدّي من المال الذي شهد عليه بقدر ما ذهب من ماله...» إلى آخره(3).

وصحيحة جميل، عنه (عليه السّلام): في شاهد الزور.

قال: «إن كان الشيء قائماً بعينه ردّ على صاحبه، وإن لم يكن قائماً ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل»(4).

دلّت الطائفة الاُولى على أنّ الشاهد لمّا صار سبباً أو جزء سبب للزوم حكم

ص: 494


1- - الكافي 7: 384 / 8؛ تهذيب الأحكام 6: 261 / 692؛ وسائل الشيعة 27: 332 كتاب الشهادات، الباب 14، الحديث 1.
2- تهذيب الأحكام 6: 285 / 788، و10: 153 / 613؛ وسائل الشيعة 27: 332، كتاب الشهادات، الباب 14، الحديث 2 و3.
3- - الكافي 7: 383 / 2؛ تهذيب الأحكام 6: 260 / 687؛ وسائل الشيعة 27: 327، كتاب الشهادات، الباب 11، الحديث 1.
4- - الكافي 7: 384 / 3؛ تهذيب الأحكام 6: 260 / 688؛ وسائل الشيعة 27: 327، كتاب الشهادات، الباب 11، الحديث 2.

القاضي، وكان القاضي ملزماً شرعاً بالحكم بعد تمامية ميزان القضاء، كان الغرم عليه، لا على القاضي الملزم بالحكم.

والشاهد حال شهادته وإن كان معذوراً، لكنّ العذر موجب لرفع العقوبة والتكليف، لا لرفع الحكم الوضعي والضمان، فشهادتهما موجبة لانقطاع يد المالك عن ماله بنحو.

ولو قيل: إنّ الشاهدين أيضاً تجب عليهما الشهادة، وهما محسنان، ولا سبيل على المحسن.

يقال: وجوب الشهادة لا يرفع الضمان، والإحسان بالنسبة إلى المحكوم عليه ممنوع.

وإنّما لم نقل بضمان القاضي - مع أنّه بحكمه انقطعت يد المالك عن ماله، لا بصرف شهادة الشهود - لأنّ شهادة الشهود سبب أصيل في انقطاع يده وذهاب ماله، فتأمّل.

نعم، إسراء الحكم من موردهما إلى غيرهما مشكل، إلاّ بدعوى إلغاء الخصوصية، وهي مشكلة.

وأمّا الطائفة الثانية وهي العمدة، فدلالتها على المطلوب لأجل أنّ الإتلاف هاهنا غير المعنى المعهود؛ أي إفناء المال وإهلاكه، ضرورة أنّ المدّعي الكاذب الذي شهد الشاهدان زوراً بنفعه، لو أخذ المال وأتلفه، أو تلف عنده، ضمن بضمان الإتلاف أو اليد، والمتلف هو المدّعي حقيقة لا الشاهدان، ولا يعقل أن يكون لشيء واحد إتلافان وتلفان.

فإتلاف المدّعي غير إتلاف الشاهد، فالمدّعي متلف ومفنٍ للمال، وضامن

ص: 495

بضمان الإتلاف، والشاهد موجب - بنحو - لقطع يد المالك عن ماله، وامتناع تصرّفه فيه.

ففي الحقيقة: يكون الشاهد سبباً لذهاب المال من يد مالكه، فيكون قد أتلف المال على المالك؛ أي أذهبه من يده.

وهذا غير ضمان اليد، وغير ضمان الإتلاف، بل ضمان لأجل التسبيب لخروج المال من يد مالكه، لا التسبيب الابتدائي وبلا وسط، كإخراج الطير من قفصه، أو تسليم المال إلى الظالم الذي لا يرجى الأخذ منه، أو تخمير العصير العنبي ونحوها؛ ممّا قدّمنا أنّها يستفاد حكمها من أدلّة ضمان الإتلاف.

بل المقام من قبيل التسبيب مع الوسط؛ فإنّ الشهادة موضوعة لوجوب حكم الحاكم، وحكمه فاصل للخصومة، وموجب لانقطاع يد المالك عن ماله في ظاهر الشرع، فشاهد الزور موجب لذهاب ماله من يده، كما عبّر به في صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة.

فالمراد من ذهاب ماله فيها، وإتلاف مال الرجل في صحيحة جميل، أمر واحد، وهو انقطاع يده عن ماله؛ بنحو لا يرجى العود، وإن كان المتلف الحقيقي شخصاً آخر، كما هو المفروض في المقام.

ويستفاد من قوله (عليه السّلام): «بقدر ما ذهب من ماله» وقوله (عليه السّلام): «بقدر ما أتلف من ماله» أنّ تمام الموضوع للضمان هو الإتلاف على مالكه والإذهاب من يده، فيستفاد من التعبيرين اللذين هما بمنزلة التعليل عرفاً، أنّ كلّ فعل يوجب ذهاب المال من يد مالكه - تكويناً، أو شرعاً، بلا وسط، أو مع الوسط بنحو ما في المقام - موجب للضمان.

ص: 496

لكن مع ذلك فالمسألة لا تخلو من إشكال:

لا لاحتمال أن يكون الضمان في شاهد الزور جعلياً لتأديبه؛ ضرورة أ نّه مخالف للظاهر، فإنّ قوله (عليه السّلام): «ضمن بقدر ما أتلف» ظاهر في أنّ الضمان للإتلاف.

مع أنّ الروايات التي بصدد بيان مجازاته - من التعزير، والحبس، والطواف به حتّى يعرفه الناس - ساكتة عن التضمين، فيعلم أنّ الضمان أمر، والتأديب والسياسة أمر آخر.

ولا لاحتمال أن يكون «الإتلاف» بمعنى إتلاف المال - كما هو ظاهر الروايات - لا الإتلاف على المالك، كما مرّ احتماله وكان مبنى الاستدلال لضمان التسبيب، وإنّما نسب إليه الإتلاف عناية؛ لكون الوسائط كأنّهم مسلوبوا الاختيار؛ فإنّ القاضي والمجري لحكمه ملزمان شرعاً بالحكم والإجراء، فلا يمكن استفادة قاعدة التسبيب بنحو الإطلاق؛ لأنّ نسبة الإتلاف إليه بالعناية إنّما تصحّ إذا كانت الوسائط جميعاً مسلوبة الاختيار كالقاضي، وأمّا مع كون المتلف الحقيقي غير مسلوب الاختيار كما في المقام، فلا تصحّ العناية والانتساب كذلك.

بل لأنّ الإسراء من المورد إلى سائر الموارد، لا بدّ وأن يكون لأجل فهم العلّية وتمامية الموضوع:

إمّا لظهور اللفظ في ذلك، وهو في المقام ممنوع؛ للفرق بين ذكر الحكم وتعقيبه بما تفهم منه علّته، ولو لم تذكر فيه أداة التعليل - كقوله (عليه السّلام) في رواية إسماعيل بن جابر: «وعلى الذي زوّجه قيمة ثمن الولد، يعطيه موالي الوليدة،

ص: 497

كما غرّ الرجل وخدعه»(1) - وبين ذكره مجرّداً عنه، كقوله (عليه السّلام): «ضمن بقدر ما أتلف»(2) حيث إنّه بصدد بيان الحكم، ويشكل فهم العلّية منه بحيث تعمّم وتخصّص.

وإمّا لإلغاء الخصوصية عرفاً، وهو أيضاً مشكل بعد كون المورد ذا خصوصية ظاهرة، ولهذا يضرب الحدّ بما يرى الإمام (عليه السّلام)، ويطاف ويحبس، مضافاً إلى الضمان.

نعم، لا إشكال في دخالة الإتلاف بالمعنى الذي تقدّم، في الحكم، وأمّا كونه تمام الموضوع والعلّة التامّة، فغير ظاهر.

ثمّ إنّ هنا روايات كثيرة، مثل ما دلّت على ضمان من أضرّ بطريق المسلمين(3) وضمان خطأ القاضي على بيت المال(4) وضمان المفتي(5)

ص: 498


1- - تقدّم في الصفحة 478.
2- - تقدّم في الصفحة 494.
3- - نحو ما عن أبي عبداللّه عليه السّلام: «من أضرّ بشيء من طريق المسلمين فهو له ضامن»، وغيره. راجع وسائل الشيعة 29: 241، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان، الباب 8، الحديث 2، والباب 9، الحديث 1 و2.
4- - نحو ما عن الأصبغ بن نباتة، قال: قضى أمير المؤمنين عليه السّلام: «أنّ ما أخطأت القضاة في دم، أو قطع، فهو على بيت مال المسلمين». وسائل الشيعة 27: 226، كتاب القضاء، أبواب آداب القاضي، الباب 10، الحديث 1.
5- - نحو ما عن عبدالرحمان بن الحجّاج، قال: كان أبو عبداللّه عليه السّلام قاعداً في حلقة ربيعة الرأي، فجاء أعرابي، فسأل ربيعة الرأي عن مسألة، فأجابه، فلمّا سكت قال له الأعرابي: أهو في عنقك؟ فسكت عنه ربيعة، ولم يردّ عليه شيئاً، فأعاد المسألة عليه، فأجابه بمثل ذلك، فقال له الأعرابي: أهو في عنقك؟ فسكت ربيعة، فقال أبو عبداللّه عليه السّلام: «هو في عنقه»، قال: «أو لم يقل: وكلّ مفتٍ ضامن»؟! وسائل الشيعة 27: 220، كتاب القضاء، أبواب آداب القاضي، الباب 7، الحديث 2.

وضمان الطبيب والبيطار(1) وضمان صاحب البختي المغتلم(2) وضمان صاحب الدابّة إذا أفسدت بالليل(3)... إلى غير ذلك؛ ممّا يمكن أن يقال: إنّه يستفاد منها أو من أكثرها كون الضمان تسبيبياً.

لكن مع مجال للمناقشة فيها؛ لأنّ أوضحها روايات الإضرار بطريق المسلمين، ويقرب فيها احتمال أن يكون جعل الضمان؛ لأجل صلاح المارّة لا للتسبيب.

ص: 499


1- - نحو ما عن أبي عبداللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «من تطبب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليّه، وإلاّ فهو له ضامن». وسائل الشيعة 29: 260، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان، الباب 24، الحديث 1.
2- - نحو ما عن أبي عبداللّه عليه السّلام قال: سئل عن بختي اغتلم فخرج من الدار فقتل رجلاً فجاء أخو الرجل فضرب الفحل بالسيف؟ فقال: «صاحب البختي ضامن للدية ويقتصّ ثمن بختيه...» الحديث. وسائل الشيعة 29: 250، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان، الباب 14، الحديث 1.
3- - نحو ما عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليهم السّلام قال: كان علي عليه السّلام: «لا يضمن ما أفسدت البهائم نهاراً»، ويقول: «على صاحب الزرع حفظ زرعه، وكان يضمن ما أفسدت البهائم ليلاً»، وغيره. راجع وسائل الشيعة 29: 276، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان، الباب 40، الحديث 1 و2 و3.

بل الإضرار ليس تسبيبياً بمعناه الواقعي، وإن كانت له دخالة في حصول الضرر، وعدّوه من الأسباب؛ أي أطلقوا عليه ذلك(1).

وكيف كان: لا يمكن الإسراء إلى موارد اُخر، واستفادة قاعدة التسبيب بنحو ما رمناه.

نعم، لا بدّ من الإسراء إلى بعض الموارد التي تكون نظير ما في الروايات، على ما أفتى به الفقهاء(2) في باب الضمان وموجباته، والكلام فيها موكول إلى محلّها.

وكيف كان: لا يدخل المورد الذي نحن بصدده - وهو ضمان البائع ما غرمه المشتري - في دليل الإتلاف، ولو بنطاقه الواسع على ما مرّ (3)؛ لأنّ البيع أو تسليم المبيع إلى المشتري، ليس إفساداً لمال المشتري المغترم، ولا إتلافاً له بوجه.

كما أنّ ما دلّت على الضمان بالتسبيب - على ما مرّ بعضها (4)، وأشرنا إلى بعض(5) - على طوائف:

منها: ما لا يتوسّط فيه بين السبب والتلف فعل اختياري رأساً، كضمان من أضرّ بطريق المسلمين، فينفّر الدابّة، ويوجب التلف، بل مع عثر المارّة؛ فإنّ

ص: 500


1- - شرائع الإسلام 4: 237؛ الروضة البهيّة 4: 476؛ جواهر الكلام 43: 103 - 104.
2- - شرائع الإسلام 3: 186؛ قواعد الأحكام 2: 221 - 225؛ الدروس الشرعية 3: 107؛ جامع المقاصد 6: 213.
3- تقدّم في الصفحة 487.
4- تقدّم في الصفحة 493.
5- - تقدّم في الصفحة 498 - 499.

وضع القدم وإن كان فعلاً اختيارياً، لكن العثر الذي هو موجب للإتلاف والتلف، ليس اختيارياً.

ومنها: ما يتوسّط فيه بينهما فعل اختياري، لكن فاعله كان ملزماً عقلاً أو شرعاً، كموارد ضمان الشاهد إذا رجع، أو كان زوراً في موارد القطع(1).

ومنها: ما يتوسّط فيه بينهما فعل فاعل مختار غير ملزم، كالشاهد الراجع، وشاهد الزور في الأموال(2)، فإنّ المتلف هو المحكوم له، وهو مختار.

ومنها: ما تكون الواسطة فيه كالآلة عرفاً، كضمان الطبيب إن قلنا: بأنّ الطبابة - على النحو المتعارف في هذا العصر - مشمولة للرواية بإطلاقها، وأمّا لو كان الطبيب مباشراً كالبيطار، فالضمان للإتلاف.

ومنها: ما يكون الضمان فيه لأجل ترك الحفظ اللازم، كضمان صاحب البختي المغتلم(3)، وضمان ما أفسدت الدابّة بالليل(4)، والدابّة الداخلة على مستراح دابّة اُخرى(5) وضمان صاحب الكلب إذا عقر(6).

ص: 501


1- - تقدّم في الصفحة 494.
2- - راجع وسائل الشيعة 27: 327، كتاب الشهادات، الباب 11.
3- - تقدّم في الصفحة 499، الهامش 2.
4- - تقدّم في الصفحة 499، الهامش 3.
5- - الكافي 7: 352 / 6 - 7؛ تهذيب الأحكام 10: 229 / 901 - 902؛ وسائل الشيعة 29: 256، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان، الباب 19، الحديث 1 و2.
6- - الكافي 7: 351 / 5؛ تهذيب الأحكام 10: 213 / 841، و228 / 897 و899؛ وسائل الشيعة 29: 254، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان، الباب 17، الحديث 1 و2 و3.

وما نحن بصدده ليس مشمولاً لمورد من تلك الموارد؛ لعدم سببية البيع، ولا تسليم المبيع بنحو من الأسباب المتقدّمة في تلف ماله أو غرامته، من غير فرق بين ما لا ينتفع به وغيره.

فإن قيل: لولا البيع لما وقع في الغرامة.

يقال: نعم، لكنّ البيع ليس سبباً، بل حصول المبيع في يده موضوع لحصول الغرامات، وهو غير السبب، كما أنّه لولا وجود المقتول لما وقع القتل، لكنّه ليس مستنداً إليه، وهو واضح.

الاستدلال بقاعدة الضرر على رجوع المشتري إلى الغارّ

واستدلّ الشيخ قدّس سرّه على الضمان بقاعدة الضرر، بل عدّ التغريم في مورد النفع - بلا رجوع إلى الغارّ - ضرراً عظيماً، وقال: صدق «الضرر» و«إضرار الغارّ» ممّا لا يخفى(1).

أقول: تمامية المدّعى تتوقّف على كون القاعدة مشرّعة للضمان، وعلى كون مطلق الغرامة ضرراً، وعلى كون الغارّ سبباً للضرر.

وفي الجميع نظر؛ لما حقّقناه في محلّه: من أنّ القاعدة من النواهي السلطانية السياسية، لا مشرّعة للضمان، ولا حاكمة على أدلّة الأحكام الشرعية(2)، ومع الغضّ عنه لا مانع من كونها مشرّعة.

ص: 502


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 499.
2- - بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر، الإمام الخميني قدس سره: 74.

وتوهّم: عدم جواز استفادة نفي الأحكام الضررية وإثبات الضمان من لفظ واحد واستعمال فارد، فاسد؛ لأنّه مع بقاء النفي بحاله، لا إشكال في أنّ نفي الضرر والضرار - مع وجودهما في الخارج - من الحقائق الادّعائية، لا المجاز في الكلمة، ولا في الحذف، ولا بدّ في ادّعاء نفي الحقيقة في الخارج من مصحّح، وهو في المقام سدّ جميع أنحاء الضرر في حيطة الإسلام.

فلو أجاز الشارع الأقدس إيقاع الضرر على الغير - نفساً أو مالاً - لم تصحّ دعواه، كما أنّه لو شرّع الأحكام الضررية فكذلك.

وهكذا لو أوقع شخص ضرراً على الغير؛ نفساً كالقتل والجرح، أو مالاً، ولم يحكم بجبره، لم تصحّ دعواه، فمصحّح الدعوى هو سدّ جميع أنحاء الضرر، فيستفاد منها القصاص والديات والتقاصّ والضمانات.

وإن شئت قلت: إنّ إطلاق ادّعاء نفي الضرر شامل لجميع ما ذكر.

نعم، قد أوردنا على صحّة هذه الدعوى في محلّها (1)، لكنّ الكلام مع الغضّ عنه.

وما قيل: من أنّ القاعدة لو كانت مثبتة للحكم لما استقام حجر على حجر، ولزم تدارك كلّ خسارة من بيت المال أو من الأغنياء(2)، غير ظاهر؛ لأنّ الخسارات الواقعة على الأشخاص في السوق - من المعاملات ونحوها - غير مربوطة بشرع الإسلام وقوانينه، وتحمّل الضارّ الخسارة السوقية لا يوجب إشكالاً.

ص: 503


1- بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر، الإمام الخميني قدس سره: 56 - 57.
2- - منية الطالب 2: 171.

فإثبات الضمان والقصاص والدية بها، لا مانع منه، بل هو مقتضى الإطلاق.

ثمّ على فرض تمامية هذا المدّعى، يمكن المناقشة في كون كلّ غرامة ضرراً عرفاً، فلو ذهب لاستئجار دار بمائة دينار، فأشار إليه شخص: بأن يسكن في دار إجارتها مائة دينار أو أقلّ، فسكن فاتّضح أنّها للغير، فأخذ الإجارة منه ليس ضرراً عليه عرفاً؛ فإنّه كان يستأجرها لسكناه، ولم تكن زائدة على قيمتها العادلة.

وبالجملة: إعطاء قيمة ما يحتاج إليه الإنسان، لا يعدّ ضرراً عرفاً.

ولو سلّم ذلك، يمكن المناقشة في المقدّمة الأخيرة؛ فإنّ البائع وإن كان غارّاً، لكنّه ليس سبباً للضرر بوجه، فلو قلع المالك الشجر من أرضه، يكون الضارّ هو القالع بلا إشكال، وإن كان إضراره لا حكم له وضعاً ولا تكليفاً.

ومع كونه متلفاً وضارّاً، لا يعقل أن يكون البائع أيضاً متلفاً وضارّاً، بل البائع ليس سبباً للإضرار بوجه.

نعم، لولا البيع وحصول العين بيده، لم يتوجّه إليه ضرر، لكن مجرّد ذلك لا يوجب صدق «الإضرار» و«الإتلاف» كما أنّه لولا المظلوم لما وقع ظلم، ومع ذلك لا يكون المظلوم سبباً له.

فالبائع محقق لموضوع البناء في الملك، لا سبب بنائه أو هدمه، كما أنّ باني البناء أيضاً ليس سبباً لهدمه، وإن صدق «أ نّه لولا البناء لما وقع الهدم».

وكيف كان: فالمعتمد في المقام قاعدة الغرور، وشمولها لجميع موارد المقام محلّ مناقشة.

ص: 504

ثبوت الضمان على الغارّ والمغرور وجميع الأيادي المتعاقبة
إشارة

ثمّ إنّ الظاهر من الأخبار المتقدّمة التي تستفاد منها قاعدة الغرور: أنّ الغارّ والمغرور كليهما ضامنان، وأنّ لصاحب المال الرجوع إلى أيّ منهما شاء، وإن استقرّ الضمان على الغارّ، كما مرّ الكلام فيه مستقصىً(1).

كما أنّ الظاهر من دليل اليد ضمان الأيادي المتعاقبة.

والمعروف أنّ السابق يرجع إلى اللاحق، ويستقرّ الضمان على من تلف في يده(2).

فيقع الإشكال في مقامين:
المقام الأوّل: كيفية اشتغال ذمم متعدّدة بمال واحد

أنّ مقتضى وحدة التالف وحدة الضمان، فكيف يمكن تحقّق ضمانات كثيرة لشيء واحد، وكيف يمكن أن يكون المهر على الزوج وعلى الغارّ، كما هو مقتضى الروايات(3)؟!

وبالجملة: إنّ تعدّد اشتغال الذمم ينافي البدلية المقتضية للوحدة.

والجواب: أنّ الضمان والغرامة وجبر الخسارة والبدلية والعوضية، ماهيات

ص: 505


1- - تقدّم في الصفحة 483.
2- - اُنظر مفتاح الكرامة 18: 97.
3- - وسائل الشيعة 21: 211، كتاب النكاح، أبواب العيوب والتدليس، الباب 2؛ مستدرك الوسائل 15: 45، كتاب النكاح، أبواب العيوب والتدليس، الباب 1.

لا تقبل التكرار، لا عرضاً، ولا طولاً، فالغرامة لا يعقل أن تتكرّر؛ بحيث يقع لها مصداقان بصفة الغرامة، فإذا كان عليه عشرة فأدّى عشرين، لا يعقل وقوع تمام العشرين بصفة الغرامة.

كما أنّه إذا أدّى العشرة، لا يعقل أن تقع العشرة الثانية غرامة وجبراناً وعوضاً وبدلاً، بل في المثال الأوّل تقع العشرة المشاعة غرامة، وفي الثاني يقع أوّل مصداق غرامة.

فإذا ضمن الاثنان أو الأكثر مال الغير بضمان اليد مثلاً، يقع على عهدة كلٍّ المال بعنوان الغرامة، فتشتغل ذمّة كلّ منهما أو منهم بضمان البدل أو ضمان الخسارة، ولازم ذلك - بعد عدم تعقّل التكرار في الماهية - أنّ كلاًّ منهم ضمن ما ضمن الآخر؛ أي المال بعنوان الغرامة.

كما أنّ لازم ذلك، هو أنّ كلاًّ منهم مكلّف بأداء الغرامة، لكن إذا اغترم أحدهم، سقط باغترامه عنوان الغرامة، والمفروض أنّ ما تعلّق بذمم الباقين، هو المال بعنوان الغرامة والبدلية لا غير، فإذا سقطت البدلية والغرامة، ينتفي موضوع الضمان والغرامة.

فالإشكال ليس من ناحية اشتغال الذمم، بل من ناحية أنّ اللازم وجوب اغترامات كثيرة لشيء واحد، وقد علم أنّ ذلك غير لازم من اشتغالات الذمم؛ لأنّ كلّ ذمّة مشتغلة - مستقلّة - بعنوان واحد لا يعقل التكرار فيه.

وهذا نظير كفالة أزيد من واحد عن شخص واحد، فإنّ كلاًّ كفيل مستقلاًّ، وعلى عهدة كلّ إحضار المكفول، ولكن عنوان الإحضار أمر غير قابل للتكرار، ولا يعقل إحضاران بعد كون المطلوب والمضمون صرف الوجود.

ص: 506

وهذا أمر موافق لاعتبار العقلاء وللأدلّة؛ فإنّ ظاهر «على اليد ما أخذت...»(1) أنّ كلّ أخذ سبب للضمان إذا تلف، فإذا تلف يضمن كلّ آخذ بضمان مستقلّ تعييناً، لكن ماهية الضمان تأبى عن التكرار.

وإن شئت قلت: كلّ منهم ضامن لما ضمنه غيره.

وممّا ذكرنا يظهر حال ضمان المهر؛ فإنّ المهر أيضاً أمر لا يقبل التكرار، فالزوج ضامن لما ضمنه الغارّ، والغارّ كذلك، وإذا أدّى كلّ منهما في عرض الآخر، لا يقع تمام ما أدّيا مهراً، وهو واضح.

وربّما يقال: إنّ الواحد الذي يعتبر في محالّ متعدّدة، تارة: يكون واحداً شخصياً، واُخرى: كطبيعي البدل واحداً طبيعياً.

فالأوّل: لا تتبدّل وحدته بفرضها في محالّ متعدّدة اعتبارية، بخلاف الثاني، فإنّ طبيعي البدل يتحصّص بكلّ ذمّة، ومورد الإشكال هو البدل.

ففرض البدلية يقتضي الوحدة، وفرض تعدّد الذمم المقتضي لتعدّد الحصص مناف للبدلية(2).

وفيه: أنّ تعدّد الذمم، لا يوجب تحصّص الطبيعي بعد فرض عدم إمكان التكرار فيه، وما يوجب التحصّص هو القيود اللاحقة بالطبيعي، لا اعتباره في

ص: 507


1- - المسند، أحمد بن حنبل 15: 121 / 19969، و133 / 20009، و138 / 20032؛ سنن ابن ماجة 2: 802 / 2400؛ السنن الكبرى، البيهقي 6: 95؛ عوالي اللآلي 1: 224 / 106، و389 / 22، و2: 345 / 10، و3: 246 / 2؛ مستدرك الوسائل 14: 7، كتاب الوديعة، الباب 1، الحديث 12، و17: 88، كتاب الغصب، الباب 1، الحديث 4.
2- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 311.

الذمم؛ إذ ليس الاعتبار فيها كالوجود الذهني الموجب للتكثّر، ولا برهان على أنّ الاعتبار - كذلك - مقتضٍ للتحصّص.

بل الواقع على خلافه؛ لأنّ الماهية غير القابلة للتكرار إذا اعتبرت في الذمم، تكون ما اعتبرت في ذمّة عين ما اعتبرت في الاُخرى.

ولعلّ الخلط بين الوجود الذهني والاعتباري في الذمم، موجب للاشتباه، فلا فرق بين الواحد الشخصي والنوعي في ذلك أصلاً.

مع أنّ في الوجود الذهني إذا تعلّق اللحاظ بنفس الماهية، أيضاً كلاماً.

وأمّا ما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه في ظاهر كلامه، وتبعه السيّد الطباطبائي قدّس سرّه: من ضمان الكلّ على البدل(1)، فهو كالفرار من المطر إلى الميزاب؛ لأنّه تخلّص من إشكال عقلائي بإشكال عقلي مخالف لظاهر الأدلّة؛ فإنّه لا وجود للذمّة على البدل، كما أنّه لا يعقل وقوع يد - بنحو على البدل - على مال الغير.

فالأيادي المتعيّنة وقعت على المال، ولازمه ضمان الأيادي المتعيّنة، فالذمّة على نحو البدل - مع أنّها غير متحقّقة بل ممتنعة الوجود - لا دليل على ضمانها بهذا النحو، ويمكن إرجاع كلامه إلى ما ذكرنا بتكلّف.

كما أنّ ما أفاده بعض الأعاظم قدّس سرّه: من عدم إمكان كون المال الواحد في عهدة شخصين، على نحو الاستقلال، في عرض واحد، ويمكن ذلك إذا كان ضمان أحدهم في طول ضمان الآخر رتبة، وإن كان في عرض الآخر زماناً.

ففي تعاقب الأيادي يكون الغاصب الأوّل ضامناً لما يكون مخرجه في ذمّة

ص: 508


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 505؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 306.

الثاني، والثاني ضامناً لما يضمنه الأوّل(1).

ثمّ كرّر هذه الدعوى، ولم يأت بشيء مقنع، ولم يبرهن على عدم إمكان العرضية، ولا على إمكان الطولية.

فيه: أنّ الضمان عرضاً لا امتناع فيه؛ إذ غاية تقريره: أنّ بدل الواحد واحد، ومقتضى الضمان المتعدّد تعدّد البدل، فيكون الواحد متكثّراً، أو المتكثّر واحداً، وهو محال.

وفيه ما عرفت: من أنّ اعتبار الواحد الكذائي في الذمم المتعدّدة، لا يوجب تكرّر البدل، فإذا قيل: «إنّ مهر الزوجة على الزوج وعلى الغارّ، ويجوز للزوجة الرجوع إلى كلّ منهما، وهما ضامنان في عرض واحد للزوجة» يرجع ذلك - عند العقل والعقلاء - إلى أنّ ما اعتبر في عهدة الزوج، هو الذي اعتبر في عهدة الوليّ؛ فإنّ المهر كالأعيان الشخصية غير قابل للتكرّر.

ولو اُغمض عن ذلك، فالطولية التي ادّعاها لا ترجع إلى محصّل، ولا يدفع بها الإشكال، فإنّه إن كان المراد من قوله: إنّ الأوّل ضامن لما في ذمّة الثاني، والثاني ضامن لما يضمنه الأوّل، أنّ كل واحد منهما ضامن لما يضمنه الآخر، فلا تعقل الطولية؛ للزوم تقدّم كلّ على الآخر رتبة، وهو محال.

مع أنّ الإشكال بحاله مع الغضّ عمّا ذكرناه.

وإن كان المراد أنّ كلاًّ ضامن لما تعلّق في ذمّة الآخر، فهو أفسد؛ لأنّه مع ورود الإشكال المتقدّم عليه، يرد عليه: أنّه لا وجه لضمان ما في العهدة؛

ص: 509


1- - منية الطالب 2: 180 - 182.

لعدم وقوع اليد عليه، ولا سبب آخر للضمان.

وإن كان المراد أنّ الأوّل ضامن للعين، والثاني ضامن لها بوصف كونها مضمونة، فالضمان تعلّق بها موصوفة بوصف الضمان، فالطولية لأجل أنّ موضوع الضمان في الثاني هو شيء متقيّد بضمان الأوّل.

ففيه: مضافاً إلى أنّ السبب للضمان هو اليد على المال لا غير؛ لظهور دليله، وكونه على نسق واحد في الجميع، ولأنّه لو كان القيد دخيلاً في الضمان لا يعقل ضمان الأوّل؛ لفقد القيد، فلا يعقل ضمان الثاني أيضاً؛ لأنّ موضوعه متقيّد بضمان الأوّل.

أنّه لا يدفع به الإشكال أيضاً؛ لأنّ المهمّ في الإشكال كون بدل الواحد أزيد من واحد، ولازم ضمان الأوّل العين، وضمان الثاني العين المتقيّدة بضمان الأوّل، أنّ كليهما ضامنان للمالك فعلاً، وعلى كلّ واحد منهما بدل، وللمالك الرجوع إلى أيّ منهما شاء، ومجرّد كون ضمان الثاني متأخّراً رتبة عن ضمان الأوّل، لا يوجب نفي البدلية.

نعم، لو كان التأخّر بمعنى عدم اجتماع الضمانين، وعدم تعدّد البدلين، كان له وجه، كضمان الغارم للمغترم، وضمان الثاني للأوّل في تعاقب الأيادي، لكنّ الواقع غير ذلك كما اعترف به.

والإنصاف: أنّ ما أتعب به نفسه الشريفة - مع عدم صحّته في نفسه، وعدم دفع الإشكال به - تبعيد للمسافة، فالتحقيق ما تقدّم، من غير لزوم التزام الطولية.

وأمّا ما أفاده المحقّق الخراساني قدّس سرّه: من أنّ المأخوذ ثابت في عهدة كلّ

ص: 510

واحد عيناً، وهي ليست إلاّ اعتباراً خاصّاً عقلائياً، له منشأ مخصوص، وله آثار خاصّة؛ من وجوب ردّ العين عيناً لو كانت اليد واحدة، وكفائياً لو كانت متعدّدة، ووجوب التدارك عند التلف، من دون اشتغال الذمّة به أصلاً حتّى زمان التلف؛ لبقاء ضمان العين مع عدم التأدية.

ولذا لو رجع التالف على خلاف العادة، يجب ردّه، فلا اشتغال للذمّة، كي يلزم اشتغال ذمّة المتعدّد ببدل واحد.

وأمّا كون الواحد في عهدة المتعدّد؛ بحيث يجب على كلّ واحد - كفائياً - ردّه، فهو بمكان من الإمكان(1)، انتهى ملخّصاً.

فهو مع كونه فراراً عن الإشكال، والمقصود دفعه على مذهب المشهور، ومع عدم صحّته في نفسه إن أراد أنّ ضمان اليد عقلائي؛ لأنّ ضمانها - على ما مرّ - ليس عقلائياً، ولا سيّما مع تعاقب الأيادي على الوجه المطلوب والمفتى به، فلا بدّ من الرجوع إلى قاعدة اليد التعبّدية، وقد مرّ في محلّه أنّ الأظهر فيها هو المذهب المشهور(2)، كما هو الأمر في سائر أبواب الضمان.

أنّ الإشكال لا يدفع بذلك، ولا سيّما على مسلكه في الواجب الكفائي؛ من أنّه سنخ وجوب متعلّق بالكلّ، ولو أتى الجميع به يكون الكلّ ممتثلاً(3)؛ فإنّ تعلّق التكليف على كلّ واحد بأداء البدل عرضاً، يلزم منه تعدّد البدل لشيء واحد، مع الغضّ عمّا ذكرناه؛ من أنّ سنخ البدل أمر لا يقبل التكرار.

ص: 511


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 82 - 83.
2- - تقدّم في الصفحة 467.
3- - كفاية الاُصول: 177.

فعلى ما سلكناه لا إشكال مع اشتغال الذمم، وعلى ما ذكره يرد الإشكال حتّى مع عدم الاشتغال.

مع أنّ ما أفاده لو سلّم في ضمان اليد، لا يتمّ في باب الغارّ والمغرور، الظاهر من الأدلّة أنّ كليهما ضامنان، فراجع(1).

مع أنّ لازم عدم اشتغال الذمّة، وكون عهدة العين تستتبع أحكاماً تكليفية، أنّه لو مات الضامن لا يجوز الرجوع إلى تركته، ولا أظنّ التزامه به، إلاّ أن يلتزم بأنّه أيضاً حكم عقلائي، لم يردع عنه الشارع، وهو كما ترى.

وقد وجّهه بوجه غير مرضيّ في تعليقته(2)، فراجع.

المقام الثاني: توجيه رجوع الضامن السابق إلى اللاحق
إشارة

المعروف أنّ المالك إذا رجع إلى أحد من في السلسلة في الأيادي المتعاقبة، وأخذ منه العوض، فله الرجوع إلى اللاحق ممّن في السلسلة، دون السابق، فكلّ سابق له الرجوع إلى لاحقه بلا وسط أو معه، دون العكس، ويستقرّ الضمان على آخر من فيها (3).

ومفروض الكلام فيما إذا لم يكن غرور في البين، ولا إتلاف، بل فيما إذا تلف بآفة سماوية ما في يد الأخير، ولم يكن أحد من في السلسلة مغروراً.

والإنصاف: أنّ المسألة من المشكلات، وإقامة البرهان عليها في

ص: 512


1- - تقدّم في الصفحة 505.
2- - حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 83.
3- راجع مفتاح الكرامة 18: 97.

غاية الإشكال، ولهذا تراهم يتشبّثون باُمور غير مرضيّة، وكلاًّ يذهب يميناً وشمالاً، ولم يأتوا بشيء يمكن الاتّكال عليه.

ولا بدّ قبل التعرّض لما أفادوا رحمهم اللّه تعالى من تقديم اُمور:

الأمر الأوّل: ظاهر «على اليد» الضمان لخصوص ما وقع تحت اليد

قد مرّ غير مرّة أنّ ظاهر «على اليد...» الضمان لما وقع تحت اليد من الأعيان وأوصافها ومنافعها ولو كانت على بعضها تبعاً، دون ما لم يقع تحت اليد(1).

فلو غصب العين التي لها منافع تدريجية، وخرجت عن تحت يده بغصب آخر قبل فوات المنافع، وفاتت تحت يد الثاني، يكون الأوّل ضامناً لنفس العين، والثاني لها وللمنفعة الفائتة.

ولو حصل لها وصف مرغوب فيه لدى ثالث، وفات في يد رابع، ضمنا الوصف؛ لوقوعه تحت يدهما، وأمّا الأوّلان فلا يضمنان ذلك.

فما قيل: من أنّ اليد موجبة لنقل كلّ خسارة من المالك إلى الأخير؛ بمعنى أنّ الخسارات الواقعة على المالك - لولا يد الضمان - تكون على الضامن بواسطة أخذه(2).

غير مرضيّ لو أراد بذلك أنّ الخسارات مطلقاً - سواء كانت اليد واقعة على منشئها أم لا - مضمونة؛ ضرورة أنّه لا دليل في الباب إلاّ قاعدة اليد، وظاهرها أنّ ما وقع تحت اليد فهو عليها.

ص: 513


1- - تقدّم في الجزء الأوّل: 652، وتقدّم في الصفحة 468.
2- - الغصب، المحقّق الرشتي: 122 / السطر14 - 15.

ومعنى كونه عليها في العرف، أنّه لو تلف يكون على عهدته، فما لم تقع اليد عليه لا دليل على كونه مضموناً.

فالقول: بانتقال الخسارات إلى الآخذ - مع كونه تعبيراً غير مرضيّ - لا دليل عليه.

كما أنّ احتمال كون المضمون نفس العين، لا المنافع والأوصاف، غير مرضيّ؛ لمنع الظهور في اليد الاستقلالية غير التبعية، بل مقتضى الإطلاق أعمّ.

الأمر الثاني: الغرامات عند العقلاء

لا ينبغي الإشكال في أنّ باب الغرامات والضمانات عند العقلاء غير باب المعاوضات، فمن أتلف مال الغير ألزمه العرف بالغرامة، من غير اعتبار التالف ملكاً له.

ولو عبّر أحياناً ب-«البدل» و«العوض» ليس معناه أنّ المعاوضة وقعت بحكم العرف - قهراً على الطرفين - بين المعدوم والموجود، بل باب الغرامات باب جبر الخسارة، ولا يخطر ببال أحد من العرف المعاوضة والمبادلة.

كما لا يخطر ببالهم أنّ جبر الخسارة عوض موجب لكون التالف المعدوم ملكاً للغارم، أو أنّ المعدوم حال عدمه ملك لصاحبه.

وإنّما هو احتمال أحدثه بعض المحقّقين قدّس أسرارهم(1)، هذا حال العرف.

وأمّا الضمان في الشرع، فليس أمراً مغايراً لما في العرف، والدليل عليه أنّ

ص: 514


1- - الغصب، المحقق الرشتي: 122 / السطر 21؛ حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 1: 518، و2: 315.

الأدلّة الواردة في باب الضمانات، لم تتعرّض لكيفية الضمان، بل أوكلها الشارع الأقدس إلى العرف، وإنّما حكم بالضمان في الموارد الكثيرة من غير استشمام اعتبار المعاوضة بين التالف والغرامة.

فما قد يقال: من أنّ باب الغرامة باب المعاوضة الشرعية القهرية(1)، لا دليل عليه، بل ظواهر الأدلّة التي أوكلت باب كيفية الضمان إلى العرف على خلافه.

مع أنّ الضرورة قاضية بأنّ الضمان في أبوابه معنى واحد.

فعليه لا يملك الختّان شيئاً إذا كان المختون عبداً، وكذا البيطار الذي عيّب عضواً من الحيوان، وكذا لو زالت صفة الصحّة تحت يده فأغرمه، لم يملك الغارم شيئاً، فما ادّعى بعض: من أنّه مقتضى العوضية(2)، لا ينبغي الإصغاء إليه.

والظاهر وقوع الخلط بين عوضية موجود مملوك لموجود مملوك، وبين باب الغرامة؛ بمجرّد التعبير عنها ب- «البدل» و«العوض» غفلةً عن أنّ عوض التالف ليس معناه إلاّ جبر الخسارة.

وأمّا ما ورد في باب غرامة وط ء البهيمة(3)، فالتعويض الشرعي غير بعيد فيه، لكن لا يقاس المعدوم بالموجود.

ص: 515


1- - جواهر الكلام 37: 34؛ الغصب، المحقق الرشتي: 122 / السطر 21؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 518 و524.
2- - حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 316.
3- - الكافي 7: 204 / 1 و3؛ تهذيب الأحكام 10: 60 و61 / 218 و220؛ وسائل الشيعة 28: 357، كتاب النكاح، أبواب نكاح البهائم، الباب 1، الحديث 1 و4.

كما أنّ بعض الأمثلة التي ذكرت شاهداً - من قبيل بدل الحيلولة، والأجزاء المكسورة للتالف - مع كونها غير مسلّمة، قياس المعدوم بها مع الفارق.

والعجب من بعض أهل التحقيق قدّس سرّه، حيث قال: إنّ مرجع الضمان إلى انتقال الخسارة من المضمون له إلى الضامن، فيملك المضمون له على عهدة الضامن بدله ملكاً متزلزلاً، ولازم ذلك كون العين ملكاً للضامن متزلزلاً، ووقوع المعاوضة القهرية(1).

ثمّ إنّه رحمه الله علیه بعد ما تنبّه - ظاهراً - للتالي الفاسد له، ذهب إلى أنّ المضمون له يملك شأناً البدل على عهدة الضامن، وكذا الضامن يملك شأناً العين، وإنّما يصير فعلياً بالتلف ورجوع المالك(2).

وأنت خبير بما فيه: أمّا الملكية المتزلزلة للعين المغصوبة، ففي غاية العجب.

نعم، على فرض ذلك، لا يبعد حكم العرف بالمعاوضة القهرية.

وأمّا الملكية الشأنية التي ترجع إلى عدم الملكية فعلاً، بل إذا تلفت تصير ملكاً، ويصير البدل ملكاً لصاحب العين، فلا تنتج ما رامه؛ من حصول المعاوضة القهرية، ولو رجع كلامه إلى المعاوضة بعد التلف، فقد مرّ الكلام فيها.

الأمر الثالث: بيان محتملات مفاد قاعدة اليد

يحتمل في بادئ النظر أن يكون مفاد قاعدة اليد ضمان كلّ الأيادي المستولية على مال بالنسبة إلى شخص المالك فقط، فله الرجوع إلى كلّ منهم جمعاً أو

ص: 516


1- - الغصب، المحقّق الرشتي: 122 / السطر11 - 20.
2- - الغصب، المحقّق الرشتي: 123 / السطر15، و124 / السطر4.

تفريقاً، وليس لأحد منهم الرجوع إلى غيره؛ لعدم الدليل عليه سوى القاعدة التي فرض كون مفادها ذلك.

ويحتمل أن يكون مفادها ضمان من أخذ المال من المالك وتلقّاه منه، دون غيره، فله الرجوع إلى الأوّل دون غيره ممّن في السلسلة، ولا رجوع للثاني إلى الثالث.

ويحتمل أن يكون مفادها هو ضمان كلّ آخذ للمأخوذ منه، فللمالك الرجوع إلى مبدأ السلسلة فقط، فلو رجع إليه رجع هو إلى تاليه وهكذا.

ويحتمل أن يكون مفادها ضمان كلّ لصاحب المال ولمن سبقه بضمان مستقلّ، ومضمونات مستقلّة.

ويحتمل أن يكون المفاد ضمان كلّ من في السلسلة لصاحب المال على ما تقدّم؛ من الضمانات المتعدّدة، لكنّ المضمون واحد غير قابل للتكرار، وضمان كلّ سابق للاحقه؛ بمعنى أنّه ضامن للضامن بما هو كذلك، فيرجع إلى أنّه ضامن لما يضمنه للمالك.

فالثاني ضامن للمالك - لوقوع يده على ماله - ما ضمنه غيره، وضامن للأوّل بما هو ضامن؛ أي ضامن للضامن، فيجب عليه جبران دركه الذي يؤدّيه إلى المالك، والثالث ضامن للضامن الثاني، الذي هو ضامن للضامن الأوّل؛ أي ضامن ضامن الضامن، وهكذا، فيرجع إلى ضمّ ذمم متعدّدة إلى ذمم.

هذه محتملات القضيّة، ولا تنحصر بها، لكن الشأن في الاستفادة منها بحسب فهم العرف والعقلاء الذي هو المرجع في مثل المقام، لا الاحتمالات

ص: 517

الدقيقة العلمية التي لا يوافقها العرف والعقلاء.

فنقول: لا إشكال في أنّ قوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «على اليد ما أخذت...»(1) بصدد بيان اليد الآخذة، فإطلاقه يقتضي أن يكون الاستيلاء بأيّ نحو حصل، والآخذ أيّ شخص كان.

كما أنّه لا إشكال بحسب الإطلاق، في شمول الأيادي المتعاقبة، فكلٌّ أخذ موضوعاً للضمان - بلا وسط أو مع الوسط - بحكم الإطلاق.

إنّما الكلام في أنّ له إطلاقاً بالنسبة إلى تضمين غير المالك، حتّى ينتج ما هو المعروف بينهم في ضمان الأيادي المتعاقبة(2).

فيقال: إنّه لو فرض ورود دليل بأنّ الآخذ الثاني ضامن للمالك وللضامن الأوّل، يكون المتفاهم عرفاً أنّه ضامن للمالك قيمة ماله مثلاً، وضامن للضامن ما ضمنه للمالك، فعليه جبران ضمان الضامن لو وقعت الخسارة عليه، والثالث ضامن للثاني ما ضمنه للأوّل الذي هو ضامن للمالك، وهكذا.

وحينئذٍ لو فرض إطلاق لدليل اليد، يكون مقتضى الإطلاق ضمان الجميع للمالك، وضمان كلّ لاحق للسابق بما أ نّه تلقّ-ى العين منه بلا وسط أو مع الوسط.

لكن الظاهر عدم إطلاق كذائي، بل هو خارج عن متفاهم العرف والعقلاء.

بل لنا أن نقول: إنّ دليل اليد ناظر إلى اليد الآخذة - وإطلاقه يقتضي أنّ الأخذ والاستيلاء بأيّ نحو كان، والآخذ أيّ شخص كان - وإلى المأخوذ، ومقتضى

ص: 518


1- - تقدّم في الصفحة 507، الهامش 1.
2- - اُنظر مفتاح الكرامة 18: 97.

الإطلاق عدم الفرق بين أنحاء الماليات والمأخوذات.

وأمّا المأخوذ منه فليس الدليل بصدد بيانه، ولا إطلاق فيه من هذه الجهة، والمتيقّن هو الضمان للمالك.

بل لو كان بصدد بيانه أيضاً، كان منصرفاً عرفاً إلى الضمان بالنسبة إلى المالك لا الضامن، ولا سيّما في مورد يكون تحقّق موضوع الدليل بنفسه؛ فإنّه وإن أمكن عقلاً، لكن لا يستفاد من إطلاق الدليل.

وسيأتي وجه آخر(1) لعلّه أحسن من هذا الوجه، وأسلم من الإشكال الذي

في هذا الوجه.

إذا عرفت ذلك:

توجيه كلام الشيخ الأنصاري في تصحيح الضمان

فيمكن إرجاع كلام الشيخ الأعظم قدّس سرّه إلى دعوى إطلاق دليل اليد بالنسبة إلى الضامن، فأراد تصحيح ضمان الأيادي المتعاقبة - بنحو ما هو المعروف - بواسطة الإطلاق في دليل اليد بنحو ما ذكرناه.

فقوله: «السابق اشتغلت ذمّته بالبدل قبل اللاحق»(2)، ليس المراد منه الاشتغال بالبدل حال وجود العين، بل المراد الاشتغال بالأمر التعليقي؛ أي ضمان المبدل إذا تلف، ضرورة عدم اجتماع البدل والمبدل، فعبّر عن الضمان ب-«الاشتغال بالبدل».

ص: 519


1- - يأتي في الصفحة 533.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 508.

وقوله: «فإذا حصل المال في يد اللاحق، فقد ضمن شيئاً له بدل»(1)، يراد منه أنّه ضمن شيئاً مضموناً.

وقوله: «فهذا الضمان يرجع إلى ضمان واحد من البدل والمبدل على سبيل البدل »(2).

يراد به أنّه إذا حصل المال في يد الثاني، ضمن المبدل للمالك بالمعنى التعليقي؛ أي عليه دركه إذا تلف بمقتضى دليل اليد، وضمن البدل؛ أي ضمان اليد الاُولى للضامن بمعنى تعليقي أيضاً، أي إذا تدارك فعليه ضمان التدارك، وذلك أيضاً بدليل اليد وإطلاقه.

وبعبارة اُخرى: إذا وضع الثاني يده على العين، حصلت قضيّتان تعليقيتان:

الاُولى: «إذا تلفت فعليك جبرها للمالك؛ لوقوع يدك على ماله».

والثانية: «إذا تدارك الضامن الأوّل، فعليك ضمان التدارك؛ لوقوع العين التي ضمنها في يدك من يده، أو بعد وقوعها في يده».

وإذا تلفت العين خرجت القضيّة الاُولى من التعليقية إلى التنجيزية، وتبقى الثانية على تعليقيتها إلى أن يؤدّي الدرك.

وقوله بعد ذلك: «والحاصل أنّ من تلف المال في يده ضامن لأحد الشخصين على البدل من المالك ومن سبقه في اليد - إلى قوله: - وهذا اشتغال شخص واحد بشيئين لشخصين على البدل » (3) يؤكّد ما ذكرناه؛ من أنّ الاستناد إلى دليل اليد

ص: 520


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 508.
2- - نفس المصدر.
3- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 509.

في الضمان للمالك، وهو واضح، وفي الضمان للضامن بتلقّيه المال منه.

فلو فرض إطلاق لدليل اليد يشمل الأمرين، ويكون حاصله: «على اليد ما أخذت من المالك بوسط أو بلا وسط، وعليها ما أخذت من الضامن بوسط وبلا وسط» فيكون المالك والضامن كلاهما مضموناً لهما، لكان لازمه العرفي هو ما ذكره القوم في ضمان الأيادي المتعاقبة.

وعليه لا يرد إشكال على الشيخ قدّس سرّه، لا ما أورده المحقّق الخراساني قدّس سرّه(1)، ولا ما أورده السيّد الطباطبائي قدّس سرّه(2)، ولا غيرهما (3).

نعم، يرد عليه إشكال واحد، وهو عدم الإطلاق لدليل اليد.

ودعوى الإطلاق أمر يمكن صدوره من الشيخ الأعظم قدّس سرّه، دون ما احتمله المحقّقون؛ ممّا يرد عليه ما أوردوه، بل وزائد عليه ممّا لا داعي لذكره.

وعلى ما احتملناه، تكون الغاية في دليل اليد غاية لأمرين:

أحدهما: الضمان بالنسبة إلى المالك، فأداء المأخوذ إليه غاية لرفعه، وبه يرتفع موضوع الضمانات الاُخر.

وثانيهما: ضمان الضامن، غايته رجوعه إلى الغاصب السابق، فبإرجاع المال إليه يرتفع ضمانه لدركه وإن فعل حراماً، وليس دليل اليد متعرّضاً للزوم أداء المال إلى صاحبه، بل مفاده بيان الضمان وغايته.

والإنصاف: أنّ ما ذكرناه في توجيه كلامه وإن كان مخالفاً في الجملة

ص: 521


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 84.
2- - حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 310.
3- حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 348.

لظاهره، لكنّه أولى ممّا ذكروه ممّا لا ينبغي صدوره من مثله، فتدبّر جيّداً.

وهنا احتمال آخر لبيان ضمان الأيادي بما ذكروه، نذكره في آخر البحث(1)، فانتظر.

تبيين المحقّق النائيني مراد الشيخ قدّس سرّه

وأمّا ما أفاده بعض الأعاظم قدّس سرّه: من أنّ غرض المصنّف إثبات الضمان الطولي، وبيان عدم اجتماع الضمانين عرضاً، وأنّ يد اللاحق ليست كيد السابق، ضامنةً للمال مجرّداً عن خصوصية كونه في ذمّة غيره(2)، ثمّ أطال الكلام.

ومحصّله: أنّ يد السابق تعلّقت بالعين مجرّدة عن خصوصية كونها مضمونة، بخلاف يد اللاحق، فإنّها تعلّقت بها مع هذه الخصوصية، ولازم هذه الطولية هو ما ذكروه في تعاقب الأيادي.

وقال في خلال كلماته: إنّ الأوّل ضامن لما يكون مخرجه في ذمّة الثاني، والثاني ضامن لما يضمنه الأوّل(3). وبهذا أراد تصحيح الطولية ولوازمها.

فأنت خبير بما فيه، وقد تقدّم بعض الكلام معه(4)، وقلنا: غاية تقرير الطولية، هي أنّ خصوصية كونها مضمونة، مأخوذة في موضوع الضمان بالنسبة إلى يد اللاحق، فيد السابق تعلّقت بنفس العين، ويد اللاحق تعلّقت بها متقيّدة بضمان

ص: 522


1- - يأتي في الصفحة 533.
2- - منية الطالب 2: 189.
3- - منية الطالب 2: 185.
4- - تقدّم في الصفحة 509.

الأوّل، فيكون ضمانه قيداً للموضوع الثاني، فيكون الثاني في طول الأوّل.

وفيه: أنّه إن كان المراد أنّ القيد دخيل في الموضوع؛ بحيث يكون أخذ نفس العين تمام الموضوع بالنسبة إلى يد السابق، وبعض الموضوع بالنسبة إلى اللاحق، فهو واضح الإشكال؛ ضرورة عدم إمكان التفكيك في دليل اليد.

فموضوعه إمّا «نفس أخذ العين» فيكون ما هو الموضوع في الأوّل هو الموضوع في الثاني، فلا قيد لموضوع الضمان، ويكون «كونها مضمونة» غير دخيل في الموضوع بما هو موضوع وإن كان مقارناً له، فهو كسائر المقارنات، ككونه في يوم الجمعة أمام فلان، ونحو ذلك ممّا هي من مقارنات الموضوع، لا دخيلة فيه.

أو الموضوع «أخذ ما هو مضمون» فلا يعقل ضمان الأوّل، وكذا ضمان الثاني، وهو واضح.

فاحتمال كون الأوّل هو نفس أخذ العين بخلاف الثاني، واضح البطلان.

وإن كان المراد إثبات الطولية، بتقرير: أنّ ما مع المتقدّم متقدّم، وما مع المتأخّر متأخّر.

ففيه: أنّه لا تصحّ هذه الكلّية؛ فإنّ للتقدّم الرتبي وتأخّره ملاكاً خاصّاً، لو فقده ما معه لم يكن متقدّماً، فلو فرض شيء في رتبة علّة شيء، لا يكون مقدّماً على المعلول؛ لأنّ مناط التقدّم الرتبي هو العلّية لا غير، وهي مفقودة في المقارن.

مع أنّ وصف المضمون متأخّر عن الموضوع، فتدبّر.

وأمّا احتمال أن يكون المراد أنّ الخصوصية مضمونة كالعين، كما في سائر

ص: 523

الخصوصيات الواقعة تحت اليد، ففي غاية البعد والفساد؛ لأنّه يهدم الطولية التي رامها، كما هو واضح.

ثمّ إنّ هذه الطولية لا توجب رفع إشكال اجتماع الضمانات؛ لأنّ يد الأوّل أوجبت الضمان، ويد الثاني - مع قيد كون المأخوذ مضموناً - أوجبت الضمان أيضاً وهكذا، فكلّ يد ضامنة فعلاً ومعاً ولو كانت أسباب الضمان متفاوتة، أو متقدّماً بعضها على بعض.

إلاّ أن يرجع الكلام إلى ما ذكرناه: من أنّ كلاًّ ضامن لعنوان لا يعقل التكرار فيه(1)، وهو مع كونه مخالفاً لظاهر كلامه أو صريحه، يدفع الإشكال ولو لم تكن الضمانات طولية.

فالطولية لا تدفع الإشكال، وما ذكرناه دافع بلا لزوم التزام بالطولية.

ثمّ إنّه ذكر في خلال كلامه: أنّ كلّ واحد من الأوّل والثاني، ليس ضامناً مطلقاً وعلى أيّ تقدير(2)، وهذا كما ترى مخالف لدليل اليد، ومناقض لجملة من كلامه، وغير صحيح في نفسه.

ثمّ إنّ ما فرّع على الطولية؛ من رجوع السابق إلى اللاحق دون العكس(3)، غير صحيح؛ لأنّ الطولية التي أصرّ عليها هي ضمان الثاني للمالك ما ضمنه الأوّل، فإن رجع ذلك إلى أنّ الثاني ضامن للعين التي ضمنها الأوّل، فلا يلزم من ذلك رجوع الأوّل إلى الثاني.

ص: 524


1- - تقدّم في الصفحة 505 - 506.
2- - منية الطالب 2: 186.
3- - منية الطالب 2: 186 و187.

وإن رجع إلى أنّه ضامن لضمانه، فإن كان المراد أنّه ضامن للمالك كذلك؛ أي أنّه ضامن الأوّل للمالك وهكذا، بحيث يكون المالك مضموناً له، والضامن مضموناً عنه.

ففيه: - مع عدم دليل عليه، ودليل اليد لا يقتضي ذلك - أنّ لازم هذا الضمان إمّا نقل الذمّة على ما هو المذهب في الضمان العقدي، أو ضمّ ذمّة إلى ذمّة، وكلاهما في المقام غير صحيح، ومخالف لما رامه القائل؛ إذ لازمه عدم حقّ للمالك بالنسبة إلى كلّ سابق، أو عدم حقّ المطالبة إلاّ بعد إهمال السابق، وهو كما ترى.

ولو فرضت صحّة ذلك، فلا دليل على الرجوع إلى المضمون عنه؛ فإنّ في الضمان العقدي لو كان بلا إذنه، لا يجوز له الرجوع، فجواز الرجوع والضمان - على فرض الأداء - يحتاج إلى دليل مفقود.

ثمّ إنّ في كلامه موارد من الإشكال والتنافي لا مجال لسردها، فراجع.

كما أنّ تفريعه أمرين آخرين على الطولية - وهما صحّة رجوع المالك إلى كلّ، وإذا رجع إلى أحدهم وأخذ الغرامة، ليس له الرجوع إلى غيره(1) - غير وجيه؛ فإن ذلك غير مربوط بالطولية، بل هو من لوازم عدم إمكان التكرّر في ماهية الضمان كما تقدّم.

والإنصاف: أنّه رحمه الله علیه بعد تفصيل، وكرّ وفرّ، وتكرار، وتناقض صدر وذيل، لم يأت بشيء.

ص: 525


1- - منية الطالب 2: 187.
توجيه السيّد الطباطبائي رجوع السابقين إلى اللاحقين

وأمّا ما أفاده السيّد الطباطبائي قدّس سرّه في وجه رجوع السابقين إلى اللاحقين، وجعله أحسن ممّا ذكره صاحب «الجواهر»(1) والشيخ(2)، فالظاهر عدم صحّته في نفسه، وعدم وفقه لمبناه في باب ضمان اليد.

قال: إذا أدّى العوض فقد ملك العين التالفة، فيقوم مقام المالك في جواز الرجوع إلى المتأخّر، وذكر في توضيحه مقدّمات:

الاُولى: أنّه لا إشكال في أنّ المالك إذا تصالح على العين التالفة - التي اعتبر وجودها في ذمّة ذوي الأيدي - مع غيرهم أو مع أحدهم، يقوم المصالح مقامه في جواز المطالبة.

الثانية: أنّ مقتضى القاعدة دخول المعوّض في ملك من خرج عنه العوض.

الثالثة: في باب الغرامات يكون المدفوع عوضاً عن العين التالفة، ولازمه اعتبار كون العين ملكاً للدافع؛ فإنّ ذلك مقتضى العوضية، فلو كان للعين التالفة اعتبار عقلائي يكون للدافع(3)، انتهى ملخّصاً.

وفيه: مضافاً إلى أنّ اعتبار المعدوم ملكاً، يحتاج إلى دليل قويّ لا مفرّ منه إلاّ بذلك، كما لو ثبت حكم شرعي قاطع موقوفة صحّته على نحو هذا الاعتبار، فيقال: إنّ الشارع اعتبر المعدوم ملكاً، وهو في المقام مفقود؛ لأنّ صحّة رجوع

ص: 526


1- - جواهر الكلام 37: 34.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 508.
3- - حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 315 - 316.

السابق إلى اللاحق أوّل الكلام، وتوقّف صحّته على الاعتبار الكذائي ممنوع.

وأمّا ما أفاده في ذيل كلامه قدّس سرّه: من مسلّمية الخيار بعد التلف، فيرجع إلى المثل أو القيمة مع أنّ الفسخ من حينه، فليس ذلك إلاّ اعتبار كون العين التالفة ملكاً لمالكها الأوّل(1)، انتهى.

ففيه: - بعد تسليم ثبوت الخيار عرفاً أو شرعاً بعد التلف، وتسليم الرجوع إلى المثل أو القيمة - أنّه لا ملزم لاعتبار المعدوم ملكاً؛ فإنّ الفسخ ليس معاملة بل فسخ عقد، ولازمه العرفي الرجوع إلى العين مع وجودها، وإلى العوض مع عدمها، من غير اعتبار العدم ملكاً للطرف ثمّ للمالك؛ فإنّه مخالف للواقع.

وبالجملة: الحكم الشرعي أو العقلائي بالرجوع إلى المثل، ليس معلولاً لاعتبار العدم ملكاً، بل هو أمر خارج عن بناء العقلاء، ولا دليل على الاعتبار المذكور، بل الدليل على خلافه، كما يظهر بالرجوع إليهم.

ومضافاً إلى أنّ في أبواب الضمانات مطلقاً، ليس الأمر كذلك عند العقلاء والشارع الأقدس؛ لأنّ المضمون له بعد ما تلف ماله وخرج بالتلف عن ملكه، ملك في ذمّة الضامن مثله أو قيمته جبراً، من غير اعتبار ملكية الضامن أو المالك للتالف، وضمان اليد أيضاً لا يقصر عن سائر الضمانات.

أنّ معنى استقرار العوض بعد التلف على ذمّتهم كما في كلامه(2)، أنّ العين بماليتها ونوعيتها تصير ملكاً مستقرّاً للمضمون له، ولا شبهة في أنّ ذلك التضمين

ص: 527


1- - حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 316.
2- - حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 317.

بدل عن التالف، ومعه كيف يجوز على مبناه أن يملك المضمون له البدل على ذمّة الضامن والمبدل التالف، فهل هذا إلاّ جمع بين البدل والمبدل، والعوض والمعوّض؟!

وتوهّم: أنّه يصير بالأداء عوضاً، فاسد جدّاً؛ لأنّه يؤدّي العوض الذي على عهدته، لا أنّه عوض جديد.

فعلى هذا: ليس للمالك بعد تلف العين إلاّ العين التي على عهدة الضامن؛ بماليتها، ونوعيتها، وجهاتها الاُخر، والعين التالفة - على فرض صحّة ما زعمه - تكون ملكاً للضامن بمجرّد استقرار الضمان، وفي تعاقب الأيادي تصير ملكاً لكلّ منهم، وهو كما ترى، فلا ملك له حتّى يصالح عليه.

مع أنّه في الأيادي المتعاقبة على مبنى اعتبار العين على جميع الذمم، واستقرار الضمان بالتلف، لا مجال للقول: بأنّ كلاًّ منهم ضامن، ويجب على كلّ منهم الدفع، حتّى تكون لشيء واحد غرامات كثيرة.

فلا بدّ إمّا من الالتزام بالضمان بنحو البدلية كما أفاده الشيخ قدّس سرّه(1) وتبعه القائل المعظّم(2).

وإمّا الالتزام بأنّ ما اعتبر في ذمّة كلّ، عين ما اعتبر في ذمّة الباقين، نظير ما ذكرناه في تصوير اشتغالات الذمم(3).

فعلى كلا القولين، لو تصالح مع أحدهم سقط الضمان عن الكلّ، فمالكية

ص: 528


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 505 و509.
2- - حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 306 و311.
3- - تقدّم في الصفحة 505 - 506.

الضامن للتالف لا تثمر جواز الرجوع إلى الباقين، وهذا ظاهر.

ثمّ إنّ جواز مصالحة المالك على العين التالفة، موقوف على مالكيته لها، واعتبار ملكية المعدوم بما هو معدوم محال؛ لأنّ المعدوم - كذلك - لا يدرك ولا يشار إليه، فلا بدّ من اعتباره موجوداً، واعتبار الوجود الذهني لا يفيد، بل

لا بدّ من اعتبار الوجود الخارجي.

واعتبار ملكية الملحوظ خارجاً تصديقاً، يوجب الاعتبار التصديقي للوجود؛ ضرورة أنّ القيود التصوّرية في الموضوع - بعد الحكم على الموضوع المقيّد - تنقلب تصديقية، ولازم ذلك التعبّد بوجود العين في الخارج مملوكة لمالكها، إن كان الشارع هو الملاحظ أو المؤيّد للحاظ العرف.

وهذا التعبّد الشرعي تعبّد بسقوط الضمان إن كان بنحو الإطلاق؛ فإنّه تعبّد حينئذٍ بعدم تلف العين.

وإن كان التعبّد من حيث أثر خاصّ - وهو كون العين مضمونة على الضامنين - فهو فرع كون ضمانهم بلحاظ وجود العين مملوكة ولو اعتباراً، مع أنّ وجودها يدفعه ولو تعبّداً.

فالتعبّد بوجود العين مملوكة، لا يعقل أن يكون بلحاظ ترتّب أثر الضمان عليه، مع أنّ الضمان مترتّب على تلفها.

ولو قيل: إنّ التعبّد بالوجود لأثر آخر، وهو جواز رجوعه إلى الضامن، وجواز مصالحته مع الغير؛ لأن يرجع إليهم ويقوم مقام المالك في ذلك.

يقال: إنّ جواز الرجوع مترتّب على الضمان المترتّب على التلف، لا على وجود العين مملوكة؛ فإنّه يدفع الضمان الدافع للجواز.

ص: 529

ومن هنا يظهر: أنّه لو فرض إمكان اعتبار مملوكية التالف بما هو تالف ومعدوم، لا تصحّح مصالحته مع من في السلسلة أو غيره، قيامه مقام المالك في جواز المطالبة والأخذ من الضامنين؛ لأنّ مملوكية التالف ليست دخيلة في ضمانهم بوجه، فإنّ موضوع الضمان في الإتلاف ليس إلاّ ذلك، وفي اليد هو اليد، أو التلف بعد مرور اليد عليه.

بل لو قيل: بأنّ عدم المملوكية دخيل، لكان أقرب، فتلف ماله وسلب مملوكيته عنه موجب للضمان، لا مملوكية التالف، وهو واضح.

فنقل التالف إلى غير من في السلسلة أيضاً، لا يوجب قيامه مقامه في المطالبة والاستحقاق، بعد عدم استحقاق المالك لذلك، فضلاً عمّن في السلسلة، فإنّه مضافاً إلى ذلك، يرد عليه ما تقدّم: من أنّ المالك بعد الاستيفاء ليس له استحقاق بالنسبة إلى من في السلسلة، حتّى يقوم غيره مقامه فيه؛ لأنّه بالاستيفاء يسقط المأخوذ عن الذمم(1).

ويرد على المقدّمة الثانية: أنّ ذلك مسلّم في المعاوضات، دون باب الخسارات، وقد تقدّم ما في المقدّمة الثالثة(2).

ثمّ إنّه يرد عليه: أنّ ما ذكره مخالف لمبناه في ضمان اليد؛ من أنّ نفس العين تقع على العهدة، وهي باقية إلى زمان الأداء وحصول الغاية(3)، فإنّ لازمه أن يكون أداء المثل أو القيمة، نحو أداء للعين، حتّى يسقط الضمان بحصول غايته.

ص: 530


1- - تقدّم في الصفحة 506.
2- - تقدّم في الصفحة 514.
3- - حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 469 و481.

فعلى هذا: لا يكون أداء المثل أو القيمة عوضاً من التالف، بل أداء للعين، وبه تحصل غاية الضمان، والعوضية إنّما تناسب مذهب المشهور في باب ضمان اليد(1)، كما تناسب ضمان الإتلاف.

وكلمات القائل المعظّم قدّس سرّه مختلفة في الباب، فقد يعبّر ب-«العوض والبدل» وقد يعبّر ب- «الأداء لما في العهدة».

وعلى أيّ حال: لازم مذهبه عدم العوضية، فحينئذٍ مع تسليم جميع المقدّمات لا تنتج ما رامه.

فاتّضح أنّ الوجوه التي استند إليها في التعويض القهري العرفي أو الشرعي - كالوجه الذي ذكره صاحب «الجواهر» أو المحقق الرشتي، أو السيّد الطباطبائي قدّس سرّه(2) - لا يصحّ الاستناد إليها، وبطل المبنى والبناء فيها.

وبما ذكرنا يظهر الكلام فيما جعله السيّد الطباطبائي قدّس سرّه موافقاً للتحقيق: من أنّ اللاحق صار سبباً لاستقرار الضمان والعوض في عهدته، من غير فرق بين الإتلاف والتلف، وأنّ حال اللاحق بالنسبة إلى السابق، كحال الغارّ بالنسبة إلى المغرور؛ فإنّ الوجه في رجوعه إلى الغارّ كونه سبباً لاستقرار العوض في ذمّته، فاللاحق بحيلولته بين السابق وبين العين - التي يمكن له الردّ لولا حيلولته - سبب لاستقرار العوض(3)، انتهى ملخّصاً.

فإنّ مذهبه في باب ضمان اليد أنّ نفس العين على العهدة، ولا تتبدّل إلى

ص: 531


1- - راجع ما تقدّم في الصفحة 467.
2- - تقدّم في الصفحة 515، الهامش 1.
3- - حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 317.

المثل أو القيمة بالتلف أو الإتلاف، فهي باقية عليها إلى زمان الأداء ولو بمثلها أو قيمتها، فإنّهما أيضاً نحو أداء عند تعذّر العين(1)، فلا وجه حينئذٍ لما ذكره؛ من سببية اللاحق لاستقرار الضمان أو العوض على العهدة، كما هو واضح.

بل لا معنى على هذا المبنى لاستقرار الضمان، بعد كون العين على العهدة من غير تغيير فيها، ومن غير دخالة شيء آخر في الضمان إلاّ اليد، فعليه لا يصحّ رجوع السابق إلى اللاحق وإن كان متلفاً؛ فإنّ الإتلاف - كالتلف - غير دخيل في الضمان واستقراره.

نعم، على مذهب المشهور يصحّ الفرق بين الإتلاف والتلف؛ لأنّ اليد لا توجب إلاّ حصول معنى تعليقي: «وهو أ نّه لو تلف عليك مثله أو قيمته» فإذا أتلف اللاحق المال، صار إتلافه سبباً لتعلّق المثل أو القيمة على عهدته، فله الرجوع إليه.

وأمّا لو تلف سماوياً فلا رجوع؛ لعدم دخالة يد اللاحق ولا حيلولته في تحقّق الضمان، وتعلّق العوض بعهدته؛ لأنّ تمام الموضوع للضمان هو اليد والتلف، والحيلولة كالحجر جنب الإنسان في باب الضمان أو استقراره، فوجود الحيلولة وعدمه على السواء في ذلك، وهو واضح.

هذا مع أنّه على فرض التسليم، لا يتمّ المدّعى على النحو الكلّي؛ للفرق الواضح بين أخذ اللاحق عن السابق قهراً عليه، أو أخذه باستدعاء منه والتماس أو بمعاملة؛ فإنّ سبب الحيلولة في غير القهر هو السابق، ولا سيّما إذا استدعى

ص: 532


1- - حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 469 و495.

منه الأخذ والردّ إلى مالكه، ولم يقبل السابق.

مضافاً إلى أنّ الحيلولة إنّما تؤثّر، إذا كان السابق عازماً على ردّ المال إلى المالك، ومنعته الحيلولة، وأمّا إذا لم يردّه إليه - سواء كان المال بيده أو لا - فلا وجه للقول بسببية الحيلولة، ومجرّد إمكان الردّ لا دخل له في الضمان أو رفعه.

وأمّا مقايسة المقام بباب الغرور، فغير مرضيّة؛ لأنّ قاعدة الغرور قاعدة برأسها بعنوان «الخديعة والغرور» ولها دليل برأسه، غير مربوط بباب التسبيب، وقد مرّ في السابق الإشارة إليها وإلى دليلها (1)، والغارّ كثيراً ما لا يكون سبباً للضمان، كما إذا أتلف المغرور المال، فإنّه متلف، وعلى المتلف الضمان، وإن كان له الرجوع إلى الغارّ، فراجع.

وأمّا ما أفاده المحقّق الخراساني قدّس سرّه: من أنّ ضمان اليد ورجوع السابق إلى اللاحق حكم عرفي، لم يردع عنه الشرع(2)، فقد مرّ ما فيه؛ من أنّ أصل ضمان اليد بما ذكره الفقهاء ليس عرفياً عقلائياً، فضلاً عن أحكام تعاقب الأيادي(3).

التحقيق في التوجيه لرجوع السابق إلى اللاحق

وغاية ما يمكن أن يقال في تقريب فتوى المعروف: أنّه لا يعتبر في قاعدة اليد إلاّ اعتبار كون المأخوذ على الآخذ، فما لم تتحقّق فيه العهدة، ولم يعتبره العقلاء أو الشارع في عهدة، لا تشمله القاعدة، كأخذ المباحات التي لا مالك لها.

ص: 533


1- تقدّم في الصفحة 477.
2- - حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 83.
3- - تقدّم في الصفحة 511.

وأمّا لزوم كون المأخوذ ملكاً أو حقّاً أو سلطنة ونحوها، فلا، فكما أنّ أخذ مال الغير - سواء كان عيناً، أو منفعة، أو حقّاً - موجب للضمان؛ لصدق «كون المأخوذ عليه» كذلك غصب المساجد والضرائح المطهّرة والأوقاف العامّة ممّا لا مالك لها، موجب لضمان اليد؛ لصدق «كونها عليه» وكذلك الأخماس والزكوات بناءً على عدم ملكيتها لأحد.

والأداء بحسب الظهور العرفي وفهم العقلاء، في كلّ مورد بنحو، ففي الأملاك والحقوق والمنافع هو الردّ إلى صاحبها، وفي الأوقاف العامّة إذا كانت لها متولٍّ، هو الردّ إليه، وفي الضرائح هو الإيصال إلى محالّها، وفي المساجد هو التخلية ووضعها تحت اختيار المسلمين... وهكذا، فلا قصور لدليل اليد صدراً وذيلاً عن شمول المذكورات.

بل ذكرنا سابقاً: أنّ إمكان الأداء أيضاً غير معتبر في ضمان اليد، وذكر الغاية لتحديد الموضوع، كذكر الغاية في قاعدتي الطهارة والحلّية، فإن اتّفق عدم إمكان الأداء في مورد، لا يوجب ذلك عدم الشمول(1).

إذا عرفت ذلك نقول: إنّ وصف «كونه مضموناً» أمر قابل لوقوع اليد عليه - كسائر الأوصاف - تبعاً للعين، وتصحّ فيه العهدة، وكونه على الآخذ.

وعهدة وصف المضمون على الضامن الثاني للضامن الأوّل، ترجع عرفاً إلى ضمان الخسارة الواقعة عليه من قبل ضمانه، وليس معنى ذلك أنّ المضمون له هو المالك، بل المضمون له هو الضامن لما ضمنه للمالك.

ص: 534


1- - تقدّم في الجزء الأوّل: 410 - 411.

وبالجملة: إطلاق «على اليد...» يقتضي شموله لكلّ ما يصدق فيه «أنّها عليه» بوجه، والمضمون له غير مذكور ومحوّل إلى فهم العرف والعقلاء.

وفي المقام: يكون الضامن مضموناً له بالنسبة إلى ضمانه، ولا يوجب ذلك الضمان رفع ضمان الضامن الأوّل، ونقله إلى الضامن الثاني؛ لأنّ موضوع ضمان الثاني هو ضمان الأوّل، ولا يعقل رفع الموضوع بالحكم.

وليس الضمان بالنسبة إلى المالك حتّى يقال: معناه النقل أو الأداء عند عدم أداء الأوّل، بل لازم ضمان الثاني للأوّل ليس إلاّ جبر خسارته، وغاية هذا الضمان إرجاع المال المضمون إلى الضامن الأوّل؛ فإنّه أداء للوصف المأخوذ.

ولعلّ كلام الشيخ الأعظم قدّس سرّه يرجع إلى ذلك، وإن كان بعيداً من ظاهره.

ولو قيل: إنّ الوصف القائم بالعين، لا بدّ وأن يكون مضموناً للمالك لا لغيره.

قلنا: قد أشرنا إلى أنّ قاعدة اليد لا تتكفّل لبيان المضمون له(1)، فحينئذٍ لو كان المأخوذ قابلاً لكونه على الضامن الثاني للضامن الأوّل، وللمالك أيضاً، نأخذ بهما، فنقول: إنّ الضمان للمالك إمّا بمعنى أنّه لو لم يؤدّ الضامن فأنا ضامن، على النحو الذي عليه العامّة في الضمان العقدي، فهو لا معنى له في المقام؛ لأنّ الثاني ضامن للمالك مطلقاً بدليل اليد، فلا معنى لضمانه ثانياً عن الضامن بهذا المعنى.

وإمّا بمعنى نقل الضمان إليه؛ أي نقل هذا المعنى التعليقي إليه، ولازمه سلب ضمان الأوّل بالنسبة إلى المالك، وثبوت الضمان بالنسبة إلى الثاني.

ص: 535


1- - تقدّم في الصفحة 519.

ففيه: - مضافاً إلى أنّ الثاني ضامن للمالك لأخذه العين، ولا معنى للضمان فوق الضمان - أنّ هذا النحو من الضمان غير عقلائي، وإنّما ذهبنا إليه في الضمان العقدي للتعبّد.

مع أنّ موضوع ضمان الثاني هو ضمان الأوّل، فلا بدّ من بقاء ضمان الأوّل حال بقاء الحكم، وهو ينافي النقل.

فتحصّل من ذلك: أنّ الضمان للمالك لا وجه له، وأمّا الضمان للضامن فله وجه؛ لتصوّر العهدة، وإطلاق الدليل على ما عرفت.

وبعد، فلا تخلو المسألة عن الغموض والإشكال، وإن كان هذا الوجه لا يبعد الاتّكال عليه.

ثمّ لا يخفى عليك: أنّ هذا الوجه غير الوجه الذي أفاده الشيخ قدّس سرّه في ظاهر

كلامه، وهو ظاهر، وغير الوجه الذي وجّهنا به كلامه وأنكرنا إطلاق الدليل، كما يظهر بالتأمّل، فراجعه(1).

سقوط ضمان كلّ لاحق بإرجاع العين إلى سابقه

ثمّ لو أرجع العين من في آخر السلسلة إلى سابقه، وهو إلى سابقه... وهكذا، حتّى وصلت إلى الغاصب الأوّل، فضمان كلّ سابق في الدور الثاني يسقط بالأداء إلى لاحقه في هذا الدور؛ لأنّ الغاية - وهي تأدية المأخوذ؛ أي الوصف - حصلت بأداء العين.

فوصف «كونه مضموناً» كما هو مأخوذ بالتبع، مردود كذلك، وكلّ لاحق في

ص: 536


1- - تقدّم في الصفحة 519 - 521.

السلسلة الثانية - أي الدور القهقري - ضامن للسابق، فإعطاء كلّ موجب لرفع ضمانه، وتضمين الوصف على الآخذ، فلو رجع المالك إلى أحدهم، كان له الرجوع إلى لاحقه في هذا الدور، وليس له الرجوع إلى اللاحق في الدور الأوّل.

وكذا الحال لو أرجع الآخر إلى من في مبدأ السلسلة، أو إلى أحد الأوساط.

وبالجملة: كلّ سابق في الدور الأخير يرجع إلى لاحقه فيه، لا في الدورات الاُخر، والوجه هو الوجه الذي في السلسلة الاُولى.

حول إبراء المالك أحد من في السلسلة
بيانه

ولو أبرأ المالك أحد من في السلسلة، فهل يبرأ الجميع، أو لا يبرأ إلاّ من أبرأه، أو يبرأ ومن هو متقدّم عليه دون المتأخّر، أو العكس؟

وجوه، لا يبعد الاختلاف بحسب المباني في باب ضمان اليد، فمن قال: بأنّ نفس العين على الذمّة، وهي باقية إلى زمان الأداء ولو بالمثل أو القيمة، ولا فرق في الضمان حال وجودها وتلفها (1)، فلا بدّ إمّا من الالتزام بأنّ الإبراء بمنزلة الاستيفاء، فمعه تحصل غاية الضمان التي هي الأداء؛ فإنّ الإبراء أيضاً نحو استيفاء.

فعليه يلزمه القول: بأنّه مع وجود العين أيضاً يكون الإبراء استيفاءً للمأخوذ، ولازمه خروج العين الموجودة عن ملك مالكها؛ لعدم تعدّد المال له، والمفروض وصول ماله الذي اُخذ منه، وهذا ممّا لا أظنّ التزام أحد به.

ص: 537


1- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 469.

ولو قيل: لو فرض قصور دليل اليد عن ذلك، فلا قصور لغيره، كقوله (عليه السّلام): «الغصب كلّه مردود»(1).

يقال: إذا فرض حصول الغاية لدليل اليد، يقع التعارض بينه وبين ما ذكر، وهو حاكم عليه، فتدبّر.

وحيث لا يمكن الالتزام بذلك، ولا يسع القائل التفصيل بين زمان وجود العين وغيره، بعد وحدة الدليل، ووحدة المضمون، وعدم تغيّره حال الوجود والتلف، فلا يمكن أن يقال: إنّه في زمان الوجود ليس الإبراء استيفاءً، بخلاف حال التلف.

فلا بدّ له من الالتزام بأنّ إبراء ذمّة أحدهم، لا يلازم براءة ذمّة الآخرين، كما أنّه في حال وجود العين، لا يكون إبراء أحدهم إبراءً للآخرين.

والتفصيل: بين من كانت العين موجودة بيده وغيره؛ بأنّ الاستيفاء لا يؤثّر بالنسبة إليه دون غيره، كما ترى.

نعم، على المذهب المعروف في باب ضمان اليد(2)، يصحّ التفصيل بين حال الوجود وحال التلف، والالتزام بأنّ إبراء ذمّة حال الوجود لا يلازم إبراء غيرها؛ لأنّه في حال الوجود ليس على الآخذ مثل أو قيمة، وإنّما عليه معنى تعليقي «وهو أنّه لو تلف عليك».

وهذا المعنى التعليقي نحو ضمان مسبّب عن الأخذ والاستيلاء، فكلّ من

ص: 538


1- - الكافي 1: 542 / 4؛ تهذيب الأحكام 4: 130 / 366؛ وسائل الشيعة 9: 524، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 4.
2- - تقدّم في الصفحة 467.

الأيادي ضامنة بهذا المعنى، ومعنى إبرائه هو الإبراء عن الضمان، لا الاستيفاء للمضمون، وذلك واضح، فإذا أبرأ أحدهم يرجع ذلك إلى أنّه إذا تلف لم يكن عليك، وهو لا ينافي بقاء ضمانات اُخر.

وأمّا بعد التلف، فحيث يكون المثل أو القيمة على عهدتهم، وليس للمضمون له إلاّ مال واحد على ما عرفت(1)، فإبراء أحدهم ملازم لبراءة غيره، فلا بدّ من البحث على هذا المبنى.

فنقول: التحقيق أنّه كلّما كان إبراء الضمان مستلزماً لإبراء البدل والعوض أو عينه، لا يعقل بقاء ضمان غيره، لا لأجل استيفاء حقّه، أو كون الإبراء بمنزلة الأخذ.

بل لما عرفت سابقاً؛ من أنّ عنوان «البدل» و«العوض» و«جبر الخسارة» ونحوها، من العناوين التي لا تقبل التكرار(2)، ومعلوم أنّ «على اليد...» إنّما يوجب اشتغال الذمم بعنوان «الضمان» و«جبر الخسارة» ومثل هذا غير قابل للتكرار.

فحينئذٍ لو أبرأ أحد من في السلسلة من البدل أو العوض، فلا يعقل بقاء البدل على ذمّة غيره، وليست الذمم مشغولة بغير ذلك، فلازمه رفع الاشتغال من جميع الذمم، سواء كان الإبراء بمنزلة الأخذ والاستيفاء أم لا.

وأمّا إذا لم يستلزم إبراؤه إبراء غيره، كما لو أبرأه حال وجود العين فلا يبرأ غيره؛ لما عرفت من أنّ الضمانات كثيرة، وليس ضمان أحدهم عين ضمان

ص: 539


1- - تقدّم في الصفحة 506.
2- - تقدّم في الصفحة 505 - 506.

الباقين، ولا مستلزماً - وجوداً، أو عدماً - له، فلصاحب المال إبراء أحدهم دون غيره، فتدبّر جيّداً.

تفصيل المحقّق الرشتي بين المتقدّم والمتأخّر

وأمّا التفصيل الذي أفاده المحقّق الرشتي قدّس سرّه بين المتقدّم والمتأخّر، وذهب إلى براءة المتقدّم، بدعوى أنّ من لوازم اشتغال ذمّته بحكم قاعدة الضمان، رجوعه إلى من تأخّر، فإذا أبرأ المتأخّر فقد أبرأه عمّا عليه، سواء كان ابتداءً، أو بواسطة الرجوع إلى من يرجع إليه.

وأمّا المتأخّر، فهو باقٍ على شغل ذمّته؛ لأنّ الإبراء ليس كأداء البدل وقبضه، بل للمالك حقوق كثيرة، وللضمان تعلّقات عديدة، فإسقاط أحدها لا يلازم إسقاط غيره(1).

ففيه: - مضافاً إلى ما عرفت(2) من عدم الفرق بين الإبراء والاستيفاء وأخذ البدل، بعد كون الإبراء إسقاطاً للمضمون الذي لا يعقل فيه التكرار والتعدّد - أنّه على فرض التعلّقات العديدة، والغضّ عمّا ذكرناه، أنّ ما أفاده على هذا المبنى غير تامّ؛ لأنّ أساس ضمان الآخذ للمالك في الأيادي المتعاقبة، غير أساس ضمانه للغاصب السابق.

فموضوع الضمان للمالك هو أخذ ماله، من غير دخالة شيء آخر فيه، كما هو ظاهر دليل اليد، فضمان غيره وعدم ضمانه غير دخيل فيه، وأساس ضمان

ص: 540


1- - الغصب، المحقّق الرشتي: 126 / السطر5.
2- - تقدّم في الصفحة 539.

الغاصب المتأخّر للمتقدّم، ليس أخذ مال المالك بلا إشكال، بل أمر آخر، وهو أخذ وصف «المضمونية» كما عرفت(1)، وهو تمام الموضوع لضمان الأيادي المتأخّرة بالنسبة إلى الأيادي المتقدّمة.

فلا دخالة لهذا الوصف في ضمانهم للمالك، كما لا دخالة للملك في ضمانهم للأيادي المتقدّمة، وإن كان أخذ الوصف لا يمكن إلاّ بأخذ العين.

فحينئذٍ إذا أبرأ المالك أحد من في السلسلة، فإنّما أبرأه عن ضمانه، لا عن ضمان غيره؛ إذ ليس له إبراؤه إلاّ من حقّه، فإذا رجع إلى من سبق الذي أبرأه، فله الرجوع إليه وإن أبرأه المالك؛ لأنّ رجوعه لأجل ضمانه للوصف مع عدم حصول غايته.

فالقول: بعدم جواز الرجوع إليه مع الغضّ عمّا ذكرناه، غير مرضيّ.

ولو سلّم عدم جواز رجوعه إليه، فلا نسلّم عدم جواز رجوع المالك إلى من تقدّمه؛ لمنع اللزوم المذكور.

ألا ترى: أنّه لو أبرأ الغاصب الأوّل مثلاً أحد من في السلسلة عن ضمانه، فلا إشكال في عدم جواز رجوعه إليه لو رجع إليه المالك، مع أنّ لازم ما ذكره هو براءة ذمّته من المالك أيضاً، وهو واضح الفساد، ولا أظنّ التزامه به، فيستكشف منه عدم اللزوم.

مضافاً إلى أنّ ما ذكره: من أنّ اشتغال ذمّة المتقدّم من لوازمه - بحكم القاعدة - رجوعه إلى من تأخّر من الأيادي، بعد إصلاح العبارة؛ ضرورة عدم

ص: 541


1- - تقدّم في الصفحة 534.

إرادة نفس الرجوع، بل المراد جوازه.

إن كان المراد أنّ اشتغال المتقدّم لازمه بقول مطلق جواز ذلك، فهو ممتنع؛ للزوم تأثير اليد المتقدّمة في تحقّق اليد المتأخّرة عنها، وتحقّق حكمها؛ قضاءً لعدم انفكاك اللازم عن ملزومه.

وإن كان المراد أنّ اشتغال المتقدّم لازمه ذلك بعد تحقّق المتأخّر وترتّب حكمه عليه.

فيرد عليه: مضافاً إلى لزوم التفكيك في دليل اليد؛ بأن يكون تمام الموضوع في موردٍ اليد فقط، وفي موردٍ اليد مع قيد آخر، فإنّ اليد من الغاصب الأوّل تمام الموضوع إذا لم تتعقّبها يد اُخرى، ومع تعقّبها تكون هي مع قيد آخر موضوعة، وهو اليد التي يصحّ رجوعها إلى المتأخّر، وهو كما ترى.

أنّ اللزوم لمّا لم يكن عقلياً وهو واضح، لا بدّ وأن يكون بجعل شرعي، وليس في المقام شيء سوى دليل اليد، فيلزم من ذلك أن يكون دليل اليد متكفّلاً لجعل الضمان لليد الاُولى والثانية، حتّى يترتّب عليهما جواز الرجوع، ثمّ جعل اللازم لاشتغال ذمّة المتقدّم، وهو مستحيل من دليل واحد وجعل فارد.

هذا مع أنّه لو كانت استفادة الضمان من دليل اليد، كافيةً في اللزوم المذكور، فلقائل أن يدّعي اللزوم بالنسبة إلى الأيادي المتأخّرة؛ بأن يقول: إنّ اشتغال ذمّة المتأخّر، من لوازمه جواز رجوع المتقدّم إليه، فإذا برئ المتقدّم سقط جواز الرجوع؛ فإنّه موقوف على رجوع المالك إليه، وأخذه منه، وبعد الإبراء ليس للمالك ذلك، فلا يصحّ الرجوع إلى المتأخّر.

وممّا ذكرناه يظهر الكلام لو أراد بما ذكره أنّ اشتغال ذمّة المتأخّر من لوازم

ص: 542

اشتغال المتقدّم، فيرد عليه ما ذكرناه حرفاً بحرف.

والإنصاف: أنّ ما ذكره غير مرضيّ، لا بحسب المبنى، ولا بحسب البناء، هذا كلّه مع تلف العين.

حول رجوع المالك إلى جميع الأيادي مع بقاء العين

وأمّا لو تعاقبت الأيادي عليها مع بقائها، فهل للمالك الرجوع إلى كلّ من جرت يده عليها، ويجب عليه تحصيلها والتأدية إليه، أو وجوب الردّ مختصّ بمن هي في يده فعلاً؟

استدلّ على الأوّل بقاعدة اليد(1)، وهو مبنيّ على أن يكون المراد منها عهدة العين بجريان اليد عليها، فيجب عليه الردّ حال وجودها، أو يكون المراد منها الحكم التكليفي فقط، وهو وجوب ردّها.

وأمّا على المذهب المنصور؛ من كون القاعدة بصدد جعل الضمان على ما تقدّم(2)، فلا تدلّ على وجوب الردّ.

وبقوله (عليه السّلام): «الغصب كلّه مردود»(3) وهو مبنيّ على إطلاقه بالنسبة إلى الغاصب.

وفيه إشكال؛ لأنّه بصدد بيان مردودية كلّ مغصوب أو المغصوب كلّه، فيشكل الإطلاق بالنسبة إلى الآخذ والغاصب، ولا سيّما مع وروده في خلال

ص: 543


1- - منية الطالب 2: 160.
2- - تقدّم في الجزء الأوّل: 374.
3- - تقدّم في الصفحة 538.

حديث وارد لحكم آخر، وفيه: «وله صوافي الملوك ما كان في أيديهم على غير وجه الغصب؛ لأنّ الغصب كلّه مردود».

وهو كما ترى ليس بصدد بيان حال الغصب والغاصب، بل بصدد بيان أنّ الغصب كلّه مردود إلى صاحبه، وليس هو من صوافي الملوك التي تكون للإمام (عليه السّلام).

وأمّا التشبّث بالقاعدة العقلائية، فهو فرع ثبوتها بهذا العرض العريض في تعاقب الأيادي، وهو ممنوع، نعم لا يبعد في الجملة، وهو لا يفيد.

ويمكن الاستدلال عليه بالاستصحاب، بأن يقال: إنّ العين إذا وقعت في يد كلّ غاصب أو من بحكمه، يجب عليه ردّها إلى صاحبها، وبعد خروجها عن تحت يده، يشكّ في بقاء الوجوب فيستصحب، كما يستصحب حكم الغاصب بالنسبة إلى كلّ منهم.

لكنّه مبنيّ على ثبوت وجوب الردّ حتّى بالنسبة إلى الغاصب الذي يتعذّر عليه الردّ، إمّا لأجل عجزه عنه؛ لضيق الوقت ونحوه، أو لجهله وغفلته.

وقد فرغنا عن ثبوت الأحكام الكلّية القانونية الفعلية، من غير فرق بين العالم والجاهل، والقادر والعاجز، وذكرنا الافتراق بين مبادئ الأحكام الشخصية والقانونية، والتفصيل يطلب من مظانّه(1).

ثمّ إنّ مؤونة الردّ على الغاصب وإن بلغت إلى حدّ الحرج، فضلاً عن الضرر زائداً على المؤونة المتعارفة؛ فإنّ أدلّة نفي الحرج والضرر منصرفة عنه،

ص: 544


1- - مناهج الوصول 2: 18.

فيؤخذ الغاصب بأشقّ الأحوال وإن كان الأخذ موجباً لضرره وحرجه، وهذا معنى أخذه بأشقّها.

والدليل عليه: إطلاق وجوب الردّ من غير دليل حاكم.

نعم، لو كان الآخذ جاهلاً بالموضوع فالمؤونة عليه، إلاّ إذا كانت زائدة على المتعارف، أو موجبة للحرج عليه.

ثمّ إنّ هاهنا فروعاً لا يسعنا التعرّض لها، هذا تمام الكلام في الفضولي، واللّه الهادي.

ص: 545

مسألة بيع الفضولي مال نفسه مع مال غيره

إشارة

لو باع الفضولي مال غيره مع مال نفسه، فهل يصحّ في ماله مطلقاً، أو يبطل مطلقاً؟

أو يفصّل بين ما إذا قلنا: بصحّة الفضولي وعدمها؟

أو بين إجازة الفضولي بناءً على الصحّة، وبين ما لم يجز؟

أو بين القول: بالكشف الحقيقي فيصحّ مطلقاً، وغيره؟

أو بين علمهما أو علم أحدهما بالفضولية، وعدمه؟

وجوه واحتمالات.

حكم المسألة بحسب القواعد

وقبل النظر في النصّ الخاصّ والإجماع، لا بأس بصرف الكلام إلى مقتضى القواعد والإشكالات الواردة فيه، وهي مختلفة، فبعضها وارد على جميع الاحتمالات.

ص: 546

منها: أنّ العقد المتعلّق بالمالين واحد لا يتجزّأ، ولا يعقل تعلّق وجوب الوفاء بالنسبة إليهما على المالك فقط، أو على الفضولي فقط لو أجاز، ولا عقد بالنسبة إلى كلّ منهما مستقلاًّ، حتّى يجب الوفاء على المالك وإن لم يجب على غيره، ويجب على الفضولي أيضاً على القول بالصحّة.

وبالجملة: ليس في المقام إلاّ عقد واحد لم يتعلّق به وجوب الوفاء، فلا بدّ من وقوعه باطلاً، وكذا الحال في دليل نفوذ البيع، ودليل التجارة عن تراضٍ.

وهذا الإشكال يرد على جميع الاحتمالات، حتّى مع صحّة الفضولي على الكشف الحقيقي.

فالقول: بعدم الإشكال بناءً على صحّة الفضولي وإجازة المالك(1)، أو بناءً على الكشف الحقيقي(2)، ليس على ما ينبغي، فلا بدّ من دفعه على جميع المباني.

ثمّ إنّ المحقّقين قدّس اسرارهم تفصّوا عن الإشكال؛ بدعوى انحلال العقد إلى عقدين(3)، بل ادّعى بعضهم أنّ العقد الواقع على المركّب مطلقاً منحلّ إلى العقود حسب أجزاء المركّب، كالتكليف المتعلّق بالمركّب الارتباطي(4).

بل أقام بعضهم البرهان على المدّعى، فقال: إنّ وحدة التمليك والملكية طبيعية لا شخصية؛ لوضوح تعدّد اعتبار الملكية بتعدّد المملوك، لا أنّ المالين

ص: 547


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 514؛ منية الطالب 2: 196.
2- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 333.
3- - حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 319.
4- - منية الطالب 2: 198.

معاً ملك واحد؛ بحيث تكون الإضافة الشخصية قائمة بالمتعدّد، ومع تعدّد الملكية يتعدّد التمليك؛ لأنّ الإيجاد والوجود متّحدان بالذات، وليس العهد إلاّ الجعل والقرار المعاملي المتعلّق بالملكية، ولا العقد إلاّ ارتباط أحد القرارين بالآخر، فلهما وحدة طبيعية وتعدّد بالشخص، وعدم تجزّئ البسيط لا ينافي التعدّد(1).

أقول: الظاهر منه ومن بعض آخر(2) أنّ العقد في كلّ مركّب - بل وفي كلّ بسيط خارجي عرفاً قابل للتجزئة والتفصيل، كقطعة من الذهب، أو واحد من الأحجار الكريمة، بل وفي كلّ شيء قابل للكسر المشاع - منحلّ إلى العقود؛ فإنّ كلّ جزء سواء كان من الأجزاء الخارجية كالمركّب الاعتباري، أو الأجزاء غير الخارجية ككلّ مثقال من قطعة من الذهب، أو قيراط من الأحجار الكريمة، أو كسر مشاع من كلّ شيء مملوك، قد انتقل إلى المشتري بالبيع والقرار العقدي.

فالعقد منحلّ إلى ما شاء اللّه بحسب الأجزاء الخارجية وغيرها، ولازمه أنّ كلّ جزء ينتقل بعقدين: عقد على نفسه، وعقد عليه بما له كسر مشاع.

وأنت خبير: بأنّ هذا خروج عن طريق العقل والعرف:

أمّا العقل؛ فلأنّ العقد بما أنّه فعل اختياري من العاقد، لا بدّ وأن يكون - بما له من المتعلّق - مورداً للتصوّر، والتصديق بالفائدة، وسائر المبادئ التصوّرية والتصديقية، ومع الذهول والغفلة والجهل لا يعقل تعلّق الإرادة به.

فالقرار على نفس الشيء المركّب الخارجي كالبيت ونحوه، أو غيره

ص: 548


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 334.
2- - منية الطالب 2: 198.

- كالذهب والفضّة والحيوان ونحوها - مسبوق بمبادئ الإرادة بالوجدان، ومبادئها لا تنحلّ إلى مبادئ الأجزاء بالوجدان؛ ضرورة أنّ بائع البيت أو البستان، ذاهل عن أكثر أجزائهما، بل لا تعقل منه الإحاطة بها.

كما أنّ الوجدان شاهد بأنّ بائع المركّب ولا سيّما المركّبات العقلية، ذاهل عن أجزائها حين البيع، فكيف مع ذلك يقال: إنّ البائع والمشتري لهما عقود وقرارات بالنسبة إلى كلّ جزء جزء، مع فقد المبادئ مطلقاً؟!

ولو قيل: إنّ القرار على المركّب قرار على الأجزاء ارتكازاً.

يقال: هذا صحيح إن اُريد أنّه بقرار واحد تنتقل الأجزاء، وأمّا دعوى أنّه قرارات متعدّدة، فهي فاسدة جدّاً.

وأمّا حكم العرف، فهو أقوى شاهد على فساد هذه المزعمة، فلو قيل لبائع حيوان: «إنّ لي معك قرارات وعهوداً، منها: أن تكون عين الفرس لي مقابل مقدار من المال، ومنها: أن تكون رجله لي بكذا...» وعدّ جزء جزء منها، يحمل كلامه على الدعابة واللعب.

فالحقّ: أنّ المبيع في المركّبات الاعتبارية - فضلاً عن الحقيقية - واحد، والبيع واحد، والعقد كذلك، ونقل الكلّ بعقد واحد لا ينفكّ عن نقل الأجزاء، من غير لزوم قرار خاصّ مستقلّ بالنسبة إليها.

فمن باع فرساً لم تخطر بباله حين البيع أجزاؤه، ولا سيّما الأجزاء الباطنة، ولم يكن قراره إلاّ قراراً واحداً، ولا عقده إلاّ واحداً على واحد، لكن نقل الفرس نقل لشخصيته المشتملة على الأجزاء.

كما أنّ في باب التكليف بالمركّبات أيضاً، لا أساس لقضيّة الانحلال، بل

ص: 549

الانحلال غير صحيح، لا في العامّ الاستغراقي، ولا المجموعي، ولا في المركّبات مطلقاً؛ لأنّ العامّ الاستغراقي دالّ بدوالّه على تعدّد الحكم، من غير معنى للانحلال فيه، وفي المركّبات والمجموعي حكم واحد لموضوع واحد، والتفصيل يطلب من مظانّه(1).

وأمّا البرهان الذي أفاده بعض، ففيه: أنّ المركّبات لها وحدة عرفية، وإلاّ خرجت عن كونها مركّبات، فإذا كانت واحدة فالمملوك واحد، والبيع تعلّق به.

نعم، ملكية المملوك الواحد الذي له أجزاء، ملكية الأجزاء في النظر التفصيلي، كما لو اُغمض النظر عن المركّب ولوحظت الأجزاء، فالنقل في المركّب نقل واحد لأمر واحد ذي أجزاء، وهذا واضح.

مع أنّ ما ذكر لا يتأتّى بالنسبة إلى المركّبات الحقيقية، فتدبّر.

ومنه يظهر النظر في كلام السيّد الطباطبائي قدّس سرّه، حيث استشهد بقول العرف: «إنّ هذا الجزء ملكي بهذا العقد» وقال: هذا معنى الانحلال(2)؛ إذ معناه أنّ الجزء له بهذا العقد، لا بعقد مستقلّ، ولهذا لو قيل له: «إنّك عقدت عليه» قال: «لا، بل عقدت على الكلّ» ولو قال: «نعم» كذب، وهو أجنبيّ عن الانحلال، هذا بالنسبة إلى بيع الأصيل ماله المركّب ذا الأبعاض.

وأمّا البحث فيما نحن بصدده، فلا يخلو: إمّا أن يكون مال نفسه وغيره غير مرتبطين كالكتاب والفرس.

ص: 550


1- - مناهج الوصول 1: 111 - 112؛ أنوار الهداية 2: 266.
2- - حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 319.

وإمّا أن يكونا في ضمن مركّب اعتباري أو حقيقي، كالشركة بالإشاعة بينهما في دار أو حيوان ونحوهما.

أو كانا قسمين مفروزين، كما لو كان نصف الدار مفروزاً لأحدهما، والآخر للآخر.

وعلى أيّ حال: قد يكون البائع والمشتري عالمين بالواقعة، وقد يكونان جاهلين، أو أحدهما جاهلاً.

فعلى الأوّل: تارة تقع المقاولة بينهما بالنسبة إلى الفرس، فيحصل التراضي على قيمته، وبالنسبة إلى الكتاب كذلك، ثمّ من باب السهولة يقول: «بعتهما بكذا» أو يقول: «بعت هذا بكذا، وهذا بكذا».

فلا إشكال في أنّه يكون بإنشاء واحد موجداً لمبادلتين أو مبادلات؛ فإنّ «بعت» الإنشائي لا يدلّ إلاّ على إيقاع المادّة وإيجادها، وهو معنى وحداني، سواء كان المتعلّق واحداً أو كثيراً، مجتمعاً في اللفظ، أو معطوفاً بعضه على بعض ب-«الواو».

فلو قال: «بعت فرسي» يدلّ ذلك - بدوالّ متعدّدة - على نقل فرسه بالبيع، ولو قال بعد ذلك: «وكتابي» يدلّ العطف والمعطوف على نقل الكتاب أيضاً، من غير أن يكون لفظ «بعت» ومعناه مختلفاً في الموردين.

بل دلالة نقل الفرس بالجملة المعطوف عليها؛ لأجل جعل «الفرس» مفعولاً ل-«بعت» والعطف يدلّ على مفعول آخر... وهكذا.

ولو قال: «بعت كلّ صاع بكذا» مشيراً إلى صبرة فيها عشرون صاعاً، يدلّ الكلام - بالدوالّ المختلفة - على مبادلة كلّ ما في الصبرة من الصيعان،

ص: 551

من غير اختلاف في معنى «بعت».

فبإنشاء واحد تتحقّق مبادلات متعدّدة ومنشآت كثيرة، كلّ ذلك بالدلالات الكثيرة العرفية.

فمن قال: إنّ التمليك واحد نوعي في مثل بيع الدار وفيما نحن فيه، كأنّه غفل عن أنّ معاني الحروف والهيئات جزئية لا تعقل الكلّية فيها، وغفل عن أنّ في «بعت فرسي» و«بعت فرسي وكتابي» لا يستعمل «بعت» إلاّ في معنى واحد، واختلاف المتعلّقات لا يعقل أن يؤثّر في معناه.

وكذا الكلام فيما إذا باع كلّ نصف في المشاع، فقال: «بعت نصف الفرس بكذا، ونصفه الآخر بكذا» وفي المفروز، كما لو قال: «بعت الطرف الشرقي بكذا، والغربي بكذا».

ففي أمثال ذلك تكون مبادلات مختلفة وبيوع متعدّدة؛ لأنّ «البيع» اسم للمنشأ الاعتباري، لا للإنشاء، ولا اللفظ، ولا الأثر المترتّب على المعاملة؛ أي النقل الواقعي، ولا مانع من وحدة اللفظ والإنشاء، وكثرة المنشآت، بعد مساعدة العرف والعقلاء.

ولا يشكّ عاقل في أنّه إذا قال: «بعت داري بكذا، وكتابي بكذا» أنّه أنشأ بيع داره وبيع كتابه ببيعين وعقدين بسلعتين وثمنين، فإذا كان أحدهما لآخر صحّ بالنسبة إلى ماله، سواء أجاز مالك الآخر أو لا، وسواء صحّ الفضولي أو لا، وسواء جهل البائع والمشتري بأنّ بعضه مال غيره أو لا، من غير ثبوت خيار تخلّف الشرط، أو تبعّض الصفقة للجاهل.

وأمّا لو كان المبيع واحداً اعتبارياً أو حقيقياً، وكان بعضه للغير، فباع الكلّ

ص: 552

صفقة واحدة، فهل يكون امتيازهما واقعاً في الملكية، موجباً لصيرورة المنشأ بيعين وعقدين؟

لا يبعد ذلك إذا كانا عالمين بالواقعة حين الإنشاء ملتفتين لها؛ فإنّ حصول قصد الفضولية في بعض، والأصالة في بعض منهما قهري، إلاّ في بعض الموارد النادرة على إشكال.

بل لا يبعد ذلك مع علم البائع المنشئ للمعاملة؛ فإنّ ماهية البيع تنشأ بفعله، والقابل يقبل ما فعل.

نعم، لمّا كان بحسب الظاهر صفقة واحدة، للمشتري مع جهله خيار التبعّض.

ولو جهل البائع المنشئ بالواقعة، فمجرّد الامتياز الواقعي لا يوجب - ظاهراً - صيرورة البيع متكثّراً، والعقد متعدّداً.

بل التحقيق: عدم التكثّر والانحلال حتّى مع علمهما أو علم البائع بالواقعة؛ لأنّ الأصالة والفضولية غير دخيلتين في إنشاء المبادلة وتحقّق البيع، فبيع الفضولي كبيع الأصيل في الماهية ومقام الإنشاء والتحقّق، وإنّما الافتراق بينهما بأمر خارج عن ماهية البيع.

فحينئذٍ علمهما بالفضولية لا يوجب فرقاً في مورد الإنشاء، ولا يوجب اختلاف الإنشاء والمنشأ، فالإنشاء والمنشأ في المجموع بما هو مجموع واحد غير منحلّ، وهذا ظاهر لو اُعطي التأمّل حقّه.

لكن مع وحدة العقد يجب على الأصيل الوفاء به، ولا دليل على لزوم كون العقد لواحد، كما لو كان شخص وكيلاً عن شريكين في بيع فرسهما، وغفل الوكيل عن الوكالة، وظنّ أنّه لأحدهما فباع الفرس، فلا شبهة في لزوم الوفاء

ص: 553

على كلّ منهما، سواء قلنا: بانحلال العقد إلى عقدين أو لا.

والمقام لا يقصر عن بيع الشريكين المذكورين إلاّ في أصالة أحدهما في المقام، وهو غير فارق بعد كون العقد هو النقل الإنشائي.

وأمّا قضيّة تخلّف القصد فهي ساقطة، لا لما ذكره المحقّق الخراساني قدّس سرّه: من أنّ الجملة ليست إلاّ نفس الأبعاض بالأسر، فالتعاقد عليها والقصد لها هو التعاقد والقصد على الأجزاء(1)، فإنّه غير مرضيّ؛ لما تقدّم(2): من أنّ مبادئ تعلّق القصد بالمجموع، غير مبادئ تعلّقه بالأجزاء، والمجموع - بما هو موضوع الحكم أو العقد - تفنى فيه الأبعاض لحاظاً واعتباراً.

مع أنّ ما ذكره لو صحّ، إنّما يصحّ في المركّبات الاعتبارية لا الحقيقية، عقلاً كفصّ ياقوت ونحوه إذا كان مشتركاً مشاعاً، أو عرفاً كبيت ودار ونحوهما، فإنّ لها هيئة بها صارت هي هي.

مع أنّ حديث كون المركّب هو الأجزاء بالأسر، غير مرضيّ، والعهدة على محلّه(3).

ولا لما ذكره تلميذه المدقّق قدّس سرّه: من عدم تعلّق القصد بملكية المجموع، ولا مجموع الملكيات؛ لعدم تحقّق المجموع، وعدم اعتبار ملكيته، والملكيات المتعدّدة من الأفعال التوليدية التسبيبية للعاقد دون مجموعها (4).

ص: 554


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 86.
2- - تقدّم في الصفحة 548 - 549.
3- - مناهج الوصول 1: 268.
4- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 334.

فإنّه أيضاً غير مرضيّ لا عقلاً، ولا عرفاً؛ لما تقدّم من اختلاف مبادئ الكلّ والجزء، ولما يلزم منه من عدم صحّة أكثر المعاملات؛ فإنّ الأجزاء التي هي موجودة حقيقةً، غير متموّلة، كالحبوب ونحوها ممّا لا يتموّل كلّ حبّة منها، والفرض أنّ المجموع لا وجود له.

فالتمليك بالنسبة إلى الكلّ غير صحيح، ولا يتعلّق به القصد على زعمه، وإلى كلّ جزء لا مالية له، لا يتحقّق معه العقد والمعاملة.

والحلّ: أنّ الاُمور العرفية لا تقاس بالعقليات، والعرف أصدق شاهد على وجود الجملة، وتعلّق القصد بها، ووحدة المعاملة فيها، فمن باع وزنة من الحنطة لم يبع آحاد حبّات الحنطة التي لا مالية لها.

فكما أنّ المجموع بما هو مجموع، دخيل في المالية عرفاً وعقلاً، كذلك المجموع ملك؛ بمعنى أ نّه إن لوحظ المجموع بما هو؛ بحيث تفنى فيه الأجزاء، يكون هو ملكاً واحداً، والأجزاء أجزاء لملكه، وجزء الملك ملك، وإن فصل المجموع إلى الأجزاء؛ بحيث سقطت الأجزاء عن الجزئية، يكون كلّ ملكاً مستقلاًّ.

نظير جوهرة واحدة، فإنّها ملك واحد بالضرورة، وليست لها أجزاء فعلية، ليقال: إنّ المركّب هو الأجزاء بالأسر، لكن إذا قسمت قسمين، يكون كلّ قسم ملكاً مستقلاًّ بعد ما كان الكلّ ملكاً واحداً، فالعرف والعقل مخالفان لما أفاده قدّس سرّه.

بل سقوط الإشكال لأجل أنّ القصد لا يعقل أن يتعلّق إلاّ بما هو فعل اختياري، والعقد - بما هو معنى إنشائي ينشأ بالصيغة - اختياري يصحّ تعلّق القصد به، وماهية العقد ليست إلاّ المعنى المنشأ، سواء ترتّب عليه الأثر

ص: 555

كعقد الأصيلين، أو لم يترتّب كالفضولي، وكالإيجاب من الموجب.

والأثر المترتّب - أي النقل الواقعي عرفاً أو شرعاً - غير دخيل في العقد والإيجاب، وغير متعلّق للقصد، ولم يكن فعلاً إرادياً للموجب.

فحينئذٍ نقول: إنّ ما هو المقصود، العقد الإنشائي المتعلّق بالواحد فيما كان المتعلّق واحداً عرفاً كالدار، أو عقلاً كالدابّة، وهو حاصل غير متخلّف عن القصد.

فما قصده العاقد هو العقد الإنشائي وإيجاد ماهية البيع، وهو حاصل بإنشائه، وما هو غير حاصل - أي النقل الواقعي المنوط بإجازة المالك - غير مقصود، ولا يعقل أن يكون مقصوداً؛ لأنّه ليس فعلاً للعاقد حتّى يتعلّق به القصد، فلا أساس للإشكال رأساً.

وأمّا تخلّف الداعي، فلا إشكال فيه، ولا دخل له في صحّة المعاملة.

وأمّا حديث عدم تعلّق الرضا إلاّ بالمجموع، فغير صحيح، لا لما أفاده السيّد الطباطبائي قدّس سرّه: من أنّ الرضا بكلّ جزء حاصل في ضمن الكلّ، وليس الرضا به متقيّداً بوجود الجزء الآخر، بل هو من باب تعدّد المطلوب(1).

لأنّ تعدّد المطلوب في المقام غير معقول؛ فإنّ الرضا المقارن للتجارة، الذي هو شرط في صحّتها، ولا بدّ وأن تكون التجارة عن رضاً منه، إن كان متعلّقاً بالمجموع - أي المطلوب الأعلى - يتحقّق العقد مقارناً لهذا الرضا، ولا عقد آخر مقروناً بالرضا بالمرتبة الدانية.

ص: 556


1- - حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 321.

ولا يعقل أن يكون العقد عن الرضا بمرتبة، عقداً عن الرضا بمرتبة اُخرى، إلاّ أن ينحلّ العقد إلى عقدين، فسقط حينئذٍ تعدّد المطلوب.

وأمّا تعدّد المطلوب في اللبّ وبنحو الداعي، فهو غير مربوط بصحّة العقد، بل لأنّ المعتبر في العقد أن لا يكون عن إكراه الغير، والرضا المعتبر هو ما في قبال الإكراه عن الغير، وأمّا الزائد على ذلك فلا يعتبر.

فمن باع ظلّ رأسه بلا كره ولأجل الحوائج، فهو لا يرضى بالمعاملة؛ بمعنى أنّه ليس بطيب واشتياق ورضاً بمعناه، لكنّه صحيح؛ لرضاه بالمعاملة في قبال الكره، ومعلوم أنّ هذه المعاملة ليست عن إكراه مكره، فشرطها حاصل، وقد مرّ التفصيل في باب بيع المكره(1).

وأمّا حديث لزوم الجهالة، ففي غاية السقوط؛ لأنّ لزوم الغرر أو الجهالة أحياناً في معاملة، لا يوجب بطلانها مطلقاً.

ففي المقام: ليس ضمّ مال الغير إلى ماله موجباً للجهالة في الثمن مطلقاً، حتّى يرد الإشكال ولو ظاهراً، بل في غالب الموارد لا جهالة فيه.

فلو باع المال المشترك بينهما بالإشاعة بثمن، أو باع مال غيره وماله المفروزين، وكانا جنساً واحداً ذاتاً ووصفاً، أو كانا جنسين، وعلما قيمة كلّ منهما، وأشباه ذلك، فلا تكون جهالة ولا غرر.

وأمّا إذا لم يعلما قيمة كلّ، وعلما قيمة المجموع، فإشكال لزوم الغرر أو الجهالة المضرّة بالمعاملة - على تقدير تسليمه - مشترك بين المقام وغيره حتّى

ص: 557


1- - تقدّم في الصفحة 100.

في مورد كان المالان ملكاً لشخص، وباعهما صفقة واحدة، من غير علم بقيمة كلّ منهما.

فالإشكال ساقط من رأس ولو سلّم حصول الغرر أو الجهالة المضرّة في مثل المورد.

وبعبارة اُخرى: إنّ الإشكال لم يرتبط بصحّة بيع مال الغير مع مال نفسه، بل هو في بيع شيئين جهلت قيمة كلّ منهما، مع العلم بمجموع الثمن، صفقة واحدة.

وأمّا ما أفاده المحشّون رحمهم اللّه، فلا يخلو من غرابة؛ فإنّهم أجابوا عن الإشكالات السابقة: بأنّ العقد المتعلّق بالمركّب ينحلّ إلى عقود، ولكلّ عقد حكمه من وجوب الوفاء، وتعلّق القصد به، والرضا به.

ولمّا وصلوا إلى المقام قالوا: إنّ العقد وقع على الجملة، والتبادل بين المجموع والمجموع، ويكفي ذلك في رفع الغرر(1).

فإن كان مرادهم بالانحلال أنّ العقد وقع على المجموع، والتبادل بين المجموع والمجموع، ومع ذلك ينحلّ العقد إلى العقود.

ففيه: أنّ العقد على المجموع عمل عمله وحصل التبادل به، فلا يعقل التبادل بين الأجزاء بعقد آخر، مع أنّه لا عقد آخر غير العقد على المجموع.

وإن كان المراد أنّ العقد على المجموع - حقيقةً - عقد على الأجزاء؛ لأنّ

ص: 558


1- - حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 319 - 321؛ حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني2: 351؛ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 334 و336؛ منية الطالب 2: 197 و199.

الأجزاء بالأسر هي المجموع(1)، ولأنّ المجموع لا وجود له ولا ملكية له كما صرّح به بعضهم(2)، فلا معنى لمقابلة المجموع بالمجموع، فهاهنا عقود كثيرة وقصود كذلك، لا عقد وعقود.

وهذا الإشكال أوضح وروداً على من ادّعى: أن لا معنى لملكية المجموع(3)، ولا معنى لتعلّق القصد والرضا به، كما مرّت حكايته عنه(4).

وأمّا نحن، فمع الغضّ عمّا تقدّم آنفاً - من عدم ربط إشكال الغرر والجهالة بالمقام - نقول: إنّ كلّ مورد يكون فيه عقدان وثمنان مع جهالة ثمنهما، فهو باطل، كما لو قال: «بعت هذا ببعض العشرة، وهذا ببعضها الآخر».

وأمّا لو جمع بينهما بثمن واحد، فهو لا ينفكّ عن لحاظ الوحدة في المبيع؛ لعدم تعقّل بيع متعدّد مع وحدة الثمن، فحينئذٍ يكون بيعاً واحداً لا متعدّداً، ولا ينحلّ إلى بيعين، كما لو قال: «بعتهما بعشرة» أو «بعت هذا وهذا بعشرة» هذا مع جهالتهما بقيمة كلّ منهما.

وأمّا مع العلم بها، كما لو كان جزءاً مشاعاً، أو من صبرة واحدة، أو معلوم القيمة عندهما ولو كانا مختلفين جنساً وقيمة، فلا إشكال في عدم الجهالة، سواء كان المنشأ عقدين، أو عقداً واحداً، هذا حكم المسألة بحسب القواعد.

ص: 559


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 86.
2- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 334.
3- - نفس المصدر.
4- - تقدّم في الصفحة 554.

ثمّ إنّ الكلام في ضمّ ما يقبل التمليك إلى ما لا يقبله بحسب القواعد هو الكلام في المقام.

تصحيح البيع في المقام وفيما يقبل مع ما لا يقبل بصحيحة الصفّار

هذا، ومع الغضّ عن القواعد، فهل يمكن تصحيح البيع في المقام وفيما يقبل ولا يقبل - بجميع الاحتمالات والشقوق فيهما - بصحيحة الصفّار؟ التي رواها المشايخ الثلاثة قدّست أسرارهم، بإسنادهم عن محمّد بن الحسن الصفّار: أنّه كتب إلى أبي محمّد الحسن بن علي العسكري (عليه السّلام) في رجل له قطاع أرضين، فيحضره الخروج إلى مكّة والقرية على مراحل من منزله، ولم يكن له من المقام ما يأتي بحدود أرضه، وعرف حدود القرية الأربعة.

فقال للشهود: أشهدوا أ نّي قد بعت فلاناً - يعني المشتري - جميع القرية، التي حدّ منها كذا، والثاني والثالث والرابع، وإنّما له في هذه القرية قطاع أرضين، فهل يصلح للمشتري ذلك، وإنّما له بعض هذه القرية، وقد أقرّ له بكلّها؟

فوقّع (عليه السّلام): «لا يجوز بيع ما ليس يملك، وقد وجب الشراء من البائع على ما يملك».

والنسخ التي عندي من «الوسائل»(1) و«الكافي»(2) و«التهذيب»(3)

ص: 560


1- - وسائل الشيعة 17: 339، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 2، الحديث 1.
2- - الكافي 7: 402 / 4.
3- - تهذيب الأحكام 7: 150 / 667.

و«الفقيه»(1) و«مرآة العقول»(2) و«الحدائق»(3) كلّها متّفقة في ذلك تقريباً.

ولكن لم يكن في نسخة «الوافي»(4) قوله: وإنّما له في هذه... إلى قوله: وإنّما له بعض هذه القرية، والظاهر سقوط تلك الجملة من قلم النسّاخ - لا من قلم صاحب «الوافي» - حين الاستنساخ، والمنشأ للاشتباه اشتراك كلمة «وإنّما له» فوقع نظر الناسخ بعد كتابة «وإنّما له» على الجملة الثانية المبدوءة بذلك.

وأمّا ما في «المستدرك»(5) عن «نهاية الشيخ قدّس سرّه»(6)، فإنّما هو نقل لبعض الرواية بالمعنى؛ إذ ليس «النهاية» كتاب حديث.

وكيف كان: مع الغضّ عن القواعد، استفادة الحكم من الصحيحة مشكلة؛ لاحتمالات كثيرة فيها:

منها: أن يكون السؤال عن قضيّة شخصية خارجية، والجواب عن تلك القضيّة، أو الجواب عن حكم كلّي بإلقاء كبريين كلّيتين.

ومنها: أن يكون السؤال عن قضيّة كلّية، كما هو دأب أصحاب الكتب من أصحابنا، فإنّهم إذا أرادوا استفادة الحكم الكلّي، كثيراً ما ذكروا أمراً جزئياً مريدين به الأشباه والنظائر، كقول زرارة: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو

ص: 561


1- - الفقيه 3: 153 / 674.
2- - مرآة العقول 24: 260 / 4.
3- - الحدائق الناضرة 18: 386.
4- - الوافي 17: 525 / 1.
5- - مستدرك الوسائل 13: 230، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 2.
6- - النهاية: 421 / 4.

شيء من المنيّ(1) ولا ينافي ذلك ذكر خصوصيات القضيّة.

ثمّ السؤال الكلّي إمّا عن البيع المتحقّق إيجاباً وقبولاً، أو عن حال الإيجاب على ما يملك وما لا يملك؛ وأنّ المشتري هل له قبول هذا الإيجاب ويصلح له ذلك؟

فإن كانت القضيّة شخصية سؤالاً وجواباً، يستفاد منها أنّ بيع ما يملك في ضمن ما لا يملك صحيح في مثل تلك القضيّة الشخصية بخصوصياتها، وسيأتي الكلام فيها (2).

وإن كان الجواب كلّياً في جواب القضيّة الشخصية، فيحتمل في قوله (عليه السّلام): «لا يجوز بيع ما ليس يملك...» إلى آخره، أن يكون بصدد بيان صحّة البيع فيما يملك إذا وقع مع غيره، فكأنّه قال: «كلّ بيع وقع على ما يملك وما لا يملك صحّ فيما يملك» فحينئذٍ يمكن استفادة الحكم للموضوع الكلّي، سواء كان في الخصوصيات موافقاً للقضيّة المسؤول عنها أم لا.

ويحتمل أن يكون بصدد إبطال البيع الواقع على المجموع، واختصاص الصحّة بما إذا وقع الإنشاء على خصوص ما يملك، بأن يقال: إنّ القرية بما هي ليست مملوكة، فلا يجوز بيعها، ووجب الاشتراء من المالك على ما يملكه؛ أي وجب أن يكون الإيقاع على ما يملكه حتّى يصحّ.

ويأتي الاحتمالان على احتمال كلّية السؤال أيضاً.

ص: 562


1- - تهذيب الأحكام 1: 421 / 1335؛ الاستبصار 1: 183 / 641؛ وسائل الشيعة 3: 402، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 7، الحديث 2.
2- يأتي في الصفحة 568.

وبالجملة: تتوقّف الاستفادة بناءً على كون القضيّة شخصية - سؤالاً وجواباً - أو على فرض الكلّية، على أن يكون المراد من قوله (عليه السّلام): «وقد وجب الشراء من البائع على ما يملك» أنّ الشراء صار لازماً على البائع إذا باع ما يملك وما لا يملك.

وفي نسخة «الكافي» بدل «من البائع»: «على البائع» فيؤيّد هذا الاحتمال.

وبالجملة: كما يحتمل أن يكون المراد أنّ الشراء صار واجباً على المالك، يحتمل أن يكون المراد وجب الشراء من المالك على ما يملك، على أن يكون الشراء بالمعنى المصدري؛ أي وجب الاشتراء منه على شيء ملكه.

وعلى هذا الاحتمال المؤيّد بسائر النسخ التي فيها «من البائع» تدلّ الرواية على البطلان.

نعم، في رواية «الكافي» بعد ذكر المكاتبة المتقدّمة بهذه العبارة: وكتب هل يجوز للشاهد الذي أشهده بجميع هذه القرية، أن يشهد بحدود قطاع الأرض التي له فيها، إذا تعرّف حدود هذه القطاع بقوم من أهل هذه القرية إذا كانوا عدولاً؟

فوقّع (عليه السّلام): «نعم، يشهدون على شيء مفهوم معروف»(1).

فيدّعى أنّ هذا الذيل قرينة على ترجيح احتمال تصحيح البيع المذكور ببعض مضمونه.

وفيه: مضافاً إلى أنّ تلك المكاتبات - التي جمعها المشايخ الثلاثة رضوان اللّه

ص: 563


1- - الكافي 7: 402.

عليهم - كانت مكاتبات مستقلّة غير مجتمعة، وكان الصفّار سأله نجوماً، والدليل عليه أنّ الكتب الثلاثة قد جمعتها مختلفة من حيث التقديم والتأخير، ولو كانت المكاتبة مجتمعة مع غيرها مرتّبة لما وقع ذلك، فراجع(1).

كما أنّه لو كانت المكاتبة المتقدّمة مذيّلة بتلك المكاتبة، لما أسقطها الصدوق والشيخ، فعلم من ذلك أنّ المكاتبة الثانية كانت مكاتبة مستقلّة، لم نعلم كونها مربوطة بتلك القضيّة أو قضيّة اُخرى، وإن كان المظنون ارتباطها بتلك القضيّة، لكنّ «الظَّنَّ لاَ يُغْنِى مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً»(2).

أنّ ترجيح احتمال الصحّة لا يخلو من إشكال؛ لأنّ السؤال إنّما هو عن جواز الشهادة بحدود القطاع إذا أشهد على حدود القرية، وليس بصدد بيان صحّة البيع، ولعلّ البيع على المجموع باطل، ولا بدّ من بيع القطاع مع الإشهاد على حدود القرية؛ بأن يقول: «أشهدوا أ نّي بعت القطاع الموصوفة بكذا، بمساحة كذائية من القرية التي حدودها كذا وكذا» فتأمّل.

ثمّ إنّه لا يبعد ترجيح احتمال تصحيح المعاملة الواقعة على المجموع بالنسبة إلى ما يملكه، بناءً على كون الصحّة موافقة للقاعدة؛ لبعد التعبّد على خلاف القواعد العقلية والعقلائية والشرعية، ولا ينقدح في ذهن العرف أنّ الرواية بصدد التعبّد بما هو على خلاف القواعد.

ولو انعكس البناء انعكس الاستظهار، فلو قيل: «بأنّ لازم الصحّة عدم وقوع ما قصده المتعاملان، ووقوع ما لم يقصدا» يستبعد العرف - غاية الاستبعاد -

ص: 564


1- - راجع ما تقدّم في الصفحة 560.
2- النجم (53): 28.

كونها بصدد التعبّد بذلك، فيرجّح الحمل على البطلان مطلقاً.

ثمّ لو قلنا: بدلالتها على صحّة البيع بالنسبة إلى ما يملكه، فهل يمكن رفع تمام الشكوك التي في المقام وفي بيع ما يقبل التمليك وما لا يقبله، ككون الضميمة خمراً، ومنها الشكّ في شمولها لما لا يقبله؟

وقد يقال: إنّ ترك الاستفصال دليل على عدم الفرق بين كون الملك للغير وبين كونه وقفاً مثلاً، بعد فرض القضيّة جزئية خاصّة بالمورد سؤالاً وجواباً (1).

وفيه: أنّ ترك الاستفصال إنّما هو دليل العموم، إذا لم يكن انصراف في البين، ولا يبعد الانصراف إلى الملك وعن الوقف، ولا سيّما في زمان الصفّار الذي كان الوقف فيه قليلاً ونادراً جدّاً، بل احتمال الانصراف حين الصدور يدفع الاستدلال.

ثمّ لو سلّم ذلك، فلا يدلّ تركه إلاّ على صحّة كون الضميمة وقفاً، ولا يمكن استفادة ضميمة الخمر والخنزير من ترك الاستفصال المذكور، فلا بدّ من التشبّث بإلغاء الخصوصية، والظاهر عدم صحّة إلغائها؛ بعد كون مثل الخمر والخنزير وآلات اللهو والقمار ونحوها، لها خصوصيات ظاهرة، ولو كان الجواب كلّياً، يكون المناط إطلاق الجواب لو فرض إطلاق له، لا خصوصية المورد.

فقد يقال: إنّ صحيحة الصفّار لا تشمل ما لا يقبل التمليك كبيع الوقف؛ فإنّ عدم جواز البيع فيه ليس لكونه غير مملوك للبائع، بل لعدم قابليته للملكية، ولهذا لا يجوز بيع الوقف، ولو كان مملوكاً للبائع، فلا معنى لتعميم ما لا يملكه

ص: 565


1- حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 355.

البائع هنا إلى ما كان وقفاً؛ فإنّ ملاك فساد البيع فيه عدم قابليته للتمليك، لا عدم كونه مملوكاً بالفعل؛ لعدم قبوله للملك(1).

وفيه: أنّ قبول الشيء للتمليك، وكونه ملكاً للبائع، شرطان لصحّة البيع فعلاً،

فلو كان الشيء قابلاً للتمليك، ولم يكن ملكاً فعلاً للبائع، أو كان ملكاً، ولم يكن

قابلاً للتمليك بطل؛ لفقد الشرط في كلا الفرضين.

ولو اجتمع في مورد عدم القابلية للتمليك، وعدم الملكية، يكون باطلاً؛ لفقد شرطين، لا شرط واحد.

ولو قيل: إنّ غير القابل فاقد للمقتضي، وغير الملك فاقد للشرط، وفقد المقتضي مقدّم في النسبة.

يقال: لا فرق بينهما في وجود الاقتضاء إذا لوحظ نفس الشيء، مع قطع النظر عن المانع أو فقد الشرط؛ فإنّ الوقف مال قابل للمبادلة في نفسه كمال الغير، ولو لوحظت حيثية الوقفية وحيثية مالية الغير، يمكن أن يقال: إنّ مال الغير لا يقتضي بيعه كمال الوقف.

وبالجملة: تقدّم أحد الشرطين على الآخر ممنوع، كما أنّ كون أحدهما من قبيل عدم المقتضي، والآخر من قبيل الشرط، غير واضح.

ولو قيل: إنّ القضيّة السلبية ظاهرة في سلب المحمول لا الموضوع، فقوله (عليه السّلام): «لا يجوز بيع ما ليس يملك» محمول على عدم كونه مملوكاً مع قابليته لذلك، والحمل على سلب القابلية كأنّه سلب بسلب الموضوع.

ص: 566


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 367.

يقال: سلب الموضوع في قوله (عليه السّلام): «ما ليس يملك» هو فقد الشيء كالقرية في المثال، لا فقد القابلية؛ لعدم أخذ القابلية موضوعاً للملك.

والإنصاف: أنّه لو سمع العرف أنّ الشارع الأقدس حكم بأنّه لا يجوز بيع ما ليس يملك، وسمع أنّ الأوقاف العامّة ليست ملكاً لأحد، أو أنّ الخمر والخنزير ليسا ملكاً لأحد، يفهم من ضمّهما بطلان بيعهما، ولا ينظر إلى ما أبداه أهل الدقّة، فهذه الاُمور خارجة عن متفاهم العرف الذي هو الميزان في فهم الأحاديث وفقهها.

وفي قبال القول بعدم التعميم، هو ما أفاده بعضهم: من أنّ المدار عموم الجواب، لا خصوص السؤال، وأنّ قوله (عليه السّلام): «وجب الشراء من البائع على ما يملك» يدلّ على تحليل العقد ونفوذه فيما يملكه، وإن اختصّ قوله (عليه السّلام): «لا يجوز بيع ما ليس يملك» بما يقبل التمليك.

فلا تدور صحّة الاستدلال مدار عدم نفوذ البيع بالنسبة إلى الضميمة، بل إنّما تدور مدار نفوذ البيع في الجزء الآخر الذي يملكه، والصحيحة تدلّ بإطلاقها على صحّته(1).

وفيه: أنّ لذلك وجهاً لو كان قوله (عليه السّلام): «وجب الشراء من البائع على ما يملك» كبرى مستقلّة في قبال الجملة المتقدّمة عليها، وليس الأمر كذلك.

بل الجملتان أيضاً ليستا كبريين، بل هما بيان حكم الموضوع المسؤول عنه، من غير ذكر الموضوع، واكتفي بالحكم لفرض الموضوع في السؤال،

ص: 567


1- - منية الطالب 2: 218.

ولا يصحّ تقدير شيء آخر غير السؤال.

فقوله (عليه السّلام): «لا يجوز بيع ما ليس يملك» ليس بصدد بيان عدم جواز بيع مال الغير مطلقاً، وكذا قوله (عليه السّلام): «وجب الشراء» ليس بصدد بيان صحّة شراء المالك ماله؛ فإنّهما غير مربوطين بسؤال السائل، وما هو المربوط لم يذكر موضوعه في الجواب؛ لاتّكاله على السؤال.

فكأنّه قال: «إذا باع القرية مع كون قطاع منها لغيره، صحّ فيما يملك، دون ما لا يملك» فلا عموم للجواب، ولا إطلاق بالنسبة إلى ما يقبل التمليك وما لا يقبله، فالصحيحة متكفّلة لبيان حكم موضوع شخصي.

وأمّا قوله: يدلّ على التحليل، فإن كان المراد التحليل في النفوذ واللا نفوذ صحّ، ولا ينتج.

وإن كان المراد التحليل في البيع، ثمّ دعوى استفادة التحليل في غير المقام ممّا ضمّ القابل للتمليك إلى غيره، فكلا الأمرين ممنوعان؛ لإمكان الصحّة في بعض مضمون عقد واحد، وقياس غير القابل بالمقام مع الفارق.

كما أنّ دعوى استفادة العموم بالنسبة إلى الوقف، وإلغاء الخصوصية عنه، فيحكم بسريان الحكم إلى الخمر والخنزير ونحوهما، قد مرّت الإشارة إلى فسادها (1).

ثمّ إنّ الجواب لمّا كان عن موضوع شخصي مفروض في السؤال، فلا بدّ من مراعاة خصوصيات السؤال، فلو فرض أنّ السؤال بصدد فهم الحكم الكلّي،

ص: 568


1- تقدّم في الصفحة 565.

لا المخصوص بالقرية، والجواب أيضاً كذلك، يكون حكماً كلّياً.

لكن لا يمكن إسراء الحكم من الموضوع المفروض وأشباهه إلى موضوع مغاير له؛ بمجرّد كون دأب أصحابنا على السؤال في مفروض شخصي عن الحكم الكلّي للأشباه والنظائر، كما لا يخفى، فالحكم كلّي على الموضوع المفروض بقيوده.

فحينئذٍ نقول: إنّ المفروض في السؤال هو علم البائع بالواقعة، وإيقاع البيع على التمام والإشهاد عليه - ظاهراً - لأجل إرضاء المشتري بالنسبة إلى اشتراء قطاعه، لا برجاء الرجوع إلى المالك والإجازة منه، ولا بنحو بيع الغاصب كما يظهر بالتأمّل فيها.

فعليه لا يصحّ إسراء الحكم إلى مورد جهله بالواقعة، ولا إلى الموضوعات المنفصلة، كضمّ حيوان إلى حيوان مثلاً، ولا إلى مورد يكون النظر إلى الرجوع إلى المالك.

بل لنا أن نقول؛ إنّ مضمون الصحيحة خارج عن باب ضمّ ماله إلى مال غيره والبيع بنحو الجدّ؛ لقرب احتمال أن يكون البيع بالنسبة إلى سائر القرية صورياً غير جدّي، فالصحّة في هذا المورد لا تدلّ على الصحة فيما إذا باع المالين جدّاً، وإطلاق «البيع» عليه لعلّه بنحو من المسامحة.

فحينئذٍ لا تدلّ الصحيحة على بطلان الفضولي، كما استدلّ بها له صاحب «الحدائق» قدّس سرّه(1).

ص: 569


1- - الحدائق الناضرة 18: 386.

ولو نوقش فيما ذكرنا بالنسبة إلى ضمّ ما يقبل التمليك إلى مثله، فلا تنبغي المناقشة في عدم استفادة حكم ما لا يقبله منها، فتدبّر جيّداً.

تقييد الصحّة بما إذا لم يتولّد من الردّ مانع شرعي كالربا
إشارة

ثمّ إنّ المحكيّ عن بعض: أنّ صحّة البيع فيما يملكه مع الردّ، تتقيّد بما إذا لم يتولّد من عدم الإجازة مانع شرعي، كلزوم الربا، وبيع الآبق بلا ضميمة(1)، ولا بأس ببسط الكلام في الموضع الأوّل منهما، فنقول:

حكم بيع درهم ودينار بدرهمين ودينارين وكان الدرهم للغير
بيانه

لو باع درهماً وديناراً بدرهمين ودينارين، وكان الدرهم مثلاً للغير، فهل يصحّ البيع في حصّته مطلقاً، أو لا مطلقاً، أو يصحّ إذا أجاز صاحب الدرهم، ويبطل إذا لم يجز؟ وجوه بحسب التصوّر:

فإن قلنا: بأنّ المعاملة المذكورة تنحلّ إلى بيعين وعقدين، وكانت كلّ سلعة في مقابل مثلها مع الزيادة، فالدرهم في قبال درهم ومقدار من الدينار، بطل مطلقاً.

أو قلنا: بصرف كلّ إلى ما يماثله، فالدرهم يقع في مقابل الدرهمين، والدينار في مقابل الدينارين، فكذلك بطل مطلقاً.

وإن قلنا: بصرف كلّ إلى ما يخالفه، صحّ مطلقاً.

ص: 570


1- - جواهر الكلام 22: 309؛ اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 515.

وهذه الاحتمالات تأتي مع البناء على وحدة العقد، فيبطل في فرض، ويصحّ في فرض.

وأمّا إن قلنا: بأنّه عقد واحد، والتقابل بين المجموع والمجموع، فمقتضى القاعدة الصحّة؛ لعدم كون المجموع من بيع الذهب بالذهب، والفضّة بالفضّة، المشروط فيه المماثلة؛ لأنّ ماهية البيع - كما مرّ مراراً (1) - هي المبادلة الإنشائية الحاصلة بالإيجاب على ما هو التحقيق، أو بالإيجاب والقبول على ما هو المعروف، سواء كانت موضوعة للتأثير فعلاً كبيع الأصيلين، أو لا كبيع الفضولي.

فبيع الأصيل كبيع الفضولي، ماهيته عبارة عن مبادلة مال بمال إنشاءً، فهذه الماهية - أي البيع المتحقّق بالإنشاء - مؤثّرة في النقل الواقعي، أو موضوع لحكم العقلاء بالنقل، والأثر والمؤثّرية الفعلية غير دخيلين في تحقّق الماهية، ولهذا كان بيع الفضولي مصداقاً للبيع كبيع الأصيل، بلا تفاوت بينهما من هذه الجهة.

فالشرائط معتبرة في مقام إنشاء البيع وتحقّقه، لا في مقام تأثيره وموضوعيته للتأثير إلاّ بعض الشرائط.

فحينئذٍ نقول: إنّ ما دلّ على أنّ الذهب بالذهب مثلاً بمثل، والحنطة بالحنطة مثلاً بمثل، ظاهر في أنّ المماثلة معتبرة في مقام التبادل والتقابل الإنشائي، كما أنّ قوله تعالى: «وَأَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَوا»(2) المفسّر بالبيع الربوي(3)،

ص: 571


1- تقدّم في الجزء الأوّل: 237 و243 و262 و323، وفي هذا الجزء 150 و360 و451.
2- البقرة (2): 275.
3- - مجمع البيان 2: 670؛ زبدة البيان في أحكام القرآن: 430.

ظاهر في حرمة المبادلة بين الربويين بالزيادة.

فإذا كان البيع في مقام تحقّقه وإنشائه غير ربوي، حلّ وصحّ وإن فرض أنّه ينتج بعده - حال الإجازة مثلاً - وجود ربح وزيادة.

فعليه إنّ بيع المركّب من الربوي وغيره بمثله - إذا فرض وقوع التبادل بين المجموع والمجموع - يصحّ في حصّة الأصيل، أجاز غيره أم لم يجز؛ ضرورة أنّ إجازته غير دخيلة في ماهية البيع، ولا في النقل بالنسبة إلى حصّة الأصيل.

والمنقول إلى ملكه وإن كان درهماً مع الزيادة، وما خرج من كيسه بسببية البيع أقلّ ممّا دخل فيه، لكنّه خارج عن البيع بالحمل الشائع؛ أي التبادل الإنشائي المتحقّق بالإنشاء، فالبيع بالحمل الشائع ليس ربويّاً وإن أنتج نتيجته.

والظاهر أنّ بيع الشيئين بشيئين حال اجتماعهما، غير منحلّ إلى بيعين وإنشاءين ومنشأين، ولو قيل: بالانحلال، فهو بالنسبة إلى النتيجة لا السبب، وعليه فمقتضى القاعدة الصحّة في حصّة الأصيل، سواء أجاز المالك الآخر حصّته أم لم يجز.

وأمّا الوجه الذي ذكر للتفصيل بين الإجازة وعدمها؛ وأنّه صحيح معها، وباطل مع الردّ(1)، فغير وجيه.

هذا حال القاعدة.

ص: 572


1- - حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 323 - 324.

وأمّا الروايات الواردة في التخلّص عن الربا؛ بضمّ غير الجنس إلى الربوي، فالظاهر عدم دلالتها على شيء غير ما هو مقتضى القاعدة، وليس فيها إعمال تعبّد.

ففي صحيحة عبدالرحمان بن الحجّاج قال: سألته عن الصرف فقلت له: الرفقة ربّما عجلت فخرجت، فلم نقدر على الدمشقية والبصرية، وإنّما يجوز بنيسابور الدمشقية والبصرية.

فقال: «وما الرفقة؟».

قلت: القوم يترافقون ويجتمعون للخروج، فإذا عجلوا فربّما لم يقدروا على الدمشقية والبصرية، فبعثنا بالغلّة، فصرفوا ألفاً وخمسين منها بألف من الدمشقية والبصرية.

فقال: «لا خير في هذا، أفلا يجعلون فيها ذهباً لمكان زيادتها!».

فقلت له: أشتري ألف درهم وديناراً بألفي درهم؟

فقال: «لا بأس بذلك، إنّ أبي كان أجرأ على أهل المدينة منّي، فكان يقول هذا، فيقولون: إنّما هذا الفرار، لو جاء رجل بدينار لم يعط ألف درهم، ولو جاء بألف درهم لم يعط ألف دينار.

وكان يقول لهم: نعم الشيء الفرار من الحرام إلى الحلال»(1).

وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبداللّه (عليه السّلام) قال: «لا بأس بألف درهم ودرهم

ص: 573


1- - الكافي 5: 246 / 9؛ الفقيه 3: 185 / 834؛ تهذيب الأحكام 7: 104 / 445؛ وسائل الشيعة 18: 178، كتاب التجارة، أبواب الصرف، الباب 6، الحديث 1.

بألف درهم ودينارين، إذا دخل فيها ديناران أو أقلّ أو أكثر فلا بأس به»(1) وقريب منهما غيرهما (2).

والظاهر منها أنّ المعاملة تصحّ لأجل دخول غير الجنس، وأنّ البيع وقع بين المجموع والمجموع، وهذا موجب للخروج عن عنوان «الذهب بالذهب» و«الفضّة بالفضّة» الموجب للربا إذا زاد أحدهما.

ولا يستفاد منها صرف كلّ جنس إلى ما يخالفه تعبّداً ولو لم يقصد المتعاملان؛ ضرورة أنّ هذا النحو من الصرف - بلا قصد - أمر بعيد عن الأذهان، وإعمال تعبّد مخالف لحكم العقلاء، وفي مثله يحتاج إلى التصريح.

والظاهر من الروايات عدم إعمال التعبّد، بل الإرجاع إلى القواعد؛ فإنّ أهل المدينة لم يتعبّدوا بقول أبي جعفر (عليه السّلام)، وكان ذلك العمل فراراً في نظرهم من الربا، لكن كان الفرار غير جائز ومستبعداً عندهم، فقالوا: هذا فرار.

فأجاب (عليه السّلام): «نعم الشيء الفرار من الحرام إلى الحلال».

فكون ذلك فراراً من عنوان إلى عنوان، كان متسالماً بينهم، لكنّ الإشكال عليه: أنّ الفرار لا يجوز، فأجاب (عليه السّلام) بما حاصله: أنّ المحرّم هو الزيادة في مقابلة الذهب بالذهب، أو الفضّة بالفضّة، ومقابلة المجموع بالمجموع خارجة عن العنوان المحرّم، وداخلة في المحلّل.

وأمّا الصرف ولو بلا قصد، فهو أمر بعيد عن الأذهان، ومحتاج إلى التعبّد.

ص: 574


1- - تهذيب الأحكام 7: 106 / 456؛ وسائل الشيعة 18: 180، كتاب التجارة، أبواب الصرف، الباب 6، الحديث 4.
2- راجع وسائل الشيعة 18: 179، كتاب التجارة، أبواب الصرف، الباب 6، الحديث 2 و3.

نعم، الصرف إذا قصده المتعاملان ليس ببعيد، لكنّه مخالف لإطلاق الروايات، كصحيحة الحلبي(1)

ورواية أبي بصير(2).

بل وظهورها؛ فإنّ الظاهر من «لا بأس بألف درهم ودرهم بألف درهم ودينارين» أو قوله (عليه السّلام) في رواية أبي بصير: سألته عن الدراهم بالدراهم، وعن فضل ما بينهما، فقال: «إذا كان بينهما نحاس أو ذهب فلا بأس» أنّ المقابلة بين المجموع والمجموع لا بأس بها.

وأمّا قوله (عليه السّلام) في صحيحة ابن الحجّاج: «أفلا يجعلون فيها ذهباً لمكان زيادتها!» فلم يتّضح منه أنّه أراد من ذلك في قبال زيادتها، بل الظاهر أنّه لأجل الزيادة والفرار من الحرام، أمر بأن يجعلوا فيها الذهب.

كما أنّ قوله (عليه السّلام): «لو جاء بدينار لم يعط ألف درهم» وقوله (عليه السّلام) في صحيحة ابن الحجّاج الاُخرى: «كان محمّد بن المنكدر يقول لأبي: يا أبا جعفر رحمك اللّه، واللّه إنّا لنعلم أ نّك لو أخذت ديناراً والصرف بثمانية عشر، فدرت المدينة على أن تجد من يعطيك عشرين ما وجدته، وما هذا إلاّ فرار.

فكان أبي يقول: صدقت واللّه، ولكنّه فرار من باطل إلى حقّ»(3) لم يتّضح منه أنّ الفرار لأجل جعل الدينار مقابل الدرهم، بل هذا محتمل.

ص: 575


1- - تقدّم في الصفحة 573.
2- - تهذيب الأحكام 7: 98 / 422؛ وسائل الشيعة 18: 181، كتاب التجارة، أبواب الصرف، الباب 6، الحديث 7.
3- - الكافي 5: 247 / 10؛ تهذيب الأحكام 7: 104 / 446؛ وسائل الشيعة 18: 179، كتاب التجارة، أبواب الصرف، الباب 6، الحديث 2.

كما يحتمل أن يكون المراد أنّ ضمّ الدينار إلى الدراهم لا يوجب أن يكون الدينار الواحد مقابلاً لألف درهم، بل بحسب اللبّ تكون الزيادة لأجل سعر الدرهم وزيادة سعر الدمشقية والبصرية، وجعل المجموع مقابل المجموع فراراً.

وبالجملة: لا يستفاد من تلك الروايات الصرف الاختياري، فضلاً عن الصرف مع عدم القصد المخالف للقواعد، كما أنّ الظاهر منها أنّ العلاج مخرج للبيع عن الربوي.

استنكار تحليل الربا بالحيل المذكورة

نعم، هنا كلام يجب التعرّض له - وإن كان خارجاً عن محطّ البحث - لأهمّيته، وعدم تحقيق الحقّ فيه، وهو أنّ الربا مع هذه التشديدات والاستنكارات، التي وردت فيه في القرآن الكريم والسنّة من طريق الفريقين؛ ممّا قلّ نحوها في سائر المعاصي، ومع ما فيه من المفاسد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية؛ ممّا تعرّض لها علماء الاقتصاد، كيف يمكن تحليله بالحيل الشرعية، كما وردت بها الأخبار الكثيرة الصحيحة، وأفتى بها الفقهاء(1) إلاّ من شذّ منهم(2)؟!

وهذه عويصة بل عقدة في قلوب كثير من المفكّرين، وإشكال من غير منتحلي الإسلام على هذا الحكم، ولا بدّ من حلّها.

ص: 576


1- - شرائع الإسلام 2: 41؛ مسالك الأفهام 3: 332؛ الحدائق الناضرة 19: 269؛ مفتاح الكرامة 14: 88؛ جواهر الكلام 23: 396.
2- - مجمع الفائدة والبرهان 8: 488.

والتشبّث له بالتعبّد في مثل هذه المسألة التي أدركت العقول مفاسد تجويزها ومصالح منعها، بعيد عن الصواب.

أقسام الربا

والتحقيق في حلّها موقوف على مقدّمة، وهي أنّ ما سمّاه الإسلام «رباً» وحرّمه قسمان:

الأوّل: الربا المعاوضي الجاري في النقود وفي المكيل والموزون، كالحبوب ونحوها من المكيلات والموزونات، فقد منع الشرع الأنور التعامل بها إلاّ مثلاً بمثل، وهذا القسم على قسمين:

أحدهما: ما إذا كان بين المثلين تفاضل في القيمة، كالأرزّ العنبر والشنبة مثلاً، والصنف الأعلى من الحبوب والأدنى، فقد تكون قيمة الأعلى أضعاف الأدنى، وكالليرة الإنكليزية مع العثمانية، وكالدراهم المختلفة في الجودة والرداءة، وأمثال ذلك ممّا تختلف قيمها السوقية.

وأظهر منها الحنطة والشعير والاُصول والفروع، وفرع أصل مع فرع آخر منه، كالجبن مع الزبد والسمن ممّا ألحقها الشارع بالمثلين، فمنع التعامل فيها إلاّ مثلاً بمثل، مع ما ترى من اختلاف القيم فيها.

وثانيهما: ما لم يكن كذلك، كالدينارين من صنف واحد، وكرّ من حنطة مع كرّ آخر من صنف واحد وصفة واحدة.

والقسم الثاني: الربا القرضي ممّا حرّمه الشارع، وشدّد عليه النكير بما لا مزيد عليه كتاباً وسنّة، وقد عدّ الكتاب أخذ الزائد عن رأس المال ظلماً،

ص: 577

فقال تعالى شأنه: «وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ»(1) فأخذ الزيادة ظلم.

وقد نزلت الآية الشريفة - على ما في التفاسير(2) - في خالد بن الوليد أو غيره ممّن كان أربى في الجاهلية، وأراد الأخذ في الإسلام، فنهاه اللّه تعالى.

ومعلوم أنّ كونه ظلماً وفساداً أوجب حكم اللّه تعالى بالتحريم، فالتحريم معلول الظلم بدلالة ظاهر الآية الكريمة، والظلم علّته أو حكمته، كما أنّ الأخذ إيذان بحرب اللّه تعالى ورسوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم).

وفي رواية محمّد بن سنان: أنّ علي بن موسى الرضا (عليه السّلام) كتب إليه: «وعلّة تحريم الربا لما نهى اللّه عزّ وجلّ عنه، ولما فيه من فساد الأموال؛ لأنّ الإنسان إذا اشترى الدرهم بالدرهمين، كان ثمن الدرهم درهماً، وثمن الآخر باطلاً...».

إلى أن قال: «وعلّة تحريم الربا بالنسيئة لعلّة ذهاب المعروف، وتلف الأموال، ورغبة الناس في الربح، وتركهم القرض، والقرض صنائع المعروف، ولما في ذلك من الفساد والظلم وفناء الأموال»(3).

وفي صحيحة هشام بن الحكم: أ نّه سأل أبا عبداللّه (عليه السّلام) عن علّة تحريم الربا.

فقال: «إنّه لو كان الربا حلالاً، لترك الناس التجارات وما يحتاجون إليه،

ص: 578


1- البقرة (2): 279.
2- - التبيان في تفسير القرآن 2: 365؛ مجمع البيان 2: 673؛ التفسير الكبير 7: 106.
3- - الفقيه 3: 371 / 1748؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 94؛ علل الشرائع: 483 / 4؛ وسائل الشيعة 18: 121، كتاب التجارة، أبواب الربا، الباب 1، الحديث 11.

فحرّم اللّه الربا؛ لتنفّر الناس من الحرام إلى الحلال، وإلى التجارات من البيع والشراء، فيبقى ذلك بينهم في القرض»(1).

ثمّ إنّ الأقسام التي ذكرناها، منها: ما لا يكون بحسب العرف وعند العقلاء من الربا، وهو أوّل القسمين من القسم الأوّل؛ فإنّ قيمة منّ من الأرزّ العنبر إذا ساوت منّين من غيره، لا تعدّ مبادلة منّ منه بمنّين رباً؛ إذ لا نفع ولا زيادة في ذلك إلاّ حجماً، والزيادة الحجمية ليست ميزاناً للنفع والزيادة في التجارة.

وكذا الحال إذا بودلت الليرة الإنكليزية بالليرة العثمانية، مع زيادة تكون معها مساوية للاُولى في القيمة السوقية، لا يكون رباً ولا زيادة.

وكذا الحال في كلّ مثلين كانا كذلك، فإذا فرض أنّ الدرهم الكويتي يكون ضعف قيمة العراقي، فاشتراء الواحد بالاثنين لا زيادة فيه ولا نفع ولا ربا.

وأولى بذلك ما ألحق بالمثليات، كالشعير بالحنطة، والفروع بالاُصول، فإذا بودل منّ من السمن بأمنان من اللبن أو الجبن، لا يكون ذلك من الربا بحسب نظر العرف وبحسب الواقع، كما أنّ المبادلات بالفضل فيها لا فساد فيها ولا ظلم، ولا توجب انصراف الناس عن التجارات والزراعات، وهو واضح.

وأمّا الربا القرضي، وكذا مبادلة منّ مساو في الأوصاف بمنّين نسيئة مثلاً، ففيه ما ذكر من الفساد والظلم، وتزلزل السوق، وغيرها من المفاسد المذكورة في كتب علماء الاقتصاد.

ثمّ إنّ الإشكال المتقدّم والعويصة والعقدة المشار إليها، إنّما هي في تجويز

ص: 579


1- - الفقيه 3: 371 / 1751؛ علل الشرائع: 482 / 1، مع اختلاف يسير؛ وسائل الشيعة 18: 120، كتاب التجارة، أبواب الربا، الباب 1، الحديث 8.

الحيلة في هذين القسمين؛ أي الربا القرضي، والربا المعاملي في المتساويين بحسب القيمة السوقية.

وأمّا تجويزها في القسم الأوّل، فلا إشكال فيه أصلاً، ولا عقدة ولا عويصة؛ لأنّ المثليات كسائر الأمتعة لها قيمة قد ترتفع، وقد تنخفض، واشتراء منّ من الحنطة الجيّدة بمنّين أو بأمنان من الشعير، كاشتراء سائر الأمتعة بقيمتها السوقية، واشتراء دينار أو درهم له قيمة سوقية تساوي دينارين من غير صنفه، أو درهمين كذلك، ليس فيه إشكال وعويصة رأساً.

بل لعلّ سرّ تحريم الشارع المقدّس المبادلة فيها - إلاّ مثلاً بمثل - خارج عن فهم العقلاء، وإنّما هو تعبّد، فالحيلة في هذا القسم لا إشكال فيها.

وأمّا القسمان الآخران؛ أي الربا القرضي، والمعاملي الذي يعامل ربويّاً، فلم ترد فيهما حيلة على ما يأتي الكلام فيه، إلاّ في بعض الأخبار القابلة للمناقشة فيها سنداً ومتناً، أو القابلة للجمع بما لا يلزم منه ذلك.

بل لو فرض ورود أخبار صحيحة دالّة على الحيلة فيهما، لا بدّ من تأويلها، أو ردّ علمها إلى صاحبها؛ ضرورة أنّ الحيل لا تخرج الموضوع عن الظلم والفساد وتعطيل التجارات وغيرها ممّا هي مذكورة في الكتاب والسنّة.

فإذا فرض أنّ القرض إلى سنة بربح عشرين في مائة ظلم، فلو عمل بالحيلة، وباع مائة دينار بمائة وعشرين نسيئة إلى سنة، كان ظلماً وفساداً بلا ريب ولا إشكال.

ولو كان في مبادلة أكرار من الحنطة بضعفها إلى سنة - مع تساوي جنسهما صنفاً وصفة - ظلم وفساد، لا يعقل إخراجه عنهما بضمّ منديل إلى الناقص، وهو

ص: 580

واضح، كما لا يعقل تجويز الظلم والفساد.

وإن شئت قلت: لو ورد نصّ في الجواز كان مناقضاً للكتاب والسنّة المستفيضة، وليس من قبيل التقييد والتخصيص.

ولو قيل: إنّ ما ذكر من الظلم والفساد، نكتة جعل الحكم لا علّته.

يقال: هذا مسلّم، لكنّ ذلك يوجب صحّة التخصيص والتقييد، وأمّا المخالفة لتمام الدلالة فلا يمكن تصحيحها بذلك، وفي المقام إذا كانت الحكمة في حرمة الربا ما ذكر من المفاسد، لا يجوز التخلّص عنها في جميع الموارد؛ بحيث لا يشذّ منها مورد، للزوم اللغو في الجعل.

فتحريم الربا لنكتة الفساد والظلم وترك التجارات، وتحليله بجميع أقسامه وأفراده - مع تغيير عنوان لا يوجب نقصاً في ترتّب تلك المفاسد - من قبيل التناقض في الجعل، أو اللغوية فيه.

ثمّ إنّه لو كانت الحيلة بتلك السهولة مصحّحة لأكل الربا نتيجة، فلِمَ لم ينبّه عليها رسول اللّه نبي الرحمة (صلّی الله عليه وآله وسلّم)؛ لئلاّ تقع الاُمّة في ذلك الحرام الذي هو إيذان «بِحَرْبٍ مِنَ اللّه ِ وَرَسُولِهِ»(1) و«درهم منه أعظم من سبعين زنية بذات محرم»(2) وفي نقل أنّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) كتب إلى عامله في مكّة بقتال المرابين إن لم يكفّوا عن المراباة(3)؟!

ص: 581


1- البقرة (2): 279.
2- - راجع الفقيه 4: 266 / 824؛ الخصال: 583 / 8؛ وسائل الشيعة 18: 117، كتاب التجارة، أبواب الربا، الباب 1، الحديث 1، و121، الباب 1، الحديث 12.
3- - راجع جامع البيان في تأويل القرآن 3: 107؛ الدرّ المنثور 1: 366.

فلو كان الانتفاع بمثل الربا جائزاً بسهولة، وإنّما يحتاج إلى ضمّ شيء إلى شيء، أو تغيير كلام، لما احتاج إلى كلفة القتال وقتل النفوس، بل كان عليهتعليم طريق الحيلة؛ حفظاً لدماء المسلمين.

فيعلم ممّا ذكر وما لم يذكر: أن لا سبيل إلى الحيلة في تلك الكبيرة الموبقة.

بيان مورد الروايات الموهمة للتخلّص عن الربا

وأمّا الروايات التي يقال: إنّها وردت للتخلّص عن الربا، فصنفان:

صنف منها وهو الصحاح الكثيرة: لم يكن شيء منه وارداً في التخلّص عنه، بل ورد في التخلّص عن بيع المثل بالمثل مع الزيادة؛ فيما كان السعر السوقي كذلك، ولا شبهة في أنّه لم يكن يصدق «الربا» فيما إذا بيع الشيء بقيمته السوقية، سواء كان المتبادلان ذهباً وفضّة، أو غيرهما من الحبوب.

وبالجملة: إنّ لدى الشرع الأقدس في المقام عنوانين محرّمين:

أحدهما: الربا في المثليات وغيرها.

وثانيهما: مبادلة المثليات مع الزيادة، سواء كان فيها رباً أم لا.

وتلك الأخبار على كثرتها وصحّتها، وردت في التخلّص عن مبادلة المثليات التي لا يصدق عليها «الربا» كمبادلة ألف درهم وضح بألفين غلّة؛ ممّا كان السعر السوقي كذلك.

وتلك المبادلة غير صحيحة، لا لأجل الربا، بل لأجل عنوان آخر «هو مبادلة المثل بالمثلين» فوردت الحيلة للتخلّص عنه، من غير ربط له بباب الربا،

ص: 582

وإطلاق «الربا» على مثله لو كان، فهو توسّع وتجوّز.

وهذه الروايات هي التي أوردها الشيخ الحرّ في «الوسائل» في الباب السادس من أبواب الصرف، وقد تقدّم بعضها (1).

وإن تأمّلت فيها ترى: أنّ محطّ السؤال والجواب فيها، هو المبادلة بين الدراهم التي تختلف قيمها السوقية لأجل الجودة والرداءة، أو كون بعضها غلّة، وبعضها وضحاً، ففي صحيحة ابن الحجّاج المتقدّمة - بعد كلام -: «فبعثنا بالغلّة، فصرفوا ألفاً وخمسين منها بألف من الدمشقية والبصرية»(2).

وفي صحيحة إسماعيل بن جابر، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يجيء إلى صيرفي ومعه دراهم، يطلب الأجود منها، فيقاوله على دراهمه، فيزيده كذا وكذا (3).

وفي رواية أبي بصير، عن أبي عبداللّه (عليه السّلام) قال: سألته عن الدراهم بالدراهم، وعن فضل ما بينهما... إلى آخره(4).

فالسؤال في تلك الروايات عن العلاج والتخلّص من مبادلة المثل بالمثلين مثلاً، بعد كون القيمة السوقية كذلك، فعلّمهم الأئمّة (علیهم السّلام) طريق التخلّص؛ بضمّ شيء من غير الجنس، يخرج به عن معاملة المثل بالمثل؛ لأنّ المجموع غير

ص: 583


1- تقدّم في الصفحة 573.
2- - تقدّم في الصفحة 573.
3- تهذيب الأحكام 7: 106 / 455؛ وسائل الشيعة 18: 180، كتاب التجارة، أبواب الصرف، الباب 6، الحديث 6.
4- - تقدّم في الصفحة 575، الهامش 2.

مماثل لمقابله، والمعاملة واقعة بين المجموع والمجموع.

فقوله (عليه السّلام) في ذيل بعضها «نعم الشيء الفرار من الحرام إلى الحلال»(1) وفي بعضها: «فرار من باطل إلى حقّ»(2) صحيح؛ لأنّ المحرّم والباطل هاهنا هو تبادل المماثل بالمماثل مع زيادة، لا الربا المنتفي في هذا القسم عرفاً وعقلاً.

فمعنى الفرار من الباطل إلى الحقّ، هو الفرار من تبادل المماثلين مع الزيادة، إلى تبادل غير المماثلين كذلك، فلا ينبغي أن يقال: إنّها وردت للتخلّص عن الربا (3).

بل ينبغي أن يقال: إنّها وردت للتخلّص من معاملة المثل بالمثل بزيادة؛ لأنّ تحصيل ربح القرض بالحيلة، فرار من الباطل إلى الباطل، لا إلى الحقّ؛ لترتّب المفاسد التي في القرض بالربح عليه بالحيلة.

والمتفاهم من صحيحة الحلبي، عن أبي عبداللّه (عليه السّلام) قال: «لا بأس بألف درهم ودرهم بألف درهم ودينارين، إذا دخل فيها ديناران أو أقلّ أو أكثر فلا بأس به»(4) هو المعاملة النقدية، وفيها تكون الزيادة لأجل الاختلاف في السعر، فلا ترتبط الصحيحة بباب الربا والعلاج فيه.

ومن ذلك الباب رواية الحسن بن صدقة، عن أبي الحسن (عليه السّلام)، التي أوردها

ص: 584


1- - تقدّم في الصفحة 573.
2- - تقدّم في الصفحة 575.
3- جواهر الكلام 23: 393.
4- - تقدّم في الصفحة 573.

الشيخ الحرّ قدّس سرّه في الباب العشرين من أبواب الربا (1)، فلا إشكال في هذه الروايات رأساً.

ولا يصحّ الخلط بينها وبين الروايات الواردة في التخلّص عن الربا في القرض، التي أوردها الشيخ الحرّ في الباب التاسع من أحكام العقود(2)؛ فإنّ الصحاح المتقدّمة غير مربوطة بباب القرض والربا المعاملي، بخلاف تلك الروايات المختصّة بالقرض.

لكنّها روايات ضعاف إلاّ رواية واحدة منها، وهي ما رواها الشيخ قدّس سرّه، بإسناده عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن إسحاق بن عمّار، قال: قلت لأبي الحسن (عليه السّلام): يكون لي على الرجل دراهم، فيقول: أخّرني بها، وأنا اُربحك، فأبيعه جبّة تقوّم عليّ بألف درهم بعشرة آلاف درهم - أو قال: بعشرين ألفاً - واُؤخّره بالمال.

قال: «لا بأس»(3).

ص: 585


1- وهي ما رواها عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: قلت له: جعلت فداك إنّي أدخل المعادن وأبيع الجوهر بترابه بالدنانير والدراهم قال: «لا بأس به»، قلت: وأنا أصرف الدراهم بالدراهم، واُصيّر الغلّة وضحاً، واُصيّر الوضح غلّة، قال: «إذا كان فيها ذهب فلا بأس». قال: فحكيت ذلك لعمّار بن موسى الساباطي فقال لي: كذا قال لي أبوه، ثمّ قال لي: الدنانير أين تكون؟ قلت: لا أدري، قال عمّار: قال لي أبو عبداللّه (عليه السّلام): «يكون مع الذي ينقص». وسائل الشيعة 18: 162، كتاب التجارة، أبواب الربا، الباب 20، الحديث 1.
2- - وسائل الشيعة 18: 54، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 9.
3- - تهذيب الأحكام 7: 52 / 227؛ وسائل الشيعة 18: 55، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 9، الحديث 4.

ومحمّد بن إسحاق وإن وثّقه النجاشي(1)، لكنّ العلاّمة توقّف فيه؛ لما نقل عن الصدوق(2): من أنّه واقفي(3)، ويظهر من محكيّ كلام ابن داود أيضاً التوقّف(4)، ولقد تصدّى بعضهم لإثبات عدم كونه واقفياً (5).

وكيف كان: فهو إمّا واقفي ثقة، أو إمامي كذلك.

وسائر الروايات ضعاف، بل بعضها مشتمل على ما لا يليق بساحة الإمام (عليه السّلام)، كرواية محمّد بن إسحاق - بطريق مجهول(6) - عن الرضا (عليه السّلام)، وفيها بعد السؤال عن الحيلة قال: «لا بأس به، قد أمرني أبي ففعلت»(7).

وفي «الفقيه»: روى محمّد بن إسحاق بن عمّار أنّه سأل أبا الحسن موسى بن جعفر (عليهما السّلام) عن ذلك، فقال له مثل ذلك(8).

وفي رواية مسعدة بن صدقة، عن أبي عبداللّه (عليه السّلام) بعد السؤال عن الحيلة قال: «لا بأس بذلك، قد فعل ذلك أبي، وأمرني أن أفعل ذلك

ص: 586


1- - رجال النجاشي: 361 / 968.
2- - عيون أخبار الرضا 2: 213 / 20.
3- - خلاصة الأقوال: 262 / 921.
4- - رجال ابن داود: 165 / 1310.
5- تنقيح المقال 2: 78 / السطر الأخير (أبواب الميم).
6- - رواها الكليني، عن أبي علي الأشعري، عن الحسن بن علي بن عبداللّه، عن عمّه محمّد بن عبداللّه، عن محمّد بن إسحاق ومحمّد بن عبداللّه مجهول.
7- - الكافي 5: 205 / 10؛ تهذيب الأحكام 7: 53 / 228؛ وسائل الشيعة 18: 55، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 9، الحديث 6.
8- - الفقيه 3: 183 / 824.

في شيء كان عليه»(1).

وأنت خبير: بأنّ بعض الأعمال وإن كان مباحاً فرضاً، لكن لا يرتكبه المعصوم (عليه السّلام) المنزّه عن ارتكاب ما هو موجب لتنفّر الطباع، كتحصيل النفع بالحيلة، وكإتيان النساء من الخلف، فهذا وأشباهه لو كان مباحاً، لما ارتكبه الإمام (عليه السّلام).

ولهذا ففي نفسي شيء من محمّد بن إسحاق الصرّاف الواقفي بقول الصدوق الذي هو أخبر من متأخّري أصحابنا بحال الرجال.

ومقتضى تلك الروايات، أنّه كان تحصيل النفع - كذلك - عملاً لعدّة من المعصومين، وهم الباقر، والصادق، والكاظم، والرضا (علیهم السّلام).

نعم، ذيل رواية مسعدة ظاهر في أنّ العمل في بعض الموارد لإعطاء النفع بالحيلة، لكن ظاهر غيرها أنّ تحصيل النفع - كذلك - فعلهم، وأنا لا أرضى بذلك.

فهذه الروايات نظير روايات بيع العنب لمن يعلم أنّه يجعله خمراً (2) حيث اشتملت على أنّ الأئمّة علیهم السلام يفعلون ذلك، فمثل هذه الروايات غير قابلة للعمل

بها؛ لاشتمالها على أمر منكر.

مع أنّ طبع القضيّة في مورد تلك الروايات، يقتضي كون القرض أو تأخيره مبنيّاً على بيع شيء بأكثر من قيمته، وهذا لا يخرج الموضوع عن الربا؛ فإنّه بمنزلة الشرط.

ص: 587


1- - الكافي 5: 316 / 49؛ وسائل الشيعة 18: 54، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 9، الحديث 3.
2- راجع وسائل الشيعة 17: 229، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 59.

فإذا قال المقترض: «أقرضني كذا» أو «أخّرني إلى كذا» فقال المقرض: «بع كذا بكذا حتّى أفعل» يكون القرض والتأخير مبنيّاً عليه، لا داعياً لذلك، وهو عين الربا، وعين القرض بالشرط.

ففي رواية الشيباني قال: قلت لأبي عبداللّه (عليه السّلام): الرجل يبيع البيع، والبائع يعلم أنّه لا يسوى، والمشتري يعلم أنّه لا يسوى، إلاّ أنّه يعلم أنّه سيرجع فيه، فيشتريه منه.

قال: فقال: «يا يونس، إنّ رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) قال لجابر بن عبداللّه: كيف أنت إذا ظهر الجور وأورثتم الذلّ؟ قال: فقال له جابر: لا بقيت إلى ذلك الزمان، ومتى يكون ذلك بأبي أنت واُمّي، قال: إذا ظهر الربا.

يايونس وهذا الربا، فإن لم تشتره ردّه عليك؟».

قال: قلت: نعم. قال: «فلا تقربنّه»(1).

وفي «التهذيب»(2) و«الوافي» عنه قال: «لا تقربنّه فلا تقربنّه»(3) مع أنّ المورد في تلك الروايات أوضح في كونه رباً.

وعن «نهج البلاغة» عن علي (عليه السّلام) في كلام له: «إنّ رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) قال له: يا علي إنّ القوم سيفتنون بأموالهم...» إلى أن قال: «ويستحلّون حرامه بالشبهات الكاذبة، والأهواء الساهية، فيستحلّون الخمر بالنبيذ،

ص: 588


1- - وسائل الشيعة 18: 42، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 5، الحديث 5.
2- - تهذيب الأحكام 7: 19 / 82.
3- - الوافي 18: 724 / 9، وفيه «لا تقربنه ولا تقربنّه».

والسحت بالهدية، والربا بالبيع»(1).

وكيف كان: إن صدق على أمثال تلك الحيل «الربا» ولم تخرجها الحيل عن الموضوع، فتكون تلك الروايات وأمثالها مخالفة للكتاب والسنّة القطعية.

ولو منع عن ذلك، وقيل: بأ نّه عنوان آخر، وكان البيع داعياً للتأخير أو القرض، فالتخالف والتنافي بينها وبين الأخبار الصحيحة المتقدّمة والكتاب بحاله.

بيانه: أنّ قوله تعالى: «وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ»(2) ظاهر في أنّ أخذ الزيادة عن رأس المال ظلم في نظر الشارع الأقدس، وحكمة في الجعل إن لم نقل بالعلّية، وظاهر أنّ الظلم لا يرتفع بتبديل العنوان مع بقاء الأخذ على حاله.

وقد مرّ: أنّ الروايات الصحيحة وغيرها علّلت حرمة الربا بأنّه موجب لانصراف الناس عن التجارات واصطناع المعروف، وأنّ العلّة كونه فساداً وظلماً (3).

ومعلوم أنّه إذا قيل: «إنّ أخذ الزيادة بالربا ظلم» وقيل: «خذ الزيادة بالحيلة وبتغيير العنوان» يرى العرف التنافي بينهما والتدافع في المقال.

نظير أن يقول: «إنّ شرب الخمر حرام، ولعن رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) شاربه

ص: 589


1- - نهج البلاغة: 220، الخطبة 156؛ وسائل الشيعة 18: 163، كتاب التجارة، أبواب الربا، الباب 20، الحديث 4.
2- البقرة (2): 279.
3- تقدّم في الصفحة 578.

وساقيه...» إلى آخره، ويقول أيضاً: «إنّ شربها لفسادها وسكرها» ثمّ يقول: «لا بأس بإ لقائها في كبسولة وأكلها مع ترتّب الفساد والسكر» فإنّه يعدّ ذلك تناقضاً في المقال، وتنافياً في الحكم، ولا يصحّ أن يقال: إنّ الشرب حرام، لا الأكل، وإنّ العلّة حكمة للتشريع.

أو يقال: «إنّ بيع المصحف من الكافر حرام، والعلّة فيه أن لا يدخل المصحف في سلطة الكفّار» ثمّ يقال: «لا بأس بهبته»، فهل يصحّ أن يقال: إنّ البيع حرام، والبيع ليس هبة، والعلّة ليست علّة حقيقية، بل حكمة للحكم؟!

والمقام كذلك؛ فإنّ اللّه تعالى سمّى الربا «ظلماً» والأخبار ناطقة بأنّ علّة تحريمه ذاك وذلك، ثمّ وردت عدّة أخبار بأن لا بأس بأكل هذه الزيادة بحيلة(1)، مع أنّ المفاسد تترتّب عليه عيناً وبلا فرق بينهما، فهل يكون ذلك إلاّ تهافتاً في الجعل، وتناقضاً في القانون، بل لغوية فيه مع تلك الاستنكارات والتشديدات؟!

وهل ترضى بالقول: بارتكاب الأئمّة علیهم السلام ما تترتّب عليه تلك المفاسد بحيلة؟!

فتلك الروايات وما هي لازم مفادها تحصيل الربا والحيلة في أكل الربا، ممّا قال المعصوم (عليه السّلام) في حقّها: «ما خالف قول ربّنا لم نقله»(2) أو «زخرف»(3)

ص: 590


1- - راجع وسائل الشيعة 18: 162، كتاب التجارة، أبواب الربا، الباب 20.
2- - المحاسن: 221 / 130؛ الكافي 1: 69 / 5؛ وسائل الشيعة 27: 111، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 9، الحديث 15.
3- - المحاسن: 220 / 128؛ الكافي 1: 69 / 3 و4؛ وسائل الشيعة 27: 110 - 111، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 9، الحديث 12 و14.

أو«باطل»(1)... إلى غير ذلك(2).

وأمّا الاشتهار في الفتوى، فإن اُريد بالتشبّث به تصحيح أسناد هذه الروايات، فمع عدم معلومية استنادهم إليها - بل يمكن أن تكون فتوى جمع منهم لأجل توهّم كونه موافقاً للقاعدة؛ فإنّه بيع وعقد وتجارة، وفتوى جمع منهم للاستناد إلى الصحاح المتقدّمة، التي وردت في تبادل الدراهم بالدراهم مع الزيادة التي قد عرفت مفادها (3)، وقد نرى أنّ المحقّقين قدّس سرّه تمسّكوا بتلك الروايات للتخلّص عن الربا (4) - أ نّك قد عرفت أنّه على فرض صحّتها أيضاً، لا يصحّ العمل بها.

وإن اُريد بالتشبّث به أنّ الشهرة معتبرة وحجّة.

ففيه: أنّ الشهرة إذا حصلت من تخلّل الاجتهاد فلا اعتبار بها، بل الإجماع الحاصل بتخلّل الاجتهاد لا حاصل له ولا اعتبار به، وليست هذه المسألة في تخلّل الاجتهاد فيها إلاّ كمسألة منزوحات البئر، بل تخلّل الاجتهاد هاهنا أقرب.

ولقد قال صاحب «الجواهر» قدّس سرّه في تلك المسألة: ولا استبعاد في خفاء هذا الحكم على المتقدّمين، وظهوره لغيرهم؛ لأنّ مثله غير عزيز فكم من حكم خفي عليهم وظهر لغيرهم في الاُصول والفروع(5)، انتهى.

ص: 591


1- - تفسير العيّاشي 1: 9 / 5 و7؛ وسائل الشيعة 27: 123، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 9، الحديث 48.
2- - راجع وسائل الشيعة 27: 112، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 9، الحديث 19 و29.
3- تقدّم في الصفحة 582.
4- جواهر الكلام 23: 391 - 396.
5- - جواهر الكلام 1: 202.

مع أنّ دعوى الإجماعات فيها لعلّها أكثر من هذه المسألة.

وبالجملة: لا حجّية في الإجماع ولا الشهرة في مثل تلك المسائل الاجتهادية الواردة فيها الأخبار والآيات.

وبحثنا في هذه المسألة استطرادي انجرّ بنا الكلام إليه، ولا يمكن لنا التعرّض لجميع أطراف المسألة، والفروع التي ربّما يتوهّم منها جواز ارتكاب الربا بالحيلة، وإنّما تعرّضنا لطرف منها؛ لعلّ اللّه يحدث للناظر بعد ذلك أمراً.

وبالتأمّل فيما ذكرناه، يظهر وجود قرينة عامّة على جمع الأخبار في المقام في الأبواب المتفرّقة، فترى في مورد ينهى عن بيع المعدود مثلاً بمثل إلاّ يداً بيد، وفي مورد نفي البأس عن النسيئة، وفي مورد نفي البأس في الأشياء المختلفة إذا كان يداً بيد، أو نهي عن بيع الحنطة بالشعير إلاّ يداً بيد، وفي مورد نفي البأس مطلقاً أو حتّى في النسيئة(1).

ووجه الجمع على ما ذكرناه: هو فيما إذا لزم منه الربا لا يجوز، وفي غيره يجوز وإن كان الالتزام في تلك الموارد بالتفاضل - حتّى نسيئة - لا فساد معتدّ به فيه؛ لأنّها ليست كالربا القرضي، إلاّ إذا اُريد التخلّص من الربا القرضي بتلك الحيل فلا يجوز، والتفصيل والتنقيح فيها موكول إلى محلّها.

ثمّ إنّ مقتضى ترك الاستفصال في صحيحة عبدالرحمان بن الحجّاج(2)، صحّة المبادلة ولو كانت الضميمة من غير المالك؛ فإنّ قوله: «فبعثنا بالغلّة،

ص: 592


1- - راجع وسائل الشيعة 18: 140 - 155، كتاب التجارة، أبواب الربا، الباب 8، 9، 16 و17.
2- - تقدّم في الصفحة 573.

فصرفوا ألفاً وخمسين منها بألف من الدمشقية والبصرية»، أعمّ من أن تكون دراهم الرفقة مخلوطة، أو خلطوها حين البعث؛ لعدم الداعي إلى إفرازها في ظروف متعدّدة بعد ما كان السعر معلوماً، والمقدار معهوداً.

فقوله (عليه السّلام) في مقام الجواب: «أفلا يجعلون فيها ذهباً!» بلا استفصال، تستفاد منه الصحّة ولو كان الذهب من واحد منهم، بعد وقوع المعاملة على المجموع.

مع أنّ مقتضى إطلاقه أيضاً ذلك، فحينئذٍ لو كانت الضميمة من غير المالك تصحّ المبادلة، كما هي مقتضى القواعد أيضاً، على ما عرفت من أنّ اعتبار المماثلة إنّما هو حين البيع الإنشائي الذي هو حقيقة البيع(1).

كما أنّ مقتضى إطلاق صحيحة الحلبي(2) ورواية أبي بصير(3) أيضاً، أنّ الضميمة لا يلزم أن تكون للمالك، بل مقتضى إطلاقهما الصحّة ولو كانت الضميمة من الغير بلا إذنه، فيستفاد منهما الصحّة مطلقاً.

بل الظاهر من الروايات أنّ الضميمة لأجل إخراج البيع عن عنوان «المثل بالمثل».

وقد عرفت: أنّ الاعتبار بالبيع الإنشائي الذي هو حقيقة البيع، لا بترتّب الأثر الذي هو حكم القانون عند العقلاء أو الشرع، فما هو فعل اختياري للمتعاملين إيقاع المبادلة وإنشاء البيع(4).

ص: 593


1- - تقدّم في الصفحة 571.
2- - تقدّم في الصفحة 573.
3- - تقدّم في الصفحة 575، الهامش2.
4- - تقدّم في الجزء الأوّل: 237 و243، وفي هذا الجزء: 360 و451 و571.

وبعبارة اُخرى: إيجاد موضوع حكم العقلاء، أو الشرع، أو جزء موضوعه كما في الفضولي، واعتبار المماثلة، إنّما هو لهذا الفعل الاختياري وعنده، فلو خرجت المعاملة عن مبادلة مثل بمثل بأيّ نحو كان، خرجت عن موضوع الأدلّة.

وحديث الانحلال قد عرفت ما فيه(1)، فلا نعيده، هذا بعض الكلام في المثال الأوّل.

حكم بيع العبد الآبق مع الضميمة

وأمّا بيع العبد الآبق مع ضميمة من الغير، فهل يصحّ مطلقاً، أو لا يصحّ كذلك، أو يصحّ على فرض إجازة الغير؟ وجوه.

وتحقيق أصل صحّة بيع الآبق، ولا صحّته، وصحّته مع ضميمة، موكول إلى محلّه(2).

والظاهر أنّ الصحّة مع الضميمة أمر تعبّدي، وإلاّ فلو فرض عدم الغرر في بيع الآبق - كما لا يبعد بعد صحّة عتقه حتّى في الكفّارات - لا تحتاج إلى الضميمة، ولو فرض تحقّق الغرر لا يدفع بالضميمة، ولا سيّما إذا كانت غير معتدّ بها.

فما عن السيّد المرتضى قدّس سرّه في رد العامّة: من أنّ الضميمة تخرجه عن الغرر(3)، غير ظاهر.

ص: 594


1- - تقدّم في الصفحة 548 و572.
2- - يأتي في الجزء الثالث: 338.
3- - الانتصار: 435 - 436.

فلا بدّ من ملاحظة ما ورد فيه، ففي صحيحة رفاعة بن موسى النخّاس قال: سألت أبا الحسن موسى (عليه السّلام)، قلت له: أيصلح لي أن أشتري من القوم الجارية الآبقة، وأعطيهم الثمن وأطلبها أنا؟

قال: «لا يصلح شراؤها إلاّ أن تشتري منهم معها ثوباً أو متاعاً، فتقول لهم: أشتري منكم جاريتكم فلانة وهذا المتاع بكذا وكذا درهماً، فإنّ ذلك جائز»(1).

والظاهر أنّ طلبها لرجاء الوصول إليها، ويشكل إطلاقه لصورة العلم بعدم الوصول.

وكيف كان: لا يبعد شمول قوله (عليه السّلام): «أن تشتري معها ثوباً أو متاعاً» لما لا يكون ملكاً للبائع، فلو كان البائع مجازاً في بيع ثوب، فضمّه في البيع إلى الآبقة، صحّ أن يقال: «باع جاريته مع ثوب».

وكذا لو اشترى جاريته مع متاع للغير، صحّ أن يقال: «عمل بقول أبي الحسن (عليه السّلام)».

بل لا يبعد شموله للفضولي؛ فإنّ بيع الفضولي وشراءه بيع حقيقةً، فلو ضمّ إلى الآبقة متاعاً من غير إذن صاحبه وباعهما واشتراهما، عمل بقوله (عليه السّلام)، والإجازة وعدمها خارجتان عن ماهية البيع والشراء.

ودعوى: الانصراف إلى كون المتاع لمالك الرقيق، أو الانصراف إلى البيع الناقل، عهدتها على مدّعيها.

ص: 595


1- - الكافي 5: 194 / 9؛ تهذيب الأحكام 7: 124 / 541؛ وسائل الشيعة 17: 353، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 11، الحديث 1.

بل يمكن أن يقال: إنّ قوله (عليه السّلام): «فتقول لهم: أشتري منكم جاريتكم فلانة وهذا المتاع» من غير ذكر ضمير الخطاب فيه، مع ذكره في الجارية؛ لأجل عدم لزوم كون المتاع لهم.

وبالجملة: الاشتراء منهم صادق في مورد الوكالة، والفضولية حال إجراء صيغة البيع، ولا يعقل تغيّره عمّا هو عليه بالإجازة وعدمها، فدلّت الرواية على الصحّة حتّى مع ردّ الفضولي، ولا سيّما مع كون الأمر بالضميمة حكماً تعبّدياً كما تقدّم.

ونحوها موثّقة سماعة، عن أبي عبداللّه (عليه السّلام): في الرجل يشتري العبد وهو آبق عن أهله.

قال: «لا يصلح إلاّ أن يشتري معه شيئاً آخر، ويقول: أشتري منك هذا الشيء وعبدك بكذا وكذا، فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى منه»، كذا في «الفقيه» و«التهذيب»(1).

وفي الكافي(2): «فإن لم يقدر على العبد كان ثمنه الذي نقد في الشيء».

فإنّ صدرها كالصحيحة، يقتضي إطلاقه عدم الفرق بين كون الضميمة لمالك العبد وعدمه، بل يشمل الفضولي أيضاً.

وأمّا قوله (عليه السّلام): «فإن لم يقدر» فظاهره غير معمول به وغير ممكن الالتزام.

ويحتمل أن يكون المقصود أنّه لو لم يقدر على العبد، فلم يذهب ماله

ص: 596


1- - الفقيه 3: 142 / 622؛ تهذيب الأحكام 7: 124 / 540.
2- - الكافي 5: 209 / 3.

بلا عوض واصل إليه ولو ببعضه، فحينئذٍ لو اُحرز كون المراد ذلك، واُحرز كونه علّة للحكم، لا بدّ من التفصيل - فيما إذا كانت الضميمة للغير بنحو الفضولي - بين إجازته وعدمها، لكن لا يمكن إحرازهما، فلا بدّ من العمل بصدرها وبالصحيحة.

نعم، لو قلنا: بأنّ المراد من «الاشتراء» الاشتراء المؤثّر، كان اللازم التفصيل المتقدّم.

ثمّ إنّ القوم أطالوا في كيفية التقسيط في المقام وما هو نظيره(1)، ولا جدوى في الإطالة، بعد عدم كون المسألة فقهية، والضابط الذي أفاده السيّد الطباطبائي قدّس سرّه(2) حسن، فراجع.

ص: 597


1- - الروضة البهيّة 2: 192؛ جواهر الكلام 22: 311 - 312؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 515؛ منية الطالب 2: 199.
2- - حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 328.

مسألة حكم بيع من له النصف النصفَ

إشارة

مسألة: لو باع من له نصف الدار - مشاعاً - نصفها، ففيه صور كثيرة نتعرّض لبعضها، وقبل الورود في المسألة لا بأس بالإشارة إلى:

ماهية الكسر المشاع

فقد يقال: إنّ الشيء له نصفان بنحو الإشاعة، سواء كان مملوكاً أم لا.

بل قال البعض في مقام تحقيقه: إنّ الشيء القابل للقسمة في نفسه موجود واحد، ومن حيث القبول للانقسام، يكون وجوده بالفعل وجود الأقسام بالقوّة، فالأقسام موجودات خارجية.

لكنّها قبل الإفراز وجودها على حدّ الاُمور الانتزاعية، التي نحو وجودها وجود مناشئ انتزاعها، فالمنشأ موجود بالفعل، والأمر الانتزاعي موجود بالقوّة بنحو وجود المقبول بوجود القابل، فهو خارجي بخارجية منشئه، وجزئي حقيقي بجزئية منشئه.

ص: 598

وحيث إنّ تلك القسمة المساوية لقسمة اُخرى، متساوية النسبة إلى تمام أجزاء ذلك الموجود بالفعل، فلذا يقال: «إنّها مشاعة وسارية في الكلّ»(1)، انتهى.

ثمّ رتّب عليه الفرق بين الكلّي في المعيّن والإشاعة؛ وأنّ الإفراز والقسمة تمييز الحصص، لا أنّها مبادلة.

وأنت خبير بما فيه من الخلل والخلط بين العقليات والعرفيات، الذي هو منشأ تلك الاشتباهات.

مع أنّه يرد عليه: - بعد الغضّ عن تنظيره بالاُمور الانتزاعية - أنّ الأقسام في الجسم لا يعقل أن تكون موجودة بالفعل، ومعنى موجوديتها بالقوّة، ليس إلاّ أنّ ما هو الموجود هو قوّة وجود الأقسام، كما أنّ الموجود في النواة قابلية وجود النخلة وقوّته، والتعبير ب-«تحقّق وجودها بالقوّة» مسامحة، وموجب للاشتباه في بعض الأحيان.

فحينئذٍ نقول: إنّ الموجود بالفعل هو الجسم فقط، والأقسام غير موجودة، فالجزء المشاع إذا كان هو القسم المعدوم، فلا تعقل مالكيته.

ولو فرضت مالكيته، يلزم منه أن يملك كلّ شريك القسم المعدوم بالفعل، فيخرج الشيء غير المنقسم عن كونه ملكاً لهما.

ولو فرض أنّهما يملكان قوّة القسم وقابليته، يلزم أيضاً أن يكون الجسم الموجود بالفعل غير مملوك لهما؛ لأنّ الصورة غير قوّة الوجود، والشيء

ص: 599


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 341.

شيء بصورته، والكلّ موجود بصورته، والأقسام غير موجودة، وقوّة وجودها غيرها.

ومنه يظهر النظر في قوله: إنّ تلك القسمة... متساوية النسبة، فإنّ المعدوم لا تعقل فيه النسبة إلى شيء موجود أو معدوم، فالإشاعة ليست متحقّقة قبل اعتبار العقلاء، كما سنشير إليه.

مع أنّه لو كان المشاع هو ما ذكر، يلزم التمييز وارتفاع الإشاعة بالتقسيم قهراً، فأيّ القسمين يكون حينئذٍ لواحد منهما، والآخر للآخر؟!

وأقوى شاهد على عدم كون الإشاعة ذلك: أنّ التقسيم بأيّ نحو وقع لا يرفع الإشاعة، وإنّما يرفعها التقسيم الاعتباري المرضيّ به.

وبعبارة اُخرى: إنّ الرضا بالتقسيم يوجب رفع الإشاعة وحصول التمييز، ولو لم يحصل الانفكاك في الجسم المقسوم، كما أنّه لو كانت قطعة من الأراضي مشتركة بينهما، فجعلا علامة لتحديد الحدود ورضيا بالتقسيم، حصل به التقسيم والتمييز، مع عدم حصول الانفكاك في الجسم المشترك، والتقسيم الانفكاكي بلا تراضيهما عليه، لا يوجب التقسيم ورفع الإشاعة.

فيعلم من ذلك: أنّ الإشاعة أمر غير قابلية الجسم للتقسيمات، وأنّ رفعها أمر غير التقسيمات الفعلية والتمييزات التكوينية.

مع أنّ لازم ما ذكره أنّ التقسيم - بمعنى تمييز الحصص - لا يحصل في الحبوب ونحوها إلاّ بورود الانفكاك والتقسيم على كلّ حبّة حبّة، لا ما هو المتعارف عند العقلاء من تقسيمها، أو أنّ التقسيم فيها يرجع إلى مبادلة بين المالين، وهو لم يلتزم به، كما أنّه خلاف الواقع.

ص: 600

واللازم في تلك المباحث الرجوع إلى العرف والعقلاء، لا إلى المعاني العقلية والفلسفية.

والتحقيق: أنّ الكسر المشاع اعتبار عقلائي في نفس الموضوعات الخارجية، كاعتبار الملكية والرقّية والحرّية ونحوها، حيث يعتبرها العقلاء في الموجودات الخارجية، فمع اعتبارها فيها تصدق عليها بالحمل الشائع تلك العناوين، فيقال: «إنّ الدابّة ملك، وإنّ زيداً عبد، وعمراً حرّ».

فالجسم الخارجي إذا لوحظت ذاته، يكون أمراً وحدانياً غير ذي الأجزاء والأبعاض، وإذا اعتبر الكسر فيه بنحو اللا تعيّن واللا إفراز، يكون الملحوظ والمعتبر كسراً مشاعاً، في مقابل الإفراز والتعيين والتمييز الاعتباري.

فالإشاعة والإفراز أمران اعتباريان في نفس الخارج، نحو اعتبار الملك والحقّ، فكما أنّ الملك لا واقعية له إلاّ واقعية اعتبارية في نفس الخارج، كذلك الإشاعة لا واقعية لها إلاّ اعتباراً، وكذا الإفراز.

فالكسر المشاع هو الجزء الخارجي المعتبر بنحو اللا تعيّن واللا إفراز، غير متقوّم بالتقسيم الخارجي أو قوّة تقسيمه، وغير مربوط بهما، فمن ملك نصف الدار، ملك نصف الموجود الخارجي الذي اعتبره العقلاء بنحو اللا امتياز، فإذا انقسمت الدار إلى ما شاء اللّه، يكون ملكه في نصف الأجزاء محفوظاً.

وإن شئت قلت: إنّه كما أنّ لازم ملكية الكلّ - بنحو التعيين - ملكية الأجزاء؛ بمعنى أنّه إذا لوحظ الكلّ وفنت الأجزاء فيه، لم يكن - بهذا اللحاظ - إلاّ ملك واحد، ولم تكن الأجزاء موجودة وملحوظة بهذا اللحاظ، وإذا لوحظت الأجزاء أجزاء الكلّ، تكون أبعاض ملكه، وأبعاض الملك المعيّن ملك كذلك،

ص: 601

وإذا انفصلت الأجزاء وانقسم الكلّ خارجاً، يكون كلّ قسم ملكاً مستقلاًّ معيّناً، خارجاً عن الجزئية للكلّ.

فكذلك الأمر في ملكية الكسر المشاع، فمن ملك النصف مشاعاً، يكون مالكاً له بنحو اللا تعيّن، ومالكاً لأبعاضه - أي نصف النصف وهكذا - بنحو التبعية إشاعة، فإذا لوحظت أنصاف النصف وأنصاف أنصافه، يكون مالكاً لنصف كلّ منها إشاعة.

وإذا انقسم الجسم إلى أقسام إلى ما شاء اللّه تعالى، يكون كلّ قسم نصفه المشاع مملوكاً له، فإذا أراد المالكان التقسيم والإفراز، لا بدّ من توافقهما على ذلك أو تعيين القسم بالقرعة، وستأتي تتمّة لذلك في باب بيع صاع من الصبرة، وسنوضح أنّ للإشاعة موردين ومعنيين(1)، فراجع.

ثمّ إنّ مفهوم الكسور كالنصف والثلث، مفاهيم كلّية هي نفس الطبائع، من غير دخالة القيود اللاحقة بها، أو العوارض الحافّة بها في الخارج فيها، فكلّ ما هو زائد على نفس الطبيعة خارج عن المفهوم، كقيد الإشاعة، والإفراز في العقل، أو عروضهما في الخارج ولو بنحو من الاعتبار.

وإذا اُضيفت إلى الموضوعات، فقد يفهم - بتعدّد الدالّ والمدلول - الإشاعة، وقد يفهم خلافها، فإذا قيل: «نصف العبد أو الدابّة لي» يحمل النصف على الإشاعة؛ بواسطة إضافة النصف إلى ما لا امتياز لنصفه، ولا انقسام له.

وإذا قيل: «نصف هذا الجيش كذا» يكون ظاهراً في النصف عدداً، والظاهر أنّ

ص: 602


1- - يأتي في الجزء الثالث: 426 - 428.

منه ما إذا اُضيف إلى قطيع إبل أو غنم فقيل: «نصف هذا القطيع لي».

وكيف كان: إذا اُضيف إلى الدار التي لا تقسيم فيها، يحمل على الإشاعة؛ لأجل الإضافة إلى ما ليس فيه تقسيم فعلي وإفراز.

هذا، كما أنّ كون النصف ملكاً لهذا، والنصف لذاك، أيضاً خارج عن نطاق المفهوم، فضلاً عن النصف المملوك لهذا وذاك معاً.

فلا ينبغي الإشكال في أنّ النصف بما له من المعنى، إذا اُضيف إلى ما لا قسمة له فعلاً ولا إفراز، يفهم منه النصف المشاع من غير إضافة إلى شخص، والإضافة إلى شخص أو أشخاص، تحتاج إلى دالّ آخر غير النصف المضاف إليه.

فإذا باع من له النصف النصف، ولم يرد إلاّ معنى هذا العنوان، فمع قطع النظر عن القواعد الاُخر، يكون النصف مشاعاً.

ولو لم يكن ظهور آخر يصحّ وقوعه للمنشئ المالك للنصف، وللمالك الآخر ولهما، فإذا قلنا: إنّه لا دليل على وقوعه للمالك فعلاً، صحّ وقوعه له بإجازته، كما صحّ وقوعه للآخر بإجازته، ولهما بإجازتهما، فأيّة إجازة تقدّمت يقع لصاحبها.

ولا وجه صحيح للقول بالبطلان؛ لأنّ البيع وقع على النصف المشاع، والإجازة لاحقة به بما له من العنوان، ولا تعتبر نيّة المالك في الإنشاء، بل قالوا: إنّ نيّة الخلاف أيضاً غير مضرّة(1)، والإنشاء وإن لم يكن لواحد من المالكين،

ص: 603


1- - جواهر الكلام 22: 308؛ الإجارة، المحقّق الرشتي: 150 / السطر 21؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 143؛ منية الطالب 1: 389؛ اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 117.

ولا ترجيح فيه، ولا تخصّص له، لكن الإجازة من أيّهما وقعت صارت معيّنة ومخصّصة.

وهذا بوجه نظير قوله: «بعت هذا لأحدكما بعشرة» فقبل أحدهما؛ فإنّ القبول معيّن ومخصّص، ولا وجه للبطلان في المثال فضلاً عن المقام.

ثمّ إنّ صور المسألة كثيرة نتعرّض لمهمّاتها:

حكم عدم قصد البائع إلاّ معنى النصف

منها: ما ذكره الشيخ الأعظم قدّس سرّه، وهو ما إذا علم أنّه لم يقصد إلاّ معنى هذا اللفظ(1)؛ أي أنشأ البيع جدّاً على هذا العنوان بما له من المعنى.

ولا بدّ أوّلاً: من بيان محطّ البحث، فإن كان محطّه ما إذا لم يرد إلاّ هذا المفهوم حتّى في ضمن الهيئة الكلامية - بأن يكون غافلاً عن الاُصول العقلائية والظواهر المدّعاة، كظهور التصرّف في كونه في ماله، وظهور البيع في بيع ماله - فلا وجه صحيح للنزاع، ولا تنطبق الاُصول المذكورة عليه؛ فإنّها لكشف المراد، والفرض أنّ المراد معلوم، ومع الغفلة عن تلك الاُصول ولو ارتكازاً، لا معنى لجريانها.

وإن كان محطّه عدم إرادة غير النصف بحسب الاستعمال الأفرادي، وإن كان الجدّ ولو ارتكازاً على خلافه؛ جرياً على الاُصول العقلائية، فلا معنى للنزاع أيضاً؛ فإنّه أراد بيع ماله جدّاً، فإنّ النصف وإن كان ظاهراً في معناه لا غير، ولا تعقل إرادة غير معناه منه حقيقة، لكن لحوق دوالّ اُخر يجعل الكلام ظاهراً

ص: 604


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 521.

في بيع حصّته، كما أنّ الأمر كذلك في جميع الهيئات الكلامية.

فإذا قيل: «أكرم العالم العادل يوم الجمعة» لا يدلّ «العالم» إلاّ على معناه، ولا يريد المتكلّم منه إلاّ معناه، وكذلك سائر المفردات، لكن بعد ضمّ بعضها إلى بعض يفيد ما هو المراد جدّاً.

وقد يقال: محطّ البحث خلوّه عن الإرادة التفصيلية، مع تعلّق إرادته الجدّية إجمالاً بما يقتضيه ظهور الكلام ولو بلحاظ المقام(1).

وهو لا يدفع الإشكال؛ لأنّ الإرادة التفصيلية لا تعتبر في المعاملات، بل المعتبر هو الارتكازي منها، فحينئذٍ مع التفات المنشئ إلى الواقعة ولو إجمالاً، يكون مريداً لكون النصف المملوك له مبيعاً.

فالالتفات إلى ظهور الكلام ولو بلحاظ المقام، لا ينفكّ عن الإرادة الإجمالية والارتكازية بانتقال ماله، وهو منافٍ لفرض خلوّه عن الإرادة، وعدم قصده إلاّ مفهوم النصف.

ومع فرض عدم التفاته - ولو ارتكازاً وإجمالاً - إلى مقتضيات الاُصول العقلائية ومقتضى المقام، لا موقع لجريان الاُصول رأساً، ولا لجريانها لكشف مراده؛ فإنّ جريانها موقوف على نحو التفات من المتكلّم، نظير قاعدة أصالة الصحّة وقاعدة التجاوز، فإنّهما لا تجريان في الغافل مع احتمال انطباق الصحيح قهراً على العمل.

وممّا ذكرنا يظهر: أنّ التمسّك بأصالة الصحّة - لكشف كون المبيع نصفه

ص: 605


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 341.

المختصّ بالمنشئ(1) - غير وجيه، سواء قلنا: بظهور «النصف» في المشاع بلا عنوان، أو في النصف المملوك لهما مع خلوّ إرادته إلاّ عن النصف وغفلته عن اللوازم والملازمات العقلائية، كمن غفل عن أنّ النصف له؛ فإنّ جريان أصالة الصحّة في مثله ممنوع.

مضافاً إلى أنّ محطّ جريان أصالة الصحّة إنّما هو فعل الفاعل، فإذا كان عمله مردّداً بين الصحيح والفاسد، يحمل على صحيحه؛ لبناء العقلاء على ذلك، وفي المقام الذي لم يرد إلاّ النصف، لا يقتضي فعله إلاّ صحّة إنشائه على النصف، فلو شكّ في صحّة إنشائه - بوجه من الوجوه - يحمل على الصحيح.

وأمّا النفوذ لأجل اشتراطه بأمر عقلائي أو شرعي خارج عن فعل المنشئ، فهو خارج عن محطّ أصالة الصحّة.

نعم، لو كان فقد الشرط الشرعي أو العقلائي، موجباً لبطلان المعاملة الإنشائية، فدار الأمر بين الصحيح والفاسد، يحمل على الصحيح، فلو شكّ في أنّ ما حصّله في التجارة من التجارة بالخمر، أو التجارة الربوية، يحمل على الصحّة ويحكم بحلّية ما في يده.

وأمّا لو أنشأ معاملة، ويحتمل أن يكون في نفوذه شرط آخر، مع صحّة إنشائه ومنشئه، فالحمل على الصحّة لا يقتضي تحقّق شرطه؛ لأنّ فقد الشرط لا يؤثّر في بطلان فعله.

فالحمل على الصحّة في المقام الذي يعلم أنّ إنشاءه وقع على النصف بما هو

ص: 606


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 344.

- الذي هو ظاهر في المشاع، أو في المشاع من الحصّتين - لا يوجب صرف هذا الظاهر كما لا يخفى عند التأمّل.

وأمّا ظهور مقام التصرّف في تصرّفه في ماله، أو في تصرّفه فيما له السلطنة عليه(1)، فإن كان المراد منه أنّ الغلبة تكون أمارة عقلائية على أنّ تصرّفه في ماله، كما قد يقال نظيره في الشبهة غير المحصورة، فهو كما ترى، ولا سيّما في مثل المقام الذي كان المال مشتركاً بينهما، بعد الغضّ عن أنّ الأمارة إنّما هي لكشف المراد، والمقام خارج منه رأساً.

وإن كان المراد أنّ الغلبة موجبة للانصراف، فلا يبعد في غير المقام، وأمّا في المقام، فحيث كان المفروض ظهور النصف في المشاع، أو في المشاع من الحصّتين، فلا معنى لانصراف مقام التصرّف؛ فإنّ مقام التصرّف تابع في الظهور لموضوعه، ولا يعقل دفعه عن الظهور، ولا سيّما بعد فرض معلومية عدم إرادته إلاّ النصف.

وأمّا دعوى: ظهور «بعت» و«ملّكت» في كون البائع هو بنفسه بائع، لا بما هو منزّل منزلة الغير، أو ظهوره من حيث إسناده إلى نفسه في التمليك الحقيقي لا الإنشائي(2).

أو دعوى: أنّ التمليك ليس إلاّ التسبّب إلى الملكية، واتّخاذ الملك لنفسه كأنّه ليس بقيد عرفاً، بخلاف الاتّخاذ لغيره(3)، فمقتضى إطلاق الكلام عدم كونه للغير

ص: 607


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 344.
2- - نفس المصدر.
3- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 345.

حتّى الموكّل والمولّى عليه، فضلاً عن الفضولي.

ففيها: - مع الغضّ عن الإشكال المشترك - أنّه قد تكرّر منّا (1) أنّ ماهية البيع ليست إلاّ النقل الإنشائي، وما هو فعل الموجب ليس إلاّ ذلك، بلا افتراق بين الأصيل والفضولي والمكره وغيره في ذلك، والنقل الواقعي القانوني - الذي تارة يترتّب على فعله، واُخرى لا يترتّب - خارج عن ماهية البيع، وإلاّ يلزم عدم صدق «البيع» على الفضولي ونحوه.

فحينئذٍ لا معنى لتنزيله منزلة الغير في الفضولي ونحوه؛ لعدم إيجاده إلاّ المعنى الإنشائي والمبادلة الإنشائية، كما أنّ الأصيل أيضاً كذلك.

فالإيجاد الحقيقي؛ بمعنى إيجاد الذي يترتّب عليه الأثر، واتّخاذ الملك - بمعنى اتّخاذ الأثر المترتّب على الملك - كلّ ذلك خارج عن فعل البائع، أصيلاً كان، أو فضولياً، والنقل القانوني أو الشرعي الواقعي، أمر مترتّب على البيع الحقيقي؛ أي المنشأ بإنشاء المتكلّم.

غاية الأمر: شرط النقل الذي هو خارج عن حقيقة البيع، قد يكون حاصلاً، وقد لا يكون، كالفضولي، وكالقبض في بيع الصرف.

فقوله: «ملّكت» و«بعت» ليس معناه أوجدت الأثر؛ أي النقل الواقعي القانوني، بل معناه أوجدت المبادلة الإنشائية، وهذا فعل الفضولي لا صاحب المال.

فالفضولي يوجد ماهية البيع حقيقة، وإسناده إلى نفسه صحيح، واتّخاذه

ص: 608


1- تقدّم في الصفحة 360، 451، 571 و593.

الملك - بالمعنى الإنشائي - صحيح، والأثر - أي النقل الواقعي - مترتّب على الموضوع الموجود بفعله.

نعم، الظاهر انصراف تلك العناوين إلى أنّ الموجد لها صاحب السلعة، فجميع ما ذكر في المقام لا يخرج عن الانصراف، وهو في غير المقام غير بعيد.

لكن في المقام الذي فرض عدم إرادته إلاّ النصف، الظاهر في المشاع، أو المشاع من الحصّتين، لا يصحّ؛ لما مرّ من أنّ تصوّر عدم إرادته إلاّ النصف في الهيئة التركيبية وبلحاظها - كما هو مفروض المقام - موقوف على غفلة المتكلّم عن الواقعة وعن الارتكاز العقلائي، وإلاّ خرج عن ظاهر موضوع البحث، وفي مثله لا معنى للانصراف مطلقاً.

فكما لو علم: أنّ المتكلّم أراد نصف صاحبه لا معنى للانصراف، فكذلك لو علم أنّه أراد النصف المشاع بنحو من الوجهين.

فالانصراف إنّما يصحّ، فيما إذا شكّ أنّه أراد نصفه، أو نصف غيره، على ما سيأتي الكلام فيه(1).

وبما ذكرنا يظهر النظر في كثير من كلمات الأعيان(2)، ولا سيّما بعض المدقّقين منهم(3).

والتحقيق: - فيما إذا لم يرد إلاّ النصف، وقلنا بأنّ الظاهر منه ولو لأجل

ص: 609


1- - يأتي في الصفحة 616.
2- - جواهر الكلام 22: 317؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 332؛ منية الطالب 2: 202.
3- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 344.

الإطلاق، هو النصف المشاع بلا عنوان - وقوعه لنفسه، لا للوجوه المذكورة، بل لأنّ الإنشاء جدّاً تعلّق بعنوان صالح للوقوع على حصّة نفسه، وإن كان في نفسه صالحاً لحصّة غيره، أو للنصف من حصّتهما. لكن شرط التأثير الفعلي حاصل بالنسبة إلى حصّة نفسه؛ لأنّ المنشئ صاحب المال، والموضوع صالح للوقوع عنه، وشرط الوقوع من غيره مفقود؛ لفرض عدم إجازته، وعدم كونه وكيلاً أو وليّاً.

فالعقد على النصف بلا عنوان، عقد من صاحب المال على عنوان صالح للتطبيق على ماله، فالمقتضي موجود، والشرائط حاصلة، فلا وجه لعدم وقوعه، فوجب عليه الوفاء بعقده.

وإن شئت قلت: البيع على عنوان «النصف من هذه الدار» أو «النصف المشاع منها» نظير وقوع البيع على العنوان الكلّي، وقابل للوقوع على كلّ نصف فرض في الدار.

فإذا باع صاحب النصف المشاع النصف المشاع القابل للوقوع على ماله، ولم يقيّده بما ينافيه، وقع بالنسبة إلى نصفه؛ لحصول شرائطه، وهو المخصّص، ولا يعقل وقوعه فعلاً بالنسبة إلى غيره؛ لعدم وجود الشرط، وبعد وقوعه لنفسه لا معنى لضمّ إجازة مجيز إليه، كما هو واضح.

هذا حال أحد الفروض في هذه الصورة، وهو فرض ظهور النصف في المشاع بلا عنوان، مع كون البائع أجنبيّاً بالنسبة إلى نصف غيره.

والفرض الثاني: ما إذا قلنا بظهوره في النصف من الحصّتين ظهوراً بحسب الإطلاق؛ أي يقتضي إطلاق الكلام ذلك.

ص: 610

ولعلّ منشأ دعوى الظهور في النصف من الحصّتين، مقايسة الأمر الاعتباري والأقسام الاعتبارية بالأقسام الخارجية التكوينية؛ حيث إنّ النصف الخارجي مشترك بينهما، فتوهّم أنّ النصف كذلك ولو في الاعتباريات والأنصاف المعتبرة في المبيع خارجاً.

مع أنّ القياس مع الفارق؛ فإنّه في الخارج لا يكون نصف غير مشاع، بخلاف ما في الاعتبار؛ فإنّ نصف كلّ منهما لا يشاركه غيره، ولهذا لا يجوز التصرّف في الموجود الخارجي إلاّ بإذن الشركاء، وتصحّ التصرّفات الاعتبارية في النصف المختصّ بلا دخالة إذن شريكه.

فنقول: إنّ النصف الاعتباري الذي اعتبر في الدار الموجودة في الخارج، لا تعيّن له بوجه إلاّ تعيّن كونه نصفاً، فتعيّن النصف من الحصّتين - كسائر التعيّنات - خارج عن حيطته.

وكيف كان: لو كان ظاهراً في الحصّتين، والفرض عدم إرادته إلاّ ذلك، فلا يمكن ذلك إلاّ مع الغفلة عن الواقعة، وفي مثله - كما ذكرناه(1) - لا تجري الاُصول اللفظية والمقامية.

ومع فرض الجريان لا يبعد تقديم ظهور المتعلّق عليها، وكونها تبعاً لظهور المتعلّقات كما تقدّم، فظهور «النصف» في الحصّتين إمّا خالٍ عن المعارض، أو مقدّم عليه.

ولو كان البائع غير أجنبيّ عن التصرّف، كالوكيل والوليّ ونحوهما، والصورة

ص: 611


1- - تقدّم في الصفحة 605 - 606.

بحالها، فتقدّم ظهور المتعلّق أولى من السابق؛ لعدم محلّ للاُصول المقامية والكلامية، حتّى دعوى الانصراف لأجل الغلبة؛ لمنع الغلبة في مثل الفرض.

والعجب من بعض أهل التدقيق، حيث ذهب إلى أنّ مادّة «البيع» ظاهرة في التمليك الحقيقي، وهو أجنبيّ عن الإطلاق(1).

وأنت خبير: بأنّ لازم ظهور المادّة، عدم صدق «البيع» على الفضولي وبيع المكره، إلاّ أن يقول: بأنّها منصرفة إليه، وفي المقام لا وقع للانصراف، والبيع بالمعنى الحقيقي - أي النفوذ والنقل الواقعي الاعتباري - محقّق في المقام بالنسبة إلى الحصّتين.

فما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه: من التفصيل بين ما إذا كان المعارض لظهور «النصف» هو انصراف المبيع إلى مال البائع في مقام التصرّف، أو ظهور التمليك في الأصالة(2)، في غير موقعه.

كما أنّ التشبّث بأنّ ظهور المقيّد وارد على ظهور المطلق(3) - ومراده من المقيّد هو ظهور «النصف» في المشاع من الحصّتين - في غير محلّه؛ لما عرفت من أنّ التعارض بين الإطلاقين، ومقتضى الإطلاق بعد تماميته لا يوجب التقدّم ولو كان ثبوت قيد، فضلاً عن المقام، حيث كان مقتضى إطلاق مقام التصرّف ثبوت القيد أيضاً، وهو كون النصف له.

والعجب من بعض المدقّقين قدّس سرّه، حيث ذهب إلى نحو ما أفاده الشيخ قدّس سرّه: من

ص: 612


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 349.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 522.
3- - نفس المصدر.

تقديم ظهور المقيّد على المطلق(1)، كما تقدّم هو وما فيه، وذهب هاهنا إلى خلافه بوجه غير وجيه.

ومحصّله: أنّ المدلول المطابقي لإطلاق الإنشاء - وهو عدم كون التمليك للغير منفرداً ومشتركاً - معارض للمدلول الالتزامي لإطلاق «النصف» وهو إضافته إليهما معاً.

والمدلول المطابقي لإطلاق «النصف» - وهو عدم إضافته إلى البائع بخصوصه، وإلى شريكه بخصوصه - معارض للمدلول الالتزامي لإطلاق «الإنشاء».

والمدلول الالتزامي لكلّ مناف للمدلول الالتزامي للآخر، وكلّ من الإطلاقين مثبت لأمر، ونافٍ لآخر، ولا ترجيح لتقديم أحدهما على الآخر(2).

وأنت خبير: بأنّ الإطلاق ليس من الدلالات اللفظية، حتّى يقال: له مدلول مطابقي والتزامي، ف-«النصف» إنّما يدلّ على نفس الطبيعة، والقيود كلّها خارجة عن مفهومه ومدلوله، ودلالته عليها دلالة لفظية بالمطابقة، وإذا لم يأت المتكلّم والمنشئ بقيد - كإضافته إلى نفسه أو صاحبه - يقال: «إنّه مطلق».

والمدّعي يدّعي أنّ «النصف» بلا قيد هو المشاع بين الحصّتين، فما هو من المداليل اللفظية هو نفس «النصف» الدالّ على الطبيعة، وعدم إضافته إلى هذا أو ذاك من فعل المنشئ، حيث أتى بها ولم يأت بالقيد، لا من الدلالة المطابقية.

بل لو قيل: بأنّ الدلالة على النصف المشترك مدلول مطابقي، كان أقرب إلى

ص: 613


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 350.
2- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 351.

الصواب ولو لم يكن صحيحاً أيضاً، وكذا الحال في جانب الإنشاء.

والتحقيق: أن لا معارضة بين المداليل المطابقية؛ أي ما دلّت عليه نفس طبيعة النصف ونفس طبيعة الإنشاء، وإنّما المعارض إطلاق كلّ لإطلاق الآخر، وكلّ منهما مثبت بإطلاقه لشيء مخالف للآخر.

ولو قلنا: بأنّ «النصف» ظاهر في المشاع بلا قيد، وكان البائع وكيلاً أو وليّاً لصاحب النصف، فالظاهر بطلانه؛ لعدم الترجيح، وما ذكرناه في الفرض السابق لا يجري هاهنا (1)؛ لتحقّق جميع الشرائط.

كما أنّ الاُصول العقلائية المذكورة لا تجري في المقام، والقياس بالكلّي في غير محلّه، لأنّ الإشاعة تخالف الكلّي كما تقدّم(2)، ولو كان من قبيل الكلّي في المعيّن، لكان لازمه عدم ملك المشتري بعد البيع للحصّة الخارجية، وكان كلّي النصف على عهدة البائع.

وكيف كان: فهو خارج عن مفروض الكلام؛ لأنّ الكلام في النصف المشاع، ولا ترجيح في البين، فيقع باطلاً.

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه أطال الكلام في المقام بما لا ربط له بالمسألة، كتنظير المقام بما ذكروا فيما لو أصدق المرأة عيناً، فوهبت نصفها المشاع قبل الطلاق، فقال جماعة: إنّ الزوج استحقّ النصف الباقي، لا نصفه وقيمة نصف الموهوب.

قال: وليس ذلك إلاّ من جهة صدق «النصف» على الباقي، فيدخل في

ص: 614


1- تقدّم في الصفحة 609.
2- - تقدّم في الصفحة 602.

قوله تعالى: «فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ» (1).

وفيه: أنّ المفروض في المقام لا ينطبق على نصفه المختصّ؛ لعدم الترجيح على ما أشرنا إليه، وأمّا في مورد مهر المرأة فالمخصّص محقّق؛ لأنّ الموهوب خارج عن ملكه، والطلاق سبب للتنصيف فعلاً، فإذا وجد السبب لإرجاع النصف المشاع بلا عنوان، وكان النصف المشاع موجوداً، يؤثّر السبب فيه.

ولا معنى للرجوع إلى القيمة إلاّ مع تعذّر النصف المشاع، فالتخصيص ليس بلا مخصّص، بخلاف المقام.

وأمّا الإقرار بالنصف، فإن قلنا: بأنّ «النصف» ظاهر بإطلاقه في النصف من النصيبين، فلا إشكال في الحمل عليه؛ لعدم معارضة شيء له، لعدم اُصول لفظية أو مقامية في المقام، فما لم يقم دليل على إرادة النصف الخاصّ به يؤخذ بظاهره.

نعم، قد يقال: إنّ المقرّ إذا قال: «اُقرّ بأنّ النصف له» يكون ظاهراً في النصف المختصّ، بخلاف ما إذا قال: «نصفه لفلان»(2).

وفيه إشكال؛ لعدم ظهور الإقرار فيما هو نافذ وجائز، ولا سيّما في المقام الذي كان المقرّ به مشتركاً بينهما.

وكيف كان: لا إشكال في الأخذ بالظهور بعد تسليمه.

وأمّا إذا قلنا: بظهور «النصف» في المشاع مطلقاً وبلا قيد، فقال: «نصف

ص: 615


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 523.
2- - شرح القواعد، كاشف الغطاء 2: 124؛ اُنظر جواهر الكلام 22: 317؛ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 346.

الدار لزيد» فالظاهر عدم نفوذه مطلقاً:

أمّا بالنسبة إلى حصّة غيره فظاهر.

وأمّا بالنسبة إلى حصّته منفرداً أو مشتركاً، فلأنّ الإقرار بأمر أعمّ لا يدلّ على الأخصّ، والإقرار إنّما هو نافذ على المقرّ بعد ظهور كلامه، والفرض عدم ظهوره إلاّ في النصف القابل لكونه له أو لغيره أو لهما، فلا وجه للأخذ به، وهذا واضح.

وبهذا يظهر الكلام في الفرع الآخر، وهو إقرار أحد الشريكين بالثلث.

ولما ذكرنا وما لم نذكره ممّا ذكره الشيخ قدّس سرّه مقام آخر، هذا كلّه فيما إذا علم أنّ البائع لم يرد إلاّ النصف.

حكم إرادة البائع شيئاً معيّناً من النصف

وأمّا إذا علم أنّه أراد شيئاً معيّناً، كنصف صاحبه أو نصفه، ففيه صور كثيرة:

كالعلم بإرادة حصّته أو حصّة صاحبه.

أو العلم بإرادة حصّته أو النصف من الحصّتين، أو حصّة صاحبه أو النصف من الحصّتين.

أو العلم بإرادة حصّته أو حصّة صاحبه أو النصف من الحصّتين.

وعلى أيّ حال: تارة يكون أجنبيّاً عن النصف الآخر، واُخرى وكيلاً أو وليّاً، وتتصوّر صور اُخر أيضاً.

وكيف كان: لو كان أحد المحتملات عدم إرادته إلاّ النصف، فتارة: يكون احتمال عدم الإرادة لاحتمال الجهل بالواقعة، واُخرى: لاحتمال الغفلة.

ص: 616

وعلى الثاني يمكن أن يقال: إنّ أصالة عدم الغفلة توجب انحلال العلم الإجمالي إذا قلنا: بأنّها أمارة عقلائية، ويحتمل ذلك حتّى على القول بأنّها أصل عقلائي، والتحقيق موكول إلى محلّه.

ولو لم يكن هذا الفرض طرف العلم، فإن كان أحد الأطراف في الفروض حصّة نفسه، فقد يقال: إنّ الترجيح لظهور مقام البيع في إرادة حصّة نفسه على ظهور المتعلّق؛ لأقوائية هذا الظهور، بل لا منافاة بينهما؛ لأنّ الأوّل حاكم على الثاني(1).

وقد مرّ شطر من الكلام حول ما قيل أو يقال لتقديم هذا الظهور أو ظهور الإنشاء(2)، فلا نطيل، وقلنا: لا يبعد تقديم ظهور المتعلّق.

ولعلّ السرّ فيه: أنّ مقام التصرّف وكذا الإنشاء ونحوه، اُمور توصّلية آلية، لا تتوجّه نفس السامع إليها ابتداءً، بل التوجّه التامّ إلى المتعلّق والموضوع، فإذا انقدح ظهور منه في الأذهان، يدفع ظهور مقام التصرّف أو الإنشاء.

ولو لم يسلّم ذلك، فلا مجال لتقديم الأوّل عليه؛ لأنّها كلّها ظهورات من قبل الإطلاق، ولا ترجيح لأحدها على غيره، ولا سيّما إذا كان البائع وكيلاً أو وليّاً؛ فإنّ الظهور في الحصّتين لو سلّم، لا يعارضه شيء كما مرّ(3)، وبالتأمّل فيما مرّ يظهر الكلام في جميع الصور.

نعم، ما ذكرناه إنّما هو في المشاع، وأمّا في غيره، كما لو كان له عبد،

ص: 617


1- - حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 332.
2- - راجع ما تقدّم في الصفحة 605.
3- - تقدّم في الصفحة 611 - 612.

ولصاحبه عبد، وكان اسمهما «غانماً» مثلاً، فقال: «بعت غانماً» وعلمنا أنّه إمّا أراد بيع عبده، أو عبد صاحبه، ففي هذا المورد وأشباهه ليس لظهور المقام وسائر الظهورات - كالإنشاء، ومادّة البيع ولو من قبل الانصراف بعد تمامية الإطلاق - معارض؛ لإجمال المتعلّق، وتلك الظهورات ترفع الإجمال.

وهذا ما حكي عن الفخر قدّس سرّه من الإجماع على انصرافه إلى عبده(1)، وهو في محلّه، لكن مقايسة المشاع به غير وجيهة، كما أفاده الشيخ الأعظم(2) قدّس سرّه.

ص: 618


1- - إيضاح الفوائد 1: 421.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 522.

مسألة ولاية الأب والجدّ

بيانها

يجوز للأب والجدّ من قبل الأب التصرّف في مال الطفل بالبيع والشراء، وهذا في الجملة من واضحات الفقه، وتدلّ عليه عدّة روايات:

منها: رواية محمّد بن مسلم، عن أبي عبداللّه (عليه السّلام): أنّه سئل عن رجل أوصى إلى رجل بولده وبمال لهم، وأذن له عند الوصيّة أن يعمل بالمال، وأن يكون الربح بينه وبينهم.

فقال: «لا بأس به؛ من أجل أنّ أباه قد أذن له في ذلك وهو حيّ»(1).

دلّت بتعليلها على أنّ إذن الأب موجب لصحّة المعاملات الواقعة على مال الصغير، سواء كان في حال حياته - بأن يوكّل من يعمل ذلك - أو كان بعد مماته؛ بالإيصاء والإجازة.

ص: 619


1- - الكافي 7: 62 / 19؛ الفقيه 4: 169 / 590؛ تهذيب الأحكام 9: 236 / 921؛ وسائل الشيعة 19: 427، كتاب الوصايا، الباب 92، الحديث 1.

فيظهر منها أنّ له التصرّف بالبيع والشراء ونحوهما، وأنّه وليّ الطفل، وأنّ تصرّفاته نافذة، سواء كانت فيما ملكه الطفل حال حياته، أو فيما انتقل إليه بعد مماته، بل دلالتها على الأوّل أوضح.

فلا يصغى إلى قول من يقول: إنّ الروايات لا تدلّ على وجود مال للصغير حال حياة الوالد(1).

وليس في سندها من يتأمّل فيه إلاّ مثنّى بن الوليد، ولا يبعد حسن حاله بل وثاقته، وقد نقل عن الكشّي، عن العيّاشي، عن علي بن الحسن بن فضّال: أنّه لا بأس به(2)، وهو توثيق منه.

ومنها: رواية خالد بن بكير(3) وفيها دلالة على صحّة إذن الوالد في العمل بمال صغاره.

ومنها: رواية أبي الربيع قال: سئل أبو عبداللّه (عليه السّلام) عن الرجل يكون في يديه مال لأخ له يتيم وهو وصيّه، أيصلح له أن يعمل به؟

قال: «نعم، كما يعمل بمال غيره، والربح بينهما».

قال: قلت له: فهل عليه ضمان؟

قال: «لا، إذا كان ناظراً له»(4).

ص: 620


1- - هداية الطالب 3: 225.
2- - اختيار معرفة الرجال: 338 / 623.
3- - الكافي 7: 61 / 16؛ الفقيه 4: 169 / 591؛ تهذيب الأحكام 9: 236 / 919؛ وسائل الشيعة 19: 427، كتاب الوصايا، الباب 92، الحديث 2.
4- - تهذيب الأحكام 4: 28 / 70؛ الاستبصار 2: 30 / 88؛ وسائل الشيعة 9: 89، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 2، الحديث 6.

ويظهر منها أنّ الناظر له البيع والشراء؛ لأجل كونه ناظراً، ولازمه ولاية الأب، ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين المال الذي لليتيم حال حياة أبيه، وبين ما كان منتقلاً إليه بموته.

ومنها: صحيحة ابن رئاب قال: سألت أبا الحسن موسى (عليه السّلام) عن رجل بيني وبينه قرابة، مات وترك أولاداً صغاراً، وترك مماليك وغلماناً وجواري ولم يوص، فما ترى فيمن يشتري منهم الجارية فيتّخذها اُمّ ولد، وما ترى في بيعهم؟

قال: فقال: «إن كان لهم وليّ يقوم بأمرهم باع عليهم ونظر لهم، وكان مأجوراً فيهم».

قلت: فما ترى فيمن يشتري الجارية فيتّخذها اُمّ ولد؟

فقال: «لا بأس بذلك، إذا باع عليهم القيّم لهم الناظر فيما يصلحهم، فليس لهم أن يرجعوا فيما صنع القيّم لهم الناظر فيما يصلحهم»(1).

والظاهر منها أنّ ترك الوصيّة إنّما هو بالنسبة إلى الجواري والغلمان، وكان المراد من «القيّم» وال-«وليّ» من نصبه الأب؛ فإنّ نصب قضاة الجور لا أثر له، ونصبه (عليه السّلام) ونصب فقيه منّا مفروض العدم:

أمّا نصبه (عليه السّلام) فظاهر.

وأمّا نصب فقهائنا؛ فلأنّه لم يكن ميسوراً في تلك الأزمنة، فالمراد هو القيّم بحقّ، وليس إلاّ القيّم من قبل الأب أو الجدّ.

ص: 621


1- - الكافي 7: 67 / 2؛ الفقيه 4: 161 / 564؛ تهذيب الأحكام 7: 68 / 294؛ وسائل الشيعة 17: 361، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 15، الحديث 1.

ومنها: صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع، وفيها بعد فرض عدم وصيّة الأب، وجعل القاضي عبدالحميد قيّماً قال: فلمّا أراد بيع الجواري ضعف قلبه عن بيعهنّ؛ إذ لم يكن الميّت صيّر إليه وصيّته، وكان قيامه فيها بأمر القاضي... إلى آخره(1).

ويظهر منها أنّ ضعف قلبه؛ لأجل أنّ الأب لم يصيّر إليه الوصيّة، وإلاّ فلم يضعف قلبه، ويتّضح منها أنّ جواز توصية الأب ونفوذ ما فعله القيّم من قبله، كان معروفاً بين أصحابنا.

بل يظهر من تقرير أبي جعفر (عليه السّلام) أنّ وصيّة الأب وجعله القيّم، توجب صحّة ما فعله الوصيّ؛ من بيع الجواري وغيرها، ولولا ذلك لكان عليه التنبيه على أنّ جعله أيضاً لا يفيد؛ فإنّه شبهة حكمية مهمّة، يجب التنبيه فيها على الواقع لو كان مخالفاً لزعم ابن بزيع وعبدالحميد.

ومنها: رواية عبيد بن زرارة - التي هي كالصحيحة، بل صحيحة على الأصحّ(2) - عن أبي عبداللّه (عليه السّلام) قال: «إنّي لذات يوم عند زياد بن عبداللّه، إذ جاء رجل يستعدي على أبيه، فقال: أصلح اللّه الأمير، إنّ أبي زوّج ابنتي بغير إذني.

ص: 622


1- - الكافي 5: 209 / 2؛ تهذيب الأحكام 9: 240 / 932؛ وسائل الشيعة 17: 363، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 16، الحديث 2.
2- - رواها الكليني عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي المغراء، عن عبيد بن زرارة. ولا كلام في رجال السند إلاّ سهل بن زياد وهو ثقة عند المصنّف كما قال في كتابه «الطهارة» وتقدّم نقل عبارته في هامش الصفحة 479.

فقال زياد لجلسائه الذين عنده: ما تقولون فيما يقول هذا الرجل؟

فقالوا: نكاحه باطل.

قال: ثمّ أقبل عليّ فقال: ما تقول يا أبا عبداللّه؟

فلمّا سألني أقبلت على الذين أجابوه، فقلت لهم: ألستم فيما تروون أنتم عن رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم)، أنّ رجلاً جاء يستعديه على أبيه في مثل هذا، فقال رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «أنت ومالك لأبيك»؟!

قالوا: بلى.

فقلت لهم: فكيف يكون هذا وهو وماله لأبيه، ولا يجوز نكاحه؟!

قال: فأخذ بقولهم وترك قولي»(1).

أقول: بعد تعذّر الأخذ بظاهرها، على فرض ظهورها في مملوكية الابن وملكه لأبيه - مع إمكان إنكار الظهور، خصوصاً في مثل المورد الذي لا يكون الابن رقّاً، وفرض كون المال للابن - لا بدّ من حملها على معنى كنائي، كما يقول العرف في مورد صحّة تصرّف الغير أو جوازه: «بأنّ العبد وما في يده لمولاه» فيراد نفوذ تصرّف الأب، إمّا في المورد خاصّة، وهو بعيد.

أو في كلّ مورد كان فيه الابن وليّ التصرّف، كمال ابنه ونحوه، لا مال نفسه، وهو خلاف إطلاقها.

أو في كلّ مورد كان فيه الابن نافذ التصرّف وجائزه حتّى في أمواله، كما هو مقتضى الإطلاق، خرجت منه أمواله حال كبره إلاّ ما استثني، وبقي الباقي،

ص: 623


1- - الكافي 5: 395 / 3؛ وسائل الشيعة 20: 290، كتاب النكاح، أبواب عقد النكاح، الباب 11، الحديث 5.

لو لم نقل بانصرافها عنها كما لا يبعد؛ لمعهودية استقلال المكلّف في نفسه وماله، وعدم سلطنة الغير - حتّى الأب - عليهما، بل هو كالضروري، فتنصرف الأدلّة عنها.

فحينئذٍ ليس خروج أمواله ونفسه حال كبره من قبيل التقييد، حتّى يتوهّم أنّه من التقييد الأكثري، وإن كان الإشكال في غير محلّه مطلقاً، فتدلّ على ولاية الجدّ، وتقدّمها عند التزاحم على ولاية الأب في كلّ مورد له الولاية.

بل يستفاد منها أمران:

أحدهما: أنّ للأب التصرّف في مال ولده الصغير ونفسه؛ لأنّه وماله لأبيه.

وللجدّ وإن علا ذلك أيضاً؛ للكبرى المذكورة، وسيأتي الكلام فيه(1).

ويحتمل - على بعد - قراءة «ما لك» بفتح اللام، وإرادة أنّ كلّ ما كان للابن فلأبيه، فلا تدلّ على حدود ولاية الجدّ، ولا الأب.

نعم، بعد ثبوت الولاية وحدودها للأب تثبت للجدّ بتلك الرواية، لكن مع مخالفة ذلك للذوق العرفي، فهو مخالف للروايات الاُخر(2)، ولا سيّما ما ورد فيها: «إنّ مال الولد للوالد» كرواية سعيد بن يسار(3).

ومنها: رواية «قرب الإسناد» عن موسى بن جعفر (عليهما السّلام) - في صورة اختلاف هوى الأب والجدّ - قال: «الذي هوى الجدّ أحقّ بالجارية؛ لأنّها وأباها

ص: 624


1- - يأتي في الصفحة 630.
2- - وسائل الشيعة 17: 262، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 78.
3- - تهذيب الأحكام 6: 345 / 967؛ وسائل الشيعة 17: 264، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 78، الحديث 4.

للجدّ»(1) وطريق الاستفادة منها كما قبلها.

ثمّ إنّ في باب تصرّفات الأب في مال الابن، روايات كثيرة قابلة للجمع؛ فإنّها بين مطلق ومقيّد، فتحمل المطلقات على المقيّدات.

وقد جمع في بعضها بين تحديد حدود جواز الأخذ بمورد احتياج الأب وعدم السرف، وبين قوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «أنت ومالك لأبيك» كصحيحة محمّد بن مسلم(2) وصحيحة أبي حمزة(3).

فتظهر منهما ومن غيرهما حدود جواز الأخذ بلا إذن من الابن، وأنّ المقصود من قوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم)، ليس ولاية الأب على ولده الكبير، أو جواز أخذه من ماله كيفما كان.

وهذا لا يوجب رفع اليد عن إطلاق رواية عبيد و«قرب الإسناد» بعد عدم ورود تقييد بالنسبة إلى التصرّفات الاعتبارية في نفس الولد وفي ماله له.

وبالجملة: إنّ ما ورد في الروايتين مورده هو التصرّف الاعتباري، ويظهر من الكبرى أنّ كلّ تصرّف - اعتبارياً كان أو غيره - نافذ وجائز، لكن ورد في التصرّفات الخارجية في الماليات قيود، فيؤخذ بها في موردها، ولا حجّة لرفع اليد عن الروايات في غير مورد القيود.

ص: 625


1- - مسائل علي بن جعفر: 109 / 19؛ قرب الإسناد: 285 / 1128؛ وسائل الشيعة 20: 291، كتاب النكاح، أبواب عقد النكاح، الباب 11، الحديث 8.
2- - الكافي 5: 135 / 5؛ تهذيب الأحكام 6: 343 / 961؛ وسائل الشيعة 17: 262، كتاب التجارة، الباب 78، الحديث 1.
3- - يأتي في الصفحة 648.

فما قد يقال: من أنّه حكم أخلاقي(1)، ساقط؛ لأنّ نفوذ التصرّف ولزوم الأخذ به، لا يمكن أن يعلّل بأمر أخلاقي.

كما أنّ احتمال كونه نكتة الجعل(2)، غير ظاهر، وإن لم يكن بذلك البعد، بل ربّما يشعر به بعض الروايات، كرواية «العلل»(3) ورواية الحسين بن علوان(4).

ص: 626


1- - منية الطالب 2: 228 - 229؛ مصباح الفقاهة 5: 16.
2- - منية الطالب 2: 230.
3- - وهي ما رواها عن محمّد بن سنان، أنّ الرضا عليه السلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله: وعلّة تحليل مال الولد لوالده بغير إذنه وليس ذلك للولد؛ لأنّ الولد موهوب للوالد في قوله عزّ وجلّ: «يَهَبُ لِمَنْ يَشَآءُ إنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَآءُ الذُّكُورَ» مع أنّه المأخوذ بمؤونته صغيراً وكبيراً والمنسوب إليه والمدعوّ له لقوله عزّ وجلّ: «ادْعُوهُمْ لاِبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّه» ولقول النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «أنت ومالك لأبيك، وليس للوالدة مثل ذلك، لا تأخذ من ماله شيئاً إلاّ بإذنه أو بإذن الأب، ولأنّ الوالد مأخوذ بنفقة الولد، ولا تؤخذ المرأة بنفقة ولدها». علل الشرائع: 524 / 1؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 96؛ وسائل الشيعة 17: 266، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 78، الحديث 9.
4- - وهي ما عن الحسين بن علوان، عن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي عليه السلام، قال: أتى النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم) رجل، فقال: يا رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) إنّ أبي عمد إلى مملوكي فأعتقه كهيئة المضرّة لي، فقال رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «أنت ومالك من هبة اللّه لأبيك، أنت سهم من كنانته «يَهَبُ لِمَنْ يَشَآءُ إنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَآءُ الذُّكُورَ *... وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَآءُ عَقِيماً» جازت عتاقة أبيك، يتناول والدك من مالك وبدنك، وليس لك أن تتناول من ماله، ولا بدنه شيئاً إلاّ بإذنه». تهذيب الأحكام 8: 235 / 849؛ وسائل الشيعة 23: 104، كتاب العتق، الباب 67، الحديث 1.

لكنّهما مع ضعفهما (1)، وإعراض الأصحاب عن ثانيتهما - كإعراضهم عن رواية سعيد بن يسار(2) على الظاهر المحكيّ(3) - لا يبلغ الإشعار به حدّاً يمكن رفع اليد به عن مثل صحيحة عبيد(4) وغيرها.

فلا ينبغي الإشكال في الحكم بالنسبة إلى ولاية الأب والجدّ في التصرّف في مال الطفل بالبيع والشراء له، كما هو محلّ كلامنا.

وربّما يختلج بالبال أنّ رواية الحسين بن أبي العلاء دالّة على عدم ورود ما

ص: 627


1- الرواية الاُولى رواها الشيخ الصدوق في العلل والعيون، عن علي بن أحمد بن موسى الدقاق ومحمّد بن أحمد السفياني والحسين بن إبراهيم المكتّب - رضي اللّه عنهم - قالوا: حدّثنا محمّد بن أبي عبداللّه الكوفي، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي، عن علي بن العبّاس، قال: حدّثنا القاسم بن الربيع الصحّاف، عن محمّد بن سنان. الظاهر أنّ الرواية ضعيفة بعلي والقاسم، فإنّ علي بن العبّاس قال النجاشي في حقّه: «رمي بالغلوّ وغمز عليه، ضعيف جدّاً». والقاسم بن الربيع ضعّفه ابن الغضائري وقال: «غالٍ في مذهبه». وأمّا محمّد بن سنان فهو ثقة عند المصنّف كما تقدّم في الصفحة 478. رجال النجاشي: 255 / 668؛ الرجال، ابن الغضائري: 86 / 114. والرواية الثانية رواها الشيخ الطوسي بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن محمّد ابن الحسين، عن أبي الجوزاء، عن الحسين بن علوان، عن زيد بن علي، عن آبائه عن علي عليه السلام. والرواية ضعيفة بالحسين بن علوان كما تقدّم من المصنّف قدس سره في الجزء الأوّل: 499. اُنظر رجال النجاشي: 52 / 116؛ اختيار معرفة الرجال: 390 / 733.
2- - تقدّم في الصفحة 624، الهامش 3.
3- - راجع جواهر الكلام 17: 277؛ العروة الوثقى 4: 415، مسألة 59.
4- - تقدّم في الصفحة 622.

عن النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم) لبيان حكم، وكان مورده خاصّاً بنصيحة الولد الذي استعدى على أبيه.

قال: قلت لأبي عبداللّه (عليه السّلام): ما يحلّ للرجل من مال ولده؟

قال: «قوته بغير سرف إذا اضطرّ إليه».

قال: فقلت له: فقول رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) للرجل الذي أتاه فقدّم أباه، فقال له: «أنت ومالك لأبيك»؟

فقال: «إنّما جاء بأبيه إلى النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم) فقال: يا رسول اللّه، هذا أبي وقد ظلمني ميراثي عن اُمّي، فأخبره الأب أنّه قد أنفقه عليه وعلى نفسه، وقال: أنت ومالك لأبيك، ولم يكن عند الرجل شيء، أوَ كان رسول اللّه يحبس الأب للابن؟!»(1).

فإنّ الظاهر منها أنّ قوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم) مخصوص بهذا المورد فقط؛ لغرض صرف الولد عن والده.

لكن فيه - مع كلام في سندها (2)-: أنّ ما وردت هذه الجملة فيها روايات

ص: 628


1- - الكافي 5: 136 / 6؛ الفقيه 3: 109 / 456؛ وسائل الشيعة 17: 265، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 78، الحديث 8.
2- رواها الكليني عن محمّد بن يحيى، عن عبداللّه بن محمّد، عن علي بن الحكم، عن الحسين بن أبي العلاء. الإشكال في سندها: إمّا من ناحية عبداللّه بن محمّد الملقّب ببنان وهو أخو أحمد بن محمّد بن عيسى، ولم يرد في شأنه شيء من الجرح أو التعديل، وإمّا من ناحية الحسين ابن أبي العلاء، فبعض أثبت وثاقته، وبعض أنكرها، لكن المصنّف في كتابه «الطهارة» في موارد عديدة وثّقه وعبّر بصحيحة الحسين بن أبي العلاء. اُنظر اختيار معرفة الرجال: 512 / 989؛ رجال النجاشي: 52 / 117؛ الطهارة، الإمام الخميني قدس سره 2: 31، و3: 26 و451 و456.

كثيرة صحيحة السند، لا يمكن رفع اليد عنها بمثل هذا الإشعار الضعيف.

مع أنّ عدم قبول دعوى الولد، دليل على أنّ قوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم) ليس موعظة، بل الحكم الشرعي يقتضي ذلك في مورد الإنفاق على نفسه وولده، ولم يتّضح أنّ دعوى الولد كانت غير ما أقرّ الوالد به، ولهذا لم ينكر عليه بأنّه صرفه في غير نفقتي ونفقته، فتأمّل.

فتحصّل من جميع ما مرّ: أنّ الروايات التي في الباب، بعضها مورد الإعراض، وظهورها مقطوع الخلاف، فلا بدّ من طرحها أو تأويلها، كروايتي سعيد بن يسار(1) على الظاهر، والحسين بن علوان(2) وبعضها مطلقات(3)، منصرفة عن التصرّف في مال الكبير ونفسه كيفما كان.

وعلى فرض إطلاقها، تحمل على المقيّدات، ويعمل بها في غير موردها، وهو مورد ولاية الأب والجدّ على مال الطفل ونفسه.

والظاهر المتفاهم منها بحكم التعليل، عدم الفرق بين الجدّ وجدّ الجدّ وإن علا.

ص: 629


1- - تقدّم في الصفحة 624، الهامش 3.
2- - تقدّم في الصفحة 626، الهامش 4.
3- - تقدّم في الصفحة 622.
حول الإشكال في ولاية الجدّ وإن علا

نعم، ربّما يستشكل في صحّة التمسّك بالنبوي على ولاية جدّ الجدّ وإن علا: بلزوم إثبات الحكم موضوعه، كالإشكال في الإخبار مع الواسطة؛ فإنّ كون الابن وماله لأبيه ثبت به، فكيف يمكن إثبات كون الأب وماله - الذي من جملته بحكم النبوي ابنه وأمواله - للجدّ، وهكذا جدّ الجدّ(1)؟!

وفيه: مضافاً إلى إمكان دفع الإشكال في المقام بما قيل في الجواب عن الإشكال في الأخبار مع الواسطة(2)، وسلامة المقام من الإشكال الذي أوردنا عليهم هناك: بأن لا كبرى كلّية في باب حجّية الأخبار، بل لا دليل على حجّيتها إلاّ بناء العقلاء، والأخبار الواردة فيها - على كثرتها - لا يكون مفادها إلاّ تنفيذ بناء العقلاء(3).

وأمّا النبوي المستشهد به في الأخبار الصحيحة، فيستفاد منه كبرى كلّية قابلة للانحلال عرفاً وإن فرض موافقة العقلاء لها أيضاً، فلا مانع عقلاً من تحقّق موضوع كلّ لاحق بحكم سابقه.

ومضافاً إلى أنّ هاهنا كلاماً لا يجري في الإخبار مع الواسطة، وهو أنّه يفهم العرف من التعليل المذكور أنّ الأجداد كالجدّ القريب وكالأب في الولاية، وهذا حجّة لا يصحّ رفع اليد عنها إلاّ أن يثبت الامتناع، ولم يكن طريق مطلقاً للدفاع

ص: 630


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 365.
2- - راجع فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 177 - 184.
3- - أنوار الهداية 1: 241، الهامش 2؛ تهذيب الاُصول 2: 459.

عنه، وهو ممنوع؛ لإمكان أن يقال: إنّ هذا الحكم - أي ثبوت ولايتهم - كان بدليل آخر، وهذه الكبرى تكشف عنه.

كما أنّ الظاهر كذلك في الأحكام الإلهية التي وردت الروايات فيها؛ فإنّ جعل الولاية للأب والجدّ وإن علا، ليس بجعل النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم)، بل بجعل إلهي.

بل لا يبعد أن يكون حكم اللّه تبارك وتعالى بنفوذ تصرّفاتهم، موضوعاً لانتزاع الولاية، لا أنّ المجعول هي بلا وسط.

وكيف كان: بعد إمكان ثبوت الولاية لهم بطريق آخر يكشف عنه ذلك النبوي، لا يجوز رفع اليد عن ظاهره؛ بمجرّد توهّم الامتناع.

وأمّا في الإخبار مع الواسطة، فلم يدلّ دليل على حجّية الوسائط؛ فإنّ الأدلّة - على فرض كونها مؤسّسة - إنّما تدلّ على حجّية رأس السلسلة، وغيره لم يكن ثابتاً إلاّ بدليل حجّية ما في الرأس، ثمّ ما بعده إلى آخرها، وهناك لا محيص إلاّ بما ذكروا، ويرد عليهم ما ذكرنا في محلّه(1).

ومضافاً إلى أنّ الظاهر من هذه الروايات - ولا سيّما رواية «قرب الإسناد» - أنّها بصدد بيان أحقّية الجدّ من الأب، لا بصدد بيان أصل الولاية؛ فإنّها مفروضة التحقّق، وإن فهم منها أيضاً الولاية في الأب والأجداد كما مرّ(2).

مضافاً إلى ذاك وذلك: أنّ الإشكال إنّما يرد لو كانت الولاية الثابتة للجدّ مترتّبة على ولاية ابنه، وهكذا كلّ سابق بالنسبة إلى لاحقه؛ بمعنى أنّ

ص: 631


1- - أنوار الهداية 1: 241، الهامش 2؛ تهذيب الاُصول 2: 459.
2- - تقدّم في الصفحة 623 - 624.

ولاية الأب ثابتة لابنه الصغير بلا وسط، ولأبيه بوسط، نظير الوساطة في العروض أو في الثبوت، مع كون ولاية الواسطة علّة منحصرة لولاية ذي الواسطة، فتكون ولايته دائرة مدار ولاية الواسطة.

وعليه يلزم الإشكال المذكور، كما يلزم سقوط ولاية ذي الواسطة إذا سقطت ولاية الواسطة بموت أو جنون، ويجري الحكم في جميع سلسلة الآباء والأجداد، فإذا سقطت ولاية أحدهم، سقطت ولاية المتقدّم عليه، دون المتأخّر.

وأمّا إذا ثبتت ولاية جميع من في السلسلة في عرض واحد، فلا يلزم الإشكال، كما لا تسقط ولاية السابق بسقوط ولاية اللاحق.

والظاهر من الأدلّة كروايتي عبيد و«قرب الإسناد»(1)، هو ذلك عرفاً؛ فإنّ قوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «أنت ومالك لأبيك» كناية - بحسب فهم العرف - عن ثبوت الولاية للأب، كما ثبتت للابن، بل الأب أحقّ بذلك منه.

فثبوتها تبعاً مضافاً إلى مخالفته لفهم العرف، مخالف لتقدّم ولاية الجدّ على الأب؛ فإنّ الثبوت إذا كان بتبع الواسطة أو بمعلوليتها، لا يعقل أن يتقدّم عليها لدى التعارض، وهو ظاهر.

مع أنّ التعليل في رواية «قرب الإسناد» يثبت الحكم للجدّ من غير شائبة وساطة؛ فإنّ قوله (عليه السّلام): «لأنّها وأباها للجدّ» ظاهر جدّاً في أنّ ولاية الجدّ ليست تبعية، و«الجدّ» أعمّ من الجدّ الأدنى والأعلى، ولا وجه لرفع اليد عن ظهوره؛

ص: 632


1- - تقدّم في الصفحة 622 و624.

بمجرّد ورود الحكم في مورد الجدّ الأدنى، مع مناسبة الحكم والموضوع لذلك، ودلالة التعليل عليه أيضاً.

فالأمر ظاهر مع عدم حكاية الخلاف في المسألة، بل يظهر من «الجواهر»(1) وغيره(2) أنّه - أي عدم اعتبار حياة الأب - إجماعي.

نعم، ما وقع فيه الخلاف بين قدماء أصحابنا (3) ومتأخّريهم(4)، هو اعتبار حياة الأب في ولاية الجدّ في باب النكاح، لا في هذا الباب.

والعجب من بعض أهل التدقيق قدّس سرّه، حيث توهّم أنّ اعتبار حياة الأب في مسألتنا هذه محلّ خلاف الأصحاب(5)، كما أنّ رواية الفضل بن عبدالملك(6) غير مربوطة بالمقام، بل هي مربوطة بباب النكاح، فراجعها.

وفي دلالتها إشكال، تعرّض له صاحب «الجواهر» قدّس سرّه(7) وغيره(8)، فلا نطيل البحث.

ص: 633


1- - جواهر الكلام 26: 101، و29: 171 - 172.
2- - مسالك الأفهام 7: 117.
3- الهداية، الصدوق: 260؛ الكافي في الفقه: 292؛ النهاية: 466؛ المهذّب 2: 195.
4- - شرائع الإسلام 2: 220؛ قواعد الأحكام 3: 11؛ إيضاح الفوائد 3: 17؛ جواهر الكلام 29: 171 - 172.
5- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 377.
6- - يأتي في الصفحة 645.
7- - جواهر الكلام 29: 171.
8- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 377.
حول اعتبار العدالة
بيانه

ثمّ إنّه هل تعتبر العدالة في موضوع الولاية؟

قال الشيخ قدّس سرّه: المشهور عدم اعتبارها؛ للأصل والإطلاقات(1).

ولم يتّضح مراده من الأصل، ويمكن تقريره بوجوه:

منها: أنّ عنوان «ولاية الأب» من العناوين التي يمكن تصوّرها قبل وجودها، فيقال: إنّ هذا العنوان لم يكن متقيّداً بالعدالة، فإذا جعل الشارع ولاية الأب، نشكّ في صيرورة العنوان متقيّداً بها، فنقول: إنّ عنوان «ولاية الأب» غير متقيّد وغير مشروط بالعدالة استصحاباً.

وصدق العنوان على مصداقه وجداني، وليس من الأصل المثبت، كما لو شكّ في وجوب إكرام العلماء لأجل النسخ، فإنّ استصحاب الوجوب جار، فإذا وجب إكرام العلماء بالاستصحاب، وجب إكرام المصاديق الخارجية من غير شبهة إثبات.

وفيه: - مع الغضّ عن بعض الإشكالات - أنّ إثبات أنّ الأب وليّ بلا شرط، أو أنّه وليّ وإن كان فاسقاً - باستصحاب عدم كون العنوان متقيّداً - لا يمكن إلاّ بالأصل المثبت.

بل التحقيق: أنّ استصحاب عدالة زيد لإثبات كون زيد عادلاً، مثبت؛ فإنّ في استصحاب العدالة لا بدّ وأن يكون موضوع القضيّة المتيقّنة هو «عدالة زيد»

ص: 634


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 535.

ومحمولها «موجودة» فيقال: «إنّ عدالة زيد كانت موجودة، والآن موجودة بحكم الاستصحاب».

وهذا لا يثبت كون زيد عادلاً؛ فإنّ وجود العدالة لزيد لازمه العقلي كونه عادلاً ومتّصفاً بها.

نعم، لو اُريد إجراء الاستصحاب المنتج يقال: إنّ زيداً كان عادلاً، والآن زيد عادل، فيحرز به موضوع صحّة الطلاق عنده، وجواز الاقتداء به؛ ضرورة أنّ الكبرى الشرعية هي «كون الشاهد والإمام عادلين» لا عدالتهما موجودة.

وهذا واضح عند التأمّل في ميزان الاُصول المثبتة وغيرها.

وبهذا يظهر الجواب عن وجه آخر في تقرير الأصل، وهو أن يقال: إنّ تعلّق جعل الشارع بولاية الأب أو الجدّ معلوم بنحو الإجمال، وتعلّقه بقيد زائد - وهو شرط العدالة - مشكوك فيه، فيستصحب عدم تعلّقه به.

فإنّ استصحاب عدم تعلّق الجعل بالقيد الزائد - على فرض جريانه - لا يثبت كون الأب وليّاً بلا شرط إلاّ بالأصل المثبت.

ومنها: أصالة عدم كون الولاية المجعولة مشروطة، على نحو استصحابات الأعدام الأزلية، بأن يقال: إنّ هذه الولاية المجعولة - مشاراً إلى ماهيتها - لم تكن قبل وجودها مشروطة بالعدالة، وعند وجودها يشكّ في الاشتراط فيستصحب. كما يقال: إنّ هذه المرأة لم تكن في الأزل قرشية، وعند الوجود يشكّ في قرشيتها فيستصحب.

وفيه: ما في سائر استصحابات الأعدام الأزلية من الإشكالات،

ص: 635

وقد فصّلناها في محلّها (1).

مضافاً إلى أنّ استصحاب عدم مشروطية الولاية، لا يثبت أنّ الأب الفاسق، أو الأب مطلقاً، أو الأب حتّى مع عدم كونه عادلاً، وليّ إلاّ بالأصل المثبت، فتدبّر جيّداً، وراجع مظانّه.

وأضعف منها إجراء استصحاب الكون المحمولي لإثبات الكون الرابط، فإنّه من أوضح مثبتات الاُصول.

وأزيف من الجميع توهّم: تركّب الموضوع من عدم أزلي ووجود(2)، فإنّه مع امتناعه في ذاته، لا واقعية له بحسب الأدلّة في الباب وفي غيره، مع ورود إشكال مثبتية الأصل فيه أيضاً، هذا حال الأصل.

وأمّا الإطلاق فلا إشكال فيه؛ ضرورة أنّ موثّقة محمّد بن مسلم المتقدّمة(3) - الدالّة على نفوذ تصرّف الوالد في مال ولده - لها إطلاق من جهة ترك الاستفصال في صدرها ولو لم يكن تعليل الذيل، ومن جهة إطلاق التعليل.

كما أنّ ترك الاستفصال في رواية خالد بن بكير(4) أيضاً دليل على الإطلاق، وكذا رواية أبي الربيع الشامي في الاتّجار بمال اليتيم(5).

ص: 636


1- مناهج الوصول 2: 228؛ أنوار الهداية 2: 97؛ الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 105.
2- - أجود التقريرات 2: 333، الهامش.
3- - تقدّم في الصفحة 619.
4- - تقدّم في الصفحة 620، الهامش 3.
5- - تقدّم في الصفحة 620.

ويدلّ على عدم اعتبارها في الجدّ ترك الاستفصال وإطلاق التعليل في رواية عبيد بن زرارة المتقدّمة(1)

بل إطلاق التعليل في رواية علي بن جعفر المتقدّمة(2)

فلا إشكال في الإطلاق.

دليل صاحب الإيضاح على اعتبار العدالة

إنّما الكلام في الموانع التي ذكرها القائل بالاعتبار، مثل ما عن «الإيضاح»: من أنّها ولاية على من لا يدفع عن نفسه، ولا يصرف عن ماله، ويستحيل من حكمة الصانع أن يجعل الفاسق أميناً يقبل إقراراته وإخباراته عن غيره(3).

وحاصله يرجع إلى: أنّ تولية أمره إليه تؤول أحياناً إلى تلف مال الصغير.

وأنت خبير: بأنّ رفع اليد عن الحجّة القائمة - وهي إطلاق الأدلّة - لا يمكن إلاّ مع قيام حجّة شرعية أو عقلية غير ممكنة الدفع، ومع إيجاد الاحتمال، لا يصحّ الأخذ بالدليل العقلي؛ لرفع اليد عن الحجّة القائمة.

وفي المورد لو احتملنا أنّ في ترك الولاية للأب والجدّ - ولو كانا فاسقين - مفسدة غالبة على تلف مال الصغير أحياناً، فلا دافع لهذا الاحتمال، ولا يجوز رفع اليد عنها معه.

مع إمكان أن يقال: لو لم يجعل الشارع الولاية للأب والجدّ الفاسقين، فإن أهملها ولم يعيّن حافظاً لأموال الصغار، فالفساد أفحش، ولو لم يهمل وجعل

ص: 637


1- - تقدّم في الصفحة 622.
2- - تقدّم في الصفحة 624.
3- - إيضاح الفوائد 2: 628؛ اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 536.

أمرهم إلى والي المسلمين، ففيه مفاسد كثيرة:

منها: أنّ الأب الفاسق لو علم أنّ مال الطفل في معرض تصرّف الوالي، لأتلفه قبل اطّلاع الوالي وعمّاله، ولا دافع لذلك إلاّ أن يجعل لكلّ بيت فيه طفل - يحتمل أن يكون له مال - جواسيس؛ للاطّلاع على بواطن أمرهم، وفيه من المفاسد ما لا تخفى.

ومنها: أنّ لازم ذلك أن يصرف الوالي قسمة مهمّة إلى ما شاء اللّه، من بيت مال المسلمين - الذي هو لسدّ حاجات الحكومة الإسلامية - لهذا المصرف؛ من جعل عدّة كثيرة لكلّ صقع وبلد وقصبات وقرى لذلك، وإعطاء الأجر لهم، وقلّ المتبرّع لذلك جدّاً.

وصرف أموال كثيرة؛ لاحتمال كون الأب الفاسق يتجاوز عن الحدود - مع الحاجات الكثيرة اللازمة المراعاة - غير جائز، وأخذ الاُجرة من مال الطفل إلى زمان كبره للعمّال، يوجب نفاد المال في غالب الطبقات.

ومنها: أنّ اللازم حينئذٍ على الوالي أن يمنع الآباء والأجداد وأوصياءهم مع عدم ثبوت عدالتهم، عن التصرّف في مطلق الأموال - التي علم أنّ فيها مالاً من الصغير - إلى أن يعلم الحال وتتّضح الواقعة، وفيه مفسدة عظيمة.

بل لازمه حصول التباغض والتباعد بين الشعب والحكومة، وهو من أفسد الاُمور؛ ضرورة أنّ الواقعة عامّة البلوى، وإثبات العدالة بالبيّنة الشرعية أو الطرق الاُخر غير ميسور.

هذا كلّه مع بسط اليد للحاكم الشرعي والوالي الحقّ، وإلاّ صار ذلك الحكم الشرعي وسيلة لأكل ولاة الجور أموال الصغار والكبار، كما لا يخفى على

ص: 638

المطّلع بسيرتهم، خذلهم اللّه تعالى.

ثمّ إنّ المقصود من هذا المقال ليس إثبات حكم شرعي بالعقول؛ ضرورة عدم إحاطة عقولنا بالمصالح والمفاسد والنظام التشريعي، بل المقصود لزوم الأخذ بالإطلاقات في مقابل صاحب «الإيضاح» الذي تشبّث بالدليل العقلي، فمقصودنا أنّه لو وصل الأمر إلى حكم العقول، لكان الحكم بثبوته أولى من عدمه.

ثمّ إنّ دليل صاحب «الإيضاح» لا يقتضي اعتبار العدالة، بل غاية اقتضائه - على فرض التمامية - هو اعتبار الوثاقة والأمانة، فربّما يكون الفاسق أوثق في الأموال من بعض العدول، كما أنّ الأمر كذلك أيضاً لو كان الدليل على الاعتبار آية النبأ (1).

الاستدلال بآية الركون على اعتبار العدالة

نعم، لو كان الدليل عليه آية الركون(2) فعلى فرض تماميته لازمه اعتبار العدالة موضوعياً؛ فإنّ جعل الولاية للظالم ركون إليه، والركون إليه محرّم، فإذا كان محرّماً فهو قبيح، ولا يعقل صدور القبيح من الحكيم جلّ وعلا.

فالأب الفاسق كالأجنبيّ، كان وثيقاً أو لا، كان تصرّفه موافقاً للصلاح أو لا.

فما قيل: من أنّ العدالة على فرض اعتبارها، لا تكون كعدالة المفتي

ص: 639


1- «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ». الحجرات (49): 6.
2- - «وَ لاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللّه ِ مِنْ أَوْليَآءَ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ». هود (11): 113.

والقاضي موضوعياً (1)، غير ظاهر بحسب مقتضى الأدلّة.

إنّما الشأن في دلالة الآيتين؛ فإنّ غاية تقريب آية الركون هو ما أشرنا إليه: من أنّ الركون إلى الظالم ذو مفسدة ملزمة، وقبح عقلي مستكشف منها، وارتكاب القبيح محال عليه تعالى شأنه، فيجعل هذا كبرى لصغرى «هي أنّ جعل الولاية للظالم ركون إليه» فينتج: «أنّ جعلها له محال عليه تعالى».

وفيه: أنّ ذلك قياس فعل الباري المتعال بأفعال المكلّفين، مع أنّه مع الفارق جدّاً؛ فإنّ أفعاله تعالى موافقة لصلاح النظام الكلّي التكويني، لا النظام التشريعي المحدود، كما أنّ جعله التشريعي لا بدّ وأن يوافق صلاح نظام التشريع العامّ، وهما ممّا لا تحيط به العقول المحدودة.

ولهذا ترى أنّه تعالى نهى عن التعاون على الإثم والعدوان ومع ذلك فجميع أسباب الإثم والعدوان موجودة بإرادته وفعله، ولا شبهة في وجوب حفظ نفس المؤمن علينا، وهو تعالى قادر على حفظها ولم يحفظها، بل وكّل ملك الموت بإماتتها.

فما قيل: من أنّ النهي عن الركون إلى الظالم لازمه العقلي عدم ركون الآمر إليه(2)، أو قيل: بأنّ قوله تعالى: «لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ»(3) لازمه عدم ركون القائل(4)، غير صحيح، وقياس لفعله بفعلنا، وهو باطل.

ص: 640


1- حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 363.
2- - حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 90.
3- الصفّ (61): 2.
4- - حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 364.

هذا مع إمكان دعوى ظهور الآية الكريمة في الركون إلى ولاة الجور؛ فإنّ قوله تعالى: «فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللّه ِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ»(1) سياقه يشهد بأنّ الركون إليه أمر عظيم، ومن الكبائر، وذو مفسدة عظيمة؛ حيث أوعد عليه بالنار، وعدم الأولياء والناصر لهم.

وهذا يناسب الركون إليهم؛ حيث ورد فيهم وفي إعانتهم ما ورد في الأخبار(2) لا الركون والميل إلى فاسق، كان سبب فسقه عدم ردّ السلام الواجب، أو إصراره عليه؛ فإنّ نفس ارتكاب كثير من المحرّمات لم يرد فيها نحو ما في الآية.

ويشهد له: عدم احتمال المفسّرين هذا المعنى الأعمّ.

وفي «المجمع»: روي عنهم علیهم السلام أنّ الركون المودّة والنصيحة والطاعة(3) ومعلوم أنّ ذلك في ولاة الجور والظلمة.

وفي رواية الحسين بن زيد في مناهي النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم): أنّه تمسّك بالآية في خلال ما قال في حقّ من تولّى خصومة ظالم، أو أعان عليها، ومن مدح سلطاناً جائراً، ومن ولّى جائراً على جور(4).

وفي رواية الفضل بن شاذان، عن الرضا (عليه السّلام) في عدّ الكبائر: «ومعونة

ص: 641


1- هود (11): 113.
2- - راجع وسائل الشيعة 17: 177، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 42.
3- - مجمع البيان 5: 306.
4- - الفقيه 4: 5 / 1؛ وسائل الشيعة 17: 183، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 43، الحديث 1.

الظالمين، والركون إليهم»(1).

وفي رواية الأعمش في عدّها: «وترك معاونة المظلومين، والركون إلى الظالمين»(2).

مضافاً إلى أنّ الظالم - عرفاً - هو الذي ظلم غيره، والفاسق ليس ظالماً عرفاً.

الاستدلال بآية النبأ على الاعتبار

وأمّا آية النبأ، فتارة يستدلّ بها لرفض أقوال الأولياء مع فسقهم، فيقال: إنّ بين مفاد الآية ودليل جعل الولاية - بلازمه -تعارض العموم من وجه؛ لأنّ لازم جعل الولاية هو قبول إقراراته وإخباراته بالنسبة إلى ما تولاّه، وإطلاقه يقتضي وجوب قبول قول الوليّ الفاسق، والآية الشريفة بإطلاقها تشمل الوليّ الفاسق، فيتعارضان فيه، فيجب رفع اليد عن مفاد الأخبار؛ لعدم إمكان تعارضها مع الكتاب.

وما قيل: من أنّ عدم قبول قول الفاسق من حيث هو، غير منافٍ لقبول إقراراته وإخباراته من حيث ولايته ووكالته؛ حيث إنّ «من ملك شيئاً ملك الإقرار به»(3) غير وجيه؛ لأنّ ما ذكر إنّما هو في الحكم الحيثي، كحلّية الغنم في

ص: 642


1- - عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 127؛ تحف العقول: 423؛ وسائل الشيعة 15: 329، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 46، الحديث 33.
2- - الخصال: 610 / 9؛ وسائل الشيعة 15: 331، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 46، الحديث 36.
3- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 371.

قبال حرمة الموطوء، فإنّ قوله تعالى: «أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ»(1) حكم حيثي للبهيمة مقابل السباع مثلاً، وليس فيه إطلاق حتّى يعارض ما دلّت على حرمة الموطوء.

بخلاف الآية الشريفة، فإنّها كافلة لحكم فعلي، له إطلاق على فرض الدلالة، فتعارض دليل اعتبار قول الأولياء.

كما أنّ «من ملك شيئاً ملك الاقرار به» لو كان مفاد رواية أو معقد إجماع - يكشف عن الحكم على هذا العنوان - لكان مفاده معارضاً للآية الكريمة بالعموم من وجه، فلا بدّ من الأخذ بها، ورفض إطلاق الرواية أو معقد الإجماع.

نعم، لو كان خصوص قبول إخبار الوليّ الفاسق مجمعاً عليه يؤخذ به، وتقيّد به الآية الكريمة.

كما أنّه لو كان دليل لفظي على أنّ المالك لشيء تسمع إقراراته وإخباراته بالنسبة إليه، أمكن أن يقال: إنّ قوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «أنت ومالك لأبيك»(2) ينزّل غير المالك منزلته في الأحكام، ويقدّم على إطلاق الآية.

هذا، ولكن التحقيق: أنّ الآية الكريمة لا تدلّ على رفض قول الفاسق مطلقاً؛ فإنّ مورد نزول الآية(3) والتعليل بعدم إصابة القوم بجهالة، دليل على أنّه في المهمّات - نحو خبر الوليد بكفر بني المصطلق - لا يصحّ الاعتماد على الخبر الواحد، ولا سيّما إذا كان المخبر فاسقاً مثل الوليد؛ لأنّ الاعتماد في مثله يوجب

ص: 643


1- المائدة (5): 1.
2- - تقدّم في الصفحة 623 و632.
3- - التبيان في تفسير القرآن 9: 343؛ مجمع البيان 9: 198.

تجهيز الجيش، وقتال المرتدّين، والقتل العامّ الموجب للإصباح نادمين أيّة ندامة عظيمة!

ففي مثله لا بدّ من التثبّت والتفتيش عن الواقعة، لا العمل بقول الواحد أو الاثنين، ولا سيّما إذا كان فاسقاً، بل العمل بقول العدلين أيضاً في مثل تلك الواقعة، على خلاف طريقة الدول والعقلاء.

فالآية أجنبيّة عن الحكم بعدم قبول قول الفاسق مطلقاً، وبقبول قول العادل، مع عدم انقداح الردع من الآية عن بناء العقلاء على العمل بقول الملاّك وذوي الأيادي والأولياء، ولهذا لم يعهد التمسّك بها لذلك إلاّ نادراً.

وبما ذكرناه يظهر النظر فيما نقل عن بعض مقررّي بحث الشيخ الأنصاري قدّس سرّه في اللقطة: من التمسّك بها لاعتبار العدالة في الملتقط، وأنّ أعمال الفسّاق كأقوالهم لا يجوز الاعتماد عليها؛ فإنّه إذا وجب التثبّت في قولهم، وجب في فعلهم؛ بمعنى عدم ترتيب آثار الوجود على الفعل المحتمل صدوره منهم.

وأيضاً: يظهر من التعليل أنّ العلّة هي مطلق الحذر من الوقوع في مخالفة الواقع.

وأيضاً: تفريع الوقوع في الندم على ترك التثبّت، يشمل الأفعال كالأقوال؛ فإنّ الندامة فيها أكثر منها في الأقوال(1).

فإنّه مع ورود ما أوردناه على الأوّل عليه، يزيّف بأنّه لا دليل على أنّ أعمال الفسّاق كأقوالهم، بل الدليل على خلافه؛ فإنّ أعمال الفسّاق تحمل على الصحّة

ص: 644


1- - هداية الطالب 3: 233.

بلا ريب، بخلاف أقوالهم، وأيديهم أمارة على ملكية ما فيها، ولو لزم من إسقاط اعتبار أقوالهم إسقاط كلّ ما يحتمل خلافه منهم، للزم الاختلال في سوق المسلمين.

وأمّا التعليل فيظهر منه أنّ الأشياء الخطيرة - نحو إصابة قوم من المسلمين بالقتل والسبي - علّة، لا مطلق الجهالة ولو لم تترتّب عليها مفسدة، كما أنّ الندامة الحاصلة من إصابة طائفة من المسلمين، لا تقاس بها الندامة في أمر حقير غير مهتمّ به.

الاستدلال برواية الفضل على الاعتبار

وأمّا رواية الفضل بن عبدالملك، عن أبي عبداللّه (عليه السّلام) قال: «إنّ الجدّ إذا زوّج ابنة ابنه، وكان أبوها حيّاً، وكان الجدّ مرضيّاً، جاز».

قلنا: فإن هوى أبو الجارية هوىً، وهوى الجدّ هوىً، وهما سواء في العدل والرضا ؟

قال: «أحبّ إليّ أن ترضى بقول الجدّ»(1).

ففيها: - مع ضعف سندها، وإعراض الأصحاب عنها، فعن العلاّمة دعوى الإجماع على ولاية الفاسق في التزويج(2) - أنّ رفع اليد عن الإطلاقات الكثيرة التي بعضها في مقام الحاجة مع كون العدل قليلاً، في غاية الإشكال.

ص: 645


1- - الكافي 5: 396 / 5؛ تهذيب الأحكام 7: 391 / 1564؛ وسائل الشيعة 20: 290، كتاب النكاح، أبواب عقد النكاح، الباب 11، الحديث 4.
2- - تذكرة الفقهاء 2: 599 / السطر 39 (ط - الحجري).

والجمع بين المطلق والمقيّد وإن كان عقلائياً، لكن فيما إذا اُلقي المطلق إلى أصحاب الحديث والكتب، وأمّا ذكر المطلق في مقام الحاجة، مع كون المقيّد مقصوداً - ولا سيّما إذا كان قليل الوجود - وذكر مقيّده بعد ذلك منفصلاً، فهو بعيد، والجمع بينهما ليس عقلائياً.

بل الظاهر وقوع التعارض بينهما، والترجيح للروايات المطلقة، فتدبّر.

مضافاً إلى أنّ اعتبار العدالة في باب التزويج، لا يستلزم اعتبارها في غيره، ولا يمكن إلغاء الخصوصية بعد وجودها جزماً، فلا ينبغي الإشكال في المسألة.

حول اشتراط المصلحة في تصرّف الأب والجدّ
بيانه

وهل تشترط في تصرّفهما المصلحة، أو يكفي عدم المفسدة، أم لا يعتبر شيء ؟

قد يقال: مقتضى إطلاق الأدلّة عدم اعتبار شيء(1).

أقول: أمّا الروايات المتقدّمة الواردة في الإيصاء بمال الطفل، فليس فيها ما يتوهّم منها الإطلاق إلاّ رواية محمّد بن مسلم، عن أبي عبداللّه (عليه السّلام)، فإنّ في ذيلها - بعد فرض إذن الأب في المضاربة وكون الربح بينهما - علّل عدم البأس بقوله: «من أجل أنّ أباه قد أذن له في ذلك وهو حيّ»(2) بتقريب أنّ الصغرى لا تصلح لتقييد الكبرى؛ فإنّ المورد غير مخصّص.

ويظهر من التعليل أنّ تمام العلّة لعدم البأس هو إذن الأب، ومقتضى تعميم

ص: 646


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 536 - 537؛ منية الطالب 2: 229.
2- - تقدّم في الصفحة 619.

التعليل كون إذن الأب نافذاً في مطلق التصرّف في ماله ولو كانت فيه مضرّة، فضلاً عمّا إذا لم تكن مصلحة.

وبالجملة: الميزان هو الأخذ بالكبرى وإطلاقها، كما هو الوجه في سائر المقامات، كالأخذ بكبرى «لا تنقض اليقين بالشكّ»(1) مع ورودها في مورد الطهور.

ولكنّ الإطلاق هاهنا مشكل:

أمّا بالنسبة إلى مورد الإضرار، فلا ينبغي الإشكال فيه؛ ضرورة أنّه لا ينقدح من ذلك في ذهن أحد أنّ للوليّ أن يفعل في مال المولّى عليه ما يوجب فناءه وتلفه، أو يهبه لمن يشاء.

وأمّا في مورد عدم الصلاح، فلا يمكن الجزم بالإطلاق بعد وجود خصوصية في المورد يمكن للمتكلّم الاتّكال عليها؛ فإنّ العمل بمال اليتيم فيه صلاح له، لتنمية ماله بالتجارة، وحصول الربح له، وهذه الخصوصية توجب عدم الاعتداد بالإطلاق.

وهذا بخلاف مثل روايات الاستصحاب، فإنّ الأخذ بالإطلاق فيها لا مانع منه، بل مناسبة الحكم والموضوع تؤيّد نفي الخصوصية لو احتملت دخالتها.

فالعمدة، الروايات الوارد فيها قول رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «أنت ومالك لأبيك» وقد تقدّم أنّها وردت في موردين:

أحدهما: مورد التصرّفات الاعتبارية كالتزويج، مثل روايتي

ص: 647


1- - راجع وسائل الشيعة 1: 245، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 1، الحديث 1، و2: 356، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 44، الحديث 2.

عبيد بن زرارة(1) وعلي بن جعفر(2) المتقدّمتين، حيث علّل نفوذ تزويج الجدّ وتقدّمه على الأب: «بأنّ الأب وماله لوالده» أو «أنّ الابنة ووالدها لجدّها».

وثانيهما: مورد التصرّف الخارجي في ماله، كرواية «العلل»(3) وسعيد بن يسار(4) ولا سيّما الثانية.

ويمكن أن يقال في تقريب الإطلاق حتّى في مورد الإضرار: إنّ التعبير «بأنّ الولد وماله للوالد» - بعد كونه تنزيلاً في الأحكام - يقرّب صحّة التصرّف وجوازه حتّى مع الإضرار، فإنّ الاعتبار هو تصرّفه في ماله، لا مال غيره.

وكيف كان: لو فرض الإطلاق يتقيّد بالروايات المقيّدة، كصحيحة أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السّلام): «إنّ رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) قال لرجل: أنت ومالك لأبيك». ثمّ قال أبو جعفر (عليه السّلام): «ما اُحبّ أن يأخذ من مال ابنه إلاّ ما احتاج إليه ممّا لا بدّ منه، إنّ اللّه لا يحبّ الفساد»(5).

فيظهر منها حدود جواز التصرّف ومقدار التنزيل، وهي مقدّمة بل حاكمة على جميع الروايات الواردة في المقام، سواء فيها ما اشتملت على ذكر النبوي وغيره، فتخرج من الإطلاق - على فرضه - التصرّفات الضررية وما هو فساد عرفاً، كتزويج الصغيرة بغير كفوها، أو بمن اشتمل التزويج به على مفسدة دينية

ص: 648


1- - تقدّم في الصفحة 622.
2- - تقدّم في الصفحة 624.
3- - تقدّم في الصفحة 626، الهامش 3.
4- - تقدّم في الصفحة 624، الهامش 3.
5- - الكافي 5: 135 / 3؛ تهذيب الأحكام 6: 343 / 962؛ وسائل الشيعة 17: 263، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 78، الحديث 2.

أو دنيوية، ويبقى في الإطلاق ما فيه الصلاح والغبطة، وما لم يشتمل على الفساد، وإن لم تكن فيه مصلحة.

كما تدلّ على ذلك أيضاً موثّقة(1) عبيد بن زرارة، عن أبي عبداللّه (عليه السّلام)وفيها: «الجدّ أولى بذلك ما لم يكن مضارّاً» على رواية الكليني قدّس سرّه(2) والروايات الواردة في تقويم الأب جارية ولده الصغار، كصحيحة أبي الصباح الكناني، عن أبي عبداللّه (عليه السّلام): في الرجل يكون لبعض ولده جارية، وولده صغار، هل يصلح أن يطأها؟

فقال: «يقوّمها قيمة عدل ثمّ يأخذها، ويكون لولده عليه ثمنها»(3) وقريب منها غيرها (4).

والظاهر منها أنّ الوالد له التصرّف الاعتباري بالبيع والشراء في مال ابنه الصغير، لكن لا بما يوجب الفساد، فالقيمة العادلة لا غبطة فيها إلاّ في بعض الأحيان ولا فساد.

فتحصّل ممّا مرّ كفاية عدم المفسدة.

ص: 649


1- - رواها الكليني، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن عبيد بن زرارة. والحسن بن علي بن فضّال وعبداللّه بن بكير كلاهما فطحيان ثقتان. رجال النجاشي: 24 / 72؛ اختيار معرفة الرجال: 345 / 639، و375 / 705.
2- - الكافي 5: 395 / 1.
3- - الكافي 5: 471 / 2؛ تهذيب الأحكام 7: 271 / 1163؛ وسائل الشيعة 21: 140، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد والإماء، الباب 40، الحديث 1.
4- راجع وسائل الشيعة 21: 140، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد والإماء، الباب 40، الحديث 3 و4.

نعم، هنا بعض الروايات الدالّة على جواز التصرّف حتّى مع الإضرار، كروايتي سعيد بن يسار(1) والحسين بن علوان، عن زيد بن علي، عن آبائه (عليهم السّلام)(2).

وقد مرّ ما فيهما من ضعف الثانية، وإعراض الأصحاب عنها، بل وعن الاُولى ظاهراً (3)، بل لم يعمل بالتعليل فيهما أحد حتّى شيخ الطائفة قدّس سرّه(4)، مضافاً إلى معارضتهما لما هو أصحّ سنداً، وأقوى دلالة، ومؤيّد بالكتاب أيضاً، فلا تصلحان للاعتماد عليهما.

البحث في آية «لاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ»

بقي الكلام في الآية الشريفة: «وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتى هِىَ أَحْسَنُ»(5) حيث اعتبرت في التصرّفات، المصلحة أو الأصلحية والأحسنية، وسيأتي الكلام فيها مستقصىً في ولاية عدول المؤمنين إن شاء اللّه تعالى(6).

ولا بأس بالإشارة إلى بعض الجهات المربوطة بالمقام.

فنقول: بعد فرض صدق «الْيَتِيمِ» على من له الجدّ، وعدم انصراف الآية عن الجدّ أو عن الأولياء، إمّا أن يكون المقصود ب-«القرب» هو التصرّفات

ص: 650


1- - تقدّم في الصفحة 624، الهامش 3.
2- - تقدّم في الصفحة 626، الهامش 4.
3- تقدّم في الصفحة 627.
4- - راجع الاستبصار 3: 50 / 165؛ النهاية: 359 - 360.
5- الأنعام (6): 152؛ الإسراء (17): 34.
6- - يأتي في الصفحة 747.

الخارجية، فمقتضى الآية - على هذا - جواز التصرّف الخارجي في أموال اليتامى لعامّة المكلّفين، إن كان فيه صلاح لليتيم، أو على وجه الأصلحية.

وقد دلّت بعض الروايات على جوازه إذا كان فيه نفع لليتيم(1) وفي بعض آخر جواز خلط ماله بمال اليتيم واشتراكهما في الأكل(2) وفيها: «واللّه يعلم المفسد من المصلح» إشارة إلى الآية الشريفة «وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّه ُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ»(3).

فعلى هذا الاحتمال، لا تنافي الآية ما نحن بصدده؛ من نفوذ تصرّفات الجدّ بيعاً وشراءً ونحوهما، كما لا يخفى.

أو يكون المقصود به أعمّ منها ومن التصرّفات الاعتبارية، والجمع بين الإرشاد إلى الحكم الوضعي والتحريم تكليفاً لا مانع منه، وليس من الاستعمال في أكثر من معنى واحد؛ لما أشرنا إليه سابقاً: من أنّ الأوامر والنواهي لا تستعمل في النفسيات والإرشاديات وغيرهما إلاّ في معناهما؛ أي البعث والزجر، وإنّما يختلف المتفاهم العرفي منهما باختلاف المتعلّقات(4).

فإذا قال: «لا تصلّ في وبر ما لا يؤكل لحمه»(5) و«إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ

ص: 651


1- - وسائل الشيعة 17: 248، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 71، الحديث 1.
2- - راجع وسائل الشيعة 17: 254، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 73.
3- البقرة (2): 220.
4- - تقدّم في الصفحة 389.
5- - علل الشرائع: 342 / 1؛ وسائل الشيعة 4: 347، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 7، وفيه «لا تجوز الصلاة في شعر ووبر ما لا يؤكل لحمه».

فَاغْسِلُوا...» إلى آخره(1) يفهم العرف أنّ الزجر في الأوّل والبعث في الثاني إرشاديان، لا بمعنى استعمالهما في الإرشادية؛ فإنّه ضروري الفساد.

بل لأنّ الصلاة لمّا كانت مطلوبة، ولها صحّة وفساد وشروط وموانع، يفهم العرف من الزجر عن الصلاة في شيء، أنّ ذلك الشيء مانع، ولأجل ذلك تعلّق بها الزجر فيه، وأنّ الوضوء شرط، ولهذا تعلّق به الأمر حال إتيانها.

وأمّا إذا تعلّق بشيء له ملحوظية نفسية، كقوله: «وَآتُوا الزَّكَوةَ»(2) و«لا تشربوا الخمر» يفهم منهما أنّ مطلوبية أداء الزكاة نفسية، ومبغوضية الشرب كذلك، وفي الموردين لم يستعمل اللفظ هيئة ومادّة إلاّ في معنى واحد.

وفي المقام قوله تعالى: «وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ» إن كان أعمّ من البيع ونحوه، والأكل ونحوه، يفهم العرف من عدم القرب والزجر عن التصرّف الاعتباري، أنّه إرشاد إلى البطلان، وعن الأكل ونحوه أنّه محرّم نفسي.

وكيف كان: لو كان المراد الأعمّ، كانت النسبة بينها وبين ما دلّ على نفوذ تصرّفات الجدّ، العموم من وجه، فيتعارضان في اليتيم إذا لم يكن تصرّفه على وجه أحسن.

فحينئذٍ إن كانت الآية بصدد بيان الزجر عن التصرّفات إلاّ على الوجه المذكور، تكون الروايات بلسانها حاكمة عليها؛ فإنّ قوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «أنت ومالك لأبيك»(3) يفهم منه عرفاً أنّ الاعتبار - ولو تنزيلاً - اعتبار مال الأب، لا اعتبار مال الابن،

ص: 652


1- - المائدة (5): 6.
2- النور 24: 56.
3- - تقدّم في الصفحة 623 و628.

ولا اعتبار مالهما، ولهذا قال (عليه السّلام) في بعض الروايات: «المال للأب»(1).

وتوهّم: أنّه بعد فرض ثبوت المال للابن - حيث قال (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «مالك» - لا وجه للحكومة.

مدفوع: بأنّ المتفاهم من هذا التركيب ونحوه أنّ المال مال الأب بحسب التنزيل، لا الابن، ولهذا تمسّك به الأئمّة علیهم السلام في جواز التصرّف، ولو كان اعتبار ملكيته في قبال الأب محفوظاً، ولم يكن التنزيل موجباً لإفناء اعتبارها، لما كان وجه للتمسّك به.

وبالجملة: هذه العبارة صدرت في مقام إثبات أنّ الملك للأب خاصّة، كما يقال: «العبد وما في يده لمولاه» في المخاطبات.

وإن كانت بصدد تحديد التصرّفات بعد فرض جوازها لقوم، فكأنّه قال: «من كان له التصرّف، لا بدّ وأن يكون تصرّفه على وجه أحسن» كانت بلسانها حاكمة على دليل نفوذ التصرّف لو كان الدليل نحو قوله: «له أن يتناول من ماله، ويتصرّف في نفسه».

وأمّا مثل قوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «أنت ومالك لأبيك» فيوجب عدم وصول النوبة إلى ما ذكر، ويكون حاكماً على مفاد الآية.

وما ذكرناه إنّما هو بعد تسليم بعض ما لا يكون مسلّماً، وسيأتي التعرّض له إن شاء اللّه تعالى(2).

ص: 653


1- - راجع وسائل الشيعة 17: 264، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 78، الحديث 4.
2- - يأتي في الصفحة 747 وما بعدها.

ص: 654

مسألة ولاية الفقيه

إشارة

ومن جملة أولياء التصرّف في مال من لا يستقلّ بالتصرّف في ماله الحاكم، وهو الفقيه الجامع لشرائط الفتوى، ولا بأس بالتعرّض لولاية الفقيه مطلقاً بوجه إجمالي، فإنّ التفصيل يحتاج إلى إفراد رسالة لا يسعها المجال، فنقول:

ضرورة الحكومة الإسلامية

من نظر إجمالاً إلى أحكام الإسلام وبسطها في جميع شؤون المجتمع؛ من العباديات التي هي وظائف بين العباد وخالقهم- كالصلاة والحجّ وإن كانت فيهما أيضاً جهات اجتماعية وسياسية مربوطة بالحياة والمعيشة الدنيوية، وقد غفل عنها المسلمون، ولا سيّما مثل ما في الاجتماع في الحجّ في مهبط الوحي ومركز ظهور الإسلام، ومع الأسف، قد أغفلوا بركات هذا الاجتماع الذي سهّل تحقّقه لهم الشارع الأقدس بوجه لا يتحقّق لسائر الدول والملل إلاّ مع جهاد عظيم، ومصارف خطيرة، ولو كان لهم رشد سياسي واجتماعي، أمكن لهم حلّ الكثير من المسائل المبتلى بها؛ بتبادل الأفكار، والتفاهم والتفكير في حاجاتهم السياسية

ص: 655

والاجتماعية - ومن القوانين الاقتصادية والحقوقية والاجتماعية والسياسية.

لرأى: أنّ الإسلام ليس عبارة عن الأحكام العبادية والأخلاقية فحسب، كما زعم كثير من شبّان المسلمين بل وشيوخهم؛ وذلك للتبليغات المشؤومة المسمومة المستمرّة من الأجانب وعمّالهم في بلاد المسلمين طيلة التأريخ؛ لأجل إسقاط الإسلام والمنتسبين إليه عن أعين الشبّان وطلاّب العلوم الحديثة، وإيجاد الافتراق والتباغض بين المسلمين قديمهم وحديثهم، وقد وفّقوا لذلك إلى حدّ لا يتيسّر لنا رفع هذه المزعمة والتهمة بسهولة، وفي أوقات غير طويلة.

فعلى المسلمين - وفي طليعتهم الروحانيون وطلاّب العلوم الدينية - القيام على ضدّ تبليغات أعداء الإسلام بأيّة وسيلة ممكنة، حتّى يظهر أنّ الإسلام قام لتأسيس حكومة عادلة، فيها قوانين مربوطة بالماليات وبيت المال، وأخذها من جميع الطبقات على نهج عادل.

وقوانين مربوطة بالجزائيات قصاصاً وحدّاً وديةً؛ بوجه لو عمل بها لقلّت الجنايات لو لم تنقطع، وانقطعت بذلك المفاسد المترتّبة عليها، كالتي تترتّب على استعمال المسكرات من الجنايات والفواحش إلى ما شاء اللّه تعالى، وما تترتّب على الفواحش «مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ»(1).

وقوانين مربوطة بالقضاء والحقوق على نهج عدل وسهل، من غير إتلاف الوقت والمال، كما هو المشاهد في المحاكم الفعلية.

وقوانين مربوطة بالجهاد والدفاع والمعاهدات بين دولة الإسلام وغيرها.

ص: 656


1- الأنعام (6): 151.

فالإسلام أسّس حكومة لا على نهج الاستبداد المحكّم فيه رأي الفرد وميوله النفسانية في المجتمع، ولا على نهج المشروطة أو الجمهورية المؤسّسة على القوانين البشرية، التي تفرض تحكيم آراء جماعة من البشر على المجتمع.

بل حكومة تستوحي وتستمدّ في جميع مجالاتها من القانون الإلهي، وليس لأحد من الولاة الاستبداد برأيه، بل جميع ما يجري في الحكومة وشؤونها ولوازمها لا بدّ وأن يكون على طبق القانون الإلهي، حتّى الإطاعة لولاة الأمر.

نعم، للوالي أن يعمل في الموضوعات على طبق الصلاح للمسلمين، أو لأهل حوزته، وليس ذلك استبداداً بالرأي، بل هو على طبق الصلاح، فرأيه تبع للصلاح كعمله.

وبعد ما عرفت ذلك نقول: إنّ الأحكام الإلهية - سواء الأحكام المربوطة بالماليات، أو السياسيات، أو الحقوق - لم تنسخ، بل تبقى إلى يوم القيامة، ونفس بقاء تلك الأحكام يقضي بضرورة حكومة وولاية، تضمن حفظ سيادة القانون الإلهي، وتتكفّل بإجرائه، ولا يمكن إجراء أحكام اللّه إلاّ بها؛ لئلاّ يلزم الهرج والمرج.

مع أنّ حفظ النظام من الواجبات الأكيدة، واختلال اُمور المسلمين من الاُمور المبغوضة، ولا يقام بذا، ولا يسدّ هذا إلاّ بوالٍ وحكومة.

مضافاً إلى أنّ حفظ ثغور المسلمين من التهاجم، وبلادهم عن غلبة المعتدين، واجب عقلاً وشرعاً، ولا يمكن ذلك إلاّ بتشكيل الحكومة، وكلّ ذلك من أوضح ما يحتاج إليه المسلمون، ولا يعقل ترك ذلك من الحكيم الصانع.

فما هو دليل الإمامة، بعينه دليل على لزوم الحكومة بعد غيبة وليّ الأمر

ص: 657

عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف، ولا سيّما مع هذه السنين المتمادية، ولعلّها تطول - والعياذ باللّه - إلى آلاف من السنين، والعلم عنده تعالى.

فهل يعقل من حكمة الباري الحكيم إهمال الاُمّة الإسلامية، وعدم تعيين تكليف لهم؟!، وهل يرضى الحكيم بالهرج والمرج واختلال النظام، ولم يأتِ بشرع قاطع للعذر؛ لئلاّ تكون للناس عليه حجّة؟!

وما ذكرناه وإن كان من واضحات العقل؛ فإنّ لزوم الحكومة لبسط العدالة، والتعليم والتربية، وحفظ النظم، ورفع الظلم، وسدّ الثغور، والمنع عن تجاوز الأجانب، من أوضح أحكام العقول، من غير فرق بين عصر وعصر، أو مصر ومصر، ومع ذلك فقد دلّ عليه الدليل الشرعي أيضاً، ففي «الوافي» عقد باباً «في أنّه ليس شيء ممّا يحتاج إليه الناس إلاّ وقد جاء فيه كتاب أو سنّة» وفيه روايات:

منها: رواية مرازم، عن أبي عبداللّه (عليه السّلام) قال: «إنّ اللّه تبارك وتعالى أنزل في القرآن تبيان كلّ شيء، حتّى واللّه ما ترك اللّه شيئاً يحتاج إليه العباد، حتّى لا يستطيع عبد يقول: «لو كان هذا اُنزل في القرآن» إلاّ وقد أنزل اللّه تعالى فيه»(1).

وقريب منها غيرها (2)، ونظيرها - تقريباً - في خطبة حجّة الوداع(3).

وفي صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي عبداللّه (عليه السّلام) في حديث: «إنّ أمير المؤمنين (صلوات اللّه عليه) قال: الحمد للّه الذي لم يخرجني من الدنيا

ص: 658


1- - الكافي 1: 59 / 1؛ الوافي 1: 265 / 205.
2- الكافي 1: 59 / 2 و4؛ راجع الوافي 1: 265 - 274.
3- - الكافي 2: 74 / 2.

حتّى بيّنت للاُمّة جميع ما تحتاج إليه»(1).

وأيّة حاجة كالحاجة إلى تعيين من يدبّر أمر الاُمّة، ويحفظ نظام بلاد المسلمين طيلة الزمان، ومدى الدهر في عصر الغيبة، مع بقاء أحكام الإسلام التي لا يمكن بسطها إلاّ بيد والي المسلمين، وسائس الاُمّة والعباد.

وفي رواية «العلل» بسند جيّد(2)، عن الفضل بن شاذان، عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) في حديث قال: «فإن قال: فلم جعل اُولي الأمر، وأمر بطاعتهم ؟

قيل: لعلل كثيرة:

منها: أنّ الخلق لمّا وقفوا على حدّ محدود، واُمروا أن لا يتعدّوا ذلك الحدّ - لما فيه من فسادهم - لم يكن يثبت ذلك ولا يقوم إلاّ بأن يجعل عليهم فيه أميناً، يمنعهم من التعدّي والدخول فيما حظر عليهم؛ لأنّه إن لم يكن ذلك كذلك، لكان أحد لا يترك لذّته ومنفعته لفساد غيره، فجعل عليهم قيّماً يمنعهم من الفساد، ويقيم فيهم الحدود والأحكام.

ومنها: أ نّا لا نجد فرقة من الفرق، ولا ملّة من الملل، بقوا وعاشوا إلاّ بقيّم ورئيس لما لا بدّ لهم من أمر الدين والدنيا، فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق ممّا يعلم أنّه لا بدّ لهم منه، ولا قوام لهم إلاّ به، فيقاتلون به عدوّهم، ويقسمون به فيئهم، ويقيم لهم جمعتهم وجماعتهم، ويمنع ظالمهم من مظلومهم.

ص: 659


1- - تهذيب الأحكام 6: 319 / 879؛ الوافي 1: 274 / 216.
2- - رواها عن عبدالواحد بن محمّد بن عبدوس النيسابوري العطّار، عن أبي الحسن علي ابن محمّد بن قتيبة النيسابوري، عن الفضل بن شاذان.

ومنها: أنّه لو لم يجعل لهم إماماً قيّماً أميناً حافظاً مستودعاً، لدرست الملّة، وذهب الدين، وغيّرت السنّة والأحكام، ولزاد فيه المبتدعون، ونقص منه الملحدون، وشبّهوا ذلك على المسلمين؛ لأ نّا قد وجدنا الخلق منقوصين، محتاجين غير كاملين، مع اختلافهم واختلاف أهوائهم وتشتّت أنحائهم.

فلو لم يجعل لهم قيّماً حافظاً لما جاء به الرسول، لفسدوا على نحو ما بيّنّا، وغيّرت الشرائع والسنن والأحكام والإيمان، وكان في ذلك فساد الخلق أجمعين»(1).

وفي «نهج البلاغة»: «فرض اللّه الإيمان تطهيراً من الشرك...» إلى أن قال: «والإمامة نظاماً للاُمّة»(2).

وفي خطبة الصدّيقة (سلام اللّه عليها): «ففرض اللّه الإيمان تطهيراً من الشرك...» إلى أن قالت: «والطاعة نظاماً للملّة، والإمامة لمّاً من الفرقة»(3)... إلى غير ذلك ممّا يدلّ على لزوم بقاء الولاية والرئاسة العامّة.

الكلام في شخص الوالي

ثمّ بعد ما وضح ذلك، يبقى الكلام في شخص الوالي، ولا إشكال - على المذهب الحقّ - في أنّ الأئمّة والولاة بعد النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم)؛ سيّد الوصيّين أمير المؤمنين، وأولاده المعصومون (صلوات اللّه عليهم أجمعين)، خلفاً بعد سلف

ص: 660


1- - علل الشرائع: 253 / 9.
2- - نهج البلاغة (فيض الإسلام): 512، الحكمة 251.
3- - علل الشرائع: 248 / 2؛ الفقيه 3: 372 / 1754.

إلى زمان الغيبة، فهم ولاة الأمر، ولهم ما للنبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم) من الولاية العامّة، والخلافة الكلّية الإلهية.

أمّا في زمان الغيبة، فالولاية والحكومة وإن لم تجعل لشخص خاصّ، لكن يجب - بحسب العقل والنقل - أن تبقيا بنحو آخر؛ لما تقدّم من عدم إمكان إهمال ذلك، لأنّهما ممّا تحتاج إليه الجماعة الإسلامية(1).

وقد دلّت الأدلّة على عدم إهمال ما يحتاج إليه الناس، كما تقدّم بعضها (2)، ودلّت على أنّ جعل الإمامة لأجل لمّ الفرقة، ونظام الملّة، وحفظ الشريعة وغيرها، والعلّة متحقّقة في زمن الغيبة، ومطلوبية النظام وحفظ الإسلام معلومة، لا ينبغي لذي مسكة إنكارها.

ما يعتبر في الوالي

فنقول: إنّ الحكومة الإسلامية لمّا كانت حكومة قانونية، بل حكومة القانون الإلهي فقط، وإنّما جعلت لأجل إجراء القانون، وبسط العدالة الإلهية بين الناس، لا بدّ في الوالي من صفتين، هما أساس الحكومة القانونية، ولا يعقل تحقّقها إلاّ بهما:

إحداهما: العلم بالقانون.

وثانيتهما: العدالة.

ومسألة الكفاية داخلة في العلم بنطاقه الأوسع، ولا شبهة في لزومها في

ص: 661


1- - تقدّم في الصفحة 657.
2- تقدّم في الصفحة 658.

الحاكم أيضاً، وإن شئت قلت: هي شرط ثالث من اُسس الشروط.

وهذا مع وضوحه - فإنّ الجاهل والظالم والفاسق، لا يعقل أن يجعلهم اللّه تعالى ولاة على المسلمين، وحكّاماً على مقدّراتهم وعلى أموالهم ونفوسهم، مع شدّة اهتمام الشارع الأقدس بذلك، ولا يعقل تحقّق إجراء القانون بما هو حقّه إلاّ بيد الوالي العالم العادل - دلّت عليه الأدلّة اللفظية:

ففي «نهج البلاغة»: «لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين، البخيل، فتكون في أموالهم نهمته، ولا الجاهل فيضلّهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف للدول فيتّخذ قوماً دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق، ويقف بها دون المقاطع، ولا المعطّل للسنّة فيهلك الاُمّة»(1).

فترى أنّ ما ذكره (عليه السّلام) يرجع إلى أمرين: العلم بالأحكام، والعدل.

وقد ورد في الأخبار اعتبار العلم(2) والعدل في الإمام (عليه السّلام)(3)، وكان من المسلّمات بين المسلمين - منذ الصدر الأوّل - لزوم علم الإمام والخليفة بالأحكام، بل لزوم كونه أفضل من غيره، وإنّما الخلاف في الموضوع.

كما أنّه لا خلاف بين المسلمين في لزوم الخلافة، وإنّما الخلاف في جهات

ص: 662


1- - نهج البلاغة: 189، الخطبة 131.
2- - وسائل الشيعة 15: 42، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ، الباب 9، الحديث 2، و28: 350، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب حدّ المرتدّ، الباب 10، الحديث 36؛ نهج البلاغة: 247، الخطبة 173.
3- - تحف العقول: 332؛ دعائم الإسلام 2: 527 / 1876.

اُخر، ولا زال طعن علمائنا على من تصدّى للخلافة: بأنّه جهل حكماً كذائياً.

وأمّا العدل، فلا ينبغي الشكّ من أحد المسلمين في اعتباره، فالعقل والنقل متوافقان في أنّ الوالي لا بدّ وأن يكون عالماً بالقوانين، وعادلاً في الناس وفي إجراء الأحكام.

وعليه فيرجع أمر الولاية إلى الفقيه العادل، وهو الذي يصلح لولاية المسلمين؛ إذ يجب أن يكون الوالي متّصفاً بالفقه والعدل.

فإقامة الحكومة وتشكيل أساس الدولة الإسلامية، من قبيل الواجب الكفائي على الفقهاء العدول، فإن وفّق أحدهم لتشكيل الحكومة يجب على غيره الاتّباع، وإن لم يتيسّر إلاّ باجتماعهم، يجب عليهم القيام مجتمعين.

ولو لم يمكن لهم ذلك أصلاً، لم يسقط منصبهم وإن كانوا معذورين في تأسيس الحكومة.

ومع ذلك، فلكلّ منهم الولاية على اُمور المسلمين؛ من بيت المال إلى إجراء الحدود، بل على نفوس المسلمين إذا اقتضت الحكومة التصرّف فيها، فيجب عليهم إجراء الحدود مع الإمكان، وأخذ الصدقات والخراج والأخماس، والصرف في مصالح المسلمين وفقراء السادة وغيرهم، وسائر حوائج المسلمين والإسلام.

فيكون لهم في الجهات المربوطة بالحكومة، كلّ ما كان لرسول اللّه والأئمّة من بعده (صلوات اللّه عليهم أجمعين).

ولا يلزم من ذلك أن تكون رتبتهم كرتبة الأنبياء أو الأئمّة (علیهم السّلام)؛ فإنّ الفضائل المعنوية أمر لا يشاركهم علیهم السلام فيه غيرهم.

ص: 663

فالخلافة لها معنيان واصطلاحان:

أحدهما: الخلافة الإلهية التكوينية، وهي مختصّة بالخلّص من أوليائه، كالأنبياء المرسلين، والأئمّة الطاهرين (سلام اللّه عليهم).

وثانيهما: المعنى ا لاعتباري الجعلي، كجعل رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) أمير المؤمنين (عليه السّلام) خليفة للمسلمين، أو انتخاب فلان وفلان للخلافة.

فالرئاسة الظاهرية الصورية أمر لم يعتن بها الأئمّة (علیهم السّلام) إلاّ لإجراء الحقّ، وهي التي أرادها علي بن أبي طالب (عليه السّلام) بقوله - على ما حكي عنه -: «واللّه لهي أحبّ إليّ من إمرتكم»(1) مشيراً إلى نعل لا قيمة لها.

وفي «نهج البلاغة» في الخطبة المعروفة ب-«الشقشقية»: «أما والذي فلق الحبّة، وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجّة بوجود الناصر، وما أخذ اللّه على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم، ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز»(2).

وأمّا مقام الخلافة الكبرى الإلهية، فليس هيّناً عنده، ولا قابلاً للرفض والإهمال وإلقاء الحبل على غاربه.

فللفقيه العادل جميع ما للرسول والأئمّة (علیهم السّلام)؛ ممّا يرجع إلى الحكومة والسياسة، ولا يعقل الفرق؛ لأنّ الوالي - أيّ شخص كان - هو المجري

ص: 664


1- - نهج البلاغة: 76، الخطبة 33.
2- - نهج البلاغة: 50، الخطبة 3.

لأحكام الشريعة، والمقيم للحدود الإلهية، والآخذ للخراج وسائر الضرائب، والمتصرّف فيها بما هو صلاح المسلمين.

فالنبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم) يضرب الزاني مائة جلدة، والإمام (عليه السّلام) كذلك، والفقيه كذلك، ويأخذون الصدقات بمنوال واحد، ومع اقتضاء المصالح يأمرون الناس بالأوامر التي للوالي، وتجب إطاعتهم.

ص: 665

أدلّة ولاية الفقيه
إشارة

فولاية الفقيه بعد تصوّر أطراف القضيّة، ليست أمراً نظرياً يحتاج إلى برهان، ومع ذلك دلّت عليها - بهذا المعنى الوسيع - روايات نذكر بعضها:

الاستدلال بمرسلة الفقيه

فمنها: ما أرسله في «الفقيه» قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): «قال رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم): اللهمّ ارحم خلفائي». قيل: يا رسول اللّه، ومن خلفاؤك ؟

قال: «الذين يأتون من بعدي، يروون عنّي حديثي وسنّتي»(1).

ورواه في «عيون الأخبار» بطرق ثلاثة(2) رجال كلّ يغاير الآخر، كما وأنّ محالّ نقل الحديث متفرّقة، فذكر في خلال ما يقرب من مائتي حديث، وزاد في آخره: «فيعلّمونها الناس من بعدي».

وعن «معاني الأخبار»(3) بسند رابع - غيرها - نحوه.

وعن «المجالس» بسند مشترك مع الرابع في أواخره، وفي آخره: «ثمّ يعلّمونها»(4).

ص: 666


1- - الفقيه 4: 302 / 915؛ وسائل الشيعة 27: 91، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 8، الحديث 50، مع اختلاف يسير فيهما.
2- - عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 37 / 94؛ وسائل الشيعة 27: 92، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 8، الحديث 53.
3- - معاني الأخبار: 374 / 1.
4- - الأمالي، الصدوق: 152، المجلس 34، الحديث 4. وفيه: «ثمّ يعلّمونها اُمّتي».

وعن «صحيفة الرضا (عليه السّلام)» بإسناده عن آبائه علیهم السلام نحوه(1).

وعن «عوالي اللآلي» نحوه، وفي آخره: «اُولئك رفقائي في الجنّة»(2) وقريب منه عن الراوندي(3) وغيره(4).

فهي رواية معتمدة؛ لكثرة طرقها، بل لو كانت مرسلة، لكانت من مراسيل الصدوق التي لا تقصر عن مراسيل مثل ابن أبي عمير؛ فإنّ مرسلات الصدوق على قسمين:

أحدهما: ما أرسله ونسبه إلى المعصوم (عليه السّلام) بنحو الجزم، كقوله: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) كذا.

وثانيهما ما قا ل: روي عنه (عليه السّلام) مثلاً.

والقسم الأوّل من المراسيل هي المعتمدة المقبولة.

وكيف كان: معنى خلافة رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) أمر معهود من أوّل الإسلام، ليس فيه إبهام، والخلافة لو لم تكن ظاهرة في الولاية والحكومة، فلا أقلّ من أنّها القدر المتيقّن منها، وقوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم) «الذين يأتون من بعدي» معرّف للخلفاء، لا محدّد لمعناها، وهو واضح.

ص: 667


1- - صحيفة الرضا عليه السلام: 56 / 73؛ مستدرك الوسائل 17: 287، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 8، الحديث 10.
2- - عوالي اللآلي 4: 64 / 19.
3- - مستدرك الوسائل 17: 300، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 8، الحديث 48.
4- - راجع منية المريد: 101 و371؛ بحار الأنوار 2: 25 / 83.

مع أنّ الخلافة لنقل الرواية والسنّة لا معنى لها؛ لأنّ رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) لم يكن راوياً لرواياته، حتّى يكون الخليفة قائماً مقامه في ذلك.

فيظهر من الرواية أنّ للعلماء جميع ما له (صلّی الله عليه وآله وسلّم)، إلاّ أن يدلّ دليل على إخراجه فيتّبع.

وتوهّم: أنّ المراد من «الخلفاء» خصوص الأئمّة علیهم السلام، في غاية الوهن؛ فإنّ التعبير عن الأئمّة (علیهم السّلام) ب-«رواة الأحاديث» غير معهود، بل هم خزّان علمه تعالى، ولهم صفات جميلة إلى ما شاء اللّه، لا يناسبها الإيعاز إلى مقامهم (علیهم السّلام) ب-«أنّهم رواة الأحاديث».

بل لو كان المقصود من «الخلفاء» أشخاصهم المعلومين، لقال: «علي وأولاده المعصومون (عليهم السّلام)» لا العنوان العامّ الشامل لجميع العلماء.

كما أنّ احتمال الاختصاص بالراوي والمحدّث دون الفقيه(1)، أوهن من السابق:

أمّا بالنسبة إلى ما ذكر في ذيله بالطرق الكثيرة - وهو قوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «فيعلّمونها الناس من بعدي» - فواضح؛ لأنّ المحدّث والراوي ليس دوره تعليم سنّة رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم)، إلاّ إذا كان فقيهاً مثل الكليني والصدوقين ونظائرهم قدّست أسرارهم؛ فإنّ الراوي محضاً لا يمكنه العلم بأنّ ما روى هو سنّة رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) أم لا، إذ كثير من الروايات الواردة عن المعصومين (علیهم السّلام) لم تصدر لبيان الحكم الواقعي؛ لكثرة ابتلائهم بولاة الجور.

ص: 668


1- - اُنظر هداية الطالب 3: 255.

وليس لنا طريق إلى سنّة رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) ورواياته إلاّ من قبل الأئمّة الهداة (علیهم السّلام)، والرواية من غير طريقهم في غاية القلّة.

وأمّا بالنسبة إلى المرسلة التي ليس لها هذا الذيل، فلأنّه - مع إمكان أن يقال: إنّ هذه الجملة سقطت، إمّا من قلم المصنّف رحمه اللّه تعالى، أو النسّاخ؛ فإنّ في دوران الأمر بين زيادة جملة وسقوطها يكون الثاني أولى، لغاية بعد الأوّل، وزيادة وقوع الثاني عند الاستنساخ، وإن كان هو أيضاً خلاف الأصل في نفسه - لا شكّ في أنّ المطلوب من بسط السنّة، هو بسط سنّة رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) وروايتها، لا ما ينسب إليه ولو كان كذباً وعلى خلاف سنّته.

والذي يتيسّر له إحراز السنّة، وعلاج المتعارضين بالموازين التي قرّرت في محلّها؛ ممّا وردت عنهم (علیهم السّلام) وغير ذلك، وتشخيص المخالف للكتاب والسنّة عن الموافق لهما، هو المجتهد المتبحّر والمحدّث الفقيه، لا ناقل الحديث كائناً من كان.

مع أنّ مناسبة الحكم والموضوع ترشدنا إلى ذلك؛ فإنّ منصب خلافة رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) والولاية من قبله، لا يعقل أن يكون لرجل عامّي غير مميّز لأحكام اللّه تعالى؛ بمجرّد حكاية أحاديث، فهو كالمستنسخ للأحاديث.

وقد يتوهّم: أنّ لازم جعل الخلافة للفقهاء كونهم في عرض الأئمّة (علیهم السّلام)، وسيجيء دفعه(1) بعد ذكر الروايات.

ص: 669


1- - يأتي في الصفحة 691.
الاستدلال برواية علي بن أبي حمزة

ومنها: رواية علي بن أبي حمزة قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السّلام) يقول: «إذا مات المؤمن بكت عليه الملائكة، وبقاع الأرض التي كان يعبد اللّه عليها، وأبواب السماء التي كان يصعد فيها بأعماله، وثلم في الإسلام ثلمة لا يسدّها شيء؛ لأنّ المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام، كحصن سور المدينة لها»(1).

وليس في سندها من يناقش فيه إلاّ علي بن أبي حمزة البطائني، وهو ضعيف على المعروف(2)، وقد نقل توثيقه عن بعض(3).

وعن الشيخ في «العدّة»: عملت الطائفة بأخباره(4).

وعن ابن الغضائري: أبوه أوثق منه(5).

وهذه الاُمور وإن لم تثبت وثاقته مع تضعيف علماء الرجال وغيرهم(6) إيّاه، لكن لا منافاة بين ضعفه والعمل برواياته؛ اتّكالاً على قول شيخ

ص: 670


1- - الكافي 1: 38 / 3.
2- - اختيار معرفة الرجال: 403 / 755؛ خلاصة الأقوال: 362 / 1؛ الرجال، ابن داود:259 / 325؛ راجع تنقيح المقال 2: 262 / السطر 7 (أبواب العين).
3- - تنقيح المقال 2: 262 / السطر10 (أبواب العين).
4- - العدّة في اُصول الفقه 1: 150.
5- - الرجال، ابن الغضائري: 51 / 33.
6- - المعتبر 2: 131؛ مدارك الأحكام 3: 259؛ راجع تنقيح المقا ل 2: 262 / السطر 8 (أبواب العين).

الطائفة، وشهادته بعمل الطائفة برواياته، وعمل الأصحاب جابر للضعف من ناحيته.

ولرواية كثير من المشايخ وأصحاب الإجماع عنه، كابن أبي عمير، وصفوان ابن يحيى، والحسن بن محبوب، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر، ويونس بن عبد الرحمان، وأبان بن عثمان، وأبي بصير، وحمّاد بن عيسى، والحسن بن علي الوشّاء، والحسين بن سعيد، وعثمان بن عيسى، وغيرهم ممّن يبلغون خمسين رجلاً، فالرواية معتمدة.

ورواها بطريق آخر(1) بلا لفظ «الفقهاء» ومن البعيد جدّاً زيادة اللفظة، وأمّا سقوطها فليس ببعيد وإن كان خلاف الأصل في نفسه، لكن في الدوران يقدّم النقص.

كما أنّ التناسب بين الحكم والموضوع يؤيّد ذلك؛ فإنّ الثلمة التي لا يسدّها شيء، والتعليل بأنّهم «حصون الإسلام» لا ينطبق إلاّ على الفقيه المؤمن، ولهذا ورد في رواية اُخرى «إذا مات المؤمن الفقيه ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدّها شيء»(2).

وأمّا الرواية الاُخرى التي ذكر فيها «المؤمن»(3) فليس فيها تلك الجملة،

ص: 671


1- - رواها عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد وعلي بن إبراهيم، عن أبيه جميعاً عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب. الكافي 3: 254 / 13.
2- - الكافي 1: 38 / 2.
3- - الفقيه 1: 84 / 384.

ولهذا فليس من البعيد سقوط لفظة «الفقيه» من قوله: «إذا مات المؤمن بكت عليه...» إلى آخره.

وكيف كان: بعد ما علم بالضرورة ومرّت الإشارة إليه: من أنّ في الإسلام نظاماً وحكومة بجميع شؤونها (1)، لا يبقى شكّ في أنّ الفقيه لا يكون حصناً للإسلام - كسور البلد له - إلاّ بأن يكون حافظاً لجميع الشؤون؛ من بسط العدالة، وإجراء الحدود، وسدّ الثغور، وأخذ الأخاريج والضرائب، وصرفها في مصالح المسلمين، ونصب الولاة في الأصقاع، وإلاّ فصرف الأحكام ليس بإسلام.

بل يمكن أن يقال: الإسلام هو الحكومة بشؤونها، والأحكام قوانين الإسلام، وهي شأن من شؤونها، بل الأحكام مطلوبات بالعرض، واُمور آلية لإجرائها وبسط العدالة.

فكون الفقيه حصناً للإسلام كحصن سور المدينة لها، لا معنى له إلاّ كونه والياً، له نحو ما لرسول اللّه وللأئمّة (صلوات اللّه عليهم أجمعين) من الولاية على جميع الاُمور السلطانية.

وعن أمير المؤمنين (عليه السّلام): «الجنود بإذن اللّه حصون الرعية...» إلى أن قال: «وليس تقوم الرعية إلاّ بهم»(2).

فكما لا تقوم الرعية إلاّ بالجنود، فكذلك لا يقوم الإسلام إلاّ بالفقهاء الذين

ص: 672


1- تقدّم في الصفحة 655.
2- - نهج البلاغة: 432، الرسالة 53.

هم حصون الإسلام، وقيام الإسلام هو إجراء جميع أحكامه، ولا يمكن إلاّ بالوالي الذي هو حصن.

الاستدلال بموثّقة السكوني

وبما ذكرناه ظهرت دلالة سائر الروايات، ولا يحتاج في بيان دلالتها إلى إتعاب النفس، كموثّقة(1) السكوني، عن أبي عبداللّه (عليه السّلام) قال: «قال رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم): الفقهاء اُمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا».

قيل: يا رسول اللّه، وما دخولهم في الدنيا ؟

قال: «اتّباع السلطان، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم»(2).

ونقلها في «المستدرك» عن «نوادر الراوندي»(3) قائلاً: بإسناده الصحيح عن موسى بن جعفر (عليه السّلام)(4).

وعن «دعائم الإسلام» عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) نحوها إلاّ أنّ في ذيلها: «فاحذروهم على أديانكم»(5).

ص: 673


1- - التوصيف بالموثّقة لأجل كون السكوني عامّياً ثقة معتمداً عند الأصحاب. اُنظر العدّة في اُصول الفقه 1: 149؛ تنقيح المقال 1: 127 / السطر 29.
2- - الكافي 1: 46 / 5.
3- - النوادر، الراوندي: 156 / 226.
4- - مستدرك الوسائل 13: 124، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 35، الحديث 8.
5- - دعائم الإسلام 1: 81؛ مستدرك الوسائل 17: 312، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 11، الحديث 5.

وكيف كان، قوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «اُمناء الرسل» بالتقريب المتقدّم، يفيد كونهم اُمناء لرسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) في جميع الشؤون المتعلّقة برسالته، وأوضحها زعامة الاُمّة، وبسط العدالة الاجتماعية، وما لها من المقدّمات والأسباب واللوازم.

فأمين الرسول أمين في جميع شؤونه، وليس شأن رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) ذكر الأحكام فقط، حتّى يكون الفقيه أميناً فيه، بل المهمّ إجراء الأحكام، والأمانة فيها أن يجريها على ما هي عليه.

ويؤكّد ذلك ما في رواية «العلل» المتقدّمة، حيث قال في علل الإمامة والأمر بطاعتهم: «إنّ الخلق لمّا وقفوا على حدّ محدود...» إلى أن قال: «ولا يقوم إلاّ بأن يجعل عليهم فيه أميناً، يمنعهم من التعدّي والدخول فيما حظر عليهم...» إلى أن قال: «فجعل عليهم قيّماً يمنعهم من الفساد، ويقيم فيهم الحدود»(1).

فإذا ضمّ إلى ذلك قوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «الفقهاء اُمناء الرسل» يعلم منه أنّهم اُمناء الرسل لأجل ما ذكره؛ من إجراء الحدود، والمنع عن التعدّي، والمنع عن اندراس الإسلام، وتغيّر السنّة والأحكام، فالفقهاء اُمناء الرسل وحصون الإسلام؛ لهذه الخصوصية وغيرها، وهو عبارة اُخرى عن الولاية المطلقة.

الاستدلال بالتوقيع المبارك

ومنها: التوقيع المبارك المنسوب إلى صاحب الأمر روحي فداه، وعجّل اللّه تعالى فرجه، نقله الصدوق، عن محمّد بن محمّد بن عصام، عن الكليني، عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمّد بن عثمان العمري أن يوصل لي

ص: 674


1- - تقدّم في الصفحة 659.

كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ.

فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان عجّل اللّه تعالى فرجه: «أمّا ما سألت عنه أرشدك اللّه وثبّتك...» إلى أن قال: «وأمّا الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا؛ فإنّهم حجّتي عليكم، وأنا حجّة اللّه...» إلى آخره(1).

وعن الشيخ قدّس سرّه روايته في كتاب «الغيبة»(2) بسنده إلى محمّد بن يعقوب.

والرواية من جهة إسحاق بن يعقوب غير معتبرة.

وأمّا دلالته، فتارة من ناحية قوله (عليه السّلام): «أمّا الحوادث الواقعة...» إلى آخره.

وتقريبها: أنّ الظاهر أنّه ليس المراد بها أحكامها، بل نفس الحوادث، مضافاً إلى أنّ الرجوع في الأحكام إلى الفقهاء من أصحابهم علیهم السلام، كان في عصر الغيبة من الواضحات عند الشيعة، فيبعد السؤال عنه.

والمظنون أنّ السؤال كان بهذا العنوان، فأراد السائل الاستفسار عن تكليفه أو تكليف الاُمّة في الحوادث الواقعة لهم، ومن البعيد أن يعدّ السائل عدّة حوادث في السؤال، ويجيب (عليه السّلام): بأنّ الحوادث كذا، مشيراً إلى ما ذكره.

وكيف كان: لا إشكال في أنّه يظهر منه أنّ بعض الحوادث التي لا تكون من قبيل بيان الأحكام، يكون المرجع فيها الفقهاء.

واُخرى من ناحية التعليل: «بأنّهم حجّتي عليكم، وأنا حجّة اللّه».

وتقريبها: بأنّ كون المعصوم حجّة اللّه، ليس معناه أنّه مبيّن الأحكام فقط؛

ص: 675


1- - كمال الدين 2: 483 / 4؛ وسائل الشيعة 27: 140، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 11، الحديث 9.
2- - الغيبة، الطوسي: 290 / 247.

فإنّ زرارة ومحمّد بن مسلم وأشباههما أيضاً أقوالهم حجّة، وليس لأحد ردّهم وترك العمل برواياتهم، وهذا واضح.

بل المراد بكونه وكون آبائه الطاهرين (علیهم السّلام) حجج اللّه على العباد، أنّ اللّه تعالى يحتجّ بوجودهم وسيرتهم وأعمالهم وأقوالهم، على العباد في جميع شؤونهم، ومنها العدل في جميع شؤون الحكومة.

فأمير المؤمنين (عليه السّلام) حجّة على الاُمراء وخلفاء الجور، وقطع اللّه تعالى بسيرته عذرهم في التعدّي عن الحدود، والتجاوز والتفريط في بيت مال المسلمين، والتخلّف عن الأحكام، فهو حجّة على العباد بجميع شؤونه.

وكذا سائر الحجج، ولا سيّما وليّ الأمر الذي يبسط العدل في العباد، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ويحكم فيهم بحكومة عادلة إلهية.

وأنّهم حجج اللّه على العباد أيضاً؛ بمعنى أنّه لو رجعوا إلى غيرهم في الاُمور الشرعية والأحكام الإلهية - من تدبير اُمور المسلمين، وتمشية سياستهم، وما يتعلّق بالحكومة الإسلامية - لا عذر لهم في ذلك مع وجودهم.

نعم، لو غلبت سلاطين الجور، وسلبت القدرة عنهم (علیهم السّلام)، لكان عذراً عقلياً مع كونهم أولياء الاُمور من قبل اللّه تعالى.

فهم حجج اللّه على العباد، والفقهاء حجج الإمام (عليه السّلام)، فكلّ ما له لهم؛ بواسطة جعلهم حجّة على العباد، ولا إشكال في دلالته لولا ضعفه.

مضافاً إلى أنّ الواضح من مذهب الشيعة، أنّ كون الإمام حجّة اللّه تعالى، عبارة اُخرى عن منصبه الإلهي وولايته على الاُمّة بجميع شؤون الولاية، لا كونه مرجعاً في الأحكام فقط، وعليه فيستفاد من قوله (عليه السّلام): «فإنّهم حجّتي عليكم،

ص: 676

وأنا حجّة اللّه» أنّ المراد أنّ ما هو لي من قبل اللّه تعالى، لهم من قبلي.

ومعلوم أنّ هذا يرجع إلى جعل إلهي له (عليه السّلام)، وجعل من قبله للفقهاء، فلا بدّ للإخراج من هذه الكلّية من دليل مخرج فيتّبع.

ويؤيّد ذلك - بل يدلّ عليه - قول أمير المؤمنين (عليه السّلام) لشريح: «قد جلست مجلساً لا يجلسه إلاّ نبي، أو وصيّ نبي، أو شقيّ»(1).

بتقريب: أنّ الفقيه العدل ليس نبياً ولا شقيّاً، فهو وصيّ، والوصيّ له ما للموصي.

ونحوه ما عن أبي عبداللّه (عليه السّلام) قال: «اتّقوا الحكومة؛ فإنّ الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء، العادل في المسلمين؛ لنبي، أو وصيّ نبي»(2).

فيظهر أنّ القضاء للإمام والرئيس العالم العادل، ولمّا ثبت كون القضاء للفقيه، ثبت أنّه الرئيس والوصيّ، فتدبّر.

الاستدلال بمقبولة عمر بن حنظلة

ومنها: مقبولة عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبداللّه (عليه السّلام) عن رجلين من أصحابنا، بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة، أيحلّ ذلك ؟

ص: 677


1- - الكافي 7: 406 / 2؛ الفقيه 3: 4 / 8؛ تهذيب الأحكام 6: 217 / 509؛ وسائل الشيعة 27: 17، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 3، الحديث 2.
2- - ا لكافي 7: 406 / 1؛ ا لفقيه 3: 4 / 7؛ تهذيب ا لأحكام 6: 217 / 511؛ وسائل الشيعة 27: 17، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 3، الحديث 3.

قال: «من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنّما يأخذ سحتاً وإن كان حقّاً ثابتاً له؛ لأنّه أخذه بحكم الطاغوت، وقد أمر اللّه أن يكفر به، قال تعالى: «يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِ لَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ»(1) ».

قلت: فكيف يصنعان ؟

قال: «ينظران من كان منكم ممّن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه، فإنّما استخفّ بحكم اللّه، وعلينا ردّ، والرادّ علينا الرادّ على اللّه، وهو على حدّ الشرك باللّه...» الحديث(2).

والرواية من المقبولات التي دار عليها رحى القضاء، وعمل الأصحاب بها حتّى اتّصفت بالمقبولة، فضعفها سنداً بعمر بن حنظلة مجبور.

مع أنّ الشواهد الكثيرة المذكورة في محلّها (3)، لو لم تدلّ على وثاقته، فلا أقلّ من دلالتها على حسنه، فلا إشكال من جهة السند.

وأمّا الدلالة؛ فلأجل تمسّك الإمام (عليه السّلام) بالآية الشريفة، فلا بدّ من النظر إليها، ومقدار دلالتها، حتّى يتبيّن الحال.

ص: 678


1- النساء (4): 60.
2- - الكافي 1: 67 / 10، و7: 412 / 5؛ تهذيب الأحكام 6: 218 / 514، و301 / 845؛ وسائل الشيعة 27: 136، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 11، الحديث 1.
3- راجع تنقيح المقال 2: 342 / السطر 34 (أبواب العين).

قال تعالى: «إِنَّ اللّه َ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِ لَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ»(1).

لا شبهة في شمول الحكم للقضاء الذي هو شأن القاضي، والحكم من الولاة والاُمراء، وفي «المجمع»: أمر اللّه الولاة والحكّام أن يحكموا بالعدل والنصفة.

ونظيره قوله تعالى: «يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِى الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ»(2) (3).

ثمّ قال تعالى: «يَا أَ يُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِ لَى اللّه ِ وَالرَّسُولِ...» إلى آخره(4).

كما لا شبهة أيضاً في أنّ مطلق المنازعات داخلة فيه؛ سواء كانت في الاختلاف في ثبوت شيء ولا ثبوته، أو التنازع الحاصل في سلب حقّ معلوم من شخص أو أشخاص، أو التنازع الحاصل بين طائفتين المنجرّ إلى قتل وغيره، التي كان المرجع بحسب النوع فيها هو الوالي لا القاضي، ولا سيّما بملاحظة ذكره عقيب وجوب إطاعة الرسول واُولي الأمر؛ فإنّ إطاعتهما بما هي إطاعتهما، هي الائتمار بأوامرهم المربوطة بالوالي.

وليس المراد بها إطاعتهما في الأحكام الإلهية؛ ضرورة أنّ إطاعة الأوامر

ص: 679


1- النساء (4): 58.
2- - ص (38): 26.
3- مجمع البيان 3: 99.
4- - النساء (4): 59.

الإلهية إطاعة للّه، لا إطاعة لهما، فلو صلّى قاصداً إطاعة رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم)، أو الإمام (عليه السّلام)، بطلت صلاته.

نعم، إطاعة أوامرهم السلطانية إطاعة للّه أيضاً؛ لأمره تعالى بإطاعتهم.

ثمّ قال تعالى: «أَ لَمْ تَرَ إِ لَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنّهمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا اُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِ لَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ...» إلى آخره(1).

وهذه الآية أيضاً مفادها أعمّ من التحاكم إلى القضاة وإلى الولاة، لو لم نقل: بأنّ «الطاغوت» عبارة عن خصوص السلاطين والاُمراء؛ لأنّ الطغيان والمبالغة فيه مناسب لهم لا للقضاة، ولو أطلق على القضاة يكون لضرب من التأويل، أو بتبع السلاطين الذين هم الأصل في الطغيان، ويظهر من المقبولة التعميم بالنسبة إليهما.

ثمّ إنّ قوله: «منازعة في دين أو ميراث»، لا شبهة في شموله للمنازعات التي تقع بين الناس فيما يرجع فيه إلى القضاة، كدعوى أنّ فلاناً مديون مع إنكاره، ودعوى أنّه وارث ونحو ذلك، وفيما يرجع فيه إلى الولاة والاُمراء، كالتنازع الحاصل بينهما لأجل عدم أداء دينه، أو إرثه بعد معلوميته.

وهذا النحو من المنازعات مرجعها الاُمراء، فإذا قتل ظالم شخصاً من طائفة، ووقع النزاع بين الطائفتين، لا مرجع لرفعه إلاّ الولاة.

ومعلوم أنّ قوله: في دين أو ميراث، من باب المثال، والمقصود استفادة

ص: 680


1- - النساء (4): 60.

التكليف في مطلق المنازعات، والاستفسار عن المرجع فيها، ولهذا أكّد الكلام لرفع الإبهام بقوله: فتحاكما إلى السلطان، أو إلى القضاة، ومن الواضح عدم تدخّل الخلفاء في ذلك العصر - بل مطلقاً - في المرافعات التي ترجع إلى القضاة، وكذلك العكس.

فقوله (عليه السّلام): «من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت» انطباقه على الولاة أوضح، بل لولا القرائن لكان الظاهر منه خصوص الولاة.

وكيف كان: لا إشكال في دخول الطغاة من الولاة فيه، ولا سيّما مع مناسبات الحكم والموضوع، ومع استشهاده بالآية التي هي ظاهرة فيهم في نفسها.

بل لولا ذلك يمكن أيضاً أن يقال بالتعميم؛ للمناسبات المغروسة في الأذهان، فيكون قوله بعد ذلك: فكيف يصنعان؟ استفساراً عن المرجع في البابين، واختصاصه بأحدهما - ولا سيّما بالقضاة - في غاية البعد، لو لم نقل: بأنّه مقطوع الخلاف.

وقوله (عليه السّلام): «فليرضوا به حكماً» تعيين للحاكم في التنازع، فليس لصاحب الحقّ الرجوع إلى ولاة الجور، ولا إلى القضاة.

ولو توهّم من قوله (عليه السّلام): «فليرضوا» اختصاصه بمورد تعيين الحكم، فلا شبهة في عدم إرادة خصوصه، بل ذكر من باب المثال، وإلاّ فالرجوع إلى القضاة - الذي هو المراد جزماً - لا يعتبر فيه الرضا من الطرفين.

فاتّضح من جميع ذلك: أنّه يستفاد من قوله (عليه السّلام): «فإنّي قد جعلته حاكماً» أ نّه (عليه السّلام) قد جعل الفقيه حاكماً فيما هو من شؤون القضاء، وما هو من شؤون الولاية.

ص: 681

فالفقيه وليّ الأمر في البابين، وحاكم في القسمين، ولا سيّما مع عدوله (عليه السّلام) عن قوله: «قاضياً» إلى قوله: «حاكماً» فإنّ الأوامر أحكام، فأوامر اللّه ونواهيه أحكام اللّه تعالى.

بل لا يبعد أن يكون القضاء أعمّ من قضاء القاضي، وأمر الوالي وحكمه، قال تعالى: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللّه ُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ»(1) وكيف كان لا ينبغي الإشكال في التعميم.

الاستشهاد بمشهورة أبي خديجة

بل يمكن الاستشهاد على أنّ المراد من القضاء المربوط بالقضاة غير ما هو مربوط بالسلطان، بمشهورة أبي خديجة قال: بعثني أبو عبداللّه (عليه السّلام) إلى أصحابنا فقال: «قل لهم: إيّاكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تدارى في شيء من الأخذ والعطاء، أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفسّاق، اجعلوا بينكم رجلاً قد عرف حلالنا وحرامنا، فإنّي قد جعلته عليكم قاضياً، وإيّاكم أن يخاصم بعضكم بعضاً إلى السلطان الجائر»(2).

فإنّ الظاهر من صدرها إلى قوله (عليه السّلام): «قاضياً» هي المنازعات التي يرجع فيها إلى القضاة، ومن تحذيره بعد ذلك من الإرجاع إلى السلطان الجائر، وجعله

ص: 682


1- الأحزاب (33): 36.
2- - تهذيب الأحكام 6: 303 / 846؛ وسائل الشيعة 27: 139، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 11، الحديث 6.

مقابلاً للأوّل بقوله (عليه السّلام): «وإيّاكم...» إلى آخره، هي المنازعات التي يرجع فيها إلى السلطان لرفع التجاوز والتعدّي، لا لفصل الخصومة.

ثمّ قد تنقدح شبهة في بعض الأذهان: بأنّ أبا عبداللّه (عليه السّلام) في أيّام إمامته، إذا نصب للإمارة أو القضاء شخصاً أو أشخاصاً، كان أمده إلى زمان إمامته، وبعد وفاته وانتقال الإمامة إلى من بعده يبطل النصب وينعزل الولاة والقضاة.

وفيها ما لا يخفى؛ فإنّه مع الغضّ عن أنّ مقتضى المذهب أنّ الإمام إمام حيّاً وميّتاً وقائماً وقاعداً، أنّ النصب لمنصب -سواء كان نصب الولاة، أو القضاة، أو نصب المتولّي للوقف، أو القيّم على السفهاء والصغار - لا يبطل بموت الناصب.

فمن الضروري في طريقة العقلاء، أنّه مع تغيير السلطان أو هيئة الدولة ونحوهما، لا ينعزل الولاة والقضاة وغيرهم من المنصوبين من قبلهم، ولا يحتاجون إلى نصب جديد.

نعم، للرئيس الجديد عزل من نصبه السابق وتغييره، ومع عدمه تبقى المناصب على حالها.

وفي المقام: لا يعقل هدم الأئمّة اللاحقين (علیهم السّلام) نصب الإمام أبي عبداللّه (عليه السّلام)؛ لأ نّه يرجع إمّا إلى نصب غير الفقهاء العدول، وإرجاع الأمر إليهم، فمع صلاحية الفقهاء العدول - كما يكشف عنها نصب أبي عبداللّه (عليه السّلام) إيّاهم - لا يعقل ترجيح غيرهم المرجوح بالنسبة إليهم عليهم، ولو كان عدلاً إمامياً.

وقد تقدّم: أنّه كالضروري لزوم كون الوالي عالماً بالقوانين، والجاهل

ص: 683

لا يصلح لهذا المنصب، ولا لمنصب القضاء(1).

أو إلى إرجاعهم إلى ولاة الجور وقضاته، وهو ظاهر الفساد، كالإهمال لهذا الأمر الضروري الذي تحتاج إليه الاُمم، ولا يعقل بقاء عيشهم إلاّ بذلك، فمن نصبه الإمام (عليه السّلام) منصوب إلى زمان ظهور وليّ الأمر (عليه السّلام).

مضافاً إلى أنّ من الضروري في الفقه أنّ نصبه باقٍ، ولا زال تمسّك الفقهاء بمقبولة عمر بن حنظلة لإثبات منصب القضاء للفقهاء(2)، كما أنّ من فهم منها الأعمّ استدلّ بها لذلك(3)، وهذا واضح.

وهنا شبهة اُخرى، وهي أنّ الإمام (عليه السّلام) وإن كان خليفة رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) ووليّ الأمر، وله نصب الولاة والقضاة، لكن لم تكن يده مبسوطة، بل كان في سيطرة خلفاء الجور، فلا أثر لجعل منصب الولاية لأشخاص لا يمكن لهم القيام بأمرها، وأمّا نصب القضاة فله أثر في الجملة.

وفيها: أنّه مع وجود أثر في الجملة في جعل الولاية أيضاً كما لا يخفى - فإنّ جعل المرجع للشيعة يوجب رجوعهم إليه ولو سرّاً في كثير من الاُمور، كما نشاهد بالضرورة - أنّ لهذا الجعل سرّاً سياسياً عميقاً، وهو طرح حكومة عادلة إلهية، وتهيئة بعض أسبابها، حتّى لا يتحيّر المفكّرون لو وفّقهم اللّه لتشكيل حكومة إلهية.

بل هو زائداً على الطرح بعثهم إلى ذلك، كما هو واضح.

ولقد تصدّى بعض المفكّرين لطرح حكومة وتخطيطها في السجن؛

ص: 684


1- - تقدّم في الصفحة 661.
2- - مسالك الأفهام 13: 335؛ كشف اللثام 10: 7؛ جواهر الكلام 40: 31 - 32.
3- - عوائد الأيّام: 552.

برجاء تحقّقها في الآتي، ووفّق بعضهم لذلك حتّى في عصرنا (1).

فالرسول (صلّی الله عليه وآله وسلّم) عيّن خلفاء بخصوصهم، وهم الأئمّة الأطهار صلوات اللّه عليهم، وفي نصبهم وتعيينهم مصالح، منها: تحقّق اُمّة عظيمة بلغت في الحال - بحمد اللّه - عدداً كبيراً جدّاً.

بل الغالب في العظماء من الأنبياء وغيرهم الشروع في الطرح أو العمل من الصفر تقريباً، فهذا رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم)، قد قام بالرسالة ولم يؤمن به في أوّل تبليغه إلاّ طفل صغير السنّ عظيم الشأن، وامرأة جليلة.

ولكن قام بأعباء الرسالة ونشر الدعوة عن عزم راسخ، وإرادة قويّة، وقوّة قدسية، غير آيس من حصول مقصده، وجاهد وتحمّل المشاقّ طيلة حياته، حتّى بلغ الأمر إلى أن نشر الإسلام في العالم، وبلغت عدّة المسلمين - في الحال - قريبة من سبعمائة مليوناً، وستزيد إن شاء اللّه «وَاللّه ُ غَالِبٌ عَلى أَمْرِهِ»(2).

وأبو عبداللّه (عليه السّلام) قد أسّس بهذا الجعل أساساً قويماً للاُمّة وللمذهب؛ بحيث لو نشر هذا الطرح والتأسيس في مجتمع التشيّع، وأبلغه الفقهاء والمفكّرون إلى الناس - ولا سيّما إلى المجامع العلمية وذوي الأفكار الراقية - لصار ذلك موجباً لانتباه الاُمّة والتفاتهم إليه، وخصوصاً طبقة الشبّان، فلعلّه يصير موجباً لقيام شخص أو أشخاص بتأسيس حكومة إسلامية عادلة، تقطع أيادي الأجانب من بلاد المسلمين.

ص: 685


1- أراد إمامنا الراحل قدس سره بهذا البعض: السياسي الهندي جواهر لال نهرو، والسياسي الأندونيسي أحمد سوكارنو؛ حسبما صرّح به طاب ثراه في مجلس بحثه الشريف.
2- يوسف (12): 21.

واللازم على العلماء الأعلام والمبلّغين أيّدهم اللّه تعالى أن يقوموا بهذا الأمر الحيوي، ويزيلوا اليأس من قلوبهم وقلوب الطلاّب والمحصّلين وسائر الناس، فإنّه مبدأ الخمود والقعود عن الوصول إلى الحقّ.

الاستدلال بصحيحة القدّاح

ومنها: صحيحة القدّاح؛ عن أبي عبداللّه (عليه السّلام) قال: «قال رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم): من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك اللّه به طريقاً إلى الجنّة...» إلى أن قال: «وإنّ العلماء ورثة الأنبياء، إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً، ولكن ورّثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظّ وافر»(1).

وقريب منها رواية أبي البختري(2) مع اختلاف في التعبير.

وقد وقع سهو في قلم النراقي قدّس سرّه في «العوائد» حيث وصف رواية أبي البختري بالصحة(3)، مع أنّها ضعيفة، ولا يبعد أن يكون مراده صحيحة القدّاح، وعند الكتب وقع سهو من قلمه الشريف.

ص: 686


1- - الكافي 1: 34 / 1.
2- - وهي ما رواها عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «إنّ العلماء ورثة الأنبياء، وذاك أنّ الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنّما أورثوا أحاديث من أحاديثهم، فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظّاً وافراً، فانظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه، فإنّ فينا أهل البيت في كلّ خلف عدولاً، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين». الكافي 1: 32 / 2؛ وسائل الشيعة 27: 78، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 8، الحديث 2؛ ويأتي أيضاً في الصفحة 690.
3- - عوائد الأيّام: 531.

ثمّ إنّ مقتضى كون الفقهاء ورثة الأنبياء - ومنهم رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم)، وسائر المرسلين الذين لهم الولاية العامّة على الخلق - انتقال كلّ ما كان لهم إليهم، إلاّ ما ثبت أنّه غير ممكن الانتقال، ولا شبهة في أنّ الولاية قابلة للانتقال، كالسلطنة التي كانت عند أهل الجور موروثة خلفاً عن سلف.

وقد مرّ: أنّه ليس المراد بالولاية هي الولاية الكلّية الإلهية، التي دارت على لسان العرفاء، وبعض أهل الفلسفة، بل المراد هي الولاية الجعلية الاعتبارية، كالسلطنة العرفية وسائر المناصب العقلائية، كالخلافة التي جعلها اللّه تعالى لداود (عليه السّلام)، وفرّع عليها الحكم بالحقّ بين الناس، وكنصب رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) علياً (عليه السّلام)بأمر اللّه تعالى خليفة ووليّاً على الاُمّة(1).

ومن الضروري أنّ هذه أمر قابل للانتقال والتوريث، ويشهد له ما في «نهج البلاغة»: «أرى تراثي نهباً»(2).

فعليه تكون الولاية - أي كونه «أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» فيما يرجع إلى الحكومة والأمارة - منتقلة إلى الفقهاء.

نعم، ربّما يقال: إنّ المراد ب-«العلماء» الأئمّة (عليهم السّلام)(3)، كما ورد «نحن العلماء»(4).

ص: 687


1- - تقدّم في الصفحة 664.
2- - نهج البلاغة: 48، الخطبة 3.
3- - بلغة الفقيه 3: 226؛ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 385؛ منية الطالب 2: 233؛ هداية الطالب 3: 248.
4- - الكافي 1: 34 / 4؛ وسائل الشيعة 27: 68، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 7، الحديث 18.

وفيه ما لا يخفى؛ ضرورة أنّه مع عدم القرينة، يكون لفظ «العلماء» ظاهراً في الفقهاء غير الأئمّة علیهم السلام، فراجع ما ورد في العلماء والعالم والعلم(1).

مع أنّ قوله (عليه السّلام) في صحيحة القدّاح: «من سلك طريقاً يطلب فيه علماً» لا ينطبق على الأئمّة (علیهم السّلام) بالضرورة، فهو قرينة على أنّهم غير الأئمّة (علیهم السّلام).

كما أنّ قوله في ذيل رواية أبي البختري «فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظّاً وافراً» لا ينطبق عليهم - سلام اللّه عليهم - بالضرورة.

فحينئذٍ يكون قوله (عليه السّلام): «فانظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه؛ فإنّ فينا أهل البيت...»(2) إلى آخره، أمراً متوجّهاً إلى العلماء؛ بأنّ علمهم لا بدّ وأن يؤخذ من معدن الرسالة، حتّى يصير العالم بواسطته وارثاً للأنبياء، وليس مطلق العلم كذلك، أو متوجّهاً إلى الاُمّة بأن يأخذوا علمهم من ورثة الأنبياء؛ أي العلماء.

وكيف كان: لا شبهة في أنّ المراد بهم فقهاؤنا رضوان اللّه عليهم، وأعلى اللّه كلمتهم.

وأوهن منه ما قيل: من أنّ وراثة الأنبياء بما هم أنبياء، لا تقتضي إلاّ تبليغ الأحكام؛ فإنّ الوصف العنواني مأخوذ في القضيّة، وشأن الأنبياء - بما هم أنبياء - ليس إلاّ التبليغ.

نعم، لو قيل: «إنّهم ورّاث موسى وإبراهيم (عليهما السّلام)» مثلاً صحّت الوراثة في جميع مالهم(3).

ص: 688


1- - راجع الكافي 1: 30 - 40.
2- - تقدّم في الصفحة 686، الهامش 2.
3- - اُنظر المكاسب والبيع (تقريرات المحقّق النائيني) الآملي 2: 336.

وذلك لأنّ هذا التحليل خارج عن فهم العرف، ولا ينقدح في الأذهان من هذه العبارة إلاّ الوراثة من موسى وعيسى وغيرهم، ولا سيّما مع إتيان الجمع في الأنبياء؛ فإنّ الظاهر منه إرادة أفرادهم، ويكون العنوان مشيراً إليهم، لا مأخوذاً

بنحو الموضوعية.

ولو سلّمنا ذلك، فلا شبهة في أنّ ما ثبت لعنوان «النبي» (صلّی الله عليه وآله وسلّم) في الكتاب والسنّة، لا بدّ وأن يورث، وقد قال اللّه تعالى: «النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ»(1) ونحن لا نريد إلاّ إثبات وراثة هذا المعنى؛ إذ فيه جميع المطالب، وهذا واضح جدّاً.

كما أنّ عنوان «الرسول» و«النبي» في متفاهم العرف واحد، وإن ورد الفرق بينهما في الروايات بأنّ: «النبي يرى في منامه، ويسمع الصوت، ولا يعاين الملك، والرسول يسمع الصوت، ويرى في المنام، ويعاين الملك»(2).

ولا شبهة في أنّ الوراثة ليست بهذا المعنى الذي في الروايات؛ ضرورة أنّ الفقهاء لم تكن منزلتهم كذلك، بل المراد في الرواية هو النبي المأمور بالإبلاغ، وهو الرسول عيناً، فحينئذٍ إذا ثبت شيء للرسول، ثبت للفقيه بالوراثة، كوجوب الإطاعة ونحوها، فلا شبهة من هذه الجهة أيضاً.

والعمدة شبهة اُخرى، وهي أنّ احتفاف الرواية بتعظيم العلماء بأنّ: «من سلك طريقاً يطلب فيه علماً...» كذا، وأنّ الملائكة بالنسبة إليهم كذا، وأنّ الموجودات

ص: 689


1- الأحزاب (33): 6.
2- - الكافي 1: 176 / 1.

تستغفر لطالب العلم، وأنّ فضلهم كذا، وبقوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً، ولكن ورّثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظّ وافر» ربّما يمنع عن فهم عموم التوريث(1)، وإن لم يبعد ولو لأجل المناسبات التي ذكرناها من قبل.

وكيف كان: لا يفهم منها انحصار إرث الأنبياء في العلم أو الرواية؛ ضرورة أنّ للنبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم) جهات شتّى، ورثها الأئمّة (علیهم السّلام).

وقوله (عليه السّلام) في رواية أبي البختري: «وإنّما أورثوا أحاديث من أحاديثهم»(2) لا يراد به الحصر، بل المراد منه أنّهم (علیهم السّلام) أورثوا العلم بدل الدرهم والدينار، فالحصر - لو كان - إضافي.

مع أنّ «إنّما» لا تدلّ على الحصر، بل لا تفيد إلاّ التأكيد والتثبيت.

فتوهّم: أنّ هذا الحديث منافٍ لما سبق وهادم للولاية، في غاية الفساد؛ للزوم أن يكون هادماً لوراثة الأئمّة (علیهم السّلام) أيضاً، وهو ضروري البطلان.

مع أنّه لا منافاة بينه وبين ما سبق؛ لأنّ الأخبار السابقة دالّة على النصب، كقوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «خلفائي» و«حصون الإسلام» و«اُمناء الرسل» و«جعلته حاكماً» فلو لم يكن إرثه إلاّ العلم ولم يورّث غيره، لكن كما أنّه جعل الأئمّة (علیهم السّلام) خلفاء، ونصبهم للخلافة على الخلق أجمعين، جعل الفقهاء خلفاء ونصبهم للخلافة الجزئية.

ص: 690


1- - بلغة الفقيه 3: 226؛ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 385؛ هداية الطالب 3: 248.
2- - تقدّم في الصفحة 686، الهامش 2.

والفرق بينهم (علیهم السّلام) وبين الفقهاء من هذه الجهة: هو الفرق بين السلطان وبين الاُمراء المنصوبين من قبله في الأمصار.

وبهذا يظهر: أنّ جعل الخلافة للفقهاء، لا يكون في عرض جعلها للأئمّة (عليهم السّلام) كما توهّم؛ فإنّ لازم جعل أمير المؤمنين (عليه السّلام) خليفةً على الكلّ، أنّه وليّ على قاطبة الخلق من غير استثناء، فهو وليّ وأمير على الحسنين سلام اللّه عليهما، وعلى الفقهاء، وعلى سائر الناس.

فإذا جعل الخلافة الجزئية للفقهاء، لا يفهم منه إلاّ أنّهم تحت سلطة الأمير (عليه السّلام)؛ لأنّه أمير على الكلّ، مع أنّ التقييد - عقلاً ونقلاً - من أسهل التصرّفات.

الاستدلال بروايات اُخر

وبما ذكرنا يظهر الوجه في دلالة روايات اُخر غير سديدة الأسناد، كما عن «الفقه الرضوي» أنّه قال: «منزلة الفقيه في هذا الوقت كمنزلة الأنبياء من بني إسرائيل»(1) وكان موسى - على نبيّنا وآله وعليه السلام - وكثير من الأنبياء ممّن لهم الولاية على بني إسرائيل.

وكالرواية المرويّة عن «جامع الأخبار» عن النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال: «أفتخر يوم القيامة بعلماء اُمّتي، فأقول: علماء اُمّتي كسائر أنبياء قبلي»(2).

وعن عبدالواحد الآمدي في «الغرر» عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) أنّه قال:

ص: 691


1- - الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام: 338.
2- - جامع الأخبار: 111 / 196؛ عوائد الأيّام: 186 / السطر7 (ط - مكتبة بصيرتي).

«العلماء حكّام على الناس»(1) وفي نسخة «حكماء»(2) وهي خطأ.

وكرواية «تحف العقول» عن سيّد الشهداء، عن أمير المؤمنين (عليهما السّلام) وفيها: «مجاري الاُمور والأحكام على أيدي العلماء باللّه، الاُمناء على حلاله وحرامه»(3).

وهي وإن كانت مرسلة، لكن اعتمد على الكتاب صاحب «الوسائل قدّس سرّه»(4)، ومتنها موافق للاعتبار والعقل.

وقد يقال: إنّ صدر الرواية وذيلها شاهد على أنّ المراد ب-«العلماء باللّه» الأئمّة (عليهم السّلام)(5).

وأنت إذا تدبّرت فيها صدراً وذيلاً، ترى أنّ وجهة الكلام لا تختصّ بعصر دون عصر، وبمصر دون مصر، بل كلام صادر لضرب دستور كلّي للعلماء قاطبة في كلّ عصر ومصر؛ للحثّ على القيام بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر في مقابل الظلمة، وتعييرهم على تركهما؛ طمعاً في الظلمة، أو خوفاً منهم.

ثمّ وجّه كلامه (عليه السّلام) إلى عصابة المسلمين؛ بأنّ المهابة التي في قلوب الأعداء منكم «إنّما هي بما يرجى عندكم من القيام بحقّ اللّه، وإن كنتم عن

ص: 692


1- - غرر الحكم ودرر الكلم: 36 / 559.
2- - راجع مستدرك الوسائل 17: 321، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 11، الحديث 33.
3- - تحف العقول: 238.
4- - وسائل الشيعة 30: 156.
5- - هداية الطالب 3: 253.

أكثر حقّه تقصّرون، فاستخففتم بحقّ الأئمّة...».

ثمّ جرى في كلامه (عليه السّلام) إلى أن قال: «وقد ترون عهود اللّه منقوضة فلا تفزعون، وأنتم لبعض ذمم آبائكم تفزعون، وذمّة رسول اللّه مخفورة، والعمي والبكم والزمنى في المدائن مهملة لا ترحمون...».

إلى أن قال: «وبالإدهان والمصانعة عند الظلمة تأمنون، كلّ ذلك ممّا أمر اللّه به من النهي والتناهي وأنتم عنه غافلون، وأنتم أشدّ مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء لو كنتم تسعون، ذلك بأنّ مجاري الاُمور والأحكام على أيدي العلماء باللّه، الاُمناء على حلاله وحرامه، فأنتم المسلوبون تلك المنزلة، وما سلبتم ذلك إلاّ بتفرّقكم عن الحقّ...» إلى آخرها، ممّا هي وعظ ودستور لقاطبة المسلمين، حاضرهم وغائبهم، الموجود منهم ومن سيوجد.

والعدول عن لفظ «الأئمّة» إلى «العلماء باللّه الاُمناء على حلاله وحرامه» لعلّه لتعميم الحكم بالنسبة إلى جميع العلماء العدول الذين هم اُمناء اللّه على حلاله وحرامه، بل انطباق هذا العنوان على غير الأئمّة أظهر؛ إذ توصيفهم (علیهم السّلام)

بذلك يحتاج إلى القرينة.

والظاهر من الخبر شموله لهم ولسائر العلماء في العصور المتأخّرة؛ للمناسبات التي هي عامّة لجميع الأعصار، بل لا يبعد دعوى ظهور الرواية - صدراً وذيلاً - في غير الأئمّة (علیهم السّلام).

وتوهّم: أنّ العالم باللّه له مقام فوق مقام الفقهاء(1)، فاسد؛ لأنّ المراد بالعالم

ص: 693


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 373؛ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 388.

باللّه ليس معنى فلسفياً أو عرفانياً، كما أنّه في صدر الرواية استشهد بقوله تعالى: «لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ»(1) و«الربّاني» عبارة اُخرى عن العالم باللّه.

وكيف كان: فمن نظر إلى الرواية، وتعميم وجهة الخطاب فيها، لا ينبغي له التأمّل في ظهورها في المقصود.

وبعد ثبوت كونهم ولاة، لا مانع من التمسّك بما روي عن النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم) في كتب العامّة والخاصّة - على ما قيل(2) - من أ نّه قال: «السلطان وليّ من لا وليّ له»(3).

ومعلوم: أنّ المراد السلطان العادل، ولو كان فيه إطلاق يقيّد بما مضى.

فتحصّل ممّا مرّ: ثبوت الولاية للفقهاء من قبل المعصومين (علیهم السّلام)، في جميع ما ثبتت لهم الولاية فيه؛ من جهة كونهم سلاطين على الاُمّة، ولا بدّ في الإخراج عن هذه الكلّية في مورد من دلالة دليل دالّ على اختصاصه بالإمام المعصوم (عليه السّلام).

بخلاف ما إذا ورد في الأخبار: «أنّ الأمر الكذائي للإمام» أو «يأمر

ص: 694


1- المائدة (5): 63.
2- - عوائد الأيّام: 534.
3- - المسند، أحمد بن حنبل 3: 38 / 2260؛ سنن الترمذي 2: 281 / 1108؛ السنن الكبرى، البيهقي 7: 106 و124 و138، ولم نجد في كتبنا الروائية، نعم ذكره في تذكرة الفقهاء 2: 592 / 31 (ط - الحجري)؛ مسالك الأفهام 7: 147؛ رياض المسائل 10: 108؛ جواهر الكلام 29: 188.

الإمام بكذا» وأمثال ذلك، فإنّه يثبت مثل ذلك للفقهاء العدول بالأدلّة المتقدّمة.

ففي مثل ما ورد في باب الحدود مراراً من ذكر «الإمام» كقول أبي عبداللّه (عليه السّلام): «من أقرّ على نفسه عند الإمام...» إلى أن قال: «فعلى الإمام أن يقيم الحدّ عليه»(1).

أو قوله (عليه السّلام): «الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب الخمر أن يقيم عليه الحدّ، ولا يحتاج إلى بيّنة مع نظره؛ لأنّه أمين اللّه في خلقه»(2).

وكما عن أبي جعفر (عليه السّلام): «إذا شهد عند الإمام شاهدان...» إلى أن قال: «أمر الإمام بالإفطار»(3) إلى غير ذلك من الموارد المشتملة على لفظ «الإمام» تكون أدلّة ثبوت الولاية من قبلهم كافية في إثبات ذلك للفقيه.

هذا مع الغضّ عن الأدلّة الخاصّة الدالّة على الثبوت للفقيه، كما في الحدود وغيرها (4).

ص: 695


1- - تهذيب الأحكام 10: 7 / 20؛ وسائل الشيعة 28: 56، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود، الباب 32، الحديث 1.
2- - الكافي 7: 262 / 15؛ تهذيب الأحكام 10: 44 / 157؛ وسائل الشيعة 28: 57، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود، الباب 32، الحديث 3.
3- - الكافي 4: 169 / 1؛ وسائل الشيعة 7: 432، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 9، الحديث 1.
4- راجع عوائد الأيّام: 539 و552 و553 و555.
عدم ثبوت ما يختصّ للمعصوم (عليه السّلام) للفقيه
بيانه

ثمّ إنّا قد أشرنا سابقاً إلى أنّ ما ثبت للنبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم) والإمام (عليه السّلام) - من جهة ولايته وسلطنته - ثابت للفقيه، وأمّا إذا ثبتت لهم (علیهم السّلام) ولاية من غير هذه الناحية فلا(1).

فلو قلنا: بأنّ المعصوم (عليه السّلام) له الولاية على طلاق زوجة الرجل، أو بيع ماله، أو أخذه منه ولو لم تقتضه المصلحة العامّة، لم يثبت ذلك للفقيه، ولا دلالة للأدلّة المتقدّمة على ثبوتها له حتّى يكون الخروج القطعي من قبيل التخصيص.

حكم سهم الإمام (عليه السّلام)

فحينئذٍ يقع الكلام: في سهم الإمام (عليه السّلام) من الخمس، فإنّه بناءً على كونه ملكاً للإمام (عليه السّلام)، لا دليل على ولاية الفقيه عليه، ولذا تشبّثوا فيه باُمور غير مرضيّة(2)، وادّعى بعضهم العلم برضى الإمام (عليه السّلام) بتلك المصارف المعهودة لحفظ الحوزات العلمية ونحوها (3).

وليت شعري، كيف يحصل القطع بذلك، أفلا يحتمل أن يكون الصرف في

ص: 696


1- - تقدّم في الصفحة 664.
2- - مستند الشيعة 10: 133؛ جواهر الكلام 16: 177.
3- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 398؛ مستمسك العروة الوثقى 9: 582.

بعض الجهات أرجح في نظره الشريف (عليه السّلام)، كالصرف في ردّ الكتب الضالّة الموجبة لانحراف المسلمين، ولا سيّما شبّانهم، وكالصرف في الدفاع عن حوزة الإسلام... إلى غير ذلك ممّا لا علم لنا به ؟ ! فدعوى القطع لا تخلو من مجازفة.

ثمّ لو فرض قطع الفقيه بالرضا، لكنّه لا يفيد ذلك لغيره؛ فإنّ كلّ آخذ لا بدّ له في صحّة تصرّفه من القطع برضاه، وليس الأمر مربوطاً بالتقليد ونحوه كما هو ظاهر.

ولكن الشأن في ثبوت المالكية لهم علیهم السلام، والذي يظهر لي من مجموع الأدلّة في مطلق الخمس - سواء فيه سهم الإمام (عليه السّلام) أو سهم السادة كثّر اللّه نسلهم الشريف - غير ما أفادوا:

بيان سهم السادة

أمّا في سهم السادة، فلأنّه لا شبهة في أنّهم مصرف له، لا أنّهم مالكون لجميع السهام الثلاثة؛ ضرورة أنّ الفقر شرط في أخذه، والمراد به عدم واجدية مؤونة سنته حسب المتعارف.

وبعبارة اُخرى: إنّه على الوالي أن يعطي السادة مؤونة سنتهم من السهام الثلاثة، فلو زادت عن مؤونتهم كانت للوالي، ولو نقصت عنها كان عليه جبران النقص من سائر ما في بيت المال، كما دلّ عليه الدليل، ولا شبهة في أنّ نصف الخمس يزيد عن حاجة السادة بما لا يحصى.

وقد أشرنا سابقاً إلى أنّ جعل الخمس في جميع الغنائم والأرباح، دليل على

ص: 697

أنّ للإسلام دولة وحكومة(1)، وقد جعل الخمس لأجل نوائب الحكومة الإسلامية، لا لأجل سدّ حاجات السادة فحسب؛ إذ نصف خمس سوق كبير من أسواق المسلمين كافٍ لذلك، بل الخمس هو لجميع نوائب الوالي، ومنها سدّ حاجة السادة.

ففي مرسلة حمّاد بن عيسى، عن العبد الصالح (عليه السّلام) قال: «وله - يعني للإمام (عليه السّلام) - نصف الخمس كَمَلاً، ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته، فسهم ليتاماهم، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم، يقسم بينهم على الكفاف والسعة ما يستغنون به في سنتهم.

فإن فضل عنهم شيء فهو للوالي، وإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به، وإنّما صار عليه أن يموّنهم لأنّ له ما فضل عنهم»(2) ونحوها غيرها (3).

ومعلوم أنّ الزيادة التي ترجع إلى الوالي، إنّما هي لسدّ نوائبه من جميع احتياجات الدولة الإسلامية، فعن «رسالة المحكم والمتشابه» للسيّد المرتضى رضوان اللّه عليه، عن «تفسير النعماني» بإسناده عن أمير المؤمنين (عليه السّلام): «وأمّا ما جاء في القرآن من ذكر معايش الخلق وأسبابها، فقد أعلمنا سبحانه ذلك من

ص: 698


1- - راجع ما تقدّم في الصفحة 655 - 656.
2- - الكافي 1: 539 / 4؛ تهذيب الأحكام 4: 128 / 366؛ وسائل الشيعة 9: 520، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 3، الحديث 1.
3- راجع وسائل الشيعة 9: 521، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 3، الحديث 2.

خمسة أوجه، وجه الإمارة ووجه العمارة...».

ثمّ قال: «فأمّا وجه الإمارة، فقوله: «وَاعْلَمُوا أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَى ءٍ فَأَنَّ للّه ِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ»(1) فجعل للّه خمس الغنائم...»(2) إلى آخره. فترى كيف جعل الخمس بأجمعه من وجوه الإمارة والولاية.

كما أنّه لا شبهة في أنّ السهام لا تقسم بين الطوائف الثلاث على السواء، بل هو موكول إلى نظر الوالي، ففي صحيحة البزنطي عن الرضا (عليه السّلام): فقيل له: أفرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر، وصنف أقلّ، ما يصنع به؟

قال: «ذاك إلى الإمام (عليه السّلام)، أرأيت رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) كيف يصنع، أليس إنّما كان يعطي على ما يرى؟! كذلك الإمام»(3).

ثمّ إنّ الروايات التي وردت في تقسيم الخمس ستّة أقسام - وفي بعضها «فلا يخرج منهم إلى غيرهم»(4) - محمولة على الجعل التشريعي الابتدائي، أو على مورد قلّة الخمس وعدم الكفاية.

ولا ينافي ذلك ما ورد متكرّراً من: «أنّ سهم اللّه لرسول اللّه، وسهم

ص: 699


1- الأنفال (8): 41.
2- - رسالة المحكم والمتشابه (تفسير النعماني): 46؛ وسائل الشيعة 9: 489، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 2، الحديث 12.
3- - الكافي 1: 544 / 7؛ وسائل الشيعة 9: 519، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 2، الحديث 1.
4- - تهذيب الأحكام 4: 125 / 361؛ وسائل الشيعة 9: 510، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 2.

رسول اللّه للإمام»(1) أو «أنّ الزائد يرجع إلى الوالي، والتقسيم بنظره»(2) كما لا يخفى، هذا جملة من الكلام في سهم السادات.

بيان سهم الإمام (عليه السّلام)

وأمّا في سهم الإمام (عليه السّلام)، فلأنّ المفهوم من الكتاب والسنّة أنّ رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) - وكذا الأئمّة الطاهرين سلام اللّه عليهم - أولياء التصرّف في السهم كلّ في عصره، لا أنّه ملك لهم.

فقوله تعالى: «وَاعْلَمُوا أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَى ءٍ فَأَنَّ للّه ِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى القُرْبى...»(3) إلى آخره، ظاهر فيما ذكرناه عند التأمّل؛ فإنّه لا إشكال في أنّ مالكيته تعالى للسهم ليست كمالكية زيد لثوبه؛ أي المالكية الاعتبارية، ضرورة عدم اعتبار العقلاء الملكية - بهذا المعنى - له تعالى؛ بحيث لو وكّل رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) ببيعه خرج عن ملكه، ودخل ثمنه فيه، وهذا واضح.

مع أنّ اعتبار الملكية الاعتبارية له تعالى ولرسول اللّه - معاً - غير معقول، لا عرضاً، ولا طولاً، بل الطولية لا ترجع إلى محصّل، ولتحقيقه مقام آخر(4)،

ص: 700


1- - راجع وسائل الشيعة 9: 510، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 2 و6 و9.
2- - راجع وسائل الشيعة 9: 520، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 3، الحديث 1 و2.
3- الأنفال (8): 41.
4- - راجع ما يأتي في الجزء الثالث: 21.

وقد ورد في الروايات: «أنّ ما للّه هو للرسول»(1).

والملكية التكوينية التي قد تمور في بعض الألسن موراً (2)، ممّا لا صحّة لها في مثل المقام الذي هو مقام بيان حكم فقهي عقلائي، لا بيان الدقائق الفلسفية والعرفانية، مع أنّ القرائن قائمة على عدم إرادتها.

وأمّا مالكية التصرّف والأولوية من كلّ أحد، فلا مانع من اعتبارها له تعالى عند العقلاء، بل يرى العقلاء أنّه تعالى أولى بالتصرّف في كلّ مال ونفس وإن كانت ماهية الأولوية أمراً اعتبارياً، لكنّها اعتبار معقول واقع من العقلاء.

فقوله تعالى: «فَأَنَّ ِللّه ِ خُمُسَهُ» معناه أنّه تعالى وليّ أمره، فحينئذٍ إن حمل قوله تعالى: «وَلِلرَّسُولِ» على ولاية التصرّف، فلا إشكال فيه بحسب اعتبار العقلاء، ولا بحسب ظواهر الأدلّة ولوازمها.

وتؤكّده وحدة السياق؛ ضرورة أنّ التفكيك خلاف الظاهر يحتاج إلى دلالة.

وأمّا إن حمل على الملكية الاعتبارية؛ بحيث يكون رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) مالكاً نحو مالكيته الشخصية لثوبه وفرسه، فمع أنّه يستلزم التفكيك المخالف للظاهر، مخالف للنصّ والفتوى(3)؛ فإنّ كونه له - بهذا المعنى - لازمه التوريث لورثته،

ص: 701


1- - راجع وسائل الشيعة 9: 509، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 1 و6 و9.
2- راجع حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 422؛ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 381، و3: 16.
3- - النهاية: 198؛ شرائع الإسلام 1: 164 - 165؛ قواعد الأحكام 1: 363؛ جواهر الكلام 16: 87.

والأخبار المتظافرة تدلّ على أنّ ما لرسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) للإمام بعده.

ففي صحيحة البزنطي، عن الرضا (عليه السّلام) قال: سئل عن قول اللّه: «وَاعْلَمُوا أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَى ءٍ فَأَنَّ ِللّه ِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى...» فقيل له: فما كان للّه فلمن هو؟

فقال: «لرسول اللّه، وما كان لرسول اللّه فهو للإمام...» إلى آخره(1).

وفي رواية أبي علي بن راشد قال: قلت لأبي الحسن الثالث (عليه السّلام): إنّا نؤتى بالشيء فيقال: هذا كان لأبي جعفر (عليه السّلام) عندنا فكيف نصنع؟

فقال: «ما كان لأبي بسبب الإمامة فهو لي، وما كان غير ذلك فهو ميراث على كتاب اللّه وسنّة نبيّه»(2).

فالقول: بكونه مالكاً شخصاً باطل جدّاً.

ومنه يظهر بطلان القول: بأنّ الرسول مالك بجهة الرئاسة والولاية، إن كان المراد أنّ الولاية جهة تعليلية وواسطة في الثبوت؛ فإنّ التوالي الفاسدة لازمة على هذا الفرض أيضاً.

بقي احتمال أن يكون المالك هو جهة الرئاسة، لا نفس الرئيس، وإنّما الوالي وليّ على هذا المملوك.

وهو مع بعده في نفسه؛ فإنّ هذا الاعتبار - خصوصاً إذا كان الوصف قائماً

ص: 702


1- - الكافي 1: 544 / 7؛ تهذيب الأحكام 4: 126 / 363؛ وسائل الشيعة 9: 512، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 6.
2- - الفقيه 2: 23 / 85؛ وسائل الشيعة 9: 537، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 2، الحديث 6.

بشخص واحد - بعيد عن الأذهان، يحتاج ثبوته إلى دلالة ناصّة أو ظاهرة، موجب للتفكيك المخالف للظاهر أيضاً؛ فإنّ كونه للّه ليس معناه مالكية جهة الرئاسة.

ولو قيل: إنّ جهة الاُلوهية مالكة، فهو أفحش، مع لزوم تفكيك أفحش أيضاً.

مضافاً إلى أنّ ذلك لا يوجب حفظ ظهور «اللام» في الملكية، لو كان ظاهراً فيها كما قيل(1)؛ ضرورة أ نّه على هذا الفرض ليس الرسول مالكاً، بل الرئاسة مالكة، وإنّما الرئيس مالك التصرّف، وهذا الاحتمال أيضاً ضعيف.

فبقي احتمال آخر، وهو أنّ اللّه تعالى وليّ أصالة وحقّاً، والرسول وليّ من قبله، وبعد رسول اللّه يكون الإمام وليّاً من قبل اللّه أو من قبل رسوله.

فالسهام الثلاثة في زمان رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) كانت تحت ولايته؛ فإنّ في عصره لم يكن الإمام (عليه السّلام) وليّاً، وبعد ارتحاله صارت السهام تحت ولايته وتصرّفه.

فما في الروايات من: «أنّ ما لرسول اللّه فهو للإمام»(2) ليس المراد منه أنّه في زمان رسول اللّه كذلك، بل المراد أنّ ما كان له صار بعد وفاته للإمام، كما صرّح به بعض الروايات، كرواية حمّاد بن عيسى الطويلة، ففيها: «فسهم اللّه

ص: 703


1- - مستمسك العروة الوثقى 13: 179؛ المكاسب المحرّمة، رسالة في الخمس، المحقّق الأراكي: 269.
2- - راجع وسائل الشيعة 9: 510 - 516، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 2، 6، 9، و11، وفيه: «ما كان لرسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم فهو للإمام».

وسهم رسول اللّه لاُولي الأمر من بعد رسول اللّه»(1).

ولا ينافي ذلك قوله (عليه السّلام) فيها: «وله ثلاثة أسهم: سهمان وراثة، وسهم مقسوم له من اللّه» ضرورة أنّ القسم الثالث للإمام حال إمامته، لا حال إمامة غيره، ولهذا كانت الأسهم جميعاً بعد رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) للإمام علي بن أبي طالب (عليه السّلام)، لا للحسنين (عليهما السّلام)؛ لأنّهما لم يكونا إمامين في عصره.

ثمّ إنّ نكتة جعل السهام ثلاثة، مع أنّ حكمها في جميع الأعصار واحد - ففي عصر رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) لم يكن لسهم اللّه حكم غير ما لسهم رسول اللّه، وكذا سهم الإمام - لعلّها بيان مقام ولاية الرسول وذوي القربى، وتعظيمهم بأن جعل اللّه تعالى سهماً لنفسه، وسهماً لرسول اللّه، وسهماً للإمام بعده، وجعل رسول اللّه وليّاً على السهام كالإمام في عصره.

وأمّا تثليث سهام السادة، فلبيان أنّ اليتامى والمساكين وأبناء السبيل - من أهل البيت - مصارف، ويكون ارتزاقهم منها، كبيان المصرف في الزكاة.

وبالجملة: من تدبّر في مفاد الآية والروايات، يظهر له أنّ الخمس بجميع سهامه من بيت المال، والوالي وليّ التصرّف فيه، ونظره متّبع بحسب المصالح العامّة للمسلمين، وعليه إدارة معاش الطوائف الثلاث من السهم المقرّر ارتزاقهم منه حسب ما يرى.

كما أنّ أمر الزكوات بيده في عصره؛ يجعل السهام في مصارفها حسب ما يرى من المصالح، هذا كلّه في السهمين.

ص: 704


1- - الكافي 1: 539 / 4؛ وسائل الشيعة 9: 513، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 8.

والظاهر أنّ الأنفال أيضاً لم تكن ملكاً لرسول اللّه والأئمّة صلوات اللّه عليهم أجمعين، بل لهم ملك التصرّف، وبيانه يظهر ممّا تقدّم.

فقوله تعالى: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ للّه ِ وَالرَّسُولِ»(1) أظهر من آية الخمس(2) فيما ذكرناه؛ لعدم ذكر «اللام» في «الرَّسُولِ» وهو كالنصّ بأنّ ما للّه وما للرسول على نحو واحد.

ولا ريب في أنّ اللّه تعالى وليّ في التصرّف في الأنفال، لا مالك لها كمالكية زيد لثوبه، وكذا الرسول بمقتضى العطف.

وعليه فجميع ما ورد في الأخبار من: «أنّ الأنفال لرسول اللّه ولنا بعده»(3) يراد منه أنّهم أولياء التصرّف، ففي رواية حمّاد، عن العبد الصالح (عليه السّلام) في باب الأنفال: «وله أن يسدّ بذلك المال جميع ما ينوبه؛ من مثل إعطاء المؤلّفة قلوبهم، وغير ذلك ممّا ينوبه...» إلى أن قال: «والأنفال إلى الوالي»(4).

والمسألة وإن لم يكن المقام محلّ بحثها، لكن لا تنبغي الشبهة في أنّ الأنفال أيضاً ليست ملكاً شخصياً، يرثها ورثة رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم)، أو ورثة

ص: 705


1- الأنفال (8): 1.
2- - «وَاعْلَمُوا أَ نَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّه ِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللّه ُ عَلى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ». الأنفال (8): 41.
3- - راجع وسائل الشيعة 9: 523 - 530، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 1، 7، 12 و19.
4- - الكافي 1: 540 / 4؛ وسائل الشيعة 9: 524، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 4.

الأئمّة (علیهم السّلام) «لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ»(1).

وهذا ضروري الفقه، ففي الأنفال ونحوها تأتي الاحتمالات المتقدّمة(2) في السهم، والأظهر فيها ما تقدّم، ومقتضى ولايته أنّ له أخذ بعض الأنفال لنفسه لو اقتضت المصلحة.

وعلى ذلك، يكون الفقيه في عصر الغيبة وليّاً للأمر ولجميع ما كان الإمام (عليه السّلام) وليّاً له، ومنه الخمس، من غير فرق بين سهم الإمام وسهم السادة، بل له الولاية على الأنفال والفيء، والتفصيل في محلّه(3).

ثمّ إنّ المتحصّل من جميع ما ذكرناه: أنّ للفقيه جميع ما للإمام (عليه السّلام)، إلاّ إذا قام الدليل على أنّ الثابت له (عليه السّلام) ليس من جهة ولايته وسلطنته، بل لجهات شخصية؛ تشريفاً له، أو دلّ الدليل على أنّ الشيء الفلاني وإن كان من شؤون الحكومة والسلطنة، لكن يختصّ بالإمام (عليه السّلام) ولا يتعدّى منه، كما اشتهر ذلك في الجهاد غير الدفاعي(4)، وإن كان فيه بحث وتأمّل.

وليعلم: أنّ كلّ ما ورد ثبوته للإمام، أو السلطان، أو والي المسلمين، أو وليّ الأمر، أو للرسول، أو النبي، أو ما يشابهها من العناوين، يثبت بأدلّة الولاية للفقيه.

ص: 706


1- النساء (4): 11.
2- - تقدّم في الصفحة 701 - 702.
3- - يأتي في الجزء الثالث: 26.
4- - شرائع الإسلام 1: 278؛ إرشاد الأذهان 1: 343؛ الروضة البهيّة 2: 10؛ كشف الغطاء 4: 289؛ جواهر الكلام 21: 11.

نعم، لا يثبت للفقيه ما شكّ في ثبوته للإمام (عليه السّلام)، أو علم عدم ثبوته له.

وقد عدّ بعض الأعلام قدّس سرّه موارد، وادّعى عدم ثبوتها لهم (علیهم السّلام)، أو أنّه ممّا شكّ فيه(1)، وأكثر الموارد المذكورة ثابت لهم وللفقيه؛ لكونها من شؤون الحكومة والسلطنة أو القضاء.

ثمّ إنّه لو ثبت للقاضي - بحسب الأدلّة - شيء لا يكون من شؤون الحكومة، ثبت ذلك للفقيه؛ لأنّه القاضي المنصوب من قبلهم (علیهم السّلام)، والتفصيل والنظر في كلّ مورد يحتاج إلى تطويل الكلام، وهو خارج عن وضع الرسالة.

حكم الاُمور الحسبية

ثمّ إنّ الاُمور الحسبية - وهي التي علم بعدم رضا الشارع الأقدس بإهمالها - إن علم أنّ لها متصدّياً خاصّاً أو عامّاً فلا كلام.

وإن ثبت أنّها كانت منوطة بنظر الإمام (عليه السّلام)، فهي ثابتة للفقيه بأدلّة الولاية.

ومع الغضّ عنها، لو احتمل أنّ إجراءها لا بدّ وأن يكون بنظر شخص كالفقيه العادل، أو الشخص العادل، أو الثقة، فاللازم الأخذ بالمتيقّن، وهو الفقيه العادل الثقة، وإن تردّد بين المتباينين لا بدّ وأن تجرى بنظرهما.

ولا يخفى: أنّ حفظ النظام، وسدّ ثغور المسلمين، وحفظ شبّانهم من الانحراف عن الإسلام، ومنع التبليغ المضادّ للإسلام ونحوها، من أوضح

ص: 707


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 395 - 397.

الحسبيات، ولا يمكن الوصول إليها إلاّ بتشكيل حكومة عادلة إسلامية.

فمع الغضّ عن أدلّة الولاية، لا شكّ في أنّ الفقهاء العدول هم القدر المتيقّن، فلا بدّ من دخالة نظرهم، ولزوم كون الحكومة بإذنهم، ومع فقدهم أو عجزهم عن القيام بها، يجب ذلك على المسلمين العدول، ولا بدّ من استئذانهم الفقيه لو كان.

ثمّ إنّ ما ذكرنا: من أنّ الحكومة للفقهاء العدول، قد ينقدح في الأذهان الإشكال فيه: بأنّهم عاجزون عن تمشية الاُمور السياسية والعسكرية وغيرها.

لكن لا وقع لذلك بعد ما نرى أنّ التدبير والإدارة في كلّ دولة بتشريك مساعي عدد كبير من المتخصّصين وأرباب البصيرة، والسلاطين ورؤساء الجمهوريات من العهود البعيدة إلى زماننا - إلاّ ما شذّ منهم - لم يكونوا عالمين بفنون السياسة والقيادة للجيش، بل الاُمور جرت على أيدي المتخصّصين في كلّ فنّ.

لكن لو كان من يترأّس الحكومة شخصاً عادلاً، فلا محالة ينتخب الوزراء والعمّال العدول، أو صحيحي العمل، فيقلّ الظلم والفساد والتعدّي في بيت مال المسلمين، وفي أعراضهم ونفوسهم.

كما أنّه في زمان ولاية أمير المؤمنين (عليه السّلام) لم يجرِ جميع الاُمور بيده الشريفة، بل كان له ولاة وقضاة ورؤساء للجيش ونحوهم، والآن ترى أنّ تمشية الاُمور السياسية أو العسكرية وتنظيم البلاد وحفظ الثغور كلّ موكولة إلى شخص أو أشخاص ذوي الصلاحية بنظرهم.

ص: 708

النسبة بين أدلّة ولاية الفقيه وأدلّة الحثّ على المعروف

ثمّ إنّه قد يتخيّل وقوع المعارضة بين أدلّة جعل الولاية للفقيه، وبين أمثال قوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «كلّ معروف صدقة»(1) وقوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «عونك الضعيف من أفضل الصدقة»(2).

وقد تعرّض الشيخ الأعظم قدّس سرّه لذلك، وقال - بعد تصديق المعارضة، وكون النسبة بينهما عموماً من وجه -: إنّ مثل التوقيع المبارك حاكم على تلك الروايات(3).

ولكن التحقيق: أنّ مثل تلك الروايات لا يراد بها مطلق المعروف مقابل المنكر، حتّى يدخل فيه جميع الراجحات حتّى الصلاة والصوم، وجميع ما للرسول والإمام صلوات اللّه عليهما والفقهاء، كي يلزم الهرج والمرج، ويكون لكلّ شخص التدخّل في شؤون الحكومة وفي أموال الناس، إذا كان التصرّف صلاحاً وذا نفع.

وبعبارة اُخرى: لا يراد من تلك الروايات ما يختلّ به نظام الفقه، بل المراد منها - بعد كونها مستحبّة، بل أحكاماً أخلاقية - هو البعث إلى فعال

ص: 709


1- - الكافي 4: 26 / 2؛ وسائل الشيعة 16: 285، كتاب الأمر والنهي، أبواب فعل المعروف، الباب 1، الحديث 2.
2- - الكافي 5: 55 / 2؛ وسائل الشيعة 15: 141، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ، الباب 59، الحديث 2.
3- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 556.

الخير، مثل البرّ والصلة بالنسبة إلى الإخوان المسلمين، ومثل ذلك لا يصلح لمعارضة أدلّة الأحكام الإلزامية، كقوله (عليه السّلام): «لا يحلّ مال إلاّ من وجه أحلّه اللّه»(1).

أو قوله (عليه السّلام): «لا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه»(2) ومثل أدلّة الولاية(3) التي قطعت أيدي غير الفقهاء عند التصدّي لها مع وجودهم.

وأنت إذا راجعت أبواب المعروف ترى وضوح ما ذكرناه، ففي رواية عمر بن يزيد قال: قال أبو عبداللّه (عليه السّلام): «المعروف شيء سوى الزكاة، فتقرّبوا إلى اللّه عزّ وجلّ بالبرّ وصلة الرحم»(4).

وفي رواية أبي بصير قال: ذكرنا عند أبي عبداللّه (عليه السّلام) الأغنياء من الشيعة، فكأنّه كره ما سمع منّا فيهم، فقال: «يا أبا محمّد، إذا كان المؤمن غنيّاً وصولاً رحيماً، له معروف إلى أصحابه، أعطاه اللّه أجر ما ينفق في البرّ مرّتين ضعفين...» إلى آخره(5).

ص: 710


1- - الكافي 1: 548 / 25؛ تهذيب الأحكام 4: 139 / 395؛ وسائل الشيعة 9: 538، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 3، الحديث 2.
2- - كمال الدين 2: 521؛ الاحتجاج 2: 559 / 351؛ وسائل الشيعة 9: 540، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 3، الحديث 7.
3- - راجع ما تقدّم في الصفحة 666.
4- - الكافي 4: 27 / 5؛ الفقيه 2: 30 / 112؛ وسائل الشيعة 16: 287، كتاب الأمر والنهي، أبواب فعل المعروف، الباب 1، الحديث 7.
5- - علل الشرائع: 604 / 73؛ وسائل الشيعة 16: 289، كتاب الأمر والنهي، أبواب فعل المعروف، الباب 1، الحديث 13.

وفي غير واحد من الروايات: «صنائع المعروف تقي مصارع السوء»(1) حيث إنّ الظاهر منها أنّ المعروف عبارة عن إعطاء شيء زائداً على الزكاة، أو أعمّ منه ومن التواصل والتعارف، فالروايات المذكورة أجنبيّة عن المورد ونحوه.

وممّا ذكرنا يظهر حال قوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «عونك الضعيف من أفضل الصدقة» ضرورة أنّ مثل ذلك الحكم الأخلاقي الاستحبابي لا يصلح لمعارضة أدلّة الأحكام الإلزامية، مثل: «لا يحلّ مال...» ونحوه، ولا مثل أدلّة الولاية، وهو واضح.

ثمّ لو سلّمنا كون المراد ب-«المعروف» النطاق الواسع منه، فالظاهر أنّ النسبة بينه وبين أدلّة الولاية العموم المطلق؛ لأنّ كلّ ما يتولّى الفقيه فهو من المعروف، وبعض المعروف ليس ممّا يتولّى الفقيه بعنوان الولاية والفقاهة، كصلة الرحم ونحوها.

وخروج بعض الموارد - كالقضاء - بالدليل، لا يوجب انقلاب النسبة، مع أنّ الخروج غير مسلّم عند بعض.

ولو سلّم كون النسبة عموماً من وجه، لكن تقدّم أدلّة الولاية على قوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «كلّ معروف صدقة» إمّا لخروج موضوعه عن كونه معروفاً بأدلّتها؛ لأنّ تصرّف غير الوليّ في شؤون الولاية من المنكرات.

أو لأجل أنّ مثل هذه الأخبار لا تتعرّض لفاعل المعروف، وإنّما يستفاد ذلك

ص: 711


1- - راجع وسائل الشيعة 16: 287، كتاب الأمر والنهي، أبواب فعل المعروف، الباب 1، الحديث 6، 9، 10 و12.

من إطلاقها، وبعد ورود التحديد والتقييد يقدّم ذلك عليها.

كما أنّ أدلّة ولاية الفقيه على الضعيف مثل الصغير والمجنون ونحوهما، تخرج الموضوع عن كونه ضعيفاً؛ فإنّ المتفاهم من «عون الضعيف» أنّه لمّا لم يقدر على فعل كذائي، ولم يكن له من يتكفّله، فعونه راجح، فالحاكم - رسولاً كان، أو إماماً، أو فقيهاً - وليّ أمره، فيخرج عن الضعيف المنظور في مثل الرواية، أو يخرج عن الحكم بعد جعل اللّه تعالى عوناً له.

كما لا يراد به التصرّف في مال الصغير الذي له وليّ، كالأب والجدّ، والأمر سهل بعد وضوح المطلب.

ص: 712

مسألة ولاية عدول المؤمنين

البحث في الحسبيّات

لو فقد الفقيه، أو لم يمكن الوصول إليه، أو الاستجازة منه، فلا إشكال في جواز بعض التصرّفات لعدول المؤمنين، لكن يقع الكلام في حدود التصرّفات الجائزة، وفي كون العادل حينئذٍ وليّاً كما أنّ الفقيه وليّ أو لا؟

ومحصّل الكلام فيه: أنّ البحث قد يقع في الحسبيات؛ أي التي لا يرضى الشارع الأقدس بإهمالها، وتكون مطلوبة مطلقاً، وقد يقع في مقتضى الأخبار الخاصّة.

أمّا الأوّل: فإن اُحرز عقلاً أو بالأدلّة الشرعية أنّ الشيء الفلاني مطلوب مطلقاً، ولم يكن لنظر شخص دخالة فيه، فلا إشكال في وجوبه كفاية على كلّ مكلّف ولو كان كافراً، وإذا تحقّق سقط عن غيره، ونظيره في التكاليف إنقاذ الغريق.

وإن كان نظر شخص أو أشخاص دخيلاً فيه، فإن اُحرز بدليل أنّ للشخص الفلاني أو الصنف الفلاني النظر خاصّة، يتّبع الدليل، ومع فقده، فإن اُحرز أنّ

ص: 713

نظره بنحو الإطلاق شرط، سقط التكليف بفقده.

وإن اُحرز أنّ فقده لا يوجب السقوط والمطلوبية، فإن اُحرز حينئذٍ أنّ النظر لا يختصّ بشخص أو صنف، فالباقون على السواء في توجّه التكليف إليهم.

وإن اُحرز دخالة نظر أحد بخصوصه يتّبع.

وإن احتمل دخالة نظر، ودار الأمر بين الأقلّ والأكثر، يؤخذ بالقدر المتيقّن، كما لو احتمل أنّ نظر الفقيه أو العادل أو المسلم دخيل، فالمسلم العادل الفقيه متيقّن.

وإن دار الأمر بين المتباينين، لا بدّ وأن يجتمع نظرهما، فمع الاجتماع يصحّ التصرّف.

ولو فقد أحدهما، فإن اُحرز عدم السقوط قام الآخر بالأمر.

وإن فقد أيضاً، واُحرز عدم السقوط قام غيره، إلى أن تصل النوبة إلى الكافر.

وهنا احتمالات ناشئة من عدم إحراز السقوط في مورد أو موارد، لا يهمّنا التعرّض لها.

ثمّ إنّ في الحسبيات المذكورة لا دليل على نصب الشارع للتصدّي لما ذكر، حتّى يكون كلّ متصدّ لذلك - بحكم العقل أو الشرع - وليّاً منصوباً من قبل الشرع؛ بحيث يترتّب على ولايته ما يترتّب على ولاية الفقيه؛ من نصب غيره، وعزله... إلى غير ذلك.

بل لا يستفاد من البيان المتقدّم إلاّ وجوب تصدّيه، وعدم جواز إهماله، فإذا انحصر دليل ولاية عدول المؤمنين عليها بذلك، لا يستفاد منه ولايتهم عليها عند فقد الفقيه الذي هو وليّ الأمر، كما أنّه لو لم يتمّ دليل ولاية الفقيه

ص: 714

لم يثبت في الحسبيات ولايته عليها.

مقتضی الأخبار الخاصّة
إشارة

وأمّا الثاني: أي مقتضى الأخبار الخاصّة، فلا بدّ من ذكرها، وبيان مقدار دلالتها؛ ليتّضح الأمر:

دلالة صحيحة ابن بزيع على ولاية العدول

فمنها: صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال: مات رجل من أصحابنا ولم يوص، فرفع أمره إلى قاضي الكوفة، فصيّر عبدالحميد القيّم بماله، وكان الرجل خلّف ورثةً صغاراً ومتاعاً وجواري، فباع عبدالحميد المتاع، فلمّا أراد بيع الجواري ضعف قلبه عن بيعهنّ؛ إذ لم يكن الميّت صيّر إليه وصيّته، وكان قيامه فيها بأمر القاضي؛ لأنّهنّ فروج.

قال: فذكرت ذلك لأبي جعفر (عليه السّلام)، وقلت له: يموت الرجل من أصحابنا ولا يوصي إلى أحد، ويخلّف جواري، فيقيم القاضي رجلاً منّا ليبيعهنّ - أو قال: يقوم بذلك رجل منّا - فيضعف قلبه؛ لأنّهن فروج، فما ترى في ذلك؟

فقال: «إذا كان القيّم به مثلك ومثل عبدالحميد فلا بأس»(1).

وروى الشيخ قدّس سرّه نحوها، إلاّ أنّه قال: فصيّر عبدالحميد بن سالم القيّم بماله(2).

والمحتمل من «القيّم» في قوله: فصيّر عبد الحميد القيّم بماله، هو القيّم بالمعنى المصطلح؛ أي نصبه قيّماً لذلك، وكذا في قوله (عليه السّلام): «إذا كان القيّم به مثلك».

ص: 715


1- - الكافي 5: 209 / 2؛ وسائل الشيعة 17: 363، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 16، الحديث 2.
2- - تهذيب الأحكام 9: 240 / 932.

فعلى هذا الاحتمال، لا تدلّ الرواية على جعل مثل عبدالحميد منصوباً لتكفّل أمر الصغار، بل الظاهر منها أنّ من شرائط نصب القيّم أن يكون متّصفاً بما اتّصف به محمّد بن إسماعيل وعبدالحميد.

ففرق بين قوله: «مثلك قيّم»، و«إذا كان القيّم مثلك... فلا بأس» فكأنّه (عليه السّلام) أنفذ نصب قاضي الكوفة، لا أنّه جعل مثلهما منصوباً.

فحينئذٍ إن فهمنا منها أنّ الإنفاذ متعلّق بعنوان كلّ منصوب من قبل قضاتهم إذا كان مثلهما، تدلّ على جعل المنصب - ولو إنفاذاً - لكلّ منصوب من قبلهم، من دون نصب منه بنفسه لمثلهما، فلا يستفاد منها ما هو المقصود، بل ولا جواز تصرّف مثلهما في أموال الصغار.

مع أن المحتمل إنفاذه في تلك القضيّة الشخصية، لو لم نقل بأنّه ظاهرها بملاحظة صدرها وذيلها، فتأمّل.

ويحتمل أن يكون المراد من قوله: فصيّر... إلى آخره، الإقامة بأمر البيع؛ أي جعله متصدّياً للبيع، فقوله (عليه السّلام): «لا بأس به» إجازة لمثلهما في البيع، لا نصب وجعل ولاية منه، حتّى يكون مثلهما وليّاً كالفقيه، ليكون له نصب غيره وعزله، ولا يكون التصدّي من قبيل الحسبيات، حتّى لا يجوز التصدّي إلاّ مع الضرورة.

نعم، من ترك الاستفصال في المورد يمكن استفادة جواز التصدّي للبيع ولو لم يصل إلى حدّ الضرورة، لكن لا تلزم منه الولاية بالمعنى المذكور، فغاية الأمر استفادة جواز التصرّف لمثلهما، لا الولاية على الصغير أو على اُموره.

وكذلك الأمر على الشقّ الثاني من السؤال، وهو قوله: أو قال: يقوم بذلك رجل منّا.

ص: 716

والظاهر أنّ أحمد بن محمّد بن عيسى الراوي عن محمّد بن إسماعيل، كان مردّداً في رواية محمّد بين قوله: فيقيم القاضي، وقوله: يقوم بذلك رجل منّا.

وكيف كان: لا يستفاد منه أيضاً النصب وجعل الولاية، بل غاية الأمر دلالته على جواز التصرّف بيعاً وشراءً ونحوهما لمثلهما، ولو لم يبلغ حدّ الضرورة.

ولكن استفادة عموم الحكم موقوفة على إحراز كونه بصدد الإجازة مطلقاً، أو في مقام بيان الحكم الكلّي الشرعي، وهما محلّ إشكال في المورد؛ لأنّ ظهور كلام الإمام (عليه السّلام) في بيان الحكم الشرعي، إنّما يكون في غير ما كانت الإجازة فيه بيده، كما لا يخفى على المتأمّل، وعموم الإجازة أيضاً غير محرز.

وعلى فرضه، فبقاؤها بعد رحلته (عليه السّلام) محلّ كلام؛ لأنّ الإجازة غير جعل المنصب، فلا بدّ في بقائها من دليل.

ثمّ إنّ الظاهر من قوله: فيقيم القاضي رجلاً منّا ليبيعهنّ، هو الاحتمال الثاني؛ إذ لا معنى للنصب والولاية على البيع، بل ظاهر قوله: فصيّر عبدالحميد القيّم بماله، ذلك أيضاً؛ للفرق بين «القيّم على الشيء» و«القيّم به».

فيظهر من صدرها وذيلها أنّ القاضي أمره بالبيع، وجعله قائماً بأمره، لا القيّم على الصغار أو المال، كالقيّم على الوقف لو كان له اعتبار صحيح في مثل المال الذي أراد بيعه، فإنّ اعتبار التولية ونصب الوليّ في مثله محلّ إشكال، لو لم نقل:

إنّه محلّ منع.

مع أنّ الترديد في سؤال محمّد بن إسماعيل يمنع عن الأخذ بأحد الطرفين، فلا يظهر من الرواية إلاّ جواز تصدّي مثلهما للبيع.

ثمّ إنّ المتيقّن من مورد الجواز هو استجماع صفاتهما الاحتمالية التي يحتمل

ص: 717

دخلها في الإجازة، كالتشيّع، والفقاهة، والعدالة، والوثاقة - إن كان بينهما افتراق - وحسن التدبير، وغاية الاحتياط في العمل، وغيرها.

وما قيل: من أنّ الأمر دائر بين الاحتمالات(1)، غير وجيه؛ ضرورة أنّ التشيّع أو الفقاهة أو حسن التدبير صرفاً، لا يعقل أن يكون مورد الإجازة ولو مع اتّصافه بالخيانة والظلم.

واحتمال كفاية العدالة والوثاقة، لا يوجب الحكم بالجواز بعد احتمال دخالة غيرهما بنحو جزء الموضوع.

وليس المقصود إثبات الفقاهة لمحمّد وعبدالحميد، حتّى يقال: إنّ عبدالحميد ليس صاحب كتاب(2)، بل المقصود احتمال كونه فقيهاً، وعدم ذكر الكتاب له أو عدم كونه ذا كتاب أو أصل، لا يدلّ على سلب الفقاهة عنه، بل كونه صاحب كتاب لا يدلّ على الفقاهة.

نعم، لو كان لشخص كتب في الأبواب المختلفة وقدم راسخ في الفقه، تثبت به فقاهته.

وكيف كان: لا دليل على عدم فقاهة عبدالحميد أو ابن بزيع، ومع الاحتمال لا دليل على الجواز بدونها.

وما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه: من أنّ احتمال الفقاهة مناف لإطلاق المفهوم، الدالّ على ثبوت البأس مع عدم الفقيه ولو مع تعذّره(3)، غير ظاهر؛ فإنّه مع ورود

ص: 718


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 565؛ منية الطالب 2: 242.
2- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 406.
3- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 565.

الإشكال في احتمال العدالة أيضاً - فإنّ الإطلاق دالّ على ثبوت البأس في تكفّل الفاسق ولو مع تعذّر العادل، وهو خلاف الواقع - أنّ مفروض الواقعة حال وجود الفقيه، بل والإمام (عليه السّلام)، وفي مثله لا يكون العادل جائز التصرّف.

مع أنّ إطلاق السؤال وترك الاستفصال، دليل على أنّ البيع لم يكن ضرورياً ومن الحسبيات التي لا يجوز أن تهمل، بل ويجب إقدام العادل عليها مع فقد الفقيه.

مضافاً إلى أنّ الإطلاق يقتضي المنع مع وجود الفقيه وتعذّره، وهو قابل للتقييد عند التعذّر في الحسبيات.

وكيف كان: مع احتمال كونهما فقيهين عادلين، لا مجال لاستفادة الجواز لمطلق العدول، ومع احتمال كونهما محتاطين غاية الاحتياط، أو كونهما مدبّرين دقيقي النظر في المعاملات، لا يصحّ إثبات الجواز للفقيه العادل إلاّ مع استجماعه للأوصاف المحتملة.

دلالة صحيحة الأشعري على ولاية العدول

ومنها: صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري قال: سألت الرضا (عليه السّلام) عن رجل مات بغير وصيّة، وترك أولاداً ذكراناً وغلماناً صغاراً، وترك جواري ومماليك، هل يستقيم أن تباع الجواري؟

قال: «نعم». إلى أن قال: وعن الرجل يموت بغير وصيّة، وله ورثة صغار وكبار، أيحلّ شراء خدمه ومتاعه من غير أن يتولّى القاضي بيع ذلك، فإن تولاّه قاضٍ قد تراضوا به، ولم يستأمره الخليفة، أيطيب الشراء منه أم لا ؟

ص: 719

فقال: «إذا كان الأكابر من ولده معه في البيع فلا بأس به إذا رضي الورثة بالبيع وقام عدل في ذلك»(1).

ويأتي فيها ما تقدّم في رواية ابن بزيع؛ من احتمال نصب شرعي، أو إجازة شرعية إلهية، أو نصب سلطاني، أو إجازة منه(2).

نعم، لا يحتمل فيها الإجازة الشخصية؛ لأنّ الظاهر من السؤال والجواب هو التكليف الكلّي.

وأمّا احتمال النصب بالنسبة إلى نفس الصغير، فلا وجه له، لا فيها ولا في غيرها من الروايات، كما أنّه لا ظهور لها ولا لغيرها إلاّ في أصل الجواز، لا النصب بالنسبة إلى المال أيضاً لو كان للنصب وجه صحّة بالنسبة إليه.

نعم، يحتمل فيها - كغيرها - أن يكون الجواز حكماً شرعياً، وأن يكون إجازة من الإمام (عليه السّلام)، وقد مرّ أن لا ظهور لكلامه في بيان الحكم الإلهي في مثل المقام الذي كان له ولاية أمره، بل هو محتمل، كما أنّ الإجازة السلطانية أيضاً محتملة(3).

ثمّ إنّ في قوله (عليه السّلام): «إذا كان الأكابر من ولده معه...» إلى آخره، احتمالين:

أحدهما: رجوع ضمير (معه) إلى القاضي الذي تراضوا به، ويكون المراد أنّ القاضي المذكور إذا باع بمحضر عدل لا بأس به، فتدلّ على لزوم نظارة

ص: 720


1- - الكافي 7: 66 / 1؛ تهذيب الأحكام 9: 239 / 927؛ وسائل الشيعة 17: 362، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 16، الحديث 1.
2- - تقدّم في الصفحة 715 - 716.
3- - تقدّم في الصفحة 717.

العدل في البيع، وأمّا جواز استقلاله بذلك فلا.

إلاّ أن يقال: إنّ القاضي الجائر لا دخالة لفعله في الصحّة، فهي ناشئة من نظر العدل محضاً، فتدلّ الرواية التزاماً على الصحّة لو أوقعه بنفسه، وله وجه لو دلّت على أنّ العدل رضي بذلك، وهو محلّ تأمّل.

وثانيهما: رجوع الضمير إلى المشتري، ويكون المراد إلغاء عمل القاضي، وتوقّف الصحّة في قسمة الأكابر على رضاهم، وفي قسمة الصغير على قيام العدل في البيع؛ أي يكون البيع برضا الكبير والعدل، فتدلّ على أنّ فعل العدل نافذ في حصّة الصغير، فتتمّ الدلالة، وهذا أوفق بمناسبة الحكم والموضوع.

دلالة موثّقة سماعة على ولاية العدول

ومنها: موثّقة سماعة قال: سألت أبا عبداللّه (عليه السّلام) عن رجل مات، وله بنون وبنات صغار وكبار من غير وصيّة، وله خدم ومماليك وعقد كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك الميراث؟

قال: «إن قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كلّه فلا بأس»(1).

وفي نسخة «التهذيب»: «فأسهم»(2) بدل «قاسمهم» فهي أيضاً لا تدلّ إلاّ على جواز التقسيم أو الإسهام، من غير دلالة على الولاية على الصغير أو على ماله، ولا الدلالة على كون الجواز حكماً إلهياً، أو إجازة منه (عليه السّلام)، فيأتي في

ص: 721


1- - الكافي 7: 67 / 3؛ الفقيه 4: 161 / 563؛ وسائل الشيعة 19: 422، كتاب الوصايا، الباب 88، الحديث 2.
2- - تهذيب الأحكام 9: 240 / 929.

جميع الروايات ما مرّ(1) من الكلام في بقاء إجازته بعد ارتحاله.

ثمّ إنّه لو اُحرز كون الحكم شرعياً إلهياً، أو اُحرز كونه سلطانياً، وقلنا: ببقائه بعد رحلته، فلا إشكال.

وكذا لو تردّد بينهما، وعلم ببقائه حتّى على فرض كونه سلطانياً، وكذا لو علم أنّه سلطاني، وشكّ في بقائه؛ لجريان الاستصحاب على العنوان.

وأمّا لو تردّد بينهما، وعلمنا ببقائه على فرض كونه شرعياً، وعدم بقائه على الفرض الآخر، أو شكّ في بقائه على هذا الفرض، فالظاهر عدم جريان استصحاب الكلّي؛ لأنّ الجامع المتيقّن ليس حكماً شرعياً، ولا سلطانياً، ولا موضوعاً ذا أثر شرعي.

وكذا استصحاب الفرد المردّد؛ لذلك الوجه بعينه، ولأنّ الشكّ ليس في بقاء الفرد المردّد، بل في بقاء ما شكّ في حدوثه.

فتحصّل من جميع ذلك: أن لا دليل على ولاية العدل أو الثقة، ولا على جواز تصرّفه في مال الأيتام في زمان الغيبة إذا لم يكن الأمر من الحسبيات، وأمّا فيها فله التصرّف مع فقد الفقيه، واتّصافه بما يحتمل دخالته في الجواز.

حول كفاية الوثاقة

ثمّ إنّ مقتضى صحيحة إسماعيل اعتبار العدالة، ومقتضى موثّقة سماعة اعتبار الوثاقة، فإن قلنا: بأنّ اعتبار العدالة إنّما هو في البيع والشراء

ص: 722


1- - تقدّم في الصفحة 717.

وسائر التصرّفات الناقلة، واعتبار الوثاقة إنّما هو في مثل التقسيم وتمييز المشتركات، فلا إشكال.

وأمّا إن قلنا: بأنّ المستفاد من كلّ من الدليلين اعتبار الوصف في كلّ التصرّفات، فهل الاعتبار بالوثاقة، وإنّما ذكرت العدالة لأجل ذلك ولو بالمناسبة في المقام؟

أو أنّ الاعتبار بالعدالة، والوثاقة بنحو الإطلاق إذا نسبت إلى الشخص، تكون مساوقة للعدالة، وربّما قيل: إنّ «الوثاقة» مستعملة في الروايات في العدالة(1)؟

أو أنّ الوثاقة والعدالة اُخذتا على نحو الطريقية إلى حصول التصرّف حسب مصلحة الصغير، ولا تكونان معتبرتين على نحو الموضوعية(2)؟

وجوه، أردؤها الأخير؛ فإنّ ذلك يؤدّي إلى الهرج والمرج، مضافاً إلى عدم الدليل عليه، حتّى يمكن الخروج عن مقتضى القواعد والأدلّة لأجله.

كما أنّ دعوى: أنّ الوثاقة هي العدالة، بلا بيّنة ولا سيّما في المورد الذي كان الموضوع فيه الجهات المالية؛ فإنّها فيها بمعنى كونه معتمداً عليه، كما أنّ الأمر كذلك عرفاً ولغة.

ودعوى: استعمالها في الروايات بمعنى العدالة، غير وجيهة.

ص: 723


1- - فوائد الاُصول، (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 189، الهامش 3؛ البيع (تقريرات المحقّق الحائري) الأراكي 2: 30.
2- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 408؛ بغية الطالب، المحقق الإشكوري: 125 / السطر 12 - 17.

نعم، قد اُطلق «الثقة» على مثل زكريّا بن آدم(1)، أو العمري وابنه(2) الذين هم عدول وثقات، لكن لا دلالة لذلك على استعمال «الثقة» في العدل الإمامي، بل اُطلقت بمعناها الذي هو كون الشخص معتمداً عليه، وكون المورد عادلاً - ككونه وكيلاً من الناحية - لا يوجب استعمال اللفظ في غير معناه.

كما أنّ رفع اليد عن ظهور صحيحة إسماعيل بن سعد في دخالة العنوان، لا وجه له إلاّ بعض الاعتبارات(3) التي لا يمكن الركون إليها.

فعليه يقع التعارض بين قوله (عليه السّلام): «فلا بأس به إذا رضي الورثة وقام عدل في ذلك» كما في الصحيحة، وبين قوله (عليه السّلام): «إن قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كلّه

ص: 724


1- - وهو ما عن علي بن المسيّب الهمداني، قال: قلت للرضا (عليه السّلام): شقّتي بعيدة، ولست أصل إليك في كلّ وقت، فممّن آخذ معالم ديني ؟ قال: «من زكريّا بن آدم القمّي، المأمون على الدين والدنيا»، قال علي بن المسيّب: فلمّا انصرفت قدمنا على زكريّا بن آدم، فسألته عمّا احتجت إليه. اختيار معرفة الرجال: 594/ 1112؛ وسائل الشيعة 27: 146، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 11، الحديث 27.
2- - وهو ما عن أبي الحسن عليه السلام، قال: سألته وقلت: من اُعامل ؟ وعمّن آخذ ؟ وقول من أقبل ؟ فقال: «العمري ثقتي، فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي، وما قال لك عنّي فعنّي يقول، فاسمع له وأطع، فإنّه الثقة المأمون». قال: وسألت أبا محمّد (عليه السّلام) عن مثل ذلك، فقال: «العمري وابنه ثقتان، فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤدّيان، وما قالا لك فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما، فإنّهما الثقتان المأمونان». الكافي 1: 330 / 1؛ الغيبة، الطوسي: 360؛ وسائل الشيعة 27: 138، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 11، الحديث 4.
3- - راجع حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 408.

فلا بأس» كما في الموثّقة، نظير التعارض بين قوله (عليه السّلام): «إذا خفي الأذان فقصّر»(1) و«إذا خفيت الجدران فقصّر»(2).

والظاهر أنّ مفهوم قوله (عليه السّلام) في صحيحة إسماعيل: «وقام عدل في ذلك» نظير مفهوم الشرط أيضاً أو عينه ولو بحسب العرف العامّ - ومناسبته قوله (عليه السّلام): «إذا كان الأكابر من ولده»، وكذا قوله (عليه السّلام): «إذا رضي الورثة» ضرورة تعليق الحكم فيهما، وكذا الحال في المعطوف بل في «المنجد»: أنّ «إذا» ظرف للمستقبل، متضمّن معنى الشرط(3) - فحينئذٍ إن كانت العدالة أخصّ من الوثاقة يمكن التقييد، فتصير النتيجة: اعتبار العدالة، وإن كان بينهما العموم من وجه ولو بحسب مقام الإثبات؛ حيث جعل الشارع ظهور الصلاح أمارة تعبّدية للعدالة ولو لم يحصل بها الظنّ، فضلاً عن الوثوق، فيأتي فيه ما فصّل في الاُصول في باب تعدّد الشرط ووحدة الجزاء(4).

ولو سلّم عدم المفهوم لصحيحة إسماعيل، ووجوده في موثّقة سماعة بناءً على المفهوم في الشرط، يقع التعارض بين ظهور أخذ عنوان العدالة في الموضوعية، وبين حصر الموضوع في الثقة بناءً على أنّ بين العنوانين عموماً من وجه.

ص: 725


1- - تهذيب الأحكام 4: 230 / 675؛ وسائل الشيعة 8: 472، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 6، الحديث 3.
2- - الكافي 3: 434 / 1؛ الفقيه 1: 279 / 1267؛ تهذيب الأحكام 2: 12 / 27، و4: 230 / 676؛ وسائل الشيعة 8: 470، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 6، الحديث 1.
3- - المنجد: 6.
4- - مناهج الوصول 2: 165.

وبالجملة: تكون في الموثّقة دلالات ثلاث، ومداليل ثلاثة: أصل الدخالة، وكون الثقة تمام الموضوع لأجل الإطلاق، وكون الموضوع منحصراً.

وفي الصحيحة دلالتان: أصل الدخالة، وكونها تمام الموضوع للإطلاق.

ولا تعارض بينهما في أصل الدخالة، ولا في تمامية الموضوع، بل التعارض بين الحصر اللازم منه نفي دخالة العدل - فضلاً عن كونه تمام الموضوع - وبين ثبوت دخالة العدل.

فحينئذٍ إن قلنا: بأنّ الدلالة على الحصر دلالة وضعية لفظية، ويقدّم ذلك على ظهور الفعل - أي ظهور أخذ العنوان في الموضوع في الدخالة - ترفع اليد عن ظهور مفاد الصحيحة، ويحمل «العدل» على «الثقة» ويقال: إنّه مأخوذ بما أنّه ثقة، فيكون الموضوع هو الثقة.

وكذا إن قلنا: بأنّ الظهورين متكافئان؛ فإنّ دلالة الموثّقة على الحصر، ودلالة الصحيحة على اعتبار العدالة، تسقطان بالمعارضة، وتبقى دلالة الموثّقة في دخالة الثقة وكونه تمام الموضوع بحالها.

وإن قلنا: بأنّ الدلالة على الحصر بإطلاق أداة الشرط، أو الشرط، أو الجزاء، فإن قلنا: بتقدّم ظهور أخذ العنوان في الموضوعية، وكونه بياناً يرفع به موضوع الإطلاق، يؤخذ بالصحيحة في موضوعية العدالة.

وأمّا الموثّقة، فإن قلنا: بأنّ الإطلاق قابل للتفكيك بالنسبة إلى مقتضياته، ترفع اليد عن اقتضائه الحصر، ويؤخذ بمقتضاه بالنسبة إلى تمام الموضوعية، فتكون العدالة تمام الموضوع، والوثاقة أيضاً تمام الموضوع، كموضوعية كلّ من الجريان والكرّية للاعتصام.

ص: 726

وما جرى من قلم بعض الأعلام قدّس سرّه: من أنّ أمثال ذلك لا بدّ فيها من الالتزام بالجامع(1)، لا يصغى إليه؛ لكون المقام أجنبيّاً عن القاعدة العقلية.

وإن قلنا: بعدم التفكيك تحمل الموثّقة على أنّ المراد ب-«الثقة» هو العدل.

هذا كلّه مع الغضّ عن أدلّة العلاج في المتعارضين، وإلاّ فالظاهر الترجيح للصحيحة؛ لذلك، ولشهرة موضوعية العدل ظاهراً.

ثمّ إنّ مفاد الروايات المربوطة بالعدل والثقة، هو التصرّف في مال اليتيم بيعاً وقسمةً، فهل يصحّ إسراء الحكم إلى نفس اليتيم وإلى المجنون نفساً ومالاً، وإلى الغائب والمحجور عليه؟

الظاهر هو العدم: أمّا على احتمال إنشاء الإجازة بنفس قوله (عليه السّلام): «لا بأس به» فلأنّ الإجازة والإنشاء لموضوع لا تكون إجازة لموضوع آخر مغاير له، وما قرع الأسماع من إلغاء الخصوصية ليس هذا مورده.

وكذا على القول: بأنّ ذلك كاشف عن إجازة سابقة؛ فإنّ الموضوع الخاصّ لا يكشف عن موضوع أعمّ أو أجنبيّ.

والظنّ بعدم الفرق بين النفس والمال، أو بين المجنون ومثله وبين الصغير، غير مغنٍ عن الحقّ، ودعوى القطع عهدتها على القاطع، وأ نّى لنا القطع بذلك؟!

بل وكذا على القول: بأنّه حكم إلهي؛ فإنّ غاية ما يمكن دعواه هو إلغاء الخصوصية بالنسبة إلى سائر التصرّفات غير البيع والقسمة، كالإجارة والمضاربة

ص: 727


1- - كفاية الاُصول: 239.

ونحوها، أو بالنسبة إلى اليتيم وإسراء الحكم إلى صغير جنّ والده، أو حجر عليه.

وأمّا بالنسبة إلى نفس الصغير فلا، فضلاً عن إسراء الحكم إلى غيره؛ من المجنون والغائب ونحوهما، فإنّ ذلك قياس لا نقول به.

ثمّ إنّ أدلّة ولاية الفقيه لا تنافي ولاية العدل، أو جواز تصرّفه بلا ولاية، إن استندنا فيها إلى ما لا تدلّ إلاّ على جعل الولاية له، كقوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «الفقهاء اُمناء الرسل»(1) أو «حصون الإسلام»(2) فإنّ جعل الولاية في أمر أو اُمور للفقيه لا ينافي جعلها لغيره، أو إجازة التصرّف له.

وإن استندنا إلى قوله (عليه السّلام): «فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا»(3) فإن قلنا: بأنّ دلالة الهيئة على التعيينية دلالة لفظية وضعية، أو اللفظ منصرف إليها، يقع التخالف بينه وبين ما دلّ على جواز تصرّف العدل والثقة، لكن المبنى ساقط، مع أنّه قابل للجمع كما يأتي.

وإن قلنا: بأنّ مقتضى الإطلاق حملها عليها، يكون دليل تصدّي العدل بياناً يرفع به موضوع الإطلاق، مع أنّ المبنى أيضاً غير وجيه.

وإن قلنا: بأنّ البناء على التعيينية ونحوها - كالعينية والنفسية - من أجل تمامية الحجّة عقلاً، أو عند العقلاء كما قرّرنا في الاُصول(4)، فمع بيان من المولى

ص: 728


1- - الكافي 1: 46 / 5.
2- - الكافي 1: 38 / 3.
3- - كمال الدين 2: 484؛ الغيبة، الطوسي: 291؛ وسائل الشيعة 27: 140، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 11، الحديث 9.
4- - مناهج الوصول 1: 223.

ولو منفصلاً يرتفع موضوع الاحتجاج، سواء كان بين الدليلين عموم من وجه، أو تساوٍ، أو غيرهما.

وإن استندنا إلى ما دلّ على الحصر، كقوله (عليه السّلام): «مجاري الاُمور والأحكام على أيدي العلماء باللّه»(1) حيث دلّ - ولو بالمناسبات - على الحصر.

ويمكن تقريب الحصر في مثل قوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «خلفائي»(2) أو «ورثة الأنبياء»(3) بأن يقال: إنّ مقتضى الخلافة والوراثة ثبوت كلّ ما كان للنبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم) له، إلاّ ما دلّ الدليل فيه على خلافه، فإذا قال: «علي (عليه السّلام) خليفتي» يكون مقتضاه أنّ كلّ ما ثبت للنبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم) ثبت له، وممّا ثبت له حصر الولاية به في عصره، ولازمه النفي عن غيره.

فحينئذٍ مقتضى خلافة الفقهاء ووراثتهم حصر الولاية بهم، ونفي ثبوتها لغيرهم، ولازم حصرها بهم حصر كلّ ما هو من شؤون الولاية بهم، ومنها التصرّف والتصدّي لأمر الصغار، فيقع التعارض بينهما وبين ما دلّ على ثبوت ذلك للعدل.

لكن الذي يسهّل الخطب أنّ بين الدليلين عموماً مطلقاً؛ لأنّ الثابت للفقيه كلّ التصرّفات الثابتة للوالي، ومنها التصرّف في مال الأيتام، ولازم الحصر نفي جميع ذلك عن غيره، وما دلّ على ثبوت التصرّف الخاصّ للعدل يخصّص عموم الحصر،

ص: 729


1- - تحف العقول: 238.
2- - الفقيه 4: 302 / 915؛ وسائل الشيعة 27: 91، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 8، الحديث 50.
3- - الكافي 1: 34 / 1.

أو يقيّد إطلاقه، كما أنّ عموم ولاية الفقيه مخصّص بأدلّة ولاية الأب والجدّ.

فكما أنّ عموم ولايته أو إطلاقها قابل للتخصيص والتقييد، كذلك إطلاق الحصر أو عمومه، ففي المقام ثبتت الولاية للفقيه، وجاز التصرّف للعادل؛ بناءً على ثبوت الحكم للعدل في زمان الغيبة، لكن قد عرفت الإشكال فيه(1).

حول مزاحمة فقيه لفقيه آخر

ثمّ إنّه هل تجوز مزاحمة عدل للآخر ؟

لا بأس بتفصيل الكلام في صور المزاحمة:

منها: مزاحمة فقيه لفقيه آخر، ولا بدّ من فرض الكلام كبروياً؛ أي جواز المزاحمة وعدمه في موارد تحقّقها، وأمّا التكلّم في حصول المزاحمة في بعض الموارد وعدمه، أو الشكّ في الموضوع، فهو خارج عن البحث.

وصور المزاحمة كثيرة جدّاً بعد ثبوت الولاية المطلقة للفقيه، نظير ما إذا نصب المتولّي للوقف أو القيّم على الصغار، فهل للآخر ضمّ آخر إلى المنصوب، أو عزل ما نصبه الآخر، ونصب غيره أو لا؟

ولو أخذ فقيه الأخماس والزكوات وجعلها في مكان، فهل للآخر التصرّف فيها بلا إذن الأوّل وبسطها في محالّها ؟ وهكذا في سائر موارد المزاحمة.

وأمّا ما أفاده الشيخ قدّس سرّه(2) وغيره(3) من مثال المزاحمة: بأن دخل فقيه في

ص: 730


1- - تقدّم في الصفحة 715 - 722.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 570 - 571.
3- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 420؛ منية الطالب 2: 243.

مقدّمات فعل ووضع يده عليه، هل للآخر مباشرة نفس الفعل الذي لم يقع من الأوّل ؟ فالظاهر أنّه ليس من باب المزاحمة؛ لأنّ الثاني لم يزاحم الأوّل في وضع يده، ولا في سائر المقدّمات.

ومباشرة نفس البيع الذي لم يتكفّله الآخر، ليست مزاحمة، لا في المقدّمات، ولا في ذي المقدّمة، بخلاف ما ذكرناه من الأمثلة، فإنّها من باب المزاحمة، كما لا يخفى.

ثمّ إنّه لا إشكال في عدم الإشكال الثبوتي في المقام؛ فإنّ مزاحمة أحد الفقيهين للآخر ليست كمزاحمة الرسول (صلّی الله عليه وآله وسلّم) والإمام (عليه السّلام)، التي يكون جوازها مخالفاً للمذهب، فلو ورد دليل ظاهره ذلك، لا بدّ وأن يأوّل أو يطرح.

إلاّ أن يقال: إنّ للرسول صلی الله علیه و آله وسلم أو الإمام (عليه السّلام) أن يجيز مزاحمته في بعض الاُمور، ففي الحقيقة لا يكون ذلك مزاحمة، بل الإجازة تخرجه عن المخالفة.

وكيف كان: لو دلّ دليل على جواز مخالفة الفقيه، لا مانع من العمل به، لكنّ الشأن في ذلك.

وإجمال الكلام: أنّ المستند لولاية الفقهاء لو كان ما دلّ على نيابتهم وولايتهم، فهل يمكن إطلاقه لحال المزاحمة؟

فيه إشكال: من جهة أنّ القيود التي تأتي من قبل الحكم، لا يمكن أن تؤخذ في الموضوع، فالتقييد بها محال، ومعه لا مجال للإطلاق.

وهذا نظير ما قيل في التوصّلي والتعبّدي: من أنّ قصد الامتثال لا يمكن أخذه

ص: 731

في الموضوع، فلا يمكن التقييد ولا الإطلاق(1).

وفي المقام: يكون تزاحم الوليّين المنصوبين في تصرّفهما، مترتّباً على جعل الولاية؛ لأنّ الشكّ ليس في جواز مزاحمة شخص لشخص، ولا عالم لعالم، بل في جواز مزاحمة وليّ منصوب لوليّ كذلك، فهو متأخّر عن جعل الولاية، ولا يمكن تقييد الدليل به، فلا يمكن الإطلاق.

هذا على رأي من ذهب إلى الامتناع في تلك المسألة(2)، لكن المقرّر في محلّه عدمه(3)، ولهذا رجّحنا أصالة التوصّلية(4).

بل لقائل أن يقول: إنّ بين المقام وباب التعبّدي والتوصّلي فرقاً؛ فإنّ الحكم هاهنا منحلّ إلى أحكام، لأنّ نظير قوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «العلماء ورثة الأنبياء»(5) منحلّ إلى جعل الوراثة والخلافة لكلّ فقيه فقيه، بل ليس ذلك من باب الانحلال، وإنّما يستفاد من صيغة الجمع بدلالة وضعية.

فعلى هذا: يكون ما يأتي من قبل حكم موضوع، مأخوذاً في موضوع حكم آخر، ولا إشكال فيه، وإنّما الإشكال فيما إذا اُخذ ما يأتي من قبل الحكم في موضوع نفس هذا الحكم.

إلاّ أن يقال: إنّ الفساد المتوهّم بحاله؛ لأنّ الجعل في العمومات واحد على

ص: 732


1- - كفاية الاُصول: 95.
2- - كفاية الاُصول: 95 - 96؛ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 149.
3- - مناهج الوصول 1: 203 - 210.
4- - مناهج الوصول 1: 216.
5- - تقدّم في الصفحة 686.

الموضوعات المتعدّدة، ومع وحدته وعرضية الحكم بالنسبة إلى تمام الأفراد والموضوعات يأتي الإشكال، فتدبّر.

وهنا إشكال آخر في إمكان الإطلاق، وهو أنّ التزاحم لا يكون بين الأحكام المتعلّقة بالطبائع، ولا بين الحكم المتعلّق بطبيعة وبين الفرد الخارجي، بل التزاحم بين الفردين في وجودهما الخارجي.

فوجوب الصلاة لا يزاحم وجوب الإزالة، ولا يزاحم الإزالة الخارجية، بل المزاحمة بين وجود الصلاة والإزالة في وقت واحد، فلا يمكن الجمع بينهما للتزاحم.

وقد حقّق في محلّه: أنّ الأوامر والأحكام في باب المطلقات متعلّقة بالطبائع، ولا يعقل إسراؤها إلى الأفراد الخارجية، بل ولا إلى القيود اللاحقة بالطبائع؛ لأنّ الطبيعة بما هي لا قيد لها، ولا يمكن مرآتيتها للأفراد، والقيود بما هي أجنبيّة عن

نفس الطبيعة، وإن لحقت بها في العقل، أو اتّحدت معها في الخارج(1).

فالمزاحمة التي بين الأفراد متأخّرة عن الجعل والمجعول بمرتبتين أو مراتب، وفي مثله لا يعقل الإطلاق بالنسبة إلى المتأخّر وبالنسبة إلى مورد التزاحم، كما لا يعقل أن يكون المنشئ للحكم ناظراً من الطبيعة إلى الأفراد، فضلاً عن النظر إلى مزاحمة فرد لفرد آخر من موضوع آخر.

فعليه لا يعقل إطلاق مثل قوله: «الفقهاء خلفائي» لحال المزاحمة بين فرد من التصرّف لفقيه، وفرد آخر من التصرّف لفقيه آخر.

ص: 733


1- - مناهج الوصول 2: 55.

ولو سلّمنا إمكان الإطلاق، لكن لا يقتضي إطلاق الولاية على أموال الصغار والأوقاف العامّة والأخماس والزكوات وغير ذلك، جواز المزاحمة؛ لأنّ حكم الولاية حيثي على الاُمور المذكورة، وليس مقتضى الإطلاق إلاّ ثبوت هذا الحكم الحيثي عليها، لا جواز المزاحمة للفقيه الذي يرجع إلى تحديد سلطنته الذي هو نحو ولاية عليه.

نظير قوله تعالى: «أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ»(1) فإنّه لا يقتضي حلّية البهيمة التي للغير، وإن اقتضى حلّيتها من جهة كونها بهيمة حتّى حال كونها مال الغير، وله نظائر كثيرة، كقوله تعالى: «فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ»(2) وقوله تعالى: «فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّه ِ عَلَيْهِ»(3).

وبالجملة: الولاية على مال الصغير - بما أنّه ماله - وإن كانت ثابتة عليه حتّى حال كونه تحت يد فقيه آخر، لكن لا يقتضي ذلك ولاية على الفقيه، ولا جواز التصرّف في سلطانه، ولا منافاة بين الحكم الحيثي والحكم الفعلي المقابل له.

فبهيمة الأنعام حلال من حيث هي بهيمة، وحرام من حيث كونها ملكاً للغير، ولا يستفاد من أدلّة الولاية ولاية الفقهاء بعضهم على بعض، بل لا يعقل أن يكون فقيه وليّاً على فقيه ومولّى عليه.

وبعبارة اُخرى: إنّ سلطة فقيه على مال ونحوه سلطة بحقّ، ولا بدّ في رفعها من السلطة عليه، ولا تكفي السلطة على المال.

ص: 734


1- المائدة (5): 1.
2- المائدة (5): 4.
3- الأنعام (6): 118.

نعم، مقتضى الولاية دفع سلطنة الغاصب واليد الجائرة.

ويمكن أن يقال: إنّ مقتضى إطلاق «الخلافة» و«الوراثة» أن يكون لكلّ فقيه كلّ ما كان لرسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم)؛ فإنّ الظاهر من الأدلّة أنّ كلّ فقيه خليفة ووارث.

فممّا ثبت له (صلّی الله عليه وآله وسلّم) أن ليس لأحد مزاحمته تكليفاً ووضعاً، سواء كان المزاحم فقيهاً وخليفة له أم لا، وهذا ينتقل إلى كلّ فقيه، ولازمه عدم جواز مزاحمة أحد له، فقيهاً وخليفةً كان أم لا.

وفي مقابل ذلك أنّ لرسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) أن يزاحم كلّ أحد، خليفة كان أم لا، وهذا أيضاً قابل للانتقال والتوريث، لكنّهما معاً غير ممكني التوريث؛ للزوم التناقض، فحينئذٍ إن قلنا: بعدم ترجيح بينهما، فلا يصحّ الحكم بأحد الطرفين.

ولكنّ الظاهر الذي لا ينكر أنّ الترجيح لوراثة عدم المزاحمة؛ فإنّ ذلك موافق للاعتبار العقلائي وحكم العقل وبناء الحكومات، وأمّا توريث المزاحمة - بحيث يرجع إلى الهرج، وجواز مزاحمة هذا لهذا، وبالعكس - فأمر تنكره العقول، ومخالف لطريقة العقلاء.

ولازم هذا الوجه قيام الدليل الاجتهادي على عدم جواز المزاحمة، وبطلان تصرّف المزاحم وحرمته.

وتوهّم: أنّ مزاحمة فقيه لفقيه من قبيل مزاحمة النبي لنفسه(1)، غفلة عن أنّ مثل قوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «خلفائي» و«ورثة الأنبياء» أجنبيّ عن تنزيلهم منزلة نفسه، بل مضادّ له؛ لأنّ الخلافة والوراثة لازمهما التعدّد ولحاظه، وهو

ص: 735


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 417.

يخالف التنزيل والهوهوية الاعتبارية.

نعم، له وجه في مثل قوله (عليه السّلام): «منزلة الفقيه كمنزلة الأنبياء في بني إسرائيل»(1) على إشكال فيه أيضاً.

ولو أغمضنا عمّا تقدّم، وشككنا في الولاية مع المزاحمة، فتارة: يتصدّى فقيه جامع للشرائط، وعند تصدّيه لم يكن الآخر جامعاً للشرائط، إمّا لعدم اجتهاده حال تصدّي الأوّل، أو عدم عدالته ثمّ صار جامعاً، فيشكّ في ولايته، وجواز مزاحمته حينئذٍ للآخر، فمقتضى الأصل عدم الولاية؛ فإنّه حال تصدّي الأوّل لم يكن وليّاً، فيستصحب عدمها، والحكم الكلّي على العنوان، لم يكن منطبقاً عليه قبل تصدّي الأوّل حتّى يستصحب.

واُخرى: يكون تصدّيه حال جامعية الآخر للشرائط، فحينئذٍ إن أحرزنا من الأدلّة أنّ الولاية - بلا قيد - ثابتة للفقيه، لكن احتملنا أنّ سبق أحد من الفقهاء موجب لسقوط ولاية غيره حال تصدّيه، نستصحب ولايته الثابتة قبل تصدّي الآخر.

وإن لم نحرز ذلك لكن احتملناه، مع احتمال أنّ الولاية المحدودة مجعولة له، دار الأمر بين الفرد القصير والطويل، فلو كان المجعول الولاية المحدودة كانت مقطوعة الزوال.

ولو كانت مطلقة، فإن لم نحتمل على هذا الفرض السقوط كانت مقطوعة البقاء، وإن احتملناه كانت محتملة البقاء.

ص: 736


1- - تقدّم في الصفحة 691.

وعلى أيّ حال: فجريان الاستصحاب في القدر المشترك - أي الكلّي - موقوف على كون الولاية الكلّية المشتركة المنتزعة من المجعولين حكماً إلهياً أو موضوعة له، وإلاّ فلا يجري، وهذا هو الظاهر.

ولو اُغمض عنه، فأصالة عدم الولاية المطلقة - بدعوى حكومتها على أصالة بقاء الكلّي - مثبتة كما ذكر في محلّه(1).

فتحصّل ممّا مرّ: أنّ استصحاب الكلّي متوقّف على أمر غير مرضيّ.

ثمّ إنّه ظهر ممّا مرّ حكم ما إذا شرع الفقيه في مقدّمات عمل، كالمقاولة على البيع، وإرسال الساعي لجمع الزكاة في ناحية، أو المقدّر لتقدير مساحة الأراضي الخراجية؛ مقدّمة لجعل الخراج... إلى غير ذلك، فإنّه إذا قلنا: بأنّ النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم) إذا شرع في المقدّمات، ليس لأحد الدخالة بنحو من الأنحاء فيها ولا في ذيها، كما لا إشكال فيه، فهذا الأمر ينتقل إلى الفقهاء؛ أي إلى كلّ واحد منهم، بمقتضى الوراثة والخلافة وإطلاقهما.

فليس لأحد من الفقهاء الدخول فيما دخل فيه فقيه آخر؛ لذلك، لا لما أفاده الشيخ قدّس سرّه(2)، حتّى يجاب عنه: بأنّ مزاحمة إمام لإمام آخر لا دليل على عدم جوازها (3)، وقد مرّ(4) أنّ لسان الأدلّة آبٍ عن إفادة ما ذكره الشيخ قدّس سرّه، هذا حال مزاحمة فقيه لفقيه آخر.

ص: 737


1- - تقدّم في الجزء الأوّل: 145؛ الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 94.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 571.
3- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 417.
4- - تقدّم في الصفحة 731.
جواز مزاحمة الفقيه لغيره

وأمّا مزاحمة الفقيه لغيره ممّن يجوز له التصدّي، فلا إشكال في جوازها؛ لأنّ غاية ما دلّت عليه الأدلّة جواز قيام العدل أو الثقة ببيع مال الأيتام، وغاية ما يمكن الاستفادة منها جواز مطلق التصرّفات في أموالهم مع المصلحة، وأمّا كونهما وليّين عليهم، أو على أموالهم، فلا دليل عليه كما مرّ(1)، فضلاً عن كونهما بمنزلة الإمام (عليه السّلام)، أو النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم).

فحينئذٍ مقتضى إطلاق «الخلافة» و«الوراثة» جواز مزاحمة الفقيه لغيره، خرجت منه مزاحمة فقيه لفقيه آخر كما مرّ(2) وبقي الباقي، هذا إذا صدقت «المزاحمة» مع شروع العدل في المقدّمات، وإلاّ فالأمر أوضح.

كما ظهر جواز مزاحمة عدل لعدل آخر، هذا لو صدقت «المزاحمة» مع الدخول في المقدّمة، وإلاّ فلا شبهة في جوازه.

نعم، لو قلنا: بأنّ العدل وليّ من قبل اللّه على الأيتام وأموالهم، فلا مجال لتصرّف غيره مع وجوده، كما لا مجال للتصرّف في مال الصغير لغير الأب والجدّ مع وجود أحدهما.

ولو شكّ في أنّ المجعول للعدل هو الولاية من قبل اللّه، أو صرف جواز التصرّف، أو الولاية من قبل الإمام والنصب من قبله، لا يصحّ التمسّك بإطلاق دليل الخلافة والوراثة؛ لأنّ الشبهة مصداقية بالنسبة إليه، لدوران الأمر بين ما

ص: 738


1- - تقدّم في الصفحة 715 - 722.
2- - تقدّم في الصفحة 733.

لا يكون من شؤون الولاية للنبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم) حتّى يورث - كما إذا كان نصباً شرعياً إلهياً - وبين ما يكون كذلك.

والأمر سهل بعد ما ظهر أن لا دليل على جواز تصدّي العدل في زمان الغيبة في غير الحسبيات، ولا فيها مع وجود الفقيه.

حول جواز تصرّف الكلّ في مال اليتيم مع المصلحة

ثمّ إنّه قد يتوهّم من ظاهر بعض الآيات والروايات، جواز تصرّف كلّ أحد في مال اليتيم إذا كانت فيه مصلحة:

منها قوله تعالى: «وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ»(1).

بتقريب: أنّ مفهوم الاستثناء جواز تصرّف كلّ من كان مورد النهي عن القرب في ماله، إذا كان على وجه صالح أو أصلح.

وفيه أوّلاً: أنّ الظاهر جريان النزاع الذي في مفهوم الشرط في مفهوم الاستثناء أيضاً، وهو أنّ المفهوم في قوله (عليه السّلام): «إذا بلغ الماء قدر كرّ لا ينجّسه شيء»(2) هل هو قضيّة كلّية «هي أنّ غير البالغ حدّه ينجّسه كلّ شيء» كما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه(3) أو قضيّة جزئية «هي التنجيس في الجملة» كما عن المحقّق صاحب «الحاشية» قدّس سرّه(4)؟

ص: 739


1- الأنعام (6): 152؛ الإسراء (17): 34.
2- - راجع وسائل الشيعة 1: 158، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 9، الحديث 1 و2 و5 و6، وفيها: «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء».
3- - مطارح الأنظار 2: 44 - 45.
4- - هداية المسترشدين 2: 460.

ونحن اقتفينا (1) في ذلك أثر المحقّق المزبور، فلو قيل: «لا ينجّس الماء شيء من النجاسات إلاّ إذا كان قليلاً» لا يكون مفهومه إلاّ أنّه إذا كان قليلاً انتقضت القضيّة الكلّية التي في المستثنى منه، ولازم ذلك ثبوت حكم جزئي للمستثنى وإن شئت قلت: إنّ المفهوم حقيقة «هو ليس لا ينجّسه شيء» وهو لا يفيد إلاّ القضيّة الجزئية.

وكذا الكلام في المقام الذي كان النهي متعلّقاً بكلّ المكلّفين؛ فإنّ الاستثناء فيه لا يفيد إلاّ سلب النهي عن عموم المكلّفين.

فقوله تعالى: «وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ اليَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ» ليس مفهومه «اقربوا ماله بوجه كذا» فإنّ ذلك ليس مفهوماً له؛ ضرورة عدم وجوب ذلك على جميع المكلّفين أو بعضهم، ولا جواز ذلك مقابل النهي؛ فإنّ الجواز أيضاً ليس مفهوماً له، بل المفهوم سلب عدم قربهم جميعاً، وهو ينتقض بجواز قرب بعضهم.

ولو لم يسلّم ما ذكر، لكن إثبات القضيّة الكلّية أيضاً مشكل، فلا أقلّ من الإجمال والرجوع إلى سائر القواعد.

ولو قيل: إنّ إثبات القضيّة الجزئية هناك إنّما هو لأجل أخذ عنوان «الشيء» أو «الكلّ» ونحوهما في المنطوق، ولازمه ما ذكر من الجزئية؛ فإنّ مفهوم «لا ينجّسه شيء» «ينجّسه شيء» أو «ليس لا ينجّسه شيء» وهو القضيّة الجزئية، وكذا إذا اُخذ مثل العنوان في المنطوق في الجملة الاستثنائية.

وأمّا مع عدم أخذ العنوان، فلا محيص عن الالتزام بأنّ المفهوم كلّي كما في

ص: 740


1- راجع مناهج الوصول 2: 186.

المقام، فمفهوم قوله تعالى: «وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ» هو ثبوت جواز القرب للجميع، فكأنّه قال: «اقربوا بالتي هي أحسن».

يقال: إنّ الاستثناء هو إخراج ما دخل في المستثنى منه بالإرادة الاستعمالية، فيعلم أنّ الجدّ يغاير الاستعمال، فألفاظ المستثنى منه استعملت في معانيها الواقعية، ولولا الاستثناء لحكمنا بأنّ ما اُريد في الاستعمال موافق للجدّ، فبالاستثناء نكشف أنّ الجدّ يخالفه.

فالاستثناء تقطيع عن الحكم السابق بمقدار المستثنى، لا حكم مقابل للمستثنى منه ابتداءً، وإنّما لازم هذا الإخراج والتقطيع ثبوت حكم مقابل للمستثنى منه في الجملة.

فقوله: «أكرم العلماء إلاّ الفسّاق منهم» لا يثبت بمفاده الأوّلي حكماً مخالفاً للمستثنى منه، هو حرمة الإكرام أو جوازه أو غيرهما، بل يخرج الفسّاق عن وجوبه، فلا يدلّ إلاّ على نفيه، وإن كان لازم ذلك - بعد عدم خلوّ الواقعة عن حكم - ثبوت حكم مغاير للوجوب من غير تعيين واحد من الأحكام.

ففي قوله تعالى: «وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ...» إلى آخره، إنّما يقطع الاستثناء حرمة القرب بالوجه الصالح أو الأصلح، فيكون مفاده الأوّلي «ليس لا تقربوا عند الأحسن» وهذا أعمّ من نفي العموم، ليكون مفهومه قضيّة جزئية، أو عموم النفي، ليكون قضيّة كلّية، فلا يمكن إلاّ إثبات الجزئية؛ لكونها قدراً متيقّناً.

هذا مقتضى الصناعة في الاستثناء مع الحفاظ على قاعدة الاستثناء، وأنّه إخراج لما دخل في الاستعمال.

وأمّا ما ينقدح في أذهاننا من الحكم المنافي، فيقال في المقام: «اقربوا

ص: 741

بالوجه الأحسن» فلعلّه من تكرّر السماع عن المشايخ: من أنّ الاستثناء من النفي إثبات، ومن الإثبات نفي(1)، فتوهّم أنّ المقصود أنّ المفاد الأوّلي لقوله: «لا تهن العلماء إلاّ الفسّاق» هو أهنهم وبالعكس، مع أنّ الاستثناء إخراج عن السابق، والمفهوم ما ذكرناه، لا إثبات لحكم مخالف.

نعم، إنّ ما ذكرناه أمر مجزوم به في الموارد التي اُخذت العناوين الكلّية أو الماهيات في المستثنى منه، كقوله: «لا ينجّس الماء شيء إلاّ إذا كان قليلاً» وأشباهه، وأمّا في مثل الآية الكريمة فلا جزم بذلك، ومعه فاستفادة العموم مشكلة.

إلاّ أن يقال: إنّ العرف يفهم العموم في مثل الآية بلا نظر إلى الاعتبار في الاستثناء، والعهدة على مدّعيه.

وثانياً: مع الغضّ عن ذلك، وتسليم كون الحكم عمومياً، لا بدّ في إثبات أنّ العمل بالأصلح أو الصالح تمام الموضوع للجواز؛ من إحراز كون الآية بصدد بيان حكم المستثنى، كما أنّها بصدد بيان حكم المستثنى منه، ومع إحراز عدمه أو عدم إحرازه، لا يصحّ التمسّك بها لرفع الشكّ في دخالة بعض اُمور اُخر في الموضوع، كالإجازة من الأولياء.

والظاهر عدم كونها إلاّ في مقام بيان حكم المستثنى منه، كما يظهر من قوله تعالى قبل ذكر المحرّمات: «قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ...»(2) ثمّ عدّ محرّمات منها ذلك.

ص: 742


1- - قوانين الاُصول 1: 251 / السطر 9؛ الفصول الغروية: 195 / السطر 22؛ كفاية الاُصول: 247.
2- الأنعام (6): 151.

فالقائل جلّ وعلا في مقام بيان المحرّمات، فحينئذٍ يكون قوله ذلك في مقام بيان حرمة التصرّف في مال اليتيم بغير صلاح، لا في مقام بيان التصرّف بصلاح، حتّى يتمسّك بإطلاقه لرفع الشكوك.

ولو لم يسلّم إحراز عدمه، فلا أقلّ من تسليم عدم إحراز كونه في مقام البيان، فاحتمال كون لزوم التصرّف بإذن الوالي أو الوليّ لا دافع له، فلا يفيد العموم شيئاً.

وأمّا توهّم: أنّ مناسبة الحكم والموضوع تفيد كون التصرّف بوجه أصلح تمام الموضوع للحكم، فغير صحيح؛ ضرورة أنّ العناية بحفظ مال الأيتام، تقتضي أن لا يكون الأمر هرجاً، وأن يكون التصدّي من أشخاص صالحين محتاطين، لا من كلّ مكلّف ولو كان فاسقاً خائناً مدّعياً للإصلاح والصلاح والإحسان؛ حيث معها لا يجوز تضمينه، ويؤدّي إلى تضييع مال الأيتام كثيراً.

وقد يتوهّم دلالة قوله تعالى: «وَيَسْأَ لُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّه ُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ»(1) على جواز التصرّف الإصلاحي لكلّ أحد.

وفيه ما لا يخفى؛ فإنّ الظاهر منه مع الغضّ عن الروايات، أنّ السؤال مربوط بنفس اليتامى لا بأموالهم، فقوله تعالى: «إِصْلاَحٌ لَهُمْ خَيْرٌ» لعلّ المراد منه التربية الصالحة، وقوله تعالى: «وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ...» إلى آخره، ترغيب في حسن المعاشرة معهم نحو معاشرة الإخوان بعضهم مع بعض.

ص: 743


1- البقرة (2): 220.

ولو فرض أنّ السؤال مربوط بأموال اليتامى، لكن لم يعلم أنّ السائلين أولياء الأيتام الشرعيون، أو العرفيون، أو أشخاص آخرون، فلعلّهم أولياء شرعيون من الوصيّ أو القيّم من قبل رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم)، وعليه فاستفادة العموم منه غير صحيحة.

بل لعلّ المستفاد من قوله تعالى: «فَإِخْوَانُكُمْ» عدم جواز التصرّف في أموالهم إلاّ بإذن من له الإذن، كما هو حال الإخوان بعضهم مع بعض، حيث إنّ الاُخوّة لازمها عدم التصرّف إلاّ بإذنه، أو بإذن من له الإذن.

وأمّا الروايات الواردة في الباب، فيظهر منها عدم العموم، ففي صحيحة ابن مسكان، عن أبي عبداللّه (عليه السّلام) قال: «لمّا نزلت «إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً»(1) أخرج كلّ من كان عنده يتيم، وسألوا رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) في إخراجهم، فأنزل اللّه: «وَيَسْأَ لُونَكَ عَنِ الْيَتَامى قُلْ إِصْلاَحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّه ُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ»(2).

ومن البعيد أن يكون اليتامى وأموالهم تحت أيدي الأشخاص بلا إذن من رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم)، أو ممّن له الإذن، فلا يبعد أن يكون السائلون أولياء الأيتام بنحو القيمومة أو الوصاية، ومن البعيد جدّاً أن يكون الأمر بنحو الهرج.

ص: 744


1- النساء (4): 10.
2- - تفسير القمّي 1: 72؛ وسائل الشيعة 17: 255، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 73، الحديث 5.

وفي رواية أبي الصباح(1)

وغيرها (2) ذكرت كيفية المخالطة مع الأيتام التي في حجورهم، فراجعها.

ولا يبعد أن تكون الكيفية المذكورة فيها لأجل مراعاة الأيتام؛ حيث إنّ إفرادهم في المأكل والمشرب، وجعل طعامهم ممتازاً عن طعام عيال من يتولّى أمرهم، يوجب إدراك الأيتام الخفّة وألم اليتم، وفي ذلك ضربة روحية للأيتام، مخالفة لصلاحهم، ومضرّة بمستقبلهم، فأجاز اللّه تعالى الاختلاط بنحو الاُخوّة وإرادة الإصلاح، وهو يعلم المفسد من المصلح.

وكيف كان: لا تدلّ الآية ولا الروايات على جواز تصرّف كلّ أحد بقصد الإصلاح، فلا يمكن رفع اليد عن القواعد لأجلها.

كما لا تدلّ على ذلك الروايات الواردة في جواز بعض التصرّفات الجزئية في أموالهم، إذا كان على وجه الصلاح أو عدم الفساد، لمن دخل بعض البيوت التي فيها الأيتام تحت أيدي أوليائهم الشرعيين أو العرفيين، كرواية الكاهلي

ص: 745


1- - وهي ما عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبداللّه عليه السلام في حديث - قال: قلت: أرأيت قول اللّه عزّ وجلّ: «وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ» قال: «تخرج من أموالهم قدر ما يكفيهم، وتخرج من مالك قدر ما يكفيك، ثمّ تنفقه». قلت: أرأيت إن كانوا يتامى صغاراً وكباراً وبعضهم أعلى كسوة من بعض وبعضهم آكل من بعض ومالهم جميعاً، فقال: «أمّا الكسوة فعلى كلّ إنسان منهم ثمن كسوته وأمّا الطعام فاجعلوه جميعاً، فإنّ الصغير يوشك أن يأكل مثل الكبير». الكافي 5: 130 / 5؛ وسائل الشيعة 17: 254، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 73، الحديث 1.
2- راجع وسائل الشيعة 17: 255، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 73، الحديث 2 و3 و6.

الآتية(1) وغيرها (2)؛ ممّا هي أجنبيّة عن جواز تصرّف كلّ أحد في أموالهم، ونفوذ التصرّفات الاعتبارية من كلّ أحد حتّى بالرغم من الأولياء الشرعيين.

ولا الروايات الواردة في الاتّجار بمال اليتيم(3) فإنّها أيضاً مربوطة بالأولياء الشرعيين أو العرفيين، الذين كان مال الأيتام تحت أيديهم.

ومعلوم أنّه لم يكن في وقت من الأوقات أمر الصغار والأيتام هرجاً؛ كان لكلّ شخص أخذ أموالهم لحفظها أو المضاربة بها، مع أنّ أكثر ما وردت في هذا المنوال في مقام بيان أحكام اُخر.

وبالجملة: ليس فيها ما يدلّ - ولو بإطلاقه - على جواز تصرّف كلّ أحد بلا إذن الأولياء، فراجع كتاب الزكاة والتجارة(4).

نعم، في تلك الروايات اختلاف لا بدّ في جمعها وتحقيقها من النظر فيها في محلّها.

اعتبار المصلحة في تصرّفات غير الأب والجدّ
إشارة

ثمّ إنّه هل يعتبر في تصرّفات غير الأب والجدّ ملاحظة الغبطة والمصلحة، أو لا يعتبر إلاّ عدم المفسدة؟

ص: 746


1- - يأتي في الصفحة 757.
2- راجع وسائل الشيعة 17: 250، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 72، الحديث 2، 3، 4 و6.
3- - راجع وسائل الشيعة 17: 257، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 75.
4- - وسائل الشيعة 9: 87، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 2، و17: 257، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 75.

وجهان، مقتضى الأصل الأوّلي ذلك، لكن مقتضى أدلّة ولاية الفقيه عدم اعتبار المصلحة، كما كان الأمر كذلك للأولياء الاُصُل.

فالعمدة هي الأدلّة الخاصّة، كعموم قوله تعالى: «وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ»(1) ولا بأس بصرف الكلام في مفاده بقدر اقتضاء المقام تبعاً للمشايخ(2).

حول مفاد آية «وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ»

فنقول: بعد القطع بأنّ المراد من «القرب» المنهيّ عنه ليس معناه الحقيقي، بل هو كناية عن معنى آخر، يحتمل أن يكون كناية عن التصرّفات الخارجية الوجودية، كالأكل والشرب وغيرهما.

أو عن التصرّفات الاعتبارية، كالبيع والإجارة ونحوهما، أو عنهما.

أو عن التصرّفات الخارجية وتركها.

أو عن التصرّفات الاعتبارية وتركها، أو عنهما وعن تركهما.

أو عن أمر ثبوتي جامع لجميع التصرّفات ونحوها، حتّى نحو الإبقاء تحت اليد الملازم لترك التصرّف، فإنّه أيضاً ثبوتي، هذا بحسب الاحتمال.

لكن لا يعقل الجمع بين التصرّفات وتركها؛ لعدم الجامع بين الفعل والترك، وعدم إمكان الكناية عن الفعل والترك؛ أي الشيء ونقيضه أو ضدّه، ضرورة عدم

ص: 747


1- الأنعام (6): 152؛ الإسراء (17): 34.
2- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 574؛ حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 391؛ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 422.

إمكان استلزام شيء لهما، وعدم إمكان الانتقال إلى الشيء ونقيضه أو ضدّه بكناية واحدة.

فاحتمال إرادة التصرّفات الخارجية وتركها، أو الاعتبارية وتركها، أو هما وتركهما، ساقط ويبقى الباقي.

ولازم الاحتمال الأوّل كون النهي تكليفياً، ولازم الثاني كونه إرشاداً إلى البطلان.

ولازم الثالث التكليف في التصرّفات الخارجية، والإرشاد في الاعتبارية، لا بمعنى استعمال النهي في التكليف، أو الوضع، أو فيهما، بل بما نبّهنا عليه مراراً: من أنّ النواهي والأوامر لم تستعمل إلاّ في معانيها؛ أي الزجر والبعث(1)، لكن لازم الزجر عن معنى نفسي هو المنع عنه بنفسه، فيعلم منه التكليف، وعن معنى آليّ أو مترقّب منه الصحّة والفساد هو الإرشاد إلى البطلان.

فقوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم): «لا تبع ما ليس عندك»(2) زجر يفهم منه الإرشاد إلى عدم الصحّة عرفاً، وقوله: «لا تشرب الخمر» زجر تفهم منه مبغوضية الشرب، فإذا جمع بين الموضوعين يفهم التكليف فيما يناسبه، والوضع كذلك.

ثمّ إنّ «القرب» المنهيّ عنه المأخوذ كناية، إن كان القرب المكاني، فالمعنى الكنائي لا بدّ وأن يكون مناسباً له حتّى ينتقل منه إليه، وهو التصرّفات الخارجية الملازمة للقرب المكاني، كالأكل والشرب والركوب ونحوها، دون التصرّفات

ص: 748


1- - تقدّم في الجزء الأوّل: 88 - 89 و447 - 448؛ وفي هذا الجزء: 389 و651.
2- - المسند، أحمد بن حنبل 12: 129 / 15248؛ سنن ابن ماجة 2: 737 / 2187؛ السنن الكبرى، البيهقي 5: 339.

الاعتبارية، فإنّها غير مناسبة للقرب والبعد المكانيين.

ولو اُريد به الكناية عن التصرّفات الاعتبارية، لا بدّ فيه من تأويل، كتنزيلها منزلة التصرّفات الخارجية الملازمة للقرب المكاني.

وإن اُريد ب-«القرب» معنى أعمّ من المكاني - كالمنسوب إلى المعاني والمجرّدات، فيقال: «العبد قريب من ربّه، وهو تعالى أقرب إليه من حبل الوريد، والمعنى الكذائي قريب إلى الفهم، أو بعيد عنه...» إلى غير ذلك - فهل تصحّ الكناية به عن التصرّفات الاعتبارية المحضة، كعقد البيع والإجارة من الفضولي مع عدم تماسّه مع العين؛ بأن يقال: العقد نحو قرب، والتصرّف الاعتباري نحو قرب، أو لا؟

وهذا أوجه؛ لأنّ كون القرب موضوعاً لمعنى عامّ، أو مراداً به معنى عامّ، ليس معناه أنّه - نظير الشيء - من الاُمور العامّة الصادقة على كلّ موجود ووجود؛ ضرورة لزوم اعتبار نحو من القرب بين الشيئين حتّى يقال: «إنّه قريب منه» وكذا البعد.

فهما من المعاني الإضافية والنسبية، فلا يطلقان إلاّ في مورد يكون بين الشيئين نحو قرب وبعد، كقرب المكانة، وقرب النسب، وأمّا مجرّد إجراء عقد غير مؤثّر في العوضين، فليس قرباً، ولا مقابله بعداً، فلا يطلق عليه «القرب» ولو بمعناه العامّ إلاّ بتأويل، كتنزيل ذلك منزلة التصرّف الخارجي.

بل لا يصدق على مجرّد العقد «التصرّف في العين» أيضاً، وإلاّ لزمت حرمته؛ لحرمة التصرّف في مال الغير، فإطلاق «التصرّف» على الاعتباريات - في مثل الفضولي - مبنيّ على مسامحة وتأويل، فالعقد على مال اليتيم ليس قرباً منه

ص: 749

بوجه ولو فرض وضعه لمعنى أعمّ من القرب المكاني.

مع أنّ الظاهر أنّ صدق «القرب والبعد» على غير المكاني والزماني مبنيّ على تشبيه وتأويل.

ولو اُغمض عن ذلك، فلا شبهة في أنّ المتبادر منهما إلى الأذهان العرفية - مع عدم القرينة - هو المكاني أو الزماني ولو لأجل الانصراف، فلا بدّ من حمل الكلام مع عدم القرينة على ذلك، ولمّا لم يكن للقرب الزماني هاهنا وجه، فهو محمول على المكاني، فيكون ذلك قرينة على أنّ المكنّى عنه هو التصرّفات الخارجية الملازمة للقرب المكاني.

هذا مضافاً إلى أنّ القرائن الكثيرة الموجودة في المقام، تجعل الكلام ظاهراً في التصرّفات العينية:

منها: أنّ المتعلّق هو الأعيان الخارجية، وهو مال اليتيم، والقرب والبعد عن الأعيان ظاهر في المكاني منه، فإذا قال: «لا تقرب بيت اليتيم أو ثوبه» لا يفهم منه إلاّ النهي عن القرب المكاني، ومال اليتيم أمر منتزع من الأعيان كالبيت والثوب، وعنوان لها.

وتوهّم: أنّ عنوان «المال» مناسب للتصرّفات الاعتبارية(1)، ساقط لا يعتنى به كما لا يخفى.

ومنها: أنّ النهي إذا تعلّق بعنوان له نفسية - كعنوان «الخمر» و«الفقّاع» ونحوهما - يكون ظاهراً في الحرمة التكليفية، ومال اليتيم له نفسية، فالنهي

ص: 750


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 98.

المتعلّق به ظاهر في التكليفية، فلا بدّ من كون المراد به التصرّفات الخارجية؛ فإنّ مجرّد العقد على مال اليتيم ليس بحرام جزماً، كما أنّ العقد الفضولي ليس بحرام.

ومنها: أنّ الآيات التي وقعت تلك الآية الشريفة خلالها كلّها محرّمات نفسية، وفيها بعض الواجبات النفسية، والظهور السياقي نحو ظهور معتبر.

ومنها: أنّ قوله تعالى في صدر الآيات في سورة الأنعام: «قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ»(1) ظاهر بلا ريب في المحرّمات التكليفية عند الإطلاق، فيدلّ ذلك على أنّ المتلوّ كلّه من المحرّمات التكليفية.

ولا شبهة في أنّ مجرّد بيع مال اليتيم وإجارته ونحوهما لا تكون محرّمة، فيستكشف منه أنّ المراد هو التصرّفات الخارجية التي هي محرّمة تكليفاً.

ومنها: أنّ تلك الآية الكريمة وقعت في سورة الإسراء في خلال آيات المحرّمات والواجبات والمواعظ والحكم، وفي ذيلها قوله تعالى: «ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ»(2).

والظاهر أنّ الإشارة متوجّهة إلى جميع المذكورات التي هي من الحكم والنصائح، وهو يدلّ على أنّ النهي تكليفي لا إرشادي؛ فإنّ نحو قوله: «لا يصحّ البيع» و«بطلت الإجارة» ونحو ذلك، ليس من الحكم والنصائح، فإذا كان الحكم تكليفياً، فلا بدّ وأن يتعلّق بالتصرّفات العينية، لا الاعتبارية.

ص: 751


1- الأنعام (6): 151.
2- الإسراء (17): 39.

فالظاهر أنّ الآية الكريمة كسائر ما وردت في حرمة أكل مال اليتيم، ولا تعرّض لها لنحو البيع والإجارة ونحوها، كما لا تتعرّض سائر الآيات التي هي في خلالها للحكم الوضعي.

فقوله تعالى: «وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنى»(1) لا يفهم منه إلاّ الحرمة التكليفية، ولا تفهم منه حرمة إجارة الزانية للزنا وبطلانها.

وكذا قوله تعالى: «وَلاَ تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ»(2) لا يدلّ إلاّ على حرمتها، لا على بطلان الاكتساب بها، ولا فرق بينهما وبين الآية الكريمة، فبناء على ذلك تكون الآية الكريمة أجنبيّة عمّا نحن بصدده.

ثمّ إنّ المراد بال-«أَحْسَن» إمّا الأفضل، أو مجرّد الحسن، وأمّا إرادة الخالي عن المفسدة فبعيدة.

فعلى الأوّل: لا بدّ في تحقيقه من بيان أمر، وهو أنّه قد عرفت فيما سبق: أنّ ما يمكن أن يراد بالنهي عن القرب - بنحو الكناية - إمّا التصرّفات الاعتبارية كالبيع والصلح، أو الخارجية كالأكل والشرب، أو هما معاً، أو أمر ثبوتي أعمّ منهما ومن الإبقاء الملازم للترك(3).

فحينئذٍ نقول: إنّ المكنّى عنه إمّا عنوان وحداني لا تكثّر فيه، كعنوان التصرّف الاعتباري، أو الخارجي، أو مطلق الأمر الثبوتي الأعمّ.

أو عنوان ناظر إلى الكثرات، مثل كلّ تصرّف، أو كلّ أمر ثبوتي؛ ممّا يدلّ

ص: 752


1- الإسراء (17): 32.
2- الأنعام (6): 151.
3- - تقدّم في الصفحة 747.

على الكثرة، ونحوه ما إذا كان الملحوظ عناوين التصرّفات، نحو الأكل والشرب، أو البيع والهبة.

فإن كان الملحوظ والمكنّى عنه العنوان الوحداني الأعمّ - أي الأمر الثبوتي الأعمّ من التصرّفات والإبقاء، من غير لحاظ المصاديق والكثرات - فلا يعقل أن يكون الأحسن تفضيلاً إن كان التفضيل في المصاديق، لا في الحيثيات والكيفيات؛ فإنّ المفروض أنّ العنوان المأخوذ وحداني غير ناظر إلى الكثرة.

فتفضيل هذا العنوان غير معقول؛ لعدم كون شيء مقابله يكون مفضّلاً عليه، فالعنوان جامع لجميع ما يتصوّر من التصرّفات ونحوها، وليس شيء منها خارجاً عنه يكون مفضّلاً عليه.

وأمّا التفضيل في الكيفية، فلا يعقل إلاّ إذا قدّر في الكلام تقدير مناسب له؛ بأن يقال: «لا تقربوا مال اليتيم بكيفية وخصلة إلاّ الكيفية التي هي أحسن» وهو خارج عن الفرض، هذا إذا اُريد المعنى الوحداني الجامع بين الكلّ.

وأمّا إذا اُريد الجامع الوحداني من الاُمور الاعتبارية، فالتفضيل لا بدّ وأن يقع بينه وبين غيره من الترك والتصرّف الخارجي، وكذا الكلام في الجامع بين التصرّفات الخارجية أو الجامع بينهما.

وأمّا إذا اُريد بالمكنّى عنه الأفراد والكثرات، فلا مانع من التفضيل فيها بعضها على بعض.

ثمّ لو كان المراد الأحسن من كلّ شيء، فلازمه عدم الجواز لو كان جميع التصرّفات أو بعضها متساوية لا تفضيل فيها، أو لا يكون في بعض التصرّفات حسن؛ لعدم صدق «التفضيل».

ص: 753

ولو اُريد الأحسن من الترك، فلازمه جواز البيع مثلاً لو كان أحسن من تركه وإن كانت الإجارة أصلح... إلى غير ذلك من لوازم التفضيل، ممّا لا داعي لذكرها مع بطلان أصل المبنى، كما لا داعي لذكر الاحتمالات ولوازمها على فرض تقدير الكيفية والخصلة.

ثمّ لو قلنا: بأنّ المكنّى عنه هو التصرّفات الاعتبارية، فهل تلاحظ الأحسنية في نفس تلك التصرّفات فقط، أو الأحسنية في الجهة المالية الأعمّ من التصرّفات، أو الأعمّ منها ومن الجهات المعنوية الخارجية المربوطة باليتيم وصلاحه؟

ولازم الاحتمال الأوّل هو جواز بيع نصف داره مشاعاً إذا كان أصلح من سائر المعاملات، وإن كان حصول الشركة موجباً للضرر أكثر من النفع الحاصل من بيعها.

ولازم الثاني جوازه وإن كان الشريك فاسداً مؤذياً شارباً للخمر موجباً لفساد الطفل، إن كانت الجهات المالية محفوظة.

الظاهر المتفاهم من الآية على فرض كونها في مقام البيان في المستثنى أيضاً، هو لحاظ مصالح اليتيم من جميع الجهات، لا من الجهات المالية فقط.

فلو كان هنا مشتريان، أحدهما: شخص صالح، توجب الشركة معه وجاهة الطفل وتربيته الصالحة النافعة له طيلة حياته، والآخر: شخص فاسق خائن، توجب شركته سقوط الطفل عن الوجاهة وعن أعين الناس، وكان الأوّل يشتري بأقلّ من الثاني، ليس للوليّ قصر نظره على المالية، بل لا بدّ من ملاحظة مصلحة الطفل.

ص: 754

وبعبارة اُخرى: المراد ب-«الَّتِى هِىَ أَحْسَنُ» ليس الأحسن من حيث الجهات المالية فقط، بل المتفاهم أنّ الآية سيقت لمراعاة حال اليتيم وحفظ مصالحه، لا لمصلحته المالية فقط، فلا بدّ للوليّ من مراعاة جميع الجهات.

وعلى ذلك؛ أي بناءً على أنّ اللازم مراعاة مصلحة اليتيم، لو كان «الأحسن» بمعنى الحسن، وكانت معاملات متفاضلة، بعضها أعلى من بعض، وتساوت في الجهات الاُخرى، ليس للوليّ بيعه إلاّ بالأغلى ثمناً؛ لأنّ الأدون وإن كان مشتملاً على المصلحة والحسن، لكن إذا لوحظ صلاح اليتيم لا يكون صلاحه إلاّ البيع بالأغلى، لا بما دونه؛ لأنّه خلاف صلاحه عرفاً، ويعدّ الوليّ خائناً عاملاً على خلاف صلاحه، ففي هذه الحيثية يشترك الحسن مع الأحسن.

ثمّ إنّ الأمر في «الأحسن» دائر بين احتمالين، أحدهما: التفضيل، والآخر: مجرّد الحسن.

وعلى الأوّل: يلزم تقدير المفضّل عليه، وهو خلاف الأصل، كما لا يبعد أن يكون الثاني خلاف الظاهر.

ومع الدوران بينهما، فالترجيح غير معلوم، فيلزم منه إجمال يسري إلى المستثنى منه، ولازمه عدم حجّيته إلاّ في المتيقّن، وهو التصرّف بلا صلاح وحسن، فلا يمكن الاستفادة من الآية الكريمة إلاّ عدم جواز التصرّف بلا مصلحة، وأمّا لزوم مراعاة الأصلح فلا، فلو دلّ دليل على صحّة التصرّف مع المصلحة، لا تعارضه الآية الكريمة.

هذا بعض الكلام في الآية الشريفة، وقد تقدّم أنّ الظاهر منها هو الحرمة

ص: 755

التكليفية المتعلّقة بالتصرّفات الخارجية(1)، كما تقدّم أنّ الآية ليست بصدد البيان في المستثنى(2)، وعليه فكلّ ما قلنا أو قيل في الاحتمالات الجارية في المستثنى(3)، مبنيّ على فرض غير واقع.

وأمّا الروايات:

فمنها: ما تعرّضت للتصرّفات الاعتبارية، كصحيحة علي بن رئاب قال: سألت أبا الحسن موسى (عليه السّلام) عن رجل بيني وبينه قرابة، مات وترك أولاداً صغاراً، وترك مماليك له؛ غلماناً وجواري، ولم يوص، فما ترى فيمن يشتري منهم الجارية فيتّخذها اُمّ ولد، وما ترى في بيعهم؟

قال فقال: «إن كان لهم وليّ يقوم بأمرهم باع عليهم ونظر لهم، وكان مأجوراً فيهم».

قلت: فما ترى فيمن يشتري منهم الجارية فيتّخذها اُمّ ولد ؟

فقال: «لا بأس بذلك إذا باع (إذا أنفذ ذلك - خ. ل) عليهم القيّم لهم الناظر فيما يصلحهم، فليس لهم أن يرجعوا فيما صنع القيّم لهم الناظر فيما يصلحهم»(4).

ص: 756


1- - تقدّم في الصفحة 750 - 751.
2- - تقدّم في الصفحة 742.
3- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 575؛ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 427.
4- - الكافي 5: 208 / 1، و7: 67 / 2؛ الفقيه 4: 161 / 564؛ تهذيب الأحكام 7: 68 / 294؛ وسائل الشيعة 17: 361، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع، الباب 15، الحديث 1.

والظاهر منها أنّ التصرّف الاعتباري يختصّ بالقيّم والوليّ، وليس لغيرهما ذلك، وصحّة تصرّف القيّم والوليّ موقوفة على كونه ذا مصلحة؛ ضرورة ظهور عناية واضحة في ذلك بتكراره في قوله (عليه السّلام): «باع عليهم ونظر لهم» الظاهر في مراعاة صلاحهم، وفي قوله (عليه السّلام): «القيّم لهم الناظر فيما يصلحهم» الظاهر في أنّ القيمومة لا تكفي للصحّة والنفوذ، بل لا بدّ منها ومن مراعاة المصلحة، ويظهر منه أنّ القيّم موظّف بالنظر فيما يصلحهم.

ثمّ إنّها تشمل من عدا الأب خاصّة، أو من عدا الأب ووصيّه من سائر الأولياء، جدّاً كان، أو وصيّه القيّم عليهم، أو فقيهاً، أو القيّم من قبله، أو عدول المؤمنين لو قلنا: بولايتهم، خرج منها الجدّ بالأدلّة المتقدّمة، وبقي الباقي.

ومنها: ما تعرّضت للتصرّفات الخارجية، كرواية عبداللّه بن يحيى الكاهلي - التي لا يبعد أن تكون صحيحة، أو حسنة كالصحيحة - قال: قيل لأبي عبداللّه (عليه السّلام): إنّا ندخل على أخ لنا في بيت أيتام، ومعه خادم لهم، فنقعد على بساطهم، ونشرب من مائهم، ويخدمنا خادمهم، وربّما طعمنا فيه الطعام من عند صاحبنا، وفيه من طعامهم، فما ترى في ذلك؟

فقال: «إن كان في دخولكم عليهم منفعة لهم فلا بأس، وإن كان فيه ضرر فلا».

وقال (عليه السّلام): «بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ» فأنتم لا يخفى عليكم، وقد قال اللّه عزّ وجلّ: «وَاللّه ُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ»(1).

ص: 757


1- - الكافي 5: 129 / 4؛ تهذيب الأحكام 6: 339 / 947؛ وسائل الشيعة 17: 248، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 71، الحديث 1.

والظاهر أنّ السؤال عن جواز الدخول في بيت اليتيم، والتصرّف في أمواله، فأجاب: بأنّ المجوّز للدخول والتصرّف كونه منفعة لهم.

والظاهر أنّ المنفعة المترتّبة على نفس الدخول مجوّزة، كما لو كان في دخوله جلب أنظار المحسنين إلى الأيتام، أو الأعمّ منها وممّا تترتّب على دخوله، كما لو كان معه محسن يريد جلب نظره إليهم، أو دخل وأراد إهداء هديّة نافعة لهم عرفاً.

وليست الرواية سؤالاً وجواباً ناظرة إلى عوض التصرّفات، فضلاً عن عوض المثل، ولا ناظرة إلى الضمان فيما أتلف أو تصرّف فيه، بل ناظرة إلى المنافع الغالبة المترتّبة على الدخول عليهم.

ولعلّ ذلك لمراعاة حال الأيتام، والكفيل لهم، والداخلين على الكفلاء؛ فإنّ في المنع مطلقاً ضيقاً على الكفيل والواردين عليه، وفي التجويز مطلقاً تصرّفاً في مال الأيتام بلا وجه، وضرراً عليهم، فأجاز الشارع الأقدس للداخل عليهم الدخول بشرط كونه منفعة لهم؛ بحيث يقال عرفاً: «إنّ دخول فلان كان بنفع اليتيم».

ولا ينبغي الإشكال في أنّ الداخل إذا تصرّف في مالهم وأدّى عوضه، لا يكون دخوله بنفعهم عرفاً، وليس المراد جزماً تعقّب تصرّفه بشيء مساوٍ للإضرار بهم، فضلاً عن كونه أقلّ.

فما قيل: من أنّ الأصل الذي تلاحظ الزيادة بالنسبة إليه هو الدخول في بيت اليتيم، والقعود على بساطه، والأكل من طعامه، فما يتعقّبه - ممّا يصل إلى اليتيم - زيادة بالإضافة إلى ذلك الأصل، فمع تعقّب التصرّفات بشيء لا بأس،

ص: 758

لكن أتى بالشرطية الثانية لدفع توهّم أنّ مجرّد التعقيب بشيء كافٍ في الجواز، فلا بدّ أن لا يكون معه ضرر أصلاً، ثمّ حمل كلام الشيخ الأعظم قدّس سرّه(1) على ذلك، ثمّ قال: فتدبّر فإنّه حقيق به(2)، انتهى ملخّصاً.

ممّا لا ينبغي أن يصدر من مثله؛ فإنّ قوله (عليه السّلام): «إن كان في دخولكم منفعة عليهم» إنّما هو لمراعاة حال اليتيم، ولا شبهة في أنّ من أتلف من ماله عشرة دنانير، ثمّ عقّب ذلك بإهداء دينار له، لا يقال: «إنّ في دخوله على اليتيم منفعة له» وكذا لو عقّبه بمثل ما أتلف.

ففي أمثال المقام لا بدّ من الرجوع إلى العرف، لا التحليلات العقلية الموجبة للخروج عن فهم الأخبار.

وممّا ذكرناه من أنّ كلامه (عليه السّلام) سيق لمراعاة حال الأيتام، يظهر عدم التنافي بين مفهومي الشرطيتين؛ فإنّ القرينة في المقام قائمة على أنّ المراد من (النفع) أمر زائد على ما أتلف على اليتيم، زيادةً يقال معها عرفاً: «إنّ في دخوله منفعة».

فعلى هذا: يكون الميزان الشرطية الاُولى ومفهومها، فذكر الثانية لبيان مصداق من المفهوم، ولعلّ ما ذكر جار في غير المقام أيضاً، فتحمل الشرطية الثانية على بيان مصداق من مفهوم الاُولى في جميع الموارد إلاّ فيما دلّ الدليل على خلافه، ولو لم يسلّم في سائر المقامات ففي المقام لا بدّ من تسليمه؛ لقيام القرينة عليه، فتدبّر.

فتحصّل ممّا مرّ: أنّ الداخل إن رأى أنّ في دخوله منفعة للأيتام مع لحاظ

ص: 759


1- - المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 577.
2- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 430.

ما أتلف عليه جاز، وإلاّ لم يجز، سواء كان ضرراً عليه أم لا.

ثمّ لا يبعد أن تكون الإجازة مختصّة بأشباه ما في الخبر؛ من الدخول على من تكفّل الأيتام واختلط بهم، كما في الروايات المتقدّمة(1) المفسّرة لقوله تعالى: «وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ...»(2) إلى آخره، فأجاز الشارع الأقدس للكفيل الاختلاط بالأيتام في الأكل والشرب ونحوهما؛ لنكتة احتملناها سابقاً (3)، وأجاز للداخل الاختلاط بهم مع حصول النفع لهم.

وأمّا في غير هذه الصورة وأشباهها فمشكل، وإن احتمل جوازه مطلقاً؛ نظراً إلى أنّ قوله (عليه السّلام): «إن كان في دخولكم عليهم...» إلى آخره، ظاهر في أنّ تمام الموضوع مراعاة حال اليتيم وحصول النفع له، سواء كان في بيت كفيل أو لا.

وفيه تأمّل؛ فإنّ إيصال النفع لا يتوقّف على التصرّف في ماله، والخروج عن القواعد مشكل، خصوصاً مع احتمال أن تكون الإجازة - بهذا النحو - لمراعاة الداخل والمدخول عليه والأيتام جميعاً، كما أشرنا إليه(4).

كما لا يصحّ إلحاق التصرّفات المعاملية بالتصرّفات المباشرية الخارجية، الواردة في حسنة الكاهلي بدعوى الأولوية.

بتقريب: أنّه لو جاز التصرّف - الذي هو لانتفاع المتصرّف دون اليتيم - بمجرّد عدم الضرر والمفسدة، لجاز معه التصرّف الراجع إلى اليتيم بالأولوية؛

ص: 760


1- - تقدّم في الصفحة 744.
2- البقرة (2): 220.
3- تقدّم في الصفحة 745.
4- - تقدّم في الصفحة 758.

حيث إنّه ليس فيه إلاّ تحمّل كلفة اليتيم(1).

فإنّه مضافاً إلى أنّ تلك الأولويات الظنّية - على فرضها - لا يعتمد عليها في الفقه، وليس لأحد دعوى القطع بعد ما نرى في الفقه ما لا يصل إليه عقولنا.

ومضافاً إلى أنّ المبنى غير وجيه؛ لما عرفت: من أنّ المراد من «المنفعة» ما يصل إلى اليتيم زائداً عمّا أتلف عليه(2)، فلا وجه لدعوى الأولوية، وإلحاق المشابه بالمشابه باطل وقياس، لو لم نقل: إنّ إلحاق الأولى أيضاً قياس باطل.

قد تقدّم أنّ المحتمل قريباً في إجازة الداخل هو مراعاة الوارد والمورود عليه والأيتام جميعاً (3)، ومع هذا الاحتمال لا يمكن إلحاق غيره به.

مع أنّ صحيحة علي بن رئاب(4) الواردة في التصرّف المعاملي تدفع هذه المزعمة؛ لما عرفت من أنّ الظاهر منها اختصاص صحّة تلك التصرّفات بالوليّ، ولا تنفذ من غيره(5).

ثمّ إنّه في رواية الكاهلي(6) التي يظهر منها اشتراط جواز تصرّف الداخل بحصول منفعة للأيتام، قد تمسّك (عليه السّلام) بقوله تعالى: «وَاللّه ُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلحِ»(7) وفي روايات جواز مخالطة اليتيم التي لم يشترط فيها

ص: 761


1- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 431.
2- - تقدّم في الصفحة 759.
3- تقدّم في الصفحة 758.
4- - تقدّم في الصفحة 756.
5- - تقدّم في الصفحة 757.
6- - تقدّم في الصفحة 757.
7- - البقرة (2): 220.

المنفعة(1)، تمسّك به أيضاً.

فربّما يتوهّم نحو منافاة بينهما، على ما استظهرناه من رواية الكاهلي: بأنّ «النفع» لا يصدق إلاّ مع زيادة عن ثمن المثل، بمقدار يقال معه عرفاً: «إنّ في الدخول على الأيتام منفعة لهم».

بل ربّما يتوهّم: أنّ روايات الاختلاط شاهدة على أنّ المراد بالمصلح عدم المفسد(2)، فتحمل رواية الكاهلي على ذلك، فتصير النتيجة كفاية أداء مقدار ما أتلف من مال الأيتام في جواز الدخول، وهو المراد من المنفعة.

لكنّه زعم غير وجيه؛ لما عرفت: من أنّ في كون الأيتام في منازل من يكفلهم مختلطين بهم غير ممتازين في المأكل والمشرب عنهم وعن أطفالهم - بحيث لا يمسّوا ألم اليتم - مصلحة بل مصالح كثيرة، ربّما ترجّح على المصالح المادّية، بل ربّما تورث في المستقبل تأهّلهم لجلب المنافع المادّية أيضاً (3).

فإجازة الاختلاط والأكل على مأدبة واحدة كالإخوان وكالآباء والأولاد، إجازة لأمر ذي مصلحة ومنفعة، فلا تنافي بينها وبين رواية الكاهلي لدى التأمّل.

ثمّ إنّه على ما ذكرناه(4) من قوله تعالى: «وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ... »(5) إلى

ص: 762


1- - راجع وسائل الشيعة 17: 254 - 256، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 73.
2- - حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 431.
3- تقدّم في الصفحة 745.
4- - تقدّم في الصفحة 742 و755.
5- الأنعام (6): 152.

آخره - من عدم كونه في مقام بيان حكم المستثنى، وأنّ الإجمال في «الأحسن» يوجب الإجمال في المستثنى منه، فلا يكون حجّة إلاّ في الحرمة بغير مصلحة - لا تنافي بينه وبين روايتي ابن رئاب والكاهلي، سواء اُريد بالآية الكريمة التصرّفات الاعتبارية، أو الخارجية، أو كلاهما، كما هو واضح.

وأمّا لو قلنا: بالإطلاق في الجملتين، وبنينا على ظهور ال- «أَحْسَن» في التفضيل، فإن قلنا: بأنّ المراد منها التصرّفات الاعتبارية، يقع التعارض بينها وبين صحيحة ابن رئاب من جهتين:

إحداهما: أنّ عموم مفهوم الآية يقتضي جواز تصرّف كلّ أحد إذا كان على الوجه الأحسن، والصحيحة قصرت نفوذ التصرّف في الأولياء.

وثانيتهما: أنّ في الآية اعتبرت الأحسنية، والظاهر من الصحيحة كفاية المصلحة والحسن في تصرّف الوليّ.

والجمع بينهما بتخصيص الآية بها، إن قلنا: بأنّ المستفاد من الرواية قصر جواز التصرّف بالوليّ، وإنّما استفدنا منها كفاية المصلحة لأجل التوصيف الوارد فيها، كقوله (عليه السّلام): «الناظر فيما يصلحهم» فحينئذٍ إن لزم التخصيص الأكثري المستهجن، يجب طرح الرواية والأخذ بالآية، وإلاّ تخصّص بها.

وإن قلنا: بأنّ المستفاد من الرواية نفوذ تصرّف الوليّ إذا كان بوجه حسن، تقيّد الآية الشريفة بها، فتصير النتيجة: توقّف نفوذ تصرّف كلّ أحد على أن يكون بالوجه الأحسن إلاّ الأولياء؛ فإنّ تصرّفهم نافذ بالوجه الحسن.

وممّا ذكر يظهر الكلام فيما إذا اُريد بالآية التصرّفات العينية الخارجية، وكذا إذا اُريد الأمران، ولا داعي لطول الكلام بعد فساد المبنى.

ص: 763

مسألة جواز نقل المصحف إلى الكافر

عن المشهور عدم جواز نقل المصحف إلى الكافر(1)، والظاهر أنّ هذا العنوان بمناسبة كتاب البيع، وإلاّ فمقتضى الأدلّة على فرض تماميتها عدم تملّك الكافر له، وهو أعمّ من العنوان.

ولا بدّ من تمحيص البحث في ذلك مع قطع النظر عن طريان عناوين اُخر، كعنوان الإهانة، ولزوم التنجيس؛ فإنّ ذلك - على فرض تماميته - لا يختصّ بالكافر، مضافاً إلى عدم تماميته.

أمّا الإهانة، فلا إشكال في حرمتها، لكن تعلّق الحكم بهذا العنوان لا يسري إلى عنوان البيع المتّحد معه في الخارج، على ما حقّق في اجتماع الأمر والنهي(2)، فلا يكون البيع بعنوانه محرّماً، مع أنّ التحريم لا يوجب البطلان، بل لازمه الصحّة.

ص: 764


1- - المبسوط 2: 62؛ شرائع الإسلام 1: 305؛ تذكرة الفقهاء 10: 23؛ جواهر الكلام 22: 338؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 601.
2- - مناهج الوصول 2: 111 - 116.

مضافاً إلى ما في دعوى لزوم الإهانة(1)، فإنّها ممنوعة في أصل النقل والتملّك الاعتباريين، بل وفي التسليط الاعتباري والخارجي أيضاً، وقد ورد عن رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم): أنّه كتب إلى عدّة من الملوك كتاباً يدعوهم إلى الإسلام، وكتب فيه آية من الكتاب العزيز، وهو قوله تعالى: «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِ لى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ...»(2) إلى آخره(3).

ولو كان التسليط الخارجي إهانة لما فعل؛ فإنّ أجزاء المصحف كنفسه، إلاّ أن يفرّق بين الأجزاء التي وقعت بين الكلام الخارجي وغيرها.

وكيف كان: ليس النقل ونحوه إهانة للكتاب، بل لعلّ نشره تعظيم له.

وأضعف من ذلك التشبّث بحرمة التنجيس(4)؛ لعدم الملازمة بين النقل والتسليط وبين التنجيس، ولو تمّ ذلك لما اختصّ بالكفّار.

مضافاً إلى أنّ حرمة التنجيس لا توجب حرمة البيع أو النقل أو التسليط، ولو قلنا: بحرمة مقدّمة الحرام.

ويتلوهما في الضعف دعوى استفادة الحكم من حرمة التنجيس بالأولوية القطعية، وهي كما ترى.

ص: 765


1- - الروضة البهيّة 2: 195؛ الحدائق الناضرة 18: 428؛ جواهر الكلام 22: 338 - 339.
2- آل عمران (3): 64.
3- - صحيح البخاري 6: 362 / 978؛ صحيح مسلم 4: 45 / 1773؛ بحار الأنوار 20: 386.
4- - اُنظر المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15: 164.

فالعمدة هي آية نفي السبيل(1) والنبوي المشهور(2).

أمّا الآية الكريمة وهي قوله تعالى: «وَلَنْ يَجْعَلَ اللّه ُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً» ففيها - مع قطع النظر عن صدرها - احتمالات حسب ما في التفاسير(3) وغيرها (4)؛ لكون «السبيل» بمعنى النصر، أو بمعنى الحجّة في الدنيا، أو الآخرة، أو بمعنى السلطنة الاعتبارية، أو الخارجية.

ولكن الظاهر عدم استعمال «السبيل» إلاّ في معناه، وهو الطريق في جميع الاستعمالات التي وقعت في الكتاب الكريم وغيره، ومواردها كثيرة جدّاً في الكتاب العزيز، لكن اُريد منه في بعضها معناه الحقيقي بحسب الجدّ، وفي أغلبها المعنى المجازي بنحو الحقيقة الادّعائية، نحو «سَبِيلِ اللّه ِ»(5).

و«سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ»(6).

و«سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ»(7).

و«سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ»(8).

ص: 766


1- - النساء (4): 141.
2- - يأتي في الصفحة 771؛ الفقيه 4: 243 / 778؛ وسائل الشيعة 26: 14، كتاب الإرث، أبواب موانع الإرث، الباب 1، الحديث 11؛ كنز العمّال 1: 66 / 246، و77 / 310.
3- - التبيان في تفسير القرآن 3: 364؛ مجمع البيان 3: 196.
4- حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 443.
5- البقرة (2): 154 و195 و217 - 218.
6- النساء (4): 115.
7- الأنعام (6): 55.
8- الأعراف (7): 142.

و«سَبِيلَ الرُّشْدِ»(1).

و«سَبِيلَ الغَىِّ»(2)... إلى غير ذلك(3)؛ بدعوى كون المعنويات كالحسّيات، ونحوها آية نفي السبيل، فلم يستعمل السبيل في النصر أو الحجّة.

بل من الممكن أن يكون المراد نفي جعل السبيل مطلقاً، فالمراد أنّه تعالى لن يجعل للكافرين طريقاً وسبيلاً على المؤمنين، لا في التكوين، ولا في التشريع:

أمّا في التكوين؛ فلأنّه تعالى أيّد رسوله (صلّی الله عليه وآله وسلّم) والمؤمنين بتأييدات كثيرة؛ معنوية، وصورية، وإمداد من الملائكة، والوعد بالنصر... وغير ذلك ممّا توجب قوّةً وشدّةً واطمئناناً للجيش الإسلامي، كما قال تعالى: «وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّه ُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ»(4).

وقال: «لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّه ُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ»(5).

وقال: «يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلاَفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُسَوِّمِينَ»(6).

وقال: «أَ لَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُنْزَلِينَ»(7).

ص: 767


1- الأعراف (7): 146.
2- الأعراف (7): 146.
3- - التوبة (9): 93؛ الرعد (13): 33.
4- آل عمران (3): 123.
5- التوبة (9): 25.
6- آل عمران (3): 125.
7- آل عمران (3): 124.

وقال: «إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً»(1).

وقال: «إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللّه ِ وَالْفَتْحُ»(2).

وقال: «نَصْرٌ مِنَ اللّه ِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ»(3)... إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي توجب تقوية النفوس والاطمئنان بالفتح، وأمثال ذلك من أقوى علل النصر والفتح، مضافاً إلى واقعياتها؛ من نزول الملائكة وإمدادهم.

فاللّه تعالى جعل طرقاً كثيرة للمؤمنين على الكافرين في التكوين، ولم يجعل ولن يجعل للكافرين على المؤمنين طريقاً وسبيلاً؛ إذ لم يؤيّدهم بتأييد صوري أو معنوي يوجب تقويتهم وغلبتهم، فهذه التأييدات والسبل اُمور زائدة على ما هو المشترك بين طوائف البشر؛ من إعطاء العقل، والقوّة، والقدرة.

فعلى هذا، يصحّ أن يقال: لن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلاً في التكوين، بل جعل لهم عليهم سبيلاً بل طرقاً وسبلاً، وكذا لم يجعل طريقاً لهم على المؤمنين في الاحتجاج؛ فإنّ كتاب المؤمنين كتاب «لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ»(4) بل حجّة المؤمنين حجّة ظاهرة قويّة.

وأمّا في التشريع؛ فلأنّه لن يجعل اللّه للكافرين سلطة اعتبارية على المؤمنين، مثل جعله رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) وليّاً وسلطاناً على الناس، ومن بعده خلفاءه المعصومين عليهم الصلاة والسلام، ومن بعدهم «العلماء باللّه الاُمناء

ص: 768


1- الفتح (48): 1.
2- النصر (110): 1.
3- الصفّ (61): 13.
4- فصّلت (41): 42.

على حلاله وحرامه» فهذا أيضاً طريق وسبيل لن يجعله لهم عليهم، كما أنّ الحجّة للمؤمنين على الكافرين في القيامة.

فتحصّل من ذلك: أنّ نفي السبيل مطلقاً لازمه نفي جميع السبل تكويناً وتشريعاً، فلم يكن الأمر دائراً بين أحد المعاني، كما يظهر من المفسّرين وغيرهم(1).

هذا مع الغضّ عن صدر الآية، وأمّا مع ملاحظته وهو قوله تعالى: «الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللّه ِ قَالُوا أَ لَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَ لَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللّه ُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللّه ُ...»(2) إلى آخره.

فقد يقال: إنّ وقوعه بعد قوله تعالى: «فَاللّه ُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ..» إلى آخره، دليل على أنّ المراد نفي السبيل في القيامة(3)، وأنت خبير بأنّه ليس بشيء.

نعم، يمكن أن يقال: إنّ قوله ذلك لنكتة مذكورة في الصدر، وهو قوله تعالى: «لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللّه ِ» فجعل الفتح منه تعالى وبتأييده وإمداده.

وقال في الكفّار: وإن كان لهم نصيب فلم يسمّه فتحاً، ولا نسبه إلى نفسه.

فلعلّ قوله: «وَلَنْ يَجْعَلَ اللّه» ناظر إلى هذه التفرقة؛ وأنّ النصيب الذي لهم ليس بإمداد من اللّه وتأييد وجعل سبيل، بخلاف فتح المسلمين، فإنّه فتح من قبل اللّه، وجعل سبيل للمسلمين عليهم.

ص: 769


1- - تقدّم في الصفحة 766، الهامش 3 و4.
2- النساء (4): 141.
3- - اُنظر مجمع البيان 3: 196؛ جواهر الكلام 22: 336 - 337.

لكن مع ذلك لا توجب تلك المناسبة صرف الكبرى إلى خصوص المورد، فلا يبعد استفادة مطلق السبيل منه.

ثمّ إنّ إسراء الحكم من المؤمنين إلى كتاب اللّه وسائر المقدّسات، والقول: بتحريم النقل إليهم، أو بطلانه، أو عدم تملّك الكافر إيّاها، إمّا بدعوى أنّ تسلّطهم عليها سبيل على المؤمنين(1)، أو بأنّ علّة نفي السبيل موجودة فيها؛ فإنّ حرمة القرآن أعظم من حرمة المؤمنين(2).

غير وجيه؛ فإنّ مالكية الكتاب ونحوه من كتب الأحاديث والفقه وغيرها - أو كون المالك مسلّطاً على ماله بالبيع والشراء - ليس سبيلاً على المؤمنين، لو لم نقل: بأنّ نشرها في بلاد الكفّار، وبسط المعارف الإلهية والأحكام والشرائع الإسلامية في أصقاعهم، نحو سبيل للمؤمنين على الكافرين، وطريق لهم عليهم لنفوذ الأحكام والحقائق الإسلامية في قلوبهم، ولعلّ ذلك يوجب انصرافهم أو تزلزلهم عن تلك الخرافات الموجودة في كتبهم التي حرّفت عن أصلها.

ولم يتّضح أنّ علّة نفي السبيل على المؤمنين احترام المؤمن، بل يمكن أن يكون له وجه سياسي، هو عطف نظر المسلمين إلى لزوم الخروج عن سلطة الكفّار بأيّة وسيلة ممكنة؛ فإنّ تسلّطهم عليهم وعلى بلادهم ليس من اللّه تعالى؛ فإنّه لن يجعل للكافرين عليهم سبيلاً وسلطة، لئلاّ يقولوا: «إنّ ذلك التسلّط كان

ص: 770


1- - اُنظر حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 412.
2- - اُنظر جواهر الكلام 22: 338 - 339؛ المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15: 162؛ منية الطالب 2: 262.

بتقدير من اللّه وقضائه، ولا بدّ من التسليم له والرضا به» فإنّه تسليم للذلّ والظلم، وأبى اللّه تعالى ذلك؛ فإنّ العزّة للّه ولرسوله وللمؤمنين.

وبهذه النكتة السياسية لنا أن نقول: إنّ نشر الكتاب العزيز مع ما له من المحاسن والمعاني العالية والاُسلوب الخاصّ به، ومع اشتماله على الحقائق والمعارف التي تخلو منها سائر الكتب المتداولة - كالتوراة والأناجيل الموجودة بأيديهم - راجح بل لازم، والمسلمون مأمورون بتبليغ الإسلام والأحكام، وأحسن وسيلة لذلك نشر كتاب اللّه تعالى في بلاد الكفّار، وكذا نشر سائر الكتب المقدّسة المشتملة على الأخبار والمعارف الإلهية.

والقول: بلزوم حفظ القرآن وسائر المقدّسات عن الوصول إليهم، خلاف مذاق الشارع الأقدس؛ من لزوم تبليغ الإسلام، وبسط أحكامه، ولزوم هداية الناس مع الإمكان بأيّة وسيلة ممكنة، واحتمال مسّ الكتاب أحياناً لا يزاحم تلك المصلحة الغالبة.

ولهذا أرسل رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) - على ما في التواريخ - مكاتيبه الشريفة المشتملة على آية كريمة من القرآن إلى السلاطين المعاصرين له(1)، مع احتمال مسّهم إيّاها؛ وذلك لأهمّية إبلاغ الإسلام وتبليغ الشريعة.

نعم، لو كان دليل متّبع على عدم الجواز فلا مناص من العمل به، لكن لا دليل عليه؛ إذ قد عرفت عدم دلالة الآية الكريمة.

وأمّا النبوي المشهور: «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه» فلا إشكال في كونه

ص: 771


1- - تقدّم في الصفحة 765.

معتمداً عليه؛ لكونه مشهوراً بين الفريقين على ما شهد به الأعلام(1)، والشيخ الصدوق قدّس سرّه نسبه إلى النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم) جزماً (2)، فهو من المراسيل المعتبرة.

لكن دلالته على حرمة نقل المصحف وغيره من المقدّسات إلى الكفّار ممنوعة:

أمّا على ما هو الظاهر منه من كونه جملة إخبارية؛ فلأنّه محمول إمّا على كون الإسلام يعلو على سائر الأديان حجّة وبرهاناً، نظير قوله تعالى: «هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ»(3) أي ليعليه على الأديان حجّة وبرهاناً.

وإمّا على غلبته على الأديان خارجاً، وفي الحديث: «إنّ ذلك عند ظهور القائم (عليه السّلام)»(4) فلا ربط له بالمقصود.

وأمّا على الحمل على إرادة الإنشاء جدّاً من الجملة الإخبارية؛ فلأ نّه يكون المفاد: «الإسلام يجب أن يعلو، ولا بدّ ألاّ يعلى عليه» أو «يحرم أن يعلى عليه» ويراد به حثّ المسلمين وتحريضهم على الجهد في علوّ الإسلام حجّة وغلبة خارجية.

ص: 772


1- - وسائل الشيعة 26: 14، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 1، الحديث 11؛ عوالي اللآلي 1: 226 / 118؛ صحيح البخاري 1 - 2: 574؛ الجامع الصغير 1: 474 / 3063؛ كنز العمّال 1: 66 / 246، و77 / 310.
2- الفقيه 4: 243 / 778.
3- التوبة (9): 33.
4- - البرهان في تفسير القرآن 4: 441 - 442؛ بحار الأنوار 53: 4.

فعليه يكون نشر كتب الإسلام - وفي طليعتها الكتاب الكريم - من وسائل علوّه وغلبة حجّته، بل دخيلاً في غلبته خارجاً أيضاً، فلو لم تدلّ الرواية على لزوم نشره بالنقل إليهم وغيره، فلا تدلّ على ما راموه.

والإنصاف: أنّه لم يدلّ دليل على حرمة النقل، أو عدم تملّك الكافر إيّاه، أو سائر الكتب المقدّسة، فمقتضى القاعدة صحّة نقله إليه وتملّكه له، على نحو ما صحّ للمسلم.

هذا آخر ما أردنا إيراده في هذا الجزء، والحمد للّه أوّلاً وآخراً، وصلّى اللّه على محمّد وآله الطاهرين.

ص: 773

ص: 774

الفهارس العامّة

اشارة

1 - الآيات الكريمة

2 - الأحاديث الشريفة

3 - أسماء المعصومين (عليهم السّلام)

4 - الأعلام

5 - الكتب الواردة في المتن

6 - مصادر التحقيق

7 - الموضوعات

ص: 775

ص: 776

فهرس الآيات الكريمة

الآية رقمها الصفحة

البقرة (2)

«سَبِيلِ اللّه ِ» 154، 195،217، 218 766

«كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ» 187 10

«وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّه ُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ » 220 743، 744

«إِصْلاَحٌ لَهُمْ خَيْرٌ» 220 743

«وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ» 220 743

«وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ» 220 760

«وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّه ُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ» 220 651

«فَإِخْوَانُكُمْ » 220 744

«وَاللّه ُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ » 220 757، 761

ص: 777

الآية رقمها الصفحة

«فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ» 237 615

«أَوْ يَعْفُوَا الَّذِى بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ» 237 303، 430

«وَأَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبوا» 275 571

«أَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ » 275 136، 279، 304، 351

«بِحَرْبٍ مِنَ اللّه ِ وَرَسُولِهِ» 279 581

«وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ» 279 578، 589

«رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا» 286 87

آل عمران (3)

«قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ» 64 765

«وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّه ُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ » 123 767

«أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُنْزَلِينَ» 124 767

«يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلاَفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُسَوِّمِينَ» 125 767

النساء (4)

«وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ» 2 13

«وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ» 5 21

ص: 778

الآية رقمها الصفحة

«وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ» 5 13

«وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِى جَعَلَ اللّه ُ لَكُمْ قِيَاماً» 5 25

«أَمْوَالَكُمْ» 5 26

«الَّتِى جَعَلَ اللّه ُ لَكُمْ قِيَاماً» 5 26

«وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ» 5 26

«وَابْتَلُوا الْيَتَامَى» 6 17، 19

«وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» 6 10

«الْيَتَامَى» 6 24

«حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ» 6 16

«إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ» 6 16

«فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً» 6 14، 15، 16، 19

«فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا» 6 21

«فَادْفَعُوا» 6 13

«إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً» 10 744

ص: 779

الآية رقمها الصفحة

«لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ » 11 706

«لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ » 29 126

«لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ» 29 190

«إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ» 29 125، 238، 414

«إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ» 29 129

«تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ» 29 118، 120، 136، 279، 298، 304، 351، 352

«تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ» 29 148

«إِنَّ اللّه َ يَأ ْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ» 58 679

«يَا أَ يُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّه ِ وَالرَّسُولِ » 59 679

«أَ لَمْ تَرَ إِ لَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا اُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ» 60 680

«يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ

ص: 780

الآية رقمها الصفحة

وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ» 60 678

«سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ» 115 766

«الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللّه ِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللّه ُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللّه ُ» 141 769

«لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللّه ِ» 141 769

«فاللّه ُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ» 141 769

«وَلَنْ يَجْعَلَ اللّه ُ» 141 769

«وَلَنْ يَجْعَلَ اللّه ُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً» 141 766

المائدة (5)

«أَوْفُوا» 1 147، 348، 368

«أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» 1 61، 125، 137، 138، 142، 146، 148، 202، 251، 285، 296، 303، 304، 308، 347، 351، 352، 367،

‘

ص: 781

الآية رقمها الصفحة

405، 407، 435، 454، 455، 460

«أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ» 1 643، 734

«فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ» 4 734

«إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا» 6 389، 652

«لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ» 63 694

الأنعام (6)

«سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ» 55 766

«فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّه ِ عَلَيْهِ» 118 734

«قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ» 151 742، 751

«وَلاَ تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ» 151 752

«مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ» 151 656

«وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ» 152 650، 739، 740، 741، 747

«وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ» 152 650، 652، 741، 747، 762

«الْيَتِيمِ» 152 650

«بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ» 152 755

«أَحْسَنُ» 152 752، 763

ص: 782

الآية رقمها الصفحة

الأعراف (7)

«مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ» 33 656

«سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ» 142 766

«سَبِيلَ الرُّشْدِ» 146 767

«سَبِيلَ الْغَىِّ» 146 767

الأنفال (8)

«يَسْأَ لُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ للّه ِ وَالرَّسُولِ» 1 705

«الرَّسُولِ» 1 705

«وَاعْلَمُوا أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ فَأَنَّ للّه ِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبى» 41 700، 702

«وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ فَأَنَّ للّه ِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ» 41 699

«فَأَنَّ ِللّه ِ خُمُسَهُ» 41 701

«وَلِلرَّسُولِ» 41 701

التوبة (9)

«لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّه ُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ» 25 767

«هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ» 33 772

ص: 783

الآية رقمها الصفحة

يونس (10)

«إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِى مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً» 36 47

«لاَ يُغْنِى مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً» 36 415

هود (11)

«فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللّه ِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ» 113 641

يوسف (12)

«وَاللّه ُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ» 21 685

«مَا هَذَا بَشَراً» 31 128

النحل »16 «

«لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَىْ ءٍ» 75 168

«إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ» 106 87، 102

الإسراء (17)

«وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى» 32 752

«وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ» 34 650، 739، 740، 741، 747

«وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ» 34 650، 652، 741، 747

ص: 784

الآية رقمها الصفحة

«الْيَتِيمِ» 34 650

«بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ» 34 755

«أَحْسَنُ» 34 752، 763

«ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ» 39 751

النور (24)

«وَآتُوا الزَّكَوةَ» 56 652

الأحزاب (33)

«النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» 6 689

«أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» 6 687

«وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللّه ُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ» 36 682

ص (38)

«يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَليفَةً فِى الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ» 26 679

فصّلت (41)

«لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ» 42 768

ص: 785

الآية رقمها الصفحة

الفتح (48)

«إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً» 1 768

النجم (53)

«الظَّنَّ لاَ يُغْنِى مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً» 28 564

الواقعة (56)

«لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأثِيمَاً * إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً» 25 - 26 130

الصف (61)

«لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ» 2 640

«نَصْرٌ مِنَ اللّه ِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ» 13 768

القيامة (75)

«بَلِ الاْءِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ» 14 757

النصر (110)

«إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللّه ِ وَالْفَتْحُ» 1 768

ص: 786

فهرس الأحاديث الشريفة

اتّباع السلطان، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم 673

اتّقوا الحكومة؛ فإنّ الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء 677

أحبّ إليّ أن ترضى بقول الجدّ 645

إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة، فإن احتلم قبل ذلك فقد وجب عليه الصلاة 32

إذا أقامت معه بعد ما أفاقت فهو رضاً منها 313

إذا بلغ الحلم كتبت عليه السيّ-ئات 33

إذا بلغ الماء قدر كرّ لا ينجّسه شيء 739

إذا خفي الأذان فقصّر 725

إذا خفيت الجدران فقصّر 725

إذا رضي الورثة... 725

إذا زوّجت فقد انقطع ملك الوصيّ عنها 28

إذا شهد عند الإمام شاهدان ... 695

إذا صمت حين يعلم ذلك فقد أقرّ 402

إذا علمت أ نّها لا تفسد ولا تضيّع 28

إذا علمت أ نّها لا تفسد ولا تضيّع ، يدفع إليها مالها 31

إذا كان الأكابر من ولده ... 725

ص: 787

إذا كان الأكابر من ولده معه في البيع فلا بأس به إذا رضي الورثة بالبيع 720

إذا كان القيّم به مثلك ومثل عبدالحميد فلا بأس 715

إذا كان القيّم مثلك ... فلا بأس 716

إذا كان بينهما نحاس أو ذهب فلا بأس 575

إذا كره الغائب ... 174

إذا كره الغائب لم يجز النكاح 173

إذا مات المؤمن الفقيه ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدّها شيء 671

إذا مات المؤمن بكت عليه ... 672

إذا مات المؤمن بكت عليه الملائكة 670

أرى تراثي نهباً 687

استوثق من مالك ما استطعت 351

الإسلام يعلو ولا يعلى عليه 771

اشتر لنا به شاة 157

أفتخر يوم القيامة بعلماء اُمّتي ، فأقول : علماء اُمّتي كسائر أنبياء قبلي 691

أفلا يجعلون فيها ذهباً ! 593

أفلا يجعلون فيها ذهباً لمكان زيادتها ! 575

الذين يأتون من بعدي ... 667

الذين يأتون من بعدي، يروون عنّي حديثي وسنّتي 666

الذي هوى الجدّ أحقّ بالجارية ؛ لأ نّها وأباها للجدّ 625

أليس إن شاء ترك ... 394

أليس إن شاء ترك، وإن شاء أخذ؟ 393

أمّا الحجّة فقد مضت بما فيها لا تردّ، وأمّا المعتق فهو ردّ في الرقّ 185

أمّا تزويجه فهو صحيح ، وأمّا طلاقه فينبغي أن تحبس عليه امرأته ... 262

ص: 788

أما علمت أنّ القلم يرفع... 34

أما علمت أنّ القلم يرفع عن ثلاثة : عن الصبيّ حتّى يحتلم... 31

أما علمت أنّ اللّه رفع القلم... 32

أمّا ما سألت عنه أرشدك اللّه وثبّتك... 675

أما والذي فلق الحبّة، وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر... 664

أمر الإمام بالإفطار... 695

إنّ أبي كان يقول : لا بأس ببيع كلّ متاع كنت تجده في الوقت 400

أنّ الابنة ووالدها لجدّها 648

إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً، ولكن ورّثوا العلم 690

أنّ الأنفال لرسول اللّه ولنا بعده 705

إنّ الجارية ليست مثل الغلام، إنّ الجارية إذا تزوّجت ودخل بها... 27

إنّ الجدّ إذا زوّج ابنة ابنه، وكان أبوها حيّاً، وكان الجدّ مرضيّاً، جاز 645

إنّ الخلق لمّا وقفوا على حدّ محدود... 674

أنّ الزائد يرجع إلى الوالي، والتقسيم بنظره 700

إنّ اللّه تبارك وتعالى أنزل في القرآن تبيان كلّ شيء 658

أنّ المهر على الذي زوّجها، وإنّما صار عليه المهر؛ لأ نّه دلّسها 484

إنّ النكاح أحرى أن يحتاط فيه 172

إنّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه قال : الحمد للّه الذي لم يخرجني... 658

أن تشتري معها ثوباً أو متاعاً 595

أنت ومالك لأبيك 625، 628، 643، 647، 652، 653

إنّ ذلك عند ظهور القائم (عليه السّلام) 772

إنّ رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) قال لجابر بن عبداللّه : كيف أنت إذا ظهر الجور؟ 588

ص: 789

إنّ رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) قال لرجل : أنت ومالك لأبيك 648

إنّ رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) قال له: يا عليّ إنّ القوم سيفتنون بأموالهم 588

أنّ سهم اللّه لرسول اللّه، وسهم رسول اللّه للإمام 700

إن شاء ترك 393

إنّ شيعتنا من ذلك وآباءهم في حلّ 268

إنّ علياً (عليه السّلام) أقضاكم 172

أنّ علياً (عليه السّلام) كان يقول : عمد الصبيان خطأ، يحمل على العاقلة 36

إن قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كلّه فلا بأس 721، 725

انقطاع يتم اليتيم بالاحتلام، وهو أشدّه، وإن احتلم... 28

إن كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم جائز، ولكن لهما الخيار إذا أدركا 261

إن كان الشيء قائماً بعينه ردّ على صاحبه 494

إن كان ربح فلليتيم 184

إن كان ربح فلليتيم، وإن كان وضيعة فالذي أعطى ضامن 182

إن كان في دخولكم عليهم... 760

إن كان في دخولكم عليهم منفعة لهم فلا بأس، وإن كان فيه ضرر فلا 757

إن كان في دخولكم منفعة عليهم... 759

إن كان قد مسّها في الفرج فإنّ طلاقها جائز عليها وعليه 263

إن كان لهم وليّ يقوم بأمرهم باع عليهم ونظر لهم، وكان مأجوراً فيهم 621، 756

إنّما أتى شيئاً حلالاً، وليس بعاصٍ للّه، إنّما عصى سيّده 167

إنّما جاء بأبيه إلى النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم) فقال : يا رسول اللّه، هذا أبي وقد ظلمني 628

إنّ مال الولد للوالد 624

أنّ ما لرسول اللّه فهو للإمام 703

أنّ ما للّه هو للرسول 701

ص: 790

إنّما هي بما يرجى عندكم من القيام بحقّ اللّه 693

إنّما يحلّل الكلام، ويحرّم الكلام 395

أ نّه كان يقول في المجنون والمعتوه الذي لا يفيق والصبيّ الذي لم يبلغ... 32

إنّه لم يعصِ اللّه، إنّما عصى سيّده، فإذا أجازه فهو له جائز 167، 168

إنّه لم يعصِ اللّه، وإنّما عصى سيّده 203

إنّه لو كان الربا حلالاً، لترك الناس التجارات وما يحتاجون إليه 578

أ نّه نهى عن بيع ما ليس عندك 192

أ نّه يُمسك أربعاً 115

إنّي لذات يوم عند زياد بن عبداللّه، إذ جاء رجل يستعدي على أبيه... 622

اُولئك رفقائي في الجنّة 667

أي عروة، ائت الجلب فاشتر لنا شاة 157

بارك اللّه في صفقة يمينك 157، 190، 297

باع عليهم ونظر لهم 757

بأنّ الأب وماله لوالده 648

بأنّ الولد وماله للوالد 648

بأ نّهم حجّتي عليكم، وأنا حجّة اللّه 675

بقدر ما أتلف من ماله 496

بقدر ما ذهب من ماله 496

بيع ما ليس عندي 391

تحمله العاقلة 39، 42، 43

تدفع إلى مولاها هي وولدها، وعلى مولاها أن يدفع ولدها إلى أبيه... 165

ترثه إن مات، ولا يرثها؛ لأنّ لها الخيار، ولا خيار عليها 175

تردّ الوليدة على مواليها، والولد للرجل 478، 484

ص: 791

تقوّم الجارية، ويغرم ثمنها للشركاء 489

ثمن العذرة من السحت 425

جاز عليه أمره، إلاّ أن يكون سفيهاً أو ضعيفاً 30

الجبر من السلطان، والإكراه من الزوجة 91

الجبر من السلطان، ويكون الإكراه من الزوجة والاُمّ والأب 97

الجدّ أولى بذلك ما لم يكن مضارّاً 649

جعلته حاكماً 690

الجنود بإذن اللّه حصون الرعية... 672

الحجّة قد مضت بما فيها لا تردّ 188

حرام بيعها وثمنها 425

خذ الربح، وأعطه النصف وأحلّه، إنّ هذا رجل تائب 264

درهم منه أعظم من سبعين زنية بذات محرم 581

ذاك إلى الإمام (عليه السّلام)، أرأيت رسول اللّه  كيف يصنع؟! 699

ذاك إلى سيّده، إن شاء أجازه، وإن شاء فرّق بينهما 166

ذلك إقرار منهم، أنت على نكاحك 401

ذلك إلى مولاه، إن شاء فرّق بينهما، وإن شاء أجاز 458

ذلك فساد على أصحابه، فلا يستطيعون بيعه ولا مؤاجرته 488

ذلك لمولاه، إن شاء فرّق بينهما، وإن شاء أجاز نكاحهما 167

رفع القلم... 39، 41، 42، 44، 45، 48

رفع... ما اضطرّوا إليه 121

رفع... ما اُكرهوا عليه 111، 135

رفع... وما اُكرهوا عليه 86، 88

ص: 792

رفع... وما لا يعلمون وما اضطرّوا إليه 136

سبحان اللّه، ما أجور هذا الحُكم وأفسده! إنّ النكاح أحرى أن يحتاط فيه 171

السلطان وليّ من لا وليّ له 694

صنائع المعروف تقي مصارع السوء 711

ضمن بقدر ما أتلف 497، 498

ضمنوا ما شهدوا به وغرموا، وإن لم يكن قضي طرحت شهادتهم... 493

العلماء باللّه الاُمناء على حلاله وحرامه 693، 769

العلماء حكّام على الناس 692

العلماء ورثة الأنبياء 732

علموا أ نّك تزوّجت؟ 401

على اليد... 466، 468، 513، 535، 539

على اليد ما أخذت 507، 518

على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه 319

على كتاب اللّه وسنّة نبيّه 702

على ما شرط 181

عمد الصبيّ خطأ 48

عمد الصبيّ وخطأه واحد 35

عمده خطأ 37

عمده خطأ يحمل على العاقلة 37

عمدهما خطأ 39، 41، 42، 43

عمدهما خطأ تحمله العاقلة، وقد رفع عنهما القلم 38

عمده وخطأُه سواء 43

عمده وخطأه واحد 38

ص: 793

عونك الضعيف من أفضل الصدقة 709، 711

غرمه بما جنت يده 490

الغصب كلّه مردود 538، 543

فاحذروهم على أديانكم 673

فإذا كانوا لا يعلمون 20

فإذا لم يكن إلى أجل كان أجود 400

فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا 728

فاشتر لنا شاة 157

فأمّا وجه الإمارة... فجعل للّه خمس الغنائم 699

فإن جاوزها وهلك المال فهو ضامن 179

فانظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه؛ فإنّ فينا أهل البيت... 688

فإن قال : فلم جعل اُولي الأمر، وأمر بطاعتهم؟ قيل : لعلل كثيرة... 659

فإن لم يقدر على العبد كان ثمنه الذي نقد في الشيء 596

فإنّهم حجّتي عليكم، وأنا حجّة اللّه 677

فإنّي قد جعلته حاكماً 681

فتقول لهم : أشتري منكم جاريتكم فلانة وهذا المتاع 596

فجعل عليهم قيّماً يمنعهم من الفساد، ويقيم فيهم الحدود 674

فرار من باطل إلى حقّ 584

فسهم اللّه وسهم رسول اللّه لاُولي الأمر من بعد رسول اللّه 704

فعلى الإمام أن يفتديه، ولا يملك ولد حرّ 165

فعلى الإمام أن يقيم الحدّ عليه 695

ففرض اللّه الإيمان تطهيراً من الشرك 660

الفقهاء اُمناء الرسل 674، 728

ص: 794

فلا بأس به إذا رضي الورثة وقام عدل في ذلك 724

فلا يخرج منهم إلى غيرهم 699

فليرضوا به حكماً 681

فليمسك عنه وليّه ماله 30

فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظّاً وافراً 688

في الرهن إذا ضاع من عند المرتهن من غير أن يستهلكه 493

فيعلّمونها الناس من بعدي 666، 668

قال رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم): الفقهاء اُمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا 673

قال رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم): اللهمّ ارحم خلفائي 666

قال رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم): رُفع عن اُمّتي أربع خصال : خطاُها، ونسيانها... 87

قال رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم): من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك اللّه... 686

قد جلست مجلساً لا يجلسه إلاّ نبي، أو وصيّ نبي، أو شقيّ 677

قد رفع عنهما القلم 43

قد زوّجتكها على ما تحسن من القرآن، فعلّمها إيّاه 171

قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في امرأة زوّجها وليّها وهي برصاء... 480

قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في رجل شهد عليه رجلان بأ نّه سرق، فقطع يده 494

قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في وليدة باعها ابن سيّدها وأبوه غائب... 163

قضى في وليدة باعها ابن سيّدها وأبوه غائب، فاشتراها رجل... 256

قل لهم : إيّاكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تدارى في شيء... 682

قوته بغير سرف إذا اضطرّ إليه 628

القيّم لهم الناظر فيما يصلحهم 757

كان محمّد بن المنكدر يقول لأبي : يا أبا جعفر رحمك اللّه، واللّه إنّا لنعلم... 575

كلّ أجير يعطى الاُجرة على أن يصلح فيفسد، فهو ضامن 489

ص: 795

كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه 291، 319

كلّ معروف صدقة 709، 711

كما غرّ الرجل وخدعه 479

لا، إذا كان ناظراً له 183، 620

لا بأس بألف درهم ودرهم بألف درهم ودينارين 573، 575، 584

لا بأس بأن يشتري الطعام وليس هو عند صاحبه حالاًّ، وإلى أجل 400

لا بأس بذلك إذا باع (إذا أنفذ ذلك - خ. ل) عليهم القيّم لهم... 621، 756

لا بأس بذلك، اشترها ولا تواجبه البيع قبل أن تستوجبها أو تشتريها 396

لا بأس بذلك، إنّ أبي كان أجرأ على أهل المدينة منّي 573

لا بأس بذلك، إنّما البيع بعد ما يشتريه 398

لا بأس بذلك، قد فعل ذلك أبي، وأمرني أن أفعل ذلك في شيء كان عليه 586

لا بأس به، إنّما يحلّل الكلام، ويحرّم الكلام 393

لا بأس به، قد أمرني أبي ففعلت 586

لا بأس به؛ من أجل أنّ أباه قد أذن له في ذلك وهو حيّ 619

لا بيع إلاّ فيما تملك 194، 195، 392، 426

لا بيع إلاّ فيما تملكه 427

لا تبع ما لا تملك 195

لا تبع ما ليس عندك 192، 193، 194، 388، 391، 425، 427، 748

لا تصلّ في وبر ما لا يؤكل لحمه 651

لا تقربنّه فلا تقربنّه 588

لا تنقض اليقين بالشكّ 647

ص: 796

لا حدّ على مجنون حتّى يفيق، ولا على صبيّ حتّى يدرك 34

لا خير في هذا، أفلا يجعلون فيها ذهباً لمكان زيادتها! 573

لا طلاق إلاّ فيما تملك، ولا عتق إلاّ فيما تملك، ولا بيع إلاّ فيما تملك 392

لا طلاق إلاّ فيما تملكه، ولا بيع إلاّ فيما تملكه 195

لا، قال رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم): وضع عن اُمّتي ما اُكرهوا عليه، وما لم يطيقوا... 88

لا؛ لأنّ لها الخيار إذا أدركت 175، 258

لأنّ لها الخيار 260

لأ نّها وأباها للجدّ 632

لا يبطل حقّ مسلم 40

لا يجوز أمره 30

لا يجوز بيع ما ليس يملك 562، 566، 567، 568

لا يجوز بيع ما ليس يملك، وقد وجب الشراء من البائع على ما يملك 195، 560

لا يحلّ لأحدٍ أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه 162، 710

لا يحلّ مال إلاّ من وجه أحلّه اللّه 710

لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ بطيبة نفس منه 162

لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ بطيبة نفسه 238، 242

لا يصلح إلاّ أن يشتري معه شيئاً آخر 596

لا يصلح شراؤها إلاّ أن تشتري منهم معها ثوباً أو متاعاً 595

لا يصلح له أن يحدث في ماله إلاّ الأكلة من الطعام، ونكاحه فاسد مردود 402

لا يصلح له أن يعمل به حتّى يحتلم ويدفع إليه ماله 29

لا يمين في غضب ولا في قطيعة رحم ولا في جبر ولا في إكراه 97

لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم... 662

لا ينجّسه شيء 740

ص: 797

لرسول اللّه، وما كان لرسول اللّه فهو للإمام... 702

للذي لم يعلم ولم يأذن أن يفرّق بينهما، وإن شاء تركه على نكاحه 173

لو جاء بدينار لم يعط ألف درهم 575

اللهمّ بارك 161

اللهمّ بارك له في صفقة يمينه 157

له من الربح، وليس عليه من الوضيعة شيء 178

ليس بين الصبيان قصاص، عمدهم خطأ، يكون فيه العقل 36

ما اُحبّ أن يأخذ من مال ابنه إلاّ ما احتاج إليه ممّا لا بدّ منه 648

ما اُكرهوا عليه 87، 91، 136

ما خالف قول ربّنا لم نقله 590

ما قتل المجنون المغلوب على عقله والصبيّ 36

ما كان لأبي بسبب الإمامة فهو لي، وما كان غير ذلك فهو ميراث 702

المال الذي يعمل به مُضاربة له من الربح، وليس عليه من الوضيعة شيء 178

المال للأب 653

ما ليس يملك 567

مجاري الاُمور والأحكام على أيدي العلماء باللّه 692، 729

المسلمون عند شروطهم 284

المعروف شيء سوى الزكاة، فتقرّبوا إلى اللّه عزّ وجلّ بالبرّ وصلة الرحم 710

المغرور يرجع إلى من غرّه 477، 481

من أجل أنّ أباه قد أذن له في ذلك وهو حيّ 646

من أقرّ على نفسه عند الإمام... 695

من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت 678، 681

منزلة الفقيه في هذا الوقت كمنزلة الأنبياء من بني إسرائيل 691

ص: 798

منزلة الفقيه كمنزلة الأنبياء في بني إسرائيل 736

من سلك طريقاً يطلب فيه علماً 688، 689

من كان في يده مال بعض اليتامى، فلا يجوز أن يعطيه 19

المؤمنون عند شروطهم 61، 125، 138

الناظر فيما يصلحهم 763

النبي يرى في منامه، ويسمع الصوت، ولا يعاين الملك 689

نعم الشيء الفرار من الحرام إلى الحلال 574، 584

نعم، كما يعمل بمال غيره، والربح بينهما 620

نعم؛ لأ نّه أخذه رهناً فيه فضل وضيّعه 492

نعم، يشهدون على شيء مفهوم معروف 563

نعم، يعزل ميراثها 260

نعم، يعزل ميراثها منه حتّى تدرك، وتحلف باللّه 175، 258

النكاح جائز 176

النكاح جائز، أ يّهما أدرك كان له الخيار 174، 258

نهى رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم) عن كسب الإماء؛ فإنّها إن لم تجد زنت 49

نهى عن بيع ما ليس عندك 388

الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجل يزني... أن يقيم عليه الحدّ 695

والإمامة نظاماً للاُمّة 660

والأنفال إلى الوالي 705

والطاعة نظاماً للملّة، والإمامة لمّاً من الفرقة 660

والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع، ولا يخرج عن اليتم حتّى يبلغ. 30

واللّه لهي أحبّ إليّ من إمرتكم 664

واللّه يعلم المفسد من المصلح 651

ص: 799

وأمّا الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا؛ فإنّهم حجّتي عليكم 675

وأمّا ما جاء في القرآن من ذكر معايش الخلق وأسبابها، فقد أعلمنا سبحانه 698

وإن احتلم ولم يؤنس منه رشده وكان سفيهاً أو ضعيفاً، فليمسك عنه وليّه 31

وإنّ العلماء ورثة الأنبياء، إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً 686

وإنّما أورثوا أحاديث من أحاديثهم 690

وأيّ شيء يقولون في السلم؟ 399

وبالإدهان والمصانعة عند الظلمة تأمنون، كلّ ذلك ممّا أمر اللّه به 693

وترك معاونة المظلومين، والركون إلى الظالمين 642

وثمن الخمر والنبيذ والمسكر والربا بعد البيّ-نة سحت 425

وجب الشراء من البائع على ما يملك 567

وصنعت كيف؟ 157، 161

وعلّة تحريم الربا بالنسيئة لعلّة ذهاب المعروف، وتلف الأموال 578

وعلّة تحريم الربا لما نهى اللّه عزّ وجلّ عنه، ولما فيه من فساد الأموال 578

وعلى الذي زوّجه قيمة ثمن الولد 482، 498

وقام عدل في ذلك 725

وقد ترون عهود اللّه منقوضة فلا تفزعون، وأنتم لبعض ذمم آبائكم تفزعون 693

وقد رفع عنهما القلم 42

وقد زوّجتكها فضمّها إليك 170

وقد وجب الشراء من البائع على ما يملك 563

ولا يقوم إلاّ بأن يجعل عليهم فيه أميناً 674

ولا يكون مضيّعاً 20

وله أن يسدّ بذلك المال جميع ما ينوبه؛ من مثل إعطاء المؤلّفة قلوبهم 705

وله ثلاثة أسهم : سهمان وراثة، وسهم مقسوم له من اللّه 704

ص: 800

وله صوافي الملوك ما كان في أيديهم على غير وجه الغصب 544

وله نصف الخمس كَمَلاً، ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته 698

وليس تقوم الرعية إلاّ بهم 672

وما الرفقة؟ 573

ومعونة الظالمين، والركون إليهم 642

ويرجع بالمهر على من غرّه بها، وإن كانت هي التي غرّته رجع به عليها 479

ويستحلّون حرامه بالشبهات الكاذبة، والأهواء الساهية 589

ويضرب الشاهدان الحدّ، ويضمنان المهر لها عن الرجل 486

هذا فساد على أصحابه، يقوّم قيمة، ثمّ يضمن الثمن الذي أعتقه 488

هو ضامن والربح بينهما 178

هو ضامن، والربح بينهما على ما شرط 179

يا أبا محمّد، إذا كان المؤمن غنيّاً وصولاً رحيماً... أعطاه اللّه أجر ما ينفق 710

يا أشباه الرجال ولا رجال 86

يأخذ الجارية المستحقّ، ويدفع إليه المبتاع قيمة الولد 484

يجلد دون الحدّ، ويغرم قيمة البهيمة لصاحبها 490

يجوز ذلك عليه إن هو رضي 175، 176، 258

يجوز عليها تزويج الأب، ويجوز على الغلام 175، 258

يحجر... حتّى يعقل 30

يردّ إليه جاريته، ويعوّضه بما انتفع 485

يسعى أبوه في ثمنه حتّى يؤدّيه ويأخذ ولده 165

يضربان الحدّ، ويضمنان الصداق للزوج، ثمّ تعتدّ 485

يضمن المال، والربح بينهما 177

يضمنان الصداق... 483

ص: 801

يضمنان الصداق للزوج 486

يقوّم قيمة، فيجعل على الذي أعتقه عقوبة، وإنّما جعل ذلك لما أفسده 488

يقوّمها قيمة عدل ثمّ يأخذها، ويكون لولده عليه ثمنها 649

يُمسك إحداهنّ 115

يمضي على نكاحه 402

ينظران من كان منكم ممّن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا 678

يؤدّي من المال الذي شهد عليه بقدر ما ذهب من ماله 494

يوقف الميراث حتّى يدرك أيّهما بقي، ثمّ يحلف باللّه ما دعاه... 262

ص: 802

فهرس أسماء المعصومين (عليهم السّلام)

النبي، محمّد، رسول اللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم)=محمّد بن عبداللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم)، نبي الإسلام

محمّد بن عبداللّه (صلّی الله عليه وآله وسلّم)، نبي الإسلام 34، 47، 48، 49، 51، 87، 88، 89، 90، 102، 156، 157، 159، 160، 161، 170، 172، 192، 267، 268، 329، 378، 388، 392، 425، 477، 578، 581، 588، 589، 623، 628،631، 641، 647، 648، 660، 661، 663، 664، 665، 666، 667، 668، 669، 672، 673، 674، 677، 679، 680، 682، 684، 685، 686، 687، 689، 690، 691، 693، 694، 696، 699، 700، 701، 702، 703، 704، 705، 706، 709، 729، 731، 735، 737، 738، 739، 744، 765، 767، 768، 771، 772

علي، سيّد الوصيّين، أمير المؤمنين (عليه السّلام)=علي بن أبي طالب (عليه السّلام)، الإمام الأوّل

علي بن أبي طالب (عليه السّلام)، الإمام الأوّل 28، 31، 32، 34، 36، 88، 97، 163، 164، 171، 172، 255، 268، 479، 494، 588، 658، 660، 664، 666، 667، 668، 672، 676، 677، 687، 691، 692، 698، 704، 708، 729

فاطمة الزهراء (سلام اللّه عليها) 268

سيّد الشهداء (عليه السّلام)=الحسين بن علي (عليه السّلام)، الإمام الثالث

الحسين بن على (عليه السّلام)، الإمام الثالث 692

الحسنين (عليهما السّلام) (الحسن بن علي (عليه السّلام)، الإمام الثاني / الحسين بن علي (عليه السّلام)، الإمام الثالث) 691، 704

الباقر ، أبو جعفر (عليه السّلام)=محمّد بن علي (عليه السّلام)، الإمام الخامس

محمّد بن علي (عليه السّلام)، الإمام الخامس 19،

ص: 803

20، 27، 163، 166، 167، 168، 174، 186، 188، 255، 257، 258، 261، 263، 490، 494، 574، 575، 583، 587، 622، 648، 695، 702، 715

الصادق ، أبو عبداللّه (عليه السّلام)=جعفر بن محمّد (عليه السّلام)، الإمام السادس

جعفر بن محمّد (عليه السّلام)، الإمام السادس 20، 28، 29، 32، 35، 36، 49، 87، 97، 165، 171، 173، 175، 177، 178، 179، 181، 192، 193، 262، 264، 266، 393، 396، 398، 399، 401، 402، 478، 479، 485، 488، 489، 492، 494، 573، 578، 583، 584، 586، 587، 588، 596، 619، 620، 622، 623، 628، 645، 646، 649، 658، 673، 677، 682، 683، 685، 686، 695، 710، 721، 744، 757

أحدهما (عليهما السّلام) (محمّد بن علي (عليه السّلام)، الإمام الخامس / جعفر بن محمّد (عليه السّلام)، الإمام السادس) 177، 493

الكاظم، العبد الصالح، أبو إبراهيم، أبو الحسن (عليه السّلام)=موسى بن جعفر (عليه السّلام)، الإمام السابع

موسى بن جعفر (عليه السّلام)، الإمام السابع 173، 492، 585، 586، 587، 595، 621، 624، 670، 673، 698، 705، 756

الرضا، أبو الحسن (عليه السّلام)=علي بن موسى (عليه السّلام)، الإمام الثامن

علي بن موسى (عليه السّلام)، الإمام الثامن 88، 313، 578، 584، 586، 587، 641، 659، 667، 699، 702، 719

أبو الحسن الثالث (عليه السّلام)=علي بن محمّد (عليه السّلام)، الإمام العاشر

علي بن محمّد (عليه السّلام)، الإمام العاشر 702

العسكري، أبو محمّد الحسن بن علي العسكري (عليه السّلام)=الحسن بن علي (عليه السّلام)، الإمام الحادي عشر

الحسن بن على (عليه السّلام)، الإمام الحادي عشر 195، 560

صاحب الأمر ، ولي الأمر، القائم (عليه السّلام) = صاحب الزمان (عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف)، الإمام الثاني عشر

صاحب الزمان (عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف)، الإمام الثاني عشر 674، 675، 684، 772

إبراهيم، النبي 688

موسى، نبي اليهود 688، 689، 691

داود، النبي 679، 687

عيسى المسيح 689

ص: 804

فهرس الأعلام

الآخوند الخراساني، محمّد كاظم بن الحسين 234، 241، 253، 510، 521، 533، 554، 727

الآمدي، عبدالواحد بن محمّد 691

أبان بن عثمان 492، 671

إبراهيم النخعي ‘ النخعي، إبراهيم

إبراهيم بن عبدالحميد 485

ابن أبي عمير، محمّد 585، 667، 671

ابن أشيم 186

ابن الحجّاج=عبدالرحمان بن الحجّاج

ابن الشيخ الطوسي=الطوسي، الحسن بن محمّد

ابن الغضائري، أحمد بن الحسين الغضائري 670

ابن بابويه، محمّد بن علي 36، 268، 492، 493،564، 586، 587، 667، 674، 772

ابن بزيع=محمّد بن إسماعيل بن بزيع

ابن حمزة، محمّد بن علي 157

ابن حنبل، أحمد بن محمّد 156، 161

ابن داود=ابن داود الحلّي، الحسن بن علي

ابن داود الحلّي، الحسن بن علي 586

ابن رئاب=علي بن رئاب

ابن سنان=عبداللّه بن سنان

ابن شاذان، الفضل بن شاذان 641، 659

ابن عمّار=معاوية بن عمّار

ابن مروان=عمرو بن مروان

ابن مسكان=عبداللّه بن مسكان

أبو البختري 32، 35، 38، 686، 688، 690

أبو الجارود 19

أبو الربيع الشامي=الشامي، أبو الربيع

أبو الصباح الكناني 490، 649، 745

ص: 805

أبو بصير 29، 268، 485، 486، 575، 583، 593، 671، 710

أبو حمزة الثمالي، ثابت بن دينار 625، 648

أبو حنيفة 17، 44

أبو خديجة، سالم بن مكرم الجمّال 682

أبو ظبيان 31

أبو عبيدة الحذّاء=الحذّاء، زياد بن عيسى

أبو علي بن راشد 702

أبو ولاّد=حفص بن سالم

أحمد بن حنبل=ابن حنبل، أحمد بن محمّد

أحمد بن محمّد=أحمد بن محمّد بن عيسى

أحمد بن محمّد بن أبي نصر=البزنطي، أحمد بن محمّد

أحمد بن محمّد بن عيسى 585، 717

الرشتي، حبيب اللّه بن محمّد علي 267، 516

أسباط بن سالم 185

إسحاق بن عمّار 36، 492، 493

إسحاق بن يعقوب 674، 675

إسماعيل 490

إسماعيل بن أبي الصباح 490

إسماعيل بن جابر 478، 482، 484، 497، 583

إسماعيل بن صباح 490

الأشعري، إسماعيل بن سعد 719، 722، 724، 725

الأصبغ بن نباتة 27

الأصفهاني، محمّدتقي 235، 739

الأصفهاني، محمّد حسين 253، 332، 348، 375، 380، 554، 609، 612، 633، 707

الأصفهاني، محمّد حسين بن عبدالرحيم 235، 369

الأعمش، سليمان بن مهران 642

الأقطع، سليمان بن خالد 488

الأنصاري، مرتضى بن محمّد أمين 39، 40، 48، 55، 57، 59، 62، 70، 78، 79، 84، 93، 94، 95، 97، 99، 110، 116، 132، 134، 138، 146، 160، 170، 172، 179، 191، 207، 208، 209، 213، 214، 218، 230، 242، 252، 274، 276، 282، 291، 299، 300، 306، 308، 312، 329، 330، 331، 337، 344، 345، 356، 357،

ص: 806

358، 360، 361، 364، 367، 368، 369، 373، 374، 379، 380، 386، 387، 396، 401، 403، 405، 406، 407، 414، 416، 418، 419، 421، 422، 424، 437، 438، 439، 440، 455، 458، 473، 474، 475، 487، 502، 508، 519، 521، 522، 526، 528، 535، 536، 604، 612، 614، 616، 618، 634، 644، 709، 718، 730، 737، 739، 759

الأنصاري، جابر بن عبداللّه 588

الأهوازي، الحسين بن سعيد 671

البارقي، عروة بن أبي الجعد 156 ،157، 160، 196، 267، 297

بحر العلوم، محمّد مهدي بن المرتضى 12

البحراني، يوسف بن أحمد 569

البزنطي، أحمد بن محمّد 88، 671، 699، 702

البطائني، علي بن أبي حمزة 670

بعض أعاظم العصر=النائيني، محمّد حسين

بعض الأجلّة=اليزدي، محمّد كاظم بن عبدالعظيم

بعض الأعاظم=النائيني، محمّد حسين

بعض الأعلام=الآخوند الخراساني، محمّد كاظم بن الحسين

بعض الأعلام=الأصفهاني، محمّد حسين

بعض المحقّقين=الكاظمي، أسداللّه بن إسماعيل

بعض المحقّقين=النائيني، محمّد حسين

بعض المدقّقين=الأصفهاني، محمّد حسين

بعض المفكّرين=نهرو، جواهر لال

بعض أهل التدقيق=الأصفهاني، محمّد حسين

بعض أهل التحقيق=الأصفهاني، محمّد حسين

بعض أهل التحقيق=الرشتي، حبيب اللّه بن محمّد علي

التستري=الكاظمي، أسداللّه بن إسماعيل

جابر بن عبداللّه=الأنصاري، جابر بن عبداللّه

جميل=جميل بن درّاج

جميل بن درّاج 179، 180، 484، 493، 494، 496

ص: 807

الحذّاء، زياد بن عيسى 174، 255، 258، 261، 299

الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن 583، 585، 692

حريز=السجستاني، حريز بن عبداللّه

الحرّ=الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن

الحسن بن زياد الطائي 401

الحسن بن صدقة 584

الحسن بن علي=الوشّاء، الحسن بن علي

الحسن بن محبوب=السرّاد، الحسن بن محبوب

الحسين بن أبي العلاء 627

الحسين بن زيد 641

الحسين بن سعيد=الأهوازي، الحسين بن سعيد

الحسين بن علوان 626، 629، 650

حفص بن سالم 315

حكيم بن حزام 157، 162، 193، 388

الحلبي، عبيداللّه بن علي 177، 178، 179، 261، 262، 263، 489، 573، 575، 584، 593

حمّاد بن عيسى 671، 698، 703، 705

حمران 27

الحميري، أبو العبّاس عبداللّه=الحميري، عبداللّه بن جعفر

الحميري، عبداللّه بن جعفر 197

الخادم، أبو الحسين 30

خالد بن الحجّاج 393، 396

خالد بن بكير 184، 620، 636

خالد بن وليد 578

الخراساني=الآخوند الخراساني، محمّد كاظم بن الحسين

الخليفة الثاني=عمر بن الخطّاب

الراوندي الكاشاني، فضل اللّه بن علي 673

الراوندي=القطب الراوندي، سعيد بن هبة اللّه

ربعي بن عبداللّه 185

الرشتي، حبيب اللّه بن محمّد علي 237،

267، 369، 531، 540

رفاعة بن موسى النخّاس=النخّاس، رفاعة بن موسى

زرارة 166، 168، 268، 458، 485، 561، 676

زكريّا بن آدم=القمّي، زكريّا بن آدم

زياد بن عبداللّه 622، 623

زيد بن علي 650

ص: 808

الساباطي، عمّار بن موسى 32

السجستاني، حريز بن عبداللّه 185

سدير 490

السرّاد، الحسن بن محبوب 671

سعيد بن يسار 624، 627، 629، 648، 650

السكوني، إسماعيل بن أبي زياد 49، 673

سليمان بن خالد=الأقطع، سليمان بن خالد

سليمان بن صالح 192

سماعة بن مهران 165، 256، 487، 596، 721، 722، 725

السمّان، سعيد الأعرج 183

سمرة بن جندب 329

السيّد المرتضى=علم الهدى، علي بن الحسين

السيّد اليزدي=اليزدي، محمّد كاظم بن عبدالعظيم

الشافعي، محمّد بن إدريس 17، 44

الشامي، أبو الربيع 183، 620، 636

الشهيد=الشهيد الثاني، زين الدين بن علي

الشهيد الثاني، زين الدين بن علي 110

الشيباني، يونس 401، 588

الشيخ=الأنصاري، مرتضى بن محمّد أمين

الشيخ=الطوسي، محمّد بن الحسن

الشيخ الأعظم=الأنصاري، مرتضى بن محمّد أمين

الشيخ الأنصاري=الأنصاري، مرتضى بن محمّد أمين

الشيخان (الكاظمي، أسداللّه بن إسماعيل / الأنصاري، مرتضى بن محمّد أمين) 64

شيخ الطائفة=الطوسي، محمّد بن الحسن

صاحب الإيضاح=فخر المحقّقين، محمّد بن الحسن

صاحب الجواهر، محمّد حسن بن باقر 14، 526، 531، 591، 633

صاحب الحاشية=الأصفهاني، محمّد تقي

صاحب الحدائق=البحراني، يوسف بن أحمد

صاحب الفصول الغروية=الأصفهاني،

محمّد حسين بن عبدالرحيم

صاحب المقابس=الكاظمي، أسداللّه بن إسماعيل

ص: 809

صاحب الوافي=الفيض الكاشاني، محمّد بن شاه مرتضى

صاحب الوسائل=الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن

صاحب هداية المسترشدين=الأصفهاني، محمّد تقي

الصدوق=ابن بابويه، محمّد بن علي

الصدوقان (ابن بابويه، علي بن الحسين / ابن بابويه، محمّد بن علي) 668

الصفّار، أبو جعفر محمّد=الصفّار، محمّد بن الحسن

الصفّار، محمّد بن الحسن 560، 564، 565

صفوان بن يحيى 671

الصيقل، منصور 184

الطباطبائي=اليزدي، محمّد كاظم بن عبدالعظيم

الطبرسي، الفضل بن الحسن 13

الطوسي، الحسن بن محمّد 157

الطوسي، محمّد بن الحسن 44، 156، 261، 561، 564، 585، 650، 670، 675، 715

عبّاد بن كثير 175

العبّاس 178، 179، 181

عبدالحميد بن سالم 622، 715، 716، 717، 718

عبدالرحمان بن الحجّاج 193، 399، 400، 573، 575، 583، 592

عبداللّه بن سنان 97، 99، 100، 489

عبداللّه بن مسكان 744

عبيد بن زرارة 173، 622، 625، 627، 632، 637، 648، 649

عثمان بن عيسى 671

العلاّمة الحلّي، الحسن بن يوسف 117، 118، 156، 343، 403، 586، 645

العلاء بن سيابة171

علم الهدى، علي بن الحسين 594، 698

علي بن إبراهيم=القمّي، علي بن إبراهيم

علي بن أسباط 185

علي بن الحسن بن فضّال 620

علي بن جعفر 173، 637، 648

علي بن رئاب 621، 756، 763، 761

عمّار ياسر 87، 90، 96، 102

عمر بن حنظلة 677، 678، 684

عمر بن الخطّاب 31، 35

عمر بن يزيد 710

عمرو بن مروان 87، 89، 90

ص: 810

العيّاشي، محمّد بن مسعود 620

العيص بن القاسم 28

الفخر=فخر المحقّقين، محمّد بن الحسن

فخرالدين=فخر المحقّقين، محمّد بن الحسن

فخر المحقّقين، محمّد بن الحسن 343، 345، 420، 450، 451، 618، 637، 639

الفشاركي، محمّد باقر بن محمّد جعفر 421

الفضل بن شاذان=ابن شاذان، فضل بن شاذان

الفضل بن عبدالملك 633، 645

الفيض الكاشاني، محمّد بن شاه مرتضى 48، 561

القدّاح 686، 688

القطب الراوندي، سعيد بن هبة اللّه 667

القمّي=الميرزا القمّي، أبو القاسم بن محمّد حسن

القمّي، زكريّا بن آدم 724

القمّي، علي بن إبراهيم 19

الكاشاني=الفيض الكاشاني، محمّد بن شاه مرتضى

كاشف الغطاء، جعفر بن خضر 214، 285

الكاظمي، أسداللّه بن إسماعيل 57، 63، 72، 208، 209، 357، 373، 514

الكاهلي، عبداللّه بن يحيى 745، 757، 760، 761، 762، 763

الكشّي، محمّد بن عمر 620

الكليني، محمّد بن محمّد بن عصام 674

الكليني، محمّد بن يعقوب 255، 492، 493، 649، 668، 674، 675

الكناسي، يزيد 263

الكناني، أبو الصباح=أبو الصباح الكناني

مثنّى بن الوليد 620

المحقّق الثاني=المحقّق الكركي، علي بن الحسين

المحقّق الرشتي=الرشتي، حبيب اللّه بن محمّد علي

المحقّق الكركي، علي بن الحسين 272، 345، 477

المحقّق (صاحب هداية المسترشدين)=الأصفهاني، محمّدتقي

محمّد بن إسحاق بن عمّار 585، 586، 587

محمّد بن إسماعيل بن بزيع 313، 622،

ص: 811

715، 716، 717، 718، 720

محمّد بن المنكدر 575

محمّد بن سنان 478، 578

محمّد بن عثمان العمري 674، 724

محمّد بن قيس 163، 196، 203، 255، 312، 494

محمّد بن محمّد بن عصام=الكليني، محمّد بن محمّد بن عصام

محمّد بن مسلم 35، 37، 177، 184، 185، 197، 261، 268، 398، 494، 496، 619، 625، 636، 646، 658، 676

مرازم 658

مسعدة بن صدقة 586، 587

مسمع أبو سيّار، مسمع بن عبدالملك 264، 265، 448

المشايخ الثلاثة (الكليني، محمّد بن يعقوب / ابن بابويه، محمّد بن علي / الطوسي، محمّد بن الحسن) 560، 563

معاوية بن عمّار 396، 398

معاوية بن وهب 402

منصور بن حازم 398

الميرزا القمّي، أبو القاسم بن محمّد حسن 213

النائيني، محمّد حسين 12، 51، 90، 245، 290، 309، 327، 330، 341، 355، 358، 361، 370، 377، 417، 463، 508، 522

النجاشي، أحمد بن علي 586

النخّاس، رفاعة بن موسى 479، 483، 484، 595

النخعي، إبراهيم 166

النراقي، أحمد بن محمّد مهدي 686

نهرو، جواهر لال 684

الوشّاء، الحسن بن علي 671

هشام بن الحكم 578

هشام (بن سالم) 28

يحيى بن الحجّاج 396، 409

اليزدي، محمّد كاظم بن عبدالعظيم 340، 375، 467، 477، 508، 521، 526، 531، 550، 556، 597

يونس الشيباني=الشيباني، يونس

يونس بن عبدالرحمان 671

ص: 812

فهرس الكتب الواردة في المتن

القرآن الكريم 29، 170، 576، 658، 698، 770، 771

أمالي ابن الشيخ=الأمالي للشيخ الطوسي

الأمالي للشيخ الطوسي 157

الأمالي للصدوق 666

الإيضاح=إيضاح الفوائد

إيضاح الفوائد 637، 639

التحرير=تحرير الأحكام

تحرير الأحكام 117

تحف العقول 692

التذكرة=تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء 7، 46، 156

تعليقة المحقّق الخراساني على المكاسب=حاشية المكاسب للمحقّق الخراساني

تفسير النعماني 698

تفسير علي بن إبراهيم=تفسير القمّي

تفسير القمّي 19، 20

التوراة 771

التهذيب=تهذيب الأحكام

تهذيب الأحكام 560، 588، 596، 721

ثاقب المناقب=الثاقب في المناقب

الثاقب في المناقب 157

جامع الأخبار 691

جامع المقاصد 422

الجعفريات 36

الجواهر=جواهر الكلام

جواهر الكلام 14، 251، 526، 531، 591، 633

حاشية إرشاد الأذهان للمحقّق الكركي 477

الحاشية=هداية المسترشدين

ص: 813

حاشية المكاسب للمحقّق الخراساني 512

الحدائق الناضرة 561، 569

الخصال 31

الخلاف 44

دعائم الإسلام 32، 36، 479، 673

رسالة التقيّة للإمام الخميني (سلام اللّه عليه) 103

رسالة المحكم والمتشابه 698

الشرائع=شرائع الإسلام

شرائع الإسلام 46

شرح قواعد الأحكام لكاشف الغطاء 214

الصحاح 480

صحيح البخاري 156

صحيفة الرضا (عليه السّلام) 667

العدّة في اُصول 670

العلل=علل الشرائع

علل الشرائع 626، 648، 659، 674

العوائد=عوائد الأيّام

عوائد الأيّام 686

عوالي اللآلي 392، 667

عيون الأخبار=عيون أخبار الرضا (عليه السّلام)

عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 666

الغرر=غرر الحكم ودرر الكلم

غرر الحكم ودرر الكلم 691

الغنية=غنية النزوع

غنية النزوع 45

الغيبة 675

الفصول الغروية 235، 369

الفقه الرضوي=الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام)

الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام) 691

الفقيه=من لا يحضره الفقيه

القاموس المحيط 480

قرب الإسناد 32، 624، 625، 631، 632

الكافي 560، 563، 596

المبسوط 45

المجالس=الأمالي للصدوق

المجمع=مجمع البحرين

المجمع=مجمع البيان

مجمع البحرين 480، 481

مجمع البيان 641، 679

المختلف=مختلف الشيعة

مختلف الشيعة 156

مرآة العقول 561

المستدرك=مستدرك الوسائل

ص: 814

مستدرك الوسائل 561، 673

مسند أحمد=المسند لأحمد بن حنبل

المسند لأحمد بن حنبل 156، 161

معاني الأخبار 666

المقابس=مقابس الأنوار

مقابس الأنوار 57، 209، 357، 373

المنجد 480، 725

من لا يحضره الفقيه 561، 586، 596، 666

نوادر الراوندي=النوادر للراوندي

النوادر للراوندي 673

النهاية=النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى

النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى 561

نهج البلاغة 588، 660، 662، 664، 687

الوافي 561، 588، 658

الوسائل=وسائل الشيعة

وسائل الشيعة 391، 560، 583، 692

الوسيلة إلى نيل الفضيلة 45

هداية المسترشدين 739

ص: 815

ص: 816

فهرس مصادر التحقيق

«القرآن الكريم».

«أ»

1- الإجارة (كتاب الإجارة). الشيخ الميرزا حبيب اللّه الرشتي (م 1312)، الطبعة الحجرية.

2- أجود التقريرات (تقريرات المحقّق النائيني). السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي (1317- 1413)، تحقيق مؤسّسة صاحب الأمر(عج)، الطبعة الاُولى، 4 مجلّدات، قم، مطبعة ستارة، 1419 ق.

3- الاحتجاج. أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي (القرن السادس)، تحقيق إبراهيم البهادري ومحمّد هادي به، الطبعة الاُولى، مجلّدان، قم، منشورات اُسوة، 1413 ق.

4- إحقاق الحق وإزهاق الباطل. القاضي السيّ-د نوراللّه الحسيني المرعشي التستري (م 1019)، تعليق السيّد شهاب الدين النجفي، تصحيح السيّد إبراهيم الميانجي، الطبعة الاُولى، 33 مجلّداً، قم، مكتبة آية اللّه المرعشي.

5- اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي). أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385- 460)، تصحيح حسن المصطفوي، جامعة مشهد، 1348 ش.

6- إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان. العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن

ص: 817

المطهّر (648- 726)، تحقيق فارس الحسّون، الطبعة الاُولى، مجلّدان، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1410ق.

7- الاستبصار فيما اختلف من الأخبار. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385- 460)، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان، الطبعة الثالثة، 4 مجلّدات، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1390ق.

8- الاستصحاب، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه». =موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه.

9- الأمالي. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385- 460)، تحقيق مؤسّسة البعثة، الطبعة الاُولى، قم، دار الثقافة، 1414 ق.

10- الأمالي أو المجالس. أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، الطبعة الخامسة، بيروت، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، 1400 ق.

11- الانتصار. السيّد المرتضى علم الهدى أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي (355- 436)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1415 ق.

12- أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه».=موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه.

13- إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد. فخر المحقّقين الشيخ أبو طالب محمّد بن الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي (682- 771)، إعداد عدّة من العلماء، الطبعة الاُولى، 4 مجلّدات، قم، المطبعة العلمية، 1387 ق.

«ب»

14- بحار الأنوار الجامعة لدُرر أخبار الأئمّة الأطهار. العلاّمة محمّد باقر بن محمّدتقيّ المجلسي (1037- 1110)، الطبعة الثانية، إعداد عدّة من العلماء، 110 مجلدٍ (إلاّ 6 مجلّ-دات، من المجلّد 29- 34) + المدخل، بيروت، دار إحياء التراث العربي،1403 ق / 1983م.

ص: 818

15- بدائع الأفكار. الشيخ حبيب اللّه الرشتي، الطبعة الحجرية، مؤسّسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث.

16- بدائع الأفكار في الاُصول (تقريرات المحقّق العراقي). الشيخ هاشم الآملي (1282- 1371 ش)، الطبعة الاُولى، النجف الأشرف، 1370 ق.

17- بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه». =موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه.

18- البرهان في تفسير القرآن. السيّد هاشم بن سليمان بن إسماعيل بن عبدالجواد الحسيني البحراني (م 1107)، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية، مؤسّسة البعثة، الطبعة الاُولى، 10 مجلّدات، بيروت، مؤسّسة البعثة، 1419 ق- / 1999 م.

19- بغية الطالب في حاشية المكاسب. السيّد أبو القاسم الجيلاني الإشكوري، الطبعة الحجرية، طهران، دار الطباعة، 1332 ق.

20- بلغة الفقيه. الحجّة المحقّق السيّد محمّد آل بحر العلوم، تحقيق السيّد محمّد تقيّ آل بحرالعلوم، الطبعة الرابعة، 4 مجلّدات، طهران، مكتبة الصادق، 1403 ق.

21- البيع (تقريرات المحقّق الحائري). الشيخ محمّد علي الأراكي (م 1415)، مجلّدان، الطبعة الاُولى، قم، مؤسّسة إسماعيليان، 1415 ق.

22- البيع (تقرير بحث آية اللّه العظمى السيّد محمّد الحجة الكوه كمري). الشيخ أبو طالب التجليل التبريزي، الطبعة الثانية، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1409 ق.

«ت»

23- التبيان في تفسير القرآن. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385- 460)، تحقيق وتصحيح أحمد حبيب قصير العاملي، بيروت، 10 مجلّدات، دار إحياء التراث العربي.

24- تحرير الأحكام الشرعية علي مذهب الإمامية. العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648- 726)، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري، الطبعة الاُولى،

ص: 819

6 مجلّدات، قم، مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السّلام)، 1421 ق.

25- تحرير الوسيلة. ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه ».=موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه.

26- تحف العقول عن آل الرسول. أبو محمّد بن الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحرّاني (م 381)، تصحيح علي أكبر الغفّاري، الطبعة الثانية، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1404 ق.

27- تذكرة الفقهاء. جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر، العلاّمة الحلّي (648- 726)، تحقيق مؤسّسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، صدر منه حتّى الآن 20 مجلّداً، قم، مؤسّسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، 1414- 1433 ق. والطبعة الحجرية، مجلّدان، طهران، المكتبة المرتضوية لإحياء آثار الجعفرية.

28- تفسير الصافي. محمّد بن مرتضى المولى محسن الفيض الكاشاني (1007- 1091)، الطبعة الاُولى، 5 مجلّدات، مشهد، دار المرتضى للنشر، 1402 ق.

29- تفسير العيّاشي. أبو النضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش السمرقندي (أواخر قرن الثالث)، تصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي، مجلّدان، طهران، المكتبة العلمية الإسلامية.

30- تفسير القمّي. أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمّي (م 307)، تصحيح السيّد طيّب الموسوي الجزائري، الطبعة الثالثة، مجلّدان، قم، مؤسّسة دار الكتاب، 1404 ق.

31- التفسير الكبير. محمّد بن عمر الخطيب فخرالدين الرازي (544- 606)، الطبعة الثالثة، 32 جزءاً في 16 مجلّداً، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1411 ق.

32- تفسير نور الثقلين. الشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي (م 1112)، تحقيق السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي، الطبعة الاُولى، 5 مجلّدات، قم، 1412 ق / 1370 ش.

33- تنقيح المقال في علم الرجال. الشيخ عبداللّه بن محمّد حسن المامقاني (1290-

ص: 820

1351)، الطبعة الثانية، 3 مجلّدات، قم، بالاُفست عن طبعة النجف الأشرف، المطبعة المرتضوية، 1352 ق.

34- التوحيد. أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي، الشيخ الصدوق (م 381)، تحقيق السيّد هاشم الحسيني الطهراني، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1398 ق.

35- تهذيب الأحكام. أبو جعفر محمّد بن الحسن، الشيخ الطوسي (385- 460)، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان، الطبعة الرابعة، 10 مجلّدات، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1365 ش.

«ث»

36- الثاقب في المناقب. عماد الدين أبو جعفر محمّد بن علي الطوسي المعروف ب- «ابن حمزة» (م 560)، تحقيق نبي رضا علوان، الطبعة الثانية، قم، مؤسّسة أنصاريان للطباعة والنشر، 1412 ق.

«ج»

37- جامع الأخبار. الشيخ محمّد بن محمّد السبزواري (من أعلام القرن السابع)، تحقيق علاء آل جعفر، الطبعة الاُولى، قم، مؤسّسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، 1414 ق.

38- جامع البيان في تأويل القرآن. أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري (م 310)، الطبعة الثالثة، 12 مجلّداً + الفهرس، بيروت، دار الكتب العلمية، 1420 ق / 1999 م.

39- جامع الشتات. الميرزا أبو القاسم بن الحسن الجيلاني المحقّق القمّي (1151- 1231)، تصحيح مرتضى رضوى، چاپ اول، تا الان 4 جلد به چاپ رسيده، تهران، انتشارات كيهان، 1371 ش.

40- الجامع الصغير. جلال الدين عبدالرحمان بن أبي بكر السيوطي (م 911)، الطبعة الاُولى، مجلّدان، بيروت، دار الفكر للطباعة والنشر، 1401 ق / 1981 م.

41- جامع المدارك في شرح المختصر النافع. السيّد أحمد الخوانساري (م 1405)، تحقيق

ص: 821

علي أكبر الغفّاري، الطبعة الاُولى، 7 مجلّدات، طهران، مكتبة الصدوق، 1369- 1402 ق.

42- جامع المقاصد في شرح القواعد. المحقّق الثاني علي بن الحسين بن عبدالعالي الكركي (868- 940)، تحقيق مؤسّسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، 13 مجلّداً، قم، مؤسّسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، 1408- 1411 ق.

43- الجعفريات أو الأشعثيات المطبوع مع «قرب الإسناد». أبو علي محمّد بن محمّد الأشعث ( القرن الرابع)، طهران، مكتبة نينوى الحديثة.

44- جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام. الشيخ محمّد حسن بن باقر النجفي (م 1266)، تحقيق الشيخ عبّاس القوچاني، الطبعة الثالثة، 43 مجلّداً، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1367 ش.

«ح»

45- حاشية المكاسب. الآخوند الخراساني محمّد كاظم بن حسين الهروي (1255- 1329)، تصحيح السيّد مهديّ شمس الدين. الطبعة الاُولى، طهران، وزارة الثقافة الإسلامية، 1406 ق.

46- حاشية المكاسب. الحاج آقا رضا بن محمّد هادي الهمداني النجفي (م 1322)، تحقيق محمّد رضا الأنصاري القمّي، الطبعة الاُولى، محمّدرضا الأنصاري القمّي، 1420 ق.

47- حاشية المكاسب. الحاج ميرزا علي الإيرواني الغروي، تحقيق باقر الفخّار الأصفهاني، الطبعة الاُولى، 3 مجلّدات، قم، دار ذوي القربى، 1421 ق.

48- حاشية المكاسب. الشيخ محمّد حسين الغروي الأصفهاني (1296- 1361)، تحقيق الشيخ عبّاس محمّد آل سباع القطيفي، الطبعة الاُولى، 5 مجلّدات، قم، ذوي القربى، 1418 ق.

49- حاشية المكاسب. العلاّمة السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (م 1337)، تحقيق الشيخ عبّاس محمّد آل سباع القطيفي، الطبعة الاُولى، 3 مجلّدات، قم، دار المصطفى لإحياء التراث، 1423 ق / 2002 م.

ص: 822

50- الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة. الشيخ يوسف بن أحمد البحراني (1107- 1186)، تحقيق محمّد تقيّ الإيرواني، الطبعة الاُولى، 25 مجلّداً، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1406 ق.

51- الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة. صدر المتأ لّهين محمّد بن إبراهيم الشيرازي (م 1050)، الطبعة الثانية، 9 مجلّدات، قم، مكتبة المصطفوي.

52- حياة المحقّق الكركي و آثاره. المحقّق الثاني الشيخ علي بن الحسين الكركي (868- 940)، تحقيق الشيخ محمّد الحسّون، الطبعة الاُولى، 12 مجلّداً، قم، منشورات الاحتجاج، 1423 ق.

«خ»

53- الخصال. أبوجعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، تصحيح علي أكبر الغفّاري، الطبعة الثانية، جزءان في مجلّد واحد، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1403 ق.

54- خلاصة الأقوال في معرفة الرجال. العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648- 726)، تحقيق جواد القيّومي، الطبعة الاُولى، قم، مؤسّسة نشر الفقاهة، 1417 ق.

55- الخلاف. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385- 460)، تحقيق جماعة من المحقّقين، الطبعة الاُولى، 6 مجلّدات، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1407 ق.

«د»

56- الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور. جلال الدين عبد الرحمان بن أبي بكر السيوطي (م 911)، 6 أجزاء في 3 مجلّدات، قم، مكتبة آية اللّه المرعشي.

57- درر الفوائد. العلاّمة الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي، تعليق آية اللّه الشيخ محمّد علي الأراكي والمؤلّف، تحقيق الشيخ محمّد المؤمن القمّي، الطبعة الخامسة، جزءان

ص: 823

في مجلّد واحد، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1408 ق.

58- الدروس الشرعية في فقه الإمامية. الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي (م 786)، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الاُولى، 3 مجلّدات، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1412- 1414 ق.

59- دعائم الإسلام. أبو حنيفة القاضي النعمان بن محمّد بن منصور بن أحمد بن حيّون التميمي المغربي (م 363)، تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي، مجلّدان، القاهرة، دار المعارف، 1383 ق / 1963 م.

60- ديوان النابغة الذبياني. أبو اُمامة زياد بن معاوية بن ضياب الذبياني الملقّب بالنابغة من أشعر شعراء الجاهلية (م 604 م)، إعداد حمدو طمّاس، الطبعة الثانية، بيروت، دار المعرفة، 1426 ق / 2005 م.

«ر»

61- رجال ابن داود. تقيّ الدين الحسن بن علي بن داود الحلّي (647- 707)، إعداد السيّد محمّد صادق آل بحر العلوم، قم، منشورات الشريف الرضيّ، بالاُوفست عن طبعة النجف الأشرف، المطبعة الحيدرية، 1392 ق.

62- رجال الطوسي. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385- 460)، تحقيق جواد القيّومي الأصفهاني، الطبعة الاُولى، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1415 ق.

63- رجال النجاشي. أبو العبّاس أحمد بن علي بن أحمد بن العبّاس النجاشي الأسدي الكوفي (372- 450)، تحقيق السيّد موسى الشبيري الزنجاني، الطبعة الاُولى، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1407 ق.

64- الرجال لابن الغضائري. أحمد بن الحسين الغضائري الواسطي البغدادي ( القرن الخامس)، تحقيق السيّد محمّد رضا الحسيني الجلالي، الطبعة الاُولى، قم، دار الحديث، 1422 ق.

ص: 824

65- رسائل ابن سينا. الشيخ الرئيس أبو علي حسين بن عبداللّه بن سينا (370- 427)، قم، نشر مكتبة البيدار، 1400 ق.

66- الرسالات الفقهية والاُصولية، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » ‘ موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه.

67- رسالة المحكم والمتشابه (تفسير النعماني). السيّد المرتضى علم الهدى أبوالقاسم علي ابن الحسين الموسوي (355- 436) قم، دار الشبستري للمطبوعات.

68- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية. الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي (911- 965)، تحقيق مجمع الفكر الإسلامي، الطبعة الاُولى، 4 مجلّدات، قم، مجمع الفكر الإسلامي، 1424 ق.

69- رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل. السيّد علي بن محمّد علي الطباطبائي (1161- 1231)، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الاُولى، 14 مجلّداً، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1412- 1423 ق.

«ز»

70- زبدة البيان في أحكام القرآن. أحمد بن محمّد المعروف بالمقدّس الأردبيلي (م 993)، تحقيق محمّد باقر البهبودي، طهران، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية.

«س»

71- السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي. أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي، (543- 598)، إعداد مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، 3 مجلّدات، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1410- 1411 ق.

72- سنن ابن ماجة. أبو عبداللّه محمّد بن يزيد بن ماجة القزويني (207- 275)، تحقيق محمّد فؤاد عبدالباقي، مجلّدان، بيروت، دار الكتب العلمية.

73- سنن أبي داود. أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (م 275)، إعداد كمال يوسف الحوت، الطبعة الاُولى، مجلّدان، بيروت، دار الجنان، 1409 ق / 1988 م.

74- سنن الترمذي. أبو عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي (209- 279)، تحقيق

ص: 825

عبدالوهّاب عبداللطيف، الطبعة الثانية، 5 مجلّدات، بيروت، دار الفكر للطباعة والنشر، 1403 ق.

75- السنن الكبرى. أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (384- 458)، إعداد الدكتور يوسف عبدالرحمان المرعشلي، الطبعة الاُولى، 10 مجلّدات، الفهرس، بيروت، دار المعرفة، 1413 ق / 1992 م.

76- سنن النسائي. أبو عبدالرحمان أحمد بن شعيب النسائي (214- 303)، الطبعة الاُولى، 8 أجزاء في 4 مجلّدات، بيروت، دار الفكر للطباعة والنشر، 1348 ق / 1930 م.

«ش»

77- شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام. المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي (602- 676)، تحقيق عبدالحسين محمّد علي بقّال، الطبعة الثالثة، 4 أجزاء في مجلّدين، قم، مؤسّسة إسماعيليان، 1409 ق.

78- شرح المنظومة. المولى هادي بن مهديّ السبزواري (1212- 1289)، تصحيح وتعليق وتحقيق حسن حسن زاده الآملي و مسعود الطالبي، الطبعة الاُولى، 5 مجلّدات، طهران، نشر ناب، 1369- 1379 ش.

79- شرح شواهد المغنى. جلال الدين عبدالرحمان بن أبي بكر السيوطي (م 911)، تحقيق أحمد ظافر كوجان، مجلّدان، قم، نشر أدب الحوزة.

80- شرح قواعد الأحكام. الشيخ جعفر بن الشيخ خضر الجناجي (كاشف الغطاء) (1156- 1228)، تحقيق السيّد محمّد حسين الرضوي الكشميري، الطبعة الاُولى، مجلّدان، قم، سعيد بن جبير، 1422 ق / 2002 م.

«ص»

81- الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية). إسماعيل بن حمّاد الجوهري (م 393)، تحقيق أحمد عبدالغفور عطّار، الطبعة الرابعة، 6 مجلّدات، بيروت، دار العلم للملايين،

1407 ق / 1987 م.

ص: 826

82- صحيح البخاري. أبو عبداللّه محمّد بن إسماعيل البخاري الجعفي (م 256)، تحقيق وشرح الشيخ قاسم الشمّاعي الرفاعي، الطبعة الاُولى، 9 أجزاء في 4 مجلّدات، بيروت، دار القلم، 1407 ق / 1987 م.

83- صحيح مسلم. أبو الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوري (206- 261)، تحقيق وتعليق الدكتور موسى شاهين لاشين والدكتور أحمد عمر هاشم، الطبعة الاُولى، 5 مجلّدات، بيروت، مؤسّسة عزّ الدين، 1407 ق / 1987 م.

84- صحيفة الإمام الرضا (عليه السّلام). تحقيق محمّد مهديّ نجف، الطبعة الاُولى، مشهد، المؤتمر العالمي للإمام الرضا (عليه السّلام)، مؤسّسة طبع ونشر الآستانة الرضوية المقدّسة، 1406 ق.

«ط»

85- الطهارة، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه ». = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه.

«ع»

86- العدّة في اُصول الفقه. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385- 460)، تحقيق محمّد رضا الأنصاري القمّي، الطبعة الاُولى، مجلّدان، قم، مطبعة ستارة، 1417 ق.

87- العروة الوثقى. السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (م 1337) مع تعليقات عدّة من الفقهاء العظام، إعداد أحمد المحسني السبزواري، الطبعة الثانية، 6 مجلّدات، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1421 ق.

88- علل الشرائع. أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، الطبعة الاُولى، النجف الأشرف، المكتبة الحيدرية، 1385 ق / 1966 م.

89- عوائد الأيّام. المولى أحمد بن محمّد مهديّ بن أبي ذرّ النراقي (1185- 1245)، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، الطبعة الاُولى، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1417 ق / 1375 ش.

ص: 827

90- عوالي اللآلي العزيزية في الأحاديث الدينية. محمّد بن علي بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور (م- أوائل القرن العاشر)، تحقيق مجتبى العراقي، الطبعة الاُولى، قم، مطبعة سيّدالشهداء، 1403 ق.

91- عيون أخبار الرضا (عليه السّلام). أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي، الشيخ الصدوق (م 381)، تصحيح السيّد مهديّ الحسيني اللاجوردي، الطبعة الثانية، منشورات جهان.

«غ»

92- غاية الآمال في حاشية المكاسب. الشيخ محمّد حسن المامقاني (1238- 1323)، مع نهاية المقال في تكملة غاية الآمال. الشيخ عبداللّه المامقاني (1290- 1351)، تحقيق الشيخ محمّد امين المامقاني، الطبعة الاُولى، 10 مجلّدات، قم، مطبعة ثامن الحجج (عليهم السّلام)، 1423 ق / 1381 ش.

93- غاية المراد. شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي الشهيد الأوّل (م 786)، تحقيق رضا المختاري، الطبعة الاُولى، 4 مجلّ-دات، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1414 ق.

94- الغدير في الكتاب والسنّة والأدب. العلاّمة الشيخ عبدالحسين أحمد الأميني (1320- 1390)، الطبعة الثانية، 11 مجلّ-داً، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1366 ش.

95- غرر الحكم ودرر الكلم. عبد الواحد بن محمّد التميمي الآمدي (من علماء القرن الخامس)، تصحيح السيّد مهديّ الرجائي، قم، دار الكتاب الإسلامي، 1410 ق / 1990 م.

96- الغصب. الشيخ الميرزا حبيب اللّه الرشتي (م 1312)، الطبعة الحجرية.

97- غنية النزوع إلى علمي الاُصول والفروع. أبو المكارم السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي المعروف بابن زهرة (511- 585)، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري، الطبعة الاُولى، مجلّدان، قم، مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السّلام)، 1417 ق.

ص: 828

98- الغيبة. الشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (385- 460)، تحقيق الشيخ عباداللّه الطهراني والشيخ علي أحمد ناصح، الطبعة الاُولى، قم، مؤسّسة المعارف الإسلامية، 1411 ق.

«ف»

99- فرائد الاُصول، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 24- 27. الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري (1214- 1281)، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، الطبعة الاُولى، 4 مجلّدات، قم، مجمع الفكر الإسلامي، 1419 ق / 1377 ش.

100- الفصول الغروية في الاُصول الفقهية. محمّد حسين بن عبد الرحيم الطهراني الأصفهاني الحائري (م 1250)، قم، دار إحياء العلوم الإسلامية، 1404 ق. «بالاُفست عن الطبعة الحجرية».

101- الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام). تحقيق مؤسّسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، مشهد المقدّس، المؤتمر العالمي للإمام الرضا (عليه السّلام)، 1406 ق.

102- الفقيه (من لا يحضره الفقيه). أبو جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان، الطبعة الرابعة، 4 مجلّدات، النجف الأشرف، دار الكتب الإسلامية، 1377 ق / 1957 م.

103- فوائد الاُصول. الآخوند الخراساني المولى محمّد كاظم بن حسين الهروي (1255- 1329)، تصحيح السيّد مهديّ شمس الدين، الطبعة الاُولى، طهران، مؤسّسة الطبع والنشر، وزارة الإرشاد الإسلامي، 1407 ق.

104- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني). الشيخ محمّد علي الكاظمي الخراساني (1309- 1365)، الطبعة الاُولى، 4 مجلّدات، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1404 ق.

105- الفهرست. أبو جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (380- 460)، تحقيق الشيخ جواد القيّومي، الطبعة الاُولى، قم، مؤسّسة نشر الفقاهة، 1417 ق.

ص: 829

«ق»

106- القاموس المحيط والقابوس الوسيط. أبو طاهر مجد الدين محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي (729- 817)، 4 مجلّدات، بيروت، دار الجيل.

107- قرب الإسناد. أبو العبّاس عبداللّه بن جعفر الحميري القمّي (م بعد 304)، تحقيق مؤسّسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، قم، مؤسّسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، 1413 ق.

108- قواعد الأحكام في مسائل الحلال والحرام. العلاّمة الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي (648- 726)، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الاُولى، 3 مجلّدات، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1413 ق.

109- القواعد والفوائد في الفقه والاُصول والعربية. الشيخ شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي المعروف بالشهيد الأوّل (734- 786)، تحقيق عبد الهادي الحكيم، الطبعة الثانية، مجلّدان، قم، مكتبة المفيد، 1399 ق / 1979م.

110- قوانين الاُصول. المحقّق ميرزا أبو القاسم القمّي بن المولى محمّد حسين الجيلاني المعروف بالميرزا القمّي (1151- 1231)، مجلّدان، الطبعة الحجرية، المجلّد الأوّل، طهران، المكتبة العلمية الإسلامية، 1378 ق، والمجلّد الثاني، طهران، المستنسخة سنة 1310 ق.

«ك»

111- الكافي. ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (م 329)، تحقيق علي أكبر الغفّاري، الطبعة الخامسة، 8 مجلّدات، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1363 ش.

112- الكافي في الفقه. تقيّ الدين بن نجم أبو الصلاح الحلبي (374- 447)، تحقيق رضا الاُستادي، أصفهان، مكتبة الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)، 1403 ق.

113- كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء. الشيخ جعفر بن خضر المعروف

ص: 830

بكاشف الغطاء (1156- 1228)، تحقيق مكتب الإعلام الإسلامي- فرع خراسان،

الطبعة الاُولى، 4 مجلّداً، قم، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، 1422 ق / 1380 ش.

114- كشف الغُمّة في معرفة الأئمّة. أبو الحسن علي بن عيسى بن أبو الفتح الإربلي، إعداد السيّد الهاشم الرسولي، مجلّدان، مكتبة بني هاشمي، 1381 ق.

115- كشف اللثام. محمّد بن الحسن بن محمّد الأصفهاني المعروف بالفاضل الهندي (1062- 1137)، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الاُولى، 11 مجلّداً، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1416- 1424 ق.

116- كفاية الاُصول. الآخوند الخراساني المولى محمّد كاظم بن حسين الهروي (1255- 1329)، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي.

117- كفاية الفقه المشتهر ب- «كفاية الأحكام». محمّد باقر بن محمّد مؤمن الشريف الخراساني السبزواري (1017- 1090)، تحقيق الشيخ مرتضى الواعظي الأراكي، الطبعة الاُولى، مجلّدان، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1423 ق.

118- كمال الدين وتمام النعمة. أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي الشيخ الصدوق (م 381)، تحقيق علي أكبر الغفّاري، الطبعة الاُولى، طهران، مكتبة الصدوق، 1390 ق.

119- كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال. علاء الدين علي المتّقي بن حسام الدين الهندي (888- 975)، إعداد بكري حيّاني وصفوة السقا، الطبعة الثالثة، 16 مجلّداً + الفهرس، بيروت، مؤسّسة الرسالة، 1409 ق / 1989م.

«ل»

120- لسان العرب. أبو الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم بن منظور المصري (630- 711)، الطبعة الاُولى، 15 مجلّداً + الفهرس، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1408 ق / 1988 م.

ص: 831

121- لمحات الاُصول (تقريرات المحقّق البروجردي)، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه».=موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه.

122- اللمعة الدمشقية في فقه الإمامية. شمس الدين محمّد بن مكّي بن العاملي المعروف بالشهيد الأوّل (734- 786)، الطبعة الاُولى، بيروت، مؤسّسة فقه الشيعة، 1410 ق/ 1990 م.

«م»

123- المبسوط في فقه الإمامية. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385- 460)، إعداد السيّد محمّد تقيّ الكشفي، الطبعة الثانية، 8 أجزاء في 4 مجلّدات، طهران، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، 1387- 1393 ق.

124- مجمع البحرين ومطلع النيّرين. فخر الدين الطريحي (972- 1085)، الطبعة الاُولى، 6 مجلّدات، بيروت، دار ومكتبة الهلال، 1985 م.

125- مجمع البيان في تفسير القرآن. أبو علي أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي (حوالي 470- 548)، تحقيق وتصحيح السيّ-د هاشم الرسولي المحلاّتي والسيّد فضل اللّه اليزدي الطباطبائي، الطبعة الاُولى، 10 أجزاء في 5 مجلّدات، بيروت، دار المعرفة للطباعة والنشر.

126- مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان. أحمد بن محمّد المعروف بالمقدّس الأردبيلي (م 993)، تحقيق مجتبى العراقي وعلي پناه الاشتهاردي وحسين اليزدي، الطبعة الاُولى، 14 مجلّداً، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1402- 1414 ق.

127- المحاسن. أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (م 274 أو 280)، تحقيق جلال الدين الحسيني الاُرموي، الطبعة الثانية، قم، دار الكتب الإسلامية.

128- المختصر النافع. أبو القاسم نجم الدين جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهُذَلي (602- 676)، الطبعة الثانية، قم، منشورات مؤسّسة المطبوعات الديني، 1368 ش.

129- مختلف الشيعة في أحكام الشريعة. العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن

ص: 832

المطهّر (648- 726)، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، الطبعة الاُولى، 9 مجلّدات + الفهرس، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1412- 1420 ق.

130- مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام. السيّد محمّد بن علي الموسوي العاملي (م 1009)، تحقيق مؤسّسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، 8 مجلّدات، قم، مؤسّسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، 1410 ق.

131- مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول. العلاّمة محمّد باقر بن محمّد تقيّ المجلسي (1037- 1110)، تصحيح السيّد هاشم الرسولي والسيّد جعفر الحسيني والشيخ علي الآخوندي، الطبعة الثانية، 26 مجلّداً، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1363 ش.

132- مسائل علي بن جعفر ومستدركاتها. تحقيق مؤسّسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، بيروت، مؤسّسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، 1410 ق / 1990 م.

133- مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام. العلاّمة الفاضل الجواد الكاظمي (م- أواسط القرن الحادي عشر)، إعداد السيّد محمّد تقيّ الكشفي والشيخ محمّد باقر شريف زاده، 4 أجزاء في مجلّدان، طهران، المكتبة المرتضوية لآثار الجعفرية.

134- مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام. الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي الجبعي (911- 965)، تحقيق مؤسّسة المعارف الإسلامية، الطبعة الاُولى، 15 مجلّداً، قم، مؤسّسة المعارف الإسلامية، 1413- 1419ق.

135- مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل. الحاج الميرزا حسين المحدّث النوري الطبرسي، (1254- 1320)، تحقيق مؤسّسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، 25 مجلّداً، قم، مؤسّسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، 1407 ق.

136- مستمسك العروة الوثقى. السيّد محسن الطباطبائي الحكيم (1306- 1390)، الطبعة الاُولى، 14 مجلّداً، قم، مؤسّسة دار التفسير، 1416 ق / 1374 ش.

137- مستند الشيعة في أحكام الشريعة. أحمد بن محمّد مهديّ النراقي (م 1245)، تحقيق مؤسّسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، 18 مجلّداً، قم، مؤسّسة

ص: 833

آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، 1415- 1420 ق.

138- المسند. أحمد بن محمّد بن حنبل (164- 241)، إعداد أحمد محمّد شاكر وحمزة أحمد الزين، الطبعة الاُولى، 20 مجلّداً، القاهرة، دار الحديث، 1416 ق.

139- مصباح الفقاهة (تقريرات المحقّق آية اللّه الخوئي). محمّد علي التوحيدي، 7 مجلّدات، انتشارات وجداني، 1371 ش.

140- مطارح الأنظار (تقريرات الشيخ الأعظم الأنصاري). الميرزا أبو القاسم الكلانتري (1236- 1292)، تحقيق مجمع الفكر الإسلامي، الطبعة الاُولى، مجلّدان، قم، مجمع الفكر الإسلامي، 1425 ق.

141- معاني الأخبار. أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، تصحيح علي أكبر الغفّاري، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1361 ش.

142- المعتبر في شرح المختصر. المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهُذلي (602- 676)، تحقيق عدّة من الأفاضل، الطبعة الاُولى، مجلّدان، قم، مؤسّسة سيّد الشهداء (عليه السّلام)، 1364 ش.

143- المغني ويليه الشرح الكبير. أبو محمّد عبداللّه بن أحمد بن محمّد بن قدامة (541- 620)، وأبو الفرج عبدالرحمان بن أبي عمر محمّد بن أحمد بن قدامة المقدسي (م 682)، الطبعة الاُولى، 21 مجلّداً، بيروت، دار الكتب العربي.

144- مفاتيح الشرائع. المولى محسن الفيض الكاشاني (م 1091)، تحقيق السيّد مهديّ الرجائي، 4 مجلّدات، قم، مطبعة الخيّام، 1401 ق.

145- مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلاّمة. السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي (1160- 1228)، تحقيق محمّد باقر الخالصي، الطبعة الاُولى، 26 مجلّداً، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1419- 1433 ق.

146- مقابس الأنوار ونفائس الأسرار في أحكام النبي المختار وعترته الأطهار (عليهم السّلام). الشيخ

ص: 834

أسد اللّه بن إسماعيل التستري الكاظمي (م 1237)، قم، مؤسّسة آل البيت (عليهم السّلام).

147- مقالات الاُصول. الشيخ ضياء الدين العراقي، (1278- 1361)، تحقيق الشيخ محسن العراقي والسيّد منذر الحكيم والشيخ مجتبى المحمودي، الطبعة الاُولى، مجلّدان، قم، مجمع الفكر الإسلامي، 1414- 1420 ق.

148- المقنع. أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (311- 381)، تحقيق لجنة التحقيق التابعة لمؤسّسة الإمام الهادي (عليه السّلام)، قم، مؤسّسة الإمام الهادي (عليه السّلام)، 1415 ق.

149- المكاسب المحرمة. الشيخ محمّد علي الأراكي (م 1415)، الطبعة الاُولى، قم، مؤسّسة في طريق الحقّ، 1413 ق.

150- المكاسب، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 14- 19. الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري الدزفولي (1214- 1281)، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، الطبعة الاُولى، 6 مجلّدات، قم، مكتبة الفقهية، 1415- 1420 ق.

151- المكاسب والبيع (تقريرات المحقّق الميرزا النائيني). الشيخ محمّد تقيّ الآملي، الطبعة الاُولى، مجلّدان، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1413 ق.

152- مناهج الوصول إلى علم الاُصول، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه ». = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه.

153- المنجد في اللغة. لوئيس معلوف وعدّة من الأساتذة، الطبعة الثالثة والثلاثون، بيروت، دار المشرق، 1992 م.

154- منية الطالب في شرح المكاسب (تقريرات المحقّق النائيني). الشيخ موسى بن محمّد النجفي الخوانساري (1254- 1363)، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، 3 مجلّدات، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1424 ق.

155- منية المريد. زين الدين علي بن أحمد العاملي المعروف بالشهيد الثاني (911- 965)، تحقيق رضا المختاري، قم، مكتبة الإعلام الإسلامي، 1409 ق.

ص: 835

156- موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه. تحقيق مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه، الطبعة الاُولى، قم، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه، 1434 ق / 1392 ش.

157- المهذّب. أبو القاسم عبدالعزيز بن نحرير بن عبدالعزيز القاضي ابن البرّاج (400- 481)، إعداد مؤسّسة سيّدالشهداء، الطبعة الاُولى، مجلّدان، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1406 ق.

«ن»

158- النوادر. السيّد فضل اللّه بن علي الحسيني الراوندي (483- 571)، تحقيق سعيد رضا علي عسكري، الطبعة الاُولى، قم، مؤسّسة دار الحديث، 1377 ش.

159- نهاية الأفكار (تقريرات المحقّق آغا ضياء الدين العراقي). الشيخ محمّد تقيّ البروجردي النجفي (م 1391)، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الاُولى، 4 أجزاء في 3 مجلّدات، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1405ق.

160- نهاية الدراية في شرح الكفاية. الشيخ محمّد حسين الأصفهاني (1296- 1361)، تحقيق مؤسّسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، 4 مجلّدات، قم، مؤسّسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، 1414 ق.

161- النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385- 460)، قم، انتشارات قدس محمّدي.

162- نهج البلاغة، من كلام مولانا أمير المؤمنين (عليه السّلام). جمعه الشريف الرضي، محمّد بن الحسين (359- 406)، إعداد الدكتور صبحي صالح، انتشارات الهجرة، قم، 1395 ق «بالاُفست عن طبعة بيروت 1387 ق».

163- نهج الفقاهة. السيّد محسن الطباطبائي الحكيم، تحقيق جواد القيّومي الأصفهاني، الطبعة الاُولى، قم، دار الفقه للطباعة والنشر، 1421 ق / 1379 ش.

ص: 836

«و»

164- الوافي. محمّد بن المرتضى المولى محسن المعروف بالفيض الكاشاني (1006- 1091)، إعداد ضياء الدين الحسيني، الطبعة الاُولى، 26 مجلّداً، أصفهان، مكتبة الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)، 1412 ق.

165- وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة. الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (1033- 1104)، تحقيق مؤسّسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، 30 مجلّداً، قم، مؤسّسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، 1409 ق.

166- الوسيلة إلى نيل الفضيلة. عماد الدين أبو جعفر محمّد بن علي الطوسي المعروف بابن حمزة ( القرن السادس)، تحقيق الشيخ محمّد الحسّون، الطبعة الاُولى، قم، مكتبة آية اللّه المرعشي، 1408 ق.

«ه-»

167- هداية الطالب إلى أسرار المكاسب. الميرزا فتّاح الشهيدي التبريزي (1214- 1281)، الطبعة الثانية، 5 مجلّدات، قم، دار الفقه للطباعة والنشر، 1428 ق / 1386 ش.

168- هداية المسترشدين في شرح اُصول معالم الدين. الشيخ محمّد تقيّ الرازي النجفي الأصفهاني (م 1248)، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الاُولى، 3 مجلّدات، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1420- 1421 ق.

169- الهداية [في الاُصول والفروع]. أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (311- 381)، تحقيق مؤسّسة الإمام الهادي (عليه السّلام)، الطبعة الاُولى، قم، مؤسّسة الإمام الهادي (عليه السّلام)، 1418 ق.

ص: 837

ص: 838

فهرس الموضوعات

الكلام في شروط المتعاملين

الشرط الأوّل: البلوغ في المتعاملين

مسألة: اعتبار البلوغ في المتعاملين ... 7

الكلام في عقد الصبيّ المميّز ... 8

احتمالات أخذ الرشد والبلوغ في موضوع صحّة المعاملات ... 9

الكلام حول آية الابتلاء والتحقيق عن مفادها ... 9

الكلام حول الروايات الواردة في المقام ... 27

عدم اعتبار البلوغ في إجراء الصيغة والوكالة عن الغير ... 43

حول الإجماع المدّعى في المقام ... 44

حول التفصيل في معاملات الصبيّ بين الأشياء اليسيرة والخطيرة ... 46

الشرط الثاني: قصد المتعاملين لمدلول العقد

مسألة: اعتبار قصد المتعاملين لمدلول العقد ... 55

مسألة: اعتبار تعيين المالكين ... 56

ص: 839

حول استدلال صاحب المقابس على اعتبار التعيين ... 57

استدلال الشيخ الأعظم على اعتبار التعيين ... 62

حول اعتبار تعيين المالكين فيما إذا كانا معيّ-نين في الخارج ... 64

حول اعتبار تعيين الموجب للمشتري والقابل للبائع ... 75

الشرط الثالث: الاختيار في المتعاقدين

مسألة: اعتبار الاختيار في المتعاقدين ... 83

عدم الإكراه هو الشرط المعتبر دون الاختيار ... 83

الاستدلال بحديث الرفع على اعتبار عدم الإكراه ... 86

حول القيود التي اعتبرها الشيخ الأعظم لوقوع الفعل مكرهاً عليه ... 93

حول اعتبار عدم إمكان التفصّي في موضوع الإكراه ... 93

تفصيل الشيخ بين الإكراه المسوّغ للمحرّمات والرافع لأثر المعاملات ... 99

النسبة بين الاضطرار والإكراه في حديث الرفع ... 101

حكم الإكراه على نحو الاستغراق أو الطبيعة السارية ... 103

حكم الإكراه على نفس الطبيعة ... 104

حكم إكراه الشخص على أحد الأمرين وبعض صور اُخرى ... 108

حكم الإكراه على بيع واحد غير معيّن ... 112

حول كلام العلاّمة في الإكراه على الطلاق ... 117

عقد المكره لو تعقّبه الرضا ... 122

الاستدلال بآية التجارة على بطلان عقد المكره المتعقّب بالرضا ... 125

حول إرجاع الاستثناء المنقطع إلى المتّصل ... 129

الاستدلال بحديث الرفع على البطلان وإشكالي الشيخ عليه ... 132

ص: 840

الشرط الرابع: كون المتعاقدين نافذي التصرّف

(بيع الفضولي)

مسألة: اعتبار كون المتعاقدين نافذي التصرّف ... 141

في جريان الفضولي في الإيقاعات ... 141

حكم العقد المقرون برضا المالك من دون إذن منه ... 146

في تصحيح عقد الفضولي وجعله موافقاً للقاعدة ... 147

صور بيع الفضولي:

الصورة الاُولى: في بيع الفضولي للمالك مع عدم سبق المنع ... 155

فيما يستدلّ به على صحّة هذا القسم من الفضولي ... 155

الاستدلال للصحّة برواية البارقي ... 156

ما استشكل على رواية البارقي ... 160

الاستدلال للصحّة بصحيحة محمّد بن قيس ... 163

الاستدلال للصحّة بروايات نكاح العبيد ... 166

الاستدلال للصحّة بروايات تزويج الأولياء للصغير ... 174

الاستدلال للصحّة بروايات المضاربة ... 177

الاستدلال للصحّة بروايات الاتّجار بمال اليتيم ... 181

الاستدلال للصحّة برواية ابن أشيم ... 186

فيما يستدلّ به على بطلان الفضولي ... 190

الاستدلال بآية التجارة على البطلان ... 190

الاستدلال بالروايات على البطلان ... 192

الاستدلال بحكم العقل على البطلان ... 197

الاستدلال بالحكم العقلائي المحض على البطلان ... 200

ص: 841

الصورة الثانية: في بيع الفضولي للمالك مع سبق المنع ... 202

الصورة الثالثة: في بيع الفضولي لنفسه ... 206

الإشكال العقلي بعدم تمشّي قصد المعاوضة الحقيقية ... 206

الإشكال العقلائي في المقام ... 210

الجواب عن الإشكال العقلي ... 211

الجواب عن الإشكال العقلائي ... 212

حول تصحيح كاشف الغطاء بيع الفضولي لنفسه ... 214

إشكال آخر في بيع الفضولي لنفسه ... 219

بقي هنا أمران:

الأمر الأوّل: جريان الفضولي في بيع الكلّي ... 219

كيفية تعيين الكلّي في الذمّة ... 222

الأمر الثاني: جريان الفضولي في المعاطاة ... 228

القول: في الإجازة والردّ

حول كون مقتضى القاعدة هو الكشف ... 237

تقريب المحقّق الرشتي ... 237

استدلال آخر لكون الكشف على مقتضى القاعدة ... 243

بيان المحقّق النائيني لكون الكشف الحكمي على مقتضى القاعدة ... 245

حول بيان المحقّقين الخراساني والأصفهاني في المقام ... 253

حول مقتضى الأخبار ... 255

الاستدلال بصحيحة محمّد بن قيس على الكشف ... 255

الاستدلال بصحيحة الحذّاء على الكشف ... 258

الاستدلال بصحيحة الحلبي على الكشف ... 262

ص: 842

الاستدلال برواية الكناسي على الكشف ... 263

الاستدلال برواية مسمع على الكشف ... 264

الاستدلال برواية البارقي على الكشف ... 267

دعوى المحقّق الرشتي دلالة روايات تحليل الخمس على الكشف ... 267

ثمرة النزاع بين الكشف بأنواعه والنقل ... 269

بيان الثمرة بين الكشف الحقيقي والكشف الحكمي ... 271

الثمرات المذكورة بين الكشف والنقل ... 277

الثمرة الاُولى: في النماء ... 277

الثمرة الثانية: في فسخ الأصيل ... 277

الثمرة الثالثة: في تصرّف الأصيل ... 280

حول قول كاشف الغطاء في ظهور ثمرات اُخرى ... 285

تنبيهات الإجازة:

التنبيه الأوّل: لو كانت الإجازة على خلاف اقتضاء الكشف أو النقل ... 292

التنبيه الثاني: حول اعتبار الإنشاء في الإجازة ... 295

دلالة صحيحة الحذّاء على كفاية الرضا في الإجازة ... 299

تردّد الشيخ الأنصاري في كفاية الرضا الباطني ... 300

التنبيه الثالث: اعتبار عدم سبق الردّ في الإجازة ... 301

استدلال الشيخ الأنصاري على اعتبار عدم سبق الردّ ... 306

الاستدلال بقاعدة السلطنة ... 308

كلام المحقّق النائيني في تصحيح التمسّك بقاعدة السلطنة ... 309

الاستدلال بصحيحة ابن بزيع ... 313

التنبيه الرابع: عدم تورّث الإجازة ... 316

التنبيه الخامس: حول جريان الفضولية في القبض والإقباض ... 317

ص: 843

حول جريان نزاع الكشف والنقل في المقام ... 321

حول كون إجازة البيع إجازة القبض ... 325

التنبيه السادس: حول فورية الإجازة ... 326

حول تضرّر الأصيل بعدم الإجازة وعدم الردّ ... 328

التنبيه السابع: اعتبار مطابقة الإجازة للعقد ... 330

بيان المحقّق النائيني في كون النزاع كبروياً ... 330

بيان المحقّق الأصفهاني في كون النزاع صغروياً ... 332

التحقيق في لزوم تطابق الإجازة للعقد ... 333

القول: في المجيز

وفيه اُمور:

الأمر الأوّل: اعتبار كون المجيز جائز التصرّف حين الإجازة ... 340

الأمر الثاني: اعتبار وجود المجيز حين العقد ... 342

الأمر الثالث: كون المجيز جائز التصرّف حال العقد ... 346

تمام الكلام في هذا الأمر في ضمن مسألتين:

المسألة الاُولى: حكم ما لو لم يكن جائز التصرّف بسبب الحجر كالراهن ... 346

فيها ثلاثة اُمور:

الأوّل: صحّة بيع الراهن ... 347

كلام المحقّق الأصفهاني في المقام ... 348

الثاني: حول لزوم الإجازة بعد فكّ الرهن ... 352

الثالث: جريان نزاع الكشف والنقل في المقام ... 353

المسألة الثانية: حكم ما لو لم يكن جائز التصرّف بسبب عدم الملك ... 355

من باع شيئاً ثم ملكه ... 355

ص: 844

إشكالات صاحب المقابس قدّس سرّه ... 357

الإشكال الأوّل: ... 357

الإشكال الثاني: ... 362

الإشكال الثالث: ... 365

كلام المحقّق النائيني في المقام ... 370

الإشكال الرابع: ... 372

أجوبة المحقّقين عن الإشكال العامّ ... 373

الإشكال الخامس: ... 381

الإشكال السادس: ... 384

الإشكال السابع: ... 388

الأخبار الناهية عن بيع ما ليس عندك ... 388

الإشكال بروايات «لا بيع إلاّ فيما تملك» ... 392

الإشكال برواية خالد بن الحجّاج ... 393

الإشكال بصحيحة يحيى بن الحجّاج ... 396

الإشكال بروايات ظاهرة في بيع الكلّي ... 398

المسائل التي لا ينبغي الخلط بينها ... 399

تأييد الشيخ قدّس سرّه البطلان برواية الحسن بن زياد ... 401

تأييد الصحّة بصحيحة معاوية بن وهب ... 402

بيان مورد الروايات المانعة ... 403

حول اعتبار الإجازة بعد تملّك البائع في المقام ... 405

حول كلام الشيخ قدّس سرّه في المقام ... 406

حكم ما لو باع معتقداً بكونه غير جائز التصرّف فبان خلافه ... 410

ص: 845

القول: في المُجاز

ويتم ببيان اُمور:

الأمر الأوّل: اعتبار كون العقد المجاز جامعاً لجميع الشروط ... 423

حول مختار الشيخ قدّس سرّه ... 424

حكم صور العلم الإجمالي باعتبار شرائط المعاملة ... 432

حول اشتراط بقاء الشرائط إلى زمان الإجازة ... 436

الأمر الثاني: اعتبار كون المجاز معلوماً بالتفصيل للمجيز ... 439

الأمر الثالث: حكم العقود المتعدّدة ... 442

حكم العقود المترتّبة على العوض ... 445

الإشكال على صحّة تتبّع العقود في صورة علم المشتري بالغصب ... 450

مسألة: في أحكام الردّ

حكم الشكّ في تحقّق الفسخ ... 454

هاهنا مسائل لاينبغي الخلط بينها:

الاُولى: فيما يحصل به الردّ ... 456

الثانية: هل الردّ يوجب الفسخ والهدم أم لا؟ ... 458

الثالثة: التصرّفات المفوّتة لمحلّ الإجازة ... 459

مسألة: في الأيادي المتعاقبة ... 466

حكم المالك مع من وقعت العين تحت يده ... 466

حكم المشتري مع الفضولي ... 471

هاهنا مسألتان:

المسألة الاُولى: حول رجوع المشتري إلى الفضولي بالثمن ... 471

ص: 846

المسألة الثانية: حكم ما يغترمه المشتري زائداً على الثمن ... 476

أنحاء الغرامات الّتي يتحمّلها المشتري ... 476

الاستدلال بقاعدة الغرور على رجوع المشتري إلى الغارّ ... 476

بيان قاعدة الغرور ومدركها ... 477

بيان كون ضمان الغارّ والمتلف في عرض واحد ... 483

الاستدلال بقاعدة الإتلاف على رجوع المشتري إلى الغارّ ... 487

بيان قاعدة الإتلاف ومدركها ... 487

بيان قاعدة التسبيب ومدركها ... 493

الاستدلال بقاعدة الضرر على رجوع المشتري إلى الغارّ ... 502

ثبوت الضمان على الغارّ والمغرور وجميع الأيادي المتعاقبة ... 505

وقوع الإشكال في مقامين:

المقام الأوّل: كيفية اشتغال ذمم متعدّدة بمال واحد ... 505

المقام الثاني: توجيه رجوع الضامن السابق إلى اللاحق ... 512

لابدّ من تقديم اُمور:

الأمر الأوّل: ظاهر «على اليد» الضمان لخصوص ما وقع تحت اليد ... 513

الأمر الثاني: الغرامات عند العقلاء ... 514

الأمر الثالث: بيان محتملات مفاد قاعدة اليد ... 516

توجيه كلام الشيخ الأنصاري في تصحيح الضمان ... 519

تبيين المحقّق النائيني مراد الشيخ قدّس سرّه ... 522

توجيه السيّد الطباطبائي رجوع السابقين إلى اللاحقين ... 526

التحقيق في التوجيه لرجوع السابق إلى اللاحق ... 533

سقوط ضمان كلّ لاحق بإرجاع العين إلى سابقه ... 536

حول إبراء المالك أحد من في السلسلة ... 537

تفصيل المحقّق الرشتي بين المتقدّم والمتأخّر ... 540

ص: 847

حول رجوع المالك إلى جميع الأيادي مع بقاء العين ... 543

مسألة: بيع الفضولي مال نفسه مع مال غيره ... 546

حكم المسألة بحسب القواعد ... 546

تصحيح البيع في المقام وفيما يقبل مع ما لا يقبل بصحيحة الصفّار ... 560

تقييد الصحّة بما إذا لم يتولّد من الردّ مانع شرعي كالربا وبيع الآبق بلا ضميمة ... 570

فيقع الكلام في موضعين:

1- حكم بيع درهم ودينار بدرهمين ودينارين وكان الدرهم للغير ... 570

استنكار تحليل الربا بالحيل المذكورة ... 576

أقسام الربا ... 577

بيان مورد الروايات الموهمة للتخلّص عن الربا ... 582

2- حكم بيع العبد الآبق مع الضميمة ... 594

مسألة: حكم بيع من له النصف النصفَ ... 598

ماهية الكسر المشاع ... 598

حكم عدم قصد البائع إلاّ معنى النصف ... 604

حكم إرادة البائع شيئاً معيّناً من النصف ... 616

مسألة: ولاية الأب والجدّ ... 619

حول الإشكال في ولاية الجدّ وإن علا ... 630

حول اعتبار العدالة ... 634

دليل صاحب الإيضاح على اعتبار العدالة ... 637

الاستدلال بآية الركون على اعتبار العدالة ... 639

الاستدلال بآية النبأ على الاعتبار ... 642

الاستدلال برواية الفضل على الاعتبار ... 645

حول اشتراط المصلحة في تصرّف الأب والجدّ ... 646

البحث في آية «لاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيتِيمِ» ... 650

ص: 848

مسألة: ولاية الفقيه

ضرورة الحكومة الإسلامية ... 655

الكلام في شخص الوالي ... 660

ما يعتبر في الوالي ... 661

أدلّة ولاية الفقيه ... 666

الاستدلال بمرسلة الفقيه ... 666

الاستدلال برواية علي بن أبي حمزة ... 670

الاستدلال بموثّقة السكوني ... 673

الاستدلال بالتوقيع المبارك ... 674

الاستدلال بمقبولة عمر بن حنظلة ... 677

الاستشهاد بمشهورة أبي خديجة ... 682

الاستدلال بصحيحة القدّاح ... 686

الاستدلال بروايات اُخر ... 691

عدم ثبوت ما يختصّ للمعصوم عليه السلام للفقيه ... 696

حكم سهم الإمام (عليه السّلام) ... 696

بيان سهم السادة ... 697

بيان سهم الإمام (عليه السّلام) ... 700

حكم الاُمور الحسبية ... 707

النسبة بين أدلّة ولاية الفقيه وأدلّة الحثّ على المعروف ... 709

مسألة: ولاية عدول المؤمنين ... 713

دلالة صحيحة ابن بزيع على ولاية العدول ... 715

دلالة صحيحة الأشعري على ولاية العدول ... 719

دلالة موثّقة سماعة على ولاية العدول ... 721

ص: 849

حول كفاية الوثاقة ... 722

حول مزاحمة فقيه لفقيه آخر ... 730

جواز مزاحمة الفقيه لغيره ... 738

حول جواز تصرّف الكلّ في مال اليتيم مع المصلحة ... 739

اعتبار المصلحة في تصرّفات غير الأب والجدّ ... 746

حول مفاد آية «وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ» ... 747

مسألة: جواز نقل المصحف إلى الكافر ... 764

الفهارس العامّة

1- فهرس الآيات الكريمة ... 777

2- فهرس الأحاديث الشريفة ... 787

3- فهرس أسماء المعصومين (علیهم السّلام) ... 803

4- فهرس الأعلام ... 805

5- فهرس الكتب الواردة في المتن ... 813

6- فهرس مصادر التحقيق ... 817

7- فهرس الموضوعات ... 839

ص: 850

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.