قضايا المرأة في الفکر الإسلامي

هویة الکتاب

قضايا المرأة في الفکر الإسلامي

الكاتب: آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي

لسان: العربية

الناشر: دار الصادقين - النجف اشرف - العراق

سنة النشر: 1434 هجري قمري|2013 میلادي

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الفصل الأول: الأمراض المعنوية للنساء

اشارة

ص: 5

ص: 6

الأمراض المعنوية للنساء(1)

البشر متساوون في الحقوق والواجبات:

الإنسان - كل إنسان سواء كان ذكراً أو أنثى - مكرَم عند الله تعالى (وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَ فَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) (الإسراء/ 70) وهو خليفة الله تعالى في الأرض بكل ما تعني الخلافة الإلهية من امتيازات وتشريفات ومن مسؤوليات وتكاليف (وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (البقرة/ 30) وسخّر له كل ما في الأرض (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) (البقرة/ 29).

وبنو آدم - ذكوراً كانوا أو إناثاً - متساوون في الحقوق والواجبات (أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى)

ص: 7


1- حديث سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) في الملتقى العام لإدارات وتدريسيات فروع جامعة الزهراء عليها السلام للعلوم الدينية في النجف الأشرف ومختلف المحافظات، الذي عُقد في النجف الأشرف يوم الأربعاء 22 رجب 1433 المصادف 2012/6/13.

(آل عمران/ 195) وقال تعالى (وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَ لا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) (النساء/ 124) وقال تعالى (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل/ 97) وقال تعالى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ) (الحجرات/ 13) بلا فرق بين المرأة والرجل.

المرأة في القرآن الكريم:

في مجمع(1) البيان ان أسماء بنت عميس لما رجعت من الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب دخلت على نساء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: هل نزل فينا شيء من القرآن؟ قلن: لا، فأتت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت يا رسول الله إن النساء لفي خيبة وخسار! فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ومِمَّ ذلك؟ قالت: لأنهنّ لا يذكرنَ بخير مما يذكر فيه الرجال، فأنزل الله تعالى (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِماتِ وَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْقانِتِينَ وَ الْقانِتاتِ وَ الصّادِقِينَ وَ الصّادِقاتِ وَ الصّابِرِينَ وَ الصّابِراتِ وَ الْخاشِعِينَ وَ الْخاشِعاتِ وَ الْمُتَصَدِّقِينَ وَ الْمُتَصَدِّقاتِ وَ الصّائِمِينَ وَ الصّائِماتِ وَ الْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ

ص: 8


1- مجمع البيان: 560/8.

وَ الْحافِظاتِ وَ الذّاكِرِينَ اللّهَ كَثِيراً وَ الذّاكِراتِ أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً) (الأحزاب/ 35).

فضل حسن التبعل:

وفي الدر المنثور: أخرج البيهقي عن أسماء بنتَ يزيد الأنصارية أنها أتتِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهوَ بين أصحابه، فقالت: بأبي أنت وأمي إني

وافدةُ النساء إليك، واعلم - نفسي لك الفداء - أنه ما من امرأة كائنة في شرق أو غرب سمعت بمخرجي هذا إلا وهي على مثل رأيي، إن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء، فآمنّا بك وبإلهك الذي أرسلك، وإنا معاشر النساء محصورات مقصورات قواعد بيوتكم ومقضى شهواتكم وحاملات أولادكم، وإنكم معاشر الرجال فُضِّلتم علينا بالجمعة والجماعات وعيادة المرضى وشهود الجنائز والحج بعد الحج وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل منكم إذا خرج حاجاً أو معتمراً أو مرابطاً حفظنا لكم أموالكم وغزلنا لكم أثوابكم وربّينا لكم أولادكم فما نشارككم في الأجر يا رسول الله؟

فالتفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أصحابه بوجهه كله، ثم قال: هل

ص: 9

سمعتم مقالة امرأةٍ قط أحسن من مُساءلتها في أمر دينها من هذه؟

فقالوا: يا رسول الله ما ظنّنا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا!

فالتفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليها ثم قال لها: انصرفي أيتها المرأة، وأعلِمي من خلفكِ من النساء أن حسن تبعّل إحداكنّ لزوجها وطلبها مرضاته واتّباعها موافقته يعدِل ذلك كله فأدبرت المرأة وهي تهلّل تكبّر استبشارا.(1)

تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة:

فالآيات الشريفة واضحة وصريحة في تكافؤ الفرص والاستحقاقات بين المرأة والرجل، إلا أنه قد يختلف الرجال عن النساء بنوع المسؤوليات والواجبات بحسب اختلاف تركيبتهم التكوينية أي الفسيولوجية، وبحسب الدور الذي أنيط بهم في هذه الحياة قال تعالى (الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ) (النساء/ 34).

ص: 10


1- الدر المنثور: 518/2.

فلسفة قيمومة الرجل علة المرأة:

فالقيمومة لم تُعطَ للرجال لأنّهم ذكور، بل لأمرين: بعض الخصائص التي اتّصفوا بها مما يؤهلهم للقيام بهذه المسؤوليات، ولأنّهم المسؤولون عن الإنفاق على الأسرة، ولكن هذا لا ينافي العدالة في توزيع المسؤوليات ومنح الاستحقاقات من الثواب والعقاب، لأن العدالة لا تعني بالضرورة المساواة أي التماثل بنحوٍ مطلق، والمطلوب هو تحقيق العدالة، أما المساواة فقد تكون من العدالة وقد لا تكون، مثلاً هل من العدالة أن يساوى المحسن بالمسيء؟ أو أن يعطى الطلبة الذين يجرى لهم امتحان درجات متساوية؟ أو أن يعطي الطبيب لجمع المرضى الذين يراجعونه دواءاً موحداً وإن اختلفت أمراضهم؟ فلا معنى للمساواة إلا إذا تحققت بها العدالة، وهي متحققة بين الرجال والنساء، فهذه الصيحات المطالبة بالمساواة إما منافقة أو جاهلة أو مأجورة تنفّذ أجندات معيّنة.

هذه مقدمة لما نريد أن نقوله، وهو أنه إذا كانت المرأة لا تختلف عن الرجل في الحقوق والواجبات ولهما فرص متكافئة لنيل الكمالات والقرب من الله تعالى وقد زُوِّد الرجل والمرأة على حد سواء بما يعينهم على التكامل من قوى ذهنية وجسدية.

ص: 11

كيف نفهم الأحاديث في ذم النساء؟

إذن كيف نفهم الأحاديث الكثيرة الواردة في ذم النساء، خصوصاً ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام؟ وهل هي عبارة عن رد فعل - كما قيل - لما لاقاه من مصائب من بعض النساء اللاتي لهنّ عنوان كبير في المجتمع الإسلامي؟

والجواب: لا بالتأكيد لأن أمير المؤمنين عليه السلام منزّه عن تأثير الأهواء والعواطف ولا يفعل ولا يتكلم إلا بأمر الله تعالى، فهو مع الحق والحق معه وهو لا ينطق عن الهوى.

وهنا يمكن أن نعرض أكثر من وجه لحمل جملة من الأحاديث الشريفة بعيداً عن الانتقاص من النساء.

المقصود هو امرأة معينة:

(منها) أن بعض الأحاديث محمولة على امرأة معيّنة ضلّت وأضلّت مستفيدة من عنوانها الكبير في المجتمع الإسلامي، فيوجد في كلماته عليه السلام تقييم لهذه المرأة كقوله عليه السلام

(وأما فلانة فأدركها رأي النساء، وضغن غلا في صدرها كمرجل القين - أي الحداد -، ولو دُعيت لتنال من غيري ما أتت إليَّ لم

ص: 12

تفعل).(1)

وإن كان الحديث الشريف لا يخلو من تعميم للسلوك، فإن الإمام عليه السلام يعلل صدور تلك الأفعال منها بأنها أدركها رأي النساء وكأن هذه النوازع والدوافع والانفعالات أصبحت حالة عامة مميزة للنساء وراسخة فيهن.

التحذير من الوقوع في المعصية بسبب النساء:

(ومنها) أن أحاديث شريفة أخرى ظاهرها ذم النساء إلا انها في الحقيقة لا تحمل هذا المعنى وإنما وردت لتحذير الرجال من الوقوع في فتنة النساء وارتكاب المعصية بسببهنّ، كالحديث النبوي الشريف

(ما لإبليس جند أعظم من النساء والغضب)(2) وعن الصادق عليه السلام قال (في كتاب علي عليه السلام الذي أملى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم): إن كان الشؤم في

شيء ففي النساء)(3) وفي غرر الحكم عن أمير المؤمنين عليه السلام قال

(ليس لإبليس وهق

ص: 13


1- نهج البلاغة، خطبة 156 خاطب بها أهل البصرة.
2- فروع الكافي: 515/5، الدرجات.
3- البحار: 227/103 عن بصائر الدرجات.

وهو الحبل - أعظم من الغضب والنساء)(1) فهذه الأحاديث ليس فيها أي منقصة أو ذم للمرأة، لأن مسؤولية الافتتان والوقوع في حبائل الشيطان ومصائده تقع على الرجل نفسه الذي فشل في الاختبار، كما لو سقط في امتحان المال أو أي فتنة من فتن الدنيا فلا يلومنَّ إلا نفسه ولا ذنبَ للمال نفسه ولا شرّ فيه، وكذا التحذير من الدنيا مع أنّها مزرعة الآخرة، فاللوم على من افتتن واغترّ بها.

وكذا أيضاً يمكن فهم بعض الأحاديث الشريفة بعيداً عن الانتقاص من المرأة كقول أمير المؤمنين عليه السلام

(المرأة شر كلّها، وشرُّ ما فيها أنّه لابد منها)(2) لأن الرجل هو المسؤول عن الوقوع في هذا الشر فلماذا لم يعصم نفسه؟ ويمكن توجيه الكلمة بحملها على امرأة معينة تقدمت الإشارة إليها بأن تكون اللام عهدية.

الأحاديث غير مطلقة:

(ومنها) أن تكون الأحاديث غير مطلقة وإنما ناظرة إلى

ص: 14


1- غرر الحكم: 547.
2- نهج البلاغة، قصار الكلمات، رقم 238.

حالات معينة كالنهي عن مشاورة النساء وقد تكرّرت هذه النصيحة كثيراً، ومنها ما ورد في وصية

أمير المؤمنين عليه السلام لولده الحسن عليه السلام (وإياك ومشاورة النساء فإن رأيهنّ إلى أفن - أي النقص - وعزمهنّ إلى وهن - أي ضعف)(1) ، ومما دلّ على عدم عمومية هذه النصيحة الاستثناء الوارد في كلام له عليه السلام قال

(إياك ومشاورة النساء إلا من جُرِّبت بكمال عقل فإن رأيهنّ يجر إلى الأفن وعزمهنّ إلى الوهن).(2)

أقول: وبذلك فقد تحصّل عندنا أكثر من فهم لهذه الروايات ليس فيها انتقاص من النساء، خلاصتها:

1 - إنّها تشير إلى امرأة معيّنة لا كل امرأة كحديث (فلانة) و (المرأة شرٌ كلها).

2 - إنّها موجّهة لتحذير الرجال من الوقوع في فتنة النساء كأي فتنة دنيوية أخرى كوصفهن بحبائل الشيطان.

3 - إنّ الروايات ليست مُطلقة وإنما مقيّدة بحالات معيّنة فلا تشمل كل النساء كالنهي عن مشاورتهنّ.ي.

ص: 15


1- نهج البلاغة، قصار الكلمات، رقم 405.
2- بحار الأنوار: 253/103 عن كنز الكراجكي.

الحالة العامة في النساء هي عدم الاهتمام بالمعنويات:

وبالرغم من هذه التوجيهات لكلام المعصومين عليهم السلام إلا أنه مما لا يمكن إنكار حقيقة في النساء تمثّل الوجه الرابع لفهم هذه الأحاديث، وهي أن الحالة العامة للنساء عدم الاهتمام بالأمور المعنوية والنزوع إلى الارتقاء في مدارج الكمال.

فهذا الذم للنساء بلحاظ الحالة الغالبة وليس بالضرورة أنه يشمل كل امرأة، فمن لا تردّ أن تكون مشمولة بهذا الذم فلتكن من الاستثناء لا الحالة العامة كما كانت خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت أسد استثناءاً من نساء قريش(1) كقوله تعالى (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) (العصر/ 2) ثمّ استثنى منها فئة خاصة، فليس الإنسان بمفهومه وتكوينه في خُسر لكثرة من تكامل من بني الإنسان وإنّما الغالب في الإنسان، بحسب المصاديق الخارجية الموجودة له هي أنّهم في خُسر لتغليبهم جنبتهم الشهوية الحيوانية على الإلهية الروحية.

فالنساء كذلك بحيث يرد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع: آسية بنت مزاحم

ص: 16


1- راجع أحاديثنا عن هاتين المرأتين الجليلتين.

امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران، وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم(1) ، وما ذلك إلا لكثرة ابتلائهنّ بالأمراض المعنوية من دون همّة ملحوظة لعلاجها.

الحاجة الى متخصصات بطب الأمراض المعنوية:

لذا نحن بحاجة إلى نساء يتخصصن بطب الأمراض المعنوية للنساء كما تخصصت الكثير منهن في الأمراض الجسدية للنساء، مع أهمية الحقل الأول لتعلقه بالحياة الباقية.

ويُعوّل عليكن - يا طالبات العلوم الدينية في الحوزات العلمية - في التصدي لهذه الوظيفة الإلهية، ابتداءاً من تشخيص هذه الأمراض ومعرفة عللها وأسبابها ومناشئها، ثم وضع العلاجات النظرية والعملية لها.

وكما أن أمراض الجسد لها أدوات وآثار لتشخيصها يعرفها المختصون، فإن هذه الأمراض المعنوية يمكن التعرّف عليها وتشخيصها بعدة وسائل:

1 - الاستفادة مما ورد في روايات أهل البيت عليهم السلام من إشارات لمناشئ هذه الأمراض في النساء كالذي ورد في

ص: 17


1- مجمع البيان: 320/10.

كلمات أمير المؤمنين عليه السلام عن المرأة فإنهم الأطباء الذين يدلّونا على ما خفي علينا.

2 - استقراء الحالات الموجودة ودراستها وتحليلها وضم المعلومات بعضها إلى بعض للوصول إلى السبب مستعينين ببعض الدراسات والبحوث النفسية والاجتماعية والسلوكية.

3 - مطالعة كتب أهل الفن في مجال السلوك الصالح والأخلاق.

مناشئ الأمراض المعنوية للنساء:

ونذكر هنا مجموعة من مناشئ تلك الأمراض المعنوية وأسبابها، بحسب ما أفادته بعض الروايات الشريفة.

1 - قلة التفقّه في الدين، بل الجهل حتّى في الأمور الأساسية، ومع هذا الجهل كيف يتوقّع منها التكامل، وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: (أوّل الدينِ معرفته).

2 - تركيز الأنا الأنثوية عندها وحب الذات عندها والتفاتها إلى ما يبرّزها ويلفت الأنظار إليها، وليس إلى الأهداف الواقعية التي خُلقت لأجلها، أي أنها تلتفت إلى كونها أنثى أكثر من كونها إنساناً، فتحب أن تمدح ويثنى على جمالها ومظهرها

ص: 18

الخارجي وتفوّقها على قريناتها، وهذا ما يُسبب للكثير من النساء الوقوع في الخطيئة بسبب كلمة مدح أو إطراء يلقيها هذا الرجل العابث أو ذاك، فتفقد عقلها وحكمتها، ومن كلمات أمير المؤمنين عليه السلام:

(لا ينبغي لعاقل أن يمدح امرأة حتى تموت)(1) ونتيجة لهذه الصفة فإنّها تعطي اهتماماً زائداً بتزيين وتجميل الظاهر، قال أمير المؤمنين عليه السلام

(وإن النساء همهنّ زينة الحياة الدنيا والفساد فيها)(2).

3 - الغيرة إلى حد الاندفاع نحو الظلم والعدوان وانظروا كمثال فلانة التي قادت الجيوش ضد أمير المؤمنين عليه السلام والبيت النبوي الطاهر حسداً وحقداً وغيره من خديجة الكبرى التي كان يذكرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكل حب ووفاء فيشتد غيظ فلانة وواجهته بعدة كلمات كما ذكرنا في حديثنا عن خديجة بنت خويلد، قال أمير المؤمنين عليه السلام (غيرة المرأة عدوان) وقال عليه السلام (غيرة المرأة كفر وغيرة الرجل إيمان).(3)

4 -7.

ص: 19


1- غرر الحكم: 574.
2- نهج البلاغة: خطبة 153.
3- غرر الحكم: 464، 467.

عدم القناعة والرضا بما عندها ومدّ عينيها إلى ما عند الأخريات، خلافاً لقوله تعالى (وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَ سْئَلُوا اللّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (النساء/ 32) وقال تعالى (وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَ رِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ أَبْقى) (طه/ 131). فتجد الواحدة منهنّ لها ما لا يعد ولا يُحصى من النعم التي حباها الله تعالى، ومع ذلك فإنّها تعرض عنها وتُركّز على شيءٍ موجود عند غيرها فتحسدها وتكيد لها أو تنتقص منها لتحط من منزلتها ونحو ذلك فتقع في عدة كبائر.

فالتصرف الصحيح أن تشكر الله تعالى على ما أعطاها وتسأل الله من فضله كما وجّهت الآية.

- 5 الانسياق وراء الانفعالات العاطفية مما يجعلها عرضة للانخداع والزلل بكلمة معسولة، وهذه العاطفة الجياشة والمشاعر المتدفقة إنما أعطاها الله تعالى لها لتؤدي وظيفتها في رعاية الأسرة والأطفال وتربيتهم على أكمل وجه، وليس لتنساق وراءها بلا تعقّل، قال تعالى في سبب جعل شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا

ص: 20

اَلْأُخْرى) (البقرة/ 282) قال أمير المؤمنين عليه السلام: (المرأة إذا أحبتك آذتك، وإذا أبغضتك خانتك وربما قتلتك، فحبّها أذى وبغضها داء بلا دواء)(1).

- 6 القصور الذاتي، من خطبة أمير المؤمنين عليه السلام بعد فراغه من حرب الجمل (معاشر الناس، إن النساء نواقص الإيمان، نواقص الحظوظ، نواقص العقول. فأما نقصان إيمانهن فقعودهن عن الصلاة والصيام في أيام حيضهن، وأما نقصان عقولهن فشهادة امرأتين كشهادة الرجل الواحد، وأما نقصان حظوظهن فمواريثُهن على الأنصاف من مواريث الرجال. فاتقوا شرار النساء وكونوا من خيارهن على حذر، ولا تطيعوهن في المعروف حتى لا يطمعن في المنكر).(2)

كيف يتدارك النقص الذاتي في المرأة؟

وقد تقول: أن هذه أمور خارجة عن إرادتها فليس من العدل أن تكون معوّقاً لها، والجواب أن هذا صحيح إلا أن معوقيتها من جهة عدم قيامها بما يتدارك هذا النقص الذاتي، فلو

ص: 21


1- غرر الحكم: 100.
2- نهج البلاغة، خطبة 80.

كانت مواظبة على صلاة الليل أو صوم ثلاثة أيام في الشهر فإنه يكتب لها أجر العمل إذا طرأ عليها العذر، مع أن طاعات كثيرة لا ترتبط بالأعذار كالذكر والتفكّر فلتداوم عليها.

الثرثرة وكثرة اللغو في الكلام، وهذا الفضول من الكلام يوقع في الباطل بلا ريب، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أكثر الناس ذنوباً أكثرهم كلاماً فيما لا يعنيه)، وعن أمير المؤمنين عليه السلام: (إيّاك والهذّر فمن كثر كلامه كثرت آثامه) وعنه عليه السلام لمّا مرّ برجل يتكلّم بفضول الكلام

(إنّك تملي على حافظيك كتاباً إلى ربّك، فتكلّم بما يعنيك ودع مالا يعنيك)(1)

معنى تشخيص هذه الأمراض؟

إن تشخيص هذه النقائص في النساء إلاّ من عصم الله تعالى يُراد منه قطع الخطوة الأولى في طريق التكامل، فلا ينبغي أن يُقابل بالاحتجاجات والاعتراضات ودعاوى امتهان المرأة وظلمها واحتقارها، فعن الإمام الصادق عليه السلام:

(أحبّ اخواني إليّ من أهدى إليّ عيوبي)(2).

ص: 22


1- هذه الأحاديث في منتخب ميزان الحكمة 552 رقم الموضوع 348.
2- تحف العقول: 366.

وما من شريحة في الأمة إلاّ وقد ورد فيها كلمات التحذير والتهديد، خُذ مثلاً العلماء الذين فضّلهم الله تعالى على سائر الناس حتى الشهداء وانظر ماذا ورد في ذم المُستأكل بعلمه، والذي يطلب الدنيا به، أو يماري به السفهاء، أو العالم غير العامل بعلمه وهكذا. بل حتى الأنبياء الذين هُم أشرف الخلق وأكرمهم خوطبوا بهذه اللغة قال تعالى مخاطباً نبيه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم:(وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (الزمر/ 65) وقال تعالى (وَ اتَّقِ اللّهَ وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللّهُ مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى النّاسَ وَ اللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) (الأحزاب/ 37).

فالموقف الصحيح من هذه البيانات والتوجيهات وعيها واستيعابها والاستفادة منها لتكون المرأة من الاستثناء لا الحالة العامة.

أعاننا الله تعالى وإياكم على طاعته وبلّغنا رضاه إنه ولي النعم.

ص: 23

ص: 24

الفصل الثاني: دور المرأة في بناء العراق الجديد

اشارة

ص: 25

ص: 26

دور المرأة في بناء العراق الجديد(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله كما يستحقه حمداً كثيراً وصلى الله على حبيبه وسيد خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين وسلم تسليماً.

مكانة المرأة في العراق الجديد:

تحتل المرأة مكاناً ضخماً في خطط بناء العراق الجديد من عدة جهات.

1 - أنها تمثل أكثر من نصف عدد المجتمع العراقي وتقدر نسبتها ب - 60 بالمئة بعد مقتل وتشريد الملايين من رجال العراق لذا فإن من يكسب صوت المرأة وينجح في إقناعها ستكون له الفرصة الأوفر للنجاح في الحياة السياسية بكل تفاصيلها.

2 - أن المرأة عنصر مهم في تربية المجتمع فإن كانت واعية وصالحة وملتزمة فإنها تكون قادرة على إنشاء جيل صالح

ص: 27


1- محاضرة ألقيت في كلية التربية للبنات في جامعة الكوفة يوم 25 شوال 1424 المصادف 2003/12/20 بحضور أساتذة الكلية وطالباتها.

لأنها المربي المباشر للأبناء باعتبار انشغال الرجال في أعمالهم خارج البيت وقد سمعنا عن الكثير من النساء اللواتي كن سبباً في هداية أزواجهن وبقية ذويهن.

- 3 أن المرأة أداة مهمة في عملية إفساد المجتمع وتدمير أخلاقه فيما إذا أقنعوها بخلع جلباب العفة والحياء والطهارة، وفي الروايات

أن أحد الأنبياء التقى بإبليس ومعه أدوات غوايته فكانت المرأة من أهمها وقال (قرة عيني في النساء) ووصف أمير المؤمنين عليه السلام أخاً له في الله تبارك وتعالى ومن أوصافه التي ركز عليها (انه لم يستسلم لشهوة فرجه)(1) ، ولا نحتاج إلى إسهاب لكي نبين الجريمة الكبرى التي ترتكبها المرأة المتبرجة التي تظهر مفاتنها أمام الرجال مما يؤدي إلى عدة نتائج سيئة كالوقوع في الفاحشة ومعصية الله تبارك وتعالى، أو الكبت لمن يضغط على نفسه لمنعها من الوقوع في الحرام، وكم من أسر دُمِّرت وحصل الفراق بسبب تداعيات وآثار الانحلال الجنسي.3.

ص: 28


1- شرح نهج البلاغة المقتطف من بحار الأنوار: 453/3.

من وسائل المستكبرين اعادتنا الى الهمجية الحيوانية:

وعلم المستكبرون أن وسيلتهم للسيطرة على الشعوب هي بإعادتهم إلى الهمجية الحيوانية وجعلهم عبيداً لشهواتهم، وقد اعترف القادة الفرنسيون أن سقوط فرنسا بيد هتلر في ثلاثة أيام فقط كان بسبب انهماكهم في الجنس ووقوعهم في أسر الشهوة الحيوانية، وعندما احتلت فرنسا جزءاً في بلاد المسلمين في لبنان كانت فرقة في جيش الجنرال غورو من الغانيات؛ لأنه يعلم أن فتكهن في المجتمع أقوى من الطائرات والدبابات.

لذا كان أول هدية قدمها الاحتلال إلى الشعب العراقي هو جهاز الستلايت الذي لو أسيئ استعماله فإنه أداة مدمرة لأخلاق الأمة وعقيدتها، وينهي فيها كل قيم الكرامة والعزة والشرف، وكذا سخروا الأدوات الأخرى كبرامج التلفزيون والصحف والمجلات والروايات لأداء نفس الدور، ووظفوا لها التقنيات العالية المثيرة والجذابة والقادرة على تحطيم أي مناعة ضد الوقوع في المعصية إلا من عصم الله تعالى.

خطوات الأعداء تجاه المرأة المسلمة:

ثم عززوا هذه العملية المفسدة بخطوات أخرى منها:

1 - تشويه صورة التشريعات الإسلامية وعرضها كقانون

ص: 29

ظالم للمرأة فهو يبيح تعدد الزوجات ويجعل شهادة امرأتين بشهادة رجل وحصتها في الميراث نصف حصته وغيرها، مستغلين جهل المرأة بفلسفة هذه التشريعات وأسرارها، مما يؤدي إلى نفور المرأة عن الإسلام، ومن نتائج ذلك أنها لا ترغب في سن دستور إسلامي لأنه يضطهدها كما تتخيل.

2 - خداع المرأة بعناوين براقة تخدعها وتدفعها إلى التشبث بها كالحرية والمساواة بالصورة التي تخدم مصالحهم وأغراضهم الخبيثة وليس بمعانيها الحقيقية التي لا تجدها إلا في الإسلام، فيفسرون الحرية بالانحلال الخلقي والتخلي عن القيم والمبادئ الإسلامية وأوضح معالمه عندهم خلع الحجاب، ويُعَرِّفون المساواة بأنها مزاحمة المرأة للرجل في كل شيء وإهمالها لأهم وظيفة لها تضمن بها سعادتها وتحفظ كيان أسرتها وهي الاعتناء بزوجها وأطفالها وبيتها.

3 - توجيه اهتمام المرأة إلى قيم زائفة لا قيمة لها كالاهتمام بالأزياء وقصة الشعر وأدوات التجميل ونوع الأثاث والتباهي بأمور دنيوية زائلة، وصنعوا لذلك مهرجانات واحتفالات لعرض أحدث الأزياء واختيار ملكة الجمال أو أحسن أغنية وهكذا؛ لإقناع المرأة بأن هذه هي الحياة التي يجب

ص: 30

أن تحياها، وهذه هي الأهداف التي تعيش من أجلها وتبقى بهذه التفاهات وتنسى الأهداف الحقيقية الخالدة التي خلقت من اجلها وتضمن لها السعادة وهي طهارة النفس وسمو الذات والفوز برضوان الله تبارك وتعالى (وَ رِضْوانٌ مِنَ اللّهِ أَكْبَرُ) (التوبة: 72).

قال تعالى في سياق المقارنة بين هذين التوجهين في الاهتمامات (زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنِينَ وَ الْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَ الْأَنْعامِ وَ الْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) ،(قُلْ أَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَ رِضْوانٌ مِنَ اللّهِ وَ اللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) (آل عمران: 14-15) وإذا سقطت المرأة في حضيض هذه الاهتمامات فإنها ستسقط الرجل معها لان امرأة منحرفة واحدة كافية لإفساد مجتمع بأكمله.

ما الذي يريدوه من العولمة؟

إخواني وأخواتي:

إن العولمة التي يريدون أن يشيدوا أركانها اليوم خصصت جزءاً كبيراً من نشاطها لتثقيف المرأة وإقناعها بالأفكار

ص: 31

التي يريدون لها أن تسيّر المرأة وترسم لها طريقة سلوكها، فمثلاً في إحدى حلقات برنامج (للنساء فقط) في قناة الجزيرة كان موضوعها (المرأة المسلمة في الغرب بين الذوبان والاندماج) وعرض شبهات وإشكالات وانتقادات تربك تفكير المرأة وتجعلها في حيرة من أمرها، ولم يقم البرنامج بالرد على هذه الشبهات ودفع الإشكالات وهو غاية الخيانة وعدم الإنصاف للمشاهدين، ولم يستضف عالماً دينياً ليقدم الحلول والأجوبة بحجة أن البرنامج للنساء فقط رغم أن كون موضوعه مختصا بالنساء لا يستلزم أن يقتصر على مناقشة النساء فقط، بل عليه أن يعطي الفرصة للرجال ليقدموا الحلول والأجوبة خصوصاً وأن الأنبياء وهم أكمل الخلق والذين سعوا وعملوا بجد واجتهاد بكل تضحية من أجل إصلاح البشرية وإسعادها كانوا - وهم مئة وأربعة وعشرون ألف - كانوا من الرجال، وليس في ذلك منقصة للمرأة بقدر ما هو توزيع للمسؤوليات بين الرجل والمرأة فيعطي لكل واحد منهما الدور الذي يناسبه، فإلقاء الشبهات من دون إعطاء الفرصة لدفعها، خيانة وخطوة على طريق الإفساد وقد كتبتُ موضوعاً لمناقشة هذه القضية نشر في مجلة فيض الكوثر.

ص: 32

محاولات بائسة لتشويه الفكر الإسلامي:

وقبل أيام استضافت فضائية المستقلة امرأة من الحزب الشيوعي العراقي لا تلتزم بأي شيء، وقد أساءت إلى نفسها قبل أن تسيء إلى الإسلام والقرآن كما فعلت، وتزعم أنها لا تعتبر الإسلام عادلاً لأنه أباح للزوج أن يعدد الزوجات ولم يسمح لزوجته أن تعدد الأزواج، فهي من الجهل بحيث لا تفرق بين وظيفة الرجل والمرأة، فإن الرجل هو صاحب الماء ولا مانع من أن يعدّد الأوعية التي يلقي فيها ماءه ولا يؤدي ذلك إلى اختلاط الأنساب بينما المرأة وعاء وإذا اختلطت المياه فيه فإنه يضيّع الأنساب.

تصوروا أيها الأخوة والأخوات كيف يعطون الفرصة لمثل هؤلاء الجهلة الضائعين الذين ليست لهم هوية ولا معالم للشخصية.

ويوم الخميس الماضي (23 شوال 1424، 2003/12/18) وافق الرئيس الفرنسي جاك شيراك على التوصيات التي قدمّتها اللجنة الحكومية الخاصة التي شكلت لدراسة مشروع منع المظاهر الدينية وأهمها الحجاب الإسلامي في المدارس الحكومية الفرنسية، ولم يستمع إلى النصائح التي وجهت إليه

ص: 33

منها الرسالة التي بعثتها إليه من خلال عدة قنوات فضائية(1) ولا أدري إن كانت وصلت إليه أم لا.

هذه غير المؤتمرات والندوات التي تعقد لبث هذه السموم، كندوة الإعلان عن تأسيس لجنة الدفاع عن العلمانية في المجتمع العراقي يوم 2003/9/18 والتي تدعوا إلى (حرية اختيار الملبس دون قيد أو شرط) كما تضمنتها دعوة الحضور للندوة وجاء فيها أن المجتمع (يترنح اليوم تحت ضربات سيوف تيارات الإسلام السياسي الشاذة) وبسبب ذلك فإن (مدنية المجتمع العراقي نفسها تمر اليوم بأزمة حقيقية) وتطالب بحرية الإلحاد كالإيمان، وقد كتبت بياناً بعنوان (نصيحة إلى المدافعين عن العلمانية)(2) ونشرته عدة صحف.

والأخطر من كل ذلك ما يترشح من قرارات مؤتمر نساء قلب العراق ويقصدون بقلب العراق (بابل، كربلاء، النجف، الكوت، الديوانية) الذي تنظمه عدة مؤسسات أمريكية (الوكالة الدولية للتنمية الأمريكية، المعهد العراقي في واشنطن، منظمة5.

ص: 34


1- أدرجناها في الفصل الأخير من هذا الكتاب.
2- أنظر خطاب المرحلة: ج 3 ص 155.

الشرق الأوسط للتحالف، منظمة نساء من أجل عراق حر وبمباركة ودعم قوات الاحتلال وعقدوا أول ندوة في كربلاء يوم 29-30 أيلول سنة 2003 وفي جامعة بابل وهو المؤتمر الأوسع ما بين 3-2003/10/7 وتحدثوا فيها عن مشاريع وأطروحات مغرية ورصدوا لها مبالغاً ضخمة من أجل تخلي النساء عن عفتّهن ودينهم وقد حضرت عدة أخوات مؤمنات يحملهن شهادات أكاديمية راقية كالطب والقانون والاقتصاد بحجابهن الكامل حتى قناع الوجه وتحدثن باللغة الانكليزية وأذهلن القائمين على المؤتمر، مما دفعهم إلى الاعتراف بأنهم لم يتوقعوا وجود مثل هذه القدرات عند المرأة العراقية، وقد قدمت لي إحدى الأخوات تقريراً بما دار في الجلسات.

هذه بعض ما يدور من حولنا مما يستهدف المرأة فماذا أعددنا لنداء الله تبارك وتعالى (وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) التي تشمل القوة العلمية والفكرية والأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.

ص: 35

الحاجة الى التوعية والتثقيف:

إننا بحاجة إلى حملة واسعة من التوعية والتثقيف في قضايا المرأة وتبصيرها بمسؤولياتها والتحديات التي تواجهها، وقد لخصت الأفكار التي ينبغي مناقشتها في هذه الحملة بمحاضرة ألقيتها بمناسبة مولد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء بعنوان (الأربعون حديثاً في قضايا المرأة)(1) تيمناً بوصية رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لأمير المؤمنين عليه السلام وما جاء فيها

(يا علي من حفظ على أمتي أربعين حديثاً يطلب بذلك وجه الله عز وجل والدار الآخرة حشره الله يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً)(2) ولا شك أن كل قضية مبحوثة تتضمن عدة أحاديث وآيات شريفة وتكون مصداقاً لهذا الحديث الشريف.

وأثرت في البحث عشرين قضية بحسب ما سمح به المجال ويختلف منحى البحث فيها بحسب موضوع القضية، فبعضها فقهي كتسجيل الأحكام الفقهية الخاصة بالنساء ومن أول الفقه إلى آخره ليسهل عليها معرفة ما يخصها من الأحكام،

ص: 36


1- أدرجناها في الفصل السادس من هذا الكتاب.
2- الوسائل: ج 27 ص 95.

وبعضها فسلجي كإمكان حصول الحيض عند الحامل، وبعضها اجتماعي كقيمومة الرجل على المرأة التي هي مسألة تنظيمية لإدارة الأسرة وقد ذكرت الآية الشريفة منشأين لجعله بيد الرجل (بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا) (النساء: 34) فالأول طبيعة تكوين الرجل جسمياً ونفسياً واجتماعياً والثاني هو إلزامه بالنفقة وكإعطاء الرجل ميراثاً ضعف الأنثى باعتبار وجوب الإنفاق على الرجل فيكون لها ثلث خالص وتشارك الرجل ثلثيه وهكذا.

أسأل الله تعالى أن يعيننا وإياكم على تحمل مسؤولياتنا وأداء الأمانة إلى أهلها إنه نعم المولى ونعم النصير.

ص: 37

المؤتمرات النسوية

اشارة

المؤتمرات النسوية(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

أهمية المجالس:

يسأل الإمام الصادق عليه السلام أحد أصحابه فيقول له (تجلسون وتحدثون؟ قلت نعم، قال: تلك المجالس أحبها، فأحيوا أمرنا. رحم الله من أحيى أمرنا).

وعن أحد أصحاب الإمام الباقر

عليه السلام قال: قال لي أبو جعفر الباقر: (أتخلون وتتحدثون وتقولون ما شئتم (ويتضح من السؤال ما كان يعانيه الأئمة عليهم السلام وشيعتهم من ضغط السلطات الجائرة ومراقبتهم لهم) قلت: أي والله، فقال: أما والله لوددت أني

ص: 38


1- مقدمة الكلمة التي تحدث بها سماحة الشيخ دام ظله في المؤتمر العام لرابطة بنات المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وجامعة الزهراء (عليها السلام) للعلوم الدينية الذي عقد في النجف الأشرف يومي 21-22 ج 1426 2 الموافق 28-2005/7/29 وحضرته إدارات الفروع في المحافظات وممثلات الرابطة في البرلمان العراقي.

معكم في بعض تلك المواطن)(1).

ورغم أن الخطباء يذكرون مثل هذه الروايات ويفسرونها بأنها تتعلق بالمآتم الحسينية والمجالس التي تتعلق بذكر مناقب أهل البيت عليهم السلام ومصائبهم - وهو صحيح - إلاّ أنها ليست مقتصرة عليها، فيمكن أن نفهم هذه الروايات بمعناها الواسع والشامل لكل المجالس التي تبين معالم مدرسة أهل البيت عليهم السلام وفقههم وأخلاقهم ومناقشة القضايا التي تهم أتباعهم.

ومؤتمركم هذا من أوضح مصاديق هذه المجالس لإحياء الأمر والذكر ابتداء من الاسم المرتبط بالمصطفى والزهراء (صلوات الله عليهما) ومروراً بمضمون الأحاديث والنقاشات والخطابات وانتهاءً بما ينبثق عنه من توصيات وقرارات.

فالأئمة يحبون مثل هذه المجالس ويأمرون بإحيائها ويتمنون لو كانوا مشاركين معكم فيها، ويظهر حرصهم الشديد على إقامتها بأي صورة حتى في أقسى فترات الضغط والمراقبة وخنق الحريات.7.

ص: 39


1- الكافي: ج 2 ص 187.

دور المرأة في بناء العراق:

وحينما نتحدث في مثل هذا المؤتمر النسوي فإن موضوعات عديدة يمكن أن تكون محوراً ًللحديث، فمثلاً يمكن أن نتحدث عن دور المرأة في بناء العراق الجديد فإنه كما تعرفون فإن المرأة يراهن عليها الإسلاميون وأعداؤهم على السواء لأن كلا الطائفتين يعلمان أنهم لو كسبوا المرأة سيكسبون الجولة؛ لأن المرأة من حيث العدد تمثل نسبة تصل (58%) وهي تمتد أكثر من ذلك من حيث التأثير لأنها الأم والأخت والزوجة والبنت، وانتم تعلمون أن المرأة إذا صلحت صلح المجتمع وإذا فسدت - والعياذ بالله - فسد المجتمع، وهذا المحور من الحديث تناولته في كتاب (دور المرأة في العراق الجديد) فلا نكرر.

المرأة ودورها الأسري:

ويمكن أن نتحدث عن القضايا التي تواجهها المرأة وتشخيص الايجابيات والسلبيات حتى نعمل على تكريس الايجابيات ومعالجة السلبيات، فمثلاً على الصعيد الاجتماعي تواجه المرأة عدة قضايا، كتعسف الزوج في استعمال حق القيمومة، والمشاكل داخل العوائل، وأزمة السكن وانتشار

ص: 40

ظاهرة العزوبية والعنوسة بحيث أن أرقام الشباب والشابات غير المتزوجين بلغت حدوداً مرعبة، وكثرة الأرامل والمطلقات وهكذا، وعلى الصعيد الأخلاقي نجد الهجمة الشرسة لنشر الرذيلة والفساد والتحلل من خلال الوسائل التقنية الجذابة والمثيرة التي دخلت كل شيء ابتداءً من جهاز الستلايت إلى الإعلانات الدعائية المنتشرة في الشوارع إلى الصور المنتشرة في أكثر الحاجات إلى الصحف والمجلات وغيرها، وهذا يشكل تياراً ضاغطاً يدفع نحو الانحراف الذي لا يقف عند حد إلا بمقدار ما يعصم الله تعالى.

توجهات المرأة:

كما أن توجهات المرأة أصبحت بعيدة عن الهدف الحقيقي والاتجاه الصحيح للتعامل، فصارت تهتم بالزينة الظاهرية وتتباهى بأفخر الثياب والحلي ومواد التجميل والمصوغات ونحوها وهذه مشكلة كبيرة.

وليس صحيحاً أن نقتصر بالنظر على المجتمع المرتبط بنا الذي هو ملتزم دينياً لتقييم خطورة مثل هذه القضية فتهوّنوا منها، لأنكن بفضل الله مؤمنات واعيات ملتزمات ولكن انظروا إلى

ص: 41

كل أنماط ومستويات التربية للمجتمع.

وفي جانب التعليم فإننا نواجه جهلاً واسعا وأمية متفشية خصوصاً في العشائر والأرياف والمدن الصغيرة وحتى مراكز المحافظات وتصل في بعض المناطق إلى مئة في المئة حيث لا توجد امرأة واحدة متعلمة.

التحدي على المستوى الصحي:

وفي جانب الصحة نجد أمراضاً خبيثة تنتشر بفعل مخلفات الحرب واليورانيوم المنضب، واستعمال المواد السمّيّة في صيد الطيور والأسماك، وتردي الأوضاع الصحية والخدمات بحيث تختلط أحيانا مياه الشرب بمياه الصرف الصحي ونلحظ هذه المعاناة بوضوح في مدن جنوب العراق، كما انتشرت حالات العقم والإسقاط بشكل يدعو إلى القلق والشك والريبة في أن مؤامرة تحاك ضد هذا الشعب لقطع نسله، خصوصاً إذا انضم إلى انتشار ظاهرة عدم التزوج، وكل هذه مشاكل ستراتيجية علينا أن ندرسها بدقة ونشخص مكامن الخلل ثم نضع الخطط الكفيلة بعلاجها.

ص: 42

التحدي الفكري:

وعلى الصعيد الفكري فإننا نشهد حملة واسعة لتشويه الأفكار وتضليل الآراء من أجل تنفير المرأة من دينها و أخلاقها وآدابها الاجتماعية ودعوتها إلى التحرر من كل هذه المعايير، لتصبح دميةً يتلهى بها الرجال فيسقطان معاً ويكونان آلة للمستكبرين ليحققوا مصالحهم اللامشروعة، فنجد ثلة من المتحللات صنائع شياطين الإنس والجن (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) (الأنعام: 112) ويصيدون بشباكهم السذّج والجهلة من النساء رغم ضحالة وسطحية ما يتبجحون به وإمكان الرد عليه بيسر وسهولة لو توفر عند المقابل شيء من الثقافة والوعي. ومن الكتب النافعة في هذا المجال (فلسفة تشريعات المرأة) وغيرها.

التحدي الاقتصادي:

وأما من الناحية الاقتصادية فنجد العوز والحرمان وعدم وجود الكفيل مما يدعو المرأة إلى الخروج والعمل في مهن لا تناسبها وتجعلها بين نارين نار الحاجة والعوز والفقر ونار المتحكمين بالعمل الذين يدعونها إلى إشباع غرائزهم البهيمية والتخلي عن شرفها ودينها، هذا غير المشاكل التي تحصل بسبب

ص: 43

الاحتكاكات والمداخلات وتضييع الأسر والبيوت وتفكك العائلة.

فهذه كلها مشاكل كبيرة قد لا تبدو صورتها المرعبة واضحة الآن لأن مجتمعنا ما زال متماسكاً ومحتفظاً بأخلاقه ودينه، لكنها قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة، وتنهي هذه التركيبة المنسجمة لمجتمعنا وتقوده نحو الانحلال والضياع والتشتت، كما حصل في أكثر الدول الإسلامية العربية القريبة منا في دول الخليج والدول العربية والإسلامية الأخرى فضلاً عن الغربية والأمم الأخرى، ما لم نحتط للأمر ونحسب له حسابه ونضع الخطط الاستتراتيجية لمعالجته.

وإني أعلم بوجود ثلة مباركة من الأخوات الرساليات ضمن هذا المؤتمر في مختلف الاختصاصات، وقادرات على إحاطة هذه القضايا بالعناية الكافية.

(وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ) .

ص: 44

الفصل الثالث: تقييم العمل النسوي خلال عامين

اشارة

ص: 45

ص: 46

تقييم العمل النسوي خلال عامين(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي نصر عبده وهزم الأحزاب وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وآله الطيبين الطاهرين.

يملؤني الفخر والاعتزاز وأنا أتشرف بخدمة هذه الثلة الرسالية وأطلّع على جهودهن - التي لم تغب عني - في نشر الوعي الإسلامي والعمل الاجتماعي المبارك.

إنكن حقاً الجنود المجهولون الذين يتحملون الحصة الأكبر من العناء والتضحية في هذه المواجهة الحضارية الشاملة مع أعداء الإسلام.6.

ص: 47


1- تقرير الكلمة التي تحدث بها سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) خلال لقائه بوفد مشترك ضم العشرات من أعضاء رابطة فدك النسوية في حي المعارف ببغداد ورابطة الإمام الجواد النسوية في حي الرئاسة ببغداد يوم الأربعاء 4 ربيع الأول 1426 المصادف 2005/4/13 مع بعض الفقرات التي ذكرها في لقائه بالعشرات من المؤمنات الرساليات في رابطة بنات المصطفى وجامعة الزهراء في السماوة يوم السبت 7 ربيع الأول 1426.

الوعي المبكر:

فإننا حينما نقيّم العمل الإسلامي خلال السنتين الماضيتين سنجد أن الأمة تجاوزت الكثير من الصعاب والمغريات ووسائل هدم الأخلاق ومسخ الهوية الإسلامية مما كنا نتخوف عليها منها، فكانت أولى محاضراتنا حينما وطأت أقدام المحتل أرض بلادنا الطيبة تتحدث عن أخطار جهاز (الستلايت) الذي كان أول هدية قدمها الغرب لشعبنا مستغلاً تشوقه لكل جديد بعد أن عاش الحرمان الطويل خلال الحكم المقبور، وبينّتُ في تلك المحاضرة الآثار السلبية الكثيرة المترتبة على سوء استخدام هذا الجهاز واستوعبت الأمة هذا التحذير ووعته، وها هو جهاز (الستلايت) يدخل إلى بيوت العراقيين وتمر على استعماله سنتان دون أن يؤثر على أخلاق الأمة والتزامها بدينها، بل إن الحالة الإسلامية تتصاعد وتزدهر والشواهد على ذلك كثيرة، كما ظهرت بوضوح في يوم الانتخابات والمسيرة المليونية الراجلة إلى كربلاء في ذكرى زيارة الأربعين.

تكامل التربية الإيمانية:

وتجلى هذا الصمود والثبات على المبدأ أيضاً في مشاركة أكثر من عشرين ألف طالب جامعي في مسيرة مهيبة قطعت

ص: 48

مسافة (42) كم من الحلة إلى كربلاء مشياً على الأقدام، لتظهر للأعداء قبل الأصدقاء أن تربية الأمة بشبابها ونسائها قد قطعت شوطاً كبيراً، بحيث لم تعد تؤثر فيهم وسائل الفساد والانحراف والضلال الذي راهنوا عليه في أوساط الجامعات، فهؤلاء الشباب والشابات الذين قبضوا على دينهم هم مصداق للحديث الشريف:

(إن الله تعالى يباهي بالشابّ العابد الملائكة، يقول: أنظروا الى عبدي! ترك شهوته من أجلي)(1) ، وسوف يذكرون بكل خير كما خلد الله تبارك وتعالى ذكر نبيه يوسف الصديق عليه السلام الذي عصم نفسه من الوقوع في الفاحشة رغم تهيؤ ظروفها.

جهود مضنية من التربية:

إن صمود الأمة هذا وثباتها وحفاظها على توازنها والتزامها بثوابتها الأخلاقية والدينية لم يحصل جزافاً ولم يحدث على نحو المعجزة وان كان مؤيداً بلطف الله تبارك وتعالى، ولكنه كان حصيلة جهود جبارة مضنية قامت بها طليعة الأمة من العلماء والفضلاء والمثقفين والعاملين الرساليين من الرجال

ص: 49


1- كنز العمال: 43057.

والنساء، وقليل منهم الذي عرفت الأمة اسمه وثمنت جهده، أما الأكثر فكانوا مجهولين في الأرض لكنهم معروفون في السماء بما ترفع الملائكة لهم من أعمال صالحة وأهداف سامية ونوايا مخلصة وانتنّ من هؤلاء الجنود المجهولين.

همة النساء:

وأستطيع القول أن حماس النساء وهمتهن في العمل كانت أكثر من الرجال، ولا اعتقد أن الرسالي يضره عدم التفات الناس إلى ما يبذله من جهود لأنه لا يبتغي من أحد جزاءً ولا شكوراً، وغاية ما يستهدف رضا الله تبارك وتعالى وهو أقرب إلينا من حبل الوريد ويحول بين المرء وقلبه ومطلع على ما تخفي الصدور فلا ضير إذن، وقد وصفت الأحاديث الشريفة المؤمن بأنه

(مجهول في الأرض معروف في السماء)(1).

ولعل من سوء توفيق شرائح كبيرة من المجتمع أنها لا تلتفت إلى العاملين ولا تعرفهم فتحرم من الانتفاع منهم ودعمهم ومساندتهم، وفي ذلك ما لا يخفى من ثواب الله تبارك وتعالى والدرجات الرفيعة.

ص: 50


1- أنظر: أعيان الشيعة: ج 3 ص 513.

القرآن الكريم يخفف الآلام على الرساليين:

نعم، قد يتعرض العاملون الرساليون إلى ضغط اجتماعي ونفسي بسبب هذا التجاهل والإهمال من المجتمع الذي قد يصل إلى الممانعة والاعتراض وخلق العقبات، وحينئذ يحتاج العامل إلى ما يطيب خاطره ويمسح على آلامه وهمومه، وهو ما نجده كثيراً في القرآن الكريم حينما كانت تشتد المحنة على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من قريش في مكة فيسليه ربه ويزيل عنه بعض همومه كقوله تعالى (وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ كُنْ مِنَ السّاجِدِينَ، وَ اعْبُدْ رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر: 97-99) وقوله تعالى (وَ اصْبِرْ وَ ما صَبْرُكَ إِلاّ بِاللّهِ وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ لا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمّا يَمْكُرُونَ، إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل: 128).

التحذير من العجب:

وحينما نلفت نظر الأمة إلى هذا الانجاز الكبير الذي حققته، نحذرها من الوقوع في آفة العجب والرضا عن النفس، وأننا قد أدينا ما علينا وتجاوزنا مرحلة الخطر ونستطيع أن نطمئن على مستقبل الأمة! لكن هذا العجب هو بداية الانهيار والفشل

ص: 51

والهزيمة، وهو ناتج من الجهل بان المواجهة مفتوحة ومستمرة وقائمة على الجبهتين الداخلية والخارجية، ونقصد بالداخلية الصراع داخل النفس مع الشهوات والأطماع والأهواء التي يسوق أتباعها إلى الردى (أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَ أَضَلَّهُ اللّهُ عَلى عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللّهِ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ) (الجاثية: 23)(فَأَمّا مَنْ طَغى، وَ آثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا، فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى، وَ أَمّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) (النازعات: 37-41).

خطر النفس الأمارة بالسوء:

وتبقى النفس الأمارة بالسوء تدعو صاحبها إلى العصيان والتمرد على الخالق العظيم، ويزين الشيطان أوامرها ما دام الدم يجري في عروق الإنسان وحتى في لحظاته الأخيرة يمكن أن تزل قدمه ويتردى في الشقاء، كما يروي الأئمة الهداة عن ناسٍ أريد تلقينهم الشهادتين ساعة الاحتضار فلم يفعلوا وقالوا كلمة الكفر حيث يستغل إبليس الظروف الصعبة التي يمر الإنسان بها في تلك اللحظات وحاجته الماسة إلى المساعدة فيريه كأساً من

ص: 52

الماء البارد ويقول له هذا لك إن فعلت كذا وكذا فيسقط البعض في هذه اللحظات الحاسمة.

الضمانة في الاستقامة على طريق رضا الله تعالى:

قد يقول بعضكم إذن ما هو مصيرنا حينئذٍ ومن الذي يضمن أننا سنثبت على الهدى والاستقامة ونحن على ذلك الحال؟ والجواب إن ذلك التصرف لا يقوم به الإنسان بمعزل عن معتقده وطريقة حياته الطويلة، بل هو نتاج تلك الحياة فإن كان عاملاً بما يرضي الله تبارك وتعالى متجنباً لما يسخطه فهو آمن من الزلل وسيحضره المعصومون عليهم السلام في تلك اللحظات ويبشرونه بمقعد صدقٍ عند مليك مقتدر قبل أن تفارق روحه الدنيا، كما يروي المؤرخون أن الشهيد علي بن الحسين الأكبر نادى أباه الحسين عليه السلام بعد أن قطعه الأعداء بسيوفهم

(يا أبتاه هذا جدي رسول الله صلى الله عليه وآله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبداً)(1).

ص: 53


1- البحار: ج 45 ص 44.

حوار بين المؤمن والعاصي:

بعكس الذين قضوا حياتهم في المعاصي والبعد عن الله تعالى، فإنهم سيتركون لما كسبت أيديهم من ظلمات ولتسويلات الشيطان.

وينقل القرآن الكريم بعض حواراتهم مع المؤمنين الذين ابيضت وجوههم بالأعمال الصالحة فأخذوا يشعون نوراً (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَ ظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ، يُنادُونَهُمْ أَ لَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَ لكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَ تَرَبَّصْتُمْ وَ ارْتَبْتُمْ وَ غَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتّى جاءَ أَمْرُ اللّهِ وَ غَرَّكُمْ بِاللّهِ الْغَرُورُ، فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَ لا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ) (الحديد: 12-15).

أهمية دهاء العديلة:

وحينما نجد في كتب الأدعية والمستحبات دعاءاً باسم (العديلة) يقرأ للأمن من العدول عن الحق ساعة الاحتضار، فإنه

ص: 54

لا يعني أن نفس قراءة الدعاء تحقق تلك النتيجة وإنما التدبر في معانيه والالتزام بمقتضياته واستحقاقاته ينظم حياة الإنسان بالشكل الذي ينتج نهاية طيبة له يؤمن عليه معها من العديلة.

مواجهة المشروع الغربي:

وأما الحرب على الجبهة الخارجية واقصد بها مواجهة المشروع الغربي بكل أشكاله، والتي استطاعت الأمة الوقوف في وجهه وإحباطه سواء على الصعيد السياسي أو الأخلاقي أو الفكري أو الاجتماعي أو العقائدي، فعلى الصعيد السياسي كان الاحتلال قد اعدَّ خطة لعملية سياسية تدريجية تنسجم مع خططه الستراتيجية، لكن المرجعية الرشيدة وقفت بحزم من أول يوم وعبئت الجماهير للمطالبة باحترام إرادتها واستقلالها وحريتها في اختيار من يديرون شؤون البلاد، وأفلحت في انتزاع هذا الحق وانتصرت في يوم الثلاثين من كانون الثاني الماضي، ولا زالت ماضية في انتزاع حقوقها بالتدريج وسيعينها الله تبارك وتعالى في مسيرتها ما دامت مخلصة له ومحبة للخير ومتجردة عن الأنانية وحب الدنيا.

ص: 55

الثبات في المواجهة:

وأما على الصعيد الأخلاقي والديني فقد أشرنا إليه في بداية حديثنا هذا واللقاءات والبيانات المتعددة، لكن الأعداء لا يكلّون ولا يملّون وهم طويلو الأمل ويضعون خططاً ستراتيجية لا يهمهم معها فشلها وتأخر تحقيقها سنة وسنتين بل يتربصون بنا الدوائر وينتظرون الانقضاض على حين غرةٍ من علماء الأمة ومفكريها ومثقفيها وعيونها المخلصة، فعلينا أن لا نتعب ولا نكل ولا تفتر عزائمنا، ونبقى متواجدين في ساحة العمل بوعي وبصيرة وعيون مفتوحة على رغم الصعاب وقلة الإمكانيات التي تفي بهذه المواجهة الواسعة.

التخطيط الإلهي في التدريج للمواجهة:

وقد شاء التخطيط الإلهي أن يعرض الأمة لهذه الهجمة الغربية الكافرة بالتدريج، حيث كانوا قد اعدوا لتغلغل سريع وقوي وبمختلف وسائل التأثير كالمال والوظائف وتلبية الغرائز تحت أسماء عديدة كمنظمات إنسانية أو مؤسسات التدريب على الديمقراطية أو بناء المجتمع المدني أو مراكز التعليم والصحة، وكان يمكن لمثل هذا الهجوم الواسع أن يفعل فعلته في تخريب كيان الأمة لمفاجأتها به وعدم استعدادها بما يناسبه،

ص: 56

ولكن تدهور الأوضاع وعدم الاستقرار في الساحة العراقية أرجع تلك المجاميع الضالة إلى حيث أتت، وبقي اختراق محدود استطاعت الأمة باستعدادها البسيط أن تقف في وجهه وهكذا شاء التخطيط الإلهي من باب (وَ عَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) أن يأخذ بيد الأمة برفق وبالتدريج حيث إن الأوضاع كلما ازدادت استقراراً كانت فرصة هؤلاء الأعداء للقدوم أكبر ويزداد البلاء شدة، فلا بد من العمل الدؤوب السريع والواسع لكي نكون حذرين واعين مستعدين.

الغفلة أساس الهزيمة:

وإن أساس الهزيمة في كلا المواجهتين (مع النفس والأعداء الخارجيين) هي الغفلة لأن الإنسان لو كان حذراً واعياً مستعداً لما تمكن منه عدوه.

أي واحد منا لا يفعل المنكر إذا كان بمحضر الآخرين والتفاتهم أو أن كاميرا تلفزيونية تصوره لأنه يستحي منهم فكيف يفعله وهو يستنكره؟ ألا يعلم أن الله مطلع عليه وان أعماله مسجلة ومحفوظة وتعرض في لوح يصور حتى التفاصيل الدقيقة كخائنة الأعين وما تخفي الصدور (وَ وُضِعَ الْكِتابُ

ص: 57

فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمّا فِيهِ وَ يَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلاّ أَحْصاها وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (الكهف: 49) وأن سجلات أعمالنا ترفع أسبوعياً إلى الإمام صاحب العصر باعتباره الإمام الفعلي لينظر فيها ويختمها ثم تحفظ إلى يوم العرض قال تعالى (وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ سَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة: 105).

فأي غفلة وظلمات الجهل التي تعيشها هذه النساء الممسوخات المتجردات من كل معاني الفضيلة والإنسانية والأخلاق اللواتي يظهرن على شاشات التلفزيون وفي الإذاعة وهن يدعون إلى ما تستقبحه وتتنزه عنه حتى الحيوانات(1) ؟

فالحذر الحذر من الغفلة والكسل والاتكالية والاسترخاء وحب الدعة والراحة، ولذا تجد الله تبارك وتعالى كثيراً ما يدعونا إلى التأمل والتفكير والتذكر والاتعاظ والتدبر والتعلم؟!

ص: 58


1- دعت إحداهن إلى إباحة تعدد الأزواج للمرأة أسوة بالرجل الذي يجوز له التزوج بأكثر من واحدة!! ودعت إلى إباحة العلاقات الجنسية خارج رباط الزوجية؟!

لأنها أساس الهداية والصلاح.

آليات العمل على الصعيد النسوي:

وبعد وضوح سعة المواجهة على المستوى النظري نشير باختصار إلى آليات العمل للنهوض بهذه المسؤولية الكبرى على صعيد العمل النسوي، وقد تضمن مشروعنا ذراعين رئيسيين للعمل النسوي:

أحدهما: جامعة الزهراء للعلوم الإسلامية بفروعها المنتشرة في المحافظات التي تتكفل بتدريس من تنطبق عليها شروط القبول، العلوم الحوزوية ببرنامج منتظم ومتطور وحديث على غرار جامعة الصدر الدينية، مع ملاحظة بعض الخصوصيات التي تنسجم مع طبيعة المرأة وظروفها، ويوجد كتاب باسم (جامعة الصدر الدينية: الهوية والانجازات) يشرح هذا النظام، ونأمل أن تصل من خلاله بعض النساء إلى درجة الاجتهاد لتتخصص في فقه المرأة فإنها اعرف بشؤون بنات جنسها وأقدر على فهم النصوص المتعلقة بها، وهو جزء من مشروع (الفقه المتخصص) الذي دعونا إليه.

وعندي كل الثقة بالقدرات العقلية لنسائنا وهمتهن

ص: 59

وحماسهن وشعورهن الكبير بالمسؤولية، فقد نقلت بعض الإحصائيات أن عدد المهندسات في العراق يساوي عدد المهندسات في الولايات المتحدة مع أن سكان الولايات المتحدة عشرة أضعاف عدد سكان العراق، وهذا أحد الشواهد التي يؤخذ بها لمعرفة رقي الشعوب.

ولا أحتاج أن أؤكد أن العلم وحده لا يكفي بل لا بد أن ينضم إليه العمل الصالح وتهذيب النفس وتطهير القلب، ويضرب لنا القرآن مثلاً لرجل بلغ أعلى درجات العلم لكنه لم يستفد منها (وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ، وَ لَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَ لكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَ اتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (الأعراف: 175-176).

ثانيهما: رابطة بنات المصطفى بفروعها المتعددة وأسمائها المختلفة كرابطة فدك ورابطة الإمام الجواد التي أتشرف الآن بلقائها وخدمتها، والمهم هو المضمون وليس العنوان وهذه الروابط تتكفل بالعمل الاجتماعي بأنشطته المختلفة وقد وضعت لهم برنامج عمل بعنوان (ورقة عمل رابطة بنات المصطفى) وقد

ص: 60

جمعت عدة كلمات وبيانات موجهة إلى المرأة في كتاب بعنوان (دور المرأة في بناء العراق الجديد).

أسأل الله تعالى أن يؤيدكن بنصره ويجمعكن مع خيرة النساء فاطمة الزهراء وخديجة الكبرى أم المؤمنين وزينب العقيلة ومريم المقدسة وحسن أولئك رفيقاً.

محمد اليعقوبي

4 ربيع الأول 1426

ص: 61

ص: 62

الفصل الرابع: المرأة المسلمة في الغرب بين الاندماج والذوبان حوار مع آية الله الشيخ محمد اليعقوبي

اشارة

ص: 63

ص: 64

المرأة المسلمة في الغرب بين الاندماج والذوبان حوار مع آية الله الشيخ محمد اليعقوبي

بسمه تعالى:

إلى سماحة الشيخ محمد اليعقوبي دامت بركاته..

عرضت قناة الجزيرة ليلة أمس برنامجاً - للنساء فقط - طرحت فيه فكرة اندماج المرأة المسلمة في الغرب أو ذوبانها في الواقع الغربي.. وخلصت نتيجة البرنامج - من خلال آراء الضيوف الحاضرين في البرنامج - على تأييد فكرة الاندماج دون الذوبان لأنه مسخ للهوية الإسلامية وانسلاخ عن القيم والتقاليد الإسلامية.

السؤال الأول: إذا لم يكن في البرنامج رجل الدين - مع وجود امرأة محجبة هي عضو في الرابطة الإسلامية في بريطانيا - إلا أنه لم تكن هناك رؤية دينيه واضحة لتوضيح المسألة من الناحية الدينية والشرعية. أقصد عن فكرة الاندماج وإذا لم يكن رجل دين حاضراً في البرنامج، مع تداعي الحضارة الغربية إلى مستوى متدني من الأخلاق وفساد الواقع الغربي.. نريد أن نُعلم

ص: 65

ونوصل صوتنا إلى نسائنا هناك في الغرب ما هي الخطوط البيانية لحالة الاندماج مع الغرب.. هذا إذا قلنا أنه لا بد من اختيار إحدى الحالتين إما الاندماج أو الذوبان..

السؤال الثاني: في البرنامج طرحت فكرة تخلي بعض النساء المسلمات عن هويتهن الإسلامية.. وذلك بانجرارهن وراء الحضارة الغربية وحالة الذوبان الحاصلة لديها مع الغرب.. إلى أن صار من المعتاد تزوج امرأة مسلمة من رجل غير مسلم..

وللعلم.. إنه لم تعالج مقدمات ذلك - السقوط - في وحل الحضارة الغربية وأسباب تخلي المرأة المسلمة عن هويتها الإسلامية، سوى أنه قيل إن هذا الزواج سينتهي بالفشل علماً أنه باطل أصلاً وأن الرابطة الإسلامية ستعالج العقد النفسية الناجمة من فشل الزواج..

فالسؤال.. توضيح مقدمات انحدار المرأة إلى هذا المستوى وما هي الأسباب التي أدت إلى تخليها عن هويتها الإسلامية.. وإذا كان الزواج باطلاً فهل يعد من الزنا.. وكيف تعالج تلك الحالة بعد ذلك.. والظاهر من خلال عدم طرح الحلول الناجحة في ذلك البرنامج هو غياب المرجعية الدينية هناك.. فكيف نملأ ذلك الفراغ وهل يمكن أن نطرح رأياً

ص: 66

إسلامياً يخدم القضية؟

السؤال الثالث: طرحت في البرنامج قضية اضطهاد المرأة المسلمة في الغرب وبالذات في فرنسا والسعي (الحاصل الآن) لإصدار قرار يمنع ارتداء الحجاب نهائياً.

المرأة الملزمة بالعيش هنالك - في الغرب - لأسباب متعددة.. كيف دعوتكم لها.. هل تواجه وتصر على طلب حقوقها المشروعة أم يجب عليها أن تركن إلى البيت حفاظاً على دينها لئلا تتطور الأمور أكثر من ذلك؟

ثم ما هو واجبنا نحن اتجاهها.. وما هو واجب رجال الدين في هذه القضية..؟

السؤال الرابع: تتحجج النساء المتزوجات من رجال غير مسلمين إلى أن المسلم لا يحترمها ولا يعطيها حقها بعكس غير المسلم.. ماذا تقولون؟ وماذا تقول بخصوص ظاهرة البوي فريند؟

مجلة فيض الكوثر

16 رمضان 1424

ص: 67

كيف تعيش المرأة المسلمة في الغرب؟

سؤال قد نطرحه أكثر من غيرنا، نحن الذين لم نعش في الغرب، ولم تطأه أصلا أقدامنا.. في ظل تداعي الحضارة الغربية والانحطاط الملازم لها لابتعادها وتنصلها عن قيم السماء والرسالات السماوية..

هذا السؤال نطرحه، في الوقت الذي نسمع فيه عن حالات اضطهاد المرأة المسلمة في الغرب. وخصوصا في فرنسا التي تسعى بعض الجهات فيها، التي ترى في الحجاب رمزا دينيا وسياسيا ينافي سياستها العلمانية.. تسعى لإصدار قرار يمنع ارتداء الحجاب إلى الأبد. وبالمقابل نسمع هنالك الاقتراحات والدعوات الموجهة إلى المرأة المسلمة لقبول إحدى الحالتين المشار إليهما في العنوان إما الاندماج أو الذوبان في الغرب، من قبل دعاة الاندماج أنفسهم أو دعاة الذوبان.. كل بحسب ما يرى من صحة موقفه.. ولنا أن نسأل: ما معنى الاندماج؟ وإلى أين تصل بالمرأة حالة الذوبان التي يدعونها إليها؟ في أحسن الأحوال.. يقولون إن الاندماج هو التنازل عن بعض التقاليد العربية وقبول بعض تقاليد الغرب.. لتحصل الموازنة بين كفتي حقوق المسلمين العرب وغير العرب وإمكان عيشهم في الغرب

ص: 68

وحقوق أهل الغرب أنفسهم في بلدانهم.. ليتمكنوا بعد ذلك من العيش بسلام وأمن واطمئنان..

والذوبان هو أن تأخذ الفتاة المسلمة العربية بيد (البوي فريند) إلى (النايت كلاب).. لتكون غربية مئة بالمئة.. َ!!

فهل هذا الزواج صحيح؟!

هذا ما يقولون حسب ما عرضته قناة الجزيرة القطرية في برنامج للنساء فقط قبل شهر تقريباً.. فماذا نقول نحن كإسلاميين لنا رؤيتنا الإسلامية التي ليس فيها لبس ولا غبار..؟

الشيخ محمد اليعقوبي دامت بركاته دام عزه..

أعطى فكرته الإسلامية الواضحة في الموضوع بصورة عامة ثم أجابنا تحديداً عن كل أسئلتنا وبحسب ما جاء في البرنامج المذكور الذي غابت عنه الرؤية الإسلامية الواضحة والصريحة..

ص: 69

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبيه وآله الميامين وسلم تسليما.

حينما نرتفع الى رحاب الشريعة:

إننا حينما نتحدث عن (المرأة المسلمة في الغرب) فلا بد أن نلحظها على شكلين:

الأول: المرأة الشرقية التي نشأت في مجتمعاتنا الإسلامية ثم سافرت إلى بلاد الغرب لسبب أو لآخر.

الثاني: المرأة الغربية التي هداها الله للإسلام وادخل في قلبها نور الإيمان.

ويبدو أن الأسئلة تتعلق بالشكل الأول وعندئذ فإننا ننصح أولياء الأمور والنساء أنفسهن بعدم ذهاب المرأة إلى الخارج بل الرجل أيضاً، وربما يصل الحكم إلى المنع لأنه سينتقل من مجتمع مسلم له صورة متدينة ظاهراً - مما يساعد على زيادة فرص الطاعة ويقلل من فرص المعصية لان ارتكابها سيصطدم برادع الدين أو الأخلاق أو الأعراف الاجتماعية - إلى كيان

ص: 70

تنتشر فيه المعصية من تبرج وإظهار للزينة واختلاط فاحش وممارسات علنية للمعصية فيتورط الإنسان بها شاء أم أبى، فعليه أن يسد منافذ الوقوع في المعصية إما بالامتناع أصلا عن السفر إلى بلاد لا تسودها الأجواء الإسلامية، أو بخلق كيانات إسلامية مصغرة داخل تلك الكيانات، كما ينقل من أخواتنا في لندن وبعض المدن الأسترالية مثلاً، وبدون ذلك فإنه ربما ينطبق على من يترك بلاد الإسلام ويقيم في المجتمع الغربي البعيد عن الإسلام أنه (متعرب بعد الهجرة) وهي من الكبائر المحرمة، وحتى لو كان مطمئناً من قدرته على الاحتفاظ بالتزامه الديني فإن الخشية ستكون من تميع عقيدة وسلوك الأجيال اللاحقة بعد أن تنشأ في تلك البيئة وتتطبع بأخلاقها وسلوكياتها.

ونستثني من هذا الحكم الذين يذهبون إلى تلك البلاد للدعوة إلى الله تبارك وتعالى وتنظيم شؤون المسلمين هناك أو تلجئهم ضرورة لذلك.

وبعد أن عرفنا لزوم تجنب المرأة المسلمة الحياة في مجتمعات غير إسلامية فسيكون الكلام عن الذوبان أو الاندماج في تلك المجتمعات لا موضوع له.

وهذا هو الطريق الصحيح لمعالجة انحرافات المجتمع بان

ص: 71

نوجهه إلى البديل الصالح ونهيئه له وليس بأن نرقّع الواقع الفاسد، وعلى تعبير أستاذنا السيد الشهيد الصدر (قدس سره) علينا أن نرتفع بالواقع إلى مستوى الشريعة وليس بأن ننزل الشريعة إلى مستوى الواقع الفاسد غير المبني على أسس إلهية رصينة.

الخيانة الإعلامية في التعاطي مع قضايا المرأة:

وإذا أراد برنامج (للنساء فقط) التي تبثه قناة الجزيرة وكذا سائر البرامج والقنوات أن يعالج مشاكلنا بإخلاص وصدق وجدية فعليه أن يقدم الحلول المناسبة لما يعرضه من قضايا وشبهات وإشكاليات، ومن الخيانة أن يلقي هذه الشبهات في آذان المجتمع ويتركهم ضحية التشتت والتمزق والضياع والوهم من دون أن يقدم لهم الجواب الصحيح لها، فكان عليه أن يستضيف علماء دين ومفكرين واختصاصيين مخلصين وواعين وان كان البرنامج (للنساء فقط) من حيث المواضيع والقضايا لكن علاجها لا يكون بيد النساء فقط، فإن الأنبياء الذين هم أطهر الخلق وأنزههم وأكثرهم صدقاً وإخلاصاً وكان لهم الأثر الفعال في إصلاح البشرية وإسعادها وتنظيم شؤونها كانوا - وهم

ص: 72

مئة وأربعة وعشرون ألفا - كلهم من الرجال، وليس في ذلك منقصة للمرأة فإن لها دوراً مهما تؤديه في فهم قضاياها وتشخيص مشاكلها ووضع الحلول المناسبة لها. خصوصاً وأن عدداً كبيراً من نسائنا قد بلغن من العلم والوعي والثقافة ما يؤهلهن لممارسة هذا الدور المهم.

الذوبان يعني التخلي عن الشريعة الإسلامية:

وإذا عدنا إلى ما طرح في البرنامج فإن الذوبان أمر مرفوض لأنه يعني التخلي عن الهوية الإسلامية على صعيد المظهر والمحتوى، فإن الذوبان يعني خلع الحجاب لأنه من وجهة نظرهم يرمز إلى عنصرية دينية وخروج عن متطلبات المجتمع، ويعني الذوبان الخضوع إلى الأتكيت المتعارف من مشاركة في حفلات ماجنة واتخاذ أخدان وأصدقاء وعلاقات غير مشروعة، وتتسع قائمة مستحقات الذوبان حتى لا تبقى من عناصر شخصية المسلم إلا القشور التي تركن في زاوية مظلمة لا يكاد يمر بها أحد.

معنى الاندماج:

أما الاندماج فهو معنى مطاط ومجمل فيمكن أن يراد منه

ص: 73

نفس مستحقات الذوبان المتقدمة، ويمكن أن يعني حالة من التعايش الايجابي المشترك من دون إلغاء خصوصيات الهوية الإسلامية ولكن أنى يمكن ذلك وهذه الأخبار تتناقل عن قرارات في فرنسا وألمانيا تمنع من ارتداء الطالبات للحجاب، وقد فصلت مذيعة سويدية من التلفزيون لأنها ترتدي الحجاب وفصلت طالبة يهودية في مدرسة مزرعة الشبيبة في القدس لأنها اعتنقت الإسلام وارتدت الحجاب فهم لا يتركوننا وإن تركناهم (وَ لَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَ لاَ النَّصارى حَتّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) (البقرة: 120)(وَ لَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) (البقرة: 145).

والقران الكريم أكد على البينونة بين المجتمع المسلم وغيره والانفصال في العقيدة والسلوك والمظهر.(بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ، لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ، وَ لا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ، وَ لا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ، وَ لا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَ لِيَ دِينِ) (الكافرون: 1-6).

ولا يكون المجتمع مسلماً إلا إذا تميز بكيانه (وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) (التوبة: 71)، أما الاندماج فيتطلب نوعاً من المداهنة والتخلي عن بعض الالتزامات

ص: 74

المطلوبة أمام الله تبارك وتعالى (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) (القلم: 9)(لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) (الإسراء: 74)(لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَ يُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (المجادلة: 22) فهو مرفوض حتى بهذا المقدار، فهل أن الموافقين على الاندماج لهم من الشجاعة والحزم والإيمان الراسخ مقدار يكفي للثبات على حدود الله تبارك وتعالى، أم أنهم يميّعون التزاماتهم تدريجياً.

فيتحول الحجاب الذي هو التزام أمام الله تعالى بالعفة والحياء والشرف بكل ما تقتضيه هذه الخصال الكريمة إلى خرقه قماش تغطي بها جزءاً من شعرها وتربطه على العنق مع قميص ضيق يبين معالم جسمها، وزينة واضحة وخضوع بالكلام وميوعة بالحركات فتشير بكل كيانها إلى الفتنة والإغراء بالمعصية.

ص: 75

وتتحول الصلاة والصوم إلى طقوس عبادية فارغة من المعاني وتؤدى بشكل روتيني لا يعود على الروح بسمو ولا على النفس بتهذيب، وتذوب كل الحواجز التي جعلها الله تعالى حدودا له يميز بها عباده الصالحين وقال عنها (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ) (البقرة: 229).

وحينئذ فإن المرأة المسلمة سوف لا تجد مانعا من الزواج بغير المسلم رغم إن ذلك مضر بدينها ودين ذريتها، وتصطنع له مبررات واهية كعدم احترام الرجل الشرقي للمرأة، وهو من المفارقات المضحكة بل المبكية فهل تجد تكريم الزوجة إلا عند المسلم المؤمن الذي يقول عنه الحديث

(زوّجها من رجل تقي، فإنه إن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها)(1) ، أما الغرب فقد تفشت عندهم الخيانات الزوجية والشذوذ الجنسي الذي هو أكبر خيانة لهذا العقد المبارك المقدس، وقد دلت إحدى الإحصائيات الأخيرة في بريطانيا أن 70% من الأزواج والزوجات خانوا الشريك الآخر وهذه نسبة من اعترفوا ويضاف لهم من لم4.

ص: 76


1- مكارم الأخلاق: ص 204.

يعترف، وتستطيع أن تعقد مقارنة بين نسب حالات الزواج التي انتهت إلى الفشل عندهم وعندنا لترى أينا أكثر نجاحاً، وإذا وجدت حالات سيئة للعلاقات الزوجية في بلادنا فإنها لا تمثل الصورة العامة والمتوقعة من المؤمنين.

ولكي لا أطيل الكلام أجيب باختصار على ما ورد من أسئلة:

علاقة المرأة المسلمة بالغرب:

1 - إن الصحيح في علاقة المرأة المسلمة بالغرب هو عدم الذهاب إلا لضرورة، وعندئذ فإن استطاع المسلمون أن يؤسسوا لهم كيانات ذات أجواء إسلامية داخل مجتمعاتهم بما فيها إنشاء مدارس ومؤسسات ذات هوية إسلامية فيتعين عليهم فعل ذلك، وإلا فليحافظوا على كل تفاصيل التزامهم الديني ولو بالتخلي عن بعض حقوقهم الدنيوية كترك المدارس الحكومية أو الوظائف التي تمنع ارتداء الحجاب، ويتطلب الأمر الاستعداد بالتفّقه في الدين وترسيخ العقيدة والاستماع إلى الموعظة والتذكير بالله والآخرة والموت باستمرار لتكون معبأة ومهيأة بشكل جيد في هذه المواجهة.

ص: 77

2 - زواج المسلمة من غير المسلم باطل ويجب إنهاؤه فور العلم ببطلان العقد والاستمرار فيه بعد العلم ببطلانه حرام ويعني أن العلاقة غير مشروعة ويستلزم الزنا.

3 - على المسلمين المطالبة باحترام هويتهم الإسلامية وإلزام حكومات تلك الدول بما ألزمت أنفسها من الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الاعتقاد والتعبير عن الرأي، فلماذا يحق ذلك لكل أحد إلا المسلمين فأين ما يتشدقون به من هذه العناوين، وإذا أصروا على ارتكاب مخالفة شرعية فلتنسحب من هذه المفاصل الموجبة لذلك ولو بالركون في البيت يعني إذا قرروا منع لبس الحجاب في المدارس الحكومية فليتركوا الدراسة فيها وينشئوا لهم مدارساً أهلية وإلا فليضحوا بالدراسة أصلاً.

4 - ظاهرة البوي فريند قد تناولتها في خطاب تفصيلي سابق ونشر في أحد أعداد مجلة الكوثر وهي بالشروط التي دعا إليها بعض المسلمين كالزنداني رئيس الجامعة في اليمن فهي عين الزواج المؤقت الذي ثبت مشروعيته في الكتاب والسنة، غير أنهم يجبنون عن التصريح بضرورة إحياء هذا الحكم الشرعي المعطل ويلتفون عليه بهذه الاقتراحات رغم علمهم أن

ص: 78

أي تشريع لا يستند إلى دليل وحجة كافية أمام الله تبارك وتعالى فإنه يعني الشرك ومزاحمة الله تبارك وتعالى في سلطانه (فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء: 65).

اللهم ارزقنا توفيق الطاعة وبعد المعصية والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

محمد اليعقوبي

23 رمضان 1424

2003/11/18

ص: 79

ص: 80

الفصل الخامس: المرأة تشارك الرجل في أهم قضايا الأمة

اشارة

ص: 81

ص: 82

المرأة تشارك الرجل في أهم قضايا الأمة(1)

ميراث العقيلة زينب عليها السلام:

قال المرحوم السيد صالح الحلي:

قد ورثت زينب من أمّها *** كلّ الذي جرى عليها وصار

وزادت البنت على أمها من دارها تُهدى إلى شرّ دار

وقال المرحوم السيد رضا الهندي:

بأبي التي ورثت مصائب أمها *** فغدت تقابلها بصبر أبيها

لم تلهو عن جمع العيال وحفظهم بفراق أخوتها وفقد بنيها

لم ترث العقيلة زينب (سلام الله عليها) سيدة البيت النبوي بعد أمها فاطمة عليها السلام سيدة نساء العالمين من أمها مصائب بالمعنى

ص: 83


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع مواكب العزاء التي تجمّعت في النجف الأشرف لتنطلق في مسيرة عزائية مشياً على الأقدام من الكوفة يوم الثلاثاء 11 /رجب/ 1432 المصادف 2011/6/14 إلى كربلاء المقدسة لإحياء ذكرى وفاة العقيلة زينب سلام الله عليها وزيارة النصف من رجب.

المتعارف بل ورثت مواقف خالدة يعجز أشجع الرجال وأشدهم صلابة عن تحملها.

الأدوار الرسالية للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام:

كانت فاطمة سلوة أبيها صلى الله عليه و آله في محنته وسنده الذي يأوي إليه خلال عمر الرسالة: تُؤنسه وتزيل عنه الهموم وتخفّف عنه الآلام وهكذا كانت العقيلة زينب لأبيها أمير المؤمنين عليه السلام بعد أمها فاطمة ولأخيها الحسين ولولده السجاد عليه السلام.

هُجّرت فاطمة قسراً من مكة مع أبيها صلى الله عليه و آله وأرغموها على مفارقة وطنها وأهلها، وهاجرت العقيلة زينب مع أخيها الحسين عليه السلام من مدينة جدهم رسول الله صلى الله عليه و آله إلى مكة ثم إلى العراق بسبب ظلم يزيد وتعقبه للإمام بالقتل.

شاركت الزهراء عليها السلام مع أبيها صلى الله عليه و آله في ميادين الجهاد تضمّد جراح أبيها وتمسح علق الدم عن ذي الفقار، سيف زوجها أمير المؤمنين عليه السلام أُحد والأحزاب وكذا العقيلة زينب عليه السلام شهدت مع أخيها الحسين عليه السلام كربلاء، وما أدراك ما كر بلاء وما تلاها.

وقفت الزهراء عليه السلام في مسجد أبيها صلى الله عليه و آله تدافع عن إمامها

ص: 84

أمير المؤمنين عليه السلام وتثبّت الحق لأهله، وترد على الافتراءات بالحجج الدامغة، لتصحيح المسيرة وتحمي الدين وأهله من الضلال والانحراف، ووقفت العقيلة زينب عليه السلام في الكوفة والشام وكل مراحل السبي وألقت الخطب الرصينة لتفضح المدّعين لخلافة المسلمين زوراً، الذي لا يتورعون عن ارتكاب أفظع الجرائم وانتهاك أعظم المقدسات ومنها قتل ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله.

صور المقارنة بين السيدة الزهراء والعقيلة زينب عليهما السلام:

وصور المقارنة كثيرة، لكن الذي جرى على العقيلة في كل هذه المواقف أمضّ وآلم مما جرى على الزهراء عليها السلام، فإن الزهراء عليها السلام لم تُسبَ من بلد إلى بلد لتُهدى إلى شر خلق الله تعالى، وكانت حرمتها محفوظة عندما خرجت إلى المسجد، ولم تحرق خيامها وتفرّ في البيداء، وغيرها من المصائب التي صارت أعظم غصة في قلوب أهل البيت عليهم السلام وأشدها إيلاماً.

إن موقف الزهراء عليه السلام لم يكن يستطيع أحدٌ أن يؤديه حتى أمير المؤمنين عليه السلام لأن خصومه سيقولون عنه أنه شاب

ص: 85

مغامر يهوى السلطة والنفوذ على مشايخ قومه فيخلطون الأوراق وتضيع الحقيقة، لكن الزهراء عليها السلام كانت فوق أي تهمة أو إشكال، وما ثبت حق أمير المؤمنين وإمامته بعد رسول الله صلى الله عليه وآله لو لا تلك النهضة الفاطمية المباركة.

وهكذا العقيلة زينب فإن مبادئ الإمام الحسين عليه السلام وأهداف حركته المباركة ما كانت لتعرف وتنتشر لولا خطب العقيلة زينب التي كانت غاية في المتانة والوضوح والحجة البالغة، فإن الإعلام الأموي كان من القوة والتأثير بدرجة تقلب الحقائق تماماً، وقد جعلوا من الحسين عليه السلام وأصحابه مجموعة من الخارجين على الدولة المتمردين على النظام المطالبين للشغب والفتنة فاستحقوا القتل، وهكذا تذهب دماؤهم هدراً في الصحراء حيث لا ناقل للحقيقة إلاّ الجيش الأموي الظالم المجرم.

إن قضية (الإمامة) والخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه و آله وهي أعظم قضايا الإسلام بعد التوحيد، وأخطرها وامضاها تأثيراً في الأمة تولّت بيانها وإرساء قواعدها، ونفي الزيف عنها امرأتان هما فاطمة الزهراء عليه السلام سيدة نساء العالمين وابنتها زينب عقيلة الهاشميين.

ص: 86

والنتيجة التي نريد أن نصل إليها ان للمرأة دوراً لا يقلّ عن الرجل في التصدي لأخطر قضايا الأمة وأعظم التحديات التي تواجهها جنباً إلى جنب الرجل، ولا تقعد بها همتها لمجرد أنها امرأة، لكن طبعاً مع مراعاة الدور الذي يناسبها، وساحة العمل التي تتحرك فيها.

تحديات المرأة في الواقع المعاصر: الطلاق نموذجاً:

والمجتمع يواجه اليوم مشاكل وتحديات كثيرة يكون للمرأة دور مهم في مواجهتها كقضية تبليغ الأحكام الشرعية ونشر تعاليم مدرسة أهل البيت عليهم السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم الناس أمور دينهم، فإن الجهل قد تفشى وخفيت على الناس خصوصاً النساء أكثر مسائل الحرام والحلال وضوحاً، وفي ذلك مخالفة صريحة لما أراده الله ورسوله والأئمة المعصومون (سلام الله عليهم أجمعين).

وللمرأة دور في إنقاذ المجتمع من مشاكله وعقده الاجتماعية ومنها ظاهرة الطلاق التي ازدادت بشكل مرعب في السنوات الأخيرة، حيث تشير احصائيات بعض المحاكم إلى بلوغها نسبة 30% أو 40% أي أن ثلث حالات الزواج تقريباً تنتهي

ص: 87

إلى الطلاق، وهذه نتيجة مقلقة لأن الله تعالى يبغض الطلاق بقدر حبّه للزواج، وقد جاء في الحديث عن الإمام الباقر عليه السلام قال:

(قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما بني بناء في الإسلام أحب إلى الله عز وجل من التزويج)(1) فالطلاق تهديم لأحب بناء إلى الله عز وجل، وآثاره الاجتماعية السيئة على المجتمع وخصوصاً الأطفال مما لا يخفى على أحد.

فلابد من حركة واسعة يشترك فيها الرجال والنساء ممن يغضبون لغضب الله تبارك وتعالى، ويحبّون ما يحبّه الله تعالى، لإجراء استبيان شامل ومعرفة أسباب تزايد هذه الظاهرة، ومنها ما يعود إلى ما قبل الزواج كعدم حسن الاختيار بسبب عدم ملاحظة العناصر الحقيقية لبناء زوجية صالحة سواء في الرجل حيث ورد الحديث

(إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلاّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)(2) وورد في اختيار الزوجة عن النبي صلى الله عليه وآله

(ما استفاد امرئ مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسرّه إذا نظر إليها وتطيعه1.

ص: 88


1- وسائل الشيعة، كتاب النكاح، أبواب المقدمات، باب 1، ح 4.
2- وسائل الشيعة، كتاب النكاح، أبواب المقدمات، باب 28، ح 1.

إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله).(1)

أما بناء الزواج على المال الكثير أو الوظيفة الجيدة أو الجمال الظاهري من دون ملاحظة الدين وحسن الخلق والعفاف والمعدن الطيب والأسرة الكريمة فهو أصل المشاكل.

أما القسم الثاني من الأسباب فهو ما حصل بعد الزواج من سوء الاستغلال الرجل لقيمومته على المرأة وتأثره بالتقاليد الاجتماعية من ضرورة التشديد على المرأة إلى حد الظلم. أما من جانب المرأة فقد يكون السبب عدم صبرها على ظروف زوجها وعدم تقديرها لحاله، أو المبالغة في بعض السلبيات أو نقل أخبار بيتها إلى أهلها وتدخلهم في شؤونها، أو اعتدادها بنفسها إلى حد التعالي على زوجها ونحوها من الأسباب.

وعلى أي حال فالقضية خطيرة وتستحق الكثير من الوقت للتأمل والدراسة والتشخيص ووضع الحلول، والسعي والحركة تشارك فيها قطاعات واسعة من الحوزة الدينية والقضاة والباحثين الاجتماعيين والنفسيين والأطباء وغيرهم.

وما أعظم أن يغضب الانسان لغضب الله تبارك وتعالى0.

ص: 89


1- وسائل الشيعة، كتاب النكاح، أبواب المقدمات، باب 9، ح 10.

ويرضى لرضاه (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) (آل عمران/ 195).

ص: 90

ربيبة القرآن العقيلة زينب عليها السلام تعيد للأمة بصيرتها

فقدان البصير سمة المجتمع غير الإيماني:

يستفاد من القرآن الكريم أن من سمات المجتمع البعيد عن التربية الإيمانية هو فقدان البصيرة والقدرة على تمييز الحق من الباطل، وانقلاب موازين النظر عنده في الأمور كلها.

ولنأخذ مثالاً على ذلك حيث نجد المجتمع الجاهلي البعيد عن النظرة الإلهية يعيش لدنياه ويراها غاية أمله فيصارع من أجل الاستزادة منها (وَ قالُوا ما هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ) (الجاثية/ 24).

لكن المجتمع الرباني يعتقد بوجود الآخرة ويعمل لها لأنها الحياة الباقية، ويرى الحياة الدنيا مزرعة، قال تعالى (وَ ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ لَهْوٌ وَ لَعِبٌ وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (العنكبوت/ 64).

والمورد الآخر اغترارهم بما عندهم من قوة وإمكانيات ماديّة هائلة فيظنون أنهم الرب الأعلى المدبّر لأمور الناس

ص: 91

(وَ قالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ) (الشعراء/ 44).

أما المنطق الرباني فيؤكد حقيقة (وَ لِلّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (المنافقون/ 8) و (أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً) (البقرة/ 165) ويصف أولئك المغرورين بأنّهم (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَ إِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (العنكبوت/ 41).

التحذير من فقدان البصيرة:

وقد حذّر رسول الله صلى الله عليه و آله أمته من الرجوع إلى هذه الحالة بعد أن أنقذهم الله تعالى بالإسلام، ووقوعهم مرة ثانية في فتنة فقدان البصيرة وإنقلاب موازين النظر في الأمور واعتبرها صلى الله عليه و آله الحالة الأشد خطورة من وقوع المنكر والفساد نفسه، ففي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام قال:

(قال النبي صلى الله عليه و آله: كيف بكم إذا فسدت نساءكم وفسق شبابكم ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟ فقيل له: ويكون ذلك يا رسول الله صلى الله عليه و آله؟ فقال: نعم وشرُّ من ذلك كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟ فقيل له يا رسول الله ويكون ذلك؟ قال: نعم وشرُّ من

ص: 92

ذلك، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً).(1)

تصحيح المفاهيم المقلوبة:

وقد وقعت الأمة في هذه الفتنة بعد رسول الله صلى الله عليه و آله وبلغت ذروتها في عهد يزيد بن معاوية، ولهذا كان من الأدوار المهمّة التي أدّتها ربيبة القرآن والنبوّة والإمامة العقيلة زينب عليه السلام هي إعادة الأمة إلى وعيها وبصريتها، وتصحيح موازين النظر عندها، ولنأخذ مثالاً على ذلك جانباً من خطابها، فقد كان يزيد وابن زياد وأزلامهم يعتقدون أنّهم هم المنتصرون فأخذتهم سكرة الغلبة ونشوتها كما وصفتهم العقيلة زينب

(فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك جذلان مسروراً، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة والأمور متّسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا)(2).

وتصبح مشكلة المفاهيم المقلوبة أخطر حينما تُستغل لخداع الناس وتُجعل دليلاً على شرعية حكم أولئك الطواغيت وسلطتهم، وهذا ما نبّهت إليه العقيلة زينب (صلوات الله عليها)

ص: 93


1- وسائل الشيعة، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أبواب الأمر والنهي، باب 1 ح 12.
2- الاحتجاج: ج 2 ص 123، والبحار: ج 45 ص 157.

(أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نُساق كما تُساق الإماء أنّ بنا على الله هوناً وبك عليه كرامة!! وأنّ ذلك لعظيم خطرك عنده، فمهلاً مهلاً، أنسيت قول الله عز وجل (وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) (آل عمران/ 178)(1).

السيدة زينب عليها السلام تبين من هو المنتصر الحقيقي:

فهي (سلام الله عليها) لم تكتفِ بالإدلاء بحقيقة أنّ هذا ملكنا وسلطاننا خاصة ونحن أحقّ بالأمر من هذا الظالم المدّعي، ولكن فضحت هذه الأساليب لخداع الناس بأنّ هؤلاء المتسلّطين هم أصحاب الحق، ولا يزال إلى اليوم من يموّه على الناس ويكتسب شرعيته من كثرة الأتباع وشهرة العنوان وإغداق الأموال لفرض الأمر الواقع وإقناعهم بأنّ سلطته شرعية وإبعاد الحق عن أهله.

فتواجه العقيلة زينب الطاغية يزيد بالحقيقة الدامغة وبيان المنتصر الحقيقي (فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك،

ص: 94


1- الاحتجاج: ج 2 ص 123، والبحار: ج 45 ص 157.

فوالله لا تمحونَّ ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك أمدنا، ولا ترخص عنك عارها. وهل رأيُك إلاّ فند، وجمعك إلاّ بدد، يوم ينادي المنادي: ألا لعنة الله على الظالمين فالحمد لله الذي ختم لأوّلنا بالسعادة والمغفرة ولآخرنا بالشهادة)(1).

ووقفت نفس الموقف في الكوفة أمام الطاغية عبيد الله بن زياد حينما قال شامتاً:

(الحمدُ لله الذي فضحكم وقتلكم وأبطل أحدوثتكم).

فتصدت له بشجاعة وبلاغة أخذتهما من أبيها أمير المؤمنين

عليه السلام قائلة: (الحمدُ لله الذي أكرمنا بنبيّه، وطهّرنا من الرجس تطهيرا، إنما يُفتضح الفاسق ويكذب الفاجر، وهو غيرنا يا بن مرجانة)(2).

وحاول أن يغطي فشله وهزيمته بمزيد من الشماتة قائلاً: (كيف رأيتِ صنع الله بأخيكِ) فأجابت (سلام الله عليها):

(ما رأيتُ إلاّ جميلاً، هؤلاء قومٌ كتب الله عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتُحاجَّ وتخاصم، فانظر لمنق.

ص: 95


1- السابق.
2- السابق.

الفلح يومئذٍ، ثكلتك أمّك يا بن مرجانة).

هكذا أعادت العقيلة زينب الأمور إلى نصابها وبيّنت من هو المنتصر الحقيقي وهزمت هؤلاء الطواغيت وجيوشهم الجرّارة التي غلبت بالسيف لكنّها هُزِمت بالبيان والحجة الدامغة فقلبت أفراحهم أحزاناً.

علينا أن نستفيد من الدرس الزينبي:

وعلينا نحن أن نستفيد من هذا الدرس الزينبي ونُصحِّح جملة من المفاهيم والرؤى والنظريات التي أُريد بها خداع الناس وتسييرهم بالاتجاه الذي يريده أصحاب تلك الأجندات الهدّامة، ولنأخذ على ذلك مثالاً من عالم المرأة ممّا حاولوا به خداعها ودفعوها إلى ما يريدون من الانحلال والفساد ومزاحمة الرجال وترك وظيفتها الأساسية في بناء الأسرة الصالحة وتنشئة الجيل الصالح وهو شعار (المساواة).

أبواق المساواة بين الرجل والمرأة:

فهل المساواة مطلب عقلائي؟ وتعبير آخر هل إن المساواة حق دائماً؟ والجواب هو النفي، نعم إذا كان المطلوب مساواة الرجل والمرأة بالاستحقاق والجزاء فهذا حق وقد كفله

ص: 96

الشارع المقدّس (أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) (آل عمران/ 195)(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ) (الحجرات/ 13) سواء كان ذكراً أو أنثى.

فلسفة التمايز بين الرجل والمرأة:

أما إذا أرادوا بالمساواة مماثلة المرأة للرجل في الوظائف والأعمال التي يؤديانها فهذا مطلبٌ غير عقلائي، بل فيه ظلمٌ للمرأة، لأن طبيعة خلقها وفسيولوجيتها وسايكولوجيتها تنسجم مع وظائف غير ما كُلّف به الرجل، فالمساواة هنا من الظلم وليس من العدالة، ومثله كمثل الطبيب الذي يعطي نوعاً واحداً من الدواء إلى مرضى متنوعين، وكالمدرّس الذي يعطي درجة واحدة لكل طلبته في الامتحان مع تفاوت إجاباتهم، وهذا هو الظلم بعينه والمطلوب تحقيق العدالة وهي قد تقتضي المساواة وقد لا تقتضي المساواة بحسب الموارد وهذا ما كفلته الشريعة المقدسة، فلو أعطينا للولد ميراثاً بقدر البنت لكان ظلماً، لأن الرجل هو الذي يصرف على المرأة ويكفل لها كل احتياجاتها فهي تشاركه في حصته، ولا يشاركها في حصتها فكيف يتساويان في الاستحقاق.

ص: 97

فهذه المراعاة لتكوين كل من الرجل والمرأة وطبيعة وظائفهما مما تقتضيه الفطرة، وجرت عليه سيرة العقلاء، ويشهد به الواقع وخذ نماذج عشوائية من تركيبة مجتمعات الغرب المدعيّة للتحضّر وانظر هذه المراعاة، كتشكيلة الحكومة أو عدد الطيارين أو عدد قادة الوحدات العسكرية وقيادات الجيش وانظر نسبة النساء إلى الرجال ستجدها ضئيلة فأين المساواة التي يريدون تسويقها إلينا؟

مصطلح سن اليأس:

وبهذه المناسبة نشير إلى مصطلح متداول يخصّ المرأة وهو (سنّ اليأس) الذي يراد به عمر الخمسين للمرأة وتُسمى المرأة باليائس، وهو قد يكون له منشأ صحيح حيث يحصل فيه اليأس من الإنجاب لانقطاع الدورة الشهرية، إلاّ أنّ هذا العنوان اخذ على إطلاقه وكأنّه سن اليأس من الحياة، مما ولّد شعوراً عندها بالإحباط وفقدان الأمل وأنّها أصبحت لا قيمة لها وانتهى دورها في الحياة وأحيلت على التقاعد كما يُقال، فتعتريها أعراض نفسية وعصبية قد تفاقم المشكلة عليها، وهذه الأعراض ليس لها أصلٌ فسيولوجي أو عضوي كما يشهد به الأطباء، أي

ص: 98

أن بلوغ المرأة هذا العمر لا يصاحبه أي تغيير في جسمها يقتضي هذه الأعراض، وإنما هي نتائج صنعتها المرأة بنفسها بسبب ذلك الشعور الذي غذاهُ المصطلح البائس.

فالأليق أن يُسمى هذا العمر للمرأة (سن الكمال والنضج وتمام الرشد) لاكتمال تجربة المرأة في الحياة بعد أن تكون قد ربّت جيلاً كاملاً وتعلّمت الكثير، وهو سن التفرغ لنفسها ولآخرتها ولزوجها بعد أن انتهت من وظائف الحمل والإنجاب والتربية، وشبّ أبناؤها وبناتها فهم يعينونها على قضاء حوائجها فهذا العمر فرصة مثمرة لكي يجتمع الزوجان من جديد على حياة زوجية يتفرغان لبعضهما ويلتفتان لآخرتهما وينشغلان لما يقرّبهما إلى الله تعالى من الطاعات والقربات مما لم تكن مشاغلهما السابقة تسمح لهما بها، كالسفر لأداء الحج والعمرة وزيارة المعصومين (صلوات الله عليهم) والصلاة المستحبة والصوم وقضاء ما فات ومطالعة الكتب، والمساهمة في الأعمال الخيرية والتبليغ الديني والوعظ والإرشاد وغيرها من فرص الكمال.

ص: 99

ص: 100

الفصل السادس: الأربعون حديثاً في قضايا المرأة

اشارة

ص: 101

ص: 102

الأربعون حديثاً في قضايا المرأة(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله كما هو أهله وصلى الله على رسوله والأئمة الميامين من آله وسلم تسليماً كثيراً.

فضل من حفظ أربعين حديثاً:

في الخصال للصدوق (رحمه الله)(2) أن مما أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً أمير المؤمنين قوله صلى الله عليه واله وسلم:

(يا علي من حفظ من أمتي أربعين حديثاً يطلب بذلك وجه الله عز وجل والدار الآخرة حشره الله يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً)(3).

ص: 103


1- محاضرة ألقاها سماحة الشيخ اليعقوبي يوم 13 /ج 1424/2 المصادف 2003/8/12 لافتتاح أسبوع المرأة المسلمة بمناسبة مولد الصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام في 20 جمادى الثانية.
2- الخصال: 543.
3- الوسائل: ج 27 ص 95.

اسبوع المرأة المسلمة:

وكان هذا الحديث حافزاً لأن يؤلف علماؤنا الكثير من الكتب تحت عنوان (الأربعون حديثاً) في شتى العلوم والفنون، وبمناسبة مولد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام يوم الثلاثاء المقبل والذي هو أفضل مناسبة ليكون يوم المرأة المسلمة، تجدد الأمة النظر في قضايا المرأة وما ينبغي أن نفعله لتأخذ المرأة بموقعها الكريم الذي جعلها الله تبارك وتعالى فيه، وإعادة تقييم عملنا في هذا الاتجاه.

ولأهمية هذا الموضوع وغفلة العلماء والمفكرين - في مجتمعنا على الأقل - عن البحث فيه، ارتأينا تعطيل الدراسة في الأسبوع المقبل والتفرغ لإحياء أسبوع للمرأة المسلمة وعدم الاكتفاء بيوم واحد.

مفاسد تحققت نتيجة اهمال دور المرأة في المجتمع المسلم:

وسأعرض بخدمتكم وبمقدار ما يتسع له الوقت عدداً من قضايا المرأة التي يمكن أن تكون محاور لفعاليات هذا الأسبوع من ندوات ومحاضرات وغيرها، وعليكم إيصالها إلى الأربعين لنكون ممن عمل بالحديث النبوي الشريف المتقدم، وإذا قدر

ص: 104

لمساهماتكم أن تجمع وتنقح لتطبع في كتاب أو أكثر يكون خطوة أولى في طريق سد هذه الثغرة في حياتنا والتي أدت إلى عدة مفاسد منها:

1 - تعطيل هذه الشريحة التي تمثل نصف المجتمع عن أداء دورها الرسالي العظيم للأمة وفي ذلك خسارة جسيمة.

2 - تمرير الغرب لمؤامرته في تدمير عقيدة المجتمع وأخلاقه من خلال تشويه صورة المرأة في الإسلام ومن خلال التلويح بمصطلحات براقة خادعة كحرية المرأة ومساواتها للرجل.

3 - نفور عدد من النساء من الشريعة وأهلها بسبب عدم فهم وجهة نظر الشريعة، أو سوء التطبيق لجملة من إحكامها كقيمومة الرجل على المرأة، أو تنصيف حصتها في الميراث والشهادة ونحوها.

4 - كثرة المشاكل وتعقيد الحياة بسبب عدم فهم المرأة لدورها وما هو المطلوب منها؟ وما هي الأولويات التي يجب عليها الاهتمام بها؟ فمثلاً تتصور أن أهميتها تكمن في غلاء مهرها؟ أو منافستها لقريناتها في ارتداء احدث الموديلات، أو قابليتها على اجتذاب الجنس الآخر وغيرها من المفاهيم الخاطئة.

ص: 105

نقاط لإثارة الأبحاث حول المرأة:

لذا احتجنا إلى حملة واسعة للنهوض بواقع المرأة والبلوغ بها إلى ما نطمح إليه بأن تكون بالصورة التي أرادها الله تبارك وتعالى لها.

واليكم عناوين هذه القضايا مع إثارة بعض النقاط حولها:

1 - الأحكام المختصة بالنساء، وهو بحث فقهي يستقرئ الرسائل العلمية للفقهاء، ويسجل الأحكام الشرعية الخاصة بالنساء على مستوى الواجبات والمستحبات والمحرمات والمكروهات من أول الفقه إلى آخره وقد ألف في هذا الباب كتاب (فقه المرأة المسلمة) ابتداءً من الاجتهاد والتقليد حيث لا يجوز للمرأة التصدي لبعض المواقع، إلى نهاية الديات حيث إن دية المرأة نصف دية الرجل في الجنايات التي تزيد على ثلث الدية الكاملة، وعزل هذه الأحكام يكون فيه إلفات نظر المرأة وشدة الاهتمام بها، لذا رأينا إقبال النساء الشديد على اقتناء هذا الكتاب.

2 - فلسفة تشريعات المرأة: يتناول البحث فيه العلل والحِكَم وراء تلك الأحكام المختصة بالنساء وقد يكون اتجاه البحث فيه اجتماعياً أو اقتصادياً أو فسلجياً أو أخلاقياً، فنعلل

ص: 106

لماذا شهادة المرأة نصف شهادة الرجل ولماذا جاز تعدد الزوجات ولماذا حصّتها من الميراث نصف حصة الرجل ولماذا لا يجوز مجامعة المرأة في الحيض وهو بحث فسلجي يراجع فيه مثل كتاب الطب محراب الإيمان وهكذا.

وقد ذكر المعصومون عليهم السلام عدداً من الأجوبة عليها في كتاب (علل الشرائع) و (وسائل الشيعة) وغيرها وتوجد في بعض الكتب الفكرية عدة حكم لها ككتاب (ما وراء الفقه) لسيدنا الأستاذ الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) وكتاب (شبهات حول الإسلام) لمحمد قطب وفي تفسير الميزان للسيد الطباطبائي (رضي الله عنه) وتفسير (في ظلال القرآن) للمرحوم سيد قطب ولهذا البحث أهمية في تصحيح النظر إلى مثل هذه التشريعات التي استغلها أعداء الإسلام لتضليل أبنائه وإقناعهم بنبذه والإعراض عنه.

3 - قيمومة الرجل على المرأة: قال تعالى (الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ) (النساء: 34) ورغم أن القيمومة للرجل مسألة إدارية تنظيمية؛ لأن الأسرة تجمُّع يشكل نواة المجتمع فلا بد من رأس يديرها، وقد ذكرت الآية علة إعطاء هذا الموقع للرجل، وأنه يرجع إلى سببين أولهما ذاتي يعود إلى نفس تركيبة الرجل

ص: 107

الفسلجية والنفسية والعقلية وثانيهما الموضوعي فإن الرجل غالباً هو المنفق على الأسرة ويدبر شؤونها.

لكن الكثير حولوا هذه المسألة الفنية إلى ظلم وتعسف واستبداد بسوء تطبيقهم مما انعكس سلبياً على فهم هذا التشريع.

4 - حرية المرأة: من المصطلحات المجملة التي طبل لها أعداء الإسلام كثيراً هي الحرية والمطالبة بحرية المرأة ورفض القيود عليها، وهم لا يريدون بالحرية إلا الانفلات من كل الضوابط والانصياع وراء الشهوات الحيوانية والانغماس في اللذات، وهي عين العبودية للنفس الأمارة بالسوء فإن الحرية الحقيقية في التحرر من عبودية ما سوى الله تبارك وتعالى من آلهة الجاهلية الحديثة المعقدة التي اشرنا إليها في كتاب (شكوى القرآن) وغيرها.

ولو سألتهم هل تريدون بالحرية عدم الخضوع إلى القانون وتنفيذ كل ما يريد الشخص ولو على حساب الآخرين؟ فسيقولون لا إذ أن حرية الشخص تنتهي عند حقوق الآخرين، فلا بد من قانون إذن ينظم حياة البشر ويوزع الحقوق والواجبات، هذا القانون نراه هو الشريعة التي وضعها خالق البشر وصانعهم والعارف بما يصلحهم، لا القوانين الوضعية التي يضعها

ص: 108

نفس الإنسان الناقص التائه العاجز، ولا تتحقق السعادة إلا بالتسليم المطلق لأوامر الشريعة الإلهية (فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء: 65).

5 - المرأة والتعليم: لا يوجد ما يدل على منع المرأة من التعليم بل على العكس، فإن المرأة كالرجل مشمولة بمئات الآيات والروايات التي حثت على طلب العلم النافع والتدبر في آيات الله والتفكير فيها وتفضيل أهل العلم على غيرهم درجات، لكن لا بد من تعيين الآليات المناسبة لتعليم المرأة بما يصون عفتها وحجابها ولا يجعلها فتنة للآخرين، ومن دون أن تخل بمسؤولياتها تجاه زوجها وأطفالها، وأن تقنن العلوم التي تدرسها بما يناسب حاجتها ورسالتها ويمكن تقديم عدة أطروحات وأفكار في هذا المجال.

6 - الأسوة الحسنة للنساء: مما لا شك فيه ارتباط النظرية بالتطبيق فإن الكلام مهما كان ناضجاً ومتكاملاً، فإنه إذا لم يجسده لا يكون مؤثراً وأي تصرف سلبي ينعكس سلبياً على النظرية لذا تشوهت صورة الإسلام حين تصدى للخلافة ناس منحرفون.

ص: 109

من هنا ورد التأكيد المستمر على ضرورة اقتران العلم بالعمل وكانت من العناصر المهمة في التربية الأسوة الحسنة التي تجسد النظرية على ارض الواقع كما قال الإمام عليه السلام: (كونوا لنا دعاة صامتين) قال تعالى:(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (الأحزاب: 21)، ولك أن تتعرف على هذه الأهمية من خلال بحث (حاجتنا إلى الأسوة الحسنة) المنشور في كتاب (نحن والغرب).

ويزخر تأريخ الإسلام بعدد وافر من نساء الأسوة الحسنة وعلى رأسهن الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام وزينب العقيلة وأم المؤمنين خديجة ومريم بنت عمران وفاطمة بنت أسد وأم عمارة نسيبة بنت كعب الأنصارية والشهيدة بنت الهدى وغيرهن وقد عرضت سيرة بعضهن في مجموعة روايات بعنوان (هدى والطواهر) يتحرى من كل واحدة منهن خصلة حميدة.

7 - المساواة بين الرجل والمرأة: فقد خدع الأعداء كثيراً من أبنائنا بهذه الدعوى من دو ن أن يعرفوا بدقة مغزاها، ويتخبّطون بمجرد أن نسألهم عن معنى المساواة وهم بأنفسهم يحجبون المرأة عن كثير من الأعمال والمسؤوليات التي لا تناسب المرأة، ولا يفرقون بين المساواة والمماثلة، فإن الإسلام

ص: 110

هو مؤسس العدل والمساواة إلا أن ذلك لا يعني المماثلة في الحقوق والواجبات.

وأضرب لذلك مثالاً فلو أن رجلاً يملك أموالاً وعقارات ومعامل فأراد أن يوزع ممتلكاته بالتساوي فقد يعطي لأحدهم نقداً ولآخر عقارات بنفس القيمة ولآخر معامل بنفس القيمة مراعياً حال كل منهم وما يناسبه وما يحسنه من أعمال، فهل يؤاخذ الأب على ذلك أم يحمد لأنه ساوى بين أولاده، وبالشكل الذي يصلحهم وان لم يماثلهم في العطاء، فهكذا فعلت الشريعة تساوي الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات وان لم يتماثلوا فيها.

8 - الخطابة النسائية بين الواقع والطموح: لا يخفى ما للمنبر الحسيني وشبهه من دور عظيم في توعية الأمة وتثقيفها وتزويدها بعقيدتها وحمايتها من الانحراف لذا اهتم به المعصومون عليهم السلام وحافظوا على وجوده وكانت وصية الإمام الباقر عليه السلام أن تندبه النوادب عشر سنين في منى، وكان لهذا الفعل أثره في نشر مظلومية أهل البيت وتقويض أسس الدولة الأموية، لكن الملحوظ أن أداء المنبر النسائي ضعيف وشكلي فما هي أسباب تراجعه عن أداء دوره؟ وكيف تنهض به ليمارس

ص: 111

دوره الرسالي في عالم المرأة؟ ويوجد كتاب يحمل هذا العنوان (الخطابة النسائية بين الواقع والطموح).

9 - المرأة بين الإسلام والأنظمة الوضعية: دراسة تأريخية يقارن فيها بين نظرة الإسلام للمرأة ونظرة الأيديولوجيات والنظم الأخرى ليجد في النهاية أن المرأة ما كرمت ولا أعطيت المكانة اللائقة إلا في الإسلام، ومن مصادر هذا البحث: المرأة في القرن العشرين والمرأة في الإسلام للعقاد وتفسير الميزان في أول سورة النساء.

10 - تعدد الزوجات: وهو موضوع صوَّره الأعداء وكأنه ظلم للمرأة وتجاوز على عواطفها فنفروا المرأة من الشريعة بسببه، فما فلسفة هذا التشريع؟ وما هي الحكمة وراءه؟ والمشاكل التي يعالجها هذا التشريع؟ وكيف اضطرت الكثير من الأمم إلى إباحته بعد أن منعته لما وجدت أن المنع أدى إلى تدمير كيان المجتمع وانحلال روابطه، راجع تفسير الميزان وفي ظلال القرآن وشبهات حول الإسلام لمحمد قطب والمرأة في الإسلام وغيرها.

11 - جمال المرأة: لقد اقنع الأعداء المرأة بأن جمالها في لبسها افخر الثياب وأغلاها أو وضعها للزينة الصارخة أو شكل

ص: 112

تسريحة شعرها أو المبالغة في إبداء مفاتنها، فحولوا المرأة إلى دمية تتفنن دوائر الإفساد العالمي في صنعها وإخراجها وليس لها إلا التسليم والإذعان.

أما الإسلام فيرى أن الجمال الحقيقي للمرأة في عفتها وحيائها وحجابها وسترها عن أعين الرجال، وفي تقواها وتدينها قال تعالى - مشيراً إلى أن اللباس الحقيقي الذي يزين الإنسان هو التقوى -:(وَ لِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) (الأعراف: 26)، وتستطيع تلك المرأة المغلوب على أمرها أن تستقرئ أذواق الرجال لترى أنهم إلى أي المرأتين أشد ميلاً وأكثر إعجاباً فستجدهم يختارون المرأة المحتشمة العفيفة الممتنعة عن الرجال، ويشترك في هذه النظرة المؤمنون والفسقة من الرجال.

مع موعظة للمرأة المغترة بجمالها مما يدفعها إلى معصية الله تبارك وتعالى بأن هذا الجمال زائل، وقد يكون زواله سريعاً لتعرضها لحادث سيارة أو حرق ونحوها مما هو محتمل ووارد وكم امرأة كان جمالها وبالاً عليها وعلى زوجها وأدى إلى طغيانها واستعلائها وتفكك أسرتها وتوجيه النصيحة إلى الشباب الذين يبحثون عن أوصاف مثالية في المرأة التي يريدون الزواج منها فلا يجدونها مما يؤدي إلى تعطيلهم وتعطيل النساء

ص: 113

وحصول مفسدة كبيرة، وقد ذكرنا في مناسبة(1) 1) سابقة أن هذا العزوف هو من النتائج التي يريد أولياء الشيطان إيصال شبابنا إليها بنشر صور من يسمونهن بالحسناوات في الصحف والمجلات وقد عالج الشرع المقدس ذلك بالأمر بغض البصر عن ما حرم الله تعالى.

12 - كيف تحقق المرأة حياة زوجية سعيدة: إن الزواج سنة إلهية تتناغم مع متطلبات الفطرة والحاجات الإنسانية ويطمح كل من الجنسين بالارتباط بالآخر لتكتمل شخصيته ويؤدي دوره في الحياة بشكل فاعل، ولكي تكون حياة زوجية سعيدة لا بد من توفير عدة صفات في المرأة بيّنها المعصومون عليهم السلام ويمكن استخلاصها من الروايات ومن تجارب الآخرين وتأملات المفكرين، راجع كتاب وسائل الشيعة والجزء السادس من (ما وراء الفقه)

13 - ولاية الأب على تزويج الباكر: ما هي فلسفتها وأهميتها الاجتماعية؟ وهل ذلك مصادرة لحرية المرأة أم حماية).

ص: 114


1- راجع كتاب (الزواج والمشكلة الجنسية) وهو الحلقة العاشرة من سلسلة (نحو مجتمع نظيف).

لها من اختيار الرجل غير المناسب؟ وهل هي ثابتة للأب مطلقاً أم في ظروف معينة وهل للبنت حصة في هذا الاختيار أم لا؟ ولماذا تختص بالبكر دون الثيب وقد بحثت المسألة استدلالياً واجتماعياً في كتاب (مسائل في الفقه الاستدلالي المقارن)(1).

14 - الزواج المؤقت: مشروعيته في الكتاب والسنة، الحالات التي يكون الزواج المؤقت حلاً ناجحاً لها، تحليل كلمة أمير المؤمنين عليه السلام لو لا نهي عمر عن المتعة لما زنى إلا شقي، تثقيف الأمة بهذا الاتجاه حتى تقبل هذا التشريع في ظروف معينة كأسلوب محلل لمواجهة الضغط الجنسي والفساد والانحلال المستشري في عالم اليوم، وكحل لمشكلات الكثير من النساء المطلقات والأرامل جنسياً واقتصادياً ونحوها.

إن بعض مفكري الغرب كالفيلسوف الرياضي الإنكليزي برتراند رسل دعوا إليها على الأقل في أوساط الجامعات وبالشكل الذي لا يخرج عن التقاليد الاجتماعية كتجربة ومقدمة وتعارف قبل الزواج الدائم، وقد تحدثت عن الموضوع فية.

ص: 115


1- نوقشت بشكل موسع في البحث الخارج لسماحة الشيخ (دام ظله) راجع (فقه الخلاف: 123/2) المسألة الثالثة عشرة.

كتاب (مسائل في الفقه الاستدلالي المقارن).

15 - تعطيل المرأة عن الزواج: مشكلة وعلاج انتشرت هذه الظاهرة وكثر عدد العوانس والمتقدمات بالسن من غير زواج في مجتمعنا المسلم، وهذه كارثة كبيرة يجب التفكير في أسبابها، ومن ثم وضع الحلول المناسبة لها وقد أثرت نقاطاً عديدة ومهمة في كتاب (الزواج والمشكلة الجنسية) وأرجعت المشكلة إلى أسباب نفسية واجتماعية واقتصادية ثم قدمت ما يقابلها من الحلول ولا بد من تضافر الجهود والتفكير الجدي في الحد من هذه الظاهرة لإدخال السرور على قلب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وصاحب الزمان عليه السلام.

16 - المرأة وآلهة الجاهلية الحديثة: قلنا في كتاب (شكوى القرآن) إن الجاهلية ليست فترة زمنية انتهت بظهور الإسلام بل هي حالة اجتماعية وفكرية عقائدية تتردى إليها البشرية كلما ابتعدت عن المنهج الإلهي، ولها سمات وخصائص ذكرناها هناك وهي مجتمعة في عالم اليوم، بل إن الجاهلية المعاصرة جمعت مساوئ كل تلك الجاهليات.

وتشكل المرأة ركيزة أساسية في حالة التردي هذه ووسيلة مهمة لإعادة الأمة إلى جاهليتها لذا ورد في الحديث أن

ص: 116

النساء حبائل الشيطان والهم الرئيسي للشيطان إبعاد الناس عن طاعة الله تعالى، وقد صنعت الجاهلية آلهة جديدة اقتنعت المرأة بالخضوع لها وطاعتها وعدم الخروج عن مقتضياتها وهي معاني العبادة (أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) (الجاثية: 23)، فالمرأة اليوم تخضع للتقليد وللأعراف ولما يقتضيه الأتكيت الاجتماعي من مشاركة في الحفلات المختلطة وارتياد النوادي ولبس أفخر الثياب وتبديل أثاث البيت في كل موسم وتلهث وراء الموضة - كما يسمونها - وتقلد الفنانات وعارضات الأزياء، وقد كلفها هذا الخضوع وهذه العبادة الخروج عن دينها وأخلاقها، بل أدى إلى تفكك الكثير من الأسر وانحلالها لعدم قدرة الزوج على تلبية هذه المتطلبات فإما أن يلتجئ إلى الوسائل المحرمة أو ينهي علاقته بمثل هذه المرأة، وقد ذكرت تفاصيل لهذه الظاهرة في كتاب (رفقاً بالرجال يا قوارير).

17 - المرأة والعلاقات الجنسية غير المشروعة والشذوذ الجنسي، كثرت مثل هذه الحالات في مجتمعنا المسلم المحافظ الغيور فما هي أسبابها: سوء التربية وتقصير أولياء الأمور في ممارسة دورهم ووجود أجهزة الإفساد والإثارة الجنسية كالتلفزيون والستلايت والأقراص الليزرية، ضعف

ص: 117

الوازع الديني والأخلاقي، عدم التفكير في البدائل، الأسباب الاقتصادية كإعواز بعض النساء المطلقات والأرامل، إهمال بعض الأزواج لزوجاتهم وعدم إعطائها الحق الجنسي لأسباب شتى وانشغاله عنها إما حراماً بعلاقات غير مشروعة أو حلالا بانهماكه في أعماله ومسؤولياته من دون الالتفات إلى إعطاء كل ذي حق حقه.

إن مجتمعنا يعيش تناقضاً بين معتقداته وتقاليده التي تعاقب بأشد العقوبات من يرتكب جريمة جنسية خصوصاً المرأة حيث تقتل غسلا لعارها، وبين سلوكه حيث تراه غير مكترث بانتشار وسائل الإفساد والإغراء والإثارة فلا هو كالغرب المنحل ولا هو كالمجتمع المسلم فكرا وسلوكاً، فعلينا أن نفكر جدياً في هذه المشكلة وكيفية علاجها قبل أن يستفحل الداء ويتسع الخرق على الراتق.

18 - الخلافات الزوجية وعلاجها: كثيراً ما تحدث خلافات داخل الأسرة، وأحياناً تكون بين زوجين مؤمنين مثقفين في الوقت الذي نتعب كثيراً للجمع بين رجل وامرأة لإنشاء زواج مبارك، ثم لا نلبث حتى نسمع بحصول المشاكل التي قد تؤدي إلى الطلاق مما يقلل من الهمة للسعي في التزويج، فما

ص: 118

هي أسباب نشوء مثل هذه المشاكل كيف نعالجها لكي لا تنتشر وتصبح مانعاً عن تفكير الشباب في الزواج خشية الوقوع فيها ويوجد كتاب بهذا العنوان يمكن الاستفادة منه (المشاكل الزوجية أسباب وعلاج).

19 - المرأة والعرفان: هل يمكن للمرأة أن تسلك طريق تهذيب النفس حتى تصل إلى المعرفة الحقيقة وكيف يمكنها ذلك ووسائل إيصالها ضعيفة؟ وهل أن وصفة العلاج للنفس والروح التي تأخذها هي نفس وصفة الرجل؟ ما هي معوقات هذا الطريق بالنسبة للمرأة، نماذج لنساء عارفات، كل ذلك يمكن أن نبحث ويقدم كدراسة تستفيد منها المرأة الطالبة للكمال.

20 - المرأة والعمل: مما خدعوا به المرأة وأخرجوها من بيتها ضرورة عمل المرأة وأن جلوسها في البيت تعطيل لنصف المجتمع، وضرب المثل بالمرأة الغربية التي خرجت للعمل، وكل هذه أباطيل فإن ممارسة المرأة لوظيفتها الإلهية في بناء أسرة متكاملة أهم من خروجها للعمل الذي أدى إلى تعطيل دورها ودور الآخرين بإشغالهم وفتنتهم بها فتعطل المجتمع كله، وهل أننا وفرنا فرصة عمل لكل رجل حتى نحتاج إلى خروج

ص: 119

المرأة، وإن مقارنة المرأة المسلمة للمرأة الأوربية باطل فإن المرأة في الإسلام مكفولة الرزق ضمن نظام أسري قبل الزواج وبعده، أما الأوربية فليست كذلك، كما أن أوربا مرت بظروف الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر والحروب الكارثية التي اضطرت المرأة للعمل، وليس حالنا مثلها، ومحل الشاهد أننا نحتاج إلى عرض هذه الشبهات التي ظللوا بها نساءنا والإجابة عنها، وبيان مساوئ الخروج العشوائي وغير المنتظم والمبرمج للمرأة إلى ميدان الحياة العامة مما يسوق الأمة إلى التردي والاضمحلال.

هذه عشرون عنواناً لقضايا المرأة اتسع لها الوقت بإذن الله تعالى، عليكم البحث فيها واستخلاص النتائج والالتفات إلى عناوين أخرى حتى يكتمل عدد الأربعين وزيادة.

أسأل الله تعالى أن يأخذ بيد هذه الأمة نحو الصلاح والفلاح

إنه ولي النعم.

ص: 120

الفصل السابع: من قضايا المرأة:

اشارة

ص: 121

ص: 122

المرأة والاجتهاد(1)

سماحة المرجع الديني آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله الوارف)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد.

سمعنا من بعض أخواتنا المؤمنات في جامعة الزهراء أنكم تجعلون الغاية من تأسيس جامعة الزهراء عليها السلام هو وصول النساء إلى مستوى مبلغات فقط وعلى هذا فلا داعي لدراسة الكثير من الكتب الحوزوية التي يدرسها من يريد الوصول إلى الاجتهاد وهذا الفهم أدى إلى انسحاب الكثير من الطالبات المتميزات من الجامعة قبل إكمال المرحلة الثالثة بحجة أنهّن أخذن ما فيه الكفاية ولا غاية لجامعة الزهراء في إيصالنا إلى الاجتهاد فنرجو تفضلكم ببيان القول الفصل في هذه المسألة ونصيحتكم للنساء مع دعائي لكم.ن.

ص: 123


1- نُشر هذا البيان في العدد (65) من صحيفة الصادقين.

بسمه تعالى:

لا صحة لهذا الكلام على إطلاقه فقد قلت إن أحد غايات تأسيس جامعة الزهراء عليها السلام توفير مبلّغات واعيات مخلصات، وتوجد أهداف أخرى منها تحصيل نساء مجتهدات ولو واحدة على الأقل بالآليات التي نضعها لهنّ بإذن الله تعالى.

وأنا أتوقع وصول أكثر من واحدة إلى هذه الدرجة من الأخوات الفاضلات في فروع جامعة الزهراء عليها السلام وقد قلت في بعض كلماتي إن النساء أخبر بقضايا النساء وأدعو الله تبارك وتعالى أن أرى في القريب العاجل من تقرّ عيون المؤمنين والمؤمنات بالوصول إلى هذه المرتبة الشريفة وتكون مرجعاً للنساء وقد أجزتُ ذلك في رسالتي العملية (سُبُل السلام) والله الهادي إلى سواء السبيل، فعلى الأخوات الفاضلات أن يبذلن قصارى جهودهن ويواصلن المسيرة بهمّةٍ أكبر لنيل هذا الهدف المبارك.

ويوجد لدى الإدارة المركزية لفروع جامعة الزهراء الآلية المناسبة لمواصلة الطالبات دراستهن بما يناسب وضعهن الاجتماعي.

ص: 124

السلوك العفيف في الجامعات العراقية

السلوك العفيف في الجامعات العراقية(1)

بسمه تعالى

الشيخ الجليل آية الله محمد اليعقوبي دام ظله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

يقول الحديث الشريف في معناه (منْ لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم) وقد عودتنا مرجعيتكم الشريفة على الرعاية الأبوية لسائر أبناء الأمة والحرص على انتشار المظاهر الإسلامية في مختلف مناحي الحياة لكي تبدو هويتها الإسلامية بارزة واضحة وصادقة قلباً وقالباً.

في خضم حملات التضليل وجدّيه محاولات مسخ الهوية والشخصية الإسلامية خصوصاً في أوساط الجامعات ظهرت حالة إيجابية مباركة انبرت مجموعة خيرّة من الطالبات وبعض الموظفات إلى الاحتشام بأقصى درجة فقد قمن بلبس العباءة

ص: 125


1- نشر في الصفحة الثالثة من العدد (14) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 29 ذ. ح 1425 المصادف 9 كانون الثاني 2005.

الفضفاضة العراقية والحجاب الكامل مما يبعث في النفس الشعور بالانتماء إلى الإسلام العظيم.

شيخنا الجليل أدامكم الله ما أرجوه حقاً هو أن نحسس هذه النخبة بأن المرجعية الشريفة ترعاها بعناية أبوية صادقة وأقترح بعد إذنكم أن تقدم لهن هدايا من المرجعية عنواناً لتلكَ العناية كأن تكون مجموعة كتب أو أقراص ليزرية بحسب ما تسمح به الحال.

ومن جانب آخر هل تنصحون بناتكم في كلية الآداب بالاحتذاء حذو هؤلاء المؤمنات؟ وماذا يشكل لبس العباءة في الوقت الحاضر للشخصية الإسلامية المؤمنة الرسالية هل هو تحدٍ لمعالم الاحتلال والتشتت الاجتماعي على صعيد العائلة والمجتمع.

وهل هو نصرةٌ لقضية الإسلام العظمى ولدولة العدل الإلهي؟. وهل هو تحدٍ لعولمة الغرب الكافر.

أجيبونا جزاكم الله خير جزاء المحسنين؟

بعض طلبة كلية الآداب

في جامعة الكوفة

ص: 126

بسمه تعالى

ورد في الحديث الشريف

(كونوا لنا دعاة صامتين)(1) و (كونوا لنا دعاة بغير ألسنتكم) وما فعلته هذه الأخوات الفاضلات مصداق لما أراده الأمام عليه السلام من عدة وجوه

1 - أن من أهم وسائل التربية وجود الأسوة الحسنة وقد ألفت الله تبارك تعالى نظر الأمة إلى شخصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باعتباره النموذج الأكمل الذي يتأسى به فقال عز من قال:(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَكَرَ اللّهَ كَثِيراً) (الأحزاب: 21)، فوجود المؤمنات الرساليات بهذه الهيبة والجلالة الإسلامية يجعل منهّن أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ولا أشك أنهّن محط احترام الجميع ومظهر مشّجع على الاقتداء به.

2 - أنهّن بهذا السلوك العفيف القين الحجة على الجاهلة بالحجاب الإسلامي والمترددة في لبسه والتي تخشى الناس (وَ اللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) (الأحزاب: 37) وهو بيان عملي لكيفية الحجاب بعد أن أفرغه أعداء الإسلام من محتواه وجلبوا إلى6.

ص: 127


1- شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي: ج 3 ص 506.

المسلمين نماذج متميعة يسمونها حجاباً.

3 - أنه رَدُ حازم على اللواتي تخليّن عن جلباب العفّة والحياء وأظهرن أنوثتهن أمام الرجال الأجانب فأهانن بذلك أنفسهن وكرامتهن، ويندرج فعل تلكم الفاضلات في وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الواجبة على الأمة وأعتقد أن مثل هذا العمل النبيل سينمو ويربو بمباركة الله تبارك وتعالى مما يؤدي إلى انحسار المظاهر المنحرفة من دون التحدث بكلمة.

وقد جربنا ذلك فإن الشباب المؤمن أو المرأة المحجبة إذا مروّا مجرد مرور على جماعة يخوضون بأحاديث الفسق والفجور فإنهم يسكتون ويبدّلون الحدث هيبة وإجلالاً لهؤلاء الطيبين الذين أضاءت أعمالهم الصالحة طريق حياتهم بعد أن نورت قلوبهم وبصائرهم، أما الآخرون فأنهم يطلبون النور ليضيء لهم الدرب بعد أن ملأوا حياتهم ظلمة وسواداً وقتاماً بمعاصيهم وابتعادهم عن الله تعالى فلا يجدونه.

وأنقل لكم هذه الآيات المباركة من سورة الحديد موعظة لي ولكم وهي تبين الحوار بين الفريقين:(يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ

ص: 128

الْعَظِيمُ، يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَ ظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ، يُنادُونَهُمْ أَ لَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَ لكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَ تَرَبَّصْتُمْ وَ ارْتَبْتُمْ وَ غَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتّى جاءَ أَمْرُ اللّهِ وَ غَرَّكُمْ بِاللّهِ الْغَرُورُ، فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَ لا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ، أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ وَ ما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَ لا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) (الحديد: 12-16).

محمد اليعقوبي

15 ذق 1425 الموافق 2004/11/27

ص: 129

سيدة عراقية تنتصر للقرآن الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم

يضاف يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من شعبان سنة 1424 الموافق للحادي والعشرين من تشرين الأول سنة 2003 إلى سجل المواقف البطولية للمرأة المسلمة عندما رفضت تلك الموظفة الشريفة الغيورة بكل أباء وشمم تفتيش الأمريكان المكلفين بحماية مبنى وزارة النفط لحقيبتها بواسطة الكلاب البوليسية لان تلك الحقيبة احتوت نسخة من المصحف الشريف فأبت هذه المرأة الشريفة تنجيس الكتاب الكريم، فقام هؤلاء الجهلة بمقدسات هذا الشعب المسلم بشد وثاقها وأرغموها على الوقوف في الشمس ساعة كاملة.

فما كان من آلاف الموظفين من زملائها في هذا المبنى الذي تشغله أربع وزارات (النفط، الكهرباء، التجارة، الموارد المائية) إلا أن يتظاهروا أمام المبنى في احتجاج عارم على هذا التصرف اللاإنساني، ويرددون الشعارات باللغة الانكليزية ضد

ص: 130

أمريكا ورئيسها وعادوا إلى منازلهم احتجاجاً على هذه الأساليب، وطالبوا بتولي الشرطة العراقية مهمة حماية المبنى في المستقبل.

وشاركت الشرطة العراقية في هذه المواقف النبيلة حيث عبرت القوة التي تقوم بحماية الجانب الآخر من المبنى عن غضبها برفع عدد من أفرادها (شارة الشرطة) من قمصانهم.

إن هذه الوقفة الشجاعة لكل هؤلاء الشرفاء في نصرة القرآن الكريم جديرة بالثناء والتكريم وسوف يرد لهم القرآن جوائز ثمينة أولها: الشفاعة لهم يوم الحساب فإنه - كما تصفه الأحاديث الشريفة -

(شافع مشفَّع)(1) أي لا ترد شفاعته، وعلى المؤمنين الالتفات والحذر لكيلا تمر عليهم مثل هذه الأمور بشكل طبيعي.

ونطالب قوات الاحتلال بان تتعرف أكثر على طبيعة هذا الشعب المؤمن الغيور وعلى مقدساته وآدابه وأخلاقه لكيلا تتكرر منها هذه الأخطاء التي تعمق رفض وجود الأجنبي على هذه الأرض المباركة. وان يلتزموا بما ألزموا به أنفسهم من6.

ص: 131


1- نهج البلاغة: الخطبة: 176.

احترام حقوق الإنسان التي طالما تشدقوا بها.

ونضّم صوتنا إلى هؤلاء الشرفاء في أن تتولى الشرطة العراقية التعامل مع العراقيين لأنهم إخوتهم والصق الناس بهم وأكثرهم مراعاة لهم.

والحمد لله على هدايته لدينه والتوفيق لطاعته.

ص: 132

رسالة إلى رئيس الجمهورية الفرنسية (السيد جاك شيراك) قبل توقيعه على

قرار منع الحجاب في المدارس الرسمية

أنهت أمس الحادي عشر من كانون الأول 2003 (16 شوال 1424) اللجنة الحكومية الخاصة بدراسة ظاهرة الحجاب الإسلامي في المدارس الفرنسية وقدّمت توصية بمنع الرموز الدينية ومنها الحجاب الإسلامي في المدارس ومن باب التضليل وذرّ الرماد في العيون تضمنت التوصيات منع القبعات اليهودية والصلبان الكبيرة للمسيحيين وأوصت بجعل يوم عيد المسلمين واليهود عطلة رسمية وعدم الاقتصار على التعطيل في عيد المسيحيين.

ونحن إذ نعبّر عن أسفنا لمثل هذه التوصيات نأمل عدم توقيع رئيس الجمهورية الفرنسية عليها حتى لا تكتسب صفة القرار للنقاط التالية:

1 - إن مثل هذه القرارات منافية لحقوق الإنسان والتي تتضمن حرية التعبير عن المعتقد والقيام بما يتطلبه معتقده ما دام

ص: 133

غير مضر بالمصالح الوطنية، وإن دول الغرب ومنها فرنسا تتبجح وتفتخر على الكثير من دول العالم بمراعاتها لحقوق الإنسان، فتأتي مثل هذه القرارات لتكشف زيف هذه الادعاءات وتُظهِر الصورة الحقيقية للنظم الغربية التي تضع تحت أقدامها كل الشرائع الإنسانية والسماوية إذا اقتضت النظرة الضيقة للمصالح ذلك.

2 - إن الحجاب الإسلامي ليس فقط رمزاً دينياً كالصليب والقبعة اليهودية حتى تُقرن جميعاً بقرار رغم أنه أجاز الصلبان الصغيرة وبعض الرموز اليهودية، فإن الحجاب شعار لنظام كامل في الحياة تختطه المرأة المسلمة؛ لأن الحجاب يعني انتهاج السلوك النظيف والعفيف الخالي من الخيانة والرافض للخطيئة والذي يمتنع عن الفساد، والانحراف عن الأخلاق الإسلامية العليا ولا يعني حمل الصليب أو لبس القبعة شيئاً من ذلك.

نحن نعتقد أن ارتداء الحجاب هو العلامة الفارقة للمرأة الملتزمة بالشريعة عمّن سواها، فإذا كانت محجبة فهذا يعني أنها ملتزمة بكل تفاصيل الشريعة الأخرى فهذه المقايسة باطلة.

3 - إن الحجاب جزء مهم وضروري من كيان المرأة المسلمة ولا تتخلى عنه مهما كان الثمن حتى لو كلّفها حياتها،

ص: 134

فمثل هذا القرار سيدفع النساء المسلمات إلى ترك الدراسة وعدم التخلي عن الحجاب وفي ذلك حرمان لهّن من حق أساسي في الحياة وهو التعليم.

4 - إن مريم المقدسة والدة السيد المسيح عليه السلام كانت امرأة عفيفة طاهرة متعبّدة لله تبارك وتعالى ولم تكن خالعة للحجاب ومبذولة للنظر للرجال، فهي أول من ترفض هذا القرار لأنها تريد للنساء أن يقتدين بها، فأناشدكم بالله تعالى أن لا تدخلوا الأذى على الروح المقدسة لها بمثل هذه القرارات.

5 - إن العلمانية المتبعة كنظام حكم في الدول الغربية والتي تذرعوا بها لمثل هذه التصرفات حيث عدّوها منافية للعلمانية تعني فصل الدين عن السياسة، ولا تعني بأي حال من الأحوال مناهضة الدين ومعاداته فهذا تطبيق سيئ للعلمانية التي يريدون إقناع الشعوب المتدينة بها.

6 - إن الغرب قد التفت أخيراً إلى أن العلاج الوحيد لأمراضه الجسدية كالايدز والاجتماعية كالانتحار والجريمة هو بتعزيز القيم الروحية وبناء الأخلاق السامية والحجاب جزء من هذه التربية.

أكرر أملي بأن لا تقرر الحكومة الفرنسية هذه التوصيات

ص: 135

ولتترك الناس أحراراً في التعبير عن معتقداتهم الدينية خصوصاً وأن فرنسا ترتبط في أذهان الشعوب بتأريخ حضاري حافل وأوضح معالمه الثورة الفرنسية الكبرى فلا تعملوا على زعزعة هذه النظرة.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على عباده الذين اصطفى.

محمد اليعقوبي

17 شوال 1424

ص: 136

توجيهات حول خروج النساء مشياً إلى كربلاء أياماً عديدة

وجّه سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) النساء المؤمنات التوّاقات للتأسّي بالسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام وابنتها العقيلة زينب عليها السلام والراجيات شفاعتهنّ إلى أن يمتنعن عن الخروج مشياً على الأقدام إلى زيارة الإمام الحسين عليه السلام من مسافات طويلة تتطلب أياماً من المسير في البوادي والقفار، خصوصاً من المحافظات جنوب العراق.

وبرّر سماحته ذلك بأمور استخلصها من التجارب والشواهد الواقعية: -

1 - إنّ هذا الخروج منافٍ لما أمر به الله تعالى والمعصومون عليهم السلام من قرار النساء في البيوت وإنّ كمال المرأة في عدم خروجها، خصوصاً وإنّ هذه السفرة تبديهنّ أمام الرجال الأجانب وإن كنّ ملتزمات بالحجاب.

2 - إنّ مثل هذه الرحلة الطويلة ومبيتهنّ في دور الغرباء

ص: 137

تتطلب رعاية خاصة للمرأة وتوفير احتياجاتها مما يجعلها في حاجة للرجال وهم أجانب، وقد تتعرض خلال رحلتها لبعض ذوي النفوس المريضة، إذ ليس كل الناس منالملائكة، فتحصل فتنة وظروف مريبة، وكثيراً ما يُسبّب وجودهنّ قلقاً وجهداً إضافياً لأصحاب الدور المضيّفة لمواكب المشاة على الطريق حتى يخرجوا بسلام من عهدة هذه الأمانة الثقيلة.

3 - إنّ غيابهنّ عن بيوتهنّ وأطفالهنّ ومن يحتاج إلى رعايتهنّ هذه المدّة يؤدي إلى التقصير في وظائفهنّ وتصحب بعضهن الأطفال وهم لا ينضبطون فيضيع الأطفال وتتحول الرحلة إلى كارثة، لذا فإنّ كثيراً من أولياء الأمور و الأزواج لا يرضى بخروج زوجته لهذا السبب لكنّه لا يستطيع أن يمنعها لأنّه يُخوَّف بأنّه سيكون معادياً للإمام الحسين عليه السلام، حيث أصبح البعض يُمارس قضية الحُسين كإرهاب فكري لجبر الناس على قرارات لا يرضون بها، وقد صرّح كثير من الرّجال بعدم رضاهم بخروج أزواجهم إلاّ أنّهم يُجابهون بالخطوط الحمراء التي صَنَعَتها العواطف والأهواء، وبين أيدينا الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن المرأة التي شكت زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنّه يمنعها من الخروج لزيارة أبيها الذي أثقله المرض ثمّ مات أبوها ولم يأذن

ص: 138

لها زوجها بالخروج فكان جواب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لها

(أطيعي زوجكِ)(1) وبشّرها بالثواب العظيم.

4 - إنّ الزحام الشديد في الزيارة وصعوبة تحصيل واسطة النقل في طريق العودة يتسبب في حصول مخالفات شرعية كثيرة شاهدناها عبر وسائل الإعلام ونبّهنا عليها في بعض خطاباتنا كمسك الرجل الأجنبي للمرأة حتّى يُساعدها على الصعود، أو التصاق بعضهم ببعض في سيّارات الحمل بسبب اكتظاظ الركّاب وسقوط بعضهم على بعض عند حصول توقّف مفاجئ للسيّارة أو التدافع المختلط لتحصيل وجبة الطعام وغير ذلك من المحرّمات الشرعية التي يجب اجتنابها بترك مثل هذا الخروج.

وقال سماحته في خطاب موسّع له: إنّ إخراج النساء مع وجود مثل هذه المخالفات يُخشى أن يكون تأسياً واقتداءاً بلئام الأمويين الذين أخرجوا حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في البوادي والقفار وليس تأسياً بالعقيلة زينب عليها السلام والهاشميات، فإنّهنّ لم73

ص: 139


1- الكافي: ما يجب من الزوج على المرأة: ح 1، وروضة المتقين: ج 8 ص 373

يتخذنّ هذا الخروج سُنّةً وعادة باختيارهنّ بل صرّح الإمام السجاد عليه السلام لأبي حمزة الثمالي أن أقسى فصول مأساة كربلاء على أهل البيت (عليهم السلام) هي خروج النساء بين الرجال الأجانب في تلك المجالس والمسافات الطويلة، ولم يسمح أحد من الأئمة عليهم السلام بتكرار هذه الحالة. وحينما دعاهن واجب طاعة الإمام عليه السلام بالخروج معه كُنَّ راكبات مصونات بحماية رجالهنّ الأبطال الغيارى، والرواية مشهورة عن المازني قال (جاورت أمير المؤمنين عليه السلام عشرين عاماً فما رأيت لزينب بنت علي شخصا).

نعم إذا دعانا الواجب الإلهي إلى أي تضحية بالنفس أو المال أو إخراج النساء كان على المؤمن الاستجابة.

إنّ التأسي الحقيقي بالعقيلة زينب يكون بالتفقّه في أحكام الدين كما كانت (عليها السلام) عالمة غير معلّمة وبالعفاف وصون الحرائر وعدم إبرازهنّ للرجال الأجانب وبالالتزام بطاعة الله تعالى حيث لم تترك العقيلة زينب عليها السلام صلاة الليل حتّى ليلة الحادي عشر من محرم.

وقال سماحته أنّ المأثور في روايات المعصومين هو قرار النساء في بيوتهنّ وعدم خروجهنّ، وإذا التزمت المرأة بذلك

ص: 140

فإنّها ستُعطى حينئذٍ ثواب من قصد تلك المشاهد المقدّسة، فقد روى الشيخ الصدوق في الفقيه والطوسي في التهذيب عن الإمام الصادق عليه السلام قوله (خير مساجد نسائكم البيوت) وروى في مكارم الأخلاق قول رسول الله صلى الله عليه وآله (صلاة المرأة وحدها في بيتها كفضل صلاتها في الجامع خمساً وعشرين درجة).(1)

وفي الختام دعا سماحة الشيخ (دام ظله) جميع المؤمنين والمؤمنات إلى أن يكونوا شجعاناً لا تأخذهم في الله لومة لائم ويقدّموا رضا الله تعالى على رضا أنفسهم وعواطفهم، ويستجيبوا لهذه الدعوة التي فيها حياة لهم في دنياهم وآخرتهم، قال تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) (الأنفال/ 24).0.

ص: 141


1- هذه الروايات وغيرها في وسائل الشيعة: كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، باب 30.

الحجاب الفرنسي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين.

إلى سماحة الشيخ الأجل محمد اليعقوبي (أيَّدكم الله)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ظهر في الآونة الأخيرة وتقريباً في بداية عام (2000 م) نوع من الحجاب الذي يرتدينه أغلب الفتيات، وهو أن الفتاة تلبس الحجاب وتلفه على رأسها بحيث تجعله صغيراً جداً يكاد يغطي الرأس، علماً أنّه في الأغلب يخرج جزء من شعر الفتاة من المقدمة، هذا أولاً. وكذلك جزء من صدرها - أي جزء من رقبتها أو تحتها بقليل - مع العلم أن الفتاة غالباً، بل أكثر الأحيان، تكون ملتفتة وعلى علم بهذا الشيء، وهذا ثانياً، وهو ما يسمى في هذه الأيام (بالحجاب الفرنسي) مع العلم أن صناعته في العراق أو من دولة عربية، وهذه الحالة غالباً ما تكون منتشرة في

ص: 142

الجامعات والمعاهد، باعتبارنا نعيش في هذا المجتمع. فنرجو من سماحتكم إجابتنا وإرشادنا على ما يأتي:

اولا: ما هو رأي سماحتكم بهذا النوع من الحجاب (الحجاب الفرنسي)؟

بسمه تعالى: إن تسميته بالفرنسي يوحي أن المنشأ الأصلي لصناعته فرنسا، وإن ورد في السؤال أنه يصنع في العراق أو بلاد عربية؛ لذا أقدّم هذه الملاحظة:

إن ما يُصدّر إلينا مما يصنعه الغرب على شكلين:

الأول: ما يكون استعماله مشتركاً بيننا وبينهم كالسيارات والآلات الإلكترونية فهذه لا بأس بالاستفادة منها.

الثاني: ما يصنعونه خصيصاً لنا فيجب أن نتهمهم فيه ولا نتعاون معهم فيه، إلا بعد أن نجده مطابقاً لشريعتنا، والحجاب من القسم الثاني.

فالأصل فيه التهمة حتى يثبت العكس، والحجاب

ص: 143

الموصوف في السؤال مخالف للشريعة الإسلامية، ولا يجوز لنا أن ننبهر بالإنتاج الغربي حتى نضيع معالم ديننا. إن هذا لمؤسف حقاً أن يصنع الكافر حجاباً لنساء المسلمين، ونحن نعلم ما يريد منا (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا) (النساء: 89)(وَ لَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَ لاَ النَّصارى حَتّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) (البقرة: 120).

ثانيا: ما هو دورنا كمكلفين وكطلبة بصورة خاصة؟

بسمه تعالى: يجب عليكم عدة أمور:

1 - مقاطعة مثل هذه الصناعات التي تريد أن تسلب ديننا بالتدريج.

2 - توعية المجتمع وإلفات نظره إلى جسامة هذا الخطر وغلق الباب من أوله.

3 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمراتبه المذكورة للناس الذين اتبعوا جهلاً ووقعوا في حبائل هذه الخطط الشيطانية.

ص: 144

ثالثا: بماذا تنصحون الفتيات اللاتي يرتدين هذا الحجاب؟

بسمه تعالى: أنصحهن بتطبيق الشريعة والاهتداء برأيها في كل شؤونهن، وأن يحافظن على دينهن؛ فإنه عنوان عزتهن وشرفهن وكرامتهن، وإن الكفار ليحسدونهن على هذا المنهج القويم الذي يوفر للإنسانية سعادتها في الدنيا والآخرة، لذلك فإنهم - أي الكفار - يسعون بكل جهدهم لسلب هذه النعمة الكبيرة من أهلها (أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ) (النساء: 54).

وأي فضل أعظم من نعمة الإيمان بالله والسير على هدى رسوله العظيم صلى الله عليه وآله وسلم، فلا تعطوا الكفار مرادهم فتكونوا عبيداً لهم تابعين؛ وفي ذلك خزي الدنيا وعذاب الآخرة. وقد رأيتم كيف ذلت الأمة وهان أمرها عندما تركت دينها وخضعت للكافر، فالله الله في دينكم لا يغلبنكم عليه أحد، والله ناصركم وهو يتولى أمر المؤمنين.

ص: 145

رابعا: ما هو دور أولياء الأمور في منع مثل هذا الحجاب؟

بسمه تعالى: اتضح جوابه مما تقدم، لكن يضاف إليه أن مسؤولية ولي الأمر أكبر (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ) (التحريم: 6)، كما إن سلطته أوسع، فإذا كان غيره لا يستطيع النهي عن المنكر إلا بالموعظة أو الزجر، فإنه يستطيع تنفيذه بالضرب والحبس والإيلام، فنهيب بهم أن يتحملوا مسؤولياتهم كاملة.

خامسا: ما هو الحجاب الشرعي الإسلامي الذي يجب أن ترتديه الفتاة؟

بسمه تعالى: قد ذكر الفقهاء كيفيته: بأن يستر البدن كله عدا الوجه والكفين - على خلاف -، ولا يجوز أن يكون حاكياً عن البدن ملتصقاً به بحيث تظهر معالم الجسم من خلاله، وأن لا يسبب فتنة وإلفات نظر، وأن تكون مشية المرأة طبيعية لا تثير شهوة ولا تسبب فتنة... إلى غيرها من التفاصيل المذكورة في كتب الفقه

ص: 146

وكتاب (أختي.. انتبهي) لأحد الأخوة الفضلاء جزاه الله خيراً.

أسأل الله تعالى التوفيق لدينه والهداية لطاعته ونيل رضاه لي ولكم ولجميع المؤمنين إنه ولي النعم.

الشيخ محمد اليعقوبي

15 محرم 1421 ه - الموافق 2000/4/20 م

ص: 147

نصائح إلى طالبات الأقسام الداخلية

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى سماحة الشيخ الأجلّ محمد اليعقوبي (دام ظله):

نداء من الأعماق الواقع الاجتماعي يستنجد بعطفكم الأبوي وحميتكم على الرسالة المحمدية وغيرتكم على أبناء مجتمعكم الذي أنت منه وفيه...

شيخنا الأجل هناك بعض الحالات التي تحصل (في الحياة الجامعية) للطلبة والطالبات بخصوص حالة طالبات مؤمنات في طب الأسنان، والتي تسير نحو الالتزام بدقيّات الشريعة للوصول إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى.

لهذا فإنهن يطلبن النصيحة والدعم المعنوي خصوصاً، فقد وصلن مرحلة من التفكير بترك الكلية والعلم؛ وذلك لأنهن يخفن على أنفسهن ودينهن من الضعف يوما ما، والشعور الدائم بالإحباط و (الأثر النفسي) نتيجة ما يرينه من المعاصي والذنوب والحرام التي تهتك أمام أعينهن.. وأنتم تعلمون أن هذا يؤدي

ص: 148

إلى غياب عنصر المرأة في السلك الطبي، مما يسبب حرجاً وصعوبة للمؤمنات في العلاج.. واليك بعض تلك المشكلات:

1 - حياة الأقسام الداخلية والتي قلّ فيها الخوف من الله سبحانه وتعالى، حيث تحتوي على المعاصي التالية:

أ - سماع الأغاني وبشكل متواصل، برغم حرمته فانه يؤدي إلى ضياع الزمن الذي هم بحاجة إليه في الدراسة الطبية.

ب - عدم التورع في المعاصي والمحرمات مثل (الغِيبة والأحاديث اللا أخلاقية على الطلبة والطالبات والأغاني...).

ج - المحاربة النفسية في (داخل الغرفة) لمن تتمسك بتعاليم دينها (أمثال الطالبة من الأخريات).

2 - أما في الكلية فهي أشد معاناة وخاصة في طب الأسنان والصيدلة، وبما إن هناك ضرورة في التعامل مع الطلبة والطالبات علمياً من قبيل المحاضرات والاستنساخ وغيرها... وأيضاً الأسلوب في المحاربة هي (المحاربة النفسية)؛ وذلك بإهمال الطالبة الملتزمة وعدم التعاون معها، وإن حاولت هي بطلب حاجتها منهم عاملوها بالانتقاص والمِنيّة وما خفي كان أعظم..

3 - ترديدهم المستمر وتطبيقهم العملي لكلمة الترقي والحضارة في كلية الطب، وجعلوا له مصداقاً بانحطاطهم

ص: 149

الأخلاقي.. وهذا الجو النفسي المليء بالجهل والسذاجة والغفلة أدى إلى إحباط الطلبة والطالبات الملتزمين، مما سيجعل عند الطلبة ترهلاً علمياً ورجوعاً إلى الوراء..

فيا شيخنا الجليل لقد كثر الطرق وأصبحنا بحاجة ماسة إلى نصيحتكم ودعمكم المعنوي.

(أدامكم الله لنا ذخرا وحفظكم من كل مكروه).

بعض أولادكم في الكلية

6 ذو الحجة 1421 ه -

بسمه تعالى:

الحمد لله كما هو أهله وصلى الله على سيد خلقه محمد

وآله الطيبين الطاهرين.

أود أن أجعل الإجابة في نقاط:

1 - إن هذا الضغط النفسي الذي يسببه أهل المعاصي للمؤمنين الملتزمين ناشئ من حسدهم لهم وشعورهم بالنقص وعقدة الحقارة أمامهم؛ لأنهم يعلمون أن هؤلاء على خير، وأنهم حائزون لسعادة الدنيا والآخرة، وليس عندهم الشجاعة لئن يكونوا أمثالهم ويرتقون إلى درجاتهم، فيحاولون إنزالهم إلى الحضيض الذي يعيشونه ليقنعوا أنفسهم ويهربوا من هزيمتهم

ص: 150

الداخلية، وقد جعلوا لأنفسهم شعاراً (حشرٌ مع الناس عيد)، فوجود هؤلاء المؤمنين يكشف نقصهم وحقارتهم وضعفهم أمام شهواتهم وتسويلات الشيطان، وهكذا دوماً يكون وجود العنصر النظيف مسبباً للكشف عن فساد العنصر المنحرف.

2 - إن المؤمن قوي بإيمانه ومسلكه وطريقته المثلى، فلا يتأثر بإرهاصات المنحرفين الفاسقين، قال تعالى:(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) (المائدة: 105) وفي الحديث: (إن المؤمن أقوى من الجبل؛ لأن الجبل يستقل منه بالمعاول، ولا يستقل من إيمان المؤمن شيء)، وكيف لا يكون المؤمن قوياً وهو يعيش في رعاية الله سبحانه وتأييده ورحمته، أما الفسقة فمولاهم الشيطان الضعيف الذليل (نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ وَ لَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَ لَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ) (فصلت: 31)(ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ أَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) (محمد: 11).

ولتكن أم المؤمنين خديجة الكبرى مثلاً أعلى وأسوة حسنة للنساء المؤمنات، فقد قاطعتها نساء قريش وعزلتها حتى عادت وحيدة في دارها، ومع ذلك بقيت قوية الإيمان رابطة الجأش تشد أزر زوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتخفف عنه أعباء

ص: 151

الرسالة وتسنده بكل ما أوتيت، فكانت بذلك قرة عين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

3 - إن أحكام الشريعة يمكن أن تخفف في حالات العسر والحرج وخوف الضرر؛ فأكل الميتة حرام لكنها تحلّ عند الاضطرار، قال تعالى (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج: 78)(يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (البقرة: 185)(إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) (الأنعام: 119)، فإذا لم ينفع نهي هؤلاء عن المحرمات فيسقط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

4 - إن هؤلاء المصرين على المعصية هم جهلة من عدة جهات؛ فهم يجهلون لماذا وجدوا في هذه الحياة، وكيف ستكون نهايتهم، وما هو حق المولى المنعم عليهم، وما هو جزاء العاصين. فالحل الصحيح لهؤلاء ليس فقط أن نقول لهم: إن هذا حرام وذاك ممنوع، بل لا بد معه من بيان الحكمة من التشريع، وتقوية العلاقة بين الإنسان وخالقه، والتذكير بالآخرة، واستشارة الفطرة، وإحياء القلوب بالموعظة، وذكر الموت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع مشركي قريش، وكل ذلك يجب أن يكون بالحكمة والموعظة الحسنة والحوار الهادئ وقلب وعقل مفتوحين وصدر

ص: 152

واسع، من دون تعنت ولا عصبية.

فهؤلاء البعيدون عن الله يستحقون العطف والرحمة؛ لأنهم مرضى، لكن مرضهم ليس في الجسد بل في القلب والروح، وهم أولى بالرعاية من مرضى الجسم الذين يثيرون العطف ويستحقون المساعدة، فلا تقصروا في مساعدتهم على إصلاح نفوسهم، وستجدون أكثرهم يحبون الطاعة ويقتربون إلى الله تبارك وتعالى عندما يكون الأسلوب مقبولاً، وحينما يعرف المعالج كيف يشخّص داءهم وينجح في وصف العلاج الصحيح.

5 - وهناك حلول أخرى: كاختيار الصديق من المجموعة الصالحة ليعيش معهم، أو على الأقل قضاء الوقت معهم في غرفتهم للمباحثة والدرس وتبادل الأحاديث النافعة، والإكثار من تلاوة القرآن الكريم وذكر الله تبارك وتعالى، وتوجد أفكار نافعة وتصلح كأجوبة على بعض الفقرات الواردة في السؤال ذكرناها في كتاب (فقه الجامعات) فراجعه.

ص: 153

6 - لا يمكن أن يكون حل المشاكل بالهروب منها وإدارة الوجه عنها؛ فإن هذا لا يحلها، لأنها واقع مفروض، وقد تزداد بذلك تعقيداً ورسوخاً، وإنما تحل بمواجهتها بشجاعة وحزم واحتوائها ومعالجتها بالشكل المناسب وعلى تعبير أمير المؤمنين عليه السلام: (إذا هِبتَ أمراً فقع فيه)، فليس من الصحيح أبداً قول السائل أنه يترك الدراسة هو وإخوانه المؤمنين، ويكونون بذلك آثمين لان هذه المهن الإنسانية تجب بالوجوب الكفائي على أفراد المجتمع، فإعراضهم عنها يعني التخلي عن أداء هذه المسؤولية.

7 - أما هذه العناوين البراقة التي يتشدقون بها ويبررون بها أفعالهم كالحضارة وما شابه، فهم يعلمون أنها خالية من المحتوى، ولا تصلح مبرراً لما يفعلون، فهل الحضارة والتطور والتقدم تنافي الأخلاق والعفة والحياء؟! أليس الدين هو مَنْ أمر بالعلم والعمل الصالح وفضّل العلماء على جميع شرائح الخلق؟! ألم يكن الإسلام هو السبب في إنشاء أعظم حضارة شهدتها البشرية في سعتها وعمقها ورحمتها وأخلاقها وسمومها، ولا زال الغرب مديناً لها في تطوره؟! ثم أنسي هؤلاء المتحضرون ما يفعله الغرب المتقدم من أفعال وحشية يندى لها الجبين وتربأ

ص: 154

أفتك الوحوش بأنفسها عن الإتيان بمثلها (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (الصافات: 154)(فَأَنّى تُؤْفَكُونَ) (غافر: 62)(كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاّ كَذِباً) (الكهف: 5).

8 ذو الحجة 1421 ه - الموافق 2001/3/4 م

ص: 155

ظاهرة خروج النساء الريفيات لجلب الماء مشكلة وعلاج

بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دامت بركاته)

هناك ظاهرة مخزية أقرحت قلوب الغيارى وكانت سبباً لظواهر منحرفة كثيرة ارتأينا عرضها على جنابك المبجل لتعيين الدواء وتطبيب جراحاتنا الدامية، ونرجو تقديم نصائحك الأبوية لنا.

أما الظاهرة فهي أنه توجد مناطق محرومة من نعمة الماء ومنها (منطقة الشرش) شمال البصرة فتضطرّ النساء لجلب الماء من نهر يوجد في المنطقة أو من البيوتات التي يتوفر فيها ماء، فتصرف معظم أوقاتهن خارج المنزل لاسيما (المراهقات)، وعادة تكون أوقات جلب الماء في الفجر والليل والظهر، وهي أنسب الأوقات للمواعيد اللاشرعية. مما أدى إلى الكثير من الانحرافات الأخلاقية والعلاقات الجنسية غير المشروعة في

ص: 156

العوائل والأسر. علماً أن الرجال لو تكاتفت جهودهم وتضافرت قواهم لتمكنوا من حل الأزمة، فماذا تقول لهؤلاء الرجال؟ وما هي نصيحتك لهم؟ وهل هم آثمون لتقاعسهم عن القيام بذلك؟ وهنا عدة مسائل:

1. ما حكم خروج المرأة لهذا الغرض لا سيما في أيام الرياح الشديدة؟ والحال أنها لو امتنعت فسيلحقها الأذى من أهلها، كالضرب الشديد والإهانات الجارحة، وماذا سيكون موقفها بين هذين الابتلائين؟ فإن خرجت تعرضت للانحرافات الجنسية ولا تستطيع التمسك بحجابها وعفافها كما تريده منها الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء وبطلة كربلاء زينب الكبرى عليها السلام، وإن لم تخرج تعرضت للأذى والضرر من أهلها.

2. إن عملها هذا يضر بصحتها؛ لأن آنية الماء كبيرة وتحمل وزناً ثقيلاً من الماء يؤدي أحياناً إلى إصابتها بأوجاع الرأس والظهر والساقين، وأحياناً النزف الدموي والإسقاط، فهل يجوز لها تعريض نفسها لهذا العمل؟ وهل يجوز للرجال إجبارها على ذلك؟ علماً أن عملها هذا يؤثر على مسؤولياتها في البيت ويأخذ منها وقتاً كثيراً.

3. ما هي نصيحتكم للرجال الذين يأمرون النساء بهذه

ص: 157

الأعمال؟ وهل يوجد وجه شرعي لتصرفاتهم كقيمومة الرجال على النساء؟

أجيبوناً جزاكم الله خير الجزاء؛ فإن هذه مشكلة عامة في وسط وجنوب العراق.

ابنتكم من الجنوب

بسمه تعالى: إن وضع المرأة في الريف والمناطق العشائرية نموذج للتطبيق السيئ لقيمومة الرجل على المرأة، والشواهد على ذلك كثيرة؛ منها ما يتعلق بجعلها (فصلية) أي ضمن دية القتل، ومنها (النهوة) التي تؤدي إلى تعطيل النساء عن الزواج، ومنها القتل لأتفه الأسباب مما يسمونه (بغسل العار)، وهذه أمور تحتاج إلى بحثها بالتفصيل، وقد تكفل بشيء من ذلك كتاب (رؤى إسلامية في أحكام العشائر وتقاليدها).

ومن تلك الشواهد عدم الإنصاف والمروءة والرحمة في توزيع الأعمال على الجنسين، فالمرأة تستيقظ من النوم قبل الفجر لتعجن الطحين، ثم تخبز وتهيئ طعام الإفطار، ثم تجلب الماء وتطبخ الطعام وتحرث وتزرع وتجني وتحلب الدواب وغيرها كثير، مضافاً إلى مسؤولياتها العائلية كالحمل والإنجاب

ص: 158

والرضاع وقضاء حاجة الزوج وخدمة أفراد العائلة، فبماذا استحق الرجل كل هذه الخدمة؟! وماذا جنت المرأة حتى تعاقب بهذه (الأشغال الشاقة) التي يُحكَم بأقل منها على الجناة ومرتكبي الجرائم؟!

وإني لأعجب لهؤلاء الرجال الذين ينبض فيهم عرق الغيرة لأقل كلمة يسمعونها في شرفهم من دون التحقق من صدقها، وقد يكون قائلها مغرضاً يريد الانتقام من هذا (الغيور) ومن شرفه، فتراق الدماء التي حرمها الله تبارك وتعالى، وجعل حرمة دم المؤمن أعظم عند الله من الكعبة كما ورد في الحديث النبوي الشريف. فبينما تراهم بهذا المستوى من (الغيرة) الجوفاء تراهم يرسلون نساءهم إلى مسافات بعيدة لجلب الماء وفي طرق خالية، مما يعرضهن إلى اعتداء الذئاب البشرية وهن ساذجات جاهلات يسهل خداعهن وإيقاعهن في الفاحشة، فهل يقع اللوم الأكثر عليهن أم على أولياء أمورهن الذين يجبرونهن على القيام بهذه الأعمال وهم يعلمون هذه النتائج سلفاً؟! وإذا ما حدث الخطأ والعياذ بالله - أنزلوا العقوبة الشديدة بهن.

فلماذا يستنكف الرجل من القيام بهذه الأعمال وقد هيّأ الله أبدانهم للقيام بهذه الأعمال الشاقة؟! وقد يخشى التعيير

ص: 159

بذلك، لكن طاعة الله وتجنب معصيته والعمل بما تقتضيه الأخلاق والشرف والعفة والحياء ليس عاراً، بل العار هو ما يفعله هؤلاء الناس حيث حذر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مثل هذا الزمان الذي يرى الناس فيه المعروف منكراً والمنكر معروفاً، وحتى لو كان عاراً فهو أولى من دخول النار، كما كان يرتجز الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء:

الموت أولى من ركوب العارِ *** والعار أولى من دخول النارِ

وإن قلبي ليتمزق ألماً وأسفاً لوقوع مثل هذه التصرفات المنافية للدين والأخلاق، وفي هذا البلد الذي يحتضن المرجعية الشريفة ومراقد الأئمة الأطهار عليهم السلام، ويعد مركز إشعاع الفكر الإسلامي للعالم كله، وسيكون عمّا قريب عاصمة الإمام المهدي (عجل الله فرجه). فهل ترجون نصرة الإمام ونيل رضاه بهذه الهمجية والجاهلية؟!

فهل اجتمع رجال هذه القرى والأرياف وتدارسوا الحلول المناسبة لمسألة جلب الماء التي تصون شرفهم وتحفظ كرامتهم وعزتهم، كتأجير (تنكر) مثلاً يومياً يدور على بيوتهم ليملأ لهم الماء، أو يذهب الرجال الذين يمتلكون السيارات لجلب الماء ونحوها من الحلول.

ص: 160

ولا بد من الإنصاف في توزيع المسؤوليات كما أراد لها الله تبارك وتعالى، فإن كل هذه الأعمال ليست واجبة على المرأة وجزاها الله خير الجزاء أن تقوم بشؤون البيت والعائلة، و لا تجبر على الخروج أبداً، وعلى هذا ديدن الأئمة المعصومين عليهم السلام والعلماء الصالحين، فإذا كان أبناء الريف لا يقتدون بأئمتهم وعلمائهم فبمن يقتدون؟(فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ) (يونس: 32). وإن الرجال بهذه التصرفات يظلمون المرأة، والله لا يغفر ظلم العباد لبعضهم، ويحشر الظالمين في سرادق خاصة من النار كما ذكرت الرواية. وفيه مخالفة لوصايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي جاء فيها: (اتقوا الله في الضعيفين: المرأة واليتيم)، وجاء في الأحاديث: (إن النساء ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم)، وفي حديث يبين أجر إكرام النساء (بنات أو أخوات) قال عليه السلام: (من عال ثلاث بنات أو مثلهن من الأخوات وصبر على لأوائهن حتى يبنّ إلى أزواجهن أو يمتن فيصرن إلى القبور كنت أنا وهو في الجنة كهاتين - وأشار بالسبابة والوسطى - فقيل: يا رسول الله: واثنين؟ قال: واثنين. قيل: وواحدة؟ قال: وواحدة)، وورد في الأحاديث استحباب الرقة على البنات والشفقة عليهن أكثر من الذكور؛ ففي حديث عن رسول

ص: 161

الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إن الله تبارك وتعالى على الإناث أرقّ منه على الذكور، وما من رجل يدخل فرحة على امرأة بينه وبينها حرمة إلا فرّحه الله يوم القيامة)(1).

وأنا أعلم أن تحقيق هذا التغيير ليس سهلاً، بل يحتاج إلى شجاعة كبيرة وموقف جريء، لكن ذلك ليس صعباً على الرجال الغيورين، وأولى من يقوم بذلك رؤساء العشائر المخلصون؛ فإن موقعهم الاجتماعي يجعل كلمتهم مسموعة وأي خطوة نحو الصلاح يخطونها فإنهم يعطون أجر كل من سار عليها واستفاد منها إلى يوم القيامة.

وبالمقابل فإن كل من أقر الأعمال السيئة وسار عليها واقتدى به الآخرون فعليه وزر العمل ووزر كل من عمل به إلى يوم القيامة، تطبيقاً للحديث الشريف: (من سنّ سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سنّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة).د.

ص: 162


1- راجع في مجموع هذه الأحاديث: كتاب وسائل الشيعة، المجلد الرابع عشر، أحكام الأولاد.

أكرر أن في هذا العمل الذي تقوم به النساء وتجبر عليه عدة محرمات:

1 - تعريضهن للوقوع في الانحراف والفواحش الجنسية.

2 - ظهور ما أوجب الله ستره، خصوصاً في الرياح الشديدة، وإنهن لا يلبسن العباءة الكافية وإن ملابسهن قد تجسّم أبدانهن.

3 - إجبارهن على هذا العمل حرام؛ لعدم وجوبه عليهن.

4 - تحميلهن أثقالاً كبيرة مما يؤدي إلى الأضرار الصحية كالإجهاض والنزف.

5 - إشاعة الفاحشة في المجتمع المسلم.

6 - تعريضهن للقتل عندما يعتدي عليهن شاب نزق.

فكونوا يداً واحدة لاستئصال هذه العادات السيئة من المجتمع، وانصروا الله بهذه الوقفة الشجاعة (وَ اللّهُ مَعَكُمْ وَ لَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ) (محمد: 35)، ويثبت أقدامكم حتى تنالوا شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والحسن والحسين عليهم السلام، وتُدخلوا السرور على قلب الإمام المهدي (عجل الله فرجه) وقلب كل غيور.

ص: 163

والأمل بكم كبير أن لا تقصّروا في تحقيق ذلك، والله معكم ما دمتم مع الله؛ فإنه نعم المولى ونعم النصير.

الشيخ محمد اليعقوبي

ص: 164

ظاهرة مزاح الباعة مع النساء

بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة آية الله جناب الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هناك ظاهرة مؤسفة تحصل عند أغلب الباعة الذين يتعاملون مع النساء هي كثرة المزاح والضحك معهن بل يصل في بعض الأحيان خاصة في محلات الأزياء أن تدخل المرأة إلى المنزع بمفردها لترتدي الملابس الجديدة وكون صاحب المحل بمفرده أو ما يحصل عند محلات الصاغة من أنه يقوم بمسك يدها من أجل مساعدتها في لبس الذهب ويدعون إنهم إذا لم يقوموا بالضحك والمزاح فإن النساء لا ترجع للشراء من هذا المحل (ونحن على باب الله) بل يصل الأمر في بعض الأحيان إلى الغزل مع النساء كان يقول لها ان الذهب أصبح جميلا عندما ترتدينه أو أصبحت عروسة حين لبست هذه الملابس، نريد من سماحتكم نصيحة إلى هؤلاء جزاكم الله خير جزاء المحسنين.

ص: 165

بسمه تعالى: ممارسة هذه التصرفات يفتح باباً واسعا للشيطان بل هي أفعال شيطانية فعلا وإن غلفها أولياؤه بعناوين يظنونها مقبولة كجلب الرزق وتكثير الزبائن وغيرها رغم أن الرازق هو الله تبارك وتعالى فلا يمكن أن يجعل رزقه الحلال في الأمور التي منع منها.

وقد شدد القرآن في مسألة اختلاط الجنسين والتعامل غير الشريف بينهما فنهى النساء على ترقيق الصوت وجعله مثيرا فقال تعالى (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) (الأحزاب: 32)، وأمر النساء بالحجاب والستر وإخفاء أجسادهن وما عليها من زينة (وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ...) (النور: 31)، وأمر الطرفين بغض البصر وعدم اختلاس النظرات وملء العين من النظر إلى الجنس الآخر (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) (النور: 30)،(وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) (النور: 31).

كل هذه الاحتياطات وأزيد منها مما ورد في الأحاديث الشريف اتخذها الشارع المقدس لسد منافذ الشيطان الذي

ص: 166

يعترف بأن اقوي سلاح بيده هو سلاح الشهوة الجنسية فمن أراد لنفسه راحة البال والسعادة في الدارين: الدنيا والآخرة فليلتزم بهذه التعاليم الإلهية الشريفة وعصيان نفسه فإن اتباع الشهوات وان كان يبدو لأول مرة لذيذاً وموافقاً للنفس إلا أنه يورث النكد والشقاء والتعاسة فيما بعد ولا ينبغي لعاقل أن يضيع حياته الباقية الخالدة بلذة فانية زائلة فكم من لذة أورثت حسرة وندامة دائمة فالمؤمن الحقيقي من ملك زمام نفسه ولا يترك لها حبلها على غاربها فإنها كالدابة الصعبة إن لم يمسك بها راكبها أقحمته في المهالك.

وأمام كل هذا لا يجوز التذرع بمبررات واهية فإنما هي من نزغات الشيطان يلقيها في روع الإنسان ليغريه بفعل المعصية ومقارفة الذنوب ومن ثم يضحك عليه ويستهزئ به ويتبرأ منه (وَ إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَ قالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَ إِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللّهَ وَ اللّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) (الأنفال: 48)، فهذا هو الشيطان الذي وهب له الخلود في هذه الدنيا وأعطي سلطة على البشر يسري في عروقهم كالدم لما علم بالحقيقة رجع وخاف الله لان الله شديد العقاب أي انه

ص: 167

لم يجد ما أعطاه الله ثمناً لمعصية الله فكيف ارتضى هؤلاء معصية جبار السموات والأرض بثمن بخس هو ضحكة من هذه أو دينار زائد يحصل عليه؟ وهل جرب أن الالتزام بالشريعة يحرمه من الرزق حتى لجأ إلى التوسل بالمعاصي والذنوب؟

أجد في هذه الكلمات الصادقة المطعمة بالآيات المباركة لتذكر إخواني المؤمنين حتى يجتنبوا هذه المخالفات الشرعية ولا يسمحون بوقوعها في المجتمع، وإلا فإن النتيجة الدمار للجميع؛ فإن المجتمع البشري شبّهه رسول لله صلى الله عليه وآله وسلم بالسفينة فلا يحق لأحد أن يقول هذه خشبتي أستطيع أن أقلعها؛ لأن السفينة كلها تغرق وكذلك المجتمع البشري فإن أي أحد منه إذا فعل فاحشة ولم يستنكرها الآخرون ويعملوا على إزالتها كان ذلك سببا لاستشراء الداء والانحراف في المجتمع كله فيضيع الجميع والعياذ بالله.

أسال الله رضاه لنا جميعا وان يجنبنا معصيته إنه ولي النعم.

ص: 168

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.