فقه الخلاف بحوث استدلالية في مسائل فقهية خلافية: الميراث المجلد 11

هوية الكتاب

اسم الكتاب: فقه الخلاف- بحوث استدلالية في مسائل فقهية خلافية

مؤلف: سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دامه ظله)

عدد المجلدات: 12ج

السنة : 1441ه - 2020م

الناشر : دار الصادقين - النجف اشرف - العراق

ص: 1

اشارة

فقه الخلاف

بحوث استدلالية في مسائل فقهية خلافية

الجزء الحادي عشر

الميراث

المرجع الديني الشيخ

محمد اليعقوبي (دام ظله)

الطبعة الثانية - مزيدة ومنقحة

النجف الأشرف - 1441 ه-/2020م

ص: 2

هذا الكتاب

هو المجلد الحادي عشر من موسوعة (فقه الخلاف) في الفقه الاستدلالي المقارن التي تحتوي على محاضرات البحث الخارج لسماحة المرجع الديني الشيخ اليعقوبي (دام ظله الشريف) في الحوزة العلمية في النجف الأشرف.

وقد تناول هذا الجزء عدة مسائل من كتاب الميراث وهي:

1- توريث أولاد الأولاد مع وجود الولد المباشر.

2- المسألة الإجماعية وهي تقديم ابن العم للأبوين على العم للأب.

3- إرث الزوجين مع عدم وارث سواهما.

4- إرث الزوجة من العقار.

5- ميراث المفقود.

6- ميراث من يموتون في حادث جماعي ولا يُعرف المتقدم من المتأخر.

وقد بدأ تدريس المسائل الأربعة الأولى في 30/شوال/1436 الموافق 16/8/2015 وانتهى في 21/محرم/1438 الموافق 23/10/2016، واستوعب (34) أسبوعاً دراسياً.

ولله الحمد أولاً وآخراً.

ص: 3

البحث الأول: ميراث أولاد الأولاد مع وجود الولد المباشر

اشارة

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

البحث الأول:

ميراث أولاد الأولاد مع وجود الولد المباشر

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سادة خلقه أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين.

مقدمة

أجمع الفقهاء على أن أولاد الأولاد لا يرثون مع وجود الولد للصلب مطلقاً أي سواء كان هذا الولد أباهم أو أمهم أو غيرهما من الأولاد المباشرين، وأرسلوا هذا الحكم إرسال المسلّمات، وعدّه صاحب الجواهر (قدس سره) من ضروريات المذهب(1)

وسيأتي بيان ذلك، وعلّله بعضهم بقاعدة أن الأقرب يمنع الأبعد.

ص: 5


1- وعمل بهذا الحكم قانون الأحوال الشخصية في جمهورية إيران الإسلامية المبني على فقه الإمامية فقد جاء في الباب الثاني المخصص للإرث، مادة /910 ق م ما ترجمته ((إذا كان للميت أولاد ولو كان ولداً واحداً يمنع أولاد الأولاد من الإرث)). وفي المادة /911 ق م ما ترجمته ((إذا لم يكن للميت أولاد أحياء بلا واسطة، فإن أولاد الأولاد يرثون مقامهم (الأولاد) وبهذا الطريق يصبحون من الطبقة الأولى ويشتركون مع أبوي الميت إن كانوا أحياءً ويرثون، وإن تقسيم الإرث بين أولاد الأولاد يكون حسب النسل، أعني حصة كل نسل حسب الطريق الذي ينتسب به للميت أي لأولاد الذكور حصتين ولأولاد الإناث حصة واحدة. وفي كل نسل للذكر مثل حظ الأنثيين)).

لكن هؤلاء الأحفاد والأسباط يقومون مقام واسطتهم عند عدم الأولاد المباشرين جميعاً.

وقد تعرّض هذا الحكم كما تعرّضت أحكام أخرى من كتاب الميراث بل من عموم أحكام الشريعة(1)

للإشكال فتصوروا أن فيه حيفاً وغبناً لأولاد الأولاد عندمايموت أبوهم قبل وفاة أبيه فيحرمون من الميراث عند وجود الأولاد المباشرين للميت، ولا يتوقعون ذلك من الشريعة الإلهية التي تؤسس للعدل والإحسان قال الله تعالى: «إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى» (النحل:90)، خصوصاً وأن الغالب فيمن يموت في حياة أبيه أنه يترك أيتاماً صغاراً ضعافاً، ويتساءلون هل من العدل والإحسان حرمانهم وإعطاء الميراث إلى أعمامهم الكبار لأنهم أولاد صلبيون للمتوفى.

وقد كثر الابتلاء بهذه المسألة في هذه الأعصار لكثرة الحروب والحوادث والعمليات الإرهابية والإجرامية التي تحصد الآلاف والملايين من الشباب، ويتركون صغاراً يُحرمون مما كانوا سيأخذونه من أبيهم لو لم يمت في حياة أبيه.

ص: 6


1- منها إعطاء الأنثى نصف نصيب الذكر، في صحيحة أبي جعفر الأحول قال: (قال ابن أبي العوجاء: ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهماً واحداً، ويأخذ الرجل سهمين؟ قال: فذكر ذلك بعض أصحابنا لأبي عبد الله (عليه السلام)، فقال: إن المرأة ليس عليها جهاد، ولا نفقة، ولا معقلة، وإنما ذلك على الرجال، فلذلك جعل للمرأة سهماً واحداً وللرجل سهمين) وسائل الشيعة: كتاب الميراث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، باب 2، ح1. ومنها حرمان الزوجة من رقبة الأرض فعن يزيد الصائغ قال: (سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن النساء لا يرثن من رباع الأرض شيئاً، ولكن لهن قيمة الطوب والخشب، قال: فقلت له: إن الناس لا يأخذون بهذا، فقال: إذا وليناهم ضربناهم بالسوط، فإن انتهوا وإلا ضربناهم بالسيف عليه) وسائل الشيعة: كتاب الميراث، أبواب ميراث الأزواج، باب6، ح11.

والجواب عن الإشكال يمكن أن يكون مختصراً بأن المعترضين ما داموا يسلّمون بصحة قاعدة الأقرب أولى من الأبعد في الميراث فعليهم التسليم بتطبيقاتها بناءً على أن الولد أقرب من ولد الولد، فما دام القانون –أي قانون- صحيحاً وعادلاً ومقبولاً فلا مناقشة في التطبيقات والنتائج، كما أن القانون الجزائي عندما يحكم على الإرهابي القاتل المفسد بالإعدام فإنه لا يجوز الاعتراض بأن قتله سيسبب ترمّل زوجته ويُتم أبنائه.

ونتيجة لوجود بعض المعطيات المشجّعة على التحقيق فيما أجمع عليه الفقهاء وانطلاقاً من الحديث النبوي الشريف (استفت نفسك وإن أفتاك المفتون)(1)

وفي حديث آخر عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (البر ما اطمأنت به النفس والبر ما اطمأن به الصدر، والإثم ما تردد في الصدر وجال في القلب وإن أفتاك الناس وأفتوك)(2).

وقد وجدت في نفسي ما يحفّزني على إعادة البحث في المسألة وقراءة الأدلة من جديد لعلنا نجد فيها ما يصلح لحل المشكلة ومراعاة المصلحة النوعية لهؤلاء الأحفاد والأسباط بإذن الله تعالى.

ولو لم تفلح هذه المحاولة وثبت بالدليل المعتبر عدم استحقاقهم شيئاً مع وجود الولد المباشر بأي نحو من الأنحاء، وجب على الجميع التسليم والطاعة «فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً» (النساء:65) وحينئذٍ لا ظلم ولا غبن ولا حيف لأن الحق أحق أن يُتّبع، وهذا التطور في النظر والاجتهاد وتكامل العقل من النعم العظيمة التي منّ بها الله تعالى على أتباع أهل البيت (عليهم السلام) والبشرية عموماً.

والبحث يتضمن عدة جهات، لكننا نمهّد ببيان بعض المطالب:

ص: 7


1- كنز العمال: 29339.
2- بحار الأنوار: 17/229 عن قرب الإسناد: 132-145.

(المطلب الأول) في قاعدة الأقرب يمنع الأبعد

اشارة

وهي من القواعد المسلّمة في كتاب الميراث، لذا لم يستدل أكثرهم عليها وأوجزه بعضهم كالسيد صاحب الرياض(1)

(قدس سره) لكننا نقرّب هنا عدة وجوه للاستدلال لكي تكون حركتنا في الاستدلال ضمن إطار مدلولها، ويستدل عليها:

أولاً: من القرآن الكريم بقوله تعالى: «وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ» (الأنفال: 75) (الأحزاب:6) الصريحة بأولوية بعض الأرحام –وهو الأقرب- من بعض –وهو الأبعد- بالميراث تبعاً لقرب رحمهم، قال الشهيد الثاني (قدس سره): ((وقد تقرّر أن المراد من قوله تعالى: «وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ» أن الأقرب منهم أولى من الأبعد))(2).

وقوله تعالى: «آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ» (النساء:11) بتقريب أن الاستحقاق بالأقربية مسلّم إلا أنه نفى درايتهم بمصاديقها.

وقوله تعالى: «لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً» (النساء:7) وقوله تعالى: «وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ» (النساء:33) بالتقريب الذي سيأتي في موثقة زرارة إن شاء الله تعالى.

ثانياً: من الروايات الشريفة الدالة على القاعدة وهي كثيرة، منها:-

1- موثقة زرارة قال: (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ» قال: إنما عنى بذلك أولو

ص: 8


1- رياض المسائل: 14/207.
2- مسالك الأفهام: 13/137.

الأرحام في المواريث، ولم يعن أولياء النعمة، فأولاهم بالميت أقربهم إليه من الرحم التي تجره إليها)(1).

2- رواية الحسين الرزاز أو البزاز قال: (أمرت من يسأل أبا عبد الله (عليه السلام): المال، لمن هو؟ للأقرب؟ أو للعصبة؟ فقال: المال للأقرب، والعصبة في فيه التراب)(2).

3- صحيحة أبي أيوب الخزاز عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (إن في كتاب علي (عليه السلام) إن كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجر به، إلا أن يكون وارث أقرب إلى الميت منه فيحجبه)(3).((3).

4- مرسلة يونس عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إذا التقت القرابات فالسابق أحق بميراث قريبه، فإن استوت قام كل واحد منهم مقام قريبه)(4).

5- في تفسير العياشي عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله: «وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ»: (إن بعضهم أولى بالميراث من بعض، لأن أقربهم إليه رحماً أولى به، ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): أيهم أولى بالميت، وأقربهم إليه؟ أمه؟ أو أخوه؟ أليس الأم أقرب إلى الميت من إخوته وأخواته؟)(5).((4).

6- رواية حماد بن عثمان قال: (سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل ترك أمه وأخاه، قال: يا شيخ تريد على الكتاب؟ قال: قلت: نعم، قال: كان علي (عليه السلام) يعطي المال الأقرب فالأقرب، قال: قلت: فالأخ

ص: 9


1- وسائل الشيعة: كتاب الميراث، أبواب موجبات الإرث، باب 1، ح1، 3.
2- وسائل الشيعة: كتاب الميراث، أبواب موجبات الإرث، باب 1، ح1، 3.
3- (3) و (4) نفس المصدر السابق، باب 2، ح 1، 3.
4- (5) نفس المصدر السابق، باب 8، ح11.

لا يرث شيئاً؟ قال: قد أخبرتك أن علياً (عليه السلام) كان يعطي المال الأقرب فالأقرب)(1).

7- صحيحة الصفار أنه كتب إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام): (رجلٌ مات وترك ابنة ابنه، وأخاه لأبيه، وأمه، لمن يكون الميراث؟ فوقّع (عليه السلام) في ذلك: الميراث للأقرب إن شاء الله)(2).

8- رواية علي بن إبراهيم في تفسيره بسند صحيح عن بكير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (إذا مات الرجل، وله أخت، تأخذ نصف الميراث بالآية، كما تأخذ الابنة لو كانت، والنصف الباقي يرد عليها بالرحم، إذا لم يكن للميت وارث أقرب منها)(3).

أما تطبيقات هذه القاعدة في الروايات فتملأ كتاب الميراث على جميع طبقات الورثة.

أقول: يمكن مناقشة الاستدلال بالآيات والروايات على عموم القاعدة وإطلاقها لاحتمال أن الحصر فيها إضافي بلحاظ ما تبناه المخالفون الذين ورثوا العصبة مع وجود القريب وفي بعضها تصريح بذلك كالروايات (2 ، 5، 6).

أو أنها بلحاظ نفي الموجبات الأخرى للميراث كالولاء والإيمان.

وتدل أيضاً على تقديم بعض الأقرباء على بعض لكن في الجملة، فهي ليست بصدد بيان ترتيب درجات الورثة ومراتبهم فلا يمكن استفادة الإطلاق والترتيب الدقي للورثة بحسب القرابة حتى يمنع كل أقرب كل أبعد، وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى.

ص: 10


1- المصدر السابق، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، باب 5، ح6.
2- المصدر السابق: باب 8، ح1.
3- المصدر السابق: أبواب ميراث الإخوة والأجداد، باب 2، ح5.

ثالثاً: بالإجماع وهو محصّل ومنقول قال الشيخ الطوسي (قدس سره): ((اختلف من قال بتوريث الأرحام فعندنا أنه يقدّم الأقرب فالأقرب، دليلنا: إجماع الفرقة))(1).

أقول: يمكن مناقشة الإجماع بأنه مدركي لما تقدم، قال في مفتاح الكرامة: ((لا كلام في حجب القريب البعيد، والأقرب الأبعد، وهو إجماع فينا، والأصل في ذلك آية أولو الأرحام وقد وقع الاستدلال بها في غير واحد من الأخبار فيها الصحيح وغيره))(2).

واستثنوا من ذلك المسألة الإجماعية، قال صاحب الجواهر (قدس سره): ((إن الدرجة معتبرة في الطبقات كلها فلا إرث حينئذٍ للأبعد مع الأقرب إلا إذا كان الأبعد ابن عم للأبوين، فإنه يحجب العم للأب بالنص والإجماع، ولا يمنع البعيد القريب في غيره))(3).

أقول: بيّنت في بحث مستقل أن هذا الحكم في المسألة لا نعوّل عليه وإن أجمعوا لأن النص ضعيف والإجماع مدركي للنص ولشائبة الوضع نصرة للمعتقد مع أن مورد استدلاله –وهو تقديم أمير المؤمنين (عليه السلام) على العباس بن عبد المطلب في الميراث- لا موضوع له لوجود الوارث الأقرب وهي الصديقة الزهراء (عليها السلام) بل إن مورد التنازع –وهي الخلافة- ليست من مصاديق الميراث الفقهي، وقد عرضت البحث في حينه على سيدنا الأستاذ الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) فأيد ما فيه لذا احتاط في المسألة.

وعلى أي حال فسيظهر من البحث وجود موارد أخرى خارجة عن القاعدة.

ص: 11


1- الخلاف: 4/14.
2- مفتاح الكرامة: 17/164.
3- جواهر الكلام: 39/14.

هذا بالنسبة لنا أتباع أهل البيت (عليهم السلام) بفضل الله تعالى وكرمه أما عند العامة فخالفوا القاعدة كثيراً للقول بالتعصيب ونحوه.

رابعاً: العقل، ولم أجد من قرّب الاستدلال به إلا المحقق الأردبيلي (قدس سره) قال: ((إن العقل يجد أن ما دام الأقرب –أي موجوداً- لا يرث الأبعد))(1).

أقول: ردّ عليه لاحقاً بأن ((العقل ليس بمستقل)) وهو كذلك، ويمكن رد هذا الدليل بوجوه:-

1- إن العقل لا يرى مانعاً في توريث الأبعد مع وجود الأقرب ولو بمقدار أقل من الأقرب بل استحب ذلك كإطعام الجد والجدة مع وجود الأب والأم.

2- إنه لا يرى مانعاً من كون الموجب للميراث غير النسب كالولاء والنصرة والإسلام والهجرة وقد كان الأمر كذلك فعلاً كما دلت عليه الروايات(2)في

صدر الإسلام، فقد آخى النبي (صلى الله عليه وآله) بين

ص: 12


1- مجمع الفائدة والبرهان: 11/361.
2- وسائل الشيعة: كتاب الميراث، أبواب موجبات الإرث، باب 1، ح4. وأورد غيرها في جامع أحاديث الشيعة: 29/347 عن مستدرك الوسائل: 17/152 وعن عوالي اللئالي: 3/492 وعن مجمع البيان: 2/18 منها ما أورده السيد المرتضى في رسالة (المحكم والمتشابه:6) نقلاً عن تفسير النعماني عن علي (عليه السلام) في بيان الناسخ والمنسوخ قال: (إن النبي (صلى الله عليه وآله) لما هاجر إلى المدينة آخى بين أصحابه المهاجرين والأنصار، وجعل المواريث على الإخوة في الدين، لا ميراث الأرحام، وذلك قوله: «الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَ-ئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ» (الأنفال:72) فأخرج الأقارب من الميراث، وأثبته لأهل الهجرة وأهل الدين خاصة، فلما قوي الإسلام أنزل الله: «النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفاً» (الأحزاب:6) فهذا معنى نسخ الميراث) وسائل الشيعة: كتاب الميراث، أبواب موجبات الإرث، باب 1، ح4.

المهاجرين والأنصار لما قدم المدينة، فكان يرث المهاجري الأنصاري وبالعكس ولا يرث وارثه الذي كان له بمكة وإن كان مسلماً لقوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَ-ئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ» (الأنفال:72) ثم نُسخت بآية أولو الأرحام.

ولعلنا نستطيع القول أن ذوق الشريعة المقدسة الذي علمناه من الآيات الكريمة كقوله تعالى: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ» (الحجرات:10) وقوله تعالى: «فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي» (إبراهيم:36) وقوله تعالى: «إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ» (هود:46) ونحوها والأحاديث الشريفة أن علقة الإيمان والولاء أقوى من العلقة النسبية وأنها أولى في التوارث وهو الحكم الذي سيطبق في عصر الظهور كما في الرواية الشريفة عن الإمام الصادق (عليه السلام) (فلو قد قام قائمنا أهل البيت لورث الأخ الذي آخى بينهما في الأظلةولم يرث الأخ من الولادة)(1)

لكن الله تعالى راعى في الإنسان شفقته ورحمته بأرحامه واعتباره إياهم

ص: 13


1- مرآة العقول: 9/23مرسلاً، وكذلك في البحار: 6/249. ومستدرك سفينة البحار: 4/215، عن الصدوق عن الصادق (عليه السلام).

امتداداً له كنفسه فحكم لهم بذلك نظير قوله تعالى: «الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً» (الأنفال:66).

1- مضافاً إلى إجماعهم على تخصيص القاعدة كما تقدم، والأحكام العقلية غير قابلة للتخصيص، فهذا ليس من الأحكام العقلية.

2- ولو تنزلنا وسلّمنا باستقلال العقل في إدراك هذا المناط إلا أنه لا موضوع له إلا بمعونة الدليل الشرعي لأن الله تعالى نفى صريحاً قدرة عقولنا على اكتشاف موجبات التوارث وتقديم أحد على أحد قال تعالى: «آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ» (النساء:11) ونتيجة البحث في القاعدة أنها ثابتة في الجملة بعد عدم تمامية الإطلاق، أي أنه لا يثبت بها تقديم كل أقرب على كل أبعد.

إشكال على الاستدلال بآية أولي الأرحام على القاعدة:

أورد صاحب مفتاح الكرامة هذا الإشكال وجوابه نذكرهما لتعميق المطلب، قال (قدس سره) بعد الاستدلال بآية «وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ» على القاعدة: ((قال الأستاذ(1)

أدام الله حراسته في حلقة الدرس على ما نقل عنه ما حاصله، أنّى ننهض بذلك وهي محتملة لأن يكون المراد أن بعضهم أولى ببعض من غيرهم أعني الأجانب؟ بل هذا هو الظاهر المتبادر، ولئن وقع الاستشهاد بها على منع الأقرب الأبعد في بعض الأخبار فقد وقع الاستشهاد بها أيضاً على منع الأقارب الأجانب في كثير من الأخبار، كما قال في صحيحة عبد الله بن سنان: كان علي (عليه السلام) إذا مات مولى له وترك قرابته لا يأخذ من ميراثه شيئاً، ويقول: «أُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ»

ص: 14


1- ذكر (قدس سره) في نهاية الكتاب: 17/476 أنه إذا قال الأستاذ فإنه يريد به أغا محمد باقر أي المعروف بالوحيد البهبهاني.

وفي حسنة ابن قيس، في خالة جاءت تخاصم مولى في مولى رجل مات، فقرأ هذه الآية فدفع الميراث إلى الخالة ولم يعطِ المولى.

وفي (النهج) من كتاب له (عليه السلام) إلى معاوية: وكتاب الله يجمع لنا ما شذّ عنا، وهو قوله سبحانه «وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ» إلى أن قال: فنحن أولى بالقرابة.وفي (الاحتجاج) من كلام لفاطمة (عليها السلام): يا ابن أبي قحافة أفي كتاب الله تعالى أن ترث أباك ولا أرث أبي، لقد جئت شيئاً فريّاً، تركتم كتاب الله تعالى وراء ظهوركم، إذ يقول «وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ» إلى غير ذلك.

على أنها إنما نزلت ناسخة لما كان في صدر الإسلام من التوارث بالنصرة والهجرة، فكأن الغرض بيان أن الأقارب أولى من الأجانب، فإن السوق ظاهر في ذلك كما في آية الأحزاب، حيث يقول بعدها: «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفاً»، إذ الظاهر أن هذا هو المفضل عليه.

والمعنى أن أولي الأرحام أولى بالميراث من الأنصار والمهاجرين، أي أن التوارث بحق القرابة أولى منه بحق الإيمان والهجرة، وإن جاز أن يكون بياناً –أي الأقارب- من كل من الفريقين بعضهم أولى ببعض من غيرهم، وإنما خصّهم بالذكر لأن التوارث المنسوخ إنما كان بينهم، وقوله: «إِلا أَن تَفْعَلُوا» يريد الوصية، وعدّاه ب-«إلى» لتضمنه معنى الإحسان))(1).

وقال (قدس سره) في الجواب: ((ثم إنه أدام الله حراسته أمر بالجواب، وأنت تعلم أن الجواب ظاهر، لأن الدلالة فيها بتقديم حق القرابة وهو قاضٍ بتقديم حق الأقرب، وذلك أن الناس كلهم في الحقيقة أنساب وقرابات بعضهم

ص: 15


1- مفتاح الكرامة: 17/164.

لبعض، وإن لم يصدق اسم الأقارب إلا على من يعرف بالقرابة، من حيث أنهم لأب واحد وأم واحدة، وإنما يتفاضلون في القرب والبعد، ولما كانت الآية دالة على تقديم ذوي الأرحام منهم، وما ذاك إلا لأنهم أقرب من غيرهم، اقتضى ذلك تقديم من كان أمسّ رحماً على غيره، كمن في العمود(1)

على الحاشية الأولى، ومن في الأولى على الثانية، من حيث أن العلة التي اقتضت تقديم ذوي الأرحام على غيرهم متحققة في الأقرب منهم، فكانت الآية دالة على تقديم الأقرب في المقامين(2)، إلا أن الدلالة في أحدهما بالوضع وفي الآخر بالإيماء.

وصارت بهذا الاعتبار كأنها أطلقت وأريد بها القدر المشترك بينهما وهو تقديم الأقرب، فصحّ الاستدلال بها تارة على تقديم الأقارب على الأجانب، وأخرى على تقديم الأقرب من الأقارب على غيرهم، لا أن مفاد الخطاب لغة وعرفاً هو الثاني كما قد يُتوهم، وإن جاء في بعض الأخبار ما يبهمه كما حكي في (نور الثقلين) عن العياشيأنه روى عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز وجل: «وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ».

إن بعضهم أولى بالميراث من بعض لأن أقربهم إليه أولى به، فإنما نريد أن الآية مما تفيد ذلك وتعطيه وتومئ إليه، لا أن ذلك هو المعنى، وأين هو من المعنى؟ ولا سيما بعد ملاحظة السوق وسبب النزول، إنما المعنى ما أورده

ص: 16


1- العمود هم الآباء والأولاد لوقوعهم في عمود النسبة للشخص صعوداً ونزولاً، أما الحاشية فهم ليسوا كذلك وإنما يتصلون مع الميت في ثالث كالإخوة وكالأعمام والأخوال وذرياتهم.
2- وهما بين الأقرباء والأجانب وبين الأقرباء أنفسهم بمراعاة الأقرب فالأقرب.

الأستاذ أولاً في السؤال، ثم جاء بالإيماء ما قلناه في الجواب، وهذا الجواب أجاب به مقدس الذات والنفس ورئيس أهل الدرس أيده الله تعالى))(1).

أقول: ما ذكره (قدس سره) في الجواب صحيح في الجملة فلا يثبت به إطلاق كما سبق في المناقشة، لذا فإن المصنف رغم قناعته بالجواب هنا إلا أنه بقي (قدس سره) يحتمل الإشكال، قال (قدس سره) في موضع من كتابه عن إطلاق الإجماع على مقولة أن الأقرب يمنع الأبعد: ((إن لم نقل بالإجمال –فيه- كما قيل))(2)

ويعني به الإشكال الذي أورده مضافاً إلى المناقشة التي ذكرناها في الإطلاق.

(المطلب الثاني) هل ولد الولد ولد حقيقة؟

اشارة

يوجد خلاف بين فقهائنا في أن ولد الولد ولد حقيقة أم لا؟ وبنى بعضهم عليه القول بكيفية استحقاق ولد الولد، كالسيد المرتضى الذي قسّم عليهم الميراث كالأولاد المباشرين بلا واسطة بناءً على أن ولد الولد ولد حقيقة، بينما ذهب الأكثر إلى إعطائهم حصة من يتقربون به، وسيأتي الكلام في صحة هذا البناء أي التفريع، ومحل كلامنا هنا في المبنى أي العنوان المذكور.

وفي المسالة قولان:

القول الأول: إن ولد الولد ولد حقيقة، ونسبه الشهيد الثاني (قدس سره) إلى جماعة منهم المفيد والقاضي(3)، واختاره السيد المرتضى واستدل عليه في رسائله(4)

مفصلاً وأيده بقوة ابن إدريس وحكاه عن الحسن بن أبي عقيل

ص: 17


1- مفتاح الكرامة: 17/165-166.
2- مفتاح الكرامة: 17/206.
3- مسالك الأفهام: 5/393، المقنعة: 653، المهذب: 2/89.
4- رسائل الشريف المرتضى: 3/257-265.

العماني، ونقل في الرياض عن الفيض الكاشاني ((إطلاق لفظ الولد على ولد الولد عرفاً فيدخل في ظاهر اللفظ))(1)

ويحتمل من صاحب الجواهر الميل إليه قال (قدس سره) مستدلاً على اقتسام أولاد البنت بالتفاضل: ((لصدق الأولاد حقيقة فيدخلون في عموم «يُوصِيكُمُاللهُ» ولكون المراد منهم هنا ما يشملهم ولو للإجماع المحكي عن جماعة على ذلك))(2).

وحكى المحقق النراقي (قدس سره) دعوى الإجماع عن ابن إدريس والسيد المرتضى وسلم النسبة إليهما إلا أنه قال عنه: ((إنه ممنوع والمنقول منه غير حجة))(3).

وحكى صاحب الجواهر (قدس سره) عن السيد المرتضى وابن إدريس نسبة هذا القول إلى الأكثر بل الإجماع، قال (قدس سره): ((بناءً على أن ولد الولد ولد حقيقة كما عن الأكثر، بل عن ابن إدريس الإجماع عليه، بل وعلى القول بالمجازية، فإنه –أي صدق الولد على ولد الولد- مراد هنا قطعاً، لإجماع الأصحاب على الاستدلال بهذه الآية –«يوصيكم الله في أولادكم» على اقتسام أولاد الابن نصيبهم للذكر ضعف الأنثى واحتجاجهم على بعض من شذ منهم في قسمة ولد الأنثى نصيبهم بالسوية، وما ذاك إلا للإجماع على أن المراد بالولد هنا المعنى الأعم))(4).

أقول: نسبة الإجماع على هذا القول إلى السيد المرتضى وابن إدريس ليست تامة بحسب القراءة الدقيقة لما قاله ابن إدريس (قدس سره) وإن وجد في كلامه ما يتوهم منه ذلك، إلا أن القرائن قد يظهر منها العكس؛ لأن الذي حكاه السيد

ص: 18


1- رياض المسائل: 14/313.
2- جواهر الكلام: 39/126.
3- مستند الشيعة: 19/195.
4- جواهر الكلام: 39/118.

وابن إدريس هو الإجماع على الحكم أي اقتسام أولاد الأولاد نصيبهم بالتفاضل فضم إليها قوله تعالى: «يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ» (النساء:11) ليستنتج منها أنهم أولاد حقيقة لاقتسامهم الميراث بالتفاضل، وهذا كاشف عن كونهم أولاداً بمقتضى هذه الآية، وألزم المجمعين على الحكم بهذه النتيجة.

وهذا التعبير عن الإجماع واضح في كلمات البعض كالشهيد الثاني قال (قدس سره): ((وللإجماع على أن أولاد الابن وأولاد البنت يحجبون الأبوين عما زاد عن السدسين والزوج إلى الربع والزوجة إلى الثمن وكل ذلك في الآية متعلق بالولد، فمن سمّاه الله تعالى ولداً في حجب الأبوين والزوجين هو الذي سمّاه ولداً في قوله تعالى: «يُوصِيكُمُ اللهُ في أولادِكُم»))(1)

فهو إجماع اجتهادي مستنبط لا محصل ولا منقول، ولا ملازمة بين الإجماع على اقتسام أولاد الابن نصيبهم بالكيفية المذكورة وكون ابن الابن ابناً حقيقةً لأن من نفى هذه الحقيقة قال بالحكم المذكور أيضاً لكن للدليل الخاص علىكيفية الاقتسام أو على صدق الولد على ولد الولد في هذا المورد خاصة ولو على نحو المجاز المشهور أو الاستعمال، والمدعى صدقه حقيقة أي مطلقاً.

ثم قال (قدس سره) بعد أن نقل استدلال السيد المرتضى بطوله: ((وهو الذي يقوى في نفسي، وأفتي به، وأعمل عليه، لأن العدول إلى ما سواه عدول إلى غير دليل من كتاب، ولا سنة مقطوع بها، ولا إجماع منعقد، بل ما ذهبنا إليه هو ظاهر الكتاب الحكيم، والإجماع حاصل على أن ولد الولد ولد حقيقة، على ما دللنا عليه في غير موضع، ولا يعدل عن هذه الأدلة القاطعة للأعذار، إلا بأدلة مثلها موجبة للعلم، ولا يلتفت إلى أخبار آحاد في هذا الباب، لأنها لا

ص: 19


1- مسالك الأفهام: 13/126.

توجب علماً ولا عملاً، ولا إلى كثرة القائلين به، والمودعيه كتبهم وتصنيفاتهم، لأن الكثرة لا دليل معها))(1).

أقول: لاحظ ذيل كلامه ففيه تصريح إلى مخالفة الأكثر ولذا تشبث في النص الآتي بنصرة ابن أبي عقيل وكيل الثناء عليه ولو كان يدعي الإجماع حقاً كما نسب إليه لما احتاج إلى ذلك، أما قوله: ((والإجماع حاصل)) فبلحاظ تنزيل ولد الولد منزلة الولد في الاستحقاق كما قربنا، وسيأتي تصريح الشهيد الثاني والمحقق النراقي بذهاب الأكثر إلى خلاف هذا القول.

ثم قال: ((وإلى ما اختاره السيد واخترناه ذهب الحسن بن أبي عقيل العماني رحمه الله في كتابه كتاب المتمسك بحبل آل الرسول عليهم السلام، وهذا الرجل من جلة فقهاء أصحابنا ومتكلميهم، وكتابه كتاب معتمد قد ذكره شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في فهرست المصنفين، وأثنى عليه، وكان شيخنا المفيد محمد بن محمد النعمان رحمه الله يكثر الثناء على هذا الرجل))(2).

وللسيد المرتضى (قدس سره) استدلال مفصل على مطلوبه نقله ابن إدريس في السرائر والعلامة في المختلف(3)

لكن بعضه استدلال على المبنى –وهو محل كلامنا- والبعض الآخر استدلال على البناء أي الحكم الذي فرّعوه وهو مؤجل إلى موضعه إن شاء الله تعالى، لذا سننقل من كلامه ما يرتبط بهذا المطلب، علماً بأن أصل الوجوه التي استدل بها نقلها الشيخ الكليني عن الفضل الذي أوردها على العامةالذين نفوا كون ابن البنت ابناً وكان هذا

ص: 20


1- السرائر: 3/255.
2- السرائر: 3/256.
3- السرائر: 3/246-255. مختلف الشيعة: 9/28-36.

((اقتداءً منهم بالأسلاف والذين أرادوا إبطال الحسن والحسين (عليهما السلام) بسبب أمهما والله المستعان))(1).

ويمكن تحرير الكلام في عدة وجوه:

أولاً: إطلاق لفظ البنوّة على ولد الولد وقد تكرر قوله تعالى: «يَا بَنِي آدَمَ» «يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ» وما أطلقه تعالى على الذريات من أولاد الأولاد كقوله تعالى: «كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ» (الأنعام:84-85).

وانتساب الأولاد وإن نزلوا معروف في لغة العرب كبني هاشم وبني العباس وبني أمية ونحو ذلك، والأصل في الإطلاق الحقيقة(2).

ثانياً: معاملة ولد الولد كالولد من حيث ترتيب الآثار في الآيات القرآنية، وبتعبير آخر: إن الأحكام الشرعية الثابتة للولد في النصوص الشرعية ثبتت لولد الولد بنفس النصوص ولم تأت بها نصوص مستقلة فالعنوان شامل لهم جميعاً.

قال المحقق الأردبيلي (قدس سره): ((إن ولد الولد إنما يرث لكونه ولداً، لا لكونه ولد ولد، فإن المذكور في القرآن الولد، والمراد به الأعم، فوراثته من جهة الولدية))(3).

منها قوله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ» (النساء:23) ((ولا خلاف بين الأمة في أن بظاهر هذه الآية تحرم علينا بنات أولادنا، فلو لم تكن بنت البنت بنتاً على الحقيقة، لما دخلت تحت هذه الآية، ويحقق ذلك أنه

ص: 21


1- فروع الكافي: ج7، كتاب الفرائض، باب 54: ميراث ولد الولد، ح4.
2- مسالك الأفهام: 5/394.
3- مجمع الفائدة والبرهان: 11/348.

تعالى لما قال «وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت» ذكر في المحرمات بنات الأخ وبنات الأخت، لأنهن لم يدخلن تحت اسم الأخوات، ولما دخل بنات البنات تحت اسم البنات، لم يحتج، وقد حرمهن أن يقول وبنات بناتكم، وهذه حجة قوية فيما قصدناه.

وقوله تعالى: «وحلائل أبنائكم»(1).وقوله جل اسمه: «ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن» لا خلاف في عموم الحكم هاهنا بجميع أولاد الأولاد من ذكور وإناث))(2)

كما يحل بهذه الآية لابن الولد النظر إلى زينة جدته أو زوجة جده(3).

ومنها قوله تعالى: «وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ» (النساء:11).

وقوله تعالى: «وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم» (النساء:12)

((ولا خلاف بين أصحابنا في أن ولد البنين، وولد البنات، وإن سفلوا يقع عليهم هذه التسمية، ويتناولهم على سبيل الحقيقة، ولهذا حجبوا الأبوين عن ميراثهما إلى السدسين بولد الولد، وإن هبطوا وحجبوا الزوج عن النصف إلى الربع، والزوجة عن الربع إلى الثمن بولد الولد، فمن سماه الله تعالى ولداً

ص: 22


1- قال المحقق النراقي (قدس سره): ((فإنه لا خلاف في أن بهذه الآية يحرم نكاح زوجة ولد الولد لصدق الابنيّة والبنتية)) (مستند الشيعة: 19/193).
2- السرائر: 3/252-253.
3- مستند الشيعة: 19/193.

في حجب الأبوين، وحجب الزوجين، يجب أن يكون هو الذي سماه ولداً في قوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم))(1).

وأضاف المحقق النراقي (قدس سره) قوله تعالى: «وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم» ((فإنه لا خلاف في أنه تحرم بهذه الآية زوجة الجد، فتدل على أن أب الأب والأم أب حقيقة، فيكون ولد الابن والبنت ولداً حقيقة للتضايف))(2).

وهو معنى تداوله بعض فقهاء العامة لإثبات تقديم الجد على الأخ بالتعصيب لأنه يقوم مقام الأب، قالوا: ((إذا ثبتت البنوة لولد الولد فمن المحال ألا تثبت الأبوة لأب الأب، لأن الأبوة والبنوة من الأمور المتضايفة، فيمتنع ثبوت إحداهما بدون الأخرى، فإذا كان ابن الابن ابناً فكذلك يكون أب الأب أباً، وهذا معنى قول ابن عباس: ألا يتقي الله زيد؟ يجعل ابن الابن ابناً ولا يجعل أب الأب أباً))(3).وأوردوا جملة من الآيات شاهدة على صدق الأبوة كقوله تعالى: «وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِ-ي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ» (يوسف:38) وقوله تعالى: «كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ» (يوسف:6) وقوله تعالى: «أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ» (الشعراء : 76) وقوله تعالى: «كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ» (الأعراف:27) وغيرها.

ثالثاً: ما استدلوا به على أن ولد البنت ولد وهو ينطبق على ولد الولد بالأولوية اتفاقاً، قال السيد المرتضى (قدس سره): ((ومما يدل أيضاً على أن ولد

ص: 23


1- السرائر: 3/251-252.
2- مستند الشيعة: 19/193.
3- كتاب (مقارنة المذاهب في الفقه) عن أعلام الموقعين: 1/375 وأصول السرخسي: 2/188 والمغني: 7/66.

البنت ينطلق عليه اسم الولد على الحقيقة، إنه لا خلاف في تسمية الحسن والحسين عليهما السلام إنهما ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله(1)

وإنهما يُفضَّلان بذلك ويمدحان، ولا فضيلة ولا مدح في وصف مجاز مستعار، فثبت أنه حقيقة.

وقد روى أصحاب السير كلهم أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه لما أمر ابنه محمد بن الحنفية وكان صاحب رايته يوم الجمل في ذلك اليوم فقال له:

اطعن بها طعن أبيك تحمد *** لا خير في الحرب إذا لم توقد

بالمشرفي والقنا المسدد.

قال محمد بن إدريس رحمه الله يعني المقوم وقد استدّ الشيء إذا استقام، ومنه قول الشاعر:

أعلمه الرماية كل يوم *** فلما استد ساعده رماني

والعامة تنشده بالشين المعجمة، وهو بالسين غير المعجمة.

فحمل محمد رضي الله عنه، فأبلى جهده، فقال أمير المؤمنين عليه السلام أنت ابني حقاً وهذان ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله يعني الحسن والحسين، فأجرى عليهما هذه التسمية مادحاً لهما، ومفضلاً لهما، والمدح لا يكون بالمجاز والاستعارة.

وما زالت العرب في الجاهلية تنسب الولد إلى جده، أما في موضع مدح أو ذم، ولا يتناكرون ذلك، ولا يحتشمون منه.

فإن قيل اسم الولد يجري على ولد البنات مجازاً، وليس كل شيء استعمل في غيره يكون حقيقة له.

ص: 24


1- وفي الحديث النبوي الشريف (لا تزرموا ابني) لما بال الحسن (عليه السلام) في حجره أي لا تقطعوا عليه بوله. معاني الأخبار: 211، الوسائل: 2/1008، أبواب النجاسات، باب 8، ح4.

قلنا: الظاهر من الاستعمال الحقيقة، وعلى من ادعى المجاز الدلالة، وقد بينا في غير موضع إن الأصل الحقيقة، والمجاز طار داخل، والاستعمال محمول على الأصول، إلا أن تنقل دلالة قاهرة))(1).

أقول: هذه الوجوه كلها قابلة للرد:فالأول أُجيب عنه بأن ((الاستدلال بها لا يدل على كونها حقيقة لأن غاية ما ثبت منه الاستعمال وهو أعم من الحقيقة، لجواز الاستدلال بالألفاظ المستعملة في المجازات عند وجود القرينة، أو تسليم الخصم والخصم يدعي أن القرينة في هذه الآيات موجودة وإن لم يكن غير الإجماع))(2).

وأما قولهم: ((إن لفظ الولد استعمل في ولد الولد، والأصل في الاستعمال الحقيقة)) ففيه ((إن أصالته في مثل ذلك ممنوعة، وإنما هي مسلّمة في ما لم يُعلم له معنى حقيقي آخر))(3).

أقول: الاستدلال بأصالة الحقيقة لا موضوع له لأن الشك هنا ليس في مراد المتكلم الدائر بين معنى حقيقي كالحيوان المفترس في قوله: (رأيت أسداً) ومعنى مجازي هو الرجل الشجاع حتى يتمسك بهذا الأصل للاتفاق على أن المراد هنا هو ما يعم ولد الولد، وإنما الشك هنا في كون هذا المعنى على نحو الحقيقة أو المجاز فتجري فيه علامات اختبارهما.

ونفى المحقق النراقي (قدس سره) كون صدق الولد على ولد الولد حقيقياً هنا، قال (قدس سره): ((أنه إن أُريد صدقه عليه لغة فممنوع، فإن ولد

ص: 25


1- السرائر: 3/253-254.
2- مستند الشيعة: 19/194.
3- مستند الشيعة: 19/195.

الشيء في اللغة ما يتولد عنه، ولا يصدق على ولد ولد الشخص أنه تولد عنه، وأما الاستعمال فلا يفيد، لكونه أعم من الحقيقة.

وإن أُريد الصدق الشرعي، فيتوقف على ثبوت الحقيقة الشرعية فيه، وثبوتها إما بتصريح الشارع بالوضع، أو بكثرة الاستعمال وغلبته بحيث يهجر المعنى الأول، وشيء منهما لم يتحقق، فإنه لم ينقل من كتاب ولا سنة، ولم يثبت إجماع على الوضع، والاستعمال لا يفيد، والغلبة هنا ممنوعة، كيف؟! مع أنهم يستعملون الولد في الولد للصلب أكثر من استعماله في ولد الولد أو في القدر المشترك. وأما ذكر الولد أحياناً والتصريح بإرادة ولد الولد منه فلا يثبت الحقيقة الشرعية، على أن في بعض الأخبار دلالة على خلافه كما يأتي.

وإن أُريد العرفي، فثبوته فرع حصول التبادر عند أهل العرف، وهو ممنوع، كيف؟! وقد ذهب الأكثر إلى خلافه، وهم من أهل العرف. وأما التبادر في بعض المواضع فإنما هو لأجل القرينة))(1).

ويجاب الثاني حلاً بأن هذه الأحكام لولد الولد إنما ثبتت بالدليل من النص والإجماع ولا يلزم منها كونه ولداً حقيقة.ونقضاً بمثل قوله تعالى: «وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم» (النساء:22) فإن زوجات آباء الآباء محرمة أيضاً فهل يلزم منه كونهم آباءً حقيقة بمعنى تجري فيهم أحكام ميراث الأبوة؟ وهو مقطوع البطلان لكونهم أجداداً.

وكذلك النقض بقوله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ» (النساء:23) فإنها تصدق على الجدات وهن لسن أمهات في أحكام الميراث، وقوله تعالى: «وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ» (النور:31) بنفس التقريب السابق ونحو ذلك.

ص: 26


1- مستند الشيعة: 19/193.

فالنقض لازم لما استدلوا به على كون ولد الولد ولداً فيلزم منه كون أب الأب أباً لأنهما معنيان متضايفان كما تقدم.

وأما الثالث، فلا يزيد عن الأول في الدلالة لأنه من تطبيقات صدق الإطلاق الذي ذكره في الوجه الأول ولا إشكال في صحة الاستعمال في ولد البنت –أي الحسن والحسين (عليهما السلام) – وقد قلنا أن الاستعمال أعم من الحقيقة والمجاز، وأما جعل القرينة على الحقيقة ((مدحهما بأنهما ابنا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهما يفضّلان بذلك، ولا فضيلة ولا مدح في وصف مجاز مستعار)).

ففيه ((إنه كيف لا مدح في المجاز، مع أن أكثر مدائح الأئمة (عليهم السلام) الواردة في الزيارات والأدعية من باب المجاز، وإن المدح بالوصف المجازي باعتبار العلاقة الكائنة في الممدوح))(1)

((بل إن المجاز هو الذي يحصل به المدح حقيقة، فإن أحد أسباب المجاز إرادة التعظيم))(2).

ولو قلنا بأن الصدق حقيقي فيهما (عليهما السلام) فلعله لخصوصية في الحسن والحسين (عليهما السلام) وذرياتهما صدق عليهم عنوان أبناء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالجعل الخاص لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لابنته فاطمة: (يا فاطمة ما بعث الله نبياً إلا جعل له ذرية من صلبه وجعل ذريتي من صلب علي ولولا علي ما كانت لي ذرية)(3).

ص: 27


1- مستند الشيعة: 19/195.
2- مختلف الشيعة: 9/37.
3- بحار الأنوار: 43/101، ح11 عن تفسير علي بن إبراهيم: 2/336، وأورد الحديث في 23/144، ح98 عن فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) وفي 37/210، ح86 في خطبة الغدير.

إشكالات على هذا القول:

أورد السيد المرتضى (قدس سره) على نفسه بعض الإشكالات وأجاب عليها:

قال (قدس سره): ((فإن قالوا: يلزمكم أن ترثوا أولاد الأولاد مع الأولاد، لتناول الاسم للجماعة عندكم.

قلنا: لو تركنا وظاهر الآية فعلنا ذلك لكن إجماع الشيعة الإمامية بل إجماع كل المسلمين منع من ذلك، فخصصنا الظاهر وحملنا الآية على أن المراد يوصيكم الله في أولادكم بطناً بعد بطن))(1).

أقول: هذا الجواب يمكن دفعه لأن التسليم بكون ولد الولد ولداً وإيكال حجبهم عن الميراث إلى الدليل الخاص وهو الإجماع ليس أولى من نفي عنوان الولدية عنهم وإيكال استحقاقهم حصة الأولاد المباشرين إلى الدليل الخاص من النص والإجماع، فيسقط هذا الدفع بالتعارض ويبقى الإشكال على حاله.

مضافاً إلى أن جوابه غير كامل لأنه (قدس سره) أجاب عن حجبهم بوجود ولد الصلب وبقي لازم آخر وهو ميراث أولاد الأولاد من جدهم مباشرة بلا واسطة وليس حصة من يتقربون به، وبعضهم –على الأقل- لا يلتزم به وإنما يوافق المشهور.

وأشكل (قدس سره) ثانياً بقوله: ((فإن قالوا: لو حلف رجل بالطلاق أو بالله تعالى: أنه لا ولد له، وله ولد بنت، لما كان حانثاً.

قلنا: يكون عندنا حانثاً إذا أطلق القول، وإنما لا يكون حانثاً إذا نزى ما يخرجه عن الحنث))(2).

ص: 28


1- السرائر: 3/250.
2- السرائر: 3/254.

أقول: هذا الجواب بناه على مختاره فهو خلاف مبنائي والصحيح إيكاله إلى فهم العرف وسيأتي عدم المساعدة عليه.

وأضاف المحقق النراقي أيضاً قائلاً: ((ويدل على عدم الصدق أيضاً الأخبار النافية لصدق الولد على ولد الولد وسلبه عنه، والأخبار الجاعلة ولد الولد بمنزلة الولد، كرواية زرارة(1)، وصحيحتي البجلي، وروايته(2)، حيث إن فيها قوله: (إذا لميكن ولد) (ولم يكن بنات) فسلب الولد والبنات، ولو كان الولد صادقاً على ولد الولد لما جاز السلب، ولما كان بمنزلته، بل كان هو هو))(3).

القول الثاني: إنه ليس ولداً حقيقة

قال المحقق الحلي (قدس سره) في أحكام الوقف من الشرائع ((ولو وقف على أولاده انصرف إلى أولاده لصلبه، ولم يدخل معهم أولاد الأولاد، وقيل بل يشترك الجميع، والأول أظهر؛ لأن ولد الولد لا يُفهم من إطلاق لفظ الولد))، وعلق الشهيد الثاني (قدس سره) ناسباً هذا القول إلى الأكثر قال: ((في اختصاصه –أي الوقف بالصيغة المذكورة- بأولاد الصلب أو شموله لأولادهم قولان أصحهما عند المصنف والأكثر الأول، لما أشار إليه المصنف –رحمه الله- من الدليل فإن ولد الولد غير مفهوم من إطلاق لفظ الولد ولهذا

ص: 29


1- وسائل الشيعة: 26/132 وفيها (فإن لم يكن له ولد وكان ولد الولد ذكوراً كانوا أو إناثاً فإنهم بمنزلة الولد)، وتقريب الاستدلال في موضعين: -أحدهما- نفي الولد في بداية الفقرة مع وجود ولد الولد، -ثانيهما- التعبير بالتنزيل في ذيلها وهو دليل المغايرة.
2- الآتية (صفحة 45).
3- مستند الشيعة: 19/192-193.

يصح سلبه عنه فيقال: ليس ولدي بل ولد ولدي، وأصل إطلاقه عليه أعم من الحقيقة، ولا نزاع في الاستعمال المجازي))(1)ووافقه

على هذه النسبة المحقق النراقي في كلامه المتقدم.

وقال العلامة في المختلف: ((نحن نمنع كونه –أي ولد الولد- ولداً حقيقة))(2)

وقال المحقق الأردبيلي (قدس سره): ((إن إطلاق الولد على ولد الولد يصح إلا أن الإطلاق أعم من الحقيقة مع أن المتبادر هو بغير الواسطة، وظهور بعض الأفراد لكثرة الاستعمال فيه لا يدل على كونه حقيقة))(3).

وقال الشهيد الثاني (قدس سره) في الاستدلال عليه ((أن الدليل قد قام أيضاً على أن أولاد الأولاد –ذكوراً أو إناثاً- ليسوا أولاداً حقيقة، لثبوت ذلك في اللغة والعرف، وصحّة السلب الذي هو علامة المجاز.

لأنه يصدق: ما هو ولدي ولكن ولد ولدي، ولأنه لا يتبادر إلى الذهن إطلاق الولد إلا على ولد الصلب، وهو آية الحقيقة وخلافه آية المجاز. وهذه الأحكام التي ذكرت من التحريم وغيره مستفادة من الإجماع أو من دليل خارج دل على إرادة المذكورين. ولا إشكال في صحة الحمل على المعنى المجازي بالقرينة))(4).واستقرب صاحب الجواهر (قدس سره) صحة استعمال لفظ الولد في ولد الولد إلا أنه نفى صدقه حقيقة قال (قدس سره): ((ولا بعد في استعمال الولد فيما يشمل الولد وولد الولد، لاشتراكهما في القرب الحاصل بالإيلاد وإن كان في ولد الولد بالواسطة.

ص: 30


1- مسالك الأفهام: 5/392.
2- مختلف الشيعة: 9/36.
3- مجمع الفائدة والبرهان: 11/364.
4- مسالك الأفهام: 13/126-127.

ومن الأصحاب من جعل المسألة من فروع التعارض بين الحقيقة والمجاز الراجح بناء على أن لفظ الولد حقيقةٌ في الولد الصلب مجازٌ راجح في المعنى الأعم، لكونه الغالب في الاستعمال، فيترجح إرادته على القول بترجيح هذا النوع من المجاز. وفيه نظر))(1).

أقول: يريد بالتعارض هنا الشك والتردد، وما دام طرفاه الحقيقة والمجاز فيرجع به إلى علاماتهما أي ما يميز الموضوع له حقيقة وهو محل النزاع، وليس محله المراد الاستعمالي وكونه الولد المباشر خاصة أو الأعم منه ومن ولد الولد حتى يُرجع فيه إلى الأصول اللفظية لاتفاقهم هنا على أن المراد هو الأعم.

القول المختار:

وحاصله: إن المرجع في تحديد مداليل الألفاظ هو العرف، وظاهره اختصاص لفظ الولد بالولد المباشر كما لا يخفى على أهل المحاورة، ويشهد له الوضع اللغوي فإن الولد يقال لمن تولّد من مائه فيختص بالمباشر وبه قال الأكثر كما عن عدد من الأساطين كالشهيد الثاني والمحقق النراقي كما سبق.

لكن هذا لا يمنع صدق الاستعمال في ولد الولد؛ لأن الاستعمال أعم من الحقيقة لإمكانه في المجاز مع القرينة وهذه التوسعة في الاستعمال قد تكون بدليل خاص كما في مسألتنا وقد تكون ((هناك قرينة حالية تدل على تناول أولاد الأولاد كالوقف على أولاد هاشم، أو مقالية كقوله: الأعلى فالأعلى، أو بطناً بعد بطن، أو يقف على ولد فلان وهو يعلم أنه ليس له ولد لصلبه ونحو ذلك، فإن وُجدت عُمل بمقتضاها وشمل أولاد الأولاد فنازلاً بغير إشكال))(2).

ص: 31


1- جواهر الكلام: 39/118-119.
2- مسالك الأفهام: 5/392.

والذين اختاروا القول الأول انطلقوا من هذه الموارد الخاصة التي ثبتت بدليل خارجي بحسب ما تقدم في استدلالهم بالآيات القرآنية فلا تكون نتيجتها مطلقة، كما لا نغفل أن من مناشئ هذا القول الانتصار لقضية عقائدية كتفضيل الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) على غيرهما، أو لحكم فقهي كاقتسام أولاد البنت بالتفاضلفقيل بدخولهم في آية «يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ» (النساء:11) مع أننا لا نحتاج إلى ليّ عنق القضية الكبروية للوصول إلى هذه النتيجة باعتبار ثبوتها بأدلة أخرى، فإن شمول موردٍ ما بالحكم لا يعني دخوله في الموضوع حقيقة، فقد ينزل منزلته وهو ليس هو حقيقة، بل التنزيل دليل المغايرة، ولو كان هو هو لما احتاج إلى التنزيل لأن ترتب الحكم على الموضوع قهري.

وكذا لا يصحّ العكس أيضاً فمن الخطأ الإصرار على الالتزام بالكبرى حتى مع وجود الدليل الخاص على خلافها في مورد ما كالمحكي عن السيد المرتضى(1) في دخول ابن البنت في عنوان الولد حقيقة وهو يقتضي صحة الانتساب واستحقاق من كانت أمّه علوية حق السادة.

ولأجل اختلاف النظر إلى هذه القضية بحسب اختلاف اللحاظ وزوايا النظر إلى الموارد التي تدخل فيها فقد تجد فقيهاً يختار معنى في موضع معين غير ما يختاره في الموضع الآخر بحسب المعطيات المتوفرة لديه في تلك المسألة.

لذا فالأجدى هو عدم إقحام النزاع في كبرى صدق الولد على ولد الولد حقيقة أي بقول مطلق في مسألتنا هذه من كتاب الميراث لأن للكبرى مؤثرات مختلفة متداخلة تؤثر في النتيجة، أما الصغرى - وهو ترتب أحكام الولد على ولد الولد في الميراث أو قل قيام ولد الولد مقام الولد في استحقاقه من الميراث- فهي ثابتة بالدليل الخاص سواءً قلنا أن ولد الولد ولد حقيقة أو مجازاً،

ص: 32


1- مسالك الأفهام: 5/392 عن رسائل الشريف المرتضى: 3/262-265.

حتى الحكم الذي أراد السيد المرتضى (قدس سره) إثباته بناءً على صدق الحقيقة وهو توريثهم كواسطتهم فإن فيه أدلة خاصة.

وقد التزم بهذا المنهج –أعني عدم إقحام النزاع في الكبرى- عدد من الأعلام لما ذكرناه، أو للتردد بين القولين على نحو لا يضرّ بالحكم في المسألة للإجماع عليه قال الشهيد الثاني (قدس سره): ((شمول اسم الولد له –أي ولد الولد- وإن نزل، إما بطريق الحقيقة أو بالإجماع في هذا الباب، وإن وقع النزاع في غيره، وفيه بحث))(1)

وقال المحقق الأردبيلي (قدس سره): ((والظاهر أن ولد الولد ولد في المقام، بل ادعي الإجماع عليه في شرح الشرائع، وأشار إليه أيضاً الفضل، قال في الكافي: قال الفضل: من الدليل على خطأ القوم في ميراث ولد البنات أنهم جعلوا ولد البنات ولد الرجل من صلبه في جميع الأحكام إلا في الميراث وأجمعوا على ذلك، فقالوا: لا تحل حليلة ابن الابنة للرجل لقوله عز وجل: «وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ») إلى آخر كلامه(2).وقال السيد صاحب الرياض (قدس سره): ((كون أولاد الأولاد أولاداً إما حقيقة أو مجازاً راجحاً هنا))(3).

وقال صاحب الجواهر (قدس سره) في مسألة اقتسام أولاد البنت بالتفاضل ((لصدق الأولاد حقيقة فيدخلون في عموم «يُوصِيكُمُ اللّهُ» ولكون المراد منهم هنا ما يشملهم ولو للإجماع المحكي عن جماعة عن ذلك، ولذا حجبوا باعتراف الخصم الأبوين عما زاد على السدسين والزوجين عن النصف والربع))(4).

ص: 33


1- جواهر الكلام: 39/126.
2- مجمع الفائدة والبرهان: 11/364.
3- رياض المسائل: 14/287.
4- جواهر الكلام: 39/126.

أقول: نلاحظ تركيزهم على كلمة (هنا) أي في هذا المورد تحرزاً من إطلاق القول.

التصالح بين الفريقين:

ويمكن عرض أطروحة للتصالح بين القولين بأن نحتمل وضعاً متعدداً للفظ نشأ من وجود عرف خاص متعدد لوضع هذا اللفظ بحسب اختلاف الموارد، فيفهم من لفظ الولد في أحكام الميراث المعنى الشامل لولد الولد، أي أنه وضع للجامع، ولو على نحو الكلي المشكك بين أفراده بلحاظ القرب فيقدّم بعضهم على بعض في الميراث بحسب قوة القرابة ويكون التقديم والحجب من مقتضيات المعنى، وفي مورد آخر يُفهم اختصاصه بالولد المباشر، ولا مانع منه، فقد تكون المداليل الحقيقية نسبية كالذي يقال في معنى (الفقير والمسكين) إنهما إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، وكلها بحسب الفرض معاني حقيقية، لكنها تتعدد بتعدد اللحاظات والأحوال والأوضاع.

ويمكن ادعاء أن العرف يساعد على هذه الأطروحة فإنه إذا سئل عن معنى الولد حقيقة فإنه قد يجيب في باب الميراث غير ما يجيب به في باب الوقف أو الوصية أو الانتساب ونحو ذلك، ولعل له أمثلة في الفقه كالحيوان الذي يراد منه ما سوى الإنسان في كتاب الطهارة والصلاة ويراد به ما يعم الإنسان في باب بيع الحيوان بناءً على هذه الإطلاقات حقيقة في عرف المتشرعة.

وقد وجدت هذا واقعاً في هذه المسألة فإن جملة من الأعلام الذين خالفوا السيد المرتضى في كون ولد الولد ولداً حقيقةً هنا وافقوه في الوقف؛ قال صاحب مفتاح الكرامة: ((واعلم أن جماعة من الأصحاب في باب الوقف وافقوا السيد على شمول الأولاد لأولادهم حقيقة فقالوا: إذا وقف على أولاده ولم يقل (لصلبي) دخل فيه أولاد أولاده، وهم المفيد والتقي والقاضي وابن إدريس والمحقق والشهيد في اللمعة وغيرهم))(1).

ص: 34


1- مفتاح الكرامة: 17/212.

أقوال العامة:

ذكر السيد المرتضى (قدس سره) في طيات كلامه أقوال العامة في المسألة وقال (قدس سره): ((فأما مخالفونا من العامة فإنهم لا يوافقونا في تسمية ولد البنت بأنه ولد على الحقيقة، ومنهم من وافق على ذلك، ووافق جميعهم على أن ولد الولد وإن هبط يسمى ولداً على الحقيقة)).

ثم قال (قدس سره): ((وقد حكي عن بعضهم إنه كان يقول إن ولد الولد إنما يسمون بهذه التسمية إذا لم يحضر أولاد الصلب، فإن حضروا لم يتناولهم الاسم، وهذا طريف، فإن الاسم إذا تناولهم، لم يختلف ذلك بأن يحضر غيرهم أو لا يحضر، وما راعى أحد فيما يجري على المسميات من الأسماء مثل ذلك، وإنما أحوجهم إلى ذلك إنهم وجدوا أولاد الابن لا يأخذون مع حضور الابن شيئاً، ويأخذون مع فقده بالآية المتضمنة للقسمة على الأولاد. وظنوا أن الاسم يتناولهم في الحال التي لا يرثون فيها، وهذا غلط منهم، وقد أغناهم الله تعالى عن هذه البدعة في إجراء الاسم والخروج عن المعهود فيها، بأن يقولوا إن الظاهر يقتضي اشتراك الولد وولد الولد في الميراث، لولا أن الإجماع على خلاف ذلك، فيخصصوا بالإجماع الظاهر))(1).

أقول: لا نجد مانعاً من قبول ما حكاه عن بعضهم لإمكانه كما قدمنا في أطروحة التصالح لكن بشرط وجود عرف يساعد عليه، وليس لأجل الملاءمة مع الأحكام المذكورة فإنها تثبت بأدلتها كما ذكره (قدس سره).

ص: 35


1- السرائر: 3/252.

ميراث ولد الولد مع وجود الولد المباشر

من الأحكام المتسالم عليها عند الأصحاب في كتاب الميراث عدم إرث ولد الولد مع وجود ولد الصلب لذا يذكرون هذا الحكم من دون الحاجة إلى الاستدلال، ويمكن أن نستدل عليه بوجوه:

(الأول) الإجماع: بقسميه المحصّل والمنقول، بل حكي إجماع المسلمين عامة، وقد تقدم (صفحة 28) تصريح السيد المرتضى به وتأييد ابن إدريس، قال الشيخ الكليني في مقدمة كتاب المواريث من فروع الكافي: ((إن الله تبارك وتعالى جعل الفرائض فبدأ بالولد والوالدين الذين هم الأقربون وبأنفسهم يتقربون لا بغيرهم، ولا يرث معهم أحد غيرهم إلا الزوج والزوجة، وإن لم يحضر منهم إلا واحد فالمال كله له، ولا يرث معه أحد غيره لا يتقرب بنفسه وإنما يتقرب بغيره إلا ما خص الله به من طريق الإجماع أن ولد الولد يقومون مقام الولد وهذا مجمع عليه ولا أعلم بين الأمة في ذلك اختلافاً))(1)، وقال صاحب الجوهر (قدس سره): ((بل الإجماع بقسميه عليه بل لعله من ضروريات مذهبنا))(2).

أقول: ويرد عليه:-

1- إن هذا الإجماع مدركي لتصريح بعضهم بالاستناد إلى قاعدة الأقرب يمنع الأبعد المتسالم عليها، مع وجود عدة نصوص في المسألة.

2- إن الإجماع دليل لبّي، وعند الشك بسبب الإشكال على الدليل أو لوجود المعارض كما يأتي، يقتصر منه على القدر المتيقن وهو حرمان أولاد الابن عندما يكون أبوهم موجوداً لأنه أقرب منهم وليس لمطلق الولد للصلب.

ص: 36


1- فروع الكافي: ج7، باب: 40: وجوه الفرائض.
2- جواهر الكلام: 39/75.

إن قلتَ: يمكن التمسك بإطلاق الحكم المجمع عليه لوجود معقد إجماع على هذا الإطلاق.

وجوابه: إننا لا ننكر وجود هذا المعقد إلا أنه لا يزيد عن مفاد القاعدة والروايات التي سنتعرض لها إن شاء الله تعالى.

أما نسبة الإجماع إلى عامة المسلمين فيمكن المناقشة فيه فإن السيد المرتضى الذي حكاه نقل عن العامة موارد قالوا فيها بتوريث أولاد الأولاد مع وجود الولد المباشر كقوله: ((ومما انفردت به الإمامية أنهم يذهبون فيمن ترك ابنتيه وأحد أبويه وابن ابن أن للبنتين الثلثين ولأحد الأبوين السدس وما يبقى فهو رد على الابنتين وأحد الأبوين وليس لابن الابن شيء، وخالف باقي الفقهاء في ذلك وذهبوا إلى أن السدس الباقي من هذه الفريضة لابن الابن)) وقوله: ((ومما انفردت به الإمامية أنولد الصلب يحجب من كان أهبط منه، ولا فرق في ذلك بين كونه ذكراً أو أنثى، وخالف باقي الفقهاء في ذلك وذهبوا إلى أن لولد الولد نصيباً مع بنات الصلب))(1).

قال صاحب الجواهر (قدس سره) في ابن ابن مع بنت أنه لا يرث إجماعاً عندنا ((خلافاً للعامة فورّثوه معها بناءً منهم على التعصيب))(2)، وحكى كاشف اللثام عن العامة أنهم ((يورّثون الأبعد مع الأقرب، فلو خلّف بنت ابن وبنت ابن ابن كان لبنت الابن النصف وللأخرى السدس تكملة للثلثين))(3)

وموارد كثيرة أخرى ستأتي في العنوان الخاص بها إن شاء الله تعالى.

ص: 37


1- الانتصار: 298 و 300.
2- جواهر الكلام: 39/75.
3- كشف اللثام: 9/412.

وسيأتي (صفحة 42) اعتراف الشيخ (قدس سره) بوجود مخالف من العامة أوجب حمل صحيحة ابن الحجاج على التقية.

ويمكن القبول بدعوى الإجماع لدى العامة باعتبار أن هذه الموارد التي يورثون فيها الأبعد لم تكن بالاستحقاق الأولي وإنما بالتعصيب وسيأتي مزيد بيان لذلك إن شاء الله تعالى.

(الثاني) قاعدة الأقرب يمنع الأبعد: وهي من القواعد المسلّمة في كتاب الميراث وقد تقدم الاستدلال عليها، وبضميمة صغرى أن الولد مطلقاً أقرب من ولد الولد وإن لم يكن أباهم أو أمهم، وهذا هو الدليل الذي بنى عليه المجمعون.

ويرد على هذا الوجه:-

1- إن الشارع المقدس نزّل أولاد الأولاد منزلة الأولاد عند عدم واسطتهم وحينئذٍ يكونون أولاداً مباشرين تنزيلاً وحكماً ويكونون بقوة الولد المباشر ويُلغى عنوانهم السابق وهو أولاد الأولاد، فالأولاد المباشرون حقيقة ليسوا أقرب من هؤلاء بالحكم والتنزيل وإنما هم بمرتبة واحدة ببركة روايات التنزيل، وسيأتي مزيد من البيان لهذه الفكرة المهمة الملزمة للمشهور عند مناقشة روايات التنزيل ومواضع أخرى.

2- إن عموم القاعدة قابل للتخصيص، أو قل إن القاعدة لم يثبت لها إطلاق يستدل به لتقريب كل أقرب على كل أبعد وإنما في الجملة فلا يصحّ الاستدلال بها في المقام، وبتقريب آخر: إنها دليل لبّي فلا يصح التمسك بإطلاقها عند الشك ويؤخذ منها بالمتيقن، لذا لم يجد الأصحاب حزازة في الخروج عنها في المسألة الإجماعية مع ضعف أدلتها كما قلنا، وقالوا بالتخصيص في مواضع أخرى كما سيأتي (صفحة 93).

ص: 38

بل سيظهر أن حكمهم في المسألة محل البحث هو خروج عن القاعدة لأن الأبوين يقاسمان الأولاد المباشرين في الميراث فهما في مرتبتهم، فكيف يقال بمقاسمة أولاد الأولاد للأبوين في الميراث وهم يرتبطون بواسطة وهما يرتبطان مباشرة؛ وهل هذا إلا من توريث الأبعد مع وجود الأقرب؟ وهذا ما دفع الشيخ الصدوق وآخرين إلى اشتراط عدم وجود الأبوين لتوريث أولاد الأولاد كما سيأتي في الفرع الأول من الفروع الخلافية.

وبتعبير آخر: إنهم قالوا أن ((مساوي المساوي في قوة المساوي))(1)

والأبوان مساوون للأولاد المباشرين ويقاسمونهم في الميراث وأولاد الأولاد يساوونهم عند فقد الأولاد المباشرين فالنتيجة مساواة أولاد الأولاد للأولاد. ويظهر من كلام الكليني المتقدم اعترافه بذلك وإن الحكم على خلاف القاعدة وإنما ثبت بالإجماع.

وأقّر صاحب الجواهر (قدس سره) بخرق القاعدة في هذا المورد حينما علّق على قول المحقق بأن الحجب عن أصل الإرث ضابطة مراعاة القرب قائلاً: ((ولا ينافي هذا الضابط مشاركة ولد الولد النازل مع فقد أبيه للأب الذي هو أقرب منه بعد أن نزّله الشارع منزلة أبيه الذي هو أعلم بالأقربية من غيره، ولذا قال عز من قال: «آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ». وليس المراد أن المرجع في الأقربية إليه، بل المراد الحكم بالأقربية العرفية ما لم يأت ما ينافيها منه، كما في الفرض الذي نزّل الشارع فيه ولد الولد وإن نزل منزلة الولد في مشاركة الأبوين))(2).

وهناك أقوال في بعض المسائل تخالف القاعدة أيضاً وهي وإن كانت متروكة عند الأصحاب إلا أنها تمثل آراء جملة من الفقهاء وتكفي لإثبات ما

ص: 39


1- مسالك الأفهام: 13/12.
2- جواهر الكلام: 39/75.

قلناه من عدم وجود المانع من مخالفة القاعدة إذا وجد المقتضي.

قال صاحب مفتاح الكرامة (قدس سره): ((إن منع الأقرب الأبعد مما اتفقت عليه كلمة أصحابنا سوى ما استثني للدليل، وهناك أقوال شاذة نادرة، كما ذهب يونس إلى أن الجد أبا الأب يمنع ابن الابن.وقال أبو(1)

علي: لو خلّف بنتاً وأبوين أن الفاضل عن أنصبائهم للجدين والجدتين، ولو خلف ولد ولد وجداً أو والداً وجداً فللجد السدس. وقال الصدوق: لو خلّفت زوجها وابن ابنها وجداً فللزوج الربع وللجد السدس، والباقي لابن الابن، وربما ظهر من المفيد والصدوق في مسألة العم وابن العم أن ابن الخال للأبوين يحجب الخال للأب.

ونُقل عن الفضل القول بمشاركة الخال للجدة، إلا أن ما في كتابه على ما نقل عنه يخالف ما نسب إليه.

ونقل عن يونس أنه جعل العمة مساوية للجدة والعم مساوياً لابن الأخ لمكان التساوي في البطون، وعن سعد بن أبي خلف: أنه سأل الكاظم (عليه السلام) عن بنات بنت وجد، فقال: للجد السدس والباقي لبنات البنت(2)، قال ابن فضال: أجمعت العصابة على ترك العمل به إلى غير ذلك من الأقوال الشاذة التي أجمع الأصحاب على شذوذها وعدم الالتفات إليها كما سيأتي بيان ذلك كله إن شاء الله.

ص: 40


1- وهو ابن الجنيد وقد حكي عنه القول بوجوب إطعام الأجداد من حصة الأبوين وستأتي الإشارة إليه إن شاء الله تعالى.
2- وسائل الشيعة: كتاب الميراث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، باب 7، ح10. وقد أوردها المصدر وإلا فإنه ليس من الصحيح إيرادها ضمن أقوال الفقهاء وإنما هي دليل برأسه، والرواية معتبرة.

وللعامة في المقام أقاويل مختلفة ومذاهب كثيرة، كتوريث أولاد الابن مع البنت، وأم الأم مع الأب، ومنهم من ورّث أم الأب مع الأب، وورّث ابن مسعود مع البنتين ذكور أولاد الابن))(1).

3- لو سلّمنا بإطلاق القاعدة فإن تحديد الصغرى لا يخلو من إشكال، إذ لا دليل عليها:-

أ- إذ لا يُعلم أن الولد الصلب مطلقاً أقرب من ولد الولد، والمتيقن أن أباهم أقرب دون الآخرين ولا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، أما السيد المرتضى (قدس سره) فقد اختار أن قرب ولد الولد كقرب واسطتهم المباشرة ولولا الإجماع لورثهم سوية، وأيّده في ذلك ابن إدريس فيما نقلناه عنه (صفحة 28).

ب- لقد نفى الله تعالى علمنا بالأقربية التي هي ملاك التقديم والاستحقاق في الميراث، إلا إذا ورد فيها دليل قال تعالى: «آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَأَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ» (النساء:11)، بضميمة أن الأقرب نفعاً هو الأولى بالميراث بحسب القاعدة.

ج-- إذا عدنا إلى العرف لتحديد معنى الأقربية باعتباره المرجع في فهم مداليل الألفاظ فإنه لا يؤكد هذه الصغرى بل قد يرى أن ابن الابن أقرب من الابن نفسه كما في بعض الأمثال الدارجة، وخصوصاً عند فقد أبيهم.

د- إنه لا يوجد أصل نرجع إليه عند الشك في تحديد الأقرب كالمقام، وقد اختلفوا في وضع ضابطة ذلك، وذكروا عدة محددات لها

ص: 41


1- مفتاح الكرامة: 17/166-167.

لكنها لم تسلم من النقوض(1)، خذ مثلاً ما تقدم (صفحة 36) من الشيخ الكليني (قدس سره) أن الرتبة الأولى من الورثة هم من يرتبطون بالميت مباشرة بلا واسطة كوالديه وأولاده إلا أنهم اصطدموا بتوريث ابن الابن عند عدم وجود الولد الصلب ومشاركتهم لأبوي الميت مع أنهم يرتبطون به بواسطة، ويظهر هذا الحرج في ثنايا كلمات الشيخ الكليني حينما اعتذر بأن الإجماع دلّ على ذلك، لكن هذا لا يدفع الإشكال لأن المورد نقض عليهم لذا اشترط الشيخ الصدوق (قدس سره) ومن تبعه عدم وجود الوالدين في توريث أولاد الأولاد كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

4- وجود عدة روايات معتبرة وصفت بعض الأرحام بأنهم أقرب من بعض وهم جميعاً يرثون؛ لأنهم من رتبة واحدة فالأقربية إذن لا تمنع من الميراث أحياناً، ويشترك المتفاوتون في القرب بالميراث.

(منها) صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: (قال أبو عبد الله عليه السلام: بنت الابن أقرب من ابن (ابنة) البنت)(2).

قال الشيخ (قدس سره): ((ما يتضمن هذا الخبر من أن بنت الابن أقرب من بنت البنت فغير صحيح لأن درجتهما واحدة وهو أن كل واحدة منهما تتقرب بمن تتقرب بنفسه فقرباهما واحدة ويشبه أن يكون الخبر ورد إما وهماً من الراوي أو مورد التقية لموافقته لمذهب بعض العامة)).

أقول: لكن البعض وجد للرواية محملاً، قال صاحب الوسائل:

ص: 42


1- راجع مثلاً ما أورده الشهيد الثاني (قدس سره) في مسالك الأفهام: 13/11.
2- وسائل الشيعة: 26/113، كتاب الميراث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، باب 7، ح8.

((ويحتمل حمل الأقربية على أن سببها أقوى فإنها ترث ميراث أبيها وهو مثل حظ الأنثيين)). أقول: دفع هذا التفسير البعض إلى اعتبار التفاوت في الميراث كاشفاً عنالتفاوت في القرب، قال بعضهم رادّاً على وصف الشيخ لمضمون هذه الرواية بأنه غير صحيح ((وهذه الزيادة ليست إلا لأقربيتها منها لأن ملاك التقديم وملاك الأكثرية في الإرث ليس إلا الأقربية نفعاً لا الأقربية رتبة، قال الله تعالى في ملاك تقديم بعض الورّاث على بعض وازدياد سهم بعض على بعض «آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيماً» (النساء:11) ))(1).

وصحيحة محمد بن أبي نصر قال: (سألت أبا الحسن عليه السلام عن ابن بنت وبنت ابن، قال: إن علياً عليه السلام كان لا يألوا أن يعطي الميراث الأقرب، قال: قلت: فأيهما أقرب؟ قال: ابنة الابن)(2).

وفي رواية يزيد الكناسي عن أبي جعفر (عليه السلام) (وأخوك لأبيك أولى بك من أخيك لأمك) وفيها أيضاً (وابن عمك أخي أبيك من أبيه أولى بك من ابن عمك أخي أبيك لأمه)(3).

أقول: قال صاحب الوسائل هنا: ((أولوية المتقرب بالأب وحده على المتقرب بالأم وحدها من الإخوة والأعمام وأولادهم بمعنى زيادة الميراث))، هذا مع ملاحظة أن المتقرب بالأب وحده يسقط من الميراث عند وجود المتقرب بالأبوين ويبقى المتقرب بالأم على استحقاقه.

5- ما تقدم من الإشكال على الاستدلال بإطلاق القاعدة لتقديم كل أقرب على كل أبعد باعتبار أن الأقربية قد تكون إضافية بلحاظ من كانوا

ص: 43


1- جامع أحاديث الشيعة: 29/400، ح12.
2- وسائل الشيعة: 26/113، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، باب 7، ح 9.
3- وسائل الشيعة: 26/64، أبواب موجبات الإرث، باب 1، ح2.

يورّثون بالولاء والهجرة والنصرة لا مطلقاً أي أنها تلحظ الاستحقاق بأصل القرابة مقابل غيرها من الموجبات التي نُسخت وليست بصدد حجب بعض القرابات ببعض فيمكن أن تتفاوت القرابات في الاستحقاقات من دون أن يمنع بعضهم بعضاً خصوصاً عندما تقترب الدرجة كما نحن فيه.

6- ما ورد من نهي الأئمة (عليهم السلام) عن تطبيق هذه القاعدة بشكل مطلق من دون مراجعة بعض الاعتبارات التي سنذكرها في الاستدلال على القول الآخر، وكمثال على ذلك راجع نهي الإمام الصادق (عليه السلام) لأبان في روايات طعمة الأجداد (صفحة 68).أقول: للإنصاف فإن بعض الروايات الدالة على القاعدة ظاهرة في دلالتها على المشهور برغم هذه المناقشات كصحيحة أبي أيوب عن أبي عبد الله (عليه السلام) وفيها (وكل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به، إلا أن يكون وارث أقرب إلى الميت منه فيحجبه)(1)، إلا أن بعض تلك المناقشات جارية فيها كمساواة أولاد الأولاد للأولاد حكماً وتنزيلاً، ونفي الأقربية ونحو ذلك.

(الثالث) النصوص: ومنها عام كآية أولي الأرحام وغيرها التي ذكرناها في الاستدلال على قاعدة تقديم الأقرب بعد التسليم بصغرى أن الابن أقرب من ابن الابن، ومنها خاص بالمسألة مثل:-

1- صحيحة ابن محبوب عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (بنات الابنة يرثن إذا لم يكن بنات كنَّ مكان

ص: 44


1- وسائل الشيعة: أبواب ميراث الإخوة والأجداد، باب 5، ح9.

البنات)(1).

بتقريب أن المراد بالبنات الأولاد المباشرين مطلقاً.

2- صحيحة صفوان عن ابن الحجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (بنات الابنة يقمن مقام الابنة إذا لم يكن للميت بنات، ولا وارث غيرهن، وبنات الابن يقمن مقام الابن إذا لم يكن للميت ولد، ولا وارث غيرهن)(2).

بتقريب أن المراد بقوله: (ولا وارث غيرهن) أي من الصلب المباشر مطلقاً.

3- صحيحة سعد بن أبي خلف عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) قال: (بنات الابنة يقمن مقام البنات (في نسخة الكافي: البنت) إذا لم يكن للميت بنات، ولا وارث غيرهن، وبنات الابن يقمن مقام الابن إذا لم يكن للميت أولاد، ولا وارث غيرهن)(3).

4- رواية خزيمة بن يقطين عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (ابن الابن إذا لم يكن من صلب الرجل أحد قام مقام الابن، قال: وابنة البنت إذا لم يكن من صلب الرجل أحد قامت مقام البنت)(4).

أقول: الرواية صريحة في مطلوبهم.

ص: 45


1- وسائل الشيعة: أبواب ميراث الأبوين والأولاد، باب7، ح1.
2- الموضع السابق من الوسائل: ح4.
3- الموضع السابق من الوسائل: ح3.
4- الموضع السابق من الوسائل، ح5.

5- ما في الكافي والتهذيب بسند معتبر عن الحسن بن محمد بن سماعة قال: (دفع(1)

إلي صفوان كتاباً لموسى بن بكر فقال لي: هذا سماعي من موسى بن بكر وقرأته عليه فإذا فيه موسى بن بكر عن علي بن سعيد عن زرارة: هذا مما ليس فيه اختلاف عند أصحابنا عن أبي عبد الله وعن أبي جعفر عليهما السلام، إلى أن قال: ولا يرث أحد من خلق الله مع الولد إلا الأبوين والزوجة فإن لم يكن ولد وكان ولد الولد ذكوراً وإناثاً فإنهم بمنزلة الولد وولد البنين بمنزلة البنين يرثون ميراث البنين وولد البنات بمنزلة البنات يرثون ميراث البنات ويحجبون الأبوين والزوج والزوجة عن سهامهم الأكثر وإن سفلوا ببطنين وثلاثة وأكثر يرثون ما يرث ولد الصلب ويحجبون ما يحجب ولد الصلب)(2).

6- ما في الكافي والتهذيب بسند معتبر عن هشام بن سالم عن يزيد الكناسي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (ابنك أولى بك من ابن ابنك)(3).

7- رواية الدعائم عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه قال: (في رجل ترك ابنته وابن ابن وابنة ابن، قال: المال كله لابنته لأنها أقرب)(4).

8- وفيه أيضاً عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه قال: (في رجل هلك وترك ابنته وابنة ابنه أو أخته قال: المال كله لابنته وكذلك لو ترك معها ابن ابنه أو أخته فالمال كله للبنت النصف بالميراث والنصف بالرحم).

ص: 46


1- أورده صاحب الوسائل في: 26/132، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، باب 18، ح3 من دون هذه المقدمة واكتفى بإدراج الأسماء في السند ففاتت على الباحث نكتة رجالية سنتعرض لها إن شاء الله تعالى.
2- فروع الكافي: ج7، كتاب المواريث، باب 58: ميراث الولد مع الزوج والمرأة والأبوين، ح3.
3- وسائل الشيعة: أبواب موجبات الإرث، باب 1، ح2.
4- دعائم الإسلام: 2/380، ح 1360، ونقلها عنه المستدرك: 17/167.

أقول: يرد على الاستدلال بالروايات وجود الخدشة فيها سنداً أو دلالةً.

فالرواية الأولى أجنبية عن المطلوب لأنها مسوقة لبيان استحقاق بنات البنت للميراث وأنهن لا يحرمن بوفاة أمهن بل يقمن مقام أمهن عند عدمها فلا تعرّض لها لحرمان أولاد الأولاد عند وجود ولد الصلب وإلا لا يوجد معنى لاختصاص شرط التوريث بعدم وجود البنات لأن الأولاد للصلب يمنعون أيضاً.

والرواية الثانية ظاهرة في نفس هذا المعنى وتؤيده بقرينة تكرار نفس المعنى في الأولاد، والظاهر أن الرواية الأولى جزء منها رواه ابن محبوب.أما الاستدلال للمشهور فيتوقف على حمل (ولا وارث غيرهن) أي من أولاد الصلب مطلقاً وهو معنى غير ظاهر ولا يوجد ما يدل عليه في السياق،؛ لاحتمال أن يراد ولا وارث من الذكور مع بنات البنات يشاركهن في ميراث أمهن، وللفقرة معانٍ أخرى كالذي قاله الشيخ الصدوق باشتراط انتفاء مطلق الوارث من الأولاد الصلبيين والأبوين حتى يقوم أولاد الأولاد مقام الأولاد، وقد جمع صاحب الجواهر (قدس سره) معانٍ أخرى للفقرة فهي مجملة، وسنتعرض (صفحة 91) لإجمال هذه الفقرة والمعاني المحتملة فيها عند مناقشة قول الشيخ الصدوق (قدس سره).

ويأتي عليها ما ذكرناه في جواب الاستدلال بالرواية الأولى من عدم كفاية اشتراط عدم وجود البنات لقيام بنات الابنة مقامها لأن الذكور يمنعون أيضاً، فالظاهر أن هذه الرواية وأخواتها التي هي الأصل في استدلال المشهور مسوقة لبيان أمر غير ما أراده المشهور، ولعلها صدرت تعريضاً بالعامة الذين قالوا بشراكة غيرهن معهن في عدة موارد بناءً على قولهم بالتعصيب، وقد تقدم (صفحة 37) عن السيد المرتضى أمثلة لذلك، وسيأتي ذكر عدة موارد (صفحة 79)، فكأن الرواية تنفي استحقاق أي وارث غيرهن وتكون أخباراً عن تفردهن بالميراث وليس اشتراطاً لعدم وجود وارث غيرهن.

ص: 47

والرواية الثالثة مثل الثانية.

أما الرواية الرابعة فهي أظهر في مطلوبهم إلا أنها ضعيفة السند فإن راويها خزيمة بن يقطين مجهول وقيل أنه أخو علي بن يقطين، نعم روى عنه صفوان كما في هذه الرواية فمن يبني على وثاقة من يروي عنه صفوان يصحح الرواية، ولا يبعد أنها متحدة مع رواية ابن الحجاج السابقة لكن خزيمة نقلها بالمعنى الذي فهمه منها.

وأما الرواية الخامسة ففي سندها علي بن سعيد وهو مشترك بين الثقة وغيره، والموجود منه في هذه الطبقة لم يوثّق.

وفيها موسى بن بكر وهو لم يوثق لكن البعض وثّقه لرواية الأجلاء عنه ومنهم أصحاب الإجماع كصفوان وابن أبي عمير، وهذا مما لا نبني عليه.

نعم وثقه السيد الخوئي (قدس سره) بناءً على ما في صدر هذه الرواية، قال (قدس سره): ((الظاهر أنه ثقة وذلك لأن صفوان قد شهد بأن كتاب موسى بن بكر مما لا يختلف فيه أصحابنا))(1).

أقول: هذه قراءة غير دقيقة منه (قدس سره)؛ لأن ((قال: هذا مما)) من قول زرارة لا صفوان و ((هذا )) يعود إلى الحكم وليس إلى كتاب موسى كما هو واضح من الرواية، وقد تكررت مثل هذه المقدمة في روايات(2)

أخرى بالمعنى الذي ذكرناه، فما قرّبه (قدس سره) ليس صحيحاً.

هذا من حيث السند، ويضعّف حجيتها أيضاً ما احتمله البعض من أن هذا البيان إنما هو لزرارة؛ لذا ذكر صاحب الوسائل في هامش نسخته: ((الظاهر أن هذا الكلام .. إلى آخره من الحديث، ويحتمل كونه من كلام زرارة، ولا

ص: 48


1- معجم رجال الحديث: 20/33، رقم (12764).
2- راجع فروع الكافي: ج7، في أن السهام لا تعول.

يقصر عن الحديث لما يظهر بالتتبع، وكونه موجوداً في الكافي والتهذيب وكتاب الحسن بن محمد بن سماعة لعله قرينة على كونه حديثاً فتدبر))(1).

ويمكن احتمال أن هذا البيان من كلام الفضل بن شاذان كما هو ديدن الكليني في روايات الباب وإن وصل كلامه هنا ولم يفصل بما اعتاد من ذكره (قال الفضل) وللفضل ثلاثة كتب في الفرائض كبير وأوسط وصغير.

أما الرواية السادسة فإن (يزيد) لم يوثَّق وقد أثبته صاحب الوسائل في موضع آخر(2)

على أنه (بريد) خلافاً للمصدر –في الكافي والتهذيب(3)-، وذهب بعضهم بهذا الخطأ في النسخ إلى أبعد منه فاحتمل بعضهم أنه (بريد العجلي) الثقة إلا أنه يحتاج إلى دليل، والرواية لا تأبى الحمل على الابن الخاص وهو أب الأولاد وليس مطلقاً وهو القدر المتيقن من الحجب، مضافاً إلى أن الرواية تضمنت فقرات مخالفة لقواعد الميراث وقد تقدمت (صفحة 43) اثنتان منها في تقديم الأخ للأب على الأخ للأم، وابن العم للأب على ابن العم للأم لذا فسّرت ببعض الوجوه التي لا تمنع من ميراثهم معاً، وعلى هذا فإنها لا تمنع من توريث أولاد الأولاد مع وجود أعمامهم وعماتهم.

وأما الروايتان السابعة والثامنة فستعمل كمؤيدات أو أنها تطبيقات للحكم ولا تصلح للاستدلال.

وفي ضوء ما أوردناه من الأخبار والمناقشة فيها، يُعلم ما في قول صاحب مفتاح الكرامة عن هذا الحكم بأن ((الأخبار به متضافرة إن لم نقل متواترة كما ادعى ذلك في النهاية))(4).

ص: 49


1- وسائل الشيعة: 26/133.
2- وسائل الشيعة: 26/182، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، باب 13، ح1.
3- فروع الكافي: ج7، باب 42، غير معنون، التهذيب، ج9، باب 22، الأولى من ذوي الأنساب، ح1.
4- مفتاح الكرامة: 17/204.

أقول: لعله أراد بالأخبار ما يشمل الروايات العامة أيضاً الدالة على تقديم الأقرب.

(الرابع) أن يقال أن ظاهرة موت الأبناء في حياة أبيهم كانت كثيرة الوقوع في زمن المعصومين (عليهم السلام) للابتلاء بالحروب والحوادث المتنوعة، وكان نصيب أتباع أهل البيت (عليهم السلام) منها الكثير لتعرضهم لاضطهاد الأنظمة الحاكمة، وكانهؤلاء الأبناء يتركون أولاداً وبناتً لهم، ولا شك أن التعاطي مع استحقاقهم من الميراث كان يجري وفق القواعد المجمع عليها، ولم يصل إلينا أي خبر أو رواية عن مخالفة للحكم أو إشارة إلى استحقاقهم شيئاً، وهذا دليل على إمضاء الأئمة المعصومين (عليهم السلام) لهذا الحكم في التوريث، ولو كان أولاد الأولاد يستحقون شيئاً لورد في كلامهم (عليهم السلام) شيء من ذلك خصوصاً مع كثرة الابتلاء بالمسألة وأهميتها الاجتماعية ووجود الحزازة من الحكم المذكور.

أقول: هذا الوجه أقوى ما يتذرع به المشهور –بعد الإجماع- للقول المجمع عليه ويمنع من اختيار قول على خلافه، لكنه يمكن الرد عليه بوجوه:-

1- إنه على حسنه يبقى مجرد دعوى لا نستطيع التأكد من تفاصيلها المذكورة إذ أننا لا نعلم بالضبط ما الذي كان يجري، فالمقدمة الأولى غير ثابتة.

2- إن الأئمة (عليهم السلام) بيّنوا استحقاق أولاد الأولاد للميراث بعدة وجوه سنذكرها في الاستدلال على القول الآخر إن شاء الله تعالى، ومنها رواية التنزيل الآتية التي جعلتهم كالولد المباشر فهم يرثون مع الأولاد المباشرين نصيب من نُزّلوا منزلته، فالمقدمة الثانية غير تامة.

3- نستطيع أن نقلب الوجه ليدل على عكس المطلوب، ونقول أن حكماً بهذه الأهمية وبهذه السعة من الابتلاء ومع وجود الدواعي لبيانه لوجود الحزازة المذكورة، ولا تكفي في بيانه العمومات لاحتمال الخصوصية فيه،

ص: 50

لكن مثل هذا البيان الخاص لم يرد، وما ورد –مما ذكرناه آنفاً- لا يشفي الغليل، وهذا كله يدل على وجود مثل هذا الحكم.

وقد تحصّل إلى الآن أن ما ثبت بالدليل المعتبر حرمان أولاد الأولاد من الميراث عند وجود واسطتهم خاصة دون غيره من الأولاد المباشرين، فإنه لم يتم دليل على حرمانهم بوجود الولد المباشر بقول مطلق.

القول المخالف للإجماع

وهو مشاركة أولاد الأولاد في التركة مع وجود ولد الصلب المباشر غير واسطتهم:

ونريد الآن أن نتقدم خطوة إلى الأمام ونحاول إقامة الدليل على مشاركتهم في الميراث، إذ بعد تحقق الخدشة أعلاه ينفتح الطريق للقول الذي أردنا احتماله وهو استحقاق أولاد الأولاد وإن وجد الولد المباشر غير واسطتهم أي أبيهم أو أمهم فيحلون محل واسطتهم أو بأي نحو آخر.

ويمكن تقريب استحقاقهم لشيء من التركة بعدة أنحاء قد تصل إلى أربعة، ويتضمن بعضها وجوهاً للاستدلال، وهذا يعني أننا لدينا الكثير مما نريد أن نقوله ليحدث انقلاباً في الاستنباط الشرعي، ليس على صعيد الفتوى فقط بل وعلى صعيد المنهج والفكر الاجتهادي بفضل الله تبارك وتعالى:(النحو الأول) دخولهم في الميراث مع الأولاد المباشرين باستحقاقهم حصة واسطتهم من الميراث كما لو كان موجوداً، وأن هذا هو الحكم الأولي في المسألة، ونستدل عليه بوجوه:-

1- ما رواه الشيخ بسنده عن الحسن بن محمد بن سماعة عن علي عن محمد بن أبي حمزة عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: (بنات الابن يرثن مع البنات)(1).

ص: 51


1- وسائل الشيعة: 26/112، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، باب 7، ح6.

أقول: وهي صريحة في أن بنات الولد يرثن مع عدم وجود من يتقربون به للميت خاصة وإن وُجد أحد من الأولاد الصلبيين لظهور البنات في المباشرات ولنكتة التنويع في التعبير بالابن أولاً ثم البنات ثانياً، وقد فهمه على هذا الشيخ الطوسي فيما سننقله عنه، أما السند فيحتاج إلى تحقيق لمعرفة حجيته. فللشيخ الطوسي طريق صحيح إلى كتاب الحسن بن محمد بن سماعة.

أما (علي) فهو مشترك بين الثقة وغيره، والتمييز يكون بالراوي والمروي عنه والطبقة وهذه تعرف من مراجعة أسماء من رووا عنه ومن روى عنهم، وأضيف إليها القرائن الخاصة كما لو ثبت لدينا بالتتبع أن كل ما ينقله الكليني من الروايات في التفسير والاستدلال بالآيات الكريمة فإنه ينقله عن شيخه علي بن إبراهيم صاحب التفسير فإذا وجدنا رواية في هذا المجال مبدوءة بعلي فإنه يحصل الاطمئنان أنه ابن إبراهيم، أو كاختصاص النقل في بابٍ ما من أصل معين أو راوٍ معين أو أنه يكثر من النقل عنه فيه حتى يصبح مشهوراً في ذلك الباب فلا يحتاج إلى ذكر تمام الاسم، كإكثار نقل الشيخ الكليني من تعليقات الفضل بن شاذان وبياناته المفصّلة في كتاب الفرائض، وكان يكتفي بأن يقول: ((قال الفضل))(1).

وقد كتب بعض المحققين أبحاثاً في تمييز المشتركات كالشيخ الطريحي في

ص: 52


1- ويمكن اعتبار هذه الفكرة قرينة هنا على أن المراد بالمعنون هو علي بن سكين –وفي (المعجم: 13/155) علي بن محمد بن سكين – بكثرة ما روى عنه في باب الفرائض إلا أنه مجرد احتمال لمشاركة غيره ممن اسمه علي في ذلك مضافاً إلى المانع الذي سنذكره إن شاء الله تعالى على أن المقابلة بين النسخ ومراجعة كتب الرجال ترجح أن الصحيح (علي عن محمد بن سكين) لأن محمداً هو العنوان المذكور في كتب الرجال.

جامع المقال، ومعاصره الشيخ محمد أمين الكاظمي في هداية المحدثين، وقدميّز الطريحي بأن من يروي عنه الحسن بن محمد بن سماعة هو علي بن ميمون(1)

الذي لم يوثَّق، وعلي بن النعمان الثقة.

وأضاف الكاظمي علي بن شجرة الثقة(2).

وهذه الجهود مشكورة منهم (قدس الله أرواحهم) إلا أنها مبنية على الاستقراء الناقص لتعذر التام في مثل هذه المطالب، مضافاً إلى أن الأسماء المذكورة لا يمكن حمل العنوان عليها هنا لأن هؤلاء الثلاثة لم تسجل عنهم الرواية عن محمد بن أبي حمزة.

فلا بد من التحقيق بنحو آخر وهو أن تجري عملية تساقط بين مجموعة الذين اسمهم علي ممن روى عنهم الحسن بن محمد بن سماعة(3)

مع مجموعة الذين اسمهم (علي) ممن رووا عن محمد بن أبي حمزة(4)، ونأخذ الاسم المشترك بين المجموعتين ونهمل غير المشترك، فإن تعيّن أحدهم نتيجة هذا التقاطع فهو، وإلا اشترك بين من تصح فيهم النتيجة.

وهذه المحاولة لم توصلنا إلى نتيجة أيضاً لأن من روى عنه ابن سماعة ممن اسمهم علي –وهم لا يقلون عن سبعة- ليس فيهم من روى عن محمد بن أبي حمزة؛ لأن من روى عن ابن أبي حمزة معنون ب-((علي بن الحسن، علي بن الحسن الجرمي، علي بن الحسن

ص: 53


1- وهو بالدقة علي بن الحسن بن حماد بن ميمون، لذا اختلف عنوانه في المصادر بتجزئة هذه الأسماء.
2- جامع المقال: 82، هداية المحدثين: 115.
3- راجع معجم رجال الحديث: 6/129.
4- معجم رجال الحديث: 15/250.

الطاطري)) وهي جميعاً لمعنون واحد وهو ((علي بن الحسن بن محمد الطائي الجرمي المعروف بالطاطري، وإنما سمّي بذلك لبيعه ثياباً يقال لها الطاطرية))(1)

ولم يرد الطاطري في إسناد روايات ابن سماعة بل صرّح النجاشي في ترجمة علي بن الحسن الطاطري بأنه ((لا يروي الحسن عن علي شيئاً)).

لكن هذا لا يمنعنا من قبول احتمال كون (علي) في المقام هو الطاطري لما ذكره النجاشي نفسه من أنه ((من وجوه الواقفة وشيوخهم وهو أستاذ الحسنبن محمد بن سماعة الصيرفي الحضرمي ومنه تعلم، وكان يشركه في كثير من الرجال ومنه تعلّم المذهب)).

أقول: هذه التلمذة المؤكدة إلى حد الشراكة قد تكون قرينة كافية لانصراف علي إلى الطاطري عند ذكر اسمه مجرداً ولعل ابن سماعة كان لا يرى حاجة في إعلان الاسم الكامل لأستاذه بوجود هذا الاقتران، أو أنه كان يتعمد إخفاء الاسم الكامل للطاطري معتمداً على هذه القرينة لأمر ما فكلاهما من شيوخ الواقفة ووجوههم بل كانوا من المتعصبين في مذهبهم.

أما قول النجاشي بأن الحسن لم يرو عن علي فلا نعدّه مانعاً لأن الحسن روى عن عنوان (علي) و (علي بن الحسن) كثيراً وهما عنوانان ينطبقان على الطاطري فمن أين نعلم عدم روايته عنه، وإذا دخل الاحتمال بطل الاستدلال، وبالمناسبة فإن أحد كتب الطاطري في الفرائض، فيمكن أن نفهم كلام النجاشي على أن الحسن لم يرو عن الطاطري بعنوانه الخاص، أما روايته عما يمكن الانطباق عليه فلا مانع

ص: 54


1- معجم رجال الحديث: 12/372 عن رجال النجاشي.

منه. وإذا صحّ عدم روايته عنه فما معنى تعلم الحسن عند علي وشراكته معه وإنما يراد يومئذٍ بالعلم الرواية لعدم تفرّع وتوسّع العلوم المعروفة.

والخلاصة أننا توصلنا إلى نتيجة كون (علي) هو الطاطري بمرحلتين:

أولاهما: نفي المانع عن رواية ابن سماعة عن الطاطري وهذه يكفي الاحتمال فيها، وقد وجهنا منع النجاشي.

ثانيهما: إثبات كون علي هو الطاطري وهذا متعين لأن الراوي عن محمد بن أبي حمزة بعنوان علي منحصر بالطاطري فلا يمكن فرض غيره ممن اسمهم علي، ويؤيده وجود قرائن عرفية ووجدانية فإن الملازمة وقوة العلاقة بين ابن سماعة والطاطري تبرّر إطلاق الاسم منفرداً.

وعلى أي حال فإذا صحّت هذه النتيجة كان السند معتبراً لأن ابن سماعة والطاطري مصرَّح بتوثيقهم وإن كان رأيهم مخالفاً للحق، ومحمد بن أبي حمزة الثمالي موثّق كذلك وابن الحجاج غني عن التعريف؛ فتكون الرواية موثقة.

ومن الملاحظ أن السيد صاحب الرياض وصف رواية فيها نفس المشكلة في السند بالموثقة(1)

ولم يبين لنا تحقيق ذلك، وهي ما رواه الشيخ بسنده عن ابن سماعة عن علي عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن صفوان عن عبدالرحمن بن الحجاج قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (بنت الابن أقرب من ابن البنت)(2).

نعم قد يستشكل على الرواية من جهة كونها مقطوعة لم ينسبها ابن الحجاج إلى الإمام (عليه السلام) وهو لا يضر بمثله فقد وصفه النجاشي

ص: 55


1- رياض المسائل: 14/219.
2- وسائل الشيعة: 26/113، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، باب 7، ح8.

بأنه (ثقة ثقة ثبت وجه)(1).

ولو تنزلنا عن كونها رواية عن المعصوم (عليه السلام)، وأنها رأي ابن الحجاج نفسه، فهو رأي قيم من صاحب مقرب للأئمة (عليهم السلام) فيخدش تعبدية الإجماع.

وللعلم فإن الأصحاب ردّوا هذا الخبر لعدم موافقته لإجماعهم، قال الشيخ (قدس سره): ((هذا الخبر غير معوَّل عليه لأنّا قد بيّنا أن مع البنت للصلب لا ترث بنت البنت ولا ابن الابن ويشبه أن يكون الخبر ورد إما وهماً من الراوي أو ورد مورد التقية لموافقته لمذهب بعض العامة))(2)

وأضاف صاحب الوسائل (قدس سره): ((ويجوز حمله على الإنكار دون الإخبار، على أنه فتوى غير مصرّح بنسبتها إلى الإمام فلا حجة فيها)).

2- الروايات الدالة على تنزيل أولاد الأولاد منزلة الأولاد المباشرين وقيامهم محل واسطتهم في الميراث كموثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (ابن الابن يقوم مقام أبيه)(3)، وصحاح سعد بن أبي خلف وعبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة (صفحة 44) أما رواية زرارة المتقدمة (صفحة 46) ففيها تصريح بأن ولد الولد –ذكوراً كانوا أو إناثاً- بمنزلة الولد وولد البنات بمنزلة البنات.

وللاستدلال بهذه الروايات تقريبان:-

أ- التمسك بإطلاقها، والمتيقن خروجه من تحت هذا العام حال كون واسطتهم حياً، أما غيره فمشكوك فيبقى تحت العام وهو

ص: 56


1- رجال النجاشي: 630.
2- تهذيب الأحكام: 9/318، باب 28، ح63.
3- وسائل الشيعة: أبواب ميراث الأبوين والأجداد، باب 7، ح2.

قيامهم مقام واسطتهم عند عدمها حتى مع وجود الولد المباشر غير واسطتهم.

ب- إن معنى التنزيل كونهم هم عند عدم وجود واسطتهم إلى الميت، وبتعبير آخر: إن حرمان أولاد الأولاد من الميراث عند وجود الأولاد المباشرين مبني على لحاظ عنوانهم الأولي الحقيقي، وهو كونهمأ- أولاد أولاد، ولكن ببركة التنزيل عند موت واسطتهم يكونون أولاداً مباشرين حكماً وتنزيلاً ويعتبرون مجتمعين ولداً مباشرين وهو واسطتهم، أي أنهم عند موت واسطتهم يكونون أولاداً لا أولاد أولاد لكن دلّت النصوص على أنهم يرثون مجتمعين حصة من يتقربون به وليس على أنهم أولاد مستقلون بعرض الأولاد المباشرين.

وهذا دليل يلزم المشهور لأنهم قالوا بمثله في موارد أخرى كتقديم ابن الأخ وإن نزل على الأعمام والأخوال المباشرين لأنهم نظروا إلى الأول أنه بمقام الأخ وإلا فإن العرف لا يساعد على هذا التقديم بالأقربية، فالتقدم بهذا التعبد والتنزيل. قال الشيخ الصدوق: ((فإن ترك ابن ابن ابن أخ وعماً وعمة أو خالاً أو خالة فالمال لابن ابن ابن الأخ فإن ولد الأخ وإن سفلوا فهم من ولد الأب والعم والعمة من ولد الجد، والخال والخالة من ولد الجد، وولد الأب وإن سفلوا فهم أحق بالميراث من ولد الجد))(1).

وكتقديم أولاد العمومة والخؤولة وإن نزلوا على عم وخال أب الميت مع أن العرف لا يساعد على كون أولئك أقرب من

ص: 57


1- من لا يحضره الفقيه: ج4، كتاب الفرائض، باب ميراث الإخوة والأخوات.

هذين، وإنما قدموهم لأنهم نزلوهم منزلة عم وخال الميت وهما أقرب من عم وخال أبيه.

وينبغي الالتفات إلى لزوم وجود دليل على التنزيل لتتم هذه الفكرة، ولا يكفي فيه وجود دليل على أخذهم نصيب من يتقربون به لعدم الملازمة.

ومما يدل على التنزيل أيضاً إجماعهم على أن ولد الولد ولد هنا بأي نحو من الأنحاء ولذلك رتّبوا آثار الولدية كالحجب واستحقاق النصيب الأدنى ونحو ذلك وبناءً على صدق الولدية قسّموا نصيبهم بينهم بالتفاضل كما سيأتي في الفروع الخلافية ومن تلك الأحكام مشاركتهم للأولاد المباشرين بالميراث.

وسيأتي أيضاً في الفرع الخلافي الأول أنهم إن لم يلتزموا بالتنزيل بهذا المعنى لا يبقى عندهم دليل أمام قول الشيخ الصدوق باشتراط عدم وجود الأبوين في توريثهم.

3- صحاح عبد الرحمن بن الحجاج وسعد بن أبي خلف المتقدمة فإنها يمكن تقريبها على هذا القول بحمل قوله (عليه السلام): (إذا لم يكن للميت بنات) أي أمهاتهن، لما أشكلنا به على فهم المشهور بعدم الخصوصية للبنات في الحجب عن الميراث لأن الذكور يحجبون أيضاً، وعلى نفس المعنى تحمل الفقرة الثانية (إذا لم يكن للميت ولد).ويكون معنى ولا وارث غيرهن أي لا يوجد من يشاركهن في ميراث نفس واسطتهن بأن انفردن للواسطة لعدم صحة الأخذ بإطلاق (ولا وارث غيرهن) لأنهن يشاركن الوالدين وإلا وقعنا في قول الشيخ الصدوق.

وهذا المعنى احتمله البعض لهذه الروايات، قال صاحب الجواهر (قدس سره): ((إنه يمكن إرادة نفي غير أبن الابن من أولاد الصلب من

ص: 58

قوله (عليه السلام): (ولا وارث غيرهن) على معنى إذا لم يكن للميت الابن الذي يتقرب به ابن الابن، أو البنت التي يتقرب بها بنت البنت))(1).

4- إنهم أجمعوا على أن ولد الولد هنا سواء على نحو الحقيقة أو المجاز الراجح المنصرف إليه أو على نحو آخر، وأن ميراثه هنا بالولدية لا غير، وقد تقدم (صفحة 21) تصريح المحقق الأردبيلي (قدس سره) بذلك، وجعله المشهور دليله على التوزيع بالتفاضل بينهم استناداً إلى قوله تعالى: «يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ» ولازم ذلك مشاركتهم للأولاد المباشرين بالميراث على حد سواء ونقلنا (صفحة 28) اعتراف السيد المرتضى ومن وافقه على ذلك، وقد خرج بالدليل المعتبر ما لو كانت واسطتهم التي يتقربون بها موجودة لأنهم إنما يرثون نصيبه فمع وجوده لا موضوع لميراثهم، وبقي استحقاقهم فيما سوى ذلك قائماً أي مشاركتهم للأولاد المباشرين عدا من يتقربون به.

مرجّح أو مؤيد قرآني:

ويؤيد هذا القول أو يرجّحه إذا افترضنا حصول التعارض بين القولين والرجوع إلى المرجّحات، فإن المرجح القرآني مع هذه النتيجة التي قرّبناها لقوله تعالى: «وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً» (النساء:9) بتقريب أن الغالب في من يموت في حياة أبيه أن تكون ذريته أيتاماً ضعافاً، وتقريب الاستدلال بالآية أن الله تعالى أشفق على هؤلاء الأيتام الضعاف ممن أوصاهم بهم فيكون من باب أولى رعايتهم

ص: 59


1- جواهر الكلام: 39/121.

بجعل حصة لهم في الميراث، مضافاً إلى الآيات الأخرى الآتية في النحو الثاني إن شاء الله تعالى.

والملفت استعمال لفظ (الذرية) في الآية لتشمل أولاد الأولاد وإن نزلوا ولم يعبّر بالأولاد لتنصرف إلى المباشرين.

(النحو الثاني) مشاركتهم في الميراث بالوصية الواجبة:

وإن أبيت عن قبول هذا الاستدلال وتنزّلنا عن كون الحكم الأولي في المسألة هو ميراثهم، فلنا طريق آخر في إعطاء أولاد الأولاد حصة واسطتهم وذلك بإلزام جدهم بالوصية بمنحهم حصة واسطتهم من الميراث على أن لا تزيد على الثلث ونصل إلى النتيجة بثلاث خطوات:-

1- إن رجحان الوصية ثابت في الشريعة وفي ذلك روايات كثيرة (منها) صحيحة محمد بن مسلم، قال: (قال أبو جعفر (عليه السلام): الوصية حق وقد أوصى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فينبغي للمسلم أن يوصي) وفي صحيحته الأخرى عن أحدهما (عليهما السلام): (الوصية حق على كل مسلم)(1).

2- إن أفضل المعروف –ومنه الوصية- ما أسدي إلى الأقربين قال تعالى: «كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ» (البقرة: 180) وفي الكلمة المشهورة المتداولة (الأقربون أولى بالمعروف)(2).

ص: 60


1- وسائل الشيعة: 14/351، كتاب الوصايا، باب 1، ح1، 3.
2- هذه العبارة ليست آية ولا رواية خلافاً لما اشتهر على الألسن، ولا يوجد نص حديث بهذا اللفظ في مصادر الفريقين كما اعترف بذلك جمع، لكنه مضمون مستفاد من القرآن والسنة، ففي القرآن الكريم: «قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ» (البقرة:215) وفي الروايات قوله (عليه السلام): (لا صدقة وذو رحم محتاج) و(أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح) وقول الإمام الكاظم (عليه السلام) في إعطاء القرابة المستضعفين من الزكاة (هم أفضل من غيرهم، أعطهم) وفي مصادر العامة روى البخاري بسنده عن أنس أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لأبي طلحة –في الوقف والوصية-: (أرى أن تجعلها في الأقربين) وفي حديث آخر (اجعله لفقراء أقاربك) وفي حديث آخر (اجعلها لفقراء قرابتك ترحم).

وفي خصوص مسألتنا ورد أن ترك الوصية للقرابة الذين لا يرثون معصية وفي موثقة السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) قال: (من لم يوص عند موته لذوي قرابته ممن لا يرث فقد ختم عمله بمعصية)(1)، وأوضح موارد هذا التحذير ترك الوصية لأولاد الأولاد الذين مات أبوهم في حياة أبيه لقربهم ولضعفهم ولحاجتهم.

3- كون هذه الوصية ملزمة في المقام ونستدل على ذلك بعدة تقريبات:-أ- موثقة السكوني أعلاه إذا استظهرنا منها الوجوب.

ب- الآية الكريمة المتقدمة «وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً»(النساء:9) بتقريب أن موردها الأوضح ما نحن فيه.

ج-- قوله تعالى: «وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً» (النساء : 8).

فالآية تأمر بإعطاء ذوي القربى الموجودين ممن لا استحقاق لهم في الميراث، وأبرز مواردها محل البحث لأنهم قربى ويتامى ومساكين.

د- ما دل على اتقاء غضب الله تعالى في التقصير برعاية اليتامى مما سنذكره (صفحة 77) ومنه موثقة سماعة بن مهران عن أبي عبد الله

ص: 61


1- وسائل الشيعة: 14/355، باب 4، ح3.

(عليه السلام) قال: (اتقوا الله في الضعيفين يعني بذلك اليتيم والنساء).

ولا منافاة بين ما قلناه وآيات المواريث؛ لاجتماع الوصية مع الميراث، نعم روى العياشي بتفسيره عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام) أنها (نسختها آية الفرائض)، وهو مروي عن العامة لذا قالوا بالاستحباب(1)، وقال في مجمع البيان: ((اختلف الناس في هذه الآية على قولين: أحدهما أنها محكمة غير منسوخة وهو المروي عن الباقر عليه السلام)).

وعلّق صاحب تفسير البرهان: ((يمكن الجمع بين روايتي النسخ وعدمه بحمل رواية النسخ على نسخ وجوب الإعطاء، وبحمل رواية عدم النسخ على جواز الإعطاء واستحبابه فلا تنافي بين الروايتين على هذا التقدير))(2).

أقول: ولو سلّمنا بالنسخ في عنوان الأبوين لورود آية الفرائض فيه فإن عنوان الأقربين عام لم ينسخ كله.

(النحو الثالث) على صعيد الحكم الثانوي بأمر الولي الفقيه:

ولا نعني بهذا المستوى أن الفقيه ينطلق من المصلحة المشخّصة في إشراك أولاد الأولاد بالميراث فيأمر بذلك بالولاية –كما يظهر من بعض فقهاء العامة والقوانين الوضعية وستأتي الإشارة إليه-، فهذا المستند للولي الفقيه أثبتنا عدم صحته في بحث المشاركة في السلطة في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،

ص: 62


1- الفقه الإسلامي وأدلته، د.وهبة الزحيلي، 9/20.
2- تفسير البرهان: 3/20.

وإنما نعني بالعنوان وجود المسوّغ الشرعي الذي يستند إليه الولي الفقيه ضمن صلاحياته كما سنبين إن شاء الله تعالى.إذ أن من وظائف ولي الأمر مراعاة الإنصاف في تطبيق القوانين وتنفيذها؛ لأن العدالة التي روعيت في سنّها قد تحتاج في تطبيقها على مواردها إلى هذا التدخل أحياناً.

وبصياغة قانونية: إن الدين الإسلامي فيه مبادئ عامة ككلمة التوحيد وتوحيد الكلمة وكرامة الإنسان وحقه في الاختيار والعدالة والإحسان ومراعاة الفطرة الإنسانية وحقوق الإنسان وهذه بمثابة الدستور، وفيه قوانين وأحكام شرعية تفصيلية تسمى الشريعة، ويشترط في القوانين والأحكام أن لا تخالف مبادئ الدستور، والولي الفقيه هو القيّم على هذه الحالة المراقب لها، وهي من وظائفه.

ولبيان هذه الفكرة الرائدة في الاستنباط الفقهي أنطلق من أساسين قرآنيين:

أولهما: ما ورد في الروايات في تفسير قوله تعالى: «وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ، فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً» (الأنبياء : 78-79).

فقد روى الكليني في الكافي بسنده عن أبي بصير قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) (عليه السلام) قول الله عز وجل: «وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ» فقال: لا يكون النفش إلا بالليل، إن على صاحب الحرث أن يحفظه بالنهار، وليس على صاحب الماشية حفظها بالنهار، وإنما رعيها بالنهار وأرزاقها، فما أفسدت فليس عليها، وعلى صاحب الماشية حفظ الماشية بالليل عن حرث الناس، فما أفسدت بالليل فقد ضمنوا، وهو النفش، وإن داوود (عليه السلام) حكم للذي أصاب زرعه رقاب الغنم،

ص: 63

وحكم سليمان (عليه السلام) الرِسل والثَلَّة، وهو اللبن والصوف في ذلك العام))(1).

وفي مجمع البيان: ((قيل: (كان كرْماً وقد بدت عناقيده، فحكم داوود (عليه السلام) بالغنم لصاحب الكرم، فقال سليمان (عليه السلام): غير هذا يا نبي الله، قال: وما ذاك؟ قال: يُدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان، وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها، حتى إذا عاد الكرم كما كان ثم دفع كل واحد منهما إلى صاحبه ماله) قال: روي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) )).

أقول: ما حكم به داوود (عليه السلام) كان مقتضى العدل والضمان وبه جاءت شريعة الأنبياء السابقين –كما في روايات الحادثة- إلا أنه يضرّ صاحب الغنم، أما ما حكم به سليمان (عليه السلام) فإنه حافظ على مقتضى العدل وأوجب الضمان على المتلف إلا أنه بطريقة حفظت لصاحب الغنم غنمه.

وتأسيساً على هذه الحادثة أقول: إن من واجبات ولي الأمر مراعاة الإنصاف إن لم نقل الإحسان في تطبيق القوانين قال تعالى: «إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» (النحل:90)، وقد أعطي الحاكم الشرعي مثل هذه الصلاحيات في عدة مواضع فقهية كعفوه عن مستحق الحد أو تأجيله في ظروف معينة، ومحل الشاهد أن تطبيق قاعدة (الأقرب يمنعالأبعد) لا بد أن يكون ضمن هذه الحدود، علماً بأنه تتوفر المبررات الكافية لتدخل ولي الأمر والالتزام بدفع حصة الابن المتوفى إلى أولاده، لتنزيلهم منزلة الولد في النصوص لضعفهم وحاجتهم ودخولهم في ولاية الجد، مضافاً إلى التوصيات المؤكدة بهم مما تقدم في النحو الثاني.

ص: 64


1- راجع مصادر الروايتين وغيرهما في تفسير البرهان: 6/290-291.

فما ذكرناه في هذه النقطة مستند إلى المسوّغات الشرعية، ولا يعني الحرية التامة له في تغيير القوانين بما يراه من المصالح؛ لأن عليه التعبد بها ولا يعلم المصالح والمفاسد الواقعية إلا الله تبارك وتعالى.

ثانيهما: ما استفدناه من قوله تعالى: «لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ» (الرعد:11) وقد شرحناها في خطاب مستقل(1)

ومما قلت فيه: إن له تعالى عند كل أحد ملائكة تتعاقب عليه في جميع أوقاته وأحواله لتحفظه بأمر الله تعالى من أمر الله تعالى الذي قضى بجريان السنن والقوانين التي تحكم على الموجودات أن تؤثر فيه مثلاً نزول المطر فيه غيث ورحمة للناس المزارعين وأمثالهم من المستفيدين، لكنه يضرّ شخصاً له بيت متهالك يسقط سقفه بنزول المطر، ولا يمكن أن تتوقف الإرادة الإلهية بإنزال المطر لأجل هذا المتضرر، فتقوم الملائكة بأمر الله بحفظ هذا المسكين من أمر الله، وكما أن الله تعالى يغلِّب رحمته بأمره تبارك وتعالى على عدله الذي هو من أمره تعالى (يا من سبقت رحمته غضبه).

وفي رواية عن الإمام الباقر (عليه السلام) يفسّر فيها قوله تعالى: «يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ» قال (عليه السلام): (بأمر الله حتى إذا جاء القدر خلّوا بينه وبينه، يدفعونه إلى المقادير، وهما ملكان يحفظانه بالليل وملكان بالنهار يتعاقبانه)(2).

ومثله حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام)، وفي نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (إن مع كل إنسان ملكين يحفظانه فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه).

ص: 65


1- راجع العدد (145) من صحيفة الصادقين والمجلد التاسع من كتاب خطاب المرحلة.
2- راجع مصادرها في تفسير البرهان: 5/194.

فهذه الملائكة موكّلة من قبل الله تعالى بحفظ الإنسان من جريان القوانين الطبيعية التي أودعها الله تعالى في الكون عدلاً ونظاماً على خلاف مصلحته وخيره رحمة به وفضلاً من الله تعالى عليه، إذ الإنسان أعجز من أن يواجه وحده كل تقلبات الكون وأحداثه وحوادثه والعوامل المؤثرة فيه وهي كلها من أمر الله تعالى.

أقول: هذه الحقيقة التكوينية وهو أن القوانين الكونية التي تسير على طبق العدل والمصالح العامة قد تكون على خلاف مصلحة بعض الأفراد فلضمان الإنصاف والرحمة في تطبيقها جعل الله تبارك وتعالى على كل فرد ملائكة تتعاقبه لتحميه وتصونه من هذه الآثار والتداعيات إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.ومن هذه الحقيقة التكوينية ننتقل إلى الوظيفة الشرعية فإن القوانين الشرعية وضعت مراعية للعدل والمصالح العامة كقانون الأقرب أولى من الأبعد بالميراث، لكن الحاكم الشرعي يراقب التطبيقات التي هي وفق العدل لكنها إذا خالفت المبادئ العامة فإنه يتدخل للمحافظة على تلك المبادئ(1).

وهي تقتضي أيضاً أن يكون العدل منصفاً وإلا فإن الأخذ بالعدل قد يُعد سيئة أو ظلماً بنحو ما ولو على المستوى الأخلاقي، كما قيل في بعض وجوه

ص: 66


1- بعض هذه المبادئ تدخل في ما يسمى بالعناوين الثانوية ومنها ما يعمل بها الفقهاء لإيمانهم بها وجداناً وإن لم يقننوا المسألة كما فعلنا، مثلاً من يشترط في كفاية رؤية الهلال في بلد لثبوته في بلد آخر أن يكون البلدان متقاربين ومتحدين في الأفق فإذا رؤي في دبي أو أبو ظبي لا يثبت في العراق لعدم تحقق الشرط، لكنه إذا ثبت في مشهد (شمال شرق إيران) فإنه يثبت في عموم إيران ومنها بندر عباس مثلاً في جنوب غرب إيران مع أن المسافة الفاصلة في الثاني أكثر من الأول فلماذا يثبت في الثاني دون الأول؟ فهذا الفقيه خاضع في وجدانه لمبدأ وحدة كلمة الشعب والدولة على سعتها.

تفسير قوله تعالى: «وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ» (الشورى:40) فسمّى الأخذ بالمثل سيئة، وهو عدل.

وفي قوله تعالى: «فَمَنِ اعتَدَى عَلَيكُم فَاعتَدُوا عَلَيهِ بِمِثلِ مَا اعتَدَى عَلَيكُم» (البقرة:194) سمّى الرد بالمثل عدواناً مع أنه حق.

وفي معتبرة حماد بن عثمان الواردة في تفسير قوله تعالى: «وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ» (الرعد:21) قال: (دخل رجل على أبي عبد الله (عليه السلام) فشكا إليه رجلاً من أصحابه، فلم يلبث أن جاء المشكو، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): ما لفلان يشكوك؟ فقال له: يشكوني أني استقصيت(1)

منه حقي، قال: فجلس أبو عبد الله مغضباً، ثم قال: كأنك إذا استقضيت حقك لم تسئ؟! أرأيت ما حكى الله عز وجل في كتابه: «يَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ» أترى أنهم خافوا الله أن يجور عليهم أو يظلمهم؟ لا والله ما خافوا إلا الاستقضاء، فسمّاه الله عز وجل: «سُوءَ الحِسَابِ» فمن استقصى فقد أساء)(2).

وهذه المعاني لا ينافيها الوضع اللغوي لهذه المفردات؛ لأن ما يقابل العدل لغة هو الجور وليس الظلم، وهذه المقابلة مصرّح بها في النصوص ففي رواية مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهم السلام) قال: (من

ص: 67


1- أي طلبت منه أن يقضي حقي، وفي المعاني وتفسير القمي (استقصيت) أي بلغ بالمسألة النهاية في طلبها، وهو الأقرب لمضمون الرواية.
2- الكافي: 5/100، ح1، تفسير القمي: 1/363، ومعاني الأخبار: 246، وتفسير البرهان: 5/201، وفي المعاني: (ولكنهم خافوا الاستقصاء والمداقّة) أي الحساب بدقة.

عدل في وصيته كان كمن تصدّق بها في حياته، ومن جار في وصيته لقي الله عز وجل يوم القيامة وهو عنه معرض)(1).

وفي مرفوعة علي بن النعمان عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من دعائه إذا صعد الصفا واستقبل القبلة: (أصبحت أتقي عدلك ولا أخاف جورك، فيا من هو عدل لا يجور ارحمني)(2)، وغيرها من الروايات.

فيمكن للعدل أن يجتمع مع الظلم، وهذه المعاني تستحق مبحثاً مفصلاً(3).

والمهم أن نقول هنا أن وظيفة الحاكم الشرعي في القوانين التشريعية كوظيفة تلك الملائكة في الحالة التكوينية ومسألتنا من هذا القبيل فإن مقتضى القانون توريث الأقرب وحجب الأبعد، وتطبيقه في المقام توريث الابن المباشر دون ابن الابن لأنه الأقرب ولما كان هذا التطبيق مخالفاً لمبادئ الإنصاف والإحسان والوصية باليتيم فيتدخل الحاكم الشرعي وفق المسوغات المتقدمة ليفرض بالولاية لأولاد الأولاد حصة واسطتهم على نحو الوصية الواجبة مراعاة لإنصاف هؤلاء الضعاف.

ولنا بعد هذين الأساسين القرآنيين وما سيأتي في النحو الرابع إن شاء الله تعالى شاهد على مثل هذه الوظيفة لولي الأمر من كتاب الميراث وهو ما ورد في طعمة جد الميت عندما لا يكون وارثاً لوجود واسطته إلى الميت وهما والدا الميت اللذان هما أقرب إليه منهما كصحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) (إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أطعم الجدة أم الأم

ص: 68


1- وسائل الشيعة: 19/267، كتاب الوصايا، باب 8، ح2.
2- وسائل الشيعة: 13/478، أبواب السعي، باب 4، ح3.
3- راجع خطبة عيد الأضحى لسنة 1436 هج- بعنوان (ويخافون سوء الحساب) في المجلد التاسع من موسوعة (خطاب المرحلة).

السدس، وابنتها حية)(1)

وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: (دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) وعنده أبان بن تغلب، فقلت: أصلحك الله إن ابنتي هلكت، وأمي حيّة، فقال أبان: لا، ليس لأمك شيء، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): سبحان الله أعطها السدس)(2) وروايات أخرى غيرها.

والملفت للنظر تعبير الإمام (عليه السلام): (سبحان الله) والتسبيح يعني التنزيه، فالإمام (عليه السلام) لعله ينزّه الله تعالى عن الحكم بحرمان الجدة مع وجود الأب وهو ابنها الذي تتقرب به وهو حكم على طبق القواعد ومفاد الروايات، أي أنالإمام (عليه السلام) ينزّه الله تبارك وتعالى عن تطبيق القانون من دون مراعاة المبادئ الإنسانية العليا، فيعطي للجدة حصة بالولاية وإن لم تستحقها بالميراث.

قال الشهيد الثاني (قدس سره): ((عدم إرث الجد مع الأبوين أو أحدهما هو المشهور بين الأصحاب، لا نعلم فيه مخالفاً إلا ابن الجنيد، فإنه جعل الفاضل عن سهام البنت والأبوين للجدين أو الجدتين، لكن على المشهور يستحب للأبوين أن يطعما أبويهما شيئاً من نصيبهما))(3).((3).

أقول: قول ابن الجنيد بالوجوب مطابق لظاهر الروايات؛ لأن المعصوم (عليه السلام) أمر بإخراج السدس من دون استئذان الوارث، ولو كان الحكم الاستحباب فالمفروض إيكال أمره إلى المكلف لأنه حكم غير إلزامي ولا يستلزم الأمر بالإخراج، وهذا الوجوب لم يكن بالوصية لعدم الإشارة إليها في كل روايات الباب، فيتعين كون إطعام رسول الله (صلى الله عليه وآله) والإمام الصادق (عليه السلام) كان بالولاية لأن الجد لا يرث هنا ولا كان موصى له،

ص: 69


1- وسائل الشيعة: 26/137، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح1، 6.
2- وسائل الشيعة: 26/137، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، ح1، 6.
3- (3) مسالك الأفهام: 13/137.

فنحن نتفق مع ابن الجنيد في الوجوب ونختلف معه في منشأه إذ جعله بالميراث ونحن بالأمر الولائي.

ويتم تقريب الاستدلال بضم وحدة المناط بل الأولوية لأن ما نحن فيه –وهو رعاية حق أولاد الأولاد- أولى من الأجداد فإن كان أولئك –أي الأجداد- آباء فهؤلاء –أي أولاد الأولاد- أبناء لأنهما متضايفان، ولأنهم مجمعون على ذلك هنا، ولهم بعد ذلك حق الضعف والعجز واليتم والحاجة ونحو ذلك.

قال الشيخ الكليني عقب هذه الروايات: ((هذا قد روي وهي أخبار صحيحة إلا أن إجماع العصابة أن منزلة الجد منزلة الأخ من الأب يرث ما يرث الأخ وإذا كانت منزلة الجد منزلة الأخ من الأب يرث ما يرث الأخ يجوز أنها أخبار خاصة إلا أنه أخبرني بعض أصحابنا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أطعم الجد السدس مع الأب ولم يعطه مع الولد، وليس هذا أيضاً مما يوافق إجماع العصابة أن منزلة الأخ والجد بمنزلة واحدة))(1).

أقول: يريد بكونها أخباراً خاصة أنها استثناء على خلاف القاعدة فتخصِّص العمومات، وليس هو الحكم الأولي في المسألة لأن الأب يمنع الجد من الميراث كما دلت عليه الروايات والقواعد، وهذا يعني ميله إلى الوجوب، ولو كان الحكم الاستحباب فإنه لا منافاة توجب التفسير بالاستثناء؛ لأن الاستحباب يجتمع مع مقتضى القاعدة وهو عدم وجوب نصيب له.وحينئذٍ يسأل عن منشأ الخصوصية والوجوب والأقرب إلى فهم السياق أنه حكم ولائي مجعول من الشارع المقدس.

وقال الشيخ (قدس سره) عن هذه الروايات أنها ((لا تنافي ما قدمناه من الأخبار من أن الجد لا يستحق الميراث مع الأبوين لأن هذا إنما جعل للجد أو

ص: 70


1- فروع الكافي: ج7، كتاب المواريث، باب 64: ابن أخ وجد، ح15.

الجدة على جهة الطعمة لا على وجه الميراث، على أن الطعمة إنما تكون للجد أو الجدة إذا كان ولدهما حياً فأما مع عدمه فليس لها طعمة أيضاً))(1).

وقال صاحب الوسائل (قدس سره) في توجيه هذه الأخبار: ((ويمكن الحمل على الجواز مع الأبوين لأن الطعمة على وجه الاستحباب لا الوجوب)) وقال (قدس سره) في توجيه كلام الكليني (قدس سره): ((الإجماع على نفي الوجوب والاستحقاق فلا ينافي ثبوت الطعمة على وجه الاستحباب والظاهر أن هذا مراد الكليني من آخر كلامه)).

أقول: الإجماع ثابت على عدم استحقاق الأجداد مع وجود الوالدين من جهة الميراث، وهو لا ينافي استحقاقهما بعنوان آخر كالطعمة على نحو الوجوب. وكلام الأصحاب لا يأبى الحمل عليه بل صرح ابن الجنيد بذلك.

وهذا الوجه الذي ذكرناه لمراد الكليني (قدس سره) أقرب مما ذكره صاحب الوسائل من جهة عدم احتياج الاستحباب لتفسير أخباره بأنها خاصة لعدم المنافاة، ولكنه (قدس سره) عبّر عن الأخبار بكونها خاصة لأن تأويلها بما ذكرناه كان غير محدد في ذهنه، ولو أراد الاستحباب كما قرّب في الوسائل لذكره، ثم إن الاستحباب لا يجيز الإطعام حتى يأذن به المطعم ولا تشير الرواية إلى شيء من ذلك، لكن الأمر الملزم يمكن إخراجه بدون إذنه.

والخلاصة أن هذا الشاهد تام.

(النحو الرابع) وجوب الصرف على أولاد الأولاد الأيتام مما يصل إلى الورثة الموجودين:

ص: 71


1- تهذيب الأحكام: ج9، باب 28: ميراث من علا من الآباء وهبط من الأولاد.

وهذا الحكم أخصّ من المدعى لأنه يختصّ بالقاصرين من أولاد الأولاد فإنهم إذا حُجبوا من الميراث لوجود الولد المباشر فإنه يجب على هذا الوارث الصرف على الصغار حتى يبلغوا.

ودليلنا ما ورد في رواية عبد الملك بن أعين أو مالك بن أعين –بحسب رواية الصدوق- عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن نصراني مات، وله ابن أخ مسلم، وابن أخت مسلم، وله أولاد وزوجة نصارى، فقال: أرى أن يعطي ابن أخيهالمسلم ثلثي ما تركه، ويعطى ابن أخته المسلم ثلث ما ترك إن لم يكن له ولد صغار، فإن كان له ولد صغار فإن على الوارثَينِ أن ينفقا على الصغار مما ورثا عن أبيهم حتى يدركوا، قيل له: كيف ينفقان على الصغار؟ فقال: يخرج وارث الثلثين ثلثي النفقة، ويخرج وارث الثلث ثلث النفقة، فإذا أدركوا قطعوا النفقة عنهم، قيل له: فإن أسلم أولاده وهم صغار؟ فقال: يدفع مما ترك أبوهم إلى الإمام حتى يدركوا، فإن أتموا على الإسلام إذا أدركوا دفع الإمام ميراثه إليهم، وإن لم يتموا على الإسلام إذا أدركوا دفع الإمام ميراثه إلى ابن أخيه وابن أخته المسلمَينِ، يدفع إلى ابن أخيه ثلثي ما ترك، ويدفع إلى ابن أخته ثلث ما ترك)(1).

وقد وصف هذه الرواية بالصحة ((جماعة من المحققين، كالعلامة في المختلف والشهيد في الدروس والشرح –غاية المراد- وغيرهما –كالمهذب البارع))(2).

ولعلهم لاحظوا سندها في الفقيه فقد رواها الشيخ الصدوق بسنده عن الحسن بن محبوب –وطريقه إليه صحيح- عن هشام بن سالم عن عبد الملك بن أعين أو مالك بن أعين، والأول موثق، ويرد عليه أن هذا غير كاف، لأن الرواية لم ترد عنهما معاً حتى يكفي توثيق أحدهما، إذ أن العطف بينهما ب-(أو)

ص: 72


1- وسائل الشيعة: 26/18، أبواب موانع الإرث، باب 2، ح1.
2- مسالك الأفهام: 13/32.

وليس ب-(و)، فهذا ترديد بينهما، والنتيجة تتبع أخسّ المقدمتين، وهذا التردد ليس موجوداً في الكافي والتهذيب، فقد جزما بأن الراوي هو مالك بن أعين.

أو أنهم التفتوا إلى ذلك واكتفوا من مالك بحسن عقيدته؛ باعتبار أن مالك بن أعين –وهو الجهني- وإن لم يرد فيه توثيق لكن دلّت عدة روايات على حسن عقيدته ومعرفته وتحميل الإمام (عليه السلام) له بعض المعارف الولائية(1)، لكن هذا لا يكفي عند البعض ولذلك فقد أسقطها عن الحجية جمع.

قال الشهيد الثاني (قدس سره): ((إن مالك بن أعين لم ينص الأصحاب عليه بتوثيق ولا بمدح، بل المذمة موجودة في حقه كما في القسم الثاني من الخلاصة))(2).

أقول: لعل هذا اشتباه من قلمه الشريف فقد ظنه (مالك بن أعين) أخا زرارة الذي قال فيه الحسن بن علي بن يقطين: ((كان لهم غير زرارة وإخوته أخوان ليسا في شيء من هذا الأمر، مالك وقعنب)). وروى العلامة في الخلاصة أنه كان مخالفاً، وقال ابن داوود في القسم الثاني: ((مالك بن أعين هو وأخوه قعنب ليسا من هذا الأمر في شيء كان مخالفاً)).أقول: أخو زرارة لم يذكره الشيخ في رجاله وهذا يُشعر بعدم روايته عن المعصوم (عليه السلام)، فعنوان مالك بن أعين ينطبق على الجهني الممدوح، هذا من حيث السند.

أما المتن فقد ذكر الشهيد الثاني (قدس سره) أن أكثر الأصحاب ((خصوصاً المتقدمين منهم كالشيخين –المفيد في المقنعة والشيخ في النهاية- والصدوق –في الفقيه- والاتباع – كابن البراج في المهذب البارع وابن زهرة في

ص: 73


1- راجع معجم رجال الحديث: 15/161، رقم (9816).
2- مسالك الأفهام: 13/33.

الغنية - قد عملوا بمضمون هذه الرواية))، ويظهر من صاحب الوسائل ذلك في تعليقته على الرواية.

والرواية على خلاف القواعد المعمول بها في كتاب الميراث بحسب ما أفادته النصوص، قال المحقق الحلي (قدس سره) في الشرائع بعد أن حرّر مسألة بنفس مضمون الرواية: ((وفيه إشكال ينشأ من إجراء الطفل مجرى أبيه في الكفر، وسبق القسمة على الإسلام يمنع من الاستحقاق)).

وشرح ابن إدريس (قدس سره) وجه الإشكال فقال: ((الذي يقتضيه أصل مذهبنا: أن الميراث يكون بين الإخوة من الأب والإخوة من الأم، للذين من قِبَل الأب الثلثان، وللذين من قِبَل الأم الثلث، يتصرّفون فيه تصرّف المالكين في أملاكهم، لأنه لا وارث مسلم لهذا الميت الكافر سواهم، لأنهم استحقوا الميراث دون من عداهم من سائر الناس، لأنه لا وارث له مسلم سواهم، ولو لم يكن كذلك لما جاز لهم قسمة الميراث بينهم ثلثين وثلثاً، ولا سوّغ لهم الشارع ذلك.

فعلى هذا التحرير والتقرير إذا بلغ الأولاد واختاروا الإسلام لا يجب على الإخوة ردّ شيء من الميراث إليهم بحال، ولا يجب لهم النفقة أيضاً قبل البلوغ، ولا يلزم الإخوة ذلك بحال على الأصل الذي أصّلناه، لأن الأولاد حكمهم حكم آبائهم في ما يجري عليهم من الأحكام الشرعيات، لأنهم لا يدفنون في مقابر المسلمين لو ماتوا قبل البلوغ))(1).

ولأجل هذا الإشكال فقد حملها العلامة في المختلف على الاستحباب، أما الشهيد الثاني فإنه بعد أن ناقش سندها بما تقدم قال: ((فسهل الخطب في أمرها، واتجه القول باطراحها أو حملها على الاستحباب)) وقال عنه: ((وهذا

ص: 74


1- السرائر: 3/269.

أولى)) وقال:((وأفرط آخرون(1)

فطرّدوا في حكمها إلى ذي القرابة المسلم مع الأولاد، وردها أكثر المتأخرين(2)؛

لمنافاتها للأصول))(3).

أقول: قدم الأصحاب عدة وجوه لتكييف الرواية على طبق القواعد، ذكر الشهيد الثاني أربعة منها ونقل ثلاثة منها عن المحقق الحلي في نكت النهاية(4)

وقد اختصرها عنه صاحب الوسائل في تذييله للرواية، وردها جميعاً في المسالك.

قال صاحب الوسائل: ((وُجِّهَ الحديث تارة بأن المانع الكفر، وهو مفقود في الأولاد، إذا لا يصدق عليهم الكفر حقيقة، وتارة بأن الأولاد أظهروا الإسلام لكن لما لم يعتد به لصغرهم، كان إسلامهم مجازياً، بل قال بعضهم بصحة إسلام الصغير، فكان كإسلام الكبير في المراعاة، وتارة بأن المال لم يقسم حتى بلغوا واحتلموا، وذكروا لهذه الوجوه مناقشات يطول بيانها ولا حاجة إلى ذلك لتصريح النص، وعدم المعارض، وعدم تحقق كفر الصغير، ومنافاته للعدل، بل لنص كل مولود يولد على الفطرة وغير ذلك، وحينئذ فليس هنا معارض خاص ولا عام والله أعلم)).

أقول: لسنا بصدد التفصيل في المسألة ومناقشة هذه الوجوه، وإنما هدفنا أخذ محل الشاهد منها، وقد قدمنا باختصار صورة واضحة عن اختلاف الأصحاب واضطراب كلماتهم والتي أعتقد أنها لا تلائم ظاهر النص في الوجوب بل تخالفه مخالفة صريحة لمجرد أن مضمون الرواية يخالف القواعد، ونحن نفهمه

ص: 75


1- في هامش التحقيق: إنه كافي الفقه: 375 حيث عمم الحكم لمطلق القرابة، وكذا في غنية النزوع: 329 وإصباح الشريعة: 370.
2- كالسرائر وكشف الرموز والتحرير وحاشية الكركي على الشرائع (مخطوط) –من هامش المحقق-.
3- مسالك الأفهام: 13/32.
4- نكت النهاية: 2/236-237.

حكماً من الإمام بالولاية الممنوحة له على خلاف قواعد كتاب الميراث، اقتضته قواعد حاكمة عليها وهي قواعد العدل والإنصاف والإحسان ومقتضيات الفطرة الإنسانية السليمة التي تجسدت في الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، وهذا شاهد آخر على ما قلناه في النحو الثالث من تدخل ولي الأمر لمراعاة الإنصاف والإحسان في تطبيق القواعد الشرعية، لذا عبّر الإمام (عليه السلام) بقوله: (أرى) أي بصفته ولي الأمر.

أي أن قاعدة (الكفر مانع عن الميراث) محكومة بقاعدة «إن الله يأمر بالعدل والإحسان» وأمثالها، وقد صرّح صاحب الوسائل في كلامه الآنف بأن إجراء القاعدة هنا منافٍ للعدل.وبناءً على هذه النتيجة أي الوجوب في مورد الرواية فإن الخطوة الثانية التي نتقدمها لإكمال الاستدلال تعميم الحكم لأولاد الأولاد المسلمين الضعاف العاجزين الأيتام المحتاجين بالتجريد عن الخصوصية، بل يمكن دعوى الأولوية لوضوح إقوائية المناط؛ لأن أولاد المسلمين أولى من أولاد النصراني بالرعاية والصرف لاحتياجاتهم من مال مورّثهم قطعاً.

وقد بنى على التجريد عن الخصوصية في الجملة أكثر الأصحاب بنحو أو بآخر أي أنهم اختلفوا فيها سعة وضيقاً، فاكتفى الشيخ في النهاية بتعميم الحكم إلى مطلق الكافر، وذهب عدد من أعلام القدماء إلى اطراد الحكم في كل قرابة مسلم للكافر كابن زهرة وأبي الصلاح، قال العلامة: ((وابن زهرة عمم الحكم: إذا كان للكافر أولاد صغار وقرابة مسلم، أنفق عليهم من التركة حتى يبلغوا، فإن أسلموا فالميراث لهم، وإن لم يسلموا كان لقرابته المسلم، وبه قال أبو الصلاح))(1).

ص: 76


1- مختلف الشيعة: 9/74 عن الغنية: 546، الكافي في الفقه: 375 (ضمن الجوامع الفقهية).

وأشار إلى ذلك الشهيد الثاني (قدس سره) في المسالك في كلمته الآنفة واعتبره إفراطاً.

إن قلتَ: الاستدلال بالرواية على ما نحن فيه قياس مع الفارق؛ لأن الأولاد في الرواية يرثون لولا المانع فهذا الصرف رعاية لحقهم في الميراث، أما أولاد الأولاد فإنهم لا يرثون لوجود الولد للصلب.

قلتُ: عدم استحقاق أولاد الأولاد للميراث أول الكلام، وهو محل النزاع، ولو تنزلنا فإنهم أيضاً يرثون لولا الحاجب، فهم كمورد الرواية ورثة تقديريون.

مضافاً إلى اشتراك الورثة في المسألتين في مناط المسؤولية عن الإنفاق عليهم من مال مورثهم لأن للجد ولاية على أحفادهم كولاية الأب، وربما قدمت عليه، بناءً على أن المناط في وجوب الصرف هي ولاية المورث ومسؤوليته عن الإنفاق على الصغار.

إضافة: ويمكن الاستدلال أيضاً ضمن هذا المستوى من التفكير بمعتبرة إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليه السلام) في من اشترى جارية حاملاً قد استبان حملها فوطأها، قال (عليه السلام): (بئس ما صنع) إلى أن قال: (وإن كان لم يعزل عنها فلا يبيع ذلك الولد ولا يورثه ولكن يعتقه ويجعل له شيئاً من ماله يعيش به فإنه قد غذّاه بنطفته)(1).

أقول: تقريب الاستدلال بأمر الإمام (عليه السلام) أن يجعل له شيئاً من ماله يعيش به وهو ابن غيره ولا ينتسب إليه لمجرد أنه غذّاه بنطفته، فالأمر في أولاد الأولاد أأكد.

ص: 77


1- وسائل الشيعة: 21/94، أبواب نكاح العبيد، باب 9، ح1.

نتيجة البحث والحكم المختار في المسألة:

لقد كشفت مناقشة أدلة المشهور أن ما يمكن الوثوق به من مفاد أدلتهم هو عدم استحقاق أولاد الأولاد من الميراث شيئاً عند وجود واسطتهم خاصة؛ لأنهم يتقربون به ويرثون نصيبه عند عدمه فعند وجوده لا يكون لتوريثهم موضوع، أما مع عدم وجوده ووجود الأولاد المباشرين الآخرين فإن حجبهم لأولاد الولد المتوفي –ذكراً كان أو أنثى- غير تام الدليل وإن أجمعوا عليه.

بل أقمنا عدة أدلة على خلافه أي استحقاقهم شيئاً من التركة على نحو الميراث أو أي نحو آخر مما ذكرناه.

ولا أقل من تحقق الاحتمال المنجّز للاحتياط خصوصاً في حق الأيتام الذين وردت الوصايا الكثيرة بهم كقوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً» (النساء:10).

وفي الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) (شرّ المآكل أكل مال اليتيم ظلماً)(1).

وفي موثقة سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (اتقوا الله في الضعيفين يعني بذلك اليتيم والنساء)(2).

وفي ضوء النتائج المتقدمة للبحث يمكن صياغة الفروع التالية في الرسالة العملية:

(مسألة) يجب على من مات له ولد أو بنت في حياته وله منهما أحفاد أو أسباط مع أولاد مباشرين أن يوصي بإخراج حصة ولده المتوفى –ذكراً كان أو أنثى- كما لو كان حياً حين موت الموصي، ويجب على الورثة الموجودين فعلاً

ص: 78


1- أمالي الصدوق: 577، ح788.
2- وسائل الشيعة: 20/167، أبواب مقدمات النكاح وآدابه، باب 86، ح3، عن الفقيه و 20/170 باب 88، ح 2 عن الكافي.

حينئذٍ إنفاذ الوصية وفق القواعد المقررة، ويتأكد الوجوب فيما لو كان الأحفاد أو الأسباط أيتاماً ضعافاً يُخشى عليهم الفقر والحاجة.

(مسألة) لو لم يوصِ الميت في مفروض المسألة السابقة، فإذا كان الأحفاد أو الأسباط صغاراً محتاجين فالأحوط وجوباً على الورثة الآخرين –إن كانوا بالغين راشدين- الإنفاق على هؤلاء الصغار بالمعروف إلى أن يبلغوا ويرشدوا وللورثة عدم الزيادة في ما ينفقونه على الصغار عن حصة أبيهم أو أمهم المتوفين في حياة جد الصغار ولا فرق في احتساب التركة بين أصول الأموال التي تركها المتوفى ونمائها المتجدد متصلاً كان أو منفصلاً.وإن كان للصغار مورد مالي كافٍ لمعيشتهم أو كان هؤلاء الأحفاد والأسباط بالغين فالأحوط لزوماً للورثة –في فرض عدم الوصية- إخراج حصة من يتقربون به إلى الميت وتوزيعها عليهم للذكر مثل حظ الأنثيين، وفي هذا الاحتياط يجوز الرجوع إلى الغير مقدماً الأعلم على غيره.

وإن كان بعض الورثة الفعليين أو كلهم صغاراً، وكذا في حال كون الورثة الفعليين محتاجين ويضرّ بحالهم إخراج شيء للأحفاد والأسباط، فالأحوط التوقف في أحكام هذه المسألة إلى أن يبلغ الجميع ويجري التراضي بينهم أو الرجوع إلى الغير مقدماً الأعلم.

وقد يُستفاد من الأدلة التي أوردناها أوسع من هذا الحق لأولاد الأولاد إلا أن المانع من القول به الوقوع في مخالفة الإجماع لكن ما ذكرناه كافٍ لفتح باب المناقشة في هذه المسألة بإذن الله تعالى.

المسألة في فقه العامة والقوانين الوضعية:

الظاهر اتفاق العامة مع الإمامية على أن الفرع لا يرث مع وجود الأصل أي لا يرث أحد مع وجود من يتقرب به إلى الميت وهو ما سميناه سابقاً بالقدر المتيقن، فأولاد الابن لا يرثون مع وجود واسطتهم، لكنهم لم يتفقوا

ص: 79

على حجب البعيدين من الميراث مع وجود الأقرب غير واسطتهم ولو بالتعصيب.

فقد أعطى العامة لأولاد الأولاد مع وجود الذرية المباشرة في موارد عديدة بناءً على قولهم بالتعصيب فقالوا: ((لو مات عن بنت وبنت ابن وأب، للبنت النصف، ولبنت الابن السدس، وللأب السدس فرضاً والباقي تعصيباً.

ولو مات عن بنت وبنت ابن وابن ابن ابن: للبنت النصف، ولبنت الابن السدس، والباقي للأخير لأنه عصبة.

وقالوا: في بنت وأخت شقيقة: للبنت النصف فرضاً، والباقي للأخت تعصيباً.

وفي بنت وبنت ابن وأخت شقيقة: للبنت النصف، ولبنت الابن السدس تكملة للثلثين، وللشقيقة الباقي تعصيباً))(1) وغيرها كثير.

وإذا لم تنطبق قواعد التعصيب على أولاد الأولاد، فقد ذهب بعض فقهائهم إلى إشراكهم في الميراث بالوصية الواجبة، وعليها بنت قوانين الأحوال الشخصية المعمول بها في عدد من الدول الإسلامية.

قال أحد أعلامهم المعاصرين: ((الوصية للأقارب مستحبة عند الجمهور منهم أئمة المذاهب الأربعة، ولا تجب على الشخص إلا بحق لله أو للعباد.

ويرى بعض الفقهاء كابن حزم الظاهري والطبري وأبي بكر بن عبد العزيز من الحنابلة: أن الوصية واجبة ديانة وقضاءً للوالدين والأقربين الذين لا يرثونلحجبهم عن الميراث، أو لمانع يمنعهم من الإرث كاختلاف الدين فإذا لم يوص الميت للأقارب بشيء وجب على ورثته أو على الوصي إخراج شيء غير محدد المقدار من مال الميت وإعطاؤه للوالدين غير الوارثين.

أخذ القانون المصري (م76- 79) والسوري (م257) بالرأي الثاني،

ص: 80


1- موسوعة الفقه الإسلامي والقضايا المعاصرة، د. وهبة الزحيلي: 9/310-315.

فأوجب الوصية لبعض المحرومين من الإرث وهم الأحفاد الذي يموت آباؤهم في حياة أبيهم أو أمهم، أو يموتون معهم ولو حكماً كالغرقى والحرقى.

ففي نظام الإرث الإسلامي لا يستحق هؤلاء الحفدة شيئاً من ميراث الجد أو الجدة، لوجود أعمامهم وعماتهم على قيد الحياة))(1).

أقول: هذه الفقرة ظاهرة في حكاية الإجماع عندهم على عدم توريث أولاد الأولاد مع وجود الأولاد المباشرين مطلقاً، ويؤكده مصيرهم إلى القول بالوصية الواجبة ولو كانوا يرثون لما احتاجوا إلى الوصية بهم.

ثم قال في وجه استحداث القول بالوصية الواجبة: ((لكن قد يكون هؤلاء الحفدة في فقر وحاجة، ويكون أعمامهم أو عماتهم في غنى وثروة.

فاستحدث القانون نظام الوصية الواجبة لمعالجة هذه المشكلة تمشياً مع روح التشريع الإسلامي في توزيع الثروة على أساس من العدل والمنطق، إذ ما ذنب ولد المتوفى (ابن المحروم) في الحرمان من نصيب والده الذي توفي قبل والده، ويكون قد ساهم في تكوين ثروة الجد بنصيب ملحوظ، فيجتمع عليهم الحاجة وفقد الوالد. وبما أن الأحفاد غير ورثة في حال موت أبيهم، فلولي الأمر قصر صفة غير الوارث عليهم للمصلحة، ولأنهم أولى الناس بمال الجد)).

أقول: هذه كلها استحسانات وتنقيح مصالح وهي لا تصلح للاستدلال ولا معنى لاستبعاد أي حكم إذا دلّ عليه الدليل، إلا أن يأتي بدليل معتبر، مضافاً إلى عدم اطراده، إذ قد يكون الأحفاد والأسباط بغير الأوصاف التي ذكرها.

ثم قال: ((فإذا لم يوص الجد أو الجدة لهؤلاء الحفدة بمثل نصيب أصلهم، تجب لهم الوصية بإيجاب الله تعالى بمثل هذا النصيب على أن لا يزيد على الثلث، لقوله تعالى: «كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ» (البقرة:2/180).

ص: 81


1- موسوعة الفقه الإسلامي والقضايا المعاصرة: 9/120-122.

وبما أن هذه الوصية لا تتوافر لها مقومات الوصية الاختيارية لعدم الإيجاب من الموصي والقبول من الموصى له، فهي أشبه بالميراث، فيسلك فيها مسلك الميراث، فيجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، ويحجب الأصل فرعه، ويأخذ كل فرع نصيب أصله فقط.

من تجب له هذه الوصية:

أوجب القانون المصري هذه الوصية لأولاد الأولاد مهما نزلوا، وللطبقة الأولى فقط من أولاد البنت.وأوجبها أيضاً لفروع من مات مع أبيه أو أمه في حادث واحد، ولا يدرى أيهم سبقت إليه المنية، كالغرقى والهدمى والحرقى، ونحوهم، لأن من جهل وقت وفاتهم لا يرث فقهاً أحدهم الآخر، فلا يرث الفرع أصله في تلك الحالة، فتجب الوصية لذرية ذلك الفرع قانوناً.

وكما تجب للأحفاد الذين مات أبوهم أو أمهم حقيقة، تجب أيضاً لمن حكم بموت أبيه أو أمه، كالمفقود الذي غاب أربع سنين فأكثر في مظنة هلاك، كالحرب ونحوها.

أما القانون السوري فإنه قصر هذه الوصية على أولاد الابن فقط، ذكوراً وإناثاً، دون أولاد البنت، لأن هؤلاء لا يحرمون من الميراث في هذه الحالة لوجود أخوالهم أو خالاتهم، وإنما هم من ذوي الأرحام الذين يرثون في رأي الحنفية عند عدم ذوي الفروض والعصبات.

والأولى الأخذ بما ذهب إليه القانون المصري التسوية بين الفئتين من جنس واحد، سواء لطبقة واحدة أم لأكثر.

شروط وجوب هذه الوصية:

اشترط القانون المصري والسوري لوجوب هذه الوصية شرطين:

الأول- أن يكون فرع الولد غير وارث من المتوفى: فإن ورث منه، ولو

ص: 82

ميراثاً قليلاً، لم يستحق هذه الوصية.

الثاني- أن لا يكون المتوفى قد أعطاه ما يساوي الوصية الواجبة، بغير عوض عن طريق آخر كالهبة أو الوصية. فإن أعطاه ما يستحقه في هذه الوصية فلا تجب له. وإن أعطاه أقل منها، وجب له ما يكمل مقدار الوصية الواجبة. وإذا أعطى بعض المستحقين دون البعض الآخر، وجب للمحروم وصية بقدر نصيبه.

مقدار الوصية الواجبة:

يستحق الأحفاد حصة أبيهم المتوفى في القانون المصري لو أن أصله مات في حياته، على أن لا يزيد النصيب على الثلث، فإن زاد عليه كان الزائد موقوفاً على إجازة الورثة. هذا هو مقدار الوصية الواجبة في القانون. أما الفقهاء القائلون بوجوب الوصية للوالدين والأقربين غير الوارثين فلم يحددوا مقدار هذه الوصية.

وبناءً على ما حدده القانون، إن مات شخص عن ابن وبنتين وأولاد ابنٍ متوفى في حياة أبيه، فيستحق هؤلاء الأحفاد ما كان يستحقه أبوهم لو كان حياً، وهو هنا ثلث التركة. وفي السوري: يستحقون حصتهم مما يرث أبوهم.

وإن توفي عن ابن وبنت وأولاد بنت توفيت في حياة أبيها، فيأخذ أولاد البنت –في القانون المصري، لا السوري(1)-

نصيب أمهم وهو هنا ربع التركة.وإن مات عن ابن وبنت وأولاد ابن مات في حياة أبيه، فإن ما كان يستحقه الابن المتوفى وهو خمسا التركة، هو أكثر من الثلث، فلا يأخذ أولاده إلا الثلث.

تقديم هذه الوصية:

نص القانون على أن الوصية الواجبة مقدمة على غيرها من الوصايا

ص: 83


1- لما تقدم من أن القانون السوري لا يشمل أولاد البنت بالوصية الواجبة.

الاختيارية الأخرى في الاستيفاء من ثلث التركة. والوصية الاختيارية: هي ما أنشأه الموصي باختياره قبل وفاته من وصايا، ولو كانت واجبة ديانة كالوصية بفدية في الصوم والصلاة؛ لأنها آكد منه، إذ أن لها مطالباً من جهة العباد.

فإن استوعب الثلث جميع الوصايا –الواجبة والاختيارية- نفذت كلها، وإن لم يستوعبها نفذت الوصية الواجبة أولاً، ثم بقية الوصايا بحسب أحكام تزاحم الوصايا))(1).

أقول: بناءً على هذه المصلحة المنقّحة عندهم فقد أجري على قانون الأحوال الشخصية المدني المعمول به في العراق رقم (188) لسنة 1959 الصادر في 30/12/1959 تعديل استحدث حكماً جديداً هو توريث أولاد الابن المتوفى من قبل أبيه أي توريث أحفاد المتوفى مع أعمامهم حيث يستحقون حصة والدهم المتوفى قبل أبيه على أن لا يزيد على ثلث التركة حيث نص التعديل الثالث بالقانون رقم (72) لسنة 1979 النافذ في 18/6/1979 على.

أولاً:

(1- إذا مات الولد ذكراً كان أم أنثى قبل وفاة أبيه أو أمه فإنه يعتبر بحكم الحي عند وفاة أي منهما وينتقل استحقاقه من الإرث إلى أولاده ذكوراً كانوا أم إناثاً حسب الأحكام الشرعية باعتباره وصية واجبة على أن لا يتجاوز ثلث التركة.

(2- تقدم الوصية الواجبة بموجب الفقرة (1) من هذه المادة على غيرها من الوصايا الأخرى في الاستبعاد من ثلث التركة))(2).

أقول: هذا المعنى للوصية الواجبة غير ما ذكرناه في الاستدلال لأننا عنينا وجوب الوصية على الجد لأحفاده وأسباطه، والقانون الوضعي يريد وجوب إخراج نصيبهم من الميراث وصية واجبة وإن لم يوص الجد.

ص: 84


1- موسوعة الفقه الإسلامي والقضايا المعاصرة، د. وهبة الزحيلي: 9/120-122.
2- شرح قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 وتعديلاته، القاضي محمد حسن كشكول: 399.

فروع خلافية

(الفرع الأول) اشتراط عدم وجود الأبوين في توريث أولاد الأولاد:

المعروف والمشهور بين الأصحاب أن أولاد الأولاد وإن نزلوا ذكوراً أو إناثاً يقومون مقام آبائهم في مقاسمة الأبوين وحجبهم من أعلى السهمين إلى أدناهما ومنع من عداهم من الأقارب.

((قال المفيد: ولا يحجب الأبوان أولاد الولد وإن هبطوا )) وقال الشيخ الطوسي في النهاية: ((ولد الولد مع الأبوين يقوم مقام الولد إذا لم يكن هناك ولد للصلب، وعند اجتماع ذوي السهام من الزوج والزوجة والأبوين يجري حكم ولد الولد حكم الولد سواء.

وقال سلار: السدس فرض كل واحد من الأبوين مع الولد وولد الولد وإن سفل، ومذهب ابن أبي عقيل كمذهب الشيخين أيضاً، وبه قال أبو الصلاح وابن البراج))(1).

وخالف الشيخ الصدوق (قدس سره) فاشترط في توريث أولاد الأولاد عدم وجود الأبوين، قال في المقنع: ((فإن ترك ابن ابن وأبوين فللأم الثلث وللأب الثلثان وسقط ابن الابن)).

وقال (قدس سره) في الفقيه: ((أربعة لا يرث معهم أحد إلا زوج أو زوجة: الأبوان والابن والابنة هذا هو الأصل لنا في المواريث، فإذا ترك الرجل أبوين وابن ابن وابن ابنة فالمال للأبوين للام الثلث وللأب الثلثان لأن ولد الولد إنما يقومون مقام الولد إذا لم يكن هناك ولد ولا وارث غيره، والوارث هو الأب والأم.

ص: 85


1- مختلف الشيعة: 9/64-65.

وقال الفضل بن شاذان (رحمه الله) خلاف قولنا في هذه المسألة واخطأ، قال: إن ترك ابن ابنة وابنة ابن وأبوين فللأبوين السدسان وما بقى فلابنة الابن من ذلك الثلثان ولابن الابنة من ذلك الثلث، تقوم ابنة الابن مقام أبيها وابن الابنة مقام أمه وهذا مما زلّ به قدمه عن الطريق المستقيمة، وهذا سبيل من يقيس))(1).

وقال المحقق الأردبيلي (قدس سره) عن هذا الرد: ((وهذا مبالغة كثيرة في ردّه مع أنه مذهب الأكثر، والآن ما نجد قائلاً بغيره إلا هو))(2).لكنه (قدس سره) استقرب قول الصدوق، قال: ((مذهب الصدوق وهو عدم اجتماعهم مع الأبوين في الإرث فإنهما وأحدهما مقدم ومع عدمهما يرثون نصيب آبائهم ولا يخلو عن قرب)).

واستبعد قول المشهور قال (قدس سره): ((إنهم يجتمعون مع الأبوين ويمنعونهما عن الثلث والثلثين إلى السدس وينزلون منزلة آبائهم في أخذ نصيبهم وهو المشهور الآن ولا يخلو عن بعد))(3).

ويظهر من الفيض الكاشاني الميل إلى قول الصدوق أيضاً، قال (قدس سره) في الوافي موضحاً قوله (عليه السلام) في صحيحة ابن الحجاج المتقدمة (صفحة 44): (ولا وارث غيرهن) ((ولا وارث غيرهن كأنه يعني به الأبوين والأولاد الصلبية جميعاً لاقتضاء العطف المغايرة كما لا يخفى وبه أفتى في الفقيه كما يأتي.

وقال في التهذيبين: فأما ما ذكره بعض أصحابنا –يعني الشيخ الصدوق- من أن ولد الولد لا يرث مع الأبوين واحتجاجه في ذلك بخبر سعد بن أبي

ص: 86


1- من لا يحضره الفقيه: ج4، ص 742، باب: ميراث الأبوين مع ولد الولد.
2- مجمع الفائدة والبرهان: 11/361.
3- مجمع الفائدة والبرهان: 11/367.

خلف والبجلي في قوله إن ابن الابن يقوم مقام الابن إذا لم يكن للميت ولد ولا وارث غيره، قال: ولا وارث غيره هما الوالدان لا غير فغلط لأن قوله (عليه السلام): ولا وارث غيره، المراد بذلك إذا لم يكن للميت الابن الذي يتقرب ابن الابن به أو البنت التي تتقرب بنت البنت بها(1)

ولا وارث له غيره من الأولاد للصلب غيرهما. ثم استدل بخبر خزيمة بن يقطين، عن البجلي.

أقول: ويدل على ما زعمه نصّاً حديث زرارة(2)

الذي مضى في باب ميراث الولد مع الأبوين وأحد الزوجين وكأنه غفل عنه إلا أن رواته واقفيون وهو معارض لما ثبت من تقديم الأقرب وتقييد خبر خزيمة بفقد الأبوين أقرب من تخصيص صاحب التهذيبين لهذا الخبر))(3).ثم نقل كلام الشيخ الصدوق في الفقيه، وسنذكر تقريب استدلالهم بهذه الوجوه إن شاء الله تعالى.

أدلة المشهور:

1- الإجماع: المنقول ((في الكافي في أول كتاب الفرائض، وفي الغنية وكنز العرفان والتنقيح حاكياً له عن الشيخ أيضاً ونفى عنه الخلاف في الانتصار، وظاهر السرائر الإذعان به، حيث حكاه ساكتاً عليه متلقياً إياه

ص: 87


1- وهذا إقرار منهم بما احتملناه من دلالة هذه الصحاح على خلاف قول المشهور، وسقوط أهم أدلتهم، بعد الذي سنذكره من إجمال فقرة (ولا وارث له غيره).
2- تقدمت روايتا خزيمة وزرارة (صفحة 45-46).
3- الوافي: 25/176، باب 130: ميراث ولد الولد، ح5.

بالقبول))(1)((بل يمكن تحصيل الإجماع، فالحجة حينئذٍ على المختار ذلك وكفى به))(2).

2- إطلاقات الروايات الدالة على قيام ولد الولد مقام الولد كروايات عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة وموثقة إسحاق بن عمار ونظائرها بتقريب أنها دلّت ((بعموم الشرط على أن ابن الابن وابنة البنت يقومان مقام الابن والبنت عند عدمهما دائماً، فيشمل حال وجود الأبوين أيضاً، والتخصيص يحتاج إلى المخصص، والقول بعدم توريثهما مع وجودهما يستلزم عدم قيامهما مقامهما حينئذ كما لا يخفى.

وأيضاً لو كان قيامهما مقامهما(3)

مشروطاً بعدم الأبوين لزم قيام غير الشرط مقامه، لأن عدم الولد حينئذ يكون جزءاً للشرط وهو غيره.

فإن قيل: الشرط ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود، وجزء الشرط أيضا كذلك، فهو أيضاً شرط فلا محذور في جعله شرطاً، ولا يلزم قيام غير الشرط مقامه.

قلنا: هذا إنما هو فيما إذا جعل شيء شرطاً لوجود شيء آخر فلا يلزم من وجوده الوجود، وأما إذا حكم بوجود شيء بشرط شيء آخر فيلزم في صدقه من استلزام وجوده الوجود، وإلا لزم الكذب، وما نحن فيه كذلك))(4)، فإنه حكم بميراث ولد الولد وقيامه مقام الولد إن لم

ص: 88


1- رياض المسائل: 14/292.
2- جواهر الكلام: 39/118.
3- أي لو كان قيام ابن الابن وبنت البنت مقام الابن والبنت مشروطاً بعدم الأبوين لزم قيام غير الشرط، -وهو عدم الأبوين- مقامه –وهو عدم الولد والبنت المباشرين-.
4- مستند الشيعة: 19/187-188، والأصل للشيخ في التهذيب ونقلها في المسالك: 13/123.

يكن الولد للصلب فلا بد من صدقه مطلقاً من دون تعليقه على شيء آخر وهو عدم وجود الأبوين.

3- الآيات والروايات المصرّحة بإرث الولد مع الأبوين(1)

وأنهما يستحقان السدسين مع الولدين بعد ضمّ صدق الولد على ولد الولد إما مطلقاً أو في المقام خاصة، وعليه فإن أولاد الأولاد يحجبونهما عما زاد عن السدسين.

4- الروايات الخاصة كرواية زرارة(2)

المتقدمة (صفحة 46) التي قال زرارة عن مضمونها: ((هذا مما ليس فيه اختلاف بين أصحابنا)) عن أبي عبد الله وأبي جعفر (عليهما السلام) وفيها (ولا يرث أحد من خلق الله مع الولد إلا الأبوان والزوج والزوجة إن لم يكن ولد وكان ولد الولد ذكوراً أو اناثاً فإنهم بمنزلة الولد وولد البنين بمنزلة البنين، يرثون ميراث البنين، وولد البنات بمنزلة البنات يرثون ميراث البنات، ويحجبون الأبوين والزوجين عن سهامهم الأكثر وإن سفلوا ببطنين وثلاثة وأكثر، يرثون ما يرث ولد الصلب ويحجبون ما يحجب ولد الصلب)(3).

والخبر المروي عن دعائم الإسلام عن الإمام جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه قال: (في رجل ترك أباً وابن ابن قال: للأب السدس وما بقي فلابن الابن، لأنه قام مقام أبيه إذا لم يكن ابن، وكذلك ولد الولد ما تناسلوا إذا لم

ص: 89


1- وسائل الشيعة: 26/128-134، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، باب 17، 18.
2- قال عنها المحقق النراقي (قدس سره): ((المنجبرة بالعمل وبصفوان الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه)) (مستند الشيعة: 19/200) ووصفها جمع بالمصححة لنفس النكتة.
3- وسائل الشيعة: 26/133، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، باب 18، ح3.

يكن أقرب منهم من الولد، ومن قرب منهم حجب من بعد، وكذلك بنوا البنت)(1).

((والضعف منجبر بعمل الأصحاب والموافقة لظاهر الكتاب والسنة المستفيضة بل المتواترة كما في النهاية))(2).

أقول: يمكن مناقشة أدلة المشهور، فالإجماع مدركي وإطلاق الروايات قابل للتقييد والاشتراط بعدم وجود الأبوين للأدلة التي سيذكرها الشيخ الصدوق وفريقه، وأما الروايات الخاصة فإنها بغضّ النظر عن ضعف سندها لا يتم الاستدلال بها إلا على القول بالتنزيل الذي صرّحت به لكن بالمعنى الذي ذكرناه (صفحة 57) لا بالمعنى المشهوري الذي يريدون به أن أولاد الأولاد يأخذون حصة من يتقربون به وهو حكم صحيح إلا أنه بهذا المعنى قابل للتقييد بعدم وجود الأبوين، بينما التنزيل شيء آخر وهو أن يكون أولاد الأولاد ولداً مباشراً حكماً، ولكل من هذين الحكمين دليله ولا يلزممن أحدهما الآخر كما بيّنا فقد يرثون نصيب من يتقربون به من دون أن ينزلوا منزلته كما في الذين يرثون بآية أولي الأرحام.

وإذا التزم المشهور بهذا المعنى للتنزيل بطل قوله بحرمان أولاد الأولاد عند وجود الأولاد المباشرين غير واسطتهم، كما تقدم في الاستدلال على هذا القول.

الاستدلال على قول الشيخ الصدوق:

بتقريب وجوه:-

ص: 90


1- مستدرك الوسائل: أبواب ميراث الأبوين والأولاد، باب 6، ح3.
2- جواهر الكلام: 39/120.

1- صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ورواية سعد بن أبي خلف المتقدمتين، وموضع الاستدلال قوله (عليه السلام): (ولا وارث غيرهن) حيث ((دلّت بعموم النكرة على اشتراط قيامهن مقام الابنة والابن على انتفاء الوارث مطلقاً: خرج غير الأبوين والأولاد بالإجماع))(1).

وردّ عليه المحقق النراقي: ((بعدم الحجية لشذوذه بمخالفته للشهرتين القديمة والجديدة بل الإجماع في الحقيقة، وبلزوم التخصيص للإجماع وبكون رواية زرارة المتقدمة خاصة مع اعتضادها بالعمل))(2).

هذا مضافاً إلى الذي ردّ به الأصحاب من أن الرواية غير صريحة في المدعى وأنها مجملة يحتمل فيها عدة معانٍ، قال صاحب الوسائل (قدس سره): ((والذي يظهر أن وجه الإجمال ملاحظة التقية؛ لأن كثيراً من العامة وافقوا الصدوق فيما تقدم، كما نقله الكليني وغيره))(3). أقول: نقلنا (صفحة 79) عن العامة توريث أولاد الأولاد مع وجود الأبوين بل مع وجود الولد المباشر أحياناً.

ومما ذُكر من الوجوه المحتملة في المصادر ما جمعه صاحب الجواهر (قدس سره) بقوله: ((إنه يمكن إرادة نفي غير أب الابن من أولاد الصلب من قوله (عليه السلام): (ولا وارث غيرهن) على معنى إذا لم يكن للميت الابن الذي يتقرب به ابن الابن أو البنت التي يتقرب بها بنت البنت ولا وارث غيره من الأولاد للصلب.

أو أن المراد أن بنت البنت تقوم مقام البنت إذا لم يكن للميت بنت مطلقاً، سواء كان أم هذه البنت أو غيرها، وكذا ابن الابن يقوم مقام

ص: 91


1- مستند الشيعة: 19/188.
2- مستند الشيعة: 19/189.
3- وسائل الشيعة: 26/111.

الابن إذا لم يكنللميت ابن سواء كان أباً هذا الابن أو غيره. (ولا وارث غيره) يريد الابن في الأول والبنت في الثاني.

أو أن المراد بالوارث فيهما أعم من ولد الصلب والأقرب من أولاد الأولاد، فإن المراد ببنات الابن أو البنت ما يشمل السافلات، والأقرب منهن ومن غيرهن يمنع الأبعد.

أو أن المراد من (لا) لنفي الجنس لا لتأكيد النفي على معنى أن بنات الابن أو البنت يرثن عند فقد الأولاد ولا وارث غيرهن حينئذ، ويخص بما إذا لم يكن هناك أب أو أم أو زوجة(1).

أو أن المراد أنها ترث المال كله إن لم يكن ولد ولا وارث آخر كالأبوين وإلا كانت مشاركة))(2).

أقول: اعتراف صاحب الجواهر (قدس سره) وغيره بإجمال هذه الفقرة يسقط أهم أدلتهم على اشتراط عدم وجود الولد المباشر مطلقاً لتوريث أولاد الأولاد، فعليهم تصحيح أدلتهم هناك، وعلى الاحتمال الأول يقرب ما ذكرناه من الاستدلال بها على القول المخالف للمشهور مع تفسير (ولا وارث غيره) بالمشاركين له من الذكور والإناث من أولاد الواسطة.

وللإنصاف فقد يدّعى أن المعنى الذي ذكره الشيخ الصدوق (قدس سره) أظهر مما ذكره المشهور، قال المحقق الأردبيلي (قدس سره) عن

ص: 92


1- أورد المحقق الأردبيلي هذا الاحتمال قائلاً: ((وقوله (عليه السلام): (ولا وارث .. إلخ) جملة معطوفة على قوله: (بنات الابنة يقمن) يعني هن يرثن ولا يرث غيرهن كالبنات (إذا لم يكن للميت ولد) فالحديث عليه –أي الصدوق- لا له فيخرج الأبوان بنص وإجماع)) (مجمع الفائدة والبرهان: 11/363) لكنه استبعده.
2- جواهر الكلام: 39/121.

حمل المشهور الذي نقلناه عن الشيخ (قدس سره): (صفحة 86) ((الحمل الذي ذكره الشيخ بعيد جداً كما ترى))(1).

2- قاعدة الأقرب يمنع الأبعد والروايات الدالة على تقديم الأقرب كصحيحة الخزاز وموثقة زرارة وغيرها مما تقدم (صفحة 8) في الاستدلال على القاعدة بضميمة كون الأبوين أقرب من أولاد الأولاد؛ لأنهما يقاسمان الأولاد المباشرين فيتساويان في درجة القرب، قال الشهيد الثاني (قدس سره): ((إن الأبوين في مرتبة الأولاد للصلب، والأولاد أقرب إلى الميت من أولادهم، فيكون المساوي للأقرب أقرب))(2).

وبتقريب آخر: إن أولاد الأولاد إذا قاسموا الأبوين في الميراث فهذا يعني1- أنهم يساوون الأولاد المباشرين بالقرب لأن مساوي المساوي مساوي كما نقلنا عن الشهيد الثاني (قدس سره) وهذا خلف.

وأجيب نقضاً بمشاركة أولاد الأخ للجد عند عدم وجود الإخوة مع أنهم يقاسمونهم عند وجودهم، وأمثالهما، وحلاً ((بأن عموم تقديم الأقرب مخصص(3)، وأجاب في الكفاية بمنع الأقربية، ولعله لم يلاحظ فيها قلة الوسائط، أو لكون ولد الولد بمنزلة الولد الذي ليس أحد الأبوين أقرب منها))(4).

وأجاب الشهيد الثاني (قدس سره) ((إنه لا يلزم من ترتب الأولاد

ص: 93


1- مجمع الفائدة والبرهان: 11/363.
2- مسالك الأفهام: 13/123.
3- ((لوجوب تخصيصها –أي ما دلّ على تقديم الأقرب- بها –أي ما دلّ هنا على مشاركة أولاد الأولاد كصحاح ابن الحجاج- لأنها حالة خاصة وتلك عامة)) (رياض المسائل: 14/293).
4- مستند الشيعة: 19/189.

وأولوية بعضهم على بعض ترتبهم مع فريق آخر يشاركهم، كما في نظائره من قيام أولاد الإخوة مقام آبائهم في مشاركة الأجداد، وقيام الجد البعيد مقام القريب في مشاركة الأخ وغير ذلك، والأصل فيه شمول اسم الولد له وإن نزل، إما بطريق الحقيقة أو بالإجماع في هذا الباب))(1).

وأضاف صاحب الجواهر (قدس سره) أن القاعدة إنما تجري ((في صورة اتحاد الصنف، وأما مع التعدد كما في الفرض فالأقرب من أحد الصنفين لا يمنع الأبعد من الصنف الآخر، ومن ثم شارك ابن الأخ الجد وأبو الجد الأخ، حيث إنهما صنفان، ومع التسليم فيكفي في تخصيصها ما دل على قيامهم مقام أبيهم في المقام المرجح عليها من وجوه وإن كان التعارض من وجه))(2).

أقول: المفروض أن الكلام في انطباق عنوان الأقربية ومرجعه العرف وهو لا يساعد على كون ابن الأخ وإن نزل يساوي الجد، فهذا النقض على دليل الشيخ الصدوق بابن الأخ وإن نزل والجد وإن علا إنما صحّ لثبوت التعبد والتنزيل وكون ابن الأخ وإن نزل أخاً عند فقده بحكم الشارع كما قرّبناه في أكثر من موضع وليس لأنهما صنفان وأن القاعدة تجري في كل منهما مستقلاً.وإذا احتاجوا إلى التنزيل هنا جرى في الموارد السابقة التي ذكرناها وكان حجة عليهم في أصل المسألة.

3- ((كون نسبته –أي ولد الولد- كنسبة الجد –لأنهما متضايفان-، وهو –أي الجد- لا يرث مع أحدهما –أي الأبوين-، فكذلك ذلك –أي ولد

ص: 94


1- مسالك الأفهام: 13/124.
2- جواهر الكلام: 39/122.

الولد مع الأبوين-))(1).

وأجيب ((بأنه قياس وهو باطل عندنا)).

4- ((وكونهما –أي الأبوين- متساويي النسبة مع الولد، وهو –أي الولد- يحجب ولد الولد فهما أيضاً كذلك)).

وأجيب ((بأنه إن أريد التساوي من جميع الوجوه فممنوع، وإن أريد ببعض الوجوه جازت المخالفة بوجه آخر))، أي إن أريد أن الوالدين متساويا النسبة مع الولد من جميع الوجوه فهذا منقوض بما نحن فيه لأننا نقول أنهما يرثان مع ولد الولد وليس الولد كذلك.

أقول: يمكن رد هذين الوجهين بأنهما اعتباريان لا يمكن الاستناد إليهما في استنباط الحكم الشرعي، اللهم إلا أن يكونا شاهدين على ترتبهما في الأقربية فتجري فيهما قاعدة الأقرب يمنع الأبعد بعد تنقيح صغراها وهي مسلّمة عندهم فلا يكونان وجهين مستقلين.

وأضاف صاحب الجواهر (قدس سره) موهناً وإشكالاً على قول الشيخ الصدوق (قدس سره):-

1- ((إن كثيراً من العامة وافقوا الصدوق كما عن الكليني والمجلسي وغيرهما حكايته وهو موهن للخبرين –اللذين فيهما (ولا وارث غيره)- وإن كان الإجمال السابق وغيره كافياً في عدم صلاحية ذلك لمعارضة ما تقدم من الأدلة الواضحة))(2).

أقول: يناقش بأن المسألة ليست بدرجة من الأهمية عند القوم حتى يتقى منهم مضافاً إلى أننا نقلنا (صفحة 79) عن العامة توريث أولاد الأولاد مع وجود الأبوين بل مع وجود الولد المباشر فهذه الدعوى غير تامة،

ص: 95


1- مستند الشيعة: 19/189.
2- جواهر الكلام: 39/121.

أما الإجمال فإن اعترافهم به ينقض استدلالهم على أصل المطلب أي حرمان أولاد الأولاد بوجود الولد المباشر مطلقاً.

2- ((إن الصدوق (رحمه الله) صرح في محكي الفقيه(1)

بمشاركة الجد لولد الولد، وغلط ما حكاه من ابن شاذان من أن الجد كالأخ يرث حيث يرث ويسقط حيث يسقط، قال: ((فان الجد يرث مع ولد الولد ولا يرث معه الأخ)). ومقتضى كلامه هذا وما تقدم من عدم إرث ولد الولد مع الأبوين أن ولد الولد خارج عن الطبقة الأولى حيث لا يشاركها في الإرث، فيدخل في الطبقة الثانية ويشاركه الجد دون الأخ، مع أن من شأن الطبقة مشاركة جميع أصنافها بعضهم لبعض، ولو جعل ولد الولد طبقة برأسها وجب أن لا يشارك أحداً من الطبقة الأولى ولا غيرها، مع أن الصدوق (رحمه الله) شرك بينه وبين الجد، وعلى هذا يختل نظام الطبقات التي استقر الإجماع عليها، بل كاد يكون من ضروريات المذهب، والله أعلم))(2).

أقول: مثل هذه الإشكالات لا قيمة لها ولا تؤثر في ترتيب الطبقات وإطارها

ص: 96


1- في (من لا يحضره الفقيه: ج4، كتاب الفرائض، باب ميراث الأجداد والجدات) قال: ((وقال الفضل بن شاذان: اعلم أن الجد بمنزلة الأخ أبداً، يرث حيث يرث ويسقط حيث يسقط، وغلط الفضل في ذلك لأن الجد يرث مع ولد الولد، ولا يرث معه الأخ، ويرث الجد من قبل الأب مع الأب، والجد من قبل الأم مع الأم –يعني بالطعمة- ولا يرث الأخ مع الأب والأم، وابن الأخ يرث مع الجد ولا يرث مع الأخ، فكيف يكون الجد بمنزلة الأخ أبداً؟ وكيف يرث حيث يرث ويسقط حيث يسقط، بل الجد مع الإخوة بمنزلة واحد منهم فأما أن يكون أبداً بمنزلتهم يرث حيث يرث، ويسقط حيث يسقط الأخ فلا)).
2- جواهر الكلام: 39/122.

العام وإلا فإنه يأتي على صاحب الجواهر والمشهور بأن ولد الولد تارة يرث في الطبقة الأولى مع الوالدين وتارة لا يرث عند وجود الولد المباشر، وكذا ابن الأخ مع الجد في الطبقة الثانية فإنه تارة يرث مع الجد عند عدم الأخ وتارة لا يرث عند وجوده، وكذا ابن العم وابن الخال في الدرجة الثالثة، ولا يؤثر على إدراجهم في الطبقة المختصة بهم.

أما هذه المشاركة للجد مع ولد الولد فقد استند فيها الشيخ الصدوق إلى رواية سعد بن أبي خلف قال: (سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن بنات بنت وجد، قال: للجد السدس والباقي لبنات البنت)(1)

فكأن الجد يقوم مقام الأبوين عند عدمهما فهو (قدس سره) لم يخرج من قواعد مراتب الميراث وصرح بأن الجد كالأخ في الاستحقاق إلا أنه أعطى هذه الخصوصية للجد بمقتضى الرواية فإشكاله (قدس سره) على إطلاق كلام الفضل في أن الجد يسقط حيث يسقط الأخ، فالجد لا يسقط مع ولد الولد دون الأخ.

وفي ضوء ما تقدم فإن أدلة المشهور ليست أقوى من أدلة الشيخ الصدوق إلا بناءً على التنزيل الذي ألزمناهم به ويكون حجة عليهم في مسألة ميراث أولاد الأولاد،وبدون التسليم بذلك فإن قول الشيخ الصدوق (قدس سره) لا يستحق أن يكون كما وصفه المحقق الحلي في الشرائع بأنه متروك والسيد صاحب الرياض بأنه شاذ جداً.

ص: 97


1- وسائل الشيعة، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، باب 20، ح15.

(الفرع الثاني) المشهور أن أولاد الأولاد يقومون مقام واسطتهم إلى الميت ويستحقون نصيب واسطتهم التي يتقربون بها، بمعنى أن الأولاد المباشرين للميت يفرضون موجودين وتقسَّم التركة عليهم، ثم يوزَّع نصيب كل منهم على أولاده، فإذا اجتمع أولاد ابن وأولاد بنت، كان لأولاد الابن الثلثان وإن كانت بنتاً منفردة، وأولاد البنت الثلث وإن كانوا ذكوراً متعددين، وإن خلّف بنت ابن فقط كان لها جميع المال الذي هو استحقاق الابن المنفرد، وإن خلّف أولاد بنت فقط كان لهم النصف بالفرض والباقي بالرد، ووصف هذا القول بأنه ((الأشهر بل المشهور))(1).

وهو ((مذهب الصدوق والشيخين، والعماني في أحد قوليه، والحلبي والقاضي وابن حمزة، وعامة من تأخر عنهم، وفي كنز العرفان: انعقاد الإجماع عليه بعد السيد، وفي الغنية: إن عليه إجماع الطائفة.

وذهب جماعة منهم العماني في قوله الآخر، والسيد والمصري، والحلي –أي ابن إدريس الحلي في السرائر- إلى أنهم يقتسمون تقاسم الأولاد من غير اعتبار من تقربوا به، فللذكر منهم مثل حظ الأنثيين وإن كان الذكر من الأنثى والأنثى من الذكر، وقال في المفاتيح: ولا يخلو من قوة، وفي الكفاية: ولا يبعد ترجيحه، وجعله الأردبيلي قريباً))(2).

أقول: وكيفيته بأن نضع جميع الأحفاد والأسباط ذكوراً وإناثاً في عرض واحد ونوزّع عليهم الميراث بالتفاضل كالأولاد المباشرين فيما لو كانوا موجودين، أي أن حصصهم يأخذونها من الميت –وهو جدهم- مباشرة من دون لحاظ من يتقربون به.

ص: 98


1- جواهر الكلام: 39/123
2- مستند الشيعة: 19/190.

فهنا عندنا أمران:-

1- مقدار نصيب الأحفاد والأسباط وقد أخذه المشهور من الأخبار التي أفادت أنهم يقومون مقام واسطتهم فيستحقون نصيب من يتقربون به وظاهرها التقسيم أولاً بلحاظ الأولاد المباشرين المتوفين ثم إعطاء نصيب كل ولد مباشر إلى ورثته.

2- كيفية توزيع هذا النصيب على الأحفاد والأسباط وأخذوه من الآية الشريفة «يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ» باعتبارهم أولاداً.

وقد اعترض الفريق المخالف للمشهور على هذه الازدواجية في المعايير والتزموا بوحدة المأخذ والمستند في الأمرين فإذا اقتسموا بالتفاضل لأنهم أولاد بمقتضى الآية فليكن توزيع حصصهم كالأولاد المباشرين.

قال المحقق الأردبيلي (قدس سره): ((إذا كان ثبوت الإرث لولد الولد للآية لأنه ولده مثل ولد الصلب، فيجب أن يكون القسمة بينهم مثل القسمة بين أولاد الصلبفيكون للذكر مثل حظ الأنثيين لقوله تعالى: «يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ» فلا يصح جعل ابن البنت بمنزلتها وإعطائه الثلث، وجعل ابنة الابن بمنزلته وإعطائه الثلثين)).

وقال (قدس سره) مشيراً إلى الازدواجية أعلاه: ((وكأنَّ القوم نظروا إلى الآية في أصل الإرث وثبوته، وإلى الاعتبار والأخبار في النصيب حيث كان فيها: أن الأولاد بمنزلة الأولاد. فهو شامل في أخذ الحظ والنصيب أيضاً)).

وقال (قدس سره): ((والحاصل أن المسألة مشكلة فالقول بظاهر الآية وبعض الأخبار كما قاله المتأخرون في أصل إرثهم مع الأبوين –أي خلافاً للصدوق في الفرع الخلافي الأول- لا يخلو عن قرب والشهرة مؤيدة.

ولكن يقتضي ذلك جعلهم مثل أولاد الصلب في تعيين النصيب وأخذ الحصة أيضاً للذكر مثل حظ الأنثيين)).

ص: 99

أقول: ولأن عليه حينئذٍ أن يجيب عن أخبار قيامهم مقام واسطتهم الظاهر في أخذهم نصيبه وهو ما لا يتحقق بمقالتهم وإنما على قول المشهور، قال (قدس سره): ((ولا ينافي الأخبار صريحاً ذلك، لاحتمال قوله: (يقمن مقام الابن) في أخذ الإرث والتقسيم للذكر مثل حظ الأنثيين لا في تعيين حصتهم معهم، فإنه يعلم من موضع آخر يعني أن ولد الولد يقوم مقام من يتقرب به في أخذ الإرث، ولكن ينظر إليه فإن كان ذكراً يأخذ حصة الذكر وإن كان أنثى يأخذ حصتها))(1).

الاستدلال على القول المشهور:

استدل على القول بالمشهور بالإجماع الذي حكيناه آنفاً كما في الرياض والجواهر(2)، قال صاحب الرياض: ((وكيف كان لا شبهة في المسألة بعد الإجماع المنقول، والأخبار المعتبرة الظاهرة والصريحة، المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً، بل لعله إجماع في الحقيقة، كما ذكره الناقل له))(3).

مضافاً إلى الروايات وهي عديدة وبتقريبات متنوعة:

(منها) معتبرات عبد الرحمن بن الحجاج البجلي وسعد بن أبي خلف المتقدمة (صفحة 44-45) التي فيها (بنات الابنة يقمن مقام الابنة إذا لم يكن للميت بنات، وبنات الابن يقمن مقام الابن إذا لم يكن للميت ولد) فإنها ظاهرة في المشهور أي((كون ميراث أولاد الأولاد من حيث قيامهم مقام آبائهم

ص: 100


1- مجمع الفائدة والبرهان: 11/365-366.
2- رياض المسائل: 14/289، جواهر الكلام: 39/123.
3- رياض المسائل: 14/291.

وأمهاتهم، وهذا خلاف ما ذكره السيد وأتباعه لأنهم جعلوهم وارثين من حيث أنفسهم))(1).

وأورد على هذا الظهور باحتمال معنى آخر يؤيد القول المخالف للمشهور ((لأن قيامهن مقامهم ثابت على كل حال في أصل الإرث ولا يلزم منه القيام في كيفيته وإن احتمله، وإذا قام الاحتمال لم يصلح لمعارضة الآية الدالة بالقطع على أن للذكر مثل حظ الأنثيين))(2).

أقول: أي يكفي في صدق قيامهن مقامهم حلولهن في استحقاق الميراث بدل واسطتهن وعدم ذهاب الميراث إلى غيرهم من دون بيان مقدار الاستحقاق وكيفيته.

أقول: يبعّد هذا الاحتمال عدة أمور:-

أ- ما قلناه من أن ((الظاهر من قيام أولاد الأولاد مقام الأولاد والأمهات تنزيلهم منزلتهم لو كانوا موجودين مطلقاً، وذلك يدل على المطلوب، مضافاً إلى عمل الأكثر))(3).

ب- ((أنه لو كان المراد من المنزلة إثبات أصل التوارث لا الكيفية لاكتفى في النصوص بذكر أولاد الأولاد من دون تفصيل بين أولاد البنين وأولاد البنات في الذكر، فإنه على ذلك مجرد تطويل مستغنى عنه، لا طائل تحته، فيجل عن مثله كلام الإمام الذي هو إمام الكلام.

ويقوي ذلك اتفاق الأخبار الواردة في المضمار على عدم ذكر أولاد الأولاد على الإجمال، بل هي ما بين مصرِّحة بالتفصيل، كالصحاح المتقدمة

ص: 101


1- مفتاح الكرامة: 17/209.
2- الروضة البهية: 3/329، المسألة الثالثة.
3- الروضة البهية: 3/329، المسألة الثالثة.

وغيرها مما يأتي إليه الإشارة، ومكتف بأحد شقيه، كالصحيح: (بنات البنات يرثن، إذا لم تكن بنات كن مقام البنات).

والموثق، بل الصحيح كما قيل: (ابن الابن يقوم مقام الابن) ))(1).

ج-- ((إنه (عليه السلام) حكم بأن بنات البنت يقمن مقام البنت الواحدة، والسيد لا يقول بأن البنات مقام بنت واحدة لكن مقام بنات، واحتمال أن الجمع باعتبار تعدد المواد أبعد شيء وإلا فما الباعث على الجمعية في المحكوم عليه والإفرادفي المحكوم به حيث قال: (مقام البنت) ولم يقل: (مقام البنات) فالاختلاف دليل على إرادة ما ذكرنا))(2).

د- تصريح صحيحة ابن الحجاج بطريق صفوان وصحيحة سعد بأن بنات الابن يقمن مقام الابن، وهذا يستقيم على المشهور أما على القول المخالف فإنهن يقمن مقام البنت.

(ومنها) موثقة عبد الرحمن بن الحجاج قال: (قال أبو عبد الله (عليه السلام): بنت الابن أقرب من ابن البنت)(3)، ومثلها صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: (سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن ابن بنت وبنت ابن، قال: إن علياً (عليه السلام) كان لا يألوا أن يعطي الميراث الأقرب، قال: قلت: فأيهما أقرب؟ قال: ابنة الابن)(4).

ص: 102


1- رياض المسائل: 14/291.
2- مفتاح الكرامة: 17/209.
3- وسائل الشيعة: 26/113، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، باب 7، ح8، 9.
4- وسائل الشيعة: 26/113، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، باب 7، ح8، 9.

وتقريبه كما حكاه في الرياض عن بعض الأفاضل مبني على كون ((المراد بالأقربية فيه كثرة النصيب، لا استيراثه جميع التركة))(1)، وكثرة النصيب إنما يتم بناءً على المشهور كما هو واضح وما دام حمله على معنى صحيح ممكناً فلا وجه لحملها على التقية أو وهم الراوي كما عن الشيخ (قدس سره).

(ومنها) رواية زرارة المتقدمة (صفحة 46)، وفيها (فإن لم يكن ولد وكان ولد الولد ذكوراً وإناثاً فإنهم بمنزلة الولد وولد البنين بمنزلة البنين يرثون ميراث البنين وولد البنات بمنزلة البنات يرثون ميراث البنات ويحجبون الأبوين والزوج والزوجة عن سهامهم الأكثر وإن سفلوا ببطنين وثلاثة وأكثر يرثون ما يرث ولد الصلب ويحجبون ما يحجب ولد الصلب)(2)

((وهي نص في المطلوب وضعفها سنداً غير ضائر من وجوه))(3).(ومنها) صحيحة أبي أيوب الخزاز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن في كتاب علي (عليه السلام): إن العمة بمنزلة الأب، والخالة بمنزلة الأم، وبنت الأخ بمنزلة الأخ، قال: وكل ذي رحم (فهو) بمنزلة الرحم الذي يجر به، إلا أن يكون وارث أقرب إلى الميت منه، فيحجبه)(4).

ص: 103


1- رياض المسائل: 14/291، وفي الهامش أنه عن روضة المتقين: 11/263، وملاذ الأخيار: 15/308، وقد نقلناه سابقاً عن صاحب الوسائل.
2- فروع الكافي: ج7، كتاب المواريث، باب 58: ميراث الولد مع الزوج والمرأة والأبوين، ح3.
3- مستند الشيعة: 19/191.
4- وسائل الشيعة: 26/188، أبواب ميراث الأعمام والأخوال، باب 2، ح6.

ومثلها رواية سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (كان علي (عليه السلام) يجعل العمة بمنزلة الأب، والخالة بمنزلة الأم، وابن الأخ بمنزلة الأخ، قال: وكل ذي رحم لم يستحق له فريضة فهو على هذا النحو، قال: وكان علي (عليه السلام) يقول: إذا كان وارث ممن له فريضة فهو أحق بالمال)(1).

((وجه الاستدلال: أن المراد بكون العمة والخالة وكل ذي رحم بمنزلة من ذكر في الميراث ليس كونهم بمنزلته في مطلق التوريث، وإلا لم يكن لهذا التفصيل وجه، ولا في الحاجبية والمحجوبية، لانتفاء التنزيل فيهما، فبقي أن يكون المراد في قدر الميراث، أو في جميع الأحكام إلا ما خرج بالدليل، إذ ليس شيء آخر يصلح للتقدير سواهما))(2).

أقول: ستأتي مناقشة هذا التقريب إن شاء الله تعالى.

الاستدلال على القول المخالف للمشهور:

استدل على قول السيد المرتضى والآخرين بوجوه:

الأول: ((إن أولاد الأولاد يدخلون حقيقة في الأولاد إجماعاً ولهذا حرمت حلائلهم على أبيهم بقوله تعالى: «وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ» وحرمت الأنثى منهم لقوله تعالى: «وَبَنَاتِكُم» وحجبوا الزوجين عن نصيبهما الأعلى والأبوين إلى السدسين فيدخلون في قوله تعالى: «يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُ-مْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ» ولو خلينا وظاهر الآية لشركنا بين الأولاد وأولادهم في الإرث مع الاجتماع؛ لكن الإجماع صرفها عن ظاهرها وأوجب أن يكون معناها بطناً بعد بطن، ولأنه لا خلاف في أن أولاد الابن إذا اختلفوا ذكورة وأنوثة كان

ص: 104


1- وسائل الشيعة: 26/188، أبواب ميراث الأعمام والأخوال، باب 2، ح7.
2- مستند الشيعة: 19/191.

للذكر منهم ضعف الأنثى وهو المشهور في أولاد البنت؛ وما هو إلا لشمول الآية الشريفة لهم))(1).أقول: تقدم تفصيل أدلتهم في المطلب الثاني من البحوث التمهيدية وهذه هي خلاصته ((فإنه مع طوله يرجع إلى شيء واحد، وهو أن ولد الولد هل هو ولد حقيقة أم لا))(2).

وجوابه:-

1- ما ذهب إليه الأكثر من منع كون ولد الولد ولداً حقيقةً.

2- ما تقدم في القول السابق من ظهور الأخبار المعتبرة على خلافه بتقريبات متنوعة.

الثاني: ما في رواية زرارة من قوله (عليه السلام): (فإن لم يكن ولد وكان ولد الولد ذكوراً كانوا أو إناثاً فإنهم بمنزلة الولد)(3)

فإنها بإطلاقها وعدم تفصيلها بين أولاد الذكر وأولاد الأنثى تدل على المطلوب.

ويرد عليه: أن إجمال هذه الفقرة مبيّن في الفقرات التي تليها بالتفصيل بين أولاد الذكر وأولاد الأنثى، إذ جاء فيها مباشرة (وولد البنين بمنزلة البنين يرثون ميراث البنين، وولد البنات بمنزلة البنات يرثون ميراث البنات) لذا قيل في الخبر أنه ((ظاهر كالصريح بل صريح في أن المراد بالمنزلة ليس في خصوص أصل الميراث، بل هو مع الكيفية، ولذا قال: (يرثون ميراث البنين والبنات) وما قال: يرثون كما يرثون، مع أن فيه لو قاله دلالة أيضاً، وإن لم يكن بتلك الظهور والصراحة، فهذه الرواية أقوى دلالة - على القول المشهور-))(4).

ص: 105


1- مفتاح الكرامة: 17/212.
2- مختلف الشيعة: 9/36.
3- وسائل الشيعة: 26/132، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، باب 18، ح3.
4- رياض المسائل: 14/291.

الثالث: ما أورده السيد المرتضى من النقوض والتشنيعات –بحسب تعبير العلامة في المختلف- ونقلها ابن إدريس في السرائر مقوياً لها، قال (قدس سره): ((اعلم أنه يلزم من ذهب من أصحابنا إلى أن أولاد البنين والبنات يرثون سهام آبائهم مسائل سبع لا مخلص لهم منها:

فمن ذلك: انه يلزمهم أن يكون حال البنت أحسن من حال الابن، بل أحسن من حال جماعة كثيرة من البنين، كرجل خلف بنت ابن وعشرين ابنا من بنت فعندهم أن لبنت الابن نصيب أبيها وهو الثلثان، ولبني البنت نصيب أمهم وهو الثلث، فالبنت الواحدة أوفر نصيباً من عشرين ابناً.

ومنها: أن يكون نصيب البنت يساوي نصيب الابن حتى لو كان مكانها ابن لورث ما ترثه هي بعينه على وجه واحد وسبب واحد، وذلك أن مذهبهم أن بنت الابنتأخذ المال كله بسبب واحد، لأن لها عندهم نصيب أبيها، فلو كان مكان هذه البنت ابن لساواها في هذا الحكم وأخذ ما كانت تأخذه البنت على الوجه الذي تأخذه، وليس في الشريعة أن الابن يساوي البنت في الميراث(1).

فإذا عارضونا بِمَنْ خلّف بنتاً، ولم يخلّف غيرها فإنها تأخذ جميع المال، ولو كان مكانها ابن لجرى في ذلك مجراها.

ص: 106


1- ويرد عليه أن الوارد في الروايات أن الأنثى من الأولاد والإخوة وغيرهم لا يزيد نصيبها على ميراث الذكر إذا كان مكانها فلا مانع من المساواة كصحيحة بكير بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) (أو أبي عبد الله (عليه السلام)) – في حديث- قال: (ولا تزاد الأنثى من الأخوات ولا من الولد على ما لو كان ذكراً لم يزد عليه) وعنه بطريق آخر (والمرأة لا تكون أبداً أكثر نصيباً من رجل لو كان مكانها) والحديثان تجدهما في (وسائل الشيعة: 26/109، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، باب 7، ح1، 2).

فالجواب: أن الابن لا يجري مجرى البنت هنا، لأنها تأخذ النصف بالتسمية والآخر بالرد، والابن يأخذ المال بسبب واحد من غير تسمية ولا رد.

ومنها: أن البنت في الشرع وبظاهر القرآن لها النصف إذا انفردت وللبنتين الثلثان، وهم يعطون بنت الابن –وهي عندهم بنت المتوفى ومستحقة لهذه التسمية- الجميع، وكذا في بنتي ابن، فإن لهما جميع المال من غير رد، وهذا بخلاف الكتاب والإجماع.

فإن قالوا: ما جعل الله للبنت الواحدة النصف وللبنتين الثلثين في كل موضع، وإنما جعل لهن ذلك مع الأبوين خاصة، وإذا انفردن عن الأبوين لم يكن لهن ذلك.

قلنا: قد ذهب الفضل بن شاذان إلى هذا المذهب ومن تابعه عليه فراراً من مسألة العول، ونحن نبين فساد هذه الطريقة بعد أن نبين لزوم ما ألزمناهم إياه على تسليم ما اقترحوه.

فنقول: قد جعل الله تعالى للبنت الواحدة النصف، ومذهبكم هذا يقتضي أن للأبوين السدسين وما بقي لبنت الابن، وهي عندكم بنت المتوفى على سبيل الحقيقة، فقد صارت البنت تأخذ مع الأبوين أكثر من النصف بسبب واحد وجرت في ذلك مجرى الأبوين.

فأما القول: بأن للبنت الواحدة النصف، وللبنتين الثلثين إنما يختص باجتماع الأبوين معهن، فمن بعيد القول عن الصواب؛ لقوله تعالى: «يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين» وهذه جملة مستقلة بنفسها، وظاهر القرآن يقتضي أن للذكر مثل حظ الأنثيين على كل حال، ومع وجود كل أحد، وفقد كل أحد، ثم عطف جملة مستقلة أخرى فقال تعالى: «فإن كُنّ نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك» ظاهر هذه الجملة إن ذلك لهن على كل حال ومع فقد كل أحد ووجوده.

ص: 107

ثم عطف (جملة) أخرى مستقلة فقال تعالى: «وإن كانت واحدة فلها النصف» ولم يجر للوالدين ذكر، فهذا يقتضي أن لها النصف مع كل أحد إلا أن يمنع دليل.ثم قال: «ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث» فبيّن تعالى حكم الوالدين في الميراث مع وجود الولد وفقده، فكيف يجوز أن يعلق إيجاب النصف للبنت الواحدة، والثلثين للبنتين بوجود الأبوين، وقد تقدم ذكر حكم البنات مطلقاً، وبعد الخروج عنه أتى ذكر الأبوين مشروطاً.

وكيف يتوهم متأمل ذلك والله تعالى يقول: «إن كان له ولد» فشرط في ميراث الأبوين الولد!؟ ولو كان المراد أن النصف للبنت والثلثين للبنتين مع وجود الأبوين، لكان اشتراط الولد لغواً واشتراطاً لما هو موجود مذكور، ولو صرّح تعالى بما ذكروه لكان الكلام قبيحاً خارجاً عن البلاغة، فإنه لو قال: ولأبويه مع البنت أو البنتين لكل واحد منهما السدس إن كان له ولد، لَقَبُحَ.

وأجمع أهل العربية على أن الوقف التام عند قوله تعالى: «وإن كانت واحدة فلها النصف» ولو كان المراد ما توهموه من أن لها النصف مع الأبوين، لما كان ذلك وقفاً تاماً، ولا خلاف بين أحد من أهل العلم والمفسرين وأصحاب الأحكام في أن قوله تعالى: «ولأبويه» كلام مبتدأ لا تعلق له بما قبله.

فأما اعتذارهم عند سماع هذا الكلام بأن اشتراط الولد إنما حسن ليدخل فيه الذكور وما زاد على البنتين، لأنه لم يمض إلا ذكر البنت الواحدة والبنتين، فعجيب؛ لأنه لو أراد ما ذكروا لقال تعالى: يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين مع الأبوين، فإن كن نساء فوق اثنتين معهما فلهما ثلثا ما ترك، وإن كانت واحدة معهما فلها النصف، فلو أراد هذا المعنى على الترتيب الذي رتبوه وعنى بقوله: إن ذلك لهما مع البنت أو البنتين وما زاد عليهما، وأراد أن يبين أن السدس للأبوين مع الأولاد لكان لا يحسن أن يقول

ص: 108

تعالى: «إن كان له ولد» بل يقول: وإن كان له أيضاً ذكور؛ لأنه قد تقدم ذكر البنت الواحدة وما زاد عليها، فلا معنى لاشتراط الولد، وانفراد قوله تعالى: «ولأبويه» عن الجملة المتقدمة لا يذهب على متأمل، وإنما فرّق بهذا التقدير الذي لا يتحصل عن نقصان البنت في مسألة العول عن النصف، وادعوا أن النصف جعل لها مع الأبوين لا في كل موضع.

وأحسن من ركوبهم هذه المعضلة أن يقولوا: إن الله تعالى جعل لها النصف بظاهر الكلام في كل موضع، وفي مسألة العول قام دليل على أن لها دون ذلك، فعلمنا أن الله تعالى لم يجعل لها النصف في هذا الموضع خاصة وإن كان لها في سائر المواضع، وإنما أحسن أن نخص بدليل بعض المواضع أو يحصل ما هو مطلق من القول مشروطاً بغير دليل، ولا حجة على وجه يسمح به الكلام.

ثم يقال لهم: خبّرونا عمن خلف أولاد ابن وأولاد بنت ذكوراً وإناثاً كيف تقسمون الميراث بين هؤلاء الأولاد؟ فإذا قالوا: للذكر مثل حظ الأنثيين، قلنا: فبأي حجة فعلتم ذلك؟ فلا وجه لهذه القسمة إلا قوله تعالى: «يوصيكم الله في أولادكم» وإلى الآية المفزع في ذلك. فيقال لهم: فقد سمّى الله تعالى أولاد الأولاد أولاداً، فأي فرق بين أن يكون الذكور والإناث أولاد ابن واحد أو بنت واحدة وبين أن يكون هؤلاء الذكور والإناث أولاد بنت وابن في تناول الاسم لهم؟ وإذا كان الاسم متناولاً لهم في الحالين فيجب أن تكون القسمة في الحالين تتفق ولا تختلف، ويعطى أولاد البنات الذكوروالإناث وأولاد البنين الذكور والإناث للذكر مثل حظ الأنثيين، فلا يخالف حكم الآية في أحد الموضعين، وتناول الآية لهما تناولا واحداً.

فإن قالوا: يلزمكم أن تورثوا أولاد الأولاد مع الأولاد لتناول الاسم للجماعة.

ص: 109

قلنا: لو تركنا وظاهر الآية فَعَلْنا (لفعلنا) ذلك، لكن إجماع الشيعة بل المسلمين منع من ذلك فخصصنا الظاهر وحملنا الآية على أن المراد يوصيكم الله في أولادكم بطنا بعد بطن.

فإن قالوا: فنحن أيضاً نخصص الظاهر، ونحمل قوله تعالى «يوصيكم الله في أولادكم» على أن المراد به أولاد الصلب بغير واسطة.

قلنا: تحتاجون إلى دليل قاطع على التخصيص كما فعلنا.

فإن قالوا: أجمعت الإمامية عليه.

قلنا: ما نعرف هذا الإجماع، وفي المسألة خلاف بينهم، وإن كان أكثرهم يقول بخلاف الصواب في هذه المسألة تقليداً وتعويلاً على روايات رووها أن كل مَنْ تقرب بغيره أخذ سهام من تقرب به))(1).

أقول: ولكلام السيد (قدس سره) بقية أعرضنا عن نقلها لارتباط بعضها بإثبات كون ولد الولد ولداً حقيقة وقد تقدم البحث فيه في المطلب الثاني من البحوث التمهيدية، ونقض في كلامه على الفضل بن شاذان بموارد من كلامه وهي نقوض صحيحة إلا أنها ترد على الفضل خاصة وليس على القول المشهور؛ لأن الفضل أخطأ في تعليلها، واحتمل العلامة أن بعضها من خطأ النسّاخ.

أما الاستبعادات المذكورة التي وصفها بالتشنيعات فيرد عليها:-

1- إنه لا ضير في الالتزام بها بعد أن دلّ الدليل المعتبر عليها «فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً» (النساء:65).

2- إن هذه النقوض ((لازمة له في أولاد الإخوة والأخوات والأعمام والعمات، وكما الاعتبار به هنا فكذا هناك)).

ص: 110


1- مختلف الشيعة: 9/28-32، السرائر: 3/247-251.

3- ((أي استبعاد في أن تأخذ بنت الابن ثلثي المال وابن البنت الثلث، فإن المال لم ينتقل إليهم بالأصالة بل بالتبعية لآبائهم، كأولاد الإخوة وغيرهم. وكذا التشنيع بالمساواة فإنه ليس في الشريعة أن الابن للصلب كالبنت، أما مع بعد الدرجة فإن الأمثلة فيه كثيرة، وكذا إنما تأخذ النصف بنت الصلب، وأما بنت الابن فالجميع، لأنها تأخذ نصيب أبيها))(1).(الفرع الثالث) المعروف والمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة أن أولاد البنت يقتسمون نصيبهم للذكر مثل الأنثيين كما يقتسم أولاد الابن.

لكن المشهور أشكل على نفسه من جهة عدم الملاءمة بين مبانيه، قال الشهيد الثاني (قدس سره): ((وأما الجمع بين اقتسامهم بالتفاوت مع عدم دخولهم في قوله تعالى: «يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين» فلا يخلو من إشكال، إذ لا دليل ظاهراً على اقتسامهم بالتفاوت إلا عموم الآية، وهو متوقف على دخولهم فيها بطريق الحقيقة، وقد أثبتوا خلافه))(2).

أقول: لم يجب (قدس سره) على الإشكال، لذا ذهب جماعة إلى القول بأن أبناء البنت يقتسمون بالسوية لعدم الدليل على اقتسامهم بالتفاضل ((وقد حكاه الشيخ في النهاية عن بعض الأصحاب ورجّحه ابن البراج))(3)

وحكاه في مفتاح الكرامة عن الشيخ في المبسوط ونقل في التنقيح عن بعض الفضلاء أنه قال: ((لا يخلو من قوة))(4)، ووصف المحقق الحلي (قدس سره) هذا القول بأنه متروك ووصفه صاحب الرياض وغيره بالشذوذ.

ص: 111


1- مختلف الشيعة: 9/36-37.
2- مسالك الأفهام: 13/126-127.
3- مستند الشيعة: 19/193.
4- التنقيح: 163.

وهذا الخلاف إنما يصح بناءً على مختار المشهور في الفرع الثاني وهو كون أولاد الأولاد يرثون نصيب من يتقربون به، أما على القول بميراثهم من الميت مباشرة لصدق الولد عليهم ودخولهم في عموم الآية فإنه لا خلاف في كونهم يقتسمون بالتفاضل استناداً إلى الآية الكريمة.

ويمكن الاستدلال على القول المخالف للمشهور هنا بأكثر من وجه:

الأول: الإشكال المتقدم بتقريب ((إن القول بأنهم يأخذون نصيب آبائهم يستلزم بطلان اقتسامهم للذكر مثل حظ الأنثيين، ولكن الأول حق، فالثاني باطل، وبالإجماع المركب يثبت تمام المطلوب؛ أما الاستلزام فلأن القول بكون نصيبهم نصيب آبائهم فرع عدم صدق الولد حقيقة على ولد الولد، فلا تشمله الآية، فلا تكون دليلاً على وجوب الاقتسام للذكر مثل حظ الأنثيين))(1)، وجعل المحقق الأردبيلي (قدس سره) اقتسامأولاد الأولاد نصيبهم بالتفاضل دليلاً على ((كونهم أولاداً فيكون حكمهم حكم الأولاد للصلب))(2).

وبتعبير آخر قاله في مفتاح الكرامة: ((إن ولد الولد إما أن يكون ولداً حقيقة أو لا، فإن كان الأول انتفى الأول –وهو كون نصيبهم نصيب آبائهم- وإن كان الثاني انتفى الثاني –وهو اقتسامهم بالتفاضل-))(3).

أقول: يرد على هذا الوجه خصوصاً تعبير صاحب مفتاح الكرامة أنه يمكن اختيار الأول من دون انتفاء الأول واختيار الثاني من دون انتفاء الثاني، وتفصيلها في أكثر من أمر:-

ص: 112


1- مستند الشيعة: 19/199.
2- مجمع الفائدة والبرهان: 11/369.
3- مفتاح الكرامة: 17/211.

1- يمكن اختيار القول الأول –وهو صدق الولدية- من دون انتفاء الأول –وهو أخذهم نصيب من يتقربون به- قال المحقق النراقي (قدس سره): ((إن كون القول بأخذه نصيب أبيه فرع عدم صدق الولد عليه ممنوع، لجواز اجتماعه مع القول بالصدق وارتكاب التخصيص في الآية كما ذهب إليه جماعة))(1).

أقول: بيانه: أنه يمكن اختيار القول بصدق الولدية على أولاد الأولاد من دون انتفاء الأول أي كونهم يأخذون نصيب آبائهم للدليل الخاص الذي خصص عموم الآية فهم أولاد في كل شيء كالحجب ومقاسمة الأبوين وإنزالهما والزوجين إلى الحد الأدنى إلا ما خرج بدليل وهو كيفية استحقاقهم لنصيبهم في الميراث أعني عدم ميراثهم من الميت مباشرة وإنما يأخذون نصيب من يتقربون به.

2- ويمكن اختيار الثاني –وهو عدم صدق الولدية- من دون انتفاء الثاني –وهو اقتسامهم بالتفاضل- لأن الدليل على الاقتسام بالتفاضل لا ينحصر بالآية الشريفة لما سيأتي من الاستدلال على قول المشهور إن شاء الله تعالى، فلا يتحقق الإشكال.

وبتعبير آخر: إن الدليل على الاقتسام بالتفاضل ليس منحصراً في صدق الولد حتى ينتفي بانتفائه، فلا يلزم من القول بعدم صدق الولد حقيقة عدم الدليل على الاقتسام بالتفاضل، أي أنه على اختيار الثاني –وهو عدم صدقالولدية حقيقة- لا ينتفي الثاني وهو الاقتسام بالتفاضل لوجود دليل آخر عليه، بل لشمول الآية لأولاد الأولاد باعتبار صدق الولدية عليهم هنا بالمجاز المشهور ونحوه وإن لم يصدق عليه حقيقة.

ص: 113


1- مستند الشيعة: 19/199.

3- لو تنزلنا وقبلنا الإشكال فإن غايته تساوي القولين في عدم الدليل إذ كما أن الاقتسام بالتفاضل لا دليل عليه بعد عدم شمول الآية لعدم صدق الولدية إلا من الخارج فإن الاقتسام بالتساوي لا دليل عليه إلا من الخارج.

الثاني: إن الأصل في اقتسام الميراث يقتضي التساوي وعدم التفاضل أو أن عمومات الميراث ظاهرة فيه، خرج منه ما دلّ فيه على القسمة بالتفاضل –كما في الأولاد المباشرين-، قال المحقق الأردبيلي (قدس سره) معلقاً على ما في الكافي والفقيه: ((وإن ترك أعماماً وعمات فالمال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين))(1)

قال (قدس سره): ((مقتضى النظر: التقسيم بالسوية في الكل من غير فرق؛ للشركة في الإرث وعدم الأولوية في النسب، والزيادة تحتاج إلى دليل، وليس))(2).

ويظهر من السيد الخوئي (قدس سره) ميله إلى هذا الأصل لذا خالف المشهور في عدة موارد يقول فيها بالتفاضل، فقال (قدس سره) بالتساوي تمسكاً بهذا الأصل وعدم وجود دليل على التفاضل:

فقال في أولاد الإخوة للأبوين: ((المشهور على أن التقسيم بالتفاضل للذكر مثل حظ الأنثيين إن كانوا أولاد أخ للأبوين أو للأب ولكنه لا يخلو من إشكال ولا يبعد أن تكون القسمة بينهم بالسوية والأحوط هو الرجوع إلى الصلح))(3).

ص: 114


1- الكافي: باب ميراث ذوي الأرحام، عقيب الحديث 9 نقلاً عن الفضل. الفقيه: ج2، باب ميراث ذوي الأرحام.
2- مجمع الفائدة والبرهان: 11/414.
3- منهاج الصالحين: 2/366، المسألة (1763).

وقال (قدس سره) في الأعمام والعمات للأبوين: ((إذا اجتمع الذكور والإناث كالعم والعمة والأعمام والعمات فالمشهور والمعروف أن القسمة بالتفاضل للذكر مثل حظ الأنثيين إن كانوا جميعاً للأبوين أو للأب لكن لا يبعد أن تكون القسمة بينهم بالتساوي والأحوط الرجوع إلى الصلح))(1).وكذلك ألحق أولاد العمومة للأبوين بأولاد الأخوين فيما تقدم(2).

وقال أستاذنا السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) في تقريب استدلاله: ((إن التقسيم بالسوية باعتبار قوله تعالى: «يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ». والأولاد يراد به أولاد الميت وأولادهم وإن نزلوا. لا أولاد أعمامه وأخواله فيبقى التقسيم المتفاضل بين هؤلاء بلا دليل، ومقتضى الأصل الأولي هو التقسيم المتساوي)).

ورد عليه نقضاً ((بالإخوة والأعمام أنفسهم. فإن عدم صدق الأولاد عليهم أوضح، مع التزام المشهور بل الإجماع على التقسيم بينهم بالتفاضل))(3).

وحلاً بأن مقتضى القاعدة التقسيم بالتفاضل وسنذكر دليله (قدس سره) عند ذكر هذه الدعوى (صفحة (119) إن شاء الله تعالى.

أقول: لا يوجد أصل في كل اقتسام أو استحقاق يقتضي التساوي خصوصاً في كتاب الميراث حيث تباينت الفرائض من الثمن والربع والنصف والسدس والثلث والثلثين والذكر مثل حظ الأنثيين فلا يبقى معنى لهذا الأصل.

ولا يوجد عموم في المقام يقتضيه كقوله تعالى: «شركاء في الثلث» المنصرف إلى التساوي بعد ورود ما دل على التساوي في مواضع خاصة كما

ص: 115


1- منهاج الصالحين: 2/367، المسألة (1768).
2- منهاج الصالحين: 2/369، المسألة (1773).
3- ما وراء الفقه: 8/234، ط. بيروت.

سنذكره إن شاء الله تعالى بل قد يدّعى وجود عموم يقتضي التفاضل كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

الثالث: ما دلّ على أن أولاد الأنثى يقتسمون نصيبهم بالتساوي مطلقاً كما في كلالة الأم.

ويرد عليه:-

1- إنه لا دليل على عموم القاعدة فإن هذا حكم خاص في مورده وهم كلالة الأم بحسب الدليل والتعميم قياساً على كلالة الأم باطل قال تعالى في كلالة الأم: «فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ» (النساء:12) وإطلاق الشركة ظاهر في المساواة، أو أن الأصل في الشركة المساواة.

وقد صرّحت عدة روايات باختصاص الحكم كصحيحة بكير بن أعين عن أبي عبد الله (عليه السلام) وفيها (ولا ينقص الإخوة من الأم من ثلثهم، لأن الله تبارك وتعالى يقول: «فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ» وإن كانت واحدة فلها السدس والذي عنى الله تبارك وتعالى في قوله: «وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ1- مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ» إنما عنى بذلك: الإخوة والأخوات من الأم خاصة)(1).

2- النقض عليهم بما ذهبوا إليه من اقتسام أولاد الأخت للأبوين والأب بالتفاوت مع مشاركتهم لأولاد البنت في التقرب بالأنثى وإرث نصيب أمهم.

لذا قال صاحب الجواهر (قدس سره) عن هذه القاعدة بأنها ((لا مقعد لها)).

ص: 116


1- وسائل الشيعة: ج26/154، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، باب 3، ح2.

الرابع: قاعدة العدل والإنصاف: ومقتضاها التساوي.

أقول: يرد عليه:-

1- العدالة لا تقتضي دائماً التساوي، فإن من العدالة التفاضل بحسب الاستحقاقات والمسؤوليات كما سيأتي في أخبار علة التفاضل.

2- على هذا يلزم تخصيص الأثر للتفاوت الواسع بين أصحاب الفرائض والمشمولين بأولي الأرحام وهذا التخصيص قبيح.

أدلة المشهور:

أما المشهور فيستدل بعدة وجوه:-

1- نفي الخلاف عنه(1)

بل الإجماع المحكي عن التنقيح وظاهر الشرائع(2)

وعن غيرهما كما في الرياض واستدل به جماعة كالمستند والرياض وقال: ((وهو الحجة)).

أقول: دعوى الإجماع بعيدة لما قلناه من تفرّع هذا الحكم عن سابقه في الفرع الثاني، وقد خالف هناك جماعة وهنا آخرون فكيف يدّعى الإجماع.

2- ما ذكرناه آنفاً من صدق الولدية عليهم هنا إما حقيقة كما عن بعض أو مجازاً مشهوراً ينصرف إليه هنا كما عن المشهور، والمهم وجود اتفاق على صدق الولدية هنا لذا فإنهم يحجبون الأبوين عما زاد عن السدس ويشاركونهما الميراث ويحجبون الزوجين عن نصيبهم الأعلى، ومع هذا الصدق يشملهم عموم آية «يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ» (النساء:11).

ويكون دخولهم في عموم الآية أوضح بناءً على التنزيل الذي قرّبناه لأنهم يصبحون أولاداً فعليين بالجعل والتنزيل.

ص: 117


1- مستند الشيعة: 19/198.
2- التنقيح: 4/164، الشرائع: 4/25، رياض المسائل: 14/287.

وقرّب السيد صاحب الرياض اعتراف القاضي وفريقه المخالف للمشهور ضمنياً بشمول الآية لأولاد البنت، قال (قدس سره): ((مع أن استدلاله بما ذكر –وهو التقرب بالأنثى- ربما دلّ على اعترافه بالشمول –أي شمول الآية- لهم؛إذ لولاه لأمكنه الاستدلال في رد التفاوت وإثبات المساواة بعدم دليل على الأول، وموافقة الثاني للأصل، كما ذكروه في أمثال الوصية والوقف، ومن هنا ينقدح تحقق الإجماع من الخصم أيضاً على ما ذكرناه من الشمول))(1).

أقول: إعراض القاضي عن الاستدلال بعدم شمول الآية لأولاد الأولاد لا يعني الالتزام بالشمول بل ربما كان لأن نفي الشمول يبطل قول المشهور لكنه لا يثبت مطلوبه إلا بدليل خصوصاً وأنه يقول بالتساوي في أولاد البنت خاصة دون أولاد الابن وهذا يحتاج إلى دليل خاص وينبغي الالتفات إلى أن الخصم إذا اعترف بشمول آية «يُوصِيكُمُ» لأولاد البنت سواء على نحو الحقيقة أو المجاز فهذا قاطع لأصالة التسوية، فلا بد له من دليل يخرج المورد عن عموم الآية كقاعدة اقتسام أولاد الأنثى بالتساوي وقد علمت بطلانها، قال صاحب الجواهر (قدس سره): ((أصالة التسوية منقطعة هنا بما عرفت من شمول آية الوصية لهم على تقديري الحقيقة والمجاز، بل لعل الخصم يوافق على ذلك –بالتقريب الذي ذكره صاحب الرياض (قدس سره)- إلا أنه يدعي خروجهم عن ذلك بقاعدة التقرب بالأنثى، وقد عرفت أنه لا مقعد له))(2).

ص: 118


1- رياض المسائل: 14/288.
2- جواهر الكلام: 39/126.

الأصل في تقسيم الميراث بالتفاضل:

3- خلافاً لما استدل به القول المخالف (صفحة 114) فإنه يمكن دعوى أن القاعدة والأصل في التقسيم هو التفاضل ويؤيده ما ورد في فقه الرضا قال: (وجعل الأموال بعد الزوج والزوجة والأبوين للأقرب فالأقرب للذكر مثل حظ الأنثيين)(1)

ولا يخرج منها إلا ما دل الدليل فيها على التساوي ككلالة الأم.

وتوجد عدة روايات عنونها الشيخ الصدوق بالعلة التي من أجلها صار الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين(2)، واستدل المحقق النراقي (قدس سره) بها وسمّاها ((أخبار علة تفضيل الرجال))(3):

منها صحيحة مؤمن الطاق (قال: لي ابن أبي العوجاء: ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهماً واحداً ويأخذ الرجل سهمين؟! قال: فذكر بعض أصحابنا لأبي عبد الله (عليه السلام) فقال: لأن المرأة ليس عليها جهاد، ولا نفقة، ولا معقلة، وإنما ذلك على الرجال، فلذلك جعل للمرأة سهم وللرجل سهمين).

وما كتب الرضا (عليه السلام) إلى محمد بن سنان في ما كتب من جواب مسائله: (علّة إعطاء النساء نصف ما يعطى الرجال من الميراث لأن المرأة إذا تزوجت أخذت والرجل يعطي).

ورواية عبد الله بن سنان قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):

ص: 119


1- مستدرك الوسائل: 17/159، أبواب موجبات الإرث: باب 5، ح2، فقه الرضا:286.
2- علل الشرائع: 570، باب 371.
3- مستند الشيعة: 19/198.

4- لأي علة صار الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين؟ قال: لما يُجعل لها من الصداق)(1).

إلى غير ذلك من الأخبار المتكثرة.

أقول: قد يشكل على هذه الوجه بأن هذه الأخبار لا تصلح لتأسيس القاعدة لأنها تعلل التفاضل في موارده أي أنها تفترض التفاضل موجوداً؛ وتجيب على هذا الإشكال والقضية لا تثبت موضوعها.

وكانت مثل هذه الإشكالات يثيرها الزنادقة والدهرية والملحدون كابن أبي العوجاء وأمثاله ويوجهونها إلى الإمام الصادق (عليه السلام) مباشرة عند التجمع في موسم الحج أو يوصلونها بواسطة أصحابه (عليه السلام)، ونظر هؤلاء الملحدين متوجه إلى الإشكال على القرآن الكريم وقوله تعالى: «يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ» وهي خاصة بالأولاد المتفق على اقتسامهم بالتفاضل.

نعم يمكن الاستدلال بهذه الروايات بتقريبين:-

أ- عموم التعليل المذكور فيها فإنه لا يختص بمورده وإنما ينقح مناطه لكل ذكر وأنثى إلا ما خرج بدليل.

وجود ارتكاز لدى المتشرعة على التفاضل مطلقاً كما في سؤال عبد الله بن سنان.

ويضعّف الأول بأن هذا الملاك ثبوتي فيأبى التخصيص وإذا ورد دليل على الاستثناء منه فهذا يعد نقضاً عليه لا مخصصاً له، كما لو قال المولى: حرّمت الخمر لإسكارها، فلا يصح ورود الترخيص في سائل مسكر آخر.

ويضعف الثاني بأن الارتكاز متوجه إلى الأولاد المباشرين

ص: 120


1- الروايات الثلاث تجدها في وسائل الشيعة: 26/93، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، باب 2، ح1، 2، 3.

الذين نصّت عليهم الآية لا مطلق موارد الانقسام؛ لما قلناه آنفاً من كونه ناظراً إلى إشكال الزنادقة.

وأورد أستاذنا السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) وجهين للاستدلال على هذه الدعوى، قال:-

1- ((إن عنوان الأولاد يصدق على أولاد الأعمام وأولاد الأخوال، لأن كلا منهم لا يرث من الميت ابتداءً، وإن كان عملياً كذلك. إلا أنه من الناحية النظرية يرث حصة من يتقرب به. وهذا معناه عرفاً أن الذي يتقرب به يرث أولاً أو في الرتبة السابقة ثم ينتقل الإرث إلى الولد. ومعناه أن ولد الخال يرث من الخال نظرياً أي من أبيه لا من الميت، فينبغي أن يكون التقسيم متفاضلاً كما في الأولاد الصلبيين للميت وأولاد أولاده)). أقول: يرد عليه أن هذا الفرض إخلال بقواعد كتاب الميراث لأن نسبة الوارث دائماً إلى الميت لا إلى واسطته أو غيره وإلا اختلت عناوين الورثة.

2- ((إمكان التجريد عن الخصوصية للآية الكريمة. فإن الضمير في أولادكم إن كان يعود إلى الميت المورث، كان للاختصاص بهم وجه. ولا يبقى دليل بالنسبة إلى الآخرين إلا أن الظاهر عدم رجوعه للميت بل للأسرة أو للعشيرة على وجه العموم. ولا شك أن الإخوة والأعمام والأخوال من العشيرة. فيشملهم جميعاً الحكم بالتفاضل في التقسيم.

ويؤيد هذا الفهم كون الإخوة والأعمام ممن لا يصدق عليهم الأولاد بالفهم الأول، ومع ذلك أفتى المشهور بل الإجماع على التقسيم المتفاضل فيهم وهذا يدل على أن المشهور فهم هذا الفهم الثاني بغض النظر عن بعض المناقشات ومعه تكون القاعدة هي التقسيم المتفاضل بين

ص: 121

الذكور والإناث في كل الطبقات، عدا ما استثني وهو كلالة الأم، حيث ما وجدت))(1).

أقول: هذا فهم بعيد وخلاف الظاهر ويأتي عليه الإشكال على الوجه السابق.

والنتيجة أنه لم يتم للمشهور دليل على اقتسام أولاد البنت بالتفاضل إلا صدق الولدية على أولاد الأولاد لكي تشملهم آية «يوصيكم»، ولو لم يتم هذا كما في الإشكال المتقدم يبقى المشهور بلا دليل.

نعم يتخلص من ذلك بالتنزيل الذي قرّبناه وهو لا ينافي ذهابهم إلى عدم كون ولد الولد ولداً حقيقة.

ص: 122


1- ما وراء الفقه: 8/234.

البحث الثاني: المسألة الإجماعية

اشارة

ص: 123

ص: 124

بسم الله الرحمن الرحيم

البحث الثاني:

المسألة الإجماعية

تقدم في المسألة السابقة تسالم الفقهاء على قاعدة الأقرب يمنع الأبعد ويحرمه من الميراث ومقتضى إطلاقها أن الأقرب إلى الميت ولو كان بسبب واحد –أي الأب أو الأم فقط- يمنع المراتب المتأخرة ولو كانوا يتقربون إليه بسببين –أي الأب والأم- فلا يرث أحد من أولاد العمومة والخؤولة مع وجود واحد من العمومة أو الخؤولة إلا أنهم أجمعوا على استثناء ابن العم من الأبوين فإنه يحجب عمّه من الأب فقط، فيكون ابن العم أولى بالإرث من العم، وبه خصّصت القاعدة.

قال الشيخ في المبسوط بعد أن بيّن مقتضى القواعد في التقديم: ((إلا مسألة واحدة وهي ابن عم للأب والأم مع عم للأب فإن المال لابن العم للأب والأم، دون العم للأب ولا يحمل عليها غيرها، لأن الطائفة أجمعت على هذه))(1).

أقول: كلامه (قدس سره) يفيد عدة أمور وهي الصورة المفروضة للمسألة، وأنها على خلاف القواعد فلا تتعدى إلى غيرها، وأن دليلها الإجماع.

وقال (قدس سره) في الخلاف بعد أن ذكر صورة المسألة: ((وخالف جميع الفقهاء –أي العامة- في ذلك، ودليلنا إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون في ذلك ويقولون: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان أولى من العباس لو جاز أن يرثا مع البنت؛ لأن القول بالعصبة باطل عندهم))(2).

ص: 125


1- المبسوط: 4/78.
2- الخلاف: 4/20، المسألة (11)، كتاب الفرائض.

أقول: يستفاد من كلامه (قدس سره) أن الحكم في الواقعة التي أريد تطبيق المسألة عليها افتراضي وتقديري لأن كليهما لا يرثان مع وجود البنت، وأن إجماع فقهاء العامة على خلاف ما أجمعت عليه الإمامية، لكن الشيخ المفيد (قدس سره) حكى وجود موافق للإمامية من العامة.

قال (قدس سره): ((وقولهم –أي الإمامية- أن ابن العم للأب والأم أحق بالتركة من العم للأب، فهو قول جماعة من الصحابة والتابعين بإحسان، وإليه ذهب مالك بن أنس، وغيره من فقهاء مدينة الرسول (عليه وآله السلام)، وحكى الطبري عن مالك أنه قال: وجدت عليه الإجماع))(1).أقول: هذه النسبة بعيدة ولم أتحققها، والأقرب ما ذكره الشيخ (قدس سره) في الخلاف من إجماعهم على جريان القاعدة فقد وجدتهم يلحظون قوة النسبة إلى الميت بعد فرض تساويهما في المرتبة(2)

ويجعلون المرتبة الأولى في صنف الأعمام والأخوال أعمام وأخوال الميت ثم أولادهم وإن نزلوا ثم أعمام أب الميت وأخواله ثم أولادهم وهكذا(3)، فلعل الشيخ المفيد (قدس سره) لم يجد هذه المسألة بالنص وإنما اجتهد في تطبيق قواعدهم، أو أنه نقل المسألة غير كاملة كما لو كان فرضها ابن عم لأبوين وعم لأب وكان ابن العم أخاً لأم فُقدِّم بهذا اللحاظ، والله العالم.

ص: 126


1- الإعلام: 67.
2- موسوعة الفقه الإسلامي والقضايا المعاصرة: 9/391 عن أحكام المواريث للسباعي: 151.
3- المصدر السابق: 9/377.

وقال الشهيد الثاني: ((هذه هي المسألة المعروفة بالإجماعية المخالفة للأصول المقررة والقواعد المعتبرة من تقديم الأقرب إلى الميت على الأبعد، وليس في أصل حكمها خلاف لأحد من الطائفة))(1).

واستدل على هذا الحكم بوجوه:

الأول: الإجماع وهذا مسلّم عندهم

الأول: الإجماع وهذا مسلّم عندهم ووصفوه بالتسالم القطعي حتى عرفت المسألة بالإجماعية، وذكر في الرياض أن حكاية الإجماع بلغت التواتر(2).

الثاني: موافقة الحكم للقواعد:

اشارة

يظهر من التعليل الوارد في العبارة الآتية للصدوقين في فقه الرضا والفقيه وكذا في المقنع، أن هذا الحكم على القاعدة بأن يكون ملاك الأقربية وعدمها إلى الميت هو تعدد جهة النسبة إليه وعدمه، وتبعهم على ذلك الشيخ المفيد؛ قال (قدس سره): ((ولا يرث ابن العم مع العم، ولا ابن الخال مع الخال إلا أن يختلف أسبابهما في النسب، فيكون العم لأب، وابن العم لأب

وأم، فإن كانا كذلك كان ابن العم للأب والأم أحق بالميراث من العم للأب؛ لأن ابن العم يتقرب إلى الميت بسببين، والعم يتقرب بسبب واحد))(3).

أقول: ويرد عليه نقضاً وحلاً:أما النقض فبالأخ للأب فإنه يحجب ابن الأخ للأبوين، وبكلالة الأم في الإخوة والأخوات والأعمام والأخوال فإنهم يرثون مع المتقرب بالأبوين وهم يتناسبون مع الميت من جهة واحدة، وأي توجيه لرد هذه النقوض ضعيف.

ص: 127


1- مسالك الأفهام: 13/158.
2- رياض المسائل: 14/354.
3- المقنعة: 692.

وأما حلاً فلأن الإقوائية من هذه الجهة إنما تلحظ في الورثة بعد الفراغ من كونهما من مرتبة واحدة وصنف واحد لذا حجبوا المتقرب بالأب عند وجود المتقرب بالأبوين فلو وجد عم لأبوين فإنه يحجب العم للأب وحده، أما صنف الأعمام فهو مقدّم عندهم على صنف أولاد الأعمام مطلقاً من دون لحاظ لانفراد الواسطة وتعددها، وقد تضمنت عبارة الفقيه الآتية (رواية 4 صفحة 130) الاعتراف بأن هذا الحكم غير مطابق للأصول والقواعد.

قال الشيخ الطوسي في الإيجاز: ((ومتى بعد أحد القرابتين بدرجة سقط مع الذي هو أقرب سواء كان الأقرب من قبل الأم أو من قبل الأب، وسواء كان البعيد له سببان والقريب له سبب واحد أو لم يكن، إلا في مسألة واحدة وهي ابن العم لأب وأم مع عم لأب فإن المال لابن العم للأب والأم دون العم، ولا تتعدى هذه المسألة إلى غيرها لإجماع الطائفة على هذه))(1).

وقال المحقق الأردبيلي (قدس سره): ((إن الأقرب بدرجة وإن كان قربه من جهة واحدة يمنع الأبعد وإن كان قربه من جهتين، مثل الخال لأب –أي أخو الأم من أبيها- يمنع ابن الخال للأبوين – أي ابن أخي الأم من الأبوين- وهو ظاهر))(2)، وقال صاحب الجواهر (قدس سره): ((الأقرب إن اتحد سببه أولى بالميراث من الأبعد وإن تكثر سببه))(3).

ولأجل هذا اعترف المشهور بأن هذا الحكم على خلاف القاعدة كما تقدم في كلام بعض الأساطين ولذا لم يستدلوا بها على الحكم وإنما بالإجماع أو الروايات، ولذا أيضاً اقتصروا على القدر المتيقن في تفريعات الحكم كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وتكون المخالفة للقاعدة أشدّ عند من يستشكل على

ص: 128


1- الرسائل العشر للشيخ الطوسي: 273، رسالة: الإيجاز في الفرائض والمواريث.
2- مجمع الفائدة والبرهان: 11/417.
3- جواهر الكلام: 39/189.

أصل تقديم ذي السببين على ذي السبب الواحد كالمحقق الأردبيلي، قال (قدس سره): ((إن في سقوط المتقرب بالأب بالمتقرب بالأبوين إشكالاً، لعدم الدليل إلا أن يكون إجماعاً))، وقال (قدس سره):((لا دليل ظاهراً في سقوط من يتقرب بالأبوين إلا خبر يزيد الكناسي –يأتي (صفحة 131) إن شاء الله تعالى- ويحتمل أن يكون إجماعاً، الله يعلم، فتأمل))(1).

الثالث: الأخبار، وما يمكن تقريب الاستدلال به هنا عدة روايات:-

1- ما نقله الشيخ في التهذيبين من كتاب الحسن بن محمد بن سماعة بسنده عن الحسن بن عمارة، قال: (قال أبو عبد الله (عليه السلام): أيما أقرب ابن عم لأب وأم، أو عم لأب؟ قال: قلت: حدّثنا أبو إسحاق السبيعي عن الحارث الأعور عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه كان يقول: أعيان(2)

بني الأم أقرب من بني العلات(3)، قال: فاستوى جالساً، ثم قال: جئت به من عين صافية، إن عبد الله أبا رسول الله

ص: 129


1- مجمع الفائدة والبرهان: 11/415، 417.
2- قال ابن فارس في مادة (عين): ((أعيان القوم أي أشرافهم.. كأنهم عيونهم التي بها ينظرون، وكذلك الإخوة، قال الخليل: تقول لكل إخوة يكونون لأب وأم ولهم إخوة من أمهات شتى: هؤلاء أعيان إخوتهم.. وعِيَنة كل شيء: خياره يستوي فيه الذكر والأنثى، كما يقال هذا عين الشيء وعينته أي أجوده؛ لأن أصفى ما في الإنسان عينه)) معجم مقاييس اللغة:700.
3- قال ابن منظور: ((والعلّة: الضَرَّة. وبنو العلات: بنو رجل واحد من أمهات شتى، سمّيت بذلك لأن الذي تزوجها على أولى كانت قبلها ثم علّ من هذه)) لسان العرب: 2/868، مادة (علل)، والعَلّ هو الشرب مرة ثانية بعد النهل الشربة الأولى.

(صلى الله عليه وآله) أخو أبي طالب لأبيه وأمه)(1).

أقول: هذه الرواية هي عمدة ما ذكروه في المقام، ويمكن جمع روايات أُخر منها:-

2- ما رواه الشيخ بسند آخر عن أبي إسحاق السبيعي عن الحارث عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (أعيان بني الأم يرثون دون بني العلات).

3- مرسلة الصدوق في الفقيه عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (أعيان بني الأم أحق بالميراث من بني العلات).

4- قول الصدوق في الفقيه: (فإن ترك عمّاً لأب وابن عم لأب وأم فالمال (كله) لابن العم للأب والأم؛ لأنه قد جمع الكلالتين كلالة الأب وكلالة الأم، وهذا غير محمول على أصل بل مسلّم للخبر الصحيح الوارد عن الأئمة عليهم السلام)(2).5- رواية الشيخ في التهذيبين بسنده عن إبراهيم بن محمد قال: (كتب محمد بن يحيى الخراساني: أوصى إليَّ رجل، ولم يخلف إلا بني عم وبنات عم وعم أب وعمتين، لمن الميراث؟ فكتب (عليه السلام): أهل العصبة وبنو العم وارثون).

6- ما في فقه الرضا (عليه السلام) بقوله: ((إلا أن يترك عماً لأب وابن عم لأب وأم فإن الميراث لابن العم للأب والأم لأن ابن العم جمع الكلالتين كلالة الأب وكلالة الأم فعلى هذا يكون الميراث))(3).

ص: 130


1- الروايات في وسائل الشيعة: 26/182، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، باب 13، ح2، 4، وأبواب ميراث الأعمام والأخوال، باب 5، ح2، 4، 5.
2- من لا يحضره الفقه: 4/212.
3- فقه الرضا: 289.

أقول: الروايات ضعيفة السند للإرسال ولوجود عدة مجاهيل فيها، مضافاً إلى عدم ظهور دلالتها على المطلوب، فالروايات الثلاث الأولى بمضمون واحد وهي ظاهرة في تقديم إخوة الأبوين على إخوة الأب من أمهات شتى أي أن من كان يرتبط بالميت من جهتي الأب والأم –وهم أعيان بني الأم- يُقدَّم على من يرتبط من جهة الأب فقط –وهم بنو العلات- وهذا واضح من تطبيق الإمام (عليه السلام) القاعدة على عبد الله وأبي طالب (رضوان الله عليهما) وإذا توسّعنا وجرّدنا عن الخصوصية فتدل على تقديم ذي السببين على ذي السبب الواحد إذا كانوا في مرتبة واحدة كتقديم العم للأبوين على العم للأب؛ ولذا أوردها صاحب الوسائل في أبواب ميراث الإخوة والأجداد، فتكون الرواية نظير ما رواه يزيد الكناسي عن أبي جعفر (عليه السلام) وفيها (وعمك أخو أبيك من أبيه وأمه أولى بك من عمك أخي أبيك من أبيه)(1)

أجنبية عن مسألتنا، نعم في رواية الحسن بن عمارة ما يدل على دخول مسألتنا إلا أنه لا يمكن الوثوق بها مع وجود عدة مجاهيل في السند، مضافاً إلى أن الرواية تبقى غير ظاهرة في المطلوب –أي التقديم في الميراث- إذ لم نعرف المقصود والغرض من معرفة الأقرب فلعله (عليه السلام) أراد بالأقربية إبطال دليلهم في استحقاق الخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث احتجوا بالقرابة ففي نهج البلاغة لما انتهى إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) خبر السقيفة سأل: (فماذا قالت قريش؟ قالوا: احتجت بأنها شجرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال (عليه السلام): احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة)(2).

ص: 131


1- وسائل الشيعة: 26/63، أبواب موجبات الإرث، باب 1، ح2، ويلاحظ هنا أن البعض –كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة: 11/412، 413- وصفها بالصحيحة رغم أن وثاقة يزيد لم تثبت كما تقدم في البحث السابق.
2- نهج البلاغة، الخطبة 67.

وقال الشاعر:

وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم *** فغيرك أولى بالنبيّ وأقربُ

وسيأتي في رواية العيون عن الإمام الكاظم (عليه السلام) ما يشير إلى ذلك.

أما الرابعة فإنها ليست رواية وإنما كلام للصدوق ولا نعلم مراده من الخبر الصحيح ونحتمل أنه يريد به ما رواه في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) بل لعلنا نجزم بذلك لأنه لم يروِ خبر الحسن بن عمارة في الفقيه حتى يمكن القول بأنه يشير إليه كما توهّمه البعض، وسيأتي إن شاء الله تعالى.

وأما الخامسة فقد حكى الاستدلال بها في مفتاح الكرامة(1)

وظهورها في الحكم المذكور يتوقف على فهم كون العمتين مباشرتين للميت، ولذلك اضطر الشيخ إلى تأويله، قال (قدس سره): ((هذا الخبر موافق للعامة ولسنا نأخذ به وإنما نأخذ بما تقدم من الأخبار)) وأضاف صاحب الوسائل: ((ويمكن حمله على الإنكار كأنه قال: كيف يكون بني (كذا) العم وارثين مع العمتين وهما أقرب منهم، وقد تقدم أحاديث كثيرة تدل على أن الأقرب يمنع الأبعد)).

أقول: هذا الظهور بعيد وظاهر السياق أنهما عمتا الأب فيكون تقديم بني العم على القاعدة ولا يضرّ إيراد عنوان أهل العصبة، وعلى هذا فالرواية على القاعدة وهي أجنبية عن مسألتنا.

وأما السادسة فإنها لا تصلح للاستدلال للكلام المعروف في كتاب (فقه الرضا) لذا تستعمل فتاواه كمؤيدات.

وفي ضوء هذا يمكن القول أن الرواية الوحيدة في باب الاستدلال على المسألة هي الرواية الأولى، ولذا قال صاحب الجواهر (قدس سره): ((لم نعثر

ص: 132


1- مفتاح الكرامة: 17/265.

في النصوص إلا قول الصادق (عليه السلام) ))(1)

إلخ، وهي ضعيفة جداً، مضافاً إلى عدم ظهورها في المطلوب كما تقدم، واضطراب متنها كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وفي رواية العيون الآتية عن الإمام الكاظم (عليه السلام) إلغاء لهذه الروايات من أصلها لابتنائها على التعصيب الباطل عندنا.

واعترف المشهور بأن روايات الباب لا يمكن الاعتماد عليها والتعويل في الاستدلال على الإجماع، قال الشهيد الثاني (قدس سره): ((إن الأخبار الواردة بهاليست معتبرة الإسناد، فلا مستند لها إلا الإجماع))(2)، وقال في الرياض عن الإجماع ((وهو الحجة المخصّصة لتلك القاعدة))(3).

نعم يوجد من يصحح إسناد الحكم إلى الأخبار في الجملة كقول الشيخ الصدوق في الفقيه الذي نقلناه: ((وقريب منه ما في النهاية والغنية والسرائر وإن قال فيها الحلي بناءً على أصله: لا تعويل إلا على الإجماع، فيحتمل أن يكون هؤلاء الثقات أشاروا بذلك إلى هذه الرواية إذ ليس في الباب غيرها، أو إليها وإلى غيرها مما لعله ورد ولم يصل إلينا لكن الأصل عدمه، .. فعلى كل حال هذه الرواية داخلة تحت الإخبار أو الشهادة بالصحة ويكون ذلك لقرائن أخر دلتهم على صحتها من غير جهة السند))(4).

أقول: هذه القرائن الحدسية الافتراضية لا تكون حجة على غير صاحب الدعوى، وإلا ألغيت الكثير من الضوابط التي ذكروها.

هذا وقد تمّم البعض –كصاحب الجواهر والمحقق النراقي وغيرهما- حجيته بانجباره بعمل الأصحاب، وهو مبنى لا نقول به للزوم الدور؛ فهم أصل

ص: 133


1- جواهر الكلام: 39/177.
2- مسالك الأفهام: 13/158.
3- رياض المسائل: 14/354.
4- مفتاح الكرامة: 17/265.

اشتهار العمل بالرواية –لعدم الدليل على اتصال القائلين به إلى زمان المعصوم (عليه السلام)- ويريدون أن تكون أصلاً لعملهم بها، مضافاً إلى أنهم إذا استدلوا بالرواية فإنه يلزمهم تعدية الحكم لأن ظاهرها أنه على القاعدة لا على خلافها كما ذهب إليه المشهور.

مناقشة الإجماع:

أما الإجماع الذي هو حجتهم في المسألة فإنه قابل للنقاش صغرى وكبرى.

أما صغروياً فمع التسليم بإطباق علماء الإمامية من لدن الصدوقين والطوسي إلى اليوم إلا أن المسألة غير مذكورة عند جملة من القريبين إلى عهد المعصومين (عليهم السلام) كالشيخ الكليني الذي أهمل المسألة فقهياً وروائياً فلم يذكر هذه الرواية في الكافي، ولا نقلها عن كتاب ابن سماعة رغم أنه روى عنه في الفرائض بواسطة حميد بن زياد وكتابه موجود بين يديه، لكنه أثبت أقوال الفضل بن شاذان الذي ألّف ثلاثة كتب في الفرائض كبير ومتوسط وصغير والتفريعات الفقهية في كتاب الفرائض نقلها عنه، وقد نقل عنه في الكافي إجراء القواعد العامة في أولي الأرحام عليها ومنهقوله: ((وإن ترك ابن ابن عم لأب وأم وابن عم لأب فالمال لابن العم للأب))(1)

وهذان إنما يرثان نصيب من يتقربون به، فلازم هذا الحكم أنه قدّم العم للأب على ابن العم للأبوين بعد حذف البطن النازلة، على فرض عدم تغيّر الحكم بتنازل البطون.

ولم يذكر السيد المرتضى (قدس سره) المسألة في كتابه (الانتصار) مع أنه حرره لبيان ما تفرّدت به الإمامية والمفروض أن المسألة منها، ومع حماسه الشديد في نصرة هذه القضية حتى ألف رسالة خاصة في ميراث أولاد البنت وإن

ص: 134


1- الكافي: ج7، كتاب المواريث، باب 65: ميراث أولي الأرحام.

ولد الولد ولد حقيقة وغير ذلك من آرائه التي ذكرناها في المسألة السابقة تأييداً لأحقية أهل البيت في وراثة النبي (صلى الله عليه وآله).

وإن قلتَ: لعله (قدس سره) لم يثبتها لأنها ليست من متفردات الإمامية حيث حكى الشيخ المفيد عن جملة من فقهاء العامة القول بها.

قلتُ: هو (قدس سره) لم يذكرها أيضاً في ما أجمعت عليه الطائفة في كتاب الفرائض من (الناصريات).

وأما كبروياً: فمثل هذا الإجماع ليس حجة إما لأنه مدركي، أو لأن المشهور هو من صنعه وقد ثبتت نظائر ذلك بالتجربة والتحصيل، وذلك بأن يتبنى أحد المشاهير في عصره –أو مجموعة منهم- قولاً ثم يتبناه تلامذته لهيبة القائل وقدسية آرائه أو أنه أستاذ مهيمن على تلامذته وعموم الناس فلا يجرأون على مخالفة أقواله فيوافقونه أو يعرضون عن ذكر ما يخالفه ثم يأتي الجيل اللاحق فلا يجد خلافاً في المسألة فيقول بها؛ لأن المنجّز لوجوب الفحص والتحقيق على المجتهد ليس كونه مجتهداً كما يُشعر تعليق الحكم على وصف الاجتهاد المشعر بالعلية كما يقولون، وإنما ينجّزه عدم الاطمئنان بالحكم الموجود -كالمتن الذي يريد التعليق عليه- وأهم مناشئه وجود الخلاف في المسألة.

ثم يتتابع الفقهاء على القول بالحكم المذكور اعتقاداً منهم أنه رأي المشهور وعدم وجود مخالف فيه، ويمكن تسمية هذا الإجماع ب-(إجماع المتابعة) وهو ليس بحجة كما أن (الإجماع الاستنباطي) الذي شرحناه سابقاً ليس بحجة، وهذا كله يجري في عصر غير متصل بزمان المعصوم (عليه السلام) فهم أصل له وهو أصل لهم.

إن قلتَ –بناءً على كبرى سمعتها من سيدنا الأستاذ الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) وكان يقول بها وحكى القول بها عن أستاذه السيد الشهيد الصدر الأول (قدس سره)-: إن هذا الإجماع تعبدي فيكون حجة، والوجه في ذلك أن هذا التسالم القطعي لدى الفقهاء على الحكم المذكور لا يمكن أن

ص: 135

تصنعه رواية ضعيفة غير ظاهرة في المطلوب وهذا يكشف عن تعبدية الإجماع في جزئه الزائد عما يقابل هذا المدرك الضعيف.

قلتُ: قد عرفت الشك في الصغرى أي وجود هذا الإجماع، والشك في اتصاله بعصر المعصومين (عليهم السلام)، ثم إننا نستطيع أن نقول أن هذا الاتفاق من الفقهاء على هذا الحكم مع ضعف مستنده الفقهي كان لموافقته لعقيدة الإمامية في تقديم أميرالمؤمنين (عليه السلام) للخلافة وأفضلية أهل بيته على بني العباس في ولاية أمور الأمة وأن بني علي وفاطمة هم ورثة رسول الله (صلى الله عليه وآله) دون غيرهم وكان الجدل محتدماً مع أعداء أهل البيت (عليهم السلام) وحسّادهم الذين سعوا بكل جهدهم لنفي بنوّتهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) لأنهم بنو بنت وكان شاعرهم يقول:

أنى يكون وليس ذاك بكائنٍ *** لبني البنات وراثة الأعمامِ

وقول عبد الله بن المعتز:

قتلنا أمية في دارها *** فكنّا أحقّ بأسلابها

لكم رحمٌ يا بني بنته *** ولكن بنو العم أولى بها

ومنها قوله:

ولما أبى الله أن تملكوا *** دعتنا إليها فقمنا بها

ونحن ورثنا ثياب النبي *** فكم تجذبون بأهدابها

وخلاصة الكلام: أن هذه الرواية تصلح شاهداً على صحة اعتقادات الإمامية وحجة على المخالف، فإذا أردنا أن نأخذ بمضمون الرواية ففي الجانب الاعتقادي لا الفقهي، على أن العقيدة الحقة في أحقية أهل البيت (عليهم السلام) بإمامة الأمة ثابتة بالأدلة من الكتاب والسنة ولا نحتاج فيها إلى مثل هذه الرواية الضعيفة.

والاستدلال بها فقهياً في موردها لا يتم إلا على القول بالتعصيب الذي هو باطل عندنا، لأن للنبي (صلى الله عليه وآله) وارثاً أقرب من الأعمام وأبناء

ص: 136

الأعمام وهي ابنته الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء وفي فقه أهل البيت (عليهم السلام) أنها تحوز الميراث كله بعد إخراج حصة الأزواج، أما العامة فقد أعطوا البنت المنفردة النصف وللأزواج نصيبهن الأدنى، والباقي للعصبة وحينئذٍ يكون للنزاع موضوع في أي من العصبة هو الأولى بالميراث العم للأب أم ابن العم للأبوين، فأي دليل هذا لا يجري في الواقعة التي ذُكرت فيه؟.

ويؤيد ما ذكرناه من استناد المجمعين إلى ما ظنّوه دليلاً في المقام، وكون جذور هذا القول عقائدية لإلزام الخصم بما يعتقد وإقامة الحجة عليه ما ورد في تحف العقول وما رواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) –ولعله ما أراد بقوله في الفقيه الخبر الصحيح بل جزمنا بذلك فيما سبق- في حديث رفعه إلى الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: (لما أُدخلت على الرشيد سلّمت عليه فرد علي السلام ثم قال: يا موسى بن جعفر خليفتين يجبى إليهما الخراج؟! فقلت: يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن تبوء بإثمي وإثمك، وتقبل الباطل من أعدائنا علينا، فقد علمتَ أنه قد كُذب علينا منذ قُبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما عِلمُ ذلك عندك فإن رأيت بقرابتك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تأذن لي أن أحدثك بحديث أخبرني به أبي عن آبائه عن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: قد أذنت لك، فقلت: أخبرني أبي عن آبائه عن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: إنالرحم إذا مسّت الرحم تحركت واضطربت، فناولني يدك –جعلني الله فداك- فقال: أدنُ، فدنوتُ منه، فأخذ بيدي ثم جذبني إلى نفسه وعانقني طويلاً ثم تركني، قال: اجلس يا موسى فليس عليك بأس، فنظرت إليه فإذا أنه قد دمعت عيناه فرجعت إليّ نفسي، فقال: صدقت وصدق جدك (صلى الله عليه وآله)، لقد تحرك دمي واضطربت عروقي حتى غلبت عليّ الرقة وفاضت عيناي، وأنا أريد أن أسألك عن أشياء تتلجلج في صدري منذ حين لم أسأل عنها أحداً، فإن أنت أجبتني عنها خليت عنك ولم أقبل قول أحد فيك، وقد بلغني أنك لم تكذب

ص: 137

قط، فاصدقني عمّا أسألك مما في قلبي، فقلت: ما كان علمه عندي فإني مُخبرك إن أنت أمنتني، فقال: لك الأمان إن صدقتني وتركت التقية التي تُعرفون بها معشر بني فاطمة، فقلت: ليسأل أمير المؤمنين عما شاء، قال: أخبرني لم فُضّلتم علينا ونحن في شجرة واحدة وبنو عبد المطلب ونحن وأنتم واحد، إنا بنو العباس وأنتم ولد أبي طالب وهما عما رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقرابتهما منه سواء؟! فقلت: نحن أقربُ، قال: وكيف ذلك؟ قلت: لأن عبد الله وأبا طالب لأب وأم، وأبوكم العباس ليس هو من أم عبد الله ولا من أم أبي طالب.

قال: فلمَ ادعيتم أنكم ورثتم النبي (صلى الله عليه وآله) والعم يحجب ابن العم وقُبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد توفى أبو طالب قبله والعباس عمه حيّ؟ فقلت له: إن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني من هذه المسألة ويسألني عن كل باب سواه يريده، فقال: لا، أو تجيب، فقلت: فآمني فقال: قد آمنتك قبل الكلام، فقلت: إن في قول علي بن أبي طالب عليه السلام: أنه ليس مع ولد الصلب ذكراً كان أو أنثى لأحد سهم إلا للأبوين والزوج والزوجة، ولم يَثبت للعم مع ولد الصلب ميراث ولم ينطق به الكتاب إلا أن تيماً وعدياً وبني أميه قالوا: العم: والد، رأياً منهم بلا حقيقة ولا أثر عن الرسول (صلى الله عليه وآله) ومن قال بقول علي عليه السلام من العلماء فقضاياهم خلاف قضايا هؤلاء، هذا نوح بن دراج يقول في هذه المسألة بقول علي عليه السلام وقد حكم به وقد ولاه أمير المؤمنين المصرين الكوفة والبصرة، وقد قضى به فأُنهي إلى أمير المؤمنين فأمر بإحضاره وإحضار من يقول بخلاف قوله منهم سفيان الثوري وإبراهيم المدني والفضيل بن عياض، فشهدوا: أنه قول علي عليه السلام في هذه المسألة، فقال لهم فيما أبلغني بعض العلماء من أهل الحجاز: فلم لا تفتون به وقد قضى به نوح بن دراج؟ فقالوا: جسر نوح وجبنا وقد أمضى أمير المؤمنين قضية يقول قدماء العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (علي أقضاكم) وكذلك قال عمر بن الخطاب: (علي أقضانا) وهو اسم جامع؛

ص: 138

لأن جميع ما مدح به النبي أصحابه من القراءة والفرائض والعلم داخل في القضاء.

قال: زدني يا موسى، قلت: المجالس بالأمانات، وخاصة مجلسك، فقال: لا بأس عليك، فقلت: إن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يورّث من لم يهاجر ولا أثبت لهولاية حتى يهاجر، فقال: ما حجتك فيه؟ فقلت: قول الله تعالى: «وَالذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتَهُم مِنْ شَيءٍ حَتّى يُهَاجِرُوا» وإن عمّي العباس لم يهاجر)(1).

أقول: الحديث طويل وفيه استدلال على كون بني فاطمة أبناء رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وفيه نفي موضوع النزاع بين العم وابن العم لوجود البنت –وهي فاطمة (عليها السلام)- وإنما افترض النزاع على القول بالتعصيب، ويظهر من الرواية أن قول أمير المؤمنين (عليه السلام) بتوريث البنت دون الأعمام وأبنائهم كان معلوماً ومشهوراً لدى جميع الفقهاء ولكنهم كانوا يخشون العمل به.

محاولة لتصحيح المسألة الإجماعية:

نعم يمكن تصحيح هذه المسألة بناءً على التنزيل الذي ذكرناه في مسألة توريث أولاد الأولاد وأن الأعمام لا يحجبون أولاد الأعمام عند فقد واسطتهم وإنما يُنزَلّون منزلته ويحلّون محلّه كأنهم هو ويكون حينئذٍ معنى تقديم العم على ابن العم هو واسطتهم خاصة إذ الأصل يمنع الفرع كما قيل، فابن العم للأبوين يكون عماً للأبوين حكماً وتنزيلاً عند فقد واسطته، وحينئذٍ يكون تقديمه على

ص: 139


1- تحف العقول: 404، وعيون أخبار الرضا: 63-65، باب 7، جمل من أخبار موسى بن جعفر مع هارون، ح9.

العم للأب وحده على القاعدة، وتكون المسألة الإجماعية حينئذٍ دليلاً على ما احتملناه في مسألة توريث أولاد الأولاد خلافاً للمشهور.

وهذا التقريب متوقف على التزامهم بالتنزيل على المعنى الذي ذكرناه، وإذا قالوا به فإنه سيحدث انقلاباً في كثير من الأحكام المشهورية في كتاب المواريث كما تقدم في مسألة توريث أولاد الأولاد، لكن يجب الالتفات إلى الفرق بين المسألتين فإن ولد الولد يطلق عليه ولد بنحوٍ ما، أما ابن العم فلا يطلق عليه عمّ.

وإن لم يرتض المشهور هذا المعنى فما أجمعوا عليه في المسألة الإجماعية لا يمكن الأخذ به لأن الخروج عن قاعدة أولوية الأرحام بعضهم على بعض والأقرب يمنع الأبعد المقتضية لتقديم العم على ابن العم مطلقاً استناداً إلى مثل هذا الخبر الضعيف مشكل جداً وغريب صدوره من المشهور (قدس الله أرواحهم)، وإن كان ولا بد فيجب توجيه الورثة إلى التصالح، وقد سجّلت هذا الإشكال في الرسالة العملية (سبل السلام) وألزمت بالاحتياط بالتصالح(1).

والإشكال على هذه المسألة انقدح في ذهني منذ خمسة وعشرين عاماً عندما كنت طالباً أدرس شرح اللمعة وعرضت الإشكالات في حينها على سيدنا الأستاذ الشهيدالصدر الثاني (قدس سره) في أوائل مرجعيته المباركة قبل طبعه الرسالة العملية، فأيد الإشكال في الجملة ووعد بأخذه بنظر الاعتبار فيها، وعندما صدرت رسالته العملية وجدته يخرج عن الإجماع ويحتاط في المسألة، قال (قدس سره): ((ودليله –أي هذا الحكم- قريب إلا أن الأخذ بالاحتياط أقرب))(2).

ص: 140


1- منتخب سبل السلام في المعاملات: 175، المسألة (559).
2- منهج الصالحين: 4/265، المسألة (1038).

واستشكل بعده الشيخ الفياض (دام ظله الشريف) واستقرب عدم جريان الحكم قال: ((قد عرفت أن العم والعمة والخال والخالة يمنعون أولادهم من الإرث، أجل استثنى المشهور من ذلك صورة واحدة، وهي ما إذا كان ابن عم للأبوين مع عم واحد لأب، فإن ابن العم يمنع العم ويكون المال كله له ولا يرث معه العم للأب أصلاً، ولكن ذلك لا يخلو عن إشكال بل لا يبعد عدمه، وإن كان الاحتياط بالرجوع إلى المصالحة أولى وأجدر))(1).

أقول: لكنهما ذهبا إلى عودة الحكم إلى أصله أي تقديم العم إذا تغيّرت صورة المسألة كما لو تعدّد العم أو ابن العم أو انضمّ إليهما زوج أو زوجة، وسيأتي في الفرع الخلافي الأول أن تغيّر هذه العناصر لا يؤثر في الحكم على تقدير ثبوته.

ص: 141


1- منهاج الصالحين: 3/208، المسألة (570).

فروع خلافية

اشارة

(الفرع الأول) ظاهر كلام الشيخ الصدوق والمفيد المتقدم أن هذا الحكم موافق للأصل وجارٍ على القاعدة بتقديم ذي الكلالتين على ذي الكلالة والواحدة ((ومقتضى ذلك التعدية إلى الخال وابن الخال، بل وإلى غير ذلك))(1)، وكان كلام الشيخ المفيد صريحاً في التعدية وذكر المسألة الإجماعية كمثال.

لكن صريح الشيخ الطوسي أن هذه المسألة خارجة عن القاعدة وهو قول المشهور وأنها استثنيت بالإجماع أو الرواية ونحوهما، قال ابن إدريس (قدس سره): ((ولا يحمل على تلك المسألة غيرها، لبطلان القياس، ولولا إجماع الفرقة عليها، لما قلنا به؛ لأنها تخالف الأصول، فينبغي أن تكون الفتيا مقصوراً عليها))(2).

ولأن المسألة على خلاف القاعدة فقد قيّدوا الحكم ببقاء الصورة على حالها فلو تغيّر شيء منها سقط ابن العم ورجع الحكم إلى القاعدة، ولكنهم اختلفوا في الحكم إذا تغيّرت صورة المسألة شكلياً لكن مضمونها وعنصر التأثير فيها بقي محفوظاً كما لو تعدد العم أو ابن العم أو كانت بنت عم أو انضمت عمة إليه أو دخل زوج أو خال أو خالة ونحو ذلك.

((فبعضهم قصر الحكم على خصوص هذه المسألة وعينها وشخصها كما هو الشأن في كل ما خرج عن القاعدة، وهو ظاهر الحلي إن لم يكن صريحه، قال في السرائر: إنهم إنما أجمعوا على العين والصورة والصيغة، وقريب منه ما في الوسيلة والطبقات وربما لاح ذلك من المبسوط والمراسم حيث قال فيها في موضع واحد))(3).

ص: 142


1- جواهر الكلام: 39/177.
2- السرائر: 3/242.
3- مفتاح الكرامة: 17/264.

قال السيد صاحب الرياض (قدس سره): ((الاقتصار على مورد النص أظهر، وفاقاً لكثير؛ لأن المسألة جرت على خلاف الأصول المقرّرة والقواعد الممهدة، فالتعدية فيها عن موضوع الإجماع والرواية مشكلة، وإن وجّهت بتوجيهات اعتبارية ربما أوجبت مظنّة، إلا أن في بلوغها حداً يجوز معه تخصيص الأصول بها إشكالاً))(1).

أقول: وبناءً على هذا فقد أغلق (قدس سره) باب هذه التفريعات ولم يتعرض لها.

وقال صاحب الجواهر (قدس سره): ((ظاهر بعضهم الجمود على خصوص الفرض المزبور حتى لو تغير بانضمام الزوج أو الزوجة أو تعدد في ابن العم أو العم أو بالذكورة والأنوثة أو ببعد الدرجة كابن عم لأب وابن ابن عم لأب وأم أو بهما فيالابن خاصة مع العم للأب أو بالنسبة إلى عم الأب لأبيه وابن عمه لأبيه وأمه فضلاً عن انضمام الخال أو الخالة أو العم أو العمة للأم أو نحو ذلك))(2).

قال الشهيد الثاني (قدس سره) وهو يستعرض الصور المحتملة للتغير: ((وقد حصل الخلاف في تأثير بعض هذه التغييرات.

الصورة الأولى:

فمنها: تغيرها بتعددهما أو تعدد أحدهما، فذهب جماعة منهم الشهيد رحمه الله إلى عدم تغير الحكم بذلك، لوجود المقتضي للترجيح وهو ابن العم مع العم، ولأنه إذا منع مع اتحاده فمع تعدده أولى؛ لتعدد السبب المرجّح، وسبب إرث العمين وما زاد هو العمومة، وابن العم مانع لهذا السبب، ومانع

ص: 143


1- رياض المسائل: 14/355.
2- جواهر الكلام:39/177.

أحد السببين المتساويين مانع للآخر، خصوصاً إذا جعلنا ابن العم مفيداً للعموم بسبب الإضافة)).

أقول: هذه الوجوه لا تصلح للاستدلال على عدم الفرق بين الوحدة والتعدد فما ذكره (قدس سره) من وجود المقتضي وتحقق الأولوية لا بد أن تكون مستندة إلى دليل معتبر أو تكون قطعية ليصحّ الإلحاق والخروج عن القدر المتيقن وإلا فلا، إذ ((يمكن أن يكون المقتضي هو ابن العم بشرط الوحدة مع العم كذلك))(1).

وبهذا الاحتمال تضعف الوجوه الأخرى لاحتمال أن الوحدة قيد في المانعية.

نعم توجد قرينتان لاستظهار تعميم الحكم لحالة التعدد:-

أ- قوله (قدس سره) في ذيل كلامه: ((خصوصاً إذا ..))؛ لأن قوله (عليه السلام): (ابن العم) كاسم الجنس يُشعر بالعموم وليس كقوله: (ابن عم) المشعر بالوحدة، وقد تضمنت عدة نصوص ذلك، ومنه يُعلم ما في ردّ المستند عليه ((أنه لا مفرد مضافاً في قول الإمام (عليه السلام) إلا في الرضوي الضعيف غير الثابت انجباره في المقام))(2).

ب- ورود صيغة الجمع في الروايتين المتقدمتين المعتبرتين –رقم 1، 2- حيث أن أعيان بني الأم شاملة لصورة التعدد أيضاً، فمذهب الشهيدين هو الأظهر.

الصورة الثانية:

ثم قال الشهيد الثاني (قدس سره): ((ومنها ما لو كان معهما زوج أو زوجة. والشهيد رحمه الله هنا على أصله في السابق، لوجود المقتضي للترجيح. ووجه العدم في الموضعين الخروج عن صورة النص.

ص: 144


1- مستند الشيعة: 19/323.
2- مستند الشيعة: 19/323.
الصورة الثالثة:
اشارة

(ومنها) تغيرها بالذكورة والأنوثة فيهما أو في أحدهما فالأقوى تغير الحكم، لخروجه عن المنصوص حقيقة، خلافاً للشيخ رحمه الله نظراً إلى اشتراك العم والعمة في السببية، وكذا ابن العم وبنته))(1).

أقول: ورد هذا في تذييل الشيخ (قدس سره) للرواية (رقم 5، صفحة 130) في كتاب الاستبصار(2)

لكن ابن إدريس (قدس سره) حكى رجوعه إلى مقتضى القاعدة قال (قدس سره): ((وقد رجع شيخنا عن هذا في (المسائل الحلبية) المسألة السادسة: ابن العم للأب والأم مع العم للأب، المال لابن العم، فإن كان معه إخوة، كان بينهم، فإن كان مكان العم عمة للأب أو عم للأم كان المال لمن كان من قِبَل الأم أو الأب دون ابن العم للأب والأم))(3).

أقول: على أي حال فإنه يرد على الإلحاق في هذه الصورة ((إن الاشتراك في السببية –بين العم والعمة في استحقاق الميراث بالعمومة- لا يوجب الاشتراك في الممنوعية –أي ممنوعيتهم من الميراث بسبب ابن العم الأبويني-، لجواز أن يكون لأحد السببين –وهو العم الذكر- مدخلية فيها لم يكن للمسبب الآخر –وهي العمة الأنثى-، فيتغيّر الحكم، وأولى بالتغيّر ما إذا كان التبديل في طرف المانع –أي ابن العم بأن تكون أنثى-، وهو ظاهر، والأخبار غير شاملة للإناث، للتعبير فيها بالعم والابن أو بني الأم وبني العلات فقول الشيخ ساقط))(4).

أقول: بنو العم وبنو العلات شامل للإناث عرفاً، نعم لا يشمل ذرياتهم، بل وكذا عنوان (ابن العم) إذا كان على نحو اسم الجنس المفيد للعموم.

ص: 145


1- مسالك الأفهام: 13/158.
2- الاستبصار: 4/170، ذيل الحديث 643.
3- السرائر: 3/242.
4- مستند الشيعة: 19/323.

وناقش صاحب الجواهر في ذلك التعميم وقال: ((إن عدم الصدق والإلحاق لا بد له من إجماع أو نحوه وليس، ودعوى الأولوية في العمة وابن العم على وجه يحصل القطع يمكن منعها، اللهم إلا أن يكون المدرك فيها وفي غيرها مما سمعت ما يظهر من الصادق (عليه السلام) من إقرار الحسن بن عمارة على ما استفاده مما رواهعن أمير المؤمنين (عليه السلام) وما يظهر أيضاً من كون السبب في ذلك جمع السببين))(1).

أقول: يرد عليه-

أ- المفروض أننا انتهينا من كون الحكم على خلاف القواعد كما هو صريح كلمات كثير منهم فلا معنى للعودة إليها.

ب- إن هذه الرواية وغيرها ضعيفة لا تصلح مستنداً للحكم وإنما أخذ بها من أخذ بعد جبرها بعمل الأصحاب وهذا غير متحقق في التغيّر من الذكورة والأنوثة فلا جابر لها في هذا التغير ولا تصلح للاستدلال.

وينبغي الالتفات هنا إلى أن المسألة إذا أريد بها إثبات أحقية تقديم أمير المؤمنين (عليه السلام) وبنيه (عليهم السلام) على العباس وبنيه في الخلافة فإن اشتراط عدم التغيّر بالأنوثة في محله لأن الإمامة مشروطة بالذكورة، وحينئذٍ لا يؤثر وجود البنت المباشرة أي السيدة الزهراء (عليها السلام) لأن الإمامة تكون للرجال. لكن الكلام يكون حينئذٍ عقائدياً كلامياً لا ربط له بالمسألة الإرثية التي لها دليلها الخاص بها وهو ما أصّلناه.

ص: 146


1- جواهر الكلام: 39/178.
الاستفادة من التأريخ:

والغريب عدم التفات المتنازعين إلى حيثيات الواقعة التأريخية الأولى التي طُبِّقت عليها هذه المسألة –سواء كان الدليل الرواية أو الإجماع- وهو تقديم أمير المؤمنين (عليه السلام) على عمه العباس، وكان هذا أقوى دليل عندهم لمعرفة تأثير التغيرات في صورة المسألة على حكمها؛ لأن الواقع أدلّ دليل على الإمكان، وهذه الحيثيات هي:-

1- إن النبي (صلى الله عليه وآله) عندما توفي كانت له عمة لأبيه موجودة على قيد الحياة وهي صفية بنت عبد المطلب أم الزبير بن العوام، وقد عاشت بعده (صلى الله عليه وآله) حتى وفاتها سنة عشرين هجرية(1)، وذكرت المصادر عمة أخرى له (صلى الله عليه وآله) هي عاتكة بنت عبد المطلب وكانت في مكة ولم تهاجر وهي صاحبة الرؤيا فيما سيصيب المشركين في بدر وردّ أبي جهل عليها ثم أسلمت وهاجرت ولا يعرف تأريخ وفاتها بالضبط(2).

وعلى هذا فإن تغيّر الأعمام بالذكورة والأنوثة وتعدّدهم لا يغيّر الحكم في المسألة.

2- وكذا في تعدد ابن العم للأبوين لأن عقيلاً أخا أمير المؤمنين (عليه السلام) كان موجوداً، وهو ابن العم للأبوين، وكان لأمير المؤمنين (عليه السلام) أخت هي فاختة أم هانئ موجودة وتوفيت بعد أمير المؤمنين (عليه السلام)، وذكرت المصادر أن لأمير المؤمنين (عليه السلام) أختاً أخرى اسمها جمانة لم نتحقق من تأريخ وفاتها، وعلى

ص: 147


1- الأعلام للزركلي: 3/297 عن الإصابة وطبقات ابن سعد وغيرهما.
2- الأعلام للزركلي: 4/8.

هذا فتعدد ابن العم الأبويني وتغيّره بالذكورة والأنوثة لا يغير الحكم في المسألة.

3- وكان للنبي (صلى الله عليه وآله) عندما توفي عدة أزواج فلا بد أن لا يتغيِّر الحكم في المسألة بدخول الزوج.

والنتيجة عدم تأثير كل هذه التغيرات في صورة المسألة على حكمها، وإلا خرج النص عن محل جريانه الذي صدر لأجل بيان حكمه، وهذا ممنوع أي أن تفسير الآية يؤدي إلى عدم دخول مورد نزول الآية فيه.

ومن هذه المعطيات يُعلم النظر في آراء المعاصرين فقد استشكل السيد الحكيم (قدس سره) فيما لو تعدد العم أو ابن العم أو كان زوج أو زوجة، وقال مثله السيد الخوئي (قدس سره) وتبعهما بعض تلامذتهما، واشترط السيد الخميني (قدس سره) عدم وجود العمة مطلقاً، وفي تعليقة السيد الشهيد الصدر الأول (قدس سره) على المنهاج ((مثل الإشكال فيما إذا تعدد العم أو ابن العم الإشكال فيما كان أحدهماوخصوصاً ابن العم أنثى؛ لأن المدرك هو الإجماع ويقتصر فيه على القدر المتيقن))(1)

وذهب سيدنا الأستاذ الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) إلى عودة الحكم إلى الأصل إذا انضم زوج أو زوجة، وهكذا قال الشيخ الفياض وكذا فيما لو تعدد العم مع ابن العم.(2)

الصورة الرابعة:

ص: 148


1- التعليقة (27) على منهاج الصالحين للسيد الحكيم: 2/403، المسألة (34).
2- منهاج الصالحين للسيد الحكيم: 2/300، المسألة (34) وللسيد الخوئي: 2/369، المسألة (1774)، وللسيد السيستاني: 3/347، المسألة (1051)، وللشيخ الفياض: 3/208، المسألة (570)، وتحرير الوسيلة: 2/357، ومنهج الصالحين.

(ومنها) قول الشهيد الثاني: ((وأولى منه تغيّره بتغيّر الدرجة، كابن ابن عم للأبوين مع ابن عم للأب، لعدم صدق العم هنا وإن صدق ابن العم بالنازل.

وأما تغيّره بهبوط ابن العم مع وجود العم، فيبنى على أن ابن الابن هل يصدق عليه الابن حقيقة أم لا؟ والأقوى تغير الحكم هنا أيضاً))(1).

الصورة الخامسة:
اشارة

ولم يتعرض لها الفقهاء وهي ما لو اجتمعت هذه التغيرات جميعاً، وهنا يشتد الإشكال على بقاء الحكم كما هو لاجتماع أسباب العودة إلى مقتضى القواعد، لكن معطيات الواقعة التأريخية الأولى التي ضمّت كل هذه العناصر تفيد بقاء الحكم على ما التزم به المشهور حتى مع اجتماع كل المتغيرات السابقة.

ص: 149


1- مسالك الأفهام: 13/159.

(الفرع الثاني) لو تغيّرت صورة المسألة بدخول خال أو خالة فيها، وهنا اعترفوا بأن الإشكال أقوى، وقد اختلفت الأقوال فيها وتعددت، وهي أربعة مذكورة في كتب الأصحاب (قدس الله أسرارهم)، قال عنها العلامة (قدس سره): ((إن كل واحد من هذه الأقوال ينقدح فيه الرجحان)) وقال (قدس سره): ((وهذه الاحتمالات الثلاثة –الأولى- سمعناها مشافهة من الشيخ الأعظم السعيد نصير الدين محمد بن الحسن الطوسي قدس الله روحه ونوّر ضريحه))(1)، أما الرابع فليس قولاً لعدم وجود قائل به كما سيأتي فيعتبر احتمالاً في المسألة.

وقد وجدت أن الشهيد الثاني (قدس سره) أحسن إحصاءها وبيانها والاستدلال عليها، وذكر (قدس سره) أنه ((لكل واحد من هذه الأوجه وجه وجيه)) فلننقل كلامه ثم نناقشه إن شاء الله تعالى، قال (قدس سره): ((وطال التشاجر بينهم، حتى أفردوها بالتصنيف بناء وهدماً. وجملة الأوجه المعتبرة فيها أربعة:

الوجه الأول:

حرمان ابن العم، ومقاسمة العم والخال المال أثلاثاً. وهذا الوجه ينسب إلى العماد ابن حمزة القمي المعروف بالطبرسي، لأنه أول من شيّده وأقام عليه الأدلة، وتابعه عليه أكثر المحققين منهم المصنف (رحمه الله) والعلامة والشهيد وجملة المتأخرين)).

وقوّاه الشهيد الثاني (قدس سره) أيضاً ويمكن تقريب الاستدلال له بوجوه:-

1- إن الحكم في المسألة على خلاف القواعد وقد استثنيت منها بالإجماع وهو دليل لبّي يُقتصر منه على القدر المتيقن وهي الصورة المفروضة في

ص: 150


1- مختلف الشيعة: 9/47، مسألة (4) من الفرائض.

المسألة فدخول الخال يغيّر صورة المسألة ويخرجها عن القدر المتيقن، ولا يمكن ادعاء القطع بعدم الفرق لتدخل في المتيقن.

2- إطلاق بعض الروايات المعتبرة الدالة على أنه مع وجود أحد من الأخوال لا يرث ابن العم لقاعدة حجب القريب للبعيد، وإن كان البعيد يمتّ إلى الميت بسببين والقريب بسبب واحد كما تقدم، ومن تلك الروايات رواية سلمة بن محرز عن الصادق (عليه السلام): (قال في ابن عم وخالة: المال للخالة، وفي ابن عم وخال، قال: المال للخال)(1).

إنه مقتضى القواعد؛ لأن الخال أقرب من ابن العم نصاً وإجماعاً فيحجبه عن الميراث، ولا دليل يستثنيه، وإذا أصبح ابن العم للأبوين محجوباً بالخال فإنه لا يمنع العم من الميراث؛ لأن تقديمه على العم مشروط بكونه وارثاً غير محجوب ولا ممنوع بقتل أو كفر ونحوهما، وإذا سقط اعتبار ابن العم بالخال1- بقي المال بين العم والخال أثلاثاً لأنهما في طبقة واحدة كما لو لم يكن هناك ابن عم. وحينئذٍ تعود المسألة إلى القواعد.

قال الشهيد الثاني (قدس سره): ((ويؤيده – مضافاً إلى ما تقدم - عموم النصوص الدالة على أنه مع اجتماع العم والخال يشتركان، كصحيحة أبي بصير أن أبا عبد الله (عليه السلام) أخرج له كتاب علي (عليه السلام) فإذا فيه: (رجل مات وترك عمه وخاله، فقال: للعم الثلثان، وللخال الثلث). وهذا الفرض متحقق هنا.

فإن قيل: العم محجوب بابن العم للأب والأم، فخرج عنه بذلك وبالإجماع، ويضاف إليه أن ابن العم أيضاً محجوب بالخال، فيكون المال كله للخال –وهذا هو الوجه الثالث الآتي-.

ص: 151


1- وسائل الشيعة: 26/193، أبواب ميراث الأعمام والأخوال، باب 5، ح4.

قلنا: العم إنما يكون محجوباً بابن العم إذا لم يكن ابن العم ممنوعاً من الميراث، أما إذا كان ممنوعاً لم يمنع غيره، ضرورة أنه لو كان قاتلاً أو كافراً أو نحو ذلك لم يحجب، ومنعه بالخال لكونه أقرب منه إجماعاً ونصاً. وحينئذٍ فلا يجوز أن يكون الثلثان لابن العم، لأن الخال يحجبه من حيث إن الأقرب يمنع الأبعد، وهذا الحجب حاصل سواء كان هناك عم أم لا، لتحقق الأقربية في الموضعين. ثم لا نقول: يختص به الخال، لأن معه عماً غير محجوب، فيكون المال بينهما أثلاثاً، وهو المطلوب. وهذا التوجيه كما يقوي الأول يضعف البواقي)).

الوجه الثاني:

((وثانيها: حرمان العم خاصة، وجعل المال للخال وابن العم. ذهب إلى ذلك القطب الراوندي، ونصره الشيخ معين الدين المصري (رحمه الله). وحجتهم –على الجزء الثاني-: أن الخال لا يمنع العم، فلأن لا يمنع ابن العم الذي هو أولى منه أولى. ولأن الخال إنما يحجب ابن العم مع عدم كل من هو في درجته من ناحية العمومة، فأما مع وجود أحدهم فلا يقال إنه محجوب به، وإنما هو محجوب بذلك الذي هو من قبل العم، لأنه يأخذ منه النصيب من الإرث، بخلاف الخال، فإن فرضه لا يتغير بوجود ابن العم ولا بعدمه، والحجب إنما يتحقق بأخذ ما كان يستحقه المحجوب لا ما يأخذه غيره)).

أقول: الجواب عن الجزء الأول وهو حرمان العم بابن العم في هذا الفرض بأنه لا دليل عليه لأنا ((لا نسلّم بأن وجود ابن العم مانع مطلقاً وإنما هو مع انفراد العم –أي من دون وجود الخؤولة- ومع كونه وارثاً))(1).

ص: 152


1- مستند الشيعة: 19/325.

وأما جواب الوجه الأول من الاستدلال على الجزء الثاني وهو ميراث ابن العم مع الخال ((فإنّ منع ابن العم للعم لا يوجب كونه أولى من العم مطلقاً حتى يشمل عدم الممنوعية بالخال أيضاً فهذا لا بد في إثباته من دليل)).

وأما الوجه الثاني فيرد عليه أن ((اختصاص حجب الخال لابن العم بعدم كل من هو في درجته من العمومة ممنوع، وتخصيص لعمومات منع الأقرب للأبعد بلا مخصص)).

أقول: يمكن قبول كلام المستدل في نفسه لكنه لا ينفعه في إثبات عدم حجب الخال لابن العم؛ لأن العم الموجود محجوب بابن العم عند المستدل فوجوده كعدمه.

وضعّف الشهيد الثاني (قدس سره) هذا القول وأورد عليه بأنه ((إذا فرض كون العم ممنوعاً بابن العم فلا يتجه مقاسمة ابن العم الخال، لكونه أبعد منه، كما لو كان العم محجوباً بوجه آخر غير هذا الوجه. وبهذا يضعف القول الثاني.

وأيضاً: فإذا كان ابن العم لا يرث مع الخال منفردين، فلا يرث معه إذا كان معهما عم، لأن وجود العم ليس سبباً لاستحقاق ابن العم الميراث قطعاً، فيبقى الحكم باقياً على الأصل (قطعاً).

فإن قيل: نعكس المسألة ونقول: إذا كان العم لأب لا يرث مع ابن العم لأب وأم، فكذلك لا يرث معه إذا كان معهما خال، لأن وجود الخال ليس سبباً لاستحقاق العم الميراث مع ابن العم لأب وأم.

قلنا: بين الفرضين فرق واضح، لأن وجود الخال مسقط لاستحقاق ابن العم، فإذا سقط عن استحقاق الإرث فوجوده غير معتد به، فاستحقه العم، لاستحالة استحقاق ابن العم مع الخال، والعم يستحق الميراث مع الخال لا مع ابن العم، فمشاركته للخال لا من حيث إن وجود الخال شرط في استحقاقه، بل لأنه حاجب لمن يمنع العم عن الإرث، فيزول بسبب الخال المانع، فافترقا)).

ص: 153

أقول: بتعبير آخر: إن دخول العم في الحالة الأولى لا يؤثر على الخال لأنه في طبقته ولا على ابن العم لأنه محجوب أصلاً بالخال.

أما دخول الخال في الصورة الثانية فإنه مؤثر في حجب ابن العم لأنه أقرب منه فيزيله عن طريق العم الذي يرث بلا حاجب، فليس الخال سبب استحقاق العم على نحو إيجاد المقتضي بل على نحو إزالة المانع.

فإن قيل: قد أجمعت الطائفة على أن ابن العم لأب وأم أولى من العم بالميراث، فلو استحق العم مع وجود ابن العم لانتقض الإجماع.

قلنا: متى أجمعت الطائفة على ذلك؟ إذا صح أن يكون ابن العم وارثاً أم مطلقاً؟ الثاني ممنوع، للاتفاق على أنه لو كان غير وارث بمانع من الموانع لم يحجب العم. والأول مسلم لكن لا ينفعكم، لأنه حينئذ ممنوع بالخال، فلا يكون مانعاً للعم.

وأيضاً: لو كان العم على إحدى هذه الصفات مع وجود الخال أو العم للأم أو العمة لها لم يستحق ابن العم لأب وأم الميراث مع أحد هؤلاء ولا معهم جميعاً، فعلمنا بذلك أن ابن العم لأب وأم إنما يكون أولى من العم لأب إذا صحّ أن يكون وارثاً، أما مع عدمه فإنه لا يكون أولى من العم إذا كان هناك من يمنع ابن العم عن أصل الإرث، منالخال والعمة للأم والعم لها، لما تقرر من أن الأقرب يمنع الأبعد إلا في المسألة المذكورة، ولما ذكرناه من أن مع الخؤولة والخالات لا يرث أحد من بني الأعمام والعمات))(1).

أقول: قوّى صاحب الجواهر (قدس سره) هذا القول وقدّمه على القول الأول الذي اختاره الأكثر واعترف (قدس سره) بقلّة القائل به، والدليل باختصار: أن صورة المسألة المستثناة قائمة بحالها وزيادة الخال لا توجب صرف الإطلاق، ومقتضاها مشاركة الخال لابن العم، قال (قدس سره): ((لوجود المقتضي

ص: 154


1- مسالك الأفهام: 13/160-164.

لحرمان العم وهو ابن العم، وانتفاء المانع عنه، وانتفاء المقتضي لحرمان الخال أو ابن العم، فإن العم لا يحجب الخال، فابن العم أولى وإن كان هو هنا أولى من العم، والخال إنما يحجب ابن عم لا يكون أولى من العم كما في مفروض الخبر المزبور فانه إذا لم يحجب العم فأولى أن لا يحجب من هو أدنى منه))(1).

أقول: ما استدل به غير تام لعدة أمور:-

1- لأنه عبارة عن أقيسة واستحسانات فلا تكون حجة.

2- المفروض أن الحكم على خلاف القاعدة ودليله الإجماع فيُقتصر فيه على القدر المتيقن وليس منه فرض دخول الخال، ولو كان دليله الرواية فإنها ضعيفة وإنما أخذوا بها بعد جبرها بعمل الأصحاب، وهو خاص بالقدر المتيقن، واعترف (قدس سره) بذلك قائلاً: ((لكن لا جابر للرواية بالنسبة إلى ذلك)) أي الزائد عن القدر المتيقن، لذا لم يقل بالتعميم في حجب بنت العمة مثلاً.

3- ما ذكرناه من أن ابن العم إنما يحجب العم إذا كان وارثاً لولا المحجوب وهو هنا ليس كذلك لوجود الخال الحاجب له فلا يحجب العم.

4- حجب الخال لابن العم مطلق في النصوص غير مقيّد بقوله: ((والخال إنما يحجب ابن عم لا يكون أولى من العم)) فهذا التقييد لا دليل عليه.

وأضاف (قدس سره): ((بل قد يقال: إن حجب القريب للبعيد في أولي الأرحام إنما هو إذا زاحمه على وجه يكون المال له لولاه، أما إذا لم يزاحمه فلا دليل على حجبه إياه، ضرورة اختصاص الأدلة بأولوية الأقرب من الأبعد بالميراث، ومفروضها ما ذكرناه)).

أقول:-

ص: 155


1- جواهر الكلام: 39/179-181.

1- المبنى الذي ذكره (قدس سره) في حجب القريب للبعيد فيه تقييد لإطلاق القاعدة؛ لأنه يحجبه بقربه، فلو وجد عم وخال وابن خال فالميراث بلا إشكال للعم والخال الذي حجب ابن الخال لأنه أقرب منه، ولا يقال إن هذا الحجب لايصح لأن ابن الخال لا يزاحم الخال بالميراث بوجود العم وأن ابن الخال محجوب مطلقاً.

2- إنه (قدس سره) لم يذكر تطبيق مبناه على أي جزء من أجزاء الحكم، إذ أن ظاهر تعبيره بالأقرب والأبعد أن المراد حجب ابن العم بالعم أو بالخال وهو ينتج غير مراده لأن لازمه حرمان ابن العم بالخال إذ لولا الخال لورث ابن العم بناءً على حكم المسألة الإجماعية فتجري هنا قاعدة الأقرب يمنع الأبعد، أي أن الخال يمنع ابن العم، نعم يصح كلامه في دخول الزوج أو الزوجة في مفروض المسألة مثلاً فلا يتغير الحكم لأن هذا الفرض لا يؤثر في الاستحقاق.

ثم قال (قدس سره): (( ومن هنا أمكن شركة الإخوة للأم مع الجد البعيد لها وإن كان هناك جد قريب للأب مع الإخوة له أيضاً أو بدونهم، لعدم مزاحمة الجد البعيد للجد القريب، ضرورة اشتراكه مع الإخوة للأم الذين لا يحجبونه وعدم مزاحمته للجد القريب، وكذا لو ترك جداً قريباً لأم مع إخوة لها وجداً بعيداً لأب مع الإخوة له أيضاً.

بل يتجه التشريك أيضاً فيما لو ترك جداً لأم وابن أخ لام مع أخ لأب، فإن ابن الأخ لا يحجبه الجد للأم، ولا يزاحم الأخ للأب، فيرث مع الجد للأم، وقد تقدم الكلام في نحو ذلك، وهو مؤيد لما عرفت))(1).

أقول: هذا التشريك الذي ذكره (قدس سره) لا يجري هنا لأنه مختص بالأصناف المختلفة فيشارك البعيد من صنف كالأجداد القريب من صنف آخر كالإخوة،

ص: 156


1- جواهر الكلام: 39/180.

أما في المقام فالمشهور أن الأعمام والأخوال صنف واحد فالقريب منهم يمنع البعيد، ووافق صاحب الجواهر المشهور قال (قدس سره): ((لا يرث ابن عم مع خال وإن تقرب بسببين والخال بسبب، ولا ابن خال مع عم وإن تقرب بهما)) وردّ على من شرك بينهما ((بناءً على أن العمومة والخؤولة صنفان وقد عرفت فساده))(1).

وأضاف (قدس سره) أيضاً: ((بل قد يؤيده أيضاً إطلاق أولوية ابن العم من العم المراد منها أنه أولى بما يكون للعم لولا ابن العم من غير فرق بين جميع المال أو بعضه بخلاف ما دل على أولوية الخال من ابن العم، فإنه ظاهر أو صريح فيما لو اجتمعا من دون عم، ولذلك حكم بأن المال كله للخال.

بل لعل المفهوم من الأولوية الأولى أنه يقوم مقامه مع وجوده ويأخذ نصيبه الذي يكون له لولا ابن العم، من غير فرق بين انفراده وبين مشاركة غيره له ممن هو في درجته.

وبالتأمل فيما ذكرناه يسقط ما أطنب به في المسالك في تأييد القول الأول)).أقول: لا إطلاق للحكم لأنه على خلاف القاعدة ودليله الإجماع الذي هو دليل لبّي يقتصر منه على القدر المتيقن، وإذا تمسّك بإطلاق الرواية فإنه غير تام لأنها لا جابر لها في ما زاد عن القدر المتيقن.

((وثالثها: حرمان العم وابن العم معاً، واختصاص المال بالخال. ذهب إلى ذلك الفاضل سديد الدين محمود الحمصي، محتجاً بأن العم محجوب بابن العم، وابن العم محجوب بالخال، فيختص الإرث به. ويؤيده رواية سلمة بن محرز عن الصادق (عليه السلام) الدالة على تقديم الخال على ابن العم، فيكون مقدماً على من هو أضعف منه بطريق أولى)).

ص: 157


1- جواهر الكلام: 39/189.

أقول: أجيب بأن ((محجوبية العم حينئذٍ بابن العم ممنوعة وإنما هي في صورة توريثه، وتقديم الخال على ابن العم لا يوجب تقديمه على العم بطريق أولى، لأن أولويته في الميراث في صورة خاصة –في المسألة الإجماعية- لا توجب أولويته منه في جميع الأحكام))(1).

((ورابعها: حرمان العم والخال، وجعل المال كله لابن العم، لأن الخال مساوٍ للعم في المرتبة، وابن العم يمنع العم، ومانع أحد المتساويين من جميع الميراث مانع للآخر وإلا لم يكونا متساويين)).

أقول: وصفه الشهيد الثاني (قدس سره) بأنه أضعف الأقوال، ووجه الضعف ((أن المسلّم إنما تساويهما في المرتبة، وأما في جميع الأحكام فممنوع، فقوله: مانع أحد المتساويين مانع للآخر، إن أريد به أحد المتساويين في جميع الأحكام فالمنع مسلّم، ولكن التساوي ممنوع، وإن أريد المتساويين في المرتبة فالتساوي مسلّم والمنع ممنوع)).

وقال عنه في الجواهر: ((إذ هو كما ترى يمكن دعوى منافاته الإجماع فضلاً عن النص فيما لو انفرد ابن العم مع الخال)).

أقول: بيانه: أن لازم هذا الوجه –وليس القول إذ لم ينسب لقائل- أنه إذا كانت صورة المسألة ابن عم أبويني وخال أبي كان المال لابن الأعم للتساوي المذكور المبني على تنقيح المناط، وهذا مخالف للإجماع بل للنص كرواية سلمة المتقدمة (في ابن العم وخاله، المال للخالة، وفي ابن عم وخال المال للخال)(2).

ص: 158


1- مستند الشيعة: 19/326.
2- وسائل الشيعة: 26/193، أبواب ميراث الأعمام والأخوال، باب 5، ح4.

البحث الثالث: إرث الزوج أو الزوجة عند عدم وجود الوارث

اشارة

ص: 159

ص: 160

بسم الله الرحمن الرحيم

البحث الثالث:

إرث الزوج أو الزوجة عند عدم وجود الوارث

المشهور أنه عند عدم وجود وارث نسبي أو سببي مع الزوج أو الزوجة إلا الإمام، فإن الزوج يأخذ نصيبه النصف بالفرض ويرد عليه النصف الآخر، أما الزوجة فتأخذ فرضها الربع ولا يرد عليها الباقي وإنما يدفع إلى الإمام.

أما فقهاء العامة فقد قالوا بالمساواة بين الزوجين في استحقاق الفرض وردّ ما فضل من الميراث إلى بيت مال المسلمين.

وقد أورد بعض الباحثين تساؤل دعاة التجديد والمساواة بين الرجل والمرأة والباحثين عن العدالة بحسب فهمهم وإشكالهم بأننا ((إذا كنا نمنح الزوج ما زاد على سهمه من الإرث فلماذا لا يتخذ الإجراء نفسه في حق الزوجة، فتأخذ بدورها تمام الإرث الذي بناه زوجها بمساعدتها ووقوفها إلى جانبه، بل يظل محكوماً بحكم المال الذي لا وارث له؟ لا نجد جواباً مقنعاً للإنسان الباحث عن العدالة يسكته ويهدؤه))(1)، مع وضوح حقيقة لديه بأنه ((لا يمكن للفقيه أو الحقوقي أن يطلق العنان لنفسه في السعي وراء العدالة، بل لا بد أن تكون مُثُله العليا متبلورة داخل نظامه الفقهي)).

أقول: كأنه يعرّض بالمادة (949) من القانون المدني الإيراني الموافق لمشهور الإمامية وجاء فيها ((عندما لا يكون هناك وارث آخر غير الزوج أو الزوجة، يأخذ الزوج تمام تركة زوجته المتوفاة، أما المرأة فتأخذ –في هذه الحال- نصيبها، فيما تظل بقية تركة الزوج محكومة بحكم المال الذي لا وارث له فيتبع المادة 866)) وجاء في تلك المادة ((في صورة انعدام الوارث، يرجع أمر تركة المتوفى إلى الحاكم)).

ص: 161


1- يوسف صانعي، مقاربات في التجديد الفقهي، ترجمة حيدر حب الله: 177.

أقول: لا أعلم لاستبعاده وجهاً إذا كان مبنياً على الاستحسانات والأقيسة؛ لأن دين الله لا يصاب بعقول الرجال، وإذا قيست السُنة محق الدين كما ورد في الأحاديث الشريفة، قال السيد المرتضى (قدس سره): ((وليس يمتنع أن يكون للزوج مزيّة في هذا الحكم على الزوجة، كما كانت له مزيّة عليها في تضاعف حقه على حقها))(1).

أقول: إلا أن يثبت ذلك بدليل معتبر، وهو غرضنا في هذا البحث بإذن الله.

وقال أحد الأعلام المعاصرين بعد أن رجّح قول المشهور: ((وإن كان يبقى في النفس شيء لجهة التفرقة بين الزوج والزوجة في ذلك، والتي قد تكون ناشئة من التفرقة بين عالم الذكر وعالم الأنثى في المواريث))(2).وعلى أي حال فالكلام في مقامين:

المقام الأول: إرث الزوج عندما لا يوجد وارث غيره

قال السيد المرتضى (قدس سره): ((ومما انفردت به الإمامية أن الزوج يرث المال كله إذا لم يكن وارث سواه فالنصف بالتسمية والنصف الآخر بالرد، وهو أحق بذلك من بيت المال، وخالف باقي الفقهاء في ذلك، وذهبوا كلهم إلى أن النصف له والنصف الآخر لبيت المال))(3).

أقول: حكى الشيخ الطوسي (قدس سره) أيضاً اتفاق فقهاء العامة على عدم الرد وأن الباقي يدفع إلى بيت المال(4).

وظاهر كلام السيد المتقدم إجماع الإمامية على ذلك، وقال ابن إدريس: ((قال أصحابنا: إن الزوج وحده يردّ عليه الباقي بإجماع الفرقة على ذلك))(5).

ص: 162


1- الانتصار: 301.
2- السيد محمد حسين فضل الله (قدس سره) في فقه المواريث والفرائض: 2/232، تقرير الشيخ خنجر حميّة.
3- الانتصار: 300.
4- الخلاف: 4/116، كتاب الفرائض، المسألة (130).
5- السرائر: 3/243.

وقال العلامة: ((وهذا –أي القول المشهور- هو الأقوى عندي، دليلنا في الرد على الزوج الإجماع، فإن جلّة أصحابنا نقلوه ونقلهم حجة))(1).

أقول: وحكاه الشهيد عن غيرهم قال (قدس سره): ((أما لو لم يكن سوى الزوج أو الزوجة، فالمشهور الرد على الزوج فيأخذ النصف تسمية والباقي ردّاً، ونقل المفيد والمرتضى والشيخ فيه الإجماع))(2).

ونسبه صاحب الجواهر إلى ((المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً))(3).

أقول: في دعوى الإجماع إهمال لقول من خالف كالمحكي عن الديلمي أو أنه مما لا محيص عنه لاستناده إلى الروايات المعتبرة المستفيضة، قال الشيخ في النهاية: ((يردعلى الزوج النصف الباقي بالصحيح من الأخبار عن أئمة آل محمد صلى الله عليهم أجمعين))(4).

ومن تلك الروايات:-

1- صحيحة محمد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام) (في امرأة توفيت ولم يعلم لها أحد ولها زوج قال: الميراث لزوجها)(5).

2 – صحيحة أبي بصير قال: (قرأ عليّ أبو عبد الله (عليه السلام) فرائض علي (عليه السلام) فإذا فيها: الزوج يحوز المال إذا لم يكن غيره).

ص: 163


1- مختلف الشيعة: 9/42.
2- الدروس: 2/375، الدرس (192).
3- جواهر الكلام: 39/79.
4- النهاية: 642.
5- الروايات في وسائل الشيعة: ج26/197-199، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، باب3، ح1، 2، 3، 6، 7، 10، على نفس الترتيب.

3 – صحيحة أيوب بن الحر عن أبي بصير قال: (كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدعا بالجامعة فنظر فيها فإذا امرأة ماتت وتركت زوجها لا وارث لها غيره المال له كله).

4 – صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث - قال: (قلت له: امرأة ماتت وتركت زوجها قال: المال له).

أقول: تحمل على عدم وجود وارث غيره بقرينة الروايات الأخرى:

5- موثقة مثنى بن الوليد الحناط، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قلت: امرأة ماتت وتركت زوجها، قال: المال كله له إذا لم يكن لها وارث غيره).

6 – صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قلت: امرأة ماتت وتركت زوجها قال: المال له - قال: معناه: لا وارث لها غيره -).

أقول: توجد روايات أخرى بنفس المضمون يزيد مجموعها عن العشرة والظاهر أن جملة منها متحد مع بعض لكنها نقلت بطرق متعددة لوحدة الرواي –وهو أبو بصير- والمروي عنه وهو الإمام الباقر (عليه السلام) في أربع روايات، والإمام الصادق (عليه السلام) في ثلاثة منها.

احتمال الخلاف:

نُسب الخلاف في المسألة والقول بعدم الرد إلى الديلمي، قال صاحب الجواهر (قدس سره): ((خلافاً للمحكي عن الديلمي من الميل إلى أن الباقي للإمام (عليه السلام)؛ للأصل وظاهر الآية والموثق (لا يكون ردّ على زوج ولا على زوجة)(1)(2).

ص: 164


1- وسائل الشيعة: 26/198، أبواب ميراث الأزواج، باب 3، ح8.
2- جواهر الكلام: 39/80.

أقول: ظاهر كلامه (قدس سره) في المراسم التردد والتوقف فيها حيث نسب الحكم بالرد على الزوج إلى الأصحاب ولم يؤيد، قال (قدس سره): ((ومن أصحابنا من قال: إذا ماتت زوجة ولم تخلف غير زوجها فالمال كله له بالتسمية والرد))(1).

أقول: نعم إذا حملنا (من) على التبعيض فنسبة القول بالرد إلى بعض الأصحاب يلزم منه وجود بعض آخر لا يقول به وهذا يعني أنه للإمام؛ لدوران الأمر بين الرد على الزوج أو دفعه إلى الإمام إذ لا وارث سواه حينئذٍ.

وهذا الاحتمال –أي وجود قائل بالخلاف- صرّح به العلامة (قدس سره) في القواعد وتوقف في المسألة أيضاً، قال (قدس سره): ((للزوج مع الولد –ذكراً كان أو أنثى- أو ولد الولد وإن نزل –كذلك- الربع، ومع عدمهم –أجمع- النصف مع جميع الورّاث، والباقي للقريب إن وجد، فإن فُقد فلمولى النعمة، فإن فُقد فلضامن الجريرة، فإن فُقد فقد قيل: يرد عليه، وقيل: يكون للإمام سواء دخل أو لا))(2).

أقول: يمكن تقريب عدة وجوه للاستدلال على هذا القول:

1- ظاهر قوله تعالى: «وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ» (النساء:12) أن استحقاق الزوج هو الفرض المذكور خاصة مطلقاً.

وفيه: أن الآية بصدد بيان أصل الفرض ولا تنفي إمكان زيادة شيء بالرد، وبتعبير آخر: إن إطلاق النص قابل للتقييد بوجود وارث غير الزوج إذا ورد به دليل، قال صاحب الجواهر (قدس سره): ((ودلالة الآية على عدم الرد بمفهوم اللقب أو الوصف ولا حجة فيه في مقابلة النص الصريح)).

ص: 165


1- المراسم: 222.
2- قواعد الأحكام: 3/375.

2- موثقة جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لا يكون الرد على زوج ولا زوجه)(1)، وفي رواية الشيخ الصدوق في الفقيه والعلل والطوسي في التهذيب بسند ضعيف(2)

عن أبي عمرو العبدي عن علي (عليه السلام) قال: (لا يزاد الزوج على النصف، ولا ينقص عن الربع). أقول: لا تعارض هاتان الروايتان الروايات المستفيضة المتقدمة في الرد على الزوج:-

أ- لأن المستفيضة أخصّ منها باعتبارها صريحة في عدم وجود وارث غير الزوج، أما هاتان الروايتان فمطلقتان أو مجملتان من هذه الناحية، فيمكن حملها عليها كما هو مقتضى الصناعة، ويكون معنى عدم الزيادة والرد أكثر من الفرض هو عندما يفضل من السهام ويردّ على ذويالفروض كالأب والبنت فإنه لا يرد على أحد الزوجين وهو معنى صحيح.

ب- ويؤيد حملها على ما لو وجد وارث غيرهما بقرينة ورود التعبير في بعض الروايات الصريحة بهذا المعنى كرواية زرارة وفيها (وبقي سهم مردود على الابنة والأب على قدر سهامهما ولا يرد على الزوج شيء)(3)، قال صاحب الجواهر (قدس سره): ((أما الموثق فمع عدم مقاومته الصحاح غير صريح في عدم الرد عليهما مطلقاً، فيحمل على وجود الوارث في جانب الزوج كما هو الغالب)).

ص: 166


1- وسائل الشيعة: 26/199، أبواب ميراث الأزواج، باب 3، ح8، 9.
2- في المصادر الأصلية: ((قال الفضل هذا حديث صحيح على موافقة الكتاب)).
3- وسائل الشيعة: 26/133، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، باب 18، ح3.

ج-- ولو سلّمنا بالتعارض فإن هاتين الروايتين تسقطان لموافقة العامة، قال صاحب الرياض (قدس سره) ((مع احتماله –أي الموثق- الحمل على التقية بل حمله عليها بعض الأجلة، قال: لموافقتها لمذاهب العامة(1)

وبكون ذلك مذهبهم كافة صرح في الانتصار)).

3- ما ذكره السيد المرتضى (قدس سره) كإيراد عليه وعلى قول المشهور، قال (قدس سره): ((فإذا قيل كيف يرد على من لا قرابة له ولا نسب وإنما يرث بسبب، وإنما يرد على ذوي الأرحام، ولو جاز أن يرد على الزوج لجاز أن يرد على الزوجة حتى ترث جميع المال إذا لم يكن وارث سواها))(2)، وأثبته آخرون –كالشهيد الثاني في المسالك والسيد صاحب الرياض- كوجه لهذا القول.

أقول: يرد عليه: أن هذه القواعد محكومة بالدليل وهو موجود بالنسبة للرد على الزوج كما تقدم، أما الرد على الزوجة فسيأتي الكلام فيه ولا ملازمة بينهما.

4- الأصل: كأصالة عدم الزيادة عما فرض الله تعالى ونحوها.

ويرد عليه أن الأصل مقطوع بالدليل وهي الروايات المستفيضة المتقدمة.

وفي ضوء هذا فلا وجه للتردد في الحكم فضلاً عن المخالفة، ولذا وصف القول المخالف بالشذوذ وضعف المستند(3).

ص: 167


1- حكي عن المفاتيح (3/304).
2- الانتصار: 300، رياض المسائل: 14/368.
3- رياض المسائل: 14/369.

المقام الثاني: إرث الزوجة عندما لا يوجد وارث غيرها

إذا مات الزوج فللزوجة الثمن مع وجود الولد له والربع مع عدمه قال تعالى: «وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم» (النساء:12)، فإذا لم يوجد معها وارث من جميع الطبقات فهل يرد عليها الباقي كالزوج أم لا؟.

في المسألة ثلاثة أقوال:

القول الأول: عدم الرد على الزوجة مطلقاً ويرد الباقي إلى الإمام،

اشارة

القول الأول: عدم الرد على الزوجة مطلقاً ويرد الباقي إلى الإمام، ذهب إليه أكثر القدماء كالشيخ الصدوق في المقنع وأبي الصلاح والشيخ الطوسي في الإيجاز وكذا حكي عن الكافي والمراسم والمهذب والمختصر النافع وهو القول المشهور.

ويدل عليه وجوه:

الأول: الإجماع، ويُفهم من عبارة السيد المرتضى المتقدمة (صفحة 162)، وقال (قدس سره): ((وأما الزوجة فقد وردت رواية شاذة بأنها ترث المال كله إذا انفردت كالزوج، ولكن لا معوّل عليها، ولا تعمل الطائفة به))(1)، وقال صاحب الجواهر (قدس سره): ((كما هو المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً، بل لعلها كذلك))(2)، ونفى ابن إدريس في السرائر خلافاً معتداً به، قال (قدس سره): ((إنه لا خلاف فيه من محصّل متأمل إلا رواية شاذة لا يلتفت إليها))(3).

الثاني: الأصل، أي أصالة عدم استحقاق ذي الفرض أزيد من فرضه إلا بدليل.

ص: 168


1- الانتصار: 301.
2- جواهر الكلام: 39/80.
3- السرائر: 3/242.

الثالث: الروايات، وهي نصوص عديدة، قيل أنها تصل إلى حد الاستفاضة، مضافاً إلى ما تقدم في موثقة جميل وحديث العبدي بعد تخصيص عدم الرد على الزوج فيها بما ذكرناه في المقام السابق ولا مانع، ومن تلك الروايات:-1- موثقة أبي بصير قال: (قرأ عليَّ أبو جعفر عليه السلام في الفرائض: امرأة توفيت وتركت زوجها قال: المال للزوج، ورجل توفى وترك امرأته، قال: للمرأة الربع، وما بقى فللإمام)(1).

2- موثقته الأخرى عن أبي جعفر (عليه السلام) (في رجل توفى وترك امرأته قال: للمرأة الربع وما بقى. فللإمام).

3- رواية محمد بن نعيم الصحاف –وهو مجهول- قال: (مات محمد بن أبي عمير بياع السابري وأوصى إلي وترك امرأة لم يترك وارثاً غيرها، فكتبت إلى العبد الصالح عليه السلام فكتب إلي: أعط المرأة الربع واحمل الباقي إلينا).

4- رواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) (في رجل مات وترك امرأته قال: لها الربع، ويرفع الباقي) وفي نسخة (وتدفع الباقي إلينا).

5- رواية محمد بن مروان عن أبي جعفر (عليه السلام) (في زوج مات وترك امرأته قال: لها الربع، ويدفع الباقي إلى الإمام).

6- رواية أبي بصير قال: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن امرأة ماتت وتركت زوجها لا وارث لها غيره، قال: إذا لم يكن غيره فله المال، والمرأة لها الربع وما بقى فللإمام).

ص: 169


1- وسائل الشيعة: 26/202-203، أبواب ميراث الأزواج، باب 4، ح3، 4، 2، 5، 7، 8، 1 بحسب ترتيبها.

7- واستدل الشيخ في التهذيب والعلامة في المختلف(1)

بصحيحة علي بن مهزيار قال: (كتب (محمد بن حمزة) العلوي إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام): مولى لك، أوصى بمائة درهم إليّ، وكنت أسمعه يقول: كل شيء هو لي فهو لمولاي، فمات وتركها، ولم يأمر فيها بشيء، وله امرأتان، إحداهما ببغداد، ولا أعرف لها موضعاً الساعة، والأخرى بقم، ما الذي تأمرني في هذه المائة درهم؟ فكتب إليه: انظر أن تدفع من هذه المائة درهم إلى زوجتي الرجل، وحقهما من ذلك الثمن إن كان له وله ولد، وإن لم يكن له ولد فالربع، وتصدّق بالباقي على من تعرف أن له إليه حاجة إن شاء الله تعالى).

أقول: أشكل على الاستدلال بالصحيحة من جهة كونها مكاتبة وبأن استحقاق الإمام كان من جهة إقرار المالك بأن ماله للإمام.

قال الشهيد الثاني (قدس سره) في المسالك: ((واعترض الشهيد في الشرح(2)

بأنها –مع كونها مكاتبة- تدل على أن المائة له (عليه السلام) بسبب الإقرارالصادر عن الميت ولعله (عليه السلام) علم بالحال، وأمْره بإعطاء الزوجتين لا يدل على أنه إرث لهما)).

وأجيب عن كونها مكاتبة بأن ((المكاتبة مثل المشافهة في الحجية إن ثبت أن المكاتبة عنه (عليه السلام) وذلك أنها ثابتة بشهادة العدل كالقول، نعم قد يرجّح في مقام المعارضة، وهو أيضاً محل التأمل، إذ الاهتمام بالكتابة أكثر، بل من التقية أبعد فتأمل))(3).

ص: 170


1- تهذيب الأحكام، ج9، كتاب الفرائض، باب 27، ميراث الأزواج، ح9، مختلف الشيعة: 9/61.
2- حكي عن غاية المراد: 208.
3- مجمع الفائدة والبرهان: 11/432.
أقول: تأمله في محله.

وأجيب عن احتمال الإقرار بأن ((كون السهم المذكور حقاً لهما على التفصيل الذي يقتضيه الإرث يدل دلالة ظاهرة على أنه بطريق الإرث))(1).

أقول: هذا الجواب وإن ذكره أساطين المذهب إلا أنه يمكن المناقشة فيه بأن أمر الإمام (عليه السلام) بدفع الربع يمكن أن يكون لحفظ الظاهر ودفع الضرر عن الوصي فيما لو علمت المرأتان بالمال ورفعتا دعوى على الوصي عند قضاة الظلمة ونحو ذلك.

وأضاف صاحب الرياض: ((فترك الاستفصال عن أحوال المقر وصور إقراره والجواب بالتصدق بعد إخراج الربع بقول مطلق كالصريح في أن ذلك بالإرث واحتمال علمه (عليه السلام) بحقيقة حال المقر وإقراره بحيث يناسب كونه بالإقرار غير مذكور في الخبر فيدفع بالأصل))(2).

أقول: يعني بالاستفصال أنه ليس كل إقرار يقبل ولا كل إقرار مقبول ينفذ كله فلذلك أحكام، وترك السؤال عن التفصيل المؤثر في الحكم ينفي كونه إقراراً.

وعلى هذا فيكون الظاهر ((أن مراده من قوله: (فهو لمولاي) ليس أنه ماله كان ثابتاً في ذمته أو عين ماله، بل إما بطريق الانقطاع كما يقال: كل ما أملك لله ولرسوله، بمعنى أنه يصرف في سبيل الله ذلك، أو أنه حاصل من بركات الله ورسوله))(3).

نعم يمكن تقريب الاستدلال بالصحيحة من جهة ظهورها في كون دفع المال إلى الإمام من باب الوصية وهي لا تنفذ في الأزيد من الثلث، والباقي يرد

ص: 171


1- مسالك الأفهام: 13/73.
2- رياض المسائل: 14/370.
3- مجمع الفائدة والبرهان: 11/432.

على الورثة فعدم رد الزائد عن الثلث إلى الزوجتين يدل على عدم استحقاقهما أزيد من الفرض.

هذا ولكن الإشكال الأقرب من جهة احتمال كون الإمام مولى معتقاً للمالك، وقد كان الأئمة (عليهم السلام) مهتمين بهذا الأمر وينشرون مواليهم المحررين في مختلف البلدان، فالإمام (عليه السلام) ورث المال بهذا العنوان، وبذك ينتفي موضوع المسألة وهو عدم وجود وارث غير الزوجتين؛ لوصف الموصي بأنه (عليه السلام) (مولاي) وإذا افترضنا أن ذلك من باب التشرّف بالانتساب لولاية الإمام (عليه السلام)، فإن تعبير الراوي (مولىً لك) يعزّز الإشكال.

والنتيجة أن الاستدلال بهذه الصحيحة غير تام.

القول الثاني: يرد الفاضل على الزوجة مطلقاً كالزوج

اشارة

ولم يحكَ إلا عن الشيخ المفيد في المقنعة قال (قدس سره): ((إذا لم يوجد مع الأزواج قريب ولا نسيب للميت رد باقي التركة على الأزواج))(1).

أقول: ظهور هذه العبارة في مخالفة المشهور يتوقف على كون الشيخ المفيد قد جرى على ما عليه القرآن الكريم وأهل اللغة من إطلاق (الزوج) على كل من الرجل والمرأة فتكون مستعملة فيهما معاً، إما على ما جرى عليه العرف وبعض الروايات الشريفة –كموثقة جميل المتقدمة (صفحة 166) من تمييز الزوجة عن الزوج في الاستعمال فيكون كلامه (قدس سره) مطابقاً للمشهور في الرد على الزوج، ولا علاقة له بالزوجة، ولذا عد البعض كلامه (قدس سره) مجملاً أو رجّح المعنى الثاني.

ص: 172


1- المقنعة: 691.

قال في مفتاح الكرامة: ((إن قلنا أنه –أي لفظ الزوج- يستعمل بالتاء في المرأة كثيراً كقول ذي الرمّة: (أذو زوجة بالمصر أم ذو خصومة) أو أنه –أي الشيخ المفيد في عبارته المتقدمة- جرى على المتعارف؛ لأمكن أن يقال حينئذٍ أنها غير صريحة ولا ظاهرة في الخلاف بل هي ظاهرة في ما عليه الأصحاب، لأن استعمال المشترك في جميع معانيه ممتنع عند المحققين في المفرد والتثنية والجمع والنفي والإثبات لعدم وجود العلاقة المصححة لذلك كما حقق في محله فيكون المراد بالأزواج الرجال))(1).

أقول: ويرجح هذا الاحتمال ما فهمه ابن إدريس والعلامة في المختلف والشهيد الثاني في المسالك من تبني الشيخ المفيد لقول المشهور في كتابه (الأعلام) فعدّوه رجوعاً منه؛ قال العلامة (قدس سره) بعد أن نقل كلام الشيخ المفيد المتقدم: ((إلا أنه –رحمه الله- رجع عن ظاهر كلامه وإجماله في كتابه (الأعلام) فقال في باب ميراث الأزواج:واتفقت الإمامية على أن المرأة إذا توفيت وخلفت زوجها لم تخلف وارثاً غيره من عصبة ولا ذي رحم أن المال كله للزوج، النصف منه بالتسمية، والنصف الآخر مردود عليه بالسُنّة))(2).

أقول: لكن صاحب مفتاح الكرامة قال: ((فعبارته هذه لا تدل على أنه رجع عما ذهب إليه في المقنعة لو ثبت خلافه فيها كما ادعاه الحلي)).

أقول: مما ينبغي الالتفات إليه أن سيدنا الأستاذ الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) بنى على هذا القول في كتابه (ما وراء الفقه) قال (قدس سره): ((الصورة الثانية: الزوجة وحدها، لها المال كله ربعه بالفرض والباقي بالرد))(3).

ص: 173


1- مفتاح الكرامة: 17/291.
2- مختلف الشيعة: 9/60.
3- ما وراء الفقه: 8/39.

أقول: هذا من سرعة جري القلم وانشغال المصنف بما وراء الفقه وليس الفقه نفسه، وإلا فإنه (قدس سره) قوّى في رسالته العملية(1)

قول المشهور.

وعلى أي حال لقد استدل على هذا القول بروايتين معتبرتين:-

1- صحيحة(2)

أبي بصير في الفقيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (في امرأة ماتت وتركت زوجها، قال: المال كله له، قلت: فالرجل يموت ويترك امرأته، قال: المال لها)(3).1- صحيحة أبي بصير في التهذيبين عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قلت له: رجل مات، وترك امرأته، قال: المال لها، قلت: امرأة ماتت وتركت زوجها؟ قال: المال له) الحديث.

أقول: نرجّح أنها رواية واحدة مع تقديم وتأخير في شقّي السؤال، وردت بطريقين، فالأولى أخذها الشيخ الصدوق في الفقيه بسنده المذكور في المشيخة عن

ص: 174


1- منهج الصالحين: 4/267، المسألة (1048).
2- عدّ جملة من الأعلام هذه الصحيحة من قسم الموثّق وذكروا –كما في عبارة الأردبيلي الآتية- أن ذلك لما ورد في رجال الكشي من أنه كان من الناووسية، وهذه الدعوى لم ترد في رجال النجاشي والشيخ، ولعله تصحيف من النسّاخ إذ ورد في بعض النسخ أنه من القادسية، وهو جليل القدر وممن أجمعت العصابة على تصديقهم وتصحيح ما يصح عنهم من رجال الإمام الصادق (عليه السلام)، ومما يكذّب هذه الدعوى روايته عن الإمام الكاظم (عليه السلام) ((ومعه كيف يمكن أن يكون من الناووسية وهم الذين وقفوا على أبي عبد الله (عليه السلام) وقالوا: إنه حي لم يمت وهو المهدي الموعود. وذكر العلامة في الخلاصة أنه فطحي وتبعه الشهيد الثاني في الدراية، ولا يُعلم منشأ لها ولم يسبقه إليها أحد)) (معجم رجال الحديث: 1/146).
3- الروايتان تجدهما في وسائل الشيعة: 26/203-204، أبواب ميراث الأزواج، باب 4، ح6، 9.

أصل ابن أبي عمير، والثانية أخذها الشيخ في التهذيبين عن أصل أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن أبي عمير، فالطريقان ينتهيان إلى ابن أبي عمير الذي رواها بطريقين عن أبي بصير تارة بواسطة أبان والأخرى بواسطة ابن مسكان.

ونشير هنا إلى أن المشهور حاول التخلص من معارضة هاتين الروايتين من خلال المناقشة في السند أو الدلالة.

فمن حيث السند، قال المحقق الأردبيلي (قدس سره): ((صحة رواية أبي بصير غير ظاهرة لاشتراكه ووجود أبان في طريق الفقيه.

وفي طريق التهذيب والاستبصار والكافي ابن مسكان –المشترك- ومحمد بن عيسى، ولهم في أبان وابن عيسى كلام))(1).

أقول: مثل هذه المناقشات في السند لم تعد لها قيمة عند أهل الفن وأغلق موضوعها، وهو (قدس سره) يعلم ذلك لذا قال: ((وإن أمكن دفع هذه الأمور بالظاهر ولكن في مقام المعارضة وإخراج القرآن عن ظاهره بمثله مشكل)).

أما المناقشة في الدلالة، فقد نفى الشيخ الطوسي في التهذيب في ذيل صحيحة أبي بصير صلاحيتها لمعارضة روايات القول المشهور معللاً: ((لأن هذا الخبر يحتمل شيئين:

أحدهما: ما ذكره أبو جعفر بن بابويه رحمه الله من أنه محمول على حال غيبة الإمام لأن المرأة إنما تعطى الربع من ميراث زوجها إذا كان هناك إمام يأخذ الباقي، فإذا لم يكن كان الباقي أيضاً لها.

ثانيهما: وهو الأولى عندي وهو أنه إذا كانت المرأة قريبة ولا قريب له أقرب منها فتأخذ الربع بسبب الزوجية والباقي من جهة القرابة.

والذي يكشف عما ذكرناه ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى عن البرقي عن محمد بن القاسم بن الفضيل بن يسار البصري –وهو سند معتبر- قال:

ص: 175


1- مجمع الفائدة والبرهان: 11/435.

(سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن رجل مات وترك امرأة قرابة ليس له قرابة غيرها، قال: يُدفع المال كله إليها)(1)(2).أقول باختصار وستأتي التفاصيل بإذن الله: إن الحمل الأول بعيد لوجود الإمام (عليه السلام) فعلاً، وقد بني عليه القول الثالث الآتي بالتفصيل.

أما الحمل الثاني فقد اختاره المشهور، ولم يعمل بظاهر هذه الصحيحة إلا ما حكي عن الشيخ المفيد (قدس سره) في عبارته المجملة المتقدمة؛ لذا وصف هذا القول بأنه شاذ مخالف للأصول، كما تقدم عن السيد المرتضى وابن إدريس وغيرهما (قدس الله أرواحهم جميعاً).

ولكنه حمل تبرعي ليس في الرواية ما يدلّ عليه، مضافاً إلى أن هذا الحمل يلزم منه عدم دفع الزائد عن الربع إلى الزوجة إذا لم تكن قريبة وهذا المفهوم مخالف لإطلاق الرواية.

على أن المقيّد في صحيحة البصري الآنفة (إذا انفردت الزوجة وكانت قريبة فالمال كله لها) لا تنافي إطلاق (إذا انفردت الزوجة فالمال لها) حتى يُحمل المطلق على المقيد نظير قولنا: (أكرم العالم) و (أكرم زيداً) فإنه لا يلزم منه أن يكون زيد عالماً.

ومن هذا يُعلم النظر في تقريب أحد الأعلام وجهاً لهذا الجمع، قال: ((نعم من يقول بانقلاب النسبة يمكن له توجيه هذا الوجه بأن صحيح البصري يقيِّد إطلاق نصوص كون الباقي للإمام ثم تلكم النصوص تقيّد إطلاق ما دلّ على أنه لها))(3).

ص: 176


1- وسائل الشيعة: 26/205، أبواب ميراث الأزواج، باب 5، ح1.
2- تهذيب الأحكام: ج9، كتاب الفرائض، باب 29، ميراث الأزواج، ح16.
3- فقه الصادق: 37/229.

أقول: مضافاً إلى ما قاله من أن الثابت في محله بطلان انقلاب النسبة فإن الصغرى لا تنفع في المقام، فإن نتيجة ضم الدليلين الأولين (إذا انفردت الزوجة في الميراث فلها الربع والباقي للإمام إلا إذا كانت قريبة للزوج فترث المال كله) ولا ينافي المقيد هنا إطلاق الدليل الثالث (إذا انفردت الزوجة فالمال لها) حتى يصح الجمع المذكور.

ومثله في الإشكال قول المحقق الأردبيلي (قدس سره): ((دلالتها على كون جميع المال لها غير ظاهرة)).

أقول: ظهورها في هذا المعنى واضح بل هي صريحة فيه.

وأضاف (قدس سره): ((ويمكن حملها على كون الزيادة عن ربعها عطية منه (عليه السلام) لها)).

أقول: قد سبقه إلى هذا المعنى في الدعائم(1)

وقال مثله في الوافي أيضاً.

فائدة:

قُرِّب الاستدلال على هذا القول بما ورد في الروايات من قولهم (عليهم السلام): (الإمام وارث من لا وارث له)(2)

بيانه: ((إن الإمام لا يقع في مصاف سائرالورثة، وذلك أن كلمة (لا) في هذه الأحاديث حرف لنفي الجنس، وعلى أساسه يصبح معنى الحديث: (كل من يموت ولا وارث لديه فالإمام هو وارثه) ومن الواضح أنه مع وجود المرأة، بوصفها وارثاً تعيّن له فرض في القرآن الكريم، لا يمكن اعتبار المتوفى ممن لا وارث له))(3).

أقول: يرد على هذا التقريب:-

ص: 177


1- دعائم الإسلام: 2/393.
2- وسائل الشيعة: 26/248، أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة، باب 3.
3- الشيخ يوسف صانعي، مصدر سابق: 187.

1- إن الميت بلحاظ ما زاد على الربع يعتبر ممن لا وارث له، لأن الزوجة أجنبية عنه بدلالة الروايات المتقدمة فيكون الزائد موضوعاً لهذا الحديث.

2- إن في هذا التقريب مخالفة صريحة للروايات الدالة على دفع ما زاد عن الربع للإمام فلا قيمة له، وليس للقائل إلا أن يقدّم وجهاً يأخذ بنظر الاعتبار وجود هذه الروايات ويعالج التعارض.

القول الثالث: التفصيل بين حال حضور الإمام وغيبته

اشارة

فيُردُّ عليها عند غيبة الإمام دون حضوره ونتيجة هذا القول دفع تمام المال إلى الزوجة في زماننا الحاضر.

قال الشيخ الصدوق في الفقيه معلقاً على رواية أبي بصير في رد ما زاد عن الربع إلى الإمام: ((هذا في حال ظهور الإمام (عليه السلام) فأما في حال غيبته فمتى مات الرجل وترك امرأة ولا وارث له غيرها فالمال لها))(1).

وتبعه على ذلك جملة من الأعلام كابن سعيد الحلي في (الجامع) قال: ((وإن لم يخلّف غيرها فلها الربع والباقي للإمام، وإذا لم يتمكن من سلطان العدل يرد عليها))(2).

وقال العلامة في التحرير بعد ما ذكر القولين: الرد على الإمام أو الزوجة، قال: ((الثالث: إنه يرد عليها حال غيبة الإمام لا وقت ظهوره، وهو الأقوى عندي))(3).

ص: 178


1- من لا يحضره الفقيه: 4/191.
2- الجامع للشرائع: 502.
3- تحرير الأحكام: 5/39.

وقال الشهيد في اللمعة: ((لا يرد على الزوج والزوجة إلا مع عدم كل وارث عدا الإمام، والأقرب إرثه مع الزوجة إن كان حاضراً))(1).

وحكى في مفتاح الكرامة أن المحقق الثاني قوّاه في حاشيته على المختصر النافع.

قال الشهيد الثاني: ((وتبعه الشيخ في كتابي الأخبار، وفي النهاية أنه قريب من الصواب))(2).

أقول: نسبة(3)

هذا القول إلى الشيخ في كتابي الأخبار ليست صحيحة، فقد نقلنا ترجيحه في التهذيب لعدم الرد مطلقاً ووجه الجمع في الروايات المتعارضة.

والملاحظ: أن أغلب هؤلاء الأعلام رجعوا عن هذا القول في كتبهم الأخرى فالشيخ الصدوق (قدس سره) تبع والده في رسالته حيث اختار في المقنع رأي المشهور، قال: ((فإن ترك رجل امرأة ولم يترك وارثاً غيرها فللمرأة الربع، وما بقي فلإمام المسلمين))(4).

وقوّى العلامة في المختلف قول المشهور واستدل عليه بالأصل والروايات(5)، والشهيد الأول صحّح قول المشهور في شرحه على إرشاد العلامة الموسوم (غاية المراد)(6).

واستقراب الشيخ (قدس سره) هذا التفصيل في النهاية عدل عنه في الإيجاز، قال ابن إدريس (قدس سره): ((وشيخنا أبو جعفر فقد رجع عما قرّبه في إيجازه، فقال ذووا السهام على ضربين، ذوو الأنساب، وذوو الأسباب، فذوو الأسباب

ص: 179


1- الروضة البهية: 2/297، طبعه عبد الرحيم.
2- مسالك الأفهام: 13/74.
3- وحكاه كذلك في جواهر الكلام: 39/81 ولعله نقله عن المسالك.
4- المقنع: 170.
5- مختلف الشيعة: 9/60.
6- غاية المراد: 3/579.

هم الزوج والزوجة، ولهما حالتان، حالة انفراد بالميراث، وحالة اجتماع، فإذا انفردوا كان لهم سهمهم المسمى، إن كان زوجاً النصف، والربع إن كانت زوجة، والباقي لبيت المال، وقال أصحابنا إن الزوج وحده يرد عليه الباقي بإجماع الفرقة على ذلك))(1).أقول: نفى صاحب مفتاح الكرامة(2)

دلالة العبارة على الرجوع ولا أعلم وجهاً لنفيه.

الاستدلال على هذا التفصيل:

استدل على هذا القول بأنه مقتضى الجمع بين الأخبار المتقدمة الدالة على الرد وعدمه.

قال الشيخ (قدس سره) في النهاية: ((وقال بعض أصحابنا –يعني الشيخ الصدوق في الفقيه وتقدمت عبارته- في الجمع بين الخبرين: هذا الحكم مخصوص بحال غيبة الإمام وقصور يده فأما إذا كان ظاهراً فليس للمرأة أكثر من الربع والباقي له، على ما بيّناه، وهذا وجه قريب من الصواب))(3).

أقول: علق ابن إدريس على هذا الجمع بأن ((ما قربه شيخنا أبعد مما بين المغرب والمشرق؛ لأن تخصيص الجامع بين الخبرين بما قد ذهب إليه، يحتاج فيه إلى دلالة قاهرة، وبراهين متظاهرة، لأن أموال بني آدم ومستحقاتهم لا يحل بغيبتهم، لأن التصرف في مال الغير بغير إذنه قبيح عقلا وسمعاً))(4).

أقول: يمكن تحرير عدة ردود على هذا الجمع:-

ص: 180


1- السرائر: 3/259.
2- مفتاح الكرامة: 17/293.
3- النهاية: 3/210.
4- السرائر: 3/259.

1- إنه جمع تبرعي لا دليل عليه، سوى الحرص على عدم إهمال المعتبرتين –كما ذكر الشهيد الأول في غاية المراد وغيره- فاقترح هذا الجمع، انطلاقاً من قاعدة ذكروها مفادها: أن الجمع مهما أمكن أولى من الطرح، وهي غير معتبرة إذ المفروض وجود قواعد للتعامل مع هذه الحالات كالجمع العرفي أو مرجحات باب التعارض ونحو ذلك.

2- إن هذا الجمع بعيد لأكثر من شاهد:-

أ- إن روايتي الرد وردتا عن الإمام الصادق(1)

(عليه السلام) فكيف تحمل على زمان الغيبة، وإن وُسِّع ظرفها –كما في عبارة النهاية المتقدمة- بأن ((يلحق زمانه باعتبار قصور يده بزمن الغيبة، كما ألحق غيره ذلك ممايرجع إلى الإمام كصلاة الجمعة وإقامة الحدود وغيرهما))(2).

فيردّ كبروياً بإسناد وظائف الإمام إلى نائبه العام في زمان الغيبة كقبض سهم الإمام وميراث من لا وارث له وغيرها.

وصغروياً بأن إيصال المال إلى الإمام كان ممكناً كما في روايات الأمر بالدفع إلى الإمام فكيف يحمل على هذا المعنى، بل ورد دفع المال إلى الإمام عن الإمام الكاظم (عليه السلام) كما في رواية محمد بن نعيم (رقم 3، صفحة 169) وظروفه أقسى من أبيه (صلوات الله عليهما) فافتراض عدم إمكان الوصول إلى الإمام بعيد.

ص: 181


1- في المسالك والرياض ومستند الشيعة: 19/401. والجواهر: 39/81 وغيرها أن السؤال وقع عن الباقر (عليه السلام) ومدة الفصل عن زمان الغيبة مائة وخمسون عاماً، وهو من سهو القلم والنقل عن السابق من دون تحقق ومراجعة والأمر هيّن فالمعدن واحد.
2- جواهر الكلام: 39/81.

ب- ترك الإمام الجواب عن حالة حاضرة خصوصاً وأن روايتي التهذيبين بفعل الماضي الذي قد يستشعر منه أن السؤال عن حالة واقعة فعلاً وإعطاء الجواب عن حالة مفترضة بعد أكثر من مائة عام لا مسوّغ له.

وهنا حاول السيد صاحب الرياض (قدس سره) الدفاع عن الشيخ الصدوق في اختياره هذا الجمع وأن تضعيف ابن إدريس لهذا الجمع يتوجه إلى الشيخ الطوسي لأنه ((إنما يجري في الصحيح الذي مرّ –صفحة 174 عن التهذيبين- حيث وقع التعبير فيه بلفظ الماضي، وليس يجري في المعتبر الآخر –عن الفقيه- القريب منه سنداً بابن أبي عمير عن أبان بن عثمان؛ لوقوع التعبير فيه بلفظ المضارع المحتملة لحصول المبدأ في حال الغيبة، ولم يستفصل عنه وعن حصوله في حال الحضور فيعم الجواب بالرد عليها لهما، وأول من جمع بهذا الجمع هو الصدوق في الفقيه، وهو لم يرد فيه إلا هذا الخبر، دون الصحيح الذي مرّ وبمقتضى ما ذكره المضعّف لهذا الجمع من مراعاة مدلول صيغتي الماضي والمضارع يقوي هذا الجمع ويتوجه من الصدوق، حيث أنه ذكر مما دل على عدم الرد ما وقع التعبير فيه بلفظ الماضي، وما دل على الرد بلفظ المضارع.

نعم لا يتوجه من الشيخ الذي هو مورد اعتراض الحلي؛ حيث اقتصر على ذكر الصحيح المتقدم))(1).

أقول: هذا لا يغيّر من الاستبعاد المذكور شيئاً-

أ- لعدم الفرق بين استعمال الماضي والمضارع في الدلالة على الحكم في المسألة على نحو الفتوى العامة لا الواقعة الخاصة أي على نحو

ص: 182


1- رياض المسائل: 14/373-374.

القضية الحقيقية لا الخارجية وهو معروف في الروايات والاستفتاءات.

ب- إن جملة من روايات عدم الرد وردت بصيغة المضارع كموثقة جميل وأنموثقة أبي بصير –رقم 1، صفحة 169- ((ظاهرة في العموم لحالتي الحضور والغيبة لحكايتها الحكم المذكور عن صحيفة الفرائض التي تضمنت الأحكام على سبيل القاعدة والكلية))(1).

ج-- على أن هذا التفريق مشكوك في أصله لما احتملناه من وحدة الرواية.

3- إنه من غير المعروف أن يكون في أحكام الميراث لموضوع ما حالتان إحداهما حال حضور الإمام والأخرى حال غيبته، لأن أموال الإمام لا تكون ملكاً شخصياً لأحد في الغيبة وإنما يتصرف بها النائب العام للإمام كسائر وظائفه واستحقاقاته الأخرى.

4- إن لفظ (الإمام) في مثل هذه الموارد التي تبيّن الوظائف الاجتماعية للإمام كإقامة الجمعة ونصب القضاة وإعطاء الإذن في مواضعه كالجرح في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتصرف في حق الإمام وغيرها لا يختص بالإمام المعصوم، وإنما تنتقل هذه الوظائف إلى نائبه العام وهو المجتهد العادل الجامع لشروط ولاية أمور المسلمين، وقد أشرنا إلى هذا المعنى في مواضع سابقة(2)، ويستظهر هذا المعنى من روايات عديدة كقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة قال: (من نصب نفسه

ص: 183


1- رياض المسائل: 14/371.
2- فقه الخلاف: 2/308 في مبحث صلاة الجمعة، ط. الثانية، و 9/327 في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ط. الثانية.

للناس إماماً فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره..)(1).

وصحيحة بريد العجلي قال: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن مؤمن قتل رجلاً ناصباً معروفاً بالنصب على دينه غضباً لله تعالى، يُقتل به؟ فقال: أما هؤلاء فيقتلونه –أي اقتصاصاً-، ولو رفع إلى إمام عادل ظاهر لم يقتله، قُلت: فيبطل دمه؟ قال: لا، ولكن إن كان له ورثة فعلى الإمام أن يعطيهم الدية من بيت المال لأن قاتله إنما قتله غضباً لله عز وجل وللإمام ولدين المسلمين)(2).والرواية عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن على الإمام أن يخرج المحبَسين في الدَين يوم الجمعة إلى الجمعة ويوم العيد إلى العيد ويرسل معهم فإذا قضوا ردّّهَم إلى السجن)(3).

وعلى هذا فالتفصيل المذكور لا موضوع له لأن النائب العام عن الإمام المعصوم هو ولي الأمر الذي يدفع إليه الزائد عن ربع الزوجة، وهو وارث من لا وارث له في زمان غيبة المعصوم لذا لم يترددوا في دفع هذا الميراث له في غير هذا المورد كمال السائبة، فلماذا هذا التردد هنا؟.

نصرة القول المشهور:

يمكن إثبات صحة قول المشهور بعدة مستويات:

المستوى الأول: منع وقوع المعارضة أصلاً وسقوط المعتبرتين بنحو وآخر عن المعارضة كقول ابن إدريس: ((إن الجمع إنما يكون مع التعارض وإمكان الجمع، وهو منفي هنا؛ لأن فتوى الأصحاب لا يعارضها خبر الواحد)).

ص: 184


1- الأحاديث السبعة تجدها في وسائل الشيعة: أبواب الأمر والنهي، باب 10، ح 6، 2، 3، 7، 9، 11، 5، 4.
2- وسائل الشيعة: 29/132، ح2، أبواب القصاص في النفس، باب 68.
3- وسائل الشيعة: كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة وآدابها، باب21، ح1.

أقول: عبارته الأخيرة قاسية على من يؤمن بعصمة أهل البيت (عليهم السلام) وهي وأمثالها في جانب التفريط بالروايات دفعت إلى نشوء المنهج الأخباري الذي وقع في جانب الإفراط، وستأتي مناقشة ما ذكره (قدس سره) من المرجّح وتوجيهه إن شاء الله تعالى.

وكقول المحقق الأردبيلي (قدس سره): ((ولو سُلّم دلالتها ومعارضتها يمكن حذفها بواحدة أو بالكل مما يعارضه، ويبقى الباقي وظاهر القرآن على حالها))(1).

أقول: نحن لا نعتمد طريقة تسقيط الروايات المتعارضة واحدة بواحدة واعتماد الباقي لعدم الدليل عليها، بل الدليل على خلافها حيث لا تضر بالاعتبار قلة وكثرة الروايات.

وكقول السيد صاحب مفتاح الكرامة (قدس سره): ((فاطراحها أولى من تأويلها بأنه (عليه السلام) وهبه حقّه أو أنها قريبة للزوج))(2).

أو قول صاحب الجواهر (قدس سره): ((بل لا مكافأة لصحيح الرد المزبور لما دلّ على عدمه من النصوص المتعددة الموافقة للأصل وظاهر الكتاب وفتوى الأصحاب حتى يحتاج إلى الجمع))(3).

المستوى الثاني: حصول التعارض ومحاولة الجمع العرفي من قبيل حملها على ما ذكره الشيخ الطوسي (قدس سره) بضم قرينة انتشار التزويج بين الأقرباء حتى تحوّلت إلى ظاهرة عامة، ورد فيها التشجيع على الزواج من غير

ص: 185


1- مجمع الفائدة والبرهان: 11/435.
2- مفتاح الكرامة: 17/293.
3- جواهر الكلام: 39/82.

الأقرباء(1)

وأن الراوي أغفل ذكر هذه العلقة في الرواية لمعرفة الإمام بها أو لأي سبب آخر، وهو احتمال وارد.

وقد تُرَدّ هذه القرينة بما ورد في حرمان الزوجة من العقار بأنها لا نسب لها مع الزوج فإذا تزوجت غيره ادخلت الغرباء في أرض العشيرة، وهذه الحكمة للتشريع وردت في الروايات مما يدل على أنها غالبة عكس القرينة السابقة.

ص: 186


1- توجد في ذلك بعض الروايات المرسلة الضعيفة، فقد روي بلفظ (اغتربوا ولا تضووا) في (المجازات النبوية للشريف الرضي: 78 ح59) وفي (الجامع للشرائع ليحيى بن سعيد الحلي: 456 عن ابن منظور) وقال الشهيد الأول في (القواعد والفوائد: 381) باستحباب الزواج من الأقرباء ((لما فيه من الجمع بين الصلة وفضيلة النكاح، وقيل: يستحب التباعد للخبر))، وأرسله ابن قدامة في (المغني: 7/469). وفي شرح الأزهار، للإمام أحمد المرتضى: 2/201 قال: ((قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تنكحوا القريبة فإن الولد يخلق منها ضوياً) أي نحيفاً و يروى: (اغتربوا ولا تضووا) أي انكحوا في الغرائب فإن ولد الغريبة أنجب وأقوى وأولاد القريبة أضوى أي أضعف..)). وروي هذا الحديث وأمثاله بلا إسناد في الغرائب وكتب اللغة وضعفه بعض محققيهم. وقد تكذَّب هذه الأحاديث بزواج أمير المؤمنين (عليه السلام) من فاطمة (عليها السلام)، وأجيب بأن المقصود من الأقرباء أول درجة يحل الزواج منها كابنة العم والعمة والخال والخالة وأن الزهراء (عليها السلام) ابنة ابن عم أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولكن هذا الجواب غير كافٍ لدفع الإشكال فقد تزوج الإمام السجاد (عليه السلام) ابنة عمه الحسن (عليه السلام) وتزوج الحسن بن الحسن ابنة عمه فاطمة بنت الحسين (عليه السلام). نعم تنصح التقارير الطبية بالزواج من البعيدات نسبياً لأن زواج الأقرباء يساهم في انضمام العوامل الوراثية الضعيفة في الأسرة فيزداد المولود ضعفاً وقد تنضم العوامل الوراثية القوية إلى بعضها فتزداد قوة.

أو حملها على كون الزوجة مصرفاً لحق الإمام أي ينطبق عليها ما ورد في صحيحة علي بن مهزيار المتقدمة: ((وحقهما من ذلك الثمن إن كان له ولد، فإن لم يكن له ولد فالربع، وتصدق بالباقي على من تعرف منه حاجة إن شاء الله تعالى)).

أو أنها هبة من الإمام –كما عن دعائم الإسلام والأردبيلي والوافي- ونحو ذلك.المستوى الثالث: استقرار التعارض لعدم الاطمئنان بأي جمع عرفي، وحينئذٍ يكون الإجراء الترجيح بالمرجحات المنصوصة، وإلا تتساقط الطائفتان بالتعارض ونأخذ بالعمومات والأصول الجارية في المقام.

وقد قالوا هنا بترجيح روايات قول المشهور لما قيل من موافقتها للكتاب وصريحُه أن استحقاق الزوجة الربع، ولأنها هي المشهورة بين الأصحاب، ولأن القول المشهور موافق أيضاً للعمومات وللأصل، أما المعارض فهو شاذ لم يعمل به كما ذكر الأصحاب كالسيد المرتضى وابن إدريس، وإعراض المشهور عن الرواية مع صحتها وانتشارها بينهم لا يكون إلا لاطلاعهم على سبب يسقطها عن الاعتبار ويوجب ضعفها أو تأويلها، ونحو ذلك مما قالوه.

أقول: يمكن ردّ جملة من هذه المرجحات فالكتاب ذكر الربع للزوجة على نحو اللابشرط وليس بشرط لا، فآيته لا تنفي إمكان الرد وإنما يبين أصل الفرض من دون تعرض لإمكان الرد وعدمه، لذا لم يجدوا بأساً في الرد على الزوج مع أنه منصوص الفرض كالزوجة، ونفس الكلام يجري في ما استدلوا به من العمومات، أما الشهرة فهي فتوائية فلا تكون مرجحة، وإنما المرجّح الشهرة الروائية وهي متحققة في الطائفتين.

أما ما قيل من أن إعراض المشهور يوهن الرواية خصوصاً إذا كانت معتبرة فهذا مما لا نعتد به إلا إذا ثبت المناط الذي قالوه وهو وقوفهم على ما

ص: 187

يوجب الإعراض عن النص أو تأويله على غير المعنى الظاهر منه، أي بأن يكون الإعراض تعبدياً وأنى لنا أن نثبت ذلك وإنما هو مجرد دعوى وظن وتخمين، ولعل إعراضهم لترجيح القول المشهور بكثرة عدد الروايات أو لموافقته لظاهر الكتاب، أو أن اختيارهم لهذا القول جاء انسياقاً مع ارتكاز فقهي بأن للرجل فضلاً على الأنثى في الميراث مطلقاً إلا ما خرج بدليل، فهذا كله مما يقلل الاطمئنان بكون اختيار المشهور تعبدياً، ولا يجعل إعراضه موهناً للرواية.

نعم مما يوهن العمل بظاهر روايتي الرد على الزوجة مضافاً إلى الاستبعادات السابقة المذكورة (صفحة 181) وما بعدها أمران:-

1- إعراض الآخذين بها -من خلال الجمع بينهما وبين الطائفة الأولى بالقول الثالث- عنها في كتبهم اللاحقة كما بيّنا فضلاً عن علماء المشهور بما فيهم القدماء كوالد الشيخ الصدوق(1) في رسالته الذين أعرضوا عنها ابتداءً حتى ادعى إجماعهم مما يقوّي تعبدية الإعراض.

2- إن مصدر هاتين الروايتين –وهو أبو بصير- هو نفسه راوي الروايات الكثيرة عن الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) في دفع الزائد إلى الإمام، وفي بعضها أن الإمام الباقر (عليه السلام) أراه هذا الحكم في صحيفة الفرائض عن علي (عليه السلام)، فلا بد أن يكون عنده وجه لروايات الرد لا يتنافى مع روايات الدفع إلى الإمام كبعض ما ذكرناه من أنحاء الجمع في المستوى الثاني، وإن لم يصرّح به في الروايات.

ص: 188


1- فقه الرضا (عليه السلام): 287، قال: ((إذا ترك الرجل امرأة فللمرأة الربع وما بقي فللقرابة إن كانت له قرابة فإن لم يكن له قرابة جعل ما بقي لإمام المسلمين)) وقال ابنه الصدوق مثله في (المقنع:170).
القول المختار:

أما ما نختاره فهو قول المشهور أي أن الزوجة لها الربع بحسب الفرض، أما الباقي فإنه لا يُدفع إلى بيت المال مباشرة وإنما يوضع تحت تصرف الإمام فيستعلم حال الزوجة فإن كانت مصرفاً له ككونها مؤمنة محتاجة أو أنها تريد إقامة مشروع خيري إنساني ساعدها به، وإلا وضعه في مصارف بيت مال المسلمين، وعلى هذا نفهم تصرّف الإمام في صحيحتي الرد.

ومن هذا يُعلم الفرق بين دفع المال إلى الإمام أو إلى بيت المال وفاقاً للصدوق الذي فرّق بينهما في باب الميراث بالولاء وخلافاً للشيخ الطوسي الذي ((ما فرق بين كونه للإمام وبين كونه من بيت مال المسلمين))(1)، وخلافاً لمن قال: ((ليس ثمة اختلاف فاحش وواضح بين عنواني (الإمام) و (بيت المال) فإن التعبيرين يهدفان إلى أمر واحد وهو أن يُعطى المال للإمام حتى يصرفه في مصالح المسلمين وليس ذلك سوى بين مال المسلمين))(2).

حكمة التفصيل بين الزوج والزوجة

ذكر بعض الأعلام المعاصرين وجهاً اعتبارياً لتأييد الرد على الزوج دون الزوجة، قال (دام ظله): ((ويمكن أن تكون مسألة الرد عند موت الزوجة دون موت الزوج، راجعة إلى أن منتج الثروة وموفرها هو الزوج، وهو الذي جعلها في متناول الزوجة وملّكها إياها بطرق مختلفة، فإذا ماتت الزوجة فالأولى بها هو نفس الزوج الذي عانى في سبيل تنميتها وتوفيرها.

وهذا بخلاف ما إذا توفي الزوج عن زوجة وليس معها أي وارث فإن الزوجة تأخذ إرثها أعني: الثمن أو الربع، وأما الباقي فالأولى به هو الزوج،

ص: 189


1- مجمع الفائدة والبرهان: 11/466.
2- الشيخ يوسف صانعي، مصدر سابق: 188.

وبما أنه مات فإن الإمام أو الحاكم الشرعي هو الذي يتولى صرفه في مصارفه ويتصدق به عنه ويهدى ثواب ذلك إلى الزوج، بخلاف ما إذا ردّ إلى الزوجة، فإنها تصرفه في مصالحها الشخصية، دون المصالح العامة التي تعود بالخير على الزوج الميت دون المصالح العامة))(1).

أقول: يمكن اعتبار هذا الوجه بياناً للحكمة الغالبة في التفصيل بين الزوجين ولا يستحق أزيد من ذلك سواء على مستوى التأييد أو الاستدلال لوضوح ابتنائه على الاستحسان.

ص: 190


1- مسائل فقهية للشيخ جعفر سبحاني: 2/606.

البحث الرابع: إرث الزوجة من العقار

اشارة

ص: 191

ص: 192

بسم الله الرحمن الرحيم

البحث الرابع:

إرث الزوجة من العقار

وصف جملة من المحققين هذه المسألة بأنها من مشكلات الفن كالمحقق الأردبيلي والمحقق السبزواري والسيد العاملي(1)

(قدس الله أرواحهم)، وذلك لأن مقتضى إطلاقات الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة إرث الزوجة فرضها من كل ما يترك الزوج وعدم حرمانها من شيء وبالعكس، قال تعالى: «وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ» (النساء: 12).

أقول: قُرِّبَ الاستدلال من جهتين:-

أ- عموم صلة الموصول في (ما تركتم) إذ الموصول يفتقر إلى الصلة، ولا يحتمل كونها عهدية لعدم وجود عهد في البين، ((وتعيين بعض أفراد ما يمكن أن تكون صلة، للصلة دون بعض ترجيح بلا مرجّح، فحينئذٍ كل ما يصدق هذا مما تركه الزوج فالآية الشريفة تعمّه))(2).

ب- ظهور فرض الربع والثمن في التحديد المانع من النقصان.

وقد ورد التصريح بعدم النقصان في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (وإن الزوج لا ينقص من النصف شيئاً إذا لم يكن ولد، والزوجة لا تنقص من الربع شيئاً إذا لم يكن ولد، فإذا كان معهما ولد فللزوج الربع وللمرأة الثمن)(3).

ص: 193


1- مجمع الفائدة والبرهان: 11/442، 456، كفاية الفقه: 2/861، مفتاح الكرامة: 17/302.
2- تقريرات ثلاثة للسيد البروجردي (قدس سره): 99.
3- وسائل الشيعة: 26/195، أبواب ميراث الأزواج، باب 1.

وقد أكّدت هذه الإطلاقات صحيحة الفضل بن عبد الملك و (في التهذيب أو) ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (سألته عن الرجل هل يرث من دار امرأته أو أرضها من التربة شيئاً؟ أو يكون في ذلك بمنزلة المرأة فلا يرث من ذلك شيئاً؟ فقال: يرثها وترثه من كل شيء ترك وتركت)(1).ويشهد(2)

لها رواية عبيد بن زرارة وفضل أبي العباس (وهو ابن عبد الملك المذكور آنفاً الملقب بالبقباق) قالا: (قلنا لأبي عبد الله (عليه السلام): ما تقول في رجل تزوج امرأة ثم مات عنها وقد فرض الصداق؟ قال: لها نصف الصداق وترثه من كل شيء، وإن ماتت فهو كذلك)(3).

ويستدل على هذا الإطلاق أيضاً بصحيحتي أبي بصير في مسألة توارث الزوجين عندما لا يكون أحد سواهما عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قلت له: رجلٌ مات وترك امرأته، قال: المال لها)(4).

وبروايات عديدة ذُكرت في أبواب متفرقة كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (سألته عن الرجل يتزوج المرأة ثم يموت قبل أن يدخل بها، فقال: لها الميراث كاملاً)(5)

إلى آخر الحديث.

أقول: مؤدى هذه الأدلة أن الزوجة تستحق نصيبها من كل ما ترك الزوج.

ص: 194


1- وسائل الشيعة: كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، باب 7، ح1.
2- سندها معتبر إلا من جهة المعلّى بن محمد الذي لم تثبت وثاقته إلا أن النجاشي قال: (كتبه قريبة) وقال ابن الغضائري عن روايته: أنها تصلح أن تخرَّج شاهداً.
3- وسائل الشيعة: 21/329، أبواب المهور، باب 58، ح9.
4- وسائل الشيعة: 26/203، أبواب ميراث الأزواج، باب 4، ح6، 9.
5- من لا يحضره الفقيه: ج4، كتاب الفرائض والمواريث، باب المتوفى عنها زوجها.

هذا ولكن المشكلة تبدأ من ذهاب مشهور الإمامية –الذي ادعي الإجماع عليه- إلى خلاف هذا الإطلاق للآيات والروايات وحرموا الزوجة من بعض الميراث في الجملة، ولذا قال عنها المحقق الأردبيلي (قدس سره): ((المسألة من مشكلات الفن، الله يعين على تحقيق الحال)) وعلله (قدس سره): ((لأنها خلاف ظاهر القرآن وعموم الأخبار الكثيرة الدالة على أن الزوجين يرثان كل واحد من صاحبه من جميع ما ترك كسائر الورثة، فإخراج الزوجة منها مشكل))(1).

وهذا الحكم من مختصات الإمامية، فلم يقل به غيرهم لأنهم لم ينهلوا من معين أهل البيت الصافي (سلام الله عليهم وصلواته).

قال السيد المرتضى (قدس سره): ((ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الزوجة لا ترث من رباع المتوفى شيئاً بل تُعطى بقيمة حقِّها من البناء والآلات دون قيمة العراص وخالف باقي الفقهاء في ذلك ولم يفرّقوا بين الرباع وغيرها في تعلقحق الزوجات))(2)، وقال في الموصليات الثانية، المسألة الثالثة والتسعين: ((إن المرأة لا ترث شيئاً، ولكن تعطى حصتها بالقيمة من البناء والآلات))(3).

وقال الشيخ (قدس سره) في الخلاف: ((لا ترث المرأة من الرباع، والدور، والأرضين شيئاً، بل يُقوَّم الطوب والخشب فتعطى حقها منه. وخالف جميع الفقهاء في ذلك، وقالوا: لها الميراث من ذلك جميعه، ودليلنا: إجماع الفرقة وإخبارهم))(4).

ص: 195


1- مجمع الفائدة والبرهان: 11/442، 456.
2- الانتصار: 301.
3- تقريرات ثلاثة: 104.
4- الخلاف: 4/116.

أقول: اشتهر هذا الحكم عن الإمامية حتى عند مخالفيهم فقد نقل الشيخ المفيد في المسائل الصاغانية حواراً له مع بعض المتعصبين جاء فيه: ((قال الشيخ الناصب: ومما خالفت به هذه الفرقة الضالة الأمة كلها قولهم: في المواريث فمن ذلك أنهم منعوا الزوجات ما فرضه الله تعالى لهن في كتابه بقوله: «وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ» الآية تعم جميع التركة بما يقتضي لهن الميراث منها، فقال هؤلاء القوم إن الزوجات لا يرثن من رباع الأرض شيئاً فحرموهن ما أعطاهن الله في كتابه وخرجوا بذلك من الإجماع وخالفوا ما عليه فقهاء الإسلام.

قال الشيخ رحمه الله: من أين زعمت أن الشيعة خالفت الأمة في منعها النساء من ملك الرباع على وجه الميراث من أزواجهن وكان آل محمد عليهم السلام يروون ذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويعملون به فأي إجماع يخرج منه العترة الطاهرة وشيعتهم لولا عنادك وعصبيتك، وأما ما تعلقت به من عموم الكتاب فلو عرى من دليل خصوصية لتم لك الكلام لكن ذلك خصوصية برواية الشيعة عن أئمة الهدى من آل محمد عليهم السلام بأن المرأة لا تورث من رباع الأرض شيئاً لكنها تعطى قيمة البناء والطوب والخشب والآلات إذا ثبت الخبر عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) بذلك يجب القضاء بخصوص العموم من الآية التي تعلقت بها وليس خصوص العموم بخبر متواتر منكراً عند أحد من أهل العلم، إلى آخر كلامه رحمه الله)).

أقول: يشير (قدس سره) بأن المبنى الذي سرنا عليه صحيح عندهم أيضاً وهو تخصيص عمومات الكتاب وتقييد إطلاقاته بالروايات الصحيحة، إلا أنهم خالفونا لأنهم لم يأخذوا برواية أهل البيت (عليهم السلام) لسوء توفيقهم.

((قال رحمه الله: ثم قال هذا الشيخ الضال: فأدّى قولهم إلى أن الرجل يخلف ضياعاً وبساتين فيها أنواع من الشجر والنخيل والزروع يكون قيمتها من مائة ألف دينار إلى أكثر فلا يعطون الزوجات منها شيئاً، فهذا قول لم يقل به كافر فضلاً عن أهل الإسلام. فيقال له: زادك الله ضلالة وأعمى عينيك كما

ص: 196

أعمى قلبك، إلى أن قال: والرباععند أهل اللغة هي الدور والمساكن خاصة فليس لما سواها مدخل فيها فافهم ذلك.. إلى آخره منه))(1).

القول بالخلاف:

أقول: هذا ولكن حكي الخلاف والالتزام بمقتضى إطلاق الآيات والروايات وتوريث الزوجة مطلقاً مما ترك الزوج مطلقاً عن ابن الجنيد، فقد حكى العلامة (قدس سره) عنه قوله: ((وإذا دخل الزوج أو الزوجة على الولد والأبوين، كان للزوج الربع، وللزوجة الثمن من جميع التركة عقاراً أو أثاثاً وصامتاً ورقيقاً وغير ذلك، ولم يخصص الولد بأنه من الزوجة))(2).

وقرّب صاحب الجواهر (قدس سره) دلالتها على إطلاق استحقاق الزوجة مطلقاً بقوله: ((وإطلاق الولد في كلامه الشامل لمن كان من الزوجة وغيرها يدل على أن مذهبه أن الزوجة مطلقاً وإن لم تكن ذات ولد ترث الثمن من جميع تركة زوجها من دون تخصيص، ويلزمه إرثها من جميع التركة الربع إذا لم يكن للزوج ولد))(3).

أقول: وسّع البعض دائرة القائلين بالخلاف إلى جملة من أعلام القدماء، قال صاحب الجواهر (قدس سره): ((قد يقال: إن خلو جملة من كتب الأصحاب على ما قيل كالمقنع والمراسم والإيجاز والتبيان ومجمع البيان وجوامع الجامع والفرائض النصيرية عن هذه المسألة مع وقوع التصريح في جميعها بكون إرث الزوجة ربع التركة أو ثمنها الظاهر في العموم ربما يؤذن بموافقة الاسكافي، بل لعل الظاهر عدم تعرض علي بن بابويه وابن أبي عقيل لذلك أيضاً وإلا لنقل،

ص: 197


1- مستدرك الوسائل: 17/195.
2- مختلف الشيعة: 9/53.
3- جواهر الكلام: 39/207.

بل لعل خلو الفقه الرضوي الذي هو أصل الأول منهما ومعتمده مما يؤيد موافقته أيضاً.

بل لعل جميع رواة الصحيح – الذي هو مستند ابن الجنيد بعد عموم الكتاب والسنة - عن أبي عبد الله (عليه السلام) مذهبهم ذلك، لأن مذاهب الرواة تعرف بروايتهم، وقد رواه ابن أبي يعفور وأبان والفضل ابن عبد الملك))(1).

أقول: بل حكي عن صاحب الدعائم الإجماع على استحقاق الزوجة مطلقاً من التركة مطلقاً، قال (قدس سره): ((عن أهل البيت (عليهم السلام) مسائل جاءت عنهم في المواريث مجملة، ولم نر أحداً فسرها، فدخلت على كثير من الناس الشبهة من أجلها، فرأينا إيضاح معانيها ليعلم المراد فيها، وبالله التوفيق، وإن كنا لم نبن هذا الكتاب علىفتح المقفل وإيضاح المشكل وبيان المختلف فيه، وإنما قصدنا فيه الاختصار والاقتصار على الثابت من المسائل والأخبار، ولكن لما كان ظاهر هذه المسائل يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأئمة والأمة ودخلت على كثير من أصحابنا من أجلها الشبهة ولمزهم بها كثير من العامة فرأينا إيضاحها)).

ثم ذكر ما روي عنهما (عليهما السلام) أيضاً من أن النساء لا يرثن من الأرض شيئاً، إنما تعطى قيمة النقض، وقال في توجيهه: ((وهذا أيضاً لو حمل على ظاهره وعلى العموم لكان يخالف كتاب الله والسنة وإجماع الأئمة والأمة - ثم أوّله بالأرض المفتوحة عنوة لكونها ردّاً للجهاد، وتقوية لرجال المسلمين على الكفار والمشركين أو بالأوقاف التي ليس للنساء فيها حظ، ولا يشاركن

ص: 198


1- جواهر الكلام: 39/207-208.

الرجال فيها إلا في قيمة النقض - فأما ما كان من الأرض مملوكاً للموروث فللنساء منه نصيب، كما قال الله تعالى، هذا الذي لا يجوز غيره))(1).

أقول: يحتمل أن يريد صاحب الدعائم بالإجماع حرمان مطلق النساء من الأرض كما هو ظاهر الرواية التي وجّهها بدليل المقابلة في كلامه مع الرجال واستفاداتهم من الأرض فهو لا ينكر حرمان الزوجة خاصة من العقار.

الاستدلال على حرمان الزوجة من العقار في الجملة:

استدل على أصل حرمان الزوجة من العقار وغيره في الجملة بأكثر من وجه:

الأول: الإجماع ((المحكي بل والإجماع المحصَّل فلا ينبغي الإطناب فيه))(2).

أما خلاف ابن الجنيد فقد وُصف في كشف الرموز بأنه متروك وفي الرياض أنه شاذ وفي غاية المراد أنه ((قد سبقه الإجماع وتأخّر عنه)) ومثله في المهذب وغاية المرام.

أقول: يمكن نفي نسبة الخلاف لابن الجنيد أصلاً؛ لأنه إنما يصح بناءً على إرادة الإطلاق من كلامه المتقدم (صفحة 197) لذا ذيّل العلامة (قدس سره) حكاية الخلاف بهذا الإطلاق، وعبارة ابن الجنيد لا يظهر منها إرادة الإطلاق صريحاً لاحتمال أنه يريد بالولد كونه من هذه الزوجة المفروضة في المسألة باعتبارها الغالبة فيكون قول ابن الجنيد تفصيلاً بين ذات الولد فترث من التركة كلها وغير ذات الولد فلا ترث في الجملة وهو مشهور القدماء كما سيأتي، ومع هذا الاحتمال لا يمكن القطع بنسبة الخلاف إلى ابن الجنيد وإن اشتهر على ألسن

ص: 199


1- جواهر الكلام: 39/208-209 عن دعائم الإسلام: 2/390-395.
2- جواهر الكلام: 39/201.

الأصحاب تبعاً لما أورده العلامة (قدس سره) ولذاشكك صاحب مفتاح الكرامة في هذه النسبة قال (قدس سره): ((فبيان حكم الزوجة مع الولد لا بدونه من أنه ترث من جميع التركة ليس إلا لنكتة، وليس هي بحسب الاحتمال إلا التنبيه على حكم الزوجة ذات الولد وأنها كالزوج اتحدت أو تعددت)).

وقال: ((فكلامه ليس نصّاً فيما نُسب إليه، على أنا لم نجد نسبة الخلاف عليه قبل (المختلف) وإلا فهذا (كاشف الرموز) وغيره مما أعد لنقل الخلاف لم ينقل عنه في ذلك خلافاً.

ثم إن المصنف –وهو العلامة طاب ثراه- لم ينسبه إليه في (المختلف) على البت وإنما قال بعد أن نقل عبارته السالفة ما نصّه: ولم يخصص الولد بأنه من الزوجة))(1).

وأما كلام الدعائم فإنه تأويل بعيد لاشتراك الزوجة وغيرها في هذا الحظر فما معنى ورود هذه الروايات الكثيرة في حرمان الزوجة من العقار، لذا وصفه صاحب الجواهر (قدس سره) بأنه ((من غرائب الكلام، بل هو كلام غريب عن الفقه والفقهاء والرواة والروايات، وإنما نقلناه ليقضي العجب منه، وإلا فهو لا يقدح في دعوى سبق الإجماع ابن الجنيد ولحوقه المستفاد ذلك من تسالم النصوص عليه التي هي فوق مرتبة التواتر والفتاوى التي لا ينافيها عدم تعرض بعض الكتب للمسألة، ولعله لوضوحه وظهوره، بل العامة تعرف ذلك من الإمامية))(2).

أقول: سنتعرض لمناقشة هذه الكلمات حينما نعرض أدلة المشهور لاحقاً بإذن الله تعالى.

ص: 200


1- مفتاح الكرامة: 17/304.
2- جواهر الكلام: 39/210.

الثاني: الروايات وقد وُصفت بأنها متواترة، وسنقدم بالذكر المعتبرات منها وليس على أساس ترتيبها في الوسائل(1):-

1- صحيحة الفضلاء زرارة وأخيه بكير وفضيل وبريد ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام): (إن المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دار أو أرض إلا أن يقوم الطوب والخشب قيمة فتعطى ربعها أو ثمنها إن كان (لها ولد)(2) من قيمة الطوب والجذوع والخشب).

2- صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): (إن المرأة لا ترث مما ترك زوجها من القرى والدور والسلاح والدواب شيئاً، وترث من المال والفرش والثياب ومتاع البيت مما ترك، وتقوم النقض والأبواب والجذوع والقصب فتعطى حقها منه).

3- صحيحة العلاء بن رزين (عن محمد بن مسلم –الكافي)(3)

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (ترث المرأة الطوب ولا ترث من الرباع شيئاً قال: قلت: كيف ترث من الفرع ولا ترث من الرباع شيئاً؟ فقال (لي): ليس لها منه نسب ترث به وإنما هي دخيل عليهم فترث من الفرع ولا ترث من الأصل ولا يدخل عليهم داخل بسببها).

4- معتبرة ميسَّر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (سألته عن النساء ما لهن من الميراث؟ قال: لهن قيمة الطوب والبناء والخشب والقصب، فأما الأرض والعقارات فلا ميراث لهن فيه، قال: قلت: فالبنات؟ قال:

ص: 201


1- وسائل الشيعة: كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، باب6.
2- هذه الزيادة في الكافي دون التهذيب والاستبصار.
3- في الكافي: العلاء عن محمدبن مسلم، وفي قرب الإسناد: 56: العلاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) مباشرة.

البنات لهن نصيبهن منه، قال: قلت: كيف صار ذا، ولهذه الثمن، ولهذه الربع مسمى؟ قال: لأن المرأة ليس لها نسب ترث به، وإنما هي دخيل عليهم، إنما صار هذا كذا لئلا تتزوج المرأة، فيجيء زوجها أو ولدها من قوم آخرين فيزاحم قوماً آخرين في عقارهم) الحديث.

5- صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً).

6- صحيحتهما أيضاً عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (لا ترث النساء من عقار الأرض شيئاً).

7- صحيحتهما عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لا ترث النساء من عقار الدور شيئاً ولكن يقوَّم البناء والطوب وتُعطى ثُمنها أو ربعها، قال: وإنما ذلك لئلا يتزوجن فيفسدن على أهل المواريث مواريثهم).

8- صحيحتهما عن أبي جعفر (عليه السلام): (إن النساء لا يرثن من الدور ولا من الضياع شيئاً إلا أن يكون أحدث بناءً فيرثن ذلك البناء).

9- موثقة عبد الملك بن أعين عن أحدهما (عليهما السلام) قال: (ليس للنساء من الدور والعقار شيء).

10- صحيحة(1) الأحول عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: (لا يرثن النساء من العقار شيئاً ولهن قيمة البناء والشجر والنخل) يعني من البناء: الدور وإنما عنى من النساء: الزوجة.

ص: 202


1- احتمل السيد البروجردي (قدس سره) في (تقريرات ثلاثة) وجود إرسال فيها لأن الحسن بن محبوب من الطبقة السادسة والأحول من الطبقة الرابعة، ويرد عليه أن هذا بنفسه ليس مانعاً؛ لوجود أسناد عالية وقرب الأسناد، إلا أن يثبت عدم رواية الحسن عن الأحول، وسيأتي (صفحة 283) تحقيق مفصّل فيه إن شاء الله تعالى.

11- رواية يزيد الصائغ قال: (سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن النساء لا يرثن من رباع الأرض شيئاً ولكن لهن قيمة الطوب والخشب قال: فقلت له: إن الناس لا يأخذون بهذا فقال: إذا وليناهم ضربناهم بالسوط، فان انتهوا وإلا ضربناهم بالسيف عليه). أقول: هذا في الكافي والتهذيب والاستبصار، وروى في الكافي بطريق آخر عن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (سألته عن النساء، هل يرثن من الأرض؟ فقال: لا، ولكن يرثن قيمة البناء، قال: قلت: إن الناس لا يرضون بذلك، قال: إذا ولينا فلم يرضوا ضربناهم بالسوط، فإن لم يستقيموا ضربناهم بالسيف).

أقول: الروايتان ظاهرتان في كونهما واحدة لكن الرواة عن يزيد نسبوها تارة إلى الإمام الباقر (عليه السلام) وأخرى عن الصادق (عليه السلام).

12- معتبرة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إنما جعل للمرأة قيمة الخشب والطوب لئلا يتزوجن فيدخل عليهم - يعني: أهل المواريث من يفسد مواريثهم-).

13- معتبرة زرارة وطربال بن رجاء عن أبي جعفر (عليه السلام): (أن المرأة لا ترث مما ترك زوجها من القرى والدور والسلاح والدواب شيئاً، وترث من المال والرقيق والثياب ومتاع البيت مما ترك، ويقوم النقض والجذوع والقصب فتعطى حقها منه).

14- رواية(1)

محمد بن سنان (أن الرضا (عليه السلام) كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله: علّة المرأة أنها لا ترث من العقار شيئاً إلا قيمة

ص: 203


1- في كتاب (تقريرات ثلاثة: 103، 108) لبحوث السيد البروجردي (قدس سره) ((وذكر العلماء (رحمهم الله) أنه –أي محمد بن سنان- زعم أنه سمعه عنه (عليه السلام) )).

الطوب والنقض لأن العقار لا يمكن تغييره وقلبه والمرأة قد يجوز أن ينقطع ما بينها وبينه من العصمة ويجوز تغييرها وتبديلها وليس الولد والوالد كذلك لأنه لا يمكن التفصي منهما والمرأة يمكن الاستبدال بها، فما يجوز أن يجيء ويذهب كان ميراثه فيما يجوز تبديله وتغييره إذا أشبهه، وكان الثابت المقيم على حاله كمن كان مثله في الثبات والقيام).

15- رواية موسى بن بكر الواسطي قال: (قلت لزرارة: إن بكيرا حدثني عن أبي جعفر (عليه السلام): أن النساء لا ترث امرأة مما ترك زوجها من تربة دار ولا أرض إلا أن يقوّم البناء والجذوع والخشب فتعطى نصيبها من قيمة البناء، فأما التربة فلا تعطى شيئاً من الأرض ولا تربة دار، قال زرارة: هذا لا شك فيه).

16- رواية بصائر الدرجات عن محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير، (عن الحسين بن أبي مخلد)، عن عبد الملك قال: (دعا أبو جعفر (عليه السلام) بكتاب علي عليه السلام فجاء به جعفر مثل فخذ الرجل مطوياً فإذا فيه: أن النساء ليس لهن من عقار الرجل (إذا توفى عنهن) شيء، فقال أبو جعفر عليه السلام: هذا والله خط علي (عليه السلام) بيده وإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله)(1).

أقول: يحصل من مجموع هذه الروايات القطع بصدور حكم عن المعصومين (عليهم السلام) بحرمان الزوجة من الأرض في الجملة حتى وإن لم نقل بتواترها عدداً باعتبار تداخل جملة منها مع بعضها وربما سنبيّن ذلك لاحقاً.

ص: 204


1- لعل هذه الرواية هي ما أراده الشيخ المفيد (قدس سره) بقوله في المقنعة: ((وهذا –أي الحكم بالحرمان- منصوص عنه (صلى الله عليه وآله) وعن الأئمة من عترته صلى الله عليه وآله)) ومنه يُعلم النظر في تعليقة السيد البروجردي (قدس سره) عليها في (تقريرات ثلاثة): ((وهذا يدل على أنه وصل إليه رواية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دالة على ما ذهب إليه، ولكنا لم نعثر عليها)).

وبحسب القواعد فإن هذا الحكم مخصّص لعمومات وإطلاقات الكتاب لأنه أخص منها موضوعاً، وهذه الكبرى –أي تخصيص الكتاب بالسنة- متفق عليها لدى علماء الإسلام وقد وقع تخصيص آيات الكتاب بالسنة في موارد كثيرة يسلّم بها الفريقان، وأذكر مثالاً واحداً لتثبيت الفكرة كتخصيص قوله تعالى: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ» (النساء:11)، وقوله تعالى: «لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ» (النساء:7) بما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من انه (لا يرث القاتل) و(لا يتوارث أهل ملتين)، واما مخالفة علماء العامة للإمامية في المسألة محل البحث فليس للخلاف في هذه الكبرى بل لأنهم حرموا أنفسهم من الأخذ عن معين أهل البيت (عليهم السلام) الصافي، وهذا الحكم لم يرو إلا عنهم (عليهم السلام).

إذن لا مانع كبروياً من تقييد إطلاقات استحقاق الزوجة من كل ما ترك زوجها بهذه الروايات الآنفة، وبتعبير آخر: إن من لم يقل بهذا الحكم الخاص، ولم يعمل بهذه الروايات فليس إشكاله كبروياً.

ويوجد هنا اتجاهان لعلمائنا في التعامل مع هذه الروايات، ويقع تحت كل اتجاه عدّة أقوال مما يوصل المجموع الى أكثر من خمسة أقوال كما هو المعروف في كتب الأصحاب.

ص: 205

الاتجاه الأول:المحافظة على عمومات الكتاب الكريم

اشارة

لا لعدم القول بالكبرى التي سلّم بها الجميع، وإنما:-

1- إما لوجود المانع في العمومات عن قبول التخصيص لظهور الفروض المذكورة –أي الثمن والربع- في التحديد وهو يعني بشرط لا عن غيره، ولا أقل من جهة النقصان وقد صرّحت به بعض الروايات كما ذكرنا، أي أن المورد غير قابل للتخصيص، فلا بد من حمل روايات الحرمان على معنى لا يؤدي إلى النقصان.

2- أو لقصور مقتضي رواية الحرمان عن إحداث تخصيص لاختلافها في ما بينها ولدخول بعضها في بعض ولشمول بعضها على بعض العناوين المجمع على عدم حرمان الزوجة منها كالسلاح والدواب أو لابتلائها بالمعارض لوجود الروايات الخاصة الدالة على عموم الاستحقاق كصحيحة الفضل بن عبد الملك وبشهادة رواية عبيد بن زرارة والفضل نفسه المذكورتين (صفحة 194) فتتعارض مع هذه الطائفة من الروايات.

وخلاصة مستند عدم تخصيص العمومات إما لوجود المانع فيها من قبول التخصيص، أو لعدم وجود المقتضي للتخصيص في روايات الحرمان.

وهنا أكثر من قول:

القول الأول

إرث الزوجة مطلقاً من كل ما ترك الزوج ومستنده الأخذ بظواهر الكتاب وعمومات إرث الزوجة من كل ما ترك الزوج وصرف روايات الحرمان عن ظاهرها، وقد نقلناه (صفحة 198) عن صاحب الدعائم(1)، وهو لم ينكر

ص: 206


1- دعائم الإسلام في معرفة الحلال والحرام والقضايا والأحكام، المأثورة عن أهل البيت(علیهم السلام) للقاضي نعمان المصري المغربي المتوفى سنة 363 ه-،قال المجلسي عن كتابه أنه ((أظهر الحق في كتابه هذا تحت ستر التقية كان من الكتب المتداولة المعمول بها في مصر في تلك الأعصار)) وبسط المحدث النوري الكلام في خاتمة مستدركه حول اعتبار هذا الكتاب، قال صاحب كشف الظنون (1/492): ((وفي سنة 416 ه- أمر الظاهر (الخليفة الفاطمي) فأخرج من بمصر من الفقهاء المالكيين وأمر الدعاة الوعاظ أن يعظوا من كتاب (دعائم الإسلام) وجعل لمن حفظه مالاً)) راجع الذريعة إلى تصانيف الشيعة للشيخ آغا بزرك الطهراني: 8/139.

وجود الروايات المعتبرة على الحرمان إلا أنه أوّلها بحمل الأرض التي تحرم منها الزوجة على الأراضي المفتوحة عنوة لكونها ملكاً لعموم المسلمين إلى قيام يوم الساعة أوالأراضي الموقوفة على الرجال دون النساء فيحرمن لعدم دخولهن في الموقوف عليهم، وقلنا أن هذا تأويل بعيد.

وحكي هذا القول عن ابن الجنيد(1) في المصادر إلا أننا احتملنا فيما سبق

ص: 207


1- ابن الجنيد: محمد بن أحمد بن الجنيد أبو علي الكاتب الاسكافي، من أصل إسكاف –من قرى بغداد- مات سنة 381 بالري، يروي عنه الشيخ المفيد وغيره، قال في جامع الرواة (2/59): (من أكابر علماء الشيعة الإمامية جيد التصنيف) وقال السيد بحر العلوم في رجاله (3/ 205-208): (من أعيان الطائفة، وأعاظم الفرقة وأفاضل قدماء الإمامية، وأكثرهم علماً وفقهاً وأدباً، وأكثرهم تصنيفاً وأحسنهم تحريراً، وأدقهم نظراً، متكلم فقيه، محدث، أديب، واسع العلم، صنف في الفقه والكلام والأصول والأدب والكتابة وغيرها، تبلغ مصنفاته - عدا أجوبة مسائله - نحوا ًمن خمسين كتاباً) ثمّ عدّ كتبه وقال: (وهذا الشيخ - على جلالته في الطائفة ورياسته وعظم محله - قد حكي القول عنه بالقياس) إلى أن قال: ((واختلفوا في كتبه : فمنهم - من أسقطها ، ومنهم - من اعتبرها)). أقول: هل يخفى على مثله وهو بهذه المنزلة حرمة العمل بالقياس عند أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، ولعلّ هذه التهمة التصقت به لدقة نظره واجتهاده وتفننّه في استعمال قواعد الاستنباط مما خفي على غيره، أو لأي دافع آخر، فإن النوابغ والعظماء يُبتلون بالحسّاد. ((وصنّف كتابين في الفقه (أحدهما) يسمى التهذيب، وهذا كتاب استدلالي مدحه الشيخ أبو جعفر الطوسي (رحمه الله) ولم يكن عند المحقق والعلامة (ثانيهما) المختصر الأحمدي في الفقه المحمدي، وهذا الكتاب كان عند العلامة عليه الرحمة)) (السيد البروجردي (قدس سره) في (تقريرات ثلاثة) رسالة في إرث الزوجة).

عدم صحة النسبة، ويمكن أن يكون وجهه:-

أ- إهمال روايات الحرمان لمخالفتها للكتاب بالتقريب المتقدم فتكون زخرفاً لم يقله الإمام وتضرب بالجدار -كما في الروايات- أو ((لأنه لا يجوز تخصيص الكتاب الشريف بخبر الواحد، إما لأن الكتاب قطعي الصدور وخبر الواحد ظنّي أو لأنه لو جاز التخصيص به جاز النسخ ونحو ذلك))(1). أقول: تقدم (صفحة 196) نفي هذا الاحتمال.

ولو تنزّلنا فإنه تتعارض روايات الحرمان مع الروايات الخاصة في إرث الزوجة من كل ما ترك الزوج فنرجح الثانية لموافقتها للكتاب أو تتساقطان ونرجع إلى عمومات الكتاب والسنة، والنتيجة دائماً إرث الزوجة من كل ما ترك الزوج.

قال المحقق السبزواري (قدس سره): ((إذا لم نقل بحجية الإجماع المنقول والشهرة مطلقاً كما هو الواقع، أو عند المعارضة بأقوى منه مثل القرآن، كانأ- المتجه قول ابن الجنيد))(2).

ج-- إباء عمومات تحديد الفروض عن التخصيص، المؤدي إلى نقصان فرضها، وحرمانها من العقار يعني نقصان فرضها عمّا حدده الله تعالى، وقد ورد صريحاً في صحيحة محمد بن مسلم (صفحة 193) عدم نقصان

ص: 208


1- رسالة في حرمان الزوجة من العقار للسيد محسن الحكيم (قدس سره) منشورة في مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام): العدد 43، ص 193.
2- الكفاية: 2/860.

فرضها. فتخصيص هذه العمومات بروايات حرمان الزوجة يلزم منه التهافت في الكلام بنظر العرف، كما لو أوصى شخص لزيد بثلث تركته، ثم قال بعد مدة أنني أعني ثلث أموالي النقدية فقط، فإن العرف يراه منافياً لكلامه السابق، وليس المورد من قبيل الأمر بإكرام العلماء ثم استثناء الفسّاق منهم.

وهذه هي النكتة الرئيسية التي دفعت بعض الفقهاء إلى المحافظة على عمومات الكتاب.

وبقي هذا الهاجس يلحّ حتى على القائلين بالمشهور مما دفعهم إلى تقليل التخصيص قدر الإمكان.

قال العلاّمة (قدّس سره) في المختلف: ((وقول السيد المرتضى –رحمه الله- حسن لما فيه من الجمع بين عموم القرآن وخصوص الأخبار.

ثم قول شيخنا المفيد –رحمه الله- جيد أيضاً، لما فيه من تقليل التخصيص، فإن القرآن دال على التوريث مطلقاً، فالتخصيص مخالف، وكلما قلَّ كان أولى)) ثم قال: (قدس سره): ((وبعد هذا كلّه فالفتوى على ما قاله الشيخ رحمه الله))(1).

إن قلتَ: نستفيد من فكرة قالها الشيخ (قدس سره) في الاستبصار في تأويله صحيحة الفضل بن عبد الملك ((أن لهن ميراثهن من كل شيء ترك ما عدا تربة الأرض)) وهنا نستطيع تجنب هذا الإشكال بأن نفترض إخراج الربع والثمن المنصوصين لكن لا من كل ما ترك الزوج وإنما من خصوص ما ترث الزوجة من التركة كتوزيع الميراث والسهام «مِنْ بَعدِ وَصيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَو دَيْنٍ» لا من كل التركة وبذلك نحافظ على مقدار الفرض ونأخذ بروايات الحرمان.

ص: 209


1- مختلف الشيعة: 9/ 54.

قلتُ: هذا الافتراض يمكن أن يكون له وجه بناءً على المناقشة في تمامية العموم والإطلاق في الآية الشريفة الآتي (صفحة 212)، لكنه خلاف الظاهر، وهو ليس من التخصيص والتقييد وعلى تعبير بعضهم بأنه يدخل في باب الألغاز والتعمية(1).

شاهد على قول ابن الجنيد:تسالم أصحابنا على قبول الاحتجاج على عائشة حين أمرت بدفن الأول والثاني إلى جنب النبي (صلى الله عليه وآله) في حجرته ومنعت من دفن الإمام الحسن السبط (عليه السلام) إلى جنب جده الأكرم (صلى الله عليه وآله) بالشعر المنسوب إلى ابن الحجاج البغدادي والمتضمن لبعض كلام ابن عباس في الاحتجاج عليها وفيه قوله:

تجملتِ تبغّ-لتِ *** وإن عشتِ تفيّلتِ

لك التسع من الثمن *** وبالكل تحكمتِ(2)

وأوردها العلامة المجلسي وأشار إلى ورودها في مناظرة فضال بن الحسن بن فضال الكوفي مع أبي حنيفة في إثبات أن خير الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمير المؤمنين (عليه السلام)، وفيها قول فضّال: ((فإذا لكل واحد منهن تسع الثمن ثم نظرنا في تسع الثمن فإذا هو شبر)).

وأشار إليها السيد الخوئي (قدس سره) في ترجمة فضال ووصفها بأنها مناظرة جميلة وذكر موضعها في كتاب الاحتجاج الجزء الثاني.

وتقريب الاستدلال: أن الزوجة لو لم يكن لها نصيب من الأرض لما

ص: 210


1- مجمع الفائدة والبرهان: 11/445.
2- بحار الأنوار: 44/155 عن الخرائج والجرائح: 1/242 في معجزات الإمام الحسن (عليه السلام)، رقم (8).

صحّ هذا الاحتجاج لأن محل الجدال هو الدفن وهي مسألة متعلقة بالأرض.

والحجة في هذا التسالم والإجماع على القبول من لدن عصر المعصومين (عليهم السلام) إلى اليوم، وليس في قول ابن عباس وغيره مما سوى المعصومين (عليهم السلام) فلا يرد هذا الإشكال، ولا أن هذا الكلام في مقام الجدال والإلزام للخصم بما يعتقده؛ لأن دليلنا ليس نفس الكلام وإنما قبوله والتسليم به من دون إثارة هذا الإشكال عليه.

ومن مجموع هذه الوجوه يُعلم النظر في ما أفاده بعض الأعلام المعاصرين بقوله: ((وأما قول الاسكافي بعدم الحرمان مطلقاً فلا إشكال في فساده بحسب القواعد، وليس فيما بأيدينا من الكتب كتاب استدلالي منه(1)، بل لم

ص: 211


1- لابن الجنيد كتاب كبير اسمه (تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة) قال الشيخ عنه: ((نحواً من عشرين مجلداً يشتمل على عدد كتب الفقه على طريقة الفقهاء وكتاب (المختصر الأحمدي للفقه المحمدي) في الفقه مجرداً. والكتاب الذي لم يكن عند العلامة هو الأول أما الثاني فكان عنده ونقل عنه، وقد صرّح العلامة (قدس سره) بذلك. وحكي عن الروضات نقله لكلام العلامة عن كتاب التهذيب: ((وجدت بخط السيد السعيد محمد بن معد ما صورته: وقع إليّ من هذا الكتاب مجلد واحد قد ذهب من أوله أوراق وهو كتاب النكاح فتصفحته ولمحت مضمونه، فلم أرَ لأحد من هذه الطائفة كتاباً أجود منه، ولا أبلغ ولا أحسن عبارة ولا أدق معنى، وذكر الخلاف في المسائل واستدل بطريق الإمامية وطريق مخالفيهم، وهذا الكتاب إذا أمعن النظر فيه وحصّلت معانيه وأديم الإطالة فيه، عُلم قدره ومرتبته وحصل منه شيء كثير لا يحصل من غيره، وأقول أنا –أي العلامة- وقع إلي من مصنفات هذا الشيخ المعظم كتاب الأحمدي في الفقه المحمدي وهو مختصر هذا الكتاب جيد يدل على فضل هذا الرجل وكماله وبلوغه الغاية القصوى في الفقه وجودة نظره)).

يكن عند العلامة (قدسسره) أيضاً على ما أفاده سيدنا الأستاذ (قدس سره) –يعني السيد البروجردي (قدس سره) كما صرّح في رسالته- حتى يعلم منه وجه ما ذهب إليه، وكيف كان فلا ريب في بطلان ما ذهب إليه))(1).

أقول: نعم تبقى مشكلة هذا القول من جهة:

أ- إهماله روايات الحرمان بلا مسوّغ مع كونها المشهورة بين الأصحاب ونقطع بصدورها عن المعصومين (عليهم السلام) ودلالتها على حرمان الزوجة من شيء ما من الأرضين في الجملة، قال الشهيد الأول (قدس سره): ((أهل البيت (عليهم السلام) أجمعوا على حرمانها من شيءٍ ما، ولم يخالف في هذا من علماء الإمامية إلا ابن الجنيد، وقد سبقه الإجماع وتأخر عنه))(2)، فلا بدّ من تقديم وجه لها.

أما ما قيل من مخالفتها للكتاب الكريم فإنه يمكن المناقشة فيه؛ لأن قوله تعالى «وَلَهُنَّ الرُبُعُ مِمّا تَرَكتُم» لا إطلاق له من جهة «مَا تَرَتكتُم» لأن المتكلم ليس في مقام البيان من هذه الجهة وإنما من جهة تحديد فرض الزوجة، فلا يستفاد من الآية عموم ولا إطلاق لاستحقاق الزوجة من كل ما ترك الزوج، ونسبة روايات الحرمان إلى آيات الكتاب الخصوص المطلق فتخصّصها وليست هذه من مخالفة الكتاب، لذلك لم يجد أصحاب الأئمة (عليهم السلام) الذين تلقّوا هذه الروايات أي حزازة فيها.

ب- إن صحيحة الفضل وابن أبي يعفور التي يُستدل بها على هذا القول مع العمومات موافقة للعامة بل تلوح منها أجواء التقية لأن السائل هو من

ص: 212


1- رسالة في (حرمان الزوجة من إرث العقار) للشيخ لطف الله صافي كلبايكاني، منشورة في مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام) العدد: 71-72، ص40.
2- غاية المراد: 3/583.

ابتدأ وطرح هذه القضية أمام الملأ ولعل في الجالسين من كان يحذره الإمام (عليه السلام) من دون أن يلتفت السائل إليه، ووجه التقية فيها أن المسألة عرفتأ- أنها من مختصّات أتباع أهل البيت (عليهم السلام) فالاعتراف بهذه الحقيقة يكشف هوية القائل بها، فأجاب الإمام (عليه السلام) بما يزيل هذا الاعتقاد عند المخالفين.

قال الشيخ في الاستبصار: ((أن نحمله على التقية لأن جميع من خالفنا يخالف في هذه المسألة وليس يوافقنا عليها أحدٌ من العامة، وما يجري هذا المجرى يجوز التقية فيه))(1)

فهذا مما يوهن الاعتماد على هذه الصحيحة عندهم.

ويمكن حمل جواب الإمام (عليه السلام) على الزوجة ذات الولد فتكون بمعنى مقطوعة ابن أذينة.

وسنعرض لاحقاً (صفحة 257) بإذن الله تعالى أكثر من وجه لفهم جهة صدور هذه الروايات.

القول الثاني

اشارة

حرمان الزوجة من خصوص عين الرباع –أي أراضي الدور والمساكن- واستحقاقها من القيمة وهو المنسوب إلى السيد المرتضى (قدس سره)، ووجهه الجمع بين العمومات وما دلّ على إرث الزوجة من كل ما ترك الزوج من جهة وهذه الروايات من جهة أخرى بحملها على حرمان الزوجة مطلقاً –سواء كانت ذات ولد أو لم تكن إذا فهمنا الإطلاق من كلامه (قدس سره) وربما لا يستفاد ذلك باعتباره ليس في مقام البيان من هذه الجهة- من رقبة الأرض أي عينها خاصة وتستحق من القيمة؛ لأن العام يبقى حجة على جميع أفراده ولا يخرج

ص: 213


1- الاستبصار: ج4، باب 94: المرأة لا ترث من العقار والدور، ح11.

من تحت جناحه إلا ما حصل القطع بخروجه، والمتيقن خروج العين خاصة من تحت العام وهو كافٍ لتحقق الأخذ بروايات الخاص والإجماع. وقد ذكر البعض أن السيد انفرد به ولم يوافقه أحد من الأصحاب(1)

إلا أننا سنبيّن وجود موافق له.

قال (قدس سره) بعد كلامه المتقدم (صفحة 195): ((والذي يقوى في نفسي أن هذه المسألة جارية مجرى المسألة المتقدمة في تخصيص الأكبر من الذكور بالمصحف والسيف وأن الرباع وإن لم تسلم إلى الزوجات فقيمتها محسوبة لها.

والطريقة في نصرة ما قويناه: هي الطريقة في نصرة المسألة الأولى وقد تقدمبيان ذلك .

ويمكن أن يكون الوجه في صد الزوجة عن الرباع أنها ربما تزوجت وأسكنت هذه الرباع من كان ينافس المتوفى أو يغبطه أو يحسده فيثقل ذلك على أهله وعشيرته فعدل بها عن ذلك على أجمل الوجوه))(2).

وكان (قدس سره) قد قال في مسألة الحبوة: ((ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الولد الذكر الأكبر يفضل دون ساير الورثة بسيف أبيه وخاتمه ومصحفه. وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك.

والذي يقوى في نفسي أن التفضيل للأكبر من الذكور بما ذكر إنما هو بأن يخص بتسليمه إليه وتحصيله في يده دون باقي الورثة وإن احتسب بقيمته عليه، وهذا على كل حال انفراد من الفقهاء لأنهم لا يوجبون ذلك ولا يستحبونه وإن كانت القيمة محسوبة عليه .

ص: 214


1- منهم السيد محسن الحكيم (قدس سره) في رسالته عن إرث الزوجة من العقار المنشورة في مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 43، صفحة 185.
2- الانتصار: 301.

وإنما قوينا ما بينا وإن لم يصرح به أصحابنا، لأن الله تعالى يقول: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ» (النساء : 11)، وهذا الظاهر يقتضي مشاركة الأنثى للذكر في جميع ما يخلفه الميت من سيف ومصحف وغيرهما، وكذلك ظاهر آيات ميراث الأبوين والزوجين يقتضي أن لهم السهام المذكورة في جميع تركة الميت، فإذا خصصنا الذكر الأكبر بشيء من ذلك من غير احتساب بقيمته عليه تركنا هذه الظواهر.

وأصحابنا لم يجمعوا على أن الذكر الأكبر مفضل بهذه الأشياء من غير احتساب بالقيمة، وإنما عولوا على أخبار رووها تتضمن تخصيص الأكبر بما ذكرناه من غير تصريح باحتساب عليه أو بقيمته، وإذا خصصناه بذلك اتباعاً لهذه الأخبار واحتسبنا بالقيمة عليه فقد سلمت ظواهر الكتاب مع العمل بما أجمعت عليه الطائفة من التخصيص له بهذه الأشياء فذلك أولى))(1).

أقول: خلاصة دليله (قدس سره) أن ظاهر عمومات الكتاب والسنة وخصوص روايتي الفضل بن عبد الملك ميراث الزوجة من كل ما ترك الزوج، ولما كان مبناه عدم جواز تخصيص الكتاب بأخبار الآحاد –وهي عنده كذلك في هذه المسألة- خصوصاً مع دخول بعض الروايات في بعض، واختلاف ألسنتها وعدم احتمال وجود قائل ببعضها كالسلاح والدواب، إلا أن تقترن بالإجماع ولا يوجد إجماع إلا على القدر المتيقن وهو ما ذكره (قدس سره).

قال المحقق السبزواري (قدس سره): ((وإن قلنا بحجية الإجماع المنقول كانالمتجه قول السيد لما فيه من مراعاة ظاهر الآية في الجملة، بأن يكون المراد أن للمرأة ربع ما ترك أو ثمنه، يعني لها ما يكون ربعاً أو ثمناً، للجميع بحسب القيمة وان لم يكن حقها ربع كل جزء وفيه أيضاً مراعاة ظاهر الأخبار العامة وخصوص صحيحة الفضل بن عبد الملك، ولا ينافيه شيء من الأخبار صريحاً

ص: 215


1- الانتصار: 299-300.

مع مراعاة الإجماع المنقول أيضاً. وقد وقع العرض على كتاب الله عند ورود الأخبار المختلفة))(1).

أقول: استحسن العلامة (قدس سره) هذا القول، لكن رأيه استقرّ أخيراً على المشهور(2)، واحتمله المحقق الأردبيلي (قدس سره) وذكر ما يمكن أن يدل عليه، بل حمل كلام الأصحاب عليه، قال (قدس سره): ((وأن ليس في ظاهر الروايات المنع عن قيمة الأرض وغيرها، بل ظاهر العبارات مثل الروايات، مثل كلام النهاية الذي هو الأصل لغيره، قال فيها: والمرأة لا ترث زوجها من الأرضين والقرى والرباع من الدور والمنازل، بل يُقوَّم الطوب والخشب وغير ذلك من الآلات وتعطى حصتها منها ولا تعطى من نفس الأرض شيئاً))(3)

كما أبقى احتمال الأقوال الأخرى مفتوحة(4)

وجعله المحقق السبزواري (قدس سره) أقوى(5).

وينبغي الالتفات إلى أن أحد الأعلام المعاصرين نسب هذا القول إلى أبي الصلاح الحلبي أيضاً فقال: ((وكذلك هذا القول هو صريح أبي الصلاح الحلبي في الكافي حيث قال (قدس سره): ((ولا ترث الزوجة من رقاب الرباع والأرضين شيئاً وترث من قيمة الرباع والأرضين كسائر الآلات)) ووردت بهذا النص في تقريرات(6)

السيد البروجردي (قدس سره).

أقول: لكن الموجود في المصدر يغاير هذا المعنى وهو قوله: (قدس

ص: 216


1- الكفاية: 2/860.
2- مختلف الشيعة: 9/55.
3- مجمع الفائدة والبرهان: 11/452.
4- مجمع الفائدة والبرهان: 11/446.
5- الكفاية: 2/860.
6- تقريرات ثلاثة: 104.

سره): ((ولا ترث الزوجة من رقاب الرباع والأرضين شيئاً وترث من قيمة آلات الرباع من خشب وآجر كسائر الإرث))(1).

ونقله العلاّمة في المختلف على هذا النحو وقال:((وهو مساو لقول الشيخ))(2).

أقول: ضعّف المشهور هذا القول واعتبروه شاذاً ضعيف المستند، واستغرب صاحب الجواهر (قدس سره) من استحسان العلاّمة (قدس سره) في المختلف له وإن لم يذهب اليه ((لعدم الحسن فيه، بل الإنصاف أن قول ابن الجنيد على ضعفه خيرٌ منه))(3).

أقول: هذه مبالغة في توهينه كما سيتضح إن شاء الله تعالى، ووجه الضعف عندهم مخالفته لصريح الروايات والإجماع، فهو ((مناف لظاهر نفي إرثها فيما هو كالمتواتر من النصوص التي بعضها صريح أو كالصريح في حرمانها من نفس الأرض عينا وقيمة، من حيث ذكره لهما معا في الحرمان، واقتصاره على إعطاء القيمة من البناء والخشب ونحوهما دونها، على أنه جمع بما هو مناف لظاهر الدليلين من دون شاهد، فالتخصيص أرجح منه بمراتب))(4).

ومناف ((لظهور كلمات القوم قديمهم وحديثهم في الحرمان منها عيناً وقيمة، وإن اختلفوا في مقدار ما يحرم منه، ويشير إلى ذلك استنادهم إلى الأخبار، وهي كما عرفت صريحة في حرمانها من الأرض مطلقاً عيناً وقيمةً، بدليل استثناء القيمة من آلاتها خاصّة، ومع ذلك فهي حجّة برأسها في خلافه، فإنّها ليست من الآحاد حتّى لا يقال بحجّيّتها ولا يخصّص عموم الكتاب بها.

ولو سلّم فالقرينة على صحّتها من فتاوى الأصحاب موجودة جدّاً،

ص: 217


1- الكافي في الفقه: 374.
2- مختلف الشيعة: 9/ 52.
3- جواهر الكلام: 39/ 215.
4- جواهر الكلام: 39/ 214-215.

فيكون من الآحاد المحفوفة بالقرائن القطعيّة. ولا ريب في حجّيّتها لأحد حتّى عنده))(1).

أقول: ظهر مما تقدّم وجه النقاش في هذه الردود، وعرفت الوجه في تأسيس مقدمة التسليم بتخصيص الكتاب بالسنّة المعتبرة، وإن المانع من التخصيص هو وجود المانع في العمومات من قبول التخصيص مطلقاً حتى من القيمة وأن العرف يأبى ذلك، وقصور المقتضي في روايات الحرمان عن التخصيص لما ذكرناه وسيأتي إن شاء الله تعالى.

نعم، ينبغي التوقف عند القرينة التي تمسّك بها المشهور وأوردها صاحب الرياض (قدس سره) على دلالة الروايات على حرمانها من الأرض عيناً وقيمة ((بدليل استثناء القيمة من آلاتها خاصة)) ومثله قول صاحب الجواهر (قدس سره) فيكون المنفي استحقاقها من عين الأرض وقيمتها، قال السيد البروجردي (قدس سره): ((وهذه الرواية مبعّدة لتخريج السيد المرتضى (قدس سره) فإنه (عليه السلام) قابلبين عدم الإرث من العقار والإرث من قيمة البناء والشجر وغير ذلك، فلو كانت ترث من القيمة مطلقاً لما كان للتقابل معنى))(2).

وببيان من أحد الأعلام المعاصرين: ((أنّ تصريح روايات الحرمان بإعطائها من قيمة البناء وعدم إعطائها من الأرض يجعلها كالصريح في حرمانها من قيمة الأرض أيضاً ، وإلا لكان يذكرها مع قيمة البناء)).

أقول: يمكن رد هذه القرينة التي جعلها المشهور دليلاً على صراحة روايات الحرمان في الإطلاق من العين والقيمة بوجهين على نحو الرفع والدفع:

أولهما: بإقامة دعوى مقابلة على وجود قرائن في نفس روايات الحرمان تفيد حرمان الزوجة من العين دون القيمة نعزز بها قول السيد المرتضى (قدس

ص: 218


1- رياض المسائل: 14/ 385.
2- تقريرات ثلاثة: من أبحاث السيد البروجردي (قدس سره).

سره)، منها.

أولاً: ما ورد من بيان الحكمة في هذا التشريع:

كقوله (عليه السلام) في معتبرة حماد –رقم 12- (لئلا يتزوجن فيدخل عليهم –يعني أهل المواريث- من يفسد مواريثهم)، ورواية محمد بن سنان وغيرها، وتقريب الاستدلال بوجهين:

أ- إن هذه الحكمة إنما تتحقق بحرمانها من العين خاصة و(الضرورات تقَّدر بقدرها) فلا مسوّغ –وفق هذا التعليل- لحرمانها من المالية، قال المحقق الأردبيلي (قدس سره): ((وأنت تعلم أن هذه الحكمة إنما تقتضي الحرمان من عين تلك الأمور لا قيمتها، فافهم))(1).

ب- ما قاله بعض المعاصرين وحاصله إن ((ظاهر هذا التعليل أنّ مواريثهم نفس المواريث والنسب ، لا أنّه تزداد مواريثهم ويقلّ ميراثها من التركة، وإلا كان ينبغي أن يقول: ليس لها الحق فيها ، وأنّها ميراثهم لا ميراثها. فالمقصود حفظ نفس مواريثهم المفروضة لهم من استئثار الزوج الجديد بها سواء في ذلك البناء أو الأرض ، وهذا يناسب حرمانها من العين فقط وإرثها من القيمة في البناء والأرض معاً))(2).

ثانياً: إن ظهور العمومات في استحقاق الزوجة الربع أو الثمن من غير نقصان لأنه ورد بلسان التحديد غير القابل للنقصان ونقصان شيء من تركتها يلزم إلغاء عنوان الربع أو الثمن، بل ورد التصريح بعدم النقصان كما تقدم في أول البحث أقوى من ظهور روايات الحرمان في شمولها حتى القيمة الذي ثبت بالإطلاق، فلا تصلح الثانية لتخصيص الأولى وإن كانت النسبة البدوية بينهما ذلك لأن موضوعهاأخص باعتبار تعلقها بخصوص العقار، لكننا قلنا في أكثر

ص: 219


1- مجمع الفائدة والبرهان: 11/ 450.
2- السيد محمود الهاشمي في مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد: 45، ص39.

من موضع أن التخصيص لا يمكن ارتكابه لوجود المانع ولعدم وجود المقتضي، فالأقرب لدى العرف هو التصرف في ظهور حكم الخاص وليس التخصيص وذلك برفع اليد عن العمومات في خصوص العين حتى نحافظ على تحديد الفرض بالقيمة.

ثانيهما: بالتشكيك في تمامية هذه القرينة أو فهمها على نحو معارض فيتساقطان، ولا أقل من الاحتمال المبطل للاستدلال:

قال المحقق السبزواري (قدس سره) تعليقاً على قوله (عليه السلام) في صحيحة الأحول: (لا يرثن النساء من العقار شيئاً ولهن قيمة البناء) قال: ((تغيير أسلوب الكلام بإيراد (من) التبعيضية –في الجزء الأول- ثم غيّر الأسلوب –في الجزء الثاني- من غير ذكر التبعيض لا يخلو عن إشعار بأن الاستحقاق المثبت في الثاني ليس على سبيل الاستحقاق المنفي في الأول، لأنه ليس بحسب ربع قيمة البناء أو ثمنه، بل باعتبار تعلّق ربع الأصل أو ثمنها بها))(1).

أقول: أخذ هذه الفكرة بعض الأعلام المعاصرين فقال: ((أنّ ذكر إعطائها من قيمة البناء في الروايات ليس في قبال عدم إعطائها من قيمة الأرض، بل في قبال عدم إعطائها من أعيان أُصول العقار والدور، فيمكن إعطاؤها من قيمتها، ولهذا جاء ذلك بلسان الاستثناء عن عدم إعطائها من العقار، فليست روايات التفصيل صريحة في عدم إعطائها قيمة العقار لكي يقال بعدم صحّة هذا الجمع -أي بين صراحة عمومات الكتاب والسنة في استحقاقها الربع، أو الثمن من التركة كلها وبين ظهور روايات الحرمان بمنعها من القيمة وعدم الاكتفاء بحرمانها من العين-.

وهذا أُُسلوب من أساليب الجمع العرفي، وهو حمل الظاهر على الصريح

ص: 220


1- الكفاية: 2/859.

أو الأظهر عند التعارض))(1).

أقول: لا تخلو هذه الأطروحات من نقاش نؤجِّل بيانه إلى ما بعد الاطلاع على قراءة المشهور للروايات إن شاء الله تعالى، وعلى أي حال فإن طرح الاحتمال كافٍ لإبطال الاستدلال، أو معارضة القرينة بالقرينة والرجوع إلى القدر المتيقن.

شاهد على قول السيد المرتضى (قدس سره):

بدعوى جريان السيرة العملية لدى المتشرعة بجميع مستوياتهم فضلاً عن غيرهم على عدم حرمان الزوجة من قيمة العقار عند تقسيم التركة، وتُتمَّم كبروياً بكون هذه السيرة تعبدية متصلة بزمان المعصومين (عليهم السلام) وروايتا يزيد الصائغ تكشفان عن وجودها، بل قد يُدّعى وجود اتفاق مطبق عليها بحيث لم تنقل لناقضية واحدة اختلف فيها ورثة مع الزوجة –سواء كانت أمهم أو زوجة أبيهم- حول استحقاقها وهذا كاشف عن العمل بقول السيد (قدس سره) وعدم وجود عامل بروايات الحرمان المطلق، وإن قالوا بالحكم نظرياً، والمفروض ارتباط المسألة بحقوق الناس غير القابلة للمجاملة والتجاهل، ولم أجد من أثار هذه القضية ولا أدري هل المشكلة في الصغرى أم الكبرى.

إن قلتَ: إن هذه السيرة قد تكون ناشئة من الغفلة عن هذا الحكم أو لأي أمر آخر ولا تكشف عن الإعراض عن العمل بروايات الحرمان المطلق، ومن تلك الأمور:-

1- إن المشهور- كما أدُّعي- هو اختصاص الحرمان بغير ذات الولد وهي حالة نادرة فلم يلتفت إلى الحكم حتى فيها، وعُمل بالحالة الغالبة وهي توريث ذات الولد من كل ما ترك الزوج.

ص: 221


1- السيد محمود الهاشمي، مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد: 45، ص38.

2- إن الحالة العامة للزوجات أنهن ذوات أولاد وهذا يعني أن ما يصيبها من الزيادة هي من حصة أولادها وإذنهم محرز بإعطائها من كل التركة.

3- إن الناس يلجؤون إلى قضاة الدولة والمحاكم الرسمية لتحديد استحقاقات الورثة وهي تعمل بالأحكام الوضعية التي تحكم للزوجة بالميراث من كل التركة.

قلتُ: إن هذه الأمور كلها لا تبرر هذه الغفلة لما علمت من أن المشهور لدى الأجيال المتأخرة حرمان حتى ذات الولد وقد أجمع عليه المعاصرون ولأن الأولاد قد لا يأذنون بالأخذ من حصصهم أو فيهم قاصرون أو يكونون من زوجة أخرى أو وجود والدين للزوج أو إخوة حينما لا يكون وارث من الطبقة الأولى وغير ذلك.

كما أن القوانين الوضعية المعمول بها في محاكم الأحوال الشخصية تخالف الشريعة من نواحٍ كثيرة، فلا يجوز الاعتماد على أحكامها من دون الرجوع إلى الشريعة، فيبقى احتمال الإعراض عن العمل بهذا الحكم قائماً.

وبالرغم من هذا فلو سلّمنا وجود هذه السيرة لدى المتشرعة فإنها لا تعني إعراض العلماء عن روايات الحرمان بعد بناء حكمهم بالحرمان المطلق عليها، فهذا الحكم كسائر الأحكام الشرعية المعطلة في الأحوال الشخصية والقضايا الاجتماعية من دون أن يؤثر ذلك على أصل التشريع مضافاً إلى إمكان القول بردع الأئمة (عليهم السلام) عن هذه السيرة كما في روايتي الصائغ فلا يصح الاستدلال بها.

وجه آخر مبني على كون حكم الحرمان مشروطاً بولاية الفقيه:

ونستطيع أن نتقدم خطوة أخرى في نصرة القائلين بعدم حرمان الزوجة مطلقاً أو من خصوص القيمة كما عن السيد المرتضى (قدس سره).

ونقدم أطروحتين لتوجيه قوله لم يقدمهما أحد نتيجتهما أن هذا الحكم

ص: 222

مشروط فيعمل به عند تحقق شرطه وعند عدمه يجري حكم توريث الزوجة مطلقاً أو من خصوص القيمة.الأطروحة الأولى: إنه مشروط بإذن الولي الفقيه، وسيأتي تفصيله (صفحة 268) إن شاء الله تعالى.

الأطروحة الثانية: أنه مشروط بظرفه المناسب الذي يقدّره الولي الفقيه وسنبيّن تفاصيله (صفحة 270) إن شاء الله تعالى.

تقريب الاستدلال بروايات الحرمان على قول السيد المرتضى (قدس سره):

توجد محاولات للاستدلال ببعض الروايات التي استدل بها المشهور على حرمان الزوجة من العقار على قول السيد المرتضى (قدس سره)، أما المطلقات الأخرى أو المجملات فإنها تحمل عليها.

بدأها المحقق الأردبيلي (قدس سره) فقال عن صحيحة الفضلاء بأنها ((ليست بصريحة في المنع عن قيمة الأراضي والعقارات فتأمل))(1).

وقال عن صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً) أنها ((صريحة في المنع من عينهما لا من قيمتهما)).

وقال عن الروايات المعللة لهذا الحكم ((وأنت تعلم أن هذه الحكمة إنما تقتضي الحرمان من عين تلك الأمور لا قيمتها فافهم))(2).

ثم تطور الأمر عند المحقق السبزواري (قدس سره) فقرّب ظهور هذه الروايات في الدلالة على قول السيد المرتضى (قدس سره) فقال عن صحيحة الفضلاء: ((ثم قوله (عليه السلام): (المرأة لا ترث) يحتمل أن يكون نهياً تنزيهياً

ص: 223


1- مجمع الفائدة والبرهان: 11/446.
2- مجمع الفائدة والبرهان: 11/450.

أو خبراً في معناه، ويكون المقصود: أن الراجح والأولى أن لا تأخذ المرأة الميراث من الدار؛ لأن المرأة ليس لها حق. وهذا الاحتمال غير بعيد، خصوصاً في مقام الجمع.

ثم من المحتمل أن يكون المراد: أن المرأة لا ترث من الأرض المذكورة بخصوصها، بل ما كان حقها في الميراث من الربع أو الثمن يأخذه من قيمة الطوب وغيره إن كانت وافية به. وعلى هذا يوافق الخبر قول المرتضى (رحمه الله)، بل الأنسب بعبارة الحديث هذا المعنى لأن قوله: (إن كان) لا يمكن أن يكون اسم (كان) فيه ضميراً راجعاً إلى أحد الأمرين لأنه يصير على هذا التقدير مستدركاً، لأنه يصير المعنى: (تعطى ربعاً أو ثمناً إن كان أحد الأمرين فريضتها) وإن كان المقصود (يعطى ما ذكر إن كان ما يعطيها وما يقصد إعطاؤه فريضتها أو حقها) ففيه زيادة تقدير مع عدم دلالة واضحة.وإن جعل ضميراً راجعاً إلى الثمن حتى يصير حاصل المعنى: (يعطيها ثمنها إن كان الثمن حقها أو فريضتها) ففيه بعد، إذ من المستبعد أن يذكر تقييداً للثمن ويترك للربع، والحاجة إليه فيه بحسب المنطوق وللثمن بحسب المفهوم، وكيف ما كان يصير الاستثناء منقطعاً وهو خلاف الظاهر.

والوجه أن يقال الضمير في قوله: (ربعها وثمنها) يرجع إلى المرأة لا إلى القيمة، ويكون المراد الربع أو الثمن من جميع المتروكات ويكون قوله: (إن كان من قيمة الطوب) معناه: إن حصل أحد الأمرين من قيمة الطوب بحيث تفي به. ويحتمل إرجاع الضمير إلى التربة والأرض ويكون المعنى ما ذكر، وعلى الوجهين يصير الاستثناء متصلاً))(1).

وقال (قدس سره) عن صحيحة زرارة رقم (2): ((فالوجه في التوفيق بينه وبين ما يعارضه أن يحمل على أن الأولى بالنسبة إليها ذلك. ويحتمل أيضاً

ص: 224


1- الكفاية: 2/858-859.

أن يكون المراد أن لا تأخذ الميراث من أعيان المذكورات، ويعطى حق ربعه أو ثمنه من قيمة النقض وغيره مما ذكر في الحديث. وكذا الكلام في الخبر (رقم 13).

وحديث الرجحان والأولوية يجري في الحديث (رقم 10) وغيره مما يقاربه في المعنى، واحتمال الحرمان من خصوص العين لا القيمة أيضاً يجري فيها، بل لا يبعد أن يقال تغيير أسلوب الكلام في صحيحة الأحول (رقم 10) حيث ذكر فيه: (لا يرثن النساء من العقار) بإيراد (من) التبعيضية ثم غير الأسلوب فذكر: ولهن قيمة البناء والشجر من غير ذكر للتبعيض لا يخلو عن إشعار بأن الاستحقاق المثبت في الثاني ليس على سبيل الاستحقاق المنفي في الأول، لأنه ليس بحسب ربع قيمة البناء أو ثمنه، بل باعتبار تعلق ربع الأصل أو ثمنها بها))(1)، أي بقيمة البناء والشجر فليس للزوجة منها ربعها أو ثمنها فحسب وإنما ربع أو ثمن الأصل يؤخذ كله من قيمة البناء والشجر تعويضاً عن حرمانها من العين.

ثم قال (قدس سره): ((وكذا تغيير الأسلوب في الأحاديث)) (3، 4، 8، 11 بحسب ترتيبنا).

أقول: علق السيد صاحب الرياض (قدس سره) على هذه التقريبات للروايات بقوله: ((وأما ما في شرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي –رحمه الله- والكفاية من المناقشات في جملة الأخبار الواردة في المسألة، وتأويلها بتأويلات بعيدة، وتمحّلات غير سديدة، فمما لا ينبغي الالتفات إليه، والعروج في مقام التحقيق عليه، وكفاه فساداً مخالفتهلفهم الأصحاب كافة، مع عدم تعرض أحد منهم لشيء منه أصلاً، ولو جرى أمثال هذه التأويلات في الروايات لاندرس جملة الأحكام، وما بقي لها أثر في محل ولا مقام))(2) وسبقه إلى مثل ذلك السيد

ص: 225


1- الكفاية: 2/859.
2- رياض المسائل: 14/383، مفتاح الكرامة: 17/312.

العاملي وشنّع عليها المحقق النراقي(1)(قدس سره) أكثر من هذا.

أقول: هذا الموقف من المشهور يمكن تفهّمه لو نظر إلى الروايات مستقلة عما كررناه من عدم مساعدة العرف على التخصيص بها أما مع وجود المانع فنضطر إلى مثل هذه التوجيهات ويكون التصرف في ظهور الخاص أقرب إلى الفهم العرفي من تخصيص العام الذي يأبى التخصيص كما في المقام.

وقد صرّح صاحب الكفاية في أول كلامه بأن هذا الحمل في مقام الجمع، فلا يصحّ أن نبخسه حقّه وهو يقدّم لنا هذا الفهم المعمّق بغضّ النظر عن صحته.

وجه آخر لقول السيد المرتضى (قدس سره):

أيّد بعض المحققين المعاصرين –وهو المحقق الشعراني(2)

(قدس سره)- في تعليقته على الوافي عند روايات الحرمان قول السيد المرتضى (قدس سره) مستفيداً من توجيه صاحب الدعائم لتلك الروايات، قال (قدس سره): ((قوله: (لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً) والعقار كلّ ما لا ينقل من الأموال

ص: 226


1- مستند الشيعة: 19/371.
2- أبو الحسن الشعراني ولد في طهران عام 1320هج- وبدأ دراسته فيها ثم انتقل إلى النجف عام 1346هج- ودرس عند السيد أبي تراب الخوانساري، ألّف في الفقه والأصول والحديث والتفسير والأدب، وكان يجيد اللغات الفرنسية والتركية والعبرية مضافاً إلى العربية والفارسية، شرح وترجم عدة مجاميع للروايات والأدعية، ومنها تعليقته على كتاب الوافي للفيض الكاشاني. كان شاعراً أديباً وذا نظر معمق في الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة. توفي سنة 1393هج-/1973م في مستشفيات ألمانيا ودفن في طهران، قال عنه الشيخ جعفر سبحاني: ((من أعلام المحققين المخلصين وقد زرته عن كثب فوجدته رجلاً موسوعياً)) (رسائل: فقهية: 7/528).

سواء كان داراً أو رحىً أو بستاناً أو معصرة زيت أو أرضاً معدّة للزراعة. وأكثر الأراضي خصوصاً في العراق وما والاها كانت من المفتوحة عنوة، وكان ملك الناس إياها تبعاً لملك الآثار والحقوق، وعدم الإرث هنا عدم الإرث من العين، ولا ينافي ثبوت القيمة بدليل آخر. ومذهب السيد المرتضى أنّ المرأة تحرم من العقار عيناً لا قيمة بمعنى أنّ للورثة أن يعطوها ثمن قيمة العقار أو ربعها ويستخلصوا الملك لأنفسهم، وهذا معنى حرمان الزوجة منالعقار لا أنّها لا تستحق ماليتها عيناً وقيمة. والمشهور أنها تحرم من الأرض مطلقاً ومن آلات البناء والأشجار ومثلها عيناً وترث قيمة. وهذا مسلّم في الأراضي المفتوحة عنوة، وأمّا غيرها فقول السيد أرجح وأولى; لأنّه موافق لظاهر القرآن; لأنّ مفاد الآية عموم إرث الزوجة من جميع التركة عيناً، ويخصّص بمقتضى الروايات، وما شك في تخصيصه يبقى على العموم، ولا تدل الروايات على محروميّتها من قيمة الأراضي إلا بسكوت الإمام (عليه السلام) عن ذكر قيمة الأرض مع ذكره (عليه السلام) قيمة الآلات.

وهذا غير كافٍ في التخصيص، فلعلّه (عليه السلام) لم يذكر قيمة الأرض لأنّ أكثر الأراضي خصوصاً ما كان بيد الشيعة في الكوفة ونواحيها من المفتوحة عنوة، وكان ملكهم لها حق اختصاص بسبب تملك الآلات، وقيمة الأراضي كانت قيمة حق التصرّف في الأرض لقبالته من السلطان سنين معيّنة أو غير معيّنة، وكان تصرّفهم في الأرض نظير تصرّف المستأجرين لملك المنفعة، فكما أنّه إذا مات المستأجر وكان لمنعته وتصرّفه في مورد الإجارة قيمة ورثت منها الزوجة كذلك حق الاختصاص في الأراضي المفتوحة عنوة. وسكوته (عليه السلام) عن ذكر قيمة هذا الحق لا يدلّ على عدم إرثها; لأنّه (عليه السلام) ذكر ما ذكر تمثيلاً ليقاس عليه الباقي.

ص: 227

وممّا يدلّ(1) على أنّ حق الاختصاص بالأرض أيضاً ممّا ترثه الزوجة أنّ بعض فقهائنا ذكروا في قيمة الأشجار والبناء أنّها ترث قيمة الأشجار الثابتة في الأرض الباقية إلى أن تفنى، وكذلك الآلات لا قيمة الشجرة المقلوعة والآلات الخارجة بعد خراب البناء. ولا ريب أنّ حق الاختصاص في الأرض داخل في القيمة بهذا الطريق; إذ لو لم يكن لها حق في الأرض لم يكن وجه لأخذ قيمة الهيئة والبناء والشجر في المعاملات))(2).

أقول: رد عليه المشهور بأمور:-

1- ((إن لازم كلامه أن تكون هذه الروايات قضايا خارجية لا قضايا حقيقية، وهل السائلون كلهم كانوا عراقيين؟.

2- لازم كلامه أن يعمّ الحرمان الرجال، إذ لا فرق بين الطائفتين في مورد الأراضي المفتوحة عنوة.

إن الحقوق المالية كحق الاختصاص تورث أيضاً فلماذا لم تلحظ في هذه الروايات مالية حق الاختصاص في إرثها بناءً على أنها ترث من مالية أرض1- الدار))(3).

أقول: فصّل المحقق الشعراني بين الأراضي المفتوحة عنوة وغيرها، وأخرج القسم الأول لتسليم حكمه بالنسبة إلى الجميع ولا يختص بالزوجة، وأما القسم الثاني وهي الأراضي غير المفتوحة عنوة فاستدل على قول السيد بدليل آخر ذكره (قدس سره)، فلا ترد عليه الردود المذكورة.

وأما ذكره الأراضي المفتوحة عنوة لاحقاً فهو مجرد احتمال للنقض على

ص: 228


1- سيأتي مزيد بيان لهذه الدلالة (صفحة 354).
2- مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام): العدد 46، ص 16، عن تعليقة المحقق الشعراني على الوافي: 13/779.
3- رسائل فقهية للشيخ جعفر السبحاني: 7/528.

استدلال المشهور بعدم ذكر قيمة الأرض وإذا دخل الاحتمال بطل الاستدلال.

نعم يرد على ما استدل به في آخر كلامه: أن حساب قيمة البناء والأشجار على أساس أنها باقية في الأرض إلى أن تفنى لا يدل على استحقاقها من قيمة الأرض فضلاً عن عينها، بل غاية ما تدل عليه أنها ترث من منافع الأرض ومنها بقاء البناء والأشجار عليها، وقيمة هذه المنافع غير قيمة الأرض، اللهم إلا أن تدعى الملازمة بينهما.

أعلام معاصرون آخرون:

وقال علم معاصر آخر: ((وهنا الأصل –كما في كل مختلف فيه- هو القرآن الناطق بعموم الميراث لهن كما لهم، وإنه لعموم لا يقبل التخصيص مهما كانت السنة كلمة واحدة في التخصيص، فضلاً عن أنها متفاوتة متهافتة في نفسها، وذلك أصدق مصاديق العرض على الكتاب!.

والعلل العليلة في بعض الروايات لحرمانها، هي بعينها واردة بحق البعولة، مما يشي باختلاق عارم في الروايات الحارمة إياها عن شطر من حقها عظيم، ولا عبرة بإجماعات وشهرات لا يؤيدها الكتاب، بل ويخالفها، فإن ما ترك عام لم يخصص إلا بوصية أو دين حسب النص المكرر في حقل الميراث))(1).

أقول: من الواضح أن عدم تخصيصه العمومات بروايات الحرمان ليس لأنه لا يرى جواز تخصيص الكتاب بالسنة، وإنما لوجود المانع –وهو إباء العمومات عن التخصيص- وقصور المقتضي –وهي روايات الحرمة-.

لكن استشعاره الاختلاق في روايات الحرمان لا مبرر له، وكذا إلغاؤه

ص: 229


1- الشيخ الدكتور محمد الصادقي في (الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنة: 6/160) وقد شهد له السيد الخوئي (قدس سره) بالاجتهاد عام 1386 هج-.

لها لو كان يقول بالحرمان المطلق، إلا أنه لا يظهر منه ذلك لأنه رأى لاحقاً في قول السيد المرتضى مخرجاً مناسباً لتحقيق الحكمة المذكورة في الروايات والمحافظة على عمومات الكتاب والسنة من دون حرمان الزوجة من ربعها أو ثمنها(1).

وشكّك السيد فضل الله (قدس سره) بحكم حرمان الزوجة مطلقاً واستبعده غاية الاستبعاد، ونقل كلام صاحب الدعائم في كون الحكم مخالفاً لإجماع الأئمة والأمة، ثم قال: ((ولأجل ذلك فموقف صاحب الدعائم لا يخلو من وجه))(2)، إلا أنه لم يوافقه على تأويله، واختار أخيراً المصالحة مع الورثة.

وقال في موضع آخر: ((والمشكلة في الواقع أن علماءنا في مثل هذه المشكلة لا يرغبون في إثارة التساؤلات ولا يملكون الدوافع للبحث عما يلف هذه القضايا من غموض وضبابية))(3).

ثم جاء بعض الأعلام المعاصرين ليختار قول السيد المرتضى مستفيداً من هذه التقريبات، وقال مبيّناً لها: ((الظاهر من إضافة المنع إلى تربة الدار والأرض أنّ النظر إلى عين الأرض وترابها أي ذاتها لا ما قد يتولّد فيها وعليها من الأموال الإضافية حتى المالية والقيمة نتيجة الإحياء والبناء؛ ولهذا استدرك بلسان الاستثناء فقال: إلا أن يقوّم البناء والجذوع والخشب أو الطوب –وهي الآجرّ- ونحوها.

وظاهر الاستثناء الاتصال، مع أنّ الطوب والخشب ليس من الأرض، فكيف استثني منها؟.

والظاهر أنّ أقرب المعاني لمثل هذا التركيب ليس هو ما فعله المشهور من حمل الاستثناء على الانقطاع، بل ينبغي الحفاظ على ظهوره في الاتصال مع

ص: 230


1- الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنة: 6/161.
2- فقه المواريث والفرائض: 2/259.
3- فقه المواريث والفرائض: 2/271.

كون المستثنى هو الإضافات الحاصلة في القيمة والمالية سواء بالنسبة إلى ذات البناء أو الأرض وما أحدث فيها وعليها بسبب الإحياء والبناء من المالية، فيكون المتفاهم عرفاً من مثل هذا التركيب أنّها لا ترث من العين والتربة، ولكنّها ترث أصل حقها من التركة بأن تعطى من قيمة الأرض وما عليها بسبب البناء والإحياء بما فيها مالية الأرض ومنفعة المكان الحاصلة بذلك، فتعطى ربعها أو ثمنها، وهذا الاستظهار يكون أوضح إذا استظهرنا رجوع الضمير في ربعها وثمنها إلى المرأة، لا إلى قيمة الطوب، كما لا يخفى.

إن قيل: إذا كان المقصود ذلك فلماذا لم يصرّح في شيء من هذه الرواياتبإعطائها من قيمة نفس الأرض كما صرّح بإعطائها من قيمة البناء والخشب والطوب؟.

قلنا: من المظنون قوياً أنّ قيمة الأرض وقتئذٍ كانت تحسب من خلال قيمة البناء والإحياء، وأنّ ذات الأرض المجرّدة الخالية من الإحياء والبناء لم تكن ذات قيمة، بل بناءً على أنّ الأرض تملك بالإحياء وأنّ المالك إنّما يملك حياتها لا ذات الرقبة وإنّما يكون له حق الاختصاص بها، فتمام مالية الأرض إنّما كانت بمالية البناء عليها والإحياء فيها، فاكتفت الروايات في مقام تحديد سهم الزوجة من مالية الأرض بذكر قيمة البناء وما على الأرض أو فيها من آثار الإحياء والبناء.

فالتعبير بإعطائها من قيمة البناء والطوب والخشب ونحو ذلك يمكن أن يكون المقصود منه عرفاً التفكيك بين العين والمالية أو الرقبة والمنفعة، وأنّ الزوجة لا ترث من الأصل ولكن ترث من الفرع، ويكون المراد بالأصل العين أو الرقبة، والمراد بالفرع المالية أو المنفعة للأرض. وقد طبق عنوان الأصل والفرع في بعض هذه الروايات بهذا المعنى، كما في رواية علاء عن محمّد بن مسلم (رقم 3)، وفيها:(قلت: كيف ترث من الفرع ولا ترث من الأصل شيئاً؟

ص: 231

فقال: ليس لها منهم نسب ترث به...)(1).

بل مثل رواية الأحول (رقم 10) وما ورد في ذيلها: (يعني من البناء: الدور) قوي الظهور في أنّ المراد إعطاؤها قيمة الدور بما فيها قيمة رقبة أرضها ، أي قيمة الدور بما هي دور لا بما هي آجرّ وطوب، فتحمل سائر الروايات عليها.

فما في تقريرات السيد البروجردي (قدس سره) من أنّ هذه الرواية مبعّدة لتخريج السيد المرتضى (قدس سره) فإنّه (عليه السلام) قابل بين عدم الإرث من العقار والإرث من قيمة البناء والشجر وغير ذلك ، فلو كانت ترث من القيمة مطلقاً لما كان للتقابل معنىً(2)، ممّا لا يمكن المساعدة عليه؛ لأنّها في ذيلها قد فسّر البناء بالدور ممّا يعني أنّها تستحق قيمة الدور بما هي دور، وهي تشمل قيمة أرضها ضمناً. وظاهر الرواية أنّ التفسير من الراوي.

كما أنّ التعبير بالإعطاء أو إعطاء حقها أو ربعها وثمنها الوارد في ألسنة هذه الروايات يجعلها ظاهرةً في النظر إلى مقام التقسيم والإفراز لحقوق الورثة وبيان أنّ حقّها من التركة –وهو الربع أو الثمن- لا يُعطى من عين الأرض والعقار، بل يعطى لها من سائر التركة، ومثل هذا بيان عرفي، فإنّه إذا قال الأب لأبنائه مثلاً هذا البيت لكم إلا أنّ فلاناً لا تعطوه الغرفة الفلانية فإنّه لا يعني حرمانها من أصل الاستحقاق بل يعطى حقها من سائر الغرف; أو قال: لا تعطوه من عينها كان معناه أنّه يعطى حقّه منالمالية والقيمة))(3).

وقال (دام ظله): ((فالحاصل: أنّ مجرّد سكوت الروايات عن التصريح بإعطائها من قيمة الأرض لا ينبغي أن يجعل دليلاً على حرمانها من الأرض عيناً

ص: 232


1- الوسائل: 26/ 206، ب6 من ميراث الأزواج، ح2.
2- تقريرات ثلاثة: ص107.
3- السيد محمود الهاشمي، مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد: 46، ص12-13.

وقيمة)).

ثم لخّص القرائن المستفادة من كلمات المحققين السابقة الدالة على قول السيد المرتضى فقال:

((1- بل بقرينة ظهور الاستثناء في الاتصال لا الانقطاع.

2- وظهور التأكيد في بعض الروايات بعدم الإعطاء من تربة الأرض في النظر إلى العين دون المالية.

3- وظهور التعبير بإعطائها من قيمة البناء الوارد في بعض الروايات في إعطاء قيمة البناء والدور بما هي دور قائمة وتستحق البقاء على الأرض والتي هي قيمة الأرض خصوصاً في تلك الأيّام.

4- وظهور التعليل بمنع الزوجة من إدخال زوج جديد يتلاعب برباع وعقار سائر الورثة في إرادة حفظ عين العقار لهم لا أكثر.

أقول: مجموع هذه النكات إن لم توجب ظهور الروايات المفصّلة في أنّ المراد حفظ عين الدور والعقار لسائر الورثة لا حرمان الزوجة من أصل حقها من المالية أو منفعة الأرض، ويكون هذا نظير ما إذا قال: هذا البيت يكون لولدي بالسويّة من بعدي ولكن لا يعطى للبنات من الجانب الغربي مثلاً فإنّ ظاهره إعطاء حقهّن من سائر الجوانب لا حرمانهنّ من أصل فرضهنّ. فلا أقلّ من أنّها مجملة ومحتملة لهذا المعنى قوياً بحيث لا يكون فيها ظهور في أكثر من حرمان الزوجة من عين العقار لا أكثر، فتبقى القيمة والمالية للدور والمساكن والعقارات بما فيها منفعة نفس الأرض باقية تحت إطلاق أدلّة التوريث.

نعم، الروايات التي اقتصرت على ذكر أنّ المرأة لا ترث من العقار أو الأرض شيئاً من دون تفصيل واستثناء لقيمة البناء ونحوه - كما في صحيح زرارة ومحمّد بن مسلم المتقدّمة - ظاهر إطلاق الشيء فيها نفي الإرث من المالية أيضاً.

إلا أنّه من المطمأنّ به أنّ هذه الرواية تقطيع لنفس الروايات المفصّلة والمنقولة عن زرارة ومحمّد بن مسلم وليس حديثاً مستقلاً; لوحدة الرواة فيها

ص: 233

عن المعصوم، بل أكثر هذه الأحاديث ترجع إلى حديث واحد أو حديثين.

بل لو استظهرنا من روايات التفصيل أنّ المقصود حرمانها من إرث العين دون المالية كانت بنفسها قرينة على إرادة نفس المعنى من عدم الإرث من الأرض شيئاً خصوصاً ما كان ظاهراً في عدم الإرث حتى من البناء، كما في رواية عبد الملكعن أحدهما (عليهما السلام) قال: (ليس للنساء من الدور والعقار شيء)(1)، فإنّه لا إشكال في إرثهن من قيمة بناء الدور، فيكون المقصود عدم الإرث من أعيانها))(2).

أقول: توجد عدة أنواع من المناقشات في هذه التقريبات:

النوع الأول: على قراءة الروايات بهذا الشكل الذي أفاده الأعلام وهذا ما سنؤجله إلى ما بعد قراءة المشهور لها في الاتجاه الثاني إن شاء الله تعالى.

النوع الثاني: على النتيجة أي قول السيد المرتضى ومن وافقه بحرمان الزوجة من عين الأرض خاصة دون قيمتها:

(ومنها) ((إن العمومات لا تدل على إرثها من القيمة إلا تبعاً للعين بمعنى الحصة التوأمة منها فإذا خصص العمومات بها في العين تخصص قهراً بالنسبة إلى القيمة والالتزام بإرثها الحصة غير التوأمة مع العين بلا دليل لعدم دلالة العمومات عليه))(3).

وجوابه: أن الدليل موجود وهو الجمع بعد الذي قلناه من أن التصرف في ظهور الخاص في المقام أقرب عرفاً من تخصيص العام به لإبائه عن التخصيص.

(ومنها) دعوى ((إن التفكيك بين العين والمالية في تخصيص أو تقييد

ص: 234


1- الوسائل: 26/ 209، ب 6 من ميراث الإرث، ح10.
2- السيد محمود الهاشمي، مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد: 46، ص14-15.
3- فقه الصادق: 37/261.

الكتاب وأدلة التوريث بإخراج العين وإبقاء المالية تحتها أمر غير عرفي)).

ويدفعها ((بأنه عرفي في باب الأموال والحقوق، ويشهد له نفس روايات الحرمان في البناء والطوب والخشب حيث فصّلت بين العين والمالية في إرث الزوجة منها))(1).

النوع الثالث: ما يرتبط بخصوصيات كلام العلم المعاصر:

(ومنها) قوله: ((إن المالك إنما يملك حياة الأرض لا ذات الرقبة وإنما يكون له حق الاختصاص بها)).

وفيه: أنه خلاف المشهور من تملك الأرض بالإحياء ويتبعه قبولها النقل والانتقال لما اشتهر عنهم (عليهم السلام) (من أحيى أرضاً فهي له) واللام بحسب الظاهر للملكية وليس الاختصاص، وأثر ذلك عدم جواز إحياء الغير لها إذا خربت إلا إذا أحرز إعراض المحيي الأول.

قال الشيخ كاشف الغطاء (قدس سره): ((ثم إن أحياها المحيي كائناً من كان –بعد الغيبة- كانت ملكاً له ويملكها من شاء ويوقفها ويجري عليها أحكام الملك))(2).(ومنها) قوله: ((إن قيمة الأرض وقتئذٍ كانت تحسب من خلال قيمة البناء والإحياء، وأن ذات الأرض المجردة الخالية من الإحياء والبناء لم تكن ذات قيمة)) وقد بنى تقريبه على هذا المعنى الذي تكرر في كلامه من أوله.

وفيه: أنها دعوى بلا دليل إذ لا نعلم ماذا كان الحال يومئذٍ، وما دامت الأرض تقبل التملك إذن تقبل النقل والانتقال ويبذل الثمن بإزائها، ولا شك أن الدواعي متوفرة لشراء الأرض المجردة حينما يكون موقعها مناسباً لمشروعٍ ما.

نعم يظهر من عبارات بعض الأعلام ما يدل على صحة هذا الاعتبار في

ص: 235


1- السيد محمود الهاشمي، مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 45، ص38.
2- كشف الغطاء: 4/295.

بعض الأزمنة أو البلاد كقول الشهيد الثاني (قدس سره): ((لو فرض عدم القيمة للأرض في بعض الأنواع من الشجر كالزيتون))(1)

إلى آخر كلامه، وقول المحقق الأردبيلي (قدس سره): ((إذا كانت الأرض بحيث لا قيمة لها كالأرض في أشجار التوت، لها الحصة من تمام البستان، إذ لا قيمة للأشجار))(2).

إشكال على قول السيد المرتضى (قدس سره):

توجد إشكالات على قول السيد المرتضى (قدس سره) تأتي عند مناقشة قول المشهور، نذكر واحداً منها وهو لغوية التفصيل الوارد في الروايات بين الأرض التي أطلق الحرمان منها، والأبنية التي تعطى الزوجة من قيمتها، ولو كانت الزوجة تعطى من قيمة الأرض أيضاً فالحكم فيهما واحد، فما معنى التفصيل، ويرد هذا الإشكال على العلم المعاصر لأنه قوّى قول السيد المرتضى (قدس سره).

نعم يظهر فرق بناءً على أطروحة المحقق السبزواري (قدس سره) المتقدمة (صفحة 224) وخلاصتها تقييم ربع أو ثمن الزوجة من الأرض وإعطاؤها هذا المقدار من الطوب والخشب ونحوهما، وكلام السيد المرتضى (صفحة 195) يحتمله، لكن هذا الاحتمال بعيد عرفاً عن ظاهر روايات الحرمان، وسيأتي عرض هذا الإشكال بإذن الله تعالى.

تعديل القانون المدني للجمهورية الإسلامية وفق قول السيد المرتضى:

كانت المادة القانونية المعمول بها في إيران موافقة لمشهور الإمامية، فقد نصّت المادة (946) من القانون المدني المقرّر بتأريخ 18/11/1346 على أن

ص: 236


1- مسالك الأفهام: 13/194.
2- مجمع الفائدة والبرهان: 11/451.

((الزوجة ترث من الموارد التالية فقط:

1- من الأموال المنقولة مهما كانت.

2- من الأبنية والأشجار)).

وشرحت المادتان (947، 948) كيفية التسعير ومعالجة صورة امتناع الورثة عن أداء القيمة.

وبتأريخ 28/1/1430 قرر مجلس الشورى الإسلامي الإيراني كما نقلت الصحيفة الرسمية للبلاد رقم (18651) وتأريخ (14/3/1430) التالي: ((تحذف مادة 947، وتتغير مادتا 946، 948 من النظام المدني المقرر بتأريخ 18/11/1430 على النحو التالي:

مادة 946: يرث الزوج من جميع تركة زوجته، والزوجة ترث من الزوج إن كان له ولد ثمن الأموال المنقولة، ومن قيمة غير المنقولة من العرصة والأعيان. ولو لم يكن للزوج ولد ترث الزوجة الربع من كل الأموال حسب الترتيب السابق.

مادة 948: لو امتنع الورثة من أداء القيمة المذكورة يجوز للزوجة أن تطلب حقها من الأموال عينها))(1).

أقول: هذا عمل بقول السيد المرتضى –إذا فهمنا إطلاق الزوجة سواء كانت ذات ولد أو غيرها لأنه لم يفصّل بين كون الولد منها أو من غيرها- خلافاً للمشهور وبملاحظة التواريخ نجد أن تأريخ الصدور بعد سلسلة الأبحاث التي نشرها السيد محمود الهاشمي عام 1427-1428 وكان يومئذٍ رئيساً للقوة القضائية.

وبما أن الدستور الإيراني ينصّ في الأصل 94 على أن ((كل مقررات

ص: 237


1- مجلة الاجتهاد والتجديد، عدد 17، ص 222، وص 233، مقال بقلم عدة أساتذة جامعيين في القانون.

مجلس الشورى الإسلامي يلزمها تصويب مجلس صيانة الدستور وهذا المجلس يجب أن يدلي برأيه طوال عشرة أيام في أن يكون القانون وفقاً للقوانين الإسلامية والدستور. ولو كان معارضاً لهما يعاد القانون إلى مجلس الشورى الإسلامي لإعادة النظر)).

فقد أرسل القانون إلى مجلس صيانة الدستور للمصادقة عليه أو ردّه إلى مجلس الشورى ويبدو أنهم لم يشاؤوا الوقوع في حرج اختيار أي من الأمرين فاختاروا عدم الإجابة.

و((هذا القانون –المعدَّل أعلاه- بعد انقضاء زمن مصادقة مجلس صيانة الدستور عليه وقبل أن تسلَّم إجابة المجلس بتأريخ 12/3/1430 أرسل إلى مجلسالوزراء للتطبيق))(1).

ولعل هذا يفسّر قول الشيخ جعفر سبحاني في نهاية تعليقاته على أبحاث السيد الهاشمي: ((هذه ملاحظات متواضعة نقدمها إليكم راجين إمعان النظر فيها، لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً))(2).

وهي مؤرخة في 20 صفر 1430 أي في نفس فترة إصدار القانون الجديد، وإرساله إلى مجلس صيانة الدستور لمراجعته والمصادقة عليه، ولكنها لم تغيّر من التوجه نحو تعديل القانون ((لقد كان القانون المدني الإيراني تابعاً لرأي مشهور فقهاء الإمامية، الذي يذهب إلى عدم ثبوت توريث الزوجة من جميع تركة زوجها لكنه قد تمّ أخيراً تصويب القانون التالي وبأكثرية ساحقة: (إن كلاً من الزوجين يرث من جميع أموال الآخر، وفي حالة عدم وجود وارث آخر سوى الزوج أو الزوجة يرث كل منهما جميع ما ترك الآخر))(3).

وقد ذكر عدد من أساتذة القانون الوجه في إجراء هذا التعديل فقالوا:

ص: 238


1- المصدر السابق: ص 237، الهامش (1).
2- رسائل فقهية: 7/541.
3- مجلة الاجتهاد والتجديد، العدد 23، ص 136.

((كادت الأسرة في الآونة الأخيرة أن تتكون من الزوجين والأولاد، وقد ضعفت العلاقات الأسرية السابقة إلى حد ما وعلى سبيل المثال: إن التوارث بين أحفاد العم والخالة لا يبتني على المحبة والعلاقة، ولا على طلب المتوفى، ولا يساعد العلاقات الأسرية. أن هؤلاء الأقرباء ربما لا يعرف بعضهم بعضاً، وخاصة في المدن الكبيرة، ولا نجد أية صلة بينهم. لذا فقد تغيّرت الحكمة الموجبة للإرث، أو أوشكت على الفساد. ومن جهة أخرى فإن العلاقة بين الزوجين قد تغيّرت حسب أخلاق شعبنا الحاضر، فإن المرأة ليست أجنبية التجأت إلى بيت بعلها حسب الضرورة التي اقتضت، وتبقى هناك حتى يفصل الموت بينها وبين زوجها، وعندما يتوفى الزوج فعليها أن ترجع إلى بيت أبيها. هذه الأجنبية هي مركز الحب والأحاسيس والمشاعر لهذه الأسرة الجديدة، وهي تساعد الزوج وتشاطره في الأحزان والآلام، وعندما يتوفى زوجها تحافظ على الأسرة وأواصرها، وهي التي تحمي الأولاد والأحفاد، فجدير بها أن لا تبقى بلا إرث أو أن تبقى ولها سهم قليل، ويرث أبناء العم الذين كانوا يعيشون بمعزل عن المتوفى طوال سنوات عديدة))(1).

أقول: هذه مجرد استحسانات لا يمكن تأسيس الأحكام الشرعية عليها، بل نعتبرها اختراقاً للشريعة باسم التجديد إذ لا معنى للقول: ((فقد تغيّرت الحكمة الموجبة للإرثأو أوشكت على الفساد)) والقول: ((تغيّرت الحكمة الموجبة للإرث)) وبقية الكلمات. ويجب أن يكون إقرار القوانين مستنداً إلى الحجة الشرعية.

القول الثالث

اشارة

نفس القول الثاني مع تضييق دائرة الزوجة المحرومة من العين دون القيمة بغير ذات الولد -إذا فهمنا الإطلاق من كلام السيد المرتضى وهو غير

ص: 239


1- مجلة الاجتهاد والتجديد، المصدر السابق، ص 233.

مؤكد وتقدمت الإشارة إليه (صفحة 213)، أما ذات الولد من زوجها فترث من كل ما ترك الزوج عيناً وقيمة، وقد أضيف هذا التفصيل باعتباره وجهاً للجمع بين روايات الحرمان وروايات إطلاق استحقاق الزوجة، وعملاً بمقطوعة ابن أذينة (في النساء إذا كان لهن ولد أعطين من الرباع)(1)، حيث جُعلت هذه المقطوعة شاهداً للجمع بين عمومات ميراث الزوجة من كل التركة وروايات الحرمان من العقار، بحمل الأدنى على ذات الولد، والثانية على غيرها، وسيأتي تفصيل الكلام في المقطوعة بإذن الله تعالى.

ويظهر هذا القول من عبارة الشيخ الصدوق في الفقيه بعد نقله صحيحة أبن أبي يعفور المتقدمة الموافقة للعمومات، قال (قدس سره): ((هذا إذا كان لها منه ولد أما إذا لم يكن لها منه ولد فلا ترث من الأصول إلا قيمتها، وتصديق ذلك ما رواه محمد بن أبي عمير، عن ابن أذينة))(2).

أقول: هذا القول لم يذكره الأصحاب في أقوال المسألة مع أنه الموافق للقدر المتيقن من الإجماع –الذي سيأتي ذكره (صفحة 244) وأقلّها مخالفة لعمومات الكتاب والسنة ويحفظ سهمها المحدّد بالربع والثمن من جميع التركة وهذه كلها مزايا ترجيح له وهو كما ترى مطابق لقول السيد المرتضى في موضع الخلاف الأول وهو ما تحرم منه الزوجة، وخالفه في الموضع الثاني وهو الزوجة المحرومة إذ ظاهر السيد المرتضى (قدس سره) الإطلاق -وإن كنّا ناقشنا فيه لعدم وضوح كونه في مقام البيان من هذه الجهة- بينما خصه الشيخ الصدوق بغير ذات الولد بناءً على المقطوعة وسنبحثها مفصلاً فيما يأتي إن شاء الله تعالى، وبغضّ النظر عن هذه فالقولان الثاني والثالث متطابقان.

والخلاصة أن الشيخ الصدوق جمع بين صحيحة ابن أبي يعفور الصريحة في عدم نقصان استحقاق الزوجة وبين روايات الحرمان بحمل صحيحة

ص: 240


1- وسائل الشيعة: 26 / 213، أبواب ميراث الأزواج، باب 7 ح2.
2- من لا يحضره الفقيه: 4/ 252: كتاب الفرائض والمواريث، باب: نوادر المواريث، ح 5755.

ابن أبي يعفور على منطوق رواية ابن أذينة، وحمل روايات الحرمان على مفهومها، إلا أن هذا غير كافٍ لإثبات المطلوب في استحقاق غير ذات الولد من قيمة الأصول وتحرم من الأعيانفقط بعد ذهاب المشهور إلى دلالتها على الحرمان من العين والقيمة معاً.

قال بعض الأعلام المعاصرين في تقريب الاستدلال بمقطوعة ابن أذينة على تفصيل الشيخ الصدوق (قدس سره): ((إن رواية ابن أذينة –على ما سيأتي- ليست دالة إلا على إرث الزوجة ذات الولد من عين الرباع، وأما عدم إرث غير ذات الولد من الرباع فلا دلالة فيها على ذلك إلا من باب المفهوم، بمعنى أنه لو كانت ترث غير ذات الولد من عين الرباع أيضاً كان التخصيص والتقييد بذات الولد لغواً وهذا هو معنى ظهور القيد في الاحترازية. إلا أنه من الواضح أن هذا الظهور لا يقتضي المفهوم بنحو السالبة الكلية بل الجزئية وبنحو إجمالي، بمعنى عدم مساواة ذات الولد وغير ذات الولد في الحكم وهو الإرث من عين الرباع وإلا كان القيد لغواً.

أما أن غير ذات الولد لا ترث من الرباع أصلاً أي حتى من قيمتها وماليتها فهذا لا يقتضيه المفهوم المستفاد من احترازية القيود فلعلها ترث من قيمة الرباع ضمن قيمة الدور والأبنية، فلا تكون رواية ابن أذينة مخصصة لرواية ابن أبي يعفور، وإنما غايته دلالتها على عدم إرث غير ذات الولد من عين الأرض، فيبقى إرثها من المالية والقيمة ولو ضمن قيمة البناء والدور مما ترك الزوج تحت شمول رواية ابن أبي يعفور، فيثبت مختار الصدوق (قدس سره) الذي هو أخص من مختار السيد المرتضى (قدس سره) ))(1).

أقول: غاية ما تدل عليه المقطوعة عدم مانعيتها من قول الصدوق لكفاية ما ذكره (دام ظله) من الاحتمال لتحقق المفهوم لكن المفهوم لا يتعين بهذا المقدار فيمكن أن يكون حرمانها مطلقاً، فالاستدلال بها على إرث الزوجة غير ذات الولد من

ص: 241


1- السيد محمود الهاشمي في مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام): العدد 46، ص23.

القيمة دون العين غير تام؛ لأنها مجملة من هذه الناحية، وإنما يستدل عليه بالعمومات والإطلاقات بعد عدم وجود المخصص لكفاية الاحتمال المذكور وإذا دخل الاحتمال بطل الاستدلال.

اللهم إلا أن يقال أن المنطوق ظاهر في عدم حرمان الزوجة ذات الولد من قيمة الأرض، فيكون المفهوم نافياً لها خاصة، وهذه محاولة ليست وافية لأن القيمة تبع العين في المنطوق.

فاستدلال الصدوق يكون بنفس ما ذكرناه للسيد المرتضى، ولا تضيف المقطوعة –على تقدير تماميتها متناً وسنداً- إلى الاستدلال إلا التفصيل بين ذات الولد وغيرها، مع احتمال كونها وجهاً للجمع بين روايتي الفضل وابن أبي يعفور وبين روايات الحرمان.

تقريب الاستدلال بانقلاب النسبة:

حكى السيد محمد بحر العلوم (1261-1326 هج-) تقريباً للاستدلال على التفصيل في حكم الحرمان بين الزوجة ذات الولد فلا تحرم وغيرها فتحرم، واستفاد منه بعض الأعلام المعاصرين للاستدلال على تفصيل الشيخ الصدوق (قدس سره).

وقد ردَّ هذا التقريب بقوله: ((إلا أن المقرر في محله عدم قبول كبرى انقلابالنسبة، على أن ظهور رواية ابن أبي يعفور في عدم الفرق بين الزوج والزوجة في الإرث مما تركته وتركه من الأرض التي هي مورد سؤال السائل أقوى من ظهور روايات الحرمان في حرمان الزوجة من إرث مالية الرباع، فلا تصل النوبة إلى التخصيص حتى على القول بكبرى انقلاب النسبة، بل يجمع بينهما بما صنعه الصدوق (قدس سره) ))(1).

ص: 242


1- السيد محمود الهاشمي، مجلة فقه أهل البيت، العدد 46: ص 23-24.

أقول: سنتعرض مفصلاً لهذا البحث في الفرع الخلافي الثاني عن هذا التفصيل (صفحة 329) بإذن الله تعالى.

ص: 243

الاتجاه الثاني: تخصيص عمومات الكتاب بحرمان الزوجة من العقار ولو في الجملة

اشارة

اعتاد المشهور عند بحثه هذه المسألة أن يرسل حكم حرمان الزوجة في الجملة من العقار مطلقاً إرسال المسلّمات ثم يذكر أن الخلاف في موضعين ما تحرم منه الزوجة، ومَن تحرَم من الزوجات، ويدخل في تفصيلهما ويذكر قولي ابن الجنيد والسيد المرتضى من ضمن الأقوال، ومنهجية البحث تقتضي التعرّض أولاً لأصل حكم الحرمان والاستدلال عليه ودفع الإشكالات لأن الخلاف بين قولي ابن الجنيد والمرتضى وبين أقوال المشهور جوهرية لتعلّقه بأصل الحرمان، لذلك جعلناها في اتجاهين مختلفين، أما موضعا الخلاف فتبحث في الفروع الخلافية، لأن البحث في هذين الموضعين مما يتفرع عن أصل البحث ويشترك فيه أصحاب الاتجاهين فالخلاف بين قولي السيد المرتضى والشيخ الصدوق –وهما من الاتجاه الأول- هو في الموضع الثاني كما تقدم.

وعلى أي حال فما اتبعناه من منهجية وتقسيم أرجح، وهو يبرز أصل الخلاف بين الاتجاهين.

وقد ذهب المشهور إلى حرمان الزوجة من العقار في الجملة وذكرنا في ما سبق دليليه وهما:

(الأول) الإجماع، وتقدم ذكره (صفحة 199).

ويناقش صغروياً بمخالفة عدد من القدماء كابن الجنيد والشيخ الصدوق والسيد المرتضى واستشكل فيها المحقق الأردبيلي والسبزواري والسيد العاملي في مفتاح الكرامة(1)، ولذا احتاط قسم آخر كصاحب الرياض، قال (قدس سره): ((والاحتياط لا يترك هنا بل في أصل المسألة أيضاً، فإنه طريق

ص: 244


1- راجع (صفحة 193).

السلامة))(1) بل استُظهر الخلاف من غيرهم كما تقدم (صفحة 197) لعدم تعرضهم لهذا الحكم مع تصريحهم بأن إرث الزوجة ربع التركة أو ثمنها الظاهر في عموم الاستحقاق من كل ما ترك، خصوصاً مثل الفقه الرضوي الذي هو الأصل لكتاب المقنع للشيخ الصدوق، وتفسيري التبيان ومجمع البيان اللذين لم يدخرا جهداً في الدفاع عن رأي الإمامية في المسائل الخلافية عند التعرض لمواضعهما في التفسير، ولم يتعرضا لهذا الحكم مع كونه من متفردات الإمامية.ويناقش كبروياً بأكثر من وجه:-

1- إنه مدركي لوضوح استناده إلى الروايات الكثيرة المشهورة بين الأصحاب.

2- إنه لا يوجد معقد لهذا الإجماع لاختلافهم على عدة أقوال بعد اتفاقهم على أصل الحرمان فلا بد من الاقتصار على القدر المتيقن، وهو:-

أ- كون الزوجة غير ذات ولد لوجود قائل بعدم حرمان ذات الولد.

ب- حرمانها من الرباع خاصة وهي أراضي الدور والمساكن لوجود قائلين بعدم حرمانها من غيرها كالأراضي الزراعية.

ج-- حرمانها من عين الرباع خاصة دون قيمتها لوجود قائل –كالسيد المرتضى- باستحقاقها من القيمة.

ومجموع هذه القيود تفيد قولاً في المسألة وهو قول الشيخ الصدوق وإن لم يبرزه الأصحاب.

(الثاني) الروايات:

وقد أوردناها (صفحة 201-204).

ص: 245


1- رياض المسائل: 14/386.

وقبل تقريب استدلال المشهور بالروايات وفق رؤيته ينبغي الالتفات إلى أنه يمكن إرجاع بعض الروايات إلى بعض كما استظهرنا من روايتي يزيد الصائغ.

وتلاحظ أيضاً أن موثقة عبد الملك بن أعين (رقم 9) هي نفسها رواية بصائر الدرجات (رقم 16) إلا أن الراوي في الأولى اكتفى بذكر الحكم بينما ذكر راوي الثانية تفصيل الحادثة.

وكذلك فإن رواية موسى بن بكر (رقم 15) هي نفسها رواية الفضلاء (رقم 1) وبكير أحدهم فسمع موسى منه وأتى زرارة يتأكد منه بينما سمع عمر بن أذينة من بكير وزرارة وبقية الخمسة وهكذا كان ديدنه بحسب المنقول عنه أنه كان يروي الحكم الواحد عن أكثر من واحد ممن سمع من الأئمة (عليهم السلام).

وصحيحة زرارة (رقم 2) هي نفسها رواية (رقم 13) عنه وعن طربال بن رجاء، والرواية (6) هي جزء من الرواية (7) وقد رواهما في الكافي بنفس السند سوى أن ابن أبي عمير رواها تارة عن جميل عنهما وأخرى عن حماد بن عثمان عنهما.

وكذلك جملة من الروايات الصحيحة الأولى هي نقول متعددة لرواة متعددين عن أحد الفضلاء الخمسة أو أكثر وربما كان غير الفضلاء الخمسة حاضراً فرواها إلى غيره فتكثّرت الروايات ولم تحافظ على النص الأصلي لأن النقل يكون بالمعنى فربما صاغها كل واحد منهم بما يضمن بيانها وشرح المراد منها.

ونبهنا إلى أن رواية العلاء –رقم 3- مباشرة عن أبي عبد الله (عليه السلام) كما في قرب الإسناد ليست كذلك في الكافي بل بواسطة محمد بن مسلم وهو أحد رواة صحيحة الفضلاء.

وينبغي الالتفات إلى أننا لا نريد بهذه التقريبات إنكار تواتر هذا المعنى

ص: 246

عن أهل البيت (عليهم السلام) حيث أرجعها بعض المعاصرين إلى واحدة أو اثنتين(1)، وربما يأتي بعد ذلك مَن ينكر صلاحياتها لتخصيص عمومات الكتاب لأنه يبني على عدم تخصيص الكتاب بأخبار الآحاد، ويسقط هذه الروايات عن التأثير والاعتبار.

فهذا كله مما لا يعتد به لأن مجموع هذه الروايات يحصّل القطع بصدور حكم حرمان الزوجة من العقار في الجملة عن المعصومين (عليهم السلام)، وقد فهم علماء الإمامية كافة هذا المعنى وإن اختلفوا في تفاصيل الحرمان، ونسبة هذه الروايات إلى عمومات استحقاق الزوجة هي التخصيص فتخصص بها قال الشهيد الأول (قدس سره): ((إن أهل البيت (عليهم السلام) أجمعوا على حرمانها من شيءٍ ما، ولم يخالف هذا من علماء الإمامية إلا ابن الجنيد))(2).

أقول: قد تقدّم الكلام في صحة هذه النسبة إلى ابن الجنيد.

إشكالات على المشهور:

هذا ولكن المشهور يواجه عدة إشكالات تبعّد مختاره، وأسئلة عليه إجابتها وردها:

(الأول) إن هذه الروايات تدل على حرمان الزوجة من العقار في الجملة وليست صريحة في حرمانها من العين والقيمة معاً، بل إن بعضها –كصحيحة الفضلاء- ظاهرة في حرمانها من عين الأرض خاصة كما قرّبنا (صفحة 224)، وتؤيدها الروايات الواردة في تعليل الحكم وبيان حكمته، وهذه الحكمة أو العلة تتحقق بمنع إعطائها من رقبة الأرض خاصة ونحو ذلك من القرائن كقوله (عليه السلام) في صحيحة الأحول: (ولهن قيمة البناء) وتفسيره البناء بالدور –ولو من الراوي- والدور تشمل الأرض، ولو شككنا بدخول

ص: 247


1- راجع كلامه المتقدم (صفحة 234).
2- غاية المراد: 3/583.

القيمة في روايات الحرمان فإن مقتضى الصناعة بقاؤها تحت عمومات استحقاق الربع أو الثمن من كل التركة.

وأجاب المشهور بأن الروايات ظاهرة في حرمانها من العين والقيمة، بل هي صريحة في ذلك بالتقريب الذي تقدم (صفحة 218) عن صاحبي الرياض والجواهر والسيد البروجردي (قدس الله أسرارهم) وأن مقتضى استثناء إعطائها القيمة من الطوب والخشب حرمانها من العقار مطلقاً عيناً وقيمة وإلا لذكرت في الاستثناء استحقاقها من قيمة الأرض خصوصاً مع وجود الإطلاق في بعضها (لا يرثن من العقار شيئاً).ورُدَّ على القرينة بوجوه من الدفع والرفع أوردناها (صفحة 218 وما بعدها) وأنه يلزم منه كون الاستثناء منقطعاً وهو خلاف الأصل وإن استفادة حرمان الزوجة من القيمة من سكوت الروايات عن إعطائها منها دلالة ضعيفة لوجوه منها ما ذكرناه (صفحة 231-232).

أما إطلاق (شيئاً) في الحرمان من إرث العقار فإن الجميع لا يلتزم به لأن المشهور يقول باستحقاقها من الأبنية. ثم عرضنا (صفحة 223) وما بعدها عدة قراءات لروايات الحرمان تجعلها قابلة لإعطاء الزوجة من قيمة العقار، وإن عدم تعرضها لهذا المعنى لا يضرّ لوجوه ذكرناها.

(الثاني) وجود مضامين في روايات الحرمان تجعلنا نشكك في فهم المشهور لها ومنها:-

أ- قوله (عليه السلام) في رواية (رقم 3) (ترث المرأة من الطوب ولا ترث من الرباع شيئاً) مع أن الرباع هي الدور والمنازل والطوب داخل فيها فصدر الرواية لا يستقيم مع آخرها وكذلك في الروايات (5، 6، 7، 8).

ب- التعليل بعدم إفساد المواريث على أهلها مع أن هذه المشكلة موجودة في الزوج إذا توفيت زوجته وقد يكون غريباً عن قومها، وهل هذا إلا مثل

ص: 248

حرمان الوارث من حقه خشية أن لا يحسن التصرف فيها، مع أن هذه المشكلة قد تحلّ باشتراط عدم التزوج من غريب، مضافاً إلى أنه قد لا يوجد وارث غيرها، فهل تستثنى هذه الحالة من روايات حرمان الزوجة وهذا ما لم يقل به أحد، أو نفهم روايات الحرمان بنحو آخر؟.

ج-- ورود عناوين تحرم منها الزوجة ولا يوجد قائل بها كالدواب والسلاح مما اضطر البعض إلى تأويلها بوجوه أخرى ككون سبب الحرمان دخولها في الحبوة.

د- بعض التعابير ليست مألوفة في كلام الأئمة (عليهم السلام) كما في رواية محمد بن سنان -رقم 14- فهذا التنظير والتقعيد يناسب تعليلات العلماء واجتهاداتهم، قال السيد البروجردي (قدس سره): ((وهذه الرواية تنادي بأعلى صوتها أنها ليست بهذه الألفاظ من الإمام (عليه السلام) كما يعرف ذلك من كان له أدنى بصيرة في ألفاظ الأحاديث المنقولة، ولذا قلنا: إنه زعم أنه سمعه من الإمام (عليه السلام) ))(1).

هذه الأمور وربما غيرها تدفعنا إلى احتمال أن المراد بالروايات غير ما فهمه المشهور من حكم حرمان الزوجة وإنما أُريد منها معالجة مشكلة وسنذكر بعضالوجوه في ذلك إن شاء الله تعالى، ولعله لهذا –بل صرح بعضهم – لم يستسلم جملة من المحققين لإرادة المشهور واضطر بعضهم كالأردبيلي والسبزواري إلى تقديم قراءات أخرى للنصوص أوجبت هجوم المشهور.

(الثالث) إباء عمومات الكتاب والسنة عن التخصيص أي يمتنع تخصيصها بالحرمان المطلق من العين والقيمة؛ بتقريبين:-

أ- لأن دلالة بعضها على الاستحقاق من كل التركة بالنص الصريح -

ص: 249


1- تقريرات ثلاثة، رسالة في ((ميراث الأزواج)).

كصحيحة الفضل وابن أبي يعفور- وليس بالعموم أو الإطلاق ليمكن فيها التخصيص والتقييد.

ب- لأن حرمانها من العقار مطلقاً يعني عدم انحفاظ سهم الربع أو الثمن من التركة فيلزم التهافت في الكلام والوقوع في مخالفة الكتاب، وذكرنا (صفحة 209) أن هذا الهاجس معترف به عند المشهور وحاولوا تقليل التخصيص مهما أمكن كتقييد الزوجة المحرومة بغير ذات الولد ونحو ذلك.

قال المحقق السبزواري: ((ظاهر الآية الشريفة ثبوت الربع أو الثمن للزوجة مطلقاً من غير استفصال، وكذا كثير من الروايات الدالة على أن للزوجة الربع أو الثمن من غير تخصيص واستفصال، وخصوص معتبرة الفضل وابن أبي يعفور دال على ثبوت حكم التوريث مطلقاً في محل البحث، ويبعد ارتكاب تخصيص فيها))(1).

وقال بعض الأعلام المعاصرين: ((إن هذه الروايات المانعة لإرث الزوجة من العقار معارضة مع القرآن الكريم الصريح في إرث الزوجة الربع أو الثمن من تركة الزوج في قوله تعالى: «.. وَلَهُنُّ الرُبُعُ مِمّا تَرَكتُم..» وهذه المخالفة ليست بمستوى التخصيص والتقييد ليقال بأنه لا محذور فيه، بل بمستوى المخالفة لظهور قوي كالصريح، لأن الزوجة إذا كانت لا ترث من العقار شيئاً فلا محالة سوف يقل سهمها عن الربع والثمن للتركة، وتقييد ذلك بالربع والثمن مما ترث منه من التركة لا كل التركة وإن كان يحفظ عنوان الربع والثمن إلا أن هذا عندئذٍ يكون خلاف مقام التحديد وتعيين السهام بالنسب والفروض، أي يوجب اختلال الميزان للفرائض والسهام)).

ص: 250


1- كفاية الفقه: 2/858.

ثم وجد (دام ظله) في قول السيد المرتضى حلاً للإشكال، قال: ((نعم على القول بإرثها من قيمة الأرض الذي هو مختار السيد المرتضى لا يلزم اختلال السهام والفرائض وإنما مخالفة ظهور الخطاب في كون السهم بنحو الإشاعة من العين، فهو على حد التقييد، ولعله من هنا صعب على السيد المرتضى القبول بمخالفة القرآن الكريم بالمستوى الأول رغم إقراره بصدور الروايات بل وإجماع الطائفة على حرمان الزوجة من العقار إجمالاً)).

أقول: يمكن للمشهور أن يرد بأمور:-

1- التشكيك في تحقق الإطلاق والعموم في الآية الشريفة لما ذكرناه (صفحة 212) من أن المولى ليس في مقام البيان من هذه الجهة وما ادعي أنه نص صريح في العموم لم يكن كذلك حتى عند الفريق الثاني لذا لم يجد حزازة بالقول بالتفصيل بدلالة مقطوعة ابن أذينة.

2- إن الروايات المعتبرة المستفيضة بعد أن دلت على المطلوب -وهو التخصيص والاستثناء- فيجب الأخذ به ولا تمنع منه الاستظهارات المذكورة.

3- عدم الالتزام بالتخصيص وحرمان الزوجة من الأرض عيناً وقيمة يلزم منه لغوية التفصيل بين الأرض والأبنية حيث أطلقت الحرمان في الأول وحكمت بالقيمة في الثانية، ولو كانت الزوجة تعطى من قيمة الأرض أيضاً لم يبق وجه للتفصيل في النصوص كصحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام): (إن المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دار أو أرض إلا أن يقوّم الطوب والخشب قيمة فتعطى ربعها أو ثمنها) ومعتبرة ميسر عن أبي عبد الله (عليه السلام): (لهن قيمة الطوب والبناء والخشب والقصب، فأما الأرض والعقارات فلا ميراث لهن فيه) وصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام): (لا ترث النساء من عقار الدور شيئاً ولكن يقوم البناء

ص: 251

والطوب وتعطى ثمنها أو ربعها) وصحيحتهما الأخرى عن أبي جعفر (عليه السلام) فلو كانت الزوجة ترث من الأرض قيمة لا عيناً فلا معنى للتفصيل المذكور لأنهما سواء في الحكم، نعم يمكن أن يتحقق الفرق بناءً على أطروحة المحقق السبزواري (قدس سره) المتقدمة (صفحة 224).

4- لو سلّمنا عدم قبول الآيات الشريفة لهذا الاستثناء بحسب الظهور فليكن من باب النسخ وقد أجازوا نسخ الكتاب بخبر الواحد من السنة بهذا المقدار، وقد صرّحت رواية بصائر الدرجات (رقم 16) أن هذا الحكم مما أملاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أمير المؤمنين (عليه السلام).

وأورد أحد الأعلام المعاصرين ملاحظتين على هذا الإشكال:

((أولاً: ما الفرق بين المقام حيث يُحدّد فرضها بالثمن ثم يشار بدليل منفصل إلى أنّ فرض الثُمن يتعلّق بغير العقار، وبين قوله سبحانه: «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيءْ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى» ثم يحدّ بأنّ الخمس بعد المؤونة)).

أقول:-

أ- لا يصلح هذا المورد للنقض لأن الخمس يجب فوراً في الغنيمة ولا تستثنى منها مؤونة السنة وإنما ذلك شرط الخمس في أرباح المكاسب بحسب المستفاد من الأدلة وهو مورد آخر غير الآية ولا أقل من أنه خلاف مبنائي.

ب- إن استثناء المؤونة تضييق لما يجب فيه الخمس وليس تصرفاً في النسبة نفسها فلا مانع منه، فهو نظير تضييق الميراث بعد استثناء الوصية والدين ولا مانع منه، قال تعالى: «مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ» (النساء:12)ثم توزيع الفروض، وقد عرضنا في ما سبق أطروحة كون الربع أو الثمن في ما سوى ما تحرم منه الزوجة وقلنا في جوابه أنه يكون

ص: 252

كالألغاز لدى العرف المتلقي. فالفرق بين الموردين موجود.

ثم قال (دام ظله الشريف): ((وثانياً: أنّ هذه المشكلة ليست مختصّة بهذا المورد، فإنّ اختلال الميزان للفرائض والسهام –لو صحّت تسميته إخلالاً بهما- ليس شيئاً غريباً في باب الإرث لتوفّره في الموارد التالية:

1. عند زيادة السهام على التركة يدخل النقص على طائفة دون طائفة، وبالتالي ينقص الميراث عن السهام .

2. عند زيادة التركة على السهام يُردّ الباقي على الورّاث، وبالنتيجة يزيد الميراث على السهام.

خلافاً لأهل السنّة حيث عالجوا المشكلة في الموردين بالعول والتعصيب .

3. سهم الولد الأكبر يزيد على الفرض بالحبوة. فيكون سهم الولد الأكبر أزيد من حظ الأُنثيين وقد قال سبحانه: «لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ».

4. حرمان القاتل والكافر من الإرث، وبالتالي تحصل الزيادة في سهام الآخرين، كالبنت والبنتين إذا كان الأب قاتلاً أو كافراً.

5. إذا مات الرجل عن بنت واحدة فهي ترث النصف فرضاً والباقي قرابة، فتكون وارثة للكل لا للنصف وإن كان ذلك باعتبارين، ومثلها إذا مات عن بنتين فهما ترثان الثلثين فرضاً والباقي قرابة فيكون ميراث الواحدة أو الاثنين أزيد من الفرض المحدّد الوارد في قوله سبحانه: «فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ»))(1).

أقول: لا تصلح هذه الموارد للنقض لأن الزيادة حصلت بعنوان آخر وهو الرد والعمومات لا تمنع منها، وأما دخول النقص فلأن الروايات شرحته بأن البنت

ص: 253


1- رسائل فقهية للشيخ جعفر سبحاني: 7/535-537.

والبنتين والأخت والأختين لهنّ النصف، والثلثان ما دام لا يوجد نقص في الفريضة وإلا تغيّر فرضهن بدخول النقص عليهن.

وأما الحبوة فقد تقدم عن السيد المرتضى أنه يحسبها بالقيمة من حصة الولد الأكبر.

نعم يمكن أن يجيب المشهور على تقريبيي الإباء عن التخصيص:

أما الأول فلأن دلالة العمومات على الاستحقاق إنما هي بالعموم والإطلاق كما في الآية الكريمة «مما تركتم» وهي قابلة للتخصيص، أما الدلالة الصريحة فقد وردت في صحيحة الفضل وابن أبي يعفور وسنناقشها ضمن الروايات المعارضة.

وأما الثاني فلأن الربع والثمن يمكن أن يضيق ويتسع بحسب متعلقه لأنهما كسر منسوب إليه ففي قوله تعالى: «ولهنّ الربع مما تركتم» إذا خصصنا ما تركتمبروايات الحرمان –وقد قلنا آنفاً بإمكانه- بقي الربع منحفضاً لكن متعلقه نقص بالتخصيص فلا إشكال.

وهذا معنى يمكن استفادته من تعليقة الشيخ في الاستبصار على صحيحة الفضل بن عبد الملك وتأويلها بأن ((لهن ميراثهن من كل شيء ترك ما عدا تربة الأرض)).

وهو ما استبعده المحقق الأردبيلي (قدس سره) قال: ((إن السائل سأل عن الكل فتخصيصها بعيد جداً فتأمل، وحمل الاستبصار أيضاً بعيد))(1).

وقال: ((فإرادة مثل ذلك ألغاز وتعمية فتأمل)) وهو وصف أعاده بعض الأعلام المعاصرين.

وقد تقدم بعض الكلام (صفحة 209)، وسيأتي ما يتعلق به أيضاً إن شاء الله تعالى.

ص: 254


1- مجمع الفائدة والبرهان: 11/445.

(الرابع) وجود روايات معارضة لروايات الحرمان وقد تقدم ذكر بعضها (صفحة 194) وهي على طوائف:-

الأولى: العمومات المحدِّدة لحصة الزوجة بالربع أو الثمن والمصرِّحة بعدم نقصانها عن الفرض المذكور كصحيحة محمد بن مسلم.

وأجاب المشهور بأنها مخصَّصة بروايات الحرمان كما تقتضيه الصناعة، وردَّ بأنها آبية عن التخصيص، وأن ظهور الخاص في حرمانها من العقار عيناً وقيمة بالإطلاق وهو أضعف من ظهور العمومات في التحديد وصراحتها في نفي النقصان فالتصرف في ظهور الخاص بحمله على العين دون القيمة أولى من تخصيص العام بالخاص مطلقاً.

الثانية: الإطلاقات التي دلّت على استحقاق الزوجة الربع أو غيره من دون تفصيل بين العقار وغيره كصحيحتي أبي بصير ومحمد بن مسلم المتقدمتين (صفحة 194) وغيرها مما أوردنا في البحث السابق عن إرث الزوجة إذا انفردت بالميراث كرواية الصحاف قال: (مات محمد بن أبي عمير بياع السابري وأوصى إليَّ، وترك امرأة له لم يترك وارثاً غيرها، فكتبت إلى العبد الصالح (عليه السلام) فكتب إليَّ: أعط المرأة الربع واحمل الباقي إلينا)(1).

((وهذه الطائفة من الروايات لكونها واردة في خصوص الزوجة المنفردة بالإرث تكون أخص من هذه الناحية من الروايات الدالة على حرمان الزوجة من إرث العقار، فتخصّصها أو يتعارضان بنحو العموم من وجه ويرجع إلى عمومات التوريث، بل مقتضى التعليل الوارد في تلك الروايات بأنّ ذلك إنّما كان من أجل أن لا تُدخلالزوجة على الورثة من يفسد عليهم مواريثهم، عدم شمول الحكم لفرض انفرادها بالإرث.

ص: 255


1- وسائل الشيعة: 26/202، ميراث الأزواج، باب 4، ح2.

وعليه، فلا وجه لرفع اليد عن دلالة هذه الروايات على عدم حرمان الزوجة من إرث العقار عند انفرادها، بل مثل رواية الصحّاف التي تنقل قضية خارجية خير دليل على أنّ منع الزوجة من الأرض والعقار مطلقاً لم يكن نافذاً بين الشيعة حتى في عصر الإمام الكاظم (عليه السلام)، وإلا لكان يشير إليه السائل الوصيّ لابن أبي عمير أو يشير عليه الإمام (عليه السلام) بذلك، وأنّ الأرض إذا كانت فكلّها لنا، فمثل هذا الظهور لا يمكن إلغاؤه بظهور الروايات المتقدّمة، بل إمّا يقال بالتفصيل بين حالة انفراد الزوجة وغيرها ، وهذا ما لم يقل به أحد من الأصحاب .

أو يقال بحمل تلك الروايات على إرادة حرمانها من إرث عين الأرض لا قيمتها، وسوف يأتي أنّه يمكن لسائر الورثة –وهو الإمام هنا- أن يعطيها من العين أيضاً، فحكم الإمام (عليه السلام) بإعطائها ربعها –ولو من العين- وحمل الباقي إليه))(1).

أقول: يمكن أن يجيب المشهور بأن هذه الروايات ليست في مقام البيان من هذه الجهة.

الثالثة: الروايات الخاصة بميراث الزوجة من كل ما ترك الزوج، وهي صحيحة الفضل بن عبد الملك وابن أبي يعفور وبشهادة رواية عبيد بن زرارة والفضل نفسه المتقدمتين (صفحة 193-194) وفي الصحيحة (يرثها وترثه من كل شيء ترك وتركت) وهاتان الروايتان صريحتان بميراث الزوجة من كل ما ترك الزوج ولا يمكن تخصيصها بالعقار لأنه مورد السؤال وجاء الجواب باستحقاق الزوجة منه، فلا يجوز إخراجه من الجواب، وإذا ورد خاص مثل روايات حرمان الزوجة فلا يجوز تخصيصها بها لعدم جواز تخصيص الصريح بالظاهر، ولا بد من التصرف في روايات الحرمان بما لا يتنافى مع صراحة العام كحمل

ص: 256


1- السيد محمود الهاشمي في مجلة فقه أهل البيت، العدد 46، ص18-19.

الحرمان على العين دون القيمة، وهو جمع يساعد عليه العرف، وتكون نتيجته قول السيد المرتضى أو الشيخ الصدوق بغضّ النظر عن التفصيل في الزوجة.

وما يمكن أن يجيب به المشهور أمور:-

1- بسقوط هذه الرواية ((لإعراض المشهور عنها، بناءً على أنه يوجب وهن الخبر الصحيح وسقوطه عن الحجية))(1).

وأجيب: ((أن الإعراض عن العمل بهذه المعتبرة لم يثبت كيف وقد صرّح بها الشيخ الصدوق في الفقيه والشيخ الطوسي في كتابي الأخبار بالعمل بها غاية الأمر أنهم خصّصوها بذات الولد.

هذا مضافاً إلى أن الإعراض الموجب للوهن إنما هو الإعراض التعبدي الكاشف عن وجود خلل في سند الخبر، فلا يتم في مورد يحتمل فيه استنادالفقهاء إلى قواعد الجمع الدلالي أو السندي بين المتعارضين كما في المقام))(2).

أقول: لم يثبت عمل الشيخ الصدوق أو الشيخ الطوسي بهذه المعتبرة بل صرّح الشيخ الصدوق في ما تقدم بأن ما ذكره من التفصيل مبني على مقطوعة عمر بن أذينة، وقال الشيخ (قدس سره) في ذيل صحيحة الفضل وابن أبي يعفور: ((هذا الخبر محمول على أنه إذا كان للمرأة ولد فإنها ترث من كل شيء تركه الميت عقاراً كان أو غيره والذي يدل على ذلك ما رواه ابن أذينة))(3)، فالعمل برواية ابن أذينة وإنما حمل عليها الصحيحة بدل طرحها من باب (الجمع مهما أمكن أولى من الطرح).

ص: 257


1- مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام): العدد 46، ص 24.
2- مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام): العدد 46، ص 24.
3- التهذيب، ج9، باب 27: ميراث الأزواج، ح 35.

وحينئذٍ يمكن القول أنه لا يوجد عامل بمضمون هذه الرواية بحيث أن الفضل وابن أبي يعفور اللذين روياها عن الإمام (عليه السلام) ذكرا حرمان الزوجة من العقار حكماً مسلّماً به في السؤال وإنما كان سؤالهما عن إلحاق الرجل بها في الحكم.

1- ((بمخالفتها للسنة القطعية المتواترة الدالة على حرمان الزوجة من العقار فإنها كثيرة مستفيضة تبلغ حد التواتر وقد حقق في محلّه من علم الأصول أن الخبر الصحيح إذا خالف الكتاب الكريم أو السنة القطعية بنحو التعارض سقط عن الحجية)).

وأجيب بأن ((حديث طرح هذا الخبر الصحيح لمخالفته مع السنة القطعية فرع قطعية روايات الحرمان وتواترها –وهو ممنوع- وفرع تمامية الدلالة على الحرمان عيناً وقيمة بنحو لا يمكن حملها على حرمانها عن خصوص عين العقار لا قيمتها، وقد تقدم عدم دلالة جملة منها على ذلك، وما قد يقال: أنه لا يمكن حمله على ذلك لا يبلغ حد التواتر قطعاً))(1).

أقول: هذا خلاف مبنائي لأن المشهور يقطع بدلالة الروايات على حرمانها من العقار عيناً وقيمة.

3- أو يقال أن الصحيحة أدلّ على المشهور باعتبار التسليم بحكم حرمان الزوجة من العقار لدى الراويين مما يدل على شهرة هذا الحكم لدى مدرسة أهل البيت (عليهم السلام).ويدل عليه: أن التسليم لعله خاصٌ بالسائل فقط مضافاً إلى أن الإمام (عليه السلام) اعتبره متوهماً وصحّح له حكم المسألة.

ص: 258


1- مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام): العدد 46، ص 24.

4- بحملها على التقية لموافقتها لإجماع العامة كما تقدم (صفحة 212 نقطة ب)، وهذا الجواب الأكثر شيوعاً في كتب الأصحاب.

ويرد عليه:

أولاً- إن الصحيحة يمكن حملها على معنى صحيح وإذا أمكن التصرف في ظهورها لم يجز حملها على التقية، وقد قيل في علم الأصول أنه إذا دار العمل بين أصالة الظهور وأصالة الجهة فالعمل بأصالة الجهة مقدَّم؛ لذا جرى الفقهاء على تخصيص العمومات إذا صحّ قبل حملها على التقية.

وهنا يمكن التصرف بظهور الصحيحة بأكثر من وجه:-

أ- كونها مجملة من ناحية نوع استحقاق الزوجة هل هو مطلق عيناً وقيمة أو يكفي فيه إعطاؤها القيمة بقرينة روايات الحرمان كما ذهب إليه الشيخ الصدوق والسيد المرتضى، فننفي ظهورها في الإطلاق بدلالة روايات الحرمان.

ب- حملها على ذات الولد باعتبارها الحالة الغالبة للزوجات وتكون حينئذٍ موافقة لمقطوعة ابن أذينة وهي القرينة على هذا الحمل.

ثانياً- ما ذكره بعض الأعلام من أن مسألة ميراث الزوجة ((لم تكن مسألة سياسية ونحوها ليكون فيها موجب للتقية))(1).

ويردّ عليه:-

أ- إن المسألة بالغة الحساسية عند القوم لجذورها التاريخية في الصراع على الخلافة حيث استأثرت إحدى زوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقرار في دار النبي(2) (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنعت جنازة السبط المجتبى (عليه السلام) من الدفن عند جده (صلى الله عليه

ص: 259


1- مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام): العدد 45، ص 35.
2- راجع (صفحة 210).

وآله وسلم) وقالت: (فإنه لا يدفن في بيتي ..)(1)

فحرمانها من الإرث يجرّدها من هذا الحق من التصرف.

ب- إن مبرر التقية لا ينحصر بهذا بل يشمل ما كان فيه إبراز لهوية التشيع والانتماء لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ومنها تبني الأحكام التي يتفردون بها.وقد يتفاجأ المشهور إذا عرضنا عليه أطروحة مفادها أن روايات الحرمان هي الموافقة للتقية وسيأتي تقريبها (صفحة 267) وهو احتمال كافٍ لإسقاط ما احتمله المشهور من حمل صحيحة الفضل وابن أبي يعفور على التقية.

5- ويمكن أن نضيف جواباً محتملاً حاصله أن (من) التي وردت في كلام الإمام (عليه السلام) يمكن أن تفهم على أنها تبعيضية بقرينة التقية ونحوها كقوله تعالى «وَآتاكُم مِن كُلِّ ما سأَلتُمُوهُ» وهي لا تعني بالتأكيد كل ما سألتموه ويكون الجواب مجملاً ولا يعارض تلك الروايات المعتبرة.

ويرد عليه: ظهور (من) في كونها بيانية.

6- ما ذكره صاحب الوسائل بقوله: ((ويمكن حمله على رضا الوارث إعطاء العين فيما عدا الأرض وبإعطاء العين أو القيمة من الأرض)).

وفيه: إنه مجرد دعوى تبرعية لا دليل عليها.

7- عدم دلالة الصحيحة على العموم وأنه مجرد ((ظهور بدوي، وذلك لأن الراوي لما توهّم أن عدم الدخول يسبب عدم إرثها من زوجها بتاتاً، وكأنّ العلقة عند السائل تتحقق بالدخول لا بالعقد، فردّه الإمام (عليه

ص: 260


1- الكافي: ج1، باب: الإشارة والنص على الحسين بن علي (عليه السلام). ص300. وفي مصادر أخرى أنها قالت: (لا تدخلوا بيتي من لا أحب) والقصة مشهورة.

السلام) أن موت الزوج قبل الدخول لا يؤثر في ما تستحق من الإرث، فعلى هذا معنى قوله: (فترث من كل شيء) أي مما تستحق أن ترث. وبعبارة أخرى: إن الإمام (عليه السلام) في مقام دفع التوهم المذكور لا في مقام بيان حد الإرث وما ترث))(1).

وفيه: إن هذه القرينة لا تنفي الدلالة على العموم ولو لم يكن مراداً لاكتفى (عليه السلام) بقوله: ((ويتوارثان)).

8- دعوى أن الإمام (عليه السلام) يمكن أن يكون بصدد بيان الأصل في المسألة وإن الأصل في الزوجين أنهما يتوارثان من كل ما تركا إلا إذا دلّ دليل على الحرمان كما في العقار.

وأما محاولة إنقاذ الصحيحة من السقوط بالجمع بينها وبين روايات الحرمان بقول السيد المرتضى (قدس سره) ونحوه فيرد عليه ما تقدم في تفاصيل البحث من وجوه، مضافاً إلى ما قيل من أن هذا ((ليس جمعاً بين الدليلين بل هو طرح لهما، إذ ليس كل من العين والقيمة مندرجاً في العام اندراج المصاديق في مفهوم الكلي حتىيكون حمل كل منهما على بعض أفراده عملاً به في الجملة، بل هو طرح لهما بالكلية، ولو سلم فلا شاهد لهذا الجمع الذي لا يمكن المصير إليه إلا بعد قيام شاهد عليه))(2).

أقول: يمكن ردّه بأن المبرر لهذا الجمع موجود وهو عدم صلاحية الخاص للأخذ بإطلاقه في تخصيص العام فنتصرف فيه.

وإن اعتبار العين والقيمة مصاديق للميراث مقبول عرفاً لأن التفكيك بين العين والقيمة أمر سائغ في الإرث وسائر الحقوق المالية لأن الملحوظ فيها حفظ المالية، وقد قيل بهذا الجمع اضطراراً من أجل العمل بالطائفتين.

ص: 261


1- رسائل فقهية للشيخ جعفر سبحاني: 7/533.
2- بُلغة الفقيه: 3/93.

وعلى أي حال فلو لم نقبل بالجمع وافترضنا حصول التعارض كان الترجيح لروايات عدم الحرمان لموافقتها للكتاب، وهي وإن أنتجت استحقاق الزوجة من كل ما ترك الزوج وهو القول المنسوب لابن الجنيد إلا أنه بملاحظة الأدلة الأخرى تؤول النتيجة إلى قول السيد المرتضى أو الشيخ الصدوق.

(الخامس) تأخير البيان عن محل الحاجة

إن هذه القضية عامة البلوى وقد لا تخلو أسرة منها وقد عُلِمَ اهتمام المشرّع الإسلامي بقضايا الميراث وضبط استحقاقاته وإلغاء الاعتبارات الجاهلية فيه وتصحيح الانحراف في التطبيق الذي صدر من البعض كالعول والتعصيب فكيف ((يتصور أن يكون حكم الله الواقعي هو عدم إرث الزوجة من الأرض شيئاً، وبالتالي صيرورة فرضه من الربع أو الثمن محدوداً في المنقولات من الثياب والمتاع دون القرى والدور والعقارات، ومع ذلك لا يذكر ذلك في كلمات النبي (صلى الله عليه و آله وسلم) وعصره المديد ولا في عصر أمير المؤمنين (عليه السلام) وقضاياه؟! كما أنّه لا ينعكس شيء من ذلك على مثل ابن عباس من تلامذته مع ملاحظة أنّ هذه المسألة ليست من حقوق الله أو الإمام، كما في الخمس في أرباح المكاسب، ليقال بأنّه لعلّه أخّر بيانه إرفاقاً من قِبل أُولي الأمر بالأُمّة، بل هو حق من حقوق الناس والورثة الآخرين; فإنّ الزوجة إذا كانت لا ترث من الأراضي شيئاً كانت للآخرين من الورثة لا محالة، فكيف يُفرّط بحقوقهم طيلة تلك المدّة وفي حكومة النبي (صلى الله عليه و آله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) العادلة، فلا يبيّن حكم الله وتُعطى حقوق سائر الورثة للزوجة إلى عهد الصادقين، بل وفي عهد الصادقين أيضاً لم يعلم أنّ الوضع

ص: 262

الخارجي تغيّر عمّا كان عليه قبل ذلك من توريث الزوجة حصتها من العقار أيضاً))(1).

أقول: يمكن أن يجيب المشهور بأمور:-

1- إن أكثر الأحكام ومنها مسائل الميراث وصلتنا عن طريق الإمامين الباقر والصادق (سلام الله عليهما) حتى سمي المذهب الجعفري، والأمة معذورة ما دام التكليف غير مبلّغ فما الجديد في المسألة حتى يستبعده (دام ظله).

2- إن الشريعة هي التي تنظم الحقوق والواجبات فما جعلته حقاً فهو حق وما ألغته فهو ليس حقاً فلا يستشكل على الشارع بسكوته عن حق الورثة أو الزوجة لأنه قبل أن تقره الشريعة ليس حقاً أي أن الزوجة كان حقها في الميراث شيئاً قبل صدور هذه الروايات وأصبح شيئاً آخر بعد صدورها فيكون الإشكال على نحو القضية السالبة بانتفاء الموضوع.

3- إن المانع عن البيان موجود وهي التقية وقد ذكرنا مبرراتها (صفحة 259).

4- إن رواية بصائر الدرجات (رقم 16، ص 204) صرّحت بأن هذا الحكم مما أملاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أمير المؤمنين (عليه السلام) ونسبه الشيخ المفيد في المقنعة إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، فالبيان لم يتأخر ولكن الناس لم يتعرفوا عليه لإقصائهم أئمة الهدى (عليهم السلام) عن المواقع التي اختارهم الله تعالى لها.

ص: 263


1- مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام): العدد 45، ص35، وسبقه إلى تسجيل الإشكال على المشهور: السيد محمد حسين فضل الله (قدس سره) في فقه المواريث والفرائض: 2/261.

5- إن أحكام الشريعة بُنيت على التدريج في التبليغ فيأتي العام ثم يأتي الخاص ويأتي المطلق ثم يأتي المقيد ويأتي المنسوخ ثم يأتي الناسخ، فما يقول (دام ظله) في مدة الأخذ بالأول قبل مجيء الثاني؟

قال أحد الأعلام المعاصرين: إن ((مشكلة تأخير البيان لا تختص بالمورد فإنّ كثيراً من أُصول الأحكام أوّلاً والمقيدات والمخصصات ثانياً ورد في لسان الصادقين (عليهما السلام) ومن بعدهما من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ولا يمكن الالتزام فيهما بالنسخ إذ لا نسخ بعد رحيل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فالجواب في الجميع أمر واحد، وهو أنّ وجود المصلحة قد أوجب بيان الأحكام تدريجاً فالأحكام كلّها كانت مشرّعة في عصر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) نازلة عليه، غير أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بي-ّن ما بي-ّن، وأودع ما لم يُبيّن –إمّا لعدم استعداد في المجتمع أو لعدم وجود الفرصة للبيان، أو لوجود المصلحة في تأخيره- عند أوصيائه الأئمة المعصومين (عليهم السلام) بعده، وليس تأخير البيان أمراً قبيحاً بالذات حتى لا يُغيّر حكمه، وإنّما هو بالنسبة إلى القبح كالمقتضي نظير الكذب، فلو كان هناك مصلحة غالبة كنجاة المؤمن كان أمراً حسناً. هذا هو الحقّ الذي يدركه من سبر حال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)والمجتمع الإسلامي.

فأقصى ما في تأخير البيان وقوع المكلّف في المشقّة، أو تفويت المصلحة أو الإلقاء في المفسدة، و كلّها هيّنة إذا اقتضت المصلحة الكبرى تأخير البيان.

والمسألة مطروحة في باب التعادل والترجيح وأخص بالذكر فرائد الشيخ، وقد ذكر وجوهاً لهذا النوع من التأخير، وتبعه غيره من الأعلام في نفس الباب .

أضف إلى ذلك: أنّ الظاهر من رواية الصفّار أنّ البيان لم يتأخّر، وإنّما خفي على الناس بعد وروده. روى محمد بن الحسن الصفّار عن محمد بن الحسين (الخطاب)، عن جعفر بن بشير، عن الحسين بن مخلد، عن عبد الملك

ص: 264

قال: دعا أبو جعفر (عليه السلام) بكتاب علي (عليه السلام) فجاء به جعفر مثل فخذ الرجل مطوياً فإذا فيه: (إنّ النساء ليس لهنّ من عقار الرجل إذا توفّي –عنهن- شيء) فقال أبو جعفر (عليه السلام): (هذا والله خط علي وإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) )).

وأضاف: ((على أنّ تأخير البيان أمر مشترك بين الحرمان مطلقاً أو الحرمان من العين والدفع من القيمة، إذ لم يرد في الرواية بوجه صريح يدلّ على حرمانها من الأصل، ودفع سهمها من القيمة، وذلك لأنّ الظاهر من الآيات كونها سهيمة في عين التركة كسائر الورّاث))(1).

وفيه: إنه قياس مع الفارق لأن إعطاء الزوجة من القيمة دون العين ليس فيه مخالفة للكتاب لانحفاظ الربع والثمن فيه

(السادس) عدم معروفية هذا الحكم -أعني حرمان الزوجة من الأرض مطلقاً عيناً وقيمة- لدى الفقهاء القريبين لزمان المعصومين (عليهم السلام)، فقد تقدّم قول ابن الجنيد والشيخ الصدوق والسيد المرتضى (قدس الله أرواحهم) بعدم الحرمان ولو من القيمة، وذهاب الشيخ الطوسي (قدس سره) ومن تبعه إلى استحقاق ذات الولد من كل ما ترك الزوج وهو إعراض عن روايات الحرمان بدرجة كبيرة لأن الغالب في الأزواج كونهن ذوات أولاد.

والمثير للاستغراب في هذا الحكم عدم تعرّض (القديمين) علي بن بابويه وابن أبي عقيل له وإلا لنقل، وخلوّ الفقه الرضوي والمقنع الذي بُني عليه والمراسم وكذا الإيجاز والفرائض النصيرية للشيخ الطوسي وجوامع الجامع مع وقوع التصريح في جميعها بميراث الزوجة الربع أو الثمن، وترك الاستفصال دليل العموم.

ص: 265


1- رسائل فقهية: 7/537-538.

ومما يلفت النظر أيضاً خلو تفسيري التبيان للشيخ الطوسي ومجمع البيان للطبرسي ((وقد أخذا على نفسيهما –خصوصاً الثاني منهما- أن يتعرضا لما تفرّد به الإمامية بالتوضيح والشرح، وأن يتعاطيا معه من موقع الدفاع، كما هو الحال في مسألة العول والتعصيب، والتي يكاد لا يخلو من ذكرها وتوضيح بطلانها كتاب، وليس من الطبيعي أن مسألة هي محل ابتلاء المسلمين ثم يكون حكمها على خلاف ظاهر القرآن، ولا يتعرض لذكرها كثير من الفقهاء، فإطلاقهما المسألة من غير إشارة إلى حرمان الزوجة من شيء ما، يدل على أنهما إنما يتبنيان الإطلاق، وعدم الحرمان))(1).واحتمل صاحب الجواهر (قدس سره) أن سبب هذا الإعراض عن ذكر الحكم ((لوضوحه وظهوره بل العامة تعرف ذلك من الإمامية))(2).

أقول: هذا مما لا يمكن المساعدة عليه لوجود الدواعي لإظهاره، منها:

1- كون المسألة ابتلائية تتعرض لها كل أسرة.

2- وجود الخلاف بين علمائنا على عدة أقوال قد تصل إلى ستة.

3- مخالفة الإمامية فيها لسائر المذاهب الإسلامية.

4- تعرض هذا الحكم للإشكال والاعتراض والسخط الاجتماعي.

فلا عذر في إغفاله وعدم التعرض له إلا إذا كان لا يلتزم به أصلاً.

لكن الذي يهوّن الخطب على المشهور أن بعض من أهمل ذكر الحكم في كتاب ذكره كتاب آخر كالشيخ الصدوق في الفقيه لكنه جعلها في باب النوادر نهاية الكتاب، أو الشيخ الطوسي وأفرد لها الشيخ الكليني (قدس سره) باباً في الميراث.

ص: 266


1- فقه المواريث والفرائض: 2/256-257.
2- جواهر الكلام: 39/210.

(السابع) جريان سيرة المتشرعة على عدم حرمان الزوجة من قيمة الأرض عند توزيع التركة، وهذا شاهد على عدم الأخذ بروايات الحرمان عملياً وإن أفتوا به نظرياً، وقد تقدم (صفحة 221) بيان هذه السيرة وما يمكن أن يجيب به المشهور والرد عليه.

نتائج وأطروحات بديلة:

تبيّن مما سبق أن فهم المشهور حرمان الزوجة من العقار عيناً وقيمة لا يخلو من إشكال، كما أن إهمال روايات الحرمان لا يمكن قبوله للقطع بصدور هذا الحكم عن المعصومين (عليهم السلام) في الجملة فكيف نفهم معنى صدور روايات الحرمان وجهة صدورها؟.

وهنا نقدم عدة أطروحات محتملة:

(الأطروحة الأولى) صدور روايات الحرمان تقية بتقريب: أن القانون الذي وضعه عبد الملك بن مروان تضمن حرمان النساء من العقار، فقد روى ابن أبي الحديد قال: ((دخل عمر بن عبد العزيز على سليمان بن عبد الملك وعنده أيوب ابنه –وهو يومئذٍ ولي عهده- قد عقد له من بعده فجاء إنسان يطلب ميراثه من بعض نساء الخلفاء فقال سليمان: ما أخال النساء يرثن من العقار شيئاً، فقال عمر بن عبد العزيز: سبحان الله وأين كتاب الله؟ فقال سليمان: يا غلام اذهب فأتني بسجل عبد الملك الذي كتب في ذلك، فقال عمر: لكأنك أرسلت إلى المصحف))(1).

أقول: علماً أن الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) اللذين صدرت عنهما روايات الحرمان كانا معاصرين لملك سليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز الذي جاء بعده، ولا نعلم أن سَنّ عبد الملك بن مروان لهذا القانون كان انطلاقاً

ص: 267


1- شرح نهج البلاغة: 18/144.

من مصلحة رآها وهي عدم إشراك ذوي أزواج الخلفاء من ميراثهم لأنهن من عشائر شتى وهذا ما يستشعر من الرواية، أو أنه وجد رأياً فقهياً لدى بعض الصحابة أو التابعين لكن مذهبهم باد واندثر لأن فقهاء العامة مجمعون على أن الزوجة كالزوج ترث من كل ما ترك، وبالتأكيد فإن عبد الملك لم يستند بقانونه هذا إلى مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) لعداوته لهم ومعاقبة من يأخذ عنهم (عليهم السلام).

ونتيجة هذه الأطروحة أن حكم حرمان الزوجة من العقار صدر من خصوص الإمامين الصادقين تقية، وقد يؤيد هذا أن الفضلاء الخمسة الذين هم الأصل في روايات الباب ممن عاصر فترة الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام).

لكن الإنصاف والتأمل في روايات الحرمان يقتضيان استبعاد هذه الأطروحة.

(الأطروحة الثانية) إن حكم الحرمان ولائي صدر بمقتضى ولاية الإمام، فبقاؤه والعمل به منوط في عصر الغيبة بإذن الولي الفقيه، وهذه الأطروحة مكونة من عدة مقدمات:

1- إن استحقاق الزوجة هو الربع أو الثمن من كل ما ترك الزوج حتى أرض العقار بمقتضى العمومات، وصحيحة الفضل وابن أبي يعفور.

2- إلا أن الإمامين الصادقين (عليهما السلام) أبلغا الأمة حكماً بحرمان الزوجة من الأرض بمقتضى ولايتهم لأمور الأمة وصلاحيتهما في التشريع لأكثر من مسوّغ:

أ- إن هذا الحكم سبَّب مشكلة اجتماعية في خصوص الأراضي ودخول الغرباء عليها عن طريق الزوجات إذ لا يرضى أهل بيت أو عشيرة بأن تأتي المرأة برجل غريب ليسكن في أوساطهم ويتصرف

ص: 268

في أرضهم بحجة استحقاق زوجة ابنهم –وهي الحكمة التي وردت في الروايات – فأصدر الأئمة (عليهم السلام) هذا الحكم بمقتضى ولايتهم لأمور الأمة لحسم مادة الفساد هذه.

ب- سحب الشرعية من غاصبي حق أمير المؤمنين (عليه السلام) المتقمصين للخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بتصرفهم في الأرض بحجة إذن ابنتيهما زوجي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإذا ثبت عدم حق الأزواج في الأرض انكشف تجاوز أولئك على حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فهذا الحكم داخل في الجدل العقائدي والسياسي حول الإمامة كالمسألة الإجماعية المتقدمة.

وانطلاقاً مما دل على حرمة مال المسلم وعدم جواز التصرف فيه أو إتلافه من غير إذنه، فإن هذا الحرمان لا بدّ أن يكون مضموناً بالقيمة للزوجة والنتيجة1- حرمان الزوجة من رقبة الأرض وضمان قيمتها لها.

وتقريب المحقق السبزواري الآتي للروايات صريحٌ في كون إعطائها الربع أو الثُمن من الآلات والأبنية هو من باب التعويض.

ووجدت في كلام المحقق صاحب الجواهر (قدس سره) ما يمكن أن يصب في هذه الأطروحة، فإنه (قدس سره) بعد أن ضعّف قول السيد المرتضى (قدس سره) قال: ((اللهم إلا أن يدعى أن هذا الحرمان بمنزلة الإتلاف عليها الموجب لضمان القيمة، كما يومئ إليه قيمة الآلات، وحديث نفي الضرر والضرار(1)

وقاعدة الجمع بين الحقين وغير ذلك)) وذيّل بقوله: ((إلا انه هو أيضاً كما ترى))(2).

أقول: لو عرضه (قدس سره) ضمن السياق الذي ذكرناه لكان تقييمه مختلفاً.

ص: 269


1- وسائل الشيعة، كتاب إحياء الموات، الباب 12.
2- جواهر الكلام: 39/ 215.

(الأطروحة الثالثة) إن إجراء هذا الحكم مشروط بظرفه المناسب الذي يقدّره الولي الفقيه الجامع لشرائط النيابة عن المعصوم (عليه السلام).

ويمكن تقريب هذه الأطروحة بنقاط:-

1- إن الحكم الأولي في هذه المسألة هو حرمان الزوجة من الأرض. والشاهد عليه رواية بصائر الدرجات (رقم 16) وأنه موجود في صحيفة علي (عليه السلام) بإملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولوجود الحكمة في حرمانها من الأرض.

2- لكن هذا الحكم يوجب احتجاج الناس وتمرّدهم، ولو قاله أمير المؤمنين (عليه السلام) للسلطة الانقلابية ومن يستمد شرعيته منها لأصابه شرّ عظيم وروايتا يزيد الصائغ صريحتان في بيان هذه الحقيقة، وهذا الموقف له نظائر حتى بعد تولّي أمير المؤمنين (عليه السلام) الخلافة كمحاولة منعه من بدعة صلاة التراويح.

3- لذا كان الموقف هو العمل بالعمومات لأن الظرف لا يسمح بتطبيق الحكم الخاص، والقضاء والمحاكم دائماً بيد السلطات الجائرة التي لا تعمل به، على أن تعطى الزوجة من قيمة الأرض وليس من عينها، لمنع اعتراض الناس من جهة، واقتصاراً على قدر الضرورة من جهة أخرى فإن تمرد الناس يدفع برفع اليد عن الحرمان جزئياً وذلك بحرمانها من العين دون القيمة إن لم يستطع تطبيق حكم الحرمان الكلي، ومن ثم تتحقق الحكمة في منع إفساد المواريث على أهلها ودخول الأجانب في أرض أهل وعشيرة المتوفى إذا تزوجت امرأته بعده بغريب، ومتى كانت الظروف مناسبة ولا يوجد مانع من التطبيق فيعمل به.

4- وتحديد الظرف المناسب بيد الفقيه الجامع لشرائط ولاية أمور

ص: 270

الأمة، فهذا الحكم كبقية الأحكام الاجتماعية مثل إقامة صلاة الجمعة ونصب القضاة الشرعيين منوط بتقدير وإذن الولي الفقيه.

وتوجد عدة روايات تدل على أن جملة من أحكام المواريث تحتاج إلى سلطة وبسط يد لإقامتها كاشتراط المشهور كون الفقيه مبسوط اليد في وجوب صلاة الجمعة، ففي صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لا يستقيم الناس على الفرائض والطلاق إلا بالسيف) ورواية معمر بن يحيى عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (لا تقوم الفرائض والطلاق إلا بالسيف)(1).

ولعل ما ورد في روايتي يزيد الصائغ من قوله (عليه السلام): (إذا وليناهم ضربناهم بالسوط، فإن انتهوا وإلا ضربناهم بالسيف عليه) يشعر بأن تطبيق هذا الحكم مرتبط بنظر ولي أمر المسلمين وتقديره للظروف المناسبة للتطبيق وإلا فالحكم الساري هو مقتضى العمومات، ولعل إعلان هذا الحكم من قبل الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) وفي ظروف السعة وتخفيف القبضة التي عاشاها في نهاية الدولة الأموية وبداية الدولة العباسية شاهدٌ على هذه الأطروحة.

وهذا التفسير أولى مما احتمله بعض الأعلام المعاصرين من كون حرمان الزوجة ((حكماً خاصاً سيطبّقه الإمام المعصوم بعد ظهوره))(2).

النتيجة:

الأطروحة الثانية ليست بعيدة ويمكن ضم الأولى إليها لنخرج بنتيجة أن الإمام (عليه السلام) بمقتضى ولايته لأمور الأمة وأن القوانين الوضعية لا تأخذ

ص: 271


1- الكافي، ج7، باب 44: إن الفرائض لا تقام إلا بالسيف.
2- السيد محمود الهاشمي، مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 45، ص 36.

شرعيتها إلا من إمضاء الإمام (عليه السلام) لها، فرأى الإمام (عليه السلام) في سنّ الدولة لهذا القانون دفعاً لضرر اجتماعي عام فأمضى هذا القانون بمقتضى ولايته، فاستمرار حجيته ووجوب العمل به متوقف على إمضاء الولي الفقيه اللاحق.وإن لم يتم شيء من هذه الأطروحات(1)

فإن نتيجة المناقشات المتقدمة بين الاتجاهين وعرض الرأي والرأي الآخر عدم إمكان الجزم بحرمان الزوجة من العقار عيناً وقيمة فالأحوط التصالح بينها وبين الورثة على قيمة ما تحرم منه.

وقد نصح بالاحتياط جملة من الأعلام، قال صاحب الجواهر (قدس سره): ((هذا ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالصلح ونحوه في جميع محال الشك))(2).

وقال السيد صاحب البلغة بعد أن قوّى الحرمان مطلقاً ((إلا أنه مع ذلك لا محيص عن الصلح عند العمل حيثما يمكن، لأن الاحتياط لا يترك في مثل المقام))(3).

ص: 272


1- لبعد الأطروحة الأولى، ولضعف روايتي يزيد الصائغ وكذا رواية بصائر الدرجات وعدم الاطمئنان بتضمنها لتفاصيل إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أمير المؤمنين (عليه السلام) لاتحادها مع غيرها فنحتمل اشتباه الراوي في زجّ هذه التفاصيل لتعدد ورودها في روايات المواريث.
2- جواهر الكلام: 39/218.
3- بلغة الفقيه: 3/95.

فروع خلافية

(الفرع الأول) ما تحرم منه الزوجة
اشارة

وقد اختلفت كلمات العلماء (قدس الله أسرارهم) على ثلاثة أقوال، هذا بغضّ النظر عن الخلاف الآتي بين كون الحرمان متعلقاً بغير ذات الولد أم الزوجة مطلقاً؟ وحينئذٍ تتعدد الأقوال وتبلغ الضعف، لاحظ مثلاً قول العلامة (قدس سره) في القواعد: ((أما الزوجة فإن كان لها ولد من الميت فكذلك –أي مثل الزوج ترث من كل ما ترك وتركت- وإن لم يكن لها ولد فالمشهور أنها لا ترث)) إلخ، وقال ولده في الإيضاح: ((اختلف أصحابنا في الزوجة إذا لم يكن لها ولد عنه على أقوال ثلاثة ذكرها المصنف(1)

إلخ:

(الأول) حرمانها من أرض الرباع خاصة وهي المنازل بحسب المشهور عند أهل اللغة، ففي كتاب العين ((الرَبْع: المنزل والوطن)) وفي المصباح ((الربع: محلة القول ومنزلهم)) فلا ترث منها عيناً ولا قيمة بحسب المشهور، ومن العين دون القيمة عند السيد المرتضى (قدس سره)، وترث من قيمة المشيدات والموجودات فيها من الأخشاب والأبواب ومكونات البناء كالطابوق والحديد والكاشي ونحو ذلك دون عينها.

واختاره الشيخ المفيد وتبعه ابن إدريس والمحقق الحلي في المختصر(2)

النافع وحكاه في المسالك عن تلميذه مصنف كشف الرموز، وقال في الكفاية: ((إنه بعد قول السيد لا يخلو من قوة)) قال الشيخ المفيد في المقنعة: ((ولا ترث الزوجة شيئاً مما يخلّفه الزوج من الرباع، وتعطى قيمة الخشب والطوب والبناء والآلات فيه، وهذا هو منصوص عليه عن نبي الهدى عليه وآله السلام وعن

ص: 273


1- إيضاح الفوائد: 4/240.
2- ألّفه المحقق بعد الشرائع ثم صنّف أخيراً (المعتبر) وهو شرح المختصر.

الأئمة من عترته (عليهم السلام)، والرباع هي الدور والمساكن دون البساتين والضياع))(1).

وقال ابن إدريس عن قول الشيخ المفيد: ((وهو الذي يقتضيه أصول مذهبنا، لأنّا لو خُلّينا وظواهر القرآن ورّثناها من جميع ذلك، وإنما عدلنا في الرباع والمنازل بالأدلة، وهو إجماعنا وتواتر أخبارنا، ولا إجماع معنا منعقد على ما عدا الرباع والمنازل))(2).

وظاهر عبارة السيد المرتضى المتقدمة (صفحة 195) أنه هو القول المعروف قبل الشيخ الطوسي حيث أرسله رأياً للإمامية، ثم تبنّى المشهور قول الشيخ الطوسي (قدس سره) الآتي.ويستدل على هذا القول بأكثر من وجه:-

1- الاقتصار في تخصيص العمومات القطعية على القدر المتيقن المجمع عليه والمصرَّح به في النصوص للكبرى المعروفة في علم الأصول وما زاد عن الرباع غير مجمعٍ عليه ولا تدل عليه النصوص بنحو معتبر لما ذكرناه من رجوع الروايات إلى بعضها، قال الشيخ العلامة (قدس سره): ((قول شيخنا المفيد (رحمه الله) جيد لما فيه من تقليل التخصيص، فإن القرآن دال على التوريث مطلقاً، فالتخصيص مخالف، وكلما قلّ كان أولى))(3).

2- لظهور بعض الروايات في هذا الحصر كالروايتين (7، 11) باعتبار أن الإمام (عليه السلام) كان في مقام بيان جميع ما تحرم منه الزوجة ولم يذكر غير الدور والرباع.

ص: 274


1- المقنعة: 687.
2- السرائر: 3/258.
3- مختلف الشيعة: 9/54.

ووجوه قيّمة أخرى نذكرها (صفحة 277) عند مناقشة القولين الآتيين إن شاء الله تعالى.

(الثاني) حرمانها من مطلق الأرض سواء كانت بياضاً أو مشغولة بزرع وشجر وبناء وغيرها عيناً وقيمة ومن عين المشيدات والموجودات دون قيمتها، وهو مختار الشيخ في النهاية والمبسوط والقاضي والحلبي وابن حمزة وكذا الشرائع والتحرير والمختلف والإرشاد والإيضاح وآخرين، ووصف الشيخ هذا القول بأنه ((أكثر في الروايات وأظهر في المذهب)) وعن الخلاف الإجماع عليه.

ووجهه التمسك بإطلاق (الأرض) و (العقار) المصرح بها في النصوص؛ لأن العقر –بالفتح والضم- الأصل كعقر الحوض أي أصله- كما في مفردات الراغب-، وقال في المصباح: ((والعقار مثل سلام: كل ملك ثابت له أصل كالدار والنخل)) ((وبالجملة لا شك في صدق العقار على الأراضي المغلّة والدار حقيقة، فما يُفهم من كلام المحقق في النافع من اختصاصه بالدار لا وجه له))(1).

وبهذا الإطلاق يرد على القول الأول لوجوب الأخذ بالخاص على سعة أفراده لعدم المنافاة بين العناوين الواردة حتى تعالج بحمل بعضها على بعض والأخذ بالمتيقن ونحو ذلك، قال الشيخ في الاستبصار: ((واختصاص بعضها بها – أي أرض المساكن- لا يدل على نفيه إلا بدليل الخطاب وذلك يترك لدليل)) أي أن اختصاص بعض الروايات بالرباع لا يدل على نفي حكم الحرمان عن غيرها إلا بالمفهوم، ولا يجوز العمل بمفهوم روايات الحرمان من خصوص الرباع على عدم حرمان الزوجةمن غير المنازل لوجود الدليل على

ص: 275


1- مستند الشيعة: 19/365 عن المختصر النافع: 272.

الأعم كما ذكرنا، مضافاً إلى عدم تحقق مفهوم لها، فإنها ساكتة عما عدا الرباع ومهملة بالنسبة إليها.

وقال صاحب الجواهر (قدس سره) معللاً الأخذ بجميع العناوين: ب-((الاتفاق في النفي، إذ هو نحو (لا تضرب الرجال) (لا تضرب زيداً) ))(1).

ولوجوب الأخذ بإطلاق كل العناوين المذكورة في روايات الحرمان لأن إطلاق الخاص مقدم على عموم العام ولا وجه للاقتصار على القدر المتيقن فكما تخصص العمومات بالرباع كذلك تخصص بالإطلاقات الاخرى الواردة في النصوص وقد ورد بعضها في نفس نصوص الرباع فلا وجه لاعتبار بعضها دون بعض.

وقيل في الرد: إن ما زاد عن الرباع ساقط لعدم الإجماع عليه كما لم يقل أحد بحرمانها من الدواب والسلاح الواردين في صحيحة زرارة (رقم 2، 13).

وأجيب بأنه قياس مع الفارق؛ لأن عدم حرمانها من الدواب والسلاح ثبت بالإجماع ولولاه كان مقتضى القاعدة العمل بها ((مع أن القياس المذكور ليس أولى من قياس تمام الأخبار حتى أخبار الرباع عليها، ويلزم من ذلك طرح الأخبار جمع والعمل بالعمومات لا غير))(2).

أقول: يمكن أن يكون الوجه في عدم الزيادة عن الرباع أمور:-

1- ما رجّحناه من رجوع بعض الروايات المستفيضة إلى بعض وأن مصدرها في الغالب هم الفضلاء الخمسة وقد أخبروا رواة متعددين وفي مجالس ومناسبات متعددة وهذا لا يستلزم تعدّد المخبر عنه، وإلا

ص: 276


1- جواهر الكلام: 39/213.
2- رسالة للسيد محسن الحكيم (قدس سره)، مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام): العدد 43، ص195.

فسيحصل عندنا عدد لا يُحصى من الروايات بتكثر الوسائط الناقلة. أما التنوع في ألفاظها فإنه من تعبير الرواة للبيان أو مزيد الإيضاح أو نقل الراوي بحسب فهمه أو لمراعاة الإجمال والتفصيل أو الاقتصار على موضع الحاجة ونحو ذلك، خذ مثالاً على ذلك روايتي يزيد الصائغ (صفحة 203) اللتين نطمئن إلى أنهما واحدة، وفي الأولى (رباع الأرض)، وفي الثانية (الأرض) فكيف نتمسك بإطلاق الأرض.

وكذلك لاحظ صحاح زرارة ومحمد بن مسلم (5، 6، 7، 8) فإنها بقرينة التخصيص بالإضافة إلى الدور في (رواية 7) يحصل الظن أن الأخريات فيها تصرّف من الرواة لسبب أو لآخر مما ذكرناه، خذ مثلاً الروايتين (6، 7) فالرواية (6) جزء من الرواية (7) رواهما الكليني في الكافي بنفس السند عن ابن أبي عمير الذي رواهما تارة عن جميل عن زرارة ومحمد بن مسلم، وتارة عن حماد بن عثمان عنهما، وفي الأولى (من عقار الأرض) وفي الثانية (من عقار الدور).

وعلى هذا فيكون الزائد من الخاص عن الرباع مشكوكاً فيه فلا يكون حجة في تخصيص العام، خصوصاً مع القرائن الموجودة على الظهور في الخاص.

2- أو أنه أريد من العقار والضياع خصوص الدور والمساكن ولا مانع منه لجواز إطلاق الكل وإرادة الجزء كما يقال الجيش الرابع ويراد به الفيلق الرابع من الجيش خلافاً لما اختاره المشهور في علم الأصول بناءً على التعمّل العقلي والمورد ليس منه. ويمكن ذكر عدة قرائن على إرادة هذا المعنى:-

أ- استثناء قيمة الطوب والخشب والقصب ونحوها من المواد الداخلة في بناء الدور والمساكن دون غيرها من العقار في الروايات، فلو أريد به الأعم لاستثنيت آلاته.

ص: 277

ب- بقرينة قوله (عليه السلام) عقيبها: (إلا أن يكون أحدث بناءً) –رواية 8- وبضميمة رجوع عدة روايات أخرى إليها فهذا الاستثناء قرينة على بيان المراد من المستثنى منه؛ لأن الأصل في الاستثناء أن يكون متصلاً.

ج-- كون اللام عهدية لما في بعض الروايات من خصوص الرباع والدور والمساكن، بل إن بعضها صريح في هذه الإضافة كصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم -رقم 7- (من عقار الدور) وفي الصحيحة -رقم 5- ظهور بأن العقار ما بني على أرض الدور ونحو ذلك، فيكون المراد بالإطلاقات تلك العناوين الخاصة المعهودة.

نعم ورد لفظ (القرى) في روايتي زرارة وطربال –رقم 2، 13- وهي قد تكون أعم من الدور والمساكن، لكنها لا يمكن الوثوق باعتبارها في إفادة العموم:-

أ- إنه ورد في تعريف القرية أنها ((اسم للموضع الذي يجتمع فيه الناس))(1)

وعن تاج العروس ((القرية كل مكان اتصلت به الأبنية واتخذ قراراً وتقع على المدن وغيرها))، فليس فيها دلالة على غير الدور والمساكن، وأصل هذه الاشتقاقات يدل على

ص: 278


1- المفردات للراغب الأصفهاني، مادة (قرى) وحكى فيه شاهداً على المعنى الثاني ((أن بعض القضاة دخل على علي بن الحسين رضي الله عنهما فقال: أخبرني عن قول الله تعالى: «وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً» (سبأ: 18) ما يقول فيه علماؤكم؟ قال: يقولون أنها مكة، فقال: وهل رأيت؟ فقلت: ما هي؟ قال: إنما عنى الرجال، فقال: فقلت: فأين ذلك في كتاب الله؟ فقال: ألم تسمع قوله تعالى: «وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ» (الطلاق:8) وقال: «وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا» (الكهف:59).

التجمع، كالقراءةباعتبارها تجميعاً للأحرف وفي مفردات الراغب عن بعض العلماء ((تسمية هذا الكتاب قرآناً من بين كتب الله لكونه جامعاً لثمرة كتبه بل لجمعه ثمرة جميع العلوم))، وقيل لدم الحيض (قُرئ) لأن الدم يتجمع ثم يُقذف ومن ثم أطلق على البيوت إذا اجتمعت في المدينة أو الريف.

بل في مفردات الراغب أنها تطلق على الناس أنفسهم إذا تجمعوا ونقل عن المبرد في كتابه (ما اتفق لفظه، صفحة 77) في قوله تعالى: «وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ» (يوسف:82): ((القرية هنا القوم أنفسهم)). أقول: هذا المعنى مناسب لأصل الاشتقاق وما ذكره المفسرون من تقدير (أهل القرية) خلاف الأصل، وحمل على هذا المعنى قوله تعالى: «وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً» (النحل:112) وقوله تعالى: «وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ» (محمد:13).

ب- إن علي بن رئاب انفرد بروايتها عن زرارة مع ما احتملناه من وحدة الرواية وتعدد الراوي أما رواية طربال فإنها ضعيفة السند.

ج-- إنها وقعت في سياق ما لم يقل به أحد وهو السلاح والدواب فيضعف اعتبارها.

ويمكن أن يستدل على العموم بلفظ (الضياع) الوارد في (الرواية 8) ولكن يأتي عليها نفس الإشكال للظن باتحادها مع الروايات (5، 6، 7) مضافاً إلى ما حكي عن لسان العرب من قول الليث: ((الضياع: المنازل، سميت ضياعاً لأنها إذا ترك تعهّدها وعمارتها تضيع))، وقيل في تعريف الضيعة: أنها العقار(1) فرجع هذا العنوان إلى ما سبقه.

ص: 279


1- تاج العروس: 13/110.

(الثالث) ((حرمانها من جميع ذلك مع إضافة الشجر إلى الآلات في الحرمان من عينه دون قيمته وبهذا صرّح من المتأخرين العلامة في القواعد والشهيد في الدروس وأكثر المتأخرين وادعوا أنه هو المشهور، بل ادعوا أنه عين السابق وهو ممنوع كما يظهر ذلك من تتبع عباراتهم))(1).

أقول: اختاره أيضاً السيد صاحب الرياض والمحقق النراقي وصاحب الجواهر وجميع مراجع العصر(2).

وقد اعترض السيد الحكيم (قدس سره) على فهم صاحب المسالك ذهاب الآخرين من المشهور إلى ميراثها من عين الشجر والنخل، وفاقاً لبعض من قال بعدم المغايرة بين القولين، قال (قدس سره): ((ولم ينقل عن أحد منهم تصريح بتوريثها منعين النخل والشجر، فما نسبه الشهيد رحمه الله في المسالك إلى بعض أهل هذا القول من توريثها من عينهما وجعل القول المذكور قولين ناشئ من تخصيصهم القيمة للآلات والأبنية بالذكر مع عدم التعرض للنخل والشجر(3)، وهما ليس منهما فيكونا باقيين تحت العموم.

لكن في استفادة ذلك ضعف، خصوصاً بعد تعرّض الروايات لذلك صريحاً، وبعد ما ذكره في مفتاح الكرامة من دخول الشجر في الآلات لغة كما عن القاموس)).

أقول: ما استفاده الشهيد الثاني (قدس سره) من المغايرة بين القولين في محلّه لأن الأصحاب كانوا بصدد حصر ما تحرم منه الزوجة؛ فعدم ذكرهم الشجر والنخل

ص: 280


1- مسالك الأفهام: 13/185.
2- رياض المسائل: 14/384، مستند الشيعة: 19/368، جواهر الكلام: 39/214.
3- حكى في مفتاح الكرامة عدم التعرض عن المبسوط والنهاية والشرائع والنافع وغيرها.

ظاهر في عدم دخولهما في ما تحرم منه وليسوا كلهم ممن يقول بدخول الشجر والنخل في الآلات، فتفريق الشهيد الثاني (قدس سره) بين القولين صحيح.

وبه صرّح البعض، قال المحقق النراقي (قدس سره): ((وظاهر هذا القول –أي الثاني- عدم حرمانها من الأشجار عيناً لعدم صدق الأرض عليها))(1)، وقال: ((والظاهر تغايرهما –أي القولين الثاني والثالث-، واشتهار الأول عند القدماء، والثاني عند المتأخرين))(2).

أما الاستدلال على حرمان الزوجة من الشجر والنخل بدخولهما في عنوان الآلات تبعاً لجملة من الأعلام كما ورد في عبارة المسالك المتقدمة فغير تام؛ لأكثر من وجه:-

1- لعدم ورود لفظ (الآلات) في أي من الروايات حتى يتمسّكوا بإطلاقه، وإنما هو عنوان انتزاعي للمواد الداخلة في البناء وهذا لا إطلاق له.

2- لأن المراد بالشجرة أو النخلة هنا الحية القائمة على أصولها في الأرض وليست المقطوعة إذ تسمى النخلة جذعاً والشجر خُشباً حينئذٍ وتدخل في الآلات وقد ذكرتهما الروايات بهذين العنوانين أما الحية فلا تدخل فيها.

نعم يمكن أن تشمل النخيل والأشجار بحكم الحرمان بوجوه:-

1- دخولهما في عنوان (العقار) بحسب تعريفه المتقدم؛ فلعله لهذا لم يذكره البعض فيما تحرم الزوجة من عينه.

2- وروده صريحاً في صحيحة الأحول –رقم 10- .

3- دعوى الملازمة بين ما تحرم الزوجة من عينه وقيمته من الأرضين وبين ما تحرم من الأعيان الثوابت عليها، فما دمنا اخترنا أنها تحرم من مطلق

ص: 281


1- مستند الشيعة: 19/367.
2- مستند الشيعة: 19/368.

الأرض حتى الزراعية -بحسب القول الثاني- فمقتضاه حرمانها من أعيان الثوابت عليها ومنها الأشجار والنخيل واستحقاقها من القيمة، وسيأتي بإذن الله تعالى مزيد من البيان لهذه الملازمة ومناقشتها في (إلفات: صفحة 303).

وقد يناقش الوجه الأول من عدة جهات:-

أ- عدم مساعدة العرف على دخول الشجر في عنوان العقار أصلاً، وإن شملها بحسب التعريف اللغوي المتقدم.

ب- ولو تنزلنا وقلنا بشمولها فتحتمل عدم إرادة كل مصاديقه هنا أي نشك في تمامية إطلاقه لكل أفراده حتى النخيل والأشجار ولو بقرينة على إرادة البعض أي خصوص الدور والمنازل ككون اللام في الأرض والعقارات عهدية لكثرة ورود الرباع والمنازل خاصة في الروايات، أو لظهور الصحاح (5، 6، 7) في كون المراد بالعقار خصوص المضاف إلى الدور أو الأرض فيكون قرينة على المراد من المطلقات، وغيرها من القرائن كما تقدم وسيأتي إن شاء الله تعالى.

وتناقش صحيحة الأحول (متناً) من جهة عدم الاطمئنان بصدور لفظي (الشجر والنخل) عن الإمام (عليه السلام) وإنما هو تعبير من الراوي عن الجذوع والخشب الواردة في أغلب الروايات للبيان والإيضاح لتوهم عدم الفرق بينهما، وهذا الاحتمال وارد بعد الذي نقلناه من استدلالهم بعنوان (الآلات) لشمول الشجر والنخل مع وضوح الفرق الذي نبهنا عليه.

(وسنداً) من جهة احتمال الإرسال بين الحسن بن محبوب ومؤمن الطاق الذي ذكره السيد البروجردي (قدس سره).

ص: 282

تحقيق(1) في الإرسال المحتمل بين الحسن بن محبوب ومؤمن الطاق.

احتمل السيد البروجردي (قدس سره) وجود إرسال بين الحسن بن محبوب ومؤمن الطاق عند مناقشة رواية الأحول (وهو محمد بن علي الملقب بمؤمن الطاق) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في إرث الزوجة من العقار قال: سمعته يقول: (لا يرثنالنساء من العقار شيئاً ولهن قيمة البناء والشجر والنخل) يعني من البناء الدور وإنما عنى من النساء الزوجة(2).

والبحث في اعتبار هذه الرواية له أهمية خاصة لأنها النص الوحيد الذي ورد فيه إعطاء الزوجة ميراثها من الشجر والنخل قيمةً لا عيناً، وهو الحكم الذي استقر عليه مشهور علماء الإمامية في القرون الأخيرة حيث اختاره صاحب الرياض والمستند والجواهر(3)، حتى مراجع العصر(4)، فلا يقال: إننا في غنى عن البحث في حجية الرواية لأن روايات حرمان الزوجة من العقار بلغت حد التواتر أو الاستفاضة.

وقد انفرد الشيخ الصدوق بروايتها في الفقيه بسنده عن الحسن بن محبوب عن الأحول عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وقد ذكر (قدس سره) في مشيخة الفقيه أن سنده إلى ابن محبوب: ((محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله

ص: 283


1- طبع هذا التحقيق في رسالة مستقلة لتعميم الفائدة.
2- وسائل الشيعة: كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، باب 6، ح16.
3- رياض المسائل: 14/384، مستند الشيعة: 19/368، جواهر الكلام: 39/214.
4- منهاج الصالحين للسيد الحكيم بتعليق السيد الشهيد الصدر: 2/488، مسألة (6)، وللسيد الخوئي: 2/372، مسألة (1788)، تحرير الوسيلة للسيد الخميني: 2/360، مسألة (5).

عنه عن عبد الله بن جعفر الحميري وسعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب)).

أقول: وصف المحدث النوري هذا السند بأنه ((صحيح بالاتفاق))(1).

أقول: هذا ظاهر لمن لاحظ رجال السند، نعم قد يتوهم عدم التصريح بالوثاقة في محمد بن موسى بن المتوكل، إلا أن أهل الفن لم يترددوا في توثيقه ونقلوا عن خلاصة العلامة ورجال ابن داوود ذلك صريحاً ونقل أبو علي الحائري وصفه في كتاب المشتركات ((ابن موسى بن المتوكل الثقة)) ونقل الوحيد البهبهاني في تعليقته الترحّم والترضّي(2)

عليه علماً أن ((العلامة وثقه في (58) من الباب (1) من حرف الميم من القسم الأول، وابن داوود في (1482) من القسم الأول صريحاً، وادعى ابن طاووس في فلاح السائل، الفصل 19: الاتفاق على وثاقته، فالنتيجة: أن الرجل لاينبغي التوقف في وثاقته، وقد أكثر الصدوق الرواية عنه، وذكره في المشيخة في طرقه إلى الكتب في ثمانية وأربعين مورداً))(3).

وقد يتوهم أيضاً أن منشأ الإشكال في السند احتمال اشتراك(4)

لقب الأحول مع بعض المجاهيل لكنه توهم لا يُعبأ به، لوضوح انصراف العنوان إلى مؤمن الطاق والتباني على ذلك.

ص: 284


1- خاتمة المستدرك، الفائدة الخامسة: شرح مشيخة من لا يحضره الفقيه، رقم (82).
2- نقد الرجال للتفريشي: 4/333، جامع الرواة للأردبيلي: 2/212، منتهى المقال للحائري: 6/212، تعليقة الوحيد البهبهاني: 327، هداية المحدثين: 256.
3- معجم رجال الحديث: 18/299.
4- حكى هذا الاحتمال المحدث النوري في خاتمة المستدرك، قال (قدس سره): ((واحتمل –ضعيفاً- أن يكون –أي الأحول- أحد المجهولين المذكورين في أصحاب الصادق (عليه السلام) الأزدي الكوفي أو الحضرمي الكوفي)) (خاتمة مستدرك الوسائل: 5/206: الفائدة الخامسة في شرح مشيخة الفقيه، رقم (300) وقال في الهامش: ((إن صاحب الاحتمال هو المجلسي كما في روضة المتقين: 14/257)).

أما احتمال الإرسال الذي ذكره السيد البروجردي (قدس سره) فلا أعهد أحداً صرّح به قبله (قدس سره) ولذا وُصفت الرواية بالصحيحة في كتب المحققين، نعم حفلت كتب الرجال بتسجيل نفس الإشكال على رواية ابن محبوب عن أبي حمزة الثمالي فقيل بوجود إرسال بينهما، فانقدح الإشكال عند السيد (قدس سره) لمقاربة بين أبي حمزة الثمالي ومؤمن الطاق في تأريخ الوفاة، كما سنبيّن في الوجه الثالث إن شاء الله تعالى.

هذا وقد سبق الشهيد الثاني (قدس سره) إلى الإشكال على سند الرواية إذ قال في المسالك: ((لكن –أي الاستدلال بصحيحة الأحول- يتوقف على تحقيق السند))(1).

أقول: يمكن أن يكون توقّفه (قدس سره) بلحاظ أحد المنشأين المتقدمين، ولكن بعد الذي ذكرناه من الاتفاق على صحة سند الشيخ الصدوق (قدس سره) إلى الحسن بن محبوب وإلغاء توهم اشتراك عنوان الأحول، فكأن الإشكال يتعين في الموضع محل البحث، وربما تشعر عبارته (قدس سره) في هامش إحدى نسخ المسالك إلى تحديد هذا الموضع من الإشكال، قال: ((هذه الرواية ذكرها الشهيد في حاشيته على القواعد ونسبها إلى الفقيه، عن الحسن بن محبوب عن الأحول عنه (عليه السلام) فينبغي تحقيق أمرها)).

لكن صاحب مفتاح الكرامة لم يخطر على باله أن منشأ إشكال الشهيد على سند الصحيحة هو من هذه الجهة لذا رد على إشكال الشهيد بقوله: ((السند صحيح، لأن طريق الصدوق إلى الحسن بن محبوب صحيح فالرواية صحيحة))(2).

ص: 285


1- مسالك الأفهام: 13/187.
2- مفتاح الكرامة: 17/308.

وعلى أي حال فقد أورد السيد البروجردي (قدس سره) هذا الاحتمال للإرسال في عدة مواضع من رسالته في إرث الزوجة(1)، على صغر حجمها.

ويمكن تقريب عدة وجوه بني عليها هذا الاحتمال:-

الوجه الأول: نظريته في تقسيم طبقات الرجال لكون ((الحسن بن محبوب من الطبقة السادسة والأحول من الطبقة الرابعة فلذا يحتمل كونها مرسلة))(2).

أقول: لخّص المقرر هذه النظرية بقوله: ((هذا اصطلاح خاص لسيدنا الأستاذ الأكبر (قدس سره) حيث أنه قد ألّف كتاب طبقات الرجال ورتّبه على ثلاث طبقات كل طبقة مشتملة على اثنتي عشرة مرتبة، من زمن النبي (صلى الله عليه وآله) إلى زمن الباقر (عليه السلام) اثنا عشر ومن زمانه إلى محمد بن الحسن الطوسي اثنا عشر ومن زمانه إلى زمان نفسه (قدس سره) اثنا عشر))(3).

الوجه الثاني:

استقراء تأريخي لحياة الرجلين إذ قال في موضع آخر: ((فلو لم نقل بحجية رواية محمد بن علي بن النعمان الأحول: باعتبار أن الراوي عنه الحسن بن محبوب وهو مات في حال طفوليته، فروايته عنه تصير مرسلة))(4).

أقول: أي أن مؤمن الطاق مات وابن محبوب طفل لا يدرك فلا تصح روايته عنه. وقال في موضع ثالث: ((ورواية الأحول قد قلنا أنها غير حجة للإرسال))(5).

ص: 286


1- وهي إحدى رسائل ثلاث طبعت بعنوان (تقريرات ثلاثة) من أبحاث السيد البروجردي (قدس سره) بقلم الشيخ علي بناه الاشتهاردي حررها سنة 1367 ه- أي في ذروة مرجعيته المباركة، الرسالة الثانية في ميراث الأزواج من ص 99 حتى ص 126.
2- تقريرات ثلاثة: 107.
3- تقريرات ثلاثة: 103.
4- تقريرات ثلاثة: 116.
5- تقريرات ثلاثة: 120.

أقول: ربما كان هذا الاحتمال مبنياً على استبعاد إدراك الحسن بن محبوب لمؤمن الطاق بعمر يؤهله لتلقي الرواية منه؛ لأن مؤمن الطاق وإن بقي بعد استشهاد الإمامالصادق (عليه السلام) سنة 148 ه- كما تدل عليه مناظرته مع أبي حنيفة(1)، إلا أن المظنون –بحسب المستشكل- أنه لم يعمّر كثيراً بعده لأنه كان كبير السن يومئذٍ بقرينة كونه شخصية اجتماعية معروفة عند قيام زيد الشهيد بثورته سنة 121 حيث دعاه شخصياً لنصرته في حوارية معروفة(2)، وقول البرقي عنه أنه ((ممن أدرك أبا جعفر))(3)

وربما ظن –كما حصل للمرحوم الشيخ عباس القمّي في الكنى والألقاب(4)-

أنه هو المقصود بقول النجاشي في ترجمته: ((روى أيضاً عن علي بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبد الله (عليهم السلام)))(5)، فيظهر من مجموع هذه القرائن أنه كان كبير السن عند استشهاد الإمام الصادق (عليه السلام) فلا يحتمل بقاؤه كثيراً بعد سنة 148ه-.

ص: 287


1- ((قال أبو حنيفة لمؤمن الطاق: يا أبا جعفر إن إمامك –يعني الصادق (عليه السلام) – قد مات، فقال أبو جعفر: لكن إمامك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم)) (رجال الكشي، رقم 77) ونقلها في (معجم رجال الحديث: 18/38).
2- المصدر السابق: 18/38.
3- المصدر نفسه: 18/36.
4- الكنى والألقاب: 2/428 تحت عنوان (الطاقي).
5- رجال النجاشي: 325، رقم (886).

أما الحسن بن محبوب فقد روى الكشي أنه ((مات في آخر سنة أربع وعشرين ومائتين وكان من أبناء خمس وسبعين))(1)

فتكون ولادته سنة 149 ه- أي بعد استشهاد الإمام الصادق (عليه السلام) بسنة واحدة فهو إما لم يدرك مؤمن الطاق أو أدركه وهو طفل كما قال السيد (قدس سره)، فلا تصح روايته عنه مباشرة.

وقد يؤيد هذا الاحتمال بأمرين:-

أ- وقوع مثل هذه الحالة –أعني سقوط الواسطة بين ابن محبوب وأصحاب الإمام الصادق (عليه السلام)، ((فقد روى الشيخ عنه رواية مباشرة عن الإمام الصادق (عليه السلام) (التهذيب: ج10، باب البينات على القطع، الحديث 674) إلا أن هذه الرواية رواها محمد بن يعقوب بسنده عن ابن محبوب عن أبي ولاد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في (الكافي: ج7، كتاب الديات، بابالعاقلة: 53، ح1) وكذلك في (الفقيه: ج4، باب العاقلة، ح 357)، فالظاهر أن الواسطة سقطت عن كلام الشيخ))(2).

ب- عدم رواية مؤمن الطاق عن الإمام الكاظم (عليه السلام).

الوجه الثالث: وجود هذا الظن في حالة مقاربة لرواية ابن محبوب عن مؤمن الطاق وهي روايته عن أبي حمزة الثمالي، وقد اتهمه الأصحاب فيها، فقد نقل النجاشي في ترجمة أحمد بن محمد بن عيسى عن الكشي عن نصر بن الصباح قوله: ((ما كان أحمد بن محمد بن عيسى يروي عن ابن محبوب من أجل أن

ص: 288


1- رجال الكشي، رقم 479، معجم رجال الحديث: 6/97.
2- معجم رجال الحديث: 6/98.

أصحابنا يتهمون ابن محبوب في أبي حمزة الثمالي ثم تاب ورجع عن هذا القول))(1).

أقول: وعلق القهبائي في ترتيب الفهرست على طريق الشيخ إلى أبي حمزة الذي ينتهي بالحسن بن محبوب عنه قال: ((فيه إرسال، فإنه لا يمكن رواية ابن محبوب عن الثمالي لما علم من تأريخ فوتهما)).

وقال الوحيد البهبهاني في تعليقته في ترجمة الحسن بن محبوب: 108: ((إن التهمة في روايته عن أبي حمزة ثابت بن دينار، وأن وفاة أبي حمزة كانت سنة خمسين ومائة، فبملاحظة سن الحسن وسن وفاته يظهر أن تولد الحسن كان قبل وفاة أبي حمزة بسنة والظاهر أن هذا منشأ تهمته، وربما يظهر من ترجمة أحمد أن تهمته من روايته وأخذه عنه في صغر سنه)).

أقول: وجه المقاربة هو تقارب وفاتي أبي حمزة الثمالي ومؤمن الطاق بحسب التحليل التأريخي المتقدم فالإشكال واحد.

ويرد على (الوجه الأول) للإشكال:-

1- إن المعلومات التي بنى عليها جعل الرجلين في الرابعة والسادسة يشكل الاعتماد عليها كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

2- المناقشة في أصل النظرية ومستنداتها، ولو في ضوء الخلاصة التي نقلناها آنفاً عن مقرّر بحثه الشريف فالفترات الثلاث التي قسّم إليها الطبقات متباينة جداً ولا نعلم لها وجهاً.

3- إن نظريته (قدس سره) في تقسيم طبقات الرجال تؤدي إلى نتائج تقريبية ولا يمكن التعويل عليها في نفي رواية أحد عن أحد إلا إذا وجدت قرائن وشواهد عليه، لتداخل الأجيال فمن الرجال من روى عن أربعة من

ص: 289


1- رجال النجاشي: 82، رقم الترجمة (198).

الأئمة المعصومين (عليهم السلام) كأبي حمزة الثمالي، وعاش علي بن جعفر إلى إمامة حفيد أخيه الإمام الجواد (عليه السلام)، ومن الرجال من روى عن أقران جده، وهكذا وقع إدراك بعض المتأخرين لبعض المتقدمين عليهم بعدة أجيال لطول عمر الأستاذ وطول مدة إفادته، او لاشتغال التلميذ في وقت مبكر فيختصر الوسائط إلى الأصل، فيصفون سنده بالعالي، ومن أمثلتهم في عصرنا المرحوم الشيخ أغابزرك الطهراني (1293-1390) الذي ساهم بحذف واسطتين وصار بعض كهول اليوم (1437) يروون عن الميرزا النوري صاحب المستدرك (توفي 1320 هج-) بواسطة واحدة. وقد أُلِّفت كتب في مثل هذه الأسانيد التي تتصف بقلة الوسائط تسمى (قرب الإسناد).

وعلى هذا فرواية أصحاب الطبقة السادسة عن الرابعة ممكن. وقد أورد المحقق أغا بزرك الطهراني أسماء عدد من الأصحاب جمعوا ما تحصّل لهم من (قرب الإسناد) وقال في تعريفه: ((قرب الإسناد: مجموع من الأخبار المسندة إلى المعصوم (عليه السلام) لقلة وسائطه، وقد كان الإسناد العالي عند القدماء مما يُشد له الرحال، ويبتهج به أعين الرجال، ولذا أفرده بالتصنيف جمعٌ منهم شيخ القميين عبد الله بن جعفر الحميري، سمع منه أهل الكوفة في سنة نيف وتسعين ومائتين، وقد جمع الأسانيد العالية إلى كل إمام في جزء))(1).

ولوالد الشيخ الصدوق المتوفى سنة 329 ه- كتاب في قرب الإسناد يرويه عنه النجاشي المتوفى سنة 450 ه- بواسطة واحدة وهذا سند عالٍ أيضاً، وهكذا غيرهم فراجع.

ص: 290


1- الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 17/44.

4- إن رواية ابن محبوب عن مؤمن الطاق لم تختص بهذه حتى نحتمل الخلل فيها بل تعددت رواياته عنه وتنوعت الكتب التي أوردتها، فقد روى عنه في تفسير القمي في تفسير قوله تعالى من سورة الزمر: «وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ».

وفي أصول الكافي (ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب 1، في تنقل أحوال القلب، ح1، وفي باب 60، الحب في الله والبغض في الله، ح3) وروى عنه في روضة الكافي، ح368.

5- قول الشيخ (قدس سره) عن الحسن أنه روى عن ستين رجلاً من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) فرواية الحسن عن طبقة مؤمن الطاق واردة، بل إن ابن محبوب روى عمّن هو أقدم من مؤمن الطاق كأبي حمزة الثمالي وروايته عنه كثيرة كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وعن أبي الجارود العبدي وهو من أصحاب الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) ووفاته مقاربة لأبي حمزة الثمالي فقد حكي عن ابن حجر قوله: ((ذكره البخاري في فصل من مات من خمسين ومئة إلى الستين))(1).

6- إن السيد (قدس سره) طبق نظريته هذه في مورد آخر في نفس الرسالة والتوهم فيه واضح فقد وصف رواية(2)

الشيخ الطوسي في التهذيب والاستبصار بسنده عن الحسن بن محمد بن سماعة عن محمد بن زياد عن محمد بن حمران عن محمد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ب-((أنها مرسلة)) وقال في موضع آخر: ((وكذا لو لم نقل بحجية

ص: 291


1- تهذيب التهذيب لابن حجر: 3/333.
2- وسائل الشيعة: 26/210، أبواب ميراث الأزواج، باب 6، ح13.

رواية محمد بن حمران عن محمد بن مسلم وزرارة باعتبار احتمال إرسالها))(1).

أقول: لم يبين موضع الإرسال في سندها وإن كان يقصد محمد بن حمران عن محمد بن مسلم وزرارة فإنه لا أساس له من الصحة؛ لأن ابن حمران –وهو النهدي- روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) وعن محمد بن مسلم وزرارة وهكذا في بقية رجال السند فإنه متصل لا إرسال فيه، ولذا علق المقرر في الهامش قائلاً: ((هكذا بيّنه الأستاذ الأكبر (قدس سره) على ما هو ببالي –وهو أعلم بما قال- فإنه (قدس سره) كان خرّيتاً لهذا الفن وإلا فالظاهر كونها مسندة)).

ويرد على الوجه الثاني للإشكال أمور:-

1- إن هذه النتيجة التي بنى عليها السيد (قدس سره) إشكاله مستندة بشكل أساسي إلى المعلومة التي أوردها الكشي ورواها عن علي بن محمد القتيبي عن جعفر بن محمد بن الحسن بن محبوب، والأول لم يرد فيه توثيق والثاني مجهول ولا يُعلم أنه أدرك جده الحسن وأخذ عنه تأريخه فالمعلومة غير موثوقة.

2- إن استبعاد بقاء مؤمن الطاق طويلاً بعد الإمام الصادق (عليه السلام) لا دليل عليه لأن تعبير البرقي: ((أدرك أبا جعفر)) تعني أنه صحبه مدة قصيرة في أواخر حياته ولم يرو عنه لذا لم يذكره الشيخ في رجاله من أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام)، وأما قول النجاشي فإنه يخص ابن عم أبيه الحسين بن المنذر وليس مؤمن الطاق كما لا يخفى على المتأمل في العبارة.

ص: 292


1- تقريرات ثلاثة: 116.

قال: ((وعم أبيه المنذر بن أبي طريفة روى عن علي بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام)، وابن عمه الحسين بن منذر بن أبي طريفة روى أيضاً عن علي بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبد الله (عليهم السلام) )).وممن توهم عودة هذه الفقرة إلى صاحب الترجمة المرحوم الشيخ عباس القمي في (الكنى والألقاب)(1)، وقول البرقي المتقدم دليل على عدم صحة هذا الاعتقاد.

وعلى عكس الاستبعاد المذكور فإنه يمكن تقريب بقاء مؤمن الطاق بعد الإمام الصادق (عليه السلام) بما لا يقل عن عشر سنوات(2)، وذلك لأن الشيخ الطوسي (قدس سره) عدّ مؤمن الطاق من أصحاب الإمام الكاظم(3)

(عليه السلام)، وقد كانت الفترة الأولى من إمامة الكاظم (عليه السلام) قاسية جداً، وأمر المنصور العباسي واليه على المدينة أن يقتل من يجلس في موضع جعفر بن محمد (عليهما السلام) فوراً من دون مراجعته، فأخفى الإمام الصادق (عليه السلام) اسم الإمام الذي يليه بين خمسة أسماء ليموه على الطواغيت، فعاش الإمام الكاظم (عليه

ص: 293


1- الكنى والألقاب: 2/428 تحت عنوان (الطاقي).
2- وجدت لاحقاً في مصادر العامة ما يوافق هذا الحدس ففي كتاب (الأعلام للزركلي: 7/154) أنه توفي حدود سنة 160 للهجرة وذكر في الهامش أن من مصادره (لسان الميزان: 5/300، خطط المقريزي: 2/348، 353، فرق الشيعة للنوبختي: 78)، وحُكي عن كتاب (الوافي بالوفيات: ج4) أنه توفي في حدود الثمانين ومائة، وكذلك قال صاحب توضيح المقاصد والبغدادي.
3- رجال الشيخ: 343، باب الميم من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام)، رقم (18).

السلام) فترة تكتم شديدة ورواية هشام بن سالم شاهدة على ذلك(1)، حتى هلك المنصور بعد استشهاد الإمام الصادق (عليه السلام) بعشر

ص: 294


1- روى الشيخ الكليني في الكافي بسند صحيح عن هشام بن سالم قال: (كنا بالمدينة بعد وفاة أبي عبد الله (عليه السلام) والناس مجتمعون على عبد الله بن جعفر أنه صاحب الأمر بعد أبيه، فدخلنا عليه أنا وصاحب الطاق والناس عنده وذلك أنهم رووا عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: إن الأمر في الكبير ما لم تكن به عاهة، فدخلنا عليه نسأله عما كنا نسأل عنه أباه، فسألناه عن الزكاة في كم تجب؟ فقال: في مائتين خمسة، فقلنا: ففي مائة؟ فقال: درهمان ونصف فقلنا: والله ما تقول المرجئة هذا، قال: فرفع يده إلى السماء فقال: والله ما أدري ما تقول المرجئة، قال: فخرجنا من عنده ضلالاً لا ندري إلى أين نتوجه أنا وأبو جعفر الأحول، فقعدنا في بعض أزقة المدينة باكين حيارى لا ندري إلى أين نتوجه ولا من نقصد؟ ونقول: إلى المرجئة؟ إلى القدرية؟ إلى الزيدية؟ إلى المعتزلة؟ إلى الخوارج؟ فنحن كذلك إذ رأيت رجلاً شيخاً لا أعرفه، يومي إليّ بيده فخفت أن يكون عيناً من عيون أبي جعفر المنصور وذلك أنه كان له بالمدينة جواسيس ينظرون إلى مَن اتفقت شيعة جعفر عليه السلام عليه؛ فيضربون عنقه، فخفت أن يكون منهم فقلت للأحول: تنحَّ فإني خائف على نفسي وعليك، وإنما يريدني لا يريدك، فتنحّ عني لا تهلَك وتعين على نفسك، فتنحى غير بعيد وتبعت الشيخ وذلك أني ظننت أني لا أقدر على التخلص منه، فما زلت أتبعه وقد عزمت على الموت حتى ورد بي على باب أبي الحسن عليه السلام ثم خلاني ومضى، فإذا خادم بالباب فقال لي: ادخل رحمك الله، فدخلت فإذا أبو الحسن موسى عليه السلام فقال لي ابتداءً منه: لا إلى المرجئة ولا إلى القدرية ولا إلى الزيدية ولا إلى المعتزلة ولا إلى الخوارج إليّ إليّ، فقلت: جعلت فداك مضى أبوك؟ قال: نعم، قلت: مضى موتاً؟ قال: نعم، قلت: فمن لنا من بعده؟ فقال: إن شاء الله أن يهديك هداك، قلت: جُعلت فداك إن عبد الله يزعم أنه من بعد أبيه، قال: يريد عبد الله أن لا يعبد الله، قال: قلت: جعلت فداك فمن لنا من بعده؟ قال: إن شاء الله أن يهديك هداك، قال: قلت: جعلت فداك فأنت هو؟ قال: لا، ما أقول ذلك، قال: فقلت في نفسي لم أصب طريق المسألة، ثم قلت له: جعلت فداك عليك إمام؟ قال: لا، فداخلني شيء لا يعلم إلا الله عز وجل إعظاماً له وهيبة أكثر مما كان يحلّ بي من أبيه إذا دخلت عليه، ثم قلت له: جعلت فداك أسألك عما كنت أسأل أباك؟ فقال: سل تخبر ولا تذع، فإن أذعت فهو الذبح، فسألته فإذا هو بحر لا ينزف، قلت: جعلت فداك شيعتك وشيعة أبيك ضُلال فألقي إليهم وأدعوهم إليك؟ وقد أخذت علي الكتمان؟ قال: من آنست منه رشداً فألق إليه وخذ عليه الكتمان فإن أذاعوا فهو الذبح – وأشار بيده إلى حلقه - قال: فخرجت من عنده فلقيت أبا جعفر الأحول فقال لي: ما وراءك؟ قلت: الهدى، فحدّثته بالقصة، قال: ثم لقينا الفضيل وأبا بصير فدخلا عليه وسمعا كلامه وساءلاه وقطعاً عليه بالإمامة، ثم لقينا الناس أفواجاً فكل من دخل عليه قطع إلا طائفة عمار وأصحابه، وبقي عبد الله لا يدخل إليه إلا قليل من الناس، فلما رأى ذلك قال: ما حال الناس؟ فأخبر أن هشاماً صدّ عنك الناس، قال هشام: فأقعد لي بالمدينة غير واحد ليضربوني) (أصول الكافي: ج1، كتاب الحجة، باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة، ح7).

سنوات أي سنة 158 ه-، فصحبة مؤمن الطاق للإمام الكاظم (عليه السلام) تحققت بعد هذه المدة؛ لأنه كان يسكن الكوفة ومن الصعب لقاؤه بالإمام (عليه السلام) في مثل تلك الظروف، وهذا يفسّر عدم روايته عن الإمام الكاظم (عليه السلام).

2- إن ابن محبوب ثقة بل وصف بأنه من الأربعة أركان المذهب في عصره، وقد عدّه الكشي من الفقهاء الذين أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عنهم من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا (عليهما السلام) وروى بسنده عن ابن أبي نصر قال: (قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) أن الحسن بن محبوب الزرّاد أتانا برسالة؟ قال: صدق، لا

ص: 295

تقل الزرّاد بل قل السرّاد، إن الله تعالى يقول: «وَقَدّرْ في السَرْد»)، فإذا أخبر أنه روى عن مؤمن الطاق صدقنا قوله كما في المقام، ولا مسوِّغ لاحتمال الإرسال، نعم قد يسقط ذكر الواسطة من قبل الرواة غفلةً كالمورد المتقدم في غفلة التهذيب عن أبي ولاد بقرينة ما ورد في الكافي والفقيه.

5- إن ابن محبوب وقع في طريق الشيخ الصدوق إلى مؤمن الطاق في مشيخة الفقيه قال (قدس سره): ((وما كان فيه عن محمد بن النعمان فقد رويته عن محمد بن علي ماجيلويه عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن محمد بن1- أبي عمير والحسن بن محبوب جميعاً عن محمد بن النعمان)) ولم يُنكر أحد ذلك، بل عن العلامة في الخلاصة(1) أن طريق الصدوق إليه صحيح، وإنما ضعّفه البعض كالسيد الخوئي لسبب آخر كوجود محمد بن علي بن ماجيلويه الذي لم تثبت وثاقته(2) عنده وليس من هذه الناحية.

6- إن الحسن روى عن أبي حمزة الثمالي كثيراً(3)

وأبو حمزة توفي سنة 150(4)

ه- وأدرك إمامة الكاظم (عليه السلام)، وروى الكَشي عن الفضل بن شاذان قال: (سمعت الثقة يقول: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: أبو حمزة الثمالي في زمانه كسلمان الفارسي، وذلك أنه خدم أربعة منا: علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وبرهة

ص: 296


1- خلاصة الأقوال في معرفة الرجال للعلامة الحلي: 439، الفائدة الثامنة.
2- معجم رجال الحديث: 18/43.
3- معجم رجال الحديث: 6/98.
4- رجال النجاشي: 115، رقم (296).

من عصر موسى بن جعفر (عليهم السلام) )(1)، وأورد الشيخ الصدوق (قدس سره) هذا المعنى عند ذكر طريقه إلى أبي حمزة في المشيخة.

وعلى هذا فرواية ابن محبوب عن مؤمن الطاق –الذي بقي بعد الإمام الصادق (عليه السلام) المستشهد سنة 148 ه-- طبيعية جداً.

إن قلتَ: كيف يتم رواية ابن محبوب عن أبي حمزة الثمالي ومقتضى نقل الكشي أن ابن محبوب ولد سنة 149 ه-؟.

قلتُ:-

أ- إن هذه المعلومة غير موثوقة كما تقدم.

ب- إن قبول قول الكشي في تأريخ ولادة ابن محبوب ليس أولى من قبول روايته الكثيرة عن أبي حمزة.

ومما تقدم يُعلم النظر في قول السيد الخوئي (قدس سره): ((مقتضى ما ذكره الكشي: أن الحسن بن محبوب تولّد بعد وفاة الصادق (عليه السلام) وهذا ينافي روايته كثيراً عن أبي حمزة المتوفى في زمان الصادق (عليه السلام) ))(2)

فإن أبا حمزة توفي في زمان الإمام الكاظم (عليه السلام)، كما تقدم آنفاً عن النجاشي وورد اسمه فيبعض الروايات(3) عن قيام الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) بالأمر بعد استشهاد أبيه (عليه السلام).

ص: 297


1- رجال الكشي: 485، رقم (919) وراجع الكنى والألقاب: 21/130، رقم (150).
2- معجم رجال الحديث: 6/98.
3- في (إثبات الهداة للحر العاملي: 3/166، الباب 22: النصوص على أبي الحسن موسى (عليه السلام)، ح47) (أن إعرابياً جاء من المدينة إلى الكوفة فأخبر أن الصادق قد مات فشهق أبو حمزة الثمالي وضرب بيديه الأرض) إلى آخر الحديث.

نعم قال الشيخ في رجاله: ((اختلف في بقائه إلى وقت أبي الحسن موسى عليه السلام))(1).

ويرد على الوجه الثالث:-

1- إن احتمال الإرسال المذكور مبني على التاريخ الذي أورده الكشي عن ولادة ابن محبوب وقد علمت المناقشة فيه.

2- إن نصر بن الصباح ناقل هذه الكلمة مجهول الحال وهو غالٍ في مذهبه فلا يوثق بقوله إلا مع القرينة.

3- إن هذه العبارة التي ورد فيها الاتهام لابن محبوب في الرواية عن الثمالي وردت بألسنة مختلفة فما أوردناه كان من رجال النجاشي عن الكشي، ولكن الذي أورده الكشي نفسه في الرجال هو ((عن أبي حمزة))(2)

من دون الثمالي وفي نسخة أخرى (ابن أبي حمزة) وقال في موضع آخر عند ترجمة الحسن بن محبوب عن نصر بن الصباح قال: ((وأصحابنا يتهمون ابن محبوب في روايته عن ابن أبي حمزة))(3).

أقول: إذن لم يثبت أن التهمة هي بإرساله عن أبي حمزة لعدم الاطمئنان بكون المقصود الثمالي بسبب تعدد العبارات واختلافها، لذا تعدد فهم الأصحاب لهذه التهمة فقد احتمل البعض أن المراد ابن أبي حمزة البطائني، قال القهبائي: ((والمراد منه علي بن أبي حمزة البطائني، فإن ابن محبوب روى عنه كما سيأتي في ترجمة ثابت بن دينار أبي حمزة الثمالي، ووجه التهمة حينئذٍ أن ابن محبوب أمتن وأجلّ من

ص: 298


1- رجال الشيخ، باب الثاء من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام)، رقم (1).
2- رجال الكشي: 512/989.
3- رجال الكشي: 585/1095.

أن يروي عن علي بن أبي حمزة البطائني فإنه واقفي خبيث رديء معاند للرضا عليه السلام))(1).

4- إن طريق الشيخ الصدوق إلى أبي حمزة المذكور في المشيخة وإن لم يرد فيه اسم ابن محبوب إلا أنه (قدس سره) قال: ((وطرقي إليه كثيرة ولكني اقتصرت على طريق واحد منها)). لكن الشيخ الطوسي ذكر لنا أحدها وهو ينتهي إلى الحسن بن محبوب عنه، قال في الفهرست (138): ((له كتاب أخبرنا به عدة من أصحابنا عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه ومحمد بن موسى بن المتوكل، عن سعد بن عبد الله والحميري، عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن أبي حمزة.

5- ولو سلّمنا بصحة الإشكال ووجود إرسال فإنه لا يضرّ، قال الوحيد البهبهاني في ترجمة الحسن بن محبوب: ((وعلى تقدير صحة التواريخ –التي بني عليها الإشكال- فالظاهر أن روايته –أي ابن محبوب- عن كتابه –أي الثمالي- وغير خفي أن هذا ليس بفسق ولا منشأ للتهمة، بل لا يجوز الاتهام بأمثال ذلك، سيما مثل الحسن الثقة الجليل، الذي قد أكثر الأعاظم والأجلّة من الثقات والفحول من الرواية عنه عموماً، وروايته عن أبي حمزة خصوصاً، وكذا الكلام في الأخذ حال صغر السن ولذلك ندم أحمد وتاب))(2).

وقال تلميذه أبو علي الحائري: ((وأما –أي الإشكال- في رواية الحسن بن محبوب عن أبي حمزة فالأصل فيه نصر بن الصباح، وأما أحمد بن محمد بن عيسى فإنه كان قد سبقه في ذلك إلا أنه تاب ورجع

ص: 299


1- مجمع رجال القهبائي: 1/161 في ترجمة أحمد بن محمد بن عيسى وكذا في ترجمة الحسن بن محبوب: 2/144.
2- تعليقة الوحيد البهبهاني: 108.

عنه، وكيف كان فالظاهر أن منشأ التوقف عدم درك الحسن علياً كما يظهر من تأريخ ولادة الأول ووفاة الثاني، لكن بعد الإقرار بوثاقة الرجل وعدّه من الأركان الأربعة في زمانه، لا ينبغي الإسراع إلى اتهامه، بل يجب أن نحمل ذلك على أحسن محمل، وهو أخذ الحسن الرواية من كتاب علي(1)، ومثله غير عزيز، بل هو أكثر كثير، ولا ينبغي الحمل على الإرسال، إذ لا يخلو من نوع تدليس وتغرير، وقد حقق الأستاذ العلامة دام علاه في غير موضع))(2).

أقول: ومال إلى هذا الرأي المامقاني في تنقيحه (1/90) في ترجمة أحمد بن محمد بن عيسى.ولعل وصف صاحب البلغة(3)

الرواية بالمصححة يشير إلى قبول هذا الوجه ونحوه في دفع الإشكال.

عود على بدء:

مضافاً إلى ما تقدم فإنه يمكن إضافة قرينتين أخريين على استبعاد دخول الشجر في ما تحرم منه الزوجة وهما:-

1- خلو الروايات عن تقييم الشجر والنخل واكتفت بتقييم مكونات البناء من الطوب والخشب والجذوع والأبواب والقصب ونحوها، ولو كانت الزوجة تحرم من أعيان الشجر والنخل لورد ذكرها في تقييم ما تحرم منه الزوجة، وإلا يلزم منه ما لم يقل به أحد وهو حرمان الزوجة من الشجر عيناً وقيمةً، خصوصاً مع وجود إطلاقات الحرمان كصحيحتي محمد بن مسلم وزرارة، (رقم 5، 6) وموثقة عبد الملك بن أعين (رقم 9) وقد

ص: 300


1- هذا من سهو القلم أو من ذهاب الذهن إلى الاحتمال الآخر –أعني علي بن أبي حمزة-، وإلا فإن المقصود الثمالي.
2- منتهى المقال: 1/42، نهاية المقدمة الرابعة.
3- بلغة الفقيه: 3/94.

أخرج منها قيمة الأبنية الآلات في عدة روايات ولا يوجد في الشجر مثل ذلك إلا في رواية الأحول وقد علمت المناقشة فيها.

بل يمكن دعوى اختصاص التقييم بلوازم البناء خاصة من صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم (رقم 8) عن أبي جعفر (عليه السلام)، وفيها (إلا أن يكون قد أحدث بناءً فيرثن ذلك البناء) وهو يدل على أنها لا تحرم مما سوى البناء من الأعيان على الأرض كالشجر والنخيل وسيأتي مزيد من النقاش في الفروع الخلافية إن شاء الله تعالى.

2- ((مفهوم التعليلات التي يستفاد منها الاكتفاء بحرمانها من عين الأرض، فيدفع به المزاحمة، وأما حرمانها من عين الأشجار والنخيل فلا دخل له في تحقق المزاحمة، بل لو لم تدل الروايات المستفيضة على حرمانها من عين البناء والجذوع والخشب وأمثال ذلك لقلنا بإرثها منها))(1).

أقول: قد يرد عليه بأن هذه التعليلات لبيان الحكمة الغالبة في التشريع وليس على نحو العلة التامة التي يدور الحكم مدارها وجوداً وعدماً، ويتفق في الأحكام التي تحتاج إلى توعية المجتمع بها وخلق حالة الاستعداد لقبولها أن يقوم الأئمة (عليهم السلام) ببيان الحكمة فيها وفلسفة تشريعها، وهذه سيرة يجب على القادة الدينيين تعلمها.

إضافة:

نقل بعض الأعلام عن أستاذه الشيخ الأراكي (قدس سره) ((إلحاق الزرع الذي لم يستحصد بالشجر والنخل في أن الزوجة لا ترث من عينه بل من

ص: 301


1- تقريرات ثلاثة، مصدر سابق.

قيمته، وأنه قال: ((وما تحرم منه عيناً لا قيمة هو آلات البناء من الأخشاب والأبواب والقصب، وكذا الأبنية والطوب والآجر والحجر، وكذا الشجر والنخل وكذا الزرع، لوضوح أن ذكر الشجر ليس لأجل الخصوصية بل من باب المثال، وأما الثمر على الشجر مثل العنب وغيره فهي من جملة المنقولات ترث الزوجة من عينها، وكذا الشجرة لو كانت حين موت الميت منقلعة عن أصلها وكذا الزرع الذي استحصد)).

ثم علّق بعض الأعلام المعاصرين بقوله: ((وهذا غريب منه (قدس سره) فإن حمل الشجر والنخل على المثالية لا يقتضي التعدي إلى الزرع، فإنه ليس مثل الشجر والنخل إذ المقصود منها البقاء في الأرض والاستفادة من ثمرتهما أو الاستظلال بهما، بخلاف الزرع فإن المقصود منه ما يحصد من الحبوب ونحوه، ولا غرض في إبقائها على الأرض فلا يكون عقاراً بمعنى ما يثبت في الأرض ومن هنا لم يذكر ذلك أحد من الأصحاب))(1).

أقول: إن كان الدليل على إلحاق حكم الشجر والنخل بالأبنية دخولهما في عنوان العقار فإن الزرع لا ينطبق عليه العنوان لأنه ليس ثابتاً له أصل، نعم يدخل في العنوان ما يُسمى بالشجيرات كالعنب والياس والزهور؛ لوجود أصولها فيصير الموضوع أوسع من الشجر والنخل، لكن الاستدلال بهذا الوجه بعيد.

وإن كان الدليل الإجماع فلا إجماع على دخولهما في حكم الحرمان.

وإن كان الدليل صحيحة الأحول فإن التجريد عن الخصوصية لا وجه له للفرق الملحوظ فنقتصر على ما يصدق عليه عنوانهما.

ولو شككنا في دخول فرد تحت الخاص أو احتملنا العدم فإنه يبقى تحت عموم استحقاق الزوجة من الميراث.

ص: 302


1- حكاه السيد الهاشمي في مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام): العدد 47، صفحة 40 عن السيد محسن الخرازي في (إرث الزوجة: 90).

وعلى جميع التقادير فإن الزوجة ترث من عين ما يسمى زرعاً.

وقد تعرّض عدد من الأعلام كصاحب الجواهر (قدس سره) لمثل هذه الفروع، قال: ((وكذا –أي للزوجة القيمة دون العين- ما كان ثابتاً من الغرس والنخل ونحوهما وإن انتهى عمره واستعد للقطع على إشكال، ونحوه السعف اليابس وأغصان الشجرة اليابسة ونحو ذلك مما صار حطباً إلا أنه متصل بأصله، ويحتمل إرثها من عين ذلك كله اقتصاراً في الخروج عن عموم الأدلة على القدر المتيقن.

أما النخل الصغار المعدّ للقلع بل لا ينتفع به من دون قلع فالظاهر استحقاقها القيمة منه، لصدق الشجر والنخل عليه، نعم لو كان مقلوعاً ورثت من عينه وإن كانمعداً للغرس بخلاف الثمر ولو على الشجر والزرع وإن لم يستحصل، بل لو كان بذراً فإنها ترث من عينه))(1).

إلفات: كما ترى فإنه لا ملازمة بين ما تحرم الزوجة من عينه وقيمته من الأرضين وما تحرم من عينه دون قيمته من الأمور الثابتة عليها فإن حرمان الزوجة من مطلق الأرض بما فيها الزراعية لا يعني حرمان الزوجة من كل ما عليها من أعيان، كما أن حرمانها من عين أبنية الدور والمساكن خاصة لا يعني حرمانها من أرض هذه خاصة فيجوز أن تحرم من مطلق الأرض.

أقول: من هذا يعرف الاشتباه الذي وقع فيه أحد الأعلام المعاصرين حين نسب إلى أستاذه السيد البروجردي ((أنه استقرب اختصاص الحرمان بأراضي الدور والمساكن بل أفتى به إذا لم يتصالح الورثة مع الزوجة))(2).

ص: 303


1- جواهر الكلام: 39/218.
2- الشيخ لطف الله الصافي الكلبايكاني في مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العددان 71، 72، صفحة 37.

أقول: اختار السيد (قدس سره) حرمان الزوجة من مطلق الأرض، قال بعد أن ردَّ على ما استدلوا به لاختصاص الحرمان بالرباع: ((القول بعموم المنع لمطلق الأرض أظهر في الروايات، مضافاً إلى شهرته بين من بعد الشيخ (رحمه الله).))(1).

لكنه (قدس سره) قرّب عدم حرمانها من أعيان غير الأمور التي لها دخل في تحقق البناء كالطوب والخشب والقصب والنقض والجذوع والأبواب، فلا وجه لما نسب إليه إلا بناءً على ما يتوهم من الملازمة(2)، وقد صرّح (قدس سره) بعدمها قال: ((لا ملازمة بين القول بحرمانها من مطلق الأرض وحرمانها من أعيان مطلق ملك ثابتفيها، ولذا نسب إلى العلامة (قدس سره) القول بعموم المنع مع قوله بإرثها من أعيان الأملاك الثابتة في غير الدور والمساكن والمنازل))(3).

لكنه (قدس سره) تأمَّل في النتيجة وقال في نهاية كلامه: ((وترجيح أحد طرفي المسألة – الطرف الآخر التعميم لكل ما هو ثابت في مطلق الأراضي من الشجر والنخل والزرع وسائر النباتات- يحتاج إلى زيادة تعمق في أدلة الطرفين، فتأمل جيداً)).

ص: 304


1- تقريرات ثلاثة: 118.
2- أو أن السيد (قدس سره) عدل عن رأيه الذي دوّنه الشيخ صافي كلبايكاني في رسالته التي هي في جزء كبير منها تقريرٌ لأبحاث السيد (قدس سره)، وهذا ما أفاده بعض تلامذته قال: ((وكان سيدنا الأستاذ العلامة البروجردي (قدس سره) مائلاً إلى قول المفيد بدعوى أنه مقتضى الجمع بين النصوص بعد إرجاع بعضها إلى بعض لأجل اتحاد الراوي لكن يظهر منه في بعض محاضراته المطبوعة أنه عدل أخيراً عن هذا الرأي إلى قول الأكثر)) (شرح المهذب: 1/350).
3- تقريرات ثلاثة للسيد البروجردي، مصدر سابق: 120.

نكتة: ذهاب البعض إلى ميراث الزوجة من أعيان النخيل والأشجار نقض واضح لما ذهب إليه المشهور من حرمانها من الأرض عيناً وقيمة لعدم تحقق الحكمة من الحرمان ولاستلزام ملكية هذه الأعيان التصرف في الأرض.

القول المختار:

إن قبلنا بأطروحة كون الحكم بالولاية فإن ما تحرم منه الزوجة يدور سعة وضيقاً مدار ما يحكم به الولي الفقيه وإن لم نقبل، فالظاهر عدم كفاية الأدلة لحرمان الزوجة مما سوى الرباع –وهي الدور والمنازل- فنتمسك بعمومات استحقاق الزوجة من كل ما ترك الزوج، والأحوط المصالحة.

ملحق: في بعض المصاديق وحكم الأشياء المشكوكة:

تردد الفقهاء (قدس الله أرواحهم) في حكم بعض الأشياء للشك في العنوان الذي ينطبق عليها ككونها من الأبنية والآلات المثبتة فيها أو من غيرها (1)

ونحو ذلك، قال صاحب الجواهر (قدس سره): ((هل يدخل في الآلات الدولاب والمحالة والعريش الذي يكون عليه أغصان الكرم ونحوها؟ وجهان، أقواهما دخول كل ما يسمى من آلات البناء من غير فرق بين ما اتخذ السكنى وغيرها من المصالح، كالرحى والحمام ومعصرة الزيت والسمسم والعنب والاصطبل والمراح وغيرها، بل قد يدخل في وجه صفرية الحمام والمسبك ونحوهما فيها. أما القدر المثبتة في دكان ليصنع فيها الرؤوس والهريس ونحوهما فيمكن عدم عدها في الآلات، فترث من عينها، كما أن الظاهر إرثها من آلات البناء المهدومة من آجر ونحوه، لأن المراد منها المثبتة دون المنقولة كما عن الصيمري الإجماع عليه. نعم لو كانت مبنية فلها القيمة وإن كانت مستعدة للهدم))(2).

ص: 305


1- راجع مثلاً مستند الشيعة: 19/381-382.
2- جواهر الكلام: 39/218.

وأضاف (قدس سره): ((وربما كان منه بيوت القصب ونحوه مما يستعمله أهل القرى، فيمكن حرمانها من العين فيها أيضاً، ضرورة كونه كالدور المتخذة من الأخشاب ويحتمل العدم.

وربما كان منه أيضاً بعض ما يوضع في حجر الدار من المرآة ونحوها للزينة. وأما القنوات والعيون والآبار والأنهار ونحوها فلا ريب في إرثها من قيمة الآلات إن كانت، ومن عين الماء الموجود حال الموت الذي ملكه الميت قبل موته بخلاف المتجدد، فإنه ملك للوارث على الأصح))(1).

أقول: إن أمكن استظهار العنوان عرفاً جرى عليه حكمه كعدم صدق عنوان (الأرض) و (العقار) على الآبار والأنهار والقنوات ونحوها فلا تحرم من قيمتها لإلحاقها بالمشيدات والأبنية والآلات.

وكعدم الفرق في الدور التي تمنع الزوجة من أرضها وترث من قيمة بنائها وآلاتها بين ما كان يسكنه الزوج أو يؤجره أو لا يسكنه أحد، للعموم أو الإطلاق.

وكدخول الشبابيك والأبواب والسقوف الثانوية والمحجّرات في صدق عنوان البناء وعدم دخول الجذوع والأعمدة المنصوبة لحمل الأسلاك الكهربائية أو الكروم عليها؛ لأن الوارد في النصوص ما كان داخلاً في البناء، وهكذا.

وإن لم يمكن استظهار العنوان الشامل للمورد كان مقتضى القاعدة بقاء الفرد المشكوك دخوله في الخاص لإجماله ونحو ذلك تحت عموم العام وهو التوارث بين الزوجين الذي وإن ناقشنا في استفادته من الآية الكريمة إلا أنه محقق ومحصّل من مجموع الروايات ومصرّح به في صحيحة ابن أبي يعفور ورواية عبيد بن زرارة المتقدمتين (صفحة 194).

مضافاً إلى أن حكم الحرمان:-

ص: 306


1- جواهر الكلام: 39/219.

أ- على خلاف الأصل لدخول الزوجة في عنوان الورثة فيقتصر منه على القدر المتيقن.

ب- معلل بعدم إفساد الميراث على الورثة وهو أمر يجب تحصيله لجريان الحكم والمفروض عدمه.

فالزوجة ترث من كل ما ترك الزوج إلا ما خرج بدليل، لكن ليس لدينا عمومات تدل على استحقاقها من العين أو القيمة ولا أصل يقتضي ذلك لانقسام ميراثها ابتداءً إلى ما يستحق من عينه كالمنقولات أو من قيمته فقط كالأبنية والآلات إلا بضميمة للعمومات الأولى، ككون التركة هي الأعيان المجردة من العين فليست من التركة، وإن تعلّق الحق بالقيمة يحتاج إلى مؤونة زائدة ونحو ذلك من القرائن فنحصل على نتيجة العمومات الثانية.

أما ترجيحه عدم استحقاقها من الماء المتجدد فهو مبني على مختاره في تعلق حق الزوجة من القيمة بذمة الورثة وسنتعرض له في الفرع الخامس (صفحة 361) إن شاء الله تعالى.ولذكر مزيد من التطبيقات ننقل قول المحقق النراقي (قدس سره): ((لو كان للزوج بيت فوقاني وكان تحته من غيره فالظاهر توريثها من قيمة جميع البيت: حيطانه وسقفه وأرضه، لكونه بناءً محضاً، ولو خرب البيت الفوقاني وبقي هواؤه فالظاهر توريثها من عين الهواء؛ لعدم صدق الأرض والبناء، وعدم توريثها من الهواء إذا كان هواء دار لكونه تابعاً للأرض، ولا أرض هنا))(1).

وقوله (قدس سره) أيضاً: ((لو لم يملك الوارث شيئاً سوى الأرض والأبنية المختلفة يجب عليه إعطاء قيمة الأبنية أو مثلها من نفسها أو نفس الأراضي، أو يبيعها بغير الزوجة ويأخذ الثمن ويعطيها إياها، والوجه واضح،

ص: 307


1- مستند الشيعة: 19/383.

وأخذ البناء أو الأرض حينئذٍ لا ينافي عدم توريثها لعدم كون الأخذ حينئذٍ من باب التوريث))(1).

ومما تقدم يعلم حكم المعادن الظاهرة على الأرض كالملح بل حتى الباطنة كالنفط والغاز والذهب فإن للزوجة نصيباً فيها لعدم دخولها في ما تحرم منه، نعم إذا صدق عليها (أرض) أو (تربة) مثل مقالع الرمل والحجر والحصى حرمت منها، واحتمل بعض الأعلام المعاصرين عدم حرمان الزوجة منها لعدم شمول إطلاق روايات الحرمان لها ((بدعوى ظهورها في حرمان الزوجة من الأرض والعقار بما هو مكان ومحل ثابت، أما الشيء من الأرض الذي يطلب منه الاستخراج والنقل فهو من المنقول أو بحكمه فلا يكون مشمولاً للروايات خصوصاً مع التعليل الوارد فيها بأن حرمانها من أجل أن لا يدخل على سائر الورثة زوج آخر فيفسد عليهم مواريثهم))(2).

أقول: فصدق الأرض والتربة قد يترتب عليه حكم ما كجواز التيمم دون حكم آخر كحرمان الزوجة، وبناءً على هذا يصبح حكم المعادن واحد ولا حاجة للتفصيل في المعادن بين ما كان مستخرجاً ومستحصلاً حين الموت فترث الزوجة من عينه، وبين ما لا يكون كذلك فلا ترث منه.

وعلى أي حال فقد تخلّص صاحب الجواهر (قدس سره) من كل ذلك التردد بقوله: ((هذا ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالصلح ونحوه في جميع محال الشك)).

أقول: هذه المصالحة بعد استفراغ الوسع في معرفة انطباق العنوان وعدمه؛ لأنه ليس تكليفاً فردياً حتى يحتاط فيه ابتداءً وإنما هو نزاع في رجوع الحق إلى أكثر من واحد.

ص: 308


1- مستند الشيعة: 19/386-387.
2- مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام): العدد 47، ص 43.
(الفرع الثاني) من تُحرَم من الزوجات
اشارة

وللعلماء في المسألة قولان:

(القول الأول) حرمان الزوجة مطلقاً سواء كانت ذات ولد من زوجها أم لم تكن:

حكاه العلامة (قدس سره) في المختلف عن المفيد والمرتضى وابن حمزة وأبي الصلاح، واختار هذا القول أيضاً ابن إدريس والمحقق الحلي في المختصر النافع وتلميذه الشارح في كشف الرموز(1)

والمحقق السبزواري(2)

ووصفه الشهيد الثاني بأنه ((قوي متين))(3).

ونسبه ابن إدريس في السرائر –وكذا الشهيد الثاني في المسالك وغيرهما- إلى الشيخ في الاستبصار، وقرّب العلامة وجه النسبة بأن الشيخ لما أورد صحيحة الفضل وابن أبي يعفور قال عنها: أنها لا تنافي أخبار الحرمان من وجهين، وهما الحمل على التقية، أو ميراثها من كل شيء ترك الزوج مما سوى العقار الذي تحرم منه، ثم نقل جمع الشيخ الصدوق بينها وبين روايات الحرمان بحملها على ذات الولد بقرينة مقطوعة عمر بن أذينة.

ولكن العلامة نفى هذه النسبة قائلاً: ((وهذا القول من الشيخ في (الاستبصار) يُشعر بأنه لا يرتضيه، وإلا لكان يقول: في رحبة المتأوِّل: ثلاثة أوجه ثم يسند الثالث إلى ابن بابويه، لكنه لما جمع بوجهين ثم قال: وكان ابن بابويه يجمع بكذا، دلّ على أنه غير قائل به))(4).

ص: 309


1- مسالك الأفهام: 13/191.
2- كفاية الفقه: 2/860.
3- مسالك الأفهام: 13/192.
4- مختلف الشيعة: 9/56.

وقال في مفتاح الكرامة عن هذه النسبة أنه ((مما لا يُصغى إليه لأنه لم يرتضه -أي حمل الصحيحة على التفصيل بين ذات الولد وغيرها- إن سلّمنا ذلك، لا لأنه غير قائل به بل لأنه بعيد جداً في تأويل الرواية، وذلك لأن السائل سأل فيها عن مطلق الزوجة فتخصيص الجواب بامرأة واحدة وبقاء حكم الأخرى مجهولاً مما يبعد وقوعه، على أنه تأوّلها به في التهذيب وأنه مختاره في النهاية والمبسوط))(1).

واستدل عليه بوجوه:الأول: الإجماع الذي صرّح به ابن إدريس، قال (قدس سره): ((والإجماع على أنها لا ترث من نفس تربة الرباع والمنازل شيئاً، سواء كان لها من الزوج ولد أو لم يكن، وهو -أي الإجماع- ظاهر في قول شيخنا المفيد في مقنعته والسيد المرتضى في انتصاره))(2).

وحكاه في مفتاح الكرامة عن المفيد، قال (قدس سره): ((نعم كلام المفيد في (الرسالة) –أي الصاغانية- التي ردَّ فيها على رجل ناصبي معاصر له صريح أو كالصريح في عدم الفرق، وقد ادعى فيها تارة إجماع الشيعة وأخرى أن كافة آل محمد (صلى الله عليه وآله) يرون ذلك، والحاصل أن من لحظ (الرسالة) قطع بحكمه بعدم الفرق ودعوى الإجماع على ذلك))(3).

وممن احتج بالإجماع السيد صاحب الرياض، قال (قدس سره): ((وفي السرائر وعن الخلاف الإجماع عليه وهو الحجة))(4).

ص: 310


1- مفتاح الكرامة: 17/304.
2- السرائر: 3/259.
3- مفتاح الكرامة: 17/304.
4- رياض المسائل: 14/386.

أقول: في استظهار الإطلاق من كلمات الأصحاب إشكال، لأنهم لم يكونوا في مقام البيان من هذه الناحية وإنما بصدد بيان عنوان المسألة وأصل الحكم كما أن عنوان مسألتنا لدى الجميع هو (إرث الزوجة من العقار) من دون دلالة على الإطلاق، وهذا واضح للمتأمل في عبارة الشيخ المفيد التي نقلناها (صفحة 273) وكلمة السيد المرتضى (صفحة 195).

فصغرى الإجماع غير ثابتة، قال في مفتاح الكرامة: ((ودعوى الإجماع كما في السرائر لا تسمع مع ما نراه من مخالفة الجمّ الغفير من الأوائل والأواخر، بل ما صرّح بالخلاف سوى مدعي الإجماع -أي ابن إدريس- والآبي، وأما الباقي ممن نسب إليه الخلاف فإنما يظهر ذلك منهم، وليسوا مصرّحين كما عرفت فالذي يجب أن تقول له كما يقول هو للشيخ في غير موضع: إقلب تصب))(1).الثاني: التمسك بالإطلاقات والعمومات الواردة في الروايات كإطلاق (الزوجة) و (المرأة) وعموم (النساء) ونحوها، قال الشهيد الثاني (قدس سره): ((وجميع ما ورد في هذا الباب على كثرته دال على ذلك فلا وجه لتعداده))(2).

وقال صاحب الجواهر (قدس سره) مستدلاً عليه ((بملاحظة كثرة هذه النصوص مع عدم إشعار شيء منها بهذا التفصيل، بل ظاهرها جميعاً من حيث التعبير بالزوجة شاملة لهما خلافه. بل من عرف طريقتهم في أمثال ذلك من عدم الإيكال على علم السامع ونحوه وعدم التعبير بالموهم يكاد يجزم بعدم ذلك))(3).

ص: 311


1- مفتاح الكرامة: 17/306.
2- مسالك الأفهام: 13/191.
3- جواهر الكلام: 39/212.

وفيه: أن هذه الإطلاقات قابلة للتقييد والتفصيل إذا تم دليل القول الثاني الآتي إن شاء الله تعالى.

الثالث: إنه مقتضى التعليل الوارد في بيان الحكمة من هذا التشريع وهو تجنب إدخال من يفسد على أهل المواريث مواريثهم وذلك أن الزوجة إنما ورثت بالسبب وهي المصاهرة وقد تكون من غير قوم زوجها كما في رواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (ليس لها منهم نسب ترث به، وإنما هي دخيل عليهم)، ثم إنها ربما تزوّجت من كان بينه وبين زوجها وعشيرته نزاع أو تباغض ومنافسة فيشق على أهل الزوج المتوفى دخوله معهم ومشاركته لهم في عقارهم، فاقتضت الحكمة الإلهية حرمانها من العقار في الجملة، وهذا التعليل شامل للزوجة مطلقاً سواء كانت ذات ولد أم لم تكن.

وهكذا التعليلات الأخرى ككونها فرعاً -الرواية 3- وجواز تغييرها وتبديلها -الرواية 14- فإن نسبتها إليهما واحدة.

وأجيب:-

إن التعليل ((وإن كان شاملاً للزوجتين لكنه في الخالية من الولد أقوى، بل ذات الولد ربما مات ولدها فأخذت سهمه –أي أن حرمانها كزوجة لا يمنع من دخولها على قوم زوجها كأم من حصة ولدها فحرمانها لا ينفع في دفع المحذور- فكان المنع متوجهاً إلى غيرها، بل ربما يدعى أن الغالب في الخالية التزويج كما أن الغالب في غيرها عدمه فليتأمل))(1).1- أقول: هذا وجه اعتباري واستحسان لا يمكن تقييد الإطلاقات به، نعم يمكن صياغته بشكل أقرب للقبول ضمن النقطة التالية.

ص: 312


1- مفتاح الكرامة: 17/306.

2- إن هذا التعليل لا يمكن تحقيقه في ذات الولد، فلا يوجد معنى لشمولها بالحرمان أي أنه يكون لغواً وذلك بتقريبين:-

أ- إن ذات الولد ربما مات ولدها فورثت منه من نفس العقار الذي حرمت منه فلا جدوى من حرمانها.

ب- ما قاله بعض المحققين من ((أن الحكمة –على ما ذكر في الروايات- الاحتراز من شركة الأجنبي في العقار وتناسبه حكم الشفعة، فلو كان لها ولد كان الاشتراك لولدها حاصلاً قهراً، وهي مشاركة لولدها في الرأي والسكن))(1). أقول: يرد عليهما ما ورد على الأول.

3- فالصحيح في الجواب أن يقال: إن المراد من هذه التعليلات إنما هو بيان بعض ما في الحكم من الحِكم والمصالح كأكثر ما هو مذكور في أحاديث علل الشرائع، وليست من العلل التي تدور مدارها الأحكام حتى يصحّ الاستناد بها في تسرية الحكم إلى كل مورد كانت فيه هذه العلة، وفي نفيها عن مورد ليست فيه، لانتقاضها بموارد كثيرة إذ أن المرأة قد لا تتزوج أصلاً بعد الزوج المتوفى أو تتزوج قريباً له كأخيه فلا تتحقق المفسدة المذكورة فهل يقال بالتفصيل بين الحالات؟ وهذا لم يقل به أحد.

فالهدف من ذكر هذه العلل بيان بعض أسرار التشريعات وتهيئة الناس لقبولها عندما يكون فيها نحو غرابة عليهم وقد يتمردون عليها لعدم قناعتهم بها كما في روايتي يزيد الصائغ.

ونقض أحد الأعلام المعاصرين بأن هذه العلة موجودة في طرف الزوج أيضاً؛ لأنه ليس له منها نسب يرث به، وإنما هو دخيل عليهم، بل

ص: 313


1- المحقق الشعراني (قدس سره) في شرح الوافي: 13/787.

يمكن أن يقال بأولوية ذلك في طرف الزوج؛ لأن مقتضى هذه التعليلات أن المرأة لو ورثت الزوج تتزوج، ويجيء زوجها أو ولدها من قوم آخرين.. إلخ، وأما الزوج لو ورث الزوجة يجيء وهو من قوم آخرين فيزاحم قوماً آخرين في عقارهم.

وفي ضوء هذا يجاب الإشكال الذي عرضه (دام ظله) قال: ((لا يقال: فما معنى ما جاء في هذه الروايات إذا كان الأمر في طرف الزوج أيضاً كذلك؟

لأنه يقال: معنى ذلك اشتمال هذا الحكم في طرف الزوجة على هذه الحكمة والمصلحة والتنبيه على عدم خلو الحكم من الحكمة، ولا ينافي ذلك عدم إنشاء الحكم في جانب الزوج لملاحظة حكم ومصالح أخرى، ونظائر ذلك ليس بنادر في التشريعات،بل وفي التكوينات، والعالم بهذه المصالح هو الله تعالى ورسوله وأوصياؤه عليهم الصلاة والسلام، والواجب علينا أن ندور مدار الدليل وسعته وضيقه وعمومه ومطلقه وما يخصّه أو يقيّده))(1).

الرابع: التصريح بشمول الزوجة ذات الولد بحكم الحرمان في الروايات لورود ذكر الثمن مضافاً إلى الربع فيها كصحيحة محمد بن مسلم وزرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لا ترث النساء من عقار الدور شيئاً ولكن يقوَّم البناء والطوب وتُعطى ثُمنها أو ربعها) وصحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) (أن المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دار أو أرض إلا أن يقوّم الطوب والخشب قيمة فتعطى ربعها أو ثمنها)(2).

أقول: ما أثبتناه من صحيحة الفضلاء هو الموجود في الوسائل، وأكّده بهذا المقدار صاحب مفتاح الكرامة قال: ((الذي وجدته في الكافي –في نسخة

ص: 314


1- الشيخ صافي كلبايكاني، مجلة فقه أهل البيت: العدد 71-72، ص 62.
2- وسائل الشيعة: 26/208، ح5، 7.

مضبوطة صحيحة- (فتعطى ربعها أو ثمنها) وليس فيها زيادة على ذلك أصلاً))(1).

أقول: الموجود في النسخة المطبوعة من الكافي (فتعطى ربعها أو ثمنها إن كان لها ولد من قيمة الطوب والجذوع والخشب)(2).

وفي نسخة الكافي التي اعتمدها صاحب الوافي (إن كان له ولد من قيمة الطوب والجذوع والخشب)(3).

أقول: في الاستبصار (فتعطى ربعها أو ثمنها إن كانت من قيمة الطوب والجذوع والخشب)(4).

وفي التهذيب (فتعطى ربعها أو ثمنها إن كان من قيمة الطوب والجذوع والخشب)(5).

وحينئذٍ نقول: لا يتم الاستدلال بهاتين الروايتين على شمول ذات الولد بحكم الحرمان لوجوه:-

1- إن استحقاق الزوجة الربع أو الثمن ليس مرتبطاً بها من حيث كونها ذات ولد أو لا، وإنما بالزوج المتوفى وهو صريح قوله تعالى: «وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم» (النساء:12)، فيمكن أن تستحق الزوجة الثمن وهي غير ذات ولد لأن للزوج ولداً من غيرها، فذكر الثمن لا تتعين دلالته في كون الزوجة ذات ولد.

ص: 315


1- مفتاح الكرامة: 17/309.
2- فروع الكافي، ج7، باب 68: النساء لا يرثن من العقار شيئاً، ح4.
3- الوافي: 25/171، كتاب الجنائز والفرائض والوفيات، باب 125، ح5.
4- الاستبصار، ج4، باب 94: إن المرأة لا ترث من العقار.
5- التهذيب، ج9، باب 27: ميراث الأزواج، ح24.

وإن قيل باشتراط كون الولد للزوج منها حتى تستحق الثمن، قلنا هذا مخالف للإجماع ولإطلاق الآيات والروايات ويلزم منه ما لم يقل به أحد وهو أن من ترك زوجة ذات ولد وأخرى غير ذات ولد كان للأولى الثمن وللثانية الربع.

نعم في نسخة الكافي المطبوعة (إن كان لها ولد) وحينئذ يصح الاستدلال بها، إلا أن هذا النص لا يمكن الوثوق به لما ذُكر في مفتاح الكرامة ونسخة الوافي لا توافقه مضافاً إلى ما ذكرناه أن اعتبار الولد وعدمه بلحاظ الزوج المتوفى.

2- إننا نحتمل أن ذكر الربع أو الثمن هو تفصيل وبيان من الراوي لاستحقاق الزوجة، بقرينة الوارد في النصوص الأخرى، نحو (فتعطى حقها) كما في صحيحة زرارة –رقم 2-، أو (فتعطى نصيبها) كما في رواية موسى بن بكر –رقم 15- وهي حكاية لصحيحة الفضلاء نفسها، ومثل هذا الاحتمال مبطل للاستدلال.

(القول الثاني) التفصيل بين ذات الولد فترث من كل ما ترك الزوج، وغير ذات الولد فتجري فيها روايات الحرمان:

قال الشيخ في النهاية: ((هذا الحكم –أي حرمان الزوجة من الأرض- إنما يكون إذا لم يكن للمرأة ولد من الميت، فإن كان لها منه ولد أعطيت حقها من جميع ما ذكرناه من الضياع والعقار والدور والمساكن))(1).

أقول: وتبعه ابن البرّاج وابن حمزة(2)، وقال المحقق الحلي في الشرائع: ((إذا كان للزوجة من الميت ولد ورثت من جميع ما ترك، ولو لم يكن –ولد- لم ترث من الأرض شيئاً)).

ص: 316


1- النهاية: 642.
2- مختلف الشيعة: 9/52.

إلا أنه (قدس سره) اختار في المختصر النافع الإطلاق، وقال العلامة في القواعد: ((أما الزوجة فإن كان لها ولد من الميت فكذلك –أي كالزوج ترث من كل ما ترك – وإن لم يكن لها ولد فالمشهور أنها لا ترث من رقبة الأرض شيئاً)).أقول: نسبه الشهيد الثاني (قدس سره) والمحقق السبزواري (قدس سره) إلى ((المشهور خصوصاً بين المتأخرين))(1).

واستدل عليه بوجوه:

(الأول) أنه مقتضى الجمع بين الروايات الدالة على الحرمان وصحيحة الفضل وابن أبي يعفور الدالة على استحقاق الزوجة من كل ما ترك الزوج، قال الشيخ الصدوق تعليقاً على الصحيحة: ((هذا إذا كان لها منه ولد أما إذا لم يكن لها منه ولد فلا ترث من الأصول إلا قيمتها، وتصديق ذلك ما رواه محمد بن أبي عمير عن ابن أذينة)).

ونقله عنه الشيخ في الاستبصار من دون أن يعلق عليه فاحتمل قبوله له إلا أننا استبعدنا ذلك.

وأجيبَ:-

1- بأنه ((جمع بلا شاهد))(2)، ورُدّ بأن الشاهد مذكور وهي مقطوعة ابن أذينة.

2- وأنَّ ((الجمع بين الأخبار لا وجه له بعد كون رواية الفضل وابن أبي يعفور غير معمولة عليها، بل موافقة لمذهب العامة))(3).

ص: 317


1- مسالك الأفهام: 13/190، كفاية الفقه: 2/857.
2- جواهر الكلام: 39/211.
3- تقريرات ثلاثة للسيد البروجردي (قدس سره): 126.

أقول: تقدم (صفحة 259) وسيأتي إن شاء الله تعالى (صفحة 320) أنه إذا دار الأمر بين مخالفة أصالة الظهور أو أصالة الجهة فالأُولى أولى ومقتضاه أن الجمع أولى من طرحها بالتقية. ولعل هذا منشأ ما بنى عليه كثيرون من قولهم (الجمع مهما أمكن أولى من الطرح) وردّ عليهم البعض بعدم الدليل، نعم لا بد أن يكون الجمع عرفياً مستنداً إلى شاهد وقرينة، والمفروض وجوده وهي مقطوعة ابن أذينة.

(الثاني) تقليل تخصيص عمومات الكتاب مهما أمكن:

قال الشهيد الثاني: ((وربما رجح التفصيل من حيث إن فيه تقليلاً لتخصيص الآية، وظهور الشبهة في عموم هذه الأخبار بواسطة هذه الرواية –أي مقطوعة ابن أذينة- ورواية ابن أبي يعفور الدالة على إرثها من كل شيء كالزوج، بحملها على ذات الولد جمعاً، فلا أقل من انقداح الشبهة في العموم للزوجات المانع من حمل الآية على عمومها، مضافاً إلى ذهاب جماعة من أجلاء المتقدمين – كالصدوق والشيخ فيالتهذيب وجملة المتأخرين- إليه، وذهاب جماعة آخرين إلى أن مثل هذه الأخبار لا تخصص القرآن مطلقاً، فلا أقل من وقوع الشبهة في التخصيص. ولا بأس بهذا القول، وإن كان القول بالتسوية بين الزوجات أيضاً قويّاً متيناً))(1).

وأجيب:-

1- بلزوم العمل بالخاص على إطلاقه وكما قيل إطلاق الخاص مقدم على عموم العام، فلا وجه للالتزام بأقل تخصيص ما دام الخاص -وهي روايات الحرمان- مطلقاً، قال صاحب الجواهر (قدس سره): ((والتخصيص بعد قيام الدليل المعتبر عليه لا مانع منه وإن كثرت أفراد

ص: 318


1- مسالك الأفهام: 13/192.

المخصص كما في المقام، فلا ريب أن الأقوى عدم الفرق بين ذات الولد وغيرها في الحرمان))(1).

أقول: المفصلون يرون أن مقطوعة ابن أذينة مفصِّلة للخاص

2- ((إن هذا لا يوجب تقليلاً في التخصيص؛ لأنه موجب لتخصيصين: أحدهما في عمومات إرثها، وثانيهما في روايات حرمانها))(2). أقول: شرحه السيد الحكيم (قدس سره) بقوله: ((إن التفصيل ليس تقليلاً للتخصيص، بل هو تقليل لأفراد المخصص؛ إذ التخصيص واحد لكنه مردد بين القليل والكثير، وفي مثله وإن كانت القاعدة الرجوع إلى العام لكنه مخصوص بما إذا كان التردد غير مدفوع بحجة والأخبار النافية حجة، وحينئذٍ يكون التفصيل فيه تخصيصاً للعمومات النافية، لا تقليل أفراد المخصص فكان الأنسب ترك التفصيل))(3). أقول: كما خُصِّصت عمومات توريث الزوجة بروايات الحرمان فالمفصّلون يقولون بوجود الحجة لتخصيص روايات الحرمان وهي مقطوعة ابن أذينة.

(الثالث) مناسبات الحكم والموضوع بلحاظ التعليل الوارد في الروايات فإنه بناءً عليه لا يكون وجه لشمول ذات الولد وتختص روايات الحرمان بغير ذات الولد، وقد ذكرنا لها تقريبين في النقطة (2) (صفحة 313).

وفيه: أنه من البعيد التعويل على مثل هذه القرائن لتقييد إطلاقات الزوجة والمرأة الواردتين في العدد المستفيض بل المتواتر من روايات الحرمان.

ص: 319


1- جواهر الكلام: 39/212.
2- مستند الشيعة: 19/380.
3- السيد الحكيم (قدس سره)، مصدر سابق، ص 199.
(الرابع) مقطوعة ابن أذينة:

التي رواها الشيخ الصدوق في الفقيه بسنده عن ابن أبي عمير، والشيخ في التهذيب والاستبصار بسنده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة (في النساء إذا كان لهن ولد أعطين من الرباع). وقد جعلها الشيخ الصدوق في الفقيه والشيخ الطوسي في التهذيب شاهداً على الجمع بهذا التفصيل، قال الشهيد الثاني: ((فالمفصلون خصصوا جميع تلك الأخبار بغير ذات الولد جمعاً بينها وبين هذه)).

وتقريب الاستدلال: أن منطوقها صريح في إعطاء الزوجة ذات الولد من الرباع التي هي القدر المتيقن مما تحرم منه الزوجة عيناً فاستحقاقها من غيرها أولى ويوافق هذا العموم صحيحة الفضل وابن أبي يعفور وسائر العمومات على فرض وجودها لأنا شككنا فيها (صفحة 212).

ومفهومها أن غير ذات الولد تحرم في الجملة، ويكون المنطوق مخصصاً لروايات الحرمان الدالة على حرمان الزوجة من العقار ليختص بغير ذات الولد، ولذا جعلوا هذه المقطوعة شاهداً على الجمع بين روايات الحرمان وصحيحة ابن أبي يعفور لكونها أخص منهما.

وبناءً على ما تقدم فإن المقطوعة يستدل بها على التفصيل بتقريبين:-

1- بجعلها شاهد جمع بين الروايات الدالة على استحقاق الزوجة من كل ما ترك الزوج، والروايات الدالة على حرمان مطلق الزوجة من الأرض، فتحمل الأولى على ذات الولد والثانية على غير ذات الولد.

2- تخصيص الروايات الدالة على الحرمان مطلقاً بعد سقوط حجية الدالة على توريثها مطلقاً بحملها على التقية لموافقتها لإجماع العامة.

ومقتضى القواعد تقديم التقريب الأول لما ذكر في علم الأصول وأوردناه (صفحة 259) من أن الأمر إذا دار بين التصرف في ظهور النص

ص: 320

بشاهد وقرينة كما في المقام حيث يمكن تخصيص العام –وهي عمومات توريث الزوجة من كل ما ترك الزوج- بذات الولد بمقتضى المقطوعة أو حمله على التقية فالتصرف الأول أولى، وجرى الفقهاء على ذلك فلم يحملوا العمومات على التقية إذا أمكن معالجتها بالتخصيص، وهذا معنون في علم الأصول بأنه إذا دار العمل بين أصالة الظهور وأصالة الجهة فالعمل بأصالة الجهة مقدَّم.

هذا من حيث المضمون، أما سند الرواية فإنه صحيح إلا أن مشكلتها كونها مقطوعة لم يروها ابن أذينة عن المعصوم ((بل ظاهرها أنه فتواه حيث ما أسند إلىأحد ولا بظاهر ولا بمضمر، بل هو قال من عند نفسه كما يقول الإنسان فتواه))(1)، فالمقطوع ((غير حجة وإن ظن أنه عن الإمام (عليه السلام) ضرورة عدم حجية مظنون الرواية، ودعوى القطع بكونه عن الإمام (عليه السلام) واضحة المنع، وليس هو كالمرسل المعلوم كونه رواية، فإذا فرض جبر ضعفه بالشهرة ونحوها جاز العمل به))(2)، ((كما صرّح به جماعة من أصحابنا))(3).

لكن المفصّلين لم يعبأوا بهذه المشكلة لحصول الاطمئنان عندهم بكونها رواية صادرة من المعصوم وهو المناط الذي ذكروه في انجبار الرواية الضعيفة بالشهرة بلا فرق بين المقطوعة والمرسلة والمضمرة، ومنشأ الاطمئنان أن رواتها من الأجلاء الذين يتورعون عن الإفتاء بآرائهم الخاصة كابن أذينة وابن أبي عمير، وقد عُرف عن ابن أذينة أنه ((من أضبط الناس على ما يُعرف من تتبع

ص: 321


1- مجمع الفائدة والبرهان: 11/444، وكذا مستند الشيعة: 19/380.
2- جواهر الكلام: 39/211.
3- رياض المسائل: 14/386 ويشير إلى المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان والمحقق السبزواري في كفاية الفقه.

رواياته، وكان له كتاب في الفرائض، وما في كتابه منقول كثيراً من جماعة من أصحاب الصادقين (عليهما السلام)، ولم يكن يكتفي بالسماع من واحد منهم.

واحتمال كون الحكم استنباطاً من رأي ابن أذينة بعيد في الغاية ومدفوع بشهرة العمل بها، وليس ابن أذينة ممن نقل عنه قول اجتهاداً، كالفضل ويونس وجعفر وسماعة))(1)

الذين تفصل المصادر قولهم عن رواية المعصوم بأن يذيّلها: قال يونس وقال الفضل.

كما يستبعد من الثقات الأجلاء كابن أبي عمير ويعقوب بن يزيد والرواة الآخرين أن ينقلوا آراء أحد الأصحاب مهما جلّ شانه بدل الرواية عن المعصوم أو لا يميزون بين الاثنين، ثم تتناقله الرواة جيلاً بعد جيل وتدونه جوامع الحديث إلى زمان الشيخ الصدوق والطوسي فيودعانها في كتبهم وأصولهم المعدّة لنقل روايات المعصومين (عليهم السلام) فربما اكتفى ابن أبي عمير باسم مؤلف الكتاب لمعروفية مصنّفه في الفرائض، ويمكن القول أن الرواية لا تقل عن مراسيل ابن أبي عمير التي ألحقوها بالمسانيد واعتمدوها.

فالإشكال من هذه الجهة مردود.

((والمظنون قوياً أنّ كثرة التقطيع الواقع من قِبل أصحاب الكتب والمجاميع الحديثية في روايات المعصومين(عليهم السلام) هي منشأ صيرورة بعض الأحاديثمقطوعة غير مصرّح باسم الإمام المبارك فيها، ومن هنا اعتمد مشهور القدماء من الفقهاء خصوصاً علماء الحديث والرجال ممّن كانوا خبراء هذا الفنّ كالصدوق والشيخ وأتباعه ومشهور الفقهاء بعده على هذا الخبر بعنوان حديث المعصوم، ولم يتفوّه أحد منهم بالتشكيك في ذلك، حتى أنّ ابن إدريس الذي كان أوّل مخالف صريح للفتوى بالتفصيل لم يرمِ الحديث بأنّه غير

ص: 322


1- المحقق الشعراني (رحمه الله) في شرح الوافي: 13/787.

صادر عن المعصوم، وإنّما قال إنّه خبر واحد، وهو على مبناه ومختاره لا يفيد علماً ولا عملاً، وهذه التشكيكات إنّما صدرت عن متأخّري المتأخّرين))(1).

أقول: يمكن إيراد عدة ملاحظات على تقريب كون المقطوعة رواية فضلاً عن اعتبارها:-

1- إنه دعوى حدسية فعهدتها على مدعيها.

2- إن الرواة كثيراً ما ينقلون ما يعرفون -أي فهمهم- مستقلاً أو كتفسير في نفس الروايات وهذا ليس خفياً على الممارس، وقد فهم الفقهاء من عدة مقطوعات أنها من كلام الأصحاب كأبي بصير ورفاعة فلا ينحصر الإفتاء بالأسماء المذكورة وإن كانت الأشهر.

3- إن كون الرواة عن ابن أبي أذينة من الثقات الأجلاء كابن أبي عمير ويعقوب بن يزيد لا ينفع المستدل؛ لأنهم لم ينسبوا الكلام إلى الإمام (عليه السلام) وإنما كانوا أمناء في نسبته إلى قائله وألقوا العهدة على المتلقي والراوي.

4- إن أكثر روايات ابن أذينة عن غير المعصوم وقد أرسل أحياناً.

5- ومما يبعد كونها رواية عدم إشارة جملة من القدماء إليها أو إلى مضمونها كالكليني والمفيد والمرتضى (قدس الله أسرارهم).

6- إن ابن أذينة نفسه هو من روى صحيحة الفضلاء التي فيها إطلاق الزوجة بل فيها تصريح بوجود الولد لذكر الثمن فيها المنصرف غالباً إلى كون ولد الزوج منها. فيمكن أن يكون هذه هي رواية ابن أذينة والمقطوعة فهمه بقرينة ما.

ولأجل هذه الأمور كلاً أو بعضاً لم يعتد القائلون بالإطلاق بهذه المقطوعة وناقشوا تقريب صحة سند الرواية بأنه ((لا يقتضي أكثر من الظن

ص: 323


1- السيد محمود الهاشمي، مجلة فقه أهل البيت، العدد 45، صفحة 31.

بكونها رواية ، وغير خفي أنّ الظن المذكور لا دليل على حجيته ، واستدلال العظام بها وذكرها في كتبهم الموضوعة لإرشاد العالم إنّما يدلّ على اعتقادهم أنّها مروية عن المعصوم، ومجرد اعتقادهم ذلك ليس بحجة لنا أو علينا، بل الحجة ما كان رواية، نعم لو أفادت تلك القرائن العلم بكونها رواية وجب التمسك بها، كما لا يخفى.

اللّهم إلاّ أن يقال: ذكر الشيخين لها في كتب الرواية شهادة منهما على كونها رواية، ويجب العمل بها ببينة، لا لحصول القطع.وفيه: إنّ حصول الشهادة من مجرد ذكرهما لها أول الكلام، بل اللازم من ذلك كونها حجة عندهما ولو بحسب اجتهادهما، وبينه وبين الشهادة بون بعيد))(1).

أقول: يعني أن شهادتهما حدسية اجتهادية وليست حسّية، ولكنه (قدس سره) اعترف بأنه إذا حصل العلم من القرائن بكونها رواية وجب العمل بها والمفصلون مطمئنون بكونها رواية.

وأما الاستدلال بالمقطوعة، فيرد على (التقريب الأول) منه:-

1- أنه جمع تبرعي ((بلا شاهد))(2). أقول: بل الشاهد على خلافه، لأن حمل صحيحة الفضل بن عبد الملك على ذات الولد وإخراج غير ذات الولد يلزم منه إخراج مورد السؤال من الحكم، وهذا غير جائز، إذ أن رواية البقباق الأخرى الشاهدة على ما في هذه الصحيحة صريحة في كون مورد السؤال غير ذات الولد بدلالة استحقاقها نصف المهر؛ إذ روى هو وعبيد بن زرارة قالا: (قلنا لأبي عبد الله (عليه السلام): ما تقول في رجل تزوج امرأة ثم مات عنها وقد

ص: 324


1- السيد محسن الحكيم، مصدر سابق، العدد 43، صفحة 197.
2- جواهر الكلام: 39/211.

فرض الصداق؟ قال: لها نصف الصداق وترثه من كل شيء، وإن ماتت فهو كذلك)(1).

2- إن المقطوعة لا مفهوم لها لأنها بقوة الجملة اللقبية وتؤول إلى (النساء ذوات الأولاد) ولو كان لها مفهوم فإنه لا إطلاق له يقتضي حرمان غير ذات الولد مما سوى الرباع عيناً وقيمةً، ونعني بالمفهوم ليس الاصطلاحي وإنما ما يخرج ذِكر الإمام ذات الولد دون غيرها عن اللغوية فلا بد من فرض فرق بينهما، لكن هذا يصححه فرقٌ ما في الجملة كحرمان غير ذات الولد من العين دون القيمة، وهو ما اختاره الشيخ الصدوق في تفصيله.

نعم يمكن الوصول إلى الحكم بحرمان غير ذات الولد من العقار بتقريبين:-

أ- كون الجملة لها مفهوم باعتبارها جملة شرطية صورتها (إذا كان للنساء ولد أعطين من الرباع.

ب- ولو تنزلنا فنثبت نتيجة المفهوم من خلال التمسك بإطلاق روايات حرمان الزوجة مطلقاً من العين والقيمة بعد خروج ذات الولد منها بمقتضى المقطوعة فتبقى غير ذات الولد تحتها ولا نحتاج إلى الاستدلال بمفهوم المقطوعة.وأما (التقريب الثاني) فيرد عليه أنه أخصّ من المدّعى لأنها إن صلحت للتفصيل فتختص بمن اقتصر على حرمانها من خصوص الرباع –كالشيخ المفيد ومن تبعه- فيبقى إطلاق الزوجة في الحرمان من الأراضي الأخرى على حاله،

ص: 325


1- وسائل الشيعة: 21/329، أبواب المهور، باب 58، ح9، وتقدم مناقشة سندها (صفحة 194).

اللهم إلا أن يقال إن شمولها للغير من باب أولى لأن الرباع هي القدر المتيقن، فإذا ورثت منه ذات الولد بمقتضى المقطوعة فميراثها من غيرها أولى.

نعم قد يردّ القائل بإطلاق الزوجة على هذه الأولوية بأن له دليله الخاص على غير الرباع من عموم وإطلاق (الأرض) و (العقار) فلا يضره خروج الرباع بالتخصيص، لكن هذه النتيجة غير مقبولة فقهياً بالإجماع.

وتحدث بعض الأعلام عن عدم أهلية المقطوعة لأداء هذه الوظيفة، قال المحقق السبزواري (قدس سره) تبعاً للمحقق الأردبيلي: ((وفي المتن أيضاً إجمال، إذ ليس فيه الإعطاء من كل المتروكات ولا من كل ما فيه الخلاف والنزاع، ولا فيه أن الإعطاء على سبيل الاستحقاق أو الوجوب أو الاستحباب، وليس فيه دلالة على كون الولد من الزوج الميت، والنساء فيه أعم من الزوجة ففيه إجمال، فالتعويل عليه والعدول عن ظاهر الكتاب والأخبار الكثيرة لا وجه له))(1).

أقول: هذه مجرد احتمالات وتصورات لا تخرج الظاهر عن حجيته، ولا أقل من أنها توجب الشك في عموم روايات الحرمان للزوجة ذات الولد، والفرد المشكوك دخوله تحت الخاص يبقى تحت عمومات توريث الزوجة، قال السيد بحر العلوم (قدس سره) في بلغة الفقيه عن المقطوعة: ((إنها وإن لم تصلح دليلاً لتخصيص عموم هذه الأخبار التي تُرك لأجلها عموم الكتاب والأخبار الأخر، فلا أقل من وقوع الشبهة في هذا العموم الذي تُرك له ما تُرك، فلو بقي هذا العموم على حاله لزم تخصيص عموم الأدلة بعموم وقعت فيه الشبهة مع ذهاب بعض القدماء إلى أن هذه الأخبار لا تنهض لتخصيص القرآن مطلقاً))(2).

ص: 326


1- كفاية الفقه: 2/860، مجمع الفائدة والبرهان: 11/444.
2- مفتاح الكرامة: 17/305.

إشكالات أخرى على تخصيص روايات الحرمان بمقطوعة ابن أذينة:

مقتضى الإنصاف استبعاد القول بالتفصيل لورود الروايات كلها -وهي مستفيضة أو متواترة- بلسان الإطلاق والعموم وإن بعضها كان بصدد بيان خصوصيات الحكم وتفاصيله فكيف يغفل عن ذكر هذا التفصيل الجوهري ولو كان هناك تفصيل في البين لأشير إليه ولو في واحدة، بل وجدنا في بعضها ما يمكن أن يكون تصريحاً بدخول ذات الولد في الحرمان لورود ذكر الثمن فيها بضميمة ما يدل على كون الولد منها كالغلبة ونحوها فكيف يقيد هذا الإطلاق العتيد بمقطوعة واحدة، قال السيد بحر العلوم (قدس سره) في البلغة: ((إن1- تقييد المطلقات –على كثرتها وعموم بعضها الناشئ من ترك الاستفصال واختلاف رواتها مع تفاوت زمانها- بمقطوعة واحدة عندي محل تأمل، وإن اقتضته الصناعة بعد فرض كونها حجة؛ لأن الخاص –وإن كان واحداً- مقدم على العمومات وإن كثرت، فالأوجه هو الحرمان مطلقاً وإن كانت ذات ولد))(1).

أقول: ذكرنا آنفاً أن المقطوعة إن لم تصلح للتقييد فلا أقل من أنها توجب الشك في عموم روايات الحرمان خصوصاً إذا شفعناها بما ذكره الشهيد الثاني في كلامه المتقدم (صفحة 318) وما دلّ على استحقاق الزوجة من كل ما ترك الزوج أعني صحيحة الفضل وابن أبي يعفور وذهاب الشيخ الصدوق والطوسي ومشهور المتأخرين إلى التفصيل، وقصور روايات الحرمان عن تخصيص العمومات من القرآن والسنة.

ص: 327


1- بلغة الفقيه: 3/99.

2- ((إن تخصيص عمومات الحرمان بصحيحة ابن أذينة يوجب حمل تلك العمومات أو الإطلاقات على النادر، إذ قلما يتفق عدم كون المرأة ذات ولد))(1).

وأورد عليه:-

أ- ((إنه ليس نادراً، بل ما أكثر ما لا يكون للزوجة ولد من زوجها المتوفى))(2). أقول: هذه دعوى مخالفة للواقع الخارجي كما هو واضح.

ب- ما دام الحكم ((على خلاف الأصل والقاعدة وظواهر القرآن والأحاديث والشهرة وعمل المتشرعة، فكلما اختص مفادها بموارد خاصة كان أقل مخالفة وأوفق بالقبول))(3)، فهذا الحمل على النادر شيء حسن.

وفيه: أن مبنى هذا الاستحسان غير واضح والمفروض العمل بظهور الخاص سواء كان ضيقاً أو واسعاً.

ج-- يمكن القول أن الحالة ليست من التخصيص أصلاً بل من التخصص لما ذكرناه من وجود القرائن في الروايات على أنها خاصة بغير ذات الولد كالذي قرّبناه (صفحة 312) من مناسبة التعليل الوارد فيها لغير ذات الولدوجريان سيرة المتشرعة على عدم العمل بها في ذات الولد فلا توجد عمومات أو إطلاقات صريحة وواضحة في شمولها لذات الولد قد خصصت بالمقطوعة حتى يلزم المحذور.

ص: 328


1- حكي عن رسالة (إرث الزوجة) للسيد الخرازي: 115.
2- السيد محمود الهاشمي، مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 46، ص28.
3- المصدر السابق.

1- إنها أخصّ من المدعى، وذلك ((إنه لو سلّمنا صحّة الاستدلال بها فلا تدل هذه الرواية إلا على التفصيل المذكور في الزوجة في إرثها عن خصوص الرباع، ولا وجه للتعدّي عن الرباع إلى غيرها، فيبقى الباقي تحت العمومات الدالة على حرمان الزوجة عنه))(1).

وأجيب بأن ((الرباع هي القدر المتيقن من الحكم بحرمان الزوجة من إرث الأرض بحيث لا يحتمل فقهياً بل ولا عرفاً –وبحسب لسان الروايات ومناسبة التعليل الوارد فيها- اختصاص الحرمان بغير الرباع من الأراضي، فتكون الصحيحة دالة على عدم حرمان الزوجة من إرث سائر الأراضي بطريق أولى، ولعمري هذا واضح))(2).

(الخامس) كبرى انقلاب النسبة:

عندنا ثلاث طوائف من الروايات:-

1- عمومات استحقاق الزوجة من كل ما ترك الزوج.

2- روايات حرمان الزوجة مطلقاً.

3- مقطوعة ابن أذينة.

وقد حاول البعض الوصول إلى حكم التفصيل في الزوجة بين ذات الولد وغيرها بتطبيق كبرى انقلاب النسبة؛ فقد حكى السيد محمد بحر العلوم (1261 -1326) ما ((قد توهمه بعض المعاصرين من تخصيص المطلقات بغير ذات الولد مع قطع النظر عن مقطوعة ابن أذينة)) أي الاستدلال على التفصيل بين الزوجة ذات الولد وغير ذات الولد وذلك بالاستفادة من كبرى انقلاب النسبة ويراد بها أنه قد يوجد متعارضان ويرد عليهما دليل نسبته إلى أحدهما

ص: 329


1- حكي عن السيد الخرازي، مصدر سابق.
2- السيد محمود الهاشمي، مصدر سابق.

العموم والخصوص المطلق، فإذا أعملنا هذه العلاقة بينهما انقلبت النسبة بين نتيجة العام بعد تخصيصه والعام الآخر بحيث يزول التعارض بينهما، قال (قدس سره) في شرح هذه الكبرى:((لو ورد عن المولى الأمر بإكرام العلماء وورد عنه النهي عن إكرامهم، وورد عنه: لا تكرم النحويين، فالتعارض بين أكرم العلماء، ولا تكرم العلماء من تعارض المتباينين، إلا أنه بعد تخصيص عموم (أكرم العلماء) بخصوص النهي عن إكرام النحويين، لكونه أخص منه مطلقاً، انقلبت النسبة بين عموم (أكرم العلماء) بعد إخراج من خرج منهم بالخاص، وبين عموم (لا تكرم العلماء) إلى العموم والخصوص المطلق، فيحمل العام منهما على الخاص، المنتج بعد الحمل عليه لوجوب إكرام غير النحويين من العلماء، وحرمة إكرام النحويين منهم، وفيما نحن فيه كذلك))(1).

أقول: يوجد تقريبان للاستدلال بهذه الكبرى هنا بحسب وضع طرفي النسبة:

أحدهما: ما ذكره السيد بحر العلوم من تقريب للمتوهم من دون المرور بمقطوعة ابن أذينة ((بدعوى اقتضاء الترتيب في علاج الأخبار المتعارضة، وذلك بتقريب أن الأخبار الآمرة بإرثها مطلقاً من كل شيء، مخصصة –أولاً- بالإجماع على حرمان غير ذات الولد، الخارجة به عن عمومها، وبعده تنقلب النسبة، وتكون بينها وبين المطلقات النافية للإرث نسبة العام والخاص المطلق، فتخصص تلك المطلقات بها، المنتج للتفصيل بعد الحمل عليه))(2).

أقول: يرد على الكبرى:-

1- عدم صحة انقلاب النسبة لعدم مساعدة العرف عليها، فإنه لا يجمع بين الخطابات بهذه الطريقة التي هي أقرب إلى العمليات الحسابية، وليس في

ص: 330


1- بلغة الفقيه: 3/100.
2- بلغة الفقيه: 3/99-100، وأورد هذا التقريب الشيخ محمد تقي البروجردي في رسالته (نخبة الأفكار في حرمان الزوجة من الأراضي والعقار)، ص 14، وقد حررها سنة 1361 ه-).

النصوص ما يدل على ترتيبها وأي منها ورد بلحاظ الآخر، كما في المقام إذ رُتِّب العامان مع الخاص في التقريب الأول بنحو متباين مع ما في التقريب الثاني.

نعم لو لاحظنا زمان صدور النصوص وعرفنا المتقدم والمتأخر أمكن معالجة الأول بالثاني وهو مبنى آخر غير انقلاب النسبة.

2- إن العام يبقى على ظهوره بعد التخصيص، ولا ينقلب إلى ظهور آخر كما تفترض هذه الكبرى من ملاحظة الظهور الجديد بعد التخصيص، وملاحظة النسبة بين الأخبار إنما هو بين ظهوراتها، وقد علمنا أن نسبة ظهور العام إلى كل واحد من الأدلة الأخرى باقية كما هي نسبة واحدة، فعمومات توريث الزوجة مطلقاً لها مخصّصان في مفروض المسألة وهما الإجماع والأخبار النافية الأول بلحاظ الموضوع وهي الزوجة والثاني بلحاظ الحكم وهو الحرمان من العقار فيعمل بهما معاً، إلا أن يوجد مانع كتخصيص الأكثر وهو قبيح أو إلغاء العام بالكلية فيقع التعارض بينه وبينها، ولا وجه لملاحظة النسبة بين العام وبعضها ثم ملاحظة النسبة بين الباقي بعد التخصيص وبين البعض الآخر منها.

3- إن هذه العملية غير مثمرة ولا تأت بجديد، ففي المثال المفروض خرج بنتيجة تخصيص (أكرم العلماء) ب-(لا تكرم النحويين) وهو جمع عرفي اعتيادي لا علاقة له بالنظرية، وحمل (لا تكرم العلماء) على النحويين وهو يحتاج إلى قرينة وشاهد ولا يكفي فيه تطبيق هذه النظرية لعدم عرفيتها، ولعدم التنافي بين (لا تكرم العلماء) و (لا تكرم النحويين) حتى تحمل عليه، وإلا فإنه يمكن أخذ حصة من (أكرم العلماء) مثل (أكرم الفقهاء) وجعلها مخصصاً للعام الآخر (لا تكرم العلماء).

وحقيقة ما جرى أن خطاب (لا تكرم النحويين) أصبح شاهد جمع بين الخطابين المتعارضين ويعود الإشكال إلى كونه تبرعياً.

ص: 331

ويرد على الصغرى:-

1- إن روايات المسألة ليست صغرى لانقلاب النسبة التي تفترض التعارض بين العامين؛ لأن النسبة بين العمومات المورّثة والنافية هي العموم والخصوص المطلق وليس التعارض كما هو واضح، ويبدو أن رواج هذه النظرية يومئذٍ دفعهم إلى حشرها في المقام أما المقطوعة فهي جزئية داخلة في عمومات التوريث وحصة منها، نعم مفهومها مخصِّص لهذه العمومات لكننا قلنا أنها لا مفهوم لها إلا في الجملة.

2- ولو تنزلنا فإن العملية لا محصّل منها؛ لأن نتيجتها نفس معقد الإجماع الذي استدل به.

3- إن الإجماع مدركي ولا يوجد إجماع بمعزل عن الأخبار ولولا مقطوعة ابن أذينة فإنه لا يوجد عندنا مثل هذا التفصيل أصلاً، وهذا خلاف فرضه بالاستغناء عن المقطوعة.

بل لا يوجد إجماع على شيء إلا أصل الحكم في الجملة فلا وجه للاستدلال به وإنما يجب ملاحظة مدركه، وهذا ما قررناه في أول البحث، فلم يحرم الشيخ الصدوق والسيد المرتضى الزوجة من شيء سوى تعويض حقها في عين العقار بالقيمة، مع تخصيص الشيخ الصدوق الحكم بغير ذات الولد، وحكي الخلاف عن ابن الجنيد وصاحب الدعائم في أصل الحكم.

4- إن مقتضى هذه العملية عدم العمل بروايات الحرمان مطلقاً؛ لأن توريث ذات الولد كان بعمومات التوريث، ومنع غير ذات الولد كان بالإجماع، وإلغاء روايات الحرمان مشكل.

5- منع انقلاب النسبة بعد التخصيص بالإجماع إلى كون المورِّثة مطلقاً أخص مطلقاً من النافية، بل الانقلاب إلى العموم من وجه؛ وذلك لأنّ

ص: 332

المورِّثة وإن كان موضوعها -بعد التخصيص بالإجماع- هو خصوص ذات الولد، فتكون أخص من النافية من هذه الجهة؛ لأنّ موضوع النافية الزوجة أو النساء أو نحو ذلك إلاّ أنّها أعم من وجه آخر؛ للحكم فيها بالتوريث من كلّ شيء مطلقاً، بينما روايات الحرمان تنفي استحقاقها من العقار خاصة، نعم لو كان الحكم في كليهما على موضوع واحد وهي ذات الولد مع الاختلاف المذكور بين الحكمين كان اللازم تقديم المفصِّلة؛ فإنّه أخص، نعم احتمل بعضهم أنه حتى لو كان بينهما العموم من وجه فالتقديم لو قلنا به يكون للنافية، لكونها أظهر وأكثر وأشهر))(1).

هذا وقد أجاب السيد بحر العلوم (قدس سره) عن الاستدلال على التفصيل بكبرى انقلاب النسبة بقوله: ((إلا أنه توهم فاسد، وإن كانت الكلية مسلّمة في التخصيص بالمتصل وما يجري مجراه من كلام الأئمة عليهم السلام المنزل منزلة كلام واحد من متكلم واحد، إلا أنها لا تجري في المقام، لعدم قيام الإجماع عليه بعنوانه المخصوص، والأخذ بالقدر المتيقن لا يكشف عن رأى المعصوم عليه، فلعل رأيه موافق لما يعمه، وعليه فيكون مبايناً لتلك الإخبار لا أخص منه، وهو واضح)).

أقول: يرد عليه:-

1- تسليمه صحة الكبرى في المخصص المتصل لا موضوع له لأن الكبرى موضوعها المخصِّص المنفصل ففرض المتصل خارج عن الموضوع لأن الظهور ينعقد مباشرة في المخصَّص.

2- ما ذكره (قدس سره) من المناقشة في الإجماع عودة إلى الأخبار، وإلا فإنه لا يشترط في القدر المتيقن أن يكون بشرط لا عن غيره.

ص: 333


1- السيد الحكيم (قدس سره)، مصدر سابق، العدد 43، صفحة 200.

ثانيهما: ما ذكره بعض الأعلام المعاصرين لتقريب الاستدلال على قول الشيخ الصدوق (قدس سره) المتقدم (صفحة 240)، وبمساعدة مقطوعة ابن أذينة، قال: ((نعم، لو قلنا بمبنى انقلاب النسبة أمكن أن يقال في المقام بأن روايات الحرمان بعد تخصيصها برواية ابن أذينة تكون أخص من رواية ابن أبي يعفور؛ لأنها تختص بغير ذات الولد وتثبت حرمانها من إرث الأرض عيناً وقيمة، ورواية ابن أبي يعفور تشمل ذات الولد وغيرها وتنفي الحرمان فيهما مطلقاً، فبناءً على قبول كبرى انقلاب النسبة لا بد من تخصيص رواية ابن أبي يعفور وإخراج غير ذات الولد من عمومها بمقتضى روايات الحرمان بعد اختصاصها بغير ذات الولد))(1).

أقول: في هذا التقريب تعديل للتقريب الأول بتغيير أطراف مرحلتي تطبيق الكبرىوترك الاستدلال بالإجماع والرجوع إلى المقطوعة وكأنه التفت إلى بعض ما أوردناه من الإشكالات، ولعله لما ذكرناه من عدم جدوى التقريب الأول ومع ذلك فإنه ترد عليه جملة الإشكالات المتقدمة:-

1- عدم صحة كبرى انقلاب النسبة.

2- الإشكالات الكثيرة المتقدمة على تخصيص روايات الحرمان بمقطوعة ابن أذينة.

3- إباء صحيحة ابن أبي يعفور لحملها على ذات الولد خاصة لأن فيه إخراجاً لمورد السؤال وهي غير ذات الولد كما قدّمنا.

4- عدم جدوى العملية لأن النتيجة التي وصل إليها وهي أن (ذات الولد ترث من الرباع) هو عين ما بدأ به أولاً وهي مقطوعة ابن أذينة.

وفي الحقيقة فإن ما قام به هو جعل المقطوعة شاهد جمع بين الطائفتين بحمل الروايات المورّثة على ذات الولد وروايات الحرمان على غيرها، وقد قلنا أنه غير تام لأن المقطوعة لا مفهوم لها.

ص: 334


1- السيد محمود الهاشمي، مصدر سابق، العدد 46، صفحة 23-24.
خلاصة البحث في هذا الفرع:

إن القول بحرمان مطلق الزوجة يستند إلى وجود المقتضي وهي إطلاقات وعمومات أدلة الحرمان وقصور المانع وهي مقطوعة ابن أذينة لعدم إحراز كونها رواية فضلاً عن كونها حجة ولإشكالات على مضمونها، أما القائل بالتفصيل فإنه يستند إلى مقطوعة ابن أذينة التي لا يستطيع إهمالها بعد وجود قرائن على حجيتها ولكن علمت الإشكالات على صلاحيتها للاستدلال عليه، وبينهما ثالث لم يستطع تجاوز المستندين فاحتاط في المسألة، قال صاحب الرياض (قدس سره): ((والاحتياط لا يُترك هنا –أي في الزوجة المحرومة- بل في أصل المسألة أيضاً، فإنه طريق السلامة))(1).

وعمّم صاحب الجواهر (قدس سره) الاحتياط فقال: ((هذا ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالصلح ونحوه في جميع محال الشك))(2).

أقول: على أطروحتنا في كون الحكم صادراً بالولاية يكون موضوع الحكم تابعاً لما يراه الفقيه الجامع لشروط ولاية أمر الأمة، ولو لم نقل بها فالأقوى ما ذهب إليه المشهور، والاحتياط بالتراضي حسن.

ص: 335


1- رياض المسائل: 14/386.
2- جواهر الكلام: 39/218.
مسائل:

(الأولى) بناءً على القول بالتفصيل في الحرمان بين ذات الولد وغيرها، فلو توفي الزوج عن ذات ولد وغير ذات ولد ((ورثت ذات الولد كمال الثمن في رقبة الأرض من غير مشاركة أحد من الورثة معها، ومن دون دفع شي ء إلى الثانية، وورثت أيضاً كماله من أعيان الآلات والشجر، لكن عليها للأخرى مثلاً نصف ثمن قيمتها، كما هو واضح))(1).

أقول: هذا هو مقتضى الأدلة للعلم بأن ثمن التركة هو حق الزوجية انفردت أو تعددت فمن حرمت من شيء أعطي لشريكتها وحكي عن الروضة وغاية المرام واستوجهه الشهيد الثاني (قدس سره) قال: ((وهل يكون العين –التي تُحرم غير ذات الولد منها وتستحق من القيمة فقط كالبناء والشجر- للزوجة الأخرى أم لسائر الورثة؟ أوجه أجودها اختصاص الزوجة به، لأن ذلك نصيبها بنص القرآن، ورجوعها إلى نصفه لمكان الزوجة الأخرى، فيقتصر فيه على ما تستحقه عملاً بالعموم))(2).

أقول: ذكر المحقق السبزواري هذه الأوجه إجمالاً قال: ((وعلى القول بالفرق بين ذات الولد وغيرها في الحرمان ففي اختصاص ذات الولد بثمن الأرض أجمع وثمن عين ما حرمت الأخرى منها، أو اختصاص باقي الورثة بها أو الاشتراك وجوه، ولعل الأقرب الأول))(3).

ص: 336


1- جواهر الكلام: 39/217.
2- مسالك الأفهام: 13/195.
3- كفاية الفقه: 2/861، وذكر هذه الاحتمالات أجمالاً أيضاً في مفتاح الكرامة: 17/316.

أقول: قيل في وجه الاحتمال الثاني أنه ناظرٌ إلى ((أن المنع كان لمصلحة الورثة ولو عملنا على القول الأول بأن أعطينا نصف الثمن من الأرض لذات الولد لم نفعل ما هو صلاح لهم، وفيه: إن صلاح الورثة إنما هو بأن لا يدخل عليهم أجنبي وهو حاصل)).

أقول: الأولى في تقريبه أن يقال: إن الزوج لما مات عن زوجتين فلكل واحدة منهما نصف الثمن، وقد أخذت ذات الولد استحقاقها كاملاً، أما غير ذات الولد فما تحرم منه يعود إلى الورثة لأن الزوجة الأخرى استوفت حقها.

ويرد عليه أن اللحاظ ليس هكذا وإنما يستحق عنوان الزوجية الثمن وليس مصاديقه ومعنوناته وينحصر الثمن بها وليس للورثة نصيب فيه كما لو كانت إحدى الزوجتين ممنوعة من الميراث لقتل مثلاً أعطى الربع أو الثمن كله للأخرى.

وهذا من ثمرات القول بتعلق الأحكام بالعناوين لا المعنونات.((وقيل في وجه الاحتمال الثالث وهو أن يشرك بين جميع الورثة في نصف ثمن الأراضي، فتعطى منه ثمناً لعدم ما يدل على تخصيصه بغير ذات الولد من سائر الورثة كما احتمله بعض))(1).

أقول: اتضح أن ما عدا الوجه الأول مخالف لمفاد الأدلة، ومنه يُعلم النظر في تأمل المحقق النراقي (قدس سره) في هذا الحكم حتى اختار قولاً آخر، قال (قدس سره): ((والظاهر أن ثمن غير الأراضي والأبنية والأشجار لهما معاً، وكمال الثمن من الأراضي والأبنية والأشجار لذات الولد، وكمال الثمن من قيمة الأبنية والأشجار لغير ذات الولد، والقيمة على الورثة الذين منهم ذات الولد)).

ص: 337


1- السيد الحكيم، مصدر سابق، عدد 43، صفحة 213.

وقال في وجهه: ((وما استدلوا به على أن لذات الولد كمال الثمن يدل مثله على أن لغيرها كمال القيمة فلا وجه للفرق. والحاصل أنه ثبت بآيات إرث الزوجة ورواياته أن لها الثمن (من غير العقار مع الولد) ولها ثمن قيمة الأبنية والأشجار مطلقا أو إذا لم تكن ذات ولد، ومقتضاها ثبوته لكل واحدة حين التعدد، ولكن دلّ الإجماع والروايات المتقدمة على أن الزوجات المتعددة شركاء في الثمن، وثبوت الإجماع ودلالة الروايات فيما نحن فيه ممنوع، فيكون على أصل المقتضى، فلا تكون فيه شركة، بل يكون لذات الولد ثمن أعيان الأبنية والأشجار، ولغير ذات الولد ثمن قيمتها.

وأما وجه أن القيمة على جميع الورثة دون ذات الولد خاصة: فعدم الدليل على الاختصاص، وتبادر تعلق القيمة على من يحوز المقوَّم والحائز له هو جميع الورثة دون ذات الولد خاصة وإنما هي تحوز نصيبها فقط. بل من هذا يظهر وجه لأنها على غير ذات الولد من سائر الورثة. فتأمل))(1).

أقول: مقتضى الأدلة أن ثمن التركة هو حق كلي وعنوان الزوجة مع الولد، وليس شخصها أو مصاديقها، فإذا انفرد المصداق كان الثمن له، وإن تعدد قُسِّم الثمن بينهن، وهذا يعني:-

1- أن المعنون بالزوجية –واحداً أو متعدداً- ليس له أزيد من الثمن ولا يستحق على الورثة أزيد منه، فلحاظه (قدس سره) مصداق الزوجة وتعدد الثمن بتعددها مخالف لمفاد الأدلة.

2- لازم كلامه (قدس سره) إخراج ثمنين من الأبنية والأشجار، أحدهما عيناً وقيمة لذات الولد، والآخر قيمة فقط لغير ذات الولد، ولو كُنَّ أربعاً أعطين أربعة أثمان أي نصف التركة وهذه لوازم مقطوعة البطلان.

ص: 338


1- مستند الشيعة: 19/388.

3- إنه (قدس سره) ناقض نفسه فبينما جعل استحقاق الزوجة الثمن فإنه أنقص نصيب ذات الولد عنه لأنه أخرج ثمن غير ذات الولد من سائر الورثة وهي معهم ولا بد أن ذلك يكون بنسبة الفروض فتدفع ذات الولد ثَمن ثمنها لغير ذات الولد فنقصت حصتها عن الثمن.

وإعطاء كمال الثمن للزوجة غير ذات الولد لا وجه له بعد أن أفادت العمومات بأن للزوجة الثمن، والمتعددات يشتركن فيه، فالزوجة الأخرى ذات الولد لها حق في عين الأبنية والأشجار، وتعطي حق شريكتها غير ذات الولد من القيمة لأنها حازت الثمن كله.

ومما تقدم يظهر النظر في عدة مواضع من كلامه كقوله (قدس سره): ((ولها ثمن قيمة الأبنية والأشجار)) والصحيح أن يقال لها نصيبها أو حقها من قيمة الأبنية والأشجار وهو أعم من الثمن أو نصفه أو ثلثه أو ربعه بحسب عدد الزوجات، إذ الثمن حق عنوان الزوجية لا مصداقها.

وقوله: ((وثبوت الإجماع ودلالة الروايات فيما نحن فيه ممنوع)) والصحيح العكس فيصدق عليه قول ابن إدريس: ((اقلب تصب))، ولا وجه لاشتراكهما في الثمن في المنقولات وأخذ كل واحدة ثمناً في غيرها.

وقوله (قدس سره): ((فعدم الدليل على الاختصاص)) والدليل هو ما ذكرناه من انحصار حق الزوجية في الثمن فيدور استحقاقها في إطاره.

وقوله: ((على من يحوز المقوَّم)) فإنه دليل عليه لا له لأن المقوَّم هو الثمن لأنه موضوع الحكم وتقييم الكل طريق لمعرفة الثمن.

وقوله: ((بل من هذا يظهر)) لا وجه له لما عرفت من تعلّق التقويم بالثمن.

(الثانية) هل يشترط أن يكون ولد ذات الولد من نفس الزوج المتوفى: قال السيد الحكيم (قدس سره): ((يظهر من القائلين بالتفصيل بين ذات الولد وغيرها بل صريح محكي جملة من عباراتهم ومرئيها لزوم كون الولد منه.

ص: 339

ولو كانت ذات ولد من غيره ولم تكن ذات ولد منه كانت كغير ذات الولد.

لكن المقطوعة التي هي المستند خالية من هذا التقييد))(1).

أقول: يمكن دعوى ظهور المقطوعة في كون الولد منه، ولا أقل من انصرافها إليه، والانصراف قد يكون بدوياً لا حجية فيه، إلا أنه مؤيد بما حكاه (قدس سره) من فهم الأصحاب لهذا المعنى فيكون بقوة الظهور.

مضافاً إلى ما يظهر من بعض الروايات المعللة كمعتبرة ميسر –رقم 4- وفيها (لئلا تتزوج المرأة فيجيء زوجها أو ولدها من قوم آخرين) من كون الولد منها لشمول الولد من غيرها بالمحذور.

نعم قد يقال: ((إن المقطوعة أخص من التعليل، وإطلاق الخاص مقدَّم على عموم العام، اللهم إلا أن يقال: ظهور التعليل بالعموم أقوى من إطلاق المقطوعة))، وإن تقديم المقطوعة يعني إلغاء عنوان الولد في العام.ولو شككنا في دخول ذات الولد من غيره في الخاص -أي المقطوعة- جرت عمومات وإطلاقات حرمان الزوجة، وهو لمصلحة المشهور.

(الثالثة) في حالات الولد: ((الظاهر عدم الفرق في الولد بناء على التفصيل به بين الذكر والأنثى والخنثى، بل يمكن إلحاق الحامل بها، فإنها وإن لم تكن ذات ولد فعلاً لكن قد عرفت سابقاً إلحاقه به في الحكم، فيراعى حرمانها وعدمه حينئذ بولادته حياً كما في إرثه وإرثها.

وولد الزنا منهما ليس ولداً شرعاً بخلاف ولد الشبهة لهما، فلو أولدها شبهة ثم تزوجها بعد ذلك ورثت من الجميع مع احتمال الاختصاص بذات الولد من النكاح التي ترث به أو نظيره، فلو تمتعها حينئذ وأولدها ثم تزوجها بعد ذلك حُرِمت، نعم لو تزوجها وأولدها ثم طلقها وبعد الخروج من العدة

ص: 340


1- مجلة فقه أهل البيت: العدد، 43، ص 215.

تزوجها ورثت وإن لم يكن الولد من التزويج الثاني إلا أنه من صنف الأول الذي ترث به، ولو كان ولد شبهة لها دونه لم تستحق به على الظاهر، بل وكذا العكس في وجه))(1).

أقول: هذا كله تابع لما يستظهر من الأدلة الجارية في المقام.

قال المحقق السبزواري (قدس سره): ((وهل يتعدى الحكم إلى ولد الولد؟ فيه وجهان مبنيان على صدق الولد عليه حقيقة أم لا، وعلى تقدير التعدي هل يعتبر كون ولد الولد وارثاً أم لا؟ فيه وجهان أقربهما العدم))(2)

وقال السيد صاحب مفتاح الكرامة: ((ولو لم يكن –ولد الولد- وارثاً، كما لو كان هناك ولد للصلب ففيه وجهان: لصدق الولد وعدم إرثه، ولو منع الولد للصلب لكونه قاتلاً أو رقاً أو كافراً احتمل الوجهان إن لم يكن هناك ولد ولد، والظاهر جريان الحكم مطلقاً لأنها تُدخِل على الأخت والأم مثلاً من يكرهونه))(3) أي أنه (قدس سره) تمسّك بعموم التعليل.

أقول: لا فرق بين الولد المباشر وولد الولد؛ لصدق الولد عليه هنا إجماعاً بغضّ النظر عن صدق الولد حقيقة على ولد الولد أم لا، ولذا تُحرَم به الزوجة من النصيب الأعلى، ولا يشترط في ولد الولد أن يكون وارثاً أو غير وارث بسبب وجود الولد المباشر، كل ذلك لإطلاق الولد في مقطوعة ابن أذينة التي هي الدليل على التفصيل وهو شامل لكل الحالات المذكورة.

وظاهر المقطوعة أيضاً وجود الولد فعلاً فلا يكفي وجوده سابقاً.

ص: 341


1- جواهر الكلام: 39/219.
2- كفاية الفقه: 2/861.
3- مفتاح الكرامة: 17/313.
الفرع الثالث: كيفية تقويم البناء
اشارة

اختلفت كلمات الفقهاء (قدس الله أرواحهم) في كيفية تقويم البناء لإخراج حق الزوجة على عدة أقوال ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) ثلاثة منها، إلا أنها قد تصل إلى أكثر من ذلك، وينبغي الالتفات إلى أن هذا الاختلاف لوحظت فيه عدة عناصر لم تُحرَّر بشكل مستقل وإنما تداخلت في كلماتهم:-

1- هل يقوَّم البناء كمواد متفرقة أم يلاحظ فيه هيئته البنائية؟.

2- وهل تقوَّم هيئته البنائية باقية ثابتة على الأرض مجاناً؟ أم الهيئة من غير استحقاق البقاء وإنما يستحق سائر الورثة أجرة المثل على الإبقاء.

3- كيفية معرفة قيمة البناء بدون الأرض التي يفترض أن الزوجة محرومة منها عيناً وقيمة.

فالكلام في ثلاث جهات:

(الجهة الأولى): المشهور هو تقويم البناء بلحاظ هيئته البنائية وليس على أساس حساب قيم المواد والآلات الداخلة فيه، قال في مفتاح الكرامة: ((تُقوَّم الآلات والأبنية بحيث يدخل فيها العمل أيضاً لا مجرد الآلات المنقوضة المرمية فإن لها في تلك المعمولة حصة وإنما منعت من الأرض وعين المعمولة فاستحقت قيمتها مستحقة للبقاء عملاً بالدليل))(1).

ويستدل عليه بوجوه:-

1- إنه ظاهر النصوص كقوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): (إلا أن يكون أحدث بناءً فيرثن ذلك البناء) –رقم 8- وكذا في صحيحة الأحول –رقم 10- (ولهن قيمة

ص: 342


1- مفتاح الكرامة: 17/315.

البناء) وظاهرها ((إرادة تقويم الآلات باقية على حالها وبنائها وهيئتها، لا أن المراد تقويمها نفسها غير مبنية))(1).

أقول: فإن معنى البناء متقوم بهيئته البنائية كما أن معنى الشجرة والنخلة الداخلة في التقويم هو كونها قائمة ثابتة على الأرض ولو كانت مقطوعة فإنها تسمى جذعاً وخشبة ونحو ذلك. هذا ولكن ظاهر طائفة أخرى من الروايات كصحيحة الفضلاء –رقم 1- (إلا أن يقوّم الطوب قيمة فتعطى) وصحيحة محمد بن مسلم –رقم 3- (ترث المرأة الطوب) ورواية يزيد الصائغ –رقم 11- (ولكن لهن قيمة الطوب والخشب) وما هو أصرح منه كالتعبير بالنقض فيصحيحة زرارة –رقم 2- هو استحقاقها من قيمة مواد البناء وليس من هيأتها البنائية المجتمعة، وبينهما فرق كما هو واضح.

ولذا ناقش السيد الحكيم (قدس سره) في القول المشهور وقال: ((لكن يمنع ذلك بأمور:

منها: إنّ ظاهر الأخبار المتقدّمة بل صريحها كما عرفت أنّها ترث قيمة الفرع، والفرع ليس إلاّ نفس البناء، والثبات شي زائد دليل عليه فكيف يدخل فيه؟!.

ومنها: التعبير في تلك الأخبار بتقويم الطوب والنقض والطوب الآجر والنقض المنهدم فإنّ الظاهر من ذلك تقويمه بلا ملاحظة الشأن بل ولا الهيئة الاجتماعية، ومثله التعبير بالأبواب والخشب والقصب والجذوع يظهر ذلك منه كلّ الظهور لمن تأمّلها حق التأمّل، وبالجملة يظهر من التعبير بذلك في تمام تلك الأخبار إلاّ النادر منها أنّ التقويم

ص: 343


1- جواهر الكلام: 39/216.

يقع عليها بلا ملاحظة الثبات بل ولا الاجتماع، بل يقع على نفس الأعيان.

ومنها: ظهور بعض التعليلات الواردة لمنع الإرث أصلاً في ذلك مثل قوله (عليه السلام): (لئلاّ تتزوج المرأة فيجيء زوجها أو ولده من قوم آخرين . . . إلى آخره )). فإنّ ذلك مطرد في توريثها منها ثابتة، ومقتضاه المنع من ذلك.

وما قد يقال من أنّها لا ترث من أعيانها، ولكن ترث من قيمها ففيه: أنّ التعليل المذكور وارد للمنع من الأعيان والقيم، لا من نفس الأعيان وإلاّ لزم بمقتضاه دفع القيمة من الأراضي أيضاً فتأمّل))(1).

أقول: يمكن الجمع بين الطائفتين بإرجاع القول الثاني إلى الأول بأن يكون المراد من ذكر هذه المواد البنائية كونها داخلة في البناء ومجتمعة بقرينة الطائفة الأولى، ولورود المعنيين في حديث واحد إشارة إلى رجوعهما إلى معنى واحد كقوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) –رقم 7- (ولكن يقوّم البناء والطوب وتعطى ثمنها أو ربعها) وفي معتبرة ميسّر –رقم 4- عن أبي عبد الله (عليه السلام) (لهنّ قيمة الطوب والبناء والخشب والقصب).

2- إن الزوجة ورثت قيمة البناء وهو على هيئته البنائية حين وفاة الزوج فتستحق منه كذلك، وهذا الوجه يمكن تصويره بتقريبين:

أ- ما قاله السيد البروجردي (قدس سره) من أن ((كونها وارثة قيمة هذه الأمور معناه أنها أحد الورّاث ولكن من قيمتها، فكما أن بقية

ص: 344


1- مجلة فقه أهل البيت: العدد 43، ص 205-206.

الورثةيرثون من هذا البناء والخشب وغير ذلك باقية على حالتها فكذلك المرأة لأنها مساوية معهم في ذلك))(1).

ب- ما يشبه التمسك بالأصل وهو ما يظهر من كلمات صاحب الجواهر، قال (قدس سره): ((وطريق التقويم أن تقوَّم الآلات والشجر والنخل باقية في الأرض إلى أن تفنى مجاناً لأنها كانت فيها كذلك بحق، وتعطى حصتها من ذلك))(2)، فالقائل بميراثها من المواد المتفرقة مطالب بالدليل بعد أن عرفنا حال الروايات.

أقول: يناقش التقريب الأول بأن الزوجة وإن كانت من الوراث في الجملة إلا أن كيفية تعلق حقها بالبناء هو محل الخلاف، وانتقال البناء بهيئته إلى سائر الورثة لا ينفع المستدل لعدم الملازمة.

ويناقش الثاني بعدم وجود حالة سابقة لاستحقاق الزوجة عبّر عنها بقوله: ((كانت)) لا زمانية أي قبل الوفاة ولا رتبية أي قبل ورود الحكم الخاص بالحرمان من العقار لنرجع إليها، إذ بوفاة الزوج أصبح لميراث الزوجة عدة أحكام منفصلة بحسب أقسام التركة فلميراثها من المنقولات حكم ومن المشيدات والثوابت كالأبنية حكم آخر ومن الأرض حكم ثالث.

نعم لو نظرنا إلى وضع المسألة بأن الأصل في نصيب الزوجة هو الربع أو الثمن من كل ما ترك الزوج ثم يخصص بأحكام العقار أرضاً وبناءً أمكن الاستدلال على استحقاق الزوجة من الهيئة البنائية للشك في خروج استحقاقها من قيمتها، والمشهور هكذا ينظر للمسألة لكن الصحيح الأول.

ص: 345


1- تقريرات ثلاثة: 121.
2- جواهر الكلام: 39/216.

ولعل السيد الحكيم (قدس سره) أراد شيئاً مما ذكرناه في الرد على هذا الوجه بقوله: ((إن كان المراد أنّها ورثتها بقيد الثبوت فهو أول الكلام بل مصادرة محضة، وإن كان المراد أنّها ورثتها في حال الثبوت فهو لا ينفع المستدل، بل بينه وبين الدعوى فراسخ، وإلاّ لزم توريثها من الثياب والفرش وغيرها من أعيانه كذلك، وليس للورثة منعهم من إبقائها في محالها؛ لاتحاد المناط موضوعاً، واللّه العالم))(1).

أقول: لا يرد النقض بالثياب والفرش للإجماع على أن الأمر فيها كذلك.

3- إن التقويم فرع المنع، أي أن ما يقوَّم هو ما دلّ الدليل على حرمانها من العين دون القيمة، والزوجة منعت من الهيئة البنائية فيُحسب نصيبها من قيمتها.وبتعبير آخر إن لازم القول المخالف للمشهور حرمان الزوجة من عين وقيمة الهيئة البنائية التي اكتسبتها من إضافة العمل إلى مواد البناء، وهذا الحرمان لا دليل عليه.

وفي ختام هذه الجهة ننقل كلاماً للسيد البروجردي (قدس سره) يقرّب حرمان الزوجة من قيمة الهيئة الاتصالية وأنها تستحق من قيمة مواد البناء قال فيه: ((والحق أن يقال: إن الأدلة المخصصة لعمومات الآيات عامة شاملة لكل ما يدخل في اسم الأرض والدور والرباع فتدل على حرمانها منها عيناً وقيمة مطلقاً، سواء كانت عين الأرض أو البناء أو غيرهما، والمخصص –ولو كان متصلاً- دلّ على إرثها من قيمة الآلات والأخشاب مثلاً، والقدر المتيقن منه قيمة المواد بلا هيئة والباقي مشكوك، والزائد على هذا مشكوك فيرجع إلى عموم الروايات الدالة على الحرمان)).

ص: 346


1- مجلة فقه أهل البيت: العدد 43، ص 206.

وقد أجاب (قدس سره) عليه بقوله: ((إلا أن يقال: إن المخصص متصل فلا ظهور معه للعمومات فيصير العموم والخصوص كلاهما مجملين فيرجع إلى العموم الفوقي، وهو إرثها من كل شيء فحينئذٍ ليس لهم الإلزام على أخذ قيمتها غير مستحقة للبقاء، بل لها الإلزام على أداء القيمة مستحقة للبقاء، فتأمل جيداً فإنه دقيق مفيد))(1).

أقول: ذكرنا في الوجه الأول أن النصوص دلّت على استحقاقها من البناء وهو ظاهر في الهيئة البنائية فاقتصاره في دلالة المخصِّص على قيمة الآلات والأخشاب منقوص.

(الجهة الثانية) هل يقوّم البناء باقياً على الأرض مجاناً أو بأجرة؟

وهنا قولان:

أولهما: وهو المشهور: اعتبار بقائها مجاناً، قال صاحب الرياض (قدس سره): ((أن يقوَّم مستحق البقاء في الأرض مجاناً إلى أن يفنى، فيقدَّر الدار كأنها مبنية في ملك الغير على وجه لا يستحق عليها أجرة إلى أن يفنى))(2).

وذكره البعض –كالشهيد الثاني (قدس سره) في المسالك وصاحب الرياض وغيرهما- بلا إشارة إلى وجود خلاف ((بل لم يحكَ الخلاف في ذلك إلا عن الشهيد رحمه الله حيث حكي عنه احتمال بقائها بأجرة))(3).

ص: 347


1- تقريرات ثلاثة: 122.
2- رياض المسائل: 14/387.
3- السيد محسن الحكيم، مصدر سابق، ص 207.

أقول: واحتمله ضعيفاً في الجواهر، وحكى صاحب البلغة احتماله عن ثاني الشهيدين في رسالته، وفيها قوله: ((ويحتمل تقويمه كذلك بأجرة، التفاتاً إلى أن الأرض لا يستحق فيها شيئاً))(1).

ويستدل عليه بوجوه:-

1- أنه ظاهر النصوص كقوله (عليه السلام) في صحيحة محمد بن مسلم وزرارة –رقم 8- عن أبي جعفر (عليه السلام) (عليه السلام) (إلا أن يكون أحدث بناءً فيرثن ذلك البناء) وقوله (عليه السلام) في صحيحة الأحول –رقم 10- عن أبي عبد الله (عليه السلام) (ولهن قيمة البناء) فإن ((ظاهر قوله (عليه السلام): (يرثن البناء) أنهن يرثنه باقياً مجاناً، فيرجع بعد قيام الدليل على القيمة إلى قيمته كذلك))(2).

أقول: أي أن إطلاق قوله (عليه السلام) في استحقاق الزوجة من قيمة

ص: 348


1- بلغة الفقيه: 3/105.
2- حكاه السيد الحكيم (قدس سره) عن المرحوم المجاهد السيد محمد سعيد الحبوبي (1266-1333) قال: ((ما ذكره سيد مشايخنا مولانا السيد محمد سعيد –أيده الله تعالى-)) وتأريخ تمام- تحرير الرسالة 18/صفر/1332، والمعروف أنه بعد احتلال الإنكليز البصرة في الحرب العالمية الأولى في 6/محرم/1333 قاد السيد الحبوبي ومعه جمع من العلماء آلافاً من المجاهدين وتوجهوا إلى جنوب العراق لمقاومة المحتل ومكث هناك حتى توفي في الناصرية في 3 شعبان 1333، وكان السيد الحكيم من أقرب مساعديه في الجهاد وبعث جدي الشيخ محمد علي اليعقوبي إلى عشائر السماوة والرميثة ليحرّضهم على الالتحاق بالمجاهدين وكان خطيباً أديباً. راجع معارف الرجال: 2/291، وتأريخ النجف الأشرف للشيخ محمد حرز الدين، وقد أطلقت على السيد الحبوبي لقب (ذو الجهادين) لأنه وُفّق لخوض الجهاد الأكبر أيضاً وترقّى في مدارج الكمال والعرفان وكان من أبرز تلامذة الشيخ حسين قلي الهمداني.

البناء وعدم اشتراط دفع أجرة البقاء على الأرض إلى الورثة مع تصريح الروايات بحرمان الزوجة من الأرض عيناً وقيمة ظاهر في كون البقاء مجانياً، وهذا نحو من الإطلاق المقامي. ومنه يُعلم النظر في ما أشكل به السيد الحكيم (قدس سره) على هذا التقريب بأن هذا ليس من الظهور ((إذ لو كان ظهوراً لكان استعماله في غيره يستلزم تصرفاً كما لو قال (عليه السلام): يرثن البناء وعليهن الأجرة لو أبقينه مع أنه لا يلزم منه ذلك)).

أقول: ما ذكره (قدس سره) لا يضرّ بالاستدلال؛ لأن إشكاله يتم لو كان المستدل يدعي أن هذا هو المعنى الموضوع له، أما الظهور فهو أعم من ذلك لأنه يمكن أن يُستفاد من الإطلاق أو من القرينة، خصوصاً في مثل المورد حيث استفدنا الظهور من الإطلاق المقامي فلا وضع في البين، وقد صحّح (قدس سره) تقريب الاستدلال بالإطلاق فقال عن هذا الوجه: ((وكأنه هو الذيتمسّك به الشهيد رحمه الله في تضعيف ما احتمله أولاً وسمّاه تمسّكاً بالإطلاق وهو كذلك)).

وقد أشكل (قدس سره) على التمسك بالإطلاق وأجاب عليه قال (قدس سره): ((ولو قلت: لو كان ذلك مطلقاً كيف يتعيّن به المجانية التي هي أحد الأفراد.

قلت: مقدّمات الحكمة في الإطلاق يختلف مقتضاها، فقد تقتضي الحمل على العموم الشمولي كما في مثل «أحَلَّ اللّهُ البَيعَ» أو على العموم البدلي كما في قوله: (يجب عتق رقبة) أو على خصوص بعض الأفراد كما في إطلاق صيغة الأمر، فإنّ إطلاقها يحمل على طلب العيني لا الكفائي، التعييني لا التخييري، والنفسي لا الغيري، مع كون كلّ واحد منها قسماً من مطلق الطلب.

ص: 349

ووجه حمله على ذلك: أن لو اراد غيره لاحتاج إلى بيان فكذا في المقام، فقول القائل: لك هذه النخلة مثلاً يحمل على بقائها في أرضه مجاناً مع كون ذلك أحد فردي الإعطاء؛ لأنّه لو أراد الفرد الآخر لاحتاج إلى قوله: (وعليك الأجرة لو أبقيتها) وليس لأحد أن يدّعي وضع صيغة الأمر للوجوب العيني التعييني النفسي، وأنّ لك هذه النخلة مثلاً موضوعة للإعطاء على أن تبقى مجاناً، وإلاّ لزم التجوّز لو استعملت في غير ذلك، ولا أظن أحداً يلتزم به، فافهم))(1).

أقول: إذن فهو (قدس سره) لا يمانع من كون الأدلة بإطلاقها ظاهرة في المجانية.

هذا ويمكن مناقشة هذا الوجه بنقاط:-

أ- إنه إطلاق مقامي فتقييده خفيف المؤونة ويمكن الاكتفاء فيه بالمركوز في أذهان كل المتشرعة بل العقلاء جميعاً من عدم جواز التصرف في مال الغير إلا بإذنه فلا يحتاج الإمام إلى بيان استحقاق الأجرة لسائر الورثة بعد أن ثبت أن البناء قائم في أرض الغير.

عدم تمامية الإطلاق أصلاً لأن السياق ليس في مقام البيان من جهة إعطاء قيمة الأبنية للزوجة كما لو خاطب الزوجة ابتداءً وقال لها: لكِ هذا البناء أو هذه الأشجار، وإنما في مقام الاستثناء مما تحرم منه الزوجة فهو إطلاق إضافي فلا يتم إلا بلحاظ ما نسب إليه وهو عدم حرمانها من قيمة الأبنية والثوابت على الأرض، ولذا فالمورد لا يشبه ما ذكره (قدس سره) من مثال إعطاء النخلة.

ص: 350


1- السيد محسن الحكيم، مصدر سابق، ص 209.

ولعل السيد الحكيم أراد هذا المعنى حينما أشكل على الاستدلال بالإطلاق قائلاً: ((وحيث رجع الأمر إلى التمسك بالإطلاق فالظاهر من الإطلاقات المذكورة ورودها في مقابل الحرمان من غيرها مثل قوله: (لا ترث النساء من العقار شيئاً ولهنّ من قيمة البناء . . . إلى آخره) ونحوه غيره؛ فإنّها أجمع كلّ ما ورد فيها من التوريث كان في مقابل الحرمان))(1).

وجوه أخرى: ذكر السيد الحكيم (قدس سره) وجوهاً أخرى ننقلها بنفس التسلسل.

2- ((ما يرجع إليه كلام الشهيد (رحمه الله) المحكي عن رسالته وهو إنّ المالك قبل موته يملك أموراً ثلاثة: الأرض والبناء وبقاء البناء في الأرض مجاناً، والقدر المتيقّن في تخصيص العمومات هو الأرض، فيقع ما عداه على مقتضى العموم)).

أقول: يرد عليه:-

أ- عدم تصور وجود شيء ثالث مملوك غير الأرض والبناء بعنوان بقاء البناء على الأرض.

ب- إن لحاظ انتقال التركة على هذا النحو أول الكلام وافتراض أن الزوجة تستحق من كل شيء إلا ما تيقن خروجه بدليل مصادرة على المطلوب والصحيح أن التركة انتقلت على أنحاء تقدم ذكرها، ولا يُعلم أن حق البقاء من أي الأنحاء وهو محل الخلاف.

ج-- ((إنّ ملك البقاء مجاناً ليس إلاّ عبارة عن ملك الانتفاع في الأرض، والزوجة محرومة من الانتفاع في الأرض بعين ما دلّ على حرمانها من نفس الأرض، وإلاّ لزم القول بجواز مطالبة الزوجة بالانتفاعات بأن

ص: 351


1- السيد محسن الحكيم، مجلة فقه أهل البيت: العدد 43، ص209.

تقول للورثة أجروا الأراضي وأعطوني ثمن الإجارة أو ربعها، وهو ممّا لا يلتزم به أحد، وهو ليس إلاّ لأنّ ما دلّ على حرمانها من الأرض دال على ذلك))(1).

3- ما ذكره غيره ((وهو إنّ الميت كما (كان) قبل موته يملك أرضاً مشغولة مجاناً وشيئاً يشغلها مجاناً فينتقل كلّ منهما إلى وارثه على حاله كما لو آجر أرضه لأن يغرس فيها الغير أو استأجر أرضاً لأن يغرس فيها فإنّ كلاًّ منهما ينتقل إلى وارثه على الحالة التي فارقها الميت.

وفيه –مع ما أورد على الوجه السابق أولاً-: أنّ ذلك إنّما كان للميت لأنّه يملك الشاغل والمشغول، وبعد انتقال كلّ منهما إلى وارث خاص لم يبق الأمر على ذلك؛ لتعدد الملاك، وليست تلك الصفات التي أخذها المستدل من قيودالشاغل والمشغول حتى يصح له ذلك كما في المثال الذي ذكر، بل المالك كما يملك أرضاً له أن يشغلها مجاناً، له أن يقلع ما فيها، فعليه يلزم التجويز للوارث بقلع الشاغل له؛ لأنّ الميت كان يملك قلعه، فافهم))(2).

4- ما ذكره السيد محمد بحر العلوم في بلغة الفقيه ((من عدم الموجب لاستحقاق الأجرة؛ لأنّ السبب لها انتقال ملك الغير بوضع ما يملكه فيه، والمرأة على الأقوى لم تملك العين الشاغلة لملك الغير حتى يستحق عليه الأجرة، وليس إعطاؤها القيمة بدلاً عن المملوكة لها، بل تملّكها للقيمة بأصل الإرث ولو بنحو البدلية عن العين والتدارك لماليتها))(3).

((وفيه:

ص: 352


1- السيد محسن الحكيم، مصدر سابق، ص 207.
2- ذكره السيد محسن الحكيم، مصدر سابق، ص207.
3- بلغة الفقيه: 3/104.

أولاً: ما عرفت من أنّ ملك الزوجة للقيمة فرع ملكها للعين.

وثانياً: عدم مطابقة الدليل للدعوى، وذلك أن ليس الدعوى: أن ليس عليه أجرة حتى يقال بعدم الموجب، بل الدعوى أنّها تقوّم ثابتة مجاناً، وكونها لم تملك العين الشاغلة لا يثبته، وبالجملة إنّا وإن قلنا بأنّها لم تملك العين وقلنا بأنّ لها القيمة لكن القيمة بدل عن العين قطعاً، فالكلام الآن في أنّ المبدل منه هو نفس العين ثابتة ولو بأجرة أو نفس العين ثابتة مجاناً، وكونها لم تملك العين الشاغلة إن لم يناسب خلاف الدعوى فلا يدلّ عليها))(1).

5- ما ذكره السيد في ملحقات البرهان قال –بعد نقل ما ذكره الشهيد (رحمه الله)-: ((ولا ريب في ضعفه؛ لأنّه موضوع بحق، بل المجانية هي ظاهر قوله (عليه السلام): (تعطى الربع أو الثمن من قيمتها) إذ لو كانت عليها أجرة لوضعت من الربع والثمن وأعطيت الباقي) انتهى.

وفيه –مع ما عرفت من أنّا لم نقل إنّ عليها الأجرة، بل الكلام أنّها تقوّم شاغلة بأجرة أو مجاناً-: أنّ استظهار ذلك من الرواية لا يخلو عن إشكال فيه، فتأمّل))(2).ثانيهما: وفي مقابل المشهور، ما حكي عن الشهيد في رسالته من احتمال بقائها بأجرة، وقال صاحب الجواهر (قدس سره): ((وربما احتمل ضعيفاً أن تقوَّم باقية فيها بأجرة بناءً على أنها لا ترث من الأرض، فتكون في غير ملكها، فتكون بأجرة جمعاً بين الحقّين)).

أقول: لأن حرمان الزوجة من الأرض عيناً وقيمة يعني أن حقها في البناء بهيأته البنائية يكون في مكان مملوك خالصاً للغير وهم سائر الورثة فيكون دفع الأجرة

ص: 353


1- السيد محسن الحكيم، مصدر سابق، ص 208.
2- السيد محسن الحكيم/ مصدر سابق، ص 208.

للمالك على القاعدة، لولا ظهور الروايات في المجانية، لذا ردّ (قدس سره) بأنه ((مخالف لظاهر النصوص خصوصاً المشتملة على إرثها ذلك البناء بقيمة البناء))(1).

أقول: تقدم الإشكال في الاستدلال بظاهر النصوص.

وبناءً على ظهور النصوص في المجانية فإنه ليس للورثة مالكي الأرض قلعه ولو كان في بقائه ضررٌ عليهم؛ لأنه فعل مأذون به شرعاً، وقد يكون في قلعه ضرر على الزوجة أيضاً، والمورد ليس من تزاحم الضررين حتى يقدَّم ارتكاب الأقل ضرراً لانتفاء الموضوع بعد إذن الشارع فهما ليسا في مرتبة واحدة، وباختصار فإنه لا مجرى للقواعد بعد ظهور الروايات في خلافها.

التهافت في كلام المشهور:

التزام المشهور بما اختاره في هاتين الجهتين لا يخلو من تهافت لصعوبة تصور الجمع بين استحقاق الزوجة لقيمة البناء بما هو قائم على الأرض مجاناً إلى أن يفنى، وعدم استحقاقها شيئاً من الأرض والمكان لا عيناً ولا منفعةً؛ لأن المفروض أن البناء قائم على أرض الغير فله أجرة المثل إلا أن يقوم دليل على إسقاطها، وهو غير موجود، فيكون المشهور قد ثبَّت على نفسه استحقاق الزوجة في الانتفاع بالأرض وهو معنى مساوق لاستحقاقها من قيمة الأرض.

وفي هذا بيان للنكتة التي أثارها المحقق الشعراني في كلامه المتقدم (صفحة 228) والتي أيّد بها قول السيد المرتضى (قدس سره) بتقريب أن استظهارهم من الروايات أن الزوجة تستحق من قيمة البناء بما هو بناء قائم على الأرض بلا أجرة يدل على عدم حرمانها من مالية الأرض ومنفعتها وإنما تحرم من عينها كالبناء.

ص: 354


1- جواهر الكلام: 39/216.

قال بعض الأعلام المعاصرين: ((وهذا الاستظهار –من المشهور- معناه أنّ هذه المنفعة –وهي حق البناء وإقامته على تلك الأرض- مشمولة لدليل الإرث ولا يشملها المخصّص، فلا يخرج إلا رقبة الأرض المسلوبة منفعتها بالبناء، لا بما هي مجرّدة وخالية ليستحق الورثة تخليتها من البناء أو أخذ الأُجرة عليه، وهذا لازمه أنّ الزوجة تستحق منفعة البناء على الأرض أو الغرس فيها، فلابدّ وأن يقال به حتى في الأرض التي لا بناء ولا غرس فيها، بل هذا قد يكون قريباً من قيمة الأرض نفسها; فإنّ قيمتها وماليتها إنّما تكون بلحاظ منفعتها بما هي مكان يمكن أن يبنى عليه البناء أويغرس فيه الشجر والنخل أو يزرع فيه الزرع، فإذا كانت الزوجة تستحق قيمة هذا الحق كانت بمثابة استحقاقها قيمة الأرض))(1).

أقول: فتحصّل مما تقدم أن المشهور أمام خيارين:-

1- التخلي عن مختاره في إحدى الجهتين، فإما تقويم البناء وما لحق به كالشجر والنخل كمواد وآلات أي على أنه مما ينقل وإن بقاءها يكون بأجرة وهو ما اختاره السيد الحكيم (قدس سره)، قال (قدس سره): ((كيفية التقويم: أن يفرض البناء مما ينقل ثم يقوّم على هذا الفرض فتستحق الزوجة الربع أو الثمن من قيمته))(2)، خلافاً للجميع، ومنهم الشهيد الصدر في تعليقته قال (قدس سره): ((بل يفرض مستحقاً للبقاء بدون أجرة، لأن هذه المنفعة يشملها دليل الإرث ولا يشملها المخصص)).

ص: 355


1- مجلة فقه أهل البيت: العدد 47، ص 38.
2- منهاج الصالحين: 2/488، الميراث بالسبب، المسألة (7)، وعليها تعليقات السيد الشهيد الصدر (قدس سره).

2- أن نلتزم بما اختاره المشهور هنا في الجهتين ولكن نبني على قول السيد المرتضى (قدس سره) من حرمان الزوجة من عين الأرض دون قيمتها، فاستحقاقها من القيمة يعطيها الحق في الانتفاع من الأرض كبقاء البناء مجاناً أي ((نجعل ذلك دليلاً على أنّها ترث من جميع منافع الأرض، وإنّما تحرم من عين رقبتها؛ لأنّ هذا ليس من باب التبرّع لها بالمجانية من قبل الورثة أو من قبل الشارع تعبداً، بل معناه أنّها تستحق هذه الحيثية وترث منها بما هي من التركة، وهو يساوق عرفاً وعقلائياً استحقاقها منفعة الأرض وإبقاء البناء عليها ولو بالقيمة، وأنّ الاستثناء لا يشمل سوى رقبة الأرض وعينها، لا منافعها والتي تكون مالية الأرض وقيمتها بلحاظها عادة. ولا معنى لفرض أنّه إذا كان هناك بناء فالزوجة تستحق من منفعة الأرض والمكان، وإن لم يكن بناء فهي لا تستحق من هذه المنفعة شيئاً; لأنّ هذه المنفعة راجعة إلى الأرض والمكان، لا البناء والشجر ونحوه ممّا هو مثبّت على الأرض، فإذا كانت مستحقة للزوجة فلابدّ وأن تكون مستحقة لها سواء كان البناء موجوداً أم لا; لأنّه منفعة وحيثية لها مالية فتكون جزءً من التركة، وإن لم تكن مستحقة وكانت مخصّصة وخارجة عن أدلّة التوريث بالروايات المتقدّمة النافية لإرث الزوجة من العقار والأرض فلا بدّ من خروجها عن التوريث في فرض وجود1- البناء أيضاً، فلا تستحق الزوجة إلا من قيمة البناء بلا حق البقاء على الأرض مجاناً))(1).

أقول: يمكن أن يرد الآخر بعدم استحقاق الزوجة من الانتفاع بالأرض إلا بمقدار حساب قيمة البناء باقياً على الأرض إلى أن يفنى لدلالة ظاهر النصوص على هذا الحق ولا حاجة إلى تعميم استحقاقها من جميع منافع الأرض كما لو

ص: 356


1- السيد محمود الهاشمي، مجلة فقه أهل البيت: العدد 47، ص 39.

أجّروا الأرض أو قبّلوها المستثمر فإنه لا يلتزم أحد -بحسب حكاية السيد الحكيم في كلامه المتقدم (صفحة 351، الفقرة ج-)- باستحقاقها الثمن أو الربع من الأجرة. لأن دليل حرمانها من الأرض دال على ذلك، لكن هذه الدعوى من السيد الحكيم (قدس سره) بعيدة ولعل الصحيح خلافها كما سيأتي في الفرع الثامن (صفحة 373).

(الجهة الثالثة) كيفية تقويم البناء:

وقد ذكر له أسلوبان:

الأول: تقويم البناء كما هو ثابتاً على الأرض، قال صاحب الجواهر (قدس سره): ((أن تقوَّم الآلات والشجر والنخل باقية في الأرض إلى أن تفنى مجاناً وتعطى حصّتها من ذلك))(1).

الثاني: ما ذكره الشهيد الثاني (قدس سره) في المسالك قال: ((أن يقوَّم مستحق البقاء على الأرض مجاناً إلى أن يفنى، فتقدر الدار كأنها مبنية في ملك الغير على وجه لا يستحق عليها أجرة إلى أن تفنى، وتعطى قيمة ما عدا الأرض من ذلك. وقيمة الشجر كذلك، حتى لو فرض عدم القيمة للأرض في بعض الأنواع من الشجر – كالزيتون- لم ينقص من قيمته شيء بسببها))(2).

وذكر آخرون مثل هذا منهم المحقق النراقي (قدس سره) قال: ((أن تقوّم أرض فارغة ثم يفرض اشتغالها بما يريد تقويمه من الشجر أو البناء، فتقوّم ثانياً وتعطى المرأة الربع أو الثمن من قيمة ما عدا الأرض من ذلك، أو تقوّم الأرض التي فيها الشجر أو البناء على تقدير فراغها ثم يقوم المجموع وتطرح القيمة

ص: 357


1- جواهر الكلام: 39/216.
2- مسالك الأفهام: 13/194.

الأولى عنالثانية وتعطى الربع أو الثمن من الباقي))(1)، وحكاه السيد صاحب الرياض (قدس سره) عن الصيمري في غاية المرام وقال أنه ((أخصر من الأول))(2).

أقول: نقل صاحب الجواهر (قدس سره) هذه الكيفية وقال: ((ومرجعه إلى ما ذكرناه. ولعله أحسن منه، إذ يمكن زيادة قيمة الأرض بملاحظة ما فيها من الغرس والشجر والنخل، واستحقاقها لهذه الزيادة مناف لما دل على حرمانها من الأرض عيناً وقيمة، فالأولى الاقتصار في كيفية التقويم على ما ذكرناه))(3).

أقول: مسألة تقويم البناء ليس من عمل الفقيه وإنما يرجع فيه إلى الموثوقين من أهل الفن والاختصاص في البناء والإعمار وهم الذين يقرّرون الأسلوب العادل والمناسب؛ لأن كلا الأسلوبين معمولٌ به، فالأولى ترك الأمر لهم.

ص: 358


1- مستند الشيعة: 19/384.
2- رياض المسائل: 14/387.
3- جواهر الكلام: 39/216.
الفرع الرابع: توزيع الدين على التركة

قال صاحب الجواهر (قدس سره): ((لا يخفى عليك أن الموافق للعدل توزيع الدين والكفن ونحوهما على مجموع التركة من غير ضرر على أحد من الورثة، فلا يدفع جميعه من غير الأرض كي يلزم الضرر على الزوجة، ولا منها خاصة كي يلزم على الورثة دونها، بل يوزع عليهما جميعا وإن كان العمل من جميع من عاصرناه على خلاف ذلك))(1).

أقول: هذا مما لا إشكال فيه لا لأنه الموافق للعدل –وإن كان الأمر كذلك- بل لأن الدين والوصايا والنفقات الواجبة تخرج من أصل التركة قبل الحديث عن الميراث واستحقاقات الورثة ومنهم الزوجة، قال تعالى: «مِنْ بَعدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أو دَينٍ» (النساء:12) وحينئذٍ يكون الحديث عن هذا التوزيع في مرتبة الديون والوصايا قضية سالبة بانتفاء الموضوع، وأن إخراج الديون من أصل التركة ينتج هذا التوزيع تلقائياً.

مضافاً إلى موافقته لمقتضى العدل والإنصاف التي هي من القواعد العامة التي تؤطر الأحكام والقوانين الشرعية، وكذلك لأن التوزيع بغير هذه الكيفية فيه ضرر على أحد الأطراف وهو منفي في الشريعة.

وبناءً على هذا يجب أن نفهم ما قالوه من توزيع الديون ونحوها على الورثة بنسبة استحقاقاتهم ((فلو كانت الأرض تساوي قيمة البناء والشجر وغيرها من أعيان تركته كان عليها نصف ثمن الدين؛ لأنها ورثت نصف ثمن التركة، وكذا لو أراد الوارث الوفاء مما ترث من عينه كالثياب والفرش، ولو لم يكن للميت غير الأرض المحرومة منها والثياب والفرش وغيرها مما ترث من عينه

ص: 359


1- جواهر الكلام: 39/217.

مع التساوي لزم إعطاء نصف ثمن ذلك، وليس للوارث دفع أكثر من ذلك وإن دفع لها القيمة))(1).

أقول: هذا كله على طبق القواعد، فمن الغريب ما حكاه صاحب الجواهر من ذهاب جميع من عاصرهم (قدس سره) إلى غير ذلك، ومنهم صاحب مفتاح الكرامة، قال (قدس سره): ((إذا كان على الميت دين فأراد الوارث إخراجه مما عدا الأرض حتى يمنع الزوجة من الإرث، الظاهر أن له ذلك لأن الأرض بالنسبة إلى الزوجة كالمعدومة فإذا كان مستغرقاً لما عدا الأرض صار الدين مستغرقاً للتركة بالنسبة للزوجة، ويحتمل قوياً أنه ليس له ذلك كما يظهر بالتأمل))(2).

أقول: في هذا الاستظهار غفلة واضحة عمّا في كتاب الله تعالى، ولا يصحّ إخراج الدين كله مما عدا الأرض حتى يقال بأنه استغرق التركة وإنما يؤخذ منه بالنسبة.

ص: 360


1- السيد محسن الحكيم (قدس سره)، مصدر سابق، ص 214.
2- مفتاح الكرامة: 17/316.
الفرع الخامس: شكل تعلق حق الزوجة بالقيمة

لم يحرّر أكثر الأصحاب البحث في هذه القضية مع أنها سابقة رتبة على جملة من الفروع بُنيت على هذه القضية ومنها مسألة عنوانها هل أن استحقاق الزوجة قيمة الأبنية والآلات على نحو العزيمة أم الرخصة؟ بمعنى هل يجب على سائر الورثة دفع القيمة إلى الزوجة دون العين؟ أم أن ذلك رخصة لهم.

وتعرض بعضٌ لهذه القضية عرضاً ضمن ذلك المطلب أو غيره.

كما تعرّضوا لفروع أخرى مبنية على المختار في هذه القضية سنشير إلى جملة منها بإذن الله تعالى، نعم حرّر المحقق النراقي هذه القضية في فرع مستقل وإن كان كلامه فيه مختصراً، وكذا الشيخ محمد تقي البروجردي (قدس سره) في رسالته (نخبة الأفكار).

لذا فالصحيح البحث في شكل تعلق حق الزوجة بالقيمة أولاً ثم معرفة ما يترتب عليه من آثار ومسائل فرعية وردت في كتب الأصحاب، سنذكرها في الفروع الآتية إن شاء الله تعالى.

ويوجد تصوران لدى الأصحاب لشكل تعلق حق الزوجة في قيمة الأبنية والآلات بعد سقوط الأقوال أو الاحتمالات الأخرى عن الاعتبار كاحتمال أنه مجرد حكم تكليفي على الوارث من دون أن يكون لها حق في ذمة الوارث فضلاً عن تعلّقه بأعيان البناء(1)، وستأتي استفادته من كلام المحقق النراقي في الصفحة التالية، ولا نعلم له وجهاً إن أريد به مستقلاً عن الحكم الوضعي واستحقاق الزوجة الذي هو موضوع الروايات.

وبعد تسليم ما تقدم من عدم استحقاقها من العين، وإن بدا من بعضها ذلك كما في صحيحة محمد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)

ص: 361


1- أورده الشيخ البروجردي في رسالته نخبة الأفكار: 25.

(فيرثن ذلك البناء) وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (ترث المرأة الطوب) لكنه ظهور بدوي يفسّره ما في الروايات الأخرى من استحقاقها من قيمة هذه الأبنية لا أعيانها، وأن هذا التعبير عن ميراثها من البناء وآلاته هو لنفي توهم حرمانها المطلق من العقار أرضاً وبناءً، فيكون مجملاً من ناحية نوع الاستحقاق من العين أو القيمة ويبيّنه ما ورد في روايات استحقاقها من القيمة.

وحرمانها من العين ينفي صوراً عديدة لأي من أنحاء التعلق المرتبط بالعين كالشركة في العين والإشاعة وكالكلي في المعين ونحو ذلك مما قيل في الزكاة، ويسقط أيضاً احتمال تعلق حقها بالعين إلى أن يدفع القيمة وتحصل المعاوضة القهرية.

التصور الأول: إن حق الزوجة من القيمة يتعلق بذمة سائر الورثة مباشرة، أي أنه بمجرد الوفاة تنتقل قيمة نصيبها من ميراث الأبنية والآلات إلى الذمة ولا حق لها في الخارج أصلاً.وذهب إليه المحقق النراقي، قال (قدس سره): ((الظاهر من الأخبار تعلق القيمة بذمة الورثة دون التركة، بمعنى أنه يجب عليهم إعطاء القيمة من أينما أرادوا وشاؤوا. ويدل عليه أيضاً عدم تسلط الزوجة على المطالبة من أموال خاصة من التركة أو غيرها. وأيضاً: مدلول الأخبار وجوب إعطاء القيمة، ولا وجوب إلا يتعلق بمكلف، وليس هناك أحد يتعلق به إلا الورثة إجماعاً، والأصل عدم وجوب الإعطاء من مال معين، فيجب عليهم أصل الإعطاء، وهو المطلوب))(1).

ص: 362


1- مستند الشيعة: 19/387.

أقول: سيأتي أن ظاهر الروايات على خلافه، والخصم لا يقول باستحقاق القيمة من عموم التركة وإنما في الآلات والأبنية فقوله: ((ويدل عليه)) لا يرد على الخصم.

وأما قوله: ((مدلول الأخبار..)) فيرد عليه أن غايته ثبوت وجوب تكليفي على الورثة بإعطاء نصيب الزوجة من قيمة الآلات والأبنية ولا يستفاد منه ما نحن فيه.

أما الأصل فمقطوع بدلالة الروايات الآتية بإذن الله تعالى.

وقوّاه صاحب الجواهر، قال (قدس سره): ((بل لعل الأول –وهو كون دفع القيمة عزيمة لا رخصة- لا يخلو من قوة خصوصاً بعد ملاحظة أنه كقيم المتلفات باعتبار تنزيل حرمان الشارع لها من العين وتخصيص من عداها بها –أي من عدا الزوجة بالعين- منزلة إتلافه عليها، فيضمنون لها القيمة.

ومنه يعلم عدم بناء ذلك على المعاوضة، بمعنى عدم جواز تصرف الوارث حتى يدفع القيمة، بل الظاهر ثبوت ذلك في ذمة الوارث من غير فرق بين بذل الوارث العين وعدمه، ولا بين امتناعه من القيمة وعدمه وإن كان مع الامتناع يبقى في ذمته إلى أن يتمكن الحاكم من إجباره على أدائها أو البيع عليه قهراً كغيره من الممتنعين من أداء الحق، ولو تعذر ذلك كله يبقى في ذمته إلى أن تتمكن الزوجة من تخليصه ولو مقاصة، سواء في ذلك الحصة وغيرها))(1).

أقول: يرد عليه أن ظاهر الروايات كون إعطاء القيمة معاوضة على العين أجراها الشرع المقدس بالولاية لدفع المفسدة المذكورة في التعليل، وهو بحد ذاته لا يعيِّن كون الإعطاء رخصة أو عزيمة لإمكان كليهما.

وحكاه السيد بحر العلوم عن عمه السيد علي في ملحقات كتابه (البرهان القاطع) قال: ((لأن محل القيمة التي للزوجة هو ذمة الورثة وبمجرد

ص: 363


1- جواهر الكلام: 39/217.

الموت تنتقل العين إلى ملك الورثة وبمجرده أيضاً تستقر قيمتها في ذمتهم، ولذا لو نمت بعد الموتبأن أثمر الشجر ليس للزوجة في الثمر شيء. وإذا تلف ملك أحد لا يوجب سقوط حق الآخر))(1)، وحكي هذا القول عن السيد أبي الحسن الأصفهاني(2)

(قدس سره).

أقول: سيأتي الوجه في بُعد استظهار هذا المعنى من الروايات.

التصور الثاني: إنه على نحو الشركة في المالية الخارجية بأن تكون الزوجة شريكة للورثة في العين الخارجية ولكن بالقيمة فقط بعد دلالة الروايات على حرمانها من العين، وأستطيع القول أنه مختار الأكثر بحسب ما يظهر من عدة مسائل التزموا بها كما سيأتي إن شاء الله تعالى وإن لم يصرّحوا به هنا كقضية مستقلة، خذ مثلاً السيد الخوئي (قدس سره) قال في كتاب الخمس في شكل تعلّقه بالمال الذي وجب فيه الخمس أنه من قبيل الشركة في المالية وهي ((سارية في جميع أجزاء العين، فكل جزء من الأجزاء مشترك بين المالك والمستحق، لكن لا بشخصيته بل بماليته، نظير شركة الزوجة مع الورثة في مالية البناء وإن لم ترث من نفس الأعيان.

ومن ثم لم يكن للوارث التصرف قبل أداء حق الزوجة، لسريان المالية المشتركة في تمام الأجزاء بالأسر كما عرفت))(3).

وقال (قدس سره) بمثله في كتاب الزكاة(4) أيضاً.

ووجه هذا التصور أنه مقتضى ما يفهمه العرف من الروايات بحسب الجمع المتقدم فإنه يفهم بدواً من بعض الروايات أن نصيبها من نفس العين

ص: 364


1- بلغة الفقيه: 3/110.
2- نخبة الأفكار: 25.
3- موسوعة السيد الخوئي (قدس سره): 25/290 كتاب الخمس.
4- شرح العروة الوثقى: 23/388.

كقوله (عليه السلام): (فيرثن ذلك البناء) إلا أنه وبقرينة ما دل على استحقاقها من القيمة حيث صرّح الإمام (عليه السلام) في أكثر من رواية أن لهن قيمة البناء وأنهن يرثن من قيمة البناء ولهن قيمة الطوب ونحوه، وحينئذٍ يستقر فهمه على أنها شريكة في قيمة العين خارجاً أي ماليتها، ولا وجه لما هو أزيد من ذلك كالانتقال إلى الذمة ((فما دام يمكن الجمع بين حقّها في القيمة والمالية الخارجية وبين عدم حقّها في العين كان مقتضى القاعدة الحفاظ على ذلك؛ تمسّكاً باقتضاء دليل الإرث لاستحقاقها من التركة الخارجية بتمام مراتبها، خرجنا عن ذلك في خصوص العين دون المالية الخارجية، فتبقى تحت إطلاق أدلّة الإرث))(1).أقول: ظاهر قوله: ((تمسّكاً باقتضاء ..)) افتراض وجود عمومات وإطلاقات لإرث الزوجة من عين ما ترك الزوج وأنها خصصت بروايات الحرمان من العقار وقد ناقشنا سابقاً في تحقق هذه العمومات، وأن ميراث الزوجة له أحكام ثلاثة مستقلة تتنجز بوفاة الزوج، فلا توجد عمومات يستدل بها على استحقاقها من الأعيان، إلا بضميمة توصل إلى نتيجة هذه العمومات. نعم إن أراد به عمومات التوريث أي أن الزوجة ترث من كل ما ترك الزوج، وأن الأصل فيه يقتضي توريث الزوجة مما ترك الزوج فيرجع إليها عند الشك في أصل استحقاقها من التركة فإنه معنى صحيح ولكن لا يثبت بها كونه من الأعيان، إذ ليس عندنا عمومات أو أصل يقتضي أن الزوجة تستحق من العين إلا ما أخرجه الدليل.

وقال أيضاً مستبعداً التصور الأول: ((بل حَمْلُ قوله (عليه السلام) في الروايات (ترث قيمة البناء) على القيمة في الذمة –كما صنعه صاحب الجواهر (قدس سره)- خلاف الظاهر جداً؛ إذ المال في ذمة الورثة مال آخر لا ربط له بالتركة، والروايات صريحة في النظر إلى إرثها وحقها من تركة الزوج، غاية

ص: 365


1- السيد محمود الهاشمي، مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 47، ص 32.

الأمر لا ترث من العين ولكن ترث من قيمتها وماليتها، وهي تساوق المالية الخارجية لا الذمية، ولهذا لو تلفت التركة بلا تعدّ أو تأخير أو تفريط كان حقها أيضاً تالفاً كسائر الورثة، بينما إذا كان حقها منتقلاً إلى الذمة كانت مستحقة لها وكان الورثة مدينين لها بذلك، وهذا ما لا أظنّ يلتزم به أحد فقهياً إذا تدبّر وأمعن النظر –حتى إذا استظهر أنّ دفع القيمة عزيمة لا رخصة)).

أقول: ما استدل به بقوله: ((ولهذا لو تلفت به)) خلاف مبنائي ومصادرة لأنه مبني على نفس هذا الخلاف وسنتعرض له في الفرعين السابع والثامن بإذن الله تعالى، لذا فإن الخصم لا يمانع من الالتزام به كما هو صريح ما نقلناه آنفاً عن المحقق النراقي، وغيره ممن سيأتي إن شاء الله تعالى.

ثم قال (دام ظله): ((وأيّاً ما كان فالظاهر من الروايات هو الشركة في المالية والقيمة الخارجية للبناء، لا انتقالها إلى الذمة التي هي مال آخر لا ربط له بالميت، وليس عليه في الروايات عين ولا أثر.

والشركة في المالية الخارجية شركة عقلائية وعرفية، كالشركة في العين، وكملك الكلّي في المعيّن)).

أقول: التصور الثاني هو الصحيح، لما قلناه من أنه الظاهر عرفاً من مجموع الروايات كقول أبي جعفر (عليه السلام) في رواية زرارة: (وتُقوّم النقض والأبواب والجذوع والقصب فتُعطى حقها منه) أي حق الزوجة من هذه الأعيان من قيمتها.

وللنقض على الأول بأن قيمة التركة لو نقصت قبل إعطاء الزوجة حتى أصبحت قيمة التركة كلها مساوية لقيمة نصيب الزوجة عند الوفاة أو أقل منها، فهل يلتزم أحد بدفع التركة كلها مع شيء من كيس الورثة إلى زوجته؟.

نعم يمكن إضافة تصور آخر إن ساعد العرف على استظهاره من الروايات وهو:

ص: 366

التصور الثالث: المحتمل بناءً على الجمع والتوفيق بين مداليل الروايات العديدة، وهي الشركة في المالية المحفوظة في نفس العين بلحاظ القيمة عند الوفاة، وفيه نقاط التقاء وافتراق مع الأول والثاني، فهو يلتقي مع الأول بأن حق الزوجة ينتقل إلى القيمة مباشرة من دون التعلق بالعين أولاً لما قرّبناه من أن ميراث الزوجة ليس على نحو العام من كل ما ترث الزوجة ثم خصص بما تحرم من العقار عيناً وقيمةً أو عيناً خاصةً، وإنما بوفاة الزوج تنجزت أحكام ثلاثة لميراث الزوجة.

ويختلف معه بأن هذه القيمة تبقى محفوظة في العين التي هي كالوعاء لها لأنها هي ما ترك الزوج واستحقاق الزوجة القيمة بلحاظ وجودها، ومن ثمرات هذا الاختلاف عدم ضمان سائر الورثة القيمة للزوجة إذا تلفت العين.

ويلتقي هذا التصور مع الثاني بوجود علقة للزوجة مع العين أوجبت الأثر السابق ويختلف معه بأن هذه العلقة لا توجب حقاً للزوجة في العين لما ذكرناه من تعلق حقها مباشرة بعد وفاة الزوج بالقيمة، فليس لها من النماءات العينية المنفصلة أو المتصلة شيء عدا تغير القيمة.

وسيظهر من بعض المسائل والفروع الآتية ثمرة هذا التصور عن سابقيه.

وسيأتي احتمال تصوّر رابع في نهاية الفرع السادس (صفحة 370).

ومما تقدّم يُعلم النظر في تشبيه المورد بالخمس أو الزكاة، الذي نقلناه (صفحة 364) عن السيد الخوئي (قدس سره) وتبعه عليه بعض الأعلام المعاصرين فقال: ((وهذا نظير ما يقال في باب الخمس من أنّ تعلّقه بالعين بنحو الشركة في المالية الخارجية وأثره إمكان دفع القيمة، لكونها مصداقاً عرفاً للمالية الخارجية أيضاً، ولا يمكن لصاحب الخمس الامتناع عن القبول. كما أنّه يمكن

ص: 367

إعطاؤه من العين، وفي فرض حصول النماء أيضاً يكون صاحب الخمس شريكاً فيه بنحو الشركة في المالية كالأصل))(1).

أقول: وجه الفرق أن حق الخمس يثبت لمستحقيه في العين أولاً ويمكن دفع القيمة بدلاً عنه لما ذكره من أنها مصداق عرفاً للمالية الخارجية وشكل آخر لها، أما حق الزوجة فإنه يتعلق مباشرة بالقيمة بحسب ظاهر الروايات، وتكون شريكة في المالية بعد حرمان الشارع لها من شراكة العين مع الورثة وهي واحدة منهم، ويمكن أن يكون من حقها الامتناع عن قبول الأعيان إلا بدليل آخر يلزمها ويجيز لسائر الورثة الدفع من العين وهو ما سنبحثه في الفرع العاشر (صفحة 380) إن شاء الله تعالى، أما الزكاة فقد ذكرنا في مسألة شكل تعلّق الزكاة أنه حق مجعول على المال غير متعيّن فيه فيمكن إخراجه من نفس المال الزكوي أو من غيره، وتفصيل الكلام في محله.وسنتعرض في عدد من الفروع التالية لما يترتب على هذه المسألة من آثار بإذن الله تعالى.

ص: 368


1- السيد محمود الهاشمي، مصدر سابق، العدد 47، ص 31.
الفرع السادس: حكم تصرف الورثة بالعين

لا إشكال في جواز تصرف الوارث بالأبنية والآلات مما تستحق الزوجة من قيمته بسائر أنحاء التصرفات ولو كان متلفاً أو ناقلاً كالبيع بعد دفع حق الزوجة أو التراضي معها على صيغة ما، فيكون البيع حينئذٍ صحيحاً ولازماً.

وإنما وقع الخلاف فيما لو تصرف أو باع قبل ذلك، وهنا قولان:

(الأول) عدم جواز التصرف بالعين ولو باعها الورثة كان وقوع البيع فضولياً فتتسلط الزوجة على الفسخ أو الإمضاء، قال في مفتاح الكرامة: ((ولو باع الورثة هذه الأبنية والآلات قبل التقويم صحَّ البيع فإن دفعوا إليها حصتها وإلا كان لها فسخه لتعلق حقها بالمبيع))(1).

وقال السيد الخوئي (قدس سره) بعد اختياره كون تعلق حق الزوجة كتعلق الخمس بالمال الذي يجب فيه من قبيل الشركة في المالية المانعة من التصرف ((فالشركة في المالية لا تستوجب جواز التصرف -في المال المتعلق به الخمس- بل هي أيضاً مانعة، كما في إرث الزوجة))(2).

(الثاني) جواز تصرف الورثة بالتركة كلها وليس للزوجة الفسخ لأن العين على مبنى تعلق حقّ الزوجة من القيمة بذمة الورثة تكون ملكاً طلقاً للوارث، ويكون حق الزوجة من القيمة في ذمته كسائر ديونه التي لا يمنع اشتغال ذمته بها عن التصرف في ماله حتى مع الامتناع عن أداء حقها، واختاره ثاني الشهيدين في رسالته(3)

وتبعه صاحب الجواهر (قدس سره) فإنه قال -بعد أن قوّى كون دفع الوارث القيمة عزيمة يجبر عليها الوارث وليست رخصة فتجبر الزوجة على أخذ حصتها من العين إذا شاء الوارث-: ((ومنه يُعلم عدم بناء

ص: 369


1- مفتاح الكرامة: 17/315.
2- موسوعة السيد الخوئي (قدس سره): كتاب الخمس، 25/290.
3- بلغة الفقيه: 3/108.

ذلك على المعاوضة، بمعنى عدم جواز تصرف الوارث حتى يدفع القيمة، بل الظاهر ثبوت ذلك في ذمة الوارث من غير فرق بين بذل الوارث العين وعدمه، ولا بين امتناعه من القيمة وعدمه وإن كان مع الامتناع يبقى في ذمته إلى أن يتمكن الحاكم من إجباره على أدائها أو البيع عليه قهراً كغيره من الممتنعين من أداء الحق، ولو تعذر ذلك كله يبقى في ذمته إلى أن تتمكن الزوجة من تخليصه ولو مقاصة، سواء في ذلك الحصة وغيرها))(1).والخلاف في هذه المسألة مبني على الخلاف السابق في نحو تعلّق حق الزوجة بقيمة ما ترث من قيمته دون عينه كالأبنية والآلات، فمختار صاحب الجواهر (قدس سره) هنا مبني على ما اختاره هناك -وقبله المحقق النراقي- من كون حق الزوجة يتعلق بذمة الورثة وليس بالتركة فللورثة التصرف في التركة مع ضمان حق الزوجة في ذمتهم ويكون تصرفهم صحيحاً ولازماً.

أما ما اختاره في مفتاح الكرامة فإنه مبني على ما صححناه من أن حق الزوجة متعلق بالتركة على نحو الشركة المالية، ومن آثاره كون التصرف في تمام التركة فضولياً في مقدار حق الزوجة قبل دفع حقها أو أخذ رضاها فتتسلط على الفسخ أو الإمضاء.

نعم يمكن تصوير منع الورثة من التصرف قبل أداء حق الزوجة من القيمة على غير المبنى المذكور بأن ((يدّعى أن حق الزوجة وإن كان متعلقاً بالقيمة في ذمة الوارث إلا أن له نحو تعلّق أيضاً بالعين على نحو يمنع عن تصرف الوارث فيها بإتلاف أو نقل لها بماليتها قبل أداء حقها إليها نظير تعلّق حق الرهانة بالعين المرهونة، ولأجل ذلك يكون الوارث قبل دفع القيمة إليها كالمحجور عليه في التصرفات المتلفة للعين والناقلة لها))(2).

أقول: لم أجد قائلاً بهذا الاحتمال ولا يمكن استفادته من الروايات فهو بلا دليل.

ص: 370


1- جواهر الكلام: 39/217.
2- نخبة الأفكار: 31.
الفرع السابع: لو تلفت العين حقيقة أو حكما -كغصبها- فهل يضمن الورثة للزوجة حقها من القيمة أم لا؟

وهنا أيضاً قولان بحسب المختار في شكل تعلق حق الزوجة بالقيمة، قال في مفتاح الكرامة: ((وهذه القيمة مستحقة من التركة وليست متعلقة في ذمة الورثة فلو غصبت التركة من الورثة لم يضمنوا لها فإن عادت عاد حقها))(1).

أقول: هذا مبني على القول بالشركة في المالية، مع الالتفات إلى أنه يمكن أن يكون ذلك مشروطاً بعدم تفريط الوارث في أداء القيمة للزوجة مع مطالبتها وقدرته، ولو تأخر عن الدفع بتقصير وظلم منه ضمن للزوجة استحقاقها من القيمة لإمكان صدق عنوان التفريط واليد العدوانية عليه ولو مع عدم كون التلف بسبب تفريطه بحفظ التركة.

أما على القول بتعلق القيمة بذمة الورثة فإنهم يضمنون، قال المحقق النراقي (قدس سره): ((لو تلف البناء أو الشجر بعد الموت قبل التقسيم والتقويم فهل يسقط من قيمته حق الزوجة أو لا؟ الظاهر هو الثاني، لأن بمجرد الموت انتقلت العين إلىالوارث واستحقت الزوجة القيمة، وتلف ملك أحد لا يوجب سقوط حق الآخر، مع أن الأصل بقاؤه. وهكذا لو غصبه غاصب))(2).

وصرّح بترتب الحكم على المختار في شكل تعلق القيمة، قال (قدس سره): ((يظهر من هذين الفرعين -أي ما ذكره آنفاً وما اختاره (صفحة 362) من تعلق القيمة بالذمة- أنه لو لم يخلف الميت سوى أشجار أو أبنية بأن تكون أراضيها موقوفة أو ملكاً للغير وتلفت تلك الأشجار والأبنية بعد موته ولو

ص: 371


1- مستند الشيعة: 19/387.
2- مستند الشيعة: 19/387.

بساعة أو غصبت، كان للزوجة مطالبة حقها من القيمة من الورثة لو كانوا م0.سرين، وبعد الإيسار إن كانوا معسرين، وهو كذلك)).

وحكاه في بلغة الفقيه عن عمه السيد علي في رسالته المخطوطة في (ملحقات البرهان القاطع) خلال عرضه لثمرات المسألة، قال: ((إن تلف البناء أو الشجر بعد الموت بأن جاء سيل وأخذ ما على الأرض طالبت الزوجة الورثة بثمنها أو ربعها من قيمته لأن محل القيمة التي للزوجة هو ذمة الورثة))(1) وقد تقدم نقل بقية كلامه (قدس سره).

وقال السيد السبزواري (قدس سره) في مهذب الأحكام: ((لو تلف البناء بعد الموت وقبل القسمة والتقويم لا يسقط من حق الزوجة شيء لأن تلف ملك لا يستلزم سقوط حق آخر اشتغلت ذمته به- فلو لم يخلف الميت سوى أبنية وأشجار مثلاً- وتلفت تلك الأشجار أو غصبت فللزوجة مطالبة حقها من الورثة -لاشتغال ذمة الوارث بالقيمة ولا نصيب لها في الأعيان والأحوط التصالح والتراضي -))(2).

ص: 372


1- بلغة الفقيه: 3/110.
2- مهذب الأحكام: 30/262، المسألة (22).
الفرع الثامن: نماء العين

وهذه المسألة مبنية أيضاً على المختار في شكل التعلق، وحكى صاحب البلغة عن عمه في ملحقات البرهان ((ابتناء هذه المسألة على ما قواه من دخولها بمجرد الموت في ملك الوارث واشتغال ذمته بالقيمة)) إلى أن قال: ((ولذا لو نمت بعد الموت بأن أثمر الشجر بعد موت الزوج ليس للزوجة في الثمر شيء وإذا تلف ملك أحد لا يوجب سقوط حق الآخر))(1).

أما على القول بالشركة المالية فإن الزوجة تستحق من النماء لأنها شريكة فيه بنسبة حقها، لأن النماء تابع للأصل الخارجي في الملكية، قال السيد الخوئي (قدس سره): ((إذا لم يدفع الوارث القيمة لعذر أو لغير عذر سنة أو أكثر كان للزوجة المطالبة بأجرة البناء، وإذا أثمرت الشجرة في تلك المدة كان لها فرضها من الثمرة عيناً فلها المطالبة بها، وهكذا ما دام الوارث لم يدفع القيمة تستحق الحصة من المنافع والثمرة وغيرها من النماءات))(2).

لكن صاحب مفتاح الكرامة خالف ذلك المبنى هنا رغم التزامه به في مسألتي جواز التصرف والتلف الآنفتين، قال (قدس سره): ((ولو نمت هذه الأشجار قبل التقويم كان النماء للورثة دون الزوجة لأن النماء تابع للأصل وهي لم تستحق في عين الأصل شيئاً))(3).

أقول: كأنه (قدس سره) يرى النماء تابعاً للعين خاصة دون ماليتها، وصرّح بذلك في بلغة الفقيه، قال: ((وأما النماء المتحقق بعد الموت كأجرة المساكن وثمرة النخل، بناءً على حرمانها من العين دون القيمة، فهو مختص بغيرها من الورثة لا

ص: 373


1- بلغة الفقيه: 3/110.
2- منهاج الصالحين: ج2، ميراث الزوجة، مسألة (10).
3- مفتاح الكرامة: 17/315.

تستحق هي منه مطلقاً، وإن تأخر التدارك وكان بتفريط؛ لأن النماء من توابع ملك العين لا ملك المالية))(1).

أقول: التفكيك بين نماء العين ونماء المالية بعيد لأن المالية سارية في العين سريان الروح في الجسد، فكل نماء العين يكون بما هي مشتملة على المالية ولا ينفك النماء في العين عن الاستناد إلى ماليتها سواء كان النماء متصلاً أو منفصلاً لأن المالية هي حقيقة العين والمقوِّم لها.

وبتقريب آخر: إن الزيادة تابعة للعين وقد دلّت الروايات على حرمان الزوجة من العين خاصة فلا تشمل توابعها.وحينئذٍ يُسأل (قدس سره) عن الفرق بين التلف والنماء حتى صارت الزوجة تتحمل التلف مع الورثة وليس لها معهم نصيب من النماء، ولعله (قدس سره) شبّه المورد ببعض ما ورد في الزكاة من أحكام وهو قياس لا وجه له.

نعم يمكن تصور التفكيك في بعض الحالات الخاصة، مثل ما لو أعطيت جائزة لمن يملك مائة نخلة مثلاً وهذه الجائزة على الأعيان بما هي بغضّ النظر عن ماليتها فهي لمالك الأعيان وهم الورثة دون الزوجة.

وفيما لو رضيت الزوجة بالمعاوضة على حقها وانتقال القيمة إلى ذمة الوارث لم يكن لها المطالبة بشيء من النماء.

وقد قدمنا تصوراً لفهم مثل هذا الاختلاف في كلمات مفتاح الكرامة، وهو لم يصرّح بمبناه في شكل تعلق حق الزوجة، وإنما نسبناه إليه بناءً على مختاره في تلف العين وجواز التصرف، فلعل له مبنى تنسجم فيه هذه الأقوال.

ص: 374


1- بلغة الفقيه: 3/110.

وبناءً على ما تقدم فإن للزوجة نصيبها من أجرة البناء لو استأجر لما تقدم، ولو كانت البناية مستأجرة في حياة الميت كان لها نصيبها من الأجرة لعدم شمول أدلة الحرمان لها.

إلفات:

حكي عن المحقق القمي (قدس سره) أنه قوّى ((في موضع من أجوبة مسائله اشتراك الزوجة مع الوارث في النماءات المتصلة والمنفصلة المتجددة بين زمان الموت والدفع لكونها نماءً لما ملكتها بالإرث)) لكنه (قدس سره) التزم في موضع آخر ((باختصاصها بالوارث دون الزوجة معللاً بأن الزوجة لا تملك من العين حتى تستحق المنافع المتجددة وإنما هي ملك لغيرها من الورثة، ولعل ذلك منه (قدس سره) رجوع عما اختاره أولاً، وإلا فهو مناف لما أسسه من المبنى الذي قرره مراراً في كلامه))(1).

أقول: لم أنظر في كلمات المحقق القمي (قدس سره) فلعله أراد بالنماء الأول زيادة القيمة السوقية وهو يتبع المالية، وأراد بالنماء الثاني الزيادات المتصلة والمنفصلة وهي من توابع العين عنده لا المالية، فلا عدول ولا تهافت في كلامه (قدس سره).

ص: 375


1- نخبة الأفكار: 34.
الفرع التاسع:
اشارة

ومن تلك الآثار: أن المعتبر في القيمة ملاحظة يوم الدفع بناءً على الشركة في المالية؛ لأنها تملك المالية الخارجية فإذا زادت زاد استحقاقها أيضاً، قال السيد الخميني (قدس سره): ((المدار في القيمة يوم الدفع لا الموت، فلو زادت القيمة حين الموت ترث منها، ولو نقصت نقصت من نصيبها)).

وملاحظتها يوم الموت بناءً على انتقالها إلى ذمة الوارث، هذا ولكن صاحب مفتاح الكرامة (قدس سره) الذي اختار كون القيمة مستحقة في التركة وليس في ذمة الوارث قال: ((وليعلم أنه إنما تُعتبر القيمة حال الموت لأنها تستحقها بالموت فلا عبرة بالزيادة والنقصان بعد ذلك، وإن تأخر التقويم)).

أقول: يأتي هنا التعليق بعدم الانسجام الذي ذكرناه في ذيل الفرع السابق مع ما اختاره من تحميلها التلف وعدم جواز تصرف الورثة.

ووجدت في بعض المصادر ما يحتمل أن يكون وجهاً لهذا القول، حاصله: ((عدم اقتضاء مجرد تعلق حقها بمالية العين لاعتبار خصوص القيمة وقت الدفع، بل هو مطلق من هذه الجهة فيمكن الاكتفاء بدفع القيمة وقت الموت، بل لعل ذلك هو المتعين بلحاظ كون زمان الموت ظرفاً لتعلق حقها بقيمة العين فيراعي تلك القيمة)).

أقول: ما دام حق الزوجة قد تعلّق بالمالية فهو إذن يتغير زيادة ونقصاً بتغيرها، أما كون الوفاة ظرفاً للاستحقاق فإنه لا يغير شيئاً، لذا أجيب: ((بأن مجرد ظرفية زمان الموت لاستحقاق القيمة لا يقتضي إطلاق القيمة فضلاً عن اقتضائه تخصيصها بخصوص وقت الموت، بل نقول: إنها تابعة لنفس العين في جميع الأزمنة، فما لم يدفع القيمة إليها من الخارج تستحق من العين ماليتها الفعلية

ص: 376

القائمة بها، وبالجملة فرق واضح بين كون الزمان ظرفاً لتعلق حق الزوجة بمالية العين، وبين كونه قيداً لمتعلق حقها، وما أفيد إنما يتم في الثاني دون الأول))(1).

أقول: لتقريب الفرق بين كون الزمان ظرفاً أو قيداً استحضرت أدعية أيام شهر رمضان فإن منها مثلاً (اللهم ارزقني فيه كذا وكذا) و(اللهم طهرني فيه من كذا وكذا) ونحو ذلك، فكيف نفهم معنى (فيه)؟ والداعي طبعاً لا يريد تحقق هذه المطالب في يوم الدعاء فقط وإنما يريدها مطلقاً فهو يريد ذلك اليوم ظرفاً لاستجابة هذا الدعاء مطلقاً وليس أن المطلب مقيد بذلك اليوم فقط دون غيره.

إلفات:

تقدم الإشكال على صاحب مفتاح الكرامة في عدة مواضع من كلامه الذي قال فيه: ((إنما تعتبر القيمة حال الموت لأنها تستحقها بالموت فلا عبرة بالزيادة والنقصانبعد ذلك وإن تأخر التقويم، وهذه القيمة مستحقة من التركة وليست متعلقة في ذمة الورثة، فلو غصبت التركة من الورثة لم يضمنوا لها فإن عادت عاد حقها، ولو نمت هذه الأشجار قبل التقويم كان النماء للورثة دون الزوجة لأن النماء تابع للأصل وهي لم تستحق في عين الأصل شيئاً، ولو باع الورثة هذه الأبنية والآلات قبل التقويم صح البيع فأن دفعوا إليها حصتها وإلا كان لها فسخه لتعلّق حقها بالمبيع))(2).

أقول: وقد أشكل على السيد الخميني (قدس سره) بما يشبه هذه الإشكالات إذ فُهم من بعض الفروع التي ذكرها (قدس سره) في رسالته العملية أنه يأخذ بالتصور الأول أي تعلّق استحقاق الزوجة في ذمة الورثة كقوله في المسألة (10): ((الأقوى أن الزوجة تستحق القيمة ويجوز لها أن لا تقبل نفس الأعيان، كما

ص: 377


1- نخبة الأفكار للشيخ محمد تقي البروجردي: 31.
2- مفتاح الكرامة: 17/315.

ليس لها مطالبة الأعيان)) بتقريب أن القول بأن إعطاء القيمة للزوجة عزيمة لا رخصة مبني على هذا القول كما سيأتي في الفرع الآتي.

وقوله في المسألة (6): ((المراد من الأعيان التي ترث الزوجة من قيمتها هي الموجودة حال الموت، فإن حصل منها نماء وزيادة عينية من حين الموت إلى حين القسمة لا ترث من تلك النماء والزيادة))(1).

ويظهر من بعض آخر العمل بالتصور الثاني أي الشركة في المالية كقوله في المسألة (11): ((الأحوط لسائر الورثة عدم التصرف فيها قبل أداء قيمتها بغير إذنها)) وقوله في المسألة (7): ((المدار في القيمة يوم الدفع لا الموت، فلو زادت القيمة على القيمة حين الموت ترث منها، ولو نقصت نقصت من نصيبها، نعم الأحوط مع تفاوت القيمتين التصالح))(2).

أقول: لذا علّق أحد أعلام تلامذته على هذه المسألة قائلاً: ((هذا لكن مقتضى ما أفاده في المسألة المتقدمة –رقم 6- العدم، فإن الزوجة ترث من حين الموت. فإذا فرض ثبوت إرثها من القيمة فاللازم الالتزام بأن الثابت قيمتها في ذلك الوقت، وما ذكرناه في العينيات القيمية المغصوبة من كون الملاك يوم الأداء والدفع لا أياماً أخر، فإنما هوباعتبار كون مفاد (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) هو نفس كون المأخوذ على العهدة، وعدم الخروج عنها قبل الأداء، وهذا بخلاف المقام))(3).

أقول: ظاهر كلام السيد الخميني (قدس سره) أنه يختار تعلق حق الزوجة على نحو الشركة في المالية لذا التزم بآثاره كقيمة يوم الدفع ومنع الورثة من التصرف

ص: 378


1- تحرير الوسيلة: 2/360.
2- تحرير الوسيلة: 2/360.
3- الفاضل اللنكراني في (تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة)، ج 23، كتاب الطلاق والمواريث: 476.

قبل أداء حقها، ولا يظهر من المسألة (10) أنه يقول بتعلق الحق في ذمة الورثة لعدم الملازمة، وأما قوله بعدم استحقاقها من النماءات العينية المتصلة والمنفصلة فيمكن بناؤه على:

التفكيك بين النماء في المالية والنماء في العين فتستحق الزوجة من الأول -كزيادة القيمة السوقية- لأنها شريكة في المالية لذا كان المعتبر عنده القيمة يوم الدفع، وبين الزيادة العينية المتصلة أو المنفصلة فإنها فرع العين لا المالية.

أو على ما ذكرناه من التصوّر الثالث فإن حق الزوجة وإن تعلق بالقيمة فليس لها من النماءات إلا أن علقتها بالعين باقية فعليها التلف ونقصان القيمة، ولها من زياداتها. ولكننا أحلنا صحة هذا التصور على استطاعة العرف فهمه من الروايات.

وقال في وجه الاحتياط في المسألة (11): ((وأما كون الأحوط لسائر الورثة عدم التصرف في الأعيان قبل أداء قيمتها بغير إذنها فلكونها متعلقة لحقها وإن كانت محرومة من عينها، وإن كان يحتمل أن يكون من قبيل تعلّق الخمس فإنه وإن كان ينتقل إلى العين إلا أنه يجوز احتمالاً التصرف فيها ونقله إلى الذمة))(1).

أقول: اتضح وجه الاحتياط مما ذكرناه في التصور الثالث ووجه الفرق بين تعلّق حق الزوجة والخمس.

ص: 379


1- المصدر السابق: 478.
الفرع العاشر: هل إعطاء القيمة رخصة أم عزيمة؟
اشارة

بمعنى هل يجب على سائر الورثة دفع نصيب الزوجة من قيمة الأبنية والآلات، وللزوجة الامتناع عن قبول نصيبها من العين لو أراد الورثة إعطاءها منها إلا بمعاوضة جديدة؟ أم أن ذلك على سبيل الرخصة لسائر الورثة فلهم أن يعطوا نصيب الزوجة من القيمة أو العين وليس لها الامتناع عن قبولها؟ أي أن المعاوضة تكون قهرية على الزوجة.

يوجد قولان، بل وجهان كما عن المحقق السبزواري في الكفاية والسيد صاحب الرياض (قدس الله سريهما):

القول الأول: إنه عزيمة وذهب إليه الشهيد الثاني في المسالك والروضة والصيمري والمحقق الثاني والمحقق النراقي وصاحب الجواهر(1)

وبلغة الفقيه (قدس الله أسرارهم جميعاً).

وتبعهم من المعاصرين السيد السبزواري، قال (قدس سره): ((إعطاء القيمة لها عزيمة على الوارث وليس لها مطالبة الأعيان))(2)

والسيد الخميني (قدس سره) قال: ((الأقوى أن الزوجة تستحق القيمة، ويجوز لها أن لا تقبل نفس الأعيان، كما ليس لها مطالبة الأعيان)).

واستدلوا عليه بظاهر الروايات الدالة على عدم إرثها من العين وإنما ترث من القيمة في عدة مواضع؛ قال الشهيد الثاني (قدس سره): ((وظاهر

ص: 380


1- مسالك الأفهام: 13/194، جواهر الكلام: 39/217، وحكاه الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان: 11/451 عن المحقق الثاني، ومفتاح الكرامة: 17/315 عن الصيمري، مستند الشيعة: 19/385، بلغة الفقيه: 3/107، تحرير الوسيلة: 2/358، مسألة (10).
2- مهذب الأحكام: 30/258.

النصوص أن القيمة تجب على الوارث على وجه قهري لا على طريق المعاوضة، فلا تأخذ الزوجة العين إلا أن يتعذّر عليها أخذ القيمة، فتأخذها على وجه المقاصّة بالقيمة كغيرها من أمواله، ولو أمكن رفع أمرها إلى الحاكم ليأمره بالدفع، أو يبيع شيئاً من ماله ويدفع إليها القيمة كغيره من الدين، ففي تقديمه على المقاصّة وجهان أجودهما تخيّرها بين الأمرين))، وقال المحقق النراقي (قدس سره): ((لأنه المستفاد من اللام – الظاهرة في الاختصاص والتمليك سيما في المواريث - المذكورة في قوله (لهن) كما في الروايات (4، 10، 11)، أو في قوله (للمرأة) كما في الرواية (12).

ولأنه مقتضى كون القيمة إرثا لها كما في الروايات (8، 11، 14).ولأنه المفهوم من الحصر بالاستثناء في قوله (إلا أن يقوم أو إلا قيمة فلان) كما في الروايات (1، 14، 15).

ولأنه مدلول الجعل المصرح به في الحديث (12).

بل هو الظاهر من قوله (ويقوم) أو (لكن يقوم) كما في باقي الأخبار.

ولو منع ظهوره فيكون محتملا للأمرين مجملا فيجب حمله على المبين))(1).

أقول: سيأتي في بيان الرأي المختار ما قيل في رد هذا الاستدلال إن شاء الله.

القول الثاني: إنه رخصة واستقربه المحقق الأردبيلي(2)

والسبزواري وقال في وجهه: ((لتسهيل الأمر لهم كما يظهر الإشعار بذلك من الروايات)) والسيد صاحب الرياض وأكثر مراجع العصر (قدس الله أسرارهم جميعاً)، ولخّص المحقق النراقي استدلالهم بوجوه:

ص: 381


1- مستند الشيعة: 19/385.
2- مجمع الفائدة والبرهان: 11/451، كفاية الفقه: 2/861، رياض المسائل: 14/387.

((1- إن العلة المذكورة في الأخبار لذلك إنما هو عدم تضرر الورثة، فإذا رضي الوارث بالضرر أو كان ضرره في القيمة فلا يستفاد حكمه من الأخبار)). أقول: بتعبير آخر إن الروايات أفادت أن علة منع الزوجة من الأعيان هو مراعاة مصلحة سائر الورثة والإرفاق بهم لكي لا تفسد عليهم مواريثهم فإذا رضوا بالضرر الحاصل فيما لو أعطوا من العين، أو كان في إعطائهم القيمة ضرر عليهم، فلا موضوع لتلك العلة وينتفي الحكم.

2- وبأن ورود أخبار الحرمان في مقام توهم تعين العين فلا يفيد سوى إباحة القيمة، وسبيلها سبيل الأوامر الواردة مورد توهم الحظر -فلا يفيد أزيد من رفع التوهم-.

3- وبأن ذلك يوجب بقاء عمومات إرثها على عمومها بالنسبة إلى الأبنية والآلات والأشجار من دون ارتكاب تخصيص فيها، بل تكون الرخصة في التقويم حكما آخر غير مناف للأول، ثابتاً بالأخبار، وذلك كرخصة مالك النصاب في الغلات في شراء قدر الزكاة منها وإعطاء القيمة، فإنه لا ينافي تعلق حق الفقراء بالعين ولا يوجب التخصيص فيما يدل عليه. والحاصل أنه تكون العين مختصة بها، ولكن جوز الشارع الابتياع القهري وإعطاء القيمة))(1).ورد عليها جميعاً بقوله: ((والجواب أما عن الأول: فبان أكثر الأخبار الصحيحة خالية عن ذكر التعليل –وأنه حكمة لا علة-، مع أن التعليل كما يصلح علة للرخصة يصلح علة للوجوب أيضاً –ولو حسماً لمادة الفساد غالباً-، وتخلف العلة في النادر بأن لا يستضر الورثة غير ضائر، لأن الحكم على الغالب.

ص: 382


1- مستند الشيعة: 19/385-386، واختصرها في بلغة الفقيه: 3/106.

((وعن الثاني: بأنه ممنوع، بل نقول: ورود الأخبار في مقام بيان الحكم، بل الظاهر ورودها في مقام توهم الحرمان عن القيمة أيضاً)).

وبتعبير آخر لصاحب بلغة الفقيه قال: ((وكون الأمر بالتقويم في مظنة توهم الإرث من العين ليس بأولى من كونه في مظنة توهم حرمانها من العين والقيمة معاً كالأرض فيكون ظاهراً في تعيين الإرث من القيمة))(1).

وعن الثالث: أنا لو سلمنا أن الرخصة لا توجب التخصيص في العمومات المذكورة ولكنها توجب خلاف أصل آخر هو الابتياع القهري، إذ بدونه لا معنى لعدم ارتكاب التخصيص في العمومات، على أنا لو قلنا بوجوب الابتياع القهري لا ينتفي التخصيص على المختار أيضا. هذا كله مع أن ارتكاب التخصيص في العمومات مما لا مفر منه أيضا باعتبار قوله في الأحاديث المتكثرة (لا يرثن من العقار) الصادق على الأبنية. فتأمل))، وبتعبير آخر للسيد صاحب البلغة قال: ((وبقاء العام على عمومه يرجع إليه عند الشك في التخصيص لا مع وجود المخصِّص، لما عرفت من كون الإرث من القيمة مفاد ظواهر الأخبار المستفيضة، بل المتواترة معنى)).

وردّ عليه بما ((عرفت من ظهور لفظ الإرث في ذلك)).

وأما التنظير بالزكاة ((فإنه قياس مع الفارق؛ لظهور أخبار الزكاة في تعلّق حق الفقير بنفس العين، مثل قوله: (في ما سقت السماء العشر)، وبعد قيام الدليل على جواز إعطاء القيمة بدلاً عن العين كان مقتضى الجمع أن ذلك من قبيل المعاوضة القهرية، ولم يقم مثله دليل هنا على تعلّق حقها بالعين، سوى العمومات التي قد عرفت حالها لتخصيصها بالظواهر المتقدمة))(2).

ص: 383


1- بلغة الفقيه: 3/101.
2- بلغة الفقيه: 3/108، وتبعه السيد محسن الحكيم، مصدر سابق، ص 204.

وعلق عليه بقوله: ((وفيه ما لا يخفى على المتأمل في الأخبار؛ فإن فيها ما هو ظاهر في تعلّق حقها بنفس العين، مثل قوله (عليه السلام) في رواية ابن مسلم: (ترث الفرع، ولا ترث من الأصل) وقوله (عليه السلام) في رواية محمد وزرارة: (إلا أن يكون أحدث بناءً فيرثن ذلك البناء) فالقياس في محله، وأي فرق بين الروايتين وبين قوله (عليه السلام) (في ما سقت السماء العشر؟)).أقول: وأجاب السيد الحكيم (قدس سره) عما في الجواب الأول من كونه حكمة لا علة ((بأنه إنما يتوجه لو كان غرض المستدل توريثها العين وجعلها كسائر الورّاث عند العلم بعدم الفساد، فيصحّ الجواب بأن التعليل حكمة)).

وأجاب عن فقرته الثانية بأنه يصلح للعزيمة كالرخصة قال: ((إن مجرد الإمكان والصلاحية لا يصلح أن يكون سنداً، بل اللازم في الجواب منع ظهوره في الإرفاق على الوارث، بل يجوز كون المراد منه أن التوريث منشأ للفساد واختلال نظام الورثة، وهو مما لا يرضى به الشارع وإن رضي به الوارث)).

بناء هذا الفرع على شكل تعلّق حق الزوجة بالقيمة:

بنى عدد من الأعلام مختاره في هذا الفرع على مختاره في الفرع الخامس كصاحب الجواهر الذي اختار كون الإعطاء عزيمة، قال (قدس سره): ((وهل يجبر الوارث على التقويم أو تجبر هي على الرضا بالعين إذا رضي الوارث؟ وجهان: إلا أنه اختار الأخير منهما بعض المتأخرين، تمسكاً بما عساه يظهر هنا من كون التقويم رخصةً؛ جبراً لحال الوارث فهو كالأمر الوارد عقيب الحظر.

وفيه أنه منافٍ لما دل على عدم إرثها من ذلك، ضرورة ظهورها في أنه لا تملك شيئاً من ذلك بالإرث، فلا مدخلية لرضا الوارث فيه.

ص: 384

بل لعل الأول لا يخلو من قوة خصوصاً بعد ملاحظة أنه كقيم المتلفات باعتبار تنزيل حرمان الشارع لها من العين وتخصيص من عداها بها منزلة إتلافه عليها، فيضمنون لها القيمة))(1) إلى آخر كلامه السابق.

وتابعه عليه أحد الأعلام المعاصرين حيث قال: ((إن مجموع هذه الروايات تدل على نفي إرث الزوجة من أعيان الدور والعقار والقرى وحصر حقها في قيمة الأبنية وأجزائها.. (وقال: ) فتحصّل أنه لا دليل على أن المرأة ترث من نفس البناء وأجزائه وللوارث أن يعطيها قيمتها كما ذهب إليه بعض الأعلام، بل هي ترث من خصوص القيمة، فما يعطى الزوجة من القيمة هو من باب الحكم الإجباري، نظير سائر المواريث، لا أنه من باب كونه إرفاقاً بحال الوارث بحيث يكون حقّها متعلقاً بالعين، وللوارث إعطاؤها القيمة بدلاً عن العين؛ وذلك لدلالة الأخبار على نفي إرثها من الأعيان ولزوم إعطاء قيمتها لها))(2).

أما بعض الأعلام المعاصرين فإنه اختار كون الإعطاء رخصة بناءً على ما اختاره في الفرع السابق حيث قال: ((إن حق المرأة متعلق بالمالية الخارجية للبناء لا المالية في الذمة أو بنحو الكلي في المعيّن، ويترتب على ذلك أنه يمكن لسائر الورثة إعطاؤها من نفس العين ولا يجوز لها الامتناع عن أخذ ذلك والمطالبة بالقيمة، وهذاهو مبنى ما ذكره جملة من الفقهاء من أن إعطاءها القيمة بنحو الرخصة لا العزيمة على الورثة)).

وقال في موضع آخر ما يعتبر بياناً له: ((إن حق الزوجة في التركة من البناء والشجر غير مرتفع قطعاً؛ لأنه مقتضى أدلة الإرث وظاهر الروايات الخاصة حيث صرّح في أكثرها بدفع حقها من البناء بالقيمة، وهذا يعني عدم

ص: 385


1- جواهر الكلام: 39/216-217.
2- حكاه السيد محمود الهاشمي في مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 47، ص 32، عن السيد محسن الخرازي في رسالة (إرث الزوجة: 98-100).

سقوط حقها منه، وإنما غايته إمكان دفع حقها بالقيمة ولزوم قبولها لها؛ بمعنى عدم جواز مطالبتها بالعين.

بل لو فرضنا ظهور الروايات في وجوب دفع القيمة إليها أيضاً لم يكن وجه للقول بسقوط حقها في العين غاية الأمر تعبداً جعل الوفاء متعيّناً بدفع القيمة وعدم الاجتزاء بدفع العين إلا على نحو المصالحة ونحوها؟ والنتيجة بقاء حقها في العين بنحو الشركة فيها أو في ماليتها ما لم يدفع لها حقها، فتترتب كل تلك الآثار المتقدمة عدا الاجتزاء بدفع العين إذا أرادت القيمة، وهذا لعمري واضح جداً.

فما ذكر في كلمات صاحب الجواهر وغيره من دلالة الروايات على انتقال حقها إلى الذمة أو لزوم دفع القيمة بنحو الحكم الإجباري أو دلالتها على حصر حقها في القيمة لا مأخذ له؛ فإن التعبير بإعطائها من القيمة إنما هو في قبال لزوم إعطائها من العين، كما هو مقتضى القاعدة الأولية، وليس في قبال جواز إعطائها من العين إذا رضي الورثة بذلك، فمن أين استفيد هذا الإلزام الإجباري؟))(1).

أقول: وبعد أن ذكر عدة مسائل فرعية قال: ((كل ذلك يثبت على القاعدة بناءً على قبول أحد الوجهين))(2).

المختار في المسألة:

الأظهر من الروايات أن حق الزوجة متعين في القيمة لا العين لأنها بصدد بيان حق الزوجة وقد أفادت بأن حقها من القيمة بصيغ متعددة كقوله: (لهن قيمة البناء) وقوله: (إنما جعل للمرأة) واللام تدل على الاختصاص

ص: 386


1- المصدر السابق، ص 34-35.
2- المصدر السابق، ص 36.

والتمليك، أو قوله: (يرثن قيمة البناء)، ويمكن أن يستفاد التعين من الحصر والاستثناء في عدة روايات كصحيحة الفضلاء (إلا أن يُقوَّم الطوب والخشب قيمة فتعطى ربعها أو ثمنها) ونحو ذلك من الدلالات التي أشير إليها (صفحة 381)، ولا مسوّغ للعدول عن هذا الظهور إلى الرخصة بإعطائها من العين بل فيه:-

1- مخالفة للجعل الشرعي بحرمانها من العين وإعطائها من القيمة، ومقتضى القول بالرخصة إعطاؤها من العين.1- مخالفة لقواعد المعاوضات بأن تكون بالتراضي ولو أعطوها من العين مع تسليم الجميع بحرمانها منها بحكم الشارع فكأنهم أجروا معاوضة قهرية مع الزوجة من دون أخذ رضاها، ولم يثبت المسوّغ لها.

فالقول بالرخصة يحتاج إلى تكلّف وتأوّل ومؤونة زائدة، والقائل بها لا ينكر ظهورها العرفي في العزيمة كما اعترف السيد صاحب الرياض، قال (قدس سره): ((وإن كان الظاهر من النصوص وجوبها على الوارث على وجه قهري))(1)

إلا أنه قرأ الروايات واستدل بها على الرخصة بقرينتين:-

1- إن قوله: (لهن قيمة البناء) وأمثاله لا يدل على التعين بل على أصل الاستحقاق لأنه ورد في مقام توهم تعين استحقاقها من العين كبقية التركة لاختصاص الحرمان بالأرض فوردت هذه الروايات لدفع توهم التعين فتفيد الرخصة كورود الأمر عقيب الحظر.

2- إن هذا الحكم جُعل إرفاقاً بالورثة ودفعاً للضرر والمفسدة عنهم فهو رخصة لهم وإذا لم يكن فيه ضرر أو رضوا بذلك الضرر فلهم أن يعطوا من العين ولا يأخذوا بالرخصة.

والأمران لا يصلحان لمخالفة ظهور الروايات:

ص: 387


1- رياض المسائل: 14/388.

أما (الأول) فلظهور هذا التعبير وغيره بالتمليك والحكم بالجعل وفي بعضها (كالروايات 1، 14، 15) حصرية بالاستثناء فلا حاجة إلى هذه التأويلات، ولا نفهم وجهاً لمخالفة الظاهر. مضافاً إلى أن هذا الاحتمال معارض باحتمال كون الروايات في سياق توهم حرمانها من العين والقيمة كالأرض لتبعية الأبنية وآلاتها للأرض ونحو ذلك فيكون ظاهراً في استحقاقها من القيمة تعييناً.

وأما (الثاني) فلأن هذه المصلحة أحد وجوه الحكمة أو العلة ولم ترد في أكثر الروايات، والشارع المقدس أعرف بالمصالح والمفاسد الواقعية، ولو سلّمنا بكونها علة منحصرة فلا يستفاد منها الرخصة بل هي تجتمع مع الوجوب؛ لأن الشارع المقدس له القيمومة على الناس وهو أولى بهم من أنفسهم وأشفق عليهم وأعرف بمصالحهم فلا يفوِّض الأمر إليهم في بعض الحالات، كالإفطار والقصر في السفر فإنه إشفاق على المسافرين إلا أنه عزيمة عليهم وليس رخصة لهم.

الرجوع إلى الأصل:

ولو شككنا واحتكمنا إلى الأصل، فإن المسألة صغرى لدوران الأمر بين التعيين والتخيير فإما يتعين إخراج القيمة من غير عين الأبنية والآلات -على القول بالعزيمة- أو التخيير بين إخراجها من نفس العين أو غيرها، وهو يؤول إلى دوران الأمر بين الأقل -وهو كفاية إخراج القيمة مطلقاً- والأكثر -وهو مع خصوصية كون القيمة من غير العين-، ونلتزم هنا بكفاية إخراج القيمة من العين وغيرها وجريانالبراءة من الخصوصية الزائدة -وهي تعين إعطاء القيمة من غير العين- ونتيجته القول بالرخصة.

ويمكن تقريب المسألة على نحو آخر حاصله أن دفع القيمة يتيقن معه ببراءة الذمة من الاشتغال اليقيني، أما دفع نصيب الزوجة من العين فلا يتيقن

ص: 388

معه براءة الذمة فالمورد مجرى لقاعدة الاشتغال ومقتضاها دفع القيمة. لكن الأول وارد على الثاني.

وعلى أي حال فالأحوط للورثة دفع حق الزوجة من القيمة لا العين، ولكن إذا دفع الورثة من العين فالأحوط للزوجة عدم الامتناع والتراضي معهم عليها.

مسألة: قال السيدان الحكيم والخوئي ووافقهما السيد الشهيد الصدر (قدس الله أرواحهم): ((لو لم يرغب الوارث في دفع القيمة للزوجة عن الشجر والبناء فدفع لها العين نفسها كانت شريكة فيها كسائر الورثة ولا يجوز لها المطالبة بالقيمة، ولو عدل الوارث عن بذل العين إلى القيمة ففي وجوب قبولها إشكال وإن كان الأظهر العدم))(1).

أقول: أصل المسألة مبني على كون دفع القيمة رخصة للوارث فالاختيار بيده ووجه الإشكال وترجيح العدم أن الوارث بعد أن رضي بدفع العين بدلاً عن القيمة فقد وقع الفرز والقسمة بالتراضي وثبت للزوجة نصيبها بالعين وتعينت فيها فلا خيار له بعد ذلك، وللزوجة الامتناع عن قبول القيمة.

ص: 389


1- منهاج الصالحين للسيد الحكيم بتعليق الشهيد الصدر: 2/489، المسألة 12، وللسيد الخوئي: 2/373، المسألة 1794.
الفرع الحادي عشر: لو لم يكن مع الزوجة وارث غير الإمام (عليه السلام)؟
اشارة

فهل تحرم مما تحرم منه لو كان معها وارث آخر غيرها؟، وفرض المسألة مبني على القول بعدم الرد على الزوجة عند عدم الوارث، وإلا –كما حكي عن المفيد(1)

استناداً إلى صحيحة أبي بصير عن الصادق (عليه السلام)- فإن المسألة لا موضوع لها، وفي المسألة قولان:

(الأول) الحرمان، ووجهه:-

1- إنه مقتضى ((التدرج في طبقات الإرث وقيام اللاحقة مقام السابقة))(2).

2- إن ((مفاد الأخبار عدم استحقاقها الإرث لا تقديم الوارث عليها من باب المزاحمة والتقديم)) أي أن الروايات كصحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) (أن المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دار أو أرض) وصحيحة العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (ولا ترث من الرباع شيئاً) ومعتبرة ميسر عن أبي عبد الله (عليه السلام) (فأما الأرض والعقارات فلا ميراث لهن فيه) وغيرها:

ظاهرة في عدم استحقاق الزوجة الميراث من العقار مطلقاً وليس من باب تقديم الوارث الآخر عليها حتى يثبت لها الاستحقاق عند عدم الوارث.

ص: 390


1- راجع تفصيل القول في هذا المجلد: صفحة 172.
2- بلغة الفقيه: 3/106.
(الثاني) عدم الحرمان: ووجهه:-

1- ((دعوى عدم انصراف المطلقات في الأخبار المخصصة إليها)) أي أن أخبار حرمان الزوجة من العقار المخصِّصة لعمومات التوريث لا تنصرف إلى محل البحث فلا تشملها ويبقى المورد تحت العمومات.

2- ((عدم إتيان حكمة الحرمان هنا)) أي أن علة الحكم بحسب الروايات هي عدم إفساد الميراث على بقية الورثة ومفروض المسألة عدم وجود وارث غيرها فلا موضوع للحكم.

وصف السيد صاحب البلغة القولين بأنهما وجهان متردداً بينهما، لكن السيد الحكيم (قدس سره) استقرب الأول ((لمنع انصراف المطلقات أولاً، ولظهور بعض التعليلات في التعميم مثل ما في رواية ابن مسلم ورواية محمد بن سنان، بل وفيرواية ميسرة من قوله (عليه السلام): (ليس لها نسب ترث به، وإنما هي دخيل عليهم)(1).

أقول: ما ذكره (قدس سره) للترجيح غير كافٍ لانصراف المطلقات عما نحن فيه وظهور تعليلات حرمان الزوجة في الإضافة أي بلحاظ وجود ورثة نسبيين آخرين لا مطلقاً وهي صريحة في ذلك لقوله (عليه السلام): (عليهم) أي الورثة الآخرين وإلا فإن الزوجة هي أم النسب ووعاؤه واستحقاق الميراث لا يقتصر على الأنساب فلا يصح التمسك بالإطلاقات المذكورة واستفادة التعميم منها، والتردد باقٍ على حاله.

نعم الأمر هين هنا لأن شريك الزوجة في الميراث هو الإمام وهو ولي أمر الأمة ولا يدّخر وسعاً في إرضاء رعيته وسدّ احتياجاتهم.

ص: 391


1- رسالة في حرمان الزوجة من العقار منشورة في مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 43، ص 214.
الفرع الثاني عشر: إرث الزوجة من العقار الذي تعلق به الخيار
اشارة

لو باع شخص أو اشترى عقاراً وكان له فيه الخيار ثم توفي قبل الأخذ به، فهنا مسألتان على فرض حرمان الزوجة من العقار.

أولاهما: هل ترث الزوجة من الخيار أم لا بلحاظ حرمانها من متعلقه وهو العقار؟

ثانيهما: لو كان العقار مشترى وفسخ الورثة فهل ترث الزوجة من الثمن المردود، أو كان مبيعاً فهل ترث منه إذا رُدّ؟.

وهنا ملاحظتان:-

1- ولا علاقة بين المسألتين بمعنى أن إرثها من المردود عند الأخذ بالخيار لا يتوقف على القول بإرثها من حق الخيار في المسألة الأولى، فإن الحق في الخيار يعني التسلط على الفسخ وحل العقد لا التسلط على المال الراجع بعد الحل، فليس إرثها للخيار علة لإرثها من الثمن المردود في الأرض المشتراة ولا من الأرض المبيعة.

2- وفي الحقيقة فإن البحث يجري في كل ما يحرم منه بعض الورّاث كما لو كان متعلق الخيار بعض الحبوة التي هي من مختصات الولد الأكبر.

وعلى أي حال، فهنا مسألتان:

المسألة الأولى: إرث الزوجة من الخيار المتعلق بالعقار

وهذه المسألة تَعرَّض لها الأصحاب (قدس الله أرواحهم) في باب الخيارات من كتاب البيع ولم يتناولوها في كتاب الميراث فحرموا من وجوه مستفادة من قواعد هذا الكتاب، ولهم فيها أقوال:-

1- التفصيل بين ما لو كان العقار مشترى أو مبيعاً، فلا ترث الزوجة من الخيار في المشتراة وترث من المبيعة وهو أحد الوجهين في فهم ما استقربه

ص: 392

العلامة (قدس سره) في القواعد بعد تردد؛ قال (قدس سره): ((والخيار موروث بالحصص كالمال من أي أنواعه كان، إلا الزوجة غير ذات الولد في الأرض على إشكال، أقربه ذلك إن اشترى بالخيار لترث من الثمن))(1).

2- وقد فهمها على هذا النحو المحقق الثاني (قدس سره) وتبعه آخرون(2)

قال في جامع المقاصد شارحاً عبارة القواعد ((الخيار موروث لجميع الورّاث، مقسوم عليهم كالمال، إلا الزوجة غير ذات الولد في الأرض، فإنها لا ترث من الخيار المتعلق بها سواء كانت مبيعة أو مشتراة على إشكال ينشأ من أنه حق خارج عن الأرض فترث منه، ومن أنه من الحقوق المتعلقة بها فإرثه تابع لإرثها، ومع انتفاء التابع ينتفي متبوعه، والأقرب من هذا الإشكال عدم إرثها إن كان الميت قد اشترى أرضاً بخيار، فأرادت الفسخ لترث من الثمن، وأما إذا باع أرضاً بخيار، فإن الإشكال في هذه الصورة بحاله، لأنها إذا فسخت في هذه الصورة لم ترث شيئاً))(3).

3- التفصيل أيضاً لكن عكس الأول بمعنى إرثها في المشتراة والإشكال في المبيعة، وهو أيضاً مستقرب العلامة على الوجه الآخر لفهم عبارته، وأورده ولده فخر المحققين في الإيضاح وحكي عن السيد العميد وشيخنا الشهيد (قدس الله أرواحهم) قال فخر المحققين (قدس سره): ((ينشأ من عدم إرثها منها فلا يتعلق بها فلا ترث من خيارها (ومن) أن الخيار لا يتوقف على الملك كالأجنبي، ثم فرع المصنف دام ظله أنه لو كان

ص: 393


1- إبانة المختار في إرث الزوجة من ثمن العقار: لشيخ الشريعة الأصفهاني: 115.
2- إبانة المختار: 63.
3- جامع المقاصد: 4/306.

المورث قد اشترى بخيار فالأقرب إرثها من الخيار لأن لها حقاً في الثمن ويحتمل عدمه لأنها لا ترث من الثمن إلا بعد الفسخ فلو علل بإرثها دار)). أقول: تقريب الدور: أن استحقاقها الخيار معلل باستحقاقها من الثمن وهذا موقوف على الأخذ بالخيار والفسخ.

ثم قال (قدس سره): ((والأصح اختيار المصنف فإن الشراء يستلزم منعها من شيء نزّله الشارع منزلة جزء من التركة وهو الثمن فقد تعلق الخيار بما ترث منه))(1).

أقول: ردّ عليه في جامع المقاصد بأنه خلاف الظاهر.

واستظهر البعض أنه يمكن أن يكون ((مختار المحقق الثاني في جامع المقاصد والشيخ حسن))(2).

واختار هذا التفصيل السيد الحكيم (قدس سره) أيضاً، قال (قدس سره) في المسألة: ((أقوال أقربها حرمانه –أي الوارث- إذا كان –ما يحرم منه- منتقلاً من الميت –أي مباعاً-، فلو باع الميت أرضاً وكان له الخيار لم ترث منهالزوجة، ولو كان قد اشترى أرضاً وكان له الخيار ورثت منه كغيره من الورثة))(3).

فائدة: تردّد صاحب الجواهر (قدس سره) بين هذين الفهمين بحسب عبارته ولم يظهر منها ترجيح أي من التفصيلين حيث لم يعيّن محل استشكال العلامة، قال (قدس سره): ((وإن استشكل في أحدهما الفاضل في

ص: 394


1- إيضاح الفوائد: 1/487.
2- إبانة المختار: 116.
3- منهاج الصالحين بتعليق الشهيد الصدر: 2/70، أحكام الخيار، المسألة (1).

القواعد))(1).

أقول: لعل الأقرب فهم جامع المقاصد بحسب تسلسل العبارة لأن العلامة (قدس سره) استثنى الزوجة من إرث الخيار وظاهره الإطلاق الشامل لكون العقار مبيعاً أو مشترى، ثم استشكل في ما قاله من عدم الإرث مطلقاً ثم استقرب ذلك –أي عدم إرثها- لكن في خصوص ما إذا اشترى المورث.

أما إذا لاحظنا التعليل (لترث من الثمن) فإنه يحتمل الفهمين.

فيمكن أن يكون وجهاً لاستحقاق الخيار في الإرث المشتراة باعتبار أنها غير محرومة من الثمن ولها استعادة حقها.

ويمكن أن يكون وجهاً للمنع من الخيار الذي تريد الفسخ به لترث من الثمن أي منعها في المشتراة لئلا ترث من الثمن وهو فهم جامع المقاصد، ويكون الغرض من المنع قطع الطريق عليها للإضرار بالورثة وإنقاص حصصهم من الثمن.

4- إرثها من الخيار مطلقاً سواء كانت الأرض مشتراة أو مبيعة، وحكي عن المحقق القمي(2)

واختاره صاحب الجواهر قال: ((يظهر لك قوة القول بإرث الزوجة غير ذات الولد للخيار فيما إذا اشترى أرضاً وله الخيار، أو باعها كذلك))(3).

وتبعه أعلام المعاصرين، كالسيد الخوئي (قدس سره) في رسالته العملية -على عكس ما في شرحه للمكاسب-، قال: ((أقوال أقربها: عدم حرمانه –أي الوارث وهي الزوجة هنا-، والخيار لجميع الورثة، فلو باع الميت أرضاً وكان له

ص: 395


1- جواهر الكلام: 23/77.
2- إبانة المختار: 115.
3- جواهر الكلام: 23/77.

الخيار أو كان قد اشترى أرضاً وكان له الخيار ورثت منه الزوجة كغيرها من الورثة)).

وهو ظاهر الشهيد الصدر (قدس سره) قال في تعليقته على منهاج السيدالحكيم (قدس سره): ((إن كان الحرمان بمعنى عدم تأثير فسخه بمفرده فهذا مسلَّم حتى في غيره من الورّاث، وإن كان عدم احتياج نفوذ الفسخ من سائر الورثة إلى انضمامه إليهم في الفسخ فلا يخلو من إشكال، بل منع)).

واختاره السيد الخميني أيضاً، قال (قدس سره): ((ولو كان الخيار متعلقاً بمال خاص يحرم عنه بعض الورثة كالأرض بالنسبة إلى الزوجة والحبوة بالنسبة إلى غير الولد الأكبر فلا يحرم من الخيار المتعلق به مطلقاً))(1).

5- الحرمان مطلقاً، ونُسب إلى المحقق الثاني (قدس سره) ووافقه الشيخ علي بن كاشف الغطاء في ذلك(2)، لكن السيد الخوئي (قدس سره) حكى عن الشيخ الأنصاري (قدس سره) نفي هذه النسبة وأنه لم يقف على من جزم بعدم الإرث مطلقاً، وأضاف ((إلا أن المستشكل في الإرث مطلقاً موجود))(3)

ويقصد نفسه لذا قال: ((والصحيح من هذه الأقوال هو القول بعدم الإرث مطلقاً))(4).

6- ما اختاره المحقق النراقي من التفصيل بين صورة انحصار الوارث بها فلا ترث مطلقاً، وعدم الانحصار بها فترث مطلقاً(5).

ص: 396


1- تحرير الوسيلة: 1/482.
2- إبانة المختار: 115.
3- التنقيح في شرح المكاسب: ج40 من الموسوعة الكاملة، ص 132.
4- نفس المصدر السابق: ص 133.
5- مستند الشيعة: 14/415.

ووجهه أنه مع انحصار الوارث بها وحرمانها من إرث العقار حتى في هذه الصورة، فإن دليل توريث الحقوق المنحصر بالإجماع –عنده (قدس سره)- لا يشملها وحينئذٍ يكون مقتضى الأصل بقاء العقد وعدم انفساخه، وسيأتي في (صفحة 411 النقطة 4) ما يقرّب هذا الوجه أيضاً.

أقول: المسألة عميقة وفيها تفاصيل دقيقة وتستحق أن تُبحث بشكل مستقل لكنها خارجة عن محل البحث هنا وإنما نأخذ منها ما يتعلق بالمقام باختصار.

المختار: هو إرث الزوجة من الخيار مطلقاً:

والصحيح من الأقوال هو القول الثالث أي إرثها من الخيار مطلقاً؛ لوجود المقتضي لتوريث حق الخيار وعدم وجود المانع من شمولها به، أما المقتضي فوجوه:-

1- صدق عنوان (ما تركتم) في قوله تعالى: «وَلَهُنَّ الرُبُعُ مِمَّا تَرَكْتُم» «فَلَهُنَّ الثُمُنُ مِمَّا تَرَكتُم» (النساء:11) وعنوان (ما ترك) في قوله تعالى: «وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ» (النساء:7) ونحو ذلك على حق الخيار.

2- إن لفظ (الميراث) يقتضي ذلك؛ لأن معنى التوريث لغة: انتقال كل ما كان للميت وما اقتناه مما له مالية عرفاً وعقلائياً إلى ورثته، وهو معنى أمضاه الشرع المقدس وجرى عليه في خطاباته حيث أخذته الروايات مسلماً وتوجهت إلى بيان الشروط والموانع والكيفية ونحو ذلك، بل نجد في الروايات ما يؤكد ذلك كصحيحة أيوب بن عطية الحذاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث (ومن ترك مالاً فللوارث)(1) وحق الخيار له مالية ويبذل بإزائه المال.

ص: 397


1- وسائل الشيعة: 26/251: أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة، باب 3، ح14.

3- الإجماع، وقد حكى السيد الخوئي (قدس سره) تحققه ((من الكل حتى العامة ولم يخالف في ذلك إلا الشافعي في خصوص خيار المجلس ولعله من جهة أنه يرى الموت افتراقاً فعدم إرث الخيار من جهة ارتفاعه بالافتراق لا إن الخيار لا يورث))(1).

4- النبوي المشهور (ما تركه الميت من حق فلوارثه) الذي استدل به الأصحاب في كتبهم(2).

وإذا ثبت أن حق الخيار مما يورث فالزوجة داخلة في الورثة ولها نصيبها منه ولذا فإنهم لم يتوقفوا عن توريث الزوجة من حق الخيار فيما لم تحرم منه.

هذا على مستوى الدليل العام أي أدلة انتقال الحقوق ومنها حق الخيار للورثة ومنهم الزوجة.

وأما على مستوى الدليل الخاص بميراث الزوجة فيمكن إضافة وجهين لم يذكرهما من تعرض للمسألة لأنهم تناولوها في الخيارات من كتاب البيع، وهما:-

1- صحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) في ميراث الزوجين قال: (يرثها وترثه من كل شيء ترك وتركت)(3)، وحق الخيار داخل في هذا العموم.

2- ما دلّ على أن الزوجة لا ينقص نصيبها عن الربع أو الثمن كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (وإن الزوجة لا تنقص

ص: 398


1- التنقيح في شرح المكاسب، ج40 من الموسوعة الكاملة، ص 128.
2- جواهر الكلام: 23/75 وحكي الاستدلال به عن المسالك ومفتاح الكرامة والرياض وغيرها.
3- وسائل الشيعة: كتاب الميراث، أبواب ميراث الأزواج، باب 7، ح1.

من الربع شيئاً إذا لم يكن ولد فإن كان ولد فللزوج الربع وللمرأة الثمن)(1) وحرمان الزوجة من حق الخيار إنقاص لنصيبها.

وقد نوقش في النبوي بأنه مرسل لم يُعثر عليه أصلاً في جوامع الحديث الخاصة والعامة، وناقش السيد الخوئي (قدس سره) في صدق عنوان (ما ترك) ((إذ يعتبر أن يكون الموروث مما له بقاء بعد موت الميت حتى يصدق عليه عنوان ما تركه الميت)) و ((لا بد من أن لا يكون الموروث مما يمضي بمضي الميت)) ((وأما حق الخيار فهو ليس كذلك)) إذ ((ما علّق عليه ارتفاع الملكية هو فسخ نفسه فإذا مات ولم يفسخ فلا يعقل أن يتحقق فسخه بعد ذلك، وفسخ الوارث أجنبي عن فسخ نفس العاقد المعلق عليه ارتفاع الملكية، وتنزيل فسخ الوارث منزلة فسخ المورّث يحتاج إلى دليل وجعل وهو مفقود، وعليه فلا يكون حق الخيار مما له بقاء بعد موت المورث وإنما هو يمضي بمضي نفسه، فالتمسك بأدلة الإرث غير نافع في المقام لعدم صدق عنوان ما ترك في الخيار))(2).

أقول: لذا لم يتم دليل عنده إلا الإجماع على إشكال في تحققه كما قال.

ويجاب (نقضاً) بما أسميناه بالدليل الخاص وهما الوجهان المتقدمان حتى لو لم تسلم الإطلاقات والعمومات.

و(حلاً) بأنّ مناقشته (قدس سره) مردودة لأنه نظر إلى كون الخيار حقاً لشخص الميت فبنى على انتفاء الحق بموته والصحيح أن يُنظر إليه بعنوانه أي باعتباره مالكاً وطرفاً في الالتزام العقدي وهذا العنوان قد انتقل إلى وارثه ففيما تبقى من مدة الخيار يكون الورثة في مقام المالك وطرف الالتزام، فالدليل على انتقال الحق وتنزيل فسخ الوارث منزلة فسخ المورث موجود، اللهم إلا إذا اشترط المتعاقدان كون حق الخيار شخصياً.

ص: 399


1- وسائل الشيعة: كتاب الميراث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، باب 1، ح1.
2- التنقيح في شرح المكاسب، مصدر سابق: 40/130.

ملاحظة: وإذا ثبت أن الخيار حق وتحققت صغرى الإطلاقات والأدلة السابقة على توريثه فلا حاجة إلى البحث عن ثمرة منح الخيار للزوجة، وربط إرثها منه بتحقق الثمرة كما يظهر من بعض الأقوال المتقدمة وبعض المحاولات الآتية.أما المانع –ونعني به ما ذكره الأصحاب بعنوان أدلة الحرمان- فوجوه بلغت ثمانية عند شيخ الشريعة الأصفهاني(1)

(قدس سره)، نذكر أربعة منها ببيان من بعض الأعلام المعاصرين(2)

وتوضيح منّا إن شاء الله تعالى:-

الأول: ما تقدم في عبارة جامع المقاصد من أن الخيار من الحقوق المتعلقة بالأرض فإرثه تابع لإرثها، ومع انتفاء التابع ينتفي متبوعه.

أقول: بعد الالتفات إلى أن الصحيح في العبارة أن تقلب فإذا انتفى المتبوع انتفى تابعه، نقول إنه من الواضح أن هذا الوجه لو تمّ فإنه يختص بما إذا كانت الأرض مشتراة من قبل الميت لا مبيعه فلا يدل إلا على التفصيل في القول الأول، وعلى أي حال فقد أجيب بوجوه:-

1- إن الخيار ليس تابعاً للعين المشتراة أو المبيعة، وإنّما هو تابع للعقد ومتعلق به ومن شؤونه؛ ولهذا يبقى الخيار نافذاً حتى مع تلف العين، والوارث حيث إنّه يقوم مقام المورّث في كافة حقوقه يرث هذا الحق أيضاً؛ ولهذا يرث الخيار حتى إذا كان ما انتقل إلى الميّت بالخيار تالفاً قبل موت المورّث فلم ينتقل إلى الوارث.

2- لو فرضنا أنّ الخيار متعلّق بالعين وتابع لها فلا دليل على أنّ كلّما يكون متعلّقاً بالأرض من الحقوق تحرم الزوجة منها؛ إذ لا دليل على ذلك،

ص: 400


1- إبانة المختار: 116-118.
2- مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام): العدد 48، ص 16.

فإنّ روايات حرمان الزوجة المتقدّمة لا تقتضي أكثر من الحرمان عن إرث رقبة الأرض لا سائر الحقوق الثابتة فيها كما تقدّم شرحه.

والحاصل: لا ملازمة لا عقلاً ولا شرعاً ولا عرفاً بين حرمان الزوجة من إرث رقبة الأرض وحرمانها من حقّ الخيار أو أيّ حق من الحقوق المالية الأخرى فيها كحقّ الشفعة أو حق الأولوية فيها ، فتكون إطلاقات الإرث شاملة لإرث الزوجة من الخيار أيضاً.

3- إنه حتى لو قلنا بالأمرين السابقين فإنه يمكن النظر إلى الحق الذي ترثه الزوجة من غير جهة الأرض التي اشتراها الميت وفيها حق الخيار فتحرم الزوجة منه تبعاً لحرمانها من الأرض، وذلك بالنظر إلى ثمنها الذي له مصيب فيه، فمن حق الزوجة أن تفسخ لتسترد حصتها من الثمن، وهذا الحق مشمول بإطلاقات وعمومات التوريث.

وبتعبير آخر ((إن كلّ حق ثابت للميت يترتّب عليه استحقاق الميّت لمال1- يمكن أن ترث منه الزوجة لا وجه لحرمانها منه، وحق الاسترداد للثمن في المقام كذلك فترث منه الزوجة))(1)، وهذا المعنى هو الذي فهمه فخر المحققين وآخرون من عبارة العلامة المتقدمة فقالوا بالتفصيل الثاني (صفحة 393).

ويرد عليه: أن وجود حق للزوجة في الثمن أول الكلام لأنه متوقف على ثبوت الخيار وهو لم يثبت، والاستحقاق الشرطي للثمن على تقدير الفسخ لا يُنشئ حقّاً فعلياً في الخيار.

وأشكل فخر المحققين باحتمال حصول الدور بناءً على هذا المعنى،

ص: 401


1- مجلة فقه أهل البيت، العدد 48، ص 16.

قال (قدس سره): ((ويحتمل عدمه –أي إرث الخيار- لأنها لا ترث من الثمن إلا بعد الفسخ، فلو عُلّل بإرثها دار))(1).

بيانه: أن إرث الزوجة من ثمن الأرض –على القول به- فرع تحقق الفسخ، وهو متوقف على ثبوت الخيار لها، فلو أريد إثبات الخيار باستحقاقها من الثمن كان دوراً.

ويرد عليه ((أن استحقاقها للخيار الذي يعني حق الاسترداد للثمن لا تتوقف على ملكها بالفعل للثمن المتوقف على الفسخ وثبوت الخيار ليكون دوراً، بل متوقّف على استحقاقها من الثمن على تقدير الفسخ بنحو قيد الواجب والقضية التعليقية الشرطية، وهي صادقة قبل الفسخ، فلا دور))(2).

أي أن المتوقف عليه الخيار –بناءً على هذا الوجه ومع قطع النظر عن أدلة استحقاق الزوجة الخيار- هو الاستحقاق التقديري للثمن أما المتوقف على الخيار فهو الاستحقاق الفعلي له.

الثاني: إرث الخيار للزوجة يوجب إبطال حق سائر الورثة في تمام الثمن وهم الذين اختصوا بملك الأرض كاملة، وهو لا يجوز إلا إذا قام عليه دليل خاص، وهذا الوجه كالوجه السابق يختص أيضاً بما إذا كانت الأرض مشتراة بخيار لا العكس أي ينتج القول الأول.وفيه: أنّ هذا –أي فرض اختصاصهم بالثمن كاختصاصهم بالأرض دون الزوجة حتى يرد المانع- أوّل الكلام؛ فإنّه لم يثبت استحقاق سائر الورثة وعدم إمكان إبطاله عليهم إلا إذا ثبت عدم الخيار للزوجة، وإلا كان هو المتعيّن

ص: 402


1- إيضاح الفوائد: 1/487.
2- حكاه في إبانة المختار: 121 عن المحقق القمي وأورده في مجلة فقه أهل البيت، العدد 48، ص 16.

إذا كان مقتضى القاعدة نظير جعل الخيار للأجنبي الموجب لإبطال حق المتبايعين المختصين بالملك. وفي المقام مقتضى أدلّة الإرث وشمولها للحقوق المالية كالخيار والشفعة ثبوتها للزوجة أيضاً مع سائر الورثة، فإخراجها عن استحقاق إرث الخيار بحاجة إلى دليل.

ويمكن صياغة هذا الوجه بنحو أظهر من عبارة إبانة المختار وحاصله: أن الأرض انتقلت إلى بقية الورثة قطعاً، وفسخ الزوجة عبارة عن إبطال حق –وهو اختصاصهم بالأرض- ثبت لغيرها.

ويرد عليه: إنه مجرد شبهة بعد قيام الدليل على حقها في الخيار، مضافاً إلى أن الفسخ لا يحصل إلا باختيار جميع الورثة الخيار فيكون برضاهم فلا مانع.

الثالث: ما نسب إلى الشيخ علي كاشف الغطاء من أنّ مشروعية الخيار للإرفاق، وجعل الخيار للزوجة فيما إذا كانت الأرض مبيعة بالخيار خلاف الإرفاق بحقها؛ لأنّها إذا فسخت وردّت الأرض حرمت منها وتضرّرت. وهذا الوجه يختص بما إذا كانت الأرض مبيعة بخيار، ولا يتم فيما إذا كانت مشتراة كذلك، أي أنه يدل على القول الثاني، وسيأتي تفصيله (صفحة 406).

وفيه: منع ذلك كبرى وصغرى، فإنّه لا وجه لتخصيص الخيار بما إذا كان إرفاقاً بحق من له الخيار؛ ولهذا يمكن جعله للأجنبي. كما أنّ الزوجة قد تستفيد من استرجاع الأرض المبيعة بخيار –كما أشار إليه المحقّق القمّي في ما سننقل عنه (صفحة 406)- كما إذا كانت الأرض مبيعة بثمن بخس وكان سائر الورثة أولادها الصغار، وهي القيّم عليهم بحيث يكون استردادها أنفع بحالهم وحالها.

الرابع: إنّ الخيار إنّما يكون تركةً وحقاً مالياً مشمولاً لأدلّة إرث الخيار إذا كان يترتّب عليه نفع مالي للوارث، وهذا إنّما يصدق بالنسبة للزوجة إذا كانت ترث

ص: 403

شيئاً بسبب هذا الخيار، كما إذا كانت الأرض مشتراة بخيار، لا ما إذا كانت تفقد ذلك، كما إذا كانت الأرض مبيعة كذلك، فهو يدل على القول الثاني، ومن هنا ذهب العلامة وغيره إلى التفصيل المذكور بناءً على فهم فخر المحققين (قدس سره).

وفيه: أنّ مالية الحق وصدق التركة عليه لا يتوقف على ذلك، بل يكفي فيه كونه نافعاً في نفسه عقلائياً سواء لذي الخيار أو لغيره بحيث يمكن أن يبذل بإزائه مال من قبل من يمكن أن ينتفع به، وهذا حاصل في خيار الزوجة كالأجنبي.

أقول: اتضح من أكثر الوجوه أعلاه أنها تربط بين مسألتي هذا الفرع فتبحث عن الثمرة والمصلحة للزوجة في القول الذي تختاره في إرثها من حق الخيار وقد قدّمنابأنه لا ربط بين المسألتين؛ لأن حق الخيار من آثار العقد، ولا يتأثر بطبيعة المبيع والثمن وأحكامهما، وعليه فلا يصحّ التوقف عن الأخذ بأدلة استحقاق الزوجة للخيار إلى أن تجد المصلحة لها، فقد تكون المصلحة معنوية أو تعود لغيرها ممن يهمها أمره ونحو ذلك.

فالمختار هو استحقاق الزوجة الخيار كسائر الورثة، ونقوّي هذا القول بأمرين:-

1- روايات التعليل التي أفادت بأن حرمان الزوجة من العقار لكيلا تفسد على الورثة ميراثهم وهذا المحذور غير متحقق فيما نحن فيه لأن الخيار لا يمنح لكل وارث مستقلاً ولا بمقدار حصته فالزوجة لا تستطيع الفسخ بمعزل عن الورثة الآخرين فلا محذور يوجب حرمانها.

2- إنه الموافق للأصل بتقريب أشرنا إليه إجمالاً وهو مكون من مقدمتين (إحداهما) أنّ الخيار كما كان للمورث ينتقل إلى مجموع الورثة وأنّه ليس ممّا يتحصّص بالحصص وأنّ المورث لم يملك إلاّ فسخ الجميع والمنتقل إليهم إنّما هو حقه والزوجة داخلة في أهل الخيار، إذ لم يثبت

ص: 404

من أدلّة الخيار إلاّ الانتقال إلى الجميع الذين منهم الزوجة، فلم يعلم الانتقال إلى من سواها خاصّة. (ثانيهما) أن الأصل في الأخذ بالخيار هو لمن ينطبق عليهم كلي عنوان الوارث –واحداً أو متعدداً- فإعطاؤه للورثة دون الزوجة على خلاف الأصل وهو يحتاج إلى دليل يخرجها والمفروض عدمه.

تقييم الأقوال الأخرى:

(القول الأول) وهو تفصيل العلامة (قدس سره) بحسب فهم جامع المقاصد بين الأرض المشتراة فلا ترث من الخيار لأنه تابع للأرض التي تركها الميت، والزوجة محرومة منها، وبين المبيعة فترث الزوجة من الثمن الذي تركه الميت وكان المانعان الأول والثاني (صفحة 400-402) دليلاً على هذا القول وقد رددنا عليهما.

وقد عبّر السيد الخوئي (قدس سره) عن دليل هذا الوجه بصياغة أخرى أخذها من توجيه السيد اليزدي والشيخ المامقاني قوليهما في المسألة التالية (صفحة 417) قال (قدس سره): ((إذا كان المنتقل إلى الميت مما لا ترث منه الزوجة -وهو العقار هنا- فإنها لا سلطنة لها عليه حينئذٍ، ولا يتمكن من إرجاعه إلى مالكه الأول، والخيار سلطنة لإرجاع ما انتقل عنه بعد تسلّطه على ما وصل بإزائه))(1).

أقول: يرد عليه بمثل ما أوردنا على أصل الدليل لأن السلطنة على الخيار من آثار العقد وليس من توابع السلطنة على العين.

ص: 405


1- التنقيح في شرح المكاسب: 40/132.

(القول الثاني) وهو تفصيل العلامة (قدس سره) بحسب فهم ولده فخر المحققين وآخرين وهو عكس الأول أي حرمانها من الخيار في الأرض المبيعة دون المشتراة، وكان المانعان الثالث والرابع (صفحة 403) دليلاً عليه نعيدهما بشيء من التفصيل وقد حُكيا عن الشيخ علي كاشف الغطاء(1)(قدس سره):-

الأول: إن الخيار إنما شُرّع للإرفاق ورفع الضرر، ومن المعلوم أن فسخها في الأرض المبيعة ليس بإرفاق لها، بل ضرر عليها، فهو سفه لا إرفاق، إذ قبل الفسخ كانت مالكة للثمن، وبالفسخ يفوت عليها الثمن والمثمن.

الثاني: إن الأصحاب عللوا كون الخيار موروثاً بأنه حق مالي، ومرادهم بالحق المالي أن يكون ذلك المال مما يعود إلى من ينتقل إليه الخيار إذا فسخ بالخيار، ولا ريب في أن الزوجة المفروضة لا ترث من الأرض أصلاً فسخت أو لم تفسخ.

ويجاب الأول:-

1- بأن الإرفاق حكمة لا علة يدور الحكم مداره وإلا لانتفى الخيار فيما إذا كان مضراً بحال المختار.

2- إن المصلحة المتصورة للزوجة أوسع من إرثها من العين المردودة فيمكن أن تفسخ لمصلحة الورثة الآخرين كأولادها بإرجاع العقار الثمين إليهم فتضحّي بثمنها من الثمن من أجلهم ونحو ذلك، وذكر المحقق القمي ((تصويراً لوصول نفع فسخ الأرض المبيعة إليها مع حرمانها منها، فيما لو فرض أن الميت باع الأرض بثمن بخس لكونها كاسدة حين البيع، والآن ارتفعت وتريد الزوجة أن تتزوج بأخي الميت، والمفروض أن الوارث هو الأخ، وهذه الزوجة، فهي باعتقاد أن ما كان للزوج فهو

ص: 406


1- إبانة المختار: 70.

لولدها الذي يتولد منها. فلا ريب أن المصلحة لها حينئذٍ قطع النظر عن ذلك الثمن القليل واسترجاع الأرض، وإن لم ترث منها بنفسها))(1).

ويجاب الثاني:-

1- بمنع الملازمة بين الفسخ وحصول المال كما لو كان الخيار للأجنبي، ((وقد يورث ما لا تعلّق له بالمال كحق القذف ويقرب منه حق القصاص))(2).1- منع كون المراد من الحق المالي ما ذكر، بل يكفي في ماليته أن يكون مما يبذل بإزائه المال أو له نفع عقلائي للزوجة أو لمن يهمها أمره سواء رجع إلى المختار أو من هو منصوب من قبله مال بسبب الخيار أو لا كالشفعة مثلاً، وتقدم (صفحة 403) ما يرتبط بهذه الأجوبة.

واستبعد صاحب الجواهر (قدس سره) حرمان الزوجة من الخيار في كلا التفصيلين أي سواء كانت الأرض مبيعة أو مشتراه لعدم المانع، قال (قدس سره): ((إن حق الخيار في الثاني –أي كون الأرض مبيعة- قد تعلّق بالثمن الذي انتقل إليها بالإرث فيتبعه الخيار، وإن كان لو فسخت حرمت، إلا أن ذلك لم يثبت مانعيته من الإرث -وهذا رد على القول الثاني-، كعدم ثبوت اشتراط إرثه بالتبعية لعين -وهذا رد على القول الأول-، فلها أن تفسخ في الأول -وهو ما لو كانت الأرض مشتراة- أيضاً وترث من الثمن))(3)

لذا قوّى (قدس سره) القول الثالث بإرثها من الخيار مطلقاً كما تقدم.

ص: 407


1- إبانة المختار: 68.
2- جواهر الكلام: 23/77.
3- جواهر الكلام: 23/77.

وصنع السيد الخوئي (قدس سره) من كلام الشيخ المامقاني في جوابه على المسألة التالية(1)

إشكالاً على القول بالتفصيل في الجملة بما ((إذا كان المبيع عقاراً وقد باعه الميت ثم فسخه أحد الورثة أو المشتري فقد ذكروا أنّ العقار ينتقل إلى الميت وينتقل الثمن إلى المشتري فيؤخذ الثمن من الورثة ومنهم الزوجة ويدفع إلى المشتري، ولكنّه ممّا لم يتّضح لنا وجهه وذلك لأنه على خلاف ما يقتضيه الفسخ في المعاملات، إذ المفروض أنّ الثمن كان ملكاً للميت ولمّا مات قسّم بين الورثة ومنهم الزوجة لأنها ترث من النقود والثمن، فإذا فسخ العقد ورجع العقار إلى ملك الميت فلابدّ من أن يخرج الثمن إلى المشتري من ملك الميت لا محالة لأنه مقتضى الفسخ في المعاوضات، وحيث إنّ الميت لا مال له لخروج أمواله عن ملكه إلى ورثته نظير ما إذا أخرجه عن ملكه بالهبة والبيع ونحوهما من التصرفات، فيكون مديوناً للمشتري بمقدار الثمن فيجب على الورثة بأجمعهم أن يؤدّوا دينه بالتوزيع بينهم ومنهم الزوجة، لا أنّ الثمن يؤخذ من الورثة ومنهم الزوجة ويدفع إلى المشتري، فإنّ الزوجة بعد ما ملكت حصتها من الثمن وكذا غيرها من الورثة يحتاج إخراجه عن ملكها إلى مخرج جديد ولا مخرج له عن ملكها كما هو واضح، إذ العقار لا ترجع إليها حتى يخرج مقابلها من كيسها وقد قلنا إنّ الفسخ حل العقد من حينه وهو يفيد ملكية جديدة لا أنه حل العقد من أصله وإرجاع للملكية القديمة، وإنما يرجع إلى الميت وهو المطالب بالثمن، ويكون ذلك من قبيل ديون الميت يجب على الورثة ومنهم الزوجة أن يخرجواعن عهدة ديونه بحسب حصصهم ولا يستردّ من الزوجة ما وصل إليها من الثمن بحصتها، وبين الأمرين فرق ظاهر والثمرة بينهما ظاهرة))(2).

ص: 408


1- إبانة المختار: 178، رسالة (المحاكمة بين علمين من المعاصرين).
2- التنقيح في شرح المكاسب: 40/133-134.

أقول: ترد عليه (قدس سره) عدة ملاحظات:-

1- لم يحدّد القول الذي يرد عليه الإشكال لأن فرض الأرض مبيعة قد يفترض فيه (تارة) وجود الخيار للزوجة –كما في القولين الأول والثالث- وحينئذٍ تستطيع الزوجة منع الفسخ ودفع الإشكال. (وتارة) بعدم وجود الخيار –كالقول الثاني- فيمكن أن يكون للإشكال مورد، فلا بد من التقييد، ولعله أراد فرض عدم الخيار للزوجة إذ فرض الفسخ فعل سائر الورثة أو المشتري.

2- إن إشكاله (قدس سره) مبني على ما يقتضيه الفسخ في المعاملات –كما صرّح (قدس سره)- وهذا وحده غير كافٍ للإشكال لوجود حكم خاص في المسألة وهو حرمان الزوجة من العقار فما المانع أن ترجع الزوجة حصتها التي ورثتها من الثمن ولا تأخذ ما يقابلها من العقار لوجود الحكم الخاص.

3- إن إشكاله (قدس سره) يكون له وجه فيما لو كان الفسخ والاسترداد يجري بين الورثة والمشتري مباشرة، لكن الذي يحصل رجوع الثمن من الورثة إلى الميت ثم حصول الاسترداد والرد في ذمة الميت ومن ثم يوزَّع الميراث وهو العقار الذي تحرم منه الزوجة؛ بناءً على ما هو الصحيح من عودة العقار بالفسخ إلى ملك الميت ولو حكماً ولا مانع منه كما سنبيّن في المسألة الثانية إن شاء الله تعالى، ولازمه خروج الثمن من ملك الميت.

(القول الرابع) حرمان الزوجة من الخيار مطلقاً واختاره السيد الخوئي (قدس سره) في شرحه على المكاسب –على عكس ما اختاره لاحقاً في رسالته العملية-بناءً على ما انتهى إليه من انحصار دليل إرث حق الخيار بالإجماع -كما عند المحقق النراقي (قدس سره) من قبل- فإنه لم يورث الزوجة منه لوجود الخلاف فيه، لذا قال (قدس سره) بعد أن ذكر الأقوال في المسألة: ((والصحيح من هذه

ص: 409

الأقوال هو القول بعدم الإرث مطلقاً، والوجه في ذلك ما ذكرناه سابقاً من أن إرث الخيار ليس على طبق القاعدة فإنها تقتضي اختصاص الخيار بخصوص المورّث، لأن فسخه هو الذي قيّد به الالتزام المعاملي لا مطلق الفسخ، وإنما ثبت بالإجماع على خلاف القاعدة والمتيقن منه هو صورة كون ذي الخيار وارثاً للمال، ولا إجماع محقق في إرث الزوجة من الخيارالمبحوث عنه لأنه محل الخلاف والأقوال كما نقلناها آنفاً، فلا وجه لإرث الزوجة من الخيار في المقام أصلاً))(1).

ويرد عليه:-

1- لا شك في أن الإجماع منعقد على أن الحقوق كالأعيان والأموال تورث، وقد ورّثوا الزوجة من حق الخيار في الأموال والأعيان، وإنما حصل الخلاف في ميراث الزوجة من الخيار في الأرض لخصوصية في ميراثها منها، وهذا لا يضر بالاستدلال بالإجماع، وإشكاله ليس على مقتضي الاستحقاق وإنما بسبب وجود أحد الموانع المتقدمة ولم يسلم منها شيء.

2- إن إرث الخيار ليس خلاف القاعدة لما قلناه من أن صاحبه ليس الشخص بنفسه فينتفي بموته وإنما هو له بعنوانه مالكاً وطرفاً للعقد وهذا له بقاء وينتقل إلى الورثة.

3- إن النكتة التي ذكرها لسقوط الخيار ثبوتية مستندة إلى قصد المتبايعين وطبيعة العقد و((العقود تبع القصود)) –كما قيل- فلا يصححها دليل إثباتي مثل الإجماع أي أن الحكم بحرمان الزوجة حينئذٍ آبٍ عن التخصيص، ولو صحّت هذه النكتة فإنها تصحّ في كل الورثة وكل

ص: 410


1- المكاسب: 6/112.

متعلقات الخيار ولا تختص بميراث الزوجة من العقار وهذا مخالف لإجماع المسلمين.

4- مقتضى التحقيق وهو مختار السيد الخوئي (قدس سره) أيضاً(1)

أن الخيار ثابت لمجموع الورثة وليس لبعضهم مستقلاً ولا لكل واحد بما يقابل حصته، وحينئذٍ لا يضرّ الاعتراض من جهة عدم الدليل على ميراث الزوجة من الخيار لأنها داخلة في المجموع والأصل معها وإذا أراد حرمانها من حق الخير فلا بد من دليل يثبت حرمانها من الخيار وإخراجها من المجموع وهو ما لم يثبت وحينئذٍ يكون مقتضى الأصل ثبوت العقد حتى لو فسخ سائر الورثة لعدم استحقاقهم الخيار بدون الزوجة أما الزوجة فيكفيها دخولها في مجموع الورثة، اللهم إلا إذا انحصر الميراث بها فلا يوجد مجموع حتى تدخل فيه وحينئذٍ يكفي عدم الدليل على استحقاقها –لعدم دخول المورد في القدر المتيقَّن- لحرمانها من الحق، وهذا البيان يقرِّب قول المحقق النراقي (قدس سره) المتقدم، وستأتي مناقشته إن شاء الله تعالى.ولعل جملة من الأجوبة المتقدمة انقدحت في ذهن السيد الخوئي (قدس سره) لاحقاً فأوجبت عدوله إلى نقيض ما صحّحه هنا في رسالته العملية حينما استقرب إرثها مطلقاً في ما نقلناه (صفحة 395).

(القول الخامس) وهو تفصيل المحقق النراقي (قدس سره) بين انحصار الوارث بالزوجة فتحرم من حق الخيار، وعدمه فلا تحرم.

ص: 411


1- قال في المسألة (1) من أحكام الخيار: ((إذا تعدد الوارث للخيار فالظاهر أنه لا أثر لفسخ بعضهم بدون انضمام الباقين إليه في تمام المبيع ولا في حصته)).

وقد بنى (قدس سره) تفصيله على كون دليل استحقاق إرث الخيار منحصراً بالإجماع وهو غير متحقق في ما نحن فيه، وقد قرّبنا فكرته بأن الموجب لاستحقاق الخيار هو دخولها في مجموع الورثة حيث دلّ الإجماع على أن الخيار ينتقل إلى الجميع، ولم يثبت مخرج لها فلا يضرّها عدم الدليل الخاص على ميراثها من حق الخيار، أما عند انفرادها فلا مجموع حتى تدخل فيه فنحتاج إلى دليل على استحقاقها من الخيار ولا دليل لأن الإجماع لا يشملها لكون الصورة خارجة عن القدر المتيقن.

وقد تحصّل من مناقشاتنا السابقة عدة وجوه للرد عليه:-

1- عدم انحصار الدليل على إرث الخيار بالإجماع لوجود الإطلاقات والعمومات التي لا يفرّق فيها كون الوارث متعدداً أو متحداً، مضافاً إلى الأدلة الخاصة في المسألة.

2- لو انحصر الدليل بالإجماع فإن هذا المورد ليس خارج القدر المتيقن وخلافهم فيه لأمر خارج وهي قضية حرمانها من العقار فلا يضرّ بالإجماع كما ذكرنا (صفحة 410).

3- على القول بالرد على الزوجة عند انفرادها –كما عن المفيد- لا يبقى موضوع لهذا المنع فيحسُن التقييد وإن كان قول المفيد شاذاً.

وقد اعترف (قدس سره) بأنه بناءً على استظهار العموم من الروايات يكون القول بإرث الخيار مطلقاً هو الصحيح قال (قدس سره): ((ولو انحصر الوارث فيها فالحق –على ما ذكرنا من انحصار الدليل بالإجماع- عدم انتقال الخيار إليها، وأما على الاستدلال بالظواهر يجب الحكم بالثبوت، لعدم مخرج لإرث الزوجة عن الخيار))(1).

ص: 412


1- مستند الشيعة: 14/415.
المسألة الثانية: في إرث الزوجة من الأرض أو ثمنها المردودين على فرض الفسخ بالخيار

وهذه المسألة لم يحررها الأصحاب (قدس الله أرواحهم) بعنوانها في كتاب الميراث، لكن يمكن استظهار أقوال بعضهم مما ذكروه في المسألة الأولى حتى ورد استفتاء فيها إلى علماء النجف إبّان مرجعية الكاظمين اليزدي والخراساني (قدس الله سريهما) صاحبي العروة والكفاية (سنة 1317 ه-) فصدرت أجوبة متباينة وعزّزوها بالاستدلال نصرة للأقوال فحرّر اليزدي (قدس سره) رسالة صغيرة نسبياً، وأفاض شيخ الشريعة الأصفهاني (قدس سره) –الذي تبنى قولاً مخالفاً للسيد اليزدي (قدس سره)- في الاستدلال وألّف رسالة موسعة بعنوان ((إبانة المختار في إرث الزوجة من العقار بعد الأخذ بالخيار)) ثم وقعت الرسالة بيد الأخوند الخراساني (قدس سره) فوافقه في الجواب وأثنى عليها إلا أنه سجّل عدة ملاحظات أجاب عليها شيخ الشريعة في رسالة ثانية بعنوان ((صيانة الإبانة عن وصمة الرطانة)) واختار الشيخ محمد حسين المامقاني قولاً بالتفصيل بين السيد والشيخ ثم تدخل ولده الشيخ عبد الله المامقاني (قدس سره) فألّف ((المحاكمة بين علمين)) وقد جمعت رسائل الشيخ الأصفهاني والمامقاني وغيرها وطبعت في مجلد بعنوان ((إبانة المختار)).

والسؤال الوارد كان كالتالي ((رجلٌ اشترى أراضي وأعياناً بشرط خيار الفسخ للبائع إذا ردّ مثل الثمن في مدة معينة، ثم مات المشتري قبل مضيّ مدة الخيار وفسخ البائع فهل ترث زوجة المشتري من تمام الثمن المردود، ربعها، أو ثمنها؟ أو من خصوص ما يقابل الأعيان فقط بعد البناء على حرمانها من الأراضي عيناً وقيمة))(1).

ص: 413


1- إبانة المختار: 24.

ومنشأ السؤال أن المورِّث حينما مات ترك أرضاً والمفروض عدم استحقاق الزوجة شيئاً منها، لكن البائع لما فسخ العقد وأرجع الثمن إلى الورثة فإنه مما لا تحرم منه الزوجة، فهل تحرم الزوجة من الثمن باعتباره مقابل الأرض التي كانت الزوجة محرومة منها عند الوفاة، أم أنها ترث منه كبقية الأموال والأعيان التي تستحق الزوجة نصيبها منها.

الأقوال في المسألة:

وقد ذهب السيد اليزدي (قدس سره) إلى حرمانها من الثمن المردود، وقال في وجهه: ((وذلك لأنها حين الموت لم ترث منها بل انتقلت بتمامها إلى بقية الورثة فبدلها المردود بالفسخ ينتقل إليهم دونها؟ فإن الفسخ وإن لم يكن معاوضة جديدة بل هو حل للعقد سابقاً إلا أنه لما كان مؤثراً من حينه يوجب زوال استمرار الملكية لا زوالها من الأول، ومقتضاه تبدّل ملكية الوارث لما ورث، لا الانتقال إلى الميت))(1).وأجاب شيخ الشريعة على الاستفتاء بخلاف ما ذهب السيد اليزدي (قدس سره) فقال: ((لا خلاف بل لا إشكال في إرثها من جميع الثمن المردود، وأنّ المدار في إرثها وحرمانها على ملاحظة التركة بعد الفسخ، فإن كانت الأرض مبيعة بمعنى أنّ الميّت باعها ورجعت بالفسخ حُرمت منها الزوجة، وإن كان قد انتقل إليها عوضها فيؤخذ منها الثمن ولا يردّ عليها شيء من الأرض، وإن كانت مشتراة كما في المفروض ورثت من الثمن الراجع، وإن حُرمت حال الموت من الأرض من غير فرق في المسألتين بين كون الخيار للميّت أو للطرف الآخر أو لأجنبي.

ص: 414


1- إبانة المختار: 86.

فإنّ الفسخ وإن كان من حينه إلاّ أنّه يوجب حلّ العقد الواقع بين الميّت وطرفه ونقض ما أبرماه، فبعد الفسخ يصير الثمن في حكم مال الميّت في المفروض، ويرتفع المانع من إرث الزوجة من خصوصية قائمة بالأرض، فيرتفع الممنوع))(1).

وهذا القول الثاني هو ظاهر كلمات الأصحاب في المسألة السابقة بل صريحها عند بعضهم وهو إرثها من الثمن المردود وعدم إرثها من الأرض المردودة أي أن المدار في حرمان الزوجة وعدمه إنما هو بملاحظة التركة حين الفسخ، وظاهره عود المردود بالفسخ إلى الميت ولو حكماً، بل هو صريح بعضهم كما سننقل عن المحقق النراقي (قدس سره).

ووصفه شيخ الشريعة بأنه من المسلّمات عند الأصحاب، حيث قال (قدس سره) بعد أن ذكر اختلافهم في المسألة السابقة: ((أما أنها ترث من الثمن الراجع على تقدير الفسخ في الأرض المشتراة وتحرم من الأرض المردودة بعده في المبيعة فمما لم يقع لأحد فيه كلام، بل أرسلوه إرسال المسلّمات، وأجروا عليه حكم الواضحات الضروريات وسكتوا عن الاحتجاج له بحجة وبرهان، واكتفوا فيه بما يرونه من العيان عن تجشّم البيان))(2).

ثم نقل كلماتهم الدالة على ذلك وأولها كلمة العلامة في القواعد التي أرسلت ترتُّب إرثها من الثمن على الفسخ مسلّماً.

وقد اعترف السيد اليزدي (قدس سره) بهذا المشهور واعتبره مفروغاً منه بل اختاره في تعليقته على المكاسب حيث انتهى إلى القول: ((فالحق ما ذكره شيخنا المذكور -أي الأنصاري (قدس سره)- من أن مقتضى الانحلال الرجوع

ص: 415


1- إبانة المختار: 25.
2- إبانة المختار: 62.

إلى الميت كمافي فسخ الأجنبي))(1)

لكنه اختار هنا القول الأول المخالف له، قال (قدس سره): ((وإن كان يظهر من صاحب الجواهر والمحقّق الأنصاري وبعض آخر في عكس المسألة –وهو ما إذا كان الخيار للميت- أنّ المدار في حرمان الزوجة وعدمه إنّما هو حين الفسخ، ولازمه إرثها في مفروض السؤال عن تمام الثمن المردود، بل لعلّه يظهر منهم المفروغية من ذلك، إلا أنّ الأظهر عندي أنّها في فرض السؤال لا ترث ممّا يقابل الأراضي من الثمن))(2).

أقول: قوله: ((بعضٌ آخر)) يوهم بأن من ذهب إلى هذا الحكم غير هذين العلمين ليس بذي شأن ربما للتقليل من ثقل هذا القول ولفتح باب النقاش والإشكال عليه، بينما هو مختار الأساطين كالعلامة وولده فخر المحققين والمحقق الكركي كما احتمل شيخ الشريعة وقال: إنه لم يقف على نكتة لهذا التعبير(3).

واختار المحقق النراقي (قدس سره) قول المشهور أيضاً وإن فصّل في كلامه بين كون الفسخ بالخيار مطلقاً أو مشروطاً برد الثمن لنكتة سنشير إليها إن شاء الله تعالى، إلا أن هذا لا يعتبر تفصيلاً في قول المشهور وإنما هي من اللواحق التي يضيفها المتعاقدان بحسب إرادتهما قال (قدس سره): ((فإن كان ذو الخيار المورث بائعاً، فإن لم تجوز الزوجة الفسخ ترث حصتها من الثمن، وإن اختارت الفسخ مع سائر الورثة لم ترث من الأرض ولا من ثمنها)) لأنها محرومة من الأرض المردودة أما الثمن فقد رجع إلى المشتري، وعلل ذلك بقوله: ((لأن بعد الفسخ يستحق المشتري الثمن من مال البائع -الذي هو الميت-، إذ انتقاله إليه كان من جهة البيع وقد انفسخ، وانتقال حصتها من الثمن إليها قبل الفسخ كان

ص: 416


1- حاشية السيد اليزدي على مكاسب الشيخ الأنصاري: 2/151.
2- إبانة المختار: 85 وحكي عن (سؤال وجواب للسيد اليزدي: 198).
3- إبانة المختار: 86.

انتقالاً متزلزلاً)) وهذا التعليل بنى عليه شيخ الشريعة مختاره، ثم أضاف: ((هذا إذا كان الشرط مطلقاً.

وإن كان -الخيار الذي هو للمورِّث- مقيداً بردّ الثمن، فيتبع الحكم ما قررته الزوجة أولاً، فإن اختارت الفسخ مع رد الثمن من مال الميت تنقص حصتها من الثمن، وإن اختارته مع رده من مال سائر الورثة لم تنقص.

وإن كان ذو الخيار مشترياً -وهو المورّث- للعقار في مفروض المسألة-، فإن اختارت الزوجة الإجازة لم ترث من الأرض، وإن اختارت الفسخ ورثت من الثمن))(1).ويوجد قول ثالث بالتفصيل: للشيخ عبد الله المامقاني في رسالته (المحاكمة بين علمين من المعاصرين) وحكاه عن والده الشيخ محمد حسن (قدس سره) في جوابه عن المسألة ذاتها وهو التفصيل بين ما إذا كان الفسخ بخيار للميت، فترث من الثمن المردود وما إذا كان الفسخ بخيار للطرف الآخر فلا ترث منه، قال (قدس سره) في جواب الاستفتاء بعد ذكره فرض المسألة وهو كون الخيار للطرف الآخر: ((وجهان أقواهما عدم استحقاقها من ذلك الثمن شيئاً لأن الأرض قد انتقلت بموت المورِّث إلى غير الزوجة من الورثة فإذا فسخ البائع العقد خرجت الأرض من ملك غير الزوجة من الورثة، ودخلت في ملك البائع فينبغي أن يخرج الثمن من ملك البائع ويدخل في ملك غير الزوجة من الورثة؛ لأن من المقرّر المعلوم أن العوض يدخل في ملك من خرج المعوَّض عن ملكه، من غير فرق في ذلك بين المعاوضة البدوية وبين فسخ المعاوضة، وقد خرجت الأرض من ملك غير الزوجة فيدخل الثمن في ملك غيرها))(2).

ص: 417


1- مستند الشيعة: 14/415.
2- إبانة المختار: 178، الرسالة الثالثة.

وقال بعد إشكالات وجوابها: ((ثم إن هذا كله إنما هو فيما إذا كان الخيار لغير الميت –كما في فرض المسألة-، وأما لو كان للميت المشتري وقلنا بإرثها الخيار المذكور فالأظهر إرثها من الثمن بعد الفسخ في مفروض البحث))، وقال (قدس سره) في وجه استحقاق الزوجة من الثمن المردود فيما إذا كان الخيار للمورّث دون غيره: ((والفرق بينه وبين سابقه أن الزوجة هنا –حينما كان المورّث مشترياً للأرض وله الخيار- وإن لم ترث من الأرض شيئاً، إلا أنها ورثت السلطنة على التملك، فملكت أن تملك الفسخ، فإذا فسخت ملكت من الثمن بقدر نصيبها لإرثها، للعلقة المشار إليها))(1).

أقول: يمكن استفادة وجه لتفصيل المامقاني من رد السيد اليزدي على دعوى مخالفة لقوله حاصلها ((إنّ الزوجة إنّما ترث من تمام الثمن المردود من جهة تعلّق حقها بالأرض؛ لمكان كونها متزلزلة وفي معرض التبدّل بالثمن الذي لا مانع لها من إرثه)).

فذكر في الجواب ما يظهر منه احتمال الفرق المذكور، وإن اختار في النهاية عدم الفرق، قال (قدس سره): ((المفروض أنّ البيع بالنسبة إلى الميّت لازم، والخيار إنّما هو للطرف المقابل، فلا حق له في الثمن حتى يكون منتقلاً إلى الزوجة)) وهنا رأى السيد أنه انساق إلى تفصيل المامقاني، فاستدرك على نفسه قائلاً: ((نعم يمكن هذه الدعوى في عكس المسألة، وهو ما إذا كان الخيار للميت)) واستثمر هذه الدعوى لتوجيه كلمات أساطين المشهور وتسليمهم باستحقاق الزوجة من الثمن بأنه ناشئ من إرث الزوجة لهذا الخيار لا مطلقاً كما تصوّر شيخ الشريعة، فقال (قدس سره): ((ومنذلك يمكن أن يقال: إنّ نظر صاحب الجواهر (رحمه الله) وغيره إلى دعوى ثبوت الحق، لا أنّ مقتضى الفسخ العود إلى الميّت حقيقة أو حكماً، فلا يلزم من حكمهم في مسألة العكس

ص: 418


1- المصدر نفسه: 181.

–وهي ما لو كان الخيار للمورّث- حكمهم في مسألتنا –وهو كون الخيار للطرف الآخر-)).

أقول: بيان وجه التفصيل أن الخيار إذا كان للميت فكأنّ ما انتقل عنه –سواء كان أرضاً أم غيرها- يبقى متزلزلاً قابلاً للاسترداد من قبل الميت، فكأنّه لم ينتقل بالكلّية عنه، ولا يزال تحت سلطانه؛ لتمكّنه من استرداده وإرجاعه في ملكه، وهذا يجعله داخلاً في عنوان التركة حقيقة أو حكماً وبحكم أمواله وتركته من حيث شمول دليل حرمان الزوجة له إذا كان أرضاً وعدمه إذا لم يكن، ففي مفروض المسألة عندما كانت الأرض مشتراة فإن للزوجة تسلطاً على استرداد الثمن بإرثها الخيار وهذا موجب لاستحقاق نصيبها من الثمن.

وهذا بخلاف ما إذا كان الخيار للطرف الآخر والملكية لازمة ومنقطعة من جانب الميت، فلا خيار للزوجة ولا سلطة على استرداد الثمن، وإنما أرجعه الطرف الآخر بخيارٍ له، فإنه ملك جديد يدخل في ملك من يخرج عوضه من كيسه وهو سائر الورثة، ونتيجته أن دعوى صدق التركة حقيقة أو حكماً على المال المردود بالفسخ إذا كان الخيار للميت أولى وأوضح مما إذا كان البيع لازماً من طرفه.

أقول: لم يرتض كلا العلمين هذا التفصيل وأطلقا جوابهما، فقال السيد اليزدي بعد كلامه الآنف: ((والحق عدم تماميتها في مسألة العكس-أي فيما لو كان الخيار للميت- أيضاً، وذلك لأنّ الحق الثابت للوارث إنّما هو الخيار في الفسخ والإمضاء، ولا حق له في العين التي انتقلت عن الميت))(1).

ورفض شيخ الشريعة هذا التفصيل أيضاً، قال (قدس سره): ((وقد اتضح وإن كان واضحاً أن هاتين الملازمتين –أي إرثها من الثمن المردود وعدم إرثها من الأرض

ص: 419


1- إبانة المختار: 105.

المردودة- لا مدخلية فيهما للفاسخ بوجه ولا لكون الخيار للبائع أو للمشتري أو لأجنبي))(1).

أقول: وضوحه مبني على ما جعله منشأ الخلاف في المسألة وهو حقيقة الفسخ بالخيار فقد ذهب إلى أنه ليس معاوضة جديدة وإنما هو حل لنفس العقد السابق ولازمه عود المردود إلى الميت ولو حكماً، وهذا لا يفرق فيه بين كون الفسخ من هذا الطرف أو ذاك فادعى الملازمة بين الفرضين في الحكم.واحتمل البعض أن المامقاني (قدس سره) استظهر ذلك التفصيل من عبارات الأصحاب في المسألة السابقة إذ كان حكمهم بميراث الزوجة من الثمن المردود دون الأرض المردودة بلحاظ كون الخيار موروثاً من قبل الميت وسكتوا عما لو كان الخيار للطرف الآخر فاستظهر الفرق بين الفرضين، وقد تقدم في تقريب السيد اليزدي (قدس سره) ميله إلى حمل كلام صاحب الجواهر (قدس سره) وغيره على لحاظ هذه النكتة.

إلا أن شيخ الشريعة قال في وجه عدم صلاحية هذا السكوت لاستظهار الفرق: ((وإنّما العلّة في اختصاص خيار الميت بالذكر في كلامهم هي أنّ المقصد الأصلي في كلام كلّ من وقفنا على قوله هو التكلّم في إرث الزوجة من الخيار الثابت لزوجها فيما إذا باع أرضاً أو اشتراها. ومن الواضح أنّ التكلّم في إرث الزوجة من الخيار الثابت لزوجها فيما إذا باع أرضاً أو اشتراها في أنّها ترث من الخيار أم لا موقوف على فرض الخيار للميت))(2).

وقال (قدس سره) تعريضاً بتفصيل المامقاني ونقضاً عليه: ((واختصاص ما إذا كان الخيار للميت بالذكر في كلامهم ليس لأن له مدخلاً في إرثها من الثمن في المشتراة، وحرمانها من الأرض في المبيعة ضرورة أن علة

ص: 420


1- إبانة المختار: 62.
2- إبانة المختار: 61.

حرمانها من الأرض عندهم لا يمكن أن تكون إرثها من الخيار، ومن يقول بحرمانها منها جزماً مع القول بإرثها من الخيار أو مع احتمال إرثها منه لا يعقل أن لا يقول بحرمانها مع عدم احتمال إرثها، كما إذا كان الخيار للبائع وهو مفروض مسألتنا، فليس الحرمان عندهم –في صورة كون المبيع أرضاً وتسترد بالفسخ- لخصوصية في خيار الميّت المحتمل إرث الزوجة منه بالضرورة، بل ليس إلاّ بملاحظة حال التركة بعد الفسخ، وإنها وإن كانت نقداً في حال الموت إلاّ أنّها تبدّلت أرضاً مشتملة على المانع بعد الفسخ، وكذلك حال إرثها من ثمن الأرض المشتراة بعد الفسخ، ليس السبب فيها إرثها للخيار، أو تعلّق حقّها به، بل المنشأ فيه ارتفاع المانع بعد الفسخ، كما أنّ المنشأ في عكسها وجود المانع، وليس تعلّق حق الخيار بالثمن على تقدير القول به، بأقوى من تملّكها الحقيقي للثمن في الأرض المبيعة، ومع ذلك تراهم يحكمون بالحرمان منها مع تملّكها لمقابلها وأخذه منها))(1).

أقول: يمكن تلخيص عدة وجوه للرد على تفصيل المامقاني (قدس سره) منها:-

1- إن حق الخيار الذي ترث منه الزوجة يعني التسلط على الفسخ والإمضاء لا أكثر فلا تسلط لها بمقتضاه على العين المنتقلة عن الميت.

2- إن نتيجة الفسخ عودة المبيع أو الثمن إلى مالكه الأصلي ودخوله في عنوان التركة وملاحظة استحقاق الزوجة وعدمه بلحاظ هذا الفرد الجديد ولا دخل لإرث الخيار فيه وقد نبهنا سابقاً إلى عدم ارتباط المسألتين.

3- إن بناء استحقاقها من الثمن على استحقاقها الخيار يلزم منه أن منعها من الأرض المبيعة لنفس السبب وأنها لا تحرم من الأرض إذا كان الخيار للطرف الآخر ونحو ذلك من اللوازم الباطلة.

ص: 421


1- إبانة المختار: 60.
مناقشة قولي السيد اليزدي وشيخ الشريعة:

وبالعودة إلى رأي العلمين نقول: إن شيخ الشريعة يذهب إلى أن الزوجة ترث من ثمن الأرض المشتراة المردودة بالفسخ رغم أنها لا ترث من نفس الأرض المشتراة به، أما إذا كانت الأرض مبيعة من قبل الميت بخيار له أو للطرف الآخر فإن الزوجة لا ترث منها.

أما السيد اليزدي (قدس سره) فقد ذهب إلى عكس ذلك واختار أن الزوجة لا ترث من الثمن المردود ولكنها ترث من الأرض المردودة.

وقد اتضح من كلماتهما المتقدمة (صفحة 413) أنهما متفقان على حقيقتين (أولاهما) كون الفسخ حلاً للعقد الأصلي وليس معاوضة جديدة. (ثانيهما) أن آثار الفسخ تترتب من حينه وليس بأثر رجعي أي من حين العقد، وعلى هذا مشهور المحققين.

وبالتأمل في كلماتهما تجد أن محل الخلاف هو في ملاحظة طرفي المبادلة حين إيقاع الفسخ فهما عند السيد اليزدي الطرف الآخر وسائر الورثة لأنهم هم طرف العقد بعد الوفاة وحين الفسخ ويقومون مقام الميت فالثمن يرجع إليهم لأنه بدل الأرض التي كانت من استحقاقهم حين الوفاة وخرجت الزوجة عن الاستحقاق.

أما عند الشيخ الأصفهاني فإن المبادلة تقع بين الطرف الآخر والميت لأنهما طرفا العقد الأصلي الذي حلّه الفسخ فإليهما ترجع الأرض والثمن المردودان وعليه فإن الثمن يرجع إلى ملكية الميت أولاً ثم إلى ورثته وفق قواعد الميراث ولا تحرم الزوجة منه.

ونتيجة ذلك أن مصب النزاع في استحقاق الورثة من الثمن المردود أو الأرض المردودة يكون بملاحظة التركة عند الوفاة بحسب السيد اليزدي وعند الفسخ بحسب شيخ الشريعة وظاهر المشهور.

ص: 422

وقد اتفق معه السيد اليزدي في أن الفسخ حل للعقد الأصلي إلا أن العقد له وجودان أحدهما ابتدائي حين إنشاء العقد والميت طرف فيه والآخر استمراري طرفه سائر الورثة بعد الوفاة، والفسخ يزيل وجوده الثاني لا الأول فيعود الثمن إلى الورثة مباشرة، قال (قدس سره): ((إلا أنه –أي الفسخ بالخيار- لما كان مؤثراً من حينه يوجب زوال استمرار الملكية لا زوالها من الأول ومقتضاه تبدّل ملكية الوارث لما ورث لا الانتقال إلى الميت))(1).أقول: بتقريب أن الوجود الاستمراري البقائي قائم بطرف العقد البقائي، وهم الورثة الذين ينزّلون منزلة الميت ويقومون مقامه وهم من لهم العقد بقاءً واستمراراً فينتقل الثمن إليهم بالفسخ مباشرة.

وقد أجيب بمنع هذا التفكيك بين الوجودين وأنّ انهدام الوجود البقائي يلزم منه انهدام وجوده الابتدائي أيضاً، قال شيخ الشريعة: ((استمرار الملكية عبارة عن وجود الملكية في الزمان الثاني، وأن الحدوث والاستمرار اعتباران لاحقان للوجود مقيساً إلى الزمان الأول والثاني، فإذا زال استمرار الملكية باعترافه فقد زال أصل ملكية البائع أيضاً في الزمان الثاني، فيرجع المالان إلى الحالة الأولى ويعودان إلى مالكهما حقيقة أو حكماً لوجود المقتضي وفقد المانع، فيرتّب على العود أحكامه، فكون الفسخ من حينه موجباً لزوال الاستمرار كيف يترتب عليه ما ادعاه كيف يكون ذلك مقتضاه، فما أثبته منفي، وما نفاه مثبت.

نعم يؤثر كون الفسخ من حينه في أن نماء الأرض لبقية الورثة دون الزوجة، ولا كلام لنا فيه كما لا كلام لأحدٍ في حرمان الزوجة قبل الفسخ من الأرض بعد البناء على الحرمان في أصل المسألة))(2).

ص: 423


1- إبانة المختار: 86.
2- إبانة المختار: 87.

أقول: إذن جوهر ما بنى عليه السيد اليزدي قوله هو عودة الثمن أو المبيع عند الفسخ إلى الورثة ولكنه (قدس سره) يدرك ورود عدة إشكالات ونقوض على هذا المبنى وقد أورد بعضاً منها على نفسه وأجاب عليها، وتضمنت المناقشات بعضاً آخر منها:

(منها) قوله (قدس سره): ((ودعوى: أنّ مقتضى القاعدة -أي ما يقتضيه معنى الفسخ- عود الملك بالفسخ إلى العاقدين والوارث ليس عاقداً. مدفوعة: بمنع ذلك، بل مقتضاها العود إلى من له العقد سواء كان هو العاقد أو من يقوم مقامه، والوارث قائم مقام الميّت وعقده عقد له أيضاً، فملكيته إنّما جاءت من قبل عقد مورثه حيث إنّه نائب عنه بل وجود تنزيلي له؛ ولهذا لم يعد الانتقال إليه من التلف حتى يستلزم الرجوع إلى البدل بعد الفسخ، كما هو كذلك إذا باعه الميت قبل موته ثمّ فسخ الطرف الآخر فإنّه يعدّ تلفاً وينتقل إلى البدل.

والسرّ في الفرق: أنّ الوارث كأنّه هو العاقد وملكيته ملكية المورث العاقد، بخلاف المشتري من الميت، ففي الإرث كأنّ العين لم ينتقل من العاقد إلى غيره حتى يكون بمنزلة التلف فبعد الفسخ يرجع الطرف الآخر إلى نفس العين ويأخذها من الوارث، بخلاف البيع فإنّه يرجع إلى بدل العين))(1).

أقول: وكأنه (قدس سره) لا يرى وجهاً للبناء على أن الفسخ يعني عودة المال المنتقل بالعقد إلى الميت حقيقة أو حكماً ثم إلى الوارث ولازمه رجوع ما انتقل إلى الورثة إلىالميت آناً ما ثم إلى الطرف الآخر بالفسخ لأن هذا كله يحتاج إلى مؤونة وعناية لا حاجة إليها ولا دليل عليها.

وقد بقي مصرّاً على هذا المبنى إلى آخر رسالته حيث لخّص موقفه قائلاً: ((وكيف كان فقد تحقّق أنّ مقتضى الفسخ العود إلى المالك الفعلي، ولا داعي

ص: 424


1- إبانة المختار: 100.

للعود إلى الميت حقيقة أو حكماً بحيث يورث منه مجدّداً، فالمناط في الحرمان -أي حرمان الزوجة من الأرض أو الثمن- وعدمه إنّما هو حال الموت لا حال الفسخ))(1).

وأجيب بوجوه:-

1- إن تعبير ((من له العقد)) مخترع لم يقل به أحد من الخاصة والعامة إذ من له الملك بالعقد ليس إلا العاقد وهو مختلف عمن ينتفع بالعقد ويستفيد من آثاره.

2- إن رجوع الملك إلى الميت على طبق القاعدة وليس تمحلات أو مؤونة زائدة أو أنه بلا دليل لأن المقتضي موجود –وهو كونه عاقداً- والمانع–وهو تملّك الميت- مفقود لوقوعه في الشريعة كدية الجناية عليه وتملّك ما وقع في الشبكة التي نصبها في حياته ونحو ذلك، فليكن منها ما يعود إليه بالفسخ، أما ملك الورثة فهو متزلزل مراعى بحصول الفسخ بسبب وجود الخيار فعند الأخذ بالخيار تسقط ملكيتهم للفرد الذي كان موجوداً عند الوفاة ويعود الثمن أو المبيع إلى مورّثهم، وليس في ذلك أي مخالفة للقواعد، بل هو ما تقتضيه، وإن ما كان تركةً قبل الفسخ تبدل إلى فرد آخر بعد الفسخ وتجري على كل منهما أحكامه من حيث الاستحقاق والمنع، وسيأتي مزيد من التفصيل عند بيان القول المشهور.

3- إن قيام الدليل على تنزيل الوارث منزلة مورّثه في تملك ما كان متملكاً لا يوجب أن يكون عقد مورّثه عقداً له، حتى لو وجد دليل متضمن للفظ التنزيل، ولذا تسمع قطعاًً شهادة من يرث من العاقد للعقد الذي وقع منه إذا شهد في حياته، ولو كان له العقد ما قُبلت شهادته لنفسه.

ص: 425


1- إبانة المختار: 109.

4- لو سلّمنا أن مقتضى الفسخ العود إلى من له العقد وأن الميت والوارث كليهما ممن له العقد، أحدهما تحقيقاً -وهو الميت- والآخر تنزيلاً -وهو الوارث-، فأي معيِّن لخصوص التنزيلي بعد إمكان اعتبار الحقيقي، وجعل المال في حكم ماله، واقتضاء الفسخ له وعدم المانع منه، وليس عنده دليل خاص تعبدي غير ما يقتضيه الفسخ، اللهم إلا أن يقال أن المعيِّن هو كون الوارث هو المالك الفعلي عند الفسخ وهو ليس بشيء كما سيأتي.1- عدم تعقّل الفسخ المستلزم للتعاوض المقتضي عنده للعود إلى المالك الفعلي للعوض في فروع كثيرة لا نطيل في بيانها(1).

وقد التفت السيد اليزدي (قدس سره) إلى مثل هذا النقض عليه فقال: ((ومن ذلك ظهر الجواب عمّا يمكن أن يقال: إنّ لازم ما ذكرت من العود إلى المالك الفعلي العود إلى المشتري فيما إذا حصل الفسخ بعد تصرّف أحدهما بالبيع مع أنّه ليس كذلك قطعاً؛ وذلك لأنّ المراد بالمالك الفعلي المالك بذلك العقد الذي قد انفسخ، والمشتري ليس مالكاً بذلك العقد بل بعقد آخر، بخلاف الوارث حيث إنّ ملكيته إنّما هي بعقد مورّثه الذي هو عقد له أيضاً))(2).

وأجيب(3)

حلاً ونقضاً:-

1- إن كون مراده بالمالك الفعلي من كان كذا، وإن كان يدفع هذا الإشكال، إلاّ أنّه مطالب بإقامة الدليل على اقتضاء الفسخ بنفسه لهذه التفاصيل؛ لأن معنى الفسخ معلوم في اللغة ولم يضع الشرع له معنى آخر بل استعمله في معناه الموضوع له، وهو لا يتضمن هذه التفاصيل.

ص: 426


1- راجع جملة منها في إبانة المختار: 78.
2- إبانة المختار: 102.
3- إبانة المختار: 102-103.

2- إنّه كما أنّ المشتري ليس مالكاً بذلك العقد فكذلك الوارث فكلاهما ملك بسبب جديد وليس بنفس عقد البيع الأول، وكما أنّ تملّك الوارث فرع على تملّك المورث، فكذلك تملّك المشتري منه، غاية الأمر أنّ التملّك في أحدهما -وهو الوارث- قهري حاصل بالموت، وإن لم يرض به العاقد، أو كان كارهاً له، أو لم يكن له وارث حال العقد، وفي الآخر -وهو المشتري الجديد- اختياري منوط بشروطه المقررة.

وقد يرد على هذا بأن الكلام في سببية عقد البيع لا مطلق السبب.

ثم قال (قدس سره): ((والحاصل: إنّ الوارث نائب عن الميّت في الملكية، فكما أنّه لو انفسخ العقد حين حياة الميت يملك، كذلك إذا انفسخ بعد موته يملك نائبه بمجرّد الفسخ لا أن يكون نائباً عنه في الملكية بعد الفسخ؛ بمعنى أن يرجع المال إليه ثمّ إلى الوارث بإرث جديد)).

وأجيب:-

بأنه ينتج نقيض مقصوده فكما أنّه لو انفسخ العقد حين وجود المنوب عنه ورثت زوجته من الثمن الراجع بالضرورة، فكذلك إذا انفسخ بعد موته تملك زوجته الثمن بمجرد الفسخ لا أن يؤثر الفسخ بعد حياته غير ما كان يؤثره حياته، و هذا واضح جدّاً.1- وبعبارة أُخرى: الملازمة بين ما اعترف به من أنّ فسخ الوارث بعد موته كفسخ المورث في حياته، وبين إرث الزوجة من الثمن واضحة، بخلاف اقتضاء النيابة لعدم إرثها.

2- إذا كان الانتقال إلى الوارث من حيث كونه نائباً لا من حيث إنّه هو، كان ذلك مؤكّداً للحاظ رجوع المال إلى الميّت، لا مانعاً عنه، وقد تبيّن أنّ الرجوع إلى الميّت إمّا حقيقي أو حكمي يقتضيه مراعاة القواعد.

ثم قال (قدس سره): ((مع أنّه يمكن أن يقال: إذا سلّمنا أنّ مقتضى القاعدة العود إلى الميت حقيقة أو حكماً إنّما نقول به بمقدار الضرورة وحفظ

ص: 427

القواعد وتصحيحاً للفسخ لا في جميع الآثار واللوازم التي منها الالتزام بإرث جديد، فنقول: إنّ العوض كأنّه انتقل إلى الميت وأُعطي لمن ورث أوّلاً، وهو بقية الورثة بالنسبة إلى ما يقابل الأرض في مسألتنا))(1).

أقول: يرد عليه ما ذكرناه في النقطة (2- صفحة 425) من أن رجوع المال إلى الميت على طبق القاعدة فتترتب عليه كل أحكامه، ولا حاجة للالتزام بمقدار الضرورة منها فقط.

(ومنها) أن هذا التقريب يُنقض عليه بما لو كانت ذمة الميت مشغولة بديون أو أن عنده وصايا لم تنفّذ فإنها تتعلق بما رُد بالفسخ وهو يكشف عن عود المال بالفسخ إلى الميت.

ولذا حاول دفع الإشكال بقوله: ((وأما ما ربّما يقال في تأييد الرجوع بالفسخ إلى الميت أوّلاً ثمّ الإرث من أنّ من المسلّم تعلّق حق الديّان والوصايا بما يرجع بالفسخ ، فيكشف عن عوده إلى الميّت.

ففيه: أنّ تعلّق حق الديّان والوصية ليس من جهة العود إليه، بل من جهة تعلّقهما بما يقابله من التركة حين الموت؛ لأنّ مقتضى تعلّق الدين بالأرض حين موت المشتري تعلّقه بالثمن المردود؛ لأنّه بدلها، فكما أنّ ملكية الوارث للتركة تستلزم ملكهم لبدلها الراجع بالفسخ فكذا حق الديّان المتعلّق بها يتعلّق ببدلها))(2).

أقول: جواب السيد (قدس سره) غير تام لأنه مبني على انتقال التركة كلها إلى الورثة مشغولة بالديون والوصايا -وهو أحد القولين في المسألة- لكن ((المحكي عن الأكثر: أن مال الميت باق على حكم ماله إذا كان عليه دين مستوعب، بل عن موضع من السرائر: أنه لا خلاف في أن التركة لا تدخل في ملك الورثة ولا

ص: 428


1- إبانة المختار: 104.
2- إبانة المختار: 107.

الغرماء، بل تبقى موقوفة على قضاء الدين (السرائر: 3/202)، وعن موضع آخر: إنه الذي تقتضيهأصول مذهبنا (السرائر: 2/47) ))(1)

وهو الصحيح المستفاد من قوله تعالى: «مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ» (النساء:11) أي بقاء التركة بمقدار الدين قبل أدائه على ملك الميت إذ لا ميراث إلا بعد الدين والوصية، فحينما يحصل الفسخ والرد فإنه يحصل في ملك الميت، وحينئذٍ لا محيص عن الالتزام برجوع المال إلى الميت بالفسخ لأن التركة باقية على ملكه حقيقة ولم يرثه الوارث بعد، فلا يقاس عليه موارد تحقق الإرث وانتقال التركة إلى الوارث.

ولو تنزلنا وسلمنا بانتقال التركة إلى الورثة بما هي متعلقة للديون والوصايا فإن ذلك لا يقطع ملكية الميت وأن الانتقال إلى الوارث متزلزل فبالفسخ تتقطع ملكية الورثة ويعود المال إلى الميت كما سنبيّن في الاستدلال على القول الثاني.

وللنقض عليه بما لو قطع الورثة ((تعلّق حق الديان عن العوض بدفع مثله، أو قيمته إليهم ثم وقع الفسخ من البائع وكان قيمة الراجع إلى الورثة أزيد من العوض الذي دفعوا، تعلّق حق الديان بالزائد، وما ذلك إلا لاقتضاء الفسخ الرجوع إلى الميت، ولذا لو لم يكن فسخ وباع الورثة تركة أبيهم بعد دفع قيمتها إلى الديان بأضعاف القيمة التي دفعوها إليهم لم يتعلق بالزائد حق الديان. ولو كان الفسخ معاوضة بين العين الراجعة، وبين مال الورثة لكان مثل بيعهم بعد دفع القيمة، والتالي باطل قطعاً))(2).

نعم لو التزمنا بكون ((الفسخ موجباً لرجوع المال إلى الوارث بالفسخ؛ لأن التركة منتقلة إليه، وهو منزّل منزلة الميت، ولكن حيث إنها قد انتقلت إليه

ص: 429


1- موسوعة الشيخ الأنصاري: ج21، كتاب الميراث: ص 201، المسألة (8).
2- إبانة المختار: 83.

بما هي متعلق لحق الديّان فبالفسخ ينتقل حق الديان إلى البدل لا محالة كما ذكره السيد اليزدي (قدس سره)؛ لأن حقهم في أصل المالية، لا في خصوص عين التركة، وهذا هو معنى تعلّق حق الديان بالبدل))(1).

أقول: تقدم آنفاً أن هذا القول لا يمنع من عودة المردود إلى الميت مضافاً إلى ما قلناه من أن هذا الفرض غير صحيح؛ لأن الدليل قائم على الأول كما تقدم، وللنقض عليه بما لو فرض أن المال العائد بالفسخ أقلّ قيمة ومالية من التركة فلا يبعد القول بأنه لا يجوز للوارث الفسخ؛ لأن فيه تفويتاً لحقّ الديان، فيكون ضامناً له.

ثم ذكر السيد اليزدي شاهداً على جوابه على النقض المذكور قال (قدس سره): ((ولذا لا نقول بذلك فيما إذا لم يكن له عوض تعلّق به حقّهم حين الموت، كما إذا باع شيئاً بشرط الخيار له إذا ردّ مثل الثمن وأتلف الثمن ومات ولم يكن له تركة أصلاً، فإنّه إذا ردّ الوارث مثل الثمن من كيسه وفسخ البيع لا يتعلّق بالمبيع الراجع إليهحق الديّان؛ لأنّ المفروض أنّه لم يكن له بدل تعلّق به حقهم، فيبقى الدّين في ذمّة الميت ويرجع المبيع إلى الوارث الذي فسخ، وقد ادّعى المحقّق الأنصاري (قدس سره) السيرة على هذا، ولو كان مقتضى الفسخ العود إلى الميّت لزم تعلّق حق الديّان به بمجرّد الفسخ وإن كان الثمن المردود من مال الوارث.

نعم، يمكن منع السيرة المذكورة، بل منع جواز ردّ الوارث الثمن إلا بعنوان كونه عن الميت، فكأنّه يملك الميّت أوّلاً ثمّ يفسخ ويعطيه للمشتري))(2).

ص: 430


1- مجلة فقه أهل البيت، العدد 48، ص 29.
2- إبانة المختار: 107.

أقول: هذا الفرع لا يفيد السيد شيئاً إذ لا خيار على الفرض لعدم تحقق شرطه وهو رد الثمن غير الموجود عيناً ولا بدلاً لعدم وجود تركة للميت، وافتراض رد الوارث الثمن من كيسه عن نفسه خروج عن فرض المسألة.

نعم للوارث أن يرد الثمن عن الميت فتتحقق ملكيته له آناً ما كما ذكر في الفقرة الأخيرة، وفي هذا اعتراف منه (قدس سره) بإمكان تجدد الملك للميت ابتداءً فعودة ماله إليه بالفسخ أولى، وفي الاستدراك المذكور في نهاية كلامه نقض على قوله وليس على القول الآخر.

هذا وقد نفى شيخ الشريعة وجود هذه السيرة ودعوى ذهاب الشيخ الأنصاري (قدس سره) إليها، واختار عود المال بالفسخ إلى الميت حتى في هذه الصورة، وهذا غريب منه؛ لأن لازمه خسران الوارث للثمن المدفوع من كيسه والمثمن معاً وهو غير محتمل عقلائياً ولا فقهياً.

نعم يمكن أن يُجاب نقض السيد (قدس سره) ((على مبنى شيخ الشريعة: بأنّ عدم تعلّق حق الديّان بالمردود في مورد النقض لا يكون دليلاً على عدم الرجوع للميت والرجوع للوارث؛ إذ يمكن افتراض رجوعه بالفسخ للميت حتى في هذه الصورة ومع ذلك لا يتعلّق به حق الديّان؛ لأنّه لا حقّ لهم في بدله وهو الثمن الذي ملكه الوارث للميت ثمّ دفعه من قبله إلى الطرف –كما صرّح السيد (قدس سره) نفسه باشتراط ذلك في مناقشة السيرة التي ادّعاها الشيخ الأنصاري (قدس سره)- إذ من الواضح أنّ الديّان لا يستحقون ممّا يتملّكه الميت بالهبة ونحوه بعد موته ، وإنّما يستحقون دينهم من الأموال والحقوق التي كان يملكها في حياته وتركها، وما دفعه الوارث ليس منها، فمن هذه الجهة لا ينتقل حقهم إلى بدله المردود به))(1).

ص: 431


1- مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام): العدد 48، ص 30.

ويظهر من السيد (قدس سره) أنه لا يمانع من تملك الميت وتمليكه بعد الموت وحينئذٍ تنتقل إليه أولاً ثم إلى ورثته وإنما خالف في هذا الاستفتاء لكون البدل الذي يقع عليه الفسخ كان موجوداً عند الموت فذهب إلى ورثته وليس مما تجدّد للميت بعد ذلك، فهذا هو المائز عنده، ويجب أن نفهم مختاره في المسألة على هذا الأساس.قال (قدس سره): ((نعم، لو فرض عدم وجود تركة للميت يرثها الوارث نلتزم بالعود إلى الميت إذا كان مال منتقلاً عنه وحصل الفسخ، كما إذا صالح ماله بلا عوض بشرط الخيار له أو للطرف الآخر أو للأجنبي فمات قبل انقضاء مدّة الخيار ففسخ وارثه أو الطرف الآخر مثلاً ذلك العقد فإنّه ينتقل من الأوّل إليه ثمّ إلى وارثه؛ لأنّ الوارث لم يرثه حين الموت ولا ورث بدله فهو مال جديد حصل للميت بعد موته ينتقل منه إلى وارثه ويخرج منه الديون والوصايا))(1).

أقول: رأى شيخ الشريعة (قدس سره) أن ما ذهب إليه السيد (قدس سره) في هذه الصور صحيح إلا أنه ليس لما ذكره من أن الوارث لم يرثه ولا بدله، بل لما التزم به الشيخ وفاقاً للمشهور من جهة اقتضاء الفسخ ذلك ولا خصوصية لهذه الصورة.

ثم أضاف السيد (قدس سره) استثناءً آخر قال: (( بل وكذا إذا كان له تركة لكن لم يكن بدل ما يرجع بالفسخ موجوداً فيها كما إذا باع شيئاً وأخذ ثمنه وأتلفه قبل موته فإنّه لو انفسخ بعد الموت يرجع إلى الميت أوّلاً؛ لعدم ملكية الوارث لبدله حين الموت حتى يرجع إليه وإن ملك بقية التركة فإنّها لا دخل لها

ص: 432


1- إبانة المختار: 110.

بذلك البدل، فحيث لم يرث البدل لم ينتقل إليه المبدل من الأوّل، بل بعد تملك الميت له ولو حكماً، فتأمل فإنّ التركة بمنزلة البدل))(1).

أقول: اعتبر شيخ الشريعة هذا الاستثناء رجوعاً من السيد (قدس سره) عن مختاره لأنه حكم في النقض السابق بالرجوع إلى الورثة ابتداءً في صورة ما إذا أتلف الميت العوض في حياته وأنه لا يتعلق به حق الديان بينما حكم هنا بالرجوع إلى الميت، ((إلا أن أصل استثناء السيد (قدس سره) لهذه الشقوق الثلاثة عن مدَّعاه ومبناه بلا موجب؛ لأنّ موجبه إن كان عدم تحقّق إرث الوارث لبدل المال المردود حتى يكون له العقد وقائماً مقام الميت، فهذا ليس بلازم، بل يكفي في تحقّق ذلك كونه من الطبقة الوارثة، فيكون مقتضى أدلّة التوريث قيامه مقام الميّت في كلّ شؤونه أمواله أو حقوقه المالية ومنها العقد الذي فيه الخيار سواء كان بدل المبيع موجوداً بالفعل ضمن التركة أم لا، وإن كان الموجب لذلك تعلّق حق الديّان بالمال المردود إذا لم يكن للمال المردود بدل أو لم يكن للميت تركة، فلابدّ وأن يرجع إلى الميت أوّلاً ليتعلّق به حق الديّان أو يكون بدله في التركة؛ ليتعلّق حقهم به قبل الإرث والانتقال إلى الوارث، فحيث لا بدل له يتعيّن الأوّل، فهذا أيضاً لا لزوم له لما تقدّمت الإشارة إليه وسيأتي بتوضيح أكثر أنّ المستفاد من أدلّة الديون والوصايا أنّ كلّ ما يكون للوارث لمكان الوارثية ومن قبل أموال الميت وحقوقه لا بدّ وأن يخرج منها الديون والوصايا أوّلاً حتى إذا كان منتقلاً من حيث الملكية إلى الوارث ابتداءً، ولا إشكال أنّ المال المردود إنّما يملكه الوارث باعتبار قيامه مقام الميت في ذلك العقد، وليس من أمواله أو مكاسبه الخاصة، فمن هذهالناحية يكون متعلّقاً لحق الديّان، فلا يحتاج إلى أن يكون وارثاً لبدله أوّلاً وأن يكون حق الديّان في البدل لينتقل منه إلى المبدل.

ص: 433


1- إبانة المختار: 111.

نعم، لو قلنا بأنّ المستفاد من أدلّة الديون والوصايا في الإرث عدم انتقال التركة إلى الوارث مع وجود الدين أو الوصية، بل يكون باقياً على ملك الميت –ولعلّه أحد القولين في تلك المسألة- كان اللازم القول به هنا أيضاً، وبالتالي رجوع المبيع بالفسخ إلى ملك الميت أيضاً ما دام له ديون ووصايا من غير فرق بين وجود التركة والبدل للمال وعدمه، فلا إرث ولا انتقال إلى الوارث في حال وجود الدين أو الوصية بمقدارهما بناءً على هذا المبنى، فيكون خارجاً عن موضوع المسألة))(1).

الاستدلال على استحقاق الزوجة من الثمن المردود دون الأرض المردودة:

وهو مختار شيخ الشريعة الأصفهاني (قدس سره) وفاقاً لظاهر المشهور والمحكي عنهم بل اعتبرها من المسلّمات عندهم، والدليل هو وجود المقتضي وعدم المانع.

أما المقتضي فلأن معنى الفسخ هو حل العقد ونقض الربط والمبادلة ومقتضاه العود إلى الحالة الأولى ورجوع كلٍّ من المالين إلى صاحبه الأول حين العقد –وفي مسألتنا رجوع الأرض إلى البائع والثمن إلى الميت حقيقة أو حكماً- إن كانا موجودين والتالف بدفع بدله من المثل أو القيمة، والتركة وإن انتقلت إلى الورثة بموت المورّث وأن أثر الفسخ يترتب من حينه لا من أصل العقد، وأن تصرفات الورثة بما ورثوه صحيح ما بين الموت والفسخ، إلا أن الانتقال إليهم متزلزل لوجود الخيار، فلم ينتقل إليهم بالكلية، ولا انقطعت علقة الميت بهذا المال كلياً، بل ليس إتلاف الميت للمبيع أو بيعه لغيره وإتلاف ثمنه بمانع عن الرجوع إليه، ولم يتجدد بالإرث شيء سوى تملك الورثة لما انتقل إليهم بسبب زالت سببيته بالفسخ.

ونتيجة ذلك ترتيب مقتضى الفسخ عليه من جعل المال بعده ملكاً للميت أو بحكم ماله، ويراعى استحقاق الورثة منه بلحاظ وضعه الجديد بعد الفسخ.

ص: 434


1- مجلة فقه أهل البيت، العدد 48، ص 33.

والمانع مفقود لإمكان تملك الشخص بعد موته بل وقوعه بالنص والإجماع كديته الحاصلة بعد موته والصيد الواقع في شبكته المنصوبة حال حياته، وتترتب آثار ملكيته عليها كتعلق حق الديان والوصايا به، قال جمال الدين الخونساري في شرح كتاب الوصايا من اللمعة: ((ولو سلّم –يعني عدم أهلية الميت للتملك- إنما يُسلَّم ابتداءً، وأما إذا تملك في حال الحياة فلم لا يجوز أن يبقى على ملكه، إلى أن ينتقل إلى الموصى لهم، أو الديان بشرائطه وما ذكر من انتقال ماله عنه بالموت ممنوع أيضاً، إذ لا دليل عليه عقلاً ولا شرعاً))، وقد تقدم (صفحة 431) عن صاحب الرأي المخالف -السيد اليزدي- أنه لا يمانع من تملك الميت ابتداءً.ومما يدل على رجوع الثمن بعد الفسخ إلى حكم مال الميت تعلّق حق الديّان والموصى لهم به فتؤدى منه ديونه، وتنفّذ منه وصاياه، وفيه تفصيل وإشكالات تقدمت مناقشتها.

ويشهد لهذا القول عدة نقوض(1)

على القول الأول اعترف بها السيد اليزدي حتى تكرر منه الاستدراك والاستثناء والتأمل والتراجع والتردد والعدول وهذه كلها تضعف ذلك القول وتفرغ محتواه.

وقد اختار السيد (قدس سره) هذا القول المشهور وفاقاً للشيخ الأنصاري (قدس سره) في حاشيته على المكاسب وعدل عما كان عليه من الخلاف قال (قدس سره): ((إنّ لازم القول بالرجوع إلى الوارث ابتداءً اشتغال ذمة الوارث بالبدل مع فسخ الأجنبي، حتى في صورة عدم وجود تركة للميّت

ص: 435


1- راجع بعضاً منها في ما لخّصه في إبانة المختار: 58.

أصلاً، وعدم وفاء ما انتقل إليه ببدل العوض التالف في زمان حياة المورّث، ولا يمكن الالتزام به، فيكشف عن عدم تمامية ما ذكرنا، وأنّ مقتضى الانحلال ما ذكره شيخنا العلاّمة الأنصار ي (قدس سره) من الانتقال إلى الميّت مطلقاً، واشتغال ذمته كذلك، إذ لا يمكن التفكيك بين صورة وجود العين، أو وجود التركة، أو وفاء ما استردّ بالفسخ بقيمة التالف، وبين صورة عدم الوجود وعدم الوفاء، بأن يقال بالانتقال إلى الميّت في خصوص الصورة الأخيرة، ولا يمكن التزام اشتغال ذمة الوارث بلا بدل أصلاً.

فالإنصاف أن يقال: إذا قلنا: إنّ المنتقل إلى الوارث ليس إلاّ التسلّط على الحل، أنّ مقتضاه رجوع العوض أو بدله إلى الميّت، إلى أن قال: فالحق ما ذكره شيخنا المذكور من أنّ مقتضى الانحلال الرجوع إلى الميّت كما في فسخ الأجنبي، إلى آخر ما ذكره))(1).

وقرّب بعض الأعلام المعاصرين الاستدلال على هذا القول من دون المرور بعود المال إلى الميت ليتخلص من محل النزاع بين العلمين، قال (دام ظله): ((ونحن نرى أنّ أصل هذه المنهجة للبحث وبناء المسألة على انتقال الثمن بالفسخ إلى الميت أو الوارث في غير محلّه؛ لأنّ الحكم بانتقال المال بالفسخ إلى الوارث بما هو وارث وقائم مقام الميت لا يمنع عن صدق التركة عليه وشمول أدلّة التوريث له ، كما لا يمنع عن تعلّق حق الديّان والوصايا به على ما أشرنا سابقاً ؛ لأنّ عنوان التركة كما يصدق على المال الذي كان ملك الميت حين موته كذلك يصدق حقيقة على كلّ مال يحلّ محلّملك الميت ويكون بعقده ومن توابعه ، لا بسبب جديد وملكية جديدة حاصلة بعد الموت –كالجناية على بدن الميت أو تمليك مال لشأن من شؤون الميت- فالمبيع المردود بالفسخ لعقد الميت تركة الميت

ص: 436


1- نقلها في إبانة المختار: 56 عن حاشية السيد اليزدي على مكاسب الشيخ الأنصاري: 2/151.

حقيقة سواء كان تحليل عملية الفسخ مقتضياً للانتقال إلى الميت أوّلاً ثمّ منه إلى الوارث كما يقول شيخ الشريعة (قدس سره)، أو إلى الوارث ابتداءً كما يقول السيد اليزدي (قدس سره)، فإنّ هذا لا يمنع عن كون الأرض المشتراة تركة قبل الفسخ وثمنها تركة بعد الفسخ حقيقةً، فتشمله أدلّة التوريث أو الحرمان. فلا موجب لربط المسألة بالمبنى المتنازع فيه بين العلمين من رجوع الثمن بالفسخ إلى الوارث ابتداءً أو إلى الميت أوّلاً ثمّ منه إلى الوارث؛ لأنّ الرجوع إلى الوارث إنّما يكون بما هو وارث للتركة وقائم مقام الميت في عقده، فيكون المردود بفسخه تركة أيضاً))(1).

أقول: هذا ليس وجهاً آخر لأن صدق عنوان التركة على المال المردود يسبقه صحة عودته إلى ملك الميت لأن التركة تعني ما تركه الميت، فالصحيح أنه تقريب ضمن نفس الوجه وقد ورد قبل ذلك في كلام شيخ الشريعة، قال (قدس سره): ((فالفسخ بماهيته وحقيقته يقتضي تبدل عنوان التركة))(2)

وتلقّفها منه العلم المعاصر ليؤسس تقريبه، لكنه ليس تقريباً مستقلاً.

ص: 437


1- مجلة فقه أهل البيت، العدد 48، ص 34-35.
2- إبانة المختار: 76.

ص: 438

البحث الخامس: ميراث المفقود

اشارة

ص: 439

ص: 440

بسم الله الرحمن الرحيم

البحث الخامس:

ميراث المفقود(1)

يبتلى الناس بحروب وكوارث وحوادث في البر والبحر تكون سبباً لفقدان أشخاص لا يُعلم مصيرهم وتنقطع أخبارهم ويكون لهؤلاء متعلقات كزوجة وأموال يراد معرفة الحكم الشرعي في كيفية التعامل معها.

ويراد بالمفقود هنا من انقطعت أخباره وخفي حاله فلا تُعلم حياته من موته أما المفقود الذي عُلمت حياته ولا يوجد احتمال معتد به لوفاته سوى غيبته وانقطاع أخباره فلا يُدرى في أي بلد هو فلا تشمله المسألة وحكم أمواله كحكم مجهول المالك، وهذا التفصيل في معنى المفقود يُذكر في كتاب الطلاق عند الحديث عن طلاق المرأة التي فُقِد زوجها.

ويختص بحثنا بإرث المفقود الذي يُبحث في الكتب الفقهية المتعارفة كالشرائع واللمعة في كتاب الميراث/فصل موانع الإرث، باعتبار أن الغائب غيبة منقطعة يمنع أولياؤه من التصرف في ماله حتى يتبين حاله وجداناً أو تعبداً.

والإرث في عنوان المسألة يمكن أن يراد به معنى اسم الفاعل بمعنى ميراث المفقود من غيره، ويمكن أن يراد به معنى اسم المفعول، أي ميراث غيره منه، ونبدأ بالحالة الثانية بإذن الله تعالى:

فلو كان لشخص مال ففقد وانقطعت أخباره وآثاره ولا يُعلم أن كان حياً أو ميتاً فهل يبقى محكوم الحياة فيرث من الذين يتصل بهم الذين يموتون في غيبته

ص: 441


1- حُرِّرَت هذه المسألة إبّان حكم الطاغية المقبور سنة 1421 -2001 تقريباً ثم أعيد النظر فيها قبل إلقائها في البحث الخارج في محاضرتين يومي 24 و 25 / ذي الحجة/1427 الموافق 14 و 15 /1/2007. وكان منهج البحث يومئذٍ استدلالياً وليس خلافياً.

وتضاف إلى أمواله التي تركها ولا يَحلّ التصرف في ماله فلا تقسّم على ورثته والى أي مدى يبقى محكوماً بالحياة.

ولو رجعنا إلى الأصول الجارية في المقام لوجدنا أكثر من أصل بعضها على نحو الشك السببي وبعضها على نحو الشك المسببي والأول متقدم رتبة على الثاني فيكون وارداً عليه بالمعنى المعروف في علم الأصول للورود، وكلها تؤدي إلى نتيجة واحدة.

1- استصحاب حياته حتى يحصل العلم والاطمئنان بموته بوسائل الإثبات المتوفرة سواء كانت وجدانية كالبينة وإخبار الثقة والتواتر والعلم أو تعبدية بحكم الشارع المقدس.2- استصحاب حرمة التصرف في أمواله إلا بإذنه بكل أنحاء التصرفات ومنها تقسيمه على ورثته.

3- أصالة عدم انتقال ماله إلى غيره.

ومقتضى هذه الأصول التربص بماله خلال غيبته حتى يحصل خلاف ما تقتضيه هذه الأصول.

وقد دلّت عدة روايات على وجوب التربص بمال المفقود والبحث عنه كصحيحة هشام بن سالم قال: (سأل خطاب الأعور أبا إبراهيم عليه السلام وأنا جالس فقال: انه كان عند أبي أجير يعمل عنده بالأجرة ففقدناه وبقي من أجره شيء ولا يُعرف له وارث؟ قال: فاطلبوه، قال: قد طلبناه فلم نجده، قال: فقال: مساكين-وحرّك بيده- قال: فأعاد عليه، قال: اطلب واجهد فإن قدرت عليه وإلا فهو كسبيل مالك حتى يجيء له طالب، فإن حدث لك حدث فأوص به إن جاء لها طالب أن يدفع إليه)(1) وخبر معاوية بن وهب عن أبي عبد الله

ص: 442


1- وسائل الشيعة، مجلد 17، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه، باب6، ح1. والرواية العاشرة في نفس الباب هي نفس الرواية بدليل مطابقة السند والمتن أما الاختلاف بين (حفص) و(خطاب) فلعله من تصحيف النساخ وتحريفهم أو اشتباه الراوين عن هشام.

(عليه السلام) (في رجل كان له على رجل حق، ففقده ولا يدري أين يطلبه ولا يدري أحيّ هو أم ميت ولا يعرف له وارثاً ولا نسباً ولا ولداً، قال: اطلب قال: فان ذلك قد طال فأتصدق به؟ قال: اطلبه)(1).

مضافاً إلى ما يأتي من الروايات بإذن الله تعالى.

ولذا اتفق الفقهاء على لزوم التربص بمال المفقود وإنما اختلفوا في مدته على أقوال:

الأول: الحكم بحياته حتى يتحقق موته بالتواتر أو بالبينة أو بالخبر المحفوف بالقرائن المفيد للعلم أو بان تنقضي مدة لا يعيش مثله إليها غالباً وهو مختار الشيخ الطوسي في الخلاف والمبسوط وذكر العلامة في المختلف(2) انه تبعه ابن البراج وابن حمزة وابن إدريس واختاره المحقق الحلي في الشرائع والشهيد الثاني في المسالك ونسبه إلى المشهور وخصوصاً المتأخرين منهم كالشهيد الأول وقال ((وهذه المدة ليست مقدرة عند الجمهور، بل ربما اختلفت باختلاف الأزمان والأصقاع. وربما قدرهابعضهم بمائة وعشرين سنة والظاهر الاكتفاء في زماننا بما دونها، فإن بلوغ العمر مئة سنة الآن على خلاف العادة))(3). ولكن الشيخ (رحمه الله) نقل في الخلاف(4) عن علماء العامة التحديد بسبعين سنة عن بعض أصحاب مالك وتسعين عن البعض الآخر. وعن الحسن بن زياد اللؤلؤي وأبي يوسف بمائة وعشرين سنة.

ص: 443


1- وسائل الشيعة، مجلد 17، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه، باب6، ح2.
2- مختلف الشيعة، 9/110.
3- المسالك، 13/57.
4- الخلاف ، 4/120.

واختار هذا القول صاحب الجواهر وقال عنه انه ((أحوط وابعد من التهجم على الأموال المعصومة بالأخبار الموهومة المعارضة للأصول القطعية))(1) وأشار (قدس سره) إلى بعض ما ذكرناه من الأصول.

وقد اعترف صاحب المسالك بأن ((هذا القول لا دليل عليه من جهة النص صريحاً، ولكنه يوافق الأصل من بقاء الحياة إلى أن يُقطع بالموت عادة)) وقبله قال الشيخ الطوسي مثل ذلك بعد أن اختار القول الأول واستدل له ب-((أن الاعتبار بما جرت به العادة فإذا عمل عليه فقد أخذنا بالأحوط، وما لم تجرِ به العادة ليس إليه طريق، وأما التحديد بمدة بعينها فإنه يحتاج إلى دليل))(2). ووصفه المحقق الحلّي في المختصر بأنه ((أولى في الاحتياط، وأبعد من التهجم على الأموال المعصومة بالأخبار الموهومة)).

وما قالوه صحيح وهو المعتمد إذا لم يتم لنا دليل من النصوص على غير ذلك. وإذا تم لنا دليل على تحديد مدة ما فقد يكون هذا القول مخالفاً للاحتياط بلحاظ الإضرار بحق الورثة فلا يصحّ الاحتياط الذي قاله صاحب الجواهر (قدس سره) تبعاً للأساطين

نعم يمكن أن تكون صحيحة هشام بن سالم المتقدمة ونظائرها دليلاً على هذا القول لإطلاق وجوب التربص المقترن بالطلب والفحص عنه من دون تحديد مدة ومن الطبيعي أن هذه المدة لا تبقى مفتوحة إلى الأبد وإنما تنتهي عند الحد الذي لا يعيش أمثاله أزيد منه لحصول الاطمئنان حينئذٍ بموته.

وهذا الاستدلال قابل للمناقشة:

1- لأن الروايات صرّحت بعدم وجود وارث للمفقود فيكون الوارث هو الإمام (عليه السلام) وقد يكون جواب الإمام بلحاظ كونه وارث المال

ص: 444


1- جواهر الكلام 39/67.
2- الخلاف، 4/120.

فيكون مفاد الرواية حكماً في واقعة خاصة ويشهد له ما قاله الصدوق: (وقد روي في خبر آخر إنلم تجد له وارثاً وعرف الله منك الجهد فتصدق بها)(1) فتكون أجنبية عما نحن فيه من توزيع أموال المفقود على ورثته.

2- إن الرواية ظاهرة في القسم الآخر من المفقود الذي ليس هو محل كلامنا والمحكوم بالبقاء حياً إلى أن يتبيّن خبره ولا تحديد لمدة التربص وهذا الحكم جارٍ ليس في ميراثه فقط بل نحتاط بإجرائه حتى في طلاق زوجته على تفصيل يذكر في محله.

واعتمد العلامة في المختلف(2) هذا القول واستدل له ببعض الأصول المتقدمة وبرواية معاوية بن وهب المتقدمة وبرواية الهيثم بن أبي روح صاحب الخان قال: (كتبت إلى عبد صالح (عليه السلام): إني أتقبل الفنادق فينزل عندي الرجل فيموت فجأة ولا أعرفه ولا أعرف بلاده ولا ورثته فيبقى المال عندي كيف أصنع به؟ ولمن ذلك المال؟ قال: اتركه على حاله)(3).

والجديد في كلامه (قدس سره) الاستدلال برواية الهيثم وفيه:

1- إن الاستدلال بها إن كان من جهة الرجل صاحب المال فإن الرواية نصّت على وفاته فلا علاقة لها بالمسألة وإن كان من جهة ورثته فالرواية تدخل في باب مجهول المالك وهي أجنبية عن المقام أيضاً.

2- إن جواب الإمام صادر منه باعتباره وارث من لا وارث له أو ولي المال مجهول المالك فهو خاص بمورد السؤال ولا يستفاد منها التعميم لحكم

ص: 445


1- وسائل الشيعة، مجلد 17، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه، باب6، ح11.
2- مختلف الشيعة ، 9/110.
3- وسائل الشيعة، مجلد 17، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه، باب6، ح4.

ميراث المفقود.

3- إن الهيثم بن أبي روح أو الهيثم أبا روح كما في بعض المصادر لم يُعرَّف في كتب الرجال ولم تذكر له إلا هذه الرواية.

4- إن جواب الإمام (عليه السلام) (أتركه على حاله) مطلق يمكن تقييده إذا تم دليل على التقييد بمدة محددة ولا ينافيه.

الثاني: دفع المال إلى وارثه المليء خاصةً دون غيره ونسبه العلامة في المختلف إلى الشيخ المفيد (رضي الله عنه) ونقل قوله ((إذا مات إنسان وله ولد مفقود لا يعرف له موت ولا حياة، عُزل ميراثه حتى يعرف خبره، فإن تطاولت المدة في ذلك وكان للميت ورثة سوى الولد ملاء بحقه، لم يكن بأس باقتسامه، وهم ضامنون له إن عُرِف للولد خبر بعد ذلك))(1)

ويستدل له بموثقة إسحاق بن عمار عن الإمام الكاظمعليه السلام قال إسحاق (سألته عن رجل كان له ولد فغاب بعض ولده فلم يدر أين هو ومات الرجل فكيف يصنع بميراث الغائب من أبيه؟ قال: يعزل حتى يجيء، قلت: فقد الرجل فلم يجيء قال: إن كان ورثة الرجل ملاء بماله اقتسموه بينهم فان هو جاء ردوه عليه)(2) وموثقته الأخرى عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال (سألته عن رجل كان له ولد فغاب بعض ولده فلم يدر أين هو ومات الرجل فأيّ شيء يصنع بميراث الرجل الغائب من أبيه؟ قال: يعزل حتى يجيء قلت: فعلى ماله زكاة؟ قال: لا حتى يجيء قلت: فإذا جاء يزكيه؟ قال: لا حتى يحول عليه الحول في يده فقلت: فقد الرجل فلم يجيء، قال: إن كان ورثة الرجل ملاء بماله اقتسموه بينهم، فإذا هو جاء ردوه عليه)(3).

ص: 446


1- مختلف الشيعة، 9/110
2- وسائل الشيعة: أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه، باب6،ح6.
3- وسائل الشيعة: أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه، باب6، ح8.

وقد رد هذا القول بوجوه:

1- إن الرواية ترتبط بالجهة الثانية من البحث وهي توريث الغائب من وليّه الذي يموت في غيبته وحكمه عزل حصته من الميراث ما دام محكوماً بالحياة فلا ارتباط لها بالمسألة التي تبحث في تقسيم تركة المفقود التي تركها، أما ملكيته لهذا المال فهي غير ثابتة لعدم العلم بحياته عند وفاة مورّثه التي هي شرط التوريث. لذا لم تجب عليه الزكاة لأن المال ليس في يده حتى لو ثبتت حياته لكن المال لم يكن بيده والمال غائب عنه. أما لو كان هو غائباً عن مال تركه فلا يعفيه من الزكاة لقدرته على التصرف فيه بالتوكيل والإنابة ونحوها، وتفصيل هذا الكلام في كتاب الزكاة.

2- إن هذا الحكم من الإمام (عليه السلام) ربما كان لتعلق حق الغير وهم أخوة المفقود كما يظهر من الرواية فأجاز الإمام (عليه السلام) التصرف في ماله دفعاً للضرر عنهم لحديث نفي الضرر مع ضمان هذا المال عندهم باشتراط كونهم ملاء حتى يتمكنوا من تسديد المال فور عودة الغائب.

3- إن هذا ليس تقسيماً في الحقيقة لمال المفقود على الورثة لأنه لم يثبت انه حيّ عند وفاة أبيه وإنما هي طريقة لحفظ المال لصاحبه مع مراعاة المصلحة فيُعطى للمليء للعمل به وتحريكه على نحو الأمانة الشرعية طبعاً ويكون ضامناً له ويكون النماء للمفقود حتى يجيء وهذا أصلح له من بقائه، وإلا فلا خصوصية للوارث المليء عن غيره حتى يجوز التقسيم في الأول دون الثاني.

الثالث: الانتظار عشر سنين ثم التصرف بأمواله وهو ما دلّت عليه صحيحة علي بن مهزيار قال: (سألت أبا جعفر الثاني (عليه السلام) عن دار كانت لامرأة وكان لها ابن وابنة فغاب الابن بالبحر وماتت المرأة فادعت ابنتها أن أمها كانت صيّرت هذه الدار لها وباعت أشقاصاً -أي ابعاضاً- منها وبقيت

ص: 447

في الدار قطعة إلى جنب دار رجل من أصحابنا وهو يكره أن يشتريها لغيبة الابن وما يتخوف أن لا يحل شراؤها وليس يعرف للابن خبر فقال لي: ومنذ كم غاب؟ قلت: منذ سنين كثيرة قال: ينتظر به غيبة عشر سنين ثم يشتري فقلت: إذا انتظر به غيبة عشر سنين يحل له شراؤها؟ قال: نعم)(1).

ورد هذا الاستدلال بوجوه:

1- إن هذا الحكم لعله خاص ببيع الدار لخصوصية فيها كخوف التلف فلا يعمم إلى كل أموال المفقود كما هو المدعى ولعله إلى هذا أشار صاحب الوسائل تعليقاً على الرواية ((أقول: لا يلزم من جواز البيع بعد عشر سنين الحكم بموته لجواز بيع الحاكم مال الغائب مع المصلحة ذكر ذلك جماعة من علمائنا)) أو ما يعبر عنها بأنها قضية في واقعة فلا يستفاد منها حكم كلي.

2- إن بيع الدار إنما جاز لوجود ضرر على الشريك (وهي البنت) من عدم البيع والضرر منفي في الشريعة فيجيز الحاكم الشرعي البيع لرفع الضرر عنها، فلا يستفاد منها حكم عام.

3- إن الرواية أجنبية عن المقام لأن البنت ادعت أن الأم قد صيّرتها لها فهي تدّعي ملكية الدار كلها وليس للابن فيها نصيب فهذه دعوى ضد المفقود وفي مثلها يجري الحاكم الشرعي قواعد كتاب القضاء من مطالبتها بالبينة ويعطيها ما تدعي بكفالة ويبقى الغائب على حجته ولا ينافيه الأمر بالتأخير إلى تلك المدة للاحتياط أو لتحصيل البينة أو تعذّرها فتنتقل الوظيفة إلى غيرها واستدلوا على ذلك بصحيحة جميل عنهما (عليهما السلام) (قال: الغائب يقضى عليه إذا قامت عليه البينة ويباع ماله ويقضى عنه دينه وهو غائب ويكون الغائب على حجته إذا قدم: قال

ص: 448


1- الوسائل، كتاب الفرائض والمواريث،أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه،باب6،ح7.

ولا يدفع المال إلى الذي أقام البينة إلا بكفلاء). لكن خبر جميل الآخر المسند عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) زاد عليه (إذا لم يكن ملياً)(1). ولا ينافيها ما رواه أبو البختري عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام (قال: لا يُقضى على الغائب)(2) فإنها تمنع من الحكم على الغائب دون ملاحظة ما ذكرته الصحيحة أو أنها تعني الغائب عن مجلس القضاء معوجوده لا الغائب المطلق.

((واستدلوا ايضاً على مفاد صحيحة جميل بأن ما دلّ على ولاية الحاكم الشرعي على الممتنع عن أداء الحق عليه يدلّ على ذلك بعد اتحاد المناط بينهما من امتناع إيصال الحق إلى مستحقه من غير فرق في الامتناع بين كونه قهراً أو عن اختيار واستدلوا ايضاً بأن تعطيل الاستيفاء إلى وقت الحضور ضرر منفي لا يجب تحمله))(3).

وإنما ذكرناه لرفع الاستبعاد وإلا فإننا في غنى عنه بعد دلالة الصحيحة المتقدمة.

4- حمل الرواية على مورد يكون من البعيد عرفاً بقاؤه أزيد من عشر سنين كما إذا كان عمر الغائب حين غيبته سبعين سنة مثلاً بقرينة ما ورد فيها (سنين كثيرة) أو إذا قلنا بأن مبدأ الانتظار عشر سنين من حين رفع الأمر أو إن العشر سنين كانت أمارة كافية على حصول اليأس من بقائه حياً. ولذا قال المحقق صاحب الشرائع ((والاستدلال بمثل هذه تعسف))(4).

ص: 449


1- الوسائل: كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى، باب 26، ح1.
2- الوسائل، كتاب الفرائض والمواريث،أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه،باب6، ح4.
3- النور الساطع، الشيخ علي كاشف الغطاء، 1/502.
4- المسالك: 13/266.

الرابع: التربص بالمال أربع سنين مع الفحص والطلب فإن لم يعثروا على خبره قسّموا ماله على الورثة دلت عليه موثقة سماعة عن الصادق (عليه السلام) قال: (المفقود يحبس ماله على الورثة قدر ما يطلب في الأرض أربع سنين فإن لم يقدر عليه قسم ماله بين الورثة فإن كان له ولد حبس المال وانفق على ولده تلك الأربع سنين)(1) وموثقة إسحاق بن عمار قال: (قال لي أبو الحسن (عليه السلام) المفقود يُتربص بماله أربع سنين ثم يقسم)(2) وهي مطلقة من حيث وجوب الفحص والطلب خلال هذه المدة وليست كالأولى ومقتضى الصناعة حمل المطلق على المقيد ولأنه لا قائل بالإطلاق ((بل كل من قال بمضمونها قيّده بذلك وهو الصدوق والمرتضى وابن زهرة والحلبي، ونفى عنه البأس في المختلف، وقوّاه الشهيدان في الدروس والمسالك والروضة ومال إليه جملة من المتأخرين كالمحدث الكاشاني وصاحب الكفايةوغيرهما))(3) وقواه صاحب الرياض ووصفه الشهيد الثاني في المسالك بأنه متجه إلا انه قال بالأول رعاية للأصل رغم اعترافه بعدم وجود نص عليه.

ونوقش هذا الاستدلال بأكثر من وجه:

1- ما قاله صاحب الوسائل: انه ((محمول على انه يقسم بين الورثة إذا كانوا مُلاء فإذا جاء صاحبه ردوه عليه فهو في معنى حفظه لصاحبه)).

2- أو انه محمول على حصول الاطمئنان بالوفاة للطلب في جميع الجهات المتوقع وجوده فيها هذه المدة والغالب في مثل ذلك حصوله خصوصاً إذا اقترن ببعض الأمور المفيدة كخطورة السفر في تلك الجهات أو تعرضها لحروب أو أوبئة فتاكة أو كوارث سماوية أو أرضية أو كونه مبتلى

ص: 450


1- الوسائل،كتاب الفرائض والمواريث،أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه،باب6، ح9.
2- الوسائل،كتاب الفرائض والمواريث،أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه،باب6، ح5.
3- الرياض، 14/437.

ببعض الأمراض التي لا تمهل صاحبها طويلاً. والخلاصة إن الأربعة لم تلحظ بحدِّها وإنما أخذت في هذه الرواية طريقاً لحصول الاطمئنان بالوفاة.

واستدل لهذا القول الرابع أيضاً بما دل على جواز طلاق زوجة المفقود بعد أربع سنين، قال صاحب الحدائق ((وتؤيده أخبار الزوجة المذكورة لأنه متى جاز ذلك في الزوجة –مع أن عصمة الفروج أشد وأهم في نظر الشارع- فليجز في قسمة المال بطريق أولى))(1) ورُدَّ بأنه قياس مع الفارق لوجود الخصوصية في المرأة من حيث لزوم العسر والحرج عليها من الصبر وعدم النفقة.

واُجيبَ بأن هذا الضرر وإن كان أشد من ضرر الوارث بترك التقسيم لأن ضرر الزوجة بالانتظار حقيقي بينما ضرر الوارث هو من باب تأخر حصول المنفعة(2) إلا أن هذه الأشَدِّيَّة مقابلة بأهمية الفروج عند الشارع المقدّس أكثر من الأموال. أو بما قاله صاحب الرياض بأن ((ردّ الأولوية حسن إن كان الضرر المثبت للحكم لها إرادتُها النكاح والاستمتاع لا النفقة مع أن المستفاد من النصوص الواردة في حكمها كونه من جهة النفقة خاصة، ولذا حكمت بلزوم الصبر عليها مع وجود من ينفق عليها، وحينئذٍ يتجه الأولوية، لاتحاد وجه الضرر بينها وبين سائر الورثة، سيما الصغار منهم والعجزة)) ويُرد عليه بالفرق بين معنى الضررين كما قدّمنا.

نعم يمكن الاستدلال بتلك النصوص إذا فُهم منها حكم عام بوفاة المفقود ولايختص بالزوجة المفقود عنها زوجها كما تشير إليه عبارة الاعتداد بعِدّة الوفاة ولكن في مقابل ذلك توجد عبارات الطلاق وان زوجها إذا راجعها في عدتها فهي عنده على تطليقتين فلعل الحكم بعدة الوفاة احتياطي لاحتمال وفاة المفقود

ص: 451


1- الحدائق الناضرة، 25/491.
2- محصل كلام صاحب الحدائق.

في غيبته كما يحتاط بطلاقها لاحتمال حياته.

وعلى أي حال فما دام النص موجوداً فلا داعي للخوض في هذه النقاشات، قال صاحب الحدائق ((وبالجملة فالأصل في ذلك هو النص، وهذه التوجيهات تصلح لأن تكون بياناً لوجه الحكمة فيه لا عللاً مؤسِسة للحكم، وحيث كان النص فيما ندّعيه موجوداً صحَّ البناء عليه)).

واستدل له ايضاً بالإجماع الذي ادعاه السيد المرتضى في الانتصار ونقله صاحب الرياض عن السيد ابن زهرة في الغنية ونقل العلامة في المختلف عن الانتصار قوله: ((مما انفردت به الامامية: القول بأن المفقود يحبس ماله عن ورثته بقدر ما يطلب في الأرض كلها أربع سنين، فإن لم يوجد بعد انقضاء هذه المدة، قسّم المال بين ورثته))(1).

لكن دعوى الإجماع بعيدة لما تقدم من الأقوال المخالفة له وإن إجماعات السيد يُعلم النقاش فيها كما أن أساطين المعاصرين له على خلافه كالمفيد والشيخ (قدس سرهما).

ص: 452


1- مختلف الشيعة، 9/111.

تقييم الأقوال الأربعة

إن القول الأول هو المعتمد وهو المرجع إذا لم يتم نص على تحديد المدة لأنه موافق للأصول.

أما القول الثاني فإنه لم يحدد مدة فلا يمكن الالتزام به إلا مقترناً مع الأقوال الأخرى إضافة إلى أننا لم نجد فيه معنى جديداً سوى حفظ المال لصاحبه مع مراعاة المصلحة له.

أما القول الثالث فإن أخذ العشرة على نحو الموضوعية وبعنوانها أي بشرط لا عن النقيصة والزيادة ينافي القول الرابع أي أخذ الأربعة على نحو الموضوعية فإن كلاً منهما بحدّه يكون منافياً للآخر.

نعم لو لم يؤخذا بعنوانهما على نحو الموضوعية وإنما على نحو الطريقية أي يكون كل منهما في مورده مفيداً للاطمئنان بحصول الوفاة الذي هو المناط فهو المختار كما سيأتي بإذن الله تعالى.

وقد ذكرت هنا عدة محاولات لرفع التعارض:

الأولى: حمل الزائد على الأربعة على استحباب الصبر والتريث نظير حمل الشيخ الأنصاري (قدس سره) لرواية علي بن يقطين القاضية بتربص بائع الجارية بالثمن شهراً فإن لم يأت به المشتري فهو بالخيار رغم أن أدلة خيار التأخير جميعاً تكتفي بالثلاثة قال (قدس سره) ((يحتمل الحمل على استحباب صبر البائع))(1) ومثله كثير، لكن هذا الجمع خلاف الظاهر.

الثانية: للسيد الخوئي (قدس سره) ومدرسته كالسيد السيستاني والشيخ الفياض (دام ظلهما) بحمل أخبار العشرة على حالة عدم الفحص والطلب وأخبار الأربعة على حالة الفحص والطلب كما سيأتي بإذن الله تعالى وفيه:

ص: 453


1- المكاسب، بتعليق السيد محمد كلانتر (رحمه الله): 16/72.

1- إن الجميع اتفقوا على وجوب الفحص والطلب ودلّت عليه الروايات المعتبرة وقد تقدم فلا يصح إلغاؤه.

2- إن الحالة الطبيعية للإنسان أن يبحث عن مفقوده وخصوصاً إذا كان ابناً فافتراض عدم الفحص والطلب بعيد.

الثالثة: القول المختار وسيأتي بإذنه تعالى.

والنتيجة أن الالتزام بالقول الثالث والرابع على نحو الموضوعية لا يخلو من إشكال، نعم لا بأس بالالتزام بها في الحالات التي يحصل الاطمئنان بالموت عادة عند مضي تلك المدة خصوصاً إذا اقترنت الغيبة ببعض الظروف الموضوعية التي أشرنا إليها في الجواب الثاني على القول الرابع، ومع عدم حصول الاطمئنان يبقى العمل على القول الأول.وإلا فنسأل الفقيه هل يجازف بالالتزام بالأربعة حتى مع عدم حصول الاطمئنان بالوفاة كما في الحالات التالية التي عشناها واقعاً:

أ- المسجون في الأزمنة المعاصرة(1) مع حرمانه من اللقاء بأي أحد وعدم خروج خبر عنه إلى الخارج وقد يقضي في السجن عشر سنين أو عشرين سنة ولا يعلم به أحد وقد يُفرَّج عنه لاحقاً.

ب- الذين يسافرون إلى دول بعيدة وينشغلون بحياتهم هناك وربما يأخذون نمطاً من الحياة مخالفاً لما كانوا عليه عند أهلهم فينسى أهله ووطنه ولا يتصل بهم فتنقطع أخباره عنهم.

ج-- أسرى الحرب الذين يعلم بحياة كثير منهم إلا أن بعض الحسابات السياسية تمنع الدولة الآسرة لهم أن تبلّغ عنهم أو تعطي أسماءهم للجهات المسؤولة فتنقطع أخبارهم مدة طويلة، وقد عاد بعض الأسرى إلى أهله بعد أن قضى أكثر من عشر سنين.

ص: 454


1- كتب البحث في ظل البطش الصدامي الهائل الذي جثم على صدر العراق.

إن قلت: لا تصلح هذه الموارد للنقض لأن عدم التزام الفقيه بها أما للاطمئنان بحياته في مثلها أو لعدم صدق الفحص فيها والحال هذه.

قلت: إن دعوى الاطمئنان بحياته مردودة على مدّعيها وأما عدم صدق الفحص فإنه يعيد القائل إلى المناط الذي ذكرناه من انه حصول الاطمئنان العرفي بالوفاة مضافاً إلى أنهم لم يشترطوا في العشرة الفحص فننقل النقض إليها.

ولو قلنا بتعارض القولين الثالث والرابع فإنه لا ترجيح لأحدهما على الآخر لعدم وجود شيء من المرجحات المعروفة، فالشهرة ليست لهما وإنما للقول الأول (نقلاً وتحصيلاً خصوصاً عند المتأخرين) كما أفاد صاحب الجواهر، مضافاً إلى أن الشهرة الفتوائية لا تفيد الترجيح وإنما الروائية وهي غير متحققة.

القول الخامس وهو المختار:

لكن قراءة النصوص بإمعان وملاحظة خصوصيات الوقائع الواردة فيها يجعلنا نخرج بنتيجة أن التحديدات الواردة فيها لم تؤخذ على نحو الموضوعية وإنما على نحو الطريقية باعتبارها كافية في مواردها لحصول الاطمئنان بالوفاة القاطع للعمل بالأصول التي بُني عليها القول الأول، وهذا الاطمئنان قد يحصل بالأربعة أو العشرة وقد لا يحصل بالعشرين فيُتربص بماله إلى مدة لا يعيش إليها أمثاله عادة.

ويظهر من كلام ابن الجنيد انه لا يلتزم بمدة واحدة لكل حالات الفقدان ولعلالمناط الذي ذكرناه مرتكز عنده فقد نقل العلامة قوله ((والنَظِرَةُ في ميراث من فُقِد في عسكر قد شهدت هزيمته وقُتِلَ من كان فيه أو أكثرهم أربع سنين، وفي من لا يُعرف مكانه في غيبته ولا خبر له عشر سنين، والمأسور في يد العدو

ص: 455

يوقف ماله ما جاء خبره ثم إلى عشر سنين))(1).

وإن كنا لا نعلم وجه هذا التفصيل وهذه التحديدات إذ أن النصوص خالية منها إلا أن يقول أن الوجه حمل النصوص المتقدمة على هذه الحالات في ضوء المناط المذكور.

أقوال المعاصرين

اختار السيد الخوئي (قدس سره) ومدرسته(2) الاكتفاء بالأربعة مع الفحص والطلب وبالعشرة من دون فحص، وقال السيد الخوئي (قدس سره) ((المفقود خبره والمجهول حاله يتربص بماله وفي مدة التربص أقوال والأقوى أنها أربع سنين يفحص عنها فيه فإذا جهل خبره قسم ماله بين ورثته الذين يرثونه لو مات حين انتهاء مدة التربص والأظهر جواز التقسيم بعد مضي عشر سنوات بلا حاجة إلى الفحص)).

وقد تقدمت المناقشة فيه.

أما سيدنا الأستاذ الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) فاختار القول بوجوب التربص بمال المفقود أربع سنين واشترط أن تبدأ من حين رفع الأمر إلى الحاكم الشرعي لا من حين فقده وأضاف شرطاً يقرّب قوله من مختارنا فقال (قدس سره): ((ويتم الفحص عنه خلالها حتى يحصل اليأس العرفي من الحصول عليه أو على خبره حياً أو ميتاً. فإن حصل اليأس لم يجب الاستمرار بالفحص ولكن يجب الانتظار إلى أربع سنين))(3).

وينطبق مختاره على ما رجحناه من جهتين:

ص: 456


1- المختلف، 9/110.
2- منهاج الصالحين للسيد الخوئي 2/379 وللشيخ الفياض 3/223 وللسيد السيستاني 3/358.
3- منهج الصالحين، ج3/409 مسألة 2386 من طبعة دار الأضواء.

الأولى: انه لم يجعل للأربعة موضوعية وإنما جعل المناط هو حصول اليأس من العثور على خبره وهو معنى ملازم للاطمئنان بوفاته عادة. واستشكل على القول بالعشرة بلا فحص قال (قدس سره) ((قيل: والأظهر جواز التقسيم بعد مضي عشر سنوات بلا حاجة إلى فحص إلا انه أمر مشكل بدون اتخاذ تلك الخطوات)).

الثانية: التصرف في تعريف المفقود بحيث لا يشمل الموارد التي استبعدنا التزامالفقيه بها، قال (قدس سره): ((المفقود خبره والمجهول حاله وهو الذي لا يعلم حياته من موته)) ثم قال بعد مسألتين: ((المفقود من عرفناه بحيث يكون مجهول المكان على تقديرَي الحياة والموت، وأما إذا كان معلوم المكان عادة كما لو ذهب إلى مدينة معينة وانقطع خبره أو مسجوناً كذلك لم يطبق عليه حكم المفقود بل هو بحكم الحي ما لم يحصل الاطمئنان بموته بالفحص المتزايد أو بمضي مدة لا يعيش فيها الفرد عادة)).

وهو تفصيل حسن يجمع بين الأقوال ويحدد لكل قول مورده واستظهاره من الروايات ليس بعيداً بحيث تحمل كل واحدة على حالة من حالات المفقود.

ولم أجد هذا التفصيل عند غيره من المعاصرين، قال السيد السيستاني(1): ((لا فرق في المفقود بين المسافر والهارب ومن كان في معركة قتال ففُقِد ومن انكسرت سفينته في البحر فلم يظهر له أثر ومن أخذه قطاع الطرق أو الأعداء فذهبوا به ومن اعتقلته السلطات الحكومية فانقطعت أخباره ولم يُعلم مكان اعتقاله)).

نعم هو قال في المسألة التالية ((ليس للفحص عن المفقود كيفية خاصة وطريقة معينة، بل المدار على ما يُعدُّ طلباً وفحصاً وتفتيشاً ويختلف ذلك باختلاف أنواع المفقودين)) ثم ذكر أمثلة لعدة حالات. وقال في المسألة (603):

ص: 457


1- منهاج الصالحين: 3/182، المسألة (594) كتاب الطلاق.

((إذا تمت السنوات الأربع واحتمل وجدانه بالفحص بعدها لم يجب بل يكتفي بالفحص في المدة المضروبة)).

وهذا الكلام وإن قاله في أحكام المرأة التي فقد زوجها إلا انه قال في حكم ميراث المفقود ((والأقوى أنها –أي مدة التربص- أربع سنين يُفحص عنه فيها – على النهج المتقدم في كتاب الطلاق-))(1).

فالقول المختار هو (لزوم التربص بمال المفقود أربع سنين يجري خلالها الفحص الموجب للاطمئنان بعدم بقائه حياً؛ فلو حصل له اليأس من بقائه حياً قبل مضي الأربعة وجب عليهم الانتظار إليها التزاماً بالنص، ولو لم يحصل الاطمئنان بالموت عند نهاية الأربعة وجب الاستمرار بالتربص حتى يحصل الاطمئنان المذكور).

وهذا القول يحتاج إلى معالجة فيما لو حصل الاطمئنان قبل الأربعة لأن الاحتياط بالانتظار إلى الأربعة مخالف للاحتياط فيما لو مات مورِّث له خلال هذه المدة فإن الحكم ببقائه حياً يعني توريثه من مورّثه وقد يكون هذا مخالفاً للاحتياط لتجاوزه على حق بقية الورثة فلا بد من التصالح معهم، اللهم إلا أن يكون الاطمئنان حسّياً وجدانياً موجباً لخروج المفقود عن هذا العنوان والتحاقه بمن عُلِم موته.

أما صاحب الحدائق فقد كان جريئاً حين اكتفى للحكم بالوفاة بحصول الاطمئنان والعلم العرفي بالوفاة من دون الانتظار أربع سنين فإنه بعد أن نقل قول الشهيد الثاني(قدس سره) في المسالك ((لا فرق في المفقود بين من اتفق فقده في جوف البلد أو في السفر وفي القتال، وما إذا انكسرت سفينته ولم يُعلم حاله لشمول النص لذلك كله وحصول المعنى)) فعلّق (قدس سره) ((أقول: في فهم ما ذكره من الإطلاق في الفقد وشموله لهذه الأفراد المعدودة من النصوص

ص: 458


1- منهاج الصالحين للسيد السيستاني، 3/358، المسألة (1093).

نظر، فإن ظاهر الأخبار المتقدمة تخصيص الحكم بالسفر إلى قطر من الأقطار، أو مطلقاً من غير معلومية أرض مخصوصة، وأنه يكتب أو يرسل في الفحص عنه إلى ذلك القطر أو في الجوانب الأربعة أو بعضها مما يعلم أو يظن السفر إليه، وأما الفقد في البلد أو في معركة القتال أو السفينة التي انكسرت في البحر فلا يكاد يشم له رائحة من هذه الأخبار، بل ربما كانت ظاهرة في خلافه، إذ لا يتحقق الفحص في شيء من هذه المواضع المعدودة، وأيضا فإنه بالنسبة إلى هذه الأفراد المعدودة فلتدلّ القرائن الموجبة للعلم العادي على الموت، بخلاف مجرد السفر إلى بلد وفقد خبره، ومن هنا كان بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين يحكم بخروج هذه الأفراد عن حكم المفقود المذكور في هذه الأخبار ، قال – رحمه الله - ونعم ما قال: (إن من حصل العلم العادي بعدم حياته فإنه يجوز نكاح زوجته وإن لم ترفع أمرها إلى الحاكم، ومثله يأتي أيضاً في قسمة الميراث ، لان المفقود في مثل البحر مع كثرة المترددين من السواحل المحيطة بموضع الغرق يحصل العلم من مجاري العادة بهلاكهم كما هو واضح، وهو أقوى من العلم بالشاهدين، وكذا المفقود في المعارك العظام لا يحتاج فيه إلى التأجيل أربع سنوات ليفحص فيها عن حاله في الأطراف لان ذلك إنما هو في المفقود لا كذلك ، وأما هنا فيكفي في مثله حصول المترددين في الأطراف التي يظن بجاري العادة أنه لو كان حياً لكان فيها وأتى بخبره المترددون ، وحيث لم يأت له خبره علم هلاكه))(1).

وفي كلامه (قدس سره) عدة موارد للنظر:

1- ما دام قد اعترف بشمول معنى المفقود لهذه الموارد فهي تدخل في حكمه لأن الموثقتين أفادتا الحكم على عنوان المفقود ولم تستحدث له تعريفاً.

2- إن تعرض الروايات لبعض حالات الفقدان لا يخصص الحكم بها فإن

ص: 459


1- الحدائق الناضرة: 25/488-489.

المورد لا يخصّص الوارد كما هو معلوم فالإطلاق الذي ذكره في المسالك ناظر إلى إطلاق لفظ المفقود لا ورود هذه الموارد في النصوص حتى ينفي صاحب الحدائق شمول النصوص لها.

3- إن العلم والاطمئنان إذا حصل بالموت فإنه يوجب خروجه من عنوان المفقود الذي عرّفناه بأنه من لا تعلم حياته من موته بشرط أن يكون حسياً ووجدانياً وليس حدسياً كالذي ذكره (قدس سره).

4- ما نقله (قدس سره) من اقوائية هذا العلم على العلم الحاصل من شهادة العادلين ليس صحيحاً لأن هذا العلم حسي وما افترضه حدسي فلا يكون أقوىمنه.

5- إن تعذُر الفحص في بعض الحالات التي ذكرها لا يلغي الحكم بوجوبه خصوصاً مع ما قلناه من أن آليات الفحص وكيفياته تختلف بحسب تنوّع حالات الفقدان فالفحص عن السجين المنقطع خبره ليس كالفحص عن مفقود الحرب وهما ليسا كالفحص عمّن انكسرت سفينته أو فُقد في أراضي مجهولة وهكذا.

فالالتزام بما قاله (قدس سره) مجازفة والمعتمد ما قلناه ولله الحمد أولاً وآخراً.

ص: 460

البحث السادس: توريث من يموتون بحادث جماعي

اشارة

ص: 461

ص: 462

بسم الله الرحمن الرحيم

البحث السادس:

توريث من يموتون بحادث جماعي(1)

من شروط التوارث العلم بكون الوارث حياً عند موت مورّثه ولو للحظة، وهذا مجمع عليه، ويقتضيه معنى التوريث، ومن الروايات: التعليل الوارد في ذيل مرفوعة البرقي وخبر قابوس (أن علياً (عليه السلام) قضى في رجل وامرأة ماتا جميعاً في الطاعون ماتا على فراش واحد ويد الرجل ورجله على المرأة فجعل الميراث للرجل وقال: إنه مات بعدها)(2)، فلو عُلم موتهما مقترنين أو شُكَّ بتأخّر موته أي كونه حياً عند موت الآخر لم يرث، لعدم تحقق الشرط المذكور، والمشروط عدم عند عدم شرطه.

وقد استثني من هذا صورة واحدة وهي ما لو اتفق موت المتوارثين بالغرق أو الهدم، واشتبه الحال في تقدّم أحدهما على الآخر وعدمه، وهذه الحالة وإن كانت لا تقتضي التوارث بحسب القاعدة التي ذكرناها، إلا أن النصوص المعتبرة صرحت بتوريث كل منهما من الآخر، بأن يفرض موت أحدهما أولاً ويُعطى حق الآخر من تركته الأصلية، ثم يفرض موت الثاني ويعطى حق الأول من تركته الأصلية.

هذا هو ملخّص صورة المسألة والحكم فيها وهو مجمع عليه عندنا للنصوص الصريحة المعتبرة، أما العامة فقد ذهب أحمد ((إلى قول عمر وعلي

ص: 463


1- ألقي البحث في الفترة من 2/رجب/1432 المصادف 5/6/2011 حتى 27/شوال/1432 المصادف 26/9/2011 واستغرق أكثر من أربعة أسابيع دراسية بفضل الله تبارك وتعالى.
2- وسائل الشيعة: كتاب الميراث، أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم، باب5، ح2.

وشريح وإبراهيم والشعبي يرث بعضهم من بعض يعني من تلاد ماله دون طارفه وهو ما ورثه من ميت معه)) واستدل ((بما روى أياس بن عبد الله المزني أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سُئل عن قوم وقع عليهم بيت، فقال: (يرث بعضهم بعضاً) والصحيح أن هذا إنما هو عن أياس نفسه وأنه هو مسؤول وليس برواية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، هكذا رواه سعيد في سننه وحكاه الإمام أحمد عنه)).

وبحكم عمر عندما ((وقع الطاعون بالشام عام عمواس فجعل أهل البيت يموتون من آخرهم فكتب في ذلك: أن ورّثوا بعضهم من بعض))(1).وذهب الزهري والأوزاعي ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه إلى عدم توريث بعضهم من بعض وجعلوا من كل واحد للأحياء من ورثته مستدلين بحادثة موت أم كلثوم وابنها زيد وقتلى صفين واليمامة والحَرَّة فلم يورثوا بعضهم من بعض، وبالقواعد التي سنذكرها إن شاء الله تعالى.

وتوقف آخرون وهو القول الثالث في المسألة عندهم.

أما عندنا فالحكم بتوريث بعضهم من بعض مجمع عليه، وهنا يأتي السؤال محل البحث بأن هذا الحكم هل يشمل من ماتوا بسبب آخر غير الغرق والهدم كاصطدام سيارة أو سقوط طائرة أو بعملية تفجير عدوانية مما يشهده العراق المثخن بالجراح اليوم، أو كالذي حصل في مدينة حلبجة وبعض المدن العراقية من إلقاء للغازات السامة فمات المتوارثون بسبب أو بنسب وحصلت حالة الاشتباه المذكورة.

ص: 464


1- المغني لابن قدامة: 7/187-189.

روايات المسألة

والمسألة معنونة في كتب الفقهاء (قدس الله أرواحهم) بعنوان (ميراث الغرقى والمهدوم عليهم)، وما دامت هي على خلاف القاعدة، وقد أسَّستْها النصوص، فلنبدأ أولاً بذكر جملة من الروايات الشريفة وقراءتها بتأمل لنتعرف على حدود المسألة:-

1- صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القوم يغرقون في السفينة أو يقع عليهم البيت فيموتون فلا يعلم أيهم مات قبل صاحبه، قال: يورث بعضهم من بعض كذلك هو في كتاب علي عليه السلام)(1).

2- صحيحة محمد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل وامرأة انهدم عليهما بيت فماتا ولا يدرى أيهما مات قبل، فقال: يرث كل واحد منهما زوجه كما فرض الله لورثتهما).

3- خبر عبد الرحمن عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القوم يغرقون أو يقع عليهم البيت، قال: يورث بعضهم من بعض).

4- صحيحة الفضل بن عبد الملك، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في امرأة وزوجها سقط عليهما بيت مثل ذلك.

ص: 465


1- الروايات الخمس الأولى تجدها في وسائل الشيعة: كتاب الميراث، أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم، باب 1، ح 1، 2، 3، 4، 5.

5- مرسلة أبان المظنون بصحتها(1) عن رجل (عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قوم سقط عليهم سقف كيف مواريثهم؟ فقال: يورث بعضهم من بعض).

6- صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (سألته عن بيت وقع على قوم مجتمعين فلا يدرى أيهم مات قبل؟ فقال: يورث بعضهم من بعض، قلت: فإن أبا حنيفة أدخل فيها شيئاً، قال: وما أدخل؟ قلت: رجلين أخوين أحدهما مولاي والآخر مولى لرجل لأحدهما مائة ألف درهم والآخر ليس له شيء ركبا في السفينة فغرقا فلم يدر أيهما مات أولاً كان المال لورثة الذي ليس له شيء ولم يكن لورثة الذي له المال شيء، قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): لقد شنعها (سمعها) وهو هكذا)(2).وبمضمونها صحيحته الأخرى التي رويت بطريق آخر في الباب.

7- صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (في رجل سقط عليه وعلى امرأته بيت قال: تورث المرأة من الرجل ويورث الرجل من المرأة معناه يورث بعضهم من بعض من صلب أموالهم لا يورثون مما يورث بعضهم بعضاً شيئاً)(3).

8- مرسلة حمران بن أعين عمن ذكره عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في قومٍ غرقوا جميعاً أهل البيت قال: يورث هؤلاء من

ص: 466


1- لأن المظنون أن الرجل هو الفضل بن عبد الملك؛ لوحدة السند والمضمون مع الرواية التي قبلها.
2- وسائل الشيعة: كتاب الميراث، أبواب ميراث الغرقى، باب 2، ح1.
3- الروايتان في وسائل الشيعة: كتاب الميراث، أبواب ميراث الغرقى، باب3،ح1، 2.

هؤلاء وهؤلاء من هؤلاء، ولا يرث هؤلاء مما ورثوا من هؤلاء شيئاً ولا يورث هؤلاء مما ورثوا من هؤلاء شيئاً).

9- صحيحة الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله (عليه السلام) (في امرأة وزوجها سقط عليهما بيت فقال: تورث المرأة من الرجل ثم يورث الرجل من المرأة )(1).

أقول: هي نفس الرواية رقم (4) لكن برواية الصدوق بسنده عن علي بن مهزيار عن فضالة، وتلك رواها الشيخ الطوسي (قدس سره) بسنده عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن أبان عن الفضل.

10- صحيحة محمد بن مسلم ومثلها رواية عبيد بن زرارة قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل سقط عليه وعلى امرأته بيت فقال: تورث المرأة من الرجل ثم يورث الرجل من المرأة)(2).

11- خبر دعائم الإسلام عن علي وأبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام) أنهم قالوا: (في الحرقى والغرقى وأصحاب الهدم لا يُدرى أيهم مات قبل صاحبه، قالوا: يرث بعضهم بعضاً)(3).

هل المسألة على خلاف القاعدة:

سلّم الأصحاب (قدس الله أرواحهم) أن المسألة على خلاف القاعدة لذلك أسسوا القدر المتيقن من النصوص للاقتصار عليه في جريان المسألة، وهنا قد يقالبإمكان كون المسألة على طبق القاعدة، وبالتالي يؤخذ بها على إطلاقها، ولا حاجة للاقتصار على القدر المتيقن.

ص: 467


1- وسائل الشيعة: كتاب الميراث، أبواب ميراث الغرقى، باب6، ح1.
2- وسائل الشيعة: كتاب الميراث، أبواب ميراث الغرقى، باب6، ح 2.
3- جامع أحاديث الشيعة: 29/561، أبواب الميراث، باب 81، ح5 عن دعائم الإسلام: 2/390.

ويمكن ذكر أكثر من تقريب لتأصيل المسألة على طبق القواعد، ومنها:

(الأول) جريان قاعدة العدل والإنصاف التي يُتمسَّك بها في نظائر هذا المورد مما يشتبه فيه بمستحق المال بين اثنين.

وملخّص ما استدلوا به عليها بعد الإجماع وسيرة العقلاء على الأخذ بها في موارد الاشتباه:

استدلوا بحكم توريث الخنثى بإعطائه نصف حصة ذكر ونصف حصة أنثى(1)

مع أن فيه نقصاً في حقه لو كان ذكراً، أو أن فيه نقصاً في حق الورثة لو كان أنثى، فمقتضى العدل توزيع النقص عليهما.

واستدلوا أيضاً بروايات تقسيم درهم الودعي المسروق نصفين التي رويت بطرق متعددة تنتهي إلى النوفلي وهو لم يوثّق عن السكوني عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام): (في رجل استودع رجلاً دينارين فاستودعه آخر ديناراً فضاع دينار منها، قال: يعطى صاحب الدينارين ديناراً، ويقسم الآخر بينهما نصفين)(2).

ويضاف لها أمثالها مما ورد في باب المنازعات(3)، كمعتبرة عبد الله بن المغيرة عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (في رجلين كان معهما درهمان فقال: أحدهما الدرهمان لي، وقال الآخر: هما بيني وبينك،

ص: 468


1- وسائل الشيعة: كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الخنثى، باب 2.
2- وسائل الشيعة: كتاب الصلح، باب 12، ح1.
3- ناقش كثير من الأعلام في الحكم من جهة ضعف سند الرواية كما قدمنا، إلا أنها ليست الوحيدة في المقام إذ يمكن أن يستدل على الحكم بنظائرها في الموارد الأخرى مما ذكرنا، (راجع مباحث قاعدة لا ضرر ومبحث إمكان الترخيص في المخالفة القطعية للعلم الإجمالي في علم الأصول).

فقال: أما الذي قال: هما بيني وبينك فقد أقرّ بأن أحد الدرهمين ليس له، وأنه لصاحبه ويقسم الآخر بينهما)(1).

وخبر تميم بن طرفة (أن رجلين ادعيا بعيراً فأقام كل منها بينة فجعله علي (عليه السلام) بينهما)(2).

والمناقشة في هذا التقريب على مستويين:

(أولهما) كبروي في ثبوت هذه القاعدة أعني في استنباط قاعدة من هذه الروايات أي تسمية هذه الأحكام بعنوان انتزاعي وهو قاعدة العدل والإنصاف، وإلا فإن مطلوبية العدل والإنصاف مما لا إشكال فيه. وإنما لم تثبت هذه القاعدة لعدم تمامية أدلتها فإن الإجماع وسيرة العقلاء مجرد دعوى، أما حكم الخنثى فهو فرض شرعي مجعول كما جعل للذكر ضعف الأنثى ويزول الإشكال من أصله على احتمال كون الخنثى جنساً ثالثاً غير الذكر والأنثى ففرضه(3) مختلف أيضاً.

أما روايات تقسيم درهم الودعي وأمثالها فيمكن تقريبه على أنه تصالح بين المتخاصمين بأمر الشارع وليس قاعدة مطّردة، وإلا فإنه يمكن أن يقال أن مقتضى القاعدة إجراء القرعة بينهما لأنها لكل أمر مشكل، وصريح الروايات إظهار صاحب الحق بها كما في معتبرة محمد بن حكيم قال: (سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن شيء فقال: كل مجهول ففيه القرعة، قلت له: إن القرعة تخطئ وتصيب، قال: كلما حكم الله به فليس بمخطئ)(4).

ص: 469


1- وسائل الشيعة: كتاب الصلح، باب 9، ح1.
2- المصدر السابق، باب 10، ح1.
3- ناقشنا هذا الاحتمال مفصلاً في كتاب (الرياضيات للفقيه).
4- والذي بعده وسائل الشيعة: كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم، باب13، ح11، 4.

وصحيحة جميل قال: (قال الطيار لزرارة: ما تقول في المساهمة أليس حقاً؟ فقال زرارة: بلى هي حق، فقال الطيار: أليس قد ورد أنه يخرج سهم المحق؟ قال: بلى) الحديث.

والصحيحة إلى عاصم بن حميد عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر وفيها (فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ليس من قوم تنازعوا ثم فوّضوا أمرهم إلى الله إلا خرج سهم المحق)(4).(1).

وتفصيل المناقشات في هذه القاعدة موكول إلى محله.

(ثانيهما) صغروي: إذ أن المورد ليس مجرى لقاعدة العدل والإنصاف –لو تمت- لأن القاعدة تجري عند اشتباه المستحق، وموردنا من اشتباه أصل الاستحقاق بلحاظ دخول احتمال موتهما مقترنين فلا توارث، وسيأتي بيانه بإذن الله تعالى.(الثاني) استصحاب حياة كل منهما إلى حين موت الآخر، وافترضنا عدم المانع من جريانهما معاً؛ باعتبار اختلاف الموضوع، فنتيجتهما توريث كل منهما من صاحبه.

وفيه:-

1- إننا نستشكل في جريان مثل هذا الاستصحاب –أي استصحاب حياة زيد إلى حين وفاة عمرو- وأنه خارج عن مفاد أدلة الحجية.

2- إن نتيجة إجراء الاستصحابين معاً عدم تقدم موت أحدهما عن الآخر أي اقتران موتهما، ومعه فلا توارث، قال صاحب الجواهر (قدس سره): ((أنه إذا لوحظ ما يقتضي عدم تأخر أحدهما عن الآخر اقتضى الاقتران)) ولذا قال أيضاً: ((ربما كان مقتضى الأصول تقارن موتهما،

ص: 470


1- (4) التهذيب: ج6، كتاب القضايا والأحكام، باب 90، ح16.

ومن المعلوم سقوط الإرث معه)) لكنه (قدس سره) استدرك قائلاً: ((وإن كان التحقيق نفيه بالأصل أيضاً، إذ هو من الحادث المسبوق بالعدم الذي إذا لوحظ اقتضى التعاقب))(1).

3- إن الذي يثبت بالاستصحاب عدم تقدّم أحدهما عن الآخر وشرط الميراث تأخر الموت وهو لازم نتيجة الاستصحاب ولا يثبت بالأصل.

4- عدم وضوح عدم التنافي عند إجراء الأصلين، بل إن إجراء الأصلين معاً ينافي العلم الإجمالي بتقدم أحدهما المشتبه على الآخر، ولعل صاحب الجواهر (قدس سره) أراد هذا بقوله: ((واحتمال جريان التوارث بينهما على قاعدة العمل بالأصلين مع إمكانه ولو لمكلفين –نحو واجدي المني في الثوب المشترك، ونحو التمسك بهما في كل من الإنائين لمكلفين على القول به، ونحو الحكم بطهارة الماء ونجاسة الصيد فيه وغير ذلك - يدفعه وضوح كون المقام من غير ذلك كله بعد تسليم الحكم في المقيس عليه))(2).

(الثالث) إن الأصل الذي اعتمدوه في المسألة وجعلوا حكمها على خلافه هو اشتراط العلم بحياة الوارث عند موت مورّثه، وهذا الأصل محل إشكال من جهة عدم وجود دليل عليه من كتاب أو سنة، نعم الإجماع قائم عليه لكنه مدركي منشأه ارتكاز معنى التوريث، وهو دليل لُبّي يُقتصر فيه على المتيقن وهو عدم توريث السابق موتاً من اللاحق، ولا يصلح لنفي توريث المشتبهين مضافاً إلى إشكالات أخرى ستأتي عند مناقشة دليل المشهور (صفحة 487).

ويوجد أصل مقدَّم عليه وهو ما عُبِّر عنه بقولهم: إن الأقرب يمنع الأبعد، فالأصل توريث الأقرب مقدماً أو مشاركاً، ولا يورَّث الأبعد إلا بعد

ص: 471


1- جواهر الكلام: 39/306.
2- جواهر الكلام: 39/307.

إحراز المانع عن توريث الأقرب، والمانع هنا –هو تقدم موت الأقرب على موت الأبعد- غير محرز كماهو واضح، فيُتمسَّك بعموم (الأقربون أولى بالمعروف) لإعطاء نصيبه من الميراث.

وبذلك أمكن تقريب حكم المسألة على القاعدة وسيأتي مزيد من التفصيل عند التحقيق في أدلة الطرفين.

(الرابع) إن نفس هذه الروايات تؤسس أصلاً وقاعدة في المسألة تكون حاكمة على غيرها، ولا معنى حينئذٍ للحديث عن حكم على خلاف الأصل.

بيان ذلك: إنه صحّ لدينا أنه (ما من واقعة إلا ولله فيها حكم)، وهذه الواقعة –أي موت متوارثين يشتبه فيه المتقدم والمتأخر- يتعارض فيها أصلان، نتيجة أحدهما عدم توريثهما لعدم العلم بالمتأخر موتاً، ونتيجة الآخر عدم إمكان إعطاء نصيبهما إلى الآخرين لأنهم أقرب إلى بعضهما ولا يجوز منعهما من الميراث بأمر غير محرز وهو تقدم موت بعضهما على بعض، فوصلنا بذلك إلى طريق مسدود في مسألة تتعلق بحقوق الناس ولا بد من إيصالها إلى مستحقيها.

فجاءت هذه الروايات لتؤسس الحكم الجاري في مسألة الميتين المتوارثين المشتبهين بغضّ النظر عن كيفية وسبب موتهما، ويرجح ذلك أن المسألة مثارة عند العامة ويروون في كتبهم أخباراً عن حكمهما قبل زمان هذه الروايات الصادرة عن الإمامين الباقرين الصادقين (عليهما السلام).

ويكون ملاك هذا الحكم حفظ الحقوق لأهلها ولو في الجملة لاستلزامه وصول شيء آخر إلى غير أهله، وهو أولى من حرمان صاحب الحق، نظير ما قيل في جعل الأمارات مع كونها أحكاماً ظاهرية غير قطعية المطابقة للواقع، لحفظ الملاكات الواقعية من التضييع.

وسيأتي مزيد من التفصيل عند التحقيق في أدلة الطرفين.

ص: 472

عناصر المسألة وحدود القدر المتيقن:

وما دام الحكم على خلاف القاعدة، وقد التزموا بأن ما خالف النص يُقتصر فيه على القدر المتيقن، فلنحدّد ما يستفاد من ظروف جريان هذا الحكم بحسب ما ورد في النصوص، أي عناصر القدر المتيقن من النصوص، وسنجد لاحقاً بإذن الله تعالى أن بعضها ليس مورد اتفاق، وهي:-

1- حصول حالة الاشتباه في الموت بين المتقدم والمتأخر أو الاقتران، ولو عُلم موتهم سوية لم يجرِ الحكم.

2- أن يكون هذا الاشتباه بسبب ملابسات الحادث وليس بسبب تقادم الزمن أو الجهل بتفاصيل الحادث.

3- أن يكون بينهم توارث، إذ لا معنى لتطبيق الحكم لو لم يكن بينهم توارث أصلاً إما لعدم وجود سبب للتوارث أو لوجود مانعٍ منه كالرق، أو حاجب كأخوين لكل منهما ولد.والقدر المتيقن وجود توارث بسبب أو نسب من الجهتين، أما لو وُجد توارث من جهة واحدة –كأخوين لأحدهما ولد- فهو خارج عن القدر المتيقن.

4- أن يكون موت المتوارثين بسبب مشترك واحد هو الغرق أو الهدم، فلو ماتا بسببين مختلفين في آنٍ واحد وحصلت حالة الاشتباه، أو كان السبب غير الغرق والهدم فضلاً عن كونهما ماتا حتف الأنف، فإنه خارج عن القدر المتيقن.

5- أن يكون موتهم بلا فاصل زماني معتدٍ به، فلو تأخر بعضهم عن بعض زماناً واشتبه الحال فهو من غير المنصوص.

وذكر سيدنا الأستاذ الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) أمرين آخرين نذكرهما بنفس الترتيب.

ص: 473

6- ((أن يكون الحادث الذي أودى بهم خارجاً عن الاختيار، فلو ماتوا جميعاً بما فيه اختيارهم كالحرب أو شرب السم، (أو غرقاً لكن لا بانكسار سفينة بل لذهابهم للسباحة)، أو مات بعضهم باختياره (انتحاراً) لم تجر القواعد))(1).

7- ((أن يكون السبب خارجاً عن اختيار كل أحد لا عن اختيارهم فقط. بأن كان من القضاء والقدر. وأما إذا ماتوا باختيار شخص آخر ظالم أو عادل. كما لو حفر لهم حفرة سقطوا بها جميعاً أو انفجر بهم لغم أرضي أو بحري أو نحو ذلك. لم تجرِ القواعد)).

8- ما ذكروه (قدس الله أسرارهم) من اشتراط أن يكون لهم مال، والصحيح تعميمُه إلى كل ما يوَرَّث كالحق، إذ مع انتفاء ما يورث لا يبقى موضوع للمسألة، ويجري الحكم فيما لو كان لأحدهم مال للنص كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

تنقيح بعض حدود القدر المتيقن

ونحاول الآن أن ننقح بعض ما ذكر من حدود القدر المتيقن تمهيداً للتحقيق في المسألة، ولوجود خلاف في بعض هذه الحدود:

(المورد الأول) ما لو كان التوارث من جهة واحدة لا من جهتين الذي ذكرناه في العنصر المتيقن الثالث، وقد صرّح بسقوط حكم المسألة في هذه الصورة ((في المبسوط والنهاية والغنية والسرائر والشرائع والنافع والتحرير والدروس واللمعة والمسالك والروضة وغيرها للإجماع كما في الغنية ولأن الحكم ثبت على خلاف الأصل فيقتصر فيه على اليقين المنصوص))(2).

ص: 474


1- ما وراء الفقه (الطبعة الثانية، قم 1426 ه-): 8/466.
2- مفتاح الكرامة: 17/415.

قال المحقق النراقي (قدس سره): ((الرابع – من شروط جريان الحكم- أن تكون الموارثة ثابتة من الطرفين، فلو ثبت من أحدهما سقط هذا الحكم، كأخوين غرقا ولأحدهما ولد دون الآخر، فلا يرثه الأخ الآخر ولا يرث هو الآخر، وادعي على ذلك الإجماع أيضاً.

إلا أنه نقل المحقق الطوسي (قدس سره) في الفرائض(1)

النصيرية أنه قال قوم: بل يورث من الطرف الممكن، ومال إليه المحقق الأردبيلي وصاحب الكفاية))(2).

أقول: نقل كاشف اللثام قول المحقق الطوسي (قدس سره) ونقل عنه أيضاً قوله: ((والأول أقرب))(3).

أقول: علّق المحقق النراقي (قدس سره) على القول بالتعميم لصورة وجود توارث من جهة واحدة بقوله: ((وهو غير جيد، بل الأقوى هو المشهور، لأن الحكم ثابت على خلاف الأصل، فيقتصر فيه على اليقين المنصوص من التوارث.

وقال في الكفاية: عموم قول الصادق (عليه السلام): (يورث بعضهم من بعض) في أخبار متعددة يقتضي ثبوت الإرث هنا من جانب واحد انتهى.

وفيه: أن مقتضى إطلاق قوله (عليه السلام) أنه يرث كل بعض من كل بعض – كما في آية أُولي الأرحام - ولما لم يمكن ذلك في المفروض فلا بد من ارتكاب أحد التخصيصين: إما البعض بالبعض الوارث الخالي عن المانع، أو المهلكين بالمتوارثين، كما هو مورد كثير من الروايات، وإذ لا مرجح فيدخل الإجمال، ولا يتحقق للخروج عن القاعدة والأصل هنا دليل. بل المرجح في

ص: 475


1- وذكر في (مفتاح الكرامة: 17/416) أن المحقق الطوسي نقله في (الطبقات).
2- مستند الشيعة: 19/459.
3- كشف اللثام: 9/524.

الجملة للأخير ثابت، وهو التصريح بالتوارث من الجانبين في مرسلة حمران المتقدمة، مع إطلاق المهلكين))(1).

أقول: الإطلاق الذي تمسك به صاحب الكفاية ظاهر عرفاً، ويفهم العموم على أنه في الجملة أي أن بعضهم يرث بعضاً في الجملة، وبتعبير آخر إن العموم هنا لبيان أصل الاستحقاق، وليس لبيان لزوم وراثة كل منهما من الآخر، وتقييد توريث كل منهما بتوريث الآخر، وعلى هذا فلا يمنع من جريان حكم المسألة وجود بعض غير وارث، ويكون هذا شقاً ثالثاً لما ذكره المحقق النراقي (قدس سره) ويندفع إشكاله، وعلى هذا نفهم مرسلة حمران أيضاً فلا ظهور فيها للاشتراط.

بل نستطيع أن ننقض على المشهور ونستدل على التعميم في هذا المورد بصحيحتي عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمتين (رقم 6) حيث أجرى الإمام (عليه السلام) حكم المسألة على أخوين لأحدهما مال وليس للآخر مال فورّث الثاني من الأول دون العكس؛ لعدم وجود موضوع للتوريث وهذا دليل على جريان الحكم في هذا الموردفتطبيق الإمام (عليه السلام) حكم المسألة على التوريث من طرف واحد خروج عن القدر المتيقن.

إن قلتَ: ما دام النص قد ورد في هذه الصورة فهي من القدر المتيقن ولا حاجة للتعميم.

قلتُُ: النصوص على شكلين نستطيع تسميتها بالنصوص التأسيسية للحكم والنصوص التطبيقية له، فالأولى هي التي تؤسس للمسألة، والثانية هي التي تتناول تطبيقها على مواردها بحسب الأسئلة الموجهة إلى الأئمة (سلام الله عليهم)، والقاعدة التي عملوا بها التي تقضي بالاقتصار على القدر المتيقن من النص في ما خالف الأصل خاصة بالشكل الأول فقط. فالنص التطبيقي في هذا

ص: 476


1- مستند الشيعة: 19/459.

المورد يعتبر خروجاً عن القدر المتيقن في النصوص التأسيسية بحسب مدعى الخصم وتكون نقضاً على ما قالوه.

إن قلتَ: سلّمنا، إلا أنه قياس مع الفارق، إذ أن في مورد الصحيحة يكون مقتضي التوريث أي السبب موجوداً لكن لا موضوع له في الخارج لعدم وجود المال، فيعتبر أجنبياً عن محل كلامنا من كون التوريث من جهة واحدة فلا يصح النقض به.

قلتُ: هذا الإشكال يرد عليهم حينئذٍ؛ لأنهم حينما اشترطوا التوارث من جهتين لم يفرقوا في عدم التوارث بين كونه لوجود المانع أو لعدم تحقق المقتضي فيعدونهما معاً خروجاً عن القدر المتيقن فلا يجري حكم المسألة، قال المحقق النراقي (قدس سره): (( الثالث –من شروط جريان الحكم الخاص- : أن يتحقق سبب الإرث بينهم إما مقدماً على جميع من سواهم، أو يكون شريكاً، فلو انتفى السبب كما لو لم يكن استحقاق إرث بالكلية، إما لعدم النسب والسبب، أو لوجود مانع من كفر أو رق، أو وجود وارث حي لكل منهم، أو لأحدهم حاجب للميت الآخر، لم يثبت الحكم))(1).

أقول: على هذا فلو لم يتحقق توارث من طرفٍ لعدم وجود مالٍ عند الآخر –وهو كالمانع الذي ذكروه- فالمفروض عدم جريان حكم المسألة لعدم الفرق بين كون عدم التوريث لوجود مانع –كالرق- أو لعدم وجود مال أصلاً، لكن صحيحتي ابن الحجاج أفادت بجريانه، فمنعهم محل إشكال بناءً على هذا، لكن التنظير لا يخلو من تأمل(2).

ص: 477


1- مستند الشيعة: 19/458.
2- وجه التأمل: أنه يمكن ردّ هذا النقض والالتزام بأن عدم التوريث لعدم المقتضي أو لوجود المانع سواء، أما ما ورد في الصحيحة فلا يصح النقض به لأنه ليس من هذا ولا ذاك بل هو من عدم توفر العنصر الثالث للعلة التامة وهو اشتراط وجود موضوعٍ للتوريث وهو ما يصحّ توريثه أعم من المال أو الحق.

وبالعود إلى أصل الاستدلال على إمكان جريان حكم المسألة على المشتبهين إذا كان التوارث من جهة دون بعض فننقض على الآخر بما لو كان الموتى ثلاثة أو أكثر، وكان اثنان منهم يتوارثان ويرثان من الثالث وهو لا يرث منهما، فإن قالوابجريان المسألة فيفرض موت أحدهم ونجري الفرائض فيرث من يرث ويمنع من يمنع وفي هذا نقض عليهم أو يقولون بعدم الجريان وهو لا مسوغ له في الاثنين المتوارثين على الأقل. وإن قالوا نفصّل فنجري الحكم على الاثنين دون الثالث كان تفكيكاً في المسألة على غير ما بنوا عليه.

ويندفع الإشكال على القول بالجريان وإن كان بعضهم يرث بعضاً دون الآخر.

(المورد الثاني) في تحديد محل الاشتباه هل هو خصوص المتقدم والمتأخر أم هما الاقتران وعدمه، ونقدم له بمقدمة حاصلها: أن الميتين في حادث واحد (تارة) يعلم موتهما مقترنين، و (تارة) يُعلم عدم موتهما كذلك (وتارة) لا يُعلم هذا ولا ذاك، والأول لا يدخل في حكم مسألتنا ويحكم بعدم توارثهما لفقدان شرط بقاء الوارث حياً عند موت مورثه.

وعلى الثاني يقطع بوجود متقدم ومتأخر، فإن عُلما ورث المتأخرُ المتقدمَ، وإن لم يعلما بأن جُهل زمان موتهما معاً، أو جهل أحدهما، فإنه يحصل حالة اشتباه.

وعلى الثالث: فإن هذا الاشتباه في الاقتران وعدمه يولّد اشتباهاً في كون أحدهما متقدماً على الآخر ولا يُعلم بعينه.

ص: 478

ومحل الكلام في هذا المورد الثاني التحقيق في محل الاشتباه الداخل في القدر المتيقن فهل هي خصوص الصورة الثالثة أم الثانية أم كل منهما، فهنا ثلاثة احتمالات ولعلها ثلاثة أقوال كما سيأتي بإذن الله تعالى:-

1- الاشتباه في التقدم والتأخر المتضمن للاشتباه في المتقدم والمتأخر وهو ما اخترناه.

2- خصوص الاشتباه في التقدم وعدمه من دون الاشتباه بالمتقدم والتأخر وهو ظاهر الوقوف على ألفاظ الأصحاب.

3- توسعة الحالة لتشمل الاشتباه في المتقدم والمتأخر حتى مع العلم بعدم الاقتران وهو ما اختاره المحقق النراقي (قدس سره) كما سننقل عنه.

ظاهر الوقوف على ألفاظ جمع من الأصحاب كون محل الاشتباه هو التقدم وعدمه، قال الشيخ الطوسي (قدس سره) في الخلاف: ((المهدوم عليهم والغرقى إذا لم يعرف تقدّم موت بعضهم على بعض، فإنه يورث بعضهم من بعض))(1)، وقال ابن إدريس (قدس سره) في السرائر: ((إذا لم يعرف تقدّم بعضهم على بعض، وكان يرث بعضهم بعضاً، وُرِّث بعضهم من بعض من نفس التركة لا مما يرثه من الآخر))(2)،والمحقق الحلي في الشرائع، قال (قدس سره): ((واشتبهت الحال في تقدم موت بعض على بعض)) وقال الشهيد الثاني (قدس سره) في المسالك: ((لو اتفق موتهما بالغرق أو الهدم، واشتبه الحال في تقدم موت أحدهما على الآخر وعدمه، فإنه يرث كل منهما من الآخر))(3).

أقول: استعمالهم لفظ التقدم وعدمه والاشتباه فيه لا ينافي دخول حالة الاشتباه في المتقدم والمتأخر مع الاشتباه بالاقتران وعدمه لأنه يتضمنه كما هو واضح.

ص: 479


1- الخلاف: 4/31 المسألة (23).
2- السرائر: 3/321.
3- مسالك الأفهام: 13/269.

ولم يشترط المحقق النراقي (قدس سره) دخول احتمال الاقتران وعدمه، وأجرى حكم المسألة في ما لو عُلم عدم الاقتران وشُك في المتقدم والمتأخر، فإنه (قدس سره) بعد أن بيّن أن مقتضى القاعدة عدم التوارث لعدم تحقق شرطه وهو العلم بالتأخر ولرواية ابن القداح، قال (قدس سره): ((إن ظاهر قوله: (لا يدري أيهما هلك قبل) أن التشكيك في المتقدم والمتأخر دون التقدم وعدمه، بل هو الظاهر من القرينة الحالية أيضاً، لندور فرض المعية الحقيقية ألبتة.

والظاهر أنه لا خلاف في ذلك أيضاً، وإن وقع التعبير في كلام كثير بمثل قولهم: ولو اشتبه التقدم، الظاهر في أن الشك في التقدم والمعية، ولكن مرادهم ما يشمل الشك في المتقدم والمتأخر أيضاً كما في كلام بعض آخر))(1).

أقول: ما ذكره (قدس سره) مخالف للظاهر كما قرّبنا كلمات الأعلام (قدس الله أرواحهم) أما ما اختاره فلا يساعد عليه الدليل ولا يقتضيه ظاهر النص عند التأمل؛ لأن قول السائل: (لا يدري أيهما هلك قبل) و (لا يعلم أيهما مات قبل صاحبه) يعني ولا يدري إن ماتا سوية لأنه لا يعلم عنهما شيئاً، وأما القرينة الحالية التي ذكرها (قدس سره) فلا نسلّم ندور المعية، فهي دعوى تكون حجة على مدعيها، ولو سلّمناها فإننا في التوريث نتعامل مع ما هو المعلوم لدينا والمعتبر عندنا لا مع الواقع الذي نجهله.

ولذا نستطيع أن نقول إن القدر المتيقن هو اشتباه الاقتران وعدمه، ومن ثم المتقدم والمتأخر، وإن الاشتباه بالمتقدم والمتأخر مع العلم بعدم الاقتران خارج عن القدر المتيقن، إذ لو عُلم عدم المعية والاقتران وأن أحدهما غير المعين مات بعد الآخر فإن هذا الحكم لا يجري، إذ يمكن أن يقال بالقرعة، باعتبار أن الحكم الخاص في المقام إنما يجري إذا اشتبه الاستحقاق وهو يتحقق عندما لا يعلم

ص: 480


1- مستند الشيعة: 19/454-455.

موتهما مقترنين أو لا، إذ لا يُعلم بوجود استحقاق للميراث أو عدمه، أما إذا علم الاستحقاق في الجملة واشتبهالمستحق فيمكن القول بتمييزه بالقرعة تمسكاً بالأدلة العامة لموارد جريان القرعة التي ذكرنا جملة منها (صفحة 469).

ولخصوص ما ورد في المقام مثل مسألة إذا بقي حر ومملوك فاشتبها فإنه يقرع بينهما كما في صحيحة حريز عن أحدهما (عليهما السلام) قال: (قضى أمير المؤمنين عليه السلام باليمن في قوم انهدمت عليهم دار لهم فبقي صَبيّان أحدهما مملوك والآخر حرّ فأسهم بينهما فخرج السهم على أحدهما فجعل المال له وأعتق الآخر)(1).

بتقريب: أن الحكم في حالة الاشتباه في المستحق هو اللجوء إلى القرعة، وهذا المناط مشترك مع الفرض المتقدم.

وصحيحة الحسين بن المختار قال: (قال أبو عبد الله (عليه السلام) لأبي حنيفة: يا أبا حنيفة ما تقول في بيت سقط على قوم وبقي منهم صَبيّان أحدهما حر والآخر مملوك لصاحبه فلم يعرف الحر من المملوك؟ فقال أبو حنيفة: يعتق نصف هذا ويعتق نصف هذا ويقسم المال بينهما، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ليس كذلك ولكن يقرع بينهما فمن أصابته القرعة فهو الحر ويعتق هذا فيجعل مولى له).

ومعتبرة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: (قلت له: أمة وحرة سقط عليهما البيت وقد ولدتا فماتت الأُمّان وبقي الابنان كيف يورثان؟ قال: فقال: يسهم عليهما ثلاثاً ولاء يعني ثلاث مرات فأيهما أصابه السهم ورث من الآخر).

وفي ذيل رواية العباس بن هلال عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)

ص: 481


1- الروايات الأربع تجدها في وسائل الشيعة: كتاب الميراث، أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم، باب 4، ح1، 2، 3، 4.

قال: (قال ابن داود مولى له: جعلت فداك، قد بلغني أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: ما من قومٍ فوضوا أمرهم إلى الله عز وجل وألقوا سهامهم إلا خرج السهم الأصوب، فسكت).

وقد قوّى صاحب الجواهر (قدس سره) احتمال القرعة في هذه الحالة، قال (قدس سره): ((قد يشكل –أي الحكم- في من أصابهم الغرق دفعة بانكسار سفينة ونحوها ولكن ترتب زمان موتهم وهلاكهم إلا أنّا لم نعلم السابق من اللاحق ونحو ذلك مما يقوى فيه احتمال القرعة))(1).

ومنه يُعلم النظر في ما قاله المحقق النراقي (قدس سره) وهو يبين مقتضى القواعد في المسألة أنه ((إذا عُلم عدم المعية، ولكن لم يُعلم المتقدم موته منهما عن المتأخر، فلا يورث أحدهما عن الآخر لما ذكر أخيراً)) وهو قوله: ((إن شرط توريثأحد المشتبهين عن الآخر العلم ببقاء حياته بعد الآخر وهو منتفٍ، فكذلك المشروط))(2).

بتقريب أننا لا نستطيع أن نورِّث أياً منهما لعدم إحراز الشرط في كل منهما بلحاظه، ولا مانع منه باعتبار عدم التعارض بينهما كالحكم بطهارة اللحم المشتبه وعدم حلية أكله.

أقول: في عدم توريث أحدهما من الآخر مخالفة قطعية للعلم الإجمالي بحق أحدهما في وراثة الآخر، ومنه يُعلم الفرق بين المقام والمورد الذي مثّلنا له به، فما قاله (قدس سره) مشكل.

استدراك: نعم قد يقال بإمكان جريان حكم المسألة في هذه الحالة من باب التصالح بين ورثة المشتبهين، لا من جهة شمول الأدلة، أو يستظهر شمولها من

ص: 482


1- جواهر الكلام: 39/311.
2- مستند الشيعة: 19/454.

النصوص تمسكاً بظاهر الألفاظ أو بقرينة ندور الاقتران في الموت ونحوها فتحمل النصوص على الاشتباه بين المتقدم والمتأخر حتى مع العلم بعدم الاقتران، أو يستدل عليه بالإطلاق.

ص: 483

التحقيق في المسألة

محل كلامنا فعلاً في التعميم إلى موت المتوارثين بسبب آخر غير الغرق والهدم.

والأقوال في المسألة ثلاثة بحسب استقصاء صاحب مفتاح الكرامة: الاختصاص، والتعميم، والتوقف(1)

فراجعها(2)، ونسب الشهيد الثاني (قدس سره) في الروضة والمسالك القول بعدم الاطراد إلى الأكثر.

لكن نسبة الأقوال إلى أصحابها لا تخلو من إشكال فقد عدَّ صاحبُ مفتاح الكرامة الشيخَ المفيد (قدس الله سريهما) في المقنعة من الملحقين المصرحين بذلك، مع أن كلامه الذي سننقله على خلاف ذلك.

ومن الواضح أن التوقف لا معنى له في مثل هذه المسألة المرتبطة بحقوق الناس فلا بد من بيان مقتضاه، وقد ذهب إليه بعض العامة ففي المغني: ((وقال أبو ثور وابن شريح وطائفة من البصريين: يُعطى كل وارث اليقين ويوقف المشكوك فيه حتى يتبين الأمر أو يصطلحوا. وقال الخبري: هذا هو الحكم في ما إذا عُلِمَ موت أحدهما قبل صاحبه، ولم يذكر خلافاً))(3).

ص: 484


1- كتردد المحقق (قدس سره) في الشرائع، قال (قدس سره): ((وفي ثبوت هذا الحكم بغير سبب الهدم والغرق مما يحصل معه الاشتباه تردد، وكلام الشيخ (رحمه الله) في النهاية يؤذن بطرده مع أسباب الاشتباه))، وتوقف صاحب الرياض (قدس سره) قال: ((المسألة عند العبد محل توقف)) (رياض المسائل: 14/468).
2- مفتاح الكرامة: 17/411.
3- المغني لابن قدامة: 7/189.

وقد قال بالتعميم جماعة، إما مطلقاً أي لكل سبب لموت جماعي تحصل فيه حالة الاشتباه بين المتوارثين، أو لخصوص أسباب معينة كالحرق كما في الخبر الذي نقلناه عن دعائم الإسلام.

واستظهر العلامة (قدس سره) القول بالتعميم من كلام الشيخ الطوسي (قدس سره) في النهاية والمبسوط فإنه بعد أن نقل قوله (قدس سره): ((وإذا مات نفسان حتف أنفهما لم يورث بعضهما من بعض، لأن هذا الحكم جُعل في الموضع الذي يجوز فيه تقديم موت كل واحد منهما على صاحبه)) قال (قدس سره): ((هذا التعليل يشعر بالتعميم، وليس نصاً منه أيضاً)) ثم قال (قدس سره): ((وقال ابن الجنيد: القرابات إذا ماتوا معاً وعدمت الدلائل التي يستدل بها على وفاة بعضهم قبل بعض ورث بعضهم من بعض.وهو يدل على تعميم الحكم. وقال أبو الصلاح: وإن لم يعلم بوقت موتهم بهدم أو غرق أو قتل معركة أو غير ذلك ورّث كلاً بعضهم من بعض.

وقال ابن حمزة: إذا غرق اثنان أو أكثر دفعة أو احترقوا أو هدم عليهم أو قتلوا ولم يعلم تقدم موت أحدهم ولا تأخره، وُرّث كل منهما من صاحبه.

وهو تصريح بالتعميم))(1).

وقوّاه (قدس سره) فإنه بعد أن استقرب اختصاص الحكم بالغرقى والمهدوم عليهم قال لاحقاً: ((إن قول ابن حمزة لا يخلو من قوة)).

وعلّق صاحب الجواهر (قدس سره) على قول المحقق (قدس سره) في الشرائع: أن ((كلام الشيخ (رحمه الله) في النهاية يؤذن بطرده مع أسباب الاشتباه)) قال (قدس سره): ((إنه صريحها وصريح أبي علي وأبي الصلاح

ص: 485


1- مختلف الشيعة: 9/117 مسألة (42).

وابني حمزة وسعيد والمحقق الطوسي وظاهر المبسوط والسرائر والمراسم والمهذب))(1).

وذهب إلى الاختصاص الشيخ المفيد (قدس سره) قال في المقنعة: ((إذا غرق جماعة يتوارثون أو انهدم عليهم جدار أو وقع عليهم سقف فماتوا ولم يعلم أيهم مات قبل صاحبه، وُرّث بعضهم من بعض.

ثم قال في آخر الباب: وإذا مات جماعة يتوارثون بغير غرق ولا هدم في وقت واحد لم يورث بعضهم من بعض، بل جعلت تركة كل واحد منهم لورّاثه الأحياء خاصة))(2).

ونسبه الشهيد الثاني (قدس سره) إلى المعظم مستدلاً بالاشتراط المذكور على طبق القاعدة ((فإذا جهل الشرط لم يمكن الحكم بالمشروط، خرج من ذلك الغرق والهدم بالنص والإجماع، فيبقى الباقي على الأصل))(3).

واستدل العلامة (قدس سره) بأن ((الأصل عدم توريث أحدهما من صاحبه، لعدم العلم ببقائه بعده، وخرج عنه الغرقى والمهدوم عليهم، للنصوص الدالة عليه، فيبقى الباقي على أصالة المنع.

احتج على الاطراد–أي على التعميم- بأن العلة الاشتباه، وهي موجودة في القتل والحريق.والجواب: المنع من التعليل بمطلق الاشتباه، فجاز أن تكون العلة الاشتباه المستند إلى أحدهما))(4).

ص: 486


1- جواهر الكلام: 39/308.
2- المصدر: 116-117.
3- مسالك الأفهام: 13/270.
4- مختلف الشيعة: 9/117.

وحكى صاحب الجواهر (قدس سره) عن الروضة والمسالك نسبة القول بعدم الاطراد ((إلى الأكثر بل عن الكفاية نسبته إلى الأصحاب))(1)

ثم قواه (قدس سره).

فخلاصة دليل القول بالتعميم ((الاشتراك في الاشتباه الذي هو العلة)) ودليل الاختصاص ((الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن بعد عدم العلم، بل والظن المعتبر بكون العلة الاشتباه والعلم بحرمة القياس، مضافاً إلى ما روي(2)

أن قتلى اليمامة وصفين والحرة لم يورث بعضهم من بعض))(3).

ونعرض الآن أدلة الأقوال المحتملة ونناقشها بإذن الله تعالى:

(القول الأول) اختصاص الحكم بالغرقى والمهدوم عليهم وعدم الاطراد إلى غيرهما.

والدليل الرئيس عليه الذي تكرر في كلماتهم (قدس الله أرواحهم) هو الاقتصار في ما خالف الأصل على القدر المتيقن الذي هو خصوص الغرق والهدم، أما غيرهما فلا يجري فيهم حكم المسألة بمعنى حرمان أحدهما من وراثة الآخر، وانتقال تركتهما إلى الورثة الموجودين؛ لأنهم ليسوا من القدر المتيقن، فتجري فيهم القواعد.

والأصل الذي يريدونه في كلماتهم هو اشتراط العلم بحياة الوارث عند موت مورثه، ولما كان غير محرز في المشتبهين، فلا يرث أحدهما من الآخر، عدا الغرقى والمهدوم عليهم لورود النص فيهما.

ونناقش هنا فنقول: لا شك في دخول الغرقى والمهدوم عليهم في حكم المسألة لورودهما صريحاً في النصوص، فإن أرادوا بهذا الدليل شمول الحكم

ص: 487


1- جواهر الكلام: 39/309.
2- روى ذلك مرسلاً فخر المحققين في إيضاح الفوائد: 4/277.
3- جواهر الكلام: 39/309.

لهما، فإنه مما لا شك فيه، وإن أرادوا به إخراج من سواهما من حكم المسألة، فنقول: إن هذا الدليل غير كافٍ لمنع دخول غير الغرقى والمهدوم عليهم في حكم المسألة؛ لجملة من الإشكالات نستطيع تصنيفها في جهتين:

(أولاهما) الأصل الذي أرجعوا إليه غير المنصوص.(ثانيهما) في الاستدلال بمقولة (الاقتصار في ما خالف الأصل على القدر المتيقن) على عدم شمول المشتبهين بالتوارث.

وتفصيل الكلام في ذلك:

(الجهة الأولى) في أن الأصل الذي ذكروه لا يمكن الاعتماد عليه لأمور:-

1- إن الفرائض والمواريث أحكام تعبدية مجعولة من قبل الشارع المقدس، وهو الذي فرض ما شاء لمن شاء ومنع من شاء مما شاء، فلا يوجد أصل إلا ما أصّله الشارع المقدس، والأصل الذي يتحدثون عن مخالفته هو اشتراط حياة الوارث عند موت مورّثه ولو للحظة، وهو مما لم يرد فيه نص، إلا ذيل المرفوعة في (صفحة 463) وهو ليس بحجة على محل الكلام لضعف السند، ولأنه خارج عن محل النزاع لجزم الإمام (عليه السلام) بتأخر موت الرجل. نعم هذا الشرط مما أجمعوا عليه وهو منتزع من معنى التوريث بحسب ما يفهمه الناس، والإجماع المنعقد عليه مدركي منشأه هذا الفهم. لكن الإجماع دليل لبّي يقتصر فيه على القدر المتيقن وهو عدم توريث السابق موتاً من اللاحق، أما من اشتبه موتهما فلا يدخل فيه.

فإذن لا يوجد أصل شرعي حتى يرجع إليه في ما لم يرد فيه نص، وغيره لا يجدي لما قلناه من أن استحقاقات الميراث أمور مجعولة من قبل الشارع المقدس لا يرجع فيه إلى غيره.

فدليلهم هنا قاصر عن إفادة حرمان غير الغرقى والمهدوم عليهم من التوارث، ويرجع فيهم إلى الأصول والقواعد الأخرى.

ص: 488

2- إن هذا الأصل آبٍ عن التقييد والقول بالتفصيل؛ لأنه مبني على حقيقة التوريث ومعناه كما قدمناه وهو أمر بسيط غير قابل للتجزئة، كحقيقة الموت التي معناها خروج الروح من البدن، وهما من المفاهيم التي لا تقبل التفصيل بأن يكون معناها بحق هذا كذا وبحق غيرها شيء آخر. وحينئذٍ نقرّب هذا الوجه ببيانين:-

أ- أن نقول إنه ما دام قد انخرم الشرط بالغرقى والمهدوم عليهم، فلا مجال للعودة إليه في غيرهما، ولا يصلح بعدئذٍ للمانعية من شمول حكم المسألة لغيرهما.

ب- إن الشرط غير تام بالمعنى المذكور وإلا لم يصح التفصيل فيه، وأن المقدار المتيقن صحته من الشرط هو عدم توريث السابق موتاً من اللاحق موتاً كما قدمنا، ولا يصح تطبيقه على ما نحن فيه.

3- إن هذا الأصل لا يمكن اعتماده في المقام؛ لأن إجراءه في كل من المشتبهين يؤدي إلى المخالفة القطعية للعلم الإجمالي باستحقاق واحدٍ منهما للميراث من الآخر، خصوصاً على مبناهم من كون الاشتباه في المتقدم والمتأخر دون الاقتران التي هي –كما قيل- حالة نادرة بحسب ما يشهد به الواقع.

4- إن هذا الأصل معارض بأصل آخر ثابت في الكتاب والسنة وهو قوله تعالى: «وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ» (الأحزاب:6) (الأنفال: 75) وشرحته الروايات الشريفة التي بيّنت السهام والفرائض وترتيب مستحقيها، وعُبّر عن هذا المعنى بقولهم: إن الأقرب يمنع الأبعد وأن الأقربين أولى بالمعروف، ولا يُحرم القريب من الميراث إلا بمانع محرز، فعدم توريث المشتبهين هنا وإعطاء نصيبهما إلى غيرهما من دون إحراز لعدم وجود المستحق باعتبار حصول حالة

ص: 489

الاشتباه مخالف لهذا الأصل. ولو تعارض الأصلان فالترجيح لهذا الأصل بالعمومات الواردة في القرآن الكريم والسنة الشريفة.

وقد نقل المحقق النراقي (قدس سره) نظير هذا الإشكال وأجاب عليه، فقد حكى عن صاحب الكفاية قوله: ((ولقائل أن يقول: ثبوت الإرث له -أي لغير هذا المشكوك فيه ممن هو أبعد منه - مشروط بعدم وجود الأقرب عند موت المورّث، وثبوت الجميع له مشروط بعدم مشارك له في مرتبته عند موت المورث، فالشك في الشرط يقتضي الشك في المشروط))(1)، وبنى جوابه (قدس سره) على ((إن إرث شخص عن آخر موقوف بالعلم بوارثَيه الأول للثاني لا مجرد وجود المنتسب الواقعي وإن لم يعلمه أحد)) قائلاً في الجواب: ((فإنا نقول: إن ثبوت الإرث للغير أو المساوي مشروط بعدم العلم بوجود الأقرب أو المساوي عند موت المورث، وهو حاصل؛ كما أن الحكم بثبوت الإرث لهذا المشكوك فيه مشروط بالعلم بوجوده، وهو غير حاصل))(2).

أقول: ما قاله (قدس سره) لا يخلو من مغالطة، فما ذكره (قدس سره) من ثبوت الإرث مشروط بعدم العلم بوجود الأقرب صحيح، إلا أنه غير حاصل في المقام لوجود القريب فعلاً وهو المشتبه معه، بيان ذلك: أن متعلق عدم العلم في الاشتراط المذكور هو وجود المستحق ووجوده معلوم في المقام، وإن متعلق عدم العلم هنا هو استحقاق هذا القريب ولا مدخلية له في الاشتراط.

وإن ردَّ (قدس سره) بأن المتعلق عدم وجود القريب المستحق، قلنا: إننا لا نسلّمه لأن الأصل في القريب أنه يرث حتى يثبت المانع.

ص: 490


1- مستند الشيعة: 19/454.
2- مستند الشيعة: 19/454.

(الجهة الثانية) وتتضمن أموراً:

1- إن كون الحكم على خلاف الأصل لم يثبت في ما لو تم أي وجه مما تقدم (صفحة 467) لتقريبه على القواعد الأصلية ويصلح أكثر من وجه لذلك.

2- إن تطبيق هذه المقولة إنما يكون في ما لو ورد عنوان الغرقى والمهدوم عليهم في كلام الإمام (عليه السلام)، لكنها لم ترد كذلك ولا في رواية واحدة، وإنما كانت في كلام المستفتين، فليست الروايات تأسيسية في هذا المجال وإنما هي تطبيقية، والروايات التطبيقية (أي التي بصدد جواب الاستفتاءات وليس بيان الأحكام الفرعية الكلية) لا تصلح للتقييد إلا بضم دليل آخر أو الرجوع إلى الأصل في غيرها ونحوه.

3- إن الغرق والهدم من القدر المتيقن وليس هما كل القدر المتيقن فالاطراد إلى الأسباب الأخرى من القدر المتيقن وليس خروجاً عنه بناءً على كون مناط الحكم هو الاشتباه، ولا يفهم العرف عند الاستظهار خصوصية للغرق والهدم، وإنما ذكرت باعتبارها الأسباب الغالبة لحصول الاشتباه، فقول العلامة (قدس سره) المتقدم (صفحة 485): ((فجاز أن تكون العلة الاشتباه المستند إلى أحدهما)) مما لا يستظهره أهل الفن من النصوص.

4- إن لازم هذا القول –بعد حمل المطلق نحو (غرق) على المقيد للقرينة أو وحدة الجعل- الاقتصار على غرق في نهر أو بحر دون البحيرة أو الحوض الكبير مثلاً، وعلى الغرق في الماء المطلق دون الماء المضاف كبحيرة من نفط أو بنزين أو حوض كبير محفور في الأرض من الخل مثلاً، وعلى هدم البيت دون غيره من الأبنية أو المسقفات، وعلى موتهم بسبب الغرق نفسه دون ما لو غرقوا لكن موتهم كان بسبب الخوف أو افتراس حيوان كالقرش مثلاً، وهكذا. وهو لازم قد لا يكون مقبولاً عند

ص: 491

أصحاب هذا القول.

وإن قلتَ: إن الاطراد بلحاظ هذه الأمور مما يستظهره العرف من النصوص. قلنا: هذا ما نريده وهو ترك الأمر للعرف ليستظهر الاطراد وعدمه.

وحصيلة ما تقدم من المناقشات: أن شمول الغرقى والمهدوم عليهم مما لا شك فيه، إلا أن الاقتصار عليهما بمعنى حرمان غيرهما من أسباب الاشتباه مما لا يقتضيه الوجه المذكور.

تتميم: ورد في كلام الأصحاب (قدس الله أرواحهم) وجهان آخران(1)

نذكرهما بنفس التسلسل:

(الثاني) إن القول بالاطراد مبني على القياس وهو باطل.

وفيه: إن التعميم ليس قياساً وإنما هو أخذ بمناط الحكم المستظهر من الروايات، أي أن ((العلة المحتج بها قطعية منقّحة بطريق الاعتبار لا مستنبطة بطريق المظنّة لتلحق بالقياس المحرم في الشريعة))(2).(الثالث) ما روي من عدم توريث قتلى اليمامة وصفين والحرة من بعضهم البعض(3).

ص: 492


1- جواهر الكلام: 39/309.
2- رياض المسائل: 14/467، مستند الشيعة: 19/463.
3- رواه فخر المحققين في إيضاح الفوائد مرسلاً، وهي رواية عامية أوردها ابن قدامة في المغني (7/188) بسنده عن يحيى بن سعيد (أن قتلى اليمامة وقتلى صفين والحرة لم يورثوا بعضهم من بعض وورثوا عصبتهم الأحياء) وأوردها في الشرح الكبير المطبوع بهامشه (7/457).

وفيه: إنه لا قيمة له لأنه لا يعدو كونه خبراً تأريخياً لا حجية له وأنه ورد في كتب العامة، مع أنه لم يتضح حصول مورد لمسألتنا في الرواية أعني مقتل متوارثين في زمان واحد بحيث حصلت حالة الاشتباه.

إن قلتَ: ((يكفي لنا في الاحتجاج بها انجبارها بالشهرة ولو لم تكن بحسب السند صحيحة))(1).

قلتُ: مضافاً إلى المناقشة في الكبرى، فإنها لو تمّت فموردها ما لو استند مشهور القدماء إلى الرواية في مقام العمل، وهذا غير حاصل في المقام، لوضوح أن مستندهم في عدم التوريث كون المورد خارج القدر المتيقن والمسألة على خلاف الأصل فيقتصرون فيها على المتيقن.

(القول الثاني) الاطراد إلى كل سبب للموت الجماعي تحصل فيه حالة الاشتباه بين الاقتران والمتقدم والمتأخر، ويمكن الاستدلال له بعدة وجوه:

(الأول: الروايات) –ونعني بها النصوص السابقة- بتقريب استظهار كون مناط الحكم هو حصول حالة الاشتباه في حادث موت جماعي، ويقوّيه:-

1- إن سببية الغرق والهدم لم يرد في كلام المعصومين (عليهم السلام) حتى تستظهر منه الخصوصية ويقتصر عليها، وإنما وردا في كلام السائل، فهي تعبّر عن حالة جزئية استفتى عنها ولا خصوصية فيها، ولو كان للغرق والهدم خصوصية لبادر الإمام (عليه السلام) وابتدأ ببيان الحكم من غير مسألة، فعدم إشارة الإمام إلى السبب في الروايات كلها قرينة على عدم مدخليته في الحكم.

2- إن ذكر حالة الاشتباه في الروايات جاءت متفرعة بالفاء على ذكر الغرق والهدم (راجع صحيحة ابن الحجاج، (رقم 1) وصحيحة محمد بن قيس

ص: 493


1- رياض المسائل: 14/467.

(رقم 2)، وصحيحتي ابن الحجاج (رقم 6) ) وليست معطوفة بالواو مما يعني أن السؤال إنما هو عن حكم حالة الاشتباه أما السبب فذكر للتمهيد، ولعل في هذا بياناً لقول صاحب الجواهر (قدس سره) وهو يرد على تقوية صاحب الرياض للاطراد، قال (قدس سره): ((نعم إن تم ما تراءى له من كون العلة الاشتباه المطلق كما لعله الظاهر من أسئلة النصوص المشتملة على ذكر الغرق أو الوقوع المفرّع عليه فيها عدم العلم بموت السابق كان هو المدار وإلا فلا))(1).

3- ما في صحيحتي ابن الحجاج (رقم 6) بتقريب ذكره صاحب الرياض (قدس سره): ((ويشير إلى قوة الاحتمال –أي القول بالاطراد- بل ويعينه فهم الراوي فيما تقدم من الصحيحين من حكمه (عليه السلام) في المهدوم عليهم ثبوته في الغرقى، ولذا بعد سماعه الحكم منه (عليه السلام) في المهدوم عليهم اعترض على أبي حنيفة فيما حكم به في الغرقى من دون تربص وتزلزل، بحيث يظهر منه أنه فهم كون العلة هو الاشتباه وإلا فلم يتقدم للغرقى ذكر سابقاً لا سؤالاً ولا جواباً، والمعصوم (عليه السلام) أقره على فهمه غير معترض عليه بالقياس، وأنك لم استشعرت من حكمي في المهدوم الاعتراض على أبي حنيفة في الغرقى. فهذا القول في غاية القوة ونهاية المتانة لو لا الشهرة العظيمة التي كادت تكون من المتأخرين إجماعاً))(2).

أقول: لا بأس بضم هذه القرينة إلى سابقاتها، أما هي بذاتها فلا تخلو من إشكال لأن ابن الحجاج لم يتعد القدر المتيقن حين ألحق الغرق، والتلازم بين السببين كان معلوماً يومئذٍ لتداوله في فقه العامة ورواياتهم،

ص: 494


1- جواهر الكلام: 39/310.
2- رياض المسائل: 14/467.

بل إن نفس ابن الحجاج له رواية في ذلك وهي (رقم 1) حيث ذُكر فيها السببان.

(الثاني) إننا قربنا (صفحة 470) أكثر من صياغة لكون الحكم على طبق الأصل والقاعدة لكل ميتين متوارثين مشتبهين، فالاطراد يكون على القاعدة وأخذاً بها.

(الثالث: بناء العقلاء) أي أن العقلاء لو عُرضت عليهم المسألة لكان جوابهم هذا بتقريبين:-

1- دعوى أنه مقتضى العدل والإنصاف بعد عدم وجود نص على غير الغرق والهدم، حيث لا يمكن توريث كل من الميتين المشتبهين من الآخر لعدم إحراز تأخره عن الآخر، كما لا يمكن حرمانهما معاً وتوريث الآخرين لأنه مخالف للعلم الإجمالي باستحقاق أحدهما، ولعدم إحراز تقدم موته حتى يُحرم، والمفروض إيصال الحقوق إلى أهلها، فمقتضى العدل والإنصاف توريث كل منهما من الآخر.1- إن في جريان الحكم الخاص بالمسألة موافقة قطعية في الجملة من حيث وصول الحق إلى المستحق الواقعي وإن لزم منه وصول مال آخر إلى غير مستحقه، وفي عدم جريان الحكم مخالفة قطعية من حيث حرمان صاحب الحق الواقعي، وحينئذٍ قد يقال بأن العقلاء يقدّمون الأول على الثاني من باب حفظ الحقوق لأهلها ولو في الجملة، كما قرّبنا في المحاولة الرابعة (صفحة 471).

وبتعبير آخر: إن الأمر يدور بين إيصال الحق إلى صاحبه مع لزوم وصول مال آخر إلى غير صاحبه –وهو مقتضى جريان حكم المسألة-، وبين

ص: 495

حرمان صاحب الحق من حقه خشية وصول مال إلى غير مستحقه، وهذا التقريب يدعي بأن سيرة العقلاء جارية على تقديم الأول.

إلفات: بعد هذه الوجوه للاستدلال على الاطراد يعلم النظر في قول الشيخ الأنصاري (قدس سره): ((ولم أجد لهم –أي الملحقين لغير الغرقى والمهدوم عليهم بهما- دليلاً تطمئن إليه النفس))(1).

(القول الثالث) التوقف، ومقتضاه إيصال الحصص المتيقنة إلى أصحابها، والتربص بنصيبي المشتبهين حتى يتبين الحال بالبينة أو القرينة المفيدة للاطمئنان خصوصاً مع تطور التقنيات اليوم كمعلومات الصندوق الأسود في الطائرات، أو من خلال درجة حرارة الجسد –إن أمكن ذلك- ونحوها.

ومع العجز عن معرفة حقيقة الحال يُصار إلى التصالح بين ورثة المشتبهين على ما يصل إلى كل منهما من الآخر، وقد تقدم في هامش (صفحة 484) أن ممن توقف المحقق الحلي والسيد صاحب الرياض (قدس الله سريهما)، ودليله عدم ترجّح أحد القولين؛ لأن الاطراد على خلاف الأصل ولم يرد فيه نص لإخراجه كالغرقى والمهدوم عليهم، وإن القول بالاختصاص مخالف لاستظهار مناط الحكم وهو الاشتباه مضافاً إلى أن حرمان الأقرب وتوريث الأبعد لا يكون إلا بإحراز المانع من الميراث –وهو هنا تقدم موته على الآخر- وهو غير محرز.

وهذا القول أحوط إن لم يحصل الاطمئنان لدينا بأحد القولين السابقين، ويمكن أن يستدل ببناء العقلاء على التوقف إزاء مثل هذه الحالة.

ص: 496


1- الموسوعة الكاملة لآثار الشيخ الأنصاري (قدس سره): 21/194، المسألة (6).

فروع

(الأول) هل يتّسع القول بالاطراد ليشمل من ماتا حتف الأنف مشتبهين؟

نفى صاحب الجواهر (قدس سره) وجود خلاف محقق في عدم جريان الحكم عليه، ((بل حكى غير واحد الاتفاق عليه، مضافاً إلى خبر القداح عن الباقر (عليه السلام) (ماتت أم كلثوم بنت علي (عليه السلام) وابنها زيد بن عمر بن الخطاب في ساعة واحدة لا يدرى أيهما هلك قبل فلم يورث أحدهما من الآخر، وصلى عليهما جميعاً)(1).

لكن عن النهاية والمبسوط والسرائر والمهذب تعليل الحكم المزبور بأن التوارث إنما يجوز فيما يشتبه فيه الحال، فيجوز تقدم كل منهما على الآخر لا فيما علم الاقتران، وهو مؤذن بقصر نفي التوارث في الموت حتف الأنف على اقترانهما، بل عن أبي علي وأبي الصلاح التصريح بذلك بل قيل: إنه ظاهر كثير من الأصحاب، وإن كنا لم نتحققه، وعلى تقديره ففيه ما عرفت، مضافاً إلى حرمة القياس، إذ لا علة منصوصة يؤخذ بها ولا تنقيح مناط بإجماع ونحوه، بل لعله على عدمه ظاهر أو معلوم))(2).

أقول: قبل مناقشة صاحب الجواهر (قدس سره) نستعرض كلمات أولئك الأعاظم، قال الشيخ الطوسي (قدس سره) في النهاية: ((وإذا مات نفسان حتف أنفهما، لم يورث بعضهما من بعض، ويكون ميراث كل منهما لمن يرثه من

ص: 497


1- وسائل الشيعة: كتاب الميراث، أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم، باب5، ح1.
2- جواهر الكلام: 39/307-308.

الورّاث الأحياء، لأن هذا الحكم جعل في الموضع الذي يجوز فيه تقديم موت كل واحد منهما على صاحبه))(1).

وقال (قدس سره) في المبسوط: ((ومتى ماتا حتف أنفهما لم يورث بعضهما من بعض، بل يكون ميراثهما لورثتهما الأحياء، لأن ذلك إنما يجوز في الموضع الذي يشتبه الحال فيه، فيجوز تقديم موت أحدهما على صاحبه))(2).وقال ابن إدريس (قدس سره): ((ومتى ماتا حتف أنفهما في وقت واحد، لم يورَّث بعضهم من بعض، لأن ذلك إنما يجوز في الموضع الذي يشتبه الحال فيه، فيجوز تقديم موت أحدهما على صاحبه))(3).

أقول: ظاهر تعليلهم عدم جريان حكم الغرقى والمهدوم عليهم بعدم حصول حالة الاشتباه: عدم ممانعتهم (قدس الله أرواحهم) من دخول الموت حتف الأنف في حكم المسألة، وإلا لكان التعليل به أولى باعتباره خروجاً عن مورد النص المصرح به وهو الموت بسبب.

بل استفاد بعضهم ذلك حتى من مثل كلام الشيخ المفيد، قال (قدس سره) في المقنعة: ((ولو مات جماعة يتوارثون بغير غرق ولا هدم في وقت واحد لم يورث بعضهم من بعض)) بتقريب: أن ((التقييد في وقت واحد مما يظهر منه قصر الحكم على صورة الاقتران وهو ظاهر في ثبوت الإرث إن لم يقترنا إن ماتا حتف الأنف))(4).

أقول: هذا التقريب بعيد لأن الظاهر من قوله (قدس سره) في وقت واحد ما ذكروه من اشتراط عدم وجود فاصل زماني معتدٍّ به. مضافاً إلى ما تقدم

ص: 498


1- النهاية: 677.
2- المبسوط: 4/119.
3- السرائر: 3/322.
4- مفتاح الكرامة: 17/412.

(صفحة 486) من تصريح المفيد (قدس سره) بعدم التعميم، نعم يظهر من الصدوقين هذا التفسير، ففي الفقه الرضوي والمقنع: ((وإذا ماتا جميعاً في ساعة واحدة وخرجت أنفسهما جميعاً في لحظة واحدة لم يورث بعضهما من بعض))(1).

وحينئذٍ نقول في مناقشة صاحب الجواهر (قدس سره) أن المتحصل من كلامه (قدس سره) وجود ثلاثة موانع من التعميم للموت حتف الأنف هي الإجماع –وقد صرّح به الشهيد(2)

الثاني (قدس سره) في المسالك- ورواية القداح، وكونه قياساً ممنوعاً. وكلها غير تامة:

(أما) الإجماع فلما عرفت من عدم ممانعة جملة من أساطين القدماء من التعميم، وقوله (قدس سره) بعدم وجود خلاف محقق فيه يتنافى مع ما نسبه من التصريح بالتعميم إلى أبي علي وأبي الصلاح(3) بل إلى كثير من الأصحاب(4).

ص: 499


1- فقه الرضا: 291، المقنع: 178.
2- مسالك الأفهام: 13/270.
3- وحكاه عنهما أيضاً في مفتاح الكرامة: 17/412.
4- وحكى النسبة إلى الأكثرين تلميذ المحقق (قدس سره) في (كشف الرموز) في شرح الشرائع وهو عز الدين الحسن بن أبي طالب اليوسفي المعروف بالفاضل الآبي فإنه بعد أن نقل قول المحقق (قدس سره): ((وفي ثبوت الحكم بغير سبب الغرق والهدم تردد)) علّق بقوله: ((الأصل عدم التوارث، ترك العمل به في الغرقى والمهدوم عليهم للدليل، وعمل به في الباقي، لكن المصنف نظر إلى فتوى الأكثرين)) ووجّه صاحب مفتاح الكرامة شمول النسبة للموت حتف الأنف بقوله: ((وأنت تعلم أن المحقق إنما قال ما نصّه: وفي ثبوت الحكم بغير سبب الغرق والهدم تردد، وغير سبب الغرق والهدم هو الموت حتف الأنف أو الموت لسبب آخر غيرهما- أي غير الغرق والهدم- نعم لو قال لسبب غير الغرق والهدم لخصّ الثاني، فقد اعترف هذا الفاضل بأن من أثبت الحكم في غير السببين إنما هم الأكثرون من دون فرق بين كون الغير موتاً حتف الأنف أو قتلاً أو حرقاً أو نحو ذلك)) (مفتاح الكرامة: 17/413).

(وأما) رواية القداح فلا يصح الاستدلال بها لأمور:-

1- إنها ضعيفة سنداً لجهالة جعفر بن محمد القمي، والقداح ميمون بن الأسود لم تثبت وثاقته، وأما ابنه عبد الله بن ميمون فهو ثقة وهو المعروف بابن القداح وقد ذكر صاحب الوسائل سند الرواية عن ابن القداح عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام)، إلا أن الموجود في التهذيب عن القداح عن جعفر (عليه السلام)، وكلاهما رويا عن أبي عبد الله (عليه السلام)، فهذه جهة ضعف أخرى في السند .

2- لأن الإمام (عليه السلام) كان فيها مجرد ناقل، ولم يتضح من الرواية مصدر الحكم، أي من الذي لم يورِّث أحدهما من الآخر، وبحسب مفروض الرواية أنه عمر فلا يكون حجة.

3- ما فهمه البعض من قوله: (ساعة واحدة) أي اقتران موتهما وحينئذٍ يخرج عن حالة الاشتباه التي هي مناط الحكم، وليس سبب خروجه كون الموت حتف الأنف.

4- وضوح الوضع فيها إذ لم يكن لأمير المؤمنين (عليه السلام) بنت بهذا الاسم من فاطمة الزهراء (عليها السلام) ولو وُجدت فقد كانت غير بالغة عند وفاة أمها الزهراء (عليها السلام) ومن البعيد تزويجها من عمر بن الخطاب بعد الذي جرى على البيت الطاهر، ولم تُذكر لأمير المؤمنين (عليه السلام) بنت بهذا الاسم من غير الزهراء (عليها السلام)، ولو كانت فهي لم تكن بعمر الزواج في خلافة الثاني.

فالرواية موضوعة لأسباب لا تخفى على اللبيب.

ص: 500

أما أم كلثوم التي ورد ذكرها في أحداث وفاة أمير المؤمنين (عليه السلام) ومقتل الحسين (عليه السلام) وخطب سبايا العلويين، فيرجّح عدد من المحققين(1) أنها العقيلة زينب.

ومنه يُعلم الإشكال في استدلال البعض –كالمحقق النراقي (قدس سره)- ب-((رواية القداح المنجبر ضعفها لو كان بما مرّ))(2)

أي اشتراط التوريث بتحقق حياة الوارث بعد المورث.

(وأما) ما قاله (قدس سره) من كونه قياساً محرماً لعدم وجود علة منصوصة ولا تنقيح مناط، فإن الخصم يدعي وجود وحدة مناط وهي حالة الاشتباه في المتقدم والمتأخر وهذا مناط جريان الحكم، أما كون الموت بسبب وعدمه فلا دخل له عنده ولا خصوصية فيه خصوصاً إذا تم تأصيل الحكم على القاعدة.

وبهذا فالملحقون يتقدمون خطوة إذ أنهم ليس فقط لا يجدون مانعاً من التعميم إلى حتف الأنف، بل يجدون الدليل عليه، وهما أمران:-

1- الاشتراك في المناط الذي هو الاشتباه في التقدم وعدمه.

2- ما استدل به نفس الخصم القائل بالتخصيص من أن الشك في الشرط يقتضي الشك في المشروط بتقريب أن ((سقوط الحكم وإرث الأحياء مشروط بعدم وجود وارث أقرب منهم عند وفاة الموروث، ولم يُعلم، فحصل الشك في الشرط))(3).

ص: 501


1- منهم السيد المقرم (رحمه الله) صاحب كتاب مقتل الحسين (عليه السلام) ووافقه العلامة الشيخ القريشي في موسوعة سيرة أهل البيت (عليهم السلام) في عدة مواضع من الجزء المخصص عن السيدة العقيلة زينب بنت علي (عليهما السلام).
2- مستند الشيعة: 19/452.
3- مفتاح الكرامة: 17/415.

أقول: أوضحنا هذا المعنى في أكثر من موضع سابق(1).

وحصيلة ما تقدم أن الموانع التي ذكروها لتعميم حكم المسألة على الموت حتف الأنف غير كافية، ورجع الخلاف بينهم مبنائياً في استظهار الاطراد وعدمه.

نعم يمكن للمانع من التعميم للموت حتف الأنف أن يتبنى واحداً أو أكثر من الوجوه التالية:-

1- ندرة احتمال الاقتران في الموت حتف الأنف فلا يشملهما حكم المسألة عند من يشترط دخول هذا الاحتمال في الاشتباه لتجري المسألة.

2- ظهور مدخلية السبب في الموت وكونه من الأجل المخترم بالسببين المذكورين أو غيرهما بحسب الروايات بدرجة لا يمكن معها التجريد عن الخصوصية ليشمل حتف الأنف.

3- دعوى الإجماع(2)

على خروج هذا المورد، وأن الخلاف في غير الغرق والهدم من أسباب الموت المخترم.

لكن هذه الوجوه لا تقوى على التخصيص مقابل ما دل على التعميم ومنها: -

1- ما قرّبناه (صفحة 486 وما بعدها) من كون الحكم في المسألة على طبق القاعدة ومقتضاه الاطراد إلى كل حالة اشتباه حتى لو كانت بالموت الطبيعي بل إن الروايات تؤسس الحكم في المسألة فلا يحكم عليها غيرها.

ص: 502


1- في المحاولتين الثالثة والرابعة لتطبيق الحكم على القاعدة (صفحة 489)، وعند مناقشة أدلة القولين الأول والثاني.
2- قال السيد صاحب الرياض (قدس سره) في عدم توارث من ماتا حتف أنفيهما: ((بلا خلاف ظاهر، بل عليه الإجماع في الروضة وحكاه في المسالك عن جماعة)) (رياض المسائل: 14/473).

2- إباء الشرط الذي ذكروه مبنياً على معنى التوريث وحقيقته التخصيص كما تقدم، خصوصاً عند من اطّرد إلى بقية الأسباب رافضاً كون العلة الاشتباه المقيد بالسببين، فكيف يعود إلى التقييد، وقد التزم بأن المناط في الحكم هو الاشتباه بغضّ النظر عن سبب الموت.

هذا كله بناءً على شمول حكم المسألة لحالة العلم بعدم الاقتران واشتباه المتقدم والمتأخر فقط كما اختاره المحقق النراقي (قدس سره)، أما على ما احتمله من لزوم دخول احتمال الاشتباه في التقدم والتأخر فقد يشكل جريان حكم المسألة، إذا صحّ ندور الموت حتف الأنف مقترنين بحسب ما يشهد له الواقع والطبيعة؛ لحصول العلم العرفي عندئذٍ بعدم الاقتران فينخرم الشرط، وحينئذٍ قد يكون الحكم هو القرعة كما قرّبناه (صفحة 481).

وقوّى صاحب الجواهر (قدس سره) احتمال القرعة في هذا المورد بناءً على ما قدّمناه من كلامه (صفحة 482) قال (قدس سره): ((كقوّته –أي احتمال القرعة- في الموت حتف الأنف والموت بسبب غير سبب الغرق والهدم مع العلم بتقدم أحدهما على الآخر من غير تعيين للقطع بوارثية أحدهما واشتباهه وهو محل القرعة))(1).

وسيأتي تفصيل الكلام فيه بإذن الله تعالى.

(الثاني) هل يجب فرض موت الأكثر نصيباً أولاً

(الثاني) هل يجب فرض موت الأكثر نصيباً أولاً وتقديم الأضعف نصيباً عند فرض المسألة؟كما لو مات زوج وزوجة فإنه يفرض موت الزوج أولاً وتعطى الزوجة نصيبها، ثم يفرض موت الزوجة ويعطى الزوج نصيبه، كما صرّح به الشيخ المفيد (قدس سره) في كلامه السابق.

ص: 503


1- جواهر الكلام: 39/311.

قيل بعدم الوجوب، وقال في النهاية والمبسوط والسرائر والوسيلة والتبصرة واللمعة: يجب التقديم، وتوقف بعض آخر وتردد كالمحقق (قدس سره) في الشرائع، إلا أنهم اتفقوا على عدم تأثر حكم المسألة باختلاف الأقوال. إلا على قول المفيد وسلار(1)

بتوريث المفروض موته ثانياً مما ورث منه الأول وستأتي مناقشته بإذن الله تعالى.

استدل لوجوب التقديم بصحيحة الفضل بن عبد الملك (رقم 9) وصحيحة محمد بن مسلم وقبلها رواية عبيد بن زرارة (رقم 10) لظهور (ثم) فيها في لزوم الترتيب.

واستدل على عدم الوجوب ب-((الأصل، وخلوّ كثير من النصوص من لفظة (ثم) المفيد للترتيب، مع كون النصوص المتقدمة المتضمنة لها أخصّ من المدعى بكثير؛ لورودها في خصوص الرجل والمرأة، والمدعى أعم من وجوه عديدة، فيحمل الترتيب على الاستحباب.

ولو سلّم الوجوب –كما هو الظاهر، وفاقاً للشيخين والحلي والشهيد في اللمعة وغيرهم؛ لظهور النصوص المتضمنة للترتيب في وجوبه، وبها تقيد إطلاقات النصوص الخالية عنه، والأخصية من المدعى مجبورة بعدم القائل بالفرق مطلقاً –فيحتمل كونه تعبداً محضاً لا لعلة معقولة، فإن أكثر علل الشرع والمصالح في نظر الشارع عنا خفية تعجز عقولنا عن إدراكها بالكلية، وليكن منها وجوب الترتيب في المسألة، فالواجب اتباع النص.

ص: 504


1- شرحنا في كتاب (الرياضيات للفقيه: 232 من طبعة بيروت) هذه الثمرة بمثال تطبيقي.

ولتخلّفه مع تساويهما في الاستحقاق، كأخوين لأب، فينتفي اعتبار التقديم ويصير مال كل منهما (لورثة) الآخر، فلا يتم الاستناد إليه لإثبات المطلوب، فتأمل جداً))(1)

((وعدم معلومية علّيّة الأضعفية للتقديم فيه))(2).

وعلى أي حال فلا تترتب ثمرة على هذا الخلاف إلا على قول المفيد وسلار (رضي الله عنهما) الآتي وسنبيّن مرجوحيته، ولو ثبت الوجوب كان تعبداً بالنص، وإذا قيل بالاستحباب فلمراعاة الأساطين الذين قالوا بالوجوب. وإلا فإن (ثم) هنا للترتيبالذكري(3) أي لبيان جريان العملية بمرحلتين ولا نظر لها إلى مراعاة الترتيب في إجرائها لتفيد الوجوب أو الاستحباب.

على أن القوة والضعف في السهم المفروض لا يلازمها القوة والضعف في مقدار النصيب من التركة، فالربع الذي تستحقه الزوجة من زوجها يكون غالباً أكثر من النصف الذي يستحقه الزوج من زوجته لأن المال غالباً بيد الرجال، وهم لم يبيّنوا تأثير هذا المعنى ولو عند تساوي الاستحقاق كما سنذكر بإذن الله تعالى.

(الثالث) في أن التوارث يكون بلحاظ أصل مالهما:

قال العلامة (قدس سره) في المختلف: ((اختلف علماؤنا في ميراث الغرقي فقال الشيخ – رحمه الله: إنهم يتوارثون، يرث بعضهم من بعض من نفس تركته، لا مما يرث من الآخر.

ص: 505


1- رياض المسائل: 14/470-471.
2- مستند الشيعة: 19/462.
3- ((قد تجيء (ثم) لمجرد الترتيب في الذكر، والتدرج في درج الارتقاء وذكر ما هو الأولى ثم الأولى من دون اعتبار التراخي والبعد بين تلك الدرج ولا أن الثاني بعد الأول في الزمان، بل ربما يكون قبله.. كما في قول الشاعر: إن من سادَ ثم سادَ أبوهُ ثم قد ساد قبل ذلك جدّه)) . انظر: (شرح الرضي على الكافية: 4/390) لرضي الدين الأسترآبادي.

وهو الظاهر من كلام الشيخ علي بن بابويه وابنه الصدوق فإنهما قالا: لو أن أخوين غرقا ولأحدهما مال وليس للآخر شيء، كان المال لورثة الذي ليس له شيء إذا لم يكن لهما أحد أقرب بعضهم من بعض.

وبه قال ابن الجنيد فإنه قال: القرابات إذا ماتوا معاً –إذا عدمت الدلائل التي يستدل بها على وفاة بعضهم قبل بعض- وُرّث بعضهم من بعض من صلب مال كل واحد منهم قبل ميراثه من صاحبه، وأضيف ما يحصل له من ميراث صاحبه إلى ما يبقى من ماله بعد الذي ورث صاحبه منه، ثم قسم ميراث كل واحد منهم على ورثته الأحياء.

وقال ابن أبي عقيل: يرث الغرقى والهدمى عند آل الرسول عليهم السلام من صلب أموالهم، ولا يرثون مما يورث بعضهم بعضا شيئاً. وبه قال أبو الصلاح، وابن البراج، وابن حمزة.

وقال المفيد وسلار: إنه يرث مما يورّث منه أيضاً.

والمعتمد الأول))(1).

أقول: ما استظهره (قدس سره) من كلام ابني بابويه غير تام؛ لأنه مع ضم مقدمتين تكون النتيجة متطابقة على القولين، (إحداهما) تقديم موت الأكثر نصيباً، (ثانيهما) أن المفروض موته أولاً يرث مما ورثه للآخر دون العكس كما سنبين بإذن الله تعالى وحينئذٍ سنفترض فاقد المال ميتاً أولاً بتقريب أنه الأكثر نصيباً بلحاظ المال بعد تساويهما في النصيب ونورِّث الأضعف نصيباً وهو صاحب المال وسوف لا يرث من الآخر شيئاً، ونفترض في المرحلة الثانية موت صاحب المال فيرث الآخر كل ماله،وتكون نفس النتيجة على مبنى المفيد وسلار (رضي الله عنهما) فلا يتم الاستدلال بهاتين الصحيحتين.

وفي ضوء هذا فلا يتعين حمل كلامهما –أي الصدوقين- على هذا

ص: 506


1- مختلف الشيعة: 9/114.

المعنى وأنهما حينما قالاه لاحظا صحيحتي ابن الحجاج (رقم 1، 6) وقد كانا يفتيان على طبق النصوص فلا يمكن تحميل كلامهما أكثر من هذا.

وقُرّب الاستدلال على قول المشهور بعدة روايات منها:-

1- مرسلة حمران المتقدمة (رقم 8) وهي صريحة في ذلك.

2- التفسير الذي ورد في ذيل صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (رقم 7) بقوله: ((معناه)).

3- صحيحتا عبد الرحمن بن الحجاج (رقم 6) بتقريب أنهما لو كانا يرثان مما ورثه من الآخر لما أصبح المال كله لمن لا مال له بالأصل.

4- صحيحتا الفضل بن عبد الملك ومحمد بن مسلم (رقم 9، 10) بتقريب ((إنه إذا كان يورَّث مما ورث من الآخر لم يكن لهذا الترتيب معنى))(1).

وفي الاستدلال بجميع هذه الروايات نظر، أما الأولى فلضعف السند، وأما الثانية فلاحتمال كون الذيل من كلام الراوي لا من الإمام (عليه السلام) وإذا دخل الاحتمال بطل الاستدلال، وأما الثالثة فللإشكال الذي قدمناه، وأما الرابعة فلأن الثمرة تظهر بناءً على المقدمتين أعلاه.

5- ((وربما يستدل له: بوجه عقلي وهو أن توريث الثاني مما ورث منه الأول يستلزم فرض حياته بعد موته إذ توريثه منه يقتضي فرض مماته قبل ذلك ولا ينتقض بالتوارث بينهما فإنه يفرض الحياة والممات في كل واحد منهما على انفراده بلا نظر إلى الآخر بخلاف التوريث مما ورث المستلزم لذلك في قضية واحدة وفرض واحد، فتأمل))(2).

ص: 507


1- فقه الصادق: 37/430.
2- فقه الصادق: 37/431.

ووجه التأمل واضح لأن الإشكال يأتي على نفس الحكم في الغرقى والمهدوم عليهم لأنه يفترض الحياة والموت لشخص واحد بلحاظ حالة واحدة وهي موت الآخر فتارة يفرضه متقدماً موتاً وأخرى متأخراً موتاً وهو مستحيل عقلاً.

فالصحيح أن هذه أحكام تعبدية إذا ثبتت بالأدلة الشرعية فلا مجال لإجراء هذه الفروض العقلية، ولذا قال الشهيد الثاني (قدس سره) في الروضة: ((وفيه تكلّف والمعتمد النص)).أقول: هذا اعتراف من المشهور الذي ادعي عليه الإجماع بأن دليلهم النص وقد رأينا عدم كفاية التقريبات المذكورة.

واستدل لقول المفيد وسلار (رضي الله عنهما) ((بأنه قد ورد تقديم الأكثر نصيباً في الموت، فيورث الآخر منه، ولو لم يكن التوارث مما وُرّث من صاحبه، لم يكن للتقديم فائدة.

والجواب: لا يجب في فوائد الشرع العلم بها لنا؛ فإن أكثر العلل الشرعية خفية عنا، والمصالح المعتبرة في نظره يعجز عن إدراكها، ويحكم بالانقياد لها ووجوب اتباعها وإن خفيت عنا حكمها وغاياتها.

على أنا نمنع وجوب التقديم، بل يحمل ذلك على الاستحباب))(1).

أقول: مضافاً إلى ذلك فإن تقديم الزوجة في التوريث قد لا يكون لكونها الأضعف نصيباً بل لمداراتها نفسياً أو لتكريمها ونحوها.

وأضاف الشهيد الثاني (قدس سره) رداً آخر في الروضة قال (قدس سره): ((ولتخلفه مع تساويهما في الاستحقاق كأخوين لأبٍ فينتفي اعتبار التقديم ويصير مال كل منهما لورثة الآخر)).

ص: 508


1- مختلف الشيعة: 9/115.

أقول: يجاب إشكال الشهيد (قدس سره) بأن الغالب في التوارث تباين الفروض ووجود أفراد متساوية الفروض لا يضرّ بالحكم، مضافاً إلى أنه قد يجيب الشيخ المفيد وسلار (رضي الله عنهما) بأنه مع تساوي النصيب يصار إلى جعل مقدار التركة الذي يستحقه كل منهما في ضوء هذا النصيب المتساوي مقياساً للقوة والضعف.

واستدل لهذا القول أيضاً ب-((إطلاق الأدلة))(1).

ورُدَّ بأنها مقيدة بروايات أخر قربّنا الاستدلال بها على القول المشهور، وفيه ما تقدم من الإشكالات.

مضافاً إلى أن قول المفيد وسلار (رحمهما الله تعالى) ((يستلزم المحال فيكون محالاً)) ويعني به ما ذكرناه في الوجه الخامس الآنف مع الرد عليه وإجابته.

ويستلزم التسلسل وهو محال أيضاً، قال الشيخ (قدس سره) في المبسوط: ((لو ورث مما ورث من صاحبه لم تنقطع القسمة أبداً)) ويمكن ردّه بأنه تحميل للقائل غير ما أراد، قال صاحب الرياض (قدس سره): ((إن القائل بهذا القول لم يحكم بالإرث مما ورث منه لغير الثاني، كما صرّح به شيخنا في المسالك ويظهر من العبارة ومن تعليل القائل مذهبه بكون ما ورثه صار من جملة ماله قبل أن يحكم بموته والإرث منه، بخلاف الأول، فإنه يحكم بموته والإرث منه قبل أن يحكم له بالإرث))(2).والنتيجة أن أدلة الفريقين تعود إلى ما يستظهر من النصوص، والظاهر أن ما اختاره المشهور هو الأقرب.

ص: 509


1- جواهر الكلام: 39/314.
2- رياض المسائل: 14/470.

مسائل فرعية

1- إذا عُلِمَ وقت موت أحدهما وجهل الآخر، فقد احتمل صاحب الجواهر (قدس سره) خروج المورد عن حكم المسألة و ((يحكم بكون الإرث لمجهولهما، بناءً على الحكم بتأخره))(1) أي بناءً على استصحاب حياة المجهول إلى زمان موت المعلوم، ولكننا استشكلنا في جريان مثل هذا الاستصحاب، فالأقوى شمول حكم المسألة لهذه الحالة.

2- لا يُطبّق حكم المسألة إلا بعد إجراء الفحص الممكن لمعرفة المتقدم والمتأخر بما يفيد الاطمئنان كفحص انخفاض درجة الحرارة أو معلومات الصندوق الأسود في حوادث الطائرات ونحوها، فإن لم يمكن أو عجز عن المعرفة جرى حكم المسألة.

3- للمسألة آثار غير معرفة نصيب كل منهما ونقله إلى ورثتهما، ومن تلك الآثار حجب الإخوة واستحقاق الحبوة للولد الأكبر في ما لو تأخر موته عن أبيه ونحوهما.

4- الموت هو خروج تمام الروح، فلو ماتت بعض أعضاء أحدهما والموت يسري في البقية، وخرجت تمام روح الآخر أثناء ذلك اعتبر الأول متأخراً عن الثاني.

5- ((لو قال أحد الميتين قبل أن يموت: إن الميت الآخر مات قبله لم ينفع في إرثه منه بعد أن مات إذ قوله ليس بحجة، فإذا جهلنا التقدم والتأخر والمعية جرى حكم توارثهما)).

ص: 510


1- جواهر الكلام: 39/313.

6- ((لا يلزم في التوارث أن يكون لهما عند الموت مال بل يكفي المال الحاصل من الموت كالدية في قتلهما، أو بعده، كما إذا وقع في شبكتهما المنصوبة صيد))(1).أقول: في ضم الثاني تأمل؛ لأنه خلاف الفرض بعدم وجود مال عند الموت، والشبكة مال، وإن ملكية الصيد تتحقق بالأخذ والحيازة وقد وقعت بعد الموت والشبكة حينئذٍ ملك للوارث.

1- ((لو علم بعض الورثة بالتقدم والتأخر أو التقارن، فإن كان فيهم عادلان عمل بقولهم لإطلاق حجية أدلة البينة.

أما إذا لم يكن فيهم عادلان، عمل العالم منهم حسب علمه من التوارث على الأصل والجاهل حسب الموازين الثانوية، ولا يحق للعالم أن يأخذ ما ليس له، وإن كان الجاهل يعطيه حسب القواعد الثانوية.

أما الجاهل، فله أن يأخذ من العالم كالجاهل بأنه يطلب زيداً فإن زيداً إذا أعطاه مدعياً أنه يطلبه لا بأس بأخذه منه))(2).

أقول: يراعى في حجية البينة شروط قبول الشهادة ومنها أن لا تكون لصالحه وتجر منفعة له للتهمة، وإذا شهد الوارث بتأخر موت مورّثه فهذا مورد لها.

والحمد لله وحده أولاً وآخراً.

ص: 511


1- الفقه للسيد الشيرازي (قدس سره): 83/193.
2- المصدر السابق: 83/197.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.