موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 43 التعلیقة علی الفوائد الرضوية

هوية الکتاب

عنوان واسم المؤلف: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 43 التعلیقة علی الفوائد الرضوية/ [روح الله الامام الخمیني قدس سرة].

مواصفات النشر : طهران : موسسة تنظیم و نشر آثارالامام الخمیني قدس سرة، 1401.

مواصفات المظهر: 183ص.

الصقيع: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة

ISBN: 9789642123568

حالة القائمة: الفيفا

ملاحظة: الببليوغرافيا مترجمة.

عنوان : الخميني، روح الله، قائد الثورة ومؤسس جمهورية إيران الإسلامية، 1279 - 1368.

عنوان : الفقه والأحكام

المعرف المضاف: معهد الإمام الخميني للتحرير والنشر (س)

ترتيب الكونجرس: BP183/9/خ8الف47 1396

تصنيف ديوي : 297/3422

رقم الببليوغرافيا الوطنية : 3421059

عنوان الإنترنت للمؤسسة: https://www.icpikw.ir

جمعية خيرية رقمية: مركز خدمة مدرسة إصفهان

المحرر: محمدرضا دهقانزاد

ص: 1

اشارة

ص: 2

«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»

ص: 3

ص: 4

مقدّمة التحقيق

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين

كان الإمام الخميني(قدس سرّه) في اُسلوبه العرفاني متّبعاً لمنهج العرفان الشيعي الملهم من أئمّة الهدى علیهم السلام وبالإضافة إلى ذلك كان يولّي اهتماماً متميّزاً بالأحاديث المأثورة من ناحية عترة الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم المطهّرين لأنّهم علیهم السلام خزّان علم... ومعادن حكمته وحفظة سرّه وعندهم ميراث النبوّة لذلك تعرّض في كتبه العرفانيه - الأخلاقيّة مباشرة وغير مباشرة لشرح وبيان الأحاديث الواردة عنهم علیهم السلام وجعل المعيار في صحّة الكشف والشهود العرفانيّين

وخطأهما؛ توافقهما مع الأحكام الشرعيّة الصادرة من ناحية النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم أو المستودعة عند الأئمّة الأطهار علیهم السلام والجارية على ألسنتهم وعدم توافقهما لهذه الأحكام والأقوال.

من جملة هذه الآثار «تعليقة على الفوائد الرضويّة» والتي تعرّض الإمام الخميني(س) مباشرة لشرح حديث عرفاني، قصير وصعب عن الإمام الرضا علیه السلام .

أشار سماحته في هذه التعليقة إضافة إلى نقده لآراء مؤلّف «الفوائد

ص: 5

الرضوية» العارف الشيعي الكامل القاضي سعيد القمّي رحمه الله علیه ، إلى آراء الكبار من الأساتذة كابن عربي وصدر المتألّهين. وهناك أبحاث طرحها بتفاصيل أكثر كإحاطة الأسماء، والإنسان الكامل ومقاماته، والكفر ومراتبه، والفيض الأقدس والفيض المقدّس، وعالم العقول وعالم النفوس، ومراتب الأسماء والصفات.

أورد سماحته إضافة إلى المناقشة حول ما ذكره القاضي سعيد رحمه الله علیه في شرح الحديث؛ وجهين آخرين مستقلّين في خاتمة التعليقة وختم الكتاب بالاشتكاء عن الأحداث المُرّة الواقعة في أيّام حياته.

وينبغي أن يعلم أنّ هذا الكتاب أثر واحد غير مكرّر «لا شرحاً ولا تعليقاً» وهو الأثر الثاني المكتوب من الإمام الخميني(س) لكن قد ذكر بعض المفهرسين أنّ لسماحة الإمام شرحين آخرين غير هذه التعليقة وهو خطأ لأنّ صاحب «الذريعة» عُدّ في ملحقات «الذريعة» من كتب الإمام الذي ذكره في فهرس مؤلّفاته هذه التعليقة فحسبُ. قال في «الذريعة»:

«[1423] (الحواشي على الكتب) مثل «الكفاية» في الاُصول للآية الخراساني و«شرح مفاتيح الغيب للقونوي» و«شرح الفصوص» للقيصري و«شرح حديث رأس الجالوت» للقاضي سعيد القمّي وغير ذلك للحاجّ آقا روح اللّه بن السيّد مصطفى الخميني المولود سنة 1320 تلميذ الحاجّ شيخ عبدالكريم الحائري اليزدي، ذكره في فهرس تصانيفه».(1)

وحيث إنّ سماحة الإمام(س) ذكر في خاتمة التعليقات تفسيرين مستقلّين

ص: 6


1- الذريعة إلى تصانيف الشيعة (مستدركات المصنّف) 26: 285.

عن الحديث وجاء في «آيينه دانشوران» كلام بهذا النحو: «از نوشته هاى ايشان است تعليقاتى بر رساله قاضى سعيد قمى در شرح حديث رأس الجالوت با دو شرح ديگر از خود ايشان و تاريخ انجام آن 1348 مى باشد» وإذ لم يتيسّر العثور على نصّ التعليقات، زعم بعض أنّ لسماحة الإمام ثلاثة مكتوبات حول الحديث المذكور.

نشر هذا الكتاب لأوّل مرّة في عام 1375 الشمسية من قبل مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني(قدس سرّه) مع تصحيح النصّ والتعليقات مقترناً بالهوامش والفهارس الفنّية ومقدّمة تفصيلية حفظناها في هذه الطبعة، والآن يطبع مرّة اُخرى ضمن «موسوعة الإمام الخميني(س)» وقد قابلنا متن الفوائد مع نسخة مطبوعة مصحّحة من منشورات مؤسّسة «ميراث مكتوب» ورمزناها ب-«مث»، وصحّحنا التعليقات من جديد، وأضفنا تحقيقات مطابقة للمصادر المطبوعة أخيراً.

وفي الختام نقدّم شكراً جزيلاً إلى لجنة المحققين الكرام.

مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني(قدس سرّه)

فرع قم المقدّسة

ص: 7

ص: 8

مقدّمة الطبعة السابقة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

وله الحمد كفاء آلائه ، وزنة فضله ونعمائه ، والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه ، ورحمته وبركاته على آله وصفوة أوليائه ، الذين حملوا عنه ما عن اللّه حمله ، وعقلوا منه ما عن اللّه عقله ، ولذا قرنهم بمُحكم الكتاب ، وجعلهم قدوة لاُولي الألباب ، صلوات اللّه عليهم ، ماهفت قلوبنا إليهم .

وبعد : فإنّا نزفّ هذا الكتاب الكريم الموسوم ب- «الفوائد الرضوية» إلى أعلام الفضل من العلماء الراسخين في المعارف الإلهية ، والمُحقّقين من اُولي الأنظار الثاقبة والغور البعيد في علوم الدين ، ونُقدِّمه لهم بهذا الشكل الجميل من الإخراج ، وبهذه الهيئة الأخاذة المُزدانة بالتعاليق الزاخرة ، والتخريجات النافعة ، وغير ذلك من الخصائص والمُميّزات التي تعودُ على الباحثين بأجزل الفوائد وأرجى المنافع .

ولا يخفى: أنّ هذه الرسالة المُباركة هي في الأصل من بنات يراعة العالم الفاضل والحكيم العارف القاضي سعيد القمّي - رحمه اللّه تعالى - وقد شرح فيها

ص: 9

حديث رأس الجالوت مع الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام(1) وقد وقف عليها زعيم الثورة الإسلامية المباركة آية اللّه العظمى الإمام السيّد الخميني الكبير - قدّس سرّه - فصوّب نظره وصعّده في أثنائها وأحناءها ، وعلّق عليها تعاليق زاهرة زاخرة مشحونة بالتحقيق ، حافلة بالمعارف ، طافحة بالأنوار ، وهو

ص: 10


1- وهناك شروح كثيرة لهذا الحديث الشريف لجمع من أعلام المشايخ وأثبات المحقّقين نذكر منها : شرح حديث رأس الجالوت للعلاّمة المحقّق الكبير الميرزا أبوالقاسم الجيلاني القمّي المتوفّى سنة 1231 ق صاحب الكتاب الحافل الموسوم ب- «قوانين الاُصول» . وله عدّة مخطوطات منها ما في مكتبة آية اللّه العظمى السيّد النجفي المرعشي قدّس سرّه في مدينة قم المقدّسة تحت رقم : 1259 و 5328 . شرح آخر للمحقّق الشيخ محمَّد المُلقَّب بعبد الصاحب ابن المولى المحقّق أحمد ابن المولى المحقّق مهدي النراقي . ذكره العلاّمة الطهراني في الذريعة 13 : 199 / 696 وقال : إ نّه تمّم به شرح جدَّه المولى مهدي النراقي الذي توفّي قبل إتمامه لشرح حديث الرضا عليه السلام ، فتداركه سبطه وطبع في ذيل (مشكلات العلوم) لجدّه ، وطبع أيضاً مع رسالة له في التوحيد سنة 1284 ق . أقول : وهناك نسخة مخطوطة لهذا الشرح في مكتبة السيّد المرعشي أيضاً برقم : 5893 . وشرح آخر للحكيم العارف عبدالرحيم بن محمّد يونس الدماوندي . نسخة منه في مكتبة آية اللّه العظمى النجفي المرعشي قدّس سرّه برقم : 6713 . وشرح آخر للمولى محمّد بن الحاج محمّد حسن المشهدي الطوسي المتوفّى سنة 1257 ق ضمن كتابه «غنيمة الحجاز في حل الألغاز» الذي شرح فيه حديثين أحدهما عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام والآخر حديث رأس الجالوت . اُنظر الذريعة للمحقّق الطهراني 16 : 70 / 349 . وشرح آخر للعلاّمة المحقّق الشيخ أحمد بن زين الإحسائي المتوفّى سنة 1243 ق .

البحر المحيط الذي لا يُسبر غوره ، ولا يُنال دركه ، ذو بسطة في سائر العلوم الإسلامية ، وما إليها من المعارف والفنون ، وذو الملكة القُدسيّة الراسخة الفريدة في المعقول والمنقول .

جمعت معاني الحمد جمعاً فلم أكن *** لاُحصيَ بالألفاظ تلك المعانيا

مناقبك الزهر استضاءت فأصبحت *** تفاخر في أوج السماء الدراريا

القاضي سعيد

هو محمّد سعيد بن محمّد مفيد القمّي المعروف بالقاضي سعيد والملقّب بالحكيم الصغير ، ولد سنة 1049 ق فتأ لّق في سماء المعارف الدينية الشيعية ، حتّى بلغ الذروة في الكمالات الروحية والكشفية ، حتّى عُدَّ في طليعة أفاضل حكماء إيران وعرفائها أثناء العهد الصفوي ، فكان بذلك من قادة الفكر في ذلك العصر .

وإضافة إلى تمهّره وتخصّصه - رحمه اللّه - في المباحث الصوفية والعرفانية والحكمة المشّائية والإشراقية ، كان قد جمع من العلوم الرياضية والطبّية وغيرها شيئاً كثيراً ، وتبحَّر في العلوم الفقهية والحديثية والرجالية والتفسيرية ، وكان دأبه البحث عن غوامض العلوم على الاتّصال ، فارتشف من المعارف من سلسال محمَّدٍ وآل محمَّد وسلسبيله السائغ .

وتبوّء منصب القضاء لرسوخ ملكته في الفقه وإحاطته بأبوابه ، فكانت له ثمة إمامة دينية وزعامة زمنية ، ولذا سُمّي ب- (القاضي) .

تتلمّذ في العلوم العقلية وما إليها من فنون على يد المولى محسن الفيض

ص: 11

الكاشاني ، والحكيم المحقّق عبدالرزّاق اللاهيجي ، والعارف العالم المولى رجب علي التبريزي .

وتأثّر كثيراً في علوم العرفان والحكمة المتعالية بالفيض ، وفي الحكمة البحثية والمشّائية بالمولى رجب علي ، والمولى عبدالرزّاق ، حتّى توسّط باحة الفضلاء وأخذ منها مكانه .

وعلى هذا، فإنّه كان يُقرّر آراء صدر المتأ لّهين ويغوص في بيان معاني الكلمات الواردة عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام فيؤوّلها تأويلاً عرفانياً أكثر ممّا ورد في شروح الملاّ صدرا وتعليقاته ، وهذا يعني أ نّه انغمر في التصوّف وتعمّق في التأويلات التي لا تخلو أحياناً من الإفراط والمبالغة أكثر من الفيض وصدر الدين الشيرازي .

رأي الإمام الخميني قدّس سرّه فيه

لو أردنا أن ننظر إلى القاضي سعيد من منظار الإمام الخميني قدّس سرّه للاحظنا أ نّه يُجسّد برأيه أحد أساطين الحكمة والمعرفة الإسلامية ، الأمر الذي أشار إليه مراراً وتكراراً في حياته الشريفة ، مُثمّناً دوره ، مُشيّداً بمكانته وفضيلته وعلمه .

يقول أحد تلامذة الإمام قدّس سرّه : إنَّه - أي الإمام - كان يُعبّر عن احترام خاصّ لمحيي الدين في المدرسة السنّية ، ولصدر المتأ لّهين والقاضي سعيد القمّي في مدرسة أهل البيت ، ما ذلك إلاّ لسبب المنهل العرفاني الرحيق الذي نهلوا منه ، ولهذا تراه يُكنّ لهم كلّ احترام ، ويقدّرهم غاية التقدير ، فقد جاء

ص: 12

- مثلاً - في كتابه «آداب الصلوة» ما نصّه :

وبالجملة فإنّ نسبة فلسفة حكماء الإسلام الحالية والمعارف الجليلة لأهل المعرفة إلى حكمة اليونان إنّما تدلّل على الجهل بكتب القوم مثل كتب الفيلسوف الإسلامي العظيم الشأن صدر المتأ لّهين قدّس سرّه ، واُستاذه العظيم المحقّق الداماد قدّس سرّه ، وتلميذه الجليل الفيض الكاشاني قدّس سرّه ، والتلميذ العظيم الشأن للفيض والعارف الجليل الإيماني القاضي سعيد القمّي قدّس سرّه(1) .

ويقول الإمام الخميني قدّس سرّه في بداية التعليقة على شرح حديث رأس الجالوت :

وبعد، فإنّ ممّا وفّقني التأييدات الربوبية ، وأيّدني التوفيقات القدسية الاُلوهية ، هو الاستسعاد بزيارة هذا الحديث القدّيس ، النازل عن سماء الوحي والتقديس ، وشرحه الذي أفاده شيخ العرفاء الكاملين ، قدوة أصحاب القلوب والسالكين ، كاشف إشارات الأخبار ورموزها ، مُخرج لباب الآثار وكنوزها ، فخر الطائفة وعينها ، وذخر أهل المعرفة وزينها ، المؤيّد بتأييدات الربّ المجيد ، القاضي الشريف السعيد ، أفاض اللّه عليه من أنوار رحمته الواسعة ، وتجلّى عليه بالأنوار الباهرة(2) .

ويقول في موضع آخر : وما ذكر هذا العارف العظيم ، والسالك على الصراط المستقيم ، قدَّس اللّه نفسه ، وروّح رمسه ، تحقيق رشيق ، وكلام عرفاني دقيق ،

ص: 13


1- الآداب المعنوية للصلاة ، الفهري : 467 - 468 .
2- راجع الصفحة 3 .

كيف وهو من أعظم عرفاء الشيعة ، وأكرم اُمناء الشريعة(1) .

الخصائص الفكرية للقاضي سعيد

1 - إنّه ينكر في مواضع عديدة من مؤ لّفاته الحركة في الجوهر ؛ مثال ذلك ما جاء في صفحة 119 من هذا الكتاب فقال : وأمّا ثبات الطبيعة الجسمية وجمودها ، فمن جهة أنّ ذاتها ليست نفس الحركة والسيلان كما زعم بعض الأساتيذ الأعلام ، بل هي ذات ثابتة بنفسها ، والحركة عارضة لها من حيثُ القابلية وعروض اللوازم الذاتية لمعروضها ... .

2 - إنّه يُرجع صفات الحقّ إلى الاُمور العدمية .

يقول الإمام الخميني قدّس سرّه في كتابه «الأربعون حديثاً» :

يُؤول بعض صفات الحقّ إلى اُمور عدميّة، فيعتبر العلم عدم الجهل، والقدرة عدم العجز والّذي رأيته في أهل المعرفة مصرّاً على هذا الرأي هو العارف الجليل المرحوم القاضي سعيد القمي قدّس سرّه (2) .

ويقول في «مصباح الهداية» : إنّي لأتعجّب من العارف المُتقدّم ذكره - القاضي سعيد - مع علوّ شأنه وقوّة سلوكه ، كيف ذهل عن ذلك المقام الذي هو مقام نظر العرفاء العظام ، حتّى حكم بنفي الصفات الثبوتية عن الحقّ جلّ شأنه ، وحكم بأنّ الصفات كلّها ترجع إلى معان سلبية(3) .

ص: 14


1- راجع الصفحة 75 .
2- شرح چهل حديث (أربعين حديث)، الإمام الخميني قدس سره، حديث سى و ششم، تحقق عينيت اوصاف با ذات مقدس .
3- مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية ، المشكاة الاُولى، مصباح 23 .

3 - إنّه يقول بالاشتراك اللفظي بين الأسماء الإلهية والخلقية ، وقد أ لّف رسالة في الاشتراك اللفظي لأسماء اللّه تعالى وأوردها في مقدّمة كتاب «كليد بهشت»(1) .

يقول الإمام قدّس سرّه في «مصباح الهداية» أيضاً : وأعجب منه الحكم بالاشتراك اللفظي بين الأسماء الإلهية والخلقية والصفات الواقعة على الحقّ والخلق(2) .

4 - إنّه يقدّم القدر على القضاء خلافاً للمشهور فقد ورد في «الفوائد» : ثمّ اعلم أنّ بعد وجود التعليميات التي هي مظهر القدر يقضي اللّه بوجود الأشخاص الكونية ، فتلك الأشخاص مطلع القضاء الإلهي ومظهر الحكم الحتم الربّاني ، هكذا ينبغي أن يفهم مراتب الخصال والأسباب من العلم والمشيّة والإرادة والقدر والقضاء من ربّ الأرباب(3) .

5 - إنّه يقول : إنّ ما يُوصف بوصف له صورة . وهذا الرأي يثير استغراب الإمام قدّس سرّه فيردّ عليه في «مصباح الهداية» : وأعجب من الأعجب ما سلك في الطليعة الاُولى من البوارق الملكوتية من أنّ ما يوصف بوصف فله صورة ، لأنّ الوصف أعظم الحدود للشيء في المعاني ولا إحاطة أوضح من إحاطة الصفة في العوالي وجعل ذلك سرّ ما ورد في الخبر : «إنّ اللّه لا يوصف» مع ذهابه قدّس سرّه في تلك الرسالة على ما سمعت في المصابيح السابقة إلى أنّ

ص: 15


1- كليد بهشت : 35 .
2- مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية ، المشكاة الاُولى، مصباح 23 .
3- راجع الصفحة 127 .

كلّ الأسماء مشتمل على جميع مراتب الأسماء ، فإذا كانت الأسماء كلّ الحقائق فلها مقام الإطلاق كما للاسم اللّه فكانت لمبادئها التي هي الصفات مقام الإطلاق .

ثمّ يقول الإمام قدّس سرّه :

وظنّي أنّ ذهابه إلى ذلك لعدم استطاعته على جمع الأخبار فوقع فيما وقع(1) .

6 - يسلك القاضي سعيد مسلك فلاسفة الحكمة البحثية ، ويقول : بأنّ العقل الأوّل هو الصادر الأوّل ، إلاّ أنّ الإمام قدّس سرّه اعتبر المشيئة الإلهية الصادر الأوّل طبقاً للمأثور «خلق اللّه الأشياء بالمشيّة والمشيّة بنفسها)(2) ، فقال في التعليقة :

إنّ العلّة صورة تمامية المعلول وشيئية الشيء بصورته التامّة ، فالجواب عن الواحد المتكثّر - الذي هو مقام العقل على تحقيق هذا العارف الكامل ، ومقام المشيّة المطلقة على رأي هذا الفقير العاطل - جواب عن سائر الحقائق المسؤول عنها .

أمّا على طريقنا فظاهر ، فإنّ المشيّة المُطلقة مقام فاعلية الحقّ المُتعال وإلهية القيّوم ذي الجلال ، وقد ورد من طريق أهل بيت الوحي والتنزيل - عليهم صلوات الربّ الجليل - «خلق اللّه الأشياء بالمشيّة والمشيّة بنفسها» .

وأمّا على طريقته - قدّس اللّه نفسه - فلأنّ العقل أوّل صادر من ربّ العزّة

ص: 16


1- مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية ، المشكاة الاُولى، مصباح 23 .
2- التوحيد، الصدوق : 339 / 8 .

وأوّل ظهور من مظاهر المشيّة ، على ما ساق إليه البراهين العالية(1) .

ويقول في صفحة 74 - 75 من التعليقة :

وسرّ التعبير عن مقام المشيّة المطلقة بالواحد المتكثّر ، وعن الموجود العقلي بالمتكثّر المتوحّد هو أنّ المشيّة لها الوحدانية الذاتية الحقيقية ظلّ الوحدانية الحقّة الحقيقية، وليس فيها تكثّر بحسب الذات ولا تعدّد الجهات والحيثيات ، وهي الأمر الواحد المُشار إليه بقوله تعالى : )وَمَا أمْرُنَا إِلاّ وَاحِدَةٌ((2) وإنّما التكثّر باعتبار تلبّسه بلباس التعيّنات وتنزّله في منازل المُقيّدات ، وهذا هو التكثّر العرضي ، ولا تكثّر في نظر أرباب المشاهدات ، وهو مقام الاُلوهية والربوبية والقيّومية والقدّوسية ومقام الأسماء والصفات والرحمانية والرحيمية الفعلية ، وأمّا الموجود العقلي فقد عرفت حاله ومرجعه ومآله .

وما ذكر هذا العارف العظيم والسالك على الصراط المستقيم - قدّس اللّه نفسه و روّح رمسه - تحقيق رشيق وكلام عرفاني دقيق كيف؟ وهو من أعظم عرفاء الشيعة وأكرم اُمناء الشريعة ، ولكن ما ذكرنا مع قصور النظر وعمى القلب والبصر بمقام السير العلمي أليق وبحضرة الكبرياء ألصق .

مضافاً إلى ذلك ، فقد أورد الإمام إشكالات اُخرى على شرح القاضي ، ذكرها على نحوٍ لا يمسّ احترامه الفائق له ، ويمكن مراجعتها على صفحات الكتاب هذا .

ص: 17


1- راجع الصفحة 35 .
2- القمر (54) : 50 .

مؤلّفاته :

يقول صاحب «الذريعة» رحمه اللّه :

أراد المؤ لّف أن يؤ لّف أربعين رسالة ولم يمهله الأجل .

وإليكم جملة ما عثرنا عليه من أسماء كتب ومصنّفات نُسبت إليه في معاجم الرجال وكتب التراجم وهي كالتالي :

1 - أسرار الصلاة ، طبع في حاشية شرح الهداية للملاّ صدرا .

2 - أسرار الصنايع ، في الصناعات المنطقية الخمسة (الشعر والخطابة والجدل والبرهان والمغالطة) .

3 - حاشية على شرح الإشارات للخواجة .

4 - شرح توحيد الصدوق رحمه اللّه في ثلاثة مجلّدات .

5 - شرح حديث البساط .

6 - شرح حديث الغمام .

7 - كليد بهشت (مفتاح الجنّة) رسالة في الاشتراك اللفظي للأسماء بالفارسية .

8 - مرقاة الأسرار ومعراج الأنوار .

9 - إشارة وبشارة .

10 - النفحات الإلهية والخواطر الإلهامية .

11 - الأنوار القدسية .

12 - المقصد الأسنى .

ص: 18

13 - الحديقة الوردية في السوانح المعراجية .

14 - البرهان القاطع والنور الساطع .

15 - الطلائع والبوارق .

16 - رسالة في الفلسفة الإلهية .

17 - رسالة في اتّحاد العاقل والمعقول .

18 - الجبر والاختيار .

19 - فضل العلم والعالم والمُتعلّم .

20 - الفوائد الرضوية .

كتاب «الفوائد الرضوية»:

«الفوائد الرضوية» أو شرح حديث رأس الجالوت (أكبر علماء اليهود) ويتناول بالشرح جواب الإمام الرضا عليه السلام للعالم اليهودي الذي سأله : يا مولاي ما الكفر والإيمان؟ وما الكفران؟ ما الجنّة والنيران؟ وما الشيطانان اللذان كلاهما المرجوّان؟ وقد نطق كلام الرحمن بما قلت . حيث قال في سورة الرحمن : «خَلَقَ الإنسانَ * عَلَّمَهُ البَيانَ»(1)؟

فلمّا سمع الرضا عليه السلام كلامه لم يُحِرْ جواباً ، ونكت بإصبعه الأرض وأطرق مليّاً ، فلمّا رأى رأس الجالوت سكوته عليه السلام حمله على عيّه وشجّعته نفسه بسؤال آخر ، فقال : يا رئيس المسلمين ، ما الواحد المُتكثّر والمُتكثّر المُتوحّد والمُوجَد المُوجِد والجاري المُنجمد والناقص الزائد؟

ص: 19


1- الرحمن (55) : 3 - 4 .

فلمّا سمع الرضا عليه السلام كلامه ورأى تسويل نفسه له ، قال : «أيش تقول يا ابن أبيه ، وممّن تقول ولمن تقول؟ بينا أنت أنت صرنا نحن نحن ، فهذا جواب مُوجز» .

وأمّا الجواب المفصّل ، فأقول : «اعلم إن كنت الداري والحمد للّه الباري ، أنّ الكفر كفران ، كفر باللّه وكفر بالشيطان وهما السيّان المقبولان المردودان أحدهما الجنّة والآخر النيران وهما اللذان المتّفقان المختلفان وهما المرجوّان ، ونصّ به الرحمن حيث قال : «مَرَجَ الْبَحرَيْنِ يَلْتَقِيانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لايَبغِيانِ * فَبِأىِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تكَذِّبانِ»(1) .

ويعلم قولنا من كان من سنخ الإنسان وبما قلنا ظهر جواب باقي سؤالاتك والحمد للّه الرحمن والصلاة على رسوله المبعوث على الإنس والجانّ ولعنة اللّه على الشيطان .

فلمّا رأى الجالوت كلامه عليه السلام بهت وتحيّر وشهق شهقة . وقال : أشهد أنْ لا إله إلاّ اللّه وأنَّ محمَّداً رسول اللّه وأ نّك وليّ اللّه ووصيّ رسوله ومعدن علمه حقّاً حقّاً .

ويشرح القاضي بمهارته الخاصّة هذا الحديث الشريف ، ويخوض في لججه بذوق عرفاني ونطق قرآني ممّا يثير استحسان الإمام قدّس سرّه وثنائه عليه في كلّ موضع وفقرة ، ويبادر إلى كتابة تعليقة عليه إتماماً للفائدة الكامنة في الأسرار التي أودعها القاضي في شرحه والتي يتعذّر على الآخرين كشفها وفهمها .

ص: 20


1- الرحمن (55) : 19 - 21 .

أبرز فقرات الكتاب

رغم أنّ هذا الشرح بمُجمله ينطوي على تحقيق وتدقيق ببيان رقيق ودقيق ولكن تتأ لّق بعض فقراته وتبرز بشكل خاصّ من بين أجزاء الكتاب وأبوابه ، وفيما يلي نكتفي بذكر أبرز تلك الفقرات :

قد عرفت أنّ الشيطان هنا عبارة عمّا سوى اللّه ، فاعلم أنّ الكفر بالشيطان هو اعتقاد أنّ العالم غيب ما ظهر قطّ ، وإنّما الظاهر هو اللّه فحسب ، وهذا كفر مُحقّقي الصوفية حيث زعموا أ نّه سبحانه ظهر بصورة كلّ شيء ، فهذا الزاعم أخفى الشيء الذي هو السوي - أي : العالم - وهو الكفر بالشيطان . ولا تتوحّش من ذلك ، فإنّه أعلى درجات بالنظر إلى قوم ، ولكن «حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين» .

قال صاحب «الفتوحات» : إنّ العالم غيب لم يظهر قطّ ، والحقّ هو الظاهر ما غاب قطّ ، والناس في هذه المسألة على عكس الصواب؛ فإنّهم يقولون : إنّ الحقّ تعالى غيب والعالم هو الظاهر فهم بهذا الاعتبار في مقتضى هذا الشرك(1) .

أقول : وقد غفل هذا العارف عن الشرك اللازم من زعمه ، حيث حكم بظهور الحقّ تعالى وخفاء العالم ، وهو أيضاً من أنحاء الشرك الخفيّ .

وأمّا الإيمان الحقيقي فهو الاعتقاد بأنّ اللّه هو الظاهر الباطن والشاهد الغائب فهو الظاهر إذا طلبته في البطون ، وهو الباطن إذا تفحّصت عنه في الظهور وهو المُنزّه عنهما إذا طلبته بكليهما وأنّ العالم ظاهر باللّه خفي

ص: 21


1- راجع ما يأتي من تخريجه في الصفحة 40.

بذاته ، فتعرّف فإنّه باب عظيم للتوحيد(1) .

وقال الإمام قدّس سرّه في تعليقته :

ولا يكون عن هذا الشرك خالصاً إلاّ من يرى استهلاك جميع الموجودات ذاتاً وصفة وشأناً في الحقّ القيّوم ، بل التوحيد التامّ هو التحقّق بهذا المقام(2) .

الإمام والفوائد

يعتبر شرح حديث رأس الجالوت أوّل رسالة للقاضي سعيد يراجعها الإمام قدّس سرّه كما جاء في مُقدّمة التعليقة ، فيشمّر سماحته عن ساعد الجدّ للتعليق عليها ، لأنّ أسرار هذا الكتاب تحتاج إلى كشف ، وأستارها إلى إزاحة ، ويقدّم على كتابة تعليقة بمستوى الكتاب أو أفضل منه ، ويودعها جواهر يتلألأ ما بين سطورها ، ولعلّ من أبرزها قوله :

إنّ عود الموجودات إلى اللّه تعالى بتوسّط الوليّ المطلق صاحب النفس الكلّية الإلهية وواجد مرتبة العقل ، وأنّ الموجودات بمنزلة القوى والآلات والمتفرّعات من وجود الإنسان الكامل ، فكما أنّ بدء إيجادها من الحضرة الغيب بتوسّط ربّ الإنسان الكامل ، وفي الحضرة الشهادة بتوسّط نفس الإنسان الكامل كذلك عودها وختمها .

ولهذا كانت استقامة الاُمّة استقامة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وورد منه

ص: 22


1- يأتي في الصفحة 40.
2- راجع الصفحة 39 .

صلّى اللّه عليه وآله عند قوله تعالى - في سورة هود - )فَاسْتَقِمْ كَما اُمِرتَ((1) .

«شيّبتني سورة هود لمكان هذه الآية» ، وإلاّ فهو صلّى اللّه عليه وآله بوجوده المقدّس ميزان الاستقامة .

وورد في بعض الأدعية عند الدعاء لبقيّة اللّه في الأرضين وحجّة اللّه على العالمين صاحب الأمر صلوات اللّه عليه وأرواحنا له الفداء بقوله : «أمناً يعبدك لا يشرك بك شيئاً» مع كونه روحي له الفداء خالصاً عن أنحاء الشرك فعلاً وصفةً وذاتاً ، فشرك الاُمّة وعبادتهم يعدّ منه لكونه الأصل وسائر الناس من فروعه(2) .

وهنا يمكن أن نتحسّس ألطف أفكار الإمام ، ممّا تستحقّ أن تدوّن بماء الذهب على الصدور ، في أ نّه اعتبر عود الموجودات إلى اللّه تعالى بتوسّط الوليّ المُطلق صاحب النفس الكلّية الإلهية ، واجد مرتبة العقل ، وأنّ الموجودات بمنزلة القوى والآلات من وجود الإنسان الكامل .

والوليّ المُطلق هو النبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه وآله ، ومصداقه في الزمن الحاضر إمام العصر سلام اللّه عليه ، ولهذا فإنّ عودة كلّ الموجودات إلى الحضرة الإلهية يكون بتوسّطه .

النسخ المعتمدة في التحقيق

اعتمدنا على تحقيق شرح القاضي سعيد عدَّة نسخ هي كالتالي :

1 - النسخة المحفوظة في مكتبة مجلس الشورى الإسلامي بطهران ، وهي

ص: 23


1- هود (11) : 112 .
2- راجع الصفحة 88 - 89 .

ضمن مجموعة تحت رقم 1 / 4637 ورمز هذه النسخة «ر» .

2 - نسخة اُخرى محفوظة أيضاً في مكتبة مجلس الشورى الإسلامي بطهران ضمن مجموعة تحمل رقم 9 / 5500 ونرمز لها ب_ «م» .

3 - النسخة المرقّمة 4353 وهي في خزائن مكتبة آية اللّه العظمى السيّد النجفي المرعشي قدّس سرّه ورمزها «س» .

4 - نسخة اُخرى محفوظة في مكتبة آية اللّه العظمى السيّد النجفي المرعشي قدّس سرّه لم تدخل بعد في سلك فهرست المكتبة ورمزنا لها ب_ «ل» . وعلى حواشيها كتبت تعليقات السيّد الإمام قدّس سرّه .

وقد وقفنا عليها بمساعدة عميد المكتبة سماحة حجّة الإسلام والمسلمين الدكتور السيّد محمود النجفي المرعشي حفظه اللّه تعالى .

منهج التحقيق

1 - اتبعنا في ضبط النصّ على منهج التلفيق بين النسخ الخطّية .

2 - تقطيع النصوص على المنهج المعروف المألوف عند ذوي الخبرة ، لإبرازه بشكل علمي مُتناسق .

3 - استخراج الآيات القرآنية والإشارة إلى اسم السورة الشريفة ورقم الآية المباركة فيها .

4 - استخراج الأحاديث والأدعية والزيارات من مصادرها .

5 - استخراج أقوال وآراء العلماء والمُصنّفين من مظانّها .

6 - توضيح اللغات المشكلة .

ص: 24

7 - عملنا في آخر الكتاب عدّة فهارس فنّية جامعة ، تُعين الباحث وتُرشد المحقّق إلى ما يصبو إليه بسهولة ويُسر .

وهنا لابُدّ أن ننوّه بجهود الإخوة المحقّقين المباركة في مؤسّستنا لما بذلوه من جهد وعناء في سبيل إخراج هذا السفر القيّم المبارك ، داعين اللّه سبحانه وتعالى لهم بالتأييد والتسديد . ونرجو اللّه تعالى أن يتقبّل هذا المجهود بعين لطفه وكرمه وأن يرعاه بالقبول .

هذا ونحن نضع لَمْساتنا الأخيرة لتقديم هذا الكتاب فاجأنا القضاء بمصيبةٍ مُلمّة أقضت جامعة المسلمين ، ألا وهي فقد الرجل الأوحد بقيّة الإمام الراحل سماحة حجّة الإسلام والمسلمين الحاج السيّد أحمد الخميني رضوان اللّه تعالى عليه ، الذي كان مجاهداً لا يعرف الكلل ، ومخلصاً واعياً وعالماً مضحياً في سبيل الثورة الإسلامية .

نسأل اللّه تعالى علوّ الدرجات للفقيد السعيد وأن يحشره مع أوليائه الطاهرين . وإنّا للّه وإنّا إليه راجعون.

قسم التحقيق - مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه

فرع قم المقدّسة

2 / ذوالقعدة الحرام / 1415 ه_ ق

14 / 1 / 1374 ه- ش

ص: 25

ص: 26

نماذج مصورة

من مخطوطات النسخ المعتمدة

في التحقيق

ص: 27

ص: 28

الصورة

الصفحة الاُولى من نسخة «ل»

ص: 29

الصورة

الصفحة الأخيرة من نسخة «ل»

ص: 30

الصورة

الصفحة الاُولى من نسخة «م»

ص: 31

الصورة

الصفحة الأخيرة من نسخة «م»

ص: 32

الصورة

الصفحة الاُولى من نسخة «س»

ص: 33

الصورة

الصفحة الأخيرة من نسخة «س»

ص: 34

الصورة

الصفحة الاُولى من نسخة «ر»

ص: 35

الصورة

الصفحة الأخيرة من نسخة «ر»

ص: 36

التعليقة

على الفوائد الرضوية

ص: 1

ص: 2

مقدّمة التعليقة

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

الحمد للّه المتجلّي بالبطون فظهر ، والمتجلّي بالظهور فبطن واستتر ، بادئ بدو سلسلة الوجود ، وخاتم ختم الغيب والشهود ، والصلاة والسلام على السرّ المرموز المُستتر ، أصل اُصول ما سلف وغَبر ، مبدأ الدائرة ومختمها ، أفضل البريّة وأكرمها ، وعلى آله مفاتيح كنوز الأحدية ، وكواشف رموز السرمدية ، وعلى أعدائهم اللعنة الأزلية الأبدية .

وبعد : فإنّ ممّا وفّقني التأييدات الربوبية ، وأيّدني التوفيقات القدسية الاُلوهية ، هو الاستسعاد بزيارة هذا الحديث القدّيس ، النازل عن سماء الوحي والتقديس ، وشرحه الذي أفاده شيخ العرفاء الكاملين ، قدوة أصحاب القلوب والسالكين ، كاشف إشارات الأخبار ورموزها ، مُخرج لباب الآثار وكنوزها ، فخر الطائفة وعينها ، وذخر أهل المعرفة وزينها ، المؤيّد بتأييدات الربّ المجيد ، القاضي الشريف السعيد ، أفاض اللّه عليه من أنوار رحمته الواسعة ، وتجلّى عليه بالأنوار الباهرة ، واتّفق ذلك في العشر الثالث من مراحل عمري ومنازل دهري .

ص: 3

وهو أوّل كتاب منه - قدّس سرّه - وفّقني اللّه لزيارته والاستفادة من حضرته ، ولمّا رأيته مُحتاجاً إلى كشف بعض أسراره ، ورفع الحجاب عن بعض أستاره ، أحببت أن اُعلّق عليه بعض التعاليق ، شارحاً لكلامه مع بعض ما سنح بخاطري القاصر ، ونظري الفاتر في شرح الحديث الشريف ، مُعترفاً بالتقصير والقصور ، ومُتوكّلاً على ربّ الأنام في المبدأ والختام ، فنقول مُستعيناً بالربّ المُعين ، ومُتمسّكاً بولاية أوليائه المعصومين علیهم السلام .

ص: 4

مقدّمة المؤلّف

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه [1] الواحد(1) المُتوحّد ، والفرد المُتفرّد ، الذي [2] توحّد بالتوحيد في توحّده ، وتفرّد بالتفريد(2) في تفرّده ،

[1] - قوله : «الواحد المتوحّد» .

أمّا كونه - جلّ بُرهانه - واحداً فظاهر ، وأمّا كونه مُتوحّداً فلظهوره في ملابس الكثرات وتجلّيه في مرائي التعيّنات ، فهو تعالى مع ظهوره في الكثرات لا يخرج عن الوحدة الحقّة الحقيقية ، فمن حيث كونه واحداً مُتوحّد ، ومن وجه كونه مُتوحّداً واحد ، والكثرات غير موجودة حقيقةً ، والتعيّنات في الغيب أزلاً وأبداً ، وسيأتي بعض التحقيق إن شاء اللّه في المواضع اللائقة به(3) .

[2] - قوله قدّس سرّه : «توحّد بالتوحيد» .

كونه - تعالى مجده - مُتوحّداً بالتوحيد ومُتفرّداً بالتفريد ؛ فلأنّ الإمكان من

ص: 5


1- في نسخة «م» : «العالم» بدل «الواحد» .
2- في نسخة «ر» : «بالتقديس» بدل : «بالتفريد» .
3- يأتي في الصفحة 59 .

انبجست(1) منه الكثرات بجملتها؛ لوحدته ، وابتدأت منه الموجودات(2) برمّتها(3)؛ لفرديته سبحانه وتعالى في كبرياء تقدّسه.

والصلاة على نبيّ الرحمة ومجمع بحري الوحدة والكثرة إنسان العين وعين الإنسان ، والعالم بالبيان(4)

شأنه الكثرة ، والمُمكن من ذاته الغيرية ، والوحدة عارضة لها من الصقع الربوبي ، فالمُمكنات بحالها الذاتية مُتكثّر ، وبحالها الوجودية واحد ، إلاّ أنّ الوحدة من عالم الوجود، فكلّ الوحدات من حضرته ، فهو مُتفرّد بالتفريد ومُتوحّد بالتوحيد.

وممّا ذكرنا ظهر قوله : انبجست منه الكثرات بجملتها لوحدته . الذي هو مأخوذ من كلام المُعلّم الأوّل في «أثولوجيا»(5) فإنّ الوحدة مرجعها الوجوب والغنى والقيّومية ، والكثرة مرجعها الإمكان والفقر والتقوّم ، فكلّ الكثرات تبدأ من حضرة الوحدة وترجع إليه «كَمَا بَدَأكُمْ تَعُودُونَ»(6) فالوحدة علّة انبجاس الكثرات ، والفردية مصدر التعيّنات ، كما أ نّهما علّة الرجوع .

ص: 6


1- انبجست : انفجرت ، وانبجس الماء وتبجّس أي تفجّر . لسان العرب 1 : 318 ، بجس .
2- في نسخة «م» و«ر» : «المزدوجات» بدل «الموجودات» .
3- برمّتها: بجملتها أو كلّها، يقال أخذت الشيء برمّته أي كلّه . لسان العرب 5 : 323 ، رمم.
4- راجع ما يأتي في الصفحة 19 .
5- أثولوجيا : 134 .
6- الأعراف (7) : 29 .

محمّد المبعوث على الإنس والجانّ(1) ، والمنعوت بنعوت الفرقان ، والموصوف بأنَّ خُلقه القرآن(2) ، وعلى وصيّه الذي تشعّب منه أولاد النبيّ ، وتأحّد معه في سير الأنوار بالنصّ الجليّ(3) ، وعلى آله الذين هم تقاسيم وجود النبيّ والوليّ ، وهم أولياء الرحمان ، والمقصود من إيجاد الأكوان(4) ما جرى الجاري على الجامدات ، وفضل الزائد على الناقصات(5) .

أمّا بعد : فالفقير إلى اللّه الغنيّ ، والمُتمسّك بحبل النبيّ الاُمّي ، مُحمّد المُشتهر بسعيد الشريف القُمّي، يقول :

إنّ الحكمة كلّ الحكمة ما ورد في الكتاب والسُنّة ، والعلم حقّ العلم ما صدر عن مدينة العلم(6) ، وإنّ في أخبار الأئمّة الطاهرين لبلاغاً لقوم عابدين ، إنّ في ذلك لذكرى للعالمين ، كيف لا؟ وهم عليهم السلام أهل بيت الحكمة ، ومعدن الوحي والرسالة(7) «فالكليم اُلبس حلّة الاصطفاء لمّا شاهدوا منه الوفاء ، وجبرئيل

ص: 7


1- راجع الاحتجاج 1 : 527 و528 ؛ تفسير كنز الدقائق 9 : 469 ؛ وراجع أيضاً ما يأتي في الصفحة 14 من حديث رأس الجالوت.
2- اُنظر تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورّام) : 97 ؛ المسند ، أحمد بن حنبل 17 : 379 / 24482.
3- راجع الكافي 1 : 440 / 3 ؛ تفسير القمّي 2 : 335 ؛ علم اليقين 1 : 515 ؛ بحار الأنوار 25 : 3 / 5.
4- علم اليقين 1 : 381 ؛ جامع الأسرار ومنبع الأنوار : 9 و10 ؛ كلمات مكنونه : 126 ؛ مفاتيح الغيب : 14 .
5- مأخوذ من حديث رأس الجالوت . راجع الصفحة 13 .
6- اقتباس من أحاديث الرسول صلّى اللّه عليه وآله : «أنا مدينة العلم وعلي بابها». اُنظر بحار الأنوار 33 : 53 / 395 .
7- اُنظر الكافي 1 : 221 / 1 - 3 .

في جنان الصاغورة(1) ذاق من حدائقهم الباكورة»(2) وأ نّى يكون لغيرهم ، وفيهم

الإمام المُبين ، وقال - عزّ من قائل - : «وَكُلَّ شَى ءٍ أحصَيْناهُ فِى إِمَامٍ مُبِينٍ»(3) .

ثمّ إنّ في الخبر الذي رواه أصحابنا ودار في ألسنة إخواننا - رضوان اللّه عليهم - وأثبتوه في دفاترهم ، من سؤال رأس الجالوت مولانا أبا الحسن الرضا عليه السلام ، وما أجابه الإمام عليه السلام لحكمةً بالغةً لا تبلغها أيدي الخائضين في الحكمة المُتعالية ، فضلاً عن الفلسفة الرسمية ، وأسراراً رائقة لا يكاد ينالها إلاّ من أتى البيوت من أبوابها ؛ وأنواراً بارقة لا يستنير بأشعّتها الشارقة إلاّ من اقتبَس من مشكاة الولاية الفائقة .

وإنّي بعد ما نصّفت السبعين ، وكنت في عشر الأربعين ، اطّلعت على هذه الرواية ، واستسعدت بتلك الزيارة ، فوجدتها عذراء لم يطمثها قبل ذلك الأوان إنس ولاجانّ ، بل لم يخطبها الفحول ولا الفتيان ، وكيف لهم من ذلك ، وإنّها لمن أهل بيت النبوّة ، ولم يكافئها أحدٌ من الاُمّة ، اللّهمّ إلاّ من آجر نفسه ثماني حِجَج من اثنتي عشر من الحجج(4)، وتقلّد بالتابعيّة المحضة، وفاز(5) بالمحبوبية الكاملة، حتّى يكون اللّه سبحانه سمعه وبصره وعقله ، فيسمع

ص: 8


1- المراد بالصاغورة السماء السابعة. [منه قدّس سرّه] وفي نسخة «ل» و«م» : «الصاقورة» بدل : «الصاغورة» . والصاقورة : السماء الدنيا كما في كتاب «العين» ، والسماء الثالثة كما في «القاموس» .
2- بحار الأنوار 26 : 265 و 275 / 378 (مع اختلاف يسير). الحديقة : البستان ، والباكورة من البكر. [منه قدّس سرّه]
3- يس (36) : 12 .
4- اقتباس من الآية 27 من سورة القصص : «عَلىْ أنْ تَأجُرَنِى ثَمانِىَ حِجَجٍ».
5- في نسخة «ل» : قارن المحبوبية بدل فاز بالمحبوبية .

بسمعه ، ويبصر ببصره ، ويعقل بعقله(1) إذ لا يحمل عطاياهم إلاّ مطاياهم ، ولا يعلم ما في الدار إلاّ محارم الأسرار .

وهذا المسكين وإن كان قليل البضاعة في هذه التجارة ، ولم يسعد لتلك الإجارة ، إلاّ أنَّ الكريم لا ينظر إلى البضاعة ونفاقها(2) ويبتدئ بالنعم قبل استحقاقها ، فَلَقد أتى عليّ حين من الدهر لم أكن متفحّصاً لآثارهم ، خادماً لأخبارهم ، راصداً لأسرارهم ، سائراً في أنوارهم ، حتّى أتاني في مبشرة نومية أمر من جنابهم بالنظر في خطابهم ، فقُمت بمأمورهم ، حتّى فتح اللَّه بصيرتي بسرورهم ، وشرح صدري بنورهم ، وزاد في يقيني باُمورهم ، ولعمر الحبيب إنّ أمرهم صعبٌ مُستصعبٌ ، لا يحتمله إلاّ نبيٌّ مُرسلٌ ، أو ملك مُقرّب ، أو مُؤمن مُمتَحَنٌ قلبه للإيمان عند الربّ(3) .

فمن تلك الفتوحات ما اُلهمتُ من شرح هذا الحديث العويص شرحاً لا يحيف عن الحقّ ولا يحيص(4) وليس ذلك إلاّ من اقتباس نورهم ، بل هو جذوة(5) من قبسات طورهم ، وما أقول إلاّ ما اُلقي في الروع ، ومن اللّه المعونة في البدء والرجوع ، وهو حسبي ونعم الوكيل ، وعلى اللّه قصد السبيل ولنُسمِّ تلك المقالة ب- «الفوائد الرضوية» ونُرتّبها على مقدّمة وثلاث فوائد وخاتمة ، مُستعيناً باللّه في الاُولى والآخرة .

ص: 9


1- اقتباس من الروايات التي وردت بهذا المضمون ، اُنظر الكافي 2 : 352 / 7 و 8 .
2- نفق ماله ودرهمه وطعامه نَفقاً ونفاقاً : نقص وقلّ . لسان العرب 14 : 242 نفق .
3- اُنظر بصائر الدرجات : 40 - 47 ، باب 11 و12 في معنى الصعب والمستصعب ؛ الكافي 1 : 401 ، «كتاب الحجّة» ، «باب فيما جاء أنّ حديثهم صعب مستصعب» .
4- حاص عن الحقّ يحيص : عدل عنه . المصباح المنير : 159 حاص .
5- الجذوة : هي القبسة من النار . لسان العرب 2 : 226 جذا .

ص: 10

المقدّمة

في ذكر الخبر

وتوضيح ألفاظه ممّا يفتقر إلى الشرح

ص: 11

ص: 12

ذكر حديث رأس الجالوت وتوضيحه

رَوى أصحابُنا - رِضوانُ اللّه عليهم - : أ نَّهُ سَأَلَ رَأْسُ الجالُوتِ ، الرضا - عليه التحيّة والثناء - بِأنْ قالَ : يا مَوْلايَ ، ما الكُفْرُ وَالإيمانُ ، وما الكُفْرانُ ، وما الجَنّةُ وَالنِيرانُ ، وَمَا الشَيْطانانِ اللَذانِ كلاهُما الْمَرْجُوّانِ ، وَقَدْ نَطَقَ كَلامُ الرَّحْمانِ بِما قُلتُ ، حَيْثُ قالَ في سُورةِ الرحمن : «خَلَقَ الإِنْسَانَ * عَلّمَهُ الْبَيانَ»(1) .

فَلَمّا سَمِعَ الرِضا عليه السلام كلامه لم يُحِرْ جواباً ، وَنَكتَ بِأصبَعِه الأرْضَ ، وأطْرَقَ مَليّاً ، فَلَمّا رَأى رأسَ الجالُوتِ سُكُوتَه عليه السلام حَمَلَه عَلى عِيّه(2) وشَجَّعَتْهُ نَفْسُهُ لِسُؤالٍ آخَر .

فَقالَ : يا رَئيسَ المُسْلِميِنَ ، ما الواحِدُ المُتَكثِّرُ ، والمُتَكثِّرُ المُتَوَحِّدُ ، والمُوجَدُ المُوجِدُ ، والجاري المنجَمِدُ ، والناقِصُ الزائدُ؟

فَلَمّا سَمِعَ الرِضا عليه السلام كَلامَهُ ، وَرَأى تَسويلَ نَفْسِه لَه ، قال : «أيشٍ تَقُولُ يا بْنَ أبيه ، ومِمّن تَقُولُ ، ولِمَنْ تَقُولُ؟! بَيْنا أنْتَ أنْتَ صِرنا نَحْنُ نَحْنُ ، فَهذا جَوابٌ مُوجَزٌ .

وأمّا الجَوابُ المُفَصَّل فَأقُولُ : اعلَمْ إنْ كُنْت الداري وَالْحَمْدُ للّه الباري : أنَّ الكُفْرَ كُفْرانِ ، كُفْرٌ بِاللّه وَكُفْرٌ بِالشَيْطان ، وَهما السِّيّانِ المَقْبُولانِ الْمَردُودانِ ، أحَدُهُما الجَنَّةَ

ص: 13


1- الرحمن (55) : 3 - 4 .
2- العيّ : العجز . لسان العرب 9 : 510 و511 عيا .

وَالآخر النِيرانُ ، وهُمَا اللّذانِ المُتَّفِقانِ الْمُخْتَلِفانِ ، وَهُمَا المَرْجُوّانِ ، وَنَصَّ بِه الرحمانُ حَيْثُ قالَ : «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ * بَينهُمَا بَرزَخٌ لاَ يَبْغِيان * فَبِأىّ آلاَءِ رَبّكُمَا تُكَذّبِانِ»(1) ويَعْلَمُ قَوْلَنا منْ كانَ مِنْ سِنْخِ الإنْسان ، وَبِمَا قُلْنا ظَهَرَ جَوابُ باقِي(2) سُؤالاتِك وَالْحَمْدُ للّه الرَحمان ، وَالصلاةُ عَلى رَسُولِه المَبْعوثِ إلى الإنْسِ وَالْجانّ ، وَلَعْنَةُ اللّه عَلَى الشَيْطانِ» .

فَلَمّا سَمِعَ رأسُ الْجالُوتِ كَلامَه عليه السلام بُهِتَ وَتَحَيّرَ وَشَهِقَ شَهْقَةً ، وَقال : أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاّ اللّه ُ ، وَأنَّ مُحمّداً رَسُولُ اللّه ِ ، وَأ نَّك وَليُّ اللّه ِ ، وَوَصِيُّ رَسُولِه ، وَمَعْدِنُ عِلْمِه حَقّاً حقّاً .

بيان ما لعلّه يحتاج إلى البيان

رأس الجالوت: هو أكبر عُلماء اليهود ، وقيل قاضيهم(3) .

ما الكفر والإيمان: الكفر لغةً هو الستر والإخفاء ، ومنه سُمّي الزارع والليل ومن لبس ثوباً فوق دِرعه كافراً(4) .

والكافر اصطلاحاً: هو الذي لم يعتقد بوجود البارئ تعالى ، أو بأحد صفاته الحسنى ، أو بواحدٍ من أنبيائه(5)، سمّي بذلك لأ نّه إذا لم يعتقد ذلك فكأ نّه أخفاه عن عالم الوجود بزعمه ، وستره عن مرتبة الشهود باعتقاده .

والإيمان لغة : هو التصديق(6) وفي الشرع هو الاعتقاد بوجود البارئ جلّ

ص: 14


1- الرحمن (55) : 19 - 21 .
2- في نسخة «م» : «ما في» بدل : «باقي» .
3- في نسخة «ل» : «فاضلهم» بدل : «قاضيهم» .
4- الصحاح 2 : 807 - 808 .
5- التبيان 1 : 60 ؛ مجمع البيان 1 : 128 ؛ التفسير الكبير 2 : 38 .
6- الصحاح 5 : 2071 .

مجده ، وبصفاته العليا كما يليق به تعالى ، ووجود ملائكته المُدبّرة ، وكتبه المُنزلة ، ورسله المُرسلة ، وبما جاؤوا به من عنده ، وعدم التفريق بينهم(1) وسيجيء تحقيق الكفر وحقيقة الإيمان إن شاء اللّه الرحمن(2) .

وما الكفران : هما الكفر باللّه والكفر بالشيطان ، كما سيأتي(3) هذا التفصيل في كلام إمام الإنس والجانّ عليه السلام .

وما الشيطانان : الشيطان إمّا من شاط إذا بطل ، أو من شَطَنَ إذا بَعُدَ(4) .

وبالجملة : الشيطان هنا هو ما سوى اللّه تعالى(5) أمّا على المعنى الأوّل : فلأنّ جميع ما سوى اللّه باطل هالك ، وأمّا على المعنى الثاني : فلأنّ ما عداه باعتبار كونه سواه بعيد عنه - جلّ وعلا - ومن ذلك سُمّي كلّ عاتٍ مُتمرّدٍ من الإنس والجنّ والدوابّ شيطاناً(6) .

«خَلَقَ الإنسان» : أي الإنسان الكامل الذي لا أكمل منه ، والبشر النوري الذي [3] هو أبو البشر بالحقيقة ، وإن كان من أبناء آدم أبي البشر بحسب الصورة ، والعقل الذي هو النور المُحمّدي - صلّى اللّه عليه وآله - وقد دلّ على ذلك :

[3] - قوله قدّس سرّه : «هو أبو البشر بالحقيقة . . .» إلى آخره .

اعلم وفّقك اللّه لمرضاته ، ونوّر قلبك بتجلّيات أسمائه وصفاته ، أنّ

ص: 15


1- اُنظر مجمع البيان 1: 120؛ التفسير الكبير 7: 139 - 140.
2- يأتي في الصفحة 35 و53 .
3- يأتي في الصفحة 34 .
4- الصحاح 5 : 2144 ؛ لسان العرب 7 : 120 و121 ؛ مجمع البحرين 6 : 272 ، شطن .
5- في نسخة «ر» إضافة : سواء على القول بالظهور والبطون .
6- راجع الصحاح 5 : 2144 ؛ لسان العرب 7 : 121 ، شطن .

···

للأسماء الحسنى الإلهية مُحيطية ومُحاطية ، ومشمولية وشاملية ، فمنها ما له السلطنة المُطلقة ، والمُحيطية التامّة على جميع الأسماء ، كاسم اللّه المُستجنّ فيه الأسماء استجنان الفروع في الاُصول ، والأشجار في النواة ، ومنها ماهو دون ذلك ، لكن له الإحاطة أيضاً على سائر الأسماء كالظاهر والباطن والأوّل والآخر .

لست أقول : إنّ بعض الأسماء الربوبية فاقد لبعض الكمالات - كما زعمه العادلون عن الطريق - كيف؟! وكلّها عين الذات الأحدية(1) - جلّ برهانه - بل مُرادنا بطون بعض التجلّيات والكمالات في بعضها وظهور البعض في بعضٍ آخر ، فالرحمن ظاهر فيه الرحمة ، باطن فيه السخط والغضب ، والمُنتقم ظاهر فيه الانتقام والسخط ، باطن فيه الرحمة والغُفران ، كما أنّ المُراد بصفات الجمال ماكان الجمال فيه ظاهراً والجلال في حدّ البطون ، والجلال بالعكس ، وإلاّ فجميع الأسماء والصفات مُستجنّ فيها جميع الكمالات الوجودية ، بل باعتبار استهلاك الكلّ في الذات الأحدية وفنائها في الجمال السرمدي وارتباطها بالوجود المُطلق ، لا افتراق بينهما .

وبالجملة : لبعض الأسماء الحيطة التامّة والسلطنة الحقّة على سائرها ، وبعضها لم تكن بتلك المثابة ، ولازم كلّ اسم في الحضرة الأعيان الثابتة يُناسب

ص: 16


1- كشف المراد : 296 ؛ الحكمة المتعالية 6 : 133 .

···

ربّه وملزومه «قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِه»(1) .

از كوزه همان برون تراود كه در اوست(2)

فاسم اللّه المُحيط الحاكم على سائر الأسماء أوّل ظهور الكثرة في عالم الأسماء وحضرة الواحديّة ، وبتوسّطه ظهرت الأسماء ، بل سائر الأسماء من مظاهره وتجلّياته ، وهو الظاهر في مراحل الظهور ، والباطن في مراتب البطون ، وصورته - التي هي العين الثابت للإنسان الكامل - هي أوّل صورة ظهرت في الحضرة العلمية ظهور ثبوت لا وجود ، وبتوسّطها سائر الصور ، بل صور سائر الأسماء من مظاهرها وتجلّياتها .

وبذاك القياس أوّل نور فلق صبح الوجود ، وشقّ بحر الكون والشهود هو الإنسان الكامل خليفة اللّه واسمه الأعظم ومشيّته ونوره الأقدم الأكرم ، وبتوسّطه سائر مراتب الوجود من الغيب والشهود ومنازل النزول والصعود ، بل سائر الوجودات ظهورات نوره ومظاهر حقيقته ، حسب ما قلنا في الأسماء والأعيان من كونهما ظهور ربّ الإنسان الكامل وعينه الثابت ، فالإنسان الكامل والكون الجامع هو الاسم الأعظم ظلّ اسم اللّه الأعظم ، وله الأوّلية والآخرية والظاهرية والباطنية ، وهو المشيّة التي خلقها اللّه بنفسها وخلق الأشياء بها كما

ص: 17


1- الإسراء (17) : 84 .
2- گر دايره كوزه ز گوهر سازند *** از كوزه همان برون تراود كه در اوست أمثال وحكم، دهخدا 1 : 142 نسبه إلى بابا أفضل الكاشاني .

···

في رواية «الكافي»(1) .

ولا أكمل في النوع الإنساني من نبيّنا صلّى اللّه عليه وآله كما هو شهود أئمّة الكشف والمعرفة(2) والمنقول عن معدن الحكمة والرسالة ، والمُستفاد من كلام اللّه المُعين لأصحاب القلوب والراسخين :

فمن كتاب اللّه قوله تعالى حكاية عن معراجه : )ثُمَّ دَنَا فَتَدَلّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنَى((3) فالتدلّي هو حقيقة الفقر المُشار إليه بقوله صلّى اللّه عليه وآله : «الفقر فخري»(4) وهو مقام البرزخيّة الكبرى والهيولويّة المُطلقة ، ومقام أو أدنى استهلاكه في الأحدية وزوال حكم الواحدية .

ومن كلمات أرباب الوحي والنبوّة ما في الزيارة الجامعة ، كقوله : «بكم فتح اللّه وبكم يختم»(5) ، وقوله : «أرواحكم في الأرواح وأنفسكم في النفوس»(6) ، وقوله : «أنتم السبب المُتّصل بين السماء والأرض»(7) إلى غير ذلك من الفقرات

ص: 18


1- الكافي 1 : 110 / 4 .
2- فصوص الحكم : 214 ؛ شرح فصوص الحكم، القيصري: 1029 ؛ جامع الأسرار ومنبع الأنوار : 10 .
3- النجم (53) : 8 و9 .
4- بحار الأنوار 69 : 49 / 58 ؛ عوالي اللآلي 1 : 39 / 38 .
5- الفقيه 2 : 374 / 2 ، الزيارة الجامعة .
6- الفقيه 2 : 374 / 2 ، الزيارة الجامعة .
7- بحار الأنوار 99 : 107 ، دعاء الندبة مع اختلاف يسير .

النقل الصحيح(1) والكشف الصريح ، بل العقل البرهاني المُؤيّد بالنور السبحاني .

وفي رواية : «الإنسان هو أمير المؤمنين عليه السلام ، علّمه بيان كلّ شيء ممّا يحتاج إليه الناس»(2) والمآل واحد ؛ لأنّ نورهما واحد ، بل هما واحد(3) .

«عَلَّمَهُ البَيانَ» : عدم الفصل بالعاطف لأ نّه بيانٌ للخلق ؛ [4] أي خلقه بمحض تعقّله نفسه - عزّ شأنه - بأن جعله مظهر معقولاته ، ومُستودع علمه ، ومعدن بياناته التي هي الجواهر العقلية ، والأنوار الإلهية التي صارت في تلك

والأخبار(4) المنقولة من طريقهم عليهم السلام في حدّ الاستفاضة بل التواتر ، فإذا علمت ما ذكرنا وآمنت بما تلونا يظهر لك سرّ كونه صلّى اللّه عليه وآله أبا البشر وآدم الحقيقي فتبصّر .

[4] - قوله قدّس سرّه : «أي خلقه بمحض تعقّله . . .» إلى آخره .

ولمّا كان الإنسان مظهر الذات باعتبار مقام الاُلوهية المُستجمعة لجميع الكمالات الظاهرة والباطنة ، وكلّ الكمالات مُستجنّة في ذات ربّه استجنان الفروع في الاُصول والكثرات في العقل الفعّال بنحو البساطة والجمعية ، الخالصة

ص: 19


1- الكافي 1 : 442 / 10 ؛ بحار الأنوار 25 : 22 / 38 ؛ مجمع البيان 9 : 299 ؛ علم اليقين 1 : 154 - 155 .
2- بصائر الدرجات : 525 / 5 ؛ تفسير القمّي 2 : 343 ؛ بحار الأنوار 57 : 283 ؛ البرهان في تفسير القرآن 9 : 307 / 2 و 309 / 5 .
3- اُنظر الكافي 1 : 440 / 3 ؛ بحار الأنوار 15 : 11 / 12 ؛ عوالي اللآلي 4 : 124 / 211 .
4- اُنظر الكافي 1: 192 - 198، «كتاب الحجّة»، باب 11 - 14.

المرتبة المظهرية أسماء إلهية جمالية وجلالية(1) وبالحقيقة جعله نفس ذلك العلم والبيان كما يراه أهل العرفان .

ويؤيّد ما قلنا في معنى البيان ما ورد في الخبر أنّ : «البيان هو الاسم الأعظم الذي علّم به كلّ شيء»(2) .

[5] ثمّ استشهاد السائل بالآية الكريمة يحتمل وجهين :

الاحتمال الأوّل : أنّه سبحانه خَلَقَ هذا الإنسان بأن علّمه بيان كلّ شيء ، بل هو - أي ذلك الإنسان - بيان كلّ شيء ، فيجب أن يجيب عن هذه الأسئلة مَن هو مِنْ

عن شوب الكثرة والتركيب ، المُقدّسة عن وصمة الكثرات والحيثيات والاعتبارات ، كان مربوبه - الذي ظهر عن هذا المقام الجمعي - مُستودعاً فيه الجمال والجلال ، والظهور والبطون ، والأوّلية والآخرية ، بل كلّ الأشياء بنحو الوحدة والبساطة والاندماج والإجمال ، فكان خلقه عين استيداع الكمالات الوجودية من السلسلة النزولية والصعودية فيه ، فإنّ . . .(3) .

[5] - قوله قدّس سرّه : «ثمّ استشهاد السائل . . .» إلى آخره .

ما ذكره هذا العارف الجليل - قدّس سرّه - من الوجهين كلام تمام وتحقيق تامّ في موضعه ، لكنّهما مُخالفان لظاهر كلام رأس الجالوت ، فإنّ ظاهر قوله :

ص: 20


1- في نسخة «ر» : هي عبارة عن أسمائه الجمالية والجلالية ومظاهرهما الكونية بدل : صارت في تلك . . . وجلالية .
2- مجمع البيان 9 : 299 ؛ البرهان في تفسير القرآن 9 : 307 / 1 ؛ تفسير نور الثقلين 5 : 188 / 8 .
3- كذا بياض في الاُصول كلّها .

···

«وقد نطق كلام الرحمن بما قلت» أنّ ما نطق به هو الحقائق المسؤول عنها ، لا أنّ سؤاله منه عليه السلام كان مذكوراً فيه كما لا يخفى عند التأمّل .

والذي يؤدّي إليه النظر القاصر ويخطر بالبال الفاتر أنّ استشهاده يستصحّ من وجهين :

الأوّل : أنّ الإنسان الكامل صورة مجموع العوالم بوحدته الجمعية وبساطته الذاتية ، كما أنّ العوالم الوجودية صورة تفصيلية من الإنسان الكامل ، فإذا كان الإنسان مظهراً لاسم الرحمن الذي هو لبسط حقيقة الوجود وسلسلتي النزول والصعود ، كما قيل : ظهر الوجود ببسم اللّه الرحمن الرحيم(1) ، فالرحمة الرحمانية لبسط حقيقة الوجود بشراشره ، والرحمة الرحيمية لبسط كمال الوجود، فإذا كان مربوب اسم الرحمن الجامع لجميع المراتب والواجد لتمام الحقائق الذاتية والعرضية هو الإنسان الكامل ، والإنسان صورة مجموع العوالم ، كانت الحقائق المسؤول عنها مُحقّقة في الإنسان بنحو البساطة والوحدة، وفي العوالم بنحو البسط والكثرة، فما حقيقة هذه الحقائق المُتحقّقة؟ فإنّ ما هو الحقيقة مُتأخّرة عن «هل» البسيطة ، فما لاوجود له لاحقيقة له ، فإذا كان لهذه الحقائق وجود فما حقيقتها؟

الثاني : من قوله : «عَلّمَهُ البيَانَ»(2) فإنّ المُراد بالتعليم - حسب ما عرفت

ص: 21


1- الفتوحات المكّية 1 : 102 .
2- الرحمن (55) : 4 .

سنخ ذلك الإنسان ، ويدّعي أ نّه وصيّه والخليفة من بعده ، والحافظ لعلومه وأسراره ؛ ولهذا لمّا أجاب الإمام عليه السلام بما أجاب قال : «ويعلم قولنا من كان مِنْ سنخ الإنسان» ، أي كما أنّ المُجيب يجب أن يكون من سنخ هذا الإنسان باعتبار النورية والبضعية ومن حيث التأحّد في المراتب النزولية والصعودية ، كذلك الذي يفهم هذا الجواب يجب أن يكون من سنخه ومن شيعته باعتبار التابعية .

والاحتمال الثاني : هو أنّ الذي طلبته من حقيقة «الكفر والإيمان» وتحقيق «الجنّة والنيران» ، و«الشيطانان» ، إنّما هو كلّه في الإنسان ، لا ينفلت منه شيء ، وهو مظهر تلك الأشياء ، وبه تتحقّق هذه الأسماء ؛ لأنّ اللّه خلقه بأن جعله الكتاب

سابقاً - هو الاستيداع في الخميرة والاستجنان في الطينة كما أنّ المُراد بالبيان - حسب ما قلنا في الحواشي السالفة - هو مُسمّيات الأسماء التي علّمها اللّه تعالى أبينا آدم عليه السلام(1) فالإنسان الكامل المُودع فيه حقائق الأسماء ومُقتضياتها من اللطف والقهر ، والرحمة والغضب ، والهداية والإضلال ، والظهور والبطون ، مُتحقّق فيه هذه الحقائق بطريق اللفّ والبساطة ، وحيث كان العالم صورة تفصيلية للإنسان الكامل ، ولابدّ من ظهور دول الأسماء الإلهية بطريق الوحدة والكثرة ، كانت هذه الحقائق المسؤول عنها من الموجودات والمُتحقّقات ، فما حقائقها؟

هذا ما سنح بالبال، والعلم عند الربّ المُتعال .

ص: 22


1- إشارة إلى قوله تعالى: «وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الملائِكَةِ...». البقرة (2) : 31 .

المبين ، وقد قال - جلّ من قائل - : )وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاّ فِى كِتابٍ مُبِينٍ((1)

فيجب أن يجيب على هذه الحقائق من يترقّى إلى هذه الرقائق(2) .

ويؤيّد ما احتملنا ما روي عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «إنّ الصورة الإنسانية أكبر حُجّة اللّه على خلقه ، وهي الكتاب الذي كتبه بيده ، وهي الهيكل الذي بناه بحكمته ، وهي مجموع صور العالمين ، وهي المُختصر من اللوح المحفوظ ، وهي الشاهد على كلّ غائب ، وهي الحُجّة على كلّ جاحد ، وهي الطريق المُستقيم إلى كلّ خير ، وهي الصراط الممدود بين الجنّة والنار»(3) . صدق وليّ اللّه .

لم يُحِر جواباً : أي لم يردّ جواباً ، يقال : كلّمته فما أحار جواباً أي ما ردّه(4).

نكت بإصبعه الأرض : أي ضرب به الأرض ، كما يفعله المُتفكّر في شيءٍ المُتردّد فيه(5) .

أطرق مليّاً - بتشديد الياء من غير همز - أي سكت طائفة من الزمان(6)، والمُراد هنا بعض الزمان ، وإن كان أكثر ما يستعمل في الزمان الطويل ويمكن أن يكون الطول باعتبار زمان التخاطب وبحسب ما يُتعارف الفصل بين السؤال والجواب ، فإذا تجاوز من ذلك الحدّ عُدّ طويلاً .

قال في «الكشّاف»(7) في قوله : «وَاهْجُرْنِى مَلِيّاً»(8) : أي زماناً طويلاً من

ص: 23


1- الأنعام 6: 59.
2- في نسخة (ل) : الدقائق بدل : الرقائق .
3- جامع الأسرار ومنبع الأنوار : 383 ؛ تفسير الصافي 1: 78؛ كلمات مكنونه : 125 .
4- اُنظر الصحاح 2 : 640 ، حور .
5- الصحاح 1 : 269 ؛ النهاية ، ابن الأثير 5 : 113 ، نكت .
6- الصحاح 4 : 1515 ، طرق ، و6 : 2497 ، ملا .
7- الكشاف 3 : 20 .
8- مريم (19) : 46 .

«الملاوة» مُثلّثة ، وهي الحين والمدّة من الزمان .

وقال المُطرزي في «المُغْرِب» : المليّ : الساعة الطويلة ، عن «الجوزي»(1) وعن «أبي علي» هو المُتّسع ، يقال : انتظرته مليّاً من الدهر أي مُتّسعاً منه ، قال : وهو صفة استعملت استعمال الأسماء ، وقيل في قوله تعالى : «وَاهجُرنِى مَلِيّاً» أي دهراً طويلاً . والتركيب دالّ على السعة والطول ، منه الملا للمُتّسع من الأرض(2) .

حمله على عيّه : العِيّ - بالكسر - خلاف البيان(3) .

ما الواحد المُتكثّر : تقديم الواحد على المُتكثّر وإيراد الثاني بصيغة التفعّل دون الأوّل ، يدلّ على أنّ وحدة هذا الموجود بالذات والكثرة بالاعتبار والجهات .

وما المُتكثّر المُتوحّد : عكس الترتيب هنا للدلالة على العكس ، وإيراد الصيغتين على التفعّل للدلالة على أنّ كلاً من الصيغتين باعتبار أمر آخر(4) إمّا أعلى منه أو أسفل ، أو للإشارة إلى أنّ أصله الوحدة ، إلاّ أ نّه يتكثّر بالعرض ثمّ يتوحّد ويرجع إلى أصله ، كما ستطّلع عليه إن شاء اللّه (5) .

الموجَد الموجِد : الأوّل بصيغة المفعول والثاني على الفاعل لرعاية السجع ، ولأنَّ المُمكن ما لم يوجَد لم يوجِد(6) .

الجاري المُنجمد : أي المتحرّك الثابت الذات كما في المُتقضّيات(7) أو المُتحرّك

ص: 24


1- في المصدر: «الغوري» بدل: «الجوزي».
2- المغرب في ترتيب المعرب : 276 .
3- الصحاح 6 : 2442 ، عيي .
4- في نسخة «ر» إضافة : خارج عن الذات .
5- يأتي في الصفحة 76 - 77 .
6- اُنظر شرح المواقف 8 : 11 ؛ الحكمة المتعالية 2 : 131 ، و6 : 38 .
7- في نسخة «م» : «المقتضيات» بدل : «المتقضّيات» .

في الواقع بحسب الدرجات الثابت في الحسّ والخيالات كما في الراكدات ، قال اللّه جلّ مجده : «وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِىَ َتمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ»(1) .

الناقص الزائد : أي الذي يقبل الزيادة والنقيصة .

لمّا رأى تسويل نفسه : أي تزيين نفسه له(2) بحمله هذا السكوت على العيّ والعجز منه عليه السلام ، حتّى اجترأ على سؤال آخر قبل أن يستسعد بجواب الأوّل .

أيشٍ تقول : هو مُخفّف أيّ شيء تقول ، ويحتمل سكون الشين وتنوينها بالكسر .

يا بن أبيه : تعريض بحقارته ؛ لأنّ المرء إذا لم يستقلّ بنفسه ولم يُعرف من حيث شأنه يُنسب إلى أبيه ، ويمكن أن يكون تعريضاً بجهالته ، وأكثر ما يُستعمل في مجهول النسب .

ممّن تقول : كلمة «من» الجارّة للابتداء ؛ أي هذا القول ليس منك ولا من شأنك ، وإنّما هو؛ من غيرك ؛ بأن يكون قد اُخذ من كتب الأنبياء أو وجد في كلام الأوصياء والحكماء ، أو ممّا قاله عن اللّه ، كما نبّه عليه السلام في أوّل جوابه على التوحيد التامّ ، واستهلاك الخاصّ والعامّ ، فليس القائل والمُتكلّم بالحقيقة إلاّ ذوالجلال والإكرام ، فيكون على طريقة قوله تعالى : )وَمَا رَمَيْتَ إِذ رَمَيْتَ((3) فتحدّس .

ولمن تقول : أي لا يليق بك أن تسأل على سبيل الإفحام عن هذه الأسئلة مثلي الذي هو الغرض من إيجاد تلك الحقائق المسؤول عنها ، بل بنوره استنارت تلك

ص: 25


1- النمل (27) : 88 .
2- اُنظر الصحاح 5 : 1733 ، سول .
3- الأنفال 8 : 17 .

الأشياء(1) [6] بل بصنعه تصوّرت هذه الرقائق بصورها ، كما يُنادي بذلك قولهم عليهم السلام : «نحن صنائع اللّه والخلق صنائع لنا»(2) .

[6] - قوله قدّس سرّه : «بل بصنعه تصوّرت ...» إلى آخره .

فإنّ لهم عليهم السلام مقام إطلاق المشيّة ولسائر الخلق مقام تعيّناتها ، والمُقيّدات تنزّلات المشيّة المُطلقة ومظاهرها ، كما ورد من طريقهم عليهم السلام : «خلق اللّه من نورنا العرش والكرسي والجنّة والنار والشمس والقمر»(3) وورد : «بكم فتح اللّه وبكم يختم»(4) فمقام الولاية المُطلقة داخل فيه كلُّ من شرب من كأس الوجود من عوالم الغيب والشهود شقيّاً وسعيداً ، كما ورد عن النبي صلّى اللّه عليه وآله : «آدم ومن دونه تحت لوائي»(5) ومن دخل فيه سلوكاً أيضاً فهو من أهل السعادة ؛ فإنّها الحصن الحصين الآمن من العذاب ، وإن كان سلوك كلّ سالك - شقيّاً وسعيداً حقّاً وباطلاً - إلى الولاية المُطلقة ، ومن باب الولاية إلى اللّه تعالى : إمّا إلى الرحمن الرحيم إن كان من المؤمنين

ص: 26


1- اُنظر بحار الأنوار 99 : 132 ؛ علم اليقين 1 : 381 ؛ جامع الأسرار ومنبع الأنوار : 9 ؛ مفاتيح الغيب : 14 .
2- نهج البلاغة : 386 ، كتاب 28 من كتاب له عليه السلام إلى معاوية .
3- البرهان في تفسير القرآن 9 : 196 / 14 ؛ إرشاد القلوب 2 : 294 ؛ بحار الأنوار 40 : 43 / 81 ؛ الأنوار النعمانية 1 : 20 ، مع اختلاف .
4- الفقيه 2 : 374 ، الزيارة الجامعة الكبيرة .
5- مناقب آل أبي طالب عليهم السلام 1 : 267 ؛ عوالي اللآلي 4 : 121 / 198 ؛ بحار الأنوار 39 : 213 / 5 .

···

وأصحاب السعادة ، أو إلى «المُضلّ» و«المُنتقم» إن كان من الظالمين وأهل الشقاوة ، والكلّ إلى اسم «اللّه» الجامع «كَمَا بَدَأكُمْ تعُودُونَ»(1) و«إِنّا للّه ِ وَإِنّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ»(2) .

فمقام ولاية اللّه المُطلقة مظهر اسم «اللّه» الأعظم مفتح سلسلة الوجود ومختمها وأوّلها وآخرها ، فهي كنقطة سيّالة في مراحل الوجود منها البدو وإليها الرجوع ، وقوله عليه السلام : «نحن صنائع اللّه والخلق صنائع لنا»(3) وإن كان يفيد الغاية - لمكان اللام - إلاّ أنّ الغاية والفاعل مُتّحدان ، خصوصاً في الفواعل المُقدّسة عن كدورة المادّة ولواحقها ، كما هو المُبيّن في محلّه والمُتحقّق عند أصحاب الحكمة المُتعالية(4)؛ فإذا كان لهم عليهم السلام مقام المشيّة المطلقة وسائر الناس تعيّناتها كانت لهم القيمومية على الناس .

وبالجملة : لكلّ موجود وجهة نورانية من عالم القدس والطهارة ، ووجهة ظُلمانية من عالم الظلمة والكدورة ، فقوله عليه السلام : «ممّن تقول» معناه أنّ جهة نفسيّتك المظلمة الكدرة هالكة باطلة ؛ فإنّ كلّ شيء باطل إلاّ وجهه ، فلم يكن قابلاً للسؤال والجواب ، ووجهتك الإلهية وظلّك النوراني منّا ولنا وعنّا .

ص: 27


1- الأعراف (7): 29.
2- البقرة (2) : 156 .
3- نهج البلاغة : 386 ، كتاب 28 من كتاب له عليه السلام إلى معاوية .
4- الحكمة المتعالية 2 : 270 .

···

وهاهنا احتمال آخر : وهو أنّ قوله عليه السلام : «أيش تقول» إشارة إلى أنّ هذه الحقائق بلا دخولها في حصن ولايتنا لم تكن شيئاً مذكوراً ، وما لا وجود له لا حقيقة له ، فالسؤال عن حقائقها سؤال عن حقيقة ما لا وجود له ، وهو بلا مورد ، ومع الدخول فيه أيضاً سؤالك بلا وجه ؛ فإنّه سؤال عن الحقائق الحاضرة لدينا والمتدلّية بنا والموجودة عندنا على سبيل الإفحام .

وقوله عليه السلام : «ممّن تقول» إشارة إلى أنّ الانتساب الذي كنت أنت قارئه مع أنانيّتك ونفسيّ-تك وعدم تشبُّثك بذيل الولاية إلى اللّه لم يكن في مورده ، فإنّه ليس كلّ ما جرى على اللسان وكانت صورته على صورة القرآن قرآناً ، كما قال - جلّ برهانه - : «وَإنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّه ِ وَمَا هُوَ مِن عِنْدِ اللّه»(1)، كما أ نّه ليس كلّ من كتب الكتاب بأيديه كان كتاب اللّه ، كما قال تعالى : «فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأيدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللّه ِ»(2) فإنّ الصورة والمعنى والظاهر والباطن والقشر واللبّ قرينان لن يفترقا ، كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله : «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض»(3) فالولاية باطن الكتاب وروحه، والكتاب

ص: 28


1- آل عمران (3): 78.
2- البقرة 2 : 79 .
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 62 / 259 ؛ راجع عبقات الأنوار: 18 ، حديث الثقلين .

···

ظهورها ، والظهور لم يكن ظاهراً إلاّ أن يكون له البطون .

وقوله عليه السلام : «ولمن تقول» إشارة إلى عدم عرفانه مقام الإمام عليه السلام ، ولا يرى بعينه المرمدة وقلبه المنكوس إلى عالم الطبع، إلاّ النشأة الظاهرة من الإمام عليه السلام، كما رأى الشيطان بحقيقته الظلمانية ظاهر آدم عليه السلام، فقال : «أنَا خَيرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِى مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ»(1) وقاس نفسه بظاهر آدم عليه السلام ولم يَرَ روحانيته ، فصار قياسه مُغالطياً ، كما ورد في أخبارنا المرويّة عن الأئمّة عليهم السلام(2) .

وهاهنا احتمال آخر : وهو أ نّك مع بقائك على حالك ، وعدم تسليم قلبك لإمام زمانك ، حتّى تصير قابلاً لإفاضة الحقائق وتجلّي الأنوار ، لا يمكنك أن تعرف هذه الحقائق ؛ فإنّ السالك لابدّ وأن يسلّم بيت قلبه إلى صاحب البيت بتوسّط وليّ الوقت حتّى يتجلّى عليه بالأسماء المُناسبة ويعرف الحقائق من أسبابها وبطريق اللمّ .

فقوله عليه السلام : «ممّن تقول» أي من أيّة نفسٍ غير مُسلّمة للمولى وغير قابلة للعلم بالحقائق تقول ، ولأيّ شخصٍ غير معروفٍ عندك وغير خازنٍ لبيت قلبك تقول ، ومن أيّ شيءٍ تسأل مع عدم قابليتك لفهم الحقائق وعرفانها ، فتبصّر .

ص: 29


1- ص (38) : 76 .
2- الكافي 1 : 58 / 20 .

ويخطر بالبال لهذه الأقوال الثلاثة معنىً آخر قويّ عندي ، وهو أن يكون مراد الإمام عليه السلام من قوله : «أيّ شيء تقول؟ وممّن تقول؟ ولمن تقول؟» أنّ السؤال والمسؤول والمسؤول عنه إنّما هي نشآت نوره ومعارج كمالاته . فبالحقيقة لا تغاير بينها ، أو أنَّ هذه الحقائق هي اعتبارات نور الأنوار بحسب المقامات ، ومرايا نور وجهه الكريم على سعة وضيق الدرجات ، وإلاّ فأين الشيء وأين المسؤول والمسؤول عنه في نظر أرباب المشاهدات؟! كما قيل في النظم الفارسي :

........................................ *** هم خود اَلَست گويد وهم خود بَلى كند(1)

بينا : اعلم أنّ «بينا» هي كلمة «بين» المشبعة(2) جيء بها للمفاجاة ، وكثيراً ما يكون بعدها الجملة الاسمية ، لكن يجب أن يكون جوابها ممّا يتّفق وجوده في زمان تحقّق مدخولها ، [7] بل يتسبّب عن الذي بعدها ، سواء كان من الأسباب الذاتية أو العرضية أو الاتّفاقية ، فقولك : «بينا زيد يضرب عمراً إذ مات عمرو» معناه أنّ الضرب صار سبباً لموت عمرو ؛ إذ لو لم يضربه لم يمت .

[7] - قوله قدّس سرّه : «بل يتسبّب ...» إلى آخره .

مجيؤها للمفاجأة حقّ ، ولكن تسبّب مدخولها عن الذي بعدها غير معلوم بحسب موارد الاستعمال ، وقد وجّهنا الرواية بما لا يحتاج إلى هذا التكلّف ، فراجع وتبصّر(3) .

ص: 30


1- صدره : تو در ميان هيچ نه هر چه هست اوست . مواهب عليّة (تفسير حسينى) : 365 .
2- لسان العرب 1 : 561 ، بين .
3- راجع ما يأتي في الصفحة 33 .

وبالجملة : من المُستبين عند المَهَرة من أهل اللسان أنّ لجملة «بينا» دخلاً في الجملة الجوابية أىّ دخل كان ، وهذا الذي قلنا يعرفه من له مشرب تامّ في العلوم الأدبية ، ومن ذلك فليتحدّس المتفرّس سببية قوله : «كنت أنت أنت» ، لقوله : «صرنا نحن نحن» وسيجيء زيادة كشف لذلك صريحاً إن شاء اللّه تعالى(1) .

أنت أنت : الخطاب إمّا أن يتوجّه إلى اللّه صريحاً بأن يكون الإمام عليه السلام أعرض عن السائل من حيث إنّه أساء الأدب بالنسبة إليه عليه السلام ، ثمّ توجّه إلى اللّه وخاطبه بما هو جواب للسائل بأدقّ طريق وأكمل تحقيق ، وإمّا أن يتوجّه إلى السائل لا من حيث نفسه ، بل من حيث إنّه مُستهلك بذاته عند نظر الإمام عليه السلام ، والقيّوم قائم مقامه ؛ لأ نّه سبحانه القائم على كلّ نفس بما كسبت ، وإذا كان هو القائم على النفوس فالكلّ قاعد عن ادّعاء الوجود ، راجلٌ عن البروز إلى عرصة الشهود ، عاجز عن الانتساب إلى مرتبة من مراتب التحقّق ، واقفٌ على عدمه الأصلي في ميدان التسابق ، وأصدق بيت قالته العرب :

ألا كلّ شيء ما خلا اللّه باطلُ(2) *** ...........................................

وهذه الحيثيّة هي التي نفى بها الإمام عن السائل هذا القول ، ونسبه إلى اللّه ِ - عزّ شأنه - كما ذكرنا في أحد احتمالي قوله : «ممّن تقول»، والمآل في توجيهي الخطاب إلى أمر واحد، والتغاير بمحض الاعتبار ، فافهم راشداً .

صرنا نحن نحن : أي صيرورتنا نحن مُتسبّبة عن كونك أنت أنت ؛ بمعنى أنّك كنت أوّلاً أنت مرّة واحدة؛ إذ لا نعت في الحضرة الأحدية ولا اسم ولا رسم هناك ، فلمّا رأيت نفسك وعقَلْت ذاتك كنت أنت أنت مرّتين ، فتحقّقت الغيرية التي هي أصل العدد وإن كانت بالاعتبار فصرنا نحن نحن ، وعبّر عن

ص: 31


1- يأتي في الصفحة 131 .
2- ديوان لبيد: 111؛ واُنظر بحار الأنوار 67: 295؛ صحيح مسلم 4: 442، احاديث 3 - 6.

تلك المرتبة الذاتية بقوله : «بينا [8] أنت أنت» .

[8] - قوله : «أنت أنت . . .» إلى آخره .

قد علمت راشداً فيما سبق(1) ، وأتاك من التحقيق بما استحقّ أنّ للإنسان الكامل والوليّ المُطلق مقام المشيّة المُطلقة التي بها ظهرت الموجودات وتحقّقت الحقائق وتذوّتت الذوات ، فهو بمنزلة الأصل وسائر الخلق فروعه ، وله الحيطة على مراتب الوجود ومنازل الغيب والشهود ، فله أن يقول : «نحن» ويريد كافّة الموجودات من بادئ بداية الثابتات الأزلية وخاتم ختام الزائلات الداثرة البالية ؛ فإنّها القشر وهو لبّها ، والصورة وهو معناها ، والظاهر وهو باطنها ، بل هو الصورة والمعنى والقشر واللبّ والظاهر والباطن ، فروح الوليّ روح الكلّ ونفسه نفس الكلّ وجسمه جسم الكلّ كما ورد : «أرواحكم في الأرواح ونفوسكم في النفوس وأجسامكم في الأجسام»(2) .

وبعبارة اُخرى : من سلك سبيل الحقّ ، وخرج عن الأنانيّة بقولٍ مُطلق ، وفنى ذاتاً وصفةً وفعلاً وشأناً في الربّ المُتعال ، وسلّم مملكة وجوده إلى القيّوم ذي الجلال ، وأتى اللّه بقلبٍ سليمٍ ، ووصل إلى مقام العبودية بالطريق المُستقيم ، وتحقّق بحقيقة «لا موجود سوى اللّه ، ولا هو إلاّ هو» ربّما شملته الرحمة الواسعة الإلهية والفيوضات الكاملة الربوبية ، بإرجاعه إلى مملكته وإبقائه بعد فنائه ، فيرجع حين يرجع رابحاً في تجارته غير خاسرٍ في مُعاملته ، فإنّه تعالى

ص: 32


1- تقدّم في الصفحة 26 .
2- اُنظر الفقيه 2 : 374 ، الزيارة الجامعة الكبيرة .

···

أكرم المُتعاملين وأجود المُتبايعين ، فأعطاه تعالى في مُقابل تسليم روحه الجزئية روح الكلّ ، وفي مُقابل نفسه الجزئية نفس الكلّ وفي مُقابل جسمه الجزئي جسم الكلّ ، فيصير عالم الوجود مملكة وجوده ومقرّ سلطنته ومسند أمارته .

فإذا علمت ما تلونا عليك فاعلم أنّ قوله : «بينا أنت أنت صرنا نحن نحن» على وزان قوله : «أيش تقول ...» إلى آخره، وأ نّه عليه السلام أراد أن يُفهم السائل بطريقٍ آخر أنّ سؤاله في غير محلّه ، وأنّ مراتب الوجود مشهوداته ، بل مُتدلّيات بذاته وهي قيّوم على كلّ نفس ، وسلسلة الكائنات من الغائبات والشاهدات من أجزاء مملكته وتوابع سلطانه ، فقال : «بينا أنت أنت» أي في حجاب التعيّن وسجن التقيّد «صرنا نحن نحن» أي خرجنا عن قيد التعيّن ووصلنا إلى المقام الإطلاقي ، وهو مقام القيام على كلّ نفس والإحاطة لكلّ شيءٍ ، فقوله : «أنت» إشارة إلى تعيّن السائل وضيق وجوده ، و«نحن» إشارة إلى إحاطته عليه السلام وسعة وجوده ، وقوله : «صرنا» إشارة إلى أنّ هذا المقام تحصيلي يحصل للسالكين بقوّة السلوك والفناء التامّ والتسليم التمام .

وأمّا وجه كونه هذا جواباً مُوجزاً فلما سيأتي - إن شاء اللّه تعالى - أنّ الواحد المُتكثّر هو المشيّة المُطلقة والفيض المُقدّس عند نظري القاصر ، فعلى هذا يصير قوله عليه السلام - مع كونه ردعاً عن السؤال - جواباً مُوجزاً إجمالياً عن حقيقة الواحد المُتكثّر ، بل جواباً عن سائر الحقائق التي هي مراتب تنزّلات المشيّة ، فإنّها ظهرت بها وتذوّتت بذاتها وتحقّقت بحقيقتها ، والعلم بالظاهر علم بالمظاهر بوجه بسيط .

ص: 33

فهذا جواب موجز : أي هذا الذي قلت إنّما هو جواب مُجمل عن بعض سؤالاتك وهو السؤال الثاني عن الحقائق الخمسة المصدّرة بقوله : ما الواحد المتكثّر إلى آخر الخبر .

وأمّا الجواب المُفصّل : أي الجواب عن سؤالك الأوّل بأدنى تفصيل هو ما أقول :

أنّ الكفر كفران : [9] وجه التقديم والتأخير في السؤال والجواب أنَّ للسائل من حيث هو سائل مقام الخضوع للتعلّم ، فاللائق به التدرّج من المقام الأدنى إلى الأعلى ؛ ولأنّ الشائع في السؤال الابتداء بالأسهل إلى أن ينتهي إلى الأعضل ، وللمُجيب من حيث إنّه مجيب مقام الاستعلاء للتعليم ، فكأ نّه يجيء من العلوّ فيخبر عن مقام العقل والعالم العلويّ إلى المرتبة النفسية والعالم السفلى ، فلهذا أجاب الإمام عليه السلام أوّلاً عن الحقائق البدوية ، ثمّ أجاب عن الكفر والإيمان اللذين هما من الأعراض والصفات النفسانية ، وأيضاً الأنسب في التعاليم تقديم المُوجز على المُفصّل كما لا يخفى .

وممّا ذكرنا : ظهر أنّ جوابه يصلح لأن يكون جواباً عن كلا السؤالين ؛ فإنّ كلّ مسؤولاته من أشعّة وجه اللّه وظلال نوره ، وهو حقيقة كلّ ذي حقيقة ، فافهم واغتنم .

[9] - قوله قدّس سرّه : «وجه التقديم والتأخير . . .» إلى آخره .

وأيضاً أنّ الجواب عن طريق العلّة جواب عن المعلول ، فإنّ المعلول مُندرج في العلّة اندراج العقول التفصيلية في العقل البسيط .

وبعبارةٍ اُخرى : أنّ العلّة صورة تمامية المعلول ، وشيئية الشيء بصورته التامّة ، فالجواب عن الواحد المُتكثّر - الذي هو مقام العقل على تحقيق هذا

ص: 34

كفر باللّه : اعلم أنّ هذا الكفر وقسيمه هو للخواصّ ، وليس من كفر العوامّ بل المتوسّطين في شيء ، فللكفر دركات لا تحصى كما أنّ للإيمان درجات لا تتناهى ، وقد عبّر عن تلك المراتب بالأجزاء في الأخبار(1) فافهم .

ثمّ - بعد ما تعرّفت من معنى الكفر اللغوي - اعلم أنّ الكفر باللّه هو اعتقاد أنّ اللّه - عزّ برهانه - غيب ما ظهر قطّ ، وهذا هو القدر المُشترك بين طبقات الكفر ؛ لأ نّه يشتمل على كونه - سبحانه - منفيّاً مُطلقاً أو غيره :

فمنها : القول بالنفي والتعطيل .

ومنها : القول بالوجود ، وأ نّه الظاهر بمعنى كون مصنوعاته ظاهرة تدلّ عليه

العارف الكامل ، ومقام المشيّة المُطلقة على رأي هذا الفقير العاطل - جواب عن سائر الحقائق المسؤول عنها :

أمّا على طريقنا فظاهر ؛ فإنّ المشيّة المُطلقة مقام فاعلية الحقّ المُتعال ، وإلهية القيّوم ذي الجلال ، وقد ورد من طريق أهل بيت الوحي والتنزيل عليهم صلوات الربّ الجليل : «خلق اللّه الأشياء بالمشيّة والمشيّة بنفسها»(2) .

وأمّا على طريقته - قدّس اللّه نفسه - فلأنّ العقل أوّل صادر من ربّ العزّة وأوّل ظهور من مظاهر المشيّة ، على ما ساق إليه البراهين العالية ، وحقّق كمال التحقيق في الحكمة المُتعالية(3)

وسائر مراتب الوجود من أنوار عالم الغيب والشهود صدورها بتوسّطه ، بل العقل صورة جميع العوالم وفعليتها ، فالعلم بها علم بجميع العوالم ، فافهم وكن من الراشدين .

ص: 35


1- الكافي 2 : 44 / 1 .
2- الكافي 1 : 110 / 4 .
3- الحكمة المتعالية 7 : 258 و262 .

فهو الظاهر بواسطة الدلالات والعلامات ، وهذا من قبيل قول بعضهم : إنّ الكلّي موجود بمعنى كون أفراده موجودات(1) .

والقائل به وإن كان في زمرة المُسلمين لكنّه كفر خفيّ عند العارفين ، وهو كفر أهل العلم من المُتكلّمين والمُتفلسفين وبعض المُتصوّفة وأكثر النصارى ؛ حيث زعم الأوّلان أنّ اللّه غيب ويدلّ عليه بالآيات(2) ، والآخر أ نّه - سبحانه - يحلّ في هياكل الكمّل كالمسيح وغيره من الأبرار(3) وزعم بعض الفرقة الثالثة(4) أ نّه سبحانه تطوّر بلباس(5) الأكوان [10] واختفى بها(6) وأنّ المُمكنات عوارض الموجود الحقيقي الذي هو اللّه تعالى بزعمهم .

[10] - قوله : «واختفى ...».

ليس مُرادهم من اختفائه تعالى في ملابس الأكوان هو ما فهمه هذا العارف الجليل كما يظهر عند من تدبّر في كلماتهم كمال التدبّر ، بل مُرادهم احتجابه تعالى برهانه عن إدراك الخلائق وأوهامهم ، كما ورد : «أنّ للّه تعالى سبعين ألف حجاب من نُور وسبعين ألف حجاب من ظُلمة»(7). والوجود وإن كان به ظهور كلّ شيءٍ وكان مشهوداً لكلّ أحدٍ ، إلاّ أ نّه مع ذلك غير مدرك لأحدٍ ، وشهود

ص: 36


1- شرح المطالع : 59 ؛ شرح المقاصد 1 : 407 ؛ الحاشية على تهذيب المنطق : 49 .
2- راجع شرح المواقف 8 : 2 ؛ شرح المقاصد 4 : 21 ؛ جامع الأسرار ومنبع الأنوار : 218 .
3- راجع كشف المراد : 293 ؛ شرح المقاصد 4 : 57 .
4- جامع الأسرار ومنبع الأنوار : 218 .
5- في نسخة «ل» : ظهر بطور بدل : تطوّر بلباس .
6- «بها» ساقطة في «ل» .
7- بحار الأنوار 55 : 44 / 10 - 12 .

وقد ردّ عليهم سيّد الشهداء عليه وعلى آبائه وأولاده شرائف الصلاة والثناء ؛ حيث قال في دعاء عرفة : «كيف يُستدلّ عليك بما هو في وجوده مُفتقر إليك ، أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك ، حتّى يكون هو المُظهر لك ، متى غبت حتّى تحتاج إلى دليل يدلّ عليك ، ومتى بعدت حتّى تكون الآثار هي التي توصل إليك ، عميت عين لا تراك ولا تزال عليه رقيباً»(1) .

وأمّا البرهان على ذلك من طريق الإيجاز : فهو أنّ اختفاء شيء بشيء يستلزم(2) ثبوت الثاني عند الأوّل لا محالة ، ومن البيّن عند أهل السابقة الحسنى أنّ ذلك شرك مع كفر ؛ إذ الكلّ هالك عند وجهه الكريم ، فسبحانه وتعالى عمّا يقول كلّ مُعتدٍ أثيم .

[11] وكفر بالشيطان: قد عرفت أنّ الشيطان هنا عبارة عمّا سوى اللّه، فاعلم أنّ الكفر بالشيطان هو اعتقاد أنَّ العالم غيب ما ظهر قطّ وإنّما الظاهر هو اللّه فحسب ،

الوجود المُطلق أيضاً لا يمكن إلاّ بكسر أصنام التعيّنات وخرق الحُجب المُظلمات .

[11] - قوله : «وكفر بالشيطان ...»

اعلم هداك اللّه إلى الطريق المُستقيم المُستبين ، وجعلك من المُؤمنين المُوقنين ، أنَّ الكفر بكلّ شيء هو إخفاء ما يستحقّ ذلك الشيء ذاتاً أو صفةً أو فعلاً ، فالاعتقاد بأنّ العالم ظاهر في مُقابل ظهور ربّ الأرباب كفر بالشيطان مع كونه شركاً بالرحمن .

ص: 37


1- إقبال الأعمال : 660 .
2- في نسخة «م» : لايستلزم .

···

بيان ذلك : أنَّ لمراتب الموجودات من مطالع عوالم الأنوار المشرقة إلى غواسق صياصي الأقطار المُظلمة - ظلاًّ نورانياً ووجهاً حقّانياً إلى عالم القُدس والطهارة ، وظلاًّ ظلمانياً ووجهاً شيطانياً إلى معدن الخِسّة والكُدورة :

أمّا الوجه النوراني فهو الذي اُفيض من حضرة الجمع بالفيض المُقدّس الإطلاقي والظلّ المُمتدّ الرحماني ، قال تعالى : «مَا مِن دَابَّةٍ إلاّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِها»(1) . وقال : «ألَم تَرَ إلَى رَبِّكَ كَيفَ مَدَّ الظِلَّ»(2) . قال عزّ من قائل : «وَاللّه ُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فأحْيَا بِهِ الْأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا»(3) . فالماء النازل من سماء الإلهية إلى أرض الخلقية لإحياء الأموات ، والظلّ الممدود إلى هياكل المُمكنات ، والهوية الآخذة بناصية الهالكات ، هو وجه اللّه الباقي المُشار إليه بقوله عزّ شأنه : «كُلُّ شَىْ ءٍ هَالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ»(4) و«كُلُّ مَنْ عَلَيها فانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ ربِّك ذُو الْجَلالِ وَالاْءكْرَامِ»(5) .

وأمّا الوجه الظلماني والظلّ الشيطاني المُشار إليه بقوله تعالى : «إِنْ هِىَ إِلاّ أَسْماءٌ سَمَّيتُمُوها أَنتُمْ وَآباؤكُمْ مَا أَنزَلَ اللّه ُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ»(6) فهو جهة النفسية

ص: 38


1- هود (11) : 56 .
2- الفرقان (25) : 45 .
3- النحل (16) : 65 .
4- القصص (28) : 88 .
5- الرحمن (55) : 26 - 27 .
6- النجم (53) : 23 .

وهذا كفر مُحقّقي الصوفيّة(1) ؛ حيث زعموا أ نّه - سبحانه - ظهر بصورة كلّ شيء ، فهذا الزاعم أخفى الشيء الذي هو السوي - أي العالم - وهو الكفر بالشيطان .

والتعيّنات الذاتية وشيئية الماهية . وبالجملة : جهة الغيرية والسوائية ووجهة الناقصة الداثرة الهالكة ، وبالأخرة جهة الدنيا الدنيّة المنكوسة .

ومعلوم أنّ العالم الذي هو ما سوى اللّه - وعبّر عنه هذا العارف الجليل والشيخ الكامل النبيل قدّس سرّه بالشيطان - هو جهة السوائية والغيرية المُظلمة ، وإلاّ فالجهة النورية هي وجه اللّه الباقي الفاني في الحقّ المُتعال ، فهو ليس من العالم في شيءٍ ، بل مقام اُلوهية الربّ الحكيم وقيّومية الحقّ العليم .

فإذا قد دريت ذلك حقّ الدراية ، وفكّرت فيه إلى النهاية ، فاعلم أنّ العالم غيب ما ظهر قطّ ، والحقّ ظاهر ما غاب قطّ، وهذا هو مُراد صاحب «الفتوحات» كما نبّه عليه أخيراً(2) ، فعلى هذا الكفر باللّه هو اعتقاد أ نّه تعالى شأنه غيب فحسب أو ظاهر فحسب ، وأمّا الكفر بالشيطان هو اعتقاد أنّه ظاهر في مُقابل ظهور ربّ الأرباب ، فإنّ الظهور هو الوجه النوراني ، وقد عرفت أنّه من قبل الرحمن وليس من العالم في شيء ، ولا يكون عن هذا الشرك خالصاً إلاّ من يرى استهلاك جميع الموجودات ذاتاً وصفة وشأناً في الحقّ القيّوم ، بل التوحيد التامّ هو التحقّق بهذا المقام .

ص: 39


1- تقدّم في الصفحة 36.
2- يأتي في الصفحة 40 .

ولا تتوحّش من ذلك ؛ فإنّه أعلى درجات بالنظر إلى قوم ، ولكن «حسنات الأبرار سيّئات المُقرّبين»(1) .

قال صاحب «الفتوحات» : إنّ العالم غيب لم يظهر قطّ ، والحقّ هو الظاهر ما غاب قطّ ، والناس في هذه المسألة على عكس الصواب ، فإنّهم يقولون : إنّ الحقّ تعالى غيب والعالم هو الظاهر ، فهم بهذا الاعتبار في مُقتضى هذا الشرك(2) .

أقول : قد غفل هذا العارف عن الشرك اللازم من زعمه ؛ حيث حكم بظهور الحقّ تعالى وخفاء العالم ، وهو أيضاً من أنحاء الشرك الخفيّ ، وأمّا الإيمان الحقيقي : فهو الاعتقاد بأنَّ اللّه هو الظاهر الباطن ، والشاهد الغائب ، فهو الظاهر إذا طلبته في البطون ، وهو الباطن إذا تفحّصت عنه في الظهور ، وهو المنزّه عنهما إذا طلبته بكليهما ، وأنَّ العالم ظاهر باللّه خفيّ بذاته ، فتعرّف فإنّه باب عظيم للتوحيد .

اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ مراد صاحب «الفتوحات» بالظهور هو الاستيلاء على الظاهر والباطن، وبخفاء العالم هو العدم الصرف الذاتي واللّيس المحض الإمكاني .

وبالجملة : فالطائفة الاُولى يقولون ببطونه تعالى فقط ، والطبقة الثانية يقولون بظهوره - عزّ شأنه - فحسب .

وهذان الكفران كلاهما جناحان للإيمان الحقيقي ، وهو اعتقاد أنّه تعالى هو الظاهر الباطن ؛ بمعنى أنّ ظهوره من حيث بطونه ، وأنّ بطونه عين ظهوره ، وأنّ خفاءه بمحض ظهوره ، وهو الذي استولى على ظواهر الأشياء وبطن في خفيّاتها

ص: 40


1- شرح منازل السائرين ، عبدالرزّاق الكاشاني : 226 ؛ بحار الأنوار 25 : 205 / 16 .
2- لم نعثر عليه في «الفتوحات» إنّما نقل عنه السيّد حيدر العاملي والفيض الكاشاني وغيرهما في كتبهم . راجع : جامع الأسرار ومنبع الأنوار : 163 ؛ أنوار الحكمة : 26 .

بحيث لا يعزب عنه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء كما ورد : «يا خفيّاً من فرط الظهور»(1) و«يا من احتجب بشعاع نوره»(2) .

فمن حيث الظاهرية ورد في أدعية الاُسبوع : «والخلق مطيع لك خاضع من خوفك ، لا يُرى فيه نور إلاّ نورك ، ولا يُسمع فيه صوت إلاّ صوتك»(3) .

وفي خبر آخر حيث خوطب الراوي بقوله عليه السلام : «ألست تراه في وقتك هذا»(4)؟!

وفي آخر : «عميت عين لا تراك ولا تزال عليها رقيباً»(5) .

وفي خبر آخر : «هو فوق وتحت وأمام وقدّام»(6) .

وأمّا من حيث الباطنية «فلا تدركه الأبصار ، وإنّ الملأ الأعلى يطلبونه كما تطلبونه أنتم»(7) .

وأمّا من حيث كلتيهما فقد ورد أين الشيء ومتى الشيء خفيّاً كان أو جليّاً ؛ حيث روي في «الكافي» عنهم عليهم السلام في معنى «اللّه أكبر» حين قال الراوي في معناه : اللّه أكبر من كلّ شيء ، قال عليه السلام في ردّه : «أين الشيء؟! بل هو أكبر من أن يوصف»(8) .

ص: 41


1- بحار الأنوار 55 : 13 .
2- بحار الأنوار 91 : 403 / 5 ؛ مهج الدعوات : 102 .
3- البلد الأمين : 134 ؛ بحار الأنوار 54 : 209 / 171 ؛ الدرّ المنثور5 : 7 (في المصادر «خاشع» بدل «خاضع») .
4- التوحيد ، الصدوق : 117 / 20 .
5- إقبال الأعمال : 660 .
6- الكافي 1 : 130 / 1 وفيه : «هو هاهنا وهاهنا وفوق وتحت ومحيط بنا» .
7- الفتوحات المكّية 1 : 95 .
8- الكافي 1 : 118 / 9 ؛ التوحيد ، الصدوق : 312 - 313 / 1 و2 .

وبالجملة : المؤمن الحقيقي والرجل العلمي(1) هو أن يعتقد أنّ اللّه هو الظاهر الباطن ، الأوّل الآخر ، ولا شيء غيره في الحقيقة ، بل جميع ما سواه باطل محض هالك أزلاً وأبداً وليسٌ صِرفٌ ظاهراً وباطناً .

وفي خبر : أصدق قيل قالته العرب قول لبيد .

ألا كلّ شيء ما خلا اللّه باطلُ(2) *** ...................................

ونعم ما قيل في النظم العربي :

لقد ظهرت فلا تخفى على أحدٍ *** إلاّ على أكمه لا يعرف القمرا

لكن بطنت بما أظهرت مُحتجباً *** وكيف يعرف من بالعرف استترا(3)

وهما السيّان : [12] أي هذان الكفران مِثلان ؛ باعتبار أنّ في كلٍّ منهما اعتقاد ظهور ذات وخفاء اُخرى كما بيّنّا .

[12] - قوله قدّس سرّه : «أي هذان الكفران مثلان ...».

أو هذان الكفران سيّان باعتبار أنّ الزيادة في كلّ منهما هي الزيادة في آخر ؛ لما عرفت أنّ الكفر بكلّ شيءٍ إخفاء ما يستحقّه ، والكفر بالشيطان هو اعتقاد ظهوره في مقابل ظهور ربّ الأرباب ، وهذا يلازم الكفر بربّ الأرباب أيضاً ؛ فإنّ اعتقاد ظهور العالم في مقابله يُلازم اعتقاد بطونه تعالى فحسب ، فهو كفر باللّه ، فالزيادة والاشتداد في أحدهما تلازم الزيادة والاشتداد في الآخر .

أو أنّهما سيّان باعتبار كون كلّ منهما مقبولاً ومردوداً ، وعلى هذا يكون

ص: 42


1- في نسخة «ر» الشيعي بدل : العلمي .
2- تقدّم تخريجه في الصفحة 31 .
3- جامع الأسرار ومنبع الأنوار : 165 ؛ كلمات مكنونه : 10 .

[13] المقبولان المردودان : هذا يحتمل وجهين :

أحدهما : أنّ كلّ واحدٍ من الكفرين مقبول عند جماعة مردود عند آخرين ، أو كلاهما مقبول ومغتفر من جماعة مثل العوامّ بل المتوسّطين الأبرار ، مردود عند أهل اللّه والمقرّبين الأخيار ؛ لأنّ «حسنات الأبرار سيّئات المُقرّبين»(1) وكم من مثوبةٍ لعامل هي عقوبة لآخرين .

المقبولان المردودان بياناً للتساوي .

[13] - قوله : «المقبولان المردودان ...» إلى آخره.

قد عرفت فيما اُلقي إليك فيما سبق أنّ الكفر باللّه يلازم الكفر بالشيطان ، وأنّ الكفر بالشيطان هو اعتقاد ظهوره في مُقابل الرحمن ، فعلى هذا يُحتمل أن يكون قوله: «المقبولان المردودان المُتّفقان المُختلفان المرجوّان» ، وكذا قوله تعالى : «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ»(2) وكذا قول السائل حيث قال : «كلاهما مرجوّان» لا كلّ واحدٍ منهما ، إشارات خفيّة إلى التلازم ، فعلى هذا يسقط الاحتمال الثاني من الاحتمالين في الموارد التي ذكرها قدّس سرّه .

ويُحتمل أن يكون قوله : «ونصّ به الرحمن» إشارة إلى نصّه تعالى بالكفر بالشيطان والكفر باللّه وتلازمهما ؛ حيث عبّر عنهما بالبحرين وعن تلازمهما بالالتقاء ، ومعلوم أنّهما لا يختلطان ، وكون عليّ وفاطمة عليهما السلام بحرين عميقين أي كون كلٍّ منهما بحرين ، كون علي عليه السلام بحراً

ص: 43


1- تقدّم تخريجه في الصفحة 40 .
2- الرحمن (55) : 19 .

وثانيهما : أنّهما مقبولان من وجه مردودان من وجه آخر : أمّا كونهما مقبولين : فحينما انضمّ إلى اعتقاد البطون في الأوّل عقيدة الظهور أيضاً ، وكذا إلى اعتقاد الظهور في الثاني اعتقاد البطون أيضاً ؛ ليرجع إلى الإيمان الكامل . وأمّا كونهما مردودين : فمن حيث الجمود على كلّ واحدٍ منهما من دون اعتبار الآخر ، وقد أسلفنا لك أنّ كلاًّ منهما بانفراده كفر أعاذنا اللّه منه .

أحدهما الجنّة والآخر النيران : هذا أيضاً يحتمل معنيين :

أحدهما : أن يكون المقصود أنّ الواحد من هذين الكفرين ، هو الكفر بالشيطان ، وهو جنّة المتوسّطين من أصحاب اليمين ، والآخر وهو الكفر باللّه نيران لهم ؛ لأنّ الكفر بالشيطان ، هو الكفر بما سوى اللّه والعلم بأ نّه لا شيء محض ، وعدم صرف بذاته ، وهو أقرب إلى الخلاص(1) من الثاني ، وأبعد من الزلل في الطريق الإيماني، ولا يُنافي ذلك كونهما على انفرادهما نيران للمقرّبين؛

وفاطمة عليها السلام بحراً .

وعلى هذا يكون هذا مقام البرزخيّة الكبرى التي لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أيضاً ، وبرزخيته صلّى اللّه عليه وآله عبارة عن الاعتدال بين الإفراط والتفريط ، والقيام بمقام الكثرة والوحدة كما قال صلّى اللّه عليه وآله : «كان أخي موسى عليه السلام عينه اليمنى عمياء ، وكان أخي عيسى عليه السلام عينه اليسرى عمياء وأنا ذو العينين»(2) وخروجِهِ عن الكفرين ، ودخوله في التوحيد التامّ ، وخروجه عن أنحاء الكفر والشرك .

ص: 44


1- في نسخة «ل» : الإخلاص بدل : الخلاص .
2- بيان السعادة 4 : 99 و127 .

لما عرفت من تفاوت درجات أصحاب القرب وأصحاب اليمين .

ثانيهما : أن يكون الغرض على نحو ما دريت في الوجه الثاني لقوله «المقبولان المردودان» من أنّ الكفر باللّه له اعتباران :

الأوّل : الجمود على الطرف الواحد ، وهو اعتقاد خفائه وبطونه فحسب .

والثاني : انضمام اعتقاد الظهور إلى ذلك ليعود إلى الإيمان الحقيقي والتوحيد الخاصّي كما قد بيّنّا ، وكذا الكفر بالشيطان له اعتباران على قياس الأوّل ، فبالحقيقة هذه الأربعة ترجع إلى ثلاثة أقسام ؛ لاتّفاقهما - أي الشقّين - في قسم الانضمام الذي هو الإيمان الكامل .

فعلى هذا قوله : «أحدهما الجنّة» إشارة إلى شقّ الانضمام ، ولا شكّ أنّه الجنّة الحقيقية التي لا جنّة فوقها ، وقوله : «والآخر النيران» إشارة إلى الجمود على الطرف الواحد ، سواء كان الكفر باللّه أو الكفر بالشيطان ، وبالحقيقة هما شقيقان لكن لاشتراكهما في الاقتصار على الطرف الواحد عدّهما بالآخر .

وبالجملة : على الاحتمال الأوّل يكون الجنّة والنار بالنسبة إلى المتوسّطين من أصحاب اليمين ، وأمّا على الاحتمال الثاني فهما بالقياس إلى المُقرّبين ، فتبصّر .

وهما اللذان المتّفقان : لاتّفاقهما إذا انضاف إلى اعتقاد الخفاء اعتقاد الظهور ، وبالعكس .

المختلفان : إذا انفرد كلّ منهما برأسه .

وهما المرجوّان : هذا أيضاً يحتمل وجهين على قياس ما سبق في الجنّة والنيران :

الأوّل : أن يكون المُراد أنّهما المرجوّان للخلاص من المُتعلّمين والمُتوسّطين وإن لم يليقا بالمُقرّبين .

ص: 45

والثاني : أن يكون المقصود أنّهما الشيطانان الباطلان البعيدان من رحمة اللّه الخاصّة ، ومن الجنّة المعدّة لأهل السابقة ، إذا اُخذا على الانفراد ، وهما المرجوّان للخلاص والنجاة إذا انضمّا واجتمعا ، وقد عرفت أنّ المجموع هو الإيمان الكامل ، وفي كلام السائل أيضاً إشارة خفيّة إلى قوّة هذا الاحتمال ، حيث قال : «وما الشيطانان اللذان كلاهما المرجوّان» ولم يقل : كلّ منهما مرجوّ ، فتدبّر .

ونصّ به الرحمن : أي بما قلنا من أحكام الظهور والبطون واجتماعهما ، حيث عبّر عنهما بالبحرين وعن اجتماعهما بالمجمع في موضع ، وفي آخر بالالتقاء والاختلاط حيث قال - عزّ شأنه - في سورة الرحمن : «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلتَقِيَانِ»(1) أي خلاّهما لا يلتبس أحدهما بالآخر ، والمعنى خلط الظهور والبطون ، وبعبارة اُخرى : الوحدة والكثرة ، وبعبارة ثالثة : البحر العذب والبحر المالح .

وفي «مناقب» محمّد بن شهر آشوب عن أبى عبداللّه عليه السلام في قوله تعالى : «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ» . قال : «عليّ وفاطمة بحران عميقان لا يبغي أحدهما على صاحبه»(2) الخبر .

وهذا يرجع إلى ما قلنا من الظهور والبطون ، فإنّ الظهور للرجل والستر والبطون للمرأة ، ولذلك ورد أنّ فاطمة عليها السلام هي ليلة القدر(3) .

وهاهنا أسرار لا رخصة في ذكرها أكثر ممّا ذكرنا ، وقد أشرنا إلى لمعة منها في شرحنا لكتاب «التوحيد» لصدوق الطائفة رضي اللّه عنه(4) .

ص: 46


1- الرحمن 55: 19.
2- مناقب آل أبي طالب 3 : 365 .
3- تأويل الآيات الظاهرة، الأسترآبادي: 791 ؛ البرهان في تفسير القرآن 10 : 354 / 27 ؛ بحار الأنوار 43 : 65 / 58 .
4- شرح توحيد الصدوق ، القاضي سعيد القمّي 1 : 638 .

«بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ» : البرزخ هو الحاجز بين الشيئين(1) والمراد أنّهما يتساويان بحيث لا يغلب الظاهر على الباطن ، وكذا العكس ، ولا ينبغي اعتقاد رجحان أحدهما على الآخر مثل أن يعتقد أنّ ظهوره غلب بطونه كما يراه طائفة ، أو بطونه أشدّ من ظهوره كما يزعمه جماعة ، أو أنّ ظهوره بشيء وبطونه بشيء ، بل هو - جلّ برهانه - ظاهر بعين أنّه باطن وبالعكس ، وأوّل بنفس أ نّه آخر وبالعكس ، فظهوره من حيث بطونه وبطونه من جهة ظهوره ، وقربه من حيث بُعده وبُعده من وجه قُربه ، لا بشيء آخر غيره تعالى ، فهو الأوّل والآخر والظاهر والباطن تعالى اللّه عمّا يقول الظالمون والعادلون علوّاً كبيراً .

وفي رواية عنهم عليهم السلام ذكرها محمّد بن شهر آشوب في «مناقبه» في قوله سبحانه : «بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ» «البرزخ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله»(2) .

أقول : وذلك لأنّه مجمع بحري الظهور والبطون ، وبرزخ عالمي الوجوب والإمكان ، ومظهر صفتي الجمال والجلال ، ومرآة جميع صفات الكمال ، ومظهر الاسم الجامع الذي هو اللّه كما دلّ عليه الكشف الباهر والعقل القاهر والنقل المُتظافر :

منه قوله تعالى : «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّه ِ»(3) وقوله - عزّ شأنه - : «إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم»(4) .

ص: 47


1- اُنظر الصحاح 1 : 419 ، برزخ .
2- مناقب آل أبي طالب 3 : 365 .
3- الفتح (48) : 29 .
4- القلم (68) : 4 .

وفي الخبر العامّي : «كان خلقه القرآن»(1)، ولا ريب أنّ القرآن هو الكتاب الجامع .

[14] ومنه «آدم ومن دونه تحت لوائي»(2) «ولواؤه لواء الحمد»(3) وهو استجماع صفات البهاء والكمال والمجد .

وعندي بحمد اللّه - جلّ برهانه - على هذا المقصود برهان قويم وطريق مُستقيم ذكرته في «شرح التوحيد»(4) .

وبما قلنا ظهر جواب باقي سؤالاتك : أي هذا الذي أفدناك هو جواب سؤالاتك التي بقيت عند الجواب المُجمل عن سؤالك الأخير ، كما ستطّلع عليه إن شاء اللّه .

[14] - قوله قدّس سرّه : «ومنه آدم ومن دونه تحت لوائي ».

لأنّ مقامه هو مقام إطلاق المشيّة والولاية الكلّية الأصلية الهيولوية الاُولى ، وسائر الأنبياء مقامهم مقام تقييد المشيّة والولاية الجزئية التبعيّة وصورة الهيولى ، والمُقيّدات مظاهر المُطلق ، والجزئيات مشارق نوره ، ومطالع ظهوره ، ولهذا كانت نبوّة الأنبياء ظهور نبوّته صلّى اللّه عليه وآله، ودعوتهم عليهم السلام دعوة إليه، ونبوّته صلّى اللّه عليه وآله روح النبوّات وباطنها .

وهذا سرّ كينونة عليّ أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام مع الأنبياء باطناً

ص: 48


1- المسند ، أحمد بن حنبل 17 : 379 ؛ كنز العمّال 7 : 137 / 18378 .
2- المسند، أحمد بن حنبل 3: 152 / 2546؛ سنن الترمذي 5: 247 / 3693.
3- نفس المصدر.
4- شرح توحيد الصدوق ، القاضي سعيد القمّي 1 : 400 ، و2 : 330 .

شهق شهقة : الشهيق ضدّ الزفير ؛ لأنّ الشهيق رَدُّ النفس كما يفعله الواجد والمُغتمّ ، والزفير إخراج النفس ، كذا في «مُجمل اللغة»(1) .

أقول : وربّما يُستعمل الشهيق في الصوت العالي وكأ نّه المُراد هاهنا .

وإذ قد بلغنا هذا المبلغ في شرح الألفاظ فلنأخذ في ذكر الفوائد لحلّ الألغاز واللّه المستعان .

ومع نبيّنا ظاهراً ، أو معهم سرّاً ومعه جهراً ، كما ورد عنه عليه السلام(2)

وهذا سرّ كينونيته صلّى اللّه عليه وآله نبيّاً وآدم بين الماء والطين(3) فإنّ نبوّته دائمة سرمدية أزلية أبدية ، كما أنّ نبوّة عينه الثابت على سائر الأعيان أيضاً أزلية أبدية .

ص: 49


1- مجمل اللغة : 393 .
2- مشارق أنوار اليقين : 85 .
3- مناقب آل أبي طالب 1 : 266 ؛ بحار الأنوار 18 : 278 .

ص: 50

الفائدة الاُولى

في تفصيل القول

في الجواب عن السؤال الأوّل

ص: 51

ص: 52

معنى الكفر والإيمان

والجنّة والنيران والشيطانين

اعلم أنَّ ما استفيد من كلام الإمام عليه السلام في تحقيق الكفر هو الجواب عن جميع الأشياء المُوردة في السؤال الأوّل ، فبالحري أن نفصّل القول في ذلك على ما اقتبسناه من مشكاة أنوارهم صلوات اللّه عليهم لتظهر بعض أسرارهم .

فنقول : إنّ السائل سأل :

أوّلاً : عن الكفر والإيمان بقوله : «ما الكفر والإيمان؟» فالجواب - على ما أفاد الإمام عليه السلام - هو أنّ الكفر اعتقاد أن يعزب شيء من الظاهر والباطن والغيب والشهادة ، أو عالم من العوالم الوجودية ، أو مرتبة من المراتب الشهودية ، أو ذرّة من الجلائل والدقائق ، أو حقيقة من الحقائق عن اللّه - جلّ شأنه - أو عن صفاته الحسنى ؛ إذ لا يعزب عن ربّك من مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء ، كما لا يعزب عن علمه مثقال ذرّة فيهما(1) نصّ بهذين الأمرين قرآنه المجيد المُنزّل على رسول الثقلين وإمام العالمين .

أمّا الإيمان : فهو التصديق بأنّ اللّه - جلّ جلاله - هو الموجود الحقّ والثابت

ص: 53


1- يونس (10) : 61 ؛ سبأ (34) : 3 .

المُحقّق ، وما سواه هالك باطل أزلاً وأبداً ، ما شمّ رائحة الثبوت والوجود ، ولا كتب في ناصية إمكانه الشهود ، واللّه هو الظاهر الباطن ، وهو الأوّل الآخر ، وأنَّ له الأسماء الحسنى ، والصفات العليا لا يشاركه فيها غيره تعالى ، ثمّ اعتقاد ما يتبع ذلك من القول بالملائكة والكتب والرسل المُكرمين ، وعدم التفريق بينهم على اليقين ، بل كأنّهم نقاط الدائرة ، أو كالحلقة المُفرغة ، وأمّا صاحب الدائرة فهو نبيّنا سيّد الأوّلين والآخرين ، وتمام عدّة المُرسلين ، وخاتم فصّ الرسالة ، وختم أمر الدنيا والآخرة ، كما يدلّ على هذا المدّعى تلك الألقاب العليا بعد ما اُقيم عليه البرهان ، وصدّقه كشف أرباب العيان ، وفراسة أهل الإيمان .

وثانياً : سأل عن الكفرين ، وأجاب عنه الإمام مولى الثقلين من دون رمز في البيان ، بأنّ الكفرين هما : الكفر باللّه ، والكفر بالشيطان بالمعنى الذي ذكرنا في البيان .

وثالثاً : سأل عن الجنّة والنيران وما لهما من الشأن ، والجواب - على ما هو المُستفاد من كلام الإمام عليه السلام - أنَّ الجنّة الحقيقية هي : التخلّص عن ربقة هذين الكفرين والتوجّه التامّ إلى خالق الكونين ، ورؤية الكلّ من اللّه وباللّه وللّه وإلى اللّه ، ومُشاهدة أنّ هاهنا نوراً واحداً حقّاً لا يحوم حوله التعدّد والكثرة ، وصيرورة العبد بحيث لا يرى شيئاً إلاّ ويرى اللّه قبله ؛ ولذا ورد : «ما في أشرف مثوبات الأعمال كلا إله إلاّ اللّه»(1) وفي أعظم فوائد التخلّق بالصفات : «أ نّه النظر إلى وجه اللّه»(2) .

وبالجملة : جنّة المُقرّبين النظر إلى وجه اللّه ذي الجلال ، والرجوع إلى مبدأ

ص: 54


1- اُنظر الكافي 2 : 516 / 1 ؛ بحار الأنوار 3 : 3 / 5 .
2- التوحيد ، الصدوق : 117 / 21 ؛ شرح توحيد الصدوق ، القاضي سعيد القمّي 2 : 335 ، و3 : 320 .

الكلّ بالكمال ، والتقرّب إليه بالاتّصال ، والتخلّق(1) بصفاته الحسنى بالتفصيل والإجمال ، ومشاهدة جمال ربّ العالمين ، الذي هو مبدأ كلّ حسن وجمال ، وعدم رؤية ما سوى الحقّ المُتعال ، بل عدم خطوره بالبال ، فقد ورد في «الكافي» عن الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام أنَّه قال : «لو يعلم الناس ما في فضل معرفة اللّه تعالى ما مدّوا أعينهم إلى ما متّع اللّه به الأعداء من زهرة الحياة الدنيا ونعيمها ، وكانت دنياهم أقلّ عندهم ممّا يطؤونه بأرجلهم ، وتنعّموا بمعرفة اللّه ، وتلذّذوا بها تلذّذ من لم يزل في روضات الجنان مع أولياء اللّه»(2) .

وممّا يؤيّد ما أسّسنا : من أنّ جنّة المقرّبين هي المعقولات الحقيقية من العلم باللّه وصفاته ما في «بصائر الدرجات» لشيخنا القمّي عن نضر بن سويد قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : «وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لاَ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ»(3) قال : «يا نضر واللّه ليس حيث يذهب الناس ، إنّما هو العالم وما يخرج منه»(4) الخبر .

وأمّا النار فهو التقيّد بأحد الكفرين ، وحصول فعلية الشيطنة والبُعد من اللّه ، وفقدان المعارف اليقينية والكمالات الحقيقية : من العلم باللّه وصفاته ، ومعرفة ملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، ورسوخ العقائد الباطلة المُضادّة للمعارف الحقيقية أعاذنا اللّه منهما بفضله .

ورابعاً : سأل عن الشيطانين ، والجواب أنّ أحدهما هو ما سوى اللّه باعتبار اعتقاد خفائه تعالى وظهور الغير والسوى ، وأمّا الآخر فهو ما سواه أيضاً

ص: 55


1- في نسخة «ل» : التحقّق بدل : التخلّق .
2- الكافي 8 : 247 / 347 .
3- الواقعة (56) : 30 - 33 .
4- بصائر الدرجات : 525 / 3 ، وفيه : «عن نصربن قابوس» بدل «نضر بن سويد» .

باعتبار ظهور الحقّ على هياكل الأشياء وخفاء ما سواه به تعالى ، كأ نّه سبحانه كالعارض لها فيخفى المعروض به تعالى .

وقد نقل عن ذكر المجوس ما ينتهي إلى ذلك ؛ حيث زعموا : أنَّ اللّه تعالى تفكّر في نفسه قبل خلق العالم أ نّه لو كان له منازع كيف يكون؟ وهذه فكرة رديّة خلق اللّه منها الشيطان الذي عندهم «أهرمن»(1) .

وقد عرفت أنَّ ذلك كفر أيّ طائفة من الإسلامية وغيرهم ، وأنَّ من تداركته الرحمة الخاصّة الإلهية والسابقة الحسنى الأزلية قد تبرّأ من هذا الكفر ، ورأى أنَّ اللّه هو الظاهر والباطن ، وأ نّه أولى بكلّ شيء من نفسه ، وأنّ ما سواه هالك باطل بذاته وبكلّيته .

هذا ما ظهر لي من جوابه عليه السلام عن السؤال الأوّل بفضل اللّه العليّ الأجلّ .

ص: 56


1- الملل والنحل ، الشهرستاني 1 : 213 .

الفائدة الثانية

[15] في تحقيق الجواب الثاني وكشف حقائقه على الوجه الشافي

وفيه مباحث شريفة :

[15] - قوله قدّس سرّه : «في تحقيق الجواب الثاني . . .» إلى آخره .

قد حان حين ما انكشف الحجاب عن وجه المحبوب ، وآن أوان ما

ص: 57

ص: 58

المبحث الأوّل

في أنّه سأل عن الواحد المتكثّر

اعلم أنَّ السائل في المرّة الثانية سأل أوّلاً عن «الواحد المُتكثّر» والجواب عنه أنّه الصادر الأوّل المُعبّر عنه في بعض الاصطلاحات ب_ «العقل الكلّي» و«العالم العلوي» وفي بعضها ب_ «النور المُحمّدي» و«نور الأنوار» و«عالم الأسماء والصفات» و«مرتبة الواحدية» و«العالم الإلهي» و«المُثل النورية» إلى غير ذلك من التعبيرات اللائقة .

نلقي النقاب المُلقاة على المطلوب ، فاعلم هداك اللّه تعالى إلى دار القرار ورزقك التجافي عن دار البوار : أنّ الوحدة كلّها والفردانية جلّها من عالم الوجوب، والوجود مُودعة ممّا وراء الغيب على الغيب والشهود ، خارجة عمّا وراء الأستار إلى الأنظار ، وإلاّ فجميع العوالم التي كتب على نواصيها التعيّن والتقييد ، واُلبس عليهم لباس التقدّر والتحديد ، وقُدّر عليهم قدر معلوم ، ورسم على وجوههم رسم مرسوم ، من ذاتها التكثّر والغيرية ، ومن حقيقتها الحيث والحيثية ، لا يحوم حولها الوحدة إلاّ إيداعاً ، ولا تدخل في دار الهوهوية إلاّ إيداعاً .

ص: 59

···

ولكنّها مع الكثرة والتفرّق من جبلّة كلّ منها الميل إلى عالم الوحدة والعشق بدار الاُنس وموطن الفردانية ، وكتب عليها الفرار عن دار الفراق ، والوحشة والخلاص عن محلّ الظلمة والكدورة ، وهذا أيضاً من مودعات حضرة الجمع والأحدية كما قال الشيخ صاحب «الفتوحات» : والقابل من حضرة الجمع(1) .

والقيّوم جلّ برهانه وعظم شأنه وسلطانه حيثما أحبّ بالحبّ المُستكنّ في ذاته المُقدّسة إظهار الكنوز المُختفية من حضرة الغيب إلى الشهادة ، ومن مقام الجمع إلى التفصيل ؛ لرؤية ذاته المقدّسة في المرائي الخلقية ، وشهود الظاهر المُبدع في المظاهر المُبدعية ، تجلّى بالفيض المقدّس الإطلاقي والاسم الأعظم المُعبّر عنه تارة بالمشيّة المُطلقة ، واُخرى بالولاية الكلّية ، وثالثة بالرحمة الواسعة ، ورابعة بالحقيقة المحمّدية ، وخامسة بعلويّة عليّ عليه السلام ، وسادسة بنفس الرحمن ومقام وحضرة العلمية(2) ، إلى غير ذلك من الإشارات والعبارات حسب اختلاف المقامات .

عباراتنا شَتّى وحُسنك واحدٌ *** وكلٌّ إلى ذاك الجمالِ يشيرُ(3)

وهذا الفيض النازل من حضرة الجمع هو الواحد المُتكثّر ، والدليل على ذلك

ص: 60


1- فصوص الحكم : 49 ، فصّ حكمة إلهية في كلمة آدمية . «وفيه : والقابل لايكون إلاّ من فيضه الأقدس» .
2- كذا في النسخة الموجودة عندنا التي استنسخ من نسخة الأصلية والعبارة لا تخلو من سقط .
3- مشارق الدراري : 115 ؛ جامع الأسرار : 75 .

···

من وجهين نقلي وعقلي :

أمّا النقلي : فقوله تعالى شأنه وعظمت قدرته : )أنزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَسَالَتْ أودِيَةٌ بِقَدَرِهَا فاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً((1) حيث عبّر عن حضرة الجمع والهويّة الغيبية بالسماء؛ لسموّ مرتبته وعلوّ شأنه ، وتنزّهه عن جميع النقائص ، وتقدّسه عن قاطبة الكثرات ، وعن تجلّيه تعالى في هياكل المُمكنات وظهوره في مظاهر الموجودات وعبور فيضه عن عوالم المجرّدات إلى غواسق المادّيات ومن عوالي عالم الجبروت إلى سوافل عالم الناسوت بالنزول ، وعن الفيض النازل من سماء الأحدية إلى الأراضي الخلقية والعطاء المُفاض على العباد والرحمة الواسعة في البلاد بالماء الذي به حياة الأشياء ، وعن هياكل الماهيّات وشيئيات المُتعيّنات بالأودية ، وعن اختلاف مراتب استعداداتها وتشتّت منازل قبولها بالقدر .

ومعلوم أنّ الفيض الواحد النازل في تلك المنازل المتعدّدة ، الراحل في هذه المراحل المتشتّتة يتكثّر بتكثّرها ويتطوّر بتطوّرها ويتعيّن بتعيّنها ، فأفاد - تعالى جدّه - وحدة الفيض النازل ذاتاً وتكثّره عرضاً في أودية الماهيات بأحسن بيان وأجمل تبيان . وفي آثار أهل بيت النبوّة ومعدن العلم والحكمة إشارات ورموزات وتلويحات وتصريحات إلى ما ذكرنا أكثر من أن تحصى(2) .

ص: 61


1- الرعد (13) : 17 .
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 262 / 22 ؛ راجع مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية ، المشكاة الثانية، المصباح الثاني، مطلع 12 .

···

وأمّا العقلي : فلما حُقّق في مدارك أرباب الحكمة المتعالية(1) أنّ الوجود مع وحدته ذو مراتب متفاوتة طولاً وعرضاً بالعرض ، وهذا ممّا صدّقه البرهان ، ووافقه كشف أصحاب القلوب والعرفان ، فليس التكثّر في الوجود بحسب الذات والحقيقة ، وليس فيه حيث وحيثية ولاتفرّق وغيرية في أيّ منزل من المنازل كان ، وفي أيّ صورة من الصور بان ، وفي كلمات أصحاب القلوب والمعرفة وأرباب السلوك والطريقة ما يفيد ما ذكرنا تلويحاً وتصريحاً أكثر من أن تحصى(2) ولم يحضرني الآن من كتبهم فمن أراد فليرجع إليها .

وأمّا سائر الموجودات المُتعيّنة حتّى القاطنين في عالم العقل والمتوطّنين في وعاء الدهر ليست من ذاتها الوحدة والتفرّد ويعرض لها التكثّر ، كما أفاد هذا العارف الجليل والشيخ الذي لم يكن له بديل ، وإن كان عوالم المجرّدات المقدّسة عن كدورة المادّة والمطهّرة عن أرجاس عالم الهيولى المُظلمة ، مُندكّة ماهيّاتها في إنّياتها ، وفانية نفسيتها في نور ربّها ، بل بنظر أرباب المشاهدات لا ماهيّة لها(3) ، إلاّ أنّه ليس الذات والذاتي لها ، بل بقهر نور الأنوار عليها وغلبة حضرة ذي الجلال على ذاتها وحيثياتها ، ولهذا يقال لعالمهم : «عالم الجبروت»

ص: 62


1- الحكمة المتعالية 1 : 35 و 427 .
2- تمهيد القواعد : 114 ؛ شرح فصوص الحكم ، القيصري : 16 .
3- مجموعه مصنّفات شيخ إشراق، التلويحات 1 : 115 - 117 ؛ الحكمة المتعالية 1 : 43 و252 ؛ شرح المنظومة 2 : 216 .

···

لجبر نقيصتها بتمامية الربّ المتعال ، ورفض غبار إمكانها بوجوب وجود ذي المجد والجلال .

وهاهنا احتمال آخر(1) قريب المأخذ ممّا ذكرنا : وهو أنّ الحقائق الغيبية في الحضرة الجمع والواحدية والأعيان الثابتة صور الأسماء الإلهية لمّا رأين كونها تحت أستار الأسماء محجوبة عن مُشاهدة بعضها بعضاً ، اجتمعن في الحضرة الأسماء الإلهية ، وتوسّلن بها توسّل الفقير المسكين ، وقلن : إنّ العدم قد حجبنا عن رؤية بعضنا بعضاً ، بل عن رؤية ذاتنا ، فأفيضوا علينا فيض الوجود وأظهرونا في دار الشهود ، فلمّا رأت الأسماء حقيقة سؤالها اجتمعت في الحضرة الاسم الأعظم ، واستشفعت عنها في الحضرة الغيبية ، فقبل استشفاعها ، وتمسّك بالهويّة الغيبية والحضرة الأحدية ، وقال : يا هو يا من هو يا من ليس إلاّ هو ، وتقدّم في حضرته عرض مسؤولاتها فصدر الأمر من حضرته بأن أجبت مسؤولاتها وأذنت لك أن تظهر حقائقها من حضرة الغيب إلى الشهادة ، فتجلّى اللّه بالرحمة الرحمانية - التي هي بسط أصل حقيقة الوجود - فأظهر الحقائق بذاك التجلّي في لباس الخلائق .

وحيث كان من مودعات حضرة الجمع ميل الوصول لها إلى باب ذي الجلال ، والنزول في جناب الحقّ المتعال ، سألت باللسان الاستعدادي الذي هو أنطق اللسانين ، والسؤال الحالي الذي هو أفصح السؤالين ، والبيان الذاتي الذي هو

ص: 63


1- راجع الفتوحات المكّية 1 : 323 ؛ عنقاء مغرب : 33 ؛ إنشاء الدوائر : 36 - 37 .

···

أصرح البيانين ، من الاسم الأعظم بواسطة الأسماء الاُخر كمالَ الوجود ، فتجلّى عليها بالرحمة الرحيمية التي هي بسط كمال الوجود ، ففتحت قوس النزول والصعود ، وكملت عوالم الغيب والشهود ، ببسط الرحمة الرحمانية والرحمة الرحيمية وورد : «يا باسط اليدين بالرحمة»(1) وقال تعالى : «بَلْ يَدَاهُ مَبسُوطَتانِ»(2) ولهذا جعل الرحمن الرحيم تابعاً لاسم اللّه في قوله : «بِسمِ اللّه ِ الرَّحمن الرَّحِيم» .

وقد قال الشيخ صاحب «الفتوحات» في «فتوحاته» : «ظهر الوجود ببسم اللّه الرحمن الرحيم»(3) فالرحمة الرحمانية والرحمة الرحيمية مقام تفصيل اسم اللّه الذي هو مقام المشيّة المُطلقة . وقد بسطنا ذلك في رسالتنا الموضوعة لشرح دعاء عظيم الشأن الوارد عن لسان أهل البيت للتمسّك بحضرة المنّان في سحور شهر رمضان(4) .

إذا حفظت ما ذكرنا حقّ الحفظ يمكن لك تطبيق الواحد المُتكثّر على الرحمة الرحمانية التي هي بسط أصل الوجود ؛ فإنّها الواحدة بالذات والمُتكثّرة بالعرض في ملابس التعيّنات والحقائق الخارجية الظاهرة بها كما بيّن تلك الوحدة

ص: 64


1- الكافي 2 : 578 / 4 ؛ التوحيد ، الصدوق: 221 / 14 ؛ البلد الأمين : 404 .
2- المائدة (5) : 64 .
3- الفتوحات المكّية 1 : 102 .
4- شرح دعاء السحر : 49 .

والدليل على ذلك من وجهين نقلي وعقلي :

أمّا النقلي : فقد ورد عن النبي صلّى اللّه عليه وآله على ما نقل صدوق الطائفة شيخنا القمّي - رضي اللّه عنه - في كتاب «العلل» مُسنداً إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنَّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله سُئل ممّ خلق اللّه - عزّ وجلّ - العقل ؟

قال : [16] «خلقه ملكاً له رؤوس بعدد الخلائق ، مَن خُلق ومَن لم يُخلق إلى يوم القيامة ، ولكلّ آدمي رأس من رؤوس العقل ، واسم ذلك الإنسان على وجه ذلك الرأس مكتوب ، وعلى كلّ وجه سِتر مُلقى لا يكشف ذلك الستر من ذلك الوجه حتّى يبلغ ذلك المولود ويبلغ حدّ الرّجال أو حدّ النساء ، فإذا بلغ كشف ذلك الستر فيقع في قلب ذلك الإنسان نور ، فيفهم الفريضة والسنّة والجيّد والرديء ، ألا ومثل العقل في القلب كمثل السراج في البيت»(1) . صدق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله .

والتكثّر سيّد الأولياء والموحّدين أمير المؤمنين صلوات اللّه وسلامه عليه بأحسن بيان وأجمل لسان في دعاء كميل بن زياد رضي اللّه عنه بقوله : «برحمتك التي وسعت كُلّ شيءٍ»(2) .

وهاهنا احتمالان آخران لقوله : «ما الواحد المُتكثّر» إن ساعدني التوفيق الربّاني والتأييد السبحاني نذكره في آخر هذه المسودّات إن شاء اللّه تعالى ، والحمد للّه على ما أنعم والصلاة على نبيّه المكرّم وآله المُعظّم .

[16] - قوله صلّى اللّه عليه وآله : «خلقه ملكاً له رؤوس ...».

أشار عليه السلام في ذلك الحديث القدسي إلى أسرار ورموز وحقائق وكنوز

ص: 65


1- علل الشرائع : 98 / 1 .
2- إقبال الأعمال : 220 ؛ البلد الأمين : 188 .

···

ومباحث علمية وأبواب فلسفية لاتصل إليها إلاّ أيدي اُولي الألباب من أولياء الحكمة والفلسفة ، ولا يحوم حولها إلاّ أصحاب القلوب والأحباب من ذوي السابقة والمعرفة ، ولنشر إلى جملة منها إجمالاً ، ولنذكر لمحة منها اختصاراً ، مُجرّداً عن التفصيل والتطويل مُقتصراً على ذكر الدعوى خالياً عن البرهان والدليل ، فإنّ الرسالة لم تُوضع لذكر الأدلّة وجرحها وتأييد المسائل أو طرحها ، فنقول :

أشار صلّى اللّه عليه وآله : بقوله : «له رؤوس بعدد رؤوس الخلائق» ، إلى كينونة الأشياء في العالم العقلي قبل نزولها في العوالم السافلة أو ظهورها في المراتب النازلة .

وهذه إحدى المسائل المُختلف فيها بحسب الظاهر بين معلّم حكمة المشّاء أرسطوطاليس واُستاذه المعظّم أفلاطون الإلهي ، وقد جمع بين الرأيين ، وصالح بين القولين ، مُجدّد الحكمة المتعالية ، ومؤسّس الفلسفة العالية ، شيخ مشايخ الأولياء والحكماء ، صدر صدور المتأ لّهين والعرفاء في كتابه الكبير(1) .

وبقوله صلّى اللّه عليه وآله : «من خلق ومن لم يُخلق» إلى فعلية علم الموجود العقلي قبل إيجاد الخلائق ، وإلى أنّ الحقيقة البسيطة العقلية كلّ الأشياء بنحو البساطة ، وأ نّه ينال الكلّ من ذاته ، فإذا كان الموجود العقلي كذلك فكيف بالموجود الحقّ والحقّ المطلق بهر برهانه وجلّت عظمته وسلطانه؟!

ص: 66


1- الحكمة المتعالية 8 : 331 .

···

والعلم قبل الإيجاد أيضاً من المسائل المتنازع فيها ، وقد برهن عليه في كتب أرباب الحكمة(1) طبقاً لمشاهدة أرباب الطريقة وكشف أولياء المعرفة(2) ، وقد أشار صلّى اللّه عليه وآله إلى أصل المسألة وبرهانها وبيان الحقيقة وتبيانها .

وبقوله : «لكلّ آدمي رأس من رؤوس العقل» إلى الارتباط التامّ بين الموجود وسائر الموجودات وعبّر عن ذلك الارتباط ذلك الحكيم المتأ لّه بالوجود الرابط فقال على ما سنح بالبال ما معناه : إنّ للعقل وجوداً نفسياً ووجوداً رابطاً ، وبهذا صحّح اتّحاد النفس بالعقل الفعّال(3) ، ردّاً على شيخ مشّائية الإسلام(4) وهذا الارتباط كارتباط الحقّ بالخلق بالفيض المُقدّس الإطلاقي(5) .

وبقوله : «واسم ذلك الإنسان على وجه ذلك الرأس مكتوب» إلى أنّ ارتباط العقل مع كلّ موجود بوجهٍ خاصّ غير ارتباطه مع الآخر ، فلا يلزم التجزئة في البسيط مع اتّحاد نفوس جزئيةٍ معه ، أو علم النفس بقضية واحدة عقلية علمها بجميع مراتب الوجود ، كما هو أحد الإشكالات التي أوردها ذلك الشيخ

ص: 67


1- الحكمة المتعالية 6 : 263 .
2- الفتوحات المكّية 3 : 257 ؛ فصوص الحكم : 130 ؛ شرح فصوص الحكم ، القيصري : 49 و809 .
3- الحكمة المتعالية 3 : 335 و431 .
4- الإشارات والتنبيهات : 325 ، نمط 7 ؛ الشفاء ، الطبيعيات، كتاب النفس 2 : 212 .
5- الحكمة المتعالية 2 : 354 ؛ شرح فصوص الحكم ، القيصري : 333 - 334 .

···

الفيلسوف(1) على القائلين باتّحاد النفس مع العقل الفعّال واستصعبه ، وأعطى ذلك المتأ لّه(2) حلّه ونقض غزله .

وبقوله : «وعلى كلّ وجه ستر» إلى الحجاب الذي بين الإنسان والعالم العقلي قبل الوصول إلى مقام القلب والنزول في منزل العقل .

وبقوله : «يبلغ حدّ الرجال أو النساء» إلى الوصول إلى مقام القلب الذي هو مقام ظهور تفصيل مراتب الوجود في قلبه وقراءة سلسلة الغيب والشهود من ذاته ، فإنّ هذا مقام صيرورته مسمّىً باسم الرجال والنساء الذين من ألقاب الإنسان على الاستحقاق .

وبقوله : «فإذا بلغ كشف ذلك الستر» إلى اتّحاد النفس بالعقل الفعّال في ذاك المقام على التحقيق ، وهذا أيضاً من المسائل المهمّة التي اختلفت آراء الحُكماء فيها ، وأنكر الشيخ على مُثبته كمال الإنكار ، ونسب صاحبه إلى الشين والعار(3) وقد صحّحه وبرهن عليه ذلك الحكيم المتأ لّه في كتابه الكبير(4) والرحيل إلى اللّه الخبير البصير .

وهاهنا أسرار اُخرى لايسعها المقام ، والأولى طيّ الكلام ، وعلى اللّه التوكّل في البدو والختام .

ص: 68


1- الإشارات والتنبيهات : 325 - 326 .
2- الحكمة المتعالية 3 : 336 .
3- الإشارات والتنبيهات: 326؛ الشفاء، الطبيعيات، كتاب النفس 2: 213.
4- الحكمة المتعالية 3 : 335.

بيان :

أقول : عبّر صلّى اللّه عليه وآله عن الحقيقة العقلية التي لكلّ شيء في عالم العقل وعقل الكلّ بالاسم ، وهو الاسم الإلهي الذي يدبّر كلّ موجود يكون تحت حيطته ، وعن تطوّرها بكسوة الحقائق التي تحتها حين تنزّلها بالستر ، وعن ظهور المادّة العقلية التي هي النفس النطقية من حيث بَدو ظهورها عقلاً هيولانياً بالكشف حين التولّد ، وعن البلوغ إلى العقل بالملكة بالبلوغ الذي للرجال وهو الخروج عن المُنى - بالضمّ - كما أنّ بلوغ الصبيان بخروج المَنيّ - بالفتح - وعن إدراك الحقائق واستفادتها من الجوهر العقلي المفيض وهو مرتبة العقل المُستفاد بوقوع النور في القلب ، وعن مرتبة العقل بالفعل وصيرورة النفس عقلاً محضاً بقوله : فيفهم الفريضة والسُنّة وغيرهما .

ويمكن أن يكون كشف الستر أوان البلوغ إشارة إلى ما ذهب بعضٌ من أنّ النفس الناطقة إنّما تفيض للمُستعدّ لها حينما بلغ مبلغ الرجال لا لكلّ أحد(1) .

وبالجملة : في هذا الخبر من حُسن التعبير من وحدة العقل مع تكثّر أطواره ، واشتماله على جميع الحقائق الوجودية اشتمالاً جملياً عقلياً خارجاً عن فهم الجماهير ومن التعبير بالوجه والرأس وكتابة الاسم ووجود الستر ما يبهر العقول ويعجز الفحول .

ولنعرض صفحاً عن ذكر ما فيه من الأسرار ، ونجعلها تحت الأستار ، عسى اللّه أن يكشفها للبلّغ الأحرار.

وأمّا العقلي : فلما تقرّر عندنا(2) بفضل اللّه ، وعند أفاضل القدماء(3) وشرذمة

ص: 69


1- الحكمة المتعالية 8 : 136 - 137 .
2- شرح الأربعين، القاضي سعيد القمّي : 117 .
3- أثولوجيا : 98 و134 و139 .

من المُتأخّرين وقليل من الآخرين من أكابر أهل اللّه المُحقّقين(1) ، بالبراهين القاطعة التي لا يحوم حول حريمها شبهة ، أنَّ العقل بل كلّ بسيط عقلى فهو مع وحدته البسيطة وبساطته الحقيقية كلّ الأشياء العقلية التي دونه بنحو جُملي(2) واشتمال عقلي لا يعرفه إلاّ الراسخون ، وسيجيء البرهان الذي هدانا اللّه إليه في محلّه(3) .

وفي كلام العرفاء إيماءات إلى ذلك وإشارات ، سيّما في كلام مُعلّم الحكمة تصريحات إليه وتلويحات :

منها : ما قال الميمر العاشر من كتاب «أثولوجيا في معرفة الربوبية» بهذه العبارة : «ونقول : إنّ في العقل الأوّل جميع الأشياء وذلك لأنّ الفاعل الأوّل أوّل فعل فعله هو العقل ، فعله ذا صور كثيرة ، وجعل في كلّ صورة منها جميع الأشياء التي تلائم تلك الصورة ، وإنّما فعل تلك الصورة وحالاتها معاً لا شيئاً بعد شيء ، بل كلّها معاً دفعة واحدة»(4) انتهى .

أقول : وهذا الكلام ممّا يليق به أن يكون شرحاً لبعض ما في حديث خير الأنام .

ومنها : ما قال في الميمر الثامن من هذا الكتاب بعد كلام في ذكر أنَّ الشيء يكون واحداً ولا واحداً ، إلى أن قال : «وكذلك العقل واحد وهو كثير ، وليس هو كثيراً كالجثّة ، بل هو كثير بأنّ فيه كلمة تقوى على أن تفعل أشياء كثيرة وهو ذو

ص: 70


1- القبسات : 385 ؛ الحكمة المتعالية 6 : 110 ، 187 ، 277 - 278 ، و7 : 273 ، و9 : 140 ؛ اُصول المعارف : 29 - 30 .
2- في نسخة «ل»: على نحو الجمع بدل: بنحو جملي.
3- يأتي في الصفحة 77 - 78 و 99 .
4- أثولوجيا : 139 .

شكل واحد ، غير أنّ شكله شكل عقلي ، والعقل إنّما يكون محدوداً بشكله ، ومن ذلك الشكل تنبعث جميع الأشكال الباطنة والظاهرة»(1) .

ومنها : ما قال في الميمر الثاني : «وإنّما صار العقل إذا ألقى بصره على ذاته وعلى الأشياء لا يتحرّك ؛ لأنّ فيه جميع الأشياء ، [والأشياء] وهو شيء واحد كما قلنا مراراً»(2) انتهت كلماته الشريفة .

ص: 71


1- أثولوجيا : 98 .
2- أثولوجيا : 34 .

ص: 72

المبحث الثاني

[17] في أنّه سأل عن المتكثّر المتوحّد

والجواب أنّه هي النفس الكلّية(1) الإلهية المُدبّرة لجميع النفوس الكلّية والجزئية ، المرتّبة(2) لكافّة العوالم العلوية والسفلية ترتيبها(3) اللائق بها ، وأحسن

[17] - قوله قدّس سرّه : «في أ نّه سأل عن المتكثّر المُتوحّد . . .» إلى آخره .

قد انكشف على قلبك بإيضاح السبيل ، وانفتح على روحك بتقديم الدليل ، فيما سبق من الحقّ الصريح ، وتقدّم من القول الفصيح : أنّ العالم العقلي والتعيّن الأوّلي مع شدّة نوريته ، وكمال ذاته وتماميته ، وخلوصه عن لواحق المادّة ، ومحوضه عن لوازم المدّة ، لا يخلو عن التكثّر في الذات ، ويعانقه الجهات والحيثيات ؛ لأ نّه في حجاب التعيّن والتقييد وبرقع التقدّر والتحديد ،

ص: 73


1- في نسخة «ل» : الكلمة بدل : هي النفس الكلّية .
2- في نسخة «ل» : المربية .
3- في نسخة «ل» : تربيتها .

···

وله قدر معلوم وحدّ محتوم .

ولكنّه لتنزّهه عن الهيولى والاستعداد وتقدّسه عن التعلّق والامتداد وخروجه عن تصرّف المكان والمكانيات وخلوصه عن سلطان الزمان والزمانيات ، وصفاء مرآته للتجلّي الربّاني ، وصقالة ذاته لانعكاس النور الرحماني ، إذا اُفيض عليه الفيض من حضرة الكريم ، وتجلّى عليه القيّوم القديم ، جبر نقصه بتمامية فاعله ، وتوحّد كثرته بوحدانية جاعله ، واندكّت ذاته في نور ربّه اندكاكاً ، وانقهر في سلطان كبريائه انقهاراً ، فلايبقى لذاته حكم ولا أثر ، ولا للازمها أصل ولا خبر ، والكثرة التي من الذاتيات لاحكم لها مع عدم الذات ، فإنّها مرفوع الحكم برفع ملزومها ، محكوك الأثر بحكّ مخدومها ، فجلس سلطان الوحدة إلى مقرّه ورجع الأمر كلّه إلى أمره .

ومن هذا يحدس اللبيب أنّ المُتكثّر المُتوحّد هو الموجود العقلي الذي هو مُتكثّر في الذات وله حيث وحيثيات ومتوحّد بتجلّي الواحد المحض عليه ، وتوجّه الفرد الأحد إليه ، ويعلم العاقل وجه تقديم المُتكثّر على المُتوحّد ووجه تقديم الواحد على المُتكثّر فيما سبق .

وفي التعبير بصيغة التفعّل في قوله : «المُتكثّر المُتوحّد» مع كون الكثرة ذاتية إشارة خفيّة إلى أنّ الذات بعد التجلّي الربوبي يصير حكمها حكم العرضيات ، ويرجع الأمر كلّه إلى المُتجلّي بالذات والصفات .

وسرّ التعبير عن مقام المشيّة المُطلقة بالواحد المُتكثّر ، وعن الموجود العقلي

ص: 74

···

بالمُتكثّر المُتوحّد هو ، أنّ المشيّة لها الوحدانية الذاتية الحقيقية ظلّ الوحدانية الحقّة الحقيقية ، وليس فيها تكثّر بحسب الذات ولا تعدّد الجهات والحيثيات ، وهي الأمر الواحد المُشار إليه بقوله تعالى : «وَمَا أمْرُنَا إلاّ وَاحِدَةٌ»(1) وإنّما التكثّر باعتبار تلبّسه بلباس التعيّنات وتنزّله في منازل المُقيّدات ، وهذا هو التكثّر العرضي ، ولا تكثّر في نظر أرباب المشاهدات ، وهو مقام الاُلوهية والربوبية والقيّومية والقدّوسية ومقام الأسماء والصفات والرحمانية والرحيمية الفعلية ، وأمّا الموجود العقلي فقد عرفت حاله ومرجعه ومآله .

وما ذكر هذا العارف العظيم والسالك على الصراط المستقيم قدّس اللّه نفسه وروّح رمسه تحقيق رشيق وكلام عرفاني دقيق ، كيف؟! وهو من أعظم عرفاء الشيعة وأكرم اُمناء الشريعة ، ولكن ما ذكرنا مع قصور النظر وعمى القلب والبصر بمقام السير العلمي أليق وبحضرة الكبرياء ألصق ، اللهمّ افتح قلبنا بنور المعرفة واليقين ، واسلكنا في الطريق المُستقيم والصراط المُستبين بحقّ محمّد وآله المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين .

ولك أن تجعل السرّ الذي ذكره ذلك العارف - قدّس سرّه - للتعبير عن العقل بالواحد وعن النفس بالمتكثّر وجه التعبير عن المشيّة المُطلقة بالواحد وعن الموجود العقلي بالمُتكثّر مع رفض ما لايليق بمقامهما وترك ما هو غير جائز الانتساب إليهما ، ولايحتاج إلى البسط والتفصيل ولا إقامة البرهان والدليل بعد

ص: 75


1- القمر (54) : 50 .

كلّ خلق ترتيباً ، وهي مظهر للمشيئة الإلهية(1) كالعقل مرآة العلوم والحقائق الإلهية ، ووجه تكثّرها مع التوحّد كثرة قواها وأفاعيلها مع وحدة ذاتها وتأحّدها بتلك القوى ، أو لكثرة النفوس المُتشعّبة عنها مع بساطتها بحيث هي مع تلك الشعب الكثيرة شيء واحد على ما يراه الأماجد(2) أو لكثرة سيرها في المراتب [18] النزولية والصعودية وتفنّن ظهوراتها في السلسلة البدوية والعودية إلى أن تتأحّد مع العقل الذي هو أصلها ومنه بدؤها وإليه عودها .

إيماض

في سرّ التعبير عن العقل بالواحد المتكثّر

وعن النفس بالمتكثّر المتوحّد

وأمّا وجه التعبير عن العقل بالواحد المُتكثّر وعن النفس بالمُتكثّر المُتوحّد ؛ فلأنَّ العقل أقرب إلى مرتبة الأحدية(3) الحقّة من حيث الصدور ، وأدنى من كبرياء

النظر إلى ما ذكرنا والرجوع بما أفدنا .

[18] - قوله : «النزولية والصعودية . . .» إلى آخره .

لا يخفى أنّ هذا بعينه موجود في العقل أيضاً ، بل العقل أحقّ من النفس في ذلك وكثرة ظهوره في المراتب الصعودية والنزولية ، فإنّ جميع مراتب الوجود تعيّنات ظهوره وتشعّبات حقيقته ، فلا تغفل .

ص: 76


1- في نسخة «ر» : الربّانية .
2- الحكمة المتعالية 8 : 221 وما بعدها .
3- في نسخة «ل» : الوحدانية ، وفي نسخة «ر» : الوحدانية المحضة بدل : الأحدية .

التفرّد والوحدانية من جهة الظهور ، بل هو عبارة عن المرتبة الواحدية المتاخمة لمرتبة الأحدية .

وبعبارة اُخرى : هو عالم الأسماء والصفات الإلهية باصطلاح علماء الطريقة(1) مع مُعاضدة تلويحات الأخبار المعصومية(2) فالأصل فيه الوحدة ، وإنّما التكثّر باعتبار الإحاطة وبحسب الاشتمال على جميع معقولات الأشياء ، والاحتواء بقاطبة حقائق الأسماء وعندنا هذا تكثّر بالعرض(3) وليس هذا تكثّراً في الحقيقة ؛ لأنّ ما يعرض(4) لاحكم له في العلوم فكيف بالعرض لما بالعرض .

وأمّا النفس: فلمّا كانت معلولة من معلول فليست تقرّب من موطن الوحدة قرب العقل منه ، فلا تكون بمثل تلك المثابة ، بل هي أنزل منه في المرتبة ، وأيضاً لمّا كانت النفس تفعل بالمادّة وهي ممّا يلزمها الكثرة والقسمة ، وكذلك تفعل بالقوى والآلات المتفنّنة وتلك القوى منشأ الكثرة وإن كانت بالاعتبار والحيثية ، فمن ذلك يعرضها الكثرة والعدّة ، وإنّما التوحّد باعتبار ما سترجع هي إليه في سير الأنوار من العقل الكلّ الذي صدرت منه .

إيقاظ

في سرّ التعبير عن العقل بالواحد وعن النفس بالمتوحّد

وأمّا سرّ التعبير عن العقل بالواحد وعن النفس بالمتوحّد ، فهو أنَّ العقل واحد وحدة حقيقية جمعية ذاتية ؛ لأنّه صدر عن الواحد الحقّ المحض بالوحدة الغير

ص: 77


1- شرح فصوص الحكم، القيصري: 22.
2- راجع بحار الأنوار 1 : 96 ، باب 2 .
3- في نسخة «مث» زيادة «إمّا بالعرض» بعده.
4- في نسخة «مث» «بالعرض» بدل «يعرض».

العددية التي هي مبدأ الوحدة العددية بأقسامها ، ومن البيّن في المقامات البرهانية أن لا خصوصية لشيء دون شيء في الصدور عن الحقّ - تعالى شأنه - وإلاّ لزم أن يكون فيه سبحانه جهة وجهة وحيث وحيث ، وقد ثبت أيضاً بالقواطع البرهانية أن ليس فيه جهة وجهة ولا حيث وحيث؛ لأنّه واحد من جميع الجهات من دون تكثّر جهة ولا تعدّد اعتبار(1) ، وأ نّه لا يختلف نسبته - عزّ شأنه - بالقرب والبعد عن الأشياء(2) ، وأنّ ذلك من المُقرّر عند العُقلاء والمتظافر في أخبار الأنبياء والأولياء ، حيث هي ناصّة بأنّ نسبته تعالى في القرب والبعد سواء لم يقرب منه قريب ولم يبعد منه بعيد إلى غير ذلك(3) كما لا يخفى على المُتتبّع للآثار والأخبار .

ثمّ إنَّه ممّا قد فرغ عنه في الحكمة المُتعالية أنَّ الواحد لا يصدر عنه من جهة واحدة إلاّ الواحد(4) بل ذلك عند النظر العرفاني بديهي عاضده الكلم الفرقاني ، قال تعالى : )وَمَا أمْرُنا إِلاّ واحِدَةٌ((5) وفي الأخبار ما يكاد يتواتر بالمعنى أنَّ اللّه - جلّ مجده - خلق أوّلاً أمراً واحداً ، أيّ شيء كان على اختلاف التعبيرات ، ثمّ خلق منه الأشياء(6) وذلك كالصريح فيما ادّعيناه .

ثمّ من المُستبين أيضاً أ نّه ليس شيء حريّاً بالصدور عنه تعالى إلاّ العقل ؛ إذ النفس فعلها في المادّة ، فلا تكون المادّة فعلاً لها ولا هي تسبقها ، وكذا المادّة ؛ إذ

ص: 78


1- الحكمة المتعالية 6 : 103 و140 و142 .
2- القبسات : 86 ؛ شرح اُصول الكافي ، صدر المتأ لّهين 3 : 300 .
3- الكافي 1 : 125 / 1 و128 / 8 .
4- الحكمة المتعالية 7 : 204 .
5- القمر (54) : 50 .
6- الكافي 1 : 110 / 4 ؛ التوحيد ، الصدوق : 66 - 67 / 20 و339 / 8 .

لا يتأتّى منها أصلاً ، والصورة إنّما وجودها بالمادّة ، فكيف تكون فاعلة لها؟! والجسم مُتأخّر عن المادّة والصورة ، فلا يكون شيء منها بأوّل صادر عن المبدأ الأوّل ، فبقي أن يكون العقل هو الصادر الأوّل ، فلو لم يكن العقل كلّ الأشياء يلزم من صدوره عنه تعالى أن يكون له سبحانه جهة خصوصية بالنسبة إليه دون ما سواه ، وقد استحال ذلك كما قلنا فوجب من ذلك بالضرورة أن يكون هو كلّ الأشياء .

وهذا برهان شريف على وحدة العقل مع تكثّره بوجهٍ ما ، وقد تفرّدت بفهمه عن اللّه تعالى ، إلاّ أ نّي بعد ذلك وجدت في كلام المُعلّم الأوّل ما يمكن أن يرجع إلى هذا ، وهو قوله في «أثولوجيا» بعد سؤال وكلام : «فلمّا كان - أي المبدأ الأوّل - واحداً محضاً [19] انبجست منه الأشياء»(1) انتهى .

وبالجملة : ليست الكثرة التي نقولها في العقل كالكثرة التي هناك ، حاشاه من ذلك ، بل هو في كمال البساطة وأجمع الجمعية وأشدّ الوحدانية ، وإنّما الكثرة ليست في ذات العقل ، بل كثرة بعد الذات ، [20] وأمّا البارئ القيّوم فلا كثرة عنده أصلاً لا في الذات ولا مع الذات ولا بعد الذات وذلك من علم الراسخين ، فتبصّر .

[19] - قوله : «انبجست منه الأشياء ...».

وقد عرفت(2) معنى كلامه في أوّل الرسالة عند قوله : انبجست منه الكثرات بجملتها لوحدته .

[20] - قوله : «وأمّا البارئ القيّوم فلا كثرة عنده أصلاً . . .» إلى آخره .

ص: 79


1- أثولوجيا : 134 .
2- تقدّم في الصفحة 6 .

···

وأمّا التكثّر الأسمائي والصفاتي والتكثّر الواقع في صور الأسماء أي الأعيان الثابتة فليس تكثّراً حقيقياً وجودياً ، بل التكثّر إمّا باعتبار معانٍ معقولة في غيب الوجود التي هي مفاتيح الغيب ويتعيّن به شؤوناته وتجلّياته ، فهي في الحقيقة موجودة في العقل غير موجودة في العين ، أو يرجع إلى العلم الذاتي ؛ لأنّ علمه تعالى ذاته بذاته أوجب العلم بكمالات ذاته في مرتبة أحديته ، ثمّ المحبّة الإلهية اقتضت ظهور الذات لكلّ منها على انفرادها متعيّناً في حضرته العلمية ثمّ العينية ، فحصل التكثّر فيها ، كذا قال بعض الأعلام نقلته مُلخّصاً(1) .

أو التكثّر يرجع إلى التكثّر بحسب مراتب السلوك ؛ فإنّ السالك في أوّل سيره يتأحّد عنده المتكثّرات ، ويلبس لباس الإطلاق على التعيّنات ، ويستهلك المُتفرّقات في حقيقة جمعية ، وينفي المتخالفات في ذاتٍ أحدية ، فعلاً كان أو أثراً ، صفةً كان أو ذاتاً ، فرجع الكلّ إلى أصلٍ واحد والجلّ إلى جذر فارد .

وفي أواخر هذا السلوك يلاقي الأعيان الثابتة وصور الأسماء الإلهية فيفنيها ويستهلكها في الذات ذي الصورة ، إلى أن يرحل راحلته إلى الحضرة الأسماء الإلهية ، ويُنيخ راويته إلى باب أبواب الربوبية ، فيرى الكثرة الأسمائية أوّل كثرة وقعت في دار الوجود ، ومنها نشأت الكثرات في الغيب والشهود ، فيستهلكها في الذات الأحد الفرد الصمد ، فيتجلّى عليه حضرة الواحد القهّار لا شريك له في

ص: 80


1- راجع شرح فصوص الحكم ، القيصري : 44 .

···

الذات والصفات والآثار والأفعال ، فيستهلك عنده بقوّة السلوك هذه الأسماء في الهويّة الغيبية ، فلايبقى من الكثرة عين ولا أثر ، ولا من السالك اسم ولا خبر ، فيترنّم لسان حاله وقاله بلسان الحقّ المُتعال ، ويقول : يا هو يا من هو يا من لا هو إلاّ هو .

كلّ ذلك بشرط رفض الأنانية وعدم بقاء جهات النفسانية ، وإلاّ فمع بقائها ولو يسيراً يتجلّى عليه في بعض مراحل السلوك عينه الثابت ، فيرى لنفسه بهجةً وبهاءً وقوّةً وسلطنةً، بل الربوبية والاُلوهية، فتصدر عنه الشطحيات، كقول بعضهم : ما أعظم شأني(1) وقول بعضهم : ليس في جبّ-تي سوى اللّه (2)، كلّ ذلك لنقصان السالك وبقاء الأنانيّة .

قال شيخنا العارف الكامل الاُستاذ الشاه آبادي - أدام اللّه ظلّه - : إنّ أكثر نشر العقائد الباطلة والأديان الغير الحقّة كان بدو انتشارها من المرتاضين وأهل السلوك الذين هم كانوا ناقصين في السلوك وبقيت جهات نفسيتهم ، هذا .

وبالجملة : فالكثرة على ما تلونا عليك كثرة شهودي سلوكي لا كثرة علمي - على ما أفاد بعض الأعلام - على ما عرفت آنفاً .

وممّا ذكرنا يظهر مغزى قول ذلك العارف الشارح الجليل والشيخ الكامل

ص: 81


1- راجع قوت القلوب 2 : 123 ؛ كشف المحجوب : 327 ؛ تذكرة الأولياء 1 : 140 .
2- راجع مفاتيح الغيب : 459 ؛ مثنوى معنوى : 648 ، دفتر چهارم، بيت 2125 .

وأمّا النفس فلمّا كانت مُتكثّرة القوى متفنّنة الأفاعيل من حيث شأنها ، مُختلفة الأطوار بحسب نزولها وصعودها ، وهي أيضاً مبدأ الاثنين ومنها ظهرت الاثنينية ، كما اُشير إليه في الحكمة القديمة من أنَّ النفس عدد مُتحرّك والعقل عدد ساكن(1) فالكثرة فيها مع الذات لا في الذات ، والوحدة فيها باعتبار أصلها ومن جهته تأحّدها(2) في انتهاء سيرها ورجوعها إلى أصلها كما بيّنّا .

النبيل : لا كثرة عنده تعالى لا في الذات ولا مع الذات ولا بعد الذات .

وإلى ذلك يرجع كلام مولانا وسيّدنا إمام الموحّدين والعارفين أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه وآله أجمعين : «كمال التوحيد نفي الصفات عنه»(3) .

وهذا مغزى كلام أهل البيت عليهم السلام : «أ نّه تعالى ذات علاّمةٌ سميعةٌ بصيرةٌ»(4) (علم كلّه قُدرةٌ كلّه)(5) إلى غير ذلك .

وهذا مرجع قول بعض أهل المعرفة : إنّ الذات الأحدية نائبة مناب كلّ الأسماء والصفات(6) لا على زعم المُعتزلة على ما حُكي عنهم(7) فاعرف هذا

ص: 82


1- أثولوجيا : 33 ، 136 ، 209 ؛ الشفاء ، الطبيعيات، كتاب النفس 2 : 15؛ الحكمة المتعالية 5: 226، و8: 244.
2- في نسخة «ل» : جهة حدّها بالعقل بدل : جهته تأحّدها .
3- الكافي 1 : 140 / 6 ؛ نهج البلاغة : 39 ، الخطبة الاُولى .
4- التوحيد، الصدوق: 139 / 2.
5- شرح الأسماء ، السبزواري: 80 .
6- راجع ما يأتي في الصفحة 109 - 110 ؛ شرح توحيد الصدوق، القاضي سعيد القمّي 1 : 116 و289 ، و3 : 107 .
7- شرح المنظومة 3 : 599 ؛ اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ، الفخر الرازي : 33 .

تبيان

في نقل ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في النفس

وممّا يؤكّد ما أصّلنا ويؤيّد ما أسّسنا ما روي عن أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه أنّه [21] سأله أعرابيّ عن النفس ، فقال عليه السلام له : «عن أيّ الأنفس تسأل؟» فقال : يا مولاي هل النفس أنفس عديدة؟

فإنّه باب واسع ينفتح منه أبواب كثيرة ، وقد أشرنا إلى لمحة منها في شرح بعض الأدعية(1) .

[21] - قوله : «سأله أعرابي عن النفس . . .» إلى آخره .

في هذا الخبر الشريف أسرار غريبة أشار إلى بعض منها ذلك العارف الكامل - رضي اللّه عنه - ونحن نُشير إلى لمحة منها بطريق الإجمال بعون اللّه المُتعال ، ويبقى الآخر تحت الأستار ، ولعلّه يكشف على قلب أهله وليّ الأسرار ، فنقول :

في إفراد القوّة في المواطن الأربعة إشارة خفيّة على ما هو التحقيق عند أصحاب الحكمة والعرفان وأرباب الطريقة والبرهان من أنّ القوى المتشتّتة النباتية والحيوانية والإنسانية - مع تشتّتها وكثرتها وتفرّقها بتفرّق محالّها - تجمعها حقيقة واحدة وكلمة فاردة(2) هذه الكثرات سدنتها ، وهذه المتفرّقات خدمها وحشمها ، كما صرّح بذلك في حديث كُميل بن زياد الآتي(3) حيث

ص: 83


1- شرح دعاء السحر: 75 ، في ذيل قوله «اللّهمّ إني أسألك من أسمائك بأكبرها» .
2- الحكمة المتعالية 8 : 221 .
3- يأتي في الصفحة 101 .

···

قال عليه السلام في كلّ من النفوس الأربعة أنّ له «خمس قوىً وخاصّيتان» وإن كانت النفوس الأربعة لها أحكام مُختلفة ، ولسدنتها وحشمها وجودات مُتفاوتة في الشدّة والضعف ، وفي بعضها كانت القوى والسدنة مُتّحدة الوجود مع النفس حدّاً ومرتبة وليست مُتكثّرة مُتشتّتة ، وليس هذا مقام تفصيلها وبسطها .

وأشار عليه السلام بقوله : «أصلها الطباع الأربع» إلى ما حُقّق عند المُحقّقين من الحُكماء العظام أنّ النفس جسمانية الحدوث وطلوعها يكون من المادّة الجسمانية وإن كانت بعضها روحانية البقاء(1) .

وأمّا قوله عليه السلام في النفس النباتية : «أصلها الطباع الأربع» وفي النفس الحيوانية : «أصلها الأفلاك» وفي النفس الكلّية : «أصلها العقل» وعدم التعرّض لأصل النفس النطقية فللإشارة إلى أنّ المادّة التي تفيض عليها النفس النباتية مادّة كدرة غير صافية ، بخلاف النفس الحيوانية؛ فإنّ مادّتها من جنس الأفلاك لها صفاء وخلوّ عن كدورات تلك المادّة الموجودة عندنا ، وأنّ النفس الكلّية الإلهية وإن كانت طليعة وجودها من مادّة صافية في كمال النقاوة، إلاّ أنّ هذه النفس لكمال روحانيتها وعلوّ شأنها قريبة الاُفق بعالم المجرّدات وقطّان عالم الجبروت ، فهي مُلحقة بالآباء العلويّة والجهات الفاعلية ، لا الاُمّهات السفلية والحيثيات القابلية ، حتّى ثبت عند أصحاب الكشف النوري أنّ الأنوار

ص: 84


1- الحكمة المتعالية 8 : 347 ؛ الشواهد الربوبية : 221 .

···

الإسفهبدية ماهياتها إنّياتها ، وأهل يثرب(1) الإنسانية لا مقام معلوم له ولا حدّ محدود عنده .(2)

وعدم التعرّض لأصل النفس الناطقة القُدسية فلعلّه لإلحاقها بالنفس الكلّية ؛

ولهذا قال في كلّ واحدٍ منهما : إنّها قوّة لاهوتية ، ويمكن أن يكون في قوله عليه السلام : «مقرّها العلوم الحقيقية» بالبيان الذي ذكره ذلك العارف العظيم ، مع قوله عليه السلام : «موادّ التأييدات العقلية» إشارة خفيّة إلى أنّ أصلها العقل كما لا يخفى على ذوي السابقة الحسنى .

وفي قوله : «أصلها الطباع الأربع» إشارة خفيّة إلى ردّ من زعم أنّ النفس هي المزاج(3) كما أنّ في عدّة مواضع منه إشارة ظاهرة إلى ذلك كما لا يخفى .

وأشار عليه السلام بقوله : «عادت إلى ما بدأت منه» إلى الكينونة السابقة التي لها في النشآت السابقة والعوالم العقلية كما هو رأي أفلاطون الإلهي(4)

وأشرنا سابقاً إلى الخلاف الذي بينه وبين مُفيد الصناعة الحكمية ، وفيه أيضاً إشارة إلى أنّ ما بدأت الأشياء منه عين ما انتهت إليه .

ص: 85


1- اقتباس من الآية الكريمة )يا أهلَ يَثْرِبَ لا مُقام لَكُمْ(. الأحزاب (33): 13 .
2- مجموعه مصنّفات شيخ إشراق، التلويحات 1 : 115 - 117 ؛ الحكمة المتعالية 1 : 43 و252 ؛ شرح المنظومة 2 : 216 .
3- بحار الأنوار 58 : 77 ؛ راجع الشفاء، الطبيعيات، الفنّ السادس 2 : 15 ؛ الحكمة المتعالية 8 : 244 .
4- الحكمة المتعالية 8 : 330 ، الهامش الأوّل، و331 .

···

ويُحتمل أن يكون قوله : «عود ممازجة لا عود مجاورة» إشارة إلى ما هو المُحقّق عند بعض أساطين الحكمة(1) أنّ القوى المُنغمرة في المادّة ما لم تتجرّد تجرّد الخيال معادها يكون بالاتّصال إلى العالم العقلي اتّصال الماء الذي في الكيزان على شاطئ البحر إذا انكسرت الكيزان واتّصل الماء بالبحر ، بخلاف القوى المجرّدة تجرّداً خيالياً والنفوس القُدسية النطقية؛ فإنّ رجوعها إلى عوالم الروحانيات مع بقاء فعلياتها التجرّدية ، وعندنا كلّ العوالم الوجودية من المراتب الغيبية والشهودية مرجعها إلى الإطلاق الوجودي والعدم المحض عند طلوع شمس الحقيقة وبروز سلطنة الوحدانية والمالكية المُطلقة ؛ فإنّ مقام المالكية مقام قبض الوجود ، كما أنّ مقام الرحمانية والرحيمية مقام بسطه وبسط كماله .

وهذا الذي ذكره ذلك الحكيم المتأ لّه غير ما ذكرنا ؛ فإنّ كلامه في مقام وكلامنا في مقام ، وإلى ما ذكرنا أشار العارف الحكيم المولوي في نظمه المثنوي بقوله بعد عدّة أشعار في مراتب السير إلى النشآت المتتالية والعوالم الوجودية .

پس عدم گردم عدم چون ارغنون *** گويدم كا نّا إليه راجعون(2)

وهذا من الأسرار فاحتفظ به ودعه يبقى تحت الأستار ، ولا تذعه على أهل هذه الدار ، فإنّهم من الأغيار ، وببالي أ نّي رأيت في سالف الزمان في «الكافي» الشريف مبلغ أسرار أهل الذكر والقرآن أنّ بعض نفوس المستضعفين من الإنسان

ص: 86


1- الحكمة المتعالية 9 : 252 وما بعدها .
2- مثنوى معنوى ، ص 512، دفتر سوم ، بيت 3906 .

···

يبطل ويهلك عند عروض الموت على الأبدان(1) وصرّح ذلك الحكيم المتأ لّه المتقدّم ذكره في بعض كتبه - على ما ببالي - بذلك المقال(2) كما أ نّه صرّح بأنّ مرجع الحركة والزمان وأشباههما إلى الهلاك والاضمحلال(3) وإن كان ذلك العارف الكامل الشارح عارضه وردّ عليه ونسبه إلى الغفلة والمُناقضة في الكلام(4) ، وعندي وجه جمع بين الرأيين بحيث يرتفع الجدال من البين ، وليس في هذا المختصر مقام البسط والتفصيل، عسى اللّه أن يوفّقنا لإفراد رسالة فيه إنّه هادي السبيل .

وفي قوله عليه السلام : «جوهرة بسيطة» إشارة بطريق اللمّ إلى أنّ النفس الكلّية الإلهية كلّ الأشياء بنحو الوحدة والجمعية ، كما أنّ في قوله عليه السلام : «حيّة بالذات» أيضاً إشارة لمّية إلى بقائها وعدم فنائها .

وقوله : «وعودتها إليه» وقوله : «وإليها تعود» مع كون الميعاد إلى ربّ العباد ، فهو إمّا مبنيّ على أنّ العود إلى كلّ واحد منها هو العود إليه تعالى ، بل التوجّه إلى كلّ موجود هو التوجّه إلى اللّه تعالى «فَأيْنَمَا تُوَلّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّه»(5) وورد عن

ص: 87


1- اُنظر الكافي 3 : 235 ، باب المسألة في القبر ومن يسأل ومن لا يسأل .
2- الحكمة المتعالية 8 : 375 - 376 ؛ الشواهد الربوبية : 224 - 225 ؛ مفاتيح الغيب : 551 - 552 .
3- الحكمة المتعالية 9 : 263 - 264 .
4- اُنظر ما يأتي في الصفحة 118 - 120 .
5- البقرة (2) : 115 .

···

رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله : «لو دُلّيتم بحبل إلى الأرض السفلى لهبطتم على اللّه»(1) وهذا من علم الراسخين والمتدبّرين في كلام الأئمّة المعصومين عليهم السلام .

وإمّا مبنيّ على ما هو التحقيق عندنا من أنّ عود الموجودات إلى اللّه تعالى بتوسّط الوليّ المُطلق صاحب النفس الكلّية الإلهية وواجد مرتبة العقل ، وأنّ الموجودات بمنزلة القوى والآلات والمتفرّعات من وجود الإنسان الكامل ، فكما أنّ بدو إيجادها من الحضرة الغيب بتوسّط ربّ الإنسان الكامل ، وفي الحضرة الشهادة بتوسّط نفس الإنسان الكامل ، كذلك عودها وختمها ، ولهذا كانت استقامة الاُمّة استقامة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، وورد منه صلّى اللّه عليه وآله عند قوله تعالى - في سورة هود - : «فَاسْتَقِمْ كَمَا اُمِرْتَ»(2) «شيّبتني سورة هود لمكان هذه الآية»(3) ، وإلاّ فهو صلّى اللّه عليه وآله بوجوده المقدّس ميزان الاستقامة .

وورد في بعض الأدعية عند الدعاء لبقيّة اللّه في الأرضين وحجّة اللّه على العالمين صاحب الأمر صلوات اللّه عليه وأرواحنا له الفداء بقوله : «أمناً يعبُدك

ص: 88


1- سنن الترمذي 5 : 78 / 3352 ؛ شرح فصوص الحكم ، القيصري : 837 ؛ الحكمة المتعالية 1 : 114 .
2- هود (11) : 112 .
3- علم اليقين 2 : 971 ؛ شرح المنظومة 3 : 625 .

فقال عليه السلام : «نفس نامية نباتية ، وحسّية حيوانية ، وناطقة قدسية ، وإلهية كلّية ملكوتية» .

قال : يا مولاي ما النباتية؟

قال عليه السلام : «قوّة أصلها الطبائع ، بدء إيجادها عند مسقط النطفة ، مقرّها الكبد ، مادّتها من لطائف الأغذية ، فعلها النموّ والزيادة ، وسبب فراقها اختلاف المتولّدات ، فإذا فارقت عادت إلى ما منه بدأت ، عود ممازجة لا عود مجاورة» .

فقال : ما النفس الحيوانية؟

قال عليه السلام : «قوّة فلكية وحرارة غريزية أصلها الأفلاك ، بدء إيجادها عند الولادة الجسمانية ، فعلها الحياة والحركة والظلم والغشم والغلبة واكتساب الأموال ، والشهوات الدنيوية ، مقرّها القلب ، وسبب فراقها اختلاف المتولّدات ، فإذا فارقت عادت إلى ما منه بدأت عود ممازجة لا عود مجاورة فتعدم صورتها ويبطل فعلها ووجودها فيضمحلّ تركّبها» .

فقال : ما النفس الناطقة القدسية؟

لايُشرك بك شيئاً»(1) مع كونه روحي له الفداء خالصاً عن أنحاء الشرك فعلاً

وصفةً وذاتاً ، فشرك الاُمّة وعبادتهم يعدّ منه ، لكونه الأصل وسائر الناس من فروعه .

وهاهنا أسرار ورموز نتركها خوفاً من أبناء الزمان والإطالة في البيان ، فإيّاك أن تفشو هذه الأسرار عند أهل هذه الديار .

ص: 89


1- مصباح المتهجّد : 404 .

قال عليه السلام : «قوّة لاهوتية ، بدء إيجادها عند الولادة الدنيوية ، مقرّها العلوم الحقيقية الذهنية ، موادّها التأييدات العقلية ، فعلها المعارف الربّانية ، سبب فراقها تحلّل الآلات الجسمانية ، فإذا فارقت عادت إلى ما منه بدأت ، عود مُجاورة لا عود مُمازجة» .

فقال : ما النفس اللاهوتيه الملكوتية؟

فقال عليه السلام : «قوّة لاهوتية ، وجوهرة بسيطة ، حيّة بالذات أصلها العقل منه بدأت وعنه دعت ، وإليه دلّت وأشارت ، وعودتها إليه إذا كملت وشابهت ، ومنها بدت الموجودات وإليها تعود بالكمال ، فهي ذات العليا وشجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنّة المأوى ، من عرفها لم يشقّ أبداً ، ومن جهلها ضلّ وغوى» .

فقال السائل : ما العقل ؟

قال عليه السلام : «جوهر درّاك محيط بالأشياء من جميع جهاتها ، عارف بالشيء قبل كونه ، فهو علّة للموجودات ونهاية المطالب»(1) . صدق وليّ اللّه .

تبيين : في شرح كلام أمير المؤمنين عليه السلام

حاشاي أن اجترئ على تفسير هذا الخبر ، ونشر الأسرار التي في ذلك الأثر ، لكنّ التعرّض لتنقيح دلالات بعض الألفاظ لأجل التنبيه والإيقاظ .

فقوله في النفس الحيوانية : «بدء إيجادها عند الولادة الجسمانية» لعلّه أراد بالولادة الجسمانية هي تمامية جسم الجنين في الرحم مُستعدّاً لظهور تلك القوّة ، وهي في الحقيقة تولّد بتكوّن الأعضاء والقوى الحيوانية عندها ، فيقبل ويستعدّ لإفاضة الروح الحيواني وظهوره من مكامن أستار الجسم الظلمانى ،

ص: 90


1- كلمات مكنونه : 76 .

وهو صفوة الحرارة الغريزية التي فاضت من الكواكب ، وهي من جنس الأجرام العلوية كما هو مذهب أرسطو ومن تابعه(1) . وإنّما عبّر عن هذه الإفاضة التي تكون بعد مُضيّ أربعة أشهر من مسقط النطفة بالولادة لأ نّها مبدأ ولادة الحيوان ، ولا تستعمل الولادة في غير الحيوان .

قوله في النفس الناطقة : «بدء إيجادها عند الولادة الدنيوية» أراد بها نزول المولود من الرحم عند المخاض ، وقد عرفت أنّ هناك ابتداء ظهور العقل الهيولاني .

قوله : «ومقرّها العلوم الحقيقية» معناه من المُعضلات عند العُقلاء ؛ إذ الظاهر الثابت عند الجمهور عكس ذلك ؛ لأنّ النفس محلّ للصور العقلية عندهم(2) .

أقول : وإنّما يتيسّر فهم ذلك بعد رفض ما في أيدي الظاهريين من الحكماء بأصلين شريفين برهانيين عند بعض عباد اللّه المساكين :

أحدهما : أنّ التعقّل ليس كما زعمه أتباع المشّائين ولا ما تراه أشياع الإشراقيين من القول بالحصول أو الحضور أو غيرهما من مذاهب أرباب الفضول(3) .

بل التعقّل إنّما هو برجوع النفس إلى ذاتها العقلية التي هي من تلك الجهة - على ما حقّقنا في بعض رسائلنا(4) - كلّ الأشياء ، وبعبارة : بوقوعها على بواطن

الأشياء المُندمجة(5) في ذاتها ، كما أنَّ إدراكها للمحسوسات إنّما هو بطلوعها

ص: 91


1- الشفاء ، الطبيعيات 3 : 403 .
2- الشفاء ، الطبيعيات ، الفنّ السادس 2 : 217 ؛ الحكمة المتعالية 8 : 290، و7 : 275 .
3- راجع الحكمة المتعالية 3 : 284 .
4- شرح الأربعين، القاضي سعيد القمّي: 117 .
5- في نسخة «ر» و«ل» : المندرجة بدل : المندمجة .

وشروقها من اُفق القوى ، وإشراقها من شرف الآلات وشبابك الأدوات وروازن الحواس ورواشن هؤلاء الجواسّ ، وبوقوعها على ظواهر الأجرام وسطوح الأجسام ، وأ نّها تفعل هذين الأمرين - أي التعقّل والإحساس - بقوّة واحدة هي نفس ذاتها ، وإنّما التكثّر وقع في الآلات لوقوعها في مواطن الكثرة والانقسامات ، نظير ذلك هذه الشمس المضيئة وشروقها من الكوى العديدة مع وحدتها العددية .

وثانيهما : أنَّ العلم لا يكون إلاّ بالاتّحاد بناءً على ما قلنا من كون النفس كلّ الأشياء على نحو يعرفه العرفاء .

فعلى هذين الأصلين يصحّ كون العلوم الحقيقية محلاًّ للنفس الكلّية ومقرّاً لها بالحقيقة ؛ لأ نّها لمّا طلبت علم شيء ممّا في نفسها توجّهت إلى ذاتها ، وهي من حيث كونها طالبة غيرُها من حيث هي مطلوبة ، فكأ نّها طارت من القفص الجسماني فوقعت لا محالة على وكرها الأصلي الذي هو ذاتها العقلية(1) فصارت المعقولات من هذه الحيثيّة محلاً لها ومقرّاً لوجودها .

وأمّا كون مادّة تلك النفس الشريفة هي التأييدات العقلية ، فلأنّ النفس صادرة عن العقل ، بل النفس عقل ظهر بصورة الشوق والمشيّة كما هو الحقّ ، فعلى هذا لا ريب أنَّ العقل هو الباطن والنفس هي الظاهرة : أمّا على الأوّل فلأنّ العلّة باطن المعلول ، وأمّا على الثاني فظاهر لا يخفى ، فيكون العقل بمنزلة المادّة والنفس بمنزلة الصورة ، وإنّما عبّر عن المادّة بصيغة الجمع لأنّ المدد العقلي يصل إلى النفس آناً فآناً ، والإشراقات العقلية تتنزّل منه إليها

ص: 92


1- في نسخة «م» : بعض الغواشي فوقعت على ذكرها الأصلي الذي هو وجودها العقلي بدل : القفص الجسماني فوقعت لا محالة على وكرها الأصلي الذي هو ذاتها العقلية . وفي نسخة «ل» : قصف الغواشي بدل : بعض الغواشي .

دائماً ، وإلاّ لم تبق هي قطعاً .

قوله : «عود مجاورة» وجه كون العود في الاُوليين بطريق الممازجة وفي الثالثه بنحو المجاورة ولم يتعرّض في الرابعة للعود أصلاً هو أنَّ السابقتين إنّما يتكوّنان من الأجسام اللطيفة على ما يظهر من الخبر ، وهو عند أرباب العقول من المُقرّر ، ولا ريب أنَّ الجواهر لا يعتريها الفساد والبطلان بالكلّية ، فحينما تتفرّق أجزاء البدن تبطل الصور والكيفيّات ويتّصل جوهره إلى كلّية الأجرام .

وأمّا الثالثة : فلمّا كانت مجرّدة غير مقدّرة ، فليس لها فساد ولا امتزاج ، فيجب أن تعود حين المفارقة إلى الأصل الذي بدأت منه بطريق المجاورة ؛ لأنّ المُجرّدات والأنوار القُدسية لها مقام معلوم لا تتخطّاه إلى غيره كما قال تعالى عنهم : «وَمَا مِنّا إلاّ لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ * وإنّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ»(1) وإن شئت زيادة الاستبصار في هذا المنهاج فاعتبر بحكاية المعراج وعدم تجاوز جبرئيل مقامه في سلوك السبيل(2) .

وأمّا الرابعة : فلمّا لم يكن لها ولادة ولا يعتريها فساد فلا عود لها إلاّ بالكمال إلى العقل الذي بدأت هي منه ، بأن تصير عقلاً محضاً في اليوم الذي برزت فيه البواطن ، ورجعت الفروع إلى الاُصول الكوامن ، وحشرت وحوش الجزئيات المُتفرّقة في بوادي الأمكنة وقوافل الأزمنة إلى أرض الكلّيات ، وعادت المعلولات إلى عللها الثابتات .

وبالجملة : هذه النفس الرابعة هي التي نحن بصدد شرحها في هذا الخبر .

قوله : «منه بدأت» بالهمزة في النسخ بمعنى ابتدأت ونشأت ، والظاهر أن

ص: 93


1- الصافّات (37) : 164 - 165 .
2- بحار الأنوار 18 : 364 / 70 ؛ و382 / 86 .

يكون بغير همزة بمعنى ظهرت .

قوله : «وعنه دعت» أي تلك النفس الملكوتية عن جانب العقل دعت الأنفس إلى رضوان اللّه الأكبر حيث بعثها رسولاً إلى اُمَم النفوس والأشباح ، يتلو عليهم آيات اللّه في المساء والصباح ، من إحداث بديع وإظهار شؤون في كلّ صنيع ، وتزكيتهم بالتنقّلات في الأحوال ليتحدّسوا بالرجوع إلى الكمال ، ويعلّمهم كتاب اللّه الذي هو الحقائق الموجودة ، وهي التصنيف الذي كتبه بيده المُقدّسة ؛ حيث أوجد تلك الحقائق بيده التي هي تلك النفوس الشريفة ، وتريهم حقائق تلك الأشياء بالإلهامات الربّانية ، وتدعوهم إلى عالم الغيب والشهادة .

وأمّا قوله : «ومنها بدت الموجودات» فعلى الناقص لا المهموز بمعنى ظهرت ، وفي التعبير عن صدور النفس عن العقل بالمهموز أي الابتداء ، وعن صدور الموجودات عن النفس بالناقص أي الظهور ، سرٌّ لطيف أظنّه لا يعرفه كلّ عريف ، وهو أنَّ صدور النفس عن العقل ليس بأن تكون هي مندمجة فيه ثمّ ظهرت منه ، بل هي هو شائياً بمشيّة اللّه كونه مصدراً لجميع ما تحته ، فظهور النفس من العقل ، بل ظهور الكلّ منه ابتدائي لا يسبقه أثر من النفس ؛ إذ العقل كما حقّقنا هو النفس الباطنة والنفس هي العقل الظاهر ، لا أ نّهما موجودان مُتباينان اتّصف أحدهما بالظهور والآخر بالبطون ، بل النفس هي العقل الظاهر بصورة الشوق والبارز بصفة المشيّة والتوق لإظهار الجواهر العقلية المودعة فيه .

وأمّا الموجودات الصادرة من النفس وهي أنوار عقلية وجواهر روحانية مندمجة في العقل ، فالنفس موجودة بالوجود العقلي المُتأحّد بالعقل ، كما أومأنا إليه آنفاً ، فصدورها عن النفس ليس ابتدائياً ، بل ظهور بعد بطون وبروز غبّ كمون ، حيث ابتدأت من البارئ الأوّل في العقل ثمّ ظهرت في النفس العقلية ،

ص: 94

فقاطبة الحقائق [22] بالنظر إلى البارئ القيّوم ابتدائية ، وبقياس بعضها إلى بعض اختلفت أحكامها بالابتداء .

وإلى الحكم الأوّل اُشير في زبور آل محمّد صلوات اللّه عليهم بقول مولانا السجّاد : «إذ كلّ نعمك ابتداء»(1) .

وكأ نّه أراد الحكم الثاني بعض المشايخ حيث قال في شأن الموجودات : «هي شؤون يبديها لا شؤون يبتديها»(2) .

أي هذه الموجودات بالقياس إلى النفس الملكوتية - التي وقعت في اُفق عالم الوجوب والإمكان وهي البرزخ الذي بينهما لكي لا يبغيان ، فهي عقل من الجنّة العالية ونفس من الجنّة السافلة .

[22] - قوله : «بالنظر إلى البارئ القيّوم ابتدائي . . .» إلى آخره .

ما حقّق ذلك العارف الكامل - رضي اللّه عنه - حقّ محقّق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه كيف؟! وهو - جلّ برهانه - قائم على كلّ النفوس بما كسبت وليس بينه وبين خلقه حجاب مسدول ولا حدّ مفصول ، و)مَا مِنْ دَابّةٍ إلاّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا((3) والأخذ بالناصية هو القيمومية المطلقة ، فهو تعالى بهويّته المطلقة آخذ بالنواصي ، وما من موجود إلاّ وله ربط خاصّ مع خالقه ، كيف ؟! والوجود هو الربط إلى الحقّ المُتعال والتقوّم بالربّ ذي الجلال .

ص: 95


1- الصحيفة السجّادية الجامعة : 76 .
2- هو قول الحسين بن الفضل السرخسي البلخي المتوفّى 282 ق . اُنظر الكشّاف 4 : 448 ؛ القبسات : 122 ؛ اُصول المعارف : 27 و94 .
3- هود (11) : 56 .

···

وأمّا الذي قرع سمعك من الطريقين من : «أنّ للّه سبعة حجب أو سبعين حجاباً أو سبعمائة حجاب أو سبعين ألف حجاب من نور وظُلمة»(1) فإنّما هي سرادقات جلال الحقّ عن بصائر الخلق ، وحجب وجه الشمس الظاهر عن تلك المسجونات خفافيش البصائر ، فإنّ أصلها التعيّنات الخلقية ، وليس المقيّد محجوباً عن المطلق وإن كان المطلق محجوباً عن المقيّد بالحجاب الذي هو القيد، وأشار العارف الشيرازي إلى ما ذكرنا بقوله :

تو خود حجاب خودى حافظ از ميان برخيز(2) .

وهاهنا أسرار لا رخصة لإفشائها .

والحاصل : ما ذكره ذلك العارف الجليل حقّ موافق لكشف أرباب الأذواق والطريقة ومُشاهدات أصحاب السلوك والحقيقة ، وفقاً للبراهين الحكمية(3) والآيات القرآنية(4) والآثار النبويّة(5) لكن ما جعله التحقيق لكلام بعض أهل المعرفة في شؤون الموجودات مُخالف لظاهر كلامه ؛ فإنّ الظاهر منه أنّ ذلك الحُكم لايختصّ بموجود من الموجودات ولا عالم من العوالم النازلات أو العاليات بل سارٍ في جميع مراتب الوجود من الأرواح العالية والنفوس الكلّية

ص: 96


1- راجع بحار الأنوار 55 : 44 / 9 - 12 .
2- ديوان حافظ : 383 ، غزل 316 .
3- الحكمة المتعالية 2: 292، 299، 356.
4- الحديد (57) : 3 .
5- تقدّم تخريجه في الصفحة 88 ، الهامش 1 .

···

والموجودات النازلة ، وهذا العارف الشارح خصّه بالموجودات النازلة عن مقام النفوس الكلّية والحكم في النفوس غير ما ذكر .

وهذا مبنيّ على ما زعم من أنّ النفس هو العقل الظاهر ، والعقل هو النفس الباطن ليسا حقيقتين مُتباينتين ، بخلاف سائر الموجودات . وعندي في ذلك نظر ظاهر ليس هاهنا مقام بسطه وتفصيله ، والعمدة فيه هو تفكيكه بين الموجودات في ذلك .

والآن نطوي الكلام بذكر مراد العارف المذكور من كلامه في شأن الموجودات ، ولعلّ نظره إلى بطونها في الذات الأحدية وكونها في النشأة العلمية كون ثبوت لا وجود ، فإنّ العلّة باطن المعلول كما هو المُحقّق عند أهله(1) وصرّح به ذلك العارف في كلامه وأشار إلى ذلك في الكتاب الإلهي بقوله : «وإنْ مِنْ شَىْ ءٍ إِلاّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزّلُهُ إِلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ»(2) وفي الآثار الرضوية عليه الصلاة والتحيّة قريب بذلك المضمون : «كلّ ما هنالك يعلم ممّا هاهنا»(3) . واحتفظ بهذا وتبصّر .

ص: 97


1- الحكمة المتعالية 2: 299.
2- الحجر (15) : 21 .
3- التوحيد ، الصدوق : 438 ، مع اختلاف .

«شؤون يبديها» ؛ أي يظهرها للنفس بعد ما خفيت في ذاتها العقلية وبطنت في جنبتها العالية ، وليس ذلك ابتداء وجود تلك الأشياء ، بل ابتداء وجودها في المرتبة العقلية ؛ حيث صدرت من بارئها القيّوم -

تعالى شأنه - صدوراً عقلياً جُملياً وحدانياً مع العقل بالمعنى الذي يعرفه الكمّل من أهل الإشراق(1) وليس غرض هذا العارف كما فهمه أكثر أرباب الأذواق ، من أنَّ ذلك للموجودات بالنظر إلى مبدأ الكلّ تعالى ، كيف؟! وقد تقرّر في الاُصول العرفانية عند أهل العناية السابقة أنَّ الموجودات بقضّها وقضيضها وكلّياتها وجزئياتها وغابراتها وماضياتها بالنظر إلى اللّه - جلّ برهانه - صادرة في آنات وجودها ومراتب شهودها ابتداء ، وليس لها بالنظر إليه - عزّ شأنه - إلاّ الظهور الابتدائي(2) لا غير كما يومئ بذلك ما في الأدعية السجّادية ، وقد مرّ واحد منها(3) .

ولا أظنّ أنَّ هذا العارف أراد بذلك الذي توهّم البعض ؛ لأ نّه أجلّ شأناً من أن يتوهّم ذلك فيه ، لكن لا يعرف هذا الذي قلنا إلاّ من له قدم راسخ في التجريد ، ومن اللّه العون والتأييد .

قوله : «ذات العليا» هكذا في النسخ التي عندنا ، ويمكن أن يكون الموصوف مقدّراً ؛ أي ذات الحقيقة العليا بمعنى صاحبتها ، فيكون إشارة إلى الذات العقلية التي للنفس ، وإلى أنَّ النفس عقل بالذات كما أنَّ العقل نفس بالعرض .

قوله: «وشجرة طوبى وسدرة المنتهى» هما الحقيقة الإنسانية العقلية التي

ص: 98


1- راجع ما تقدّم في الصفحة 69 - 70 .
2- راجع : شرح توحيد الصدوق، القضي سعيد القمّي 1 : 99، و 3 : 224 ؛ الفتوحات المكّية 1 : 125 .
3- تقدّم تخريجه في الصفحة 95.

وصل نبيّنا صلّى اللّه عليه وآله في معراجه إليها فتجاوز عنها وتخطّاها إلى ما شاء اللّه (1).

وفي الخبر : «لسدرة المُنتهى غصون وأوراق وجذر وفرع ، فرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله جذرها ، وعليّ عليه السلام فرعها ، والأئمّة أغصانها ، وشيعتهم أوراقها»(2) .

وفيه إشارة إلى أنَّ هؤلاء هم الإنسان وغيرهم رعاع وأنعام بل هم أضلّ .

قوله : «محيط بالأشياء من جميع جهاتها» إشارة إلى الإحاطة العقلية التي للعقل والاشتمال الجملي الذي منه لكافّة الفرع والأصل ، وقد عرفت البرهان على ذلك(3) ، ولنذكر هاهنا برهاناً على إحاطته من جميع جهات الأشياء حتّى يتصحّح من ذلك قول المعلّم الأوّل : أنَّ للعقل شكلاً مُستديراً(4) وكذا قول الحكيم الغزنوي قدّس سرّه في الفارسي .

آسمانهاست در ولايت جان *** كار فرماى آسمان جهان(5)

وخلاصة البرهان : أ نّه قد ثبت في مقرّه أنَّ العلّة محيطة بالمعلول ، وأنَّ الصادر الأوّل علّة لكلّ مادونه ، فلو لم يكن مُحيطاً من جميع الجهات لزم أن يستغني عنه من الجهة التي لم تحط العلّة منها ، وهذا خلف . فوجب أن تكون

ص: 99


1- بحار الأنوار 18 : 328 / 34 .
2- بصائر الدرجات : 78 - 80 ، باب 2 .
3- تقدّم في الصفحة 77 - 78 .
4- أثولوجيا : 130 .
5- هذا البيت ليس موجوداً في أكثر النسخ المطبوعة والخطّية من «حديقة الحقيقة» للحكيم السنائي، لكن نقل عنه المولوي في المثنوي وغيره . مثنوي معنوي : 92 ؛ تذكرة رياض العارفين : 418 ؛ وراجع : شرح مثنوي شريف ، فروزانفر 3 : 836 .

محيطة من جميع الجهات .

ولما كانت الحقائق العقلية بل كلّ حقيقة إمكانية فإنّها محدودة ، أمّا الأجسام فظاهرة ، وأمّا غيرها من الفواعل العوالي فأحد طرفيها بفاعلها والآخر بمعلولها ، فجميع الأشكال العقلية على الاستدارة الحقيقية ، وأمّا اللّه سبحانه فلا حدّ له أصلاً حتّى يكون شيء ينتهي إلى حدّه أو ينتهي هو إلى حدّ شيء ، بل تنتهي عنده الأشياء وحدودها؟ وذلك لأ نّه «مع كلّ شيء لا بمقارنة ، وغير كلّ شيء لا بمزايلة»(1) وليس معه شيء أزلاً وأبداً ، خلافاً لمن يزعم خلاف ذلك ، فهو - عزّ برهانه - كالمركز ، وقد صرّح أرسطو بأنّ المركز في الأشكال العقلية بخلاف المركز في الأشكال الحسّية ؛ لأ نّه في الجسمانيات تحيط به الدائرة ، وفي الأشكال العقلية هو محيط بها(2) وفهم ذلك عسير جدّاً ، فالمركز هو الأصل ، وبهذا كان في عالم الأجسام خلق الأرض متقدّماً على السماوات .

وفي هذا الحديث الشريف أسرار كثيرة وعلوم عديدة : من بيان حقيقة النفوس الأربع ، ومادّية بعضها ، وتجرّد بعض آخر ، واتّصال المُجرّد منها بالعقل ، ومن حقيقة العقل ، واشتماله على جميع الأشياء ، وأ نّه نهاية النهايات ، وغير ذلك ممّا لا يحصى ولا تنالها أيدي أفاضل الحكماء ، فطوبى لمن غاص في بحارها ، وخاض في أنوارها ، والحمد للّه على منّه وفضله .

ص: 100


1- نهج البلاغة : 40 ، الخطبة الاُولى .
2- أثولوجيا : 64 .

تشييد

في نقل رواية اُخرى عن أمير المؤمنين في النفس

وعنه - صلوات اللّه عليه - على ما نقل عنه شيخنا العارف بهاء الملّة والدين مُحمّد العاملي قدّس سرّه في مجموعته المُسمّى ب «الكشكول» ، عن كميل بن زياد قال : سألت مولانا أمير المؤمنين عليه السلام فقلت : يا أمير المؤمنين ، اُريد أن تعرّفني نفسي؟

قال : «يا كميل أيّ الأنفس تريد أن اُعرّفك؟»

قلت : يا مولاي هل هي إلاّ نفس واحدة؟!

قال عليه السلام : «يا كميل إنّما هي أربعة : النباتية النامية ، والحسّية الحيوانية ، والناطقة القدسية ، والكلّية الإلهية ، ولكلّ من هذه خمس قوىً وخاصّيتان :

فالنباتية النامية لها خمس قوىً : جاذبة وماسكة وهاضمة ودافعة ومربّية ، ولها خاصّيتان : الزيادة والنقصان ، وانبعاثها من الكبد .

والحسّية الحيوانية لها خمس قوىً : سمع وبصر وذوق ولمس وشمّ ، ولها خاصّيتان : الرضا والغضب ، وانبعاثها من القلب .

والناطقة القدسية لها خمس قوىً : فكر وذكر وعلم وحلم ونباهة ، وليس لها انبعاث ، وهي أشبه الأشياء بالنفوس القدسية الملكية ولها خاصّيتان : النزاهة والحكمة .

والكلّية الإلهية لها خمس قوىً : بقاء في فناء ، ونعيم في شقاء ، وعزّ في ذلّ ، وفقر في غناء ، وصبر في بلاء ، ولها خاصّيتان : الرضا والتسليم وهذه التي مبادئها

ص: 101

من اللّه وإليه تعود ، قال اللّه تعالى : «وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِى»(1) وقال تعالى : «يَا أيَّتُهَا النَّفسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِى إِلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضيّةً»(2) والعقل وسط الكلّ»(3) .

توضيح ما في ألفاظ هذا الخبر من الإبهام والإشكال

اعلم أنَّ في استفهامه عليه السلام بأيّ الأنفس حينما سأله كميل عن تعريفه نفسه إيماءً لطيفاً إلى أنَّ هذه الأربع يمكن أن تحصل لسائر الناس ، ولمّا استحال تعدّد النفوس لشخصٍ واحد - كما برهن عليه في موضعه(4) ، بل ذلك قريب من البديهي لمن تجافى عن تعسّفه ورجع إلى نفسه - فقد ظهر للمستبصر أنَّ تلك الأربع إنّما هي قشور وألباب ، بعضها فوق بعض على نظام ونسق متّسق كما يشير إليه قوله سبحانه : «لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ»(5) وإنّما التفاوت في الأنواع والأشخاص بظهور بعضها في نوع أو شخص وكمون بعضها فيه إلى حيث ينتهي في الشرف إلى شخص يظهر فيه الكلّ ، وفى الخسّة إلى آخر يبطل فيه القلّ والجلّ ، كما قال سبحانه : «تَزْهَقَ أنْفُسُهُم»(6) وقال تعالى : «فَأنسَاهُمْ أنْفُسَهُمْ»(7) إلى غير ذلك من الآيات .

ص: 102


1- الحجر (15) : 29 ؛ ص (38) : 72 .
2- الفجر (89) : 27 - 28 .
3- الكشكول 2 : 187 .
4- الشفاء ، الطبيعيات ، كتاب النفس 2 : 222 - 223 ؛ الحكمة المتعالية 8 : 133 .
5- الانشقاق (84) : 19 .
6- التوبة (9) : 55 .
7- الحشر (59) : 19 .

ومن أمارات التطابق المذكور كون الكلّ ذوات خمس قوى وخاصّيتين ؛ فإنّ ذلك مُشعر بأنّ كلّ لاحقة هي تنزّل السابقة ؛ لكونها لمّا علمت إذا خطرت بالبال في عالمها ما يوجب سقوط جناحها الذي تطير به في فسحة الجنان وقعت في شبكة تلك اللاحقة ، وهكذا إلى أن هبطت إلى الأرض السافلة ، وأنَّ هذه اللاحقة إذا ارتاضت بما يوجب ارتياشها ، وتخلّصت من الذنوب التي أحاطت بها ، من التعبّد بالأحكام الإلهية والتقلّد بالنواميس الربّانية ، طارت إلى وكرها الأصلي ورجعت إلى عالمها العلوي .

فلنشرع في تطبيق القوى في المراتب الأربع على الولاء .

فنقول : بالحريّ أن نذكر ذلك بين كلّ مُتجاورين ليظهر من ذلك انطباق الكلّ في البين :

فاعلم أنّ الجذب يضاهي السمع ؛ لأنّ جذب الصماخ للصوت يصير سبب السماع .

والإمساك يضاهي الإبصار بناءً على ما هو الحقّ عندنا من أنَّ الإبصار إنّما يكون في خارج باستيلاء نور النفوس على ظاهر الشيء المحسوس كأ نّه يحفظه ويمسكه لتنال النفس منه ما تنال ، وقد تقرّر أيضاً في مدارك أرباب الأذواق الإلهية أنّ إمساك السماوات والأرض وما فيهما إنّما يتسبّب عن الاسم البصير ، ولذلك ورد في تفسير قوله تعالى : «وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِى»(1) أي على حفظي(2) وقال تعالى : «مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْ ءٍ بَصِيرٌ»(3) .

والهضم يضاهي الذوق ؛ لأنّ تلك القوّة مبدأ مبادئ الهضم .

ص: 103


1- طه (20) : 39 .
2- التوحيد، الصدوق: 164، ذيل الحديث 1.
3- الملك (67) : 19 .

وكذا الدفع يضاهي اللمس ؛ لأنّ عمدة منافع اللمس رفع المُنافر .

وكذا التربية تضاهي الشمّ ؛ لأنّ القوى الدماغية هي العمدة في التربية .

ثمّ البصر يحاذي الفكر ؛ لأنّ النظر أصل الفكر في عالم الكون ، كما أنَّ الفكر أصل النظر في العالم العلوي .

وكذا السمع يحاذي الذكر الذي اُريد به قوّة الحفظ ، وقد دريت أنَّ الجذب والحفظ من السمع .

وكذا الذوق يحاذي العلم ؛ لأنّ العلم غذاء الروح .

وكذا اللمس يحاذي الحلم ؛ لأنّ تلك القوّة إنّما شأنها تحمّل المشاقّ من توارد الحرّ والبرد ، ولكونها مُتسبّبة عن لينة الأعصاب إلى مرتبة يتأتّى منها الإحساس اللمسي .

وكذا الشمّ يحاذي النباهة التي هي طلب الشرف والرفعة ؛ لأ نّها تنشأ من الدماغ الذي هو معدن تلك القوّة .

ثمّ البقاء في الفناء إنّما يتحصّل من النظر والفكرة في الأشياء بأ نّها لا شيئية لها إلاّ باللّه تعالى .

والنعيم في الشقاء إنّما يكون بتذكّر الحقائق المُنتزعة من الكائنات ، وتصفية تلك الأنوار من كدورات الجسمانيات .

وكذا العزّ في الذلّ إنّما يتيسّر بالرياضات العلمية .

والفقر مع الغناء إنّما يحصل بالحلم وتحمّل المشاقّ مع الاستغناء عن الناس .

وكذا الصبر مع البلاء ؛ لأنّ العزّة في أيّ موطن تراد إنّما تتأتّى بالصبر على المصائب والبلاء .

إيضاح : في شرح الخبر

المراد بالقوّة المربّية في قوى النفس النباتية هي النامية ، ولعلّ المُراد بالفكر

ص: 104

في قوى الناطقة هي القوّة المدركة أعمّ من أن تكون مدركة الصور أو المعاني ، وبالذكر القوّة الحافظة كذلك ، وبالعلم القوّة النظرية ، وبالحلم القوّة العملية(1) وبالنباهة القوّة الحدسية .

ويمكن في الثلاثة الاُول أن تكون هي مراتب القوّة النظرية وفي الأخيرتين كما ذكرنا .

وبالجملة : لا ريب أنَّ القوى إذا استعملت فيما يليق بها وفيما تخلق لأجلها يورث النزاهة والتجرّد من الموادّ ، والتقدّس عن مذامّ الصفات والأخلاق على الوجه السداد ، وينجي من الوقوع في شكوك الأهواء والتورّط في مضلاّت الآراء ، ويوجب العلم بحقائق الأشياء والمعرفة بكيفيّة الترقّي من المُسبّبات إلى أسبابها ، بل يورث التحقّق بتلك الحقائق والتعلّق بهذه الرقائق كما قيل في مرتبة العقل بالفعل .

وأمّا قوى النفس الكلّية الإلهية ، فاعلم أنّ كلمة «في» كلّما وردت في مثل هذه المواضع فهي للسببية ، مثلها في قوله صلّى اللّه عليه وآله : «إنّ امرأة دخلت النار في هرّة»(2) فالبقاء الدائم لا يمكن إلاّ بالفناء عن كلّ شيء حتّى عن الفناء(3) والنعيم

الدائم لا يحصل إلاّ بتحمّل المشاقّ ومقاسات الشدائد واستدامة هذا الذواق ، وكذا العزّة الثابتة عند اللّه لا تنال إلاّ بالذلّ بين الناس «تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لاَ يُريدُونَ عُلُوّاً فِى الْأرْضِ وَلاَ فَسَاداً»(4). وكذا الافتقار الكلّي إلى اللّه لايحصل إلاّ بالإياس عن الناس ، وإنّهم لا يملكون ضرّاً ولا نفعاً بالبرهان والقياس ودرجة

ص: 105


1- في نسخة «ل»: العلمية.
2- المسند، أحمد بن حنبل 9: 510 / 10532.
3- في نسخة «ل» : الغناء .
4- القصص (28) : 83 .

الصابرين لا يوصل إليها إلاّ بأن «لِكَيْلا تأسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ»(1) .

وفي قوله صلوات اللّه عليه : «والعقل وسط الكلّ» تصريح بأنَّ هذه النفوس كالدوائر بالعقل ، فهو بمنزلة المركز ، غير أنَّ المركز في الدوائر العقلية هو المحيط بالدائرة بخلافه في الدوائر الجسمانية ، ومن ذلك يظهر أيضاً أنّ الكلّ قشور لهذا اللبّ ، وأ نّها مراتب تنزّلات ذلك النور من [23] شبّ إلى دبّ(2) .

وذكر الآيتين للاستشهاد على أنَّ بدو هذه الأنفس من اللّه ذي الجلال والإكرام وإليه عودها بالكمال ، فقوله تعالى : «وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِى»(3) لبيان الابتداء ، وقوله جلّ وعلا : «يَا أيَّتُهَا النّفْسُ المُطْمَئِنَّة * ارْجِعِى إلَى رَبِّكِ راضِيَةً مَرضِيّةً»(4)

لبيان الإعادة ، فتبصّر .

[23] - قوله : «دبّ إلى شبّ ».

كذا في النُسخة التي عندنا ، والظاهر أ نّه من خطأ الناسخ ، والصحيح من شبّ إلى دبّ ؛ أي من الشباب إلى أن دبّ على العصا . قاموس(5) .

ص: 106


1- الحديد (57) : 23 .
2- في نسخة «ل» التي كتبت تعليقات الإمام الخميني قدس سره على حواشيها : «دبّ إلى شبّ» والصحيح ما أثبتناه ، كما تنبّه عليه الإمام الخميني قدس سره .
3- الحجر (15) : 29 ؛ ص (38) : 72 .
4- الفجر 89: 27 - 28.
5- القاموس المحيط 1 : 67 ، «دَبَبَ» .

المبحث الثالث

[24] في أنّه سأل عن الموجَد الموجِد

والجواب أنّه الطبيعة الكلّية والعناية الرحمانية والقوّة الجوهرية الفائضة عن النفس الكلّية الإلهية لتدبير العوالم المادّية من العلوية والسفلية ، وهي مظهر الإرادة الرّبانية كما في «توحيد المُفضّل» من قول مولانا الصادق عليه السلام : «إنّ الطبيعة تفعل بإرادة اللّه»(1) وهي الفاعلة في العالم الكوني الفعل الذي يقابل الانفعال ، ونسبة الإيجاد الفعلي - المقابل للانفعال التدريجي - إليها دون نظيرتيها السابقتين لوجهين :

[24] - قوله : «في أ نّه سأل عن الموجَد الموجِد . . .» إلى آخره .

والآن لك أن تُطبّق الموجَد الموجِد على النفس الكلّية الإلهية على ما سمعت شرحها من ذلك العارف الجليل ، وليست محتاجة إلى الشرح والتفصيل ، ويبقى الوجهان اللّذان أوردهما من أنّ الصنع والإيجاد يقال لعالم الخلق والنفس من

ص: 107


1- بحار الأنوار 3 : 67 و149 .

···

عالم الأمر ، وأنّ تينك المرتبتين اللّتين يُعبّر عنهما في لسان الشرع بعالم الأسماء والصفات فحسب ، فليستا من عالم الخلق من شيء ، فنقول تحقيقاً في الجواب وتبييناً للصواب :

إنّ كلّ ما له تعلّق بالمادّة - أيّ تعلّق كان تعلّقاً ذاتياً أو تعلّقاً فعلياً ، سواء كان من القوى المنطبعة فيها النازلة في منزلها الهابطة عن عالم القدس الراحلة عن محلّ الاُنس ، أو من الموجودات المتوسّطة والقاطنين في البرازخ الملزومة لصفات المادّة وحيثياتها ، أو من العوالي والملائكة السماوية المتعلّقة بها تعلّقاً تدبيرياً - هو من عالم الخلق ، ويُطلق عليه اسمه ويظهر فيه رسمه ، ويكون إطلاقه عليه شائعاً في لسان أرباب الحكمة والمعرفة(1) وأهل بيت الوحي والنبوّة .

نعم ، هذا حقّ في المرتبتين السابقتين اللّتين عرفتهما في تلك المُسودّات ، وبالخصوص المرتبة الاُولى التي هي نفس المشيّة التي هي حقّ مخلوق به .

ومن غريب الاتّفاق أ نّي عثرت على كلام من ذلك العارف الكامل عند التعرّض لكلامه هذا في كتاب شرح توحيد شيخنا القمّي صدوق الطائفة رضي اللّه تعالى عنه ، وهو من أعظم مصنّفات ذلك العارف ، وأرفع كتب الشيعة في المعارف ، وليس عندنا منه إلاّ الجُزء الثالث الذي استسعدت لزيارته بعد ما شرعت في تلك المسودّات ، قال رضي اللّه عنه عند قول مولانا وسيّدنا

ص: 108


1- اصطلاحات الصوفية : 106 ؛ الحكمة المتعالية 3 : 127 .

···

أبي الحسن الرضا عليه السلام في تفسير حروف المعجم : «إنّ أوّل ما خلق اللّه عزّ وجلّ ليعرف به خلقه الكتابة حروف المُعجم»(1) بعد كلام طويل بهذه العبارة : «فلعلّ المعنى - أي معنى الحديث الشريف - أنّ أوّل ما خلق اللّه تعالى أوّليته باعتبار أنّ أثر الإبداع يقال له الخلق ، أو باعتبار أنّ كلّ ما من شأنه أن يتعلّق بالمادّة تعلّقاً - أيّ تعلّق كان - يُستعمل فيه الخلق»(2) . انتهى موضع الحاجة .

وقد صرّح - في كلام أفاده قبيل ذلك الكلام تركناه مخافة التطويل - أنّ الإبداع هو العقل ، وأثر الإبداع - الذي هو الحرف - عبارة عن النفس(3) ، وهذا الكلام هو الموافق للتحقيق .

وأمّا قوله : «إنّ تينك المرتبتين هما عالم الأسماء والصفات ، والفرق بينهما أنّ المرتبة العقلية هي الأسماء والصفات الذاتية والمرتبة النفسية هي الأسماء والصفات الفعلية» .

فهو وإن كان له وجه صحيح ، إلاّ أنّ الأسماء والصفات الذاتية على الحقيقة هي التي ثابتة لذاته المقدّسة المُستجنّة في الذات المُتعال بحسب الشؤون والأطوار والتجلّيات الذاتية .

وقد حمل ذلك العارف الجليل قول أبي عبداللّه عليه السلام : «ذاتٌ علاّمة

ص: 109


1- التوحيد ، الصدوق : 232 / 1 .
2- شرح توحيد الصدوق، القاضي سعيد القمّي 3 : 316 .
3- شرح توحيد الصدوق، القاضي سعيد القمّي 3 : 315 .

···

سميعة بصيرة»(1) على كون الذات الأحدية بنفس ذاته الشريفة نائبة مناب هذه الصفات ، وقد ورد من طريق أهل البيت عليهم السلام : «لم يزل اللّه جلّ وعزّ ربّنا والعلم ذاته ولا معلوم ، والسمع ذاته ولا مسموع ، والبصر ذاته ولا مُبصر ، والقُدرة ذاته ولا مقدور . . .»(2) إلى غير ذلك(3) .

والحاصل : أنّ الأسماء والصفات الذاتية أجلّ ممّا ذكره ذلك العارف الجليل ، وأقدس ممّا يناله يد التحديد والتقدير ، وأنزه ممّا يحوم حول حضرته التقييد والتكثير ، وقد عرفت(4) فيما سبق من التفصيل ، وانفتح على قلبك بأوضح سبيل ، أنّ مراتب الوجود من مُجرّدها ومادّيها من تعيّنات المشيّة معتنقات بالتحديد والتكثير ، متلازمات بالتقييد والتقدير ، كما يراه أصحاب القلوب من الأحرار وأرباب السابقة الحسنى من ذوي الأسرار .

وأمّا الأسماء والصفات الفعلية فهي جميع مراتب الوجود ، وسلسلة النزول والصعود من عوالم الغيب والشهود ، لايختصّ بمرتبة من المراتب ولا بحدّ من الحدود ، كما هو المحقّق في محلّه والمبيّن عند أهله وقد فصّلنا القول في بعض الرسائل(5)

وليس هاهنا محلّ التحقيق والتفصيل .

ص: 110


1- التوحيد ، الصدوق : 139 / 2 .
2- التوحيد ، الصدوق : 139 / 1 .
3- راجع شرح توحيد الصدوق ، القاضي سعيد القمّي 2 : 466 - 467 .
4- تقدّم في الصفحة 74 - 75.
5- شرح چهل حديث، الإمام الخميني قدس سره، حديث 35 ؛ شرح دعاء السحر : 97 .

أحدهما : أنَّ الصنع بل الإيجاد باعتبارٍ ممّا يقال في الحقيقة على عالم الخلق الذي يقع فيه الفعل والانفعال التجديديين والتحريك والتحرّك الزمانيين ، ومبدأ ذلك العالم من تلك القوّة الشريفة النورية التي هي مظهر الرحمة الإلهية من الاسم الرحمان؛ لأنّه نفخ هذه الصورة الشريفة في المادّة القابلة الكلّية تنفّس الجسم - الذي هو العرش من وجه - تنفّس الصعداء ، وباستنشاق المادّة ذلك النفس الرحماني من قبل اليمن ؛ أي الوادي الأيمن من عالم الأرواح، انتظم نظام العلويات والسفليات برمّتها(1) .

وأمّا المرتبتان المُقدّمتان - أي العقل والنفس - فهما من عالم الأمر ومنزل القدس والكمال ، ولا يجري هناك الفعل والانفعال ولا الحركة والانتقال ، بل إنّما تترتّب الآثار على المؤثّرات في ذلك العالم الشريف بمحض التعقّل والشوق ،

وقد تحقّق عند مدارك أصحاب العلم والحكمة(2) أنّ الإيجاد في العوالم الخلقية

والصنع في المراتب النازلة كلّما تحقّق فهو من ناحية النفس أيّة نفس كانت ، وأمّا العقل فقد عرفت حاله ، والجسم والصورة والهيولى فليس من شأنها الإيجاد والصنع ، والقوى الجسمية من آلات النفوس النباتية أو الحيوانية أو الإنسانية ومظاهرها ، لا استقلال لها في التأثير والإيجاد . فتحقّق ممّا مرّ عليك أنّ الموجَد الموجِد أخصّ صفة من صفات النفس ، وأوضح علامة من علاماتها ، فتبصّر .

ص: 111


1- في نسخة «ر» إضافة : إذ ينفخ هذه الصورة الشريفة وبتنفّس النفس الإلهية النفس الرحماني ، استنشقت المادّة رائحة الوجود في عرصة الشهود ، فتحقّق العالم الجسماني بكلّيته ، وانتظم النظام العلوي والسفلي بجملته .
2- أثولوجيا : 20 .

بل المعقولات في ذلك العالم نفس التعقّل والشوق كما يعرفه أهل الذوق ، قال اللّه تعالى : «إِنَّمَا أمْرُهُ إذَا أرَادَ شَيْئاً أنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيكُون»(1) وعند النظر الجليل ترى أنّ معلولات عالم الأمر إنّما هي آثار التسبيح والتقديس الذي طباعهم ، ونتائج التهليل والتمجيد الذي شأنهم ، وأ نّهم لا يفترون من ذلك ساعة ولا يسأمون لحظة ، يرشدك إليه : أنّ تسبيحنا يغرس شجرة في قيعان الجنّة - كما في الخبر(2) - فكيف الظنّ بتسبيحاتهم وتقديساتهم مع كمال طهارتهم ؟!

وثانيهما : أنَّ تينك المرتبتين السابقتين هما ليستا من عالم الخلق والصنع ، بل هما ما يعبّر عنه في لسان الشرع بعالم الأسماء والصفات ليس إلاّ ، لكن المرتبة الاُولى هي مرتبة الأسماء والصفات الذاتية كالعلم والحياة والقدرة ، والمرتبة النفسية هي مرتبة الأسماء والصفات الفعلية كالمشيّة والكبرياء والعظمة ، بل النظر الجليل يرى الاُولى هي الصفات الذاتية الإلهية من حيث المرتبة والحقيقة ، والثانية هذه الصفات لكن من حيث الوجود والتحقّق ، فنسبة الإيجاد إلى المرتبتين السابقتين ليس كنسبته إلى المكوّنات ، بل الإمكان الذاتي في العوالي محض اعتبار عقلي كما قاله بعض الأعلام(3) .

وبالجملة : هذا العالم العلويّ عالم الوجوب المتاخم لاُفق الوحدة الحقّة والبساطة المحضة ، وقد قيل : «عالم الأمر ما لا حكم فيه للإمكان»(4).

ص: 112


1- يس (36) : 82 .
2- بحار الأنوار 7 : 229 .
3- راجع الحكمة المتعالية 1 : 173 - 179 ؛ شرح توحيد الصدوق ، القاضي سعيد القمّي 1 : 383 .
4- مصباح الاُنس : 295 .

[25] وإلى المرتبة الاُولى اُشير بقوله تعالى في آخر سورة الحشر : «هُوَ اللّه ُ الّذِى لاَ إلَهَ إلاّ هُوَ عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرّحْمنُ الرَّحِيم»(1) وإلى المرتبة الثانية بقوله : «هُوَ اللّه ُ الّذِى لاَ إلَهَ إلاّ هُوَ الْمَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤمنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبّارُ الْمُتَكَبّرُ سُبْحانَ اللّه ِ عَمّا يُشْرِكُونَ»(2) وإلى المرتبة الثالثة التي نحن بصدد بيانها بقوله : «هُوَ اللّه ُ الْخالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأسماءُ الحُسنى يُسَبّحُ لَهُ مَا فِى السَّماواتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»(3) .

[25] - قوله : «وإلى المرتبة الاُولى اُشير ...» إلى آخره .

اعلم أنّ الآيات الشريفة التي ذكرها ذلك العارف الجليل رضي اللّه عنه واستشهد بها لما جعله التحقيق محتوية عند النظر الدقيق على الأسماء الذاتية الثابتة للحضرة الواحدية ، إلاّ أنّ مظاهرها في العالم الخلقي مختلفة النشأة والوجود من العقل والنفس والهيولى والصورة إلى غير ذلك .

وقد اصطلح الشيخ صاحب «الفتوحات» في بعض كتبه «الأسماء الذات» على الأسماء التي كانت الذات فيها ظاهرة كالحيّ العليم ، و«الأسماء الصفات» على التي كانت الصفات فيها ظاهرة ، و«الأسماء الأفعال» على التي كان الفعل فيها ظاهراً(4) .

فعلى هذا الاصطلاح كانت الآية الشريفة الاُولى مُشيرة إلى الأسماء

ص: 113


1- الحشر (59) : 22 .
2- الحشر (59) : 23 .
3- الحشر (59) : 24 .
4- إنشاء الدوائر : 29 و30 .

ولنرجع إلى ما كنّا فيه فنقول :

إنّ تلك الطبيعة غير الصورة الفاعلة في الأجسام ، بل هي العناية الربّانية الممسكة لنظام العالم ، وهي مطلع الإرادة الإلهية التي هي نفس الفَعل - بالفتح -(1) في الأخبار النبويّة(2) ومعنى الموجَديّة والموجِديّة - بالفتح ثمّ الكسر - أنّها فاعلة في الأشياء بإذن اللّه ، ومعطية للصور كما شاء اللّه ، ومخلوقة بنفسها من اللّه إذ الأشياء مخلوقة بالإرادة وهي مخلوقة بنفسها .

وفي معنى الموجَدية والموجِدية في الطبيعة التي هي مطلع الإرادة ما ورد في الأخبار عن الأئمّة عليهم السلام من : «أنَّ اللّه خلق الأشياء بالمشيّة وخلق المشيّة

الصفات ، والآية الثانية إلى الأسماء الذات ، والآية الثالثة إلى الأسماء الأفعال ، وأيضاً إنّ الآية الاُولى إشارة إلى صفة الجمال ، والثانية إلى صفة الجلال ، وإن كان في كلّ صفةِ جمالٍ جلالٌ وفي كلّ جلالٍ جمالٌ .

وفي الآيات الشريفة وتصديرها بقوله : «هُوَ اللّه ُ الَّذِى لاَ إلهَ إِلاّ هُوَ»(3)

إشارات ورموزات وعلوم ومعارف ليس في هذا المختصر مقام ذكرها ، والأولى إرجاعها إلى طور وراء طورها .

ص: 114


1- مصدر فعل يفعل كمنع يمنع. كذا قال في شرح توحيد الصدوق، القاضي سعيد القمّي 2: 506.
2- لم نجده في الأخبار النبويّة، بل هو منقول في توحيد الصدوق وغيره عن الرضا عليه السلاممن أ نّه قال في حديث طويل : «فإرادة اللّه هي الفعل ، لا غير ذلك» . التوحيد ، الصدوق : 147 / 17 ؛ وراجع شرح توحيد الصدوق ، القاضي سعيد القمّي 2 : 504 .
3- الحشر 59: 22.

بنفسها»(1) وهذا بعينه يجري في الإرادة غير أنّ الفرقان بينهما قليل ، وكثيراً ما يعبّر في الأخبار عنهما بأحدهما ، وعن كلّ واحد منهما بالآخر كما لا يخفى ؛ [26] حتّى ظنّ من ذلك بعض الأعلام أ نّهما صفة واحدة(2) .

[26] - قوله : «حتّى ظنّ من ذلك ».

ليس في هذه الرسالة - مع كون بنائها على الاختصار والإجمال ، والرمز والإشارة في المقال - محلّ الحُكومة بين هذين الاُستاذين مع كونها خارجة عن وسعي ؛ فإنّ تحقيقاتهما أجلّ من أن تنالها أيدينا .

ص: 115


1- الكافي 1 : 110 / 4 ؛ التوحيد ، الصدوق : 148 / 19 .
2- اُنظر الوافي 1 : 447 - 448 ؛ شرح توحيد الصدوق ، القاضي سعيد القمّي 2 : 507 .

ص: 116

المبحث الرابع

[27] في أنّه سأل عن الجاري المنجمد

والجواب أنّه الطبيعة الجسمية أي الجسم الطبيعي المرسل ، وهي طبيعة سيّاله بذاتها من دون ميعان بل في جمود ، ومتحرّكة بنفسها مع كونها ثابتة في ذاتها ، كما قال عزّ من قائل : «وَتَرَى الْجِبالَ تحْسَبُها جَامِدَةً وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ السّحَابِ صُنْعَ اللّه ِ الَّذِى أتْقَنَ كُلَّ شَىْ ءٍ»(1) .

[27] - قوله : «في أنّه سأل عن الجاري المنجمد . . .» إلى آخره .

ما أفاد ذلك العارف الكامل في الجواب من كون الجاري المنجمد هو الطبيعة الجسمية موافق للصواب وإن كان التفصيل الذي أفاد وزعم أنّه موافق للتحقيق خلاف الحقّ الحقيق ، بل خلاف الآية الشريفة(2) بالنظر الدقيق ، وخلاف تركيب عبارة الحديث الشريف ، من تقديم الجاري على المنجمد ، وإتيان المنجمد بصيغة الانفعال التي هي للقبول والعروض .

ص: 117


1- النمل (27) : 88 .
2- النمل (27) : 88 .

···

والتحقيق : أنّ الطبيعة الجسمية هي الجارية جرياناً ذاتياً ، والمُتغيّرة تغيّراً جوهرياً ، والمُتبدّلة تبدّلاً ماهويّاً في كلِّ آنٍ ، بل التعبير عنها بالآن من ضيق العبارة ، والأولى أن يقال : جرياناً دائمياً وتغييراً اتّصالياً ، كما أفاد ذلك بأوضح بيان في الكتاب الإلهي بالتمثيل بمرور السحاب(1) الذي هو مرور دائمي بلا تخلّل السُكون الحركة والتبديل وافقه في الصورة النوعية التي شيئية الشيء بها ، ولولاها لم يكن الشيء مذكوراً ، بل كانت الصورة نفس التجدّد والسيلان كما ساق إليه البرهان(2) وليست الحركة في الأحوال فحسب ، وإن كانت التغيّرات العرضية وبحسب الأحوال لازمة للتغيّرات الذاتية وكواشف عنها ، وثبوت الذات في الحقائق التي بحسب ذاتها واقعة تحت تصرّف الزمان غير جائز على شريعة الحكمة والبرهان ، كما أوضح سبيله بأتمّ بيان وأصحّ تبيان في الكتاب الحكيم والقرآن المحكم القويم ، حيث نسب جمود الجبال - التي هي أوضح مصاديق الطبيعة الجسمية - وثبوتها إلى الزعم والحسبان ، وأثبت الحركة والمرور والسيلان لها مؤكّداً باسمية الجملة وحاليتها مع إتيان المسند بالفعل المضارع الدالّ على التغيّر التجدّدي والسيلان الاتّصالي ، وأوضحه بالتمثيل بمرور السحاب في الحسّ الذي كان متّصل الحركة ودائم السيلان .

وليس في هذه الرسالة المختصرة الموضوعة للرمز والإشارة مجال بيان هذه

ص: 118


1- النمل (27) : 88 .
2- الحكمة المتعالية 3 : 80 وما بعدها .

أمّا معنى كونها سيّالة متحرّكة بذاتها فهو أنّ الحركة من لوازمها من حيث قابليتها واستعدادها الذاتي ؛ لأنّ تحرّكها النفسي تحريكها التسخيري الشوقي ، وكون التحريك من قبل النفس(1) لاينافي كون حركتها بذاتها ؛ بمعنى أنَّ القبول المخمّر في طينتها يبعثها على الطلب من النفس ؛ لأنّ تعيين حدود الحركة وجهاتها لا يمكن أن يكون لذّاتها ، بل إنّما هو من قبل النفس وإرادتها ، ومن ذلك قيل : النفس عدد متحرّك ، فهي المتحرّك المُحرّك .

وأمّا ثبات الطبيعة الجسمية وجمودها ، فمن جهة أنَّ ذاتها ليست نفس الحركة والسيلان كما زعم بعض الأساتيذ الأعلام(2) بل هي ذات ثابتة بنفسها والحركة عارضة لها من حيث القابلية عروض اللوازم الذاتية لمعروضها ، وتحقيق ذلك مبسوطاً مذكور في رسالتنا المُسمّاة : ب- «مرقاة الأسرار في بيان حدوث العالم حدوثاً زمانياً»(3) .

الحقائق وتفصيلها ، ولم تحضرني الرسالة(4) التي ذكرها حتّى أتصدّى للحكومة بين هذا العارف الكامل وذلك الفيلسوف المتأ لّه(5) - رضي اللّه عنهما - وإن كانت الحكومة بينهما خارجة عن وسعي مع قصور الباع وقلّة الاطّلاع .

ص: 119


1- في نسخة «س» لأنّ تحرّكها النفس ؛ لأنّ تحريكها إنّما هو من النفس وذلك . وفي «ر» لأنّ تحرّكها النفس لأنّ تحريكها إنّما أمر من النفس وذلك بدل : لأنّ تحرّكها النفسي تحريكها التسخيري الشوقي وكون التحريك من قبل النفس .
2- الحكمة المتعالية 3 : 61 - 67 .
3- الأربعينيات لكشف أنوار القدسيات، مرقاة الأسرار : 121 - 125 .
4- وهي رسالة مرقاة الأسرار .
5- هو صدر المتأ لّهين قدس سره .

ثمّ إنّ ذلك التغيير مبدأ سائر التغيّرات التي بعدها - أيّ تغيّر كان - مع جمودها في الظاهر على حالها ، فالعالم الجسماني بمجموعه مُتغيّر ومُتحرّك دائماً يتبدّل تعيّنه مع الآنات ، ففي كلّ آنٍ يوجد مُتعيّن غير المتعيّن الأوّل ، والعين الواحدة التي يطرأ عليها هذه التغييرات وهي بحالها هو الجسم الطبيعي الثابت بذاته المُتغيّر بأحواله ، وفي الآية إيماء إلى ذلك حيث قال : «وَتَرَى الْجِبال» أي الحقيقة الأصلية التي هي طبيعة الجسم «تَحْسَبُها جَامِدَة» ثابتة حين تمرّ وتعرضها الحركة ، فالمرور حال عارض والجمود والثبات ذاتي .

وهكذا ينبغي أن يفهم تجدّد الخلق مع الآنات ، لا كما ذهب بعض الأعلام إليه من أنَّ الطبيعة الجسمية ذاتها سيّالة بمعنى أ نّها نفس الحركة والسيلان(1)] 28] ولا كما زعم بعض المُتصوّفة من أنَّ المُتبدّل هو الوجودات كلّها والعين الواحدة هو الوجود الحقيقي الذي بزعمهم هو اللّه (2) تعالى عمّا يقولون علوّاً كبيراً .

[28] - قوله : «ولا كما زعم بعض المُتصوّفة . . .» إلى آخره .

ما ذكره ذلك البعض له وجه صحيح موافق لمشرب رحيق عرفاني ومأخذ تحقيقي إيماني ؛ وهو أنّ القيّوم بالذات والثابت بجميع الجهات ، الذي لا طريق للتغيير في كبرياء قدسه ، ولا أثر للتبديل حول حريم اُنسه ، هو الذات الأحدية - جلّ برهانه وعظم شأنه وسلطانه - وأمّا الموجودات الإمكانية فهي بالجهات المُنتسبة إليه تعالى كذلك ، وأمّا بجهات نفسياتها وحيثيات ذاتها فهي متغيّرات الهويّة متبدّلات الماهية والحقيقة من الليس إلى الأيس ، بل سلسلة الموجودات

ص: 120


1- الحكمة المتعالية 3 : 61 - 67 .
2- شرح فصوص الحكم ، القيصري : 474 ، 658 ، 791 ، 795 ، 926 .

ثمّ اعلم أنّ هذه الطبيعة الجسمية هي عرش الرحمن باعتبار ، [29] ومنها يتصحّح عالم المثال ،

بقضّها وقضيضها وأوجها وحضيضها دائمة التبدّل متّصلة التغيّر في انوجاد وانعدام بحسب حكومة الأسماء الإلهية ؛ فإنّ اللّه تعالى بحسب اسم «كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأنٍ»(1) يخرج الموجودات من الليس إلى الأيس، ومن الأيس إلى الليس .

وأيضاً إنّ مراتب الوجود من الغيب والشهود لها بسطٌ ببسط بساط الرحمة الرحمانية والرحيمية تحت حكومة اسم )الرَّحمن الرَّحِيم(، وقبضٌ بجمع هذا البساط تحت تصرّف اسم «الْوَاحِدُ القَهَّارُ»(2) وأمثال ذلك من الحركات والتبدّلات التي للموجودات دون مبدئها وللمبدَعات دون مبدعِها ، وليست هذه الحركات التي عرفتها مختصّة بعالم المادّة والمادّيات وسلسلة السافلات من القاطنين في موطن الزمان والزمانيات ، فتبصّر ولا تخلط بين المشارب؛ فإنّ لكلّ قوم لساناً ولكلّ كلام مع كلّ متكلّم مقاماً ، كلّم الناس على قدر عقولهم(3)، وما اُرسل رسولٌ إلاّ بلسان قومه(4) .

[29] - قوله قدّس سرّه : «ومنها يتصحّح عالم المثال . . .» إلى آخره .

ما أشار إليه هاهنا لتصحيح عالم المثال ذكره في «شرح توحيد» صدوق

ص: 121


1- الرحمن (55) : 29 .
2- الرعد (13) : 16 .
3- اقتباس من حديث رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، الكافي 1 : 23 / 15 .
4- اقتباس من سورة إبراهيم (14) : 4 .

···

الطائفة - رضي اللّه عنه - أيضاً(1) ، والذي دعاه إلى ذلك ما زعم من عدم إمكان وجود الصور المقدارية بلا مادّة جسمية كما صرّح به وادّعى الوضوح والتبيّن فيه . وليس هذا بكثير الإشكال عندنا ؛ فإنّ المقدار من لوازم الجسم الطبيعي ، بل الفرق بينهما بالإبهام والتعيين كما هو المقرّر في محلّه والمبيّن عند أهله(2) وقد ثبت في مدارك أصحاب الحكمة المتعالية أنّ احتياج الصورة إلى المادّة لقصورها ونقصانها وعدم تشخّصها في بدء وجودها ، وأمّا إذا صارت تامّة متشخّصة بالذات فلا احتياج لها إلاّ إلى فاعلها التامّ وقيّومها المطلق ، فاستقلّت الصورة في الوجود بلا مادّة قابلة(3) .

وليت شعري ما المادّة القابلة في الصور الخيالية التي في الإنسان الصغير؟ هل الجسم مادّة لها ، أو النفس بقوّة وجودها وهمّتها توجدها بلامادّة؟ والعجب من ذلك العارف العظيم الشأن مع كثرة غوره في مباحث علمية وعرفانية كيف ذهل عن هذه الدقائق؟ وهذه الغفلة والذهول صارت منشأً للردّ في كثير من المباحث العلمية على شيخ مشايخ أرباب الحكمة والمعرفة صدر صدور الحكماء والمتأ لّهين - رضي اللّه تعالى عنه - وليس هاهنا مقام ذكرها وتفصيلها .

ص: 122


1- شرح توحيد الصدوق ، القاضي سعيد القمّي 2 : 75 ، و3 : 575 .
2- تقريرات فلسفه امام خمينى 1 : 367 ، و2 : 450 ، 495 ، 512 ؛ الحكمة المتعالية 5 : 86 - 90 ؛ شرح المنظومة 4 : 150 ، 304 ، 327 .
3- الحكمة المتعالية 2 : 32 - 37 ، و5 : 145 ومابعدها و256 ، و9 : 187 ، 193 .

···

ولقد اُشير إلى ما ذكرنا في لباس الرمز في الكتاب الإلهي بقوله : «وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِىَ الحَيَوَانُ»(1) فإنّ مقتضى سريان الحياة في شراشر دار الآخرة - التي أوّل منزلها العالم البرزخي المضاهي للعالم المثالي ، وبإزائه في قوس الصعود كما هو مقابله في قوس النزول - أن لا يكون فيها المادّة الجسمية التي هي مبدأ لكلّ موت وليست فيها حياة أصلاً .

واُشير إلى ذلك أيضاً في النبويّ المشهور : «الدنيا مزرعة الآخرة»(2)؛ فإنّ الدنيا إذا كانت مزرعة للآخرة كانت الآخرة دار الحصاد ، فإذا كانت الآخرة دار الحصاد لم يكن فيها قابلية وهيولوية ، فإنّ الهيولى بذاتها محلّ الزرع ، ووجودها بلا زرع لغو وعبث تعالى عن أن يكون في ملكه اللغو والعبث .

وهاهنا أسرار ورموز بعضها راجعة إلى أحوال أهل البرزخ والقيامة من السعداء والأشقياء وكيفية الانتقالات الواقعة في الدار الآخرة ، ليس هاهنا محلّ ذكرها ورخصة إفشاء أمرها ، ولعلّ اللّه يُحدث بعد ذلك أمراً ، ووفّقنا لوضع رسالة فيها فرداً .

ص: 123


1- العنكبوت (29) : 64 .
2- عوالي اللآلي 1 : 267 / 66 .

حيث ورد : «أنّ في العرش مثال كلّ شيء في هذا العالم»(1) وليس ذلك كما اشتهر بين أصحاب الإشراق(2) ، فإنّ وجود الصورة المقدارية بدون المادّة بيّن الاستحالة ، بل إنّما يتيسّر فهم ذلك بعد ما تحقّقت أنَّ الجسم الكلّ بعد تقوّمه بما ينبغي أن يتقوّم ، وقبل أن تعرّضه كدورة الأعراض ، أو يلحقه صدأ الآثار والخواصّ ، حقيقة نورية في نهاية الصفاء والصقالة بحيث كأ نّه مرآة يحاذي بها شطر النفس الكلّية التي فيها جميع الحقائق العقلية منطبع منها إليه كلّ الرقائق النورية ، بل هو كما قال الشيخ اليوناني في مرموزاته : «إنّ الفلك موضوع في وسط النفس»(3) ، فلا يخرج منها شيء إلاّ وقد سلك من طريق الجسم إلى الحسّ ، ويمكن أن يشير إلى ذلك قوله سبحانه : «يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأرْضِ»(4) وقوله : «يَتَنَزَّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ»(5) إلى غير ذلك من الآيات ، وقد بسطنا القول في ذلك في الموضع اللائق(6) .

ص: 124


1- الدعوات، قطب الدين الراوندي : 60 / 149 ؛ روضة الواعظين 1 : 129 / 153 ؛ بحار الأنوار 55 : 36 / 58 .
2- راجع مجموعه مصنّفات شيخ إشراق، حكمة الإشراق 2 : 230 - 235 ؛ الحكمة المتعالية 1 : 302 ؛ شرح الأربعين ، القاضي سعيد القمّي : 139 .
3- أثولوجيا : 197 .
4- السجدة 32 : 5 .
5- الطلاق (65): 12.
6- راجع الأربعينيات ، القاضي سعيد القمّي: 143 ، 185 ؛ شرح الأربعين، القاضي سعيد القمّي : 137 و314 .

المبحث الخامس

في أنّه سأل عن الناقص الزائد

والجواب أ نّه الجسم التعليمي ؛ لأنّه من أعظم أنواع الكمّ القابل للزيادة والنقصان ، وهو معلول الطبيعة الجسمية ؛ حيث يلزم الجسم الطبيعي من دون انفكاك عنه في وقت حتّى عند الانفصال خلافاً للمشهور [30] عند المُتفلسفة المتأخّرين .

[30] - قوله : «عند المتفلسفة المتأخّرين ».

لم أعرف صاحب هذا القول ، والمحقَّق عند المحقِّقين من المتأخّرين تبديل المتعيّن الأوّل بالمتعيّن الآخر(1) ، فإن أراد من عدم الانفكاك ما يشمل هذا فهو خلاف التحقيق بل الضرورة ؛ فإنّ الفرق بين التعليمي والطبيعي بالإبهام والتعيين(2) ، فتبصّر .

ص: 125


1- الحكمة المتعالية 5 : 92 ، 101 - 104 ؛ شرح المنظومة 4 : 154 .
2- راجع الصفحة 122 ، الحاشية 2 .

ولمّا كان لازماً عارضاً للجسم وجب أن يكون فيه فاعل أمر له وأمر قابل له ، ومن البيّن أنّ الفاعل في الجسم يسمّى صورة والقابل هيولى ، فثبت في الجسم الذي هو عرش الرحمن من وجه وجود أمرين : هما: الهيولى ، والصورة .

أمّا وجه عرشية الجسم فلكونه مظهر الجواهر العقلية ، والعرش هو العقل في الحقيقة ، وأيضاً من المُقرّر أنَّ العرش على الماء(1) والهيولى أشبه شيء بأن يعبّر عنها بالماء حيث تكون قابلة لجميع الصور والأشكال ، ومن ذلك يظهر أيضاً كون الصورة مظهر اسم الرحمن ، وقد قال : )الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى((2) ومنه يتصحّح أيضاً أنّ اللّه سبحانه لمّا خلق العرش حمله على كواهل أملاك أربعة ، فلم يستقرّ قراراً وعجزوا عن حمله بداراً ، حتّى استقرّ بقول : لا إله إلاّ اللّه ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه (3) .

أمّا عدم قراره فمن حيث استلزامه للسيلان والتغيّر الذاتي ، وأمّا قراره بالكلمتين فلدلالتهما على ثبات اللّه وقيّوميته لكلّ شيء وأ نّه المُمسك للسماوات والأرض .

وبالجملة : هذا الجسم المُتكمّم مطلع التقدير الإلهي على العالم الكوني ، وعبّر عنه في الأخبار بالبحر العميق والطريق المظلم(4) .

أمّا البحر العميق فلكونه في المادّة التي هي البحر الأعظم ، والتيّار المُحيط

ص: 126


1- هود (11) : 7 .
2- طه 20: 5.
3- اُنظر التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام : 146 / 74 ؛ بحار الأنوار 55 : 19 / 26 ، و33 / 53 .
4- التوحيد، الصدوق : 365 / 3 ؛ نهج البلاغة : 526 ، الحكمة 287 .

بالعالم ، والبحر المكنون(1) من أعين أهل الحسّ الذي ورد أنّه فوق السماوات(2) .

وأمّا الطريق المظلم فلكونه في عالم الغواشي والغواسق الجرمانية ، ومطمورة الطبائع الجسمانية .

وأمّا سرّ كونه قابلاً للزيادة والنقصان فقد قال معلّم الحكمة في «أثولوجيا» : «إنّ الأشياء التي تقبل الزيادة والنقصان هي في عالم الكون ، وإنّما صارت تقبل الزيادة والنقصان ؛ لأنّ فاعلها ناقص هو الطبيعة ، وذلك لأنّ الطبيعة لاتبدع صفات الأشياء كلّها معاً ، فلذلك تقبل الأشياء الطبيعية الزيادة والنقصان»(3) .

ثمّ اعلم أنّ بعد وجود التعليميات التي هي مظهر القدر(4) يقضي اللّه بوجود الأشخاص الكونية ، فتلك الأشخاص مطلع القضاء الإلهي ومظهر الحكم الحتم الربّاني ، هكذا ينبغي أن تفهم مراتب الخصال والأسباب من العلم والمشيّة والإرادة والقدر والقضاء من ربّ الأرباب .

ص: 127


1- في نسخة «ل» المكفوف .
2- راجع التوحيد، الصدوق : 320 / 2 ؛ بحار الأنوار 3 : 318 / 14 .
3- أثولوجيا : 139 .
4- في نسخة «م» : المقدّر .

ص: 128

الفائدة الثالثة

في تحقيق جواب الإمام عليه السلام

عن هذه الأسئلة وانطباق الكلام على الحقائق المذكورة

وتخريجها منه من دون تكلّف ، ودلالته عليها من غير تعسّف

وهاهنا مطلبان :

ص: 129

ص: 130

المطلب الأوّل

معنى قوله عليه السلام

«بينا أنت أنت صرنا نحن نحن»

اعلم أنَّ الغرض من قوله عليه السلام : «بينا أنت أنت صرنا نحن نحن» بعد ما تذكّرت من تحقيق معنى هذا التركيب هو أنَّ الذات الأحدية كان حيث لا جهة فيه ولا جهة ، ولا حيث ولا حيث ، ولا اسم ولا رسم ، ولا نعت ولا وصف ، ولا حمل ولا وضع ، ولا إشارة ولا عبارة ، بل كان هو من دون أن يقال : هو هو بالتكرير ، وهي المرتبة اللائقة بالأحدية الحقّة الصرفة ، تعالى كبرياء ذاته عن وصمة الكثرة حتّى عن اعتبار الجهة والحيثية ، بل قاطبة تلك الكثرات الأسمائية والصفاتية فإنّها بعد الذات بمراتب ، ويتباعد عنها تباعد الأرض والسماوات بسباسب .

وبالجملة : لمّا كان في مرتبة الأحدية هكذا وكانت ذاته ذاتاً لا علامة ، نظر سبحانه إلى نفسه ورأى ذاته بأ نّه هو ، انبجست منه الأشياء كلّها وتسبّب وجود الحقائق بقضّها وقضيضها ، وتصيّرت الذوات كبيرها وصغيرها ، وتذوّتت الماهيّات عظيمها وحقيرها دفعة سرمدية خارجة عن الكيفية والحيثية مُتعالية

ص: 131

عن الفكرة والرويّة ، مُقدّسة عن أن يشذّ منها شيء صغيراً كان أو كبيراً أو يعزب عنها مثقال ذرّة في الأرض والسماء ، وهذا هو معنى قوله عليه السلام : «بينا أنت أنت صرنا نحن نحن» .

وممّا يؤيّد أنّه تعالى في المرتبة الأحدية هكذا - سواء كان قبل الخلق أو معها ، وأنّه في تلك المرتبة وحده لا هو هو - أخبار كثيرة منها ما ورد عن الرضا عليه السلام الذي هو مربّي أولاد العجم في جواب مسألة عمران على ما رواه شيخنا الصدوق في «توحيده» ، وفي «عيون أخبار الرضا عليه السلام» أ نّه قال بعد كلام : «لم يزل تعالى واحداً لا شيء معه فرداً لا ثاني معه ، لا معلوماً ولا مجهولاً ، ولا مُحكماً ولا مُتشابهاً ، ولا مذكوراً ولا منسيّاً»(1) . . . الخبر ، فتبصّر .

تذييل تدقيقي وتحقيق منطقي

اعلم أنّ قولك : أنت أنت ، وأنا أنا ، وهو هو ، باصطلاح علم الميزان عند أهل العرفان يستدعي استقلال الموضوع بالقوام واستغناءه عن الجاعل التامّ، فالممكن ليس له قوام بذاته بل بقيموميته تعالى ، فلا يصحّ عليه هذا الحمل أزلاً وأبداً بالحقيقة ؛ وذلك لأ نّك إذا فتّشت عن زيد فزيد إنسان متعيّن(2) وإذا تفحّصت عن الإنسان فهو حيوان متعيّن(3) وكذلك إذا تدرّجت عن الحيوان وسلكت بهذا العنوان لم يتوقّف في مرتبة إلى أن ينتهي إلى الجنس الأقصى البسيط ، ولمّا كان قول «ما» و«لم» في البسيط واحداً انتهى لا محالة إلى جاعل الذوات والماهيّات بالجعل البسيط، والفاعل لقاطبة الموجودات من دون وسيط «أَلا إلَى اللّه ِ تَصِيرُ الأُمُورُ»(4).

ص: 132


1- التوحيد ، الصدوق : 435 / 1 ؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 172 / 1 .
2- في نسخة «ر» : متشخّص بدل : متعيّن .
3- في نسخة «ر» : متعلّق متقيّد بدل : متعيّن .
4- الشورى (42) : 53 .

وبالجملة : في جميع المراتب لا يسعك هذا الحمل بالحقيقة أو مع وجدان فائدة إلاّ في المبدأ القيّوم تعالى شأنه ، فإنّه هو هو لا غيره .

على هذا التحقيق الذي لا أظنّك تظفر به في غير هذه الأسطر ، فقوله عليه السلام: «بينا أنت أنت» ، على الحقيقة وقوله : «صرنا نحن نحن» إنّما التكرار فيه بمجرّد المُشاكلة والمُقايسة بالكلام الأوّل ؛ لأنّ صيرورة الشيء شيئاً إنّما هو مفاد الجعل المركّب ، وهو مُستحيل قطعاً ، وفي «الصحيفة السجادية» : «إلهي كيف أدعوك وأنا أنا ، وكيف أقطع رجائي عنك وأنت أنت»(1) وذلك يعاضد ما قلنا ؛ إذ معناه أنَّ قولي واعتقادي «أنا أنا» إنّما يوجب أن يكون لي ذات دونك قائمة بنفسها ، ومع ذلك فكيف يسعني أن أدعوك وافتقر إليك ، ومن أين تكون لى الحاجة إلى أن أطلبك ، فإنّ ذلك يشعر باستغنائي عنك ، ثمّ لمّا نفى عليه السلام عن نفسه ذلك قال : «وكيف أقطع رجائي عنك وأنت أنت» أي هذا الحكم ما ينبغي إلاّ لك ولا يشركك فيه أحد غيرك ؛ لأنّك أنت القائم بذاته القيّوم لما سواه ، فلأيّ شيء لا أدعوك ، وكيف يسعني أن أقطع رجائي عنك والكلّ منك وبك ولك وإليك .

وممّا قلنا يتصحّح أيضاً سرّ ما نقل عن جبرئيل في ابتداء خلقه ،حيث سأله اللّه أكثر من مرّة من أنا ومن أنت؟! ويجيب كلّ مرّة مخاطباً للّه بقوله : أنت أنت وأنا أنا ، فيحترق بسطوات الكبرياء ، ويسقط من سماء القرب أبعد ممّا بين هذه الأرض وتلك السماء إلى أن ظهر مُغيث النفوس والأرواح في عالم الأنوار والأشباح ، مولى الكونين ، وإمام الثقلين مولانا علي عليه السلام ، فعلّمه بأن يقول في الجواب : أنت الملك الجليل وأنا العبد الذليل جبرئيل ، فلمّا قال ذلك تخلّص من الاحتراق بنار البعد والفراق(2) . فاحتفظ بذلك التحقيق فإنّه من مشرب رحيق .

ص: 133


1- الصحيفة السجّادية الجامعة : 398 ، الدعاء 179 .
2- الأنوار النعمانية 1 : 18 .

ص: 134

المطلب الثاني

في تطبيق الجواب على الأسئلة المذكورة

وإخراج المقاصد منه بأوضح طريقة

اعلم أنَّ رأس الجالوت سأل عن الرؤوس الخمسة التي هي أوائل الموجودات واُصول العوالم والماهيّات ، وأجاب الإمام عليه السلام : ببيان لمّية الإيجاد وسرّ الصدور على نحو الرشاد ؛ بحيث يظهر علّة وحدة الصادر الأوّل مع كثرته ، وهو الذي صدّره السائل في كلامه حيث قال : ما الواحد المُتكثّر .

أمّا ظهور وحدته فلكونه صادراً عن الواحد المحض ، وأمّا كثرة ما فيه فلدلالة كلمة نحن على ذلك كما لا يخفى ، وأجمل عليه السلام في الجواب عن الأربعة الاُخر لما علم عليه السلام أنَّ السائل إذا عرف أنّه أجاب بما فوق مسؤوله ، بل فوق ما أحاط به مأموله من بيان هذا السرّ بذلك الإيجاز المرموز ، فمن ذلك يمكنه التفطّن بأ نّه عليه السلام أعلم بهذه الحقائق منه ، بل انتشرت هذه الأسرار منهم عليهم السلام على العالمين من الأنبياء والأولياء والمرسلين والحكماء الإلهيين .

ص: 135

وأيضاً أشار عليه السلام في هذا الإيجاز إلى أنَّ ذلك الصادر الأوّل هو نورهم الساطع وبرهانهم القاطع ، حيث قال : «صرنا نحن نحن» ليعلم السائل أنّهم أوّل من قرع باب الوجود والإيجاد ، وأقدم من نظر إليه الحقّ نظر الرحمة والوداد حينما نظر إلى نفسه ، بل بعين ما رأى ذاته بذاته ، ثمّ منهم عليهم السلام استنارت سائر الموجودات وتحقّقت الحقائق وتذوّتت الذوات .

وأيضاً لمّا ظهر من كلام الإمام عليه السلام أنّ الواحد المُتكثّر إنّما صدر من المبدأ الأوّل من جهة رؤية نفسه ، فعسى أن يتحدّس الرجل العلمي بأنّ هذه الرؤية كما تستتبع صدور هذا المُتكثّر كذلك بعده يستعقب الشوق العقلي والمشيّة الإلهية التي مظهرها النفس الكلّية إلى إظهار الجواهر العقلية المُودعة في باطن العقل المُندمجة في سرّ هذا الوجه في بساط الشهود وموطن الوجود ، وهو يستلزم الإرادة الربّانية والعناية الرحمانية التي مطلعها الطبيعة الكلّية ببسط هذا البساط لتحقّق الارتباط ، وذلك البساط هو الجسم الكلّي المُعبّر عنه في السؤال بالجاري المُنجمد ، وذلك يقتضي وضع تلك الجواهر في هذا البسيط وتقدير أسعارها وتقويم قيمتها ، وبيان آجالها وأرزاقها ، ومداد أعمارها .

وبالجملة : خيراتها وشرورها بوجود الجسمية التعليمية والكمّية السارية الاتّصالية .

وأيضاً قد استقرّ فيما هدانا اللّه من البراهين أنّ هذه الخمسة مرجعها إلى شيء واحد بالذات ؛ لما تقرّر عندنا أنّ العقل نفس بالعرض كما أنّ النفس عقل بالذات وطبع بالعرض ، وهذا من الأسرار التي لا تحملها إلاّ صدور الأحرار ، فعلى هذا فالجواب عن الواحد منها جواب عن الكلّ والحمد للّه الهادي للسبيل .

ص: 136

فذلكة :

محصّل هذه البيّنات أ نّه تعالى علم وشاء وأراد وقدّر وقضى ؛ فبعلمه تحقّقت المعقولات(1) بوحدتها وجملتها ، وبمشيّته تحرّكت الأشواق وتعيّنت الأرواح بكثرتها ، وبإرادته وجدت تلك المعلومات في بساط الكون فقدّر آجالها وأعمارها وأرزاقها ، وقضى بما هو الصلاح لها ، وهذا الذي قلنا يعرفه من سبقت له من اللّه الحسنى .

ص: 137


1- في نسخة «ر» : المعلومات والعلوم الإلهية بدل : المعقولات .

ص: 138

خاتمة

خاتمة

يمكنك إن بذلت جهدك وأعملت رشدك أن تجعل كلاًّ من الجوابين عن كلا السؤالين إلاّ أنَّ الأوّل جواب إجمالي والثاني تفصيلي ، ويسهل عليك معرفة ذلك إذا راعيت الاُصول المُلقاة عليك في تضاعيف ما قرع سمعك ، واللّه المُوفّق والمُعين .

وصيّة :

هذا الذي تلونا عليك في تلك الرقيمة إنّما هو من الأسرار التي خصّ اللّه بها فقراء عباده بالبراهين القويمة مع معاضدة المُجاهدات الذوقية والرياضات العقلية(1) فإيّاك ثمّ إيّاك واللّه عونك في دنياك واُخراك من أن تذيعها لأهل اللداد فإنّ ربّك لبالمرصاد .

ثمّ إنّي إن أصبت فمن اللّه وتوفيقه وأحمد اللّه ، وإن أخطأت فمن نفسي واستغفر اللّه ، اللّهمّ صلّ على أصفى المصطفين وسيّد الكونين ونور العالمين مُحمّد المبعوث على الثقلين وآله الهادين إلى سعادة النشأتين ، واجعل قبور هذه الأسرار صدور الأحرار ، واحفظها من اختطاف أيدي الأشرار ، وعليه توكّلي

ص: 139


1- في نسخة «ر» : الشرعية بدل : العقلية .

وإليه انقطاعي ، وبه عن شرّ خلقه اعتصامي ، وبمحمّد وآله صلوات اللّه عليهم توسّلي ، واللّه وليّي في جميع أحوالي ، وهو حسبي ، والحمد للّه ربّ العالمين .

واتّفق تسويده يوم الثلاثاء رابع عشر ربيع المولود سنة تسع وتسعين وألف على يد مؤ لّفه حامداً مصلّياً .

خاتمة

وبالحريّ أن نطوي الرسالة ونختم المقالة بذكر ما وعدناك من الوجهين للرواية ، وإن كان هاهنا رموز مرموزة وكنوز من العلم مكنوزة لكن نتركها لمنافاتها مع وضع الرسالة ، والآن نذكر الوجهين بطريق الاختصار ، ونتلو عليك سرّاً دون الجهار .

فنقول في بيان اُولاهما : إنّه يمكن أن يكون سؤال رأس الجالوت عن حقيقة واحدة لها صفات عديدة وعلامات ورسوم متعدّدة ، إلاّ إنّه سأل في المرتبة الاُولى عن مظاهرها من اللطف والقهر والرحمة والغضب ، وفي الثانية عن نفسها إمّا بذكر الصفات الخمسة لها فقال : ما الحقيقة التي إحدى صفاتها الوحدانية الذاتية والفردانية المُطلقة والتكثّر بحسب تنزّلاتها في المرائي الخلقية وصفتها الاُخر أن تكون راجعة إلى الوحدة الصِّرفة وعائدةً إلى الفردانية التامّة بعد نزولها وتكثّرها بالعرض .

فالصفة الاُولى : ناظرة إلى نزولها من الوحدة إلى الكثرة ، ومن الوجوب إلى الإمكان ، ومن الصُعود إلى النزول .

ص: 140

···

وصفتها الثانية : بعكس ذلك كلّه ، وبعبارة اُخرى كانت الصفة الاُولى حقيقة ليلة القدر ، والثانية حقيقة القيامة الكبرى .

وصفتها الثالثة : أ نّها تكون موجَداً بنفسها وموجِداً لسائر الخلق كما في الرواية الصحيحة من طريق أهل البيت عليهم السلام : «خلق اللّه الأشياء بالمشيّة والمشيّة بنفسها»(1) .

وصفتها الرابعة : أ نّها الجاري بالانتساب إلى الخلق والمتغيّر بالجنبة الخلقيّة ، والمُنجمد بواسطة انتسابها إلى الحقّ والثابت بالجنبة الحقّية .

وصفتها الخامسة : أ نّها الزائد الكامل بالنسبة إلى الخلق والناقص بالنسبة إلى الحقّ المُتعال ؛ فإنّه - جلّ برهانه - تامّ فوق التمام ، والتعبير عن الكامل بالزائد غير عزيز .

وأمّا بذكر مظاهرها الخمسة ، فالسؤال عن الحقيقة التي لها مظاهر خمسة بحسب العوالم الخمسة ، فأجاب الإمام عليه السلام عنها بأنّ الحقيقة التي ذكرتها ووصفتها بما وصفتها هي الحقيقة الإطلاقية التي وصلنا إليها ، ويصدق عليها «نحن» المشار به إلى جميع مراتب الوجود من سلسلة النزول والصعود وحقائق الغيب والشهود ، ثمّ أشار إلى مظاهرها اللطيفة والقهرية بالتفصيل ، وأتى بما هو له على الوجه الجميل .

فعلى هذا التحقيق الذي لم أظنّك أن تسمعه في غير هذه الأوراق يكون ما

ص: 141


1- الكافي 1 : 110 / 4 ؛ التوحيد ، الصدوق : 339 / 8 .

···

ذكره عليه السلام في المرّة الثانية تفصيل ما أجمل أوّلاً ، فإنّ الحقائق المتعيّنات تفصيل ما في المشيّة الإلهية والإرادة الربّانية .

وثاني الوجهين : أن يكون السؤال عن الحقيقة الإنسانية التي هي حقيقة الحقائق وروح الأرواح وصورة الصور ومادّة الموادّ ، الجامعة لجميع مراتب الكمال ، الكامنة فيها صفتا الجمال والجلال ، المضمر فيها عوالم الغيب والشهادة ، المستتر فيها كلّ خير وسعادة ، مظهر الاسم الأعظم الإلهي ، ومظهر الحقائق والرقائق كما هي ، كما أشار إليها مولانا ومولى الثقلين أمير المؤمنين عليه السلام بقوله :

وتزعم أنّك جرمٌ صغير *** وفيك انطوى العالم الأكبر

وأنت الكتاب المبين الذي *** بأحرفِهِ تظهر المُضمرُ(1)

وأشار إليها مولانا وسيّدنا أبو عبداللّه عليه السلام بقوله : «إنّ الصورة الإنسانية أكبر حجج اللّه على خلقه ، وهي الكتاب الذي كتبه بيده ...»(2) إلى آخره ... فالحقائق الخمسة مظاهر وجوده ، فعلى هذا كان الجواب عن هذه الحقيقة الكذائية بأ نّها نحن الذي وصلنا إلى مقام الجامعية والإطلاق وخرجنا عن حجاب التعيّن والتقيّد ، فاحتفظ بذلك وكن أميناً له ، والحمد للّه أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً .

ص: 142


1- ديوان أشعار منسوب به حضرت أمير المؤمنين علي عليه السلام: 62.
2- جامع الأسرار : 383 ؛ تفسير الصافي 1 : 78 ؛ كلمات مكنونه : 125 .

···

ولقد سلكنا في هذه الأوراق طريق الإيجاز ، ورفضنا التفصيل والتطويل بالإغماز ، فإنّ المجال ضيّق ، والحال غير موافق ، وأهل الزمان غير شائق لهذه الحقائق ، بل في هذا العصر - الذي عُدّ العصر الذهبي - يكون كسب المعارف وطلب العلوم الدينية عاراً على عار ، وخرجوا فوجاً بعد فوج عن هذا الشِعار ، وتركوا أديانهم لزخرف الدنيا الدنيّة ، ورفضوا إيمانهم لزبرج الاُمور الطبيعية ، فاستحقروا الدين وأهله استحقاراً ، واستكبروا على أهل الشريعة والعلم استكباراً ، وهتكوا حرمة الإسلام وناموس القرآن سرّاً وجهاراً ، ووضعوا القوانين الملعونة خلاف صراحة القرآن ، ومالوا في القضاء عن طريقة البيّنات والأيمان ، وجلس في مقام النبيّ صلّى اللّه عليه وآله والوصيّ كلُّ فاسق وجاهل ، وتولّى الحكومة على الناس كلّ سافل وأراذل ، مع هذه القواعد المجعولة والعقول الناقصة ، ولقد ضاقت الأرض على أهل العلم والديانة لا مفرّ لهم ، وبهذه البلاد التي أشبه ببلاد الكفر لا مقرّ لهم ، ولقد عدّ لباسهم لباس الشهرة والذلّة ، ولا يأتي على أحد فوق ذلك من المذلّة ، فهذا الزمان هو الذي أخبر أهل البيت بأ نّه «لا يبقى فيه من الإسلام إلاّ اسمه ، ولا من القرآن إلاّ درسه»(1) .

«اللّهمّ عظُم البلاء ، وبَرحَ الخفاء ، وانقطع الرجاء ، وضاقت الأرضُ ومُنعتِ

ص: 143


1- الكافي 8 : 307 / 479 (وفيه : ولا من القرآن إلاّ رسمه) ؛ جامع الأخبار : 355 / 993 (وفيه : ولا من الإسلام إلاّ رسمه) .

···

السماء ، فإليك يا ربّ المشتكى ، وعليك المعوّل في الشدّة والرّخاء»(1) .

«اللّهمّ بلّغ مولانا صاحب الزمان عن جميع المؤمنين والمؤمنات تحيّةً وسلاماً واجعله لنا ملاذاً ومعاذاً»(2) .

«اللّهمّ اجعله الداعي إلى كتابك والقائم بدينك ، استخلفه في الأرض كما استخلفتَ الّذين من قبله ، مكّن لهُ دينهُ الذي ارتضيتَهُ لَهُ ، أبدِلهُ مِن بعد خوفه أمناً يعبُدكَ لايُشرك بكَ شيئاً»(3) .

ولقد تركنا بلادنا وجعلنا ملاذنا ومعاذنا عن هذه الشرور التي في هذه الأوان والمصائب التي في مثل الزمان إطاعة للأئمّة المعصومين - صلوات اللّه عليهم أجمعين - حرم أهل البيت مدفن فاطمة المعصومة بنت الإمام موسى بن جعفر - سلام اللّه عليهم أجمعين - بلدة قم صانها اللّه عن هذه الشرور ، وجعلها لنا ولكافّة أهل العلم والإيمان دار الأمن والسرور ، في الزمن الذي كانت الرئاسة العلمية منتهية إلى الشيخ الجليل العالم العابد الزاهد الفقيه مولانا والذي عليه في العلوم النقلية اعتمادنا الحاج الشيخ عبدالكريم اليزدي الحائري مدّ ظلّه العالي .

وقد وقع الفراغ عن تسويد هذه الأسطر في قصبة خُمَين ، في الأيّام التي هاجرت من قم الشريفة من شدّة الحرّ وتعطيل الدروس ، وكان ذلك في يوم

ص: 144


1- بحار الأنوار 53 : 275 / 40 .
2- اُنظر بحار الأنوار 53 : 96 ، و99 : 109 .
3- مصباح المتهجّد : 404 ؛ بحار الأنوار 99 : 227 .

···

الثاني والعشرين من شهر رسول اللّه ربيع الأوّل سنة ثمانية وأربعين وثلاثمائة بعد الألف من الهجرة النبويّة على هاجرها السلام والتحيّة . من السيّد روح اللّه الخميني ابن السيّد مصطفى غفر لهما .

وقد اتّفق استنساخها بيد الآثم اللواساني في الليلة السابعة من شعبان السنة التاسعة والأربعين بعد الألف والثلاثمائة هجرية قمرية .

ص: 145

ص: 146

الفهارس العامّة

الفهارس العامّة

1 - الآيات الكريمة

2 - الأحاديث الشريفة

3 - أسماء المعصومين علیهم السلام

4 - الأعلام

5 - الكتب الواردة في المتن

6 - الأشعار

7 - مصادر التحقيق

8 - الموضوعات

ص: 147

ص: 148

1 - فهرس الآيات الكريمة

1 - فهرس الآيات الكريمة(1)

الآية رقمها الصفحة

البقرة (2)

«فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيدِيهِمْ

ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللّه ِ» ... 79 ... 28

«فَأَيْنَمَا تُوَلّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّه» ... 115 ... 87

«إِنّا للّه ِ وَإِنّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ» ... 156 ... 27

آل عمران (3)

«وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ

لِتَحسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ

وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّه ِ وَمَا هُوَ مِن عِنْدِ اللّه» ... 78 ... 28

المائدة (5)

«بَلْ يَدَاهُ مَبسُوطَتانِ» ... 64 ... 64

ص: 149


1- اللون الغامض يشير إلى ذكره في متن «الفوائد الرضوية».

الآية رقمها الصفحة

الأنعام (6)

«وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاّ فِى كِتابٍ مُبِين» ... 59 ... 23

الأعراف (7)

«كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ» ... 29 ... 6، 27

الأنفال (8)

«وَمَا رَمَيْتَ إِذ رَمَيْتَ» ... 17 ... 25

التوبة (9)

«تَزْهَقَ أَنْفُسُهُم» ... 55 ... 102

هود (11)

«مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِها» ... 56 ... 38، 95

«فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ» ... 112 ... 88

الرعد (13)

«الْوَاحِدُ القَهَّارُ» ... 16 ... 121

«أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَودِيَةٌ

بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً» ... 17 ... 61

ص: 150

الآية رقمها الصفحة

الحِجر (15)

«وَإِنْ مِنْ شَىْ ءٍ إِلاّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا

نُنَزِّلُهُ إِلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ» ... 21 ... 97

«وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِى» ... 29 ... 102، 106

النحل (16)

«وَاللّه ُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَآءً فأَحْيَا

بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا» ... 65 ... 38

الإسراء (17)

«قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِه» ... 84 ... 17

مريم (19)

«وَاهْجُرْنِى مَلِيّاً» ... 46 ... 23، 24

طه (20)

«الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى» ... 5 ... 126

«وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِى» 39 103

الفرقا ن (25)

«أَ لَم تَرَ إلَى رَبِّكَ كيَفَ مَدَّ الظِلَّ» ... 45 ... 38

ص: 151

الآية رقمها الصفحة

النمل (27)

«وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً

وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ» ... 88 ... 25، 117، 120

القصص (28)

«تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ

لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِى الْأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً» ... 83 ... 105

«كُلُّ شَى ءٍ هَالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ» ... 88 ... 38

العنكبوت (29)

«وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِىَ الحَيَوَانُ» ... 64 ... 123

السجدة (32)

«يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ» ... 5 ... 124

يس (36)

«وَكُلَّ شَى ءٍ أَحْصَيْناهُ فِى إِمَامٍ مُبِينٍ» ... 12 ... 8

«إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون» ... 82 ... 112

الصافات (37)

«وَمَا مِنّا إِلاّ لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ * وَإِنّا

لَنَحْنُ الصَّافُّونَ» ... 164 - 165 ... 93

ص: 152

الآية رقمها الصفحة

ص (38)

«أَنَا خَيرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِى مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ» ... 76 ... 29

«وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِى» ... 72 ... 102، 106

الشورى (42)

«أَلا إِلَى اللّه ِ تَصِيرُ الأُمُورُ» ... 53 ... 132

الفتح (48)

«مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّه ِ» ... 29 ... 47

النجم (53)

«ثُمَّ دَنَا فَتَدَلّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى» ... 8 - 9 ... 18

«إِنْ هِىَ إِلاّ أسْماءٌ سَمّيتُمُوها أَنتُمْ وَآباؤكُمْ

مَا أَنزْلَ اللّه ُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ» ... 23 ... 38

القمر (54)

«وَمَا أَمْرُنَا إِلاّ وَاحِدَةٌ» ... 50 ... 75، 78

الرحمن (55)

«خَلَقَ الإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيانَ» ... 3 - 4 ... 13

«عَلَّمَهُ الْبَيانَ» ... 4 ... 19، 21

«مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ * بَيْنَهُمَا بَرزَخٌ

ص: 153

الآية رقمها الصفحة

لا يَبْغِيانِ * فَبِأَىّ آلاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبِانِ» ... 19 -21 ... 14، 43، 46، 47

«كُلُّ مَنْ عَلَيها فَانٍ * وَيَبْقى

وَجْهُ رَبِّك ذُو الْجَلالِ وَالاْءِكْرَامِ» ... 26 - 27 ... 38

«كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأنٍ» ... 29 ... 121

الواقعة (56)

«وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسكُوبٍ *

وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لاَ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ» ... 30 - 33 ... 55

الحديد (57)

«لِكَيْلا تأسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ» ... 23 ... 106

الحشر (59)

«فَأَنسَاهُمْ أنْفُسَهُمْ» ... 19 ... 102

«هُوَ اللّه ُ الّذِى لا إِلهَ إِلاّ هُوَ عَالِمُ الغَيْبِ

وَالشَّهادَةِ هُوَ الرّحْمنُ الرَّحِيم» ... 22 ... 113، 114

«هُوَ اللّه ُ الّذِى لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْملِكُ القُدُّوسُ

السَّلامُ الْمُؤمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبّارُ الْمُتَكَبّرُ

سُبْحانَ اللّه ِ عَمّا يُشْرِكُونَ» ... 23 ... 113

«هُوَ اللّه ُ الْخالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأَسماءُ

الحُسنى يُسَبّحُ لَهُ مَا فِى السَّماواتِ وَالأَرْضِ

وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» ... 24 ... 113

ص: 154

الآية رقمها الصفحة

الطلاق (65)

«يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ» ... 12 ... 124

المُلك (67)

«مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْ ءٍ بَصِيرٌ» ... 19 ... 103

القلم (68)

«إِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ» ... 4 ... 47

الإنشقاق (84)

«لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ» ... 19 ... 102

الفجر (89)

«يَا أَيَّتُهَا النَّفسُ الْمُطْمَئِنَّةُ *

ارْجِعِى إِلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضيّةً» ... 27 - 28 ... 106، 121، 125

ص: 155

ص: 156

2 - فهرس الأحاديث الشريفة

2 - فهرس الأحاديث الشريفة(1)

آدم ومن دونه تحت لوائي ... 26، 48

إذ كلّ نعمك ابتداء ... 95

أرواحكم في الأرواح وأنفسكم في النفوس ... 18

أرواحكم في الأرواح ونفوسكم في النفوس وأجسامكم في الأجسام ... 32

أصلها الأفلاك ... 84

أصلها الطباع الأربع ... 84، 85

أصلها العقل ... 84

ألست تراه في وقتك هذا ... 41

إلهي كيف أدعوك وأنا أنا، وكيف أقطع رجائي عنك وأنت أنت... ... 133

أمناً يعبدك لا يشرك بك شيئاً ... 88

إنّ الصورة الإنسانية أكبر حُجّة اللّه على خلقه، وهي الكتاب الذي كتبه بيده، ... 23، 142

إنّ الطبيعة تفعل بإرادة اللّه ... 107

أنَّ اللّه خلق الأشياء بالمشيّة وخلق المشيّة بنفسها ... 114

إنّ امرأة دخلت النار في هرّة ... 105

إنّ أوّل ما خلق اللّه عزّ وجلّ ليعرف به خلقه الكتابة حروف المُعجم ... 109

أنتم السبب المُتّصل بين السماء والأرض ... 18

ص: 157


1- اللون الغامض يشير إلى ذكره في متن «الفوائد الرضوية».

الإنسان هو أمير المؤمنين علیه السلام ، علّمه بيان كلّ شيء ممّا يحتاج إليه الناس ... 19

أنّ للّه تعالى سبعين ألف حجاب من نُور وسبعين ألف حجاب من ظُلمة ... 36

أنّ للّه سبعة حجب أو سبعين حجاباً أو سبعمائة حجاب أو سبعين ألف حجاب... ... 96

أ نّه تعالى ذات علاّمةٌ سميعةٌ بصيرةٌ ... 82، 110

إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ... 28

أيشٍ تَقُولُ يا بْنَ أبيه، ومِمّن تَقُولُ، ولِمَنْ تَقُولُ؟! بَيْنا أنْتَ أنْتَ صِرنا نَحْنُ نَحْنُ... ... 13

أين الشيء؟! بل هو أكبر من أن يوصف ... 41

بدء إيجادها عند الولادة الجسمانية ... 90

بدء إيجادها عند الولادة الدنيويّة ... 91

برحمتك التي وسعت كُلّ شيءٍ ... 65

البرزخ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ... 47

بكم فتح اللّه وبكم يختم... ... 18، 26

البيان هو الاسم الأعظم الذي علّم به كلّ شيء ... 20

جوهر درّاك محيط بالأشياء من جميع جهاتها ، عارف بالشيء قبل كونه... ... 90

جوهرة بسيطة ... 87

حسنات الأبرار سيّئات المُقرّبين ... 40، 43

حيّة بالذات ... 87

خلق اللّه الأشياء بالمشيّة والمشيّة بنفسها ... 35، 141

خلق اللّه من نورنا العرش والكرسي والجنّة والنار والشمس والقمر ... 26

خلقه ملكاً له رؤوس بعدد الخلائق ، مَن خُلق ومَن لم يُخلق إلى يوم القيامة... ... 65

خمس قوىً وخاصّيتان ... 84

الدنيا مزرعة الآخرة ... 123

شيّبتني سورة هود لمكان هذه الآية ... 88

عادت إلى ما بدأت منه ... 85

ص: 158

عليّ وفاطمة بحران عميقان لا يبغي أحدهما على صاحبه ... 46

عميت عين لا تراك ولا تزال عليها رقيباً ... 41

عن أيّ الأنفس تسأل ؟ ... 83

عود مجاورة ... 93

عود ممازجة لاعود مجاورة ... 86

فإذا بلغ كشف ذلك الستر ... 68

فالكليم اُلبس حلّة الاصطفاء لمّا شاهدوا منه الوفاء،... ... 7

الفقر فخري ... 18

فلا تدركه الأبصار، وإنّ الملأ الأعلى يطلبونه كما تطلبونه أنتم ... 41

قوّة أصلها الطبائع، بدء إيجادها عند مسقط النطفة، مقرّها الكبد، مادّتها... ... 89

قوّة فلكية وحرارة غريزية أصلها الأفلاك، بدء إيجادها عند الولادة الجسمانية... ... 89

قوّة لاهوتية، بدء إيجادها عند الولادة الدنيوية ، مقرّها العلوم الحقيقية الذهنية... ... 90

قوّة لاهوتية، وجوهرة بسيطة، حيّة بالذات أصلها العقل منه بدأت وعنه دعت... ... 90

كان أخي موسى علیه السلام عينه اليمنى عمياء، وكان أخي عيسى علیه السلام ... ... 44

كان خلقه القرآن ... 48

كلّ ما هنالك يعلم ممّا هاهنا ... 97

كمال التوحيد نفي الصفات عنه ... 82

كيف يُستدلّ عليك بما هو في وجوده مُفتقر إليك، أيكون لغيرك من الظهور... ... 37

لا يبقى فيه من الإسلام إلاّ اسمه، ولا من القرآن إلاّ درسه ... 143

لسدرة المُنتهى غصون وأوراق وجذر وفرع ، فرسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ... ... 99

لكلّ آدمي رأس من رؤوس العقل ... 67

لم يزل اللّه جلّ وعزّ ربّنا والعلم ذاته ولا معلوم ، والسمع ذاته ولا مسموع... ... 110

لم يزل تعالى واحداً لا شيء معه فرداً لا ثاني معه ، لا معلوماً ولا مجهولاً... ... 132

لو دُلّيتم بحبل إلى الأرض السفلى لهبطتم على اللّه ... 88

ص: 159

لو يعلم الناس ما في فضل معرفة اللّه تعالى ما مدّوا أعينهم إلى ما متّع اللّه... ... 55

اللهمّ اجعله الداعي إلى كتابك والقائم بدينك، استخلفه في الأرض... ... 144

اللهمّ بلّغ مولانا صاحب الزمان عن جميع المؤمنين والمؤمنات تحيّةً وسلاماً... ... 144

اللهمّ عظُم البلاء، وبَرحَ الخفاء، وانقطع الرجاء ، وضاقت الأرضُ ومُنعتِ السماء... ... 143

مع كلّ شيء لا بمقارنة، وغير كلّ شيء لا بمزايلة ... 100

من خلق ومن لم يُخلق ... 66

موادّ التأييدات العقلية ... 85

نحن صنائع اللّه والخلق صنائع لنا ... 26، 27

نفس نامية نباتية، وحسّية حيوانية، وناطقة قدسية، وإلهية كلّية ملكوتية ... 89

واسم ذلك الإنسان على وجه ذلك الرأس مكتوب ... 67

والخلق مطيع لك خاضع من خوفك، لا يُرى فيه نور إلاّ نورك... ... 41

وإليها تعود ... 87

وعلى كلّ وجه ستر ... 68

وعودتها إليه ... 87

ولواؤه لواء الحمد ... 48

ومقرّها العلوم الحقيقية ... 91

ومنها بدت الموجودات ... 94

هو فوق وتحت وأمام وقدّام ... 41

يا باسط اليدين بالرحمة ... 64

يا خفيّاً من فرط الظهور ... 41

يا كميل إنّما هي أربعة: النباتية النامية، والحسّية الحيوانية، والناطقة القدسية... ... 101

يا كميل أي الأنفس تريد أن اُعرفك؟ ... 101

يا من احتجب بشعاع نوره ... 41

يا نضر واللّه ليس حيث يذهب الناس ، إنّما هو العالم وما يخرج منه ... 55

ص: 160

3 - فهرس أسماء المعصومين علیهم السلام

3 - فهرس أسماء المعصومين علیهم السلام (1)

النبي، محمّد، رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم =محمّد بن عبداللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، نبي الإسلام

محمّد بن عبداللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، نبي الإسلام 6، 7، 14، 15، 18، 26، 44، 48، 53، 54، 59، 65، 66، 69، 88، 95، 98، 106، 140، 143، 145

أهل البيت، آله المعصومين، أئمّة

المعصومين علیهم السلام ... 7، 8، 29، 35، 61، 64، 75، 82، 88، 108، 99، 110، 114، 141، 144

علي، الوصيّ، أمير المؤمنين علیه السلام =علي ابن أبي طالب علیه السلام ، الإمام الأوّل

علي بن أبي طالب علیه السلام ، الإمام الأوّل ... 7، 19، 43، 46، 60، 65، 82، 83، 90، 99، 101، 133، 142، 143

فاطمة عليها السلام=فاطمة الزهراء سلام اللّه عليها

فاطمة الزهراء سلام اللّه عليها ... 43، 44، 46

سيد الشهداء علیه السلام =الحسين بن علي علیه السلام ، الإمام الثالت

الحسين بن علي، الإمام الثالت ... 37

السجّاد علیه السلام =علي بن الحسين علیه السلام ، الإمام الرابع

علي بن الحسين علیه السلام ، الإمام الرابع ... 133، 95، 98

الصادق، جعفر بن محمّد، أبو عبداللّه علیه السلام =جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام السادس

ص: 161


1- اللون الغامض يشير إلى ذكره في متن «الفوائد الرضوية».

جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام السادس ... 23، 46، 55، 107، 109، 142

موسى بن جعفر علیه السلام ، الإمام السابع ... 144

الرضا، إمام الإنس والجانّ، أبو الحسن

الرضا علیه السلام =علي بن موسى علیه السلام ، الإمام الثامن

علي بن موسى علیه السلام ، الإمام الثامن ... 8، 13، 15، 97، 132، 109

صاحب الأمر عجّل اللّه فرجه الشريف، الإمام الثاني عشر ... 88، 144

أبو البشر=آدم

آدم، ... 15، 19، 22، 26، 29، 48، 49

عيسى المسيح ... 36، 44

موسى، نبي اليهود ... 44

ص: 162

4 - فهرس الأعلام

4 - فهرس الأعلام(1)

ابن العربي، محيي الدين محمّد بن علي ... 39، 40، 60، 64، 113

ابن بابويه، محمّد بن علي ... 46، 65، 108، 132

ابن سينا، الحسين بن عبداللّه ... 67، 68

ابن شهر آشوب، محمّد بن علي ... 46، 47

أبو علي سينا=ابن سينا، الحسين بن عبداللّه

أبو علي=الفارسي، الحسن بن أحمد

أرسطو ... 66، 79، 91، 100

أرسطو طاليس=أرسطو

أفلاطون ... 85، 66، 70

الجعفي، المفضل بن عمر ... 107

الجوزي=الغوري

الحائري، عبدالكريم ... 144

الحافظ، شمس الدين محمّد ... 96

الخميني، روح اللّه ... 145

السنايى، مجدود بن آدم ... 99

الشاه آبادي=الشاه آبادي، محمّد علي

الشاه آبادي، محمّد علي ... 81

الشيخ البهائي، محمّد بن الحسين ... 101

الشيخ اليوناني=فلوطين

الشيخ عبدالكريم اليزدي الحائري=الحائري، عبدالكريم

الصفّار، محمّد بن الحسن ... 55

العارف الحكيم=المولوي، جلال الدين محمّد بن محمّد

العارف الشيرازي=صدرالدين

الشيرازي، محمّد بن إبراهيم

العارف الكامل=القاضي سعيد القمّي،

محمّد سعيد بن محمّد مفيد

الغزنوي=السنايى، مجدود بن آدم

ص: 163


1- اللون الغامض يشير إلى ذكره في متن «الفوائد الرضوية».

الغوري 24

الفارسي، الحسن بن أحمد ... 24

الفيلسوف المتأ لّه=صدر الدين

الشيرازي، محمّد بن إبراهيم

القاضي الشريف السعيد=القاضي سعيد

القمّي، محمّد سعيد بن محمّد مفيد

القاضي سعيد القمّي، محمّد سعيد بن محمّد مفيد ... 3، 7، 83، 95، 107، 108، 113، 117، 119

القمّي=الصفّار، محمّد بن الحسن

المُطَرزي=المُطَرزي، ناصر بن عبد السيّد

المُطَرزي، ناصر بن عبد السيّد ... 24

المعلم الأوّل=ارسطو

المفضل=الجعفي، المفضل بن عمر

المولوي، جلال الدين محمّد بن محمّد ...86

جبرئيل ... 7، 133

حافظ=الحافظ، شمس الدين محمّد

رأس الجالوت ... 8 ، 13، 20، 135، 140

روح اللّه الخميني ابن السيّد مصطفى=الخميني، روح اللّه

سعيد الشريف القمّي=القاضي سعيد

القمّي، محمّد سعيد بن محمّد مفيد

شيخ مشّائية الإسلام=ابن سينا، الحسين بن عبداللّه

شيخنا القمّي=الصفّار، محمّد بن الحسن

صاحب الفتوحات=ابن العربي، محيي

الدين محمّد بن علي

صدر المتألّهين=صدرالدين الشيرازي، محمّد بن إبراهيم

صدرالدين الشيرازي، محمّد بن إبراهيم ...66، 67، 68، 87، 119، 123

صدوق الطائفة=ابن بابويه، محمّد بن علي

عمران ... 132

فاطمة المعصومة بنت الإمام موسى الكاظم علیه السلام ... 144

فلوطين 124

كميل بن زياد ... 65، 83، 101

لبيد ... 42

محمّد العاملي=الشيخ البهائي، محمّد بن الحسين

محمّد بن شهر آشوب=ابن شهر

آشوب، محمّد بن علي

معلّم الحكمة=ارسطو

نضر بن سويد ... 55

ص: 164

5 - فهرس الكتب الواردة في المتن

5 - فهرس الكتب الواردة في المتن(1)

القرآن ... 7، 38، 48، 53، 86، 96، 118، 143

أثولوجيا في معرفة الربوبيّة ... 6، 70، 79، 127

بصائر الدرجات ... 55

بعض رسائلنا=شرح الأربعين (القاضي سعيد القمّي)

التوحيد (الصدوق) ... 46، 132

توحيد المفضّل ... 107

الحكمة المتعالية ... 35، 62، 66، 78

زبور آل محمّد صلی الله علیه و آله وسلم =الصحيفة السجادية

شرح الأربعين (القاضي سعيد القمّي) ... 91

شرح توحيد الصدوق ... 48، 108، 121

الصحيفة السجادية ... 95، 133

العلل=علل الشرائع

علل الشرائع ... 65

عيون أخبار الرضا علیه السلام ... 132

الفتوحات=الفتوحات المكّية

الفتوحات المكّية ... 39، 40، 60، 64، 113

القاموس المحيط ... 106

الكافي ... 41، 55، 86

الكشّاف ... 23

الكشكول ... 101

مُجمل اللغة ... 49

مرقاة الأسرار ... 119

المثنوي ... 86

المُغرب ... 24

مناقب ابن شهر آشوب ... 46

ص: 165


1- اللون الغامض يشير إلى ذكره في متن «الفوائد الرضوية».

ص: 166

6 - فهرس الأشعار

6 - فهرس الأشعار(1)

لقد ظهرت فلا تخفى على أحدٍ *** إلاّ على أكمه لا يعرف القمرا ... 42

لكن بطنت بما أظهرت مُحتجباً *** وكيف يعرف من بالعرف استترا

تو در ميان هيچ نه هر چه هست اوست *** هم خود اَلَست گويد وهم خود بَلى كند ... 30

عباراتنا شَتّى وحُسنك واحدٌ *** وكلٌّ إلى ذاك الجمالِ يشيرُ ... 60

وتزعم أ نّك جرمٌ صغير *** وفيك انطوى العالم الأكبر

وأنت الكتاب المبين الذي *** بأحرفِهِ تظهر المُضمرُ ... 142

ميان عاشق و معشوق هيچ حايل نيست *** تو خود حجاب خودى حافظ از ميان برخيز ... 96

ألا كلّ شيء ما خلا اللّه باطلُ *** وقلّ نعيم لا محاله زائل ... 31، 42

آسمانهاست در ولايت جان *** كار فرماى آسمان جهان ... 99

پس عدم گردم عدم چون ارغنون *** گويدم كا نّ-ا إليه راجعون ...86

ص: 167


1- اللون الغامض يشير إلى ذكره في متن «الفوائد الرضوية».

ص: 168

7 - فهرس مصادر التحقيق

«القرآن الكريم» .

«أ»

1 - أثولوجيا أفلوطين عند العرب. افلوطين، قم، منشورات بيدار، 1413 ق.

2 - الاحتجاج . أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي (القرن السادس) ، تحقيق إبراهيم البهادري ومحمّد هادي به ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، منشورات اُسوة ، 1413 ق .

3 - الأربعينات لكشف الأنوار القدسيات. القاضي سعيد محمّد بن محمّد مفيد القمّي (1049 - 1107) ، تصحيح نجفقلي حبيبي، الطبعة الاُولى، تهران، منشورات ميراث مكتوب، 1381 ش.

4 - إرشاد القلوب . أبو محمّد الحسن بن محمّد الديلمي (م القرن الثامن) ، تحقيق السيّد هاشم الميلاني ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، دار الاُسوة للطباعة والنشر ، 1417 ق / 1375 ش .

5 - الإشارات والتنبيهات ، الشيخ الرئيس أبو علي حسين بن عبداللّه بن سينا (370 - 427) ، تحقيق مجتبى الزارعي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1423 ق / 1381 ش .

6 - اصطلاحات الصوفية. كمال الدين عبدالرزّاق الكاشاني (م 736)، تحقيق محمّد كمال إبراهيم جعفر، الطبعة الثانية، قم، منشورات بيدار، 1370 ش.

ص: 169

7 - اُصول المعارف. محمّد بن مرتضى المولى محسن الفيض الكاشاني (1007 - 1091) ، تصحيح سيّد جلال الدين الآشتياني، قم، مؤسّسة النشر الإسلامية، 1362 ش.

8 - اعتقادات فرق المسلمين والمشركين . محمّد بن عمر الخطيب فخرالدين الرازي (544 - 606) ، الطبعة الاُولى، بيروت، دار الكتب العربي، 1407 ق.

9 - إقبال الأعمال. السيّد رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن طاووس (589 - 664)، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، 1417 ق.

10 - امثال و حكم . على اكبر دهخدا (1258 - 1334 ش)، چاپ يازدهم، تهران، انتشارات امير كبير، 1375 ش.

11 - إنشاء الدوائر . محيي الدين بن العربي (م 638)، مدينة ليدن، مطبعة بريل، 1336 ق.

12 - أنوار الحكمة . محمّد بن مرتضى المولى محسن الفيض الكاشاني (1007 - 1091) ، تعليق محسن بيدارفر، الطبعة الاُولى، قم، منشورات بيدار، 1425 ق.

13 - الأنوار النعمانية. السيّد نعمة اللّه بن عبداللّه بن محمّد بن حسين بن أحمد (1050 - 1112)، الطبعة الاُولى، 4 مجلّدات، بيروت، دار القارئ - دار الكوفة، 1429 ق / 2008 م.

«ب»

14 - بحار الأنوار الجامعة لدُرر أخبار الأئمّة الأطهار . العلاّمة محمّد باقر بن محمّدتقيّ المجلسي (1037 - 1110) ، الطبعة الثانية ، إعداد عدّة من العلماء ، 110 مجلدٍ ( إلاّ 6 مجلّدات ، من المجلّد 29 - 34) + المدخل ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1403 ق / 1983 م .

15 - البرهان في تفسير القرآن . السيّد هاشم بن سليمان بن إسماعيل بن عبدالجواد الحسيني البحراني (م 1107) ، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية ، مؤسّسة البعثة ، الطبعة الاُولى ، 10 مجلّدات ، بيروت ، مؤسّسة البعثة ، 1419 ق / 1999 م .

16 - بصائر الدرجات . أبو جعفر محمّد بن الحسن بن فرّوخ الصفّار (م 290) ، تصحيح

ص: 170

الميرزا محسن كوچه باغي ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1404 ق .

17 - البلد الأمين. تقي الدين إبراهيم بن علي بن الحسن بن محمّد بن صالح بن إسماعيل الحارثي الكفعمي العاملي (840 - 905)، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، 1425 ق.

18 - بيان السعادة في مقامات العبادة . سلطان محمّد الجنابذي الملقّب ب- «سلطان عليشاه» (1251 - 1327) ، الطبعة الثانية ، 4 مجلّدات ، طهران ، مطبعة دانشگاه ، 1385 ق / 1344 ش .

«ت»

19 - تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة . السيّد شرف الدين علي الحسيني الأسترآبادي، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1409 ق .

20 - التبيان في تفسير القرآن . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق وتصحيح أحمد حبيب قصير العاملي ، بيروت ، 10 مجلّدات ، دار إحياء التراث العربي .

21 - تذكرة الأولياء . أبو حامد محمّد بن أبو بكر إبراهيم الشهير بفريد الدين عطار النيسابوري، تهران، انتشارات مولى، 1346 ش .

22 - تذكرة رياض العارفين . رضا قلي خان هدايت (م 1288)، تصحيح أبو القاسم رادفر و گيتا اشيدري (اشديري)، الطبعة الاُولى، تهران، پژوهشگاه علوم انسانى و مطالعات فرهنگى، 1385 ق.

23 - التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري علیه السلام . تحقيق مدرسة الإمام المهديّ علیه السلام ، الطبعة الاُولى ، قم ، مدرسة الإمام المهديّ علیه السلام ، 1409 ق .

24 - تفسير الصافي . محمّد بن مرتضى المولى محسن الفيض الكاشاني (1007 - 1091) ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، مشهد ، دار المرتضى للنشر ، 1402 ق .

25 - تفسير القمّي . أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمّي (من أعلام قرني الثالث والرابع ) مطبعة النجف ، النجف الأشرف ، الطبعة الثانية ، 1387 .

ص: 171

26 - التفسير الكبير . محمّد بن عمر الخطيب فخرالدين الرازي (544 - 606) ، الطبعة الثالثة ، 32 جزءاً في 16 مجلّداً ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1411 ق .

27 - تفسير كنز الدقائق وبحر الرغائب. ميرزا محمّد المشهدي ابن محمّد رضا بن إسماعيل بن جمال الدين القمّي (م حدود 1125)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1407 - 1413 ق .

28 - تفسير نور الثقلين . الشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي (م 1112) ، تحقيق السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، قم ، 1412 ق / 1370 ش .

29 - تقريرات فلسفه امام خمينى. سيّد عبدالغني أردبيلي، تهران، مؤسسه چاپ و نشر عروج، 1381 ش.

30 - تمهيد القواعد . علي بن محمّد بن محمّد التركه الملقب بصائن الدين الأصفهاني (م 850)، تصحيح سيّد جلال الدين الآشتياني، تهران ، انجمن اسلامى حكمت و فلسفه ايران، 1360 ش.

31 - تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورّام) . أبو الحسين ورّام بن أبي فرّاس المالكي الأشتري (م 605)، الطبعة الثالثة، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1368 ش.

32 - التوحيد. أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي، الشيخ الصدوق (م 381) تحقيق السيّد هاشم الحسيني الطهراني، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1398 ق.

«ج»

33 - جامع الأخبار . الشيخ محمّد بن محمّد السبزواري (من أعلام القرن السابع) ، تحقيق علاء آل جعفر ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1414 ق .

34 - جامع الأسرار ومنبع الأنوار. السيّد حيدر بن علي الآملي (م القرن الثامن)، تصحيح هنري كربين وعثمان إسماعيل يحيى، الطبعة الثانية، تهران، انتشارات علمى و فرهنگى، 1368 ش.

ص: 172

«ح»

35 - الحاشية على تهذيب المنطق. ملاّ عبداللّه بن شهاب الدين الحسين اليزدي (م 981)، الطبعة العاشرة، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1421 ش.

36 - الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة . صدر المتأ ل-ّهين محمّد بن إبراهيم الشيرازي (م 1050) ، الطبعة الثانية ، 9 مجلّدات ، قم ، مكتبة المصطفوي، 1387 ق .

«د»

37 - الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور . جلال الدين عبدالرحمان بن أبي بكر بن محمّد جلال الدين السيوطي (849 - 911)، قم، مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي، 1404 ق .

38 - الدعوات . المولى أبو الحسين سعيد بن هبة اللّه المشهور ب- «قطب الدين الراوندي» (م 573) ، تحقيق مدرسة الإمام المهديّ علیه السلام ، الطبعة الاُولى ، قم ، انتشارات مدرسة الإمام المهديّ علیه السلام ، 1407 ق .

39 - ديوان اشعار منسوب به حضرت أمير المؤمنين علي علیه السلام . ترجمه منظوم از مولانا شوقى (قرن نهم)، تصحيح سيّده مريم روضاتيان، چاپ اوّل، تهران، انجمن آثار مفاخر فرهنگى، 1383 ش.

40 - ديوان حافظ. شمس الدين محمّد حافظ شيرازي (791 - ؟ق)، تصحيح محمّد قدسى، چاپ دوم، تهران، انتشارات نشر چشمه، 1387 ش.

41 - ديوان لبيد. لبيد بن ربيعة بن مالك العامري (م 41)، بيروت، دار الأرقم، 1417 ق.

«ر»

42 - روضة الواعظين. أبو جعفر الشهيد محمّد بن الحسن بن علي بن أحمد بن علي بن يوسف الفتّال النيسابوري، المشتهر بابن الفتّال (م 508)، تحقيق غلامحسين المجيدي ومجتبى الفرجي، الطبعة الاُولى، قم، منشورات دليل ما، 1423 ق / 1381 ش.

«س»

43 - سنن الترمذي . أبو عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي (209 - 279) ، تحقيق عبدالوهّاب عبداللطيف ، الطبعة الثانية ، 5 مجلّدات ، بيروت ، دار الفكر ، 1403 ق .

ص: 173

«ش»

44 - شرح الأسماء. المولى هادي بن مهدي السبزواري (1212 - 1289)، تحقيق نجفقلي حبيبي، تهران، مؤسسه انتشارات و چاپ دانشگاه تهران، 1373 ش.

45 - شرح الأربعين. القاضي سعيد القمي (1049 - 1107)، تصحيح نجفقلي حبيبي، الطبعة الاُولى، تهران، ميراث مكتوب، 1379 ش.

46 - شرح اُصول الكافي. صدر المتألّهين محمّد بن إبراهيم الشيرازي (م 1050) ، تصحيح محمّد خواجوي، تهران، مؤسّسة مطالعات و تحقيقات فرهنگى، 1366 ش.

47 - شرح چهل حديث (اربعين حديث). ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه »=موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

48 - شرح توحيد الصدوق. القاضي سعيد محمّد بن محمّد مفيد القمي (1049 - 1107)، صحّحه وعلّق عليه نجفقلي حبيبي، الطبعة الاُولى، تهران، مؤسّسة الطباعة والنشر وزارة والإرشاد الإسلامي، 1415.

49 - شرح دعاء السحر. ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه »=ضمن موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

50 - شرح المطالع . قطب الدين محمّد بن محمّد الرازي (م 766) ، قم ، انتشارات الكتبي .

51 - شرح فصوص الحكم. محمّد داوود القيصري الرومي (م 751)، باهتمام سيّد جلال الدين الآشتياني، تهران، انتشارات علمى و فرهنگى، 1375 ش.

52 - شرح المقاصد . مسعود بن عمر بن عبداللّه المعروف ب- «سعد الدين التفتازاني» (712 - 793) ، تحقيق عبدالرحمن عميرة ، الطبعة الاُولى ، 5 أجزاء في 4 مجلّدات ، قم ، منشورات شريف الرضيّ ، 1370 - 1371 ش .

53 - شرح مثنوى شريف. بديع الزمان فروزانفر (م قرن الرابع عشر)، الطبعة الاُولى، 3 مجلّدات، تهران، انتشارات زوّار، 1367 ش.

54 - شرح منازل السائرين. كمال الدين عبدالرزاق الكاشاني (م 736)، تحقيق محسن

ص: 174

بيدارفر، الطبعة الاُولى، قم، منشورات بيدار، 1372 ش.

55 - شرح المواقف . السيّد الشريف علي بن محمّد الجرجاني (م 812) ، تصحيح السيّد محمّد بدرالدين النسعاني ، الطبعة الاُولى ، 8 أجزاء في 4 مجلّدات ، قم ، منشورات الشريف الرضيّ ، 1412 ق / 1370 ش ، «بالاُفست عن طبعة مصر ، 1325» .

56 - شرح المنظومة . المولى هادي بن مهدي السبزواري (1212 - 1289) ، تصحيح وتعليق وتحقيق حسن حسن زاده الآملي ومسعود الطالبي ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، طهران ، نشر ناب ، 1369 - 1379 ش .

57 - الشفاء . الشيخ الرئيس أبو علي حسين بن عبداللّه بن سينا (370 - 427) ، تحقيق عدّة من الأساتذة ، 10 مجلّداً ( الإلهيات + المنطق 4 مجلّدات + الطبيعيات 3 مجلّدات + الرياضيات مجلّدان) ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1405 ق .

58 - الشواهد الربوبيّة في المناهج السلوكية . صدر المتأ ل-ّهين محمّد بن إبراهيم الشيرازي (م 1050) ، تصحيح سيّد جلال الدين الآشتياني، مشهد، مركز نشر دانشگاهى، 1360 ش.

«ص»

59 - الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية) . إسماعيل بن حمّاد الجوهري (م 393) ، تحقيق أحمد عبدالغفور عطّار ، الطبعة الرابعة ، 6 مجلّدات ، بيروت ، دار العلم للملايين ، 1407 ق / 1987 م .

60 - صحيح مسلم . أبو الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوري (206 - 261) ، تحقيق وتعليق الدكتور موسى شاهين لاشين والدكتور أحمد عمر هاشم ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، بيروت ، مؤسّسة عزّ الدين ، 1407 ق / 1987 م .

61 - الصحيفة السجّادية الجامعة . الإمام علي بن الحسين زين العابدين علیه السلام ، تحقيق السيّد محمّد باقر الموحّد الأبطحي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة الإمام المهديّ(عجل الله تعالی فرجه الشریف) ، 1411 ق .

ص: 175

«ع»

62 - عبقات الأنوار في إثبات إمامة الأئمّة الأطهار. مير سيّد حامد حسين (م 1306)، 23 مجلّدات، الطبعة الثانية، أصفهان، كتابخانه أمير المؤمنين، 1366 ش.

63 - علل الشرائع . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، الطبعة الاُولى ، النجف الأشرف ، المكتبة الحيدرية ، 1385 ق / 1966 م .

64 - علم اليقين. محمّد بن مرتضى المولى محسن الفيض الكاشاني (1007 - 1091)، قم، انتشارات بيدار، 1385 ش.

65 - عنقاء مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب. محيي الدين بن العربي (م 638)، مصر، الأزهر، 1373 ق.

66 - عوالي اللآلي العزيزية في الأحاديث الدينية . محمّد بن علي بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور (م - أوائل القرن العاشر) ، تحقيق مجتبى العراقي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مطبعة سيّدالشهداء ، 1403 ق .

67 - عيون أخبار الرضا علیه السلام . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، الشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح السيّد مهدي الحسيني اللاجوردي ، الطبعة الثانية ، منشورات جهان .

«ف»

68 - الفتوحات المكّية. الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي (560 - 638)، 4 مجلّدات، بيروت، دار إحياء التراث العربي.

69 - فصوص الحكم . أبو نصر محمّد الفارابي، تحقيق الشيخ محمد حسن آل ياسين، قم، انتشارات بيدار، 1405 ق .

70 - الفقيه (من لا يحضره الفقيه) . أبو جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الرابعة ، 4 مجلّدات ، النجف الأشرف ، دار الكتب الإسلامية ، 1377 ق / 1957 م .

ص: 176

«ق»

71 - القبسات . السيّد محمّد باقر بن شمس الدين محمّد الحسيني الأسترآبادي المعروف ب-«الميرداماد» (م 1041) ، تحقيق الدكتور مهدي المحقّق ، الطبعة الثانية ، طهران ، انتشارات و چاپ دانشگاه تهران ، 1374 ش .

72 - قوت القلوب. محمّد بن علي بن عطية الحارثي (م 386)، بيروت، دار الكتب العلمية، 1417 ق.

«ك»

73 - الكافي . ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (م 329) ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الخامسة ، 8 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1363 ش .

74 - الكشّاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل . جاراللّه محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي (467 - 528) ، إعداد مصطفى حسين أحمد ، الطبعة الثالثة ، 4 مجلّدات ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، 1407 ق / 1987 م .

75 - كشف المحجوب. أبو الحسن علي بن عثمان الجلاّبي الهجويري الغزنوي، تصحيح ژوكوفسكي، تهران، كتابخانه طهورى، 1373 ش.

76 - كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر ، تحقيق الشيخ حسن حسن زاده الآملي ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1414 ق .

77 - الكشكول . الشيخ محمّد بن حسين بن عبدالصمد بن محمّد بن علي بن الحسين بن محمّد بن صالح العاملي الجبعي الحارثي المشهور ب-«الشيخ البهائي» (953 - 1031)، تهران، مؤسّسة فراهاني .

78 - كلمات مكنونه. محمّد محسن فيض كاشانى (1007 - 1091) تصحيح و تعليق عزيزاللّه عطاردي قوچاني، تهران، انتشارات فراهانى، 1360 ش.

ص: 177

79 - كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال . علاء الدين علي المتّقي بن حسام الدين الهندي (888 - 975) ، إعداد بكري حيّاني وصفوة السقا ، الطبعة الثالثة ، 16 مجلّداً + الفهرس ، بيروت ، مؤسّسة الرسالة ، 1409 ق / 1989 م .

«ل»

80 - لسان العرب . أبو الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم بن منظور المصري (630 - 711) ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً + الفهرس ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1408 ق / 1988 م .

«م»

81 - مثنوى معنوى. جلال الدين مولوى، تصحيح نيكلسون، چاپ پنجم، تهران، انتشارات پژوهش، 1378 ش.

82 - مجمع البيان في تفسير القرآن . أبو علي أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي (حوالي 470 - 548) ، تحقيق وتصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي والسيّد فضل اللّه اليزدي الطباطبائي ، الطبعة الاُولى ، 10 أجزاء في 5 مجلّدات ، بيروت ، دار المعرفة للطباعة والنشر .

83 - مجمل اللغة. أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا بن محمّد بن حبيب (م 395)، تحقيق شهاب الدين أبو عمرو، بيروت، دار الفكر، 1414 ق .

84 - مجموعه مصنّفات شيخ إشراق. شهاب الدين يحيى سهروردي (549 - 587)، تصحيح هنري كربين، الطبعة الثانية، تهران، مؤسّسة مطالعات و تحقيقات فرهنگى، 1372 ش.

85 - مرقاة الأسرار=الأربعينات لكشف الأنوار القدسيات.

86 - المسند . أحمد بن محمّد بن حنبل (164 - 241) ، إعداد أحمد محمّد شاكر وحمزة أحمد الزين ، الطبعة الاُولى ، 20 مجلّداً ، القاهرة ، دار الحديث ، 1416 ق .

87 - مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين. الحافظ رجب البرسي (أعلام القرن الثامن)، تهران، دفتر نشر فرهنگ اهل بيت علیهم السلام .

ص: 178

88 - مشارق الدراري شرح تائية ابن الفارض . سعيد بن محمّد فرغاني (م 691)، تعليقات سيّد جلال الدين الآشتياني، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1379 ش .

89 - مصباح الاُنس. محمّد بن حمزة الفناري، تهران، انتشارات فجر، 1363 ش.

90 - مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق الشيخ حسين الأعلمي ، الطبعة الاُولى ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، 1418 ق / 1998 م .

91 - مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية. ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه »=موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

92 - المغرب في ترتيب المعرب . أبو الفتح ناصر الدين بن عبدالسيّد بن علي المطرّزي (538 - 610) ، تحقيق محمود فاخوري وعبدالحميد مختار ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، حلب ، مكتبة اُسامة بن زيد ، 1979 م .

93 - مفاتيح الغيب . صدر المتأ ل-ّهين محمّد بن إبراهيم الشيرازي (م 1050) ، تهران، مؤسّسة مطالعات و تحقيقات فرهنگي، 1363 ق .

94 - الملل والنحل . أبو الفتح محمّد بن عبدالكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني (479 - 548) ، تخريج محمّد بن فتح اللّه بدران ، الطبعة الثانية ، جزءان في مجلّد واحد ، القاهرة ، مكتبة الانجلو المصرية ، 1375 ق / 1956 م .

95 - مناقب آل أبي طالب . أبو جعفر رشيد الدين محمّد علي بن شهر آشوب السروي المازندراني (م 588) ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسه انتشارات علاّمه ، 1379 ق .

96 - مواهب عليّه . حسين بن علي الكاشفي السبزواري (م القرن التاسع)، تحقيق سيّد محمّد رضا جلالي نائيني، تهران، انتشارات اقبال، 1369 ش.

«ن»

97 - النهاية في غريب الحديث والأثر . مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمّد بن محمّد

ص: 179

الجزري المعروف بابن الأثير (544 - 606) ، تحقيق طاهر أحمد التراوي ومحمود محمّد الطناحي ، 5 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة إسماعيليان ، 1364 ش .

98 - نهج البلاغة ، من كلام مولانا أمير المؤمنين علیه السلام . جمعه الشريف الرضي ، محمّد بن الحسين (359 - 406) ، إعداد الدكتور صبحي الصالح ، انتشارات الهجرة ، قم ، 1395 ق «بالاُفست عن طبعة بيروت 1387 ق» .

«و»

99 - الوافي . محمّد بن المرتضى المولى محسن المعروف بالفيض الكاشاني (1006 - 1091) ، إعداد ضياء الدين الحسيني ، الطبعة الاُولى ، 26 مجلّداً ، أصفهان ، مكتبة الإمام

أمير المؤمنين علیه السلام ، 1412 ق .

ص: 180

8 - فهرس الموضوعات

مقدّمة التحقيق ··· ه_

مقدّمة الطبعة السابقة ··· ط

مقدّمة التعليقة ··· 3

مقدّمة المؤلّف (القاضي سعيد القمّي) ··· 5

ذكر حديث رأس الجالوت وتوضيحه ··· 13

بيان ما لعلّه يحتاج إلى البيان ··· 14

الفائدة الاُولى

في تفصيل القول في الجواب عن السؤال الأوّل

معنى الكفر والإيمان والجنّة والنيران والشيطانين ··· 53

الفائدة الثانية

في تحقيق الجواب الثاني وكشف حقائقه

وفيها مباحث:

المبحث الأوّل : في أنّه سأل عن الواحد المتكثّر ··· 59

المبحث الثاني : في أنّه سأل عن المتكثّر المتوحّد ··· 73

ص: 181

إيماض: في سرّ التعبير عن العقل بالواحد المتكثّر وعن النفس بالمتكثّر المتوحّد ··· 76

إيقاظ: في سرّ التعبير عن العقل بالواحد وعن النفس بالمتوحّد ··· 77

تبيان: في نقل ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في النفس ··· 83

تبيين: في شرح كلام أمير المؤمنين عليه السلام ··· 90

تشييد: في نقل رواية اُخرى عن أمير المؤمنين في النفس ··· 101

توضيح ما في ألفاظ هذا الخبر من الإبهام والإشكال ··· 102

المبحث الثالث : في أنّه سأل عن الموجَد الموجِد ··· 107

المبحث الرابع : في أنّه سأل عن الجاري المنجمد ··· 117

المبحث الخامس : في أنّه سأل عن الناقص الزائد ··· 125

الفائدة الثالثة

في تحقيق جواب الإمام علیه السلام

وفيها مطلبان:

المطلب الأوّل : معنى قوله عليه السلام : «بينا أنت أنت صرنا نحن نحن» ··· 131

تذييل تدقيقي وتحقيق منطقي أيضاً في شرح قوله علیه السلام «بينا أنت أنت...» ··· 132

المطلب الثاني : في تطبيق الجواب على الأسئلة المذكورة ··· 135

فذلكة: في محصل ما سبق ··· 137

خاتمة: في أنّه يمكن جعل كلّ من الجوابين عن كلا السؤالين ··· 139

وصيّة: في وجوب حفظ هذه الأسرار عن غير أهله ··· 139

خاتمة: بيان وجهين آخرين في تفسير الرواية ··· 140

الفهارس العامّة

1 - فهرس الآيات الكريمة ··· 149

ص: 182

2 - فهرس الأحاديث ··· 157

3 - فهرس الأسماء المعصومين علیهم السلام ··· 161

4 - فهرس الأعلام ··· 163

5 - فهرس الكتب الواردة في المتن ··· 165

6 - فهرس الأشعار ··· 167

8 - فهرس مصادر التحقيق ··· 169

ص: 183

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.