موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 6 التعادل و الترجیح و الاجتهاد والتقلید المجلد 2

هویة الکتاب

عنوان واسم المؤلف: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 6 التعادل و الترجیح و الاجتهاد والتقلید/ [روح الله الامام الخمیني قدس سرة].

مواصفات النشر : طهران : موسسة تنظیم و نشر آثارالامام الخمیني قدس سرة، 1401.

مواصفات المظهر: 2ج.

الصقيع: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة

ISBN: 9789642123568

حالة القائمة: الفيفا

ملاحظة: الببليوغرافيا مترجمة.

عنوان : الخميني، روح الله، قائد الثورة ومؤسس جمهورية إيران الإسلامية، 1279 - 1368.

عنوان : الفقه والأحكام

المعرف المضاف: معهد الإمام الخميني للتحرير والنشر (س)

ترتيب الكونجرس: BP183/9/خ8الف47 1396

تصنيف ديوي : 297/3422

رقم الببليوغرافيا الوطنية : 3421059

عنوان الإنترنت للمؤسسة: https://www.icpikw.ir

جمعية خيرية رقمية: مركز خدمة مدرسة إصفهان

محرّر: محمّد علي ملك محمّد

ص: 1

الاجتهاد والتقليد

ص: 2

ص: 3

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين

والصلاة والسلام على محمّد وآله

الطاهرين ، ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين

ص: 1

ص: 2

ونذكر مهمّات مباحثهما ، ونترك ما لا ثمرة مهمّة فيه ، ونتمّ في ضمن فصول :

ص: 3

ص: 4

الفصل الأوّل: ذكر شؤون الفقيه نريد أن نبيّن فيه :

اشارة

من لا يجوز له أن يرجع إلى غيره في تكاليفه الشرعية .

ومن يجوز له العمل على طبق رأيه ويكون معذوراً أو مثاباً لو عمل به .

ومن يجوز له الإفتاء .

ومن له منصب القضاء ويكون حكمه فاصلاً للخصومة .

ومن تكون له الولاية والزعامة في الاُمور السياسية الشرعية .

ومن يكون مرجعاً للفتيا ويجوز أو يجب لغيره الرجوع إليه .

ولمّا كانت ديانة الإسلام كفيلةً بجميع احتياجات البشر ؛ من اُموره السياسية واجتماعاته المدنية إلى حياته الفردية - كما يتّضح ذلك بالرجوع إلى أحكامه في فنون الاحتياجات ، وشؤون الاجتماع وغيرها - فلا محالة يكون لها في كلّ ما أشرنا إليه تكليف .

فلنذكر العناوين الستّة في اُمور :

ص: 5

الأمر الأوّل: فيمن لا يجوز له الرجوع إلى الغير

إنّ الموضوع لعدم جواز الرجوع إلى الغير في التكليف ، وعدم جواز تقليد الغير ، هو قوّة استنباط الأحكام من الأدلّة وإمكانه ولو لم يستنبط شيئاً منها بالفعل . فلو فرض حصولها لشخص من ممارسة مقدّمات الاجتهاد ، من غير الرجوع إلى مسألة واحدة في الفقه - بحيث يصدق عليه : أ نّه جاهل بالأحكام غير عارف بها - لا يجوز له الرجوع إلى غيره في الفتوى مع قوّة الاستنباط فعلاً وإمكانه له ، من غير فرق بين من له قوّة مطلقة ، أو في بعض الأبواب ، أو الأحكام بالنسبة إليها ؛ لأنّ الدليل على جواز رجوع الجاهل إلى العالم ، هو بناء العقلاء ولا دليل لفظي يتمسّك بإطلاقه ، ولم يثبت بناؤهم في مثله ؛ فإنّ من له قوّة الاستنباط وتتهيّأ له أسبابه ، ويحتمل في كلّ مسألة أن تكون الأمارات والاُصول الموجودة فيها مخالفة لرأي غيره بنظره ، ويكون غيره مخطئاً في اجتهاده ، وتكون له طرق فعلية إلى إحراز تكليفه ، لا يعذره العقلاء في رجوعه إليه .

وبالجملة : موضوع بناء العقلاء ظاهراً هو الجاهل الذي لا يتمكّن من تحصيل الطريق فعلاً إلى الواقع ، لا مثل هذا الشخص الذي تكون الطرق والأمارات إلى الواقع وإلى وظائفه موجودة لديه ، ولم يكن الفاصل بينه وبين العلم بوظائفه وتكاليفه إلاّ النظر والرجوع إلى الكتب المعدّة لذلك ، فيجب عليه

ص: 6

عقلاً الاجتهاد ، وبذل الوسع في تحصيل مطلوبات الشرع ، وما يحتاج إليه في أعمال نفسه .

وما قد يتراءى من رجوع بعض أصحاب الصناعات أحياناً إلى بعض في تشخيص بعض الاُمور ، إنّما هو من باب ترجيح بعض الأغراض على بعض ، كما لو كان له شغل أهمّ من تشخيص ذلك الموضوع ، أو يكون من باب الاحتياط وتقوية نظره بنظره ، أو من باب رفع اليد عن بعض الأغراض ؛ لأجل عدم الاهتمام به ، وترجيح الاستراحة عليه وغير ذلك ، وقياس التكاليف الإلهية بها مع الفارق .

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ رجوع الجاهل في كلّ صنعة إلى الخبير فيها إنّما هو لأجل إلغاء احتمال الخلاف ، وكون نظره مصيباً فيه نوعاً ، ومبنى العقلاء فيه هو المبنى في العمل على أصالة الصحّة ، وخبر الثقة ، واليد ، وأمثالها ، وهذا محقّق في الجاهل الذي له قوّة الاستنباط وغيره .

نعم ، الناظر في المسألة إذا كان نظره مخالفاً لغيره لا يجوز له الرجوع إليه ؛ لتخطئة اجتهاده في نظره ، وأمّا غيره فيجوز له الرجوع إليه بمناط رجوع الجاهل إلى العالم ، وهو إلغاء احتمال الخلاف .

لكنّه محلّ إشكال ، خصوصاً مع ما يرى من كثرة اختلاف نظر الفقهاء في الأحكام؛ ولهذا يحتمل أن يكون للانسداد دخالة في ذلك الرجوع .

ويحتمل أن يكون مبنى المسألة سيرة المتشرّعة ، والقدر المتيقّن منها غير ما نحن فيه ؛ والمسألة مشكلة ، وسيأتي مزيد توضيح إن شاء اللّه (1) .

ص: 7


1- يأتي في الصفحة 58 .

الأمر الثاني: فيمن يجوز له العمل على طبق رأيه ويجوز له الإفتاء

اشارة

موضوع جواز العمل على رأيه ؛ بحيث يكون مثاباً أو معذوراً في العمل به عقلاً وشرعاً هو تحصيل الحكم الشرعي المستنبط بالطرق المتعارفة لدى أصحاب الفنّ ، أو تحصيل العذر كذلك ، وهو لا يحصل إلاّ بتحصيل مقدّمات الاجتهاد ، وهي كثيرة :

مقدّمات الاجتهاد

منها : العلم بفنون العلوم العربية بمقدار يحتاج إليه في فهم الكتاب والسنّة ، فكثيراً ما يقع المحصّل في خلاف الواقع ؛ لأجل القصور في فهم اللغة وخصوصيات كلام العرب لدى المحاورات ، فلا بدّ له من التدبّر في محاورات أهل اللسان وتحصيل علم اللغة وسائر العلوم العربية بالمقدار المحتاج إليه .

ومنها : الاُنس بالمحاورات العرفية وفهم الموضوعات العرفية ممّا جرت محاورة الكتاب والسنّة على طبقها ، والاحتراز عن الخلط بين دقائق العلوم والعقليات الرقيقة وبين المعاني العرفية العادية ؛ فإنّه كثيراً ما يقع الخطأ لأجله ، كما يتّفق كثيراً لبعض المشتغلين بدقائق العلوم - حتّى اُصول الفقه بالمعنى الرائج في أعصارنا - الخلطُ بين المعاني العرفية السوقية الرائجة بين أهل المحاورة المبنيّ عليها الكتاب والسنّة ، والدقائق الخارجة عن فهم العرف .

ص: 8

بل قد يوقع الخلط لبعضهم بين الاصطلاحات الرائجة في العلوم الفلسفية أو الأدقّ منها وبين المعاني العرفية في خلاف الواقع لأجله .

ومنها : تعلّم المنطق بمقدار تشخيص الأقيسة ، وترتيب الحدود ، وتنظيم الأشكال من الاقترانيات وغيرها ، وتمييز عقيمها من غيرها ، والمباحث الرائجة منه في نوع المحاورات ؛ لئلاّ يقع في الخطأ لأجل إهمال بعض قواعده . وأمّا تفاصيل قواعده ودقائقه الغير الرائجة في لسان أهل المحاورة ، فليست لازمة ، ولا يحتاج إليها في الاستنباط .

ومنها : - وهو من المهمّات - العلم بمهمّات مسائل اُصول الفقه ممّا هي دخيلة في فهم الأحكام الشرعية . وأمّا المسائل التي لا ثمرة لها ، أو لا يحتاج في تثمير الثمرة منها إلى تلك التدقيقات والتفاصيل المتداولة ، فالأولى ترك التعرّض لها أو تقصير مباحثها والاشتغال بما هو أهمّ وأثمر . فمن أنكر دخالة علم الاُصول في استنباط الأحكام(1) فقد أفرط ؛ ضرورة تقوّم استنباط كثير من الأحكام بإتقان مسائله ، وبدونه يتعذّر الاستنباط في هذا الزمان ، وقياس زمان أصحاب الأئمّة بزماننا مع الفارق من جهات .

وظنّي أنّ تشديد نكير بعض أصحابنا الأخباريين على الاُصوليين في تدوين الاُصول وتفرّع الأحكام عليها ، إنّما نشأ من ملاحظة بعض مباحث كتب الاُصول ممّا هي شبيهة في كيفية الاستدلال والنقض والإبرام بكتب العامّة ، فظنّوا أنّ مباني استنباطهم الأحكام الشرعية أيضاً شبيهة بهم ؛ من استعمال

ص: 9


1- راجع الفوائد المدنية : 77 و123 ؛ الحدائق الناضرة 9 : 362 .

القياس والاستحسان والظنون ، مع أنّ المطّلع على طريقتهم في استنباطها يرى أ نّهم لم يتعدّوا عن الكتاب والسنّة والإجماع الراجع إلى كشف الدليل المعتبر لا المصطلح بين العامّة .

نعم ، ربّما يوجد في بعض كتب الأعاظم لبعض الفروع المستنبطة من الأخبار استدلالات شبيهة باستدلالاتهم ؛ لمصالح منظورة في تلك الأزمنة ، وهذا لا يوجب الطعن على أساطين الدين وقوّام المذهب .

والإنصاف : أنّ إنكارهم في جانب الإفراط ، كما أنّ كثرة اشتغال بعض طلبة الاُصول والنظر إليه استقلالاً ، وتوهّم أ نّه علم برأسه ، وتحصيلَه كمال النفس ، وصرفَ العمر في المباحث الغير المحتاج إليها في الفقه لهذا التوهّم ، في طرف التفريط ، والعذر بأنّ الاشتغال بتلك المباحث يوجب تشحيذ الذهن والاُنس بدقائق الفنّ ، غير وجيه .

فالعاقل الضنين بنقد عمره لا بدّ [له] من ترك صرفه فيما لا يعني ، وبذل جهده فيما هو محتاج إليه في معاشه ومعاده ؛ وهو نفس مسائل علم الفقه الذي هو قانون المعاش والمعاد ، وطريق الوصول إلى قرب الربّ بعد العلم بالمعارف . فطالب العلم والسعادة لا بدّ وأن يشتغل بعلم الاُصول بمقدار محتاج إليه - وهو ما يتوقّف عليه الاستنباط - ويترك فضول مباحثه أو يقلّله ، وصرف الهمّ والوقت في مباحث الفقه ، خصوصاً فيما يحتاج إليه في عمله ليلاً ونهاراً .

ومنها : علم الرجال بمقدار يحتاج إليه في تشخيص الروايات ، ولو بالمراجعة إلى الكتب المعدّة له حال الاستنباط .

ص: 10

وما قيل : من عدم الاحتياج إليه ؛ لقطعية صدور ما في الكتب الأربعة ، أو شهادة مصنّفيها بصحّة جميعها ، أو غير ذلك(1) ، كما ترى .

ومنها : - وهو الأهمّ الألزم - معرفة الكتاب والسنّة ممّا يحتاج إليه في الاستنباط ولو بالرجوع إليهما حال الاستنباط ، والفحص عن معانيهما لغة وعرفاً ، وعن معارضاتهما والقرائن الصارفة بقدر الإمكان والوسع ، وعدم [التقصير] فيه ، والرجوع إلى شأن نزول الآيات وكيفية استدلال الأئمّة علیهم السلام بها .

والمهمّ للطالب المستنبط الاُنس بالأخبار الصادرة عن أهل البيت ؛ فإنّها رحى العلم ، وعليها يدور الاجتهاد ، والاُنس بلسانهم وكيفية محاوراتهم ومخاطباتهم من أهمّ الاُمور للمحصّل .

فعن «معاني الأخبار» بسنده عن داود بن فرقد قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا ؛ إنّ الكلمة لتنصرف على وجوه ، فلو شاء إنسان لصرف كلامه كيف شاء ولا يكذب»(2) .

وعن «العيون» بإسناده عن الرضا علیه السلام قال : «من ردّ متشابه القرآن إلى محكمه فقد هدي إلى صراط مستقيم» . ثمّ قال علیه السلام : «إنّ في أخبارنا محكماً كمحكم القرآن ، ومتشابهاً كمتشابه القرآن ، فردّوا متشابهها إلى محكمها ،

ص: 11


1- الفوائد المدنية : 122 و378 ؛ اُنظر الرسائل الاُصولية ، الوحيد البهبهاني : 112 ؛ تنقيح المقال 1 : 177 / السطر 32 .
2- معاني الأخبار : 1/1 ؛ وسائل الشيعة 27 : 117 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب9 ، الحديث 27 .

ولا تتّبعوا متشابهها دون محكمها فتضلّوا»(1) .

ومنها : تكرير تفريع الفروع على الاُصول حتّى تحصل له قوّة الاستنباط وتكمل فيه ؛ فإنّ الاجتهاد من العلوم العملية ، وللعمل فيه دخالة تامّة ، كما لا يخفى .

ومنها : الفحص الكامل عن كلمات القوم ، خصوصاً قدماؤهم الذين دأبهم الفتوى بمتون الأخبار ، كشيخ الطائفة في بعض مصنّفاته ، والصدوقين ، ومن يحذو حذوهم ، ويقرب عصره [من] أعصارهم ؛ لئلاّ يقع في خلاف الشهرة القديمة التي فيها - في بعض الموارد - مناط الإجماع(2) .

ولا بدّ للطالب [من] الاعتناء بكلمات أمثالهم ، وبطريقتهم في الفقه ، وطرز استنباطهم ؛ فإنّهم أساطين الفنّ ، مع قربهم بزمان الأئمّة ، وكون كثير من الاُصول لديهم ممّا هي مفقودة في الأعصار المتأخّرة ، حتّى زمن المحقّق والعلاّمة .

وكذا الفحص عن فتاوى العامّة ، [ولا] سيّما في مورد تعارض الأخبار ، فإنّه المحتاج إليه في علاج التعارض ، بل الفحص عن أخبارهم ؛ فإنّه ربّما يعينه في فهم الأحكام . فإذا استنبط حكماً شرعياً بعد الجهد الكامل وبذل الوسع فيما تقدّم ، يجوز له العمل بما استنبط ، ويكون معذوراً لو فرض تخلّفه عن الواقع .

ثمّ اعلم : أنّ موضوع جواز الإفتاء أيضاً عين ما ذكر ؛ فإنّه إذا اجتهد واستنبط الحكم الواقعي أو الظاهري ، فكما يجوز له العمل به ، يجوز له الإفتاء به ، وهذا واضح .

ص: 12


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 290 / 39 ؛ وسائل الشيعة 27 : 115 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي، الباب 9 ، الحديث 22 .
2- راجع أنوار الهداية 1 : 207 - 210 .

الأمر الثالث: فيمن يجوز له التصدّي لمنصبي القضاء والحكومة

اشارة

موضوع القضاء ليس هو ما تقدّم ؛ لأنّه لمّا كان من المناصب المجعولة ، فلا بدّ من ملاحظة دليل جعله سعةً وضيقاً ، وكذا الحال في الحكومة ونفوذ الحكم في الاُمور السياسية ممّا يحتاج إليه الناس في حياتهم المدنية .

مقتضى الأصل الأوّلي في المقام

فنقول : لا إشكال في أنّ الأصل عدم نفوذ حكم أحد على غيره ، قضاءً كان أو غيره ، نبياً كان الحاكم أو وصيّ نبي أو غيرهما ، ومجرّد النبوّة والرسالة والوصاية والعلم - بأيّ درجة كان - وسائر الفضائل ، لا يوجب أن يكون حكم صاحبها نافذاً وقضاؤه فاصلاً .

فما يحكم به العقل هو نفوذ حكم اللّه - تعالى شأنه - في خلقه ؛ لكونه مالكهم وخالقهم ، والتصرّف فيهم - بأيّ نحو من التصرّف - يكون تصرّفاً في ملكه وسلطانه ، وهو - تعالى شأنه - سلطان على كلّ الخلائق بالاستحقاق الذاتي ، وسلطنة غيره ونفوذ حكمه وقضائه تحتاج إلى جعله .

وقد نصب النبي للخلافة والحكومة مطلقاً ؛ قضاءً كانت أو غيره ، فهو صلی الله علیه و آله وسلم سلطان من قبل اللّه تعالى على العباد بجعله :

ص: 13

قال تعالى : (النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)(1) .

وقال : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّه ِ وَالرَّسُولِ)(2) .

وقال : (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِى أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)(3) .

ثمّ بعد النبي صلی الله علیه و آله وسلم كان الأئمّة علیهم السلام واحداً بعد واحد سلطاناً وحاكماً على العباد ، ونافذاً حكمهم من قبل نصب اللّه تعالى ونصب النبي ؛ بمقتضى الآية المتقدّمة ، والروايات المتواترة بين الفريقين عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم (4) ، واُصول المذهب ، هذا ممّا لا إشكال فيه .

ص: 14


1- الأحزاب (33) : 6 .
2- النساء (4) : 59 .
3- النساء (4) : 65 .
4- كقوله صلى الله عليه و آله وسلم : «إنّي تارك فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا بعدي ؛ الثقلين ، أحدهما أعظم من الآخر ؛ كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ألا وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض» . الخصال : 65 / 98 ؛ الكافي 1 : 293 / 3 ؛ وسائل الشيعة 27 : 33 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 5 ، الحديث 9 مع تفاوت يسير ؛ المسند ، أحمد بن حنبل 10 : 48 / 11046 ؛ سنن الترمذي 5 : 328 / 3876 . وكقوله صلى الله عليه و آله وسلم : «لا يزال الدين قائماً حتّى يكون اثنا عشر خليفة من قريش» . المسند ، أحمد بن حنبل 15 : 332 / 20701 ؛ صحيح مسلم 4 : 101 / 10 ؛ كنز العمّال 12 : 33 / 33855 ؛ الخصال : 473 / 30 .

القضاء والحكومة في زمان الغيبة

اشارة

وإنّما الإشكال في أمر القضاء والحكومة في زمان الغيبة ، بعد قضاء الأصل المتقدّم ، وبعد دلالة الأدلّة على أنّ القضاء والحكومة من المناصب الخاصّة للخليفة والنبي والوصيّ :

قال تعالى : (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِى الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ)(1) .

دلّ على أنّ جواز الحكومة بالحقّ من متفرّعات الخلافة ، وغيرَ الخليفة لا يجوز له الحكم حتّى بالحقّ ، فتأمّل .

وإنّما قلنا: بجوازها؛ لكون الأمر في مقام رفع الحظر، فلا يستفاد منه إلاّ الجواز.

وتدلّ عليه أيضاً صحيحة سليمان بن خالد ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «اتّقوا الحكومة ؛ فإنّ الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء ، العادل في المسلمين ؛ لنبي ، أو وصيّ نبي»(2) .

ورواية إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «قال أمير المؤمنين لشريح : يا شريح ، قد جلست مجلساً لا يجلسه إلاّ نبي أو وصيّ نبي أو شقيّ»(3) فلا بدّ في الإخراج من الأصل والأدلّة من دليل معتبر .

ص: 15


1- ص 38 : 26 .
2- الكافي 7 : 406/ 1 ؛ وسائل الشيعة 27 : 17 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 3 ، الحديث3 .
3- الكافي 7 : 406 / 2 ؛ وسائل الشيعة 27 : 17 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 3 ، الحديث 2 .
الاستدلال على ثبوت منصبي الحكومة والقضاء للفقيه في زمن الغيبة:
الاستدلال بالضرورة

فنقول : إنّا نعلم علماً ضرورياً بأنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم المبعوث بالنبوّة الختمية أكمل النبوّات وأتمّ الأديان ، بعد عدم إهماله جميع ما يحتاج إليه البشر حتّى آداب النوم والطعام ، وحتّى أرش الخدش ، لا يمكن أن يهمل هذا الأمر المهمّ الذي يكون من أهمّ ما تحتاج إليه الاُمّة ليلاً ونهاراً ، فلو أهمل - والعياذ باللّه - مثل هذا الأمر المهمّ ؛ أي أمر السياسة والقضاء ، لكان تشريعه ناقصاً ، وكان مخالفاً لخطبته في حجّة الوداع(1) .

وكذا لو لم يعيّن تكليف الاُمّة في زمان الغيبة ، أو لم يأمر الإمام بأن يعيّن تكليف الاُمّة في زمانها، مع إخباره بالغيبة وتطاولها(2) ، كان نقصاً فاحشاً على ساحة التشريع والتقنين ، يجب تنزيهها عنه .

فالضرورة قاضية بأنّ الاُمّة بعد غيبة الإمام علیه السلام في تلك الأزمنة المتطاولة ،

ص: 16


1- وهو قوله صلى الله عليه و آله وسلم : «أيُّها الناس ، واللّه ما من شيء يقرّبكم من الجنّة ويباعدكم من النار إلاّ وقد أمرتكم به ، وما من شيء يقرّبكم من النار ويباعدكم من الجنّة إلاّ وقد نهيتكم عنه . . .» . الكافي 2 : 74 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 45 ، كتاب التجارة ، أبواب مقدّماتها ، الباب 12 ، الحديث 2 .
2- راجع كمال الدين : 257 / 2 ؛ بحار الأنوار 51 : 108 / 42، و52 :143 / 60 و61 .

لم تترك سدىً في أمر السياسة والقضاء الذي هو من أهمّ ما يحتاجون إليه ، خصوصاً مع تحريم الرجوع إلى سلاطين الجور وقضاتهم ، وتسميته : «رجوعاً إلى الطاغوت» وأنّ المأخوذ بحكمهم سحت ولو كان الحقّ ثابتاً(1) ، وهذا واضح بضرورة العقل ، وتدلّ عليه بعض الروايات(2) .

وما قد يقال : من أنّ غيبة الإمام منّا ، فلا يجب تعيين السائس بعد ذلك ، غير مقنع ؛ فأيّ دخالة لأشخاص الأزمنة المتأخّرة في غيبته روحي له الفداء ، خصوصاً مثل الشيعة الذين يدعون ربّهم ليلاً ونهاراً لتعجيل فرجه ؟!

فإذا علم عدم إهمال جعل منصب الحكومة والقضاء بين الناس ، فالقدر المتيقّن هو الفقيه العالم بالقضاء والسياسات الدينية العادل في الرعية .

خصوصاً مع ما يرى من تعظيم اللّه تعالى ورسوله الأكرم والأئمّة علیهم السلام العلم وحملته ، وما ورد في حقّ العلماء من كونهم «حصون الإسلام»(3) ، و«اُمناء»(4) ،

ص: 17


1- الكافي 1 : 67/ 10 ؛ وسائل الشيعة 27 : 136 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 1 .
2- كقوله عليه السلام : «فإن قال قائل : ولمَ جَعل اُولي الأمر وأمر بطاعتهم ؟ قيل : لعلل كثيرة : منها : أنّ الخلق لمّا وقفوا على حدّ محدود . . . فجعل عليهم فيما يمنعهم من الفساد ، ويقيم فيهم الحدود والأحكام . . .» والرواية طويلة ، راجع علل الشرائع : 253 / 3 ؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام : 99 / 1 ؛ بحار الأنوار 6 : 60 .
3- الكافي 1 : 38/ 3 .
4- الكافي 1 : 33 / 5 .

و«ورثة الأنبياء»(1) ، و «خلفاء رسول اللّه»(2) ، و«اُمناء الرسل»(3) ، وأ نّهم «كسائر الأنبياء»(4) ، و«منزلتهم منزلة الأنبياء في بني إسرائيل»(5) ، وأ نّهم «خير خلق اللّه بعد الأئمّة إذا صلحوا»(6) ، و«أنّ فضلهم على الناس كفضل النبي على أدناهم»(7) ، وأ نّهم «حكّام على الملوك»(8) ، وأ نّهم «كفيل أيتام أهل البيت»(9) ، و«أنّ مجاري الاُمور والأحكام على أيدي العلماء باللّه الاُمناء على حلاله وحرامه»(10) . . . إلى غير ذلك(11) ؛ فإنّ الخدشة في كلّ واحد منها سنداً أو دلالة ممكنة ، لكن مجموعها يجعل الفقيه العادل قدراً متيقّناً ، كما ذكرنا .

ص: 18


1- الكافي 1 : 32/ 2 ؛ وسائل الشيعة 27 : 78 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 8 ، الحديث 2 .
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 37 / 94 ؛ وسائل الشيعة 27 : 92 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 8 ، الحديث 53 .
3- الكافي 1 : 46 / 5 .
4- جامع الأخبار : 111 / 196 .
5- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 338 ؛ بحار الأنوار 75 : 346/ 4 .
6- الاحتجاج 2 : 513 / 337 ؛ بحار الأنوار 2 : 89 / 12 .
7- راجع مجمع البيان 9 : 380 .
8- كنز الفوائد 2 : 33 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 316 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 17 .
9- راجع التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري عليه السلام: 339؛ بحار الأنوار 2: 2 - 3.
10- تحف العقول : 238 ؛ مستدرك الوسائل 17 :315 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 16 .
11- راجع عوائد الأيّام : 531 - 535 .
الاستدلال بمقبولة عمر بن حنظلة

وممّا يدلّ على أنّ القضاء بل مطلق الحكومة للفقيه ، مقبولة عمر بن حنظلة وهي لاشتهارها بين الأصحاب والتعويل عليها في مباحث القضاء ، مجبورة من حيث السند ، ولا إشكال في دلالتها ، فإنّه بعد ما شدّد أبو عبداللّه علیه السلام النكير على من رجع إلى السلطان والقضاة ، وأنّ «ما يؤخذ بحكمهم سحت ولو كان حقّاً ثابتاً» قال : قلت : فكيف يصنعان ؟

قال : «ينظران إلى من كان منكم ممّن قد روى حديثنا ، ونظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا ، فليرضوا به حكماً ؛ فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً . . .»(1) إلى آخره .

دلّت على أنّ الذي نصبه للحكومة هو الذي يكون منّا - فغيرنا ليس منصوباً لها ، ولا يكون حكمه نافذاً ولو حكم بحكمهم - ويكون راوي الحديث ، والناظر في حلالهم وحرامهم ، والعارفَ بأحكامهم ؛ وهو الفقيه ؛ فإنّ غيره ليس ناظراً في الحلال والحرام ، وليس عارفاً بالأحكام .

بل راوي الحديث في زمانهم كان فقيهاً ؛ فإنّ الظاهر من قوله : «ممّن روى حديثنا» أي كان شغله ذلك ؛ وهو الفقيه في تلك الأزمنة ؛ فإنّ المتعارف فيها بيان الفتوى بنقل الرواية ، كما يظهر للمتتبّع ، فالعامّي ومن ليست له ملكة الفقاهة والاجتهاد خارج عن مدلولها .

ص: 19


1- الكافي 1 : 67 / 10 ؛ الفقيه 3 : 5 / 18 ؛ تهذيب الأحكام 6 : 301 / 845 ؛ وسائل الشيعة 27 : 136 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 1 .

وإن شئت توضيحاً لذلك فاعلم : أ نّه يمكن أن يستدلّ على الاختصاص بالمجتهد وخروج العامّي ، بقوله : «نظر في حلالنا وحرامنا» لا من مفهوم «النظر» الذي يدّعى أ نّه بمعنى الاستنباط والدقّة في استخراج الأحكام(1) ، وإن كان لا يخلو من وجه .

بل لقوله : «حلالنا وحرامنا» فإنّ الحلال والحرام مع كونهما من اللّه تعالى لا منهم ، إنّما نسبا إليهم لكونهم مبيّنين لهما ، وأ نّهم محالّ أحكام اللّه ، فمعنى النظر في حرامهم وحلالهم ، هو النظر في الفتاوى والأخبار الصادرة منهم ، فجعل المنصب لمن نظر في الحلال والحرام الصادرين منهم ؛ أي الناظر في أخبارهم وفتاويهم ، وهو شأن الفقيه لا العامّي ؛ لأنّه ناظر في فتوى الفقيه ، لا في أخبار الأئمّة .

ودعوى إلغاء الخصوصية عرفاً مجازفة محضة ؛ لقوّة احتمال أن يكون للاجتهاد والنظر في أخبارهم مدخلية في ذلك ، بل لو ادّعى أحد القطع بأنّ منصب الحكومة والقضاء - بما لهما من الأهمّية ، وبمناسبة الحكم والموضوع - إنّما جعل للفقيه لا العامّي ، فليس بمجازف .

ويمكن الاستدلال بقوله : «عرف أحكامنا» من إضافة «الأحكام» إليهم كما مرّ بيانه ، ومن مفهوم «عرف» فإنّ عرفان الشيء لغة(2) وعرفاً ليس مطلق العلم به ، بل متضمّن لتشخيص خصوصيات الشيء وتمييزه من بين مشتركاته ، فكأ نّه

ص: 20


1- نهاية الدراية 6 : 364 - 365 .
2- مفردات ألفاظ القرآن : 560 .

قال : «إنّما جعل المنصب لمن كان مشخّصاً لأحكامنا ، ومميّزاً فتاوينا الصادرة لأجل بيان الحكم الواقعي وغيرها - ممّا هي معلّلة ولو بمؤونة التشخيصات والمميّزات الواردة من الأئمّة علیهم السلام - لكونها مخالفة للعامّة ، أو موافقة للكتاب» ومعلوم أنّ هذه الصفة من مختصّات الفقيه ، وغيره محروم منها .

وبالجملة : يستفاد من الفقرات الثلاث التي جعلت معرّفة للحاكم المنصوب ، أنّ ذلك هو الفقيه لا العامّي .

ويدلّ على المقصود قوله فيها : «وكلاهما اختلفا في حديثكم» فإنّ الظاهر من «الاختلاف» فيه هو الاختلاف في معناه ، لا في نقله ، وهو شأن الفقيه ، بل الاختلاف في الحكم الناشئ من اختلاف الروايتين ، لا يكون - نوعاً - إلاّ مع الاجتهاد وردّ كلّ منهما رواية الآخر ، وليس هذا شأن العامّي ، فتدلّ هذه الفقرة على أنّ المتعارف في تلك الأزمنة هو الرجوع إلى الفقيه .

ويدلّ عليه أيضاً قوله : «الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما» ، وقوله فيما بعد : «أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنّة» فإنّ المستفاد من جميع ذلك ، كون الفقاهة مفروغاً عنها في القاضي ، ولا إشكال في عدم صدق «الفقيه» و«الأفقه» على العامّي المقلّد .

ويدلّ قوله : «فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً» على أنّ للفقيه - مضافاً إلى منصب القضاء - منصب الحكومة أيّة حكومة كانت ؛ لأنّ الحكومة مفهوماً أعمّ من القضاء المصطلح ، والقضاءُ من شعب الحكومة والولاية ، ومقتضى المقبولة أ نّه علیه السلام جعل الفقيه حاكماً ووالياً ، ودعوى الانصراف غير مسموعة ، فللفقيه الحكومة على الناس فيما يحتاجون إلى الحكومة من الاُمور السياسية

ص: 21

والقضائية ، والمورد لا يوجب تخصيص الكبرى الكلّية .

هذا مع منع كون المورد خصوص القضاء المصطلح ؛ فإنّ قوله في الصدر : «فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة» يدلّ على أعمّية المورد ممّا يكون مربوطاً بالقضاء كباب القضاء ، أو الرجوع إلى السلطان والوالي ، فإنّ ما يرجع إليه غير ما يرجع إلى القضاة نوعاً ؛ فإنّ شأنهم التصرّف في الاُمور السياسية ، فمع أعمّية الصدر من القضاء ، لا وجه لاختصاص الحاكمية به .

فحينئذٍ : مقتضى الإطلاق جعل مطلق الحكومة - سياسية كانت أو قضائية - للفقيه ، وسؤال السائل بعده عن مسألة قضائية لا يوجب اختصاص الصدر بها ، كما هو واضح .

وقوله : «إذا حكم بحكمنا» ليس المراد الفتوى بحكم اللّه جزماً ، بل النسبة إليهم لكون الفقيه حاكماً من قبلهم ، فكان حكمه حكمَهم ، وردُّه ردَّهم .

عدم دلالة المقبولة على اشتراط الاجتهاد المطلق

ثمّ إنّ الجمع المضاف وإن كان يفيد العموم ، وكذا المصدر المضاف ، ولازمه جعل المنصب لمن عرف جميع الأحكام ، لكن لا يستفاد منهما العموم في المقام :

أمّا أوّلاً : فلأنّ وقوع الفقرات في مقابل المنع عن الرجوع إلى حكّام الجور وقضاتهم ، يمنع عن استفادة العموم ، بل الظاهر أن يكون المنصب لمن عرف أحكامهم ، ونظر في حلالهم وحرامهم ، في مقابل المنحرفين عنهم الحاكمين باجتهادهم ورأيهم ، بل الظاهر صدق قوله : «عرف أحكامنا» وغيره ،

ص: 22

على من عرف مقداراً معتدّاً به منها .

والمراد ب «رواية الحديث» ليس هو الرواية للغير ؛ ضرورة عدم مدخليتها في جعل المنصب ، بل المراد أن تكون فتواه على طبق الرواية ، ولمّا كان المتعارف في تلك الأزمنة الإفتاء بصورة الرواية ، قال : «روى حديثنا» .

وأمّا ثانياً : فلأنّ الظاهر من قوله : «عرف أحكامنا» هو المعرفة الفعلية ، وهي غير حاصلة بجميع الأحكام لغير الأئمّة ؛ بل غير ممكنة عادة ، فجعل المنصب له لغو فليس المراد معرفة جميع الأحكام ، وصرفها إلى قوّة المعرفة وملكة الاستنباط ممّا لا وجه له ، فيجب صرفها - على فرض الدلالة - إلى معرفة الأحكام بمقدار معتدّ به .

وأمّا ثالثاً : فعلى فرض إمكان المعرفة الفعلية بجميع الأحكام ، لا طريق لتشخيص هذا الفقيه ، فمن أين علم أنّه عارف فعلاً بجميع الأحكام ؟! فلا معنى للأمر بالرجوع إليه ، فلا بدّ من الحمل على غيره ، لكن يجب أن يكون بحيث يصدق عليه «أ نّه ممّن روى الحديث ، وعرف أحكامهم» وهو من عرف مقداراً معتدّاً به منها ، وعليه تحمل صحيحة أبي خديجة الآتية(1) .

فاعتبار الاجتهاد المطلق سواء كان بمعنى الملكة أو بمعنى العلم الفعلي ، ممّا لا دليل عليه ، بل الأدلّة على خلافه . نعم ، لا إشكال في اعتبار علمه بجميع ما وليه .

ثمّ إنّ الرواية لمّا كانت في مقام التحديد وبيان المعرّف للمنصوب ، يجب أخذ

ص: 23


1- تأتي في الصفحة 25 - 26 .

جميع القيود فيها قيداً إلاّ ما يدلّ العقل أو يفهم العرف عدم دخالته كما أشرنا إليه ، وفقه الحديث كَمَلاً وبيان الأحكام المستفادة منه ، موكول إلى كتاب القضاء .

الاستدلال بروايتي القدّاح وأبي البختري

وممّا يمكن الاستدلال عليه للمطلوب صحيحة القدّاح وضعيفة أبي البختري .

ففي الاُولى : «وإنّ العلماء ورثة الأنبياء ، إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ، ولكن ورّثوا العلم ، فمن أخذ منه أخذ بحظّ وافر»(1) .

وفي الثانية قال : «إنّ العلماء ورثة الأنبياء ، وذلك أنّ الأنبياء لم يورّثوا درهماً ولا ديناراً وإنّما أورثوا أحاديث من أحاديثهم ، فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظّاً وافراً . . .»(2) الحديث .

بأن يقال : إنّ مقتضى إخباره ب «أنّ العلماء ورثة الأنبياء» أنّ لهم الوراثة في كلّ شيء كان من شأن الأنبياء ، ومن شأنهم الحكومة والقضاء ، فلا بدّ وأن تكون الحكومة مطلقاً مجعولة لهم ، حتّى يصحّ هذا الإطلاق أو الإخبار .

وتذييلهما بقوله : «ولكن ورّثوا العلم» أو «إنّما أورثوا أحاديث» لا يوجب تخصيص الوراثة بهما ؛ لعدم استفادة الحصر الحقيقي منهما حتّى الثانية :

أمّا أوّلاً : فلأنّهما في مقابل عدم وراثة الدرهم والدينار ، فالحصر إضافي .

وأمّا ثانياً : فلأنّ الحمل على الحقيقي موجب لمخالفة الواقع ؛ لأنّ ميراث

ص: 24


1- الكافي 1 : 34 / 1 .
2- الكافي 1 : 32/ 2 ؛ وسائل الشيعة 27 : 78 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 8 ، الحديث 2 .

الأنبياء لا ينحصر بهما ، فالزهد والتقوى وسائر الكمالات من ميراث الأنبياء ، كما أنّ الولاية والقضاء منه .

ولكن للنظر فيه مجال واسع ؛ فإنّ قوله : «العلماء ورثة الأنبياء» ليس إنشاءً ، بل إخبار ، ويكفي في صدقه كونهم ورثة في العلم والحديث ، ولا يلزم الإخبار عن وراثتهم كونهم ورّاثاً في جميع شؤونهم .

نعم ، لو كان في مقام الإنشاء والجعل لأمكن دعوى إطلاقه على إشكال ، لكنّه ليس كذلك ، كما لا يخفى .

الاستدلال بمشهورة أبي خديجة وصحيحته

ومن الروايات الدالّة على المطلوب مشهورة أبي خديجة ؛ وهي ما روى الشيخ ، عن محمّد بن علي بن محبوب - وطريقه إليه صحيح في «المشيخة»(1) و«الفهرست»(2) - عن أحمد بن محمّد ؛ أي ابن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن أبي الجهم ، وهو بكير بن أعين ، وقد مات في حياة أبي عبداللّه علیه السلام (3) ، وهو ثقة على الأظهر .

لكن إدراك الحسين إيّاه بعيد ، بل الظاهر عدم إدراكه ، وكذا من في طبقته ، كما يظهر بالرجوع إلى طبقات الرواة ، ففي الرواية إرسال على الظاهر .

وأبو الجهم يروي عن أبي خديجة ؛ سالم بن مُكْرَم ، وهو ثقة ، فلا إشكال فيها

ص: 25


1- تهذيب الأحكام ، المشيخة 10 : 72 .
2- الفهرست، الطوسي: 222 / 623.
3- اختيار معرفة الرجال : 181 / 315 و316 ؛ رجال الطوسي : 170 / 43 .

إلاّ من جهة الظنّ بالإرسال ، ولو ثبت اشتهار العمل بها(1) - كما سمّيت «مشهورة»(2) - فيجبر ضعفها من جهته .

قال : بعثني أبو عبداللّه إلى أصحابنا فقال : «قل لهم: إيّاكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تدارى في شيء من الأخذ والعطاء ، أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفسّاق ، اجعلوا بينكم رجلاً قد عرف حلالنا وحرامنا ؛ فإنّي قد جعلته عليكم قاضياً ، وإيّاكم أن يخاصم بعضكم بعضاً إلى السلطان الجائر»(3) .

دلّت على جعله منصب القضاء لرجل عارف بحلالهم وحرامهم ، وتقريب الدلالة يظهر ممّا مرّ في المقبولة ، إلاّ أ نّها أظهر دلالة من المشهورة بجهات ، كما أنّ المستفاد منها جعل الحكومة مطلقاً للفقيه ، دون هذه .

بل يمكن أن يقال : بدلالتها على الحكومة أيضاً ؛ فإنّ صدرها عامّ في مطلق الخصومات ، سواء كانت راجعة إلى القضاة أو إلى الولاة ، و«القاضي» أعمّ لغة(4) وعرفاً عامّاً من الاصطلاحي ، وذيلها يؤكّد التعميم ؛ فإنّ التخاصم إلى السلطان ليس في الاُمور القضائية بحسب التعارف في جميع الأزمنة ، ولا سيّما في تلك الأزمنة .

ص: 26


1- مسالك الأفهام 13 : 335 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 12 : 7 ؛ مستند الشيعة 17 : 17 - 18 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16 : 547 .
3- تهذيب الأحكام 6 : 303 / 846 ؛ وسائل الشيعة 27 : 139 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 6 .
4- مفردات ألفاظ القرآن : 674 ؛ لسان العرب 11 : 209 .

ومن ذلك يمكن التمسّك بالصحيحة(1) ؛ فإنّ «أهل الجور» هم الولاة ، والقاضي حاكم بالجور، والظاهر من «أهل الجور» هم المتصدّون له ؛ وهم الولاة.

وقريب منها صحيحة أبي خديجة على الأصحّ(2) ، قال : قال أبو عبداللّه ؛ جعفر ابن محمّد الصادق علیه السلام : «إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور ، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا(3) ، فاجعلوه بينكم ؛ فإنّي قد جعلته قاضياً ، فتحاكموا إليه»(4) .

وهاهنا روايات اُخر استدلّوا بها للمطلوب(5) ، قاصرة سنداً أو دلالة أو كليهما ، لا بأس بذكرها تأييداً ، وقد أشرنا إلى مضامينها في أوائل هذا البحث(6) .

فتحصّل ممّا ذكرنا : أنّ القضاء بل الحكومة مطلقاً من مناصب الفقهاء ، وهذا ممّا لا إشكال فيه بالنسبة إلى منصب القضاء ؛ فإنّ الإجماع(7) بل الضرورة قاضيان بثبوته للفقيه في زمن الغيبة ، كما أنّ الأقوى ثبوت منصب الحكومة والولاية له في الجملة ، وبيان حدودها ومتفرّعاتها موكول إلى محلّ آخر(8) .

ص: 27


1- وهي صحيحة أبي خديجة الآتية بعد السطرين.
2- من جهة الوشّاء كما يأتي في الصفحة 30 - 31 .
3- كذا في التهذيب والوسائل ، والموجود في الكافي والفقيه : «قضائنا» بدل «قضايانا» .
4- الكافي 7 : 412 / 4 ؛ الفقيه 3 : 2 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 6 : 219 / 516 ؛ وسائل الشيعة 27 : 13 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 1 ، الحديث 5 .
5- عوائد الأيّام : 531 - 535 .
6- تقدّم في الصفحة 17 - 18 .
7- جواهر الكلام 40 : 31 .
8- البيع ، الإمام الخميني قدس سره 2 : 666 .
حول جواز القضاء للعامّي مستقلاًّ أو بنصب الحاكم أو بالتوكيل
اشارة

إنّما الإشكال في جواز القضاء للمقلّد مستقلاًّ ، أو بنصب الحاكم ، أو وكالته .

استقلال العامّي في القضاء

واستدلّ(1) على استقلاله باُمور :

منها : قوله تعالى في سورة النساء : (إِنَّ اللّه َ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّه َ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ)(2) .

فإنّ إطلاقه شامل للمقلّد العامّي ، ومعلوم أ نّه إذا أوجب اللّه تعالى الحكم بالعدل بين الناس ، فلا بدّ من إيجاب قبولهم ومن نفوذه فيهم ، وإلاّ لصار لغواً .

وفيه : أنّ الخطاب في صدر الآية متوجّه إلى من عنده الأمانة ، لا إلى مطلق الناس ، وفي ذيلها إلى من له الحكم وله منصب القضاء أو الحكومة ، لا إلى مطلق الناس أيضاً ، كما هو ظاهر بأدنى تأمّل ، فحينئذٍ يكون المراد : أنّ من له حكم بين الناس ، يجب عليه أن يحكم بينهم بالعدل .

هذا مضافاً إلى أنّها في مقام بيان وجوب العدل في الحكم ، لا وجوب الحكم ، فلا إطلاق لها من هذه الحيثية .

ويدلّ على أنّ الأمر متوجّه إلى من له الأمر - مضافاً إلى ظهور الآية - : ما روى الصدوق ، بإسناده عن المعلّى بن خنيس ، عن الصادق علیه السلام قال : قلت له :

ص: 28


1- جواهر الكلام 40 : 15 - 18 .
2- النساء (4) : 58 .

قول اللّه عزّ وجلّ : (إِنَّ اللّه َ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) .

فقال : «عدل الإمام أن يدفع ما عنده إلى الإمام الذي بعده ، واُمر الأئمّة أن يحكموا بالعدل ، وأمر الناس أن يتّبعوهم»(1) .

وليس هذا تفسيراً تعبّدياً خلاف ظاهر الآية ، بل هو ظاهرها ؛ لأنّ الحكومة بين الناس لمّا كانت في جميع الطوائف ، شأن الاُمراء والسلاطين ، لا يفهم العرف من الآية إلاّ كون الخطاب متوجّهاً إليهم ، لا إلى الرعية الذين ليس لهم أمر وحكم.

ومنها : مفهوم قوله في المائدة : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللّه ُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ)(2) .

وفي آية :(هُمُ الظَّالِمُونَ)(3) وفي ثالثة : (هُمُ الْفاسِقُونَ)(4) .

دلّت بمفهومها على وجوب الحكم بما أنزل اللّه ، وإطلاقه شامل للعامّي المقلّد .

وفيه : أنّ الآيات الكريمة في مقام بيان حرمة الحكم بغير ما أنزل اللّه ، ولا يستفاد منها جواز الحكم أو وجوبه لكلّ أحد ؛ لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة .

ص: 29


1- الفقيه 3 : 2 / 2 ؛ تهذيب الأحكام 6 : 223 / 533 ؛ وسائل الشيعة 27 : 14 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 1 ، الحديث 6 .
2- المائدة (5) : 44 .
3- المائدة (5) : 45 .
4- المائدة (5) : 47 .

والإنصاف : أنّ هذه الآيات وغيرها ممّا استدلّ بها المحقّق صاحب «الجواهر» قدّس سرّه (1) ، ليس لها إطلاق يمكن أن يتمسّك به للمطلوب ، مضافاً إلى أ نّه لو كان لها إطلاق ، ينصرف إلى من كان صاحب الأمر والحكم ، دون غيره .

ومنها : ما روى الصدوق بسنده عن أحمد بن عائذ ، وليس في طريقه(2) إليه من يمكن القدح فيه إلاّ الحسن بن علي الوشّاء ، وقد قال فيه النجاشي : كان من وجوه هذه الطائفة ، وقال : كان هذا الشيخ عيناً من عيون هذه الطائفة(3) .

وقد روى عنه الأجلّة ، كابن أبي عمير ، أحمد بن محمّد بن عيسى ، وأحمد بن محمّد بن خالد ، ومحمّد بن عيسى ، ويعقوب بن يزيد ، والحسين بن سعيد وغيرهم(4) .

وعن العلاّمة : الحكم بصحّة طرق هو فيها(5) ، بل قد يقال : إنّه من مشايخ

ص: 30


1- جواهر الكلام 40 : 15 - 18 .
2- قال الصدوق قدس سره في المشيخة : وما كان فيه عن أحمد بن عائذ ، فقد رويته عن أبي رضي اللّه عنه ، عن سعد بن عبداللّه ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن علي الوشّاء ، عن أحمد بن عائذ . الفقيه ، المشيخة 4 : 125 - 126 .
3- رجال النجاشي : 39 / 80 .
4- راجع تنقيح المقال 1 : 295 / السطر 22 ؛ جامع الرواة 1 : 211 .
5- وذلك في طريق الصدوق قدس سره إلى أبي الحسن النهدي ، وأحمد بن عائذ وغيرهما . خلاصة الأقوال : 422 ؛ الفقيه ، المشيخة 4 : 102 و125 ؛ اُنظر تنقيح المقال 1 : 295 / السطر23 .

الإجازة(1) فلا يحتاج إلى التوثيق ، وكيف كان فالأقوى وثاقته .

وأحمد بن عائذ ثقة ، روى عن أبي خديجة سالم بن مُكْرَم الجمّال ، وقد وثّقه النجاشي قائلاً : إنّه ثقة ثقة(2) ، ووثّقه الشيخ في موضع على ما عن العلاّمة(3) ، وإن ضعّفه في موضع كما عن «الفهرست»(4) والأرجح وثاقته .

قال : قال أبو عبداللّه ؛ جعفر بن محمّد الصادق علیه السلام : «إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور ، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا(5) فاجعلوه بينكم ؛ فإنّي قد جعلته قاضياً ، فتحاكموا إليه»(6) .

فإنّها بإطلاقها تشمل المقلّد ، لأنّ المراد ب «العلم» هو الأعمّ من الوجداني ، والمقلّد عالم بهذا المعنى ؛ لأنّ له طريقاً إلى الواقع .

وفيه : أنّ العلم بشيء من قضاياهم مختصّ بالفقيه ، أو منصرف إليه ؛ لأنّ العامّي إمّا أن يتّكل على فتوى الفقيه في القضاء ، فلا يصدق عليه «أ نّه يعلم شيئاً من قضاياهم» بل هو يعلم فتوى الفقيه في القضاء ، وهو طريق إلى حكم اللّه تعالى .

وإمّا أن يتّكل على إخبار الفقيه بقضاياهم ، وهذا غير جائز ؛ لأنّه لا يزيد على

ص: 31


1- تنقيح المقال 1 : 295 / السطر 23 .
2- رجال النجاشي : 188/ 501 .
3- خلاصة الأقوال: 354 / 2.
4- الفهرست ، الطوسي: 141 / 337.
5- راجع ما تقدّم في الصفحة 27 ، الهامش 3 .
6- الكافي 7 : 412/ 4 ؛ الفقيه 3 : 2/ 1 ؛ تهذيب الأحكام 6: 219 / 516؛ وسائل الشيعة 27 : 13 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 1 ، الحديث 5 .

رواية مرسلة غير جائزة العمل ، مع أ نّه على فرض صحّة السند ، لا يجوز له العمل بها إلاّ مع الفحص عن معارضها ، وإعمال سائر مقدّمات الاستنباط ، وهو خارج عن المفروض .

وبالجملة : العلم بفتوى الفقيه ، لا يوجب انسلاكه في قوله : «يعلم شيئاً من قضايانا» . نعم ، يمكن الاستدلال بها لثبوت منصب القضاء للمتجزّي ، وهو ليس ببعيد .

ومنها : صحيحة الحلبي ، قال : قلت لأبي عبداللّه : ربّما كان بين الرجلين من أصحابنا المنازعة في الشيء ، فيتراضيان برجل منّا .

فقال : «ليس هو ذاك ، إنّما هو الذي يجبر الناس على حكمه بالسيف والسوط»(1) .

فإنّ إطلاق قوله : «رجل منّا» يشمل المقلّد ، وترك الاستفصال دليل العموم .

وأيضاً : حصر عدم الجواز فيمن يجبر الناس بسيفه وسوطه ، دليل على جواز الرجوع لغيرهم مطلقاً .

وفيه : أنّ الظاهر من قوله : «ليس هو ذاك» كون الكلام مسبوقاً بسابقة بين المتخاطبين غير منقولة إلينا ، ومعه يشكل الاعتماد على الإطلاق وترك الاستفصال . مضافاً إلى عدم الإطلاق ؛ لعدم كونه في مقام البيان ، بل هو في مقام بيان حكم آخر .

والحصر إضافي ؛ ضرورة عدم جواز الرجوع إلى قضاة العامّة ممّن ليس لهم

ص: 32


1- تهذيب الأحكام 6 : 223 / 532 ؛ وسائل الشيعة 27 : 15 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 1 ، الحديث 8 .

سيف وسوط . ومضافاً إلى عدم جواز الاعتماد على الحصر أيضاً مع معهودية القضيّة بينهما ، عدم نقل الرواية بجميع خصوصياتها لنا .

مع أنّ معهودية كون شأن القضاء لأشخاص معيّنين وهم فقهاء الفريقين ، يمنع عن الإطلاق ، وعلى فرض الإطلاق يقيّد بمثل المقبولة(1) .

وقد يستدلّ(2) لجواز الرجوع إلى المقلّد : بأنّ الاجتهاد بهذا المعنى المتعارف في زماننا لم يكن في الصدر الأوّل ، بل المحدّثون فيه مثل المقلّدين الآخذين أحكام اللّه من الفقهاء ، فقوله في المقبولة : «ممّن روى حديثنا ، ونظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا»(3) ، ليس المراد منه المجتهد ؛ أي من له قوّة الاستنباط بالمعنى المعهود في أعصارنا ؛ لعدم وجوده في زمان الأئمّة علیهم السلام بل المراد منه من علم الأحكام بأخذ المسائل من الإمام أو الفقيه ، كما كان كذلك في تلك الأزمنة .

وفيه : إنّا لا ندّعي أنّ المناط في الفقيه المنصوب في المقبولة ، هو واجديته لقوّة الاستنباط ، وردّ الفرع إلى الأصل بالنحو المتعارف في زماننا .

بل نقول : إنّ الموضوع هو من يتّصف بما فيها ؛ من كونه ممّن روى حديثهم ، ونظر في حلالهم وحرامهم ، وعرف أحكامهم ، على نحو ما حرّرناه في فقه الحديث(4) ، وهو صادق على المحدّثين والفقهاء في العصر الأوّل من أصحاب

ص: 33


1- تقدّمت في الصفحة 19 .
2- جواهر الكلام 40 : 18 .
3- تقدّمت في الصفحة 19 .
4- تقدّم في الصفحة 19.

الأئمّة ، كما هو صادق على فقهاء عصرنا ؛ فإنّهم مشتركون معهم فيما هو مناط المنصب .

وامتياز المجتهدين في زماننا عنهم ، إنّما هو في أمر خارج عمّا يعتبر في المنصب ؛ وهو تحصيل قوّة الاستنباط بالمشقّة ، وبذل الجهد وتحمّل الكلفة في معرفة الأحكام ، ممّا لم يكن فقهاء العصر الأوّل محتاجين إليه .

فمعرفة الأحكام في العصر الأوّل كانت سهلة ؛ لعدم الاحتياج إلى كثير من مقدّمات الاجتهاد ، وعدم الاحتياج إلى التكلّف وبذل الجهد ممّا نحتاج إليه في هذه الأعصار ممّا هو غير دخيل في تقوّم الموضوع ، بل دخيل في تحقّقه ، فقيود الموضوع - وهي ما عيّنت المقبولة من الأوصاف - كانت حاصلة لهم من غير مشقّة ، ولفقهائنا مع تحمّل المشاقّ .

وأمّا المقلّد فخارج عن الموضوع رأساً ؛ لعدم صدق الأوصاف عليه ، كما أوضحنا سبيله سابقاً(1) .

هذا ، مع أنّ المنصوبين للقضاء من قبل خلفاء الجور والحقّ ، كانوا من الفقهاء الواجدين لقوّة الاستنباط ، كشريح المنصوب من قبل أمير المؤمنين ، وكابن أبي ليلى ، وابن شُبْرُمة ، وقَتَادة ، وأضرابهم .

فتحصّل من جميع ذلك : أنّ منصب القضاء مختصّ بالفقهاء ، ولا حظّ للعامّي فيه .

ص: 34


1- تقدّم في الصفحة 19 - 21 .
جواز نصب العامّي للقضاء

فهل يجوز للفقيه نصب العامّي العارف بمسائل القضاء تقليداً أم لا ؟

ربّما قيل : بالجواز ؛ مستدلاًّ بعموم أدلّة ولاية الفقيه(1) .

وتقريبه : أنّ للنبي والوصيّ نصب كلّ أحد للقضاء ، مجتهداً كان أو مقلّداً عارفاً بالمسائل ؛ بمقتضى سلطنتهم وولايتهم على الاُمّة ، وكلّ ما كان لهما يكون للفقيه الجامع للشرائط ؛ بمقتضى أدلّة الولاية .

وردّت كلتا المقدّمتين :

أمّا الاُولى : فلمنع جواز نصب العامّي من النبي والوصيّ ؛ بمقتضى مقبولة عمر بن حنظلة الدالّة على أنّ هذا المنصب إنّما هو للفقيه لا العامّي ، ويستفاد منها أنّ ذلك حكم شرعي إلهي(2) .

وفيه : أنّ المقبولة لا تدلّ إلاّ على نصب الإمام الفقيهَ ، وأمّا كون ذلك بإلزام شرعي - بحيث يستفاد منها أنّ الفقاهة من الشرائط الشرعية للقضاء - فلا .

ويمكن أن يستدلّ لذلك بصحيحة سليمان بن خالد المتقدّمة(3) ، عن أبي عبداللّه قال : «اتّقوا الحكومة ؛ فإنّ الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء ، العادل في المسلمين ؛ لنبي أو وصيّ نبي» .

فإنّ الظاهر منها أ نّها مختصّة بهما من قبل اللّه ، ولا تكون لغيرهما أهلية لها ،

ص: 35


1- جواهر الكلام 40 : 18 - 19 .
2- القضاء ، المحقّق الآشتياني : 12.
3- تقدّمت في الصفحة 15 .

غاية الأمر أنّ أدلّة نصب الفقهاء لها ، تكون مخرجة إيّاهم عن الحصر ، وبقى الباقي .

بل يمكن أن يقال : إنّ الفقهاء أوصياء الأنبياء بوجه ؛ لكونهم «الخلفاء»(1) ، «الاُمناء»(2) ، و«منزلتهم منزلة الأنبياء من بني إسرائيل»(3) ، فيكون خروجهم موضوعياً .

لا يقال : بناءً عليه لا معنى لنصبهم حكّاماً ؛ لأنّهم الأوصياء ، فيكون المنصب لهم بجعل اللّه .

لأنّا نقول : إنّ المستفاد من الصحيحة أنّ هذا المنصب لا يكون إلاّ للنبي والوصيّ ، وهو لا ينافي أن يكون بنصب النبي أو الإمام ، لكن بأمر اللّه تعالى وحكمه ، فإذا نصب اللّه تعالى النبي حاكماً وقاضياً ، ونصب النبي الأئمّة كذلك ، والأئمّةُ الفقهاءَ ، ويكون الأئمّة والفقهاء أوصياء النبي ، يصحّ أن يقال : «إنّ الحكومة منحصرة بالنبي والوصيّ» ويراد منه الأعمّ من الفقهاء ، تأمّل .

وبالجملة : حصر الحكومة بالنبي والوصيّ ، يسلب أهلية غيرهما ، خرج الفقهاء إمّا موضوعاً أو حكماً ، وبقي الباقي .

مع أنّ الشكّ في جواز نصب النبي والإمام العامّي للقضاء - باحتمال اشتراطه بالفقاهة ، وعدم ظهور إطلاق ينفيه - يكفي في عدم جواز نصب

ص: 36


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 37 / 94 ؛ وسائل الشيعة 27 : 92 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 8 ، الحديث 53 .
2- الكافي 1 : 33 / 5 ، و : 46 / 5 .
3- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 338 ؛ بحار الأنوار 75 : 346 / 4 .

الفقيه إيّاه ، وعدم نفوذ حكمه لو نصبه .

وأمّا المقدّمة الثانية : فاُجيب عنها بمنع عموم ولاية الفقيه ؛ لأنّ المنصف المتأمّل في المقبولة صدراً وذيلاً ، وفي سياق الأدلّة ، يقطع بأ نّها في مقام بيان وظيفتهم من حيث الأحكام الشرعية والقضاء بين الناس ، لا مطلقاً .

مع أنّه لو سلّمت استفادة العموم منها ، فلا بدّ وأن تحمل على ذلك ؛ احترازاً عن التخصيص الأكثر المستهجن ، فإنّ أكثر ما للنبي والإمام غير ثابت للمجتهد ، فلا يجوز التمسّك بها لما نحن فيه إلاّ بعد تمسّك جماعة معتدّ بها من الأصحاب ، ولم يتمسّك بها في المقام إلاّ بعض المتأخّرين(1) .

وفيه : أنّ المستفاد من المقبولة كما ذكرناه(2) هو أنّ الحكومة مطلقاً للفقيه ، وقد جعلهم الإمام حكّاماً على الناس ، ولا يخفى أنّ جعل القاضي من شؤون الحاكم والسلطان في الإسلام ، فجعل الحكومة للفقهاء مستلزم لجواز نصب القضاة ، فالحكّام على الناس شأنهم نصب الاُمراء والقضاة وغيرهما ممّا يحتاج إليه الاُمّة ، كما أنّ الأمر كذلك من زمن رسول اللّه والخلفاء حقّاً أو باطلاً ، ولعلّه الآن كذلك عند العامّة ، وليس ذلك إلاّ لمعروفية ذلك في الإسلام من بدو نشئه .

فالقول : بأنّ الأخبار في مقام بيان وظيفتهم من حيث الأحكام الشرعية والقضاء بين الناس ، ساقط : أمّا بيان الأحكام الشرعية فليس من المناصب ، فلا معنى لجعله . وتخصيصها بالقضاء لا وجه له بعد عموم اللفظ ، ومطابقة

ص: 37


1- القضاء ، المحقّق الآشتياني : 13 .
2- تقدّم في الصفحة 21 .

الاعتبار . والانصراف لو كان فهو بدوي ، ينشأ من توهّم كون مورد المقبولة هو القضاء .

ودعوى مساوقة المقبولة للمشهورة ، وهي مختصّة بالقضاء ، فكذلك المقبولة ، كما ترى ، مع أ نّك قد عرفت عدم اختصاص مورد المقبولة ولا المشهورة بالقضاء(1) .

وأمّا تخصيص الأكثر فممنوع جدّاً ؛ فإنّ مختصّات النبي وإن كانت كثيرة ، لكن ليس شيء منها مربوطاً بمقام سلطنته وحكومته ، إلاّ النادر القليل لو كان ، فما هو ثابت للنبي والوصيّ من الحكومة والولاية في الاُمور السياسية والحِسبية ، هي الشؤون الثابتة للفقهاء أيضاً ، والمستثنى منها قليل جدّاً ، وما هي من مختصّات النبي فليست من شؤون الحكومة إلاّ النادر منها ، فراجع مختصّاته - وقد جمعها العلاّمة في أوّل نكاح «التذكرة»(2) - حتّى يتّضح لك الأمر .

وأمّا مختصّات الأئمّة فمع عدم كثرتها ، فهي أيضاً غير مربوطة بمقام الحكومة ، إلاّ النادر على فرضه .

جواز توكيل العامّي للقضاء

وأمّا توكيل الفقيه مقلِّده العارف بمسائل القضاء لتولّيه ، تشبّثاً بإطلاق أدلّة الوكالة(3) ، ففيه ما لا يخفى على المتأمّل :

ص: 38


1- تقدّم في الصفحة 22 و26 .
2- تذكرة الفقهاء 2 : 565 / السطر 29 ط - الحجري .
3- اُنظر جواهر الكلام 40 : 49 - 50 .

أمّا أوّلاً : فلأنّ القضاء غير قابل للتوكيل ؛ لما يستفاد من الأدلّة - كما عرفت(1) - من اختصاصه بالفقيه ، فتعتبر فيه مباشرة الفقيه ، ولو شكّ في ذلك فليس دليل ولا أصل يتشبّث به لإحراز القابلية ، فالأصل الأوّلي محكّم مع الشكّ .

وأمّا ثانياً : فلعدم إطلاق في أدلّة الوكالة يحرز به نفوذ الوكالة في كلّ أمر ؛ إذ ليس فيها ما يتوهّم فيه ذلك إلاّ صحيحة معاوية بن وهب ، عن أبي عبداللّه أ نّه قال : «من وكّل رجلاً على إمضاء أمر من الاُمور ، فالوكالة ثابتة أبداً حتّى يعلمه بالخروج منها ، كما أعلمه بالدخول فيها»(2) .

وصحيحة هشام بن سالم ، عنه علیه السلام في رجل وكّل آخر على وكالة في أمر من الاُمور ، وأشهد له بذلك شاهدين ، فقام الوكيل فخرج لإمضاء الأمر ، فقال : اشهدوا أ نّي قد عزلت فلاناً عن الوكالة .

فقال : «إن كان الوكيل أمضى الأمر الذي وكّل فيه قبل العزل ، فإنّ الأمر واقع ماضٍ على ما أمضاه الوكيل ، كره الموكّل أم رضي» .

قلت : فإنّ الوكيل أمضى الأمر قبل أن يعلم العزل أو يبلغه أ نّه قد عزل عن الوكالة ، فالأمر على ما أمضاه ؟

قال : «نعم» . . . إلى أن قال : «إنّ الوكيل إذا وكّل ثمّ قام عن المجلس ، فأمره ماضٍ أبداً ، والوكالة ثابتة ، حتّى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة يبلغه ،

ص: 39


1- تقدّم في الصفحة 34 .
2- الفقيه 3 : 47/166 ؛ وسائل الشيعة 19 : 161 ، كتاب الوكالة ، الباب 1 ، الحديث 1 .

أو يشافه بالعزل عن الوكالة»(1) .

وهما كما تراهما ، لا إطلاق لهما لإثبات قابلية كلّ شيء للوكالة ، أو نفوذها في كلّ شيء ؛ لكونهما في مقام بيان حكم آخر ، وهو واضح .

وتوهّم : كون التوكيل في الاُمور من الاُمور العقلائية الغير المحتاجة إلى الدليل ، فعدم الردع يكفي في ثبوته لكلّ شيء(2) .

فيه : أنّ التمسّك ببناء العقلاء مع عدم الردع ، إنّما هو في الاُمور الشائعة المتداولة بين الناس بمرأى ومنظر من الشارع ، وعدم ورود ردع منه ، كالعمل بالظواهر ، وخبر الثقة ، والوكالة في مثل النكاح والطلاق والبيع والشراء وأمثالها من المعاملات تكون كذلك ، وأمّا الوكالة في القضاء فلم تكن متعارفة بينهم ، حتّى يتمسّك ببنائهم ، وليس البناء على أمر كلّي حتّى يتمسّك بإطلاقه أو عمومه ، فالحقّ عدم جواز التوكيل للعامّي فيه .

ص: 40


1- الفقيه 3 : 49 / 170 ؛ وسائل الشيعة 19 : 162 ، كتاب الوكالة ، الباب 2 ، الحديث 1 .
2- العروة الوثقى 6: 201.

الأمر الرابع: فيمن تؤخذ عنه الفتوى

اشارة

الرابع في تشخيص موضوع جواز التقليد وأنّ من يجوز الرجوع إليه في الفتوى ، هل هو الأعلم ، أو المجتهد المطلق وإن لم يكن هو الأعلم ، أو الأعمّ منه ومن المتجزّي ؟

فيقع الكلام تارة : في صورة عدم اختلافهما في الفتوى . واُخرى : مع عدم معلومية اختلافهما . وثالثة : مع معلوميته إجمالاً . ورابعة : مع معلوميته تفصيلاً .

ولا بدّ قبل الورود في بيان الأدلّة من تأسيس الأصل :

تقرير الأصل في وجوب تقليد الأعلم

فنقول : لا إشكال في أنّ الأصل حرمة العمل بما وراء العلم عقلاً ونقلاً (1) ، كما لا إشكال في أنّ التقليد - أي الأخذ بقول الغير ، ومتابعة رأيه في العمل - عمل

ص: 41


1- راجع أنوار الهداية 1 : 177 .

بغير العلم ، سواء كان دليله بناء العقلاء كما سنتعرّض له(1) ، أو التعبّد الشرعي من إجماع أو غيره .

وقد خرج من الأصل تقليد الفاضل إجماعاً ، بل ضرورة ؛ لوضوح عدم كون الناس كلّهم مكلّفين بتحصيل العلم والاجتهاد ، وبطلان وجوب العمل بالاحتياط أو التجزّي فيه ، فلا إشكال في جواز الاكتفاء بتقليد الأعلم ، وخروجه عن حرمة العمل بغير العلم ، فبقي الرجوع إلى غيره تحت الأصل ، ولا بدّ من خروجه عنه من التماس دليل ، هذا .

وأمّا التمسّك بدليل الانسداد بأن يقال : يجب على العامّي عقلاً العمل بقول الأعلم ، وإلاّ لزم :

إمّا إهمال الوقائع ، وهو باطل بالضرورة ؛ للعلم الإجمالي بالتكليف .

أو تحصيل العلم حقيقة أو اجتهاداً ، وهو باطل ؛ للعلم الضروري بعدم وجوبه على الناس ، وللزوم اختلال النظام .

وإمّا الاحتياط ، وهو باطل أيضاً ؛ للزوم العسر والحرج ، بل اختلال النظام .

وإمّا الأخذ بقول المفضول، وهو باطل؛ لقبح ترجيح المرجوح على الراجح(2).

فهو ليس في محلّه ؛ لعدم تمامية مقدّماته؛ لأنّ العلم الإجمالي منحلّ بما في فتاوى الأحياء من العلماء ، وليس للعامّي زائداً على فتاويهم علم ، فيكون تكليفه الاحتياط في فتاويهم ؛ أي العمل بأحوط الأقوال ، ولزوم العسر والحرج منه فضلاً عن اختلال النظام ، ممنوع .

ص: 42


1- يأتي في الصفحة 45 - 46 .
2- اُنظر قوانين الاُصول 2 : 246 / السطر 17 .

ولأنّ [كون] الأخذ بقول غير الأعلم من قبيل ترجيح المرجوح ، ممنوع :

أمّا أوّلاً : فلأنّه كثيراً ما يتّفق موافقة فتوى غير الأعلم لفتوى الميّت الذي هو أعلم من الأحياء .

وأمّا ثانياً : فلأنّ فتوى الفقهاء من قبيل الأمارات ، فقد تكون - بواسطة بعض الخصوصيات - فتوى غير الأعلم أقرب إلى الواقع .

ثمّ على فرض تمامية المقدّمات ، لا تكون نتيجتها الأخذ بقول الأعلم ، بل يلزم عليه التبعيض في الاحتياط بما دون العسر والحرج .

وقد يقرّر الأصل : بأنّ الأصل عدم حجّية رأي أحد على أحد ، خرج منه رأي الأعلم ، وبقي غيره(1) .

وقد تشبّث القائلون بجواز الأخذ من غير الأعلم باُصول غير أصيلة :

منها : أنّ أصالة حرمة العمل بالظنّ قد انقطعت بما دلّ على مشروعية التقليد في الجملة ، ولا ريب أ نّه إذا كان المجتهدان متساويين من جميع الجهات ، في جواز الرجوع إلى كلّ منهما تخييراً بحكم العقل ، بعد عدم جواز طرح قولهما ، وعدم وجوب الأخذ بأحوطهما ، ويستكشف من حكم العقل حكم شرعي بجواز الرجوع إلى كلّ منهما تخييراً . فإذا صار أحدهما أعلم من الآخر ، يشكّ في زوال التخيير ، فيستصحب بقاؤه ، ويتمّ في غيره بعدم القول بالفصل(2) .

واُجيب عنه : بأنّ الاستصحاب غير جارٍ في الأحكام العقلية ؛ لامتناع حصول الشكّ مع بقاء الموضوع بجميع حدوده ، فالشكّ فيها معلول اختلاف

ص: 43


1- مقالات الاُصول 2 : 506 .
2- اُنظر مطارح الأنظار 2: 529.

الموضوع ، ومعه لا يجري الاستصحاب(1) .

وفيه : أنّ جريانه في نفس حكم العقل وإن كان ممنوعاً ، لكن في الحكم الشرعي المستكشف منه ، لا مانع منه من قِبَل اختلاف الموضوع ؛ لأنّ اختلافه عقلاً لا يضرّ به مع بقائه عرفاً .

والحقّ في الجواب أن يقال : إنّ الحكم الشرعي المستكشف من حكم العقل - بناءً على تمامية الملازمة - لا يعقل أن يكون مناطه غيرَ مناط حكم العقل ، ومع زوال المناط لا يعقل بقاؤه ، كما لا يعقل بقاء حكم العقل .

ففيما نحن فيه ، إذا كان حكم العقل بالتخيير بمناط تساويهما ، واستكشف حكم شرعي متعلّق بالموضوع لأجل هذا المناط ، فلا يعقل بقاء حكم العقل والشرع المستكشف منه مع زوال التساوي .

نعم ، يمكن أن يكون مناط آخر غيره علّة للتخيير أيضاً ، فمع زوال المناط الأوّل والحكم المعلول له ، بقي الحكم بالتخيير لذاك المناط ، فحينئذٍ لا يجري استصحاب شخص الحكم ؛ لأنّ ما هو بمناط حكم العقل زال قطعاً ، وغيره مشكوك الحدوث ، فبقي استصحاب الكلّي .

وهو وإن جرى في بعض الموارد ، لكن لا يجري فيما نحن فيه ؛ لأنّ الجامع بين التخييرين من المخترعات العقلية الغير المجعولة ؛ لتعلّق الجعل بكلّ من التخييرين ، لا الجامع بينهما القابل للصدق عليهما ، فالجامع بينهما ليس حكماً ، ولا موضوعاً ذا حكم ، فلا يجري استصحاب الكلّي أيضاً في المقام .

ص: 44


1- مطارح الأنظار 2: 529.

وإن شئت تفصيل ذلك ، فراجع باب استصحاب الأحكام العقلية(1) ، واستصحاب الكلّي(2) .

هذا مضافاً إلى إمكان معارضة هذا الاستصحاب باستصحاب آخر ؛ وهو استصحاب الحجّية التعيّنية فيما إذا انحصر المجتهد في شخص ، ثمّ وجد من هو المفضول منه ، فيشكّ في جواز الرجوع إلى غيره ، فيستصحب عدم الجواز الثابت للمفضول قبل اجتهاده ، أو الحجّة التعيينية ، ويتمّ في غيره بعدم القول بالفصل ، تأمّل .

وأمّا تمسّكهم بأصالة البراءة وأمثالها(3) ، فهو - في مقابل أدلّة حرمة العمل بالظنّ - غريب ، فلا نطيل بالتعرّض له .

فتحصّل ممّا ذكرنا : أنّ الأصل مع القائلين بعدم جواز تقليد غير الأعلم مع وجود الأعلم .

مقتضى بناء العقلاء في باب تقليد الأعلم

في بناء العقلاء على أصل التقليد

ثمّ إنّه قبل الورود في أدلّة الطرفين ، لا بأس بالتدبّر في بناء العقلاء ، وبيان مقتضى ارتكازهم في أصل التقليد ، وفي باب تقليد الأعلم .

ص: 45


1- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 12 .
2- الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 90 .
3- راجع مطارح الأنظار 2: 530.

فنقول : المعروف أنّ عمدة دليل وجوب التقليد هو ارتكاز العقلاء(1) ؛ فإنّه من فطريات العقول رجوع كلّ جاهل إلى العالم ، ورجوع كلّ محتاج في صنعة وفنّ إلى الخبير بهما ، فإذا كان بناء العقلاء ذلك ، ولم يرد ردع من الشارع عنه ، يستكشف أنّه مجاز ومرضيّ .

ولا يصلح ما ورد من حرمة اتّباع الظنّ للرادعية ؛ لما ذكرنا في باب حجّية الظنّ(2) : من أنّ مثل هذه الفطريات والأبنية المحكمة المبرمة ، لا يمكن فيها ردع العقلاء بمثل عموم (إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِى مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)(3) - بناءً على عدم الخدشة في دلالته - وغير ذلك(4) ؛ فإنّه لا ينقدح في ذهنهم احتمال الخلاف في تلك الفطريات غالباً إلاّ مع التنبّه ، فلا ينقدح في بالهم أنّ مثل تلك العمومات رادعة عن مثل تلك الارتكازات ، فلا بدّ في ردعهم عن مثلها من التصريح والتأكيد .

ولهذا بعد ورود أمثال ما يدّعى الردع بها ، لم ينقدح في ذهن مَن في الصدر الأوّل ، عدمُ جواز ترتيب الملكية على ما في يد الغير ، وأثرِ الصحّة على معاملات الناس ، وعدم قبول قول الثقة والعمل بالظواهر ، فإذن يكون أصل التقليد ورجوع الجاهل إلى العالم جائزاً .

ص: 46


1- كفاية الاُصول : 539 ؛ درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 702 - 703 ؛ نهاية الأفكار ، القسم الثاني 4 : 241 .
2- أنوار الهداية 1 : 221 .
3- يونس 10 : 36 ؛ النجم (53) : 28 .
4- كقوله تعالى : (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) الإسراء 17 : 36 .
شبهة عدم وجود هذا البناء في زمن الأئمّة

وهاهنا شكّ : وهو أنّ ارتكاز العقلاء وبناءهم على أمر ، إنّما يصير حجّة إذا أمضاه الشارع ، وإنّما يكفي عدم الردع ويكشف عن الإمضاء ، إذا كان بناؤهم على عمل بمرأى ومنظر من النبي أو الأئمّة علیهم السلام ، كبنائهم على أصالة الصحّة ، والعمل بقول الثقة ، وأمثالهما ممّا كان بناؤهم العملي متّصلاً بزمان المعصومين .

وأمّا إذا كان بناؤهم على عمل في موضوع مستحدث لم يتّصل بزمانهم ، فلا يمكن استكشاف إمضاء الشارع لمثله .

وما نحن فيه من هذا القبيل ؛ فإنّ علم الفقه أصبح في أعصارنا من العلوم النظرية التي لا تقصر عن العلوم الرياضية والفلسفية ، في حين كان في أعصار الأئمّة علیهم السلام من العلوم الساذجة البسيطة ، وكان فقهاء أصحاب الأئمّة يعلمون فتاويهم ، ويميّزون بين ما هو صادر من جراب النورة وغيره ، ولم يكن الاجتهاد في تلك الأزمنة كزماننا .

فرجوع الجاهل إلى العالم في تلك الأزمنة ، كان رجوعاً إلى من علم الأحكام بالعلم الوجداني الحاصل من مشافهة الأئمّة علیهم السلام ، وفي زماننا رجوع إلى من عرف الأحكام بالظنّ الاجتهادي والأمارات ، ويكون علمه تنزيلياً تعبّدياً ، لا وجدانياً .

فرجوع الجاهل في هذه الأعصار إلى علماء الدين وإن كان فطرياً ، ولا طريق لهم بها إلاّ ذلك ، لكن هذا البناء ما لم يكن مشفوعاً بالإمضاء ، وهذا

ص: 47

الارتكاز ما لم يصر ممضىً من الشارع ، لا يجوز العمل على طبقه ، ولا يكون حجّة بين العبد والمولى .

ومجرّد ارتكازية رجوع كلّ ذي صنعة إلى أصحاب الصنائع وكلّ جاهل إلى العالم ، لا يوجب الحجّية إذا لم يتّصل بزمان الشارع حتّى يكشف الإمضاء ، وليس إمضاء الارتكاز وبناء العقلاء من الاُمور اللفظية حتّى يتمسّك بعمومها أو إطلاقها ، ولم يرد دليل على إمضاء كلّ المرتكزات إلاّ ما خرج حتّى يتمسّك به .

ومن ذلك يعلم عدم جواز التمسّك بإرجاع الأئمّة علیهم السلام إلى أصحابهم ، كإرجاع ابن أبي يعفور إلى الثقفي(1) ، وكالإرجاع إلى زرارة بقوله : «إذا أردت حديثاً فعليك بهذا الجالس»(2) ... مشيراً إليه .

وكقوله علیه السلام لأبان بن تغلب : «اجلس في مسجد المدينة وأفتِ الناس ، فإنّي اُحبّ أن يرى في شيعتي مثلك»(3) . . . إلى غير ذلك(4) .

بدعوى : أنّ إرجاعهم إليهم لم يكن إلاّ لعلمهم بالأحكام ، وهو مشترك بينهم وبين فقهاء عصرنا ، فيفهم العرف جواز الرجوع إلى فقهاء عصرنا بإلغاء الخصوصية .

ص: 48


1- اختيار معرفة الرجال : 161 / 273 ؛ وسائل الشيعة 27 : 144 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 23 .
2- اختيار معرفة الرجال : 135 / 216 ؛ وسائل الشيعة 27 : 143 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 19 .
3- رجال النجاشي : 10 / 7؛ مستدرك الوسائل 17 : 315 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 14 .
4- يأتي بعضها في الصفحة 55 - 56 .

وذلك للفرق الواضح بينهم وبين فقهائنا ؛ لأنّ الإرجاع إليهم إرجاع إلى الأحكام الواقعية المعلومة لبطانتهم ؛ لسؤالهم مشافهة منهم ، وعلمهم بفتاويهم من غير اجتهاد كاجتهاد فقهائنا ، فمثل زرارة ، ومحمّد بن مسلم ، وأبي بصير ؛ ممّن تلمّذ لدى الأئمّة علیهم السلام سنين متمادية ، وأخذ الأحكام منهم مشافهة ، كان عارفاً بنفس فتاوى الأئمّة الصادرة لأجل الحكم الواقعي .

وأمّا فقهاء عصرنا فيكون علمهم عن اجتهاد بالوظيفة الأعمّ من الواقعية والظاهرية ، فلا يمكن إلغاء الخصوصية ، بل يكون القياس بينهما مع الفارق .

دفع الشبهة المذكورة بأمرين
اشارة

وهذا الشكّ لا يرتفع إلاّ بإثبات أحد الأمرين على سبيل منع الخلوّ :

أحدهما : أنّ الاجتهاد بالمعنى المتعارف في أعصارنا أو القريب منه كان متعارفاً في أعصار الأئمّة علیهم السلام وأنّ بناء العوامّ على الرجوع إلى الفقهاء في تلك الأعصار ، وأنّ الأئمّة أرجعوهم إليهم أيضاً .

وثانيهما : إثبات أنّ الردع عن ارتكاز رجوع الجاهل إلى العالم حتّى فيما نحن فيه، كان لازماً عليهم لو كان غير مرضيّ، ومع عدمه يكشف عن كونه مرضيّاً.

الأوّل : تعارف الاجتهاد سابقاً وإرجاع الأئمّة شيعتهم إلى الفقهاء

أمّا الأمر الأوّل : فتثبت كلتا مقدّمتيه بالرجوع إلى الأخبار .

أمّا تداول مثل هذا الاجتهاد أو القريب منه ، فتدلّ عليه أخبار كثيرة :

منها : ما عن محمّد بن إدريس في آخر «السرائر» ، نقلاً عن «كتاب

ص: 49

هشام بن سالم» عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إنّما علينا أن نلقي إليكم الاُصول ، وعليكم أن تفرّعوا»(1) .

وعنه عن «كتاب أحمد بن محمّد بن أبي نصر» عن الرضا علیه السلام قال : «علينا إلقاء الاُصول ، وعليكم التفريع»(2) .

ولا ريب في أنّ التفريع على الاُصول هو الاجتهاد ، وليس الاجتهاد في عصرنا إلاّ ذلك ، فمثل قوله : «لا ينقض اليقين بالشكّ»(3) أصل ، والأحكام التي يستنبطها المجتهدون منه هي التفريعات ، وليس التفريع هو الحكم بالأشباه والنظائر كالقياس ، بل هو استنباط المصاديق والمتفرّعات من الكبريات الكلّية .

فقوله : «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي»(4) ، و«لا ضرر ولا ضرار»(5) و«رفع

ص: 50


1- السرائر 3: 575 ؛ وسائل الشيعة 27 : 61 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 6 ، الحديث 51 .
2- السرائر 3: 575 ؛ وسائل الشيعة 27 : 62 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 6 ، الحديث 52 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 8 / 11 ؛ وسائل الشيعة 1 : 245 ، كتاب الطهارة ، أبواب نواقض الوضوء ، الباب 1 ، الحديث 1 .
4- عوالي اللآلي 1 : 224 / 106 ؛ مستدرك الوسائل 14 : 7 ، كتاب الوديعة ، الباب 1 ، الحديث 12 ؛ المسند، أحمد بن حنبل 15 : 121 / 19969 و : 133 / 20009 ؛ سنن أبي داود 2: 318 / 3561 .
5- الكافي 5 : 292 / 2 ؛ وسائل الشيعة 25 : 428 ، كتاب إحياء الموات ، أبواب إحياء الموات ، الباب 12 ، الحديث 3 .

عن اُمّتي تسعة»(1) وأمثالها اُصول ، وما في كتب القوم من الفروع الكثيرة المستنبطة منها تفريعات ، فهذا الأمر كان في زمن الصادق والرضا - عليهما الصلاة والسلام - مثل ما في زماننا ، إلاّ مع تفاوت في كثرة التفريعات وقلّتها ، وهو متحقّق بين المجتهدين في عصرنا أيضاً .

ومنها : ما عن «عيون الأخبار» بإسناده عن الرضا علیه السلام قال : «من ردّ متشابه القرآن إلى محكمه فقد هدي إلى صراط مستقيم» .

ثمّ قال : «إنّ في أخبارنا محكماً كمحكم القرآن ، ومتشابهاً كمتشابه القرآن ، فردّوا متشابهها إلى محكمها ، ولا تتّبعوا متشابهها دون محكمها فتضلّوا»(2) .

ومعلوم : أنّ ردّ المتشابه إلى المحكم ، وجعل أحد الكلامين قرينة على الآخر ، لا يكون إلاّ بالاجتهاد ، كالذي يتداول في هذا الزمان .

ومنها : ما عن «معاني الأخبار» بإسناده عن داود بن فرقد قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا ؛ إنّ الكلمة لتنصرف على وجوه ، فلو شاء إنسان لصرف كلامه كيف شاء ولا يكذب»(3) .

فإنّ عرفان معاني كلامهم من بين الوجوه المختلفة لا يكون إلاّ بالاجتهاد

ص: 51


1- التوحيد، الصدوق : 353 / 24 ؛ الخصال : 417 / 9 ؛ وسائل الشيعة 15 : 369 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، الباب 56 ، الحديث 1 .
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 290/ 39 ؛ وسائل الشيعة 27 : 115 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 22 .
3- معاني الأخبار : 1/ 1 ؛ وسائل الشيعة 27 : 117 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 27 .

والفحص عن فتاوى العامّة ، وعرض الأخبار على أخبارهم وفتاويهم ، وعلى الكتاب ، وغير ذلك ممّا يتداول بين أهل الاجتهاد .

ومنها : رواية علي بن أسباط قال قلت للرضا علیه السلام : يحدث الأمر لا أجد بدّاً من معرفته ، وليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك .

قال : فقال : «ائت فقيه البلد فاستفته من أمرك ، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه ؛ فإنّ الحقّ فيه»(1) .

ومنها : روايات النهي عن الفتيا بغير علم(2) ، وهي كثيرة ، يظهر منها جوازها مع العلم ، والفتوى ليس إلاّ بالاجتهاد والتفقّه .

ومنها : أخبار النهي عن الحكم بغير ما أنزل اللّه (3) ، ومقابله ملازم للاجتهاد .

ومنها : ما عن «نهج البلاغة» فيما كتب إلى قُثَم بن عبّاس : «واجلس لهم العصرين ، فأفت المستفتي ، وعلّم الجاهل ، وذكّر العالم»(4) .

ص: 52


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 275/ 10 ؛ وسائل الشيعة 27 : 115 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 23 .
2- كقوله عليه السلام : «من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من اللّه ، لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، ولحقه وزر من عمل بفتياه». راجع وسائل الشيعة 27 : 20 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 4 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 243 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 4 .
3- كقوله عليه السلام : «من حكم في درهمين بغير ما أنزل اللّه عزّ وجلّ ، فهو كافر باللّه العظيم» . راجع وسائل الشيعة 27 : 31 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 5 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 250 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 5 .
4- نهج البلاغة : 457 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 315 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 15 .

ومنها : ما عن كتاب «الغيبة» بإسناده عن الحسين بن روح ، عن أبي محمّد الحسن بن علي علیهما السلام : أ نّه سئل عن كتب بني فضّال فقال : «خذوا بما رووا ، وذروا ما رأوا»(1) .

تدلّ على أنّ لهم آراءً ، وليست نفس الروايات آراءهم ، واحتمال كون الآراء هي المربوطة باُصول المذهب مدفوع بإطلاقها ، ولعلّ منعه عن الأخذ بآرائهم ، لاعتبار كون المفتي على مذهب الحقّ وعلى العدالة .

ومنها : قول أبي جعفر علیه السلام لأبان بن تغلب المتقدّم آنفاً(2) ؛ فإنّ الإفتاء ليس إلاّ بالاجتهاد .

ومنها : بعض الروايات التي تشير إلى كيفية استنباط الحكم من الكتاب ، مثل ما عن محمّد بن علي بن الحسين ، بإسناده عن زرارة قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : ألا تخبرني من أين علمت وقلت : «إنّ المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين ؟!» . فضحك وقال : «يا زرارة ، قاله رسول اللّه ، ونزل به الكتاب عن اللّه عزّ وجلّ ، لأنّ اللّه عزّ وجلّ قال : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)(3) فعرفنا أنّ الوجه كلّه ينبغي أن يغسل . ثمّ قال : (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) فوصل اليدين إلى المرفقين بالوجه ، فعرفنا أ نّه ينبغي لهما أن يغسلا إلى المرفقين .

ثمّ فصل بين الكلام فقال : (وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ) فعرفنا حين قال :

ص: 53


1- الغيبة ، الطوسي : 389 / 355 ؛ وسائل الشيعة 27 : 142 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 13 .
2- تقدّم في الصفحة 48 .
3- المائدة (5) : 6 .

(بِرُؤُوسِكُمْ) أنّ المسح ببعض الرأس ، لمكان «الباء» .

ثمّ وصل الرجلين بالرأس ، كما وصل اليدين بالوجه ، فقال : (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) فعرفنا حين وصلهما بالرأس ، أنّ المسح على بعضهما ، ثمّ فسّر ذلك رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم للنّاس فضيّعوه . . .»(1) الحديث .

اُنظر إلى كيفية تعليمه الاستنباط من الكتاب .

ومثلها بل أوضح منها ، مرسلة يونس الطويلة في باب سنن الاستحاضة(2) ، وفيها موارد ترشدنا إلى طريق الاجتهاد ، فراجع .

وكرواية عبدالأعلى في المسح على المرارة حيث قال : «هذا وأشباهه يعرف من كتاب اللّه ، قال اللّه تعالى : (مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(3) امسح عليه»(4) ، وهل هذا إلاّ الاجتهاد ؟!

ومنها : روايات عرض الأخبار على الكتاب وأخبار العامّة وترجيح بعضها على بعض(5) ، وهو من أوضح موارد الاجتهاد المتعارف بين أهل الصناعة .

ص: 54


1- الفقيه 1 : 56/ 212 ؛ وسائل الشيعة 1 : 412 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 23 ، الحديث 1 .
2- الكافي 3 : 83 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 381 / 1183 ؛ وسائل الشيعة 2 : 276 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث 4 .
3- الحجّ (22) : 78 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 363 / 1097 ؛ وسائل الشيعة 1 : 464 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 39 ، الحديث 5 .
5- راجع وسائل الشيعة 27 : 106 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 302 ، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 .

ومنها : مقبولة عمر بن حنظلة حيث قال : «ونظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا»(1) بالتقريب المتقدّم(2) في اختصاص المنصب بالمجتهدين .

وقال : «كلاهما اختلفا في حديثكم» حيث إنّ الاختلاف في الحديث : إمّا اختلاف في معناه ، أو اختلاف في أخذ كلّ بحديث لمكان الترجيح بنظره على الآخر ، وهو عين الاجتهاد ، واحتمال عدم اطّلاع كلّ على مدرك الآخر مع كونهما مجتمعين في النظر في حقّهما ، غير ممكن .

إلى غير ذلك ممّا يطول ذكره ، ويطّلع عليه المتتبّع .

وتدلّ على المقدّمة الثانية أخبار كثيرة أيضاً :

منها : المقبولة الظاهرة في إرجاعهم إلى الفقهاء من أصحابنا في الشبهة الحكمية الاجتهادية ، وجعل الفقيه مرجعاً ، ونصبه للحكم في الشبهات الحكمية ملازم لاعتبار فتواه ، ومثلها ما عن أبي خديجة في المشهورة(3) .

ومنها : قوله في التوقيع : «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا»(4) .

ص: 55


1- الكافي 1 : 67 / 10 ؛ وسائل الشيعة 27 : 136 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 1 .
2- تقدّم في الصفحة 19 .
3- تهذيب الأحكام 6 : 303/ 846 ؛ وسائل الشيعة 27 : 139 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 6 .
4- كمال الدين : 484/ 4 ؛ وسائل الشيعة 27 : 140 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 9 .

ومنها : ما وردت(1) في تفسير آية النفر(2) .

ومنها : روايات كثيرة دالّة على الإرجاع إلى فقهاء أصحابنا ، ويظهر منها أنّ الأمر كان ارتكازياً [لدى] الشيعة ، مثل ما عن الكشّي ، بإسناده عن شعيب العقرقوفي ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : ربّما احتجنا أن نسأل عن الشيء ، فمن نسأل ؟ قال : «عليك بالأسدي» يعني أبا بصير(3) .

وعن علي بن المسيّب ، قال : قلت للرضا عليه الصلاة والسلام : شقّتي بعيدة ، ولست أصل إليك في كلّ وقت ، فممّن آخذ معالم ديني ؟

قال : «من زكريّا بن آدم القمّي ، المأمون على الدين والدنيا» .

قال علي بن المسيّب : فلمّا انصرفت قدمنا على زكريّا بن آدم ، فسألته عمّا احتجت إليه(4) .

فيعلم من أمثالهما : أنّ ارتكازهم كان على الرجوع إلى العلماء ، وأرادوا أن يعرّف الإمام شخصاً ثقة مأموناً ، وأنّ علي بن المسيّب كان يسأل عمّا احتاج إليه من الاُمور الفرعية ، وأجابه زكريّا بما رزقه اللّه فهمه من الكتاب

وأخبار أهل البيت باجتهاده ونظره .

ص: 56


1- راجع وسائل الشيعة 27 : 96 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 8 ، الحديث 65 ، والباب 11 ، الحديث 10 ؛ البرهان في تفسير القرآن 4 : 579 - 585 .
2- التوبة (9) : 122 .
3- اختيار معرفة الرجال : 171 / 291 ؛ وسائل الشيعة 27 : 142 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 15 .
4- اختيار معرفة الرجال : 594 / 1112 ؛ وسائل الشيعة 27 : 146 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 27 .

ومثلهما غيرهما(1) ، بل إنكار رجوع عوامّ الشيعة في البلاد النائية عن الأئمّة علیهم السلام إلى علمائهم ، مجازفة محضة .

هذا ، لكن بقي الإشكال : وهو أنّ هذا الاختلاف الكثير الذي نشاهده بين الفقهاء في الفتوى ، لا أظنّ وجوده في عصر الأئمّة علیهم السلام ، ومعه لا يمكن إمضاء الرجوع في ذلك العصر ، أن يكشف منه الإمضاء في هذا العصر ، كما لا يخفى .

نعم ، لا يرد هذا الإشكال على الوجه الآتي .

الثاني: عدم ردع الأئمّة علیهم السلام عن ارتكاز العقلاء كاشف عن رضاهم

وأمّا الأمر الثاني : أي عدم ردعهم عن هذا الارتكاز كاشف عن رضاهم بذلك ، فهو أيضاً واضح ؛ ضرورة أنّ ارتكازية رجوع الجاهل في كلّ شيء إلى عالمه ، معلومة لكلّ أحد ، وأنّ الأئمّة علیهم السلام قد علموا بأنّ علماء الشيعة في زمان الغيبة وحرمانهم عن الوصول إلى الإمام ، لا محيص لهم من الرجوع إلى كتب الأخبار والاُصول والجوامع ، كما أخبروا بذلك ، ولا محالة يرجع عوامّ الشيعة إلى علمائهم بحسب الارتكاز والبناء العقلائي المعلوم لكلّ أحد .

فلو لا ارتضاؤهم بذلك لكان عليهم الردع ؛ إذ لا فرق بين السيرة المتّصلة بزمانهم وغيرها ممّا علموا وأخبروا بوقوع الناس فيه ، فإنّهم أخبروا عن وقوع الغيبة الطويلة(2) ، وأنّ كفيل أيتام آل محمّد صلّى اللّه عليه وعليهم

ص: 57


1- راجع وسائل الشيعة 27: 143 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 19، 23، 24 و34 .
2- راجع كمال الدين : 257 / 2 ؛ بحار الأنوار 51 : 108 / 42 ، و52 : 143 / 60 و61 .

علماؤهم(1) ، وأ نّه سيأتي زمان هرج ومرج يحتاج العلماء إلى كتب أصحابهم ، فأمروا بضبط الأحاديث وثبتها في الكتب(2) .

فتحصّل من جميع ذلك : أنّ الإشكال على أصل السيرة غير وارد ، فيدلّ على أصل التقليد الارتكاز القطعي العقلائي .

مناط بناء العقلاء في رجوع الجاهل إلى العالم ومقتضاه

ثمّ إنّه لا بدّ من البحث عن كيفية السيرة ، وأ نّها مع وجود الأفضل واختلافه مع الفاضل كيف هي ؟ فلا بدّ أوّلاً من بيان مناط رجوع الجاهل إلى العالم حتّى يتّضح الحال .

لا إشكال في أنّ رجوعه إليه إنّما هو لأجل طريقيته إلى الواقع وكشفه عنه ، وأنّ منشأه إلغاء احتمال الخلاف لأجل غلبة موافقة قوله للواقع وندرة المخالفة ؛ بحيث لا يعتني بها العقلاء ، بل يكون نوع العقلاء في مقام العمل غافلاً عن احتمال المخالفة ، فيعمل على طبقه ، ويرى وصوله إليه بارتكازه ، نعم لو تنبّه يرى أ نّه ليس بعالم .

ولعلّ هذا هو المراد ب «العلم العادي» المتداول على ألسنتهم(3) ، ولعلّ هذا الوجه هو المعوّل عليه في نوع سيرة العقلاء وبنائهم العملي ، كالتعويل على

ص: 58


1- راجع التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام : 339 ؛ بحار الأنوار 2 : 2 - 3 .
2- راجع وسائل الشيعة 27 : 81 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 8 ، الحديث 17 و18 .
3- أجود التقريرات 3 : 41 ؛ نهاية الأفكار 3 : 136 .

أصالة الصحّة ، وخبر الثقة واليد ، والبناء على الصحّة في باب العيوب .

وأمّا احتمال كون بنائهم على ذلك لأجل مقدّمات الانسداد ، بأن يقال : يرى العقلاء احتياجهم في تشخيص أمر من الاُمور ، ولا يمكن لهم الاحتياط أو يعسر عليهم ، ولا يجوز لهم الإهمال ؛ لأجل احتياجهم إليه في العمل ، وليس لهم طريق إلى الواقع ، فيحكم عقلهم بالرجوع إلى الخبير ؛ لأجل أقربية قوله إلى الواقع من غيره .

أو احتمال أن يكون منشأ ذلك ، هو القوانين الموضوعة من زعماء القوم ورؤسائهم السياسيين أو الدينيين ؛ لأجل تسهيل الأمر على الناس ورغد عيشهم .

فكلاهما بعيدان عن الصواب ؛ ضرورة بطلان مقدّمات الانسداد في كثير من الموارد ، وعلى فرض تماميتها لا تنتج ذلك ، وبُعدِ الوجه الثاني بل امتناعه عادة ؛ ضرورة [أنّ إطباق] القوانين البشرية من باب الاتّفاق - مع تفرّق البشر في الأصقاع المتباعدة ، واختلاف مسالكهم وعشرتهم وأديانهم - ملحق بالممتنع .

وأمّا الوجه الأوّل : فأمر معقول موافق للاعتبار . نعم ، لا يبعد أن يكون للانسداد دخل في أعمالهم في جميع الموارد ، أو في بعضها .

لكن يرد على هذا الوجه : أ نّه كيف يمكن أن يدّعى بناء العقلاء على إلغاء احتمال الخلاف والخطأ مع هذه الاختلافات الكثيرة المشاهدة من الفقهاء ، بل من فقيه واحد في كتبه العديدة ، بل في كتاب واحد ؟!

ولهذا لا يبعد أن يكون رجوع العامّي إلى الفقيه : إمّا لتوهّم كون فنّ الفقه - كسائر الفنون - يقلّ الخطأ فيه ، ويكون رجوع العقلاء لمقدّمة باطلة وتوهّم

ص: 59

خطأ ، أو لأمر تعبّدي أخذه الخلف عن السلف ، لا لأمر عقلائي ، وهو أمر آخر غير بناء العقلاء .

ودعوى قلّة خطأ الفقهاء بالنسبة إلى صوابهم ؛ بحيث يكون احتماله ملغى - وإن كثر - بعد ضمّ الموارد بعضها إلى بعض ، غير وجيهة ، مع ما نرى من الاختلافات الكثيرة في كلّ باب إلى ما شاء اللّه .

وقد يقال : إنّ المطلوب للعقلاء في باب الاحتجاجات بين الموالي والعبيد ، قيام الحجّة وسقوط التكليف والعقاب بأيّ وجه اتّفق ، والرجوع إلى الفقهاء موجب لذلك ؛ لأنّ المجتهدين مع اختلافهم في الرأي ، مشتركون في عدم الخطأ والتقصير في الاجتهاد .

ولا ينافي ذلك الاختلاف في الرأي ؛ لإمكان عثور أحدهما على حجّة في غير مظانّها ، أو أصل من الاُصول المعتمدة ، ولم يعثر عليهما الآخر مع فحصه بالمقدار المتعارف ، فتمسّك بالأصل العملي ، أو عمل على الأمارة التي عنده ، فلا يكون واحد منهما مخطئاً في اجتهاده ، ورأي كلّ منهما حجّة في حقّه وحقّ غيره . فرجوع العقلاء إليهما لأجل قيام الحجّة والعذر ، وهما المطلوب لهم ، لا إصابة الواقع الأوّلي ، وأوضح من ذلك لو قلنا : بجعل المماثل في مؤدّى الأمارة(1).

وفيه أوّلاً : أنّ تسمية ذلك «عدم الخطأ» في غير محلّه . نعم ، لا يكون ذلك تقصيراً وإن كان مخطئاً ، ومع اختلافهما لا محالة يعلم بخطأ أحدهما ، ومعه

ص: 60


1- راجع البيع ، رسالة الاجتهاد والتقليد (تقريرات المحقّق الحائري) الأراكي 2 : 411 - 412 .

لا يكون البناء على الرجوع إذا كان الاختلاف كثيراً - ولو في غير مورد اختلافهما - للاعتداد باحتمال الخطأ حينئذٍ .

وثانياً : أ نّه لو سلّم أنّ نظر العقلاء في مثل المقام إلى تحصيل الحجّة والعذر ، لكنّهما متوقّفان على إلغاء احتمال خطأ الاجتهاد بالنسبة إلى التكاليف الواقعية الأوّلية ، وهو في المقام ممنوع .

ومؤدّى الطرق - لو فرض باطلاً - كونه حكماً ثانوياً ، لا يوجب معذوريته بالنسبة إلى الواقعيات إلاّ للمعذور وهو المجتهد ، لا للمقلّد الذي يكون مبنى عمله فتواه ، وهو ليس معذّراً إلاّ مع كونه - كسائر الأمارات العقلائية - قليل الخطأ لدى العقلاء ، والفرض أنّ كلّ مجتهد يحكم بخطأ أخيه ، لا بتقصيره ، ومعه كيف يمكن حجّية الفتوى ؟!

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ الأمر الثاني من الأمرين المتقدّمين يدفع الإشكال ؛ فإنّ عدم ردع هذا البناء الخارجي ، دليل على رضا الشارع المقدّس بالعمل على فتاوى الفقهاء مع الاختلاف المشهور .

لكن في صيرورة ذلك هو البناء العقلائي المعروف ، والبناء على أمارية الفتوى كسائر الأمارات ، إشكال .

إلاّ أن يقال : إنّ بناء المتشرّعة على أخذ الفتوى طريقاً إلى الواقع والعمل على طبق الأمارية ، والسكوت عنه دليل على الارتضاء بذلك ، وهو ملازم لجعل الأمارية لها ، والمسألة تحتاج إلى مزيد تأمّل .

ثمّ إنّه بناءً على أنّ المناط في رجوع الجاهل إلى العالم هو إلغاء احتمال الخلاف والخطأ ؛ بحيث يكون احتماله موهوماً لا يعتني به العقلاء ، لا إشكال في

ص: 61

أنّ هذا المناط موجود عندهم في تشخيصات أهل الخبرة وأصحاب الفنون ، كان الأفضل موجوداً أو لا ، ولهذا يعملون على قوله مع عدم وجود الأفضل .

وهذا دليل قطعي على تحقّق مناط العمل عندهم في قول الفاضل، وإلاّ فكيف يعقل العمل مع عدم المناط ؟! فيكون المناط موجوداً ، كان الأفضل موجوداً أو لا ، اختلف رأيهما أو لا . فلو فرض تقديمهم قول الأفضل عند الاختلاف ، فإنّما هو من باب ترجيح إحدى الحجّتين على الاُخرى ، لا من باب عدم الملاك في قول المفضول ؛ لعدم تعقّل تحقّق المناط مع عدم الفاضل ، وعدمه مع وجوده .

فقول المفضول حجّة وأمارة عقلائية في نفسه ؛ لأجل موهومية احتمال الخطأ ، كما أنّ مناط العمل بقول الأفضل ذلك بعينه .

هل ترجيح قول الأفضل لزومي أم لا ؟

نعم ، يبقى في المقام أمر ؛ وهو أ نّه هل بناء العقلاء على ترجيح قول الأفضل لدى العلم بمخالفته مع غيره إجمالاً أو تفصيلاً ، يكون بنحو الإلزام ، أو من باب حسن الاحتياط ، وليس بنحو اللزوم ؟

لا يبعد الاحتمال الثاني ؛ لوجود تمام الملاك في كليهما ، واحتمال أقربية قول الأعلم - على فرض صحّته - لم يكن بمثابة يرى العقلاء ترجيحه عليه لزومياً ، ولهذا تراهم يراجعون المفضول بمجرّد أعذار غير وجيهة ، كبعد الطريق وكثرة المراجعين ومشقّة الرجوع إليه ولو كانت قليلة ، وأمثال ذلك ممّا يعلم أ نّه لو حكم العقل إلزاماً بالترجيح ، لما كانت تلك الأعذار وجيهة لدى العقل والعقلاء .

هذا مع علمهم إجمالاً بمخالفة أصحاب الفنّ في الرأي في الجملة ، فليس

ص: 62

ترجيح الأفضل إلاّ ترجيحاً غير ملزم واحتياطاً حسناً . ولهذا لو أمكن لأحد تحصيل اجتماع أصحاب فنّ في أمر والاستفتاء منهم ، لَفَعل ؛ لا لأجل عدم الاعتناء بقول الأفضل أو الفاضل ، بل للاحتياط الراجح الحسن .

وبالجملة : المناط كلّ المناط في رجوعهم ، هو اعتقادهم بندرة الخطأ وإلغاء احتمال الخلاف ، وهو موجود في كليهما .

فحينئذٍ مع تعارض قولهما ، فمقتضى القاعدة تساقطهما والرجوع إلى الاحتياط مع الإمكان ، وإلاّ فالتخيير ، وإن كان ترجيح قول الأفضل حسناً على أيّ حال ، تأمّل .

هذا ، ولكن مع ذلك فالذهاب إلى معارضة قول المفضول لقول الأفضل مشكل ، خصوصاً في مثل ما نحن فيه ؛ أي باب الاحتجاج بين العبيد والموالي ، مع كون المقام من دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، والأصل يقتضي التعيين . فالقول بلزوم تقديم قول الأفضل لعلّه أوجه ، مع أنّ الأصحاب أرسلوه إرسال المسلّمات والضروريات .

مضافاً إلى عدم إحراز بناء العقلاء على العمل بقول المفضول مع العلم التفصيلي - بل الإجمالي المنجّز - بمخالفته مع الفاضل ، لو لم نقل بإحراز عدمه .

نعم ، لا يبعد ذلك مع العلم بأنّ في أقوالهم اختلافاً ، لا مع العلم إجمالاً بأ نّهم في هذا المورد أو مورد آخر مثلاً مختلفون .

وبعبارة اُخرى : إنّ بناءهم على العمل في مورد العلم الإجمالي غير المنجّز ، نظير أطراف الشبهة غير المحصورة .

هذا حال بناء العقلاء .

ص: 63

مقتضى الأدلّة الشرعية في لزوم تقليد الأعلم وعدمه

اشارة

وأمّا حال الأدلّة الشرعية ، فلا بدّ من ذكر ما تشبّث به الطرفان ، والبحث في أطرافهما :

استدلال القائلين بجواز تقليد المفضول
اشارة

أمّا ما يمكن أن يتمسّك(1) به لجواز الرجوع إلى المفضول مع وجود الأفضل - بل وتخالف رأيهما - فاُمور :

الأوّل : الآيات

منها : قوله تعالى في الأنبياء : (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِى إِلَيْهِمْ فَاسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)(2) ، بدعوى : أنّ إطلاقه يقتضي جواز الرجوع إلى المفضول حتّى مع مخالفة قوله للأفضل ، ولا سيّما مع ندرة التساوي بين العلماء وتوافقهم في الآراء .

وفيه : - مضافاً إلى ظهور الآية في أنّ أهل الذكر هم علماء اليهود والنصارى وإرجاع المشركين إليهم ، وإلى ورود روايات كثيرة في أنّ أهله هم الأئمّة(3) ؛

ص: 64


1- اُنظر مطارح الأنظار 2: 650.
2- الأنبياء (21) : 7 .
3- راجع البرهان في تفسير القرآن 6 : 449 - 450 .

بحيث يظهر منها أ نّهم أهله لا غير - أنّ الشبهة كانت في اُصول العقائد التي يجب فيها تحصيل العلم .

فيكون المراد : «اسألوا أهل الذكر حتّى يحصل لكم العلم إن كنتم لا تعلمون» ومعلوم أنّ السؤال من واحد منهم لا يوجب العلم ، ففي الآية إهمال من هذه الجهة ، فيكون المراد : «أنّ طريق تحصيل العلم لكم هو بالرجوع إلى أهل الذكر» كما يقال للمريض : «إنّ طريق استرجاع الصحّة هو بالرجوع إلى الطبيب وشرب الدواء» فليس لها إطلاق يقتضي الرجوع إلى الفاضل أو المفضول مع تعارض قولهما .

ولا يبعد أن يقال : إنّ الآية بصدد إرجاعهم إلى أمر ارتكازي هو الرجوع إلى العالم ، ولا تكون بصدد تحميل تعبّدي وإيجاب مولوي .

ومنها : آية النفر في سورة التوبة : (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِى الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(1) .

والاستدلال بها للمطلوب يتوقّف على اُمور :

منها : استفادة وجوب النفر منها .

ومنها : كون التفقّه غاية له .

ومنها : كون الإنذار من جنس ما يتفقّه فيه .

ومنها : انحصار التفقّه بالفرعيات .

ص: 65


1- التوبة (9) : 122 .

ومنها : كون المنذِر - بالكسر - كلّ واحد من النافرين .

ومنها : كون المنذَر - بالفتح - كلّ واحد من الطائفة الباقية .

ومنها : كون التحذّر عبارة عن العمل بقول المنذِر .

ومنها : وجوب العمل بقوله ، حصل العلم منه أو لا ، وخالف قول غيره أو لا .

فيصير مفاد الآية بعد تسليم المقدّمات : «يجب على كلّ واحد من كلّ طائفة من كلّ فرقة ، النفر لتحصيل الفروع العملية ؛ ليبيّنها لكلّ واحد من الباقين ، ليعمل المنذَر بقوله ، حصل العلم منه أو لا ، وخالف غيره أو لا» .

وأنت خبير : بعدم سلامة [مجموع] المقدّمات لو سلّم بعضها ، فلك أن تمنع كون التفقّه غاية للنفر ؛ بأن يقال : إنّ قوله : (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) يحتمل أن يكون إخباراً في مقام الإنشاء ؛ أي ليس لهم النفر العمومي ، كما ورد : «أنّ القوم كانوا ينفرون كافّة للجهاد ، وبقي رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وحده ، فورد النهي عن النفر العمومي ، والأمر بنفر طائفة للجهاد»(1) ، فحينئذٍ لا يكون التفقّه غاية للنفر إذا كان التفقّه لغير النافرين ؛ أي الباقين .

لكنّ الإنصاف : أنّ ذلك خلاف ظاهرها ، بل ظاهرها أنّ المؤمنين ما كانوا بحسب اشتغالهم باُمور المعاش ونظم الدنيا لينفروا جميعاً ؛ أي النفر العمومي ليس ميسوراً لهم ، فلولا نفر من كلّ فرقة طائفةٌ منهم للتفقّه ، ولا إشكال في أنّ الظاهر منه - مع قطع النظر عن قول المفسّرين - هو كون التفقّه غاية له .

ص: 66


1- مجمع البيان 5 : 125 - 126 ؛ الدرّ المنثور 3 : 292 .

وأمّا كون الإنذار من سنخ ما يتفقّه فيه ؛ أي بيان الأحكام بنحو الإنذار ، فليست الآية ظاهرة فيه ، بل الظاهر منها أنّ غاية النفر أمران :

أحدهما : التفقّه في الدين وفهم الأحكام الدينية .

وثانيهما : إنذار القوم وموعظتهم .

فيكون المراد : يجب على الفقيه إنذار القوم وإيجاد الخوف من بأس اللّه في قلوبهم ، فإذا خافوا يحكم عقلهم بوجوب تحصيل المؤمّن ، فلا محيص لهم إلاّ العلم بأحكام اللّه مقدّمة للعمل بها .

وأمّا وجوب العمل بقول المنذِر بمجرّده فلا تدلّ الآية عليه .

ودعوى : أنّ الإنذار لا بدّ وأن يكون من جنس ما يتفقّه فيه ، وإلاّ فأيّة مناسبة للفقيه معه ؟! ممنوعة ؛ لأنّ الإنذار مناسب للفقيه ؛ لأنّه يعلم حدوده وكيفيته ، وشرائط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، مع أنّ لكلامه تأثيراً في القوم لا يكون لكلام غيره ؛ لعلوّ مقامه وعظم شأنه لديهم . وأمّا التفقّه في الدين ، فهو أعمّ من الاُصول والفروع ، فلا وجه لاختصاصه بالثاني ، والأخبار الواردة في تفسيرها تدلّ على تعميمه(1) ، فحينئذٍ لا يمكن أن يقال : بوجوب قبول قوله تعبّداً ؛ لعدم جريانه في الاُصول .

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ إطلاقها على فرضه يقتضي قبول قول الغير في الاُصول والفروع ، فيقيّد إطلاقها عقلاً في الاُصول ، وتبقى الفروع .

وأمّا كون المنذِر- بالكسر - كلّ واحد من الطائفة ، فلا إشكال في ظهور الآية

ص: 67


1- راجع البرهان في تفسير القرآن 4 : 579 - 585 ، ويأتي قريباً التعرّض لبعضها .

فيه ، لكنّ الظاهر منها أنّ كلّ واحد من المنذرين يجب عليه إنذار القوم جميعاً ، ومعه لا تدلّ الآية على وجوب القبول من كلّ واحد منهم ؛ فإنّه بإنذار كلّ واحد منهم قومَهم ربّما يحصل لهم العلم .

وأمّا كون «التحذّر» بمعنى التحذّر العملي ؛ أي قبول قول الغير والعمل به ، فهو خلاف ظاهرها ، بل التحذّر : إمّا بمعنى الخوف ، وإمّا بمعنى الاحتراز ، وهو الترك عن خوف . والظاهر أ نّه بمعنى الخوف الحاصل عن إنذار المنذرين ، وهو أمر غير اختياري لا يمكن أن يتعلّق بعنوانه الأمر . نعم ، يمكن تحصيله بمقدّمات اختيارية ، كالحبّ ، والبغض ، وأمثالهما .

هذا كلّه مع أ نّه لا إطلاق للآية ؛ ضرورة أ نّها بصدد بيان كيفية النفر ، وأ نّه إذا لم يمكن للناس نفر عمومي ، فلِمَ لا تنفر طائفة منهم ؛ فإنّه ميسور لهم ؟!

وبالجملة : لا يجوز للناس سدّ باب التفقّه والتعلّم بعذر الاشتغال باُمور الدنيا ؛ فإنّ أمر الدين - كسائر اُمورهم - يمكن قيام طائفة به ، فلا بدّ من التفقّه والإنذار . وأمّا وجوب قبول السامع بمجرّد السماع فلا إطلاق للآية يدلّ عليه ، فضلاً عن إطلاقها لحال التعارض .

والإنصاف : أنّ الآية أجنبيّة عن حجّية قول المفتي ، كما أ نّها أجنبيّة عن حجّية قول المخبر ، بل مفادها - والعلم عند اللّه - «أ نّه يجب على طائفة من كلّ فرقة أن يتفقّهوا في الدين ، ويرجعوا إلى قومهم ، وينذروهم بالمواعظ والإنذارات والبيانات الموجبة لحصول الخوف في قلوبهم ؛ لعلّهم يحذرون ، ويحصل في قلوبهم الخوف قهراً ، فإذا حصل الخوف في قلوبهم تدور رحى الديانة ، ويقوم الناس بأمرها قهراً ؛ لسوقهم عقلُهم نحو القيام بالوظائف» .

ص: 68

هذا حالها مع قطع النظر عن الروايات الواردة في تفسيرها ، ومع النظر إليها أيضاً لا تدلّ على المطلوب :

لأنّ منها : ما تدلّ على أنّ الإمام إذا مات لم يكن للناس عذر في عدم معرفة الإمام الذي بعده ؛ أمّا من في البلد فلرفع حجّته ، وأمّا غير الحاضر فعليه النفر إذا بلغه(1) .

ومنها : ما دلّت على أنّ تكليف الناس بعد الإمام الطلب ، وأنّ النافرين في عذر ما داموا في الطلب ، والمنتظرين في عذر حتّى يرجع إليهم أصحابهم(2) .

ومعلوم : أنّ قول النافرين بمجرّده ، ليس بحجّة في باب الإمامة .

ومنها : ما وردت في علّة الحجّ ، وفيها : «مع ما فيه من التفقّه ونقل أخبار الأئمّة علیهم السلام إلى كلّ صُقع وناحية»(3) .

ومنها : ما دلّت على أ نّه تعالى : أمرهم أن ينفروا إلى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فيتعلّموا ، ثمّ يرجعوا إليهم فيعلّموهم ، وهو معنى قوله : «اختلاف اُمَّتي رحمة»(4) .

وهذه الطائفة أيضاً لا تدلّ على وجوب القبول بمجرّد السماع ، فضلاً عن حال التعارض .

ص: 69


1- الكافي 1 : 378 / 2 ؛ البرهان في تفسير القرآن 4 : 580 / 3 .
2- الكافي 1 : 378 / 1 ؛ البرهان في تفسير القرآن 4 : 579 / 1 .
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 119 ؛ علل الشرائع : 273 ؛ وسائل الشيعة 27 : 96 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 8 ، الحديث 65 .
4- معاني الأخبار : 157/ 1 ؛ علل الشرائع : 85/ 4 ؛ وسائل الشيعة 27 : 140 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 10 .

هذا حال الآيات الشريفة ، والآيات الاُخر التي استدلّ بها(1) أضعف دلالة منهما .

الثاني : الأخبار التي استدلّ بها على حجّية قول المفضول

الثاني : الأخبار التي استدلّ(2) بها على حجّية قول المفضول وأمّا الأخبار فمنها : ما عن «تفسير الإمام علیه السلام » في ذيل قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِىَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ)(3) والحديث طويل ، وفيه : «وأمّا مَن كان من الفقهاء صائناً لنفسه ، حافظاً لدينه ، مخالفاً على هواه ، مطيعاً لأمر مولاه ، فللعوامّ أن يقلّدوه»(4) .

دلّ بإطلاقه على جواز تقليد المفضول إذا وجد فيه الشرائط ولو مع وجود الأفضل ، أو مخالفته له في الرأي .

لكنّه - مع ضعف سنده ، وإمكان أن يقال : إنّه في مقام بيان حكم آخر ، فلا إطلاق له لحال وجود الأفضل ، فضلاً عن صورة العلم بمخالفة رأيه رأي الأفضل - مخدوش من حيث الدلالة ؛ لأنّ صدره في بيان تقليد عوامّ اليهود

ص: 70


1- كقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِى الْكِتَابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّه ُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ). (البقرة (2) : 159) . راجع مطارح الأنظار 2: 650.
2- مطارح الأنظار 2 : 650 ؛ مجموعة رسائل ، رسالة الاجتهاد والتقليد ، الشيخ الأنصاري : 77 - 78 .
3- البقرة (2) : 78 .
4- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام : 300 ؛ الاحتجاج 2 : 511 / 337 ؛ وسائل الشيعة 27 : 131، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي ، الباب 10 ، الحديث 20 .

علماءَهم في الاُصول حيث قال : «(وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ) ما تقول رؤساؤهم من تكذيب محمّد في نبوّته ، وإمامة علي سيّد عترته ، وهم يقلّدونهم مع أنّه محرّم عليهم تقليدهم» .

ثمّ بعد ما سأل الرجل عن الفرق بين عوامّنا وعوامّهم حيث كانوا مقلّدين .

أجاب بما حاصله : أنّ عوامّهم مع علمهم بفسق علمائهم وكذبهم ، وأكلهم الحرام والرشا ، وتغييرهم أحكام اللّه يقلّدونهم ، مع أنّ عقلهم يمنعهم عنه ، ولو كان [عوامّنا] كذلك لكانوا مثلهم .

ثمّ قال : «وأمّا من كان من الفقهاء . . .» إلى آخره .

فيظهر منه : أنّ الذمّ لم يكن متوجّهاً إلى تقليدهم في اُصول العقائد ، كالنبوّة ، والإمامة ، بل متوجّه إلى تقليد فسّاق العلماء ، وأنّ عوامّنا لو قلّدوا علمائهم فيما قلّد اليهود علماءهم فلا بأس به إذا كانوا صائنين لأنفسهم ، حافظين لدينهم . . . إلى آخره ، فإخراج الاُصول منه إخراج للمورد ، وهو مستهجن ، فلا بدّ من توجيه الرواية بوجه ، أو ردّ علمها إلى أهلها .

وأمّا حملها على حصول العلم من قول العلماء للعوامّ ؛ لحسن ظنّهم بهم ، وعدم انقداح خلاف الواقع من قولهم ، بل يكون قول العلماء لديهم صراح الواقع وعين الحقيقة ، فبعيد بل غير ممكن ؛ لتصريحها بأ نّهم لم يكونوا إلاّ ظانّين بقول رؤسائهم ، وأنّ عقلهم كان يحكم بعدم جواز تقليد الفاسق .

مع أ نّه لو حصل العلم من قولهم لليهود ، لم يتوجّه إليهم ذمّ ، بل لم يسمّ ذلك «تقليداً» .

وبالجملة : سوق الرواية إنّما هو في التقليد الظنّي الذي يمكن ردع قسم منه ،

ص: 71

والأمر بالعمل بقسم منه. والالتزام بجواز التقليد في الاُصول أو في بعضها ، كما ترى . فالرواية مع ضعفها سنداً ، واغتشاشها متناً ، لا تصلح للحجّية ، ولكن يستفاد منها مع ضعف سندها ، أمر تأريخي يؤيّد ما نحن بصدده ؛ وهو أنّ التقليد بهذا المفهوم الذي في زماننا ، كان شائعاً من زمن قديم ؛ هو زمان الأئمّة أو قريب منه ؛ أي من زمان تدوين «تفسير الإمام» أو من قبله بزمان طويل .

ومنها : إطلاق صدر مقبولة عمر بن حنظلة(1) ، وإطلاق مشهورة أبي خديجة(2) .

وتقريب الدلالة أن يقال : إنّ الظاهر من صدرها وذيلها شمولها للشبهات الحكمية ، فيؤخذ بإطلاقها في غير مورد واحد متعرّض له ؛ وهو صورة اختلاف الحَكَمين ، وكذا المشهورة تشملها بإطلاقها .

فإذا دلّتا على نفوذ حكم الفقيه فيها ، تدلاّن على اعتبار فتواه في باب فصل الخصومات ، وإلاّ فلا يعقل إنفاذه بدونه ، ويفهم نفوذ فتواه وحجّيتها في غيره ؛ إمّا بإلغاء الخصوصية عرفاً ، أو بدعوى تنقيح المناط .

أو يقال : إنّ الظاهر من قوله : «فإذا حكم بحكمنا» إلغاء احتمال الخلاف من فتوى الفقيه ؛ إذ ليس المراد منه «أ نّه إذا علمتم أ نّه حكم بحكمنا» بل المراد «أ نّه إذا حكم بحكمنا بحسب نظره ورأيه» فجعل نظره طريقاً إلى حكمهم .

هذا ، ولكن يرد عليه : أنّ إلغاء الخصوصية عرفاً ممنوع ؛ ضرورة تحقّق خصوصية زائدة في باب الحكومة ، ربّما تكون بنظر العرف دخيلة فيها ؛ وهي رفع الخصومة بين المتخاصمين ، وهو لا يمكن نوعاً إلاّ بحكم الحاكم النافذ ،

ص: 72


1- تقدّمت في الصفحة 19 .
2- تقدّمت في الصفحة 25.

وهذا أمر مرغوب فيه ، لا يمكن فيه الاحتياط ، ولا تتّفق فيه المصالحة نوعاً .

وأمّا العمل بقول الفقيه فربّما لا يكون مطلوباً ، ويكون المطلوب درك الواقع بالاحتياط ، أو الأخذ بأحوط الأقوال مع تعذّر الاحتياط التامّ ، فدعوى أنّ العرف يفهم من المقبولة وأمثالها حجّية الفتوى ، لا تخلو من مجازفة ، وأوضح فساداً من ذلك دعوى تنقيح المناط القطعي .

وأمّا قوله : «إذا حكم بحكمنا» لو سلّم إشعاره بإلغاء احتمال الخلاف ، فإنّما هو في باب الحكومة ، فلا بدّ في التسرية إلى باب الفتوى من دليل ، وهو مفقود .

فالإنصاف : عدم جواز التمسّك بأمثال المقبولة للتقليد رأساً ، فكما لا يجوز التمسّك بصدرها على جواز تقليد المفضول ، لا يجوز ببعض فقرات ذيلها على وجوب تقليد الأعلم ، لدى مخالفة قوله مع غيره .

ومنها : إطلاق ما في التوقيع : «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ؛ فإنّهم حجّتي عليكم ، وأنا حجّة اللّه»(1) .

وتقريبه : أنّ «الحوادث» أعمّ من الشبهات الحكمية ، والرجوع إلى رواة الحديث ظاهر في أخذ فتاويهم ، لا أخذ نفس الرواية ، ورواة الحديث كانوا من أهل الفتوى والرأي كما مرّ(2) .

كما أنّ قوله : «فإنّهم حجّتي عليكم» يدلّ على أنّ فتوى رواة الحديث

ص: 73


1- كمال الدين : 484 / 4 ؛ وسائل الشيعة 27 : 140 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 9 .
2- تقدّم في الصفحة 19 و33 .

حجّة ، كما أنّ فتوى الإمام حجّة ، فلا معنى لحجّية رواة الحديث إلاّ حجّية فتاويهم وأقوالهم ، والحمل على حجّية الأحاديث المنقولة بتوسّطهم خلاف الظاهر .

وفيه : - بعد ضعف التوقيع سنداً - أنّ صدره غير منقول إلينا ، ولعلّه كان مكتنفاً بقرائن لا يفهم منه إلاّ حجّية حكمهم في الشبهات الموضوعية ، أو الأعمّ ، وكان الإرجاع في القضاء ، لا في الفتوى .

ومنها : ما عن الكشّي بسند ضعيف ، عن أحمد بن حاتم بن ماهَويْه ، قال : كتبت إليه - يعني أبا الحسن الثالث علیه السلام - أسأله عمّن آخذ معالم ديني ، وكتب أخوه أيضاً بذلك .

فكتب إليهما : «فهمت ما ذكرتما ، فاصمدا في دينكما على كلّ مسنّ في حبّنا ، وكلّ كثير القدم في أمرنا ؛ فإنّهما كافوكما إن شاء اللّه»(1) .

وفيه : - بعد ضعف السند - أنّ الظاهر من سؤاله أنّ الرجوع إلى العالم كان مرتكزاً في ذهنه ، وإنّما أراد تعيين الإمام شخصَه ، فلا يستفاد منه التعبّد ، كما أنّ الأمر كذلك في كثير من الروايات ، بل قاطبتها على الظاهر .

ومنها : روايات كثيرة عن الكشّي وغيره ، فيها الصحيحة وغيرها ، تدلّ على إرجاع الأئمّة إلى أشخاص من فقهاء أصحابهم ، يظهر منها أنّ الرجوع إليهم كان متعارفاً ، ومع وجود الأفقه كانوا يراجعون غيره ، كصحيحة ابن أبي يعفور ، قال : قلت لأبي عبداللّه : إنّه ليس كلّ ساعة ألقاك ولا يمكن القدوم ، ويجيء الرجل من

ص: 74


1- اختيار معرفة الرجال : 4 / 7 ؛ وسائل الشيعة 27 : 151 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 45 .

أصحابنا ، فيسألني وليس عندي كلّ ما يسألني عنه .

فقال : «ما يمنعك من محمّد بن مسلم الثقفي ؛ فإنّه سمع من أبي ، وكان عنده وجيهاً»(1) .

وكرواية علي بن المسيّب المتقدّمة(2) ، حيث أرجعه الرضا علیه السلام إلى زكريّا بن آدم . . . إلى غير ذلك .

ويستفاد منها : أنّ أخذ معالم الدين - الذي هو عبارة اُخرى عن التقليد - كان مرتكزاً في ذهنهم ، ومتعارفاً في عصرهم .

ويستفاد من صحيحة ابن أبي يعفور ، تعارف رجوع الشيعة إلى الفقهاء من أصحاب الأئمّة ، مع وجود الأفقه بينهم ، وجواز رجوع الفقيه إلى الأفقه إذا لم يكن له طريق إلى الواقع .

وهذا ليس منافياً لما ذكرنا في أوّل الرسالة : من أنّ موضوع عدم جواز الرجوع إلى الغير نفس قوّة الاستنباط(3) ؛ وذلك لأنّ ما ذكرنا هناك إنّما هو فيمن له طريق إلى الاستنباط مثل زماننا ؛ فإنّ الكتب الراجعة إليه مدوّنة مكتوبة بين أيدينا ، بخلاف ما إذا لم يكن كذلك ، كعصر محمّد بن مسلم ؛ حيث إنّ الأحاديث فيه كانت مضبوطة عنده وعند نظرائه ، ولم يكن للجاهل طريق إليها إلاّ بالرجوع إليهم .

ص: 75


1- اختيار معرفة الرجال : 161 / 273 ؛ وسائل الشيعة 27 : 144 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 23 .
2- تقدّمت في الصفحة 56 .
3- تقدّم في الصفحة 6 .

مع إمكان أن يقال : إنّ إرجاع مثل ابن أبي يعفور إنّما هو في سماع الحديث ، ثمّ استنباطه منه حسب اجتهاده .

ولا إشكال في استفادة جواز الرجوع إلى الفقهاء - بل إلى الفقيه مع الأفقه - من تلك الروايات . لكن استفادة ذلك مع العلم الإجمالي أو التفصيلي بمخالفة آرائهما مشكلة ؛ لعدم العلم بذلك في تلك الأعصار ، خصوصاً من مثل اُولئك الفقهاء والمحدّثين الذين كانوا من بطانة الأئمّة ، فالاتّكال على مثل تلك الأدلّة في جواز تقليد المفضول مشكل ، بل غير ممكن .

استدلال القائلين بوجوب الرجوع إلى الأعلم

واستدلّ على ترجيح قول الأفضل لدى العلم بالمخالفة :

تارة : بالإجماعات المنقولة(1) ، وهو كما ترى في مثل المسألة العقلية مع تراكم الأدلّة .

واُخرى : بالأخبار(2) كالمقبولة(3) وغيرها(4) ؛ بأن يقال : إنّ الشبهة فرضت حكمية في المقبولة ، فنفوذ حكمه تعييناً ، ملازم لنفوذ فتواه كذلك في تلك المسألة ، فنتعدّى إلى غيرها بإلغاء الخصوصية ، أو القطع بالملاك ، ولا سيّما مع

ص: 76


1- مطارح الأنظار 2: 541.
2- مطارح الأنظار 2: 542.
3- تقدّمت في الصفحة 19 .
4- كرواية داود بن الحصين ، راجع وسائل الشيعة 27 : 113 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 20 .

تناسب الأفقهية والأصدقية في الحديث لذلك .

وفيه : - مضافاً إلى أنّ ظاهر المقبولة ، أنّ الأوصاف الأربعة مجتمعة توجب التقديم ؛ بمقتضى العطف ب «الواو» وفرض الراوي صورة التساوي لا يكشف عن كون المراد وجود أحدها - أ نّه يمنع التلازم هاهنا ؛ لأنّ الملازمة إنّما تكون في صورة إثبات النفوذ، لا سلبه؛ لأنّ سلب المركّب أو ما بحكمه بسلب أحد أجزائه، فسلب نفوذ حكمه كما يمكن أن يكون لسلب حجّية فتواه ، يمكن أن يكون لسلب صلاحية حكمه للفصل، وعدم جواز الأخذ بالفتوى في المقام ليس لعدم صلاحيتها للحجّية ، بل لعدم كونها فاصلاً ، بل فتوى الأعلم أيضاً ليست بفاصل .

والتناسب بين الأفقهية وذلك لم يصل إلى حدّ كشف العلّية التامّة .

هذا كلّه مع أنّ إلغاء الخصوصية عرفاً ، أو القطع بالملاك ، ممّا لا وجه لهما بعد وضوح الفرق بين المقامين . ولعلّ الشارع لاحظ جانب الاحتياط في حقوق الناس ، فجعل حكم الأعلم فاصلاً ؛ لأقربيته إلى الواقع بنظره ، ولم يلاحظه في أحكامه ؛ توسعةً على الناس . فدعوى إلغاء الخصوصية مجازفة ، ودعوى القطع أشدّ مجازفة .

وثالثة : بأنّ فتوى الأعلم أقرب إلى الصواب ؛ لأنّ نظره طريق محض إلى الواقع كنظر غيره ، سواء الأوّليات منه ، أو الثانويات ، أو الأعذار الشرعية والعقلية ، فحينئذٍ تلازم الأعلمية الأقربية ، وهو المتعيّن في مقام الإسقاط والإعذار ، وجواز الرجوع إلى غيره يساوق الموضوعية(1) .

ص: 77


1- مطارح الأنظار 2: 544.

والجواب عن الصغرى : بمنع كلّيتها ؛ لأنّ رأي غير الأعلم قد يوافق رأي الأعلم من الأموات أو الأحياء ، إذا لم يجز تقليدهم لجهة ، بل إذا كان رأي غير الأعلم موافقاً لجميع الفقهاء ، ويكون الأعلم منفرداً في الأحياء في الفتوى ، مع كون مخالفيه كثيرين جدّاً .

وتنظّر بعض أهل النظر في الصغرى : بأنّ حجّية الفتوى لأجل كونها من الظنون الخاصّة ، لا المطلقة ، فمطابقة قول غير الأعلم للأعلم الغير الصالح للحجّية غير مفيدة ، فلا عبرة بقوّته ولا أصله ، كالظنّ من الأمارات الغير المعتبرة . والأقوائية بمطابقة قوله لسائر المجتهدين الذين مثله غير مسلّمة ؛ إذ المطابقة لوحدة الملاك وتقارب الأنظار ، فالكلّ في قوّة نظر واحد. ولا يكشف توافق آرائهم عن قوّة مدركهم ، وإلاّ لزم الخلف ؛ لفرض أقوائية نظر الأعلم .

ومنه يعلم فساد قياسه بالخبرين المتعارضين المحكيّ أحدهما بطرق متعدّدة ؛ إذ ليست الحكايات بمنزلة حكاية واحدة ، فلا محالة توجب كلّ حكاية ظنّاً بصدور شخص هذا الكلام ، من غير لزوم الخلف(1) ، انتهى .

وفيه ما لا يخفى ؛ إذ المنظور في ردّ الصغرى إنكار كلّية دعوى أقربية قول الأعلم ، وكذا ردّ التوافق ، لا دعوى تقدّم قول غير الأعلم في مقام الاحتجاج ، فما ذكره أجنبيّ عن المقام ، بل المناقشة فيه منحصرة بإنكار الأقربية ، وهو مسقط لأصل دعواه في الصغرى ؛ إذ إنكاره مساوق لإنكار أقربية فتوى الأعلم .

ص: 78


1- نهاية الدراية 6 : 412 - 413 .

وأمّا إنكار الأقربية في المثال الأخير فغير وجيه ؛ لأنّ أنظار المجتهدين لمّا كانت طريقاً إلى الواقعيات والحجج ، فلا محالة إذا اجتمع جلّ أهل الفنّ على خطأ الأعلم ، لا يبقى وثوق بأقربية قوله ، لو لم نقل بالوثوق بالخلاف .

وإن شئت قلت : لا تجري أصالة عدم الغفلة والخطأ في اجتهاده . وتوهّم كون أنظارهم بمنزلة نظر واحد - كتوهّم لزوم الخلف - في غاية السقوط .

وعن الكبرى : بأنّ تعيّن الرجوع إلى الأقرب ، إن كان لأجل إدراك العقل تعيّنه جزماً ؛ بحيث لا يمكن للشارع التعبّد بخلافه ، ولو ورد دليل صريح على خلافه فلا بدّ من طرحه ، فهو فاسد ؛ لأنّ الشارع إذا رأى مفسدة في تعيّن الرجوع إلى الأعلم ، أو مصلحة في التوسعة على المكلّف ، فلا محالة يرخّص ذلك من غير شبهة الموضوعية ، كتجويز العمل بخبر الثقة وترك الاحتياط .

نعم ، لو علمنا وجداناً : بأنّ الشارع لا يرضى بترك الواقعيات ، فلا يمكن معه احتمال تجويز العمل بقول العالم ، ولا بقول الأعلم ، بل يحكم العقل بوجوب الاحتياط ولو مع اختلال النظام ، فضلاً عن لزوم الحرج .

لكنّه خلاف الواقع ، وخلاف المفروض في المقام ، ولهذا لا أظنّ بأحد ردّ دليل معتبر قام على جواز الرجوع لغير الأعلم ، فعليه كيف يمكن دعوى القطع بلزوم تعيّن الأقرب ، مع احتمال تعبّد في المقام ولو ضعيفاً ؟!

وممّا ذكرنا يظهر النظر في كلام بعض أهل النظر ؛ حيث قال ما ملخّصه : أنّ القرب إلى الواقع إن لم يلحظ أصلاً ، فهو منافٍ للطريقية ، وإن كان بعض الملاك وهناك خصوصية اُخرى تعبّدية ، فهو غير ضائر بالمقصود ؛ لأنّ فتوى الأعلم

ص: 79

حينئذٍ مساوية لغيرها في جميع الخصوصيات ، وتزيد عليها بالقرب ، سواء كانت تلك الخصوصية التعبّدية جزء المقتضي ، أو شرط جعله أمارة ، فتكون فتوى الأعلم متعيّنة ؛ لترجيحه على غيره بالملاك الذي هو ملاك الحجّية .

ولهذا فقياسها على البصر والكتابة مع الفارق ؛ لكونهما غير دخيلين في ذلك الملاك ، لأنّ معنى «الأعلمية» ليس الأقوائية بحسب المعرفة ؛ بحيث لا تزول بتشكيك ، حتّى تقاس عليهما ، بل بمعنى أحسنية الاستنباط وأجوديته في تحصيل الحكم من المدارك ، فيكون أكثر إحاطة بالجهات الدخيلة فيه المغفولة عن نظر غيره ، فمرجع التسوية بينهما إلى التسوية بين العالم والجاهل .

وهذا وجه آخر لتعيّن الأعلم ولو لم نقل بأقربية رأيه ، أو كون الأقربية ملاك التقديم ؛ لأنّ العقل يذعن بأنّ رأيه أوفق بمقتضيات الحجج ، وهو المتعيّن في مقام إبراء الذمّة ، ويذعن بأنّ التسوية بينهما كالتسوية بين العالم والجاهل(1) ، انتهى .

وفيه مواقع للنظر :

منها : أنّ الخصوصية التعبّدية لا يلزم أن تكون جزء المقتضي ، ولا شرط التأثير ، بل يمكن أن تكون مانعة عن تعيّن الأعلم ، كالخصوصية المانعة عن الإلزام بالاحتياط الموجبة لجعل الأمارات والاُصول ، من غير لزوم الموضوعية .

ص: 80


1- نهاية الدراية 6 : 413 - 414 .

ومنها : أنّ أحسنية الاستنباط ، وكون الأعلم أقوى نظراً في تحصيل الحكم من المدارك ، عبارة اُخرى عن أقربية رأيه إلى الواقع ، فلا يخلو كلامه من التناقض والتنافي .

ومنها : أنّ إذعان العقل بما ذكره مستلزم لامتناع تجويز العمل على طبق رأي غير الأعلم ؛ لقبح التسوية بين العالم والجاهل ، بل امتناعه ، وهو كما ترى ، ولا أظنّ التزام أحد به .

والتحقيق : أنّ تجويز العمل بقول غيره ليس لأجل التسوية بينهما ، بل لمفسدة التضييق ، أو مصلحة التوسعة ، ونحوهما ممّا لا تنافي الطريقية ، كما قلنا في محلّه(1) .

وليعلم : أنّ هذا الدليل الأخير ، غير أصالة التعيين في دوران الأمر بين التخيير والتعيين ، وغير بناء العقلاء على تعيّن الأعلم في مورد الاختلاف ، فلا تخلط بينه وبينهما ، وتدبّر جيّداً .

فالإنصاف : أ نّه لا دليل على ترجيح قول الأعلم إلاّ الأصل ، بعد ثبوت كون الاحتياط مرغوباً عنه ، وثبوت حجّية قول الفقهاء في الجملة ، كما أنّ الأمر كذلك .

وفي الأصل أيضاً إشكال ؛ لأنّ فتوى غير الأعلم إذا طابقت الأعلم من الأموات ، أو في المثالين المتقدّمين(2) ، يصير المقام من دوران الأمر بين

ص: 81


1- راجع أنوار الهداية 1 : 148 .
2- تقدّما في الصفحة 78 .

التخيير والتعيينين ، لا تعيّن الأعلم ، والأصل فيه التخيير .

إلاّ أن يقال : إنّ تعيّن غير الأعلم حتّى في مورد الأمثلة مخالف لتسالم الأصحاب وإجماعهم ، فدار الأمر بين التعيين والتخيير في مورد الأمثلة أيضاً ، وهو الوجه في بنائنا على الأخذ بقول الأعلم احتياطاً ، وأمّا بناء العقلاء فلم يحرز في مورد الأمثلة المتقدّمة .

هذا فيما إذا علم اختلافهما تفصيلاً ، بل أو إجمالاً أيضاً بنحو ما مرّ .

وأمّا مع احتماله ، فلا يبعد القول بجواز الأخذ من غيره أيضاً ؛ لإمكان استفادة ذلك من الأخبار ، بل لا تبعد دعوى السيرة عليه .

هذا كلّه في المتفاضلين .

ص: 82

حال المجتهدين المتساويين مع اختلاف فتواهما

وأمّا في المتساويين: فالقاعدة وإن اقتضت تساقطهما مع التعارض ، والرجوع إلى الاحتياط لو أمكن ، وإلى غيره من القواعد مع عدمه ، لكن الظاهر أنّ الاحتياط مرغوب عنه ، وأنّ المسلّم عندهم حجّية قولهما في حال التعارض(1) ، فلا بدّ من الأخذ بأحدهما ؛ والقول بحجّيته التخييرية .

وقد يقال : بدلالة قوله في مثل رواية أحمد بن حاتم بن ماهويه : «فاصمدا في دينكما على كلّ مسنّ في حبّنا»(2) - وغيرها من الروايات العامّة(3) - على المطلوب ؛ فإنّ إطلاقها شامل لحال التعارض .

والفرق بينهما وبين أدلّة حجّية خبر الثقة - حيث أنكرنا إطلاقها لحال التعارض - أنّ الطبيعة في حجّية خبر الثقة اُخذت بنحو الوجود الساري ، فكلّ فرد من الأخبار مشمول لأدلّة الحجّية تعييناً ، فلا يعقل جعل الحجّية التعيينية في المتعارضين ، ولا جعل الحجّية التعيينية في غيرهما والتخييرية فيهما بدليل واحد ، فلا مناص إلاّ من القول : بعدم الإطلاق لحال التعارض .

ص: 83


1- راجع مناهج الأحكام والاُصول : 300 / السطر الأخير ؛ مفاتيح الاُصول : 631 / السطر 9 .
2- اختيار معرفة الرجال : 4 / 7 ؛ وسائل الشيعة 27 : 151 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 45 .
3- كصدر مقبولة ابن حنظلة ، ومشهورة أبي خديجة ، والتوقيع الشريف ، وخبر تفسير العسكري عليه السلام . وقد تقدّمت في الصفحة 70 - 73 .

وأمّا الطبيعة في حجّية قول الفقهاء ، فاُخذت على نحو صِرف الوجود ؛ ضرورة عدم معنى لجعل حجّية قول كلّ عالم بنحو الطبيعة السارية والوجوب التعييني ، حتّى يكون المكلّف في كلّ واقعة مأموراً بأخذ قول جميع العلماء ؛ فإنّه واضح البطلان ، فالمأمور به هو الوجود الصرف ، فإذا اُخذ بقول واحد منهم فقد أطاع ، فلا مانع حينئذٍ من إطلاق دليل الحجّية لحال التعارض .

فقوله : «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا»(1) مفاده جعل حجّية قول العالم على نحو البدلية أو صرف الوجود ، كان مخالفاً لقول غيره أو لا ، يعلم تفصيلاً مخالفته له أو لا(2) .

هذا ما أفاده شيخنا العلاّمة ، على ما في تقريرات بعض فضلاء بحثه .

وأنت خبير : بأنّ هذا بيان لإمكان الإطلاق ، على فرض وجود دليل مطلق يمكن الاتّكال عليه ، ونحن بعد الفحص الأكيد لم نجد دليلاً يسلم دلالة وسنداً عن الخدشة .

مثلاً : قوله في الرواية المتقدّمة : «فاصمدا في دينكما . . .» إلى آخره ، بمناسبة صدرها وهو قوله : «عمّن آخذ معالم ديني» لا يستفاد منه التعبّد ، بل الظاهر منه هو الإرجاع إلى الأمر الارتكازي ؛ فإنّ السائل بعد مفروغية جواز الرجوع إلى العلماء ، سأل عن الشخص الذي يجوز التعويل على قوله ، ولعلّه أراد أن يعيّن الإمام له شخصاً معيّناً - كما عيّن الرضا علیه السلام

ص: 84


1- تقدّم في الصفحة 73 .
2- البيع ، رسالة الاجتهاد والتقليد (تقريرات المحقّق الحائري) الأراكي 2 : 467 - 468 .

زكريّا بن آدم(1) ، والصادق علیه السلام الأسدي(2) ، والثقفي(3) ، وزرارة(4) - فأرجعه إلى من كان كثير القدم في أمرهم ، ومسنّاً في حبّهم .

والظاهر من «كثرة القدم في أمرهم» كونه ذا سابقة طويلة في أمر الإمامة والمعرفة ، ولم يذكر الفقاهة ؛ لكونها أمراً ارتكازياً معلوماً لدى السائل والمسؤول عنه ، وأشار إلى صفات اُخر موجبة للوثوق والاطمئنان بهم ، فلا يستفاد منها إلاّ تقرير الأمر الارتكازي .

ولو سلّم كونه بصدد إعمال التعبّد والإرجاع إلى الفقهاء ، فلا إشكال في عدم إطلاقها لحال التعارض ، بل قوله ذلك كقول القائل : «المريض لا بدّ وأن يرجع إلى الطبيب ويشرب الدواء» وقوله : «إنّ الجاهل بالتقويم لا بدّ وأن يرجع إلى المقوّم» .

ومعلوم : أنّ أمثال ذلك لا إطلاق لها لحال التعارض ، هذا مع ضعف سندها(5) ، وقد عرفت حال التوقيع(6) .

ص: 85


1- اختيار معرفة الرجال : 594 / 1112 ؛ وسائل الشيعة 27 : 146 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 27 .
2- اختيار معرفة الرجال : 171 / 291 ؛ وسائل الشيعة 27 : 142 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 15 .
3- اختيار معرفة الرجال : 161 / 273 ؛ وسائل الشيعة 27 : 144 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 23 .
4- اختيار معرفة الرجال : 135 / 216 ؛ وسائل الشيعة 27 : 143 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 19 .
5- تقدّم وجه ضعفه في الصفحة 74 .
6- تقدّم في الصفحة 74 .

وبالجملة : لا إطلاق في الأدلّة بالنسبة إلى حال التعارض .

وقد يتمسّك للتخيير في المتساويين بأدلّة علاج المتعارضين(1) ، كموثّقة سَماعة ، عن أبي عبداللّه قال : سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر ، كلاهما يرويه ؛ أحدهما يأمر بأخذه ، والآخر ينهاه عنه ، كيف يصنع ؟

قال : «يرجئه حتّى يلقى من يخبره ، فهو في سعة حتّى يلقاه»(2) .

تقريبه : أنّ التخالف بينهما لا يتحقّق بصرف نقل الرواية مع عدم الجزم بمضمونها ، ومعه مساوق للفتوى ، فاختلاف الرجلين إنّما هو في الفتوى .

ويشهد له قوله : «أحدهما يأمر بأخذه ، والآخر ينهاه» وهذا لا ينطبق على صرف الرواية والحكاية ، فلا بدّ من الحمل على الفتوى .

فأجاب علیه السلام : بأ نّه في سعة ومخيّر في الأخذ بأحدهما .

بل يمكن التمسّك بسائر أخبار التخيير في الحديثين المختلفين ؛ بإلغاء الخصوصية ، فإنّ الفقيه أيضاً تكون فتواه محصّل الأخبار بحسب الجمع والترجيح ، فاختلاف الفتوى يرجع إلى اختلاف الرواية .

هذا ، وفيه ما لا يخفى :

أمّا التمسّك بموثّقة سماعة ، ففيه أنّ قوله : «يرجئه حتّى يلقى من يخبره» معناه : يؤخّره ولا يعمل بواحد منهما ، كما صرّح به في روايته

ص: 86


1- درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 714 - 715 ؛ البيع ، رسالة الاجتهاد والتقليد (تقريرات المحقّق الحائري) الأراكي 2 : 466 .
2- الكافي 1 : 66 / 7 ؛ وسائل الشيعة 27 : 108 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 5 .

الاُخرى(1) ، والمظنون أ نّهما رواية واحدة ، ومعنى «الإرجاء» لغة(2) وعرفاً هو تأخير الشيء ، فقوله بعد ذلك : «فهو في سعة» ليس معناه أ نّه في سعة في الأخذ بأيّهما شاء ، كما أفاده المستدلّ ، بل المراد أ نّه في سعة بالنسبة إلى نفس الواقعة .

ومحصّله : أنّ الروايتين أو الفتويين ليستا بحجّة ، فلا تعمل بواحدة منهما ، ولكنّه في سعة في الواقعة ، فله العمل على طبق الاُصول ، فهي على خلاف المطلوب أدلّ .

وأمّا دعوى إلغاء الخصوصية وفهم التخيير من الأخبار الواردة في الخبرين المتعارضين ، ففيه : - مع الغضّ عن فقدان رواية دالّة على التخيير جامعة للحجّية ، كما مرّ في باب التعارض(3) - أنّ إلغاء الخصوصية عرفاً ممنوع ؛ ضرورة تحقّق الفرق الواضح بين اختلاف الأخبار واختلاف الآراء الاجتهادية ، فما أفاده : من شمول روايات العلاج لاختلاف الفتاوى ، محلّ منع ، مع أنّ لازمه إعمال مرجّحات باب التعارض فيهما ، وهو كما ترى .

فتحصّل ممّا ذكرناه : أ نّه ليس في أخبار الباب ما يستفاد منه ترجيح قول الأعلم عند التعارض لغيره ، ولا التخيير في الأخذ بأحد المتساويين ،

ص: 87


1- حيث قال عليه السلام : «لا تعمل بواحد منهما حتّى تلقى صاحبك فتسأل عنه» . الاحتجاج 2 : 265 / 235 ؛ وسائل الشيعة 27 : 122 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 42 .
2- النهاية ، ابن الأثير 2 : 206 ؛ المصباح المنير : 221 ؛ القاموس المحيط 1 : 16 .
3- التعادل والترجيح ، الإمام الخميني قدس سره : 77 - 82 و149 .

فلا محيص إلاّ العمل بالاُصول الأوّلية لولا تسالم الأصحاب على عدم وجوب الاحتياط ، ومع هذا التسالم لا محيص عن الأخذ بقول الأعلم ؛ لدوران الأمر بين التعيين والتخيير ، مع كون وجوبه أيضاً مورد تسالمهم .

كما أنّ الظاهر ، تسالمهم على التخيير في الأخذ بفتوى أحد المتساويين ، وعدم وجوب الاحتياط ، أو الأخذ بأحوط القولين .

ص: 88

الفصل الثاني: في اشتراط الحياة في المفتي

اشارة

اختلفوا في اشتراط الحياة في المفتي على أقوال(1) ؛ ثالثها : التفصيل بين البدوي والاستمراري(2) .

لا إشكال في أنّ الأصل الأوّلي حرمة العمل بما وراء العلم ، خرج عنه العمل بفتوى الحيّ ، وبقي غيره ، فلا بدّ من الخروج عنه من دليل التمسّك بالاستصحاب لإثبات الجواز .

ولمّا كان عمدة ما يمكن أن يعوّل عليه هو الاستصحاب ، فلا بدّ من تقريره وتحقيقه .

التمسّك بالاستصحاب على جواز تقليد الميّت

فنقول : قد قرّر الأصل بوجوه :

منها : أنّ المجتهد الفلاني كان جائز التقليد لكلّ مكلّف عامّي في زمان

ص: 89


1- راجع الوافية في اُصول الفقه : 299 ؛ مطارح الأنظار 2: 559.
2- اُنظر مطارح الأنظار 2: 432.

حياته ، فيستصحب إلى ما بعد موته .

ومنها : أنّ الأخذ بفتوى المجتهد الفلاني كان جائزاً في زمان حياته ، فيستصحب .

ومنها : أنّ لكلّ مقلِّد جواز الرجوع إليه في زمان حياته ، وبعدها كما كان .

إلى غير ذلك من الوجوه المتقاربة(1) .

الإشكالات التي اُورد على الاستصحاب

وقد يستشكل : بأنّ جواز التقليد لكلّ بالغ عاقل ، إن كان بنحو القضيّة الخارجية ؛ بمعنى أنّ كلّ مكلّف كان موجوداً في زمانه جاز له الرجوع إليه ، فلا يفيد بالنسبة إلى الموجودين بعد حياته في الأعصار المتأخّرة ، وبعبارة اُخرى : الدليل أخصّ من المدّعى .

وإن كان بنحو القضيّة الحقيقية ؛ أي كلّ من وجد في الخارج وكان مكلّفاً في كلّ زمان ، كان له تقليد المجتهد الفلاني ؛ فإن اُريد إجراء الاستصحاب التنجيزي فلا يمكن ؛ لعدم إدراك المتأخّرين زمان حياته ، فلا يقين بالنسبة إليهم . وإن كان بنحو التعليق ، فإجراء الاستصحاب التعليقي بهذا النحو محلّ منع .

وفيه : أنّ جعل الأحكام للعناوين على نحو القضيّة الحقيقية ، ليس معناه أنّ لكلّ فرد من مصاديق العنوان حكماً مجعولاً برأسه ، ومعنى الانحلال إلى الأحكام ليس ذلك ، بل لا يكون في القضايا الحقيقية إلاّ جعل واحد لعنوان

ص: 90


1- راجع الفصول الغروية : 421 / السطر 15 ؛ مطارح الأنظار2 : 586 ؛ درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 704 .

واحد ، لا جعلات كثيرة بعدد أنفاس المكلّفين ، لكن ذاك الجعل الواحد يكون حجّة - بحكم العقل والعقلاء - على كلّ من كان مصداقاً للعنوان .

مثلاً قوله تعالى : (وَللّه ِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(1) ليس إلاّ جعلاً واحداً لعنوان واحد هو (مَنِ اسْتَطَاعَ) ولكنّه حجّة على كلّ مكلّف مستطيع ، فحينئذٍ لو علمنا بأنّ الحجّ كان واجباً على مَن استطاع إليه سبيلاً ، وشككنا في بقائه من أجل طروّ النسخ مثلاً ، فلا إشكال في جريان استصحاب الحكم المتعلّق بالعنوان لنفس ذلك العنوان ، فيصير - بحكم الاستصحاب - حجّةً على كلّ من كان مصداقه .

ولهذا لا يستشكل أحد في استصحاب عدم النسخ ، مع ورود هذا الإشكال بعينه عليه ، بل على جميع الاستصحابات الحكمية .

والسرّ فيه ما ذكرنا : من أنّ الحكم على العنوان حجّة على المعنونات ، فاستصحاب وجوب الحجّ على عنوان «المستطيع» جارٍ بلا إشكال ، كاستصحاب جواز رجوع كلّ مقلِّد إلى المجتهد الفلاني ، وسيأتي كلام في هذا الاستصحاب فانتظر(2) .

إشكال عدم بقاء موضوع الاستصحاب والجواب عنه

فالعمدة في المقام هو الإشكال المعروف ؛ أي عدم بقاء الموضوع .

وتقريره : أنّه لا بدّ في الاستصحاب من وحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوك

ص: 91


1- آل عمران (3) : 97 .
2- يأتي في الصفحة 95 - 99 .

فيها ، وموضوع القضيّة هو رأي المجتهد وفتواه ، وهو أمر قائم بنفس الحيّ ، وبعد موته لا يتّصف - بحسب نظر العرف المعتبر في المقام - بعلم ولا ظنّ ، ولا رأي له بحسبه ولا فتوى .

ولا أقلّ من الشكّ في ذلك ، ومعه أيضاً لا مجال للاستصحاب ؛ لأنّ إحراز الموضوع شرط في جريانه ، ولا إشكال في أنّ مدار الفتوى هو الظنّ الاجتهادي ، ولهذا يقع المظنون - بما هو كذلك - وسطاً في قياس الاستنباط ، ولا إشكال في عدم إحراز الموضوع ، بل في عدم بقائه(1) .

وفيه : أنّ مناط عمل العقلاء على رأي كلّ ذي صنعة في صنعته هو أماريته وطريقيته إلى الواقع ، وهو المناط في فتوى الفقهاء ، سواءً أكان دليل اعتباره بناء العقلاء الممضى ، أو الأدلّة اللفظية ؛ فإنّ مفادها أيضاً كذلك ، ففتوى الفقيه بأنّ صلاة الجمعة واجبة طريق إلى الحكم الشرعي وحجّة عليه ، وإنّما تتقوّم طريقيتها وطريقية كلّ رأي خبير إلى الواقع ، إذا أفتى وأخبر بنحو الجزم .

لكنّ الوجود الحدوثي للفتوى بنحو الجزم يوجب كونها طريقاً إلى الواقع أبداً ، ولا ينسلخ عنها ذلك إلاّ بتجدّد رأيه ، أو الترديد فيه ، وإلاّ فهي طريق إلى الواقع ، كان صاحب الرأي حيّاً أو ميّتاً .

فإذا شككنا في جواز العمل به ؛ من حيث احتمال دخالة الحياة شرعاً في جوازه ، فلا إشكال في جريان الاستصحاب ، ووحدةِ القضيّة المتيقّنة والمشكوك فيها ، فرأي العلاّمة وقوله وكتاب «قواعده» كلّ كاشف عن الأحكام الواقعية ،

ص: 92


1- مطارح الأنظار 2: 463؛ كفاية الاُصول : 545 - 546 .

ووجوده الحدوثي كافٍ في كونه طريقاً ، وهو المناط في جواز العمل شرعاً ولدى العقلاء .

وإن شئت قلت : جزم العلاّمة أو إظهار فتواه جزماً جعل كتابه حجّة وطريقاً إلى الواقع وجائزَ العمل في زمان حياته ، ويشكّ في جواز العمل على طبقه بعد موته ، فيستصحب .

والعجب من الشيخ الأعظم ، حيث اعترف بأنّ الفتوى إذا كانت عبارة عن نقل الأخبار بالمعنى ، يتمّ القول : بأنّ القول موضوع للحكم ، ويجري الاستصحاب معه(1) .

مع أنّ حجّية الأخبار وطريقيتها إلى الواقع - أيضاً - متقوّمتان بجزم الراوي ، فلو أخبر أحد الرواة بيننا وبين المعصوم بنحو الترديد لا يصير خبره أمارة وحجّة على الواقع ، ولا جائز العمل . لكن مع إخباره جزماً يصير كاشفاً عنه ، وجائز العمل ما دام كونه كذلك ، سواءً أكان مخبره حيّاً أو ميّتاً ، مع عدم بقاء جزمه بعد الموت ، لكن جزمه حين الإخبار كافٍ في جواز العمل وحجّية قوله دائماً ، إلاّ إذا رجع عن إخباره الجزمي .

وهذا جارٍ في الفتوى طابق النعل بالنعل ، فقول الفقيه حجّة على الواقع وطريق إليه ، كإخبار المخبر ، وهو باقٍ على طريقيته بعد الموت ، ولو شكّ في جواز العمل به - لأجل احتمال اشتراط الحياة شرعاً - جاز استصحابه ، وتمّت أركانه .

ص: 93


1- مطارح الأنظار 2: 465.

وإن شئت قلت : إنّ جزم الفقيه أو إظهاره الفتوى على سبيل الجزم ، واسطة في حدوث جواز العمل بقوله وكتابه ، وبعد موته نشكّ في بقاء الجواز ؛ لأجل الشكّ في كونه واسطة في العروض أو الثبوت ، فيستصحب .

وأمّا ما أفاد : من كون الوسط في قياس الاستنباط هو المظنون بما هو كذلك ، وأنّ مظنون الحرمة حرام ، أو مظنون الحكم واجب العمل(1) .

ففيه : أنّ إطلاق «الحجّة» على الأمارات ، ليس باعتبار وقوعها وسطاً في الإثبات كالحجّة المنطقية ، بل المراد منها هو كونها منجّزة للواقع ؛ بمعنى أنّه إذا قامت الأمارة المعتبرة على وجوب شيء ، وكان واجباً بحسب الواقع فتركه المكلّف ، تصحّ عقوبته ، ولا عذر له في تركه ، وبهذا المعنى تطلق «الحجّة» على القطع ، كإطلاقها على الأمارات ، بل تطلق على بعض الشكوك أيضاً .

وبالجملة : الحجّة في الفقه ليست هي القياس المنطقي ، ولا يكون الحكم الشرعي مترتّباً على ما قام عليه الأمارة بما هو كذلك ، ولا المظنون بما [هو] مظنون .

فتحصّل ممّا ذكرنا : أنّ استصحاب جواز العمل على طبق رأي المجتهد وفتواه - بمعنى حاصل المصدر - وعلى طبق كتابه ، الكاشفين عن الحكم الواقعي أو الوظيفة الظاهرية ، ممّا لا مانع منه .

لا يقال : بناءً على ما ذكرت يصحّ استصحاب حجّية ظنّ المجتهد الموجود في زمان حياته ، فلنا أن نقول : إنّ الحجّية والأمارية ثابتتان له في موطنه ،

ص: 94


1- مطارح الأنظار 2: 464 - 465.

ويحتمل بقاؤهما إلى الأبد ، ومع الشكّ تستصحبان .

فإنّه يقال : هذا غير معقول ؛ للزوم إثبات الحجّية وجواز العمل فعلاً لأمر معدوم ، وكونُه في زمانه موجوداً لا يكفي في إثبات الحجّية الفعلية له مع معدوميته فعلاً .

وإن شئت قلت : إنّ جواز العمل كان ثابتاً للظنّ الموجود ، فموضوع القضيّة المتيقّنة هو الظنّ الموجود ، وهو الآن مفقود .

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ الظنّ في حال الوجود بنحو القضيّة الحينية موضوع للقضيّة ، لا بنحو القضيّة الوضعية والتقييدية ، وهو عين الموضوع في القضيّة المشكوك فيها ، وقد ذكرنا في باب الاستصحاب : أنّ المعتبر فيه هو وحدة القضيتين ، لا إحراز وجود الموضوع ، فراجع(1) .

ولكن كون الموضوع كذلك في المقام محلّ إشكال ومنع ، مع أ نّه لا يدفع الإشكال المتقدّم به .

تقرير إشكال آخر على الاستصحاب

ثمّ إنّ هاهنا إشكالاً قويّاً على هذا الاستصحاب وهو أ نّه : إمّا أن يراد به استصحاب الحجّية العقلائية ، فهي أمر غير قابل للاستصحاب .

أو الحجّيةِ الشرعية ، فهي غير قابلة للجعل .

أو جوازِ العمل على طبق قوله ، فلا دليل على جعل الجواز الشرعي ، بل الظاهر من مجموع الأدلّة هو تنفيذ الأمر الارتكازي العقلائي ، فليس في الباب

ص: 95


1- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 233 .

دليل جامع لشرائط الحجّية يدلّ على تأسيس الشرع جواز العمل أو وجوبه على رأي المجتهد ، فها هي الأدلّة(1) المستدلّ بها للمقصود ، فراجعها حتّى تعرف صدق ما ذكرناه .

أو استصحابُ الأحكام الواقعية ، فلا شكّ في بقائها ؛ لأنّها لو تحقّقت أوّلاً فلا شكّ في أ نّها متحقّقة في الحال أيضاً ؛ لأنّ الشكّ في بقائها : إمّا لأجل الشكّ في النسخ ، أو الشكّ في فقدان شرط كصلاة الجمعة في زمان الغيبة ، أو حدوث مانع ، والفرض أ نّه لا شكّ من هذه الجهات .

أو الأحكام الظاهرية ؛ بدعوى كونها مجعولة عقيب رأي المجتهد ، بل عقيب سائر الأمارات ، فهو أيضاً ممنوع ؛ لعدم الدليل على ذلك ، بل ظاهر الأدلّة على خلافه ؛ لأنّ الظاهر منها إمضاء ما هو المرتكز لدى العقلاء ، والمرتكز لديهم هو أمارية رأي المجتهد للواقع ، كأمارية رأي كلّ ذي صنعة إلى الواقع في صنعته .

وبالجملة : لا بدّ في جريان الاستصحاب من حكم أو موضوع ذي حكم ، وليس في المقام شيء قابل له :

أمّا الحكم الشرعي فمفقود ؛ لعدم تطرّق جعل وتأسيس من الشارع .

وأمّا ما لدى العقلاء من حجّية قول أهل الخبرة ، فلعدم كونه موضوعاً لحكم شرعي ، بل هو أمر عقلائي يتنجّز به الواقع بعد عدم ردع الشارع عنه .

وأمّا إمضاء الشارع وارتضاؤه لما هو المرتكز بين العقلاء ، فليس حكماً

ص: 96


1- راجع ما تقدّم في الصفحة 55 - 57 .

شرعياً حتّى يستصحب ، تأمّل(1) ، بل لا يستفاد من الأدلّة إلاّ الإرشاد إلى ما هو المرتكز ، فليس جعل وتأسيس ، كما لا يخفى .

إن قلت : بناءً عليه ينسدّ باب الاستصحاب في مطلق مؤدّيات الأمارات ، فهل فتوى الفقيه إلاّ إحداها ؟! مع أ نّه حقّق في محلّه جريانه في مؤدّياتها ، فكما يجري فيها لا بدّ وأن يجري في الحكم المستفاد من فتوى الفقيه .

قلت : هذه مغالطة نشأت من خلط الشكّ في بقاء الحكم ، والشكّ في بقاء حجّية الحجّة عليه ، فإنّ الأوّل مجرى الاستصحاب ، دون الثاني ، فإذا قامت الأمارة - أيّة أمارة كانت - على حكم ، ثمّ شكّ في بقائه لأحد أسباب طروّ الشكّ ، كالشكّ في النسخ ، يجري الأصل ؛ لما ذكرنا في الاستصحاب من شمول أدلّته مؤدّيات الأمارات أيضاً(2) .

وأمّا إذا شكّ في أمارة - بعد قيامها على حكم وحجّيتها - في بقاء الحجّية لها في زمان الشكّ ، فلا يجري فيها ؛ لعدم الشكّ في بقاء حكم شرعي كما عرفت(3) ، فقياس الاستصحاب في نفس الأمارة وحكمها على الاستصحاب في مؤدّاها ، مع الفارق ؛ فإنّ المستصحب في الثاني هو الحكم الواقعي المحرز بالأمارة ، دون الأوّل .

إن قلت : بناءً على عدم استتباع قيام الأمارات - فتوى الفقيه كانت أو

ص: 97


1- وجهه : أنّ استصحاب رضا الشارع بالعمل ممّا لا مانع منه ؛ فإنّه وإن لم يكن حكماً ، لكن مع التعبّد به يحكم العقل بجواز العمل ، فهو مثل الحكم في ذلك. [منه قدس سره]
2- راجع الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 86 .
3- تقدّم في الصفحة 96 .

غيرها - للحكم ، يلزم عدم تمكّن المكلّف من الجزم في النيّة ، وإتيان كثير من أجزاء العبادات وشرائطها رجاءً ، وهو باطل ، فلا بدّ من الالتزام باستتباعها الحكم ؛ لتحصيل الجزم فيها .

قلت أوّلاً : لا دليل على لزوم الجزم فيها من إجماع أو غيره ، ودعوى الإجماع ممنوعة في هذه المسألة العقلية .

وثانياً : أنّ الجزم حاصل ؛ لما ذكرناه(1) : من أنّ احتمال الخلاف في الطرق العقلائية ، مغفول عنه غالباً ، ألا ترى أنّ جميع المعاملات الواقعة من ذوي الأيادي على الأموال تقع على سبيل الجزم ، مع أنّ الطريق إلى ملكيتهم هو اليد التي تكون طريقاً عقلائياً ؟! وليس ذلك إلاّ لعدم انقداح احتمال الخلاف في النفوس تفصيلاً بحسب الغالب .

وثالثاً : أنّ المقلِّدين الآخذين بقول الفقهاء لا يرون فتاويهم إلاّ طريقاً إلى الواقع ، فالإتيان على مقتضى فتاويهم ليس إلاّ بملاحظة طريقيتها إلى الواقع ، وكاشفيتها عن أحكام اللّه الواقعية ، كعملهم على طبق رأي كلّ خبير فيما يرجع إليه ، من دون تفاوت في نظرهم ، وليس استتباع فتاويهم للحكم الظاهري في ذهنهم بوجه حتّى يكون الجزم باعتباره .

فالحكم الظاهري على فرض وجوده ليس محصّلاً للجزم ؛ ضرورة كون هذا الاستتباع مغفولاً عنه لدى العقلاء العاملين على قول الفقهاء بما أ نّهم عالمون بالأحكام ؛ وفتاويهم طريق إلى الواقع .

ص: 98


1- تقدّم في الصفحة 58 .

فتحصّل من جميع ما ذكرنا : أنّ الاستصحاب غير جارٍ ؛ لفقدان المستصحب ، أي الحكم ، أو الموضوع الذي له حكم .

التفصّي عن الإشكال

وغاية ما يمكن أن يقال في التفصّي عن هذا الإشكال : أنّ احتياج الفقيه للفتوى بجواز البقاء على تقليد الميّت إلى الاستصحاب ، إنّما يكون في مورد اختلاف رأيه مع رأي الميّت .

وأمّا مع توافقهما ، فيجوز له الإفتاء بالأخذ برأي الميّت ؛ لقيام الدليل عنده عليه ، وعدم الموضوعية للفتوى ، والأخذ برأي الحيّ . فلو فرض موافقة رأي فقيه حيّ لجميع ما في رسالة فقيه ميّت ، يجوز له الإرجاع إلى رسالته ، من غير احتياج إلى الاستصحاب ، بل لقيام الأمارة على صحّته ، فما يحتاج في الحكم بجواز البقاء إلى الاستصحاب هو موارد اختلافهما .

فحينئذٍ نقول : لو أدرك مكلّف في زمان بلوغه مجتهدين حيّين ، متساويَين في العلم ، مختلفَين في الفتوى ، يكون مخيّراً في الأخذ بأيّهما شاء ، وهذا حكم مسلّم بين الفقهاء ، وأرسلوه إرسال المسلّمات ، من غير احتمال إشكال فيه(1) ، مع أ نّه خلاف القاعدة ؛ فإنّها تقتضي تساقطهما .

فالحكم بالتخيير بنحو التسلّم في هذا المورد المخالف للقاعدة لا يكون إلاّ بدليل شرعي وصل إليهم ، أو للسيرة المستمرّة إلى زمن الأئمّة علیهم السلام ، كما هي ليست ببعيدة ، فإذا مات أحد المجتهدين يستصحب هذا الحكم التخييري ، وهذا

ص: 99


1- مناهج الأحكام والاُصول : 300 / السطر الأخير ؛ مفاتيح الاُصول : 631 / السطر 9 .

الاستصحاب جارٍ في الابتدائي والاستمراري .

نعم ، جريانه في الابتدائي الذي لم يدركه المكلّف حيّاً محلّ إشكال ؛ لعدم دليل يثبت الحكم للعنوان حتّى يستصحب ، فما ذكرنا في التفصّي عن الإشكال الأوّل في الباب : من استصحاب الحكم الثابت للعنوان ، إنّما هو على فرض ثبوت الحكم له ، وهو فرض محض .

فتحصّل ممّا ذكرنا تفصيل آخر : هو التفصيل بين الابتدائي الذي لم يدرك المكلّف مجتهده حيّاً حال بلوغه ، وبين الابتدائي المدرك كذلك والاستمراري .

هذا مقتضى الاستصحاب ، فلو قام الإجماع على عدم جواز الابتدائي مطلقاً ، تصير النتيجة التفصيل بين الابتدائي والاستمراري .

هذا كلّه حال الاستصحاب .

التمسّك ببناء العقلاء على جواز تقليد الميّت

وأمّا بناء العقلاء(1) ، فمحصّل الكلام فيه : أنّه لا إشكال في عدم التفاوت في ارتكاز العقلاء وحكم العقل بين فتوى الحيّ والميّت ؛ ضرورة طريقية كلّ منهما إلى الواقع من غير فرق بينهما .

لكن مجرّد ارتكازهم وحكمهم العقلي بعدم الفرق بينهما لا يكفي في جواز العمل ، بل لا بدّ من إثبات بنائهم على العمل على طبق فتوى الميّت كالحيّ ، وتعارفه لديهم حتّى يكون عدم ردع الشارع كاشفاً عن إمضائه ، وإلاّ فلو فرض عدم جريان العمل على طبق فتوى الميّت - وإن لم يتفاوت في ارتكازهم مع

ص: 100


1- اُنظر مطارح الأنظار 2: 629.

الحيّ - لا يكون للردع مورد حتّى يكشف عدمُه عن إمضاء الشارع .

والحاصل : أنّ جواز الاتّكال على الأمارات العقلائية ، موقوف على إمضاء الشارع لفظاً ، أو كشفه عن عدم الردع ، وليس ما يدلّ لفظاً عليه ، والكشف عن عدم الردع موقوف على جري العقلاء عملاً على طبق ارتكازهم ، ومع عدمه لا معنى لردع الشارع ، ولا يكون سكوته كاشفاً عن رضاه .

فحينئذٍ نقول : لا إشكال في بناء العقلاء على العمل برأي الحيّ ، ويمكن دعوى بنائهم على العمل بما أخذوا من الحيّ في زمان حياته ثمّ مات ؛ ضرورة أنّ الجاهل بعد تعلّم ما يحتاج إليه من الحيّ يرى نفسه عالماً ، فلا داعي له في الرجوع إلى الآخر .

بل يمكن إثبات ذلك من الروايات ، كرواية علي بن المسيّب المتقدّمة(1) .

فإنّ في إرجاعه إلى زكريّا بن آدم - من غير ذكر حال حياته ؛ وأنّ ما يأخذه منه في حال الحياة لا يجوز العمل به بعد موته ، مع أنّ في ارتكازه وارتكاز كلّ عاقل عدمَ الفرق بينهما - دلالة على جواز العمل بما تعلّم منه مطلقاً ؛ فإنّ كون شقّته بعيدة - بحيث أ نّه بعد رجوعه إلى شقّته كان يصير منقطعاً عن الإمام علیه السلام في مثل تلك الأزمنة - كان يوجب عليه بيان الاشتراط لو كانت الحياة شرطاً .

واحتمال أنّ رجوع علي بن المسيّب إليه كان في نقل الرواية ، يدفعه ظهور الرواية ، ومثلها مكاتبة أحمد بن حاتم وأخيه(2) .

وبالجملة : إرجاع الأئمّة علیهم السلام في الروايات الكثيرة ، شيعتهم إلى العلماء

ص: 101


1- تقدّمت في الصفحة 56 .
2- تقدّمت في الصفحة 74 .

عموماً وخصوصاً - مع خلوّها عن اشتراط الحياة - كاشف عن ارتضائهم بذلك .

نعم ، لا يكشف عن الأخذ الابتدائي بفتوى الميّت ؛ فإنّ الدواعي منصرفة عن الرجوع إلى الميّت مع وجود الحيّ ، ولم يكن في تلك الأزمنة تدوين الكتب الفتوائية متعارفاً حتّى يقال : إنّهم كانوا يراجعون الكتب ؛ فإنّ الكتب الموجودة في تلك الأزمنة كانت منحصرة بكتب الأحاديث ، ثمّ بعد أزمنة متطاولة صار بناؤهم على تدوين كتب نحو متون الأخبار ، ككتب الصدوقين ، ومن في طبقتهما ، أو قريب العصر بهما .

ثمّ بعد مرور الأزمنة جرت عادتهم على تدوين الكتب التفريعية والاستدلالية، فلم يكن الأخذ من الأموات ابتداءً ممكناً في الصدر الأوّل ، ولا متعارفاً أصلاً .

نعم ، من أخذ فتوى حيّ في زمان حياته ، فقد كان يعمل بها على الظاهر ؛ ضرورة عدم الفرق في ارتكازه بين الحيّ والميّت ، ولم يرد ردع عن ارتكازهم وبنائهم العملي ، بل إطلاق الأدلّة يقتضي الجواز أيضاً .

فتحصّل ممّا ذكرناه : أ نّه لو كان مبنى جواز البقاء على تقليد الميّت هو بناء العقلاء ، فلا بدّ من التفصيل بين ما إذا أخذ فتوى الميّت في زمان حياته وغيره .

والإنصاف : أنّ جواز البقاء على فتوى الميّت بعد الأخذ منه في الجملة هو الأقوى ، وأمّا الأخذ الابتدائي ففيه إشكال ، بل الأقوى عدم جوازه .

وأمّا التمسّك بالأدلّة اللفظية كالكتاب والسنّة(1) ، فقد عرفت في المبحث السالف عدم دلالتهما على تأسيس حكم شرعي في هذا الباب ، فراجع(2) .

ص: 102


1- الفصول الغروية : 422 / السطر 31 ؛ اُنظر مطارح الأنظار 2: 626.
2- تقدّم في الصفحة 96 .

الفصل الثالث: في تبدّل الاجتهاد

تكليف المجتهد عند تبدّل رأيه

اشارة

إذا اضمحلّ الاجتهاد السابق وتبدّل رأي المجتهد ، فلا يخلو : إمّا أن يتبدّل من القطع إلى القطع ، أو إلى الظنّ المعتبر ، أو من الظنّ المعتبر إلى القطع ، أو إلى الظنّ المعتبر .

حال الفتوى المستندة إلى القطع

فإن تبدّل من القطع إلى غيره فلا مجال للقول بالإجزاء ؛ ضرورة أنّ الواقع لا يتغيّر عمّا هو عليه بحسب العلم والجهل ، فإذا قطع بعدم كون السورة جزءاً للصلاة ، ثمّ قطع بجزئيتها ، أو قامت الأمارة عليها ، أو تبدّل قطعه ، يتبيّن له في الحال الثاني - وجداناً أو تعبّداً - عدم كون المأتيّ به مصداق المأمور به ، ومعه لا وجه للإجزاء .

ولا يتعلّق بالقطع جعل حتّى يتكلّم في دلالة دليله على إجزائه عن الواقع ، أو

ص: 103

بدليته عنه ، وإنّما هو عذر في صورة ترك المأمور به ، فإذا ارتفع العذر يجب عليه الإتيان بالمأمور به في الوقت ، وخارجه إن كان له قضاء .

حال الفتوى المستندة إلى الأمارات

وإن تبدّل من الظنّ المعتبر ، فإن كان مستنده الأمارات كخبر الثقة وغيره ، فكذلك إذا كانت الأمارة عقلائية أمضاها الشارع ؛ ضرورة أنّ العقلاء إنّما يعملون على ما عندهم - كخبر الثقة والظواهر - بما أ نّها كاشفة عن الواقع وطريق إليه ، ومن حيث عدم اعتنائهم باحتمال الخلاف. وإمضاءُ الشارع هذه الطريقة لا يدلّ على رفع اليد عن الواقعيات، وتبديل المصاديق الأوّلية بالمصاديق الثانوية ، أو جعل المصاديق الناقصة منزلة التامّة .

وربّما يقال : إنّ الشارع إذا أمر بطبيعة كالصلاة ، ثمّ أمر بالعمل بقول الثقة ، أو أجاز المأمور بالعمل به ، يكون لازمه الأمر أو الإجازة بإتيان المأمور به على طبق ما أدّى إليه قول الثقة ، ولازم ذلك هو الإجزاء(1) . ففي مثل قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ)(2) ، يكون أمر بصلاتين إلى غسق الليل لا غير ، فإذا أمر بالعمل على قول الثقة ، فقد أمر بإتيان المأمور به بالكيفية

التي أدّت إليها الأمارة ، فلا محالة يكون المأتيّ به مصداقاً للمأمور به عنده ، وإلاّ لما أمر بإتيانه كذلك ، فلا محيص عن الإجزاء ؛ لتحقّق مصداق المأمور به ، وسقوط الأمر .

ص: 104


1- نهاية الاُصول : 143 - 144 .
2- الإسراء(17) : 78 .

ولكنّك خبير : بأنّ إمضاء طريقة العقلاء ليس إلاّ لأجل تحصيل الواقعيات ؛ لمطابقة الأمارات العقلائية نوعاً للواقع ، وضعف احتمال تخلّفها عنه ، وفي مثل ذلك لا وجه لسقوط الأمر إذا تخلّف عن الواقع ، كما أنّ الأمر كذلك عند العقلاء ، والفرض أنّ الشارع لم يأمر تأسيساً .

بل وكذا الحال لو أمر الشارع بأمارة تأسيساً ، وكان لسان الدليل هو التحفّظ على الواقع ؛ فإنّ العرف لا يفهم منه إلاّ تحصيل الواقع ، لا تبديله بمؤدّى الأمارة .

وأنت إذا راجعت الأدلّة المستدلّ بها على حجّية خبر الثقة ، لرأيت أنّ مفادها ليس إلاّ إيجاب العمل به ؛ لأجل الوصول إلى الواقعيات ، كالآيات على فرض دلالتها ، وكالروايات ، فإنّها تنادي بأعلى صوتها بأنّ إيجاب العمل على قول الثقة إنّما هو لكونه ثقة وغير كاذب ، وأ نّه موصل إلى الواقع ، وفي مثله لا يفهم العرف أنّ الشارع يتصرّف في الواقعيات على نحو أداء الأمارة .

هذا ، مع أنّ احتمال التأسيس في باب الأمارات العقلائية ، مجرّد فرض ، وإلاّ فالناظر فيها يقطع بأنّ الشارع لم يكن في مقام تأسيس وتحكيم ، بل في مقام إرشاد وإمضاء ما لدى العقلاء ، والضرورة قاضية بأنّ العقلاء لا يعملون على طبقها إلاّ لتحصيل الواقع .

وحديث تبديل الواقع بما يكون مؤدّى الأمارة(1) ، ممّا لا أصل له في طريقتهم ، فالقول بالإجزاء فيها ضعيف غايته .

وأضعف منه التفصيل بين تبدّل الاجتهاد الأوّل بالقطع فلا يجزي ، وبين تبدّله

ص: 105


1- البيع ، رسالة الاجتهاد والتقليد (تقريرات المحقّق الحائري) الأراكي 2 : 433 - 434 .

باجتهاد آخر فيجزي ، بدعوى عدم الفرق بين الاجتهادين الظنّيين ، وعدم ترجيح الثاني حتّى يبطل الأوّل(1) .

وذلك لأنّ تبدّل الاجتهاد لا يمكن إلاّ مع اضمحلال الاجتهاد الأوّل بالعثور على دليل أقوى ، أو بالتخطئة للاجتهاد الأوّل ، ومعه لا وجه لاعتباره ، فضلاً عن مصادمته للثاني . هذا حال الفتوى المستندة إلى الأمارات .

حال الفتوى المستندة إلى الاُصول

وأمّا إذا استندت إلى الاُصول ، كأصالتي الطهارة والحلّية في الشبهات الحكمية ، وكالاستصحاب فيها ، وكحديث الرفع(2) ، فالظاهر هو الإجزاء مع اضمحلال الاجتهاد :

أمّا في أصالتي الطهارة والحلّ ؛ فلأنّ الظاهر من دليلهما هو جعل الوظيفة الظاهرية لدى الشكّ في الواقع ؛ فإنّ معنى قوله : «كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أ نّه قذر»(3) ، و«كلّ شيء . . . حلال حتّى تعرف أ نّه حرام بعينه . . .»(4) ليس أ نّه طاهر وحلال واقعاً ، حتّى تكون النجاسة والحرمة متقيّدتين بحال العلم بهما ؛ ضرورة

ص: 106


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 447 - 448 .
2- التوحيد ، الصدوق : 353/ 24 ؛ الخصال : 417/ 9 ؛ وسائل الشيعة 15 : 369 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، الباب 56 ، الحديث1 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 284 / 832 ؛ وسائل الشيعة 3 : 467 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 37 ، الحديث 4 .
4- الكافي 5 : 313/ 40 ؛ وسائل الشيعة 17 : 89 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب4 ، الحديث4، وفيه : «تعلم» بدل «تعرف» .

أ نّه التصويب الباطل ، ولا معنى لجعل المحرزية والكاشفية للشكّ مع كونه خلاف أدلّتهما ، ولا لجعلهما لأجل التحفّظ على الواقع .

بل الظاهر من أدلّتهما هو جعل الطهارة والحلّية الظاهريتين ، ولا معنى لهما إلاّ تجويز ترتيب آثار الطهارة والحلّية على المشكوك فيه ، ومعنى تجويز ترتيب الآثار ، تجويز إتيان ما اشترطت فيه الطهارة والحلّية مع المشكوك فيه ، فيصير المأتيّ به معهما مصداق المأمور به تعبّداً ، فيسقط أمره .

فإذا دلّ الدليل على لزوم إتيان الصلاة مع طهارة الثوب ، ثمّ شكّ في طهارة ثوبه ، دلّ قوله : «كلّ شيء طاهر» - الذي يرجع إلى جواز ترتيب الطهارة على الثوب المشكوك فيه - على جواز إتيان الصلاة معه ، وتحقّق مصداق الصلاة به ، فإذا تبدّل شكّه بالعلم لا يكون من قبيل كشف الخلاف ، كما ذكرنا في الأمارات ؛ لأنّها كواشف عن الواقع ، فلها واقع تطابقه أو لا تطابقه ، بخلاف مؤدّى الأصلين ، فإنّ مفاد أدلّتهما ترتيب آثار الطهارة أو الحلّية بلسان جعلهما ، فتبديل الشكّ بالعلم من قبيل تبديل الموضوع ، لا التخلّف عن الواقع ، فأدلّتهما حاكمة على أدلّة جعل الشروط والموانع في المركّبات المأمور بها .

وبالجملة : إذا أمر المولى بإتيان الصلاة مع الطهارة ، وأجاز الإتيان بها في ظرف الشكّ مع الثوب المشكوك فيه بلسان جعل الطهارة ، وأجاز ترتيب آثار الطهارة الواقعية عليه ، ينتج جواز إتيان الصلاة المأمور بها مع الطهارة الظاهرية ، ومعاملة المكلّف معها معاملة الطهارة الواقعية ، فيفهم العرف من ذلك حصول مصداق المأمور به معها ، فيسقط الأمر ، وبعد العلم بالنجاسة لا يكون من قبيل كشف الخلاف ، كما في الأمارات الكاشفة عن الواقع .

ص: 107

ولا يبعد أن يكون الأمر كذلك في الاستصحاب ؛ فإنّ الكبرى المجعولة فيه وهي قوله : «لا ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً»(1) ليس مفادها جعل اليقين أمارة بالنسبة إلى زمان الشكّ ؛ ضرورة عدم كاشفيته بالنسبة إليه عقلاً ؛ لامتناع كونه طريقاً إلى غير متعلّقه ، ولا معنى لجعله طريقاً إلى غيره ، فلا يكون الاستصحاب من الأمارات .

بل ولا يكون جعله للتحفّظ على الواقع ، كإيجاب الاحتياط في الشبهة البدوية في الأعراض والدماء ، فإنّه أيضاً خلاف مفادها ، وإن احتملناه بل رجّحناه سابقاً(2) .

بل الظاهر منها : أ نّه لا ينبغي للشاكّ الذي كان على يقين ، رفع اليد عن آثاره ، فيجب عليه ترتيب آثاره ، فيرجع إلى وجوب معاملة بقاء اليقين الطريقي معه في زمان الشكّ ، وهو مساوق عرفاً لتجويز إتيان المأمور به - المشروط بالطهارة الواقعية مثلاً - مع الطهارة المستصحبة ، ولازم ذلك صيرورة المأتيّ به معها مصداقاً للمأمور به ، فيسقط الأمر المتعلّق به .

وبالجملة : يكون حاله في هذا الأثر كحال أصالتي الطهارة والحلّ ؛ من حيث كونهما أصلين عمليين ، ووظيفةً في زمان الشكّ ، لا أمارة على الواقع ، ولا أصلاً للتحفّظ عليه حتّى يأتي فيه كشف الخلاف .

ويدلّ على ذلك صحيحة زرارة الثانية ؛ حيث حكم فيها بغسل الثوب وعدم

ص: 108


1- تهذيب الأحكام 1 : 8/11 ؛ وسائل الشيعة 1 : 245 ، كتاب الطهارة ، أبواب نواقض الوضوء ، الباب 1 ، الحديث 1 .
2- أنوار الهداية 1 : 73 .

إعادة الصلاة معلّلاً : ب «أ نّه كان على يقين من طهارته فشكّ ، وليس ينبغي له أن ينقض اليقين بالشكّ»(1) .

وكذا الحال فيما إذا كان المستند حديث الرفع ؛ فإنّ قوله : «رفع . . . ما لا يعلمون» - بناء على شموله للشبهات الحكمية والموضوعية(2) - لسانه رفع الحكم والموضوع باعتبار الحكم .

لكن لا بدّ من رفع اليد عن هذا الظاهر حتّى بالنسبة إلى الشبهات الموضوعية؛ لأنّ لازمه طهارة ما شكّ في نجاسته موضوعاً واقعاً ، ولا يمكن الالتزام بطهارة ملاقيه في زمان الشكّ بعد كشف الخلاف ، فلا بدّ من الحمل على البناء العملي على الرفع ، وترتيب آثار الرفع الواقعي .

فإذا شكّ في جزئية شيء في الصلاة ، أو شرطيته لها ، أو مانعيته ، فحديث الرفع يدلّ على رفع الجزئية والشرطية والمانعية ، فحيث لا يمكن الالتزام بالرفع الحقيقي ، لا مانع من الالتزام بالرفع الظاهري ، نظير الوضع الظاهري في أصالتي الطهارة والحلّية ، فيرجع إلى معاملة الرفع في الظاهر ، وجواز إتيان المأموربه كذلك ، وصيرورة المأتيّ به مصداقاً للمأمور به بواسطة حكومة دليل الرفع على أدلّة الأحكام .

فتحصّل من جميع ما ذكرنا : أنّ التحقيق هو التفصيل بين الأمارات والاُصول ،

ص: 109


1- علل الشرائع : 361/ 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 421/ 1335 ؛ وسائل الشيعة 3 : 466 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 37 ، الحديث 1 .
2- راجع أنوار الهداية 2 : 23 .

كما عليه المحقّق الخراساني رحمه الله علیه (1) .

هذا كلّه بحسب مقام الإثبات وظهور الأدلّة ، وأمّا بحسب مقام الثبوت ، فلا بدّ من توجيهه بوجه لا يرجع إلى التصويب الباطل .

في الإشارة إلى الخلط الواقع من بعض الأعاظم في المقام

ثمّ إنّه ظهر ممّا ذكرنا : أنّ القائل بالإجزاء لا يلتزم بالتصرّف في أحكام المحرّمات والنجاسات ، ولا يقول بحكومة أدلّة الاُصول على أدلّة الأحكام الواقعية التي هي في طولها .

وليس محطّ البحث في باب الإجزاء بأدلّة اُصول الطهارة والحلّية والاستصحاب ، هو التضييق أو التوسعة في أدلّة النجاسات والمحرّمات ، حتّى يقال : إنّ الأمارات والاُصول وقعت في رتبة إحراز الأحكام الواقعية ، والحكومة فيها غير الحكومة بين الأدلّة الواقعية بعضها مع بعض ، وإنّ لازم ذلك هو الحكم بطهارة ملاقي النجس الواقعي إذا لاقى في زمان الشكّ . . . وغير ذلك ممّا وقع من بعض الأعاظم على ما في تقريرات بحثه(2) .

بل محطّ البحث : هو أنّ أدلّة الاُصول الثلاثة ، هل تدلّ - بحكومتها على أدلّة الأحكام - على تحقّق مصداق المأمور به تعبّداً ، حتّى يقال بالإجزاء ، أم لا ؟ هذا مع بقاء النجاسات والمحرّمات على ما هي عليها ، من غير تصرّف في أدلّتها .

فالشكّ في الطهارة والحلّية بحسب الشبهة الحكمية إنّما هو في طول جعل

ص: 110


1- كفاية الاُصول : 110 - 111 .
2- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 250 - 251 .

النجاسات والمحرّمات ، لا في طول جعل الصلاة مشروطةً بطهارة ثوب المصلّي ، وبكونه من المأكول ، والخلط بين المقامين أوقعه فيما أوقعه ، وفي كلامه محالّ أنظار تركناها مخافة التطويل .

تكليف المقلّد مع تبدّل رأي مجتهده

ثمّ إنّ هذا كلّه حال المجتهد بالنسبة إلى تكاليف نفسه ، وأمّا تكليف مقلّديه ، فهل هو كالمجتهد في التفصيل بين كون رأي المقلّد مستنداً إلى الأمارات ، وبين كونه مستنداً إلى الاُصول ؟ بأن يقال : إنّ المجتهد يعيّن وظائف العباد مطلقاً واقعاً وظاهراً ، فكما أنّ في وظائفه الظاهرية نحكم بالإجزاء ؛ بواسطة أدلّة الاُصول وحكومتها على الأدلّة ، فكذا في تكاليف مقلّديه ، طابق النعل بالنعل .

أو لا ؟ بأن يقال : إنّ المقلّد مستنده في الأحكام مطلقاً ، هو رأي المجتهد ، وهو أمارة على تكاليفه بحسب ارتكازه العقلائي ، والشرع أيضاً أمضى هذا الارتكاز والبناء العملي العقلائي .

وليس مستند المقلّدين في العمل هو أصالة الطهارة أو الحلّية ، ولا الاستصحاب أو حديث الرفع في الشبهات الحكمية التي هي مورد بحثنا هاهنا ؛ لأنّ العامّي لا يكون مورداً لجريان الاُصول الحكمية ؛ فإنّ موضوعها الشكّ بعد الفحص واليأس من الأدلّة الاجتهادية ، والعامّي لا يكون كذلك ، فلا تجري في حقّه الاُصول حتّى تحرز مصداق المأمور به .

ومجرّد كون مستند المجتهد هو الاُصول ، ومقتضاها الإجزاء ، لا يوجب الإجزاء بالنسبة إلى من لم يكن مستنده إيّاها ؛ فإنّ المقلّد ليس مستنده في العمل

ص: 111

هي الاُصول الحكمية ، بل مستنده الأمارة - وهي رأي المجتهد - على حكم اللّه تعالى ، فإذا تبدّل رأيه فلا دليل على الإجزاء :

أمّا دليل وجوب اتّباع المجتهد ، فلأنّه ليس إلاّ بناء العقلاء الممضى ، كما يظهر للناظر في الأدلّة ، وإنّما يعمل العقلاء على رأيه لإلغاء احتمال الخلاف ، وإمضاء الشارع لذلك لا يوجب الإجزاء كما تقدّم(1) .

وأمّا أدلّة الاُصول ، فهي ليست مستنده ، ولا هو مورد جريانها ؛ لعدم كونه شاكّاً بعد الفحص واليأس من الأدلّة ، فلا وجه للإجزاء ، وهذا هو الأقوى .

فإن قلت : إذا لم يكن المقلّد موضوعاً للأصل ، ولا يجري في حقّه ، فلِم يجوز للمجتهد أن يفتي مستنداً إلى الأصل بالنسبة إلى مقلّديه ، مع أنّ أدلّة الاُصول لا تجري إلاّ للشاكّ بعد الفحص واليأس ؛ وهو المجتهد فقط ، لا المقلّد ؟!

ولو قيل : إنّ المجتهد نائب عن مقلّديه(2) ، فمع أ نّه لا محصّل له ، لازمه الإجزاء .

قلت : قد ذكرنا سابقاً ، أنّ المجتهد إذا كان عالماً بثبوت الحكم الكلّي المشترك بين العباد ، ثمّ شكّ في نسخه مثلاً ، يصير شاكّاً في ثبوت هذا الحكم المشترك بينهم ، فيجوز له الإفتاء به ، كما له العمل به ، فكما أنّ الأمارة إذا قامت على حكم مشترك كلّي ، يجوز له الإفتاء بمقتضاها ، كذلك إذا كان ذلك مقتضى الاستصحاب ، فله العمل به ، والفتوى بمقتضاه ، فإذا أفتى يجب على المقلّدين

ص: 112


1- تقدّم في الصفحة 105 .
2- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 26 : 19 .

العمل على طبق فتواه ؛ لبناء العقلاء على رجوع الجاهل إلى العالم .

فتحصّل من ذلك : أنّ المجتهد له الإفتاء بمقتضى الاُصول الحكمية ، ومقتضى القاعدة هو الإجزاء بالنسبة إليه ، دون مقلّديه ؛ لاستناده إلى الاُصول المقتضية للإجزاء ، واستنادهم إلى رأيه الغير المقتضي لذلك .

وقد تمّت مهمّات مباحث الاجتهاد والتقليد ، وبقيت بعض الاُمور غير المهمّة ، تركناها لذلك ، وقد وقع الفراغ من تسويده يوم الجمعة ؛ عيد الفطر ، سنة 1370 في «محلاّت» والحمد للّه أوّلاً وآخراً ، وظاهراً وباطناً .

ص: 113

ص: 114

الضميمة(*)

* - ولا يخفى أنّ هذه الرسالة الموسومة ب «الاجتهاد والتقليد» قد اُلّفت في عام 1370 ه . ق . وذلك في الدورة الاُولى من دروس الاُصول ، غير أنّ الإمام قدّس سرّه قد أضاف إليها فصلين آخرين : أحدهما مُلحق ببحثه حول تقليد الأعلم الأفضل ، والآخر لاحق بالبحث حول تقليد الميّت ، أضافهما قدّس سرّه في دورته الاُصولية الثانية عند تدريسه لهذين المبحثين .

ومن هنا فقد جاء الفصلان متأخّرين عن موضعيهما المناسبين ؛ بسبب انتقال الكتاب إلى صيغته النهائية في سنة الإعداد والتدريس في الدورة الاُولى .

ص: 115

ص: 116

الفصل الرابع: هل التخيير بين المجتهدين المتساويين بدوي أو استمراري ؟

هل يجوز للعامي العدول بعد تقليد أحد المجتهدين المتساويين

بعد البناء على تخيير العامّي في الرجوع إلى مجتهدين متساويين ، هل يجوز له العدول بعد تقليد أحدهما ؟

مختار شيخنا العلاّمة في المقام

اختار شيخنا العلاّمة التفصيل بين العدول في شخص واقعة بعد الأخذ والعمل فيه ، كما لو صلّى بلا سورة بفتوى أحدهما ، فأراد تكرار الصلاة مع السورة بفتوى الآخر ، وبين العدول في الوقائع المستقبلة التي لم تعمل ، أو العدول قبل العمل بعد الالتزام والأخذ .

فذهب إلى عدم الجواز مطلقاً في الأوّل ، وعدم الجواز في الأخيرين إن قلنا : بأنّ التقليد هو الالتزام والأخذ ، والجواز إن قلنا : بأ نّه نفس العمل مستنداً إلى الفتوى .

ووجّهه في الأوّل : بأ نّه لا مجال له للعدول بعد العمل بالواجب المخيّر ؛ لعدم إمكان تكرار صِرْف الوجود ، وامتناع تحصيل الحاصل ، وليس كلّ زمان قيداً للأخذ بالفتوى ، حتّى يقال : إنّه ليس باعتبار الزمان المتأخّر تحصيلاً للحاصل ، بل الأخذ بالمضمون أمر واحد ممتدّ ، يكون الزمان ظرفاً له بحسب الأدلّة .

ص: 117

نعم ، يمكن إفادة التخيير في الأزمنة المتأخّرة بدليل آخر يفيد التخيير في الاستدامة على العمل الموجود ورفع اليد عنه والأخذ بالآخر ، وإذ هو ليس فليس .

وإفادته بأدلّة التخيير في إحداث الأخذ بهذا أو ذاك ممتنع ؛ للزوم الجمع بين لحاظين متنافيين ، نظير الجمع بين الاستصحاب والقاعدة بدليل واحد .

ولا يجري الاستصحاب ؛ لأنّ التخيير بين الإحداثين غير ممكن الجرّ إلى الزمان الثاني ، وبالنحو الثاني لا حالة سابقة له ، والاستصحاب التعليقي لفتوى الآخر غير جارٍ ؛ لأنّ الحجّية المبهمة السابقة صارت معيّنة في المأخوذ وزالت قطعاً ، كالملكية المشاعة إذا صارت مفروزة .

ووجه الأخيرين هذا البيان بعينه إن قلنا : إنّ المأمور به في مثل قوله : «فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا»(1) وغيره(2) ، هو العمل الجوانحي ؛ أي الالتزام والبناء القلبي .

وإن قلنا : بأ نّه العمل ، فلا إشكال في بقاء الأمر التخييري في كلا القسمين بلا محذور ، ومع فقد الإطلاق لا مانع من الاستصحاب(3) ، انتهى ملخّصاً من تقرير بحثه .

ص: 118


1- كمال الدين : 484/ 4 ؛ الاحتجاج2: 543؛ وسائل الشيعة 27 : 140 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 9 .
2- كقوله عليه السلام : «بأيّهما أخذت من باب التسليم كان صواباً». الاحتجاج 2 : 569 ؛ وسائل الشيعة : 27 : 121 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 39 .
3- البيع ، رسالة الاجتهاد والتقليد (تقريرات المحقّق الحائري) الأراكي 2 : 471 - 475 .

نقد كلام العلاّمة الحائري

أقول : ما يمكن البحث عنه في الصورة الاُولى هو جواز تكرار العمل بعد الإتيان به مطابقاً لفتوى الأوّل ، وأمّا البحث عن بقاء التخيير وكذا جواز العدول بعنوانهما ، فأمر غير صحيح ؛ ضرورة أنّ التخيير بين الإتيان بما أتى به والعمل بقول الآخر، ممّا لا معنى له، وطرح العمل الأوّل وإعدامه غير معقول بعد الوجود حتّى يتحقّق ثانياً موضوع التخيير ، وكذا لا يعقل العدول بحقيقته بعد العمل ، فلا بدّ وأن يكون البحث ممحّضاً في جواز العمل بقول الثاني بعد العمل بقول الأوّل .

قد يقال : بعدم الجواز ؛ لأنّ الإتيان بأحد شقّي الواجب التخييري موجب لسقوط التكليف جزماً ، فالإتيان بعده - بداعوية الأمر الأوّل ، أو باحتمال داعويته ، أو بداعوية المحتمل - غير معقول . ومع العلم بالسقوط لا معنى لإجراء الاستصحاب : لا استصحاب الواجب التخييري ، وهو واضح ، ولا جواز العمل على طبق الثاني ؛ لفرض عدم احتمال أمر آخر غير التخييري الساقط ، وكأنّ الظاهر من تقريرات بحث شيخنا ذلك(1) .

وفيه : أنّ ذلك ناشئ من الخلط بين التخيير في المسألة الفرعية والمسألة الاُصولية؛ فإنّ ما ذكر وجيه في الأوّل دون الثاني ؛ لأنّ الأمر التخييري في الثاني لا نفسية له ، بل لتحصيل الواقع - بحسب الإمكان - بعد عدم الإلزام بالاحتياط ، فمع الإتيان بأحد شقّي التخيير فيه ، يبقى للعمل بالآخر مجال واسع وإن لم يكن المكلّف ملزماً به ؛ تخفيفاً عليه .

ص: 119


1- البيع ، رسالة الاجتهاد والتقليد (تقريرات المحقّق الحائري) الأراكي 2 : 471 - 473 .

نعم ، لو قلنا : بحرمة الاحتياط ، أو بالإجزاء في باب الطرق ولو مع عدم المطابقة ، لكان الوجه ما ذكر ، لكنّهما خلاف التحقيق .

وبهذا يظهر : أنّ استصحاب جواز الإتيان بما لم يأتِ به ، لا مانع منه لو شكّ فيه . نعم ، لا يجري الاستصحاب التعليقي ؛ لأنّ التعليق ليس بشرعي .

وأمّا الصورتان الأخيرتان ، بناءً على كون التقليد الالتزام والعقد القلبي ، فقياسهما على الصورة الاُولى مع الفارق ؛ لإمكان إبطال الموضوع وإعدامه بالرجوع عن الالتزام وعقد القلب ، فصار حينئذٍ موضوعاً للأمر بإحداث الأخذ بأحدهما ، من غير ورود الإشكال المتقدّم - أي لزوم الجمع بين اللحاظين(1) - عليه ، وليس الكلام هاهنا في إطلاق الدليل وإهماله ، بل في إمكانه بعد الفراغ عن فرض الإطلاق .

وممّا ذكرنا يظهر : أنّ ما أفاده رحمه الله علیه من أنّ الالتزام وعقد القلب أمر وجداني ممتدّ إذا حصل في زمان لا يعقل حدوثه ثانياً ، غير وجيه ؛ لأنّ الالتزام بعد انعدام الالتزام الأوّل إحداث لا إبقاء ؛ لامتناع إعادة المعدوم .

هذا مع قطع النظر عن حال الأدلّة إثباتاً ، وإلاّ فقد مرّ(2) : أ نّه لا دليل لفظي في باب التقليد يمكن الاتّكال عليه - فضلاً عن الإطلاق - بالنسبة إلى حال التعارض بين فتويين .

وإنّما قلنا : بالتخيير ؛ للشهرة والإجماع المنقولين(3) . وهما معتبران في مثل

ص: 120


1- تقدّم في الصفحة 118 .
2- تقدّم في الصفحة 84 .
3- راجع مناهج الأحكام والاُصول : 300 / السطر40 ؛ مفاتيح الاُصول : 631 / السطر 9 .

تلك المسألة المخالفة للقواعد ، والمتيقّن منهما هو التخيير الابتدائي ؛ أي التخيير قبل الالتزام .

والتحقيق : عدم جريان استصحاب التخيير ولا الجواز ؛ لاختلاف التخيير الابتدائي والاستمراري موضوعاً وجعلاً ، فلا يجري استصحاب شخص الحكم ، وكذا استصحاب الكلّي ؛ لفقدان الأركان في الأوّل ، ولكون الجامع أمراً انتزاعياً ، لا حكماً شرعياً ، ولا موضوعاً ذا أثر شرعي ، وترتيب أثر المصداق على استصحاب الجامع مثبت ، ولا فرق في ذلك بين استصحاب جامع التخييرين أو جامع الجوازين الآتيين من قبلهما .

ص: 121

الفصل الخامس: في اختلاف الحيّ والميّت في مسألة البقاء

اشارة

إذا قلّد مجتهداً كان يقول بوجوب الرجوع إلى الحيّ فمات ، فإن غفل المقلّد عن الواقعة ولوازمها ورجع عنه بتوهّم جواز تقليده في الرجوع ، فلا كلام إلاّ في صحّة أعماله وعدمها .

وإن تذكّر بعدم جواز تقليده في ذلك ؛ فإنّه أيضاً تقليد للميّت ، أو تحيّر ورجع إلى الحيّ في هذه المسألة ، وهو كان قائلاً : بوجوب البقاء ، فمع تقليده من الحيّ فيها ، يجب عليه البقاء في سائر المسائل .

وأمّا في هذه المسألة الاُصولية فلا يجوز له البقاء ؛ لأنّه قلّد فيها الحيّ ، ولا تحيّر له فيها حتّى قلّد الميّت ، ولا يجوز للمفتي الحيّ الإفتاء بالبقاء فيها ؛ لكون الميّت على خطأ عنده ، فلا يشكّ حتّى يجري الاستصحاب .

وكذا لا يجوز له إجراء الاستصحاب للمقلّد ؛ لكونه غير شاكّ فيها ، لقيام الأمارة لديه ؛ وهي فتوى الحيّ .

بل لا يجري بالنسبة إليه ولو مع قطع النظر عن فتوى الحيّ ؛ لأنّ المجتهد

ص: 122

في الشبهات الحكمية يكون مشخّصاً لمجاري الاُصول ، وأمّا الأحكام - اُصولية أو فرعية - فلا اختصاص لها بالمجتهد ، بل هي مشتركة بين العالم والجاهل ، فحينئذٍ لو رأى خطأ الميّت وقيام الدليل على خلافه ، فلا محالة يرى عدم جريان الاستصحاب ؛ لاختلال أركانه ، وهو أمر مشترك بينه وبين جميع المكلّفين .

وبما ذكرناه تظهر مسألة اُخرى : وهي أ نّه لو قلّد مجتهداً في الفروع فمات ، فقلّد مجتهداً يرى وجوب الرجوع ، فرجع إليه فمات ، فقلّد مجتهداً يرى وجوب البقاء ، يجب عليه الرجوع إلى فتوى المجتهد الأوّل ؛ لقيام الأمارة الفعلية على بطلان فتوى الثاني بالرجوع ، فيرى أنّ رجوعه عن الميّت الأوّل كان باطلاً ، فالميزان على الحجّة الفعلية ؛ وهي فتوى الحيّ .

والقول بجواز البقاء على رأي الثاني برأي الثالث(1) ، غير صحيح ؛ لأنّ الثالث يرى بطلان رأي الثاني في المسألة الاُصولية وعدم صحّة رجوع المقلّد عن تقليد الأوّل ، فقامت عند المقلّد فعلاً أمارة على بطلانه ، فلا معنى لبقائه فيها .

كلام العلاّمة الحائري

هذا ، وأمّا شيخنا العلاّمة أعلى اللّه مقامه - فبعد ما نقل كلام شيخنا الأعظم قدّس سرّه (2) : من كون المقام إشكالاً وجواباً نظير ما قيل في شمول أدلّة حجّية

ص: 123


1- مجموعة رسائل، رسالة الاجتهاد والتقليد، الشيخ الأنصاري: 66؛ العروة الوثقى 1 : 51، مسألة 61 .
2- مطارح الأنظار 2: 521.

خبر الثقة ، لخبر السيّد بعدم حجّيته(1) ، وأجاب عنه بمثل ما أجاب في ذلك المقام(2) . وبعد بيان الفرق بين المقامين : بأ نّه لم يلزم في المقام التخصيص المستهجن واللغز والمعمّى ؛ لعدم عموم صادر من المعصوم فيه - قال ما ملخّصه :

المحقّق في المقام فتوى أ نّه لا يمكن الأخذ بكليهما ؛ لأنّ المجتهد بعد ما نزّل نفسه منزلة المقلّد في كونه شاكّاً ، رأى هنا طائفتين من الأحكام ثابتتين للمقلّد :

إحداهما : فتوى الميّت في الفروع .

وثانيتهما : الفتوى في الاُصول الناظرة إلى الفتاوى في الفروع ، والمسقطة لها عن الحجّية ، فيرى أركان الاستصحاب فيهما تامّة .

ثمّ قال : لا محيص من الأخذ بالفتوى الاُصولية ؛ فإنّه لو اُريد في الفرعية استصحاب الأحكام الواقعية ، فالشكّ في اللاحق موجود دون اليقين السابق :

أمّا الوجداني فواضح .

وأمّا التعبّدي فلارتفاعه بموت المفتي ، فصار كالشكّ الساري .

وإن اُريد استصحاب الحكم الظاهري الجائي من قبل دليل اتّباع الميّت ، فإن اُريد استصحابه مقيّداً بفتوى الميّت ، فالاستصحاب في الاُصولية حاكم عليه ؛ لأنّ الشكّ في الفرعية مسبّب عن الشكّ فيها .

وإن اُريد استصحاب ذات الحكم الظاهري ، وجعل كونه مقول قول الميّت جهة تعليلية ، فاحتمال ثبوته إمّا بسبب سابق ، فقد سدّ بابه الاستصحاب الحاكم ،

ص: 124


1- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 24 : 264 .
2- درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 386 - 387 .

أو بسبب لاحق فهو مقطوع العدم ؛ إذ مفروض الكلام صورة مخالفة فتوى الميّت للحيّ .

نعم ، يحتمل بقاء الحكم الواقعي ، لكن لا يكفي ذلك في الاستصحاب ؛ لأنّه مع الحكم الظاهري في رتبتين وموضوعين ، فلا يكون أحدهما بقاء الآخر ، لكن يجري استصحاب الكلّي ، بناءً على جريانه في القسم الثالث .

وإن اُريد استصحاب حجّية الفتاوى الفرعية ، فاستصحاب الحجّية في الاُصولية حاكم عليه ؛ لأنّ شكّه مسبّب عنه ، لأنّ عدم حجّية تلك الفتاوى أثر لحجّية هذه ، وليس الأصل مثبتاً ؛ لأنّ هذا من الآثار الثابتة لذات الحجّة ، الأعمّ من الظاهرية والواقعية .

ثمّ رجع عمّا تقدّم ، واختار عدم جريان الاستصحاب في الاُصولية ؛ فإنّ مقتضى جريانه الأخذ بخلاف مدلوله ، ومثله غير مشمول لأدلّة الاستصحاب ؛ فإنّ مقتضى الأخذ باستصحاب هذه الفتوى ، سقوط فتاويه عن الحجّية ، ومقتضى سقوطها الرجوع إلى الحيّ ، وهو يفتي بوجوب البقاء ، فالأخذ بالاستصحاب في الاُصولية - التي مفادها عدم الأخذ بفتاويه في الفرعيات - لازمه الأخذ في الفرعيات بها .

وهذا باطل وإن كان اللزوم لأجل الرجوع إلى الحيّ ، لا لكون مفاد الاستصحاب ذلك ؛ إذ لا فرق في الفساد بين الاحتمالين .

هذا ، مضافاً إلى أنّ المسؤول عنه في الفرعيات المسألة الاُصولية ؛ أعني من المرجع فيها ، فلا ينافي مخالفة الحيّ للميّت في نفس الفروع مع إفتائه بالبقاء في المسألة الاُصولية ، وأمّا الفتوى الاُصولية ، فنفسها مسؤول عنها ، ويكون الحيّ هو

ص: 125

المرجع فيها ، وفي هذه المسألة لا معنى للاستصحاب بعد أن يرى الحيّ خطأ الميّت ، فلا حالة سابقة حتّى تستصحب(1) ، انتهى .

الإيراد على مختار العلاّمة الحائري

وفيه محالّ للنظر :

منها : أنّ الاستصحاب في الأحكام الواقعية في المقام لا يجري ولو فرض وجود اليقين السابق ؛ لعدم الشكّ في البقاء ؛ فإنّ الشكّ فيه إمّا ناشئ من احتمال النسخ ، أو احتمال فقدان شرط ، أو وجدان مانع ، والكلّ مفقود .

بل الشكّ فيه ممحّض في حجّية الفتوى ، وجواز العمل بها ، وإنّما يتصوّر الشكّ في البقاء إذا قلنا : بالسببية والتصويب .

ومنها : أنّ حكومة الأصل في المسألة الاُصولية عليه في الفرعية ممنوعة ؛ لأنّ المجتهد إذا قام مقام المقلّد - كما هو مفروض الكلام - يكون شكّه في جواز العمل على فتاوى الميّت في الاُصول والفروع ناشئاً من الشكّ في اعتبار الحياة في المفتي ، وجوازُ العمل في كلّ من الطائفتين مضادٌّ للآخر ، ومقتضى جواز كلّ عدم جواز الآخر .

ولو قيل : إنّ مقتضى إرجاع الحيّ إيّاه إلى الميّت سببية شكّه في الاُصولية .

قلنا : هذا خلاف المفروض ، وإلاّ فلا يبقى مجال للشكّ له في هذه المسألة ، ففرض الشكّ فيما لم يقلّد الحيّ فيها .

ص: 126


1- البيع ، رسالة الاجتهاد والتقليد (تقريرات المحقّق الحائري) الأراكي 2 : 488 - 493 .

هذا، مضافاً إلى أنّ مطلق كون الشكّ مسبّباً عن الآخر لا يوجب التحكيم ، كما قرّرنا في محلّه(1) مستقصىً وملخّصه :

إنّ وجه تقدّم الأصل السببي هو أنّ الأصل في السبب منقّح لموضوع دليل اجتهادي ينطبق عليه بعد التنقيح ، والدليل الاجتهادي بلسانه حاكم على الأصل المسبّبي ، فإذا شكّ في طهارة ثوب غسل بماء شكّ في كرّيته ، فاستصحاب الكرّية ينقّح موضوع الدليل الاجتهادي الدالّ على أنّ ما غسل بالكرّ يطهر ، وهو حاكم على الأصل المسبّبي بلسانه .

وإن شئت قلت : إنّه لا مناقضة بين الأصل السببي والمسبّبي ؛ لأنّ موضوعيهما مختلفان ، والمناقض للأصل المسبّبي إنّما هو الدليل الاجتهادي بعد تنقيح موضوعه ؛ حيث دلّ - بضمّ الوجدان وتطبيقه على الخارج - على «أنّ هذا الثوب المغسول بهذا الماء طاهر» والاستصحاب في المسبّبي مفاده «أنّ هذا الثوب المشكوك في نجاسته وطهارته نجس» ومعلوم أنّ لسان الأوّل حاكم على الثاني .

وتوهّم : أنّ مقتضى الأصل السببي هو ترتيب جميع آثار الكرّية على الماء ، ومنها ترتيب آثار طهارة الثوب .

مدفوع أوّلاً : بأنّ مفاد الاستصحاب ليس إلاّ عدم نقض اليقين بالشكّ ، فإذا شكّ في كرّية ماء كان كرّاً ، لا يكون مقتضى دليل الاستصحاب إلاّ التعبّد بكون الماء كرّاً ، وأمّا لزوم ترتيب الآثار فبدليل آخر هو الدليل الاجتهادي .

والشاهد عليه : - مضافاً إلى ظهور أدلّته - أنّ لسان أدلّته في استصحاب

ص: 127


1- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 278 .

الأحكام والموضوعات واحد ، فكما أنّ استصحاب الأحكام ليس إلاّ البناء على تحقّقها لا ترتيب الآثار ، فكذلك استصحاب الموضوعات .

نعم ، لا بدّ في استصحابها من دليل اجتهادي ينقّح موضوعه بالاستصحاب .

وثانياً : بأنّ لازم ذلك ، عدم تقدّم السببي على المسبّبي ؛ فإنّ قوله : «كلّما شككت في بقاء الكرّ فابنِ على طهارة الثوب المغسول به» لا يقدّم على قوله : «إذا شككت في طهارة الثوب الكذائي فابنِ على نجاسته» .

ولا يراد باستصحاب نجاسة الثوب سلب الكرّية ، حتّى يقال : إنّ استصحاب النجاسة لا يسلبها إلاّ بالأصل المثبت(1) ، بل يراد إبقاء النجاسة في الثوب فقط ، ولا يضرّ في مقام الحكم الظاهري التفكيك بين الآثار ، فيحكم ببقاء كرّية الماء وبقاء نجاسة الثوب المغسول به .

إذا عرفت ذلك : اتّضح لك عدم تقدّم الأصل في المسألة الاُصولية على الفرعية ؛ لعدم دليل اجتهادي موجب للتحكيم ، ومجرّد كون مفاد المستصحب في الاُصولية «أ نّه لا يجوز العمل بفتاواي عند الشكّ» لا يوجب التقدّم على ما كان مفاده : «يجوز العمل بفتاواي الفرعية لدى الشكّ» فإنّ كلاًّ منهما يدفع الآخر وينافيه .

وممّا ذكرناه يظهر النظر فيما أفاده : من حكومة استصحاب حجّية الفتوى في المسألة الاُصولية ، على استصحاب حجّيتها في المسائل الفرعية ؛ فإنّ البيان والإيراد فيهما واحد لدى التأمّل .

ص: 128


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 684 - 685 .

هذا مضافاً إلى ما تقدّم : من عدم جريان استصحاب الحجّية ؛ لا العقلائية منها ولا الشرعية(1) .

ومنها : أنّ ما أفاده من تقديم الأصل في الفتوى الاُصولية ولو اُريد استصحاب الحكم الظاهري بجهة تعليلية ، غير وجيه وإن قلنا : بتقديم الأصل السببي في الفرض المتقدّم على الأصل المسبّبي ؛ لأنّ نفي المعلول باستصحاب نفي العلّة مثبت وإن كانت العلّة شرعية ؛ فإنّ ترتّب المسبّب على السبب ، عقلي ولو كان السبب شرعياً .

نعم ، لو ورد دليل على أ نّه «إذا وجد ذا وجد ذاك» لا يكون الأصل مثبتاً ، كقوله : «إذا غلى العصير أو نشّ حرم»(2) وهو في المقام مفقود .

ومنها : أنّ بناءه على جريان استصحاب الكلّي الجامع بين الحكم الظاهري والواقعي غير وجيه :

أمّا أوّلاً : فلما مرّ من عدم الشكّ في بقاء الحكم الواقعي(3) .

وثانياً : أ نّه بعد فرض حكومة الأصل السببي على المسبّبي يسقط الحكم الظاهري ، وبسقوطه لا دليل فعلاً على ثبوت الحكم الواقعي ؛ لسراية الشكّ إلى السابق ، كما مرّ منه قدّس سرّه (4) ، فلا يقين فعلاً بالجامع بينهما ، فاستصحاب

ص: 129


1- تقدّم في الصفحة 95 .
2- راجع وسائل الشيعة 25 : 287 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 3 ، الحديث 4 .
3- تقدّم في الصفحة 126 .
4- تقدّم في الصفحة 124 - 125 .

الكلّي إنّما يجري إذا علم بالجامع فعلاً وشكّ في بقائه ، وهو غير نظير المقام الذي بانعدام أحد الفردين ينعدم الآخر من الأوّل ، أو ينعدم الدليل على ثبوته من الأوّل .

هذا مع الغضّ عن الإشكال في استصحاب الجامع في الأحكام ممّا مرّ منّا مراراً(1) .

ومنها : أنّ إنكاره جريان الاستصحاب في المسألة الاُصولية ، معلّلاً : بأ نّه يلزم من جريانه الأخذ بخلاف مفاده ، ومثله غير مشمول لأدلّته ، غير وجيه ؛ لأنّ مفاد الاستصحاب هو سقوط حجّية الفتاوى الفرعية ، وهو غير اعتبار فتاواه ، ولا لازمه ذلك ، ولا الأخذ بفتوى الحيّ ؛ لإمكان العمل بالاحتياط بعد سقوطها عن الحجّية .

وبالجملة : سقوط الفتاوى عن الحجّية أمر جاء من قبل الاستصحاب ، والرجوع إلى الحيّ أمر آخر غير مربوط به وإن كان لازم الرجوع إليه البقاء على قول الميّت .

والعجب ، أ نّه قدّس سرّه تنبّه على هذا الإشكال ، ولم يأتِ بجواب مقنع!!

ولو ادّعى انصراف أدلّة الاستصحاب عن مثل المقام ، لكان انصرافها عن الأصل السببي وعن الأصلين المتعارضين أولى ؛ لأنّ إجراء الاستصحاب للسقوط أسوأ حالاً من إجرائه في مورد كان المكلّف ملزماً بالأخذ بدليل آخر مقابل له في المفاد .

ص: 130


1- تقدّم في الصفحة 44 و121 .

والحلّ في الكلّ : أنّه فرق بين ورود دليل لخصوص مورد من تلك الموارد ، وبين ما شملها بإطلاقه ، والإشكال متّجه فيها على الأوّل ، لا الثاني .

ومنها : أنّ ما ذكره أخيراً في وجه عدم جريان الاستصحاب في المسألة الاُصولية : من أنّ المفتي الحيّ كان يرى خطأ الميّت ، إنّما يصحّ لو كان المفتي أراد إجراء الاستصحاب لنفسه ، وقد فَرَض في صدر المبحث أ نّه نزّل نفسه منزلة العامّي في الشكّ في الواقعة .

والتحقيق : هو ما عرفت من عدم جريان الأصل - لا بالنسبة إلى المفتي ، ولا بالنسبة إلى العامّي - في المسألة الاُصولية .

ص: 131

ص: 132

الفهارس العامّة

اشارة

1 - الآيات الكريمة

2 - الأحاديث الشريفة

3 - أسماء المعصومين علیهم السلام

4 - الأعلام

5 - الكتب الواردة في المتن

6 - مصادر التحقيق

7 - الموضوعات

ص: 133

ص: 134

1 - فهرس الآيات الكريمة

الآية رقمها الصفحة

البقرة (2)

(وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِىَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ) 78 70

(وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ) 78 71

آل عمران (3)

(وَللّه ِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) 97 91

(مَنِ اسْتَطَاعَ) 97 91

النساء (4)

(إِنَّ اللّه َ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) 58 29

(إِنَّ اللّه َ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ

ص: 135

الآية رقمها الصفحة

إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّه َ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) 58 28

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُوْلِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّه ِ وَالرَّسُولِ) 59 14

(فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِى أَ نْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) 65 14

المائدة (5)

(فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) 6 53

(وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) 6 53

(وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ) 6 53

(بِرُؤُوسِكُمْ) 6 54

(وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) 6 54

(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللّه ُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) 44 29

(هُمُ الظَّالِمُونَ) 45 29

(هُمُ الْفاسِقُونَ) 47 29

ص: 136

الآية رقمها الصفحة

التوبة (9)

(وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) 122 66

(وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِى الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) 122 65

يونس (10)

(إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِى مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) 36 46

الإسراء (17)

(أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) 78 104

الأنبياء (21)

(وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِى إِلَيْهِمْ فَاسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) 7 64

الحجّ (22)

(مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) 78 54

ص: 137

الآية رقمها الصفحة

الأحزاب (33)

(النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) 6 14

ص (38)

(يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِى الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ) 26 15

ص: 138

2 - فهرس الأحاديث الشريفة

ائت فقيه البلد فاستفته من أمرك ، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه ؛ فإنّ الحقّ فيه 52

اتّقوا الحكومة ؛ فإنّ الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء 15، 35

اجلس في مسجد المدينة وأفتِ الناس ، فإنّي اُحبّ أن يرى في شيعتي مثلك 48

اختلاف اُمَّتي رحمة 69

إذا أردت حديثاً فعليك بهذا الجالس 48

إذا حكم بحكمنا... 22، 73

إذا غلى العصير أو نشّ حرم 129

اُمناء الرسل 18

أنّ العلماء ورثة الأنبياء 24

إنّ العلماء ورثة الأنبياء ، وذلك أنّ الأنبياء لم يورّثوا درهماً ولا ديناراً 24

إنّ المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين ؟! 53

إنّ الوكيل إذا وكّل ثمّ قام عن المجلس ، فأمره ماضٍ أبداً 40

أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا ؛ إنّ الكلمة لتنصرف على وجوه 11، 51

أنّ فضلهم على الناس كفضل النبي على أدناهم 18

إنّ في أخبارنا محكماً كمحكم القرآن ، ومتشابهاً كمتشابه القرآن 11، 51

إن كان الوكيل أمضى الأمر الذي وكّل فيه قبل العزل ، فإنّ الأمر واقع ماضٍ 39

ص: 139

إنّما أورثوا أحاديث . . . 24

إنّما علينا أن نلقي إليكم الاُصول ، وعليكم أن تفرّعوا 50

أنّ مجاري الاُمور والأحكام على أيدي العلماء باللّه الاُمناء على حلاله وحرامه 18

أ نّه كان على يقين من طهارته فشكّ ، وليس ينبغي له أن ينقض اليقين بالشكّ 109

إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور 27، 31

حصون الإسلام 17

حكّام على الملوك 18

الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما 21

حلالنا وحرامنا 20

خذوا بمارووا ،وذروا ما رأوا 53

خلفاء رسول اللّه 18

خير خلق اللّه بعد الأئمّة إذا صلحوا 18

رفع عن اُمّتي تسعة . . . 51

رفع . . . ما لا يعلمون 109

روى حديثنا 23

عدل الإمام أن يدفع ما عنده إلى الإمام الذي بعده 29

عرف أحكامنا 20، 22، 23

العلماء ورثة الأنبياء 25

على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي 50

عليك بالأسدي 56

علينا إلقاء الاُصول ، وعليكم التفريع 50

فإذا حكم بحكمنا . . . 72

فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا 118

ص: 140

فاصمدا في دينكما . . . 84

فاصمدا في دينكما على كلّ مسنّ في حبّنا 83

فإنّهم حجّتي عليكم 73

فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً 21

فهمت ما ذكرتما ، فاصمدا في دينكما على كلّ مسنّ في حبّنا 74

فهو في سعة 87

قال أمير المؤمنين لشريح : يا شريح ، قد جلست مجلساً لا يجلسه إلاّ نبي . . . 15

قل لهم: إيّاكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تدارى في شيء من الأخذ والعطاء . . . 26

كفيل أيتام أهل البيت 18

كلّ شيء . . . حلال حتّى تعرف أ نّه حرام بعينه 106

كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أ نّه قذر 106

لا ضرر ولا ضرار 50

لا ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً 108

لا ينقض اليقين بالشكّ 50

ليس هو ذاك ، إنّما هو الذي يجبر الناس على حكمه بالسيف والسوط 32

ما تقول رؤساؤهم من تكذيب محمّد في نبوّته ، وإمامة علي سيّد عترته 71

ما يمنعك من محمّد بن مسلم الثقفي ؛ فإنّه سمع من أبي ، وكان عنده وجيهاً 75

ما يؤخذ بحكمهم سحت ولو كان حقّاً ثابتاً 19

مع ما فيه من التفقّه ونقل أخبار الأئمّة : إلى كلّ صُقع وناحية 69

ممّن روى حديثنا 19

ممّن روى حديثنا ، ونظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا 33

من ردّ متشابه القرآن إلى محكمه فقد هدي إلى صراط مستقيم 11، 51

من زكريّا بن آدم القمّي ، المأمون على الدين والدنيا 56

ص: 141

منزلتهم منزلة الأنبياء في بني إسرائيل 18

من وكّل رجلاً على إمضاء أمر من الاُمور ، فالوكالة ثابتة أبداً 39

نظر في حلالنا وحرامنا 20

واجلس لهم العصرين ، فأفت المستفتي ، وعلّم الجاهل ، وذكّر العالم 52

وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا 84

وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا 55

وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ؛ فإنّهم حجّتي عليكم 73

وأمّا من كان من الفقهاء . . . 71

وأمّا مَن كان من الفقهاء صائناً لنفسه ، حافظاً لدينه ، مخالفاً على هواه 70

وإنّ العلماء ورثة الأنبياء ، إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً 24

ورثة الأنبياء 18

ولكن ورّثوا العلم 24

ونظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا 55

هذا وأشباهه يعرف من كتاب اللّه 54

يرجئه حتّى يلقى من يخبره ، فهو في سعة حتّى يلقاه 86

يعلم شيئاً من قضايانا 32

ينظران إلى من كان منكم ممّن قد روى حديثنا ، ونظر في حلالنا وحرامنا 19

ص: 142

3 - فهرس أسماء المعصومين علیهم السلام

النبي، محمّد، الرسول الأكرم، رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم =محمّد بن عبداللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، نبي الإسلام

محمّد بن عبداللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، نبي الإسلام 1، 14، 16، 17، 18، 35 ،37، 47، 53، 54، 57، 66، 69، 71

أمير المؤمنين علیه السلام =علي بن أبي طالب علیه السلام ، الإمام الأوّل

علي بن أبي طالب علیه السلام ، الإمام الأوّل 15، 34، 71

محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام الخامس 53

الصادق، أبو عبداللّه، جعفر بن محمّد علیه السلام جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام السادس

جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام السادس 11، 15، 19، 25، 26، 27، 28، 31، 32، 35، 39، 50، 51، 56، 74، 85، 86

الرضا علیه السلام =علي بن موسى علیه السلام ، الإمام الثامن

علي بن موسى علیه السلام ، الإمام الثامن 11، 50، 51، 52، 56، 75، 84

أبو الحسن الثالث علیه السلام علي بن محمّد علیه السلام ، الإمام العاشر

ص: 143

علي بن محمّد علیه السلام ، الإمام العاشر 74

أبو محمّد الحسن بن علي علیه السلام =الحسن بن علي علیه السلام ، الإمام الحادي عشر

الحسن بن علي علیه السلام ، الإمام الحادي عشر 53

داود بن يسا، النبي 15

ص: 144

4 - فهرس الأعلام

الآخوند الخراساني، محمّد كاظم بن الحسين 110

أبان بن تغلب 48، 53

ابن أبي عمير، محمّد 30

ابن أبي ليلى، محمّد بن عبدالرحمان 34

ابن أبي يعفور=عبداللّه بن أبي يعفور

ابن بابويه، محمّد بن علي 28، 30

ابن شبرمة 34

أبو البختري 24

أبو الجهم=بكير بن أعين

أبو بصير 49، 56، 85

أبو خديجة، سالم بن مكرم الجمّال 23، 25، 27، 31، 55، 72

أحمد بن حاتم بن ماهويه 74، 83، 101

أحمد بن عائذ 30، 31

أحمد بن محمّد بن أبي نصر=البزنطي، أحمد بن محمّد

أحمد بن محمّد بن خالد=البرقي، أحمد بن محمّد

أحمد بن محمّد بن عيسى 25، 30

ص: 145

إسحاق بن عمّار 15

الأسدي=أبو بصير

الأصفهاني، محمّد حسين 78، 79

الأقطع، سليمان بن خالد 15، 35

الأنصاري، مرتضى بن محمّد أمين 93، 123

الأهوازي، الحسين بن سعيد 25، 30

البرقي، أحمد بن محمّد 30

البزنطي، أحمد بن محمّد 50

بعض الأعاظم=النائيني، محمّد حسين

بعض أهل النظر=الأصفهاني، محمّد حسين

بكير بن أعين 25

بني فضّال 53

الثقفي=محمّد بن مسلم

الحائري، عبدالكريم 84، 117، 119، 123، 126

الحسن بن علي=الوشّاء، الحسن بن علي

الحسين بن روح 53

الحسين بن سعيد=الأهوازي، الحسين بن سعيد

الحلبي، عبيداللّه بن علي 32

الخراساني=الآخوند الخراساني، محمّد كاظم بن الحسين

داود بن فرقد 11، 51

زرارة 48، 49، 53، 85، 108

سليمان بن خالد=الأقطع، سليمان بن خالد

ص: 146

سماعة بن مهران 86

السيّد المرتضى=علم الهدى، علي بن الحسين

شريح 15، 34

الشيخ الطوسي، محمّد بن الحسن

الشيخ الأعظم=الأنصاري، مرتضى بن محمّد أمين

شيخ الطائفة=الطوسي، محمّد بن الحسن

شيخنا العلاّمة=الحائري، عبدالكريم

صاحب الجواهر، محمّد حسن بن باقر 30

الصدوقان (ابن بابويه، علي بن الحسين / ابن بابويه، محمّد بن علي) 12، 102

الصدوق=ابن بابويه، محمّد بن علي

الطوسي، محمّد بن الحسن 12، 25، 31

عبدالأعلى=عبدالأعلى بن أعين مولى آل سام

عبدالأعلى بن أعين مولى آل سام 54

عبداللّه بن أبي يعفور 48، 74، 75، 76

العقرقوفي، شعيب 56

العلاّمة الحائري=الحائري، عبدالكريم

العلاّمة الحلّي، الحسن بن يوسف 12، 30، 31، 38، 92، 93

علم الهدى، علي بن الحسين 124

علي بن أسباط 52

علي بن المسيّب 56، 75، 101

عمر بن حنظلة 19، 35، 55، 72

قتادة 34

قثم بن عبّاس 52

ص: 147

القدّاح 24

القمّي، زكريّا بن آدم 56، 75، 85، 101

الكشّي، محمّد بن عمر 56، 74

المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن 12

محمّد بن إدريس 49

محمّد بن علي بن الحسين 53

محمّد بن علي بن محبوب 25

محمّد بن عيسى 30

محمّد بن مسلم 48، 49، 75، 85

معاوية بن وهب 39

المعلّى بن خنيس 28

النائيني، محمّد حسين 110

النجاشي، أحمد بن علي 30، 31

الوشّاء، الحسن بن علي 30

هشام بن سالم 39، 50

يعقوب بن يزيد 30

يونس=يونس بن عبدالرحمان

يونس بن عبدالرحمان 54

ص: 148

5 - فهرس الكتب الواردة في المتن

القرآن الكريم 11، 51

التذكرة=تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء 38

تفسير الإمام العسكري علیه السلام 70، 72

الجواهر=جواهر الكلام

جواهر الكلام 30

السرائر 49

العيون=عيون أخبار الرضا علیه السلام

عيون أخبار الرضا علیه السلام 11، 51

الغيبة للشيخ الطوسي 53

الفهرست للشيخ الطوسي 25، 31

قواعد العلاّمة الحلّي=قواعد الأحكام

قواعد الأحكام 92

كتاب أحمد بن محمّد بن أبي نصر 50

كتاب هشام بن سالم 49

المشيخة للشيخ الطوسي 25

معاني الأخبار 11، 51

نهج البلاغة 52

ص: 149

ص: 150

6 - فهرس مصادر التحقيق

«القرآن الكريم» .

«أ»

1 - أجود التقريرات (تقريرات المحقّق النائيني) . السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي (1317 - 1413) ، تحقيق مؤسّسة صاحب الأمر(عجل الله تعالی فرجه الشریف) ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مطبعة ستارة ، 1419 ق .

2 - الاحتجاج . أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي ( القرن السادس) ، تحقيق إبراهيم البهادري ومحمّد هادي به ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، منشورات اُسوة ، 1413 ق .

3 - اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي) . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تصحيح حسن المصطفوي ، جامعة مشهد ، 1348 ش .

4 - الاستصحاب ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » .=موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

5 - أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه . موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

«ب»

6 - بحار الأنوار الجامعة لدُرر أخبار الأئمّة الأطهار . العلاّمة محمّد باقر بن محمّدتقي المجلسي (1037 - 1110) ، الطبعة الثانية ، إعداد عدّة من العلماء ، 110 مجلدٍ ( إلاّ

ص: 151

6 مجلّدات ، من المجلّد 29 - 34) + المدخل ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1403 ق / 1983 م .

7 - البرهان في تفسير القرآن . السيّد هاشم بن سليمان بن إسماعيل بن عبدالجواد الحسيني البحراني (م 1107) ، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية ، مؤسّسة البعثة ، الطبعة الاُولى ، 10 مجلّدات ، بيروت ، مؤسّسة البعثة ، 1419 ق / 1999 م .

8 - البيع (تقريرات المحقّق الحائري) . الشيخ محمّد علي الأراكي (م 1415) ، مجلّدان، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة إسماعيليان ، 1415 ق .

9 - البيع ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » .=موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

«ت»

10 - تحف العقول عن آل الرسول . أبو محمّد بن الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحرّاني (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الثانية ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1404 ق .

11 - تذكرة الفقهاء . جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر ، العلاّمة الحلّي (648 - 726) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، صدر منه حتّى الآن 20 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1414 - 1433 ق .

والطبعة الحجرية ، مجلّدان ، طهران ، المكتبة المرتضوية لإحياء آثار الجعفرية .

12 - التعادل والترجيح ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » .=موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

13 - التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري علیه السلام . تحقيق مدرسة الإمام المهديّ علیه السلام ، الطبعة الاُولى ، قم ، مدرسة الإمام المهديّ علیه السلام ، 1409 ق .

14 - تنقيح المقال في علم الرجال . الشيخ عبداللّه بن محمّد حسن المامقاني (1290 - 1351) ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، بالاُفست عن طبعة النجف الأشرف ، المطبعة المرتضوية ، 1352 ق .

15 - التوحيد . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، الشيخ الصدوق

ص: 152

(م 381) ، تحقيق السيّد هاشم الحسيني الطهراني ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1398 ق .

16 - تهذيب الأحكام . أبو جعفر محمّد بن الحسن ، الشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الرابعة ، 10 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1365 ش .

«ج»

17 - جامع الأخبار . الشيخ محمّد بن محمّد السبزواري (من أعلام القرن السابع) ، تحقيق علاء آل جعفر ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1414 ق .

18 - جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والأسناد . محمّد بن علي الأردبيلي (م 1101) ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1403 ق .

19 - جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام . الشيخ محمّد حسن بن باقر النجفي (م 1266) ، تحقيق الشيخ عبّاس القوچاني ، الطبعة الثالثة ، 43 مجلّداً ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1367 ش .

«ح»

20 - حاشية المكاسب . العلاّمة السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (م 1337) ، تحقيق الشيخ عبّاس محمّد آل سباع القطيفي ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، دار المصطفى لإحياء التراث ، 1423 ق / 2002 م .

21 - الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة . الشيخ يوسف بن أحمد البحراني (1107 - 1186) ، تحقيق محمّد تقي الإيرواني ، الطبعة الاُولى ، 25 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1406 ق .

«خ»

22 - الخصال . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الثانية ، جزءان في مجلّد واحد ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1403 ق .

ص: 153

23 - خلاصة الأقوال في معرفة الرجال . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق جواد القيّومي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، 1417 ق .

«د»

24 - الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور . جلال الدين عبدالرحمان بن أبي بكر السيوطي (م 911) ، 6 أجزاء في 3 مجلّدات ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي .

25 - درر الفوائد . العلاّمة الشيخ عبدالكريم الحائري اليزدي ، تعليق آية اللّه الشيخ محمّد علي الأراكي والمؤلّف ، تحقيق الشيخ محمّد المؤمن القمّي ، الطبعة الخامسة ، جزءان في مجلّد واحد ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1408 ق .

«ر»

26 - رجال الطوسي . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق جواد القيّومي الأصفهاني ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1415 ق .

27 - رجال النجاشي . أبو العبّاس أحمد بن علي بن أحمد بن العبّاس النجاشي الأسدي الكوفي (372 - 450) ، تحقيق السيّد موسى الشبيري الزنجاني ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1407 ق .

28 - الرسائل الاُصولية . المولى محمّد باقر الوحيد البهبهاني (1117 - 1205) ، تحقيق مؤسّسة العلاّمة المجدّد الوحيد البهبهاني ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة العلاّمة المجدّد الوحيد البهبهاني ، 1416 ق .

«س»

29 - السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي. أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي (543 - 598) ، إعداد مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1410 - 1411 ق .

30 - سنن أبي داود . أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (م 275) ، إعداد كمال يوسف

ص: 154

الحوت ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، بيروت ، دار الجنان ، 1409 ق / 1988 م .

31 - سنن الترمذي . أبو عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي (209 - 279) ، تحقيق عبدالوهّاب عبد اللطيف ، الطبعة الثانية ، 5 مجلّدات ، بيروت ، دار الفكر للطباعة والنشر ، 1403 ق .

«ص»

32 - صحيح مسلم . أبو الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوري (206 - 261) ، تحقيق وتعليق الدكتور موسى شاهين لاشين والدكتور أحمد عمر هاشم ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، بيروت ، مؤسّسة عزّ الدين ، 1407 ق / 1987 م .

«ع»

33 - العروة الوثقى . السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (م 1337)، مع تعليقات عدّة من الفقهاء العظام ، إعداد أحمد المحسني السبزواري ، الطبعة الثانية ، 6 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1421 ق .

34 - علل الشرائع . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، الطبعة الاُولى ، النجف الأشرف ، المكتبة الحيدرية ، 1385 ق / 1966 م .

35 - عوائد الأيّام . المولى أحمد بن محمّد مهديّ بن أبي ذرّ النراقي (1185 - 1245) ، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1417 ق / 1375 ش .

36 - عوالي اللآلي العزيزية في الأحاديث الدينية . محمّد بن علي بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور (م - أوائل القرن العاشر) ، تحقيق مجتبى العراقي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مطبعة سيّد الشهداء ، 1403 ق .

37 - عيون أخبار الرضا علیه السلام . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، الشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح السيّد مهديّ الحسيني اللاجوردي ، الطبعة الثانية ، منشورات جهان .

ص: 155

«غ»

38 - الغيبة . الشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (385 - 460) ، تحقيق الشيخ عباداللّه الطهراني والشيخ على أحمد ناصح ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة المعارف الإسلامية ، 1411 ق .

«ف»

39 - فرائد الاُصول ، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 24 - 27 . الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري (1214 - 1281) ، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي ، 1419 ق / 1377 ش .

40 - الفصول الغروية في الاُصول الفقهية . محمّد حسين بن عبدالرحيم الطهراني الأصفهاني الحائري (م 1250)، قم ، دار إحياء العلوم الإسلامية ، 1404 ق . «بالاُفست عن الطبعة الحجرية» .

41 - الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام . تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، مشهد المقدّس ، المؤتمر العالمي للإمام الرضا علیه السلام ، 1406 ق .

42 - الفقيه (من لا يحضره الفقيه) . أبو جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الرابعة ، 4 مجلّدات ، النجف الأشرف ، دار الكتب الإسلامية ، 1377 ق / 1957 م .

43 - فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) . الشيخ محمّد علي الكاظمي الخراساني (1309 - 1365) ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1404 ق .

44 - الفوائد المدنية . محمّد أمين بن محمّد شريف الأخباري الأسترآبادي (م 1033) ، تحقيق الشيخ رحمة اللّه الرحمتي الأراكي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1424 ق .

45 - الفهرست

. أبو جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (380 - 460) ، تحقيق الشيخ جواد القيّومي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، 1417 ق .

ص: 156

«ق»

46 - القاموس المحيط والقابوس الوسيط . أبو طاهر مجد الدين محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي (729 - 817) ، 4 مجلّدات ، بيروت ، دار الجيل .

47 - القضاء . ميرزا محمّد حسن الآشتياني ، الطبعة الثانية ، قم ، منشورات دار الهجرة ، 1404 ق / 1363 ش .

48 - قوانين الاُصول . المحقّق ميرزا أبو القاسم القمّي بن المولى محمّد حسين الجيلاني المعروف بالميرزا القمّي (1151 - 1231) ، مجلّدان ، الطبعة الحجرية ، المجلّد الأوّل ، طهران ، المكتبة العلمية الإسلامية ، 1378 ، والمجلّد الثاني ، طهران ، المستنسخة سنة

1310 ق .

«ك»

49 - الكافي . ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (م 329) ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الخامسة ، 8 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1363 ش .

50 - كفاية الاُصول . الآخوند الخراساني المولى محمّد كاظم بن حسين الهروي (1255 - 1329) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي .

51 - كمال الدين وتمام النعمة . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي الشيخ الصدوق (م 381) ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الاُولى ، طهران ، مكتبة الصدوق ، 1390 ق .

52 - كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال . علاء الدين علي المتّقي بن حسام الدين الهندي (888 - 975) ، إعداد بكري حيّاني وصفوة السقا ، الطبعة الثالثة ، 16 مجلّداً + الفهرس ، بيروت ، مؤسّسة الرسالة ، 1409 ق / 1989 م .

53 - كنز الفوائد . أبو الفتح الشيخ محمّد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي (م 449) ، تحقيق الشيخ عبداللّه نعمة ، الطبعة الاُولى ، جزءان ، قم ، منشورات دار الذخائر ، 1410 ق .

ص: 157

«ل»

54 - لسان العرب . أبو الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم بن منظور المصري (630 - 711) ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً + الفهرس ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1408 ق / 1988 م .

«م»

55 - مجمع البيان في تفسير القرآن . أبو علي أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي (حوالي 470 - 548) ، تحقيق وتصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي والسيّد فضل اللّه اليزدي الطباطبائي ، الطبعة الاُولى ، 10 أجزاء في 5 مجلّدات ، بيروت ، دار المعرفة للطباعة والنشر .

56 - مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان . أحمد بن محمّد المعروف بالمقدّس الأردبيلي (م 993) ، تحقيق مجتبى العراقي وعلي پناه الاشتهاردي وحسين اليزدي ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1402 - 1414 ق .

57 - مجموعة رسائل فقهية واُصولية . تأليف جمع من الفقهاء العظام منهم الشيخ الأعظم الأنصاري (1214 - 1281) ، تحقيق الشيخ عبّاس الحاجياني ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتبة المفيد ، 1404 ق .

58 - مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام . الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي الجبعي (911 - 965) ، تحقيق مؤسّسة المعارف الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة المعارف الإسلامية ، 1413 - 1419 ق .

59 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل . الحاج الميرزا حسين المحدّث النوري الطبرسي (1254 - 1320) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 25 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1407 ق .

60 - مستند الشيعة في أحكام الشريعة . أحمد بن محمّد مهديّ النراقي (م 1245) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 18 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1415 - 1420 ق .

ص: 158

61 - المسند . أحمد بن محمّد بن حنبل (164 - 241) ، إعداد أحمد محمّد شاكر وحمزة أحمد الزين ، الطبعة الاُولى ، 20 مجلّداً ، القاهرة ، دار الحديث ، 1416 ق .

62 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير . أحمد بن محمّد بن علي المقري الفيّومي (م 770) ، الطبعة الاُولى ، جزءان في مجلّد واحد ، قم ، دار الهجرة ، 1405 ق .

63 - مطارح الأنظار (تقريرات الشيخ الأعظم الأنصاري) . الميرزا أبو القاسم الكلانتري (1236 - 1292) ، تحقيق مجمع الفكر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي ، 1425 ق .

64 - معاني الأخبار . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1361 ش .

65 - مفاتيح الاُصول . السيّد محمّد الطباطبائي (م 1242) ، الطبعة الحجرية ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث .

66 - مفردات ألفاظ القرآن . حسين بن محمّد المفضّل الراغب الأصفهاني (م حدود 425) ، تحقيق عدنان صفوان داوودي ، الطبعة الثانية ، قم ، منشورات ذوي القربى ، 1423 ق .

67 - مقالات الاُصول . الشيخ ضياء الدين العراقي (1278 - 1361) ، تحقيق الشيخ محسن العراقي والسيّد منذر الحكيم والشيخ مجتبى المحمودي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي ، 1414 - 1420 ق .

68 - المكاسب ، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 14 - 19 . الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري الدزفولي (1214 - 1281) ، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، قم ، مكتبة الفقهية ، 1415 - 1420 ق .

69 - مناهج الأحكام والاُصول . أحمد بن محمّد مهديّ أبي ذرّ النراقي (1128 - 1245) ، الطبعة الحجرية .

70 - موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه . تحقيق مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ،

ص: 159

الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، 1434 ق / 1392 ش .

«ن»

71 - نهاية الاُصول (تقريرات المحقّق البروجردي) . الشيخ حسينعلي المنتظري ، الطبعة الاُولى ، قم ، نشر تفكّر ، 1415 ق .

72 - نهاية الأفكار (تقريرات المحقّق آغا ضياء الدين العراقي) . الشيخ محمّد تقي البروجردي النجفي (م 1391) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 4 أجزاء في 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1405 ق .

73 - نهاية الدراية في شرح الكفاية . الشيخ محمّد حسين الأصفهاني (1296 - 1361) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1414 ق .

74 - النهاية في غريب الحديث والأثر . مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمّد بن محمّد الجزري المعروف بابن الأثير (544 - 606) ، تحقيق طاهر أحمد التراوي ومحمود محمّد الطناحي ، 5 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة إسماعيليان ، 1364ش .

75 - نهج البلاغة ، من كلام مولانا أمير المؤمنين علیه السلام . جمعه الشريف الرضي ، محمّد بن الحسين (359 - 406) ، إعداد الدكتور صبحي صالح ، انتشارات الهجرة ، قم ، 1395 ق «بالاُفست عن طبعة بيروت 1387 ق » .

«و»

76 - الوافية في اُصول الفقه . المولى عبداللّه بن محمّد البُشروي الخراساني المعروف بالفاضل التوني (م 1071) ، تحقيق السيّد محمّد حسين الرضوي الكشميري ، الطبعة الاُولى ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي ، 1412 ق .

77 - وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة . الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (1033 - 1104) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 30 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1409 ق .

ص: 160

7 - فهرس الموضوعات

الاجتهاد والتقليد

نذكر مهمّات مباحثهما ونتمّ في ضمن فصول :

الفصل الأوّل : ذكر شؤون الفقيه

بيان العناوين الستّة للفقيه ··· 5

نذكر العناوين الستّة في اُمور :

الأمر الأوّل : فيمن لا يجوز له الرجوع إلى الغير ··· 6

الأمر الثاني : فيمن يجوز له العمل على طبق رأيه ويجوز له الإفتاء ··· 8

مقدّمات الاجتهاد ··· 8

الأمر الثالث : فيمن يجوز له التصدّي لمنصبي القضاء والحكومة ··· 13

مقتضى الأصل الأوّلي في المقام ··· 13

القضاء والحكومة في زمان الغيبة ··· 15

الاستدلال على ثبوت منصبي الحكومة والقضاء للفقيه في زمن الغيبة :

الاستدلال بالضرورة ··· 16

ص: 161

الاستدلال بمقبولة عمر بن حنظلة ··· 19

عدم دلالة المقبولة على اشتراط الاجتهاد المطلق ··· 22

الاستدلال بروايتي القدّاح وأبي البختري ··· 24

الاستدلال بمشهورة أبي خديجة وصحيحته ··· 25

حول جواز القضاء للعامّي مستقلاًّ أو بنصب الحاكم أو بالتوكيل : ··· 28

استقلال العامّي في القضاء ··· 28

جواز نصب العامّي للقضاء ··· 35

جواز توكيل العامّي للقضاء ··· 38

الأمر الرابع : فيمن تؤخذ عنه الفتوى ··· 41

تقرير الأصل في وجوب تقليد الأعلم ··· 41

مقتضى بناء العقلاء في باب تقليد الأعلم ··· 45

في بناء العقلاء على أصل التقليد ··· 45

شبهة عدم وجود هذا البناء في زمن الأئمّة ··· 47

دفع الشبهة المذكورة بأمرين :

الأوّل : تعارف الاجتهاد سابقاً وإرجاع الأئمّة شيعتهم إلى الفقهاء ··· 49

الثاني : عدم ردع الأئمّة علیهم السلام عن ارتكاز العقلاء كاشف عن رضاهم ··· 57

مناط بناء العقلاء في رجوع الجاهل إلى العالم ومقتضاه ··· 58

هل ترجيح قول الأفضل لزومي أم لا ؟··· 62

مقتضى الأدلّة الشرعية في لزوم تقليد الأعلم وعدمه ··· 64

استدلال القائلين بجواز تقليد المفضول ··· 64

الأوّل : الآيات ··· 64

الثاني : الأخبار التي استدلّ بها على حجّية قول المفضول ··· 70

ص: 162

استدلال القائلين بوجوب الرجوع إلى الأعلم ··· 76

حال المجتهدين المتساويين مع اختلاف فتواهما ··· 83

الفصل الثاني : في اشتراط الحياة في المفتي

التمسّك بالاستصحاب على جواز تقليد الميّت ··· 89

الإشكالات التي اُورد على الاستصحاب ··· 90

إشكال عدم بقاء موضوع الاستصحاب والجواب عنه ··· 91

تقرير إشكال آخر على الاستصحاب ··· 95

التفصّي عن الإشكال ··· 99

التمسّك ببناء العقلاء على جواز تقليد الميّت ··· 100

الفصل الثالث : في تبدّل الاجتهاد

تكليف المجتهد عند تبدّل رأيه ··· 103

حال الفتوى المستندة إلى القطع ··· 103

حال الفتوى المستندة إلى الأمارات ··· 104

حال الفتوى المستندة إلى الاُصول ··· 106

في الإشارة إلى الخلط الواقع من بعض الأعاظم في المقام ··· 110

تكليف المقلّد مع تبدّل رأي مجتهده ··· 111

الفصل الرابع : هل التخيير بين المجتهدين المتساويين بدوي أو استمراري ؟

هل يجوز للعامي العدول بعد تقليد أحد المجتهدين المتساويين ··· 117

مختار شيخنا العلاّمة في المقام ··· 117

نقد كلام العلاّمة الحائري ··· 119

ص: 163

الفصل الخامس : في اختلاف الحيّ والميّت في مسألة البقاء

كلام العلاّمة الحائري ··· 123

الإيراد على مختار العلاّمة الحائري ··· 126

الفهارس العامّة

1 - فهرس الآيات الكريمة ··· 135

2 - فهرس الأحاديث الشريفة ··· 139

3 - فهرس أسماء المعصومين علیهم السلام ··· 143

4 - فهرس الأعلام ··· 145

5 - فهرس الكتب الواردة في المتن ··· 149

6 - فهرس مصادر التحقيق ··· 151

7 - فهرس الموضوعات ··· 161

ص: 164

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.