أثر السياق في توجيه المعنى لألفاظ الطبيعة في نهج البلاغة

هویة الکتاب

مصدر الفهرسة: IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda رقم التصنيف: 2017 BP38.09.T3 S2

المؤلف الشخصي: الصافي، ندى عبد الأمير.

العنوان: أثر السياق في توجيه المعنى لألفاظ الطبيعة في نهج البلاغة/ بيان المسؤولية: تأليف ندى عبد الأمير الصافي.

بيانات الطبعة: الطبعة الأولى.

بيانات النشر كربلاء، العراق، العتبة الحسينية المقدسة- مؤسسة علوم نهج البلاغة. 1438- 2017م الوصف المادي: 312صفحة: جداول سلسلة النشر: سلسلة الرسائل الجامعية- العراق/ وحدة علوم اللغة العربية.

تبصرة ببليو غرافية: يتضمن هوامش، لائحة المصادر: الصفحات (285- 304).

مصطلح موضوعي شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين بن موسى، 359- 406للهجرة. نهج البلاغة.

مصطلح موضوعي شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23قبل الهجرة- 40للهجرة- حديث.

مصطلح موضوعي شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23قبل الهجرة- 40للهجرة- كلمات قصار.

مصطلح موضوعي شخصي: : علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23قبل الهجرة- 40للهجرة- نظرية حول الطبيعة.

مصطلح موضوعي: الاسلام والطبيعة.

مصطلح موضوعي: القرآن والطبيعة.

مصطلح موضوعي: السياق اللغوي.

مصطلح موضوعي: اللغة العربية- ألفاظ.

مدخل اضافي اسم شخص: السيد نبيل قدوري الحسني مقدم.

مدخل إضافي اسم شخص: شرح العمل/ الشريف الرضي، محمد بن الحسين بن موسى، 359- 406للهجرة. نهج البلاغة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة

ص: 1

اشارة

أثر السياق في توجيه المعنى لألفاظ الطبيعة في نهج البلاغة

ص: 2

سلسلة الرسائل الجامعية- العراق/ جامعة الكوفة

وحدة علوم اللغة العربية

(26)

*********

أثر السياق في توجيه المعنى لألفاظ الطبيعة في نهج البلاغة

تأليف: ندى عبد الأمير الصافي

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة العتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى

2017م- 1438ه

العراق: كربلاء المقدسة- شارع السدرة- مجاور مقام علي الأكبر (عليه السلام) مؤسسة علوم نهج البلاغة

هاتف: 07728243600 - 07815016633

الموقع الألكتروني: www.inahj.org

الإيميل: Inahj. org@gmail.com

تنويه:

إن الآراء والأفكار الواردة في هذا الكتاب تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسينية المقدسة

ص: 4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

«وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَی الَجْنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ* وَقَالُوا الٌحمْدُ للهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْارْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الَجنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ»(1) .

صدق الله العلي العظيم

ص: 5


1- الزمر/ 73- 74

ص: 6

الإهداء مولاي يا أمير المؤمنين يا خليفة الرَّحمن ومنارة الإنسانِ هذه بضاعتي إليك، فهلّا قبلْتَ؟ وإلى نور العينِ الذي عَبَرَ بي الآمالَ الحالمةَ، واتسعَ قلبُهُ ملبّياً حلمي حينَ ضاقَتْ بي السبلُ، فذللَّ الصعابَ من أجلي ليغرسَ الصَّفاءَ في نفسي...

إلى الحالم أن يراني أُستاذة في جامعتي مخططاً مكتبتي محنياً الظهر تاركاً أمراضهُ وآلامه وراءَ ظهرهِ مشجعاً إياي في إكمالِ رسالتي...

إلى الذي وهبني حياةً طيّبةً لأعيش وعلَّمَني أنْ أسيرَ بطريقِ الحقِّ ولا أخافُ في الحقِّ لومة لائم وعلّمني أن إنسانيتي طريق خلودها طلب العلم...

إلى الذي كلّما ذكرتُهُ حنّت العين لرؤيتهِ واشتاقتِ الرَّوحُ للجلوسِ معه؛ لأسمعَ أجملَ ما يحفظُ من الشعرِ يُلقنني صغيرةَ، ويحثُّني عليهِ كبيرة، فما زَالت أُذناي تسمعُ صدى صوته على لسانِ أبي الطيب المتنبي:

إذا غامرْتَ في شَرَفٍ مَرومٍ فَلا تَقْنَعْ بِما دُونَ النُّجُوم(1) إلى الذي فاضَتْ روحُه الطَّاهرة إلى ربِّها، فَرَحلَ ولم يودّعني وتركَ في النَّفسِ حسرة وفي القلبِ لوعة...

إلى الَّذي كانَ سبباً في وجودِ هذي الرّسالة وأشهدُ أنَّ كلَّ ورقةٍ في رسالتي هي سبب وجودكَ في حياتي يا أبي.

وإلى مَنْ حملتني تسعةَ أشهر وفارقتْني منذ نعومةِ أظفاري أمي- رحمها الله-.

وإلى من تحمّلوا الصعاب معي ليخرج هذا العمل على ما خرج هو الآن إخوتي وأخواتي.

أهديكم جهدي المتواضع هذا

ص: 7


1- شرح ديوان المتنبي (للعكبري): 4/ 119

ص: 8

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤسسة

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها، وتمام منن والاها، والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين.

أما بعد:

فلم يزل كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) منهلاً للعلوم من حيث التأسيس والتبيين ولم يتقصر الأمر على علوم اللغة العربية أو العلوم الإنسانية، بل وغيرها من العلوم التي تسير بها منظومة الحياة وإن تعددت المعطيات الفكرية، إلا أن التأصيل مثلما يجري في القرآن الكريم الذي ما فرط الله فيه من شيء كما جاء في قوله تعالى: «مَا فَرَّطْنَا الْكِتَابِ مِنْ شَیءٍ»(1) ، كذا نجد يجري مجراه في قوله تعالى: «وَكُلَّ شَیْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ»(2) ، غاية ما في الأمر أن أهل الاختصاصات في العلوم كافة حينما يوفقون للنظر في نصوص الثقلين يجدون ما تخصصوا فيه حاضراً وشاهداً فيهما، أي في القرآن الكريم وحديث العترة النبوية (عليهم السلام) فيسارعون وقد أخذهم الشوق لإرشاد العقول إلى تلك السنن والقوانين والقواعد والمفاهيم والدلالات في القرآن الكريم والعترة النبوية.

ص: 9


1- الأنعام: 38
2- يس: 12

من هنا ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تتناول تلك الدراسات الجامعية المختصة بعلوم نهج البلاغة وبسيرة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وفكره ضمن سلسلة علمية وفكرية موسومة ب (سلسلة الرسائل الجامعية) التي يتم عبرها طباعة هذه الرسائل وإصدارها ونشرها في داخل العراق وخارجه، بغية إيصال هذه العلوم الأكاديمية الى الباحثين والدارسين وإعانتهم على تبين هذا العطاء الفكري والانتهال من علوم أمير المؤمنين علي (عليه السلام) والسير على هديه وتقديم رؤى علمية جديدة تسهم في إثراء المعرفة وحقولها المتعددة.

وما هذه الدراسة الجامعية التي بين أيدينا لنيل شهادة الماجستير في اللغة العربية وآدابها الموسومة ب (أثر السياق في توجيه المعنى لألفاظ الطبيعة في نهج البلاغة) إلا واحدة من تلك الدراسات التي وفقت صاحبتها للغوص في بحر علم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقد أذن لها بالدخول إلى مدينة علم النبوة والتزود منها بغية بيان أثر تلك النصوص العلوية في الإثراء المعرفي والتأصيل العلمي في توظيف السياق للكشف عن المعاني التي تتضمنها ألفاظ الطبيعة التي جاءت في نهج البلاغة مقسمة البحث على وفق أنواع الألفاظ وما دلت عليه من حيوانات ونباتات على اختلاف انواعها.

فجزى الله الباحثة خير الجزاء فقد بذلت جهدها وعلى الله أجرها.

السيد نبيل قدوري الحسني رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 10

المقدّمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمدُ لله ربِّ العالمين (الَمعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ والْخَالِقِ مِنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ الَّذِي لَمْ يَزَلْ قَائِماً دَائِماً إِذْ لا سَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ ولا حُجُبٌ ذَاتُ إرِتَاجٍ ولا لَيْلٌ دَاجٍ ولا بَحْرٌ سَاجٍ ولا جَبَلٌ ذُو فِجَاجٍ ولا فَجٌّ ذُو اعْوِجَاجٍ ولا أَرْضٌ ذَاتُ مِهَادٍ ولا خَلْقٌ ذُو اعْتِمَادٍ)(1) ، والصَّلاةُ والسَّلام على المصطفى الأميِن وآل بيته الطَّيبين الطًّاهرين.

وبعد:

لا بدَّ من تسليطِ الضَّوء على التُّراثِ القديمِ، ولا سيّما التُّاث العربي بتصانيفهِ المختلفةِ بعد أن شَهِدَت العقلية اللغوية العربية تمييزاً في التصنيف والتبويب، فكيفَ إذا ما كانَ المصدرُ مؤلفاً من عقلٍ عربيٍّ يُشارُ لهُ بالبنان في كلِّ محفل؟! فالحديثُ لا ينتهي عن نهجِ البلاغةِ، بوصفهِ كتاباً يحملُ بينَ طياتهِ (خطباً، وحكماً، ومواعظَ، وأمثالاً، وغيرها)، ولم يكنْ خافياً على أحدٍ أهميةُ نهجِ البلاغةِ منذُ ظهورِ الدراساتِ النحويةِ والبلاغيةِ والدلاليةِ، إذ اهتمَ الباحثون بتطبيقِ هذهِ الدِّراساتِ عليهِ؛ لإدراكِ معانيهِ وفهمِ نصوصه

ص: 11


1- نهج البلاغة: الخطبة (90)/ 122- 123

وبيانها؛ لقيمتهِ الفنيةِ والبلاغيةِ، وكونه جزءاً من تراثنا العربي.

ولا أُخفي ما داخَلني من معرفةٍ لهذا الكتاب، وقد ملكني في قراءته منذ الصغر، حفظْتُ أجزاءً من خطبهِ وبعضَ حكمهِ ومواعظهِ ليسَ هذا فحسب؛ بلْ حاولْتُ جاهدةً معرفةَ معاني بعضِ الكلماتِ التي رأيتُها غريبةً إذ لم يعهدها معجمي الشخصي بعدُ، وإن قرأتُ الشعر الجاهلي المتمثل ب (المعلقات) لأن امتداد سياقها الثقافي والتاريخي مختلف.

يقولُ الدكتور زكي نجيب محمود عن نهجِ البلاغةِ: (ونجول بأنظارنا في هذه المختارات من أقوال الإمام عليّ، الّتي اختارها الشريف الرضي «970م- 1016» «ت406ه» وأطلق عليها «نهج البلاغة»، لنقف ذاهلين أمام روعة العبارة وعمق المعنى؛ فإذا حاولنا أن نصنف هذه الأقوال تحت رءوس(1) عامّة تجمعها، وجدناها تدور- في الأغلب- حول موضوعات رئيسية ثلاثة، هي نفسها الموضوعات الرئيسة الّتي ترتد إليها محاولات الفلاسفة قديمهم وحديثهم على السواء، ألا وهي: الله، والعالم والإنسان؛ واذن فالرجل- وإن لم يتعمّدها- فيلسوف بمادته، وإن خالف الفلاسفة في أن هؤلاء قد غلب عليهم أن يقيموا لفكرتهم نسقاً على صورة مبدأ ونتائجه، وأما هو فقد نثر القول نثراً في دواعيه وظروفه)(2) .

وقد استطعْتُ النفاذَ إلى بعضِ جزيئاتِ هذا العالم بدراسةِ ألفاظ الطَّبيعة:

ص: 12


1- حسب ما جاء في قرارات مجمع اللغة العربية (1978- 1979) في القاهرة/ الدورة السادسة والأربعين: في كتابة الهمزة على السطر لتوالي الأمثال في الخط (الألف والياء) مثل: (رءوس) ينظر: مشكلة الهمزة العربية: الدكتور رمضان عبد التواب: 114- 115
2- المعقول واللامعقول في التراث العربي: د. زكي نجيب محمود: 30

(الحيوان، النبات، الأرض، السماء) وما يتصل بها، وقد طلبتُ من أستاذي المشرف إيجادَ نوعٍ من الدراساتِ الحديثةِ غير مطروقةٍ من قبل بالنسبةِ لألفاظِ الطَّبيعةِ؛ فاقترحَ عليّ الدراسةَ السَّياقية التي لم أكنْ مطَّلعةَ عليها في سني دراستي إلّا بالنَّزرِ اليسير منها، فكنتُ جالسةَ في رحابِ الكتبِ، قارئةً بتمعُّنٍ حولَ ماهية السِّياق؟ وعناصره؟ وأنواعه؟ ووروده في كتب التراث، أو في الدراسات الغربية: الهندية والاوربية وحول ما يعرف ب (نظرية السِّياق) عند فيرث، فجاءَتْ هذهِ الدراسة لبيانِ إيحاءات النَّص ومدى تأثيرِ ذلك بنظرةٍ شموليةٍ حول ما يقدِّمهُ السياق.

وبعدَ الرحلةِ الطويلةِ في البحثِ وجدتُ أنّ الدِّراساتِ السِّياقيةَ قد نحَت منحيين وبحسب ما توافر لي من المراجع:

المنحى الأول: الذي يُعدُّ من أهم الصعوباتِ التي واجهتني، إذ أخذَ الدارسون فيه الجانبَ النَّظري من السِّياق أكثر من الجانب التَّطبيقي؛ هذا إن دلّ على شيء فإنَّهُ يدلُّ على أنَّ الناظر للدِّراسات السِّياقية يرى أنّه أمام دراسةٍ صوتيةٍ أو نحويةٍ أو صرفيةٍ أو دلاليةٍ لا سياقية؛ لإنَّ التطبيقَ السِّياقي لأي نصٍّ من النصوصِ مختلفٌ ومتنوعٌ يشملُ جميعَ الجوانبِ، ولا يخضعُ لقاعدةٍ معينةٍ في دراسةِ النَّصِ أي بحسبِ مقتضى المقام؛ فمثلاً: قولُنا: نالَ زيدٌ درجةً عاليةً. فيُعرفُ السِّياق المقصود من القول بحسب: بيانِ اللغة الداخلية للنَّص، وزمنيةِ الفعلِ ودلالته، ودلالةِ الفاعلِ في معرفة زيد من هَوَ؟ فزيد ربما يكونُ طالباً وربُّما يكونُ شهيداً، والنتيجة التي حصل عليها بفعل القول. هذا من جانب، ومن جانبٍ آخر يتمُّ الإحاطةُ بظروفِ المخاطب؛ وحالِ المتكلِّم، ومناسبةِ القول، والزمان والمكان إلى آخره.

ص: 13

المنحى الثاني: انصبابُ الدارسين حولَ نظرية السِّياق وإعطاؤها حجماً أكبرَ مما ينبغي دون إخضاعها للمجهرِ وذلك بتحليلها؛ فضلاً عن عدم البحث فيما إذا كان لها جذور وتطابق في العربية أم لا؟ أما منهج البحث، فقد بدأ بتمهيد موجز عن السياق، اتبعته ببابين:

الباب الأول: الطبيعة الحيّة، وقسمتُهُ على فصلين: تناولتُ في الفصل الأول: الحيوان: قسَّمتُهُ على ثلاثةِ مباحثَ: الحيوان المفترس، والحيوان الأليف، والطيور والحشرات؛ والفصل الثاني النبات: قسَّمته على ثلاثةِ مباحثَ أيضاً: الأشجار، والنباتات، والأزهار.

الباب الثاني: الطبيعة غير الحيّة، قسمتُهُ على فصلين: تناولت في الفصل الأول: الأرض: قسَّمتُهُ على أربعةِ مباحثَ: الأول: التراب، والصخور، والحجارة، وما يتصلُ بها والثاني: السهل والوادي والطريق وما يتصلُ بها والثالث: الجبال، والصحراء وما يتصلُ بها والرابع: البحار وما يتصل بها؛ والفصل الثاني: السماء: قسَّمتُهُ على ثلاثةِ مباحثَ: الأول: السماء والنجوم وما يتصلُ بها، والثاني: الأمطار والأهوية وما يتصلُ بها، والثالث: الظلمة والنور وما يتصلُ بها.

اتبعت ذلك بخاتمة عرضت فيها النتائج التي توصلت إليها، التي منها التحليل السياقي ليكون منهجاّ متبعاّ في الدراسات للكتب التراثية، والمقصود بالطبيعة في هذا البحث: مظاهر الكون والحياة والأرض وما عليها من أحياء عدا الإنسان.

إنَّ عدمَ ذكرُ الإِنسانِ في الرَّسالة لم يكنْ محضَ صدفةٍ، فالكثير من

ص: 14

الرسائل التي اختصَّت بدراسةِ ألفاظِ الطَّبيعة لم تتناول الإِنسان، ولعلّ من بين الأسباب يرجعُ الى ما ذكرهُ الدكتور كاصد الزيدي في كتابهِ (الطبيعة في القرآن) قال: (والمقصود بالطبيعة الحية: ما اشتملت عليه من مختلف الحيوان والطير، ولا يدخل في ذلك الإنسان بالطبع)(1) .

ويتضحُ ممَّا تقدّمَ إنّه لم يُحَط بجميعِ ألفاظِ الطَّبيعة في ضوء الدِّراسةِ السَّياقيةِ، ورُبّ سائلٍ يسألُ عن السبب؟ إنَّ معنى الكلمة في المعجم لا يمكن أن يُفهم إلّا بوضعها في سياقات متعددة ومختلفة، وربما احتملت أكثر من معنى في المعجمِ إلّا إنّها في السياق لم تحتمل سوى معنى واحداً؛ لذا سُلَّط الضوء على الألفاظ التي تحمل أو تحتمل أكثر من معنى أو على معنى واحدٍ لا يفهم اختياره للنص إلا من السياق. إذ إنّ السِّياق هو الذي يحددُ معنى الكلمة في النص كما يحدِّدُ سببَ اختيارها من دون سواها بمعرفة المعنى لها، وقد أشرتُ إلى الألفاظِ بعد إحصائها في مكانِ ورودها في نصِّ نهجِ البلاغة، مع مراعاةِ عدم السَّعةِ واختيار الأنسب فالأنسب، وقد اعتمدتُ على ترتيب الألفاظِ ترتيباً ألفبائياً، والمنهج الذي سرتُ عليه هو المنهج السياقي كأحد المناهج التي تقوم على دراسة المعنى؛ تناولت فيه الجانبين اللغوي والدلالي لسياق الكلمة، ومن ثم التحليلي حيث تُرَدُّ اللفظة إلى أصولها المعجمية، ويذكرُ معناها في المعاجم العربية القديمة منها والحديثة، ومن ثمَّ استقراؤها في النص بمعرفة ما يجاورها من ألفاظ وتحليلها إن تطلَّبَ الأمر؛ فضلاً عن ذكر مناسبةِ القولِ والعنوان والمغزى للتوصل إلى المعنى الذي ظهرَتْ عليه الكلمةُ بدلالتها الحقيقية أو المجازية، فكان تحليل الكلمة في إطارها المجازي

ص: 15


1- الطبيعة في القرآن الكريم: كاصد الزيدي: 9

هو المنهج المتبع ضمن التحليل السَّياقي.

اعتمدتُ على معاجم لغوية كان الأكثر استعمالاً منها: معجم كتاب العين للخليل ت (175ه) ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس ت (395ه) ومعجم لسان العرب لابن منظور ت (711ه).

أمّا الشروح فقد اعتمدت على: شرح نهج البلاغة (ابن ابي الحديد): لعز الدين أبي حامد ابن أبي الحديد ت (656ه). ويُعدُّ من أطول الشروح القديمة كان لورود الحوادث وذكر الحقب التاريخية فيه فضلاً عن القضايا اللغوية والبلاغية أداة نافعة لكشف دلالة السياق، وشرح نهج البلاغة: ميثم بن علي بن ميثم البحراني ت (689ه) وذلك لأن هنالك ملامح للمنهج السياقي جاءت متساوقةً ومنهجية البحث في التحليل السياقي؛ فضلاً عن المصادر والمراجع الأخرى: السياقية والصرفية والنحوية والدلالية والبلاغية والأدبية.

إن أغلب الدراسات التي تناولت نهج البلاغة كانت تقوم على توضيح أساليب اللغة، ودراسة لبعض جوانبه البلاغية؛ لذا لم أجد ضمن الدراسات السابقة سوى رسالة (ألفاظ الفلك والهيئة في نهج البلاغة: دراسة دلالية معجمية) ل (إيمان الشوبكي) اتخذت فيه جانب التوافق والتناقض والترابطية بين ألفاظ الفلك وهو منهج مختلف عما جاء به البحث، وهنالك بحث لأستاذي المشرف بعنوان (الحقول الدلالية لأسماء الحيوان في نهج البلاغة) افدت منه كثيراً، وبحثم. كريمة نوماس المدني الموسوم ب (ألفاظ النبات في نهج البلاغة دراسة في المعجم والدلالة).

ص: 16

ومن مشكلات البحث قلة المصادر والمراجع النوعية لأن أغلب الدراسات السياقية كانت نظرية لا تطبيقية إلّا ما ندرَ، ولم تكن هنالك دراسات سابقة للموضوع استطيع أن أقف عليها مما اضطرني إلى البحث في مضان الكتب المتنوعة: صرفاً ونحواً وبلاغة وأدباً ودلالة لاعتقادي أنّ كل هذه الدراسات وغيرها تصب في جانبي السياق اللغوي والسياق غير اللغوي (الحال) الأمر الذي تطلب مني جهداً مضاعفاً؛ وذلك لسعة البحث مع قلّة الوقت المحدد له.

فما للإنسان إلّا ما سعى وما التوفيق إلّا من عند الله.

الباحثة * * *

ص: 17

ص: 18

التمهيد

اشارة

ص: 19

ص: 20

التمهيد

السياق

مفهومه- عناصره- أنواعه- نشأة الدراسات السياقية وتطورها..

الِّسياق لغةً

دلّتْ لفظةُ السِّياقِ في المعجمِ العربي على (النزع) أي الاحتضار، فقد ذكر صاحب معجم العين (ت175ه) في مادةِ (سوق): (سُقتُه سَوْقاً، ورأيتُه يسوقُ سِياقاً أي ينزع نزعاً يعني الموت... والأساقةُ: سَيْرُ الرِّكاب للسُّرُوج)(1) .

يقولُ الإمامُ علي علیه السلام من خطبةٍ له وتشتملُ على قدمِ الخالقِ وعظمِ مخلوقاتِهِ، ويختمُها بالوعظِ: «عِبَادَ الله، زِنُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُوزَنُوا، وحَاسِبُوهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تُحَاسَبُوا، وتَنَفَّسُوا قَبْلَ ضِيقِ الِخِنَاقِ، وانْقَادُوا قَبْلَ عُنْفِ السِّيَاقِ...»(2) .

ويقولُ السَّجاد علي بن الحسين علیه السلام في دعائهِ عندَ ختمه القرآن:

ص: 21


1- كتاب العين: الفراهيدي: (سوق): 5/ 190- 191
2- نهج البلاغة: الخطبة (90)/ 123

«وهون بالقرآن عند الموت على أنفسنا كرب السياق، وجهد الأنين، وترادف الحشارج، إذا بلغت النفوس التراقي...»(1) .

وأصلُ السِّياق سِواق فقلبت الواوياءً، مما ذكره ابن الأثير(2) (ت606ه):

(«س» وفيه دخل سعيد على عثمان وهو في السُّوْق» أي في النَّزع كأنّ روحه تُساق لتَخرج من بدَنه. ويقال له السِّياق أيضا وأصله سِوَاق، فقلبت الواو ياء، لكسرة السّين، وهما مَصْدَران من سَاقَ يَسُوق)(3) ، و (السين والواو والقاف أَصل واحد، وَهُوَ حَدْوُ الشَّيء. يقال ساقه يسُوقه سَوقا)(4) .

ومن ثم، فقد دلّت على (المهر)، فقد قال الأزهري (370ه): (قال الليث: السَّوْقُ معروف، يقول سُقناهم سَوْقاً... وساقُ فلانٍ مِن امرأته، أي أعطاها مَهْرها، وساقَ مَهْرها سِياقاً والسّياق: المَهْر. وساقَ إليها الصَّداق والمَهرَ سِياقاً وأساقه وإن كان دراهمَ أَو دنانير لأن أَصل الصَّداق عند العرب الإبلُ وهي التي تُساق فاستعمل ذلك في الدرهم والدينار وغيرهما…)(5) .

كما دلّت لفظة السياق على (التتابع)، قال الأزهري: (تساوقت الإبل

ص: 22


1- الصحيفة السَّجادية: الإمام زين العابدين علیه السلام: 204- 205
2- ابن الأثير: ابو السعادات المبارك محمد بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني، المعروف بابن الأثير الجزري، الملقب مجد الدين. ولد في أحد الربيعين سنة خمسمئة وأربع وأربعين. من مؤلفاته: (جامع الأصول في أحاديث الرسول) جمع فيه بين الصحاح الستة، وكتاب (النهاية في غريب الحديث والأثر) في خمس مجلدات، وكتاب (الإنصاف في الجمع بين الكشف والكشاف) في تفسير القرآن الكريم وغيرها... ينظر وفيات الأعيان: ابن خلكان: 4/ 141
3- النهاية في غريب الحديث والأثر: ابن الأثير: 2/ 424
4- معجم مقاييس اللغة: ابن فارس: (سوق): 3/ 117
5- تهذيب اللغة: الأزهري: (ساق): 9/ 231- 232

تساوقاً، إذا تتابعت، وكذلك تقاودت فهي متقاودة ومتساوقة... ابن السكيت يقال: ولدت فلانة ثلاثة بنين على ساق واحدة، أي بعضهم على أثر بعض ليس فيهم جارية وقوله: «إلِی رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المسْاقُ»(1) أي السوق)(2) .

وقال الزمخشري (ت538ه) في دلالة السياق على الكلام مجازاٌ: (ومن المجاز: ساق الله إليه خيراً. وساق إليها المهر. وساقت الريح السحاب... وتساوقت الإبل: تتابعت. وهو يسوق الحديث أحسن سياق، و «إليك يساق الحديث» وهذا الكلام مساقة إلى كذا، وجئتك بالحديث على سوقه: على سرده...)(3) .

ثم قال ابن منظور (ت711ه) أيضاً: (السَّوق معروف ساقَ الإبلَ وغيرَها يَسُوقها سَوْقاً وسِياقاً... وقد انْساقَت وتَساوَقت الإبلُ تساوقاً إذا تتابعت... وفي حديث أُم معبد فجاء زوجها يَسُوق أعْنُزاً ما تَساوَقُ أي ما تتابَعُ والمُساوَقة المُتابعة)(4) ، (وسياق الكلام تتابعه وأسلوبه الذي يجري عليه)(5) .

والسِّياق هو عبارة عن (أصوات أو كلمات أو عبارات تسبق وتتبع مفردة أو هي عنصر لغوي في لفظة أو معنى. وتتأثر أصوات الكلام غالباً بالأصوات المجاورة لها وكذلك البيئة اللغوية المحيطة بها.

ص: 23


1- القيامة: 30
2- تهذيب اللغة: (ساق): 9/ 234
3- أساس البلاغة: الزمخشري: 255
4- لسان العرب: ابن منظور: (سوق)، 10/ 166
5- المعجم الوسيط: إبراهيم مصطفى وآخرون: 1/ 965- 967

علاقة سمات العالم الخارجي بمعنى اللفظة أو النص تًعد مفاهيم النص أو الحالة للمحور المركزي من فروع علم الدلالة جميعاً لكون جميع الرموز الكتابية والفعلية تمثل العالم المحيط بالمتحدث)(1) .

وورد في المعجم الفلسفي (السياق في الفرنسية Contexte وفي الانجليزية context وسياق الكلام أسلوبه ومجراه، تقول: وقعت هذه العبارة في سياق الكلام، أي جاءت متفقة مع مجمل النص... وسياق processus الحوادث مجراها وتسلسلها وارتباط بعضها ببعض، فإذا جاء الحادث متفقا مع الظروف المحيطة به كان واقعا في سياقها، وإذا جاء مخالفا، وجب البحث عن علة هذا الخلاف تقول: سياق المرض وسياق الظواهر النفسية أو الاجتماعية)(2) .

مما تقدّم ذكره يندرج السياق في اللغة تحت معانٍ عدة منها: النزع للروح وخروجها من الجسد، وسياق المهر، وولادة فلانة ثلاثة بنين على ساق واحدة، وسير الإبل وتتابعها، ومن ثم سياق الكلام وأسلوبه ومجراه، فإنّ جميعَ ما ورد من معانٍ للسياق أعطى دلالة واضحة بأنّ السياق في اللغة قد دلّ على صفات مشتركة وهي: التتابع والتواصل والاستمرار والانتظام داخل إطار السياق قبل أن يدل على مفهومه الخاص في سياق الكلام في الوقت الحاضر.

ص: 24


1- معجم اللغة واللسانيات: هارتمان وستورك: 107
2- المعجم الفلسفي: د. إبراهيم صلبيا: 1/ 681

السياق اصطلاحاً

لعلّ الذي يريد استجلاء التعريفات الاصطلاحية الخاصة بالسياق، يلاحظ أنّها تنوّعت وتغيرت بحسب الغرض المراد منها وبحسب وروده، فقد جاء السياق عند السجلماسي(1) : (ربط القول بغرض مقصود على القصد الأول)(2) ، أي جعل السياق رابطاً يربط اللفظ (القول) الذي يدلّ على معنى (غرض مقصود) مع القصد الأول من القول أو الكلام.

وقيل بأنّه: (دراسة الكلمة داخل التركيب أو التشكيل الذي ترد فيه، ولا يظهر معنى الكلمة الحقيقي، أو لا تتحد دلالتها إلا من خلال السياق بضروبه المختلفة)(3) .

وقيل أيضا بأنه: (تلك الأجزاء التي تسبق النص أو تليه مباشرة ويتحدد من خلال المعنى المقصود)(4) . أو (تلك الأجزاء من الخطاب التي تحف بالكلمة في المقطع وتساعد في الكشف عن معناها)(5) ، وقد عرّفه ستيفن أولمان: (النظم اللفظي للكلمة وموقعها من ذلك النظم)(6) .

ص: 25


1- ابو محمد القاسم بن محمد بن عبد العزيز الأنصاري السجلماسي الأندلسي، ولد ونشأ في سجلماسة، ورحل إلى فاس فأخذ من علمائها ودرّس في القرويين صنّف كتابه: المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع أملاه سنة704ه... ينظر الأعلام: للزركلي: 5/ 181ومقدمة التحقيق لكتابه: 46
2- المنزع البديع في تجنيس اساليب البديع: السجلماسي: 118- 119
3- علم الدلالة دراسة وتطبيق: د. نور الهدى لوشن: 95
4- معجم المصطلحات الادبية: مجدي وهبة: 288
5- استراتيجيات الخطاب: عبد الهادي بن ظافر الشهري: 40، نقلا عن: Geoffrey .Leech; Principles of prgmatics، Ibid، p47
6- دور الكلمة في اللغة: ستيفن أولمان: 57

ويبدو أن السياق يتخذ عدة صور، مردّها واحد ألا وهو ربط أجزاء الكلام بعضها مع البعض الآخر للدلالة على معنى معين داخل الكلام أو النص أو الخطاب التي تشكل مسرح السياق، ومن ثم الكشف عن المعنى بحسب ما يوجهه السياق للكلمة داخل النص.

ولعلّ ما جاء به صاحب المعاجم الأدبية من تعريف للسياق أشمل وأوضح؛ إذ يقول السياق هو: (بيئة الكلام ومحيطه وقرائنه)، وهو (بناء كامل من فقرات مترابطة، في علاقته بأي جزء من أجزائه أو تلك الأجزاء التي تسبق أو تتلو مباشرة فقرة أو كلمة معينة.

ودائماً ما يكون السياق مجموعة من الكلمات وثيقة الترابط «بحيث» يلقي ضوءاً لا على معاني الكلمات المفردة فحسب، بل على معنى وغاية الفقرة بأكملها.

وكثيرا ما يغير المحيط التي توجد فيه العبارة من المعنى الذي يبدو واضحا في العبارة ذاتها أو يوسعه أو يعدله)(1) .

ولدى استقراء الدلالة الاصطلاحية للسياق، نجد أنّها تكشف عن كونه أداة تحديد المعنى المقصود للكلمة، لذا فهو يعد منهجاً من مناهج دراسة المعنى.

ويرى الدكتور حازم فارس أبو شارب بأن السياق: (عبارة عن وحدة لغويّة أساسية ذات دلالة متكاملة يمكن تحليلها بالاستعانة بمقولات لغوية، ومقولات ما وراء اللغة، فالسياق يشكّل المكان الطبيعي لبيان المعاني الوظيفيّة لمكوّناته، إذ تتحدّد الوظائف اللغوية «الصوتية، والصرفية،

ص: 26


1- معجم المصطلحات الأدبية: إبراهيم فتحي: 201- 202

والنحوية، والإيقاعية» لكلّ مكوّن لغوي داخله)(1) .

وينبغي هنا التفرقة بين المقصود من فكرة (السياق) وفكرة (الجملة)، فالسياق مفهوم اجتماعي ونصَّي، أما الجملة فهي مفهوم نحوي.

وتتضح أهمية هذه التفرقة فيما يتعلق بقضية الغموض الدلالي؛ فالجملة قد يعتورها الغموض عندما تفصل من سياقها الذي ترد فيه، أمّا السياق فهو (المرجع) الدلالي الذي يعطي الأطراف المشاركة في الوقف اللغوي المعنى المقصود(2) .

ويتضح مما تقدّم أنْ لا فرق بين السياق لغةً واصطلاحاً- فقد جاء السياق في الاصطلاح مكملاً للسياق في اللغة بوصف السياق نظاماً متكاملاً مكوّناً من وحدات بنائية الغاية منه تحديد النسق في الكلام للكشف عن المعنى في النص.

عناصر السياق

تختلفُ عناصرُ السِّياقِ في النص أو الخطاب وبحسب أنواع السِّياقِ، ويسميها الدكتور تمام حسّان ب(المساوقات) إذ يقول: (تحليل المعنى في سياق الموقف Context ثمرة من ثمار الدراسات اللغوية الحديثة والنظرة إلى المعنى من خلال الموقف تتجه إلى عدد من المساوقات مثل المتكلم والقول والسامع أو السامعين والظروف الاجتماعية التي تشمل العرف والعلاقات الاجتماعية

ص: 27


1- نظرية السياق عند فيرث ومدى تأثرها بنظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني (بحث): د. حازم فارس ابو شارب
2- ينظر: علم الدلالة عند العرب فخر الدين الرازي نموذجاً: د. محي الدين محسب: 166

وتشمل الزمان والمكان والمأثورات والاشياء والعرض والنتيجة...)(1) .

كما ذكَرَ هايمس أنَّ العناصرَ الأساسية التي تشكّلُ سياقَ الخطابِ هي: (المتكلم، والمخاطب، والمشاركون، والموضوع، والقناة، والمقام، والسنن، وجنس الرسالة، والحدث، والمقصد)(2) .

ولدى رومان ياكبسون رؤية خاصة لدى إظهاره للعناصر الخطابية في التواصل اللفظي بأنّ السياق هو العامل المفعّل للرسالة بما يمدها من ظروف وملابسات توضيحية كما سماه المرجع (Le referant- باصطلاح غامض نسبيا) وقد اشترط لفظيته(3) ، وجعل لهذه المراجع (السياقات) أنماطاً خاصة بها بحسب ما ذكر عن ذلك بقوله: (وقد استطاع سَابْير، في تاريخ لاحق «1930» في الملاحظات التّمهيدية لمشروعه أسس اللغة، أن يستخلص الأنماط الأساسية للمراجع التي تصلح كأساس طبيعي لأقسام الخطاب: أي الموجودات مع تعبيرها اللّغويّ أي الاسم: والأحداث المعبّر عنها بواسطة الفعل: وأخيراً كيفيات الوجود والحدوث المعبّر عنها في اللّغة تباعاً بواسطة الصفة والحال)(4) .

وقد ذكر أحد الباحثين أنَّ ما جاءَ به رومان ياكبسون يمثّل السِّياق اللفظي وهنالك عناصر للسِّياق غير اللفظي وهي:

أ- الموقع (Site): أو الاطار الزمكاني- tem - le cadro spatio

ص: 28


1- البيان في روائع القران: د. تمام حسان: 1/ 400
2- لسانيات النص: محمد خطابي: 297
3- ينظر: قضايا الشعرية: رومان ياكبسون: 27
4- م.ن: 64

prel؛ أي أن يكون الخطاب مطابقا لحيز مكاني ولحظة زمانية.

ب- الهدف (Le but): يرى جاكبسون ضرورة التمييز بين الهدف العام والهدف الخاص لبيان هدف العملية التواصلية.

ت- المشاركون في العملية التواصلية: (Les participants): مع الأخذ بعين الاعتبار عدد المشاركين ومميزاتهم الشخصية وعلاقاتهم المتبادلة من حيث درجة معرفتهم وطبيعة علاقاتهم الاجتماعية والعاطفية(1) .

ويمكن التمثيل للعناصر بالمخطط الاتي:

ولا فَرْقَ بين السَّياق اللفظي وغير اللفظي(2) ؛ لأنهما يكمل أحدهما الآخر، فيصيران وحدة واحدة في الكشف عن المعنى أو الدلالة، مع ملاحظةِ أن هنالك عوامل خارجية تؤثر في المتكلم أو في المتلقي أو في كليهما: (كالمنشأ، والجنس، والسن، والبيئة، والمركز الاجتماعي، هناك العوامل الفردية التي ترجع إلى القائل وحده، وهي عوامل يرجع معظمها إلى الشخصية أو المزاج، كالحدة أو الهدوء، والدعابة أو الرزانة، والتواضع أو الغرور... من درجات متفاوتة أو متقاربة، هذا كله إلى جانب عامل وجداني مهم آخر وهو موقف القائل من مخاطبه في لحظة القول بالذات)(3) .

ص: 29


1- ينظر: التواصل اللساني والشعرية: الطاهر بو مزبر: 30- 31
2- من المعروف أنّ السياق اللفظي: هو السياق اللغوي (المقالي)، والسياق غير اللفظي: هو السياق غير اللغوي (المقامي)
3- مدخل الى علم الاسلوب: شكري محمد عياد: 47

أنواع السياق

يلاحظُ بأنّ أنواعَ السِّياقِ قدْ تعددَتْ وتنوعَتْ بين العلماءِ، وبحسبِ المراد منها، ولكن؛ يمكنُ القول إنّ السّياقَ يُطْلقُ على مفهومين رئيسين: الأول: السياق المقالي (السياق اللغوي).

والثاني: السياق المقامي (السياق غير اللغوي) ولكل قسم فروع، بحسب ما يأتي:

الأول: السياق المقالي (السياق اللغوي): المقصود به (حصيلة استعمال الكلمة داخل نظام الجملة، عندما تتساوق مع كلمات أخرى، مما يكسبها معنى خاصاً محدداً. فالمعنى في السياق هو بخلاف المعنى الذي يقدمه المعجم، لأن هذا المعنى الأخير متعدد ومحتمل، في حين المعنى الذي يقدّمه السياق اللغوي هو معنى معين له حدود واضحة وسمات محددة غير قابلة للتعدد أو الاشتراك أو التعميم)(1) ، (ولعل تعدد المعنى واحتماله من جهة وتعينه من جهة أخرى الفارق الأساسي بين الكلمة التي في المعجم واللفظ الذي في السياق)(2) ، فكلمة (عين)، وهي من المشترك اللفظي، من معانيها: حاسة البصر، ونبع الماء، وجاسوس العدو، ومنظار الباب، وسيد القوم، والسياقات هي التي تحدد وتفرق المعنى عن الاخر، فعندما نقول بكت العين دمعاً كان لها مدلول العين الجارحة وتفيض العين في الشتاء أي المقصود نبع الماء لا سواه، وينطبق هذا الكلام على اغلب المفردات حين ترد في السياق، ويرجع هذا الى طبيعة المعنى في المعجم تختلف عن طبيعته في السياق؛ لذا

ص: 30


1- الألسنية: د. نسيم عون: 159
2- اللغة العربية مبناها ومعناها: د. تمام حسان: 325

فالسياق اللغوي يوضح الكثير من العلاقات الدلالية عندما يستعمل مقياسا لبيان الترادف أو الاشتراك أو العموم أو الخصوص أو الفروق(1) .

ويقسم السَّياق اللُّغوي على عدة أقسام:

أ- السَّياق الصوتي.

ب- السَّياق الصرفي.

ت- السَّياق التركيبي.

ث- السَّياق الدلالي.

ج- السَّياق المعجمي.

ح- السَّياق البلاغي وغيرها من هذه الأنواع كالسياق الأسلوبي والأدبي.

الثاني: السياق المقامي (السياق غير اللغوي): على العكس من السياق

ص: 31


1- ينظر الألسنية: 159- 160

اللغوي ويسمى بالسياق الاجتماعي Social context ، ويسمى السياق الاجتماعي عند فيرث باسم Context of Situation أي سياق الموقف.

وعند Palmer عرف باسم Context Non Linguistic أي السياق غير اللغوي، وهناك باحثون يستعملون كلمة السياق من دون تمييز بين السياق اللغوي من جانب والسياق غير اللغوي من الجانب الآخر(1) .

وسياق المقام: (يعنى بالظروف التي تتصل بالمكان او المتكلم او المخاطب وغيرها، في اثناء التفوه بالكلام، واثر تلك الظروف في الدلالة)(2) ، ويمكنُ أن نُطلق عليه: علم دراسة حالة الكلمة أو الكلام.

ويستقري الدكتور تمام حسّان فكرة المقام بجعله كبرى القرائن، إذ يقول: (إن الكلمة المفردة «وهي موضوع المعجم» يمكن أن تدل على أكثر من معنى وهي مفردة ولكنها إذا وضعت في «مقال» يفهم في ضوء «مقام» انتفى هذا التعدد عن معناها ولم يعد لها في السياق إلا معنى واحد لأن الكلام وهو مجلى السياق لابد أن يحمل من القرائن المقالية «اللفظية» والمقامية «الحالية» ما يعيّن معنى واحداً لكل كلمة. فالمعنى بدون المقام «سواء أكان وظيفيا أم معجميا» متعدد ومحتمل لان المقام هو كبرى القرائن، ولايتعين المعنى إلا بالقرينة)(3) .

(إنّ مراعاة المقام تجعل المتكلم يعدل عن استعمال الكلمات التي تنطبق على الحالة التي يصادفها خوفاً او تأدباً. بل قد يضطر المتكلم إلى العدول عن

ص: 32


1- ينظر: مدخل الى علم اللغة: د. محمود فهمي حجازي: 159. نقلًا عن: -Firth Pa pers in Linguistics، Lyons، Introduction 413 .Palmer، Semantics 34 - 58، 92 - 101
2- اللغة في الدرس البلاغي: أ. د. عدنان عبد الكريم جمعة: 120
3- اللغة العربية مبناها ومعناها: 39

الاستعمال الحقيقي للكلمات فيلجأ إلى التلميح دون التصريح. وكلما كان الكلام موافقاً ظروف المقام كان مقبولاً ومستحسناً في ظرفه وحينه... المهم هو وجود المناسبة بين الكلام والموقف)(1) .

وعلى الباحث هنا الالمام بالسياقات الاجتماعية التي يجري فيها الكلام كما ذكرتها سابقاً، وذلك بدراسة الآثار الادبية سواء كانت زمانية او مكانية مع الملابسات الشخصية، لما لها اهمية بالغة فيما يؤديه المقام للمعنى.

ويشمل السياق غير اللغوي:

أ- سياق الحال.

ب- سياق الموقف.

ت- السياق العاطفي.

ث- السياق الثقافي.

نشأة الدراسات السياقية وتطورها

اشارة

يبدأُ طريقُ الدلالةِ بالألفاظِ، وتنتظمُ هذهِ الألفاظ داخلَ التراكيبِ وفقاً لأنظمةِ مختلفةٍ وأطرٍ متسقةٍ، ويتبلورُ للألفاظِ من ذلك معانٍ لها مدىً واسع في الذهنِ؛ لأنَّ كلَّ لفظةٍ لها دلالةٌ ذاتيةٌ قائمةٌ بها والأخرى إيحائية، وبتراكمِ المعاني والدلالات يبرزُ دورُ السَّياق محدداً المعنى المقصودِ من اللفظةِ فشكّل لدينا معنيين وهما:

أ- المعنى الأصلي للفظة.

ص: 33


1- مبادئ اللسانيات: د. أحمد محمد قدوري: 358

ب- المعنى السياقي(1) .

ومن هذا المنطلق ظهرَت الإشاراتُ منْذُ زمنِ التَّاريخِ الأولِ للدِّراساتِ اللُّغويةِ عامة والسَّياقِ خاصة إلى جانبِ النظرياتِ؛ وربُّما لم يسلطْ الضوءُ على السَّياقِ على ما سوفَ يُستعرَضُ في تحويلِ هذا العلم إلى نظريةٍ، ومن المؤكدٍ أنّ الدِّراساتِ الأوربيةَ ما كانتْ لتُصبح في الوضعِ الذي وصلتْ إليه؛ لولا الأفكارُ التي رَفَدتْها الأعمال اللغوية من خارج أوربا خاصة منها: مؤلفات اللغويين الهنود القدامى في قواعد السنسكريتية ونظامها الصوتي، وكذلك ما نُقِلَ من اللُّغةِ العربيةِ في عصرِ إزدهارِ الحضارةِ العربيةِ الإسلاميةِ في الأندلسِ إلى اللغة اللاتينية. فيبدأ بالتدرج التاريخي للسَّياق على النحو الآتي:

1. السياق عند الهنود.

2. السياق عند العرب.

3. السياق عند الغرب.

1- السياق عند الهنود

(يرجع الفضل إلى بانيني(2) في أنه وصف بدقة كبيرة الخصائص النحوية

ص: 34


1- ينظر: التطور الدلالي بين لغة الشعر الجاهلي ولغة القران الكريم: عودة خليل: 69، واللغة والمعنى والسياق: جون لاينز: 14
2- من أشهر علماء الهند اللغويين والاسم بانيني هو اسم الأسرة، اختلف في اسمه كما اختلف في عصره، فقيل بأغلب الآراء عصره ما بين (700أو600) قبل الميلاد، ألّف عدداً من الكتب في اللغة والنحو، والكتاب الذي خلد اسمه في النحو السنسكريتي هو- ashat) Adhyayas) ينظر: البحث اللغوي عند الهنود: الدكتور أحمد مختار عمر: 33- 34

اللغوية للسنسكريتية، وربما كان هذا التقنين الممتاز سببا في أن السنسكريتية صارت بمرور الوقت اللغة الرسمية لكل الهنود البراهمة واللغة التي تنطقها الطبقة العليا)(1) .

وقد سبق بانيني ياسكا Yaska (وهو من أعلام اللغويين الهنود عاش قبل الميلاد بما يقرب من700عام ويعد مؤسس علم الاشتقاق Etymology عند الهنود وقد وضع في ذلك كتاباً عرف باسم Nirukta «= التفسير»)(2) ، ولعلّ أولى الإشارات الدّالة على أثر السَّياقِ في الكلمة وطرق معرفة معناها ما نصح به ياسكا في: (وضع الكلمة في سياقها اذا أُريد معرفة معناها ليسهل اشتقاقها)(3) ، ففي ذلك ربط بين السياق والدلالة لمعرفة الاشتقاق.

وقد كان بانيني يعتمد في تحليله النحوي على اللغة الحقيقية الحية، وهو بذلك ينظر لموقف الحدث اللغوي وهو ما يسمى بسياق الحال، فضلاً عن كونه انتمى لمدرسة تدعو إلى تحليل الجملة إلى كلمات مع اعتبار الكلمة المفردة وحدة للمعنى.

فلا بد للجملة عند الهنود أن تلبي ثلاثة محاور:

المحور الاول: التوقع.

المحور الثاني: الإختصاص.

المحور الثالث: التقارب أو التجاور.

ص: 35


1- علم اللغة نشأته وتطوره: د. محمود جاد الرب: 20، نقلًا عن: -Bloomfield: Lan .guage p.63
2- ينظر: البحث اللغوي عند الهنود: 29- 30
3- م. ن: 66

فالجملة لاتعد مقبولة نحوياً إلا بعد استيفائها هذه العناصر، إذ إنّ عنصر التوقع مقترن دائما بالسامع وهم بذلك راعوا عنصرا من عناصر سياق الحال او المقام وهو السامع الذي يقع عليه الخطاب.

أمّا المحور الثاني: الاختصاص، فهو مرتبط بالسياق اللغوي وأساسه أن تكون الكلمة مؤتلفة مع غيرها من الكلمات على مستوى العبارة او الجملة او النص وهو بهذا اعطى المتكلم دوراً في صياغة جملة تركيبية صحيحة ذات معنى أو دلالة(1) .

2- السياق عند العرب

اشارة

يجدُ الباحثُ إنَّ السَّياقَ لهُ مكانة في الميادين اللغوية المختلفة، سواء كانت أصولية أم تفسيرية أو قرآنية أو بلاغية أو نحوية، ومن الواضحِ وغير القابلِ للشّك أنّ العربَ سبقُوا غيرهم إلى التّفننِ بالعلومِ العربيةِ والعلوم الأخرى، ولولا اختلاط الألسنة لما اضطر العربُ إلى تأسيسِ علوم معروفة تُعنى بالحفاظِ على النص، ولا سيّما النص القرآني: مثل علم النحو والبلاغة والبيان والصرف وغيرها.

ولعلّ هذا السببَ قادَ إلى عدمِ ذكرِ السِّياقِ وتسليطِ الضوءِ عليه كما هو الحال في الأسلوب؛ لذا وردَ السَّياقُ متناثراً بلفظهِ دالًّا بمعناه في المصادرِ العربيةِ؛ ليشكِّل اللبنةَ الأساس في بناءِ النّظريةِ الدلالية، ومن المصطلحاتِ التي استعملت له التي توحي بمعناه: (النظم، التركيب، النسق، المقال،

ص: 36


1- ينظر: م. ن: 76، ونظرية السياق بين القدماء والمحدثين: د. عبد المنعم خليل: 99

التعليق، المؤلف، الصياغة)(1) ، ويمكنُ إضافة المقام والحال والمقتضى والمقصد، وسوف نتتبعُ أثرَ السَّياقِ فيما وردَ في المصادرِ العربيةِ إذْ يمكنُ حصرها بالأصناف الآتية:

أ- السياق عند الأصوليين

استطاعَ الأصوليون بتوظيفِهِم للنظريات أن يؤسسوا منهجاً لفهمِ النص، لذا عُدّ السياق لديهم الأداة الخاصة في فهم مكنونات النص، وفي ضوء دراستهم للقرائن المخصصة الأصولية وغيرها.

وقد أكَّد الأُصوليون على إنَّ الكشفَ عن المعنى يكون من خلال السَّياقِ، تناولوا اللفظةَ المفردة في مبدأ المواضعةِ ومعانيها، وتناولوا المعنى المفهوم من التراكيبِ، إذ تختلفُ دلالتُها من أسلوبٍ لآخر بحسبِ عمقِ النص لديهم في تحديد مقاصده، والسَّياق هو الذي يحدد ذلك(2) ، ولما كانت الدلالة هي غاية الأصولي وركيزة عمله، فقد جال الأصوليون وراءها أيّاً كان مكانها، وعرضوا لها سواء أكان ذلك على مستوى اللفظ المفرد أم على مستوى التركيب ففي تعريفهم للغة يقولون إنّا (الألفاظ الموضوعة للمعاني)(3) .

إذ إنّ قضية اللفظ والمعنى والمناسبة بينهما أخذت حيّزاً كبيراً عندهم، ويدُّلنا على ذلك اختلاف آرائهم وتعدد وجهات النظر لديهم، ومن النماذج التي تؤكد تناول السياق من قبل الأصوليين الشافعي (ت204ه) في كتابه (الرسالة) إذ يُعد أقدم كتاب قال في لغة القرآن: (فإنما خاطب اللهُ بكتابه

ص: 37


1- الدلالة السياقية عند اللغويين: أ. د. عواطف كنوش: 93
2- ينظر: التصور اللغوي: د. أحمد عبد الغفار: 111
3- نهاية السول في شرح منهاج الأصول: الآسنوي: 2/ 12

العربَ بلسانها، على ما تَعْرِفُ من معانيها، وكان ممّا تعرفُ من معانيها اتِّسَاعُ لسانِها. وأنّ فِطْرَتَه أن يُخاطِبَ بالشيء منه عاماً ظاهراً يُرادُ به العامُّ الظاهرُ، ويُسْتَغْنَي بأوّلِ هذا منه عن آخره. وعاماً ظاهراً يُرادُ به العامُّ ويُدْخُلُهُ الخاصُّ، فَيُسْتَدَلُّ على هذا ببعض ما خُوطبَ به فيه. وعاماً ظاهراً يراد به الخاصُّ.

وظاهراً يُعْرَفُ في سياقه أنه يُراد به غيرُ ظاهره. فكلُّ هذا موجودٌ عِلْمُهُ في أولِ الكلام أوْ وَسَطِهِ أو آخره)(1) .

وقد جعل الشافعي للتخصص بالسياق باباً سمّاه: (باب الصِّنْفِ الذي يُبَيِّنُ سِيَاقُهُ مَعْنَاهُ)(2) ، ومما جاء فيه قوله في معنى الآية: «واَسْأَلُهمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرةَ الْبَحْرِ* إذْ يَعْدُونَ فِ السَّبْتِ»(3) .

(فابْتَدَأَ- جل ثناؤه- ذكرَ الأَمْرِ بمسأَلتهم عن القرية الحاضرةِ البحرَ، فلمَّا قال: «إذْ يَعْدُونَ فِ السَّبْتِ»، دَلَّ على أنه إنّما أرادَ أهلَ القرية)(4) .

وقد ذكر الغزالي (ت505ه) في إعمال دلالة السياق، فيقول مشيراً إلى تحديد المعنى المراد من النص، وذلك في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي للِصَّلَةِ مِن يَوْمِ الُجمُعَةِ فَاسْعَوْا إلِی ذِكْرِ الله وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلكِمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ* فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْاَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ الله وَاذْكُرُوا الله كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»(5) .

ص: 38


1- الرسالة: الشافعي: 51- 52
2- م. ن: 62
3- الأعراف: 163
4- الرسالة: 62- 63
5- الجمعة: (9- 10)

حيث يقول: (إنما نزلت وسيقت لمقصد وهو بيان الجمعة، وما نزلت الآية لبيان أحكام البياعات، ما يحل منها وما يحرم، فالتعرض للبيع- لأمر يرجع إلى البيع في سياق هذا الكلام- يخبط الكلام ويخرجه عن مقصوده، ويصرفه إلى ما ليس مقصودا به. إنما يحسن التعرض للبيع إذا كان متعلقا بالمقصود، وليس يتعلق به إلا من حيث كونه مانعا للسعي الواجب، وغلب الأمر في العادات جريان التكاسل والتساهل في السعي بسبب البيع)(1) .

ثم يأتي ابن القيّم (751ه) يؤكد على أنّ السياق له حضور في التراث العربي وذلك بقوله: (السياق يرشدُ إلى تبيين المجمل، وتعيين المحتمل، والقطع بعدم احتمال غير المراد، وتخصيص العام، وتقييد المطلق، وتنوع الدلالة، وهذا من أعظم القرائن الدالَّة على مراد المتكلم، فمن أهمله غلط في نظره، وغالط في مناظراته)(2) .

وفي العصر الحديث يبرز من بين أعلام الأصول الشهيد محمد باقر الصدر (1980م) جعل للسياق تعريفا مانعاً جامعاً فقال: (كل ما يكتنف اللفظ الذي نريد فهمه من دوال أخرى، سواء كانت لفظية كالكلمات التي تشكل مع اللفظ الذي نريد فهمه كلاما واحدا مترابطا، أو حالية كالظروف والملابسات التى تحيط بالكلام وتكون ذات دلالة في الموضوع)(3) .

ويضرب مثالاً على حجية الدليل اللفظي وإثبات المعنى للفظ الوارد في

ص: 39


1- شفاء الغليل في بيان الشبه والمخيل ومسالك التعليل: الغزالي: 51
2- بدائع الفوائد: ابن القيّم: 4/ 1314
3- دروس في علم الاصول (الحلقة الأولى): السيد محمد باقر الصدر: 130

السياق فيما اذا تعددت المعاني للفظ في اللغة(1) ، وأحدها أقرب إلى اللفظ لغويا من سائر معانيه فهو يذكر كلمة (البحر) ويذكر أنّ لها معنى حقيقياً قريباً وهو (البحر من الماء) ومعنى مجازياً بعيداً وهو (البحر من العلم)، فإذا قال الأمر: (إذهب إلى البحر في كل يوم) وأردنا أن نعرف ماذا أراد المتكلم بكلمة البحر من هذين المعنيين؟ فإن لم نجد في سائر الكلمات التى وردت في السَّياق ما يدل على خلاف المعنى الظاهر من كلمة البحر كان لزاما علينا أن نفسر كلمة البحر على أساس المعنى اللغوي الاقرب تطبيقا للقاعدة العامة القائلة بحجية الظهور. أمّا اذا قلنا (اذهب إلى البحر في كل يوم واستمع إلى حديثه باهتمام)، فإنّ الاستماع إلى حديث البحر لا يتفق مع المعنى اللغوي الاقرب إلى كلمة البحر، وإنما يناسب العالم الذي يشابه البحر لغزارة علمه، ويطلق على كلمة (حديثه) في هذا المثال اسم (القرينة)، لأنّها هي التي دلت على الصورة الكاملة للسياق وأبطلت مفعول كلمة البحر وظهورها. وأما إذا كانت الصورتان متكافئتين في علاقتهما بالسياق، فهذا يعنى أن الكلام أصبح مجملا ولا ظهور له، فلا يبقى مجال لتطبيق القاعدة العامة.

ولذا فإن الأصولي يحاول من خلال الأدوات التي يمتلكها الوصول إلى أفضل طريقة لاستنباط الأحكام الشرعية، ومن الأدوات التي تعينه على ذلك.

ب- السياق عند النحاة

إذا ما نظرنا الفكر العربي وتاريخ تطوره بالنسبة إلى عهد تأسيس علم

ص: 40


1- م. ن: 131- 134

النحو نجده يتناول السياق ويلتقي السياق مصطلح (الوضع) المستعمل كثيرا في آثار النحويين العرب القدماء، والمعروف أنّ الكلام: بأنّه اللفظ المركب المفيد بالوضع، أي بحكم النمط التركيبي المحدّد لكلّ جملة من الجمل كالجملة الاسمية، والفعلية، والخبرية، والإنشائية، والمثبتة، والمنفيّة، والمؤكّدة، والاستفهامية، وجملة الأمر، والنهي، والتحضيض والشرط(1) .

لقد أدّى محور النحاة القدامى: ويتمثل بالعهد الذهبي لتأليف الكتب النحوية ضمن المدارس المعروفة انذاك: كمدرسة البصرة والكوفة وبغداد وغيرها.

فقد جاء الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت175ه) بمضمار السياق ودلالته قبل (مالينوفسكي، وفيرث) إذ اعتمد على الدلالة السياقية في منهج كتابه (العين) ومن ثم الدلالات الأخرى الصوتية والصرفية وغيرها(2) .

لقد اختار الخليل اللفظة وذكر الوجوه والمعاني التي خرجت إليها، وهو ما يسمى بالمشترك اللفظي مثل لفظة (غرب): (الغَرْبُ: التَّمادي وهو اللَّجاجَةُ في الشَّیء، قال:

قد كَفَّ من غَرْبي عن الإِنشادِ

ص: 41


1- ينظر: نظرية السياق عند فيرث ومدى تأثرها بنظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني (بحث)
2- ينظر: النسق القرآني: الدكتور محمد ديب الجاجي: 351، ومنهج الخليل في دراسة الدلالة القرآنية في كتاب العين (بحث): الدكتور أحمد نصيف الجنابي: 161ومابعدها، المعجمية العربية أبحاث الندوة التي عقدها المجمع العلمي العراقي (15- 16شعبان1412ه، 18- 19شباط1992م)

وكُفَّ من غَرْبِكَ أي: من حِدَّتِكَ واستَغْرَبَ الرجلُ إذا لَجَّ في الضَّحِكِ خاصَةً، واستَغْرَبَ عليه في الضَّحِكِ أي لَجَّ فيه.

والغَرْبُ أعظَمُ من الدَّلْوِ، وهو دَلْوٌ تامٌ، وعدده أَغرُبٌ، وجَمعُه غُرُوبٌ، واستحالتِ الدَّلْوُ غَرْباً أي عَظُمَتْ بعدها ماكانتْ دُلَيَّةً... وكلُّ فَيْضَةٍ من الدَّمْعِ غَرْبٌ، يقال: (فاضَتْ غُرُوبُ العَيْنِ)، قال: (ألا لعَيْنَيْكَ غُرُوبٌ تجْري)(1) ، فحدد معنى الكلمة بحسب السياق الذي وردت فيه، مع بيان القصد.

ولعل أقدم إشارة دالة على سياق الحال بل إشارات متعددة لو أمعنا النظر عند سيبويه (ت180ه) في (الكتاب)، قوله: (بأنك لو قلت: «مكة رب الكعبة» اذا رأيت رجلاً متوجهاً وجهة الحاج وفي هيئة الحاج فكأنك قلت: يريد مكة والله)(2) ، ولولا الظهور بهذه الهيئة لما عرف المراد من المتكلم.

ويأتي ابن جني (ت392ه) متعرضاً للسياق بصورة عامة، وسياق الحال(3) بصورة خاصة، وتعلقه بالدلالة في مسائل الحذف بقوله: (وقد حُذِفت الصفة ودلّت الحال عليها. وذلك فيما حكاه صاحب الكتاب من قولهم: سِير عليه ليل، وهم يريدون: ليل طويل. وكأن هذا إنما حذفت فيه الصفة لِما دلّ من الحال على موضعها. وذلك أنك تحسّ في كلام القائل لذلك من التطويح والتطريح والتفخيم والتعظيم ما يقوم مقام قوله: طويل أو

ص: 42


1- كتاب العين: (غرب): 4/ 409
2- الكتاب: سيبويه: 1/ 257
3- ينظر: الدرس الدلالي في خصائص ابن جني: الدكتور أحمد سليمان ياقوت: 38- 43

نحو ذلك. وأنت تحسّ هذا من نفسك إذا تأمّلته. وذلك أن تكون في مدح إنسان والثناء عليه، فتقول: كان والله رجلا! فتزيد في قوة اللفظ ب «الله» هذه الكلمة، وتتمكَّن في تمطيط اللام وإطالة الصوت بها «وعليها» أي رجلا فاضلا أو شجاعا أو كريما أو نحو ذلك)(1) .

يقول د. عبدالكريم مجاهد: (إذا كان فيرث Firth يرى في نظريته الدلالية أن المعنى هو المحصلة النهائية لتحليل الحدث اللغوي تدريجيا على مستويات اللغة كافة: الاجتماعية والصوتية والصرفية والنحوية والمعجمية... فإن ابن جني قد سبقه إلى هذه الرؤية، وإن جاءت مبعثرة تفتقر إلى التنظيم في إطار شامل)(2) لذا يعطي د. مجاهد اشارات توضيحية في مجال الإشارة الى السياق.

ت- السياق عند البلاغيين

عرفت بلاغة الكلام بأن يكون (الكلام مطابقاً لمقتضى الحال مع فصاحته)(3) ، والمناسبة تكون للموقف الذي يتحدث عنه مثلًا: موقف المدح أو الذم وغيرها، وقد اهتم العرب بذلك منذ القديم، فقال الحطيئة:

تحنَّنْ علىّ هَداك المليكُ فإنَّ لكل مقام مَقالا(4) إنّ نظرية السياق تقوم على عدة محاور منها المقام والمقال بصورة عامة، وقد أكد البلاغيون أنّ: (لكل مقام مقال) هذا القول كان الأساس في تناولهم للبنية السياقية.

ص: 43


1- الخصائص: ابن جني: 370- 371
2- الدلالة اللغوية عند العرب: الدكتور عبد الكريم مجاهد: 157
3- الإيضاح في علوم البلاغة: القزويني: 20
4- ديوان الحطيئة (برواية وشرح ابن السكيت): 335

من الإشارات التاريخية للمقام المرتكز الثاني للسياق، يصل إلينا ما نقله الجاحظ (ت255) عن بشر ابن المعتمر (ت210ه)، قوله: (والمعنى ليس يشرف بأن يكون من معاني الخاصَّة، وكذلك ليس يتَّضِع بأن يكونَ من معاني العامَّة. وإنّما مَدارُ الشَّف على الصواب وإحرازِ المنفعة، مع موافَقَة الحال، وما يجب لكلّ مقامٍ من المقال)(1) ، وفي موضع آخر يؤكد على وضع الكلمة في المكان المناسب لها لتختار سياقها مع مراعاة حال المخاطب في الإفهام يقول:

(ينبغي للمتكلِّم أن يعرف أقدارَ المعاني، ويوازنَ بينها وبين أقدار المستمعينَ وبين أقدارِ الحالات، فيجعلَ لكلِّ طبقةٍ من ذلك كلاماً، ولكلِّ حالةٍ من ذلك مَقاما، حتَّى يقسمَ أقدارَ الكلام على أقدار المعاني، ويقسم أقدارَ المعاني على أقدار المقامات، وأقدارَ المستمعين على أقدار تلك الحالات)(2) .

وإذا ما رجعنا إلى عبد القاهر الجرجاني نجدُ أنّ الألفاظَ لا تتفاضل عندَهُ من كونها هي ألفاظ؛ بل تجد ضالتها من نظرية النظم عندما توضع في تركيب أو سياق معين: (وحسْن ملاءمة معناها لمعاني جاراتها، وفضل مؤانستها لأخَواتها)(3) فالرصف هنا لمعاني الألفاظ وتجاورها مع المناسبة والاستحسان لذلك يؤكد كون السَّياق مطروحاً لدى البلاغيين بجانبيه الأساسيين المقال والمقام.

3- السياق عند الغربيين

لم يكن اهتمام فلاسفة اليونان القدماء كغيرهم بالنسبة للسياق، ولعلّ

ص: 44


1- البيان والتبيين: الجاحظ: 136
2- البيان والتبيين: 138- 139
3- دلائل الاعجاز: عبد القاهر الجرجاني: 50

السبب يرجع إلى (البحث عن أرفع الأساليب التي ينال بها الخطيب رضا سامعيه. ويكسب عن طريقها إقناع قضاته وحكامه)(1) .

ولعلّ بوادر سياق الحال تظهر جلية مما دعا إليه أرسطو في فن الخطابة، إذ أكدّ على أنّ فن الإقناع للخطيب يبدأ دراسة أمزجة المستمعين وكيفية التأثير فيها، ثم تظهر بوادر أخرى للسياق اللغوي وإن لم يرد بلفظه إلّ إنّ جميع المؤشرات تدل عليه، فهو يذكر أنّ اسلوب الخطبة الجيد يتوقف على اختيار الكلمات لأنّ طبيعة المفردات المستخدمة هي التي تؤدي إلى الوضوح والملاءمة وتوصل إلى المطلوب كما يجب استخدام الأسلوب المناسب مع مراعاة حال المستمع: ذكراً كان أو أنثى شيخاً كان أو شاباً، وهكذا(2) .

لقد نظرَ العالم الانثروبولوجي مالينوفسكي(3) إلى اللغة بأنّا ليست مجرد أداة لتوصيل الأفكار، بل هي في المكان الأول جزء من نشاط اجتماعي متسق لدى اشتغاله بأبحاث خاصة بسكان جزر التروبرياند في البحار الجنوبية.

ص: 45


1- نظرية السياق بين القدماء والمحدثين: 102
2- ينظر: النقد الأدبي عند الإغريق والرومان: الدكتور عبد المعطي الشعراوي: 164- 165
3- مالينوفسكي، (برونيسلاف Malinowski، Bronislaw «1942-1884»). عالم اجتماع بريطاني اشتهر بدراسته لثقافة شعب جزر تُرُوبِرَيانِد في جنوب غربي المحيط الهادئ، وبإسهاماته في نظريات الثقافة الإنسانية. وُلِدَ مالينوفسكي في بولندا وعمل بالتدريس في جامعتي لندن وييل، وقد ألّف الكتب الآتية: مغامرو المحيط الهادئ الغربي (1929م)؛ الحياة الجنسية للهمج في شمال غربي ميلانيزيا (1929م)؛ الحدائق المرجانية وسحرها (1953م). مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية: دنيس كوش: 58، ونظرية السياق (مقال)- علي عزت: 19، مجلة الفكر المعاصر: العدد76يوليو- 1971: اللغة

ورأى بأن اللحظة التي تفصل فيها الكلمة عن السياق الذي يغلفها أو عن سياق الموقف الذي تستخدم فيه تصبح كلمة جوفاء غير ذات مغزى؛ لأنّ الالفاظ لا يمكن أن توجد في فراغ؛ لذا فإن اللغة لم تستخدم مجرّد مرآة للفكر المنعكس، بل كانت في استخداماتها البدائية عبارة عن رابطة أو حلقة اتصال في النشاط الانساني.

وقد لاحظ مالينوفسكي أنّه من الصعب العثور على مرادفات لفظية حرفية لعبارات وتعبيرات كثيرة يستخدمها سكان جزر التروبرياند، بخاصة فيما يتعلق بعاداتهم ودياناتهم ومعتقداتهم.

ووجد نفسه في غمار إيجاد حل للمشاكل اللغوية التي صادفها ليخرج بنظرية تتعلق بالمعنى واللغة اطلق عليها نظرية سياق الموقف (Context of Situation) أوردها في مقالة (مشكلة المعنى في اللغات البدائية- 1923) الذي نشره ملحقاً لكتاب (أوجدن وريتشاردز) المعروف (معنى المعنى The Meaning of Meaning) حيث يؤيد نظريتهما الخاصة بالاتصال (Communication) ويركز فيها على اللغة.

وقد وجدت هذه النظرية الصدى الأكبر لدى فيرث في الأربعينيات من القرن الماضي الذي وظفها لصالح علم اللغويات، ووجد في هذه النظرية إطاراً مناسباً تنتظم فيه العناصر الاجتماعية التي تضم الأشخاص والأدوات والأحداث الى جانب عنصر اللغة الذي تقوم بينه وبين هذه العناصر علاقات وتفاعلات مهمة لا يمكن إغفالها عند دراسة الأحداث اللغوية فإنّ اللغة ظاهرة اجتماعية في المقام الأول، لذا اهتم مالينوفسكي بالأجناس البشرية بالدرجة الأولى اما اللغة فكان اهتمامه بها عارضا في كونه عالما انثروبولوجيا

ص: 46

امّا فيرث فقد كان عالماً لغوياً مهتماً بالثقافة الانسانية بالدرجة التي تعينه على تكوين نظرية لغوية لها اطار منهجي يمكن تطبيقه بوجه عام على الأحداث اللغوية(1) .

ومن هنا يمكن القول إنّ النظرية السياقية (context theory) قد ارتبطت باللساني البريطاني جون روبرت فيرث (J.T FIRTH 1960) وتقوم هذه النظرية على النظر إلى المعنى بوصفه (وظيفة في سياق) وقد أحدثت بذلك تغييرا جوهريا في النظر إلى المعنى من علاقة عقلية بين الحقائق، والرموز الدالة عليها- كما رسمها اوجدن وريتشاردز في مثلثهما الدلالي المشهور- الى (مركب من العلاقات السياقية) بحسب عبارة فيرث(2) .

رسم يوضح المثلث الدلالي المشهور للمعنى، وقد انطلقت من ذلك النظريات ولا سيما النظرية السياقية(3) .

إنّ منهج النظرية السياقية يعد من المناهج الأكثر موضوعية ومقاربة للدلالة، ذلك لأنّه يقدم أنموذجا فعليا لتحديد دلالة الصيغ اللغوية. وقد تبنى كثير من علماء اللغة هذا المنهج ومنهم العالم وتغنشتين (- wittgenen stein) الذي يصرح قائلا: (لا تفتش عن معنى الكلمة وإنما عن الطريقة التي تستعمل فيها)(4) .

ص: 47


1- ينظر: علم الدلالة: أف. آر. بالمر، اللغة ونظرية السياق (مقال)- علي عزت: 19- 23، مجلة الفكر المعاصر: العدد76يوليو- 1971
2- ينظر: مقدمة في علمي الدلالة والتخاطب: الدكتور محمد محمد يونس: 28
3- ينظر: الدلالة والنحو: د. صلاح الدين صالح حسنين:20
4- علم الدلالة أصوله ومباحثه في التراث العربي: منقور عبد الجليل: 88

وقد طوّر العالم فيرث نظرية سياق الحال والعناية بالجانب الدلالي للغة الطبيعية بوصفها وسيلة للتواصل الاجتماعي، وقد كان الفضل لمدرسة لندن ابتداءً من سنة1944و1956وقد أسس فيرث رؤيته على القضايا الآتية:

1. البعد الاجتماعي للظاهرة اللغوية في أساسها الثقافي التواصلي مما يعني قيام التحليل اللغوي على وصف العلاقة الكائنة بين اللغة والأنساق الاجتماعية.

2. التمييز بين العلاقة النسقية الداخلية بمستوييها الركني والاستبدالي، والعلاقة السياقية الخارجية الموقف.

3. وضع علم الدلالة في صلب الدرس اللساني الحديث، وفي هذا السياق يقرر فيرث ان المهمة الأساسية للسانيات الوصفية دراسة الدلالة اللغوية(1) .

وممن تأثر بمنهج فيرث اللساني مايكل هاليدي- وهو من المدرسة الفيرثية الجديدة- الذي وضع نظرية في النحو النظامي (- Grammaire systematique) تستمد رؤيتها من اراء فيرث الدلالية جامعة بين المكونات الآتية:

1. الشكل (القواعد والمفردات).

2. المادة (الأصوات والحروف).

3. السياق، ومفهوم النحو النظامي قائم على كفاءة اللغة في استعمالها

ص: 48


1- اللسانيات اتجاهاتها وقضاياها الراهنة: د: نعمان بوقرة: 119- 120

لمجموعة من الاختيارات والبدائل اللسانية في سياق معين(1) .

ويقول فندريس حول السياق الذي يعطي الكلمة قيمة معينة، ويخلصها من ركامها الدلالي عبر التاريخ: (الذي يعين قيمة الكلمة في كل الحالات التي ناقشناها إنما هو السياق، إذ إنّ الكلمة توجد في كل مرة تستعمل فيها في جو يحدد معناها تحديداً مؤقتاً. والسياق هو الذي يفرض قيمة واحدة بعينها على الكلمة بالرغم من المعاني المتنوعة التي في وسعها أن تدل عليها، والسياق أيضاً هو الذي يخلص الكلمة من الدلالات الماضية التي تدعها الذاكرة تتراكم عليها، وهو الذي يخلق لها قيمة «حضورية»)(2) .

* * *

ص: 49


1- م. ن: 120- 121
2- اللغة: جوزيف فندريس: 231

ص: 50

الباب الأول: ألفاظ الطبيعة الحيّة في نهج البلاغة

اشارة

ص: 51

ص: 52

الفصل الأول أثر السياق في الألفاظ الدالة على الحيوان

اشارة

المبحث الأول: الحيوانات المفترسة

المبحث الثاني: الحيوانات الأليفة المبحث

الثالث: الطيور والحشرات

ص: 53

ص: 54

توطئة

شكَّلَ الحيوانُ عبرَ مرّ العصور أهميةً كبيرةً في حياةِ البشرِ، واحتلَ مكانَتَهُ في الطَّبيعةِ، لذا نجدهُم قد تناولُوه في مختلفِ الميادين بحثاً ودراسةً وتصنيفاً وتحليلاً.

والحيوانُ في اللغةِ: (اسمٌ يقع على كل شيء حَيٍّ. وسمّى الله جل وعز الآخرة حيوانا فقال «وَإِنَّ الدَّارَ الْخِرَةَ لَهِيَ الَحْيَوَانُ»(1) ... وكُلُّ ذي رُوح حيوانٌ(2) والجمع والواحد فيه سواء... والحَيَوان عيٌن في الجنة)(3) .

جاءَ القرآن الكريم راسماً حدودَ هذا الكائن الحي الذي سخَّرَهُ الله -سبحانه وتعالى- لخدمةِ الإنسانِ وإطعامهِ قال تعالى: «وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الَمنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ»(4) فضلًا عن اتخاذ الإنسان له مركباً ومسكناً من جلودِ الحيوانات وأصوافها وما أشبه ذلك. قال تعالى: «وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا

ص: 55


1- العنكبوت: 64
2- تهذيب اللغة: (حي): 5/ 287
3- لسان العرب: (حيا): 14/ 214
4- البقرة: 57

وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَی حِینٍ»(1) ، وضربَ لنا الأمثلة به، وحثَّ على مراعاتهِ؛ لذا نجدهُ احتل مكانةً كبيرةً في القرآنِ الكريمِ، فقد وردَ فيه من الحيوان ما هو معجزة مثل: البقرة وناقة النبي صالح علیه السلام، ومصوّراً مثل: النحل، ومتكلماً مثل: هدهد النبي سليمان علیه السلام.

ولم يتوقفْ ذكرُ الحيوانِ في القرآن في السياقاتِ المختلفةِ والصورِ المتعددةِ؛ بل شَمِلَ ذلكَ أن سُمَّيت بعضُ السورِ الكريمةِ باسم بعضِ الحيواناتِ مثل سورةِ: البقرة، والأَنعام، والنحل، والنمل، والعنكبوت، والعاديات، والفيل، وقد تكرَّرَ ذكرُ بعضِ الحيواناتِ أكثر من مرّة مثل: الحوت والطّير، وبمختلفِ الصُّورِ: معرفةٌ أو نكرةٌ، مفردٌ أو مثنى أو جمعٌ، اسمٌ أو فعلٌ بحسبِ التراكيبِ والسِّياقاتِ المناسبةِ.

وجاءَ الرَّسولُ الكريمُ صلی الله علیه و آله ليكملَ ما جاءَ به القرآن في اتباعِ سُنَّتهِ، فحثّ الجميعَ على الرأفةِ به؛ كما دخلَ في جانبِ الأَحكامِ الفقهيةِ في معظمِ أحاديثِ الرَّسولِ صلی الله علیه و آله(2) ، وضربَ به المثلَ؛ ليُشبَّه به بعض طبقات المجتمع، ويُنبَّه بها عن صفاتهِم السَّيئةِ، ليسَ هذا وحَسب بَلْ كانَتْ أقوالُهُ في الحيوانِ ذاتَ دلالةٍ على حسنِ الخالقِ وحسنِ تدبيرِهِ معَ إعطاءِ صورةٍ حيّة وواقعية يقولُ صلی الله علیه و آله في وصفهِ (البراق) في حديثِ الإسراءِ والمعراجِ: «أُتِيتُ بِالْبرَاُقِ "وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمْارِ وَدُونَ الْبَغْلِ. يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ" قَالَ فَرَكِبْتُه حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ المُقْدِسِ»(3) .

ص: 56


1- النحل: 80
2- ينظر: الكافي: لأبي جعفر محمد الكليني، ومن لا يحضره الفقيه: لأبي جعفر بن بابويه القمي، وتهذيب الأحكام: لأبي جعفر محمد الطوسي
3- صحيح مسلم: مسلم بن الحجاج النيسابوري: 1/ 145

ليجيءَ بعدَ ذلكَ الإمامُ علي علیه السلام في كتابهِ (نهج البلاغة) في ذكرِ الحيواناتِ، واصفاً ومبيناً لها تارة، وتارة أُخرى مشبهاً ومستعيراً ومكنيّاً، إذ يُعطِينا منظومةً متكاملةً كانَ للحيوانِ دورٌ بارزٌ فيها، وتُمثّلُ الوحداتُ الدلالية للحيوانِ في نهجِ البلاغةِ ركناً من الأركانِ الرئيسة لوحداتِ الطَّبيعة، فهي وإن كانَتْ ذات طابعٍ متلونٍ بأصنافِ الحيواناتِ المختلفةِ، إلّا أنّها في الدّلالةِ على المعنى تتخذُ جانبين هما: المجاز والحقيقة، ومن الملاحظِ أنّ الحيوانَ بصورةٍ عامة قد أحتلَ مكانةً مرموقةً في سياق النص حتّى باتَتْ الخطبُ تُسمى بأسماءِ حيواناتٍ مثل خطبتي: (الطاووس والغراب) وقد نالَت (الإبلُ) الحظوةَ الكبرى على اختلاف تسمياتها وأنواعها.

ومما لا شكَّ فيهِ إنّ ذكرَ الحيوانِ في نهجِ البلاغةِ نتيجة ارتباطِ العرب بهذا الكائن الحي، ومدى تأثَّرِهم به وتأثيره في حياتِم اليوميةِ.

وقد بَرعَ الإمامُ في وصفِ بعضَ الحشراتِ والطِّيورِ، فضلاً على الحيوانات الأخرى براعةً واضحةً وبتجسيدٍ رائعٍ، يقول علیه السلام في خلقةِ الطيورِ وجمال التَّصويرِ: «ابْتَدَعَهُمْ خَلْقاً عَجِيباً مِنْ حَيَوَانٍ ومَوَاتٍ، وسَاكِنٍ وذِي حَرَكَاتٍ؛ وأَقَامَ مِنْ شَوَاهِدِ الْبَيِّنَاتِ عَلَی لَطِيفِ صَنْعَتِهِ، وعَظِيمِ قُدْرَتِهِ، مَا انْقَادَتْ لَهُ الْعُقُولُ مُعْتَرِفَةً بِهِ، ومَسَلِّمَةً لَهُ... »(1) فالعربُ تستطيعُ تصويرَ ذلك وإدراكهِ بالحسِ؛ طالما أنَّهم يرونَهُ في حياتِهم اليوميةِ، وبالانتقال إلى صورةِ أخرى يلاحظُ أنَّ الإمام علیه السلام يتخذُ من تسميةِ (الحيوان) صورةً تمثِّلُ بعضَ الطَّوائفِ لبعضِ النَّاسِ الفاسقين إذْ يقولُ فيهم: «فَالصُّورَةُ صُورَةُ

ص: 57


1- نهج البلاغة: الخطبة (165)/ 235- 236

إِنْسَانٍ، والْقَلْبُ قَلْبُ حَيَوَانٍ»(1) .

وفي ذلك تصويرٌ دقيقٌ لمن زلّتْ قَدمه (فالصورة صورة إنسان وما بعده -فمراده بالحيوان هاهنا- الحيوان الأخرس كالحمار والثور -وليس يريد العموم لأن الإنسان داخل في الحيوان- وهذا مثل قوله تعالى: «إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْانْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا»(2) )(3) ؛ لذا فإنَّ الإمامَ لهُ نظرة تأملية رمزية يرمزُ بها لكل ما حولهُ من أشخاصٍ أو أحداثٍ أو أشياء ضمنَ حدود الحياة المختلفة.

* * *

ص: 58


1- نهج البلاغة: الخطبة (87)/ 119
2- الفرقان: 44
3- شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد): 6/ 374

المبحث الأول الحيوان المفترس

1- الأَسَد - الضَّرْغَام - اللَّيْث

(الأَسَدُ: معروف، وجمعُه: أُسْدٌ وأساودُ)(1) ، و (آساد وآسُد، مثل أَجبال وأَجبل، وأَسُود وأُسُد، مقصور مثقل، وأَسْدٌ مخفف، وأُسْدانٌ، والأُنثى أَسَدة(2) )(3) ، و (الهمزة والسين والدال، يدلّ على قوّة الشَّیء، ولذلك سُمِّي الأسدُ أسداً لقوّته)(4) .

ومن المجاز: (استأسَدَ عليه أي صار كالأسَدِ في جُرْأتِه. واستأسَدَ النّبْتُ: طال وجُنّ وذهَبَ كلَّ مَذهَبٍ)(5) .

وردتْ لفظةُ (الأسد) في نهجِ البلاغةِ أربع مراتٍ(6) ، يقولُ الإمامُ علیه السلام

ص: 59


1- كتاب العين: (أسد): 7/ 286
2- اعترض الجاحظ حول أنثى الأسد بقوله: (لا يقال أسدة، ويقال أسد ولبوة ولبوات) الحيوان: 2/ 285
3- لسان العرب: (أسد): 3/ 72
4- معجم مقاييس اللغة: (أسد): 1/ 106
5- أساس البلاغة: (أسد): 1/ 27
6- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (131)/ 189، الخطبة (162)/ 231، الكتاب (28)/ 387، الكتاب (263)/ 521

في سياقِ التَّوبيخِ لأصحابهِ والكشفِ عن صفاتِهِم غير المحمودةِ: «أَيَّتُهَا النُّفُوسُ الُمخْتَلِفَةُ، والْقُلُوبُ الُمتَشَتِّتَةُ... أَظْأَرُكُمْ عَلَی الَحقِّ وأَنْتُمْ تَنْفِرُونَ عَنْهُ نُفُورَ الِمعْزَى مِنْ وَعْوَعَةِ الأسَدِ!»(1) .

اختار الإمام علیه السلام الأسد وهو من أقوى الحيواناتِ المفترسةِ التي تشكّل حضوراً وهيبةً لدى المتلقي، وبما يفرضُهُ السياق؛ لأنَّ كلّ حيوان يرمزُ إلى دلالةٍ معينةٍ خاصةٍ به عند العربِ، واختارَ الإِمامُ علیه السلام من الأَسدِ صوتَهُ؛ لأنَّه أشدُّ وأقوى على نفورِ الحيواناتِ منه، فلفظةُ (وعوعة) اكتسبَتْ دلالةَ القوةِ بإضافتِها إلى (الأسد) وتكمنُ المناسبةُ لهذهِ اللفظةِ ضمنَ السَّياق الداخلي للخطبةِ في التَّشكيل الصوتي من جهة وبين الأداء من جهة أخرى، ومن المعروفِ أنَّ صوت الأسد (الزئير) الذي يكون من صدره(2) يذكر ابو الفتح المعروف بكشاجم (ت358) بقولهِ: (ولو لم يكن له سلاح إلّا زئيره وتوقد عينيه وما في صدور الناس من هيبة لكفاه)(3) ، أمّا الوعوعةُ فهو صوتُ الذئابِ والكلابِ وبناتِ آوى(4) ، فلماذا اختار الإمامُ الوعوعةَ للأسدِ دونَ الزئيرِ في سياق عطف المخاطبين لطريقِ الحقِّ وبيان حالهم؟ 1. هنالك روايات تؤكّد أنَّ الأسدَ من الكلابِ ومما يدلُّ على هذا القولِ في حديث الرَّسول صلی الله علیه و آله: (كان لهب بن أبي لهب يسب النبي صلی الله علیه و آله فقال النبي صلی الله علیه و آله:

ص: 60


1- نهج البلاغة: الخطبة (131)/ 188- 189
2- ينظر: لسان العرب: (زأَر): 4/ 314
3- المصايد والمطارد: ابو الفتح محمود بن الحسن:45- 46
4- ورد في لسان العرب: (وعوع): : 8/ 411 (من أَصواتِ الكلابِ وبنات آوى ووَعْوَع الكلبُ والذئبُ وَعْوَعةً ووَعْواعاً عَوَى...)

«اللهم سلط عليه كلبك»... فجاء الأسد فانتزعه فذهب به)(1) ، وهذا يثبتُ أنَّ الأسدَ كلبٌ، فجازَ نسبةُ الوعوعةِ للأسدِ.

2. المعنى الدلالي الذي أدّتْهُ لفظةُ الوعوعةِ المتمثل في العلاقة بين الصوت ومعناه من خلال صوت الواو وهو من أصوات اللين(2) ، وتجمع صوتي العين والواو صفة بين الشدة والرخاوة(3) هذه الصفات جعلت مساحة لامتداد الصوت وانسيابية أكثر. كما كان لتكرارِ حرفي الواو والعين أثر أسهمَ في بناءِ صيغ إفرادية داخل التركيب لقصدِ الدلالةِ حول معنى معين.؛ بينما نجد لفظة الزئير قد ضمَّت صوت الزاي وهو من الأصوات الرخوة الذي يحوي صفة الصفير(4) ، وكذلك صوت الهمزة وهو من الأصوات الشديدة(5) ويبدو أنّها حددت القرب من الأسد؛ لذا دلّت صفات الحروف للفظة الوعوعة على الوضوح الصوتي أكبر بكثير من الزئير لأنَّ له الأثر في التصويت وتداعياته على المستمع ويكمن الأثر في قوة الصوت.

3. كما كانت مناسبةُ اختيار الحيوان (المعزى) دون غيره وتشبيههم به؛ لأنَّه يهرب بمجرد سماعه لوعوعة الأسد لا أن يراه أو يسمع زئيره إذ إنَّ الإمام أراد التنبيه والتنويه لهم بإسماعهم صوت الحق، فشبههم بالمعزى

ص: 61


1- المستدرك على الصحيحين: للحاكم: 2/ 588. وفي رواية أخرى أنّ الرسول صلی الله علیه و آله دعا على عتبة بن أبي لهب حيث أنّه أقسم أن يقتل محمّداً، فدعا عليه النبي صلی الله علیه و آله، فقال: «أكلك كلب الله» ففرقه الأسد قطعاً قطعاً ولم يأكل منه، ينظر: مستدرك سفينة البحار: النمازي: 1/ 127
2- ينظر: سر صناعة الإعراب: ابن جنّي: 1/ 8
3- م. ن: 1/ 61
4- ينظر: في البحث الصوتي عند العرب: د. خليل إبراهيم العطية: 58
5- سر صناعة الإعراب: 1/ 61

التي ما أن سمعت وعوعة الأسد نفرت من دون رؤيته لأنها لو كانت رأته لكان استعمل لفظة الهروب بدل النفور(1) ، واستعمل الزئير بدل الوعوعة وهم كذلك ما إن نظروا الحق نفروا منه وقد عطفهم عليه، فكيف بهم إذا أمرهم باتباع طريق الحق؟ وقد صرّح الإمام في بداية كلامه بنفوسهم المتشتتة وآرائهم المتفرقة! لذا ومن هذا المنطلق نجد أنَّ صوتَ الأسدِ داخل النص أدّى معادلة (وقع الأثر) على المتلقي فوقع صوت الأسد أو أثر الحق ذو دلالة وتأثير على النفوس ومن هنا أعطى السياق الخطابي لصوت الأسد دلالة القوة والثبات والحضور للحق داخل النص من وقع صوت الأسد أو أثر الحق على النفوس مقابل النفور منهما.

وفي سياق آخر يقول علیه السلام مخاطباً معاوية: «وأَنَّى يَكُونُ ذَلِكَ ومِنَّا النَّبِيُّ ومِنْكُمُ الُمكَذِّبُ ومِنَّا أَسَدُ الله ومِنْكُمْ أَسَدُ الأحْلافِ ومِنَّا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الَجنَّةِ»(2) .

إذ قصد الإمام علیه السلام ب(أسدُ الله) حمزة بن عبد المطلب؛ في حين قصد ب (أّسدُ الأحلاف) أبا سفيان(3) ، والعرب تطلق لفظة الأسد على مقاتليها الشجعان؛ لإنّه من أشرف الحيوانات التي اتصفت بصفات أفردتها عن بقية الحيوانات،

ص: 62


1- يتضح من ذلك المعنى الذي أفادته لفظة النفور من النفرة أي التفرق وعدم تقبل الحق؛ بينما لفظة الهرب فتعني الفرار. ينظر: لسان العرب: (نفر): 5/ 224، (هرب): 1/ 783
2- نهج البلاغة: الكتاب (28)/ 387
3- ورد في نهج البلاغة (ت: د. صبحي الصالح): 681 (أسد الله: حمزة. أسد الاحلاف: ابو سفيان، لأنه حزب الأحزاب وحالفهم على قتال النبي في غزوة الخندق)

ويضرب به المثل على القوة والشجاعة والنجدة والجرأة، لذا فقد وردت هذه اللفظة ورودا مجازياً في الدلالة على حمزة المعروف بشجاعته ودفاعه عن حمى الإسلام مقابل أبي سفيان الذي هيّأ وعبأ الاحلاف لقتال النبي صلی الله علیه و آله وقد جرت المقابلات في سياق النص بصورة متقاربة، اذ يكشف لنا السياق أنّ دلالة (أسد الله) هنا على القوة والشجاعة، ودلالة (أسد الاحلاف) فهي من السيادة أي سيادة القوم.

أمّا الضِّرْغَام فقد ذكره ابن منظور (ت711ه) في معجمه: (الضَّرْغَمُ والضِّرْغامُ والضِّرْغامةُ الأَسد ورجل ضِرْغامةٌ شُجاعٌ فإما أَن يكون شُبِّه بالأَسد وإِما أَن يكون ذلك أَصلاً فيه)(1) («والأسَدُ الضِّرغامُ»: هو الضَّارِي الشديدُ المِقْدَام من الأسُود)(2) .

وردت هذه اللفظة مرة واحدة في سياق التنفير والإهانة والتحقير في قوله مخاطباً عمرو بن العاص: «فَإنِّكَ قَدْ جَعَلْتَ ديِنكَ تَبعَا لِدُنْياَ امْرِئ ظَاهِرٍ غَيُّهُ مَهْتُوكٍ سِتْرُهُ يَشِينُ الْكَرِيمَ بِمَجْلِسِهِ ويُسَفِّهُ الَحلِيمَ بِخِلْطَتِهِ فَاتَّبَعْتَ أَثَرَهُ وطَلَبْتَ فَضْلَهُ اتِّبَاعَ الْكَلْبِ لِلضِّرْغَامِ يَلُوذُ بِمَخَالِبِهِ ويَنْتَظِرُ مَا يُلْقَى إِلَيْهِ مِنْ فَضْلِ فَرِيسَتهِ فأَذَهَبْتَ دنُيْاَكَ وآخِرَتكَ»(3) فقوله: «اتِّبَاعَ الْكَلْبِ لِلضّْرَّغَامِ يَلُوذُ بمِخَالبِهِ ويَنتْظَرِ مَا يُلْقَى إلِيَهْ مِنْ فَضْلِ فَرِيسَتهِ» وهو اتباع عمرو لمعاوية، وهو اتباع ذل واهانة؛ لأن (الكلب عندما يتبع الأسد يتبعه بذلة وخوف وفزع ينتظر ما تنفرج عنه مخالبه وما يفضل عنه من فريسته وليس هذا دأب الشرفاء

ص: 63


1- لسان العرب: (ضرغم): 12/ 357
2- النهاية في غريب الحديث والأثر: 3/ 176
3- نهج البلاغة: الكتاب (39): 411

وأصحاب الكرامة والدين)(1) .

وللفظة اللَّيث معان متعددة في المعجم: (اللَّيثُ: الشدة والقوَّة. ورجلٌ مِلْيَثٌ: شديدُ العارضة وقيل: شديدٌ قويٌّ. واللَّيثُ: الأَسد والجمع لُيُوثٌ... وقيل الليثُ ضَرْبٌ من العناكب قال: وليس شيء من الدواب مثله في الحِذْقِ والخَتْلِ وصوابِ الوَثْبَةِ والتَّسْدِيدِ وسرعةِ الخَطْفِ والمُدَاراة لا الكلبُ ولا عَناقُ الأَرض ولا الفهدُ ولا شيء من ذوات الأَربع وإِذا عاينَ الذبابَ ساقطاً لَطأَ بالأَرض وسَكَّنَ جَوَارِحَهُ ثم جمع نفسه وأَخَّرَ الوَثْبَ إِلى وقت الغِرَّة وترى منه شيئاً لم ترَه في فهد وإِن كان موصوفاً بالختل للصيد)(2) .

وردت هذه اللفظة في نهج البلاغة مرة واحدة في سياق المدح لعبد ذكره الإمام علیه السلام قال: «فَإِنْ جَاءَ الِجِدُّ فَهُوَ لَيْثُ غَابٍ وصِلُّ وَادٍ لا يُدْلِی بِحُجَّةٍ حَتَّى يَأْتِیَ قَاضِياً وكَانَ لا يَلُومُ أَحَداً عَلَی مَا يَجِدُ الْعُذْرَ فِی مِثْلِهِ حَتَّى يَسْمَعَ اعْتِذَارَهُ»(3) وقد استعمل الامام معادلا دلاليا للتعبير عن القوة والشجاعة في سياق المدح والقتال لهذا العبد.

2- حِمَار الوَحْش (العانة)

(حمار الزرد أو الوحش جنس حيوان من ذوات الحوافر وفصيلة الخيل معروف بألوانه المخططة)(4) .

يقول القيرواني: (من عادة القدماء أن يضربوا الأمثال في المرائي بالملوك

ص: 64


1- شرح نهج البلاغة (عباس الموسوي): 4/ 444
2- لسان العرب (ليث): 2/ 185
3- نهج البلاغة: الكتاب (289)/ 526
4- المعجم الوسيط: 1/ 410

الأعزة، والأمم السالفة، والوعول الممتنعة في قلل الجبال، والأسود الخادرة في الغياض، وبحمر الوحش المتصرفة بين القفار، والنسور، والعقبان، والحيات؛ لبأسها وطول أعمارها)(1) ، وردت هذه اللفظة مرة واحدة ضمن سياق الخطبة في ملاحم الفتن، يصف الإمام علیه السلام أصحاب ذلك الزمان بأنّم قوم غافلون ومنهمكون في نعم الدنيا فتأتيهم الفتن وتهلكهم، كما أهلكت أقواماً آخرين(2) ، إذ يقول علیه السلام «ثُمَّ يَأْتِی بَعْدَ ذَلِكَ طَالِعُ الْفِتْنَةِ الرَّجُوفِ... يَتَكَادَمُونَ فِيهَا تَكَادُمَ الُحمُرِ فِ الْعَانَةِ»(3) . والتكادم(4) هنا: (التعاض بأدنى الفم)(5) ، أمّا العانة: (الجماعة من حُمر الوحش)(6) .

المقام هنا مقام وصف لحالهم بعد طلوع الفتنة وللتحذير منها ودلالته هو (استعارة لفظة التكادم إمّا لمغالبة مثيري هذه الفتنة بعضهم لبعض أو مغالبتهم لغيرهم، وشبّه ذلك بتكادم الحمر في العانة)(7) فوصف حالتهم التي يكونون عليها «أنهم يُشْبِهونها في عِضَاضها ونفارها وفي ذلك ذم واستهانة

ص: 65


1- العمدة: ابن رشيق القيرواني: 1/ 161
2- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن ميثم): 3/ 223
3- نهج البلاغة: الخطبة (151)/ 210
4- من اسجاع العرب ما ورد في كتاب الأنواء: ابن قتيبة/ 25: (إذا طلع النَّجْم- يعني الثريا- فالحرُّ في حَدْم، والعُشْب في حَطْم، والعانات في كَدْم)، قال بشر بن حازم، الديوان، 134: شَتِيمٌ تَرَبَّعَ في عَانَة حِيَالٍ، يُكادِمُ فيها كِدَامَا
5- شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد): 9/ 143
6- تهذيب اللغة: الأزهري: (عان): 1/ 378
7- شرح نهج البلاغة (ابن ميثم): 3/ 225

بحالهم، وشهادة عليهم بِقلّةِ العَقْل الذي لم ينتفعوا به في الخلاص من هذه الفتن»(1) ، ويشير السياق هنا الى ذم الناس آخر الزمان؛ لأنهم يتغالبون بينهم كتكادم الحمر الوحشية للحصول على مبتغاهم مع الغفلة(2) ؛ لذا فقد جاءت دلالة (كدم) للحمر الوحشية بمعنى تغالب الناس فيما بينهم دلالة على وجود الفتن المؤدية الى التناحر فيما بينهم في ذلك الزمان.

3- الحُوْت (الحِيتان)

الحُوْت: (معروفٌ. والجميع: الحِيتانُ وهو السَّمَكُ(3) . وأحْوَاتٌ وحِوَتَةٌ(4) ) ورد (الحوت) مرة واحدة بصيغة الجمع في مقام التعظيم والتذكير بأنّ الله رب كل شيء يقول علیه السلام «وَسُبْحَانَ مَنْ أَدْمَجَ قَوَائِمَ الذَّرَّةِ والَهمَجَةِ إِلَی مَا فَوْقَهُمَا مِنْ خَلْقِ الْحِيتاَنِ والفِيَلَةِ ووَأىَ عَلَی نَفْسِهِ ألَا يَضْطَرِبَ شَبَحٌ مِماَّ أوَلجَ فِيهِ الرُّوحَ إِلا وجَعَلَ الْحِمَامَ مَوْعِدَهُ والْفَنَاءَ غَايَتَهُ»(5) . استهل الإمام علیه السلام كلامه بقوله (سبحانه) لهذا الغرض- وهو التعظيم- يقول ابن الجوزي أنّه: «لا خلاف بين أهل اللغة أن التسبيح هو التنزيه لله عز وجل عن كل سوء»(6) .

تحتوي هذه المقطوعة الأدبية على مجموعة من الجمل الخبرية الرائعة،

ص: 66


1- ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة (أطروحة دكتوراة): حسام عدنان الياسري: 182
2- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن ميثم): 3/ 225
3- كتاب العين: (حوت): 3/ 282
4- المحيط في اللغة: الصاحب بن عباد: (حوت): 1/ 245
5- نهج البلاغة: الخطبة (165)/ 239
6- زاد المسير: ابن الجوزي 3/ 351

وجميعها تدل على تنزيه الذات الالهية، مثل استعمال الإمام علیه السلام أفعال ماضية (ادمج، وأى، أولج) وكل هذه الافعال انما تدل على تعظيم الذات الالهية بذكر نعم الله على العباد، فنعمه كثيرة، ووصف الإمام علیه السلام لخلقه عظيم، والحق ان النص خرج الى معنى التعظيم أي تعظيم الامر في نفوس السامعين.

ولهذا يغدو المعنى المجازي في سياق النص هو التعظيم والإخبار عن خلق الذرة والهمجة الى عجيب خلق الأكبر فالأكبر من الحوت والفيل، وهو دليل وحجة على قدرة الباري على خلق أصغر الأشياء مثل: الذرة إلى اعظمها مثل: الحوت والفيل وهما أكبر المخلوقات، ويعين السياق على اثبات القدرة الإلهية لله سبحانه وتعالى في إدارة هذا الكون، فعبر الإمام علیه السلام عن الحوت في مقام الخلق ودلالة التعظيم لله بقرينة الذكر.

4- الحَيَّة

اشتقت الحَيَّة (من الحياة، ويقال: هي في أصلِ البناء: حَيْوَة. ولكنّ الياء والواو إذا التقتا وسُكنت الأُولَی منهما جعلتا ياءً شديدة...)(1) .

لقد وظّف نهج البلاغة هذا المخلوق أربع مرات، ثلاث منها مجازية(2) خرجت لغرض التشبيه، وواحدة حقيقية(3) .

وردت هذهِ اللفظة في تعبيرين متشابهين؛ وعندما ندقق النظر نجد أنّ كل تعبير له سمة خاصة به، يختلف عن التعبير الآخر، ودلالة معيّنة يكشف

ص: 67


1- كتاب العين: (حيو): 3/ 317
2- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (224)/ 347، الكتاب (68)/ 458، الكتاب (119)/ 489
3- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (26)/ 68

عنها السياق، فمن ذلك كتاب الإمام علیه السلام إلى سلمان الفارسي: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّماَ مَثَلُ الدُّنْيَا مَثَلُ الحيَّةِ: لَيِّنٌ مَسُّهَا، قَاتِلٌ سَمُّهَا؛ فَأَعْرِضْ عَمَّا يُعْجِبُكَ فِيهَا، لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُكَ مِنْهَا»(1) . وقوله علیه السلام في حكمة له: «مَثَلُ الدُّنْيَا كَمَثَلِ الَحيَّةِ لَيٌنَّ مَسُّهَا، والسَّمُّ النَّاقِعُ فِی جَوْفِهَا، يَهْوِي إِلَيْهَا الْغِرُّ الَجاهِلُ، ويَخذَرُهَا ذُو اللُّبِّ الْعَاقِلُ!»(2) .

جاء التعبير الأول مشابهاً للثاني، إذ شبّه الدنيا بالحيّة في لين ملمسها في دلالة على الرفاهية في الدنيا والعيش الكريم، بينما هذه الحيّة تضم في جوفها السم القاتل أي إن من يتعلق بالدنيا فستهلكه لامحالة(3) ، ويكمن الاختلاف في وصف السُّم فمرة يقول: «قَاتِلٌ سَمُّهَا» ومرة: «والسَّمُّ النَّاقِعُ فِی جَوْفِهَا » فهما مختلفان وكل واحد منهما له دلالة معينة؛ يكشفها السياق لنا بعدة معطيات منها:

1. اختلاف المخاطب ففي القول الأول كان الخطاب فيه تخصيص وهو إلى (سلمان الفارسي)(4) ، في حين كان خطاب القول الثاني دالًا على العموم.

2. في القول الأول وردت أداة تشبيه واحدة وهي: (مثل)، وفي القول الثاني أداتان تشبيهيتان وهما: (كاف التشبيه، ومثل) وهما تفيدان التأكيد على المشابهة فضلاً على القوة في التشبيه(5) بين الدنيا والحيّة في القول الثاني.

ص: 68


1- نهج البلاغة: الكتاب (68)/ 458
2- نهج البلاغة: الكتاب (119)/ 489
3- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن ميثم): 5/ 218
4- ذكره ابن ابي الحديد في شرح النهج، ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن ابي الحديد): 18/ 34- 42
5- ينظر: لسان العرب: 9/ 247

3. إنّ الخطاب الأول جاء في سياق التحذير من الدنيا، والخطاب الثاني جاء في سياق التحذير من الدنيا ايضا؛ ولكن حينما اختلف المخاطبان اختلف القصد لاختلاف المقام ومن هنا يبدو لنا أن الإمام علیه السلام قد قصد بالدنيا في القول الأول هي (الخلافة) التي تولّاها سلمان على المدائن بقرينة قوله «قَاتِلٌ سَمُّهَا» أي انها مثل الحيَّة لا محالة ستصيبك وهي متعرضة لك ومقبلة عليك (فَأَعْرِضْ عَمَّا يُعْجِبُكَ فِيهَا) وفي الصورة الثانية السُّم يبقى في جوفها ناقعا(1) متى ما انغر بها صاحب الهوى لدغته؛ في حين العاقل يحذرها فلا ينغر بها، ولا يقترب فيبدو لنا قصد الإمام علیه السلام بهذه الدنيا هنا هو (الميل للدنيا واتباع الهوى) بدلالة أداتي التشبيه (الكاف ومثل).

4. التقديم والتأخير: تقديم الصفة (اسم الفاعل) على موصوفها في القول الأول، وفي عود الضمير الهاء بقوله: «قَاتِلٌ سَمُّهَا» على الحيّة؛ في ين تأخّر الصفة عن موصوفها في القول الثاني: «والسَّمُّ النَّاقِعُ فِی جَوْفِهَا» لذا فالتقديم والتأخير له دور مؤثر في سياق النص والمعنى واذا (تغير النظم فلا بد أن يتغير المعنى)(2) ، إنّ إختلاف معنى صفة السم فيه بيان ودلالة واضحة على خطورة الدنيا المتعرضة لك في القول الأول اذ إنّ الصفة ثابتة في السم على حين أنّ صفة السم الأخرى لا تبين خطورتها الا لمن تعرض لها. ومن هنا يتضح الاختلاف في استعمال لفظة (الحيَّة) في سياق النص،

ص: 69


1- ذكر الزمخشري في أساس البلاغة: (نقع السم في ناب الحيّة: اجتمع فيه)، قال النابغة: الديوان/ 54 فَبِتُّ كَأَني ساورتني ضئيلَةٌ من الرُّقشِ، في أَنيابِا السُّمُّ ناقِعُ
2- دلائل الإعجاز: 265

ولذا فدلالة صورة الحية الأولى تختلف عن دلالة صورة الحية الثانية إذ أراد الإمام علیه السلام بهما مفاهيم خاصة مرة قصد بها (الخلافة) ومرة (الميل للدنيا واتباع الهوى).

وفي سياق آخر وردت لفظة (الحيّة) بصيغة الجمع ودلّت على معنى العدو «إِنَّ الله تَعَالَی بَعَثَ مُحمَّداً صلی الله علیه و آله نَذِيراً لِلْعَالِمينَ- وأَمِيناً عَلَ التَّنْزِيلِ- وأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ عَلَی شَرَّ دِينٍ وفِی شَّرَّ دَارٍ- مُنيِخُونَ بَيْنَ حِجَارَةٍ خُشْنٍ وَحَيَّاتٍ صُمٍّ»(1) . إذ يكشف النص عن تأثير المكان والبيئة في العرب من خلال ما ذكره الإمام علیه السلام في مقابلة دلالية، فقوله: «حيات صم» أي: العدو واستعمل الإمام علیه السلام لفظة الصم للحيات كونها لا تنزجر بصوت وتهرب فهي لا تسمع، كذلك اعداؤهم لا يهابونهم وقد ذهب ابن أبي الحديد إلى هذا المعنى المجازي ورأى بأنه الأحسن(2) .

5- الخِنْزير

الخنزير على وزن (فِنْعِيلٌ من الخَزَرِ في العَيْن)(3) ، (حيوان دجون من الفصيلة الخنزيرية)(4) ، (يشترك بين البهيميّة والسّبعيّة، فالّذي فيه من السّبع النّاب وأكل الجيف، والّذي فيه من البهيميّة الظّلف وأكل العشب والعلف)(5) .

ص: 70


1- نهج البلاغة: الخطبة (26)/ 68
2- ينظر: شرح نهج البلاغة: (ابن أبي الحديد): 2/ 19
3- المُنجّد في اللغة: كراع النمل: 1/ 68
4- المعجم الوسيط: 1/ 539
5- حياة الحيوان الكبرى: الدميري: 1/ 305

جاء ذكره في القرآن الكريم بتحريمه ووصف بأنه رجس(1) ، قال الدكتور النجار في وصفه: (الخنزير حيوان كريه المنظر، ضخم الجثة، كتلي الشكل، مكتنز اللحم، قصير الأرجل، له جلد سميك، عليه شعر خشن، وله بوز طويل وأنيابه قوية)(2) .

جاء ذكر الإمام علیه السلام لهذه الحيوان الكريه مرة واحدة في مقام التنفير من الدنيا والهوان بها وقال علیه السلام: «والله لَدُنيْاَكُمْ هَذِه أهَوَنُ فِ عَينْيِ مِنْ عُرَاقِ خِنزْيرٍ فِی يَدِ مَجْذُومٍ»(3) ، روي (عراق) بضم العين وكسرها ولكلٍ معنى خاص بها(4) ، والعَرْقُ (هو العظمُ الذي أُخذَ عنه اللحمُ وقال مرَّة هو العَظْم الذي أُخِذ أكثَرُ ما عليه من اللحم وبَقيَ عليه شيءٌ يَسِير، والجمع عُراقٌ بالضم.

وهو من الجمع العزِيز وله نظائِرُ قليلةٌ قالوا رِخْل ورُخال وظِئْر وظُؤَار وتَوأم وتُؤَام)(5) ؛ أمّا بكسر العين فهو (من الحشا ما فوق السرة معترضا البطن)(6) .

وأميلُ إلى القولِ الأول بروايةِ الضم لأنَّ العظمَ أهونُ من الحشا.

استعمل الإمام علیه السلام أبشع صور التنفير من الدُّنيا وقد مثَّل لها بصورة حسية جاءت في سياق النفور (وذلك مبالغة في هوان الدنيا وحقارتها في عينه ونفرته عنها لأنّ العرق لا خير فيه فإذا تأكّد بكونه من خنزير ثمّ بكونه

ص: 71


1- والرجس هو: (كلُّ شيءٍ يُسْتَقْذَر فهو رِجْسٌ كالخِنْزير) كتاب العين (رجس): 6/ 52
2- الحيوان في القرآن الكريم: الدكتور زغلول النجار: 360
3- نهج البلاغة: الكتاب (236)/ 510
4- فقد روى ابن أبي الحديد في شرحه بضم العين: ينظر: 19/ 67، ووردت عند ابن ميثم البحراني في شرحه بكسر العين: ينظر: 5/ 360
5- المخصص: ابن سيده: 1/ 370
6- المعجم الوسيط: 2/ 97

في يد مجذوم بلغت النفرة منه الغاية)(1) .

وفي تحليل هذا الجانب نجد الضمير الكاف للتملك في (دنياكم) أي ان الإمام علیه السلام خصص الدنيا بضمير المخاطب للجماعة (الكاف) فلم يقل (الدنيا) مما يدلل على أن المخاطبين كانوا ممن اقبلوا على الدنيا، وتكالبوا عليها ولشدة ما رأى منهم اراد الإمام علیه السلام ان يخرج حب الدنيا من قلوبهم لذا فالسياق تحدث عن هوان الدنيا عندما رأى من حوله من المتشبثين بها، فاستعمل عظم الخنزير الذي خلي من اللحم، والخنزير حيوان كريه المنظر فتصوروا أخذ هذا العُراق من يد مجذوم؟ فهنا يكون النفور وصل أكبر الغاية في التصوير وأصبحت الدنيا أهون في عينه وكان للمثل دورٌ مؤثرٌ في سياق التنفير ودلالته.

6- الذِئْب

(كَلْبُ البَرَّ والجمعُ أَذْؤُبٌ في القليل وذِئابٌ وذُؤْبانٌ والأُنثَى ذِئْبَةٌ يُهْمَزُ ولا يُهْمَزُ وأَصله الهَمْز)(2) ، وهو (اسم جامد للحيوان المفترس المعروف، وزنه فعل بكسر فسكون)(3) .

و (يقال لِصعالِيك العرب ولُصُوصِها ذُوبانٌ لأَنهم كالذِّئابِ... ورجلٌ مَذْؤُوبٌ وقَع الذِئْب في غَنَمِه)(4) .

ص: 72


1- شرح نهج البلاغة (ابن ميثم): 5/ 360
2- لسان العرب: (ذأب): 1/ 377
3- الجدول في اعراب القران: محمود صافي: 12/ 158
4- لسان العرب: (ذأب): 1/ 377

يضرب الذِئْب كرمز للخيانة والغدر(1) ، وقد جاء في الأمثال (أغدر من ذئب)(2) ، وقد جاء ذكره في القرآن مقترنا بزمن النبي يعقوب علیه السلام لأنه السبع الغالب في قطره ولصغر يوسف علیه السلام(3) ، وهنالك من النقاد من يرى أن رمز الخير للذئب حاضر في كلام الادباء العرب(4) .

وكان ذكر هذا الحيوان وصفته المشهورة بالغدر، إذ تكرر ذكره في نهج البلاغة (ثلاث مرات) مرتين بصيغة المفرد ومرة بصيغة الجمع، قال الإمام علیه السلام: «وإِيَّاكُمْ والْفُرْقَةَ! فَإِنَّ الشَّاذَّ مِنَ النَّاسِ لِلشَّيْطَانِ، كَمَا أَنَّ الشَّاذَّ مِنَ الْغَنَمِ لِلذِّئْبِ»(5) .

وفي موضع آخر يقول للولاة من عماله «واختطفت مَا قَدَرْتَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِهمُ الَمصُونَةِ لأَرَامِلِهِمْ وأَيْتَامِهِمُ اخْتِطَافَ الذِئْب الأزَلِّ دَامِيَةَ الِمعْزَى الْكَسِيرَةَ»(6) .

فهناك فرق واضح بين القولين في الدلالة، جاء سياق النص الأول مذكراً برمزية هذا الحيوان واقترانه بالشيطان في كل فعل يدعو الى التفرقة وجاء تشبيه الشيطان بالذِئْب في الافتراس مناسبا لسياق القول إذ يتحدث الإمام علیه السلام عن الفرقة وعدم الاجتماع على كلمة واحدة، فالفرقة تولد الذهاب الى الشيطان،

ص: 73


1- ينظر: الحيوان: الجاحظ: 4/ 48
2- مجمع الامثال: ابو الفضل النيسابوري: 2/ 67
3- ينظر: البحر المحيط في التفسير: ابو حيان الاندلسي: 5/ 286
4- ينظر: الذئب والقطا في لامية العرب (بحث): د. عبد الجليل صرصور: 27، مجلة جامعة الاقصى، العدد الأول، المجلد التاسع، ذو القعدة1425ه- كانون الثاني2005م
5- نهج البلاغة: الخطبة (127)/ 184
6- نهج البلاغة: الكتاب (41)/ 413

فهنا تشبيه صورة الشيطان بالذِئْب بخصيصة (الافتراس)، الذِئْب حصل على صيده بسهولة فكأنك تسير الى الشيطان حين لا تتبع نهج الحق فدلالة الذِئْب هنا هم الخوارج وما حملوه من فتنة.

وفي النص الثاني دلّ سياق الذئب فيه على الحاكم الخائن الظالم الذي يسرق أموال الأرامل واليتامى، فقد أعطى الإمام علیه السلام لهذا الذِئْب صفة (الأزل) أي (الخفيف الوركين السريع العدو)(1) كذلك الحاكم يتنقل من مكان لآخر سارقاً أموال الرَّعية وأعطى للمعزى الكسيرة صفة الدامية كناية عن سوء أحوال الارامل والايتام (والذِئْب) يطمع بها لكونها دامية.

يصوّر الإمام علیه السلام الذِئْب بصورتين يراد منهما دلالتين:

1- صورة الذِئْب المفترس (فتنة الخوارج).

2- صورة الذِئْب المختطف (الحاكم الخائن).

فدلالة الذِئْب في الصورة الأولى هي (القتل والافتراس)؛ في حين يدل في الصورة الثانية على (الخيانة والغدر).

7- السبُع

السَّبُع: (واحد السّباع والأنثى سَبُعة)(2) ، و (السين والباء والعين أصلان مطردان صحيحان: أحدهما في العَدَد، والآخر شيءٌ من الوحوش)(3) ، وقيل بأن السبع (كل ما له نابٌ كالأسد والنمر والذِئْب، أو ما له مخْلَب كالصقر

ص: 74


1- شرح نهج البلاغة (ابن ميثم): 5/ 92
2- كتاب العين: (سبع): 1/ 344
3- معجم مقاييس اللغة: (سبع): 3/ 128

والحدأة، ويعدو على الناس والدوابّ ويفترسها...)(1) ، ويبدو أنَّ السبع مفهوم عام أُريد به كل حيوان يحمل صفات الوحشية.

تكررت هذه اللفظة في نهج البلاغة ست مرات، والدلالة الغالبة لتكرارها المجاز، إذ يقول الإمام علي علیه السلام في خطبة له يذكر بها الملاحم ويعرج على ذكر الرسول الاعظم ضلی الله علیه و آله: «فَلَقَدْ فَلَقَ لَكُمُ الأمْرَ فَلْقَ الَخرَزَةِ وقَرَفَهُ قَرْفَ الصَّمْغَةِ فَعِنْدَ ذَلِكَ أَخَذَ الْبَاطِلُ مَآخِذَهُ ورَكِبَ الَجهْلُ مَرَاكِبَهُ وعَظُمَتِ الطَّاغِيَةُ وقَلَّتِ الدَّاعِيَةُ وصَالَ الدَّهْرُ صِيَالَ السَّبُعِ الْعَقُورِ»(2) ؛ ثم يقول في الخطبة نفسها، حين يصف أهل ذلك الزمان بعد هجر الدين واستحباب الكذب وكره الصدق: «وكَانَ أَهْلُ ذَلِكَ الزَّمَانِ ذِئَاباً وسَلاطِينُهُ سِبَاعاً وأَوْسَاطُهُ أُكَّالاً وفُقَرَاؤُهُ أَمْوَاتاً..»(3) .

ينظر إلى أنَّه ورد التكرار لهذه اللفظة ضمن الخطبة بصيغتي (المفرد والجمع) والتكرار هنا اسهم في ربط بنيات النص بعضها مع الآخر ليعطي القيمة الدلالية للنص، ففي الصورة الأولى ترد صورة الدهر وتشبيهه بالسبع المنقض على فريسته بدلالة مفردة عقور، والعقور: (هو كل سبع يَعْقِر أَي يجرح ويقتل ويفترس كالأَسد والنمر والذِئْب والفَهْد وما أَشبهها)(4) مما يعطي السياق دلالة واضحة على الفتنة وعلى قوة ذلك الدهر وعلى العدوان وارتكاب الظلم بغير وجه حق، وفي الصورة الثانية ذم واستنكار، إذ شبّه

ص: 75


1- فقه اللغة وسر العربية: الثعالبي: 26، معجم اللغة العربية المعاصر: أحمد مختار عمر: 2/ 1027
2- نهج البلاغة: الخطبة (108)/ 157
3- م. ن
4- لسان العرب: (عقر): 591: 4

سلاطين ذلك الزمان بالسباع دلالة على قوتهم وسطوتهم على أهل ذلك الزمان (الرعية) الذين شبههم بالذئاب ومن الطبيعي أن السبع أكثر قوة وسطوة من الذِئْب فجاء اختيار لفظة (سباعاً) مناسباً للسياق للدلالة على أنّ سلاطين ذلك الزمان يعتدون على حقوق الرعيّة، فقابل الإمام علیه السلام الكل وهو (السباع) بالجزء وهو (الذئاب)، والرعيّة أو الأوساط يفترس أحدهم الآخر ويسرق بعضهم بعضا بدلالة (ذئاباً) وفقراء ذلك الزمان لا حول لهم ولا قوة بدلالة (أمواتاً).

وفي نص آخر يقول علیه السلام: «اللِّسَانُ سَبُعٌ إِنْ خُلِّیَ عَنْهُ عَقَرَ»(1) .

نجد ان الإمام علیه السلام قد وظف (السبع) توظيفا استعاريا داخل السياق إذ استعار لاطلاق اللسان وعدم السيطرة عليه صفة العقر: أي الجرح، فالسبع واللسان ان تركا جرحا ولذا فالسياق يدل على الحذر وعدم إطلاق اللسان.

8- الضَّب

الضَّبُّ (يُكْنَى أبا حِسْل العَرَبُ تقول: الضَّبُّ قاضي الطيرِ والبَهائِمِ وإنَّما اجتَمعَت إليه أوّلَ ما خَلَقَ «الله» الإنسانَ فوصفوه له فقال الضَّبُّ: تَصفُونَ خَلْقاً يُنْزِلُ الطيْرَ من السَّماء ويُخْرجُ الحُوتَ من الماء فمن كانَ ذا جناحٍ فلْيَطِرْ ومن كانَ ذا حافرٍ فليَحْفُرْ)(2) و (الضب: بفتح الضاد، حيوان بري معروف يشبه الورل، قال أهل اللغة: وهو من الأسماء المشتركة فيطلق على ورم في خف البعير وعلى ضبة الحديد، والضب اسم للجبل الذي بمسجد الخيف

ص: 76


1- نهج البلاغة: الكتاب (60)/ 478
2- كتاب العين: (ضَبّ): 7/ 14

في أصله. وضبة الكوفة وضبة البصرة قبيلتان من العرب... والجمع ضِباب وأضُّب مثل كف وأكف والأنثى ضبَّة قالت العرب: لا أفعله حتى يرد الضب، لأن الضب لا يرد الماء. قال ابن خالويه، في أوائل كتاب ليس: الضب لا يشرب الماء ويعيش سبعمائة سنة فصاعداً)(1) .

ومما وجدته في وصف الجاحظ ت (255ه) لجحر الضب وصفاً جميلاً الذي يقول عنه: «بأنه لا يحفِرُ إلاّ في كدية، ويطيلُ الحفْرَ حتّى تفنى براثنه، ويتوخّى به الارتفاع عن مجاري السّيل والمياه، وعن مدق الحوافر، لكيلا يَنْهارَ عليه بيته»(2) .

نجد ان الجاحظ ت (255ه) قد اعطى علائم لجحر الضب ويرد هذا الجحر لهذا الضب في سياق النص في نهج البلاغة بمعنى الهروب والخوف قال الإمام علي علیه السلام في توبيخ بعض أصحابه «كَمْ أُدَارِيكُمْ كَمَ تُدَارَى الْبِكَارُ الْعَمِدَةُ والثِّيَابُ الُمتَدَاعِيَةُ كُلَّمَا حِيصَتْ مِنْ جَانِبٍ تَهَتَّكَتْ مِنْ آخَرَ كُلَّمَا أَطَلَّ عَليَكْمْ مَنسْرٌ مِنْ مَناَسِرِ أهَلِ الشَّامِ أغَلَقَ كُلُّ رَجُلٍ مِنكْمْ باَبهَ وانجْحَرَ انْجِحَارَ الضَّبَّةِ فِی جُحْرِهَا والضَّبُعِ فِی وِجَارِهَا»(3) ، والبكار: (جمع بكر وهو الفتى من الإبل، والعمدة التي قد انشدخت أسنمتها من داخل، وظاهرها صحيح وذلك لكثرة ركوبها)(4) ، فقد كانت مداراته لهم كمداراة الابل الفتية التي أصابها المرض فتكون مداراتها أكثر من المسنة، وقد وصفهم بالثياب المتداعية لأنه كلما حاول جلبهم الى طريق الحق انجحروا انجحار الضب في جحره

ص: 77


1- حياة الحيوان الكبرى: 1/ 455
2- الحيوان: الجاحظ: 2/ 14
3- نهج البلاغة: الخطبة (69)/ 98- 99
4- شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد): 6/ 102

وقد اختار أنثى الضب لإنّ الأنثى تكون أجبن وأذل من الذكر للدلالة على شدة خوفهم من مناسر أهل الشام فهو كلما طلّ عليهم منسر: أي: (قطعة من الجيش)(1) اختفوا كما تختفي الضبة في جحرها والضبع في وجاره: أي بيته(2) ويؤكد سياق النص لحالهم في الوصف دلالة واضحة على الجبن والهروب.

وفي سياق مختلف ترد لفظة الضب بمعنى (الحقد)(3) والغل يقول في ذكر أهل البصرة: «كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرْجُو الأمْرَ لَهُ ويَعْطِفُهُ عَلَيْهِ دُونَ صَاحِبهِ لا يَمُتَّانِ إِلَی الله بِحَبْلٍ ولا يَمُدَّانِ إِلَيْهِ بِسَبَبٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَامِلُ ضَبٍّ لصِاحِبهِ وعَمَّا قَليِلٍ يُكْشَفُ قنِاَعُهُ بهِ»(4) وفي سياق آخر نجد هذه اللفظة دلّت على الهزيمة وترك طريق الحق «وكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْكُمْ تَكِشُّونَ كَشِيشَ الضِّبَابِ لا تَأْخُذُونَ حَقّاً ولا تمْنَعُونَ ضَيْماً قَدْ خُلِّيتُمْ والطَّرِيقَ فَالنَّجَاةُ لِلْمُقْتَحِمِ والَهلَكَةُ لِلْمُتَلَوِّمِ»(5) . والكشيش هو حك جلودها بعضها ببعض وإصدار صوت الذِئْب مفترس (فتنة الخوارج) شاذ (الرعية) الغنم مختطِف (الحاكم الخائن) كسيرة (الأرامل والايتام) المعزى

ص: 78


1- شرح نهج البلاغة (عباس الموسوي): 1/ 410
2- ينظر: شرح نهج البلاغة (عباس الموسوي): 1/ 410
3- شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد): 9/ 109
4- نهج البلاغة: الخطبة (148)/ 206
5- نهج البلاغة: الخطبة (123)/ 180

وهو في الأفعى والضباب كذلك(1) أي أنكم تتهامسون فيما بينكم وتتكلمون بما لا يفهم ككشة الضباب وهو دلالة على الهزيمة والخوف من الاعداء.

9- الضَّبُع

(قَالَ الليثُ: المَضْبَعَةُ: اللحْمَةُ الَّتِي تحتَ الإبِطِ من قُدُمٍ، بضمِّ القافِ والدالِ. وضَبَعَه، كَمَنَعه: مدَّ إِلَيْهِ ضَبْعَه للضَّبِ. قَالَ ابْن السِّكِّيت: يُقَال: قد ضَبَعَ القومُ من الشيءِ، وَمن الطريقِ لنا ضَبْعَاً، أَي جعلُوا لنا مِنْهُ قِسماً وأَسْهَموا لنا فِيهِ، كَمَ تَقول: ذَرعوا لنا طَرِيقا. ضَبَعَ فلانٌ ضَبْعَاً: جارَ وظَلَمَ، عَن أبي سعيدٍ. يُقَال: ضَبَعَ على فلَان ضَبْعَاً: مدَّ ضَبْعَيْه للدُّعاءِ عَلَيْهِ، ثمّ استُعيرَ الضَّبْعُ للدعاءِ لأنّ الداعيَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ، ويمُدُّ ضَبْعَيْه)(2) .

(والضَّبْعُ: السَّنةُ الشديدة المُهْلِكة المُجْدبة، مؤنث؛ قال عباس بن مرداس: «أَبا خُراشةَ أَمَّا أَنْتَ ذا نَفَرٍ، فإِنَّ قَوْمِي لَمْ تَأْكُلْهُمُ الضَّبُعُ»)(3) .

وقد وردت لفظة الضبع في نهج البلاغة أربع مرات في سياقات مختلفة ومعانٍ متغايرة، منها (التتابع للمبايعة) حين قال في خطبته المعروفة بالشقشقية: «فَمَا رَاعَنِي إلا والنَّاسُ كَعُرْفِ الضَّبُعِ إِلَیَّ يَنْثَالُونَ عَلَیَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ»(4) قوله علیه السلام: «كعرف الضّبع». قال ابن فارس: (العين والراء والفاء أصلان صحيحان، يدلُّ أحدُهما على تتابُع الشيء متَّصلاً بعضُه ببعض، والآخر على السكون والطُّمَأنينة. فالأوّل العُرْف: عُرْف الفَرَس. وسمِّي

ص: 79


1- ينظر: اختيار مصباح السالكين: 279
2- تاج العروس: (ضبع): الزبيدي: 358: 21
3- لسان العرب: (ضَبْع): 8/ 216
4- نهج البلاغة: الخطبة (3)/ 49

بذلك لتتابُع الشَّعر عليه)(1) . أي أنّ تتابع الناس على الإمام علیه السلام كتتابع الشعر في الضبع مما يلي الرقبة؛ لأن (عرف الضّبع ثخين، ويضرب به المثل في الازدحام)(2) . ومنها (اليقظة وعدم تسليم الأمر للآخرين والانخداع بهم): «وَالله لا أَكُونُ كَالضَّبُعِ تَنَامُ عَلَی طُولِ اللَّدْمِ حَتَّى يَصِلَ إِلَيْهَا طَالِبُهَا ويَخْتِلَهَا رَاصِدُهَا ولَكِنِّي أَضْرِبُ بِالُمقْبِلِ»(3) في كلامه على بني الزبير، واللدم: (اللَّدْمُ: ضربُ المرأة صَدْرَها... واللَّدم والَّلطم واحد)(4) ، وفي حديث الأمام علیه السلام: «ذلك أن الصياد يجيء إلى جُحْرها فَيُصَوِّتُ بحجر فتخرجُ الضَّبُعُ فيأخُذها وهي من أحمق الدواب»(5) فضرب الصياد بحجر دلالة على اللدم، ومنها (انتقاض حكم بني أميّة لأنّ دلالةَ الضباع هنا هو حكم الأراذل بعدهم) إذ يقول: «إِنَّ لِبَنيِ أُمَيَّةَ مِرْوَداً يَجْرُونَ فِيهِ ولَوْ قَدِ اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ ثُمَّ كَادَتْهُمُ الضِّبَاعُ لَغَلَبَتْهُمْ»(6) قال الرضي (ت406): (والمرود هنا مفعل من الإرواد وهو الإمهال والإظهار وهذا من أفصح الكلام وأغربه فكأنه علیه السلام شبه المهلة التي هم فيها بالمضمار الذي يجرون فيه إلى الغاية فإذا بلغوا منقطعها انتقض نظامهم بعدها)(7) .

ص: 80


1- معجم مقاييس اللغة: (عرف): 4/ 281
2- شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد): 1/ 200
3- نهج البلاغة: الخطبة (6)/ 53
4- تهذيب اللغة: (لدم): 14/ 134
5- م. ن: 14/ 135
6- نهج البلاغة: الكتاب (464)/ 557
7- نهج البلاغة: الكتاب (464)/ 557
10- الفِيل

(الفِيل معروف والجمع أَفْيال وفُيُول وفِيَلة قال ابن السكيت ولا تقل أَفْيِلة والأُنثى فِيلة)(1) («تفيل» رأيه ضعف وسمن حتى صار كالفيل والنبات اكتهل)(2) .

وردت هذه اللفظة في نهج البلاغة مرتين، قال علیه السلام مخبراً عن الملاحم في البصرة: «وَيْلٌ لِسِكَكِكُمُ الْعَامِرَةِ والدُّورِ الُمزَخْرَفَةِ الَّتِي لَها أَجْنِحَةٌ كَأَجْنِحَةِ النُّسُورِ وخَرَاطِيمُ كَخَرَاطِيمِ الْفِيَلَةِ»(3) .

في سياق النص دلالة على تصوير جمالية القصور والمنازل في البصرة إذ (شبّه شرفها وبروجها بأجنحة النسور وخراطيم الفيلة)(4) ، وخراطيم جمع خرطوم والمقصود أعمدة الميازيب النازلة التي تحفظ الجناح أي الحيطان من أذى السيل وما أشبه ذلك(5) .

11- الكَلْب

(الكَلْب: واحد الكلاب، والأنْثَى بالهاء وثلاثةُ أكلبٍ وكَلَبات)(6) ، (والكَلاّبُ المُكَلِّبُ: الذي يُعلِّمُ الكِلاَبَ أخْذَ الصَّيْدِ... والكَلْبُ الكَلِبُ: الذي يَكْلَبُ بأكْلِ لْحْم الناس فيَأخُذُه كالجُنُونِ.

ص: 81


1- لسان العرب: (فيل): 11/ 534
2- المعجم الوسيط: 2/ 331
3- نهج البلاغة: الخطبة (128): 185
4- أعلام نهج البلاغة (السرخسي): 125
5- ينظر: توضيح نهج البلاغة: 2/ 276
6- كتاب العين: (كلب): 5/ 375

وكَلِبَ الرَّجُلُ: أصَابَه الكَلَبُ وهو أنْ يَعْوِيَ عُوَاءَ الكَلْبِ، ورَجُلٌ كَلِيْبٌ ورِجَالٌ كَلْبى)(1) .

وقيل أنّ الكلب (كُلُّ سَبُعٍ عَقُورٍ)(2) ، ونجد أن الامام علي علیه السلام قد ذكر هذه المفردة في ثلاثة مواضع، تحدّث عن مروان بن الحكم بالبصرة حينما أراد مبايعته: «لَوْ بَايَعَنيِ بِكَفِّهِ لَغَدَرَ بِسَبَّتِهِ أَمَا إِنَّ لَهُ إِمْرَةً كَلَعْقَةِ الْكَلْبِ أَنْفَهُ»(3) لعقة الكلب (كناية عن قلة اللبث واللعق: اللحس)(4) ، والسياق في استعماله لهذه اللفظة داخل النص يكشف عن دلالتين:

الأولى: قصر المدة التي يحكم بها مروان (فقد عرفت أنّ إمرته كانت تسعة أشهر أو ثمانية أشهر)(5) .

الثانية: عدم الفائدة من حكمه لأن لعق الكلب أنفه لا فائدة فيها وكذلك مدة حكمه القصيرة.

12- الوَحْش

(الواو والحاء والشين: كلمةٌ تدلُّ على خلاف الإنس. توحَّش: فارَقَ الأنيس. والوَحْش: خلاف الإنس)(6) وهو (كلُّ شيء من جواب البَّر مما لا يَسْتأْنس مُؤنث وهو وَحْشِّ والجمع وُحُوشٌ... ومكانٌ وَحْشٌ خالٍ وأَرض

ص: 82


1- المحيط في اللغة: (كلب): 2/ 52
2- لسان العرب: (كلب): 1/ 722
3- نهج البلاغة: الخطبة (73)/ 130
4- حدائق الحقائق في شرح نهج البلاغة: النيسابوري: 2/ 447
5- ينظر: بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة: 5/ 602
6- معجم مقاييس اللغة: (وحش): 6/ 91

وَحْشةٌ بالتسكين أَي قَفْرٌ)(1) .

وردت هذه اللفظة أربع مرات قد تكررت في ثلاثة مواضع بصيغة الجمع، وقد جاءت هذه اللفظة للدلالة على أنّ الله (سبحانه وتعالى) محيط بكل شيء يقول: (يَعْلَمُ عَجِيجَ الْوُحُوشِ فِ الْفَلَوَاتِ ومَعَاصِیَ الْعِبَادِ فِی الْخَلَوَاتِ واخْتِلافَ النِّينَانِ فِ الْبِحَارِ الْغَامِرَاتِ وتَلاطُمَ الَماءِ بِالرِّيَاحِ الْعَاصِفَاتِ وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً نَجِيبُ الله وسَفِيرُ وَحْيِهِ ورَسُولُ رَحْمَتِهِ)(2) .

ينظر الجدول الإحصائي رقم (1) للوحدات الدلالية للحيوان المفترس- صفحة295.

***

ص: 83


1- لسان العرب: (وحش): 6/ 368
2- نهج البلاغة: الخطبة (198)/ 312

ص: 84

المبحث الثاني: الحيوان الأليف

1- الإِبِل وما يتصل بها

(وللعرب اليد الطولى في تربية الابل والقيام على نتاجها وطلب الانتاج لها لارتياد مراعيها ومفاحص توليدها لشدة الاحتياج اليها في بلادهم فهي مراكبهم التي يحملون عليها احمالهم وينقلون اثقالهم ويأكلون لحومها ويقتاتون من البانها ويكتسون من اوبارها ويقايضون عليها في المبايعات ويفتدون اسراهم بها عند نزول الزوجات وبالجملة والتفصيل هي مصدر غناهم)(1) .

ولما حازه هذا الحيوان من مكانة لدى العرب؛ كونه أكثر ملاءمة للبيئة الصحراوية التي يعيشون فيها، وله القدرة على تحمل المسير في الصحراء وعُدّ من أموالهم وهو من الحيوانات المعروفة عند العرب في مأكلها ومشربها وبيئة تكوينها فقد ذكره الامام علي علیه السلام في اكثر من موضع وفي اكثر من صورة واسم بحسب السياق وأثره في اختيار هذه اللفظة دون غيرها.

وقبل الولوج في ذكر هذا الحيوان في نهج البلاغة لا بد لنا من أن نفرّق بين

ص: 85


1- كتاب صناجة الطرب في تقدمات العرب: نوفل الطرابلسي: 282

الألفاظ أو الأسماء الدالة على هذا الحيوان، فتارة نطلق عليه تسمية (الإِبِل) وتارة (البعير) وتارة (الجمل) فما الفرق في التسميات؟ لو تتبعنا هذه الألفاظ الثلاثة في المعاجم اللغوية وليكن (لسان العرب) مثلاً فلسوف نجد ابن منظور (ت711ه) يذكر أنّ لفظة (الإبل) تعني الجمع الذي لا واحد من لفظه يقول: (الإِبِلُ والإِبْلُ الأَخيرة عن كراع معروف لا واحد له من لفظه قال الجوهري: وهي مؤَنثة لأَن أَسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إِذا كانت لغير الآدميين فالتأْنيث لها لازم وإِذا صغرتها دخلتها التاء فقلت أُبَيلة وغُنَيْمة ونحو ذلك قال وربما قالوا للإِبِل إِبْل يسكِّنون الباء للتخفيف... ويجمع الإِبل آبالٌ وتأَبَّل إِبِلاً اتخذها)(1) .

على حين تعني لفظة (الجمل) ذَكَرَ الإبلِ إذ يقول صاحب اللسان: (الجَمَل الذَّكَر من الإِبل قيل إِنما يكون جَمَلاً إِذا أَرْبَعَ وقيل إِذا أَجذع وقيل إِذا بزَل وقيل إِذا أَثْنَى... الليث الجَمَل يستحق هذا الاسم إِذا بَزَل وقال شمر البَكْر والبَكْرة بمنزلة الغلام والجارية والجَمَل والناقة بمنزلة الرجل والمرأَة)(2) كما تعني الحبال المجموعة كما ورد ذلك في القرآن الكريم إذ يقول: (وفي التنزيل العزيز «حتى يَلِج الجَمَل في سَمِّ الخِياط»(3) قال الفراء الجَمَل هو زوج الناقة وقد ذكر عن ابن عباس أَنه قرأَ الجُمَّل بتشديد الميم يعني الحِبَال المجموعة...

وقد حكي عن بعض القراء جُمَالات برفع الجيم فقد يكون من الشيء المجمل ويكون الجُمَالات جمعاً من جمع الجِمال كما قالوا الرَّخْل والرُّخال)(4) .

ص: 86


1- لسان العرب: (أبل): 11/ 3
2- لسان العرب: (جمل): 11/ 123
3- الأعراف: 40
4- لسان العرب: (جمل): 11/ 123

ونجد أنّ لفظة (البعير) تعني الجمل والناقة كما يقول: (الجَمَل البازِلُ وقيل الجَذَعُ وقد يكون للأُنثى حكي عن بعض العرب شربت من لبن بَعيري وصَرَعَتْني بَعيري أَي ناقتي والجمع أَبْعِرَةٌ في الجمع الأَقل وأَباعِرُ وأَباعيرُ وبُعْرانٌ وبِعْرانٌ قال ابن بري أَباعِرُ جمع أَبْعِرةٍ وأَبْعِرَةٌ جمع بَعير وأَباعِرُ جمع الجمع وليس جمعاً لبعير... والبعير من الإِبل بمنزلة الإِنسان من الناس يقال للجمل بَعيرٌ وللناقة بَعيرٌ قال وإنما يقال له بعير إِذا أَجذع يقال رأَيت بعيراً من بعيد ولا يبالي ذكراً كان أَو أُنثى)(1) .

لقد تكرر هذا الحيوان الأليف الذي واكب حياة العرب في حلهم وترحالهم في نهج البلاغة بلفظ (الإبل) عشر مرات فقد ذكر الإمام في موضعين الإبل واقترانها بلفظة الهيم(2) وفي موضع آخر وردت لفظة (الهيم) دون الإبل(3) ، ومعنى (هيم): (هامَت الناقةُ تِهَيم ذهَبَت على وجِهها لرَعْيٍ كهَمَتْ وقيل هو مقلوب عنه والهُيامُ كالجنون وفي التهذيب كالجنون من العشق ابن شميل الهُيامُ نحو الدُّوارِ جنونٌ يأْخذ البعيرَ حتى يَهْلِك يقال بعيرٌ مَهْيُومٌ والهَيمُ داءٌ يأْخذ الإبلَ في رؤوسها والهائمُ المتحيِّرُ وفي حديث عكرمة كان عليٌّ أَعْلَمَ بالمُهَيِّماتِ... وقال الفراء شُرْبَ الهِيم قال الهِيمُ الإِبلُ التي يُصيبها داءٌ فلا تَرْوَى من الماء واحدُها أَهْيَمُ والأُنثى هَيْماء)(4) .

فقد وظّف الإمام علیه السلام هذا المعنى في سياق معين على ما سنرى ذلك.

ص: 87


1- م. ن: (بعر): 4/ 71
2- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (87)/ 155، كلامه (107)/ 155، كلامه (229)/ 350
3- نهج البلاغة: الخطبة (87)/ 120
4- لسان العرب: (هيم): 12/ 626

يقول في خطبة له علیه السلام وفيها يصف اعداءهم بما فيهم من حيرة واضطراب بصفين حين طال منعهم له من قتال أهل الشام: «فَتَدَاكُّوا عَلَّی تَدَاكَّ الإبِلِ الْهيمِ يَوْمَ وِرْدِهَا وقَدْ أَرْسَلَهَا رَاعِيهَا وخُلِعَتْ مَثَانِيهَا حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُمْ قَاتِلیَّ أَوْ بَعْضُهُمْ قَاتِلُ بَعْضٍ لَدَيَّ»(1) لما كان السياق يشير إلى الذين تخاذلوا عن القتال، وعلى بيعته فقد جاء الإمام بوصف هؤلاء حال البيعة (بالإبل الهيم) تأكيداً على أنّهم وردوا عليه كحال الإبل العَطْشى واستعمل الفعل (تداكوا) بمعنى (دكّ بعضهم بعضا: أى دقّه بالضرب والدفع)(2) دلالة على هجوم الناس عليه كهجوم الإبل الشديدة العطش على الماء، فيحصل التضارب بينها فتكون الناس متحيرة ومضطربة في سيرها وقد رفعت المثاني عنها، والمثاني (جمع مثناة وهى الحبل يثنّى ويعقل به البعير)(3) وفي هذا دلالة على تغير الناس من حال إلى حال وإلى الشعور بضرورة بيعة الإمام آنذاك.

وفي سياق مختلف (في بعض أيام صفين) يقول الإمام علیه السلام: «ولَقَدْ شَفَى وَحَاوِحَ صَدْرِي أَنْ رَأَيْتُكُمْ بِأَخَرَةٍ تَخُوزُونَهُمْ كَمَ حَازُوكُمْ وتُزِيلُونَهُمْ عَنْ مَوَاقِفِهِمْ كَمَ أَزَالُوكُمْ حَسّاً بِالنِّصَالِ وشَجْراً بِالرِّمَاحِ تَرْكَبُ أُوْلاهُمْ أُخْرَاهُمْ كَالإبِلِ الْهِیمِ الَمطْرُودَةِ تُرْمَى عَنْ حِيَاضِهَا وتُذَادُ عَنْ مَوَارِدِهَا»(4) يكشف السياق عن أنّ أصحاب الإمام بعد انتكاستهم رجعوا الى ما كانوا عليه، وأصبح اعداؤهم كالإبل العطْشى التي ترد الماء فتضرب بالسهام وفيه دلالة على هزيمة اعدائهم بسبب الضرب بالسيوف والرماح.

ص: 88


1- نهج البلاغة: الخطبة (229)/ 350
2- شرح نهج البلاغة (ابن ميثم): 2/ 144
3- م. ن
4- نهج البلاغة: كلامه (107): 155

أمّا لفظة (الجمل) فقد تكررت خمس مرات بصيغة المفرد(1) ، ومرة بصيغة الجمع(2) وفي سياقات مختلفة منها دلالة السياق على التوبيخ يقول علیه السلام: «دَعَوْتُكُمْ إلِی نَصْرِ إخِوَانكِمْ فَجَرْجَرْتُمْ جَرْجَرَةَ الَجمَلِ الأسَّرِ وتَثَاقَلْتُمْ تَثَاقُلَ النضِّوِ الأدْبَرِ ثُمَّ خَرَجَ إلِیَّ مِنكُمْ جُنيَدٌ مُتذَائِبٌ ضَعيِفٌ كَأنَّما يُساقُونَ إلِی الموْتِ وهُمْ يَنْظُرُونَ»(3) ، و(الجرجرة: ترديد صوت البعير في ضجرته عند عسفه.

والسرّ: داء يأخذ البعير في سرّته يقال منه جمل أسرّ. والنضو من الإبل: البالى من تعب السير. والأدبر: الّذي به دبر وهى القروح في ظهره)(4) إذ ذكر الإمام في خطبته الجمل الأسر؛ لأنّه صعب القياد كذلك هم غير مطيعين لأوامره متثاقلين عن ذلك.

ونجد أنّ لفظة (البعير) مرة واحدة إذ يقول في خطبة الملاحم وتغيرأحوال الناس «ذَاكَ إِذَا عَضَّكُمُ الْبَلاءُ كَمَا يَعَضُّ الْقَتَبُ غَارِبَ الْبَعِيرِ مَا أَطْوَلَ هَذَا الْعَنَاءَ وأَبْعَدَ هَذَا الرَّجَاءَ»(5) ، والقتب: (خشبة توضع على الناقة لحل مشكلة سنامها الذي يؤذي ظهر الناقة)(6) وفي هذا النص تكون دلالة السياق للفظة (البعير) هو الشدّة والبلاء الذي سيصيبهم.

ووردت لفظة الإبل بمسميات متعددة وسياقات مختلفة في نهج البلاغة

ص: 89


1- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (39)/ 82، الخطبة (240)/ 358، الكتاب (63)/ 453، الكتاب (71)/ 462
2- ينظر: نهج البلاغة: الكتاب (10)/ 371
3- نهج البلاغة: الخطبة (39)/ 82
4- شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 2/ 100
5- نهج البلاغة: الخطبة (187)/ 277
6- نفحات الولاية: الشيرازي: 7/ 185

دلالة على مكانة هذا الحيوان عند العرب إلى جانب نفعه لهم؛ منها: الجزور (مرة واحدة)(1) ، والحانة (مرة واحدة)(2) ، والحقاق (مرة واحدة)(3) ، والسقب (مرة واحدة)(4) ، والضروس (ثلاث مرات)(5) ، والعجال (مرة واحدة)(6) ، والعوذ (مرة واحدة)(7) ، والفحول (مرة واحدة)(8) ، والفصيل (مرتان)(9) ، والفنيق (مرة واحدة)(10) ، واللبون (مرة واحدة)(11) .

واللقاح (مرة واحدة)(12) ، والمطافيل (مرة واحدة)(13) ، والناب (مرة واحدة)(14) ، والناقة (مرتان)(15) .

ص: 90


1- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (93)/ 138
2- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (115)/ 171
3- ينظر: نهج البلاغة: غريب كلامه (4)/ 518
4- ينظر: نهج البلاغة: الكتاب (402)/ 547
5- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (93)/ 138، الخطبة (138)/ 196، الكتاب (209)/ 506
6- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (52)/ 89
7- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (137)/ 195
8- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (91)/ 131
9- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (192)/ 300، الكتاب (25)/ 381
10- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (108)/ 157
11- ينظر: نهج البلاغة: الكتاب (1)/ 469
12- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (121)/ 177
13- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (137)/ 195
14- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (93)/ 138
15- ينظر: نهج البلاغة: كلامه (201)/ 319، الكتاب (25)/ 381
2- الخَيْل والحَمِير وما يتصل بها

لا تقل الخيل من أهمية عن الإبل عند العرب، فقد عرف عن هذا الحيوان صفات جعلته قريباً من الإنسان، كما عُدّت الخيل من أشرف أموال العرب (قيل لبعض الحكماء: أي المال أشرف؟ قال: فرس يتبعها فرس في بطنها فرس)(1) ومما يتعلق بتسمية الخيل فقد نهج العرب منهجاً هو نفسه في تسمية ابنائهم كمثل: التسمية الدالة على التفاؤل أو الترهيب للأعداء أو ما كان دالًّا على الغلظة والخشونة ويتعلق ذلك بالسياق غير اللغوي (الاجتماعي- الثقافي- النفسي) المرتبط بهذه الظاهرة اللغوية من التسميات(2) .

يرد ذكر الخيل في المعجم العربي من: (خالَ الشيءَ يَخالُ خَيْلاً وخِيلة وخَيْلة وخالاً وخِيَلاً وخَيَلاناً ومَخالة ومَخيلة وخَيْلُولة ظَنَّه وفي المثل من يَسْمَعْ يَخَلْ أَي يظن وهو من باب ظننت وأَخواتها التي تدخل على الابتداء والخبر...

والخَيْل الفُرْسان وفي المحكم جماعة الأَفراس لا واحد له من لفظه)(3) أمّا الفرس (واحد الخيل والجمع أَفراس الذكر والأُنثى في ذلك سواء ولا يقال للأُنثى فيه فَرَسة)(4) .

وقد تكررت لفظة الخَيْل في نهج البلاغة احدى عشرة مرة(5) ؛ يقول علیه السلام لما

ص: 91


1- حياة الحيوان الكبرى: 2/ 184
2- ينظر: أسماء الخيل عند ابن الكلبي (بحث): د. نصر الدين صالح: 201- 202، مجلة علوم اللغة المجلد الاول العدد الاول1998
3- لسان العرب: (خيل): 11/ 226
4- م. ن: (فرس) 6/ 159
5- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (10)/ 54، الخطبة (16)/ 57، الخطبة (27)/ 69، الخطبة (124)/ 181كلامه (128)/ 185، الخطبة (192)/ 287، الكتاب (43)/ 415

بويع في المدينة وفيها يخبر الناس بعلمه بما تؤول إليه أحوالهم «أَلَا وَإِنَّ الَخطَايَا خَيْلٌ شُمُسٌ حُملِ عَلَيْهَا أَهْلُهَا- وخُلِعَتْ لُجمُهَا فَتَقَحَّمَتْ بِهمِ فِ النَّارِ- أَلَا وإِنَّ التَّقْوَى مَطَايَاذُلُلٌ حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا- وأُعْطُوا أَزِمَّتَهَا فَأَوْرَدَتْهُمُ الَّجنَّة»(1) .

ففي النص تصوير دقيق لمن يرتكب الذنوب فهو مثل راكب الخيل الجامحة التي خلعت اللجام وأودت بصاحبها النار ويشير السياق إلى ذكر الخيل هنا هو من الخيال والخيلاء المُؤدي بصاحبها إلى الغرور؛ لأن الذي يركب الخيل الجموح لا ينظر لعواقب الأمور، وما ستؤول إليه بينما التقوى تكون للذي يركب المطايا الذلل والمطيّة (المَطْوُ الجِدُّ والنَّجاء في السير)(2) ، وقيل هي: (الناقة التي يُرْكب مَطاها والمَطِيَّةُ البعير يُمْتَطى ظهره وجمعه المَطايا يقع على الذكر والأُنثى)(3) ، فيشير السياق لذكر المطيّة هنا بمعنى الجد في السير مع النجاء فيكون الطريق الى الجنة.

وقد وردت لفظة الفَرَس مرة واحدة في قوله علیه السلام في كتاب وجهه إلى عماله على الخراج جاء فيه: «ولا تَمَسُّنَّ مَالَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ مُصَلٍّ ولا مُعَاهَدٍ إِلا أَنْ تَجِدُوا فَرَساً أَوْ سِلاحاً يُعْدَى بِهِ عَلَی أَهْلِ الإسْلامِ»(4) يشير السياق الى جملة أوامر ونواهٍ منها عدم المساس بمال غيره والتعدي عليه والتحذير من ترك من يجد عندهم الفرس أو السلاح وتكشف هنا دلالة السياق بذكر الفرس عن إنّه ورد كأداة من أدوات الحرب؛ قدّمه الإمام علیه السلام على السلاح؛ لأنه أراد بذلك الكشف عن الذين يريدون الاعتداء على أهل الإسلام.

ص: 92


1- نهج البلاغة: الخطبة (16)/ 57
2- لسان العرب: (مطا) 15/ 284
3- م. ن
4- نهج البلاغة: الكتاب (51)/ 425

كما وردت لفظة (الفلو)، وهو (المهر الصغير وقيل هو العظيم من أَولاد ذات الحافر)(1) مرة واحدة(2) .

أمّا لفظة (الحَمِير) فقد ورد بصيغة المفرد مرة واحدة(3) ، ووردت لفظة (الأتان) وهي (أنثى الحمار)(4) مرة واحدة أيضاً.

يقول علیه السلام في كتاب له إلى عثمان بن حُنيف الأنصاري عامله إلى البصرة وقد دُعي إلى وليمة مضى إليها وفيه يشير إلى جملة الصفات التي تحلّی بها الإمام: «ولا حُزْتُ مِنْ أَرْضِهَا شِبْراً ولا أَخَذْتُ مِنْهُ إلِا كَقُوتِ أَتَانٍ دَبرِةٍ»(5) ، وأتان دبرة (هي التي عقر ظهرها فقل أكلها)(6) ، وهنا إشارة السياق إلى الزهد في الدنيا ودلالة على قلة طعامه وما ينبغي له أن يكون إمام الناس من صفات الزهد فيواسيهم بقلة طعامه وطلبه الدنيا.

3- الثَّور والغَنَم والماعِز وما يتصل بها

وردت لفظة الثَّور في النهج مرة واحدة وقد ذكر ابن فارس (ت395ه) بأنّ: (الثاء والواو والراء أصْلانِ قد يمكن الجمعُ بينهما بأدنَى نظَرٍ. فالأوّل انبعاثُ الشيء، والثاني جنسٌ من الحيوان)(7) وكذلك: (الذكر من البقر

ص: 93


1- لسان العرب: (فلا): 15/ 161
2- نهج البلاغة: الكتاب (465)/ 557
3- نهج البلاغة: الخطبة (160)/ 228
4- لسان العرب (أتن): 13/ 6
5- نهج البلاغة: الكتاب (45)/ 417
6- شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 16/ 207
7- معجم مقاييس اللغة: (ثور): 1/ 395

والقِطعةُ من الأقِط وبرجٌ من بروج السماء وبه سمِّي السيد)(1) .

قال الإمام علیه السلام حينما نفذ عبد الله بن عباس إلى الزبير يستفيؤه إلى طاعته قبل حرب الجمل: «لا تَلْقَيَنَّ طَلْحَةَ فَإِنَّكَ إِنْ تَلْقَهُ تَجِدْهُ كَالثَّوْرِ عَاقِصاً قَرْنَهُ يَرْكَبُ الصَّعْبَ ويَقُولُ هُوَ الذَّلُولُ»(2) ، العقص هو: (التواءُ القَرْن على الأُذُنين إِلى المؤخّر وانعطافُه)(3) ، فالسياق سياق تحذير للزبير من لقاء طلحة بن عبد الله وجاء التحذير بتصوير طلحة كالثور الذي عقص قرنه دلالة على (طغيانه وسوء خلقه، أو عدم سماعه للحق بفعل طاعته لهوى نفسه)(4) كذلك يمكن أن يعطي دلالة أخرى هو السير على خلاف ما يريد الإمام والانحراف عن طريقه فهو يركب الصعب ويقول هو الذلول وهذا هو دليل استهانته بصعاب الأمور ولا سيّما أمور الحرب وغيرها.

أمّا لفظة (الغَنَم) فقد وردت مرتين في نهج البلاغة، يذكر الأزهري (ت370ه) الغنم بمعنيين الأول: (الشَّاءُ تقولُ: هذه غنَمٌ لفظ للجماعة، فإذا أفْرَدْتَ الواحدة، قلتَ شاةٌ)(5) .

الثاني: (الغنم: الفوز بالشيء من غير مشقّة، والإغتنامُ: إنتهاز الغُنم، يقال: اغتنم الفُرصة وانتَهزها بمعنى واحد)(6) .

«فَمَا رَاعَنِي إلا والنَّاسُ كَعُرْفِ الضَّبُعِ إِلَّی يَنْثَالُونَ عَلَیَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ...

ص: 94


1- كتاب العين: (ثار): 8/ 232
2- نهج البلاغة: كلامه (31)/ 74
3- لسان العرب: (عقص): 7/ 55
4- نفحات الولاية: 2/ 158
5- تهذيب اللغة: (غنم): 8/ 149
6- تهذيب اللغة: (غنم): 8/ 149

مْجْتَمِعِينَ حَوْلِ كَرَبيِضَةِ الْغَنمَ فَلَمَّا نَهَضْتُ باِلأمْرِ نَكَثَتْ طَائفِةٌ ومَرَقَتْ أُخْرَى وقَسَطَ آخَرُونَ»(1) ، والربيضة أو الربيض: (الْجمَاعَة من الْغنم الضَّأْن والمعز فِيهِ وَاحِد يُقَال: هَذَا ربيض بني فلَان أَي جمَاعَة غَنمهمْ)(2) إذ أخذوا بزمام الأمور لمبايعة الإمام فشبههم الإمام علیه السلام بجماعة الأغنام وقد ذهب القطب الراوندي إلى أنّ المراد (وصف بلادتهم ونقصان عقولهم- لأن الغنم توصف بقلة الفطنة)(3) في حين رفض ابن أبي الحديد ذلك وذكر بأنّ (هذا التفسير بعيد وغير مناسب للحال)(4) ويبدو أنّ سياق النص يدلُّ على أمرين:

الأول: كثرة عدد من بايع الإمام؛ مقارنة بنهوضه بالأمر وتشتت الناس من حوله بنكث أو إمراق.

الثاني: أنّ مبايعة بعض الناس للإمام لم تكن صادقة أوعلى قناعة تامة، وإنّما هو إسقاط فرض كما يقال على الرغم من معرفتهم بشخص الإمام؛ لأنّ ربيضة الغنم سرعان ما تتفرق، وكذلك هؤلاء سرعان ما تفرّقوا وتشتتوا.

ووردت لفظة الماعز مرة واحدة، والماعز هو: (ذو الشَّعَر من الغنم خلاف الضأْن وهو اسم جنس وهي العَنْزُ والأُنثى ماعِزَةٌ ومِعْزاة والجمع مَعْزٌ ومَعَزٌ ومَواعِزُ ومَعِيزٌ مثل الضَّئِين ومِعازٌ قال القطامي:

فَصَلَّيْنا بهم وسَعَى سِوانا إِلى النعمٍ المُسَيَّبِ والمِعازِ(5) وكذلك أُمْعُوزٌ

ص: 95


1- نهج البلاغة: الخطبة (3)/ 49
2- جمهرة اللغة: ابن دريد: (ربض): 1/ 314
3- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (الراوندى)1/ 130
4- شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد)1/ 201
5- ديوان القطامي: 177

ومِعْزَى)(1) .

وقد وردت لفظة الماعز في نهج البلاغة في سياق الزجر إذ يقول في كلام له للبرج بن مسهر الطائي وقد قال له بحيث يسمعه (لا حكم إلا للّه)، وكان من الخوارج.

فقال له الإمام علیه السلام: «اسْكُتْ قَبحَكَ الله يَا أثْرَمُ فَوَالله لقَدْ ظهَرَ الَحقُّ فَكُنتْ فِيهِ ضَئِيلاً شَخْصُكَ خَفِيّاً صَوْتُكَ حَتَّى إِذَا نَعَرَ الْبَاطِلُ نَجَمْتَ نُجُومَ قَرْنِ الَماعِزِ»(2) ، ونجوم قرن الماعز أي الظهور بسرعة دلالة على استهانة الإمام به لأنه كان متخفياً حتّى نعر الباطل أي صاح وانتشر قال ابن منظور: (والنَّعْرَةُ صوتٌ في الخَيْشُوم... والنَّعِيرُ الصِّياحُ والنَّعِيرُ الصُّراخُ في حَرْب أَو شَّر)(3) . وأمّا لفظة (المعزى) فقد وردت ثلاث مرات، ظهرت بسياقات مختلفة منها قول الإمام علیه السلام يصف أصحاب الرسول صلی الله علیه و آله في طول سجودهم: «لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله فَمَا أَرَى أَحَداً يُشْبِهُهُمْ مِنْكُمْ لَقَدْ كَانُوا يُصْبِحُونَ شُعْثاً غُبْراً وقَدْ بَاتُوا سُجَّداً وقِيَاماً يُرَاوِحُونَ بَيْنَ جِبَاهِهِمْ وخُدُودِهِمْ ويَقِفُونَ عَلَی مِثْلِ الَجمْرِ مِنْ ذِكْرِ مَعَادِهِمْ كَأَنَّ بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ رُكَبَ الِمعْزَى مِنْ طُولِ سُجُودِهِمْ»(4) .

وهذا دليل بيّن وواضح لطول السجود كما يذكره الإمام أنّ المنطقة بين أعينهم أصبحت كركب الماعز؛ وذلك لانّ حركتهم دائمة يقول ابن أبي

ص: 96


1- لسان العرب: (معز): 5/ 410
2- نهج البلاغة: الخطبة (184)/ 268
3- لسان العرب: (نعر): 5/ 220
4- نهج البلاغة: الخطبة (97)/ 143

الحديد: (يراوحون بين جباههم وخدودهم- تارة يسجدون على الجباه- وتارة يضعون خدودهم على الأرض بعد الصلاة- تذللا وخضوعا- والمراوحة بين العمل- أن يعمل هذا مرة وهذا مرة- ويراوح بين رجليه- إذا قام على هذه تارة وعلى هذه أخرى-)(1) ، وكذلك ركب الماعز حركة دائمة ومن الدلالة أيضاً هو ظهور آثار سجودهم بين أعينهم كركب المعزى في دلالة اللون على ذلك.

ولمّا كان الماعز وهو اسم جنس ذوات الشعر من الغنم خلاف الضأن من ذوات الصوف، فإنّ التيس هو الذكر(2) ، والعنز الأنثى قال الفراهيدي ت(175ه):

(العَنْزُ: الأُنثى من المَعَز ومن الأوعال والظِّباء. والعَنْزُ: ضربٌ من السَّمَكِ يُقَالُ له: عَنْزُ الماءِ. والعَنَزَةُ كهيئة عصا في طرفها الأعلى زُجٌّ يَتَوَكَّأُ عليها الشيخ. وضَرْبٌ من الطَّير يقال له: عَنْزُ الماء)(3) .

وردت لفظة العنز في نهج البلاغة مرتين، فمرة وردت في سياق الزهد والإستهانة بالدنيا وتركها يقول علیه السلام: «ولَالَفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ»(4) ، ومرة في تحديد وقت الصلاة(5) ، ومن كتاب له علیه السلام إلى أمراء البلاد: «أَمَّا بَعْدُ فَصَلُّوا بِالنَّاسِ الظُّهْرَ حَتَّى تَفِيءَ الشَّمْسُ مِنْ مَرْبِضِ الْعَنْزِ

ص: 97


1- شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 7/ 77
2- قال ابن منظور: (التَّيْسُ الذكر من المَعَزِ): لسان العرب: (تيس): 6/ 33
3- كتاب العين: (عنز): 1/ 356
4- نهج البلاغة: الخطبة (3)/ 50
5- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 17/ 22- 23، شرح نهج البلاغة (الموسوي) 4/ 512

وصَلُّوا بِهِمُ الْعَصْرَ والشَّمْسُ بَيْضَاءُ حَيَّةٌ فِ عُضْوٍ مِنَ النَّهَارِ»(1) .

ومن خطبة له علیه السلام في الاستسقاء ترد لفظة (الآنة) بمعنى الشاة: «اللهُمَّ فَارْحَمْ أَنِينَ الآنَّةِ وحَنِينَ الَحانَّةِ اللهُمَّ فَارْحَمْ حَيْرَتَهَا فِی مَذَاهِبِهَا وأَنِينَهَا فِی مَوَالِجهَا»(2) .

من عادة العرب الاستسقاء بذكر حيواناتهم وقد ابتدأ الإمام خطبته بذلك؛ إلى أن قال: «اللهم أرحم أنين الآنة وحنين الحانة» قال الجوهري (ت393ه): (وماله حانَّةٌ ولا آنَّةٌ، أي ناقة ولا شاة)(3) ، فدلالة السياق على الدعاء لطلب الاستسقاء ولذا فقول الإمام: «أنين الآنة وحنين الحانَّة» دلالة على شدة جدب الأرض وقلة الماء؛ يقول ابن أبي الحديد: (وأصل الأنين صوت المريض- وشكواه من الوصب- يقال أن يئن أنينا وأنانا وتأنانا... وإنما ابتدأ علیه السلام بذكر الأنعام- وما أصابها من الجدب- اقتفاء بسنة رسول الله صلی الله علیه و آله ولعادة العرب)(4) .

4- وهنالك من الحيوانات الأليفة الدّالة على أسماء المجاميع منها لا المفرد وهي: الأنعام(5) (ست مرات)(6) ، والبَهَائِم (احدى عشرة مرة)(7) ،

ص: 98


1- نهج البلاغة: الكتاب (52)/ 426
2- نهج البلاغة: الخطبة (115)/ 171
3- الصحاح: الجوهري: (أنن): 1/ 25
4- شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 7/ 265
5- سيتم الإشارة لهذه اللفظة مع (الحمام) و (الصخور)
6- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (1)/ 45، الخطبة (91)/ 124، الخطبة (108)/ 156، كلامه (171)/ 245، الكتاب (147)/ 497
7- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (13)/ 55، الخطبة (143)/ 199، الخطبة (153)/ 215، الخطبة (160)/ 227، الخطبة (167)/ 242، الخطبة (186)/ 275، الكتاب (31)/ 404، الكتاب (25)/ 381، الكتاب (45)/ 418، الكتاب (414)/ 548

والدَّواب (مرتان)(1) ، والمطيّة (خمس مرات)(2) ، والمَطَايا (خمس مرات)(3) أيضاً.

ينظر جدول إحصائي (2) للوحدات الدلالية للحيوان الأليف في نهج البلاغة- صفحة 296.

***

ص: 99


1- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (115)/ 171، الكتاب (51)/ 425
2- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (76)/ 103، الخطبة (198)/ 316، الكتاب (31)/ 401، الكتاب (371)/ 541
3- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (16)/ 57، الخطبة (158)/ 224، الخطبة (223)/ 346، الكتاب (31)/ 401

ص: 100

المبحث الثالث الطِّيُور والحَشرات

أ- الطِّيُور

لم تكن عناية العرب بالطير كعنايتهم بباقي حيواناتهم، على الرغم من كثرة وروده في أدبهم ولعل الأمر يرجع إلى صعوبة نواله كباقي الحيوانات كونه يتميز بالسرعة أو بسبب بعده عنهم(1)؛ ولكن نلحظ في نهج البلاغة ذكر هذا المخلوق مع تعدد مسمیاته الأمر الذی یستدعی تقسیمه إلی قسمین وبحسب ما ورد له تقسیمات فی المصادر الأخری:

1- الطَّيُور الجَارحة
أ- الأنُوق

وهو من الطِّيور الجارحة (على فَعولٍ: طائرٌ، وهو الرَخَمَةُ. وفي المثل: أعزُّ من بَيضِ الأَنوقِ لأنها تُحرِزه فلا يكاد يُظْفَرُ به، لأنَّ أوكارها في رءوس الجبال والأماكن الصعبة البعيدة)(2) .

ص: 101


1- ينظر: الطير ودلالته: د. كامل الجبوري: 11
2- الصحاح: (أنق): 1/ 25

وردت هذه اللفظة في نهج البلاغة مرة واحدة؛ قال مخاطباّ معاوية:

«وتَرَقَّيْتَ إِلَی مَرْقَبَةٍ بَعِيدَةِ الٌمَرامِ نَازِحَةِ الأعْلامِ تَقْصُرُ دُونَهَا الأنُوقُ ويُحاذَى بِهَا الْعَيُّوقُ»(1) ، وللأنوق صفة ميزته من باقي الطيور كون وكر بيضه في رؤوس الجبال والأماكن البعيدة(2) ، والعَيُّوق: (كوكب أَحمر مُضِیءٌ بحيال الثريّا، إذا طلع عُلم أن الثريا قد طلعت)(3) ، لذا فقد قصد به الإمام علیه السلام هو عدم نوال ما يتمنى؛ يقول ابن أبي الحديد: (هذه أمثال ضربها في بعد معاوية عن الخلافة)(4) ، وفي هذا السياق دلالة على الارتفاع والعلو دون حصول المرام.

ب- العُقَاب

(طائِرٌ، تُؤنِّثُها العَرَبُ إذا رأتْه لأنَّها لا تُعَرفُ إناثُها من ذُكُورِها، فإذا عُرِفَتْ قيلَ: عُقابٌ ذَكَر. ومثله العَقْربُ ويُجْمَعُ على عِقبانٍ وثلاثِ أعْقُبٍ والعُقابُ: العَلَمُ الضَّخْمُ تشبيهاً بالعُقابِ الطائر...)(5) ، وهو (طائر من كواسر الطير قوي المخالب مسرول له منقار قصير أعقف حاد البصر وفي المثل «أبصر من عقاب» «لفظه مؤنث للذكر والأنثى» جمعه أعقب وعقبان)(6) .

وهو من جنس الطيور الجارحة ورد ذكره في نهج البلاغة مرة واحدة في سياق خلق أصناف مختلفة من الطيور إذ يقول علیه السلام: «ويُعْطِي لَهُ الْقِيَادَ رَهْبَةً وخَوْفاً فَالطَّيْرُ مُسَخَّرَةٌ لأَمْرِهِ أَحْصَی عَدَدَ الرِّيشِ مِنْهَا والنَّفَسِ وأَرْسَى

ص: 102


1- نهج البلاغة: الكتاب (65)/ 456
2- من الأمثال السائرة: (كلَّفتني بيض الأنوق): تهذيب اللغة: 1/ 3
3- تهذيب اللغة: (عاق): 3/ 26
4- شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 18/ 27
5- كتاب العين: (عقب): 1/ 181
6- المعجم الوسيط: 2/ 132

قَوَائِمَهَا عَلَی النَّدَى والْيَبَسِ وقَدَّرَ أَقْوَاتَهَا وأَحْصَی أَجْنَاسَهَا فَهَذَا غُرَابٌ وهَذَا عُقَابٌ وهَذَا حَمَامٌ وهَذَا نَعَامٌ دَعَا كُلَّ طَائِرٍ بِاسْمِهِ»(1) .

ينظر جدول إحصائي (3) للوحدات الدلالية للطيور الجارحة في نهج البلاغة- صفحة297.

2- الطيور غير الجارحة
أ- الحَمَامة

من الطيور غير الجارحة، ذكره ابن سيده (ت458ه) في (المحكم والمحيط الاعظم) بقوله: (الحَمَامُ من الطير: البري الذي لا يألفُ البيُوتَ.

وقيل هو كل ما كان ذا طوق كالقُمْرِي والفاخِتَة واشباههما، واحدته حَمامةٌ، وهي تقع على المذكر والمؤنث، كالحيَّةِ والنعامة ونحوهما. والجمع حمائمُ ولا يقال للذكر حمامٌ)(2) .

وردت هذه اللفظة في نهج البلاغة ثلاث مرات(3) في سياقات مختلفة؛ منها:

دلالة السياق على (شدة الحنين والشوق) يقول الإمام علیه السلام: «وَفَرَضَ عَلَيْكُمْ حَجَّ بَيْتِهِ الَحرَامِ الَّذِي جَعَلَهُ قِبْلَةً لِلأنَامِ يَرِدُونَهُ وُرُودَ الأنْعَامِ ويَأْلَهونَ إِلَيْهِ وُلُوهَ الَحمَامِ»(4) يذكر الجاحظ ت (255ه) إنّ من كرم الحمام (الإلف

ص: 103


1- نهج البلاغة: الخطبة (185)/ 272
2- المحكم والمحيط الاعظم: ابن سيده: 1/ 401
3- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (1)/ 45، الخطبة (52)/ 89، الخطبة (185)/ 272
4- نهج البلاغة: الخطبة (1)/ 45

والأنْس والنِّزاعُ والشّوق وذلك يَدُلُّ على ثبات العهد، وحفْظِ ما ينبغي أن يُحفَظ، وصوْنِ ما ينبغي أن يصان وإنه لخلق صِدْق في بني آدم فكيفَ إذا كان ذلك الخلقُ في بعض الطير)(1) ثم يذكر شدة شوق الحمام لوطنه والرجوع إليه متى ما وجد الخلاص لذلك(2) ، وفي النص دلالة واضحة على شوق الحجاج وحنينهم للبيت المعمور، والوله: (الحزن وقيل هو ذهاب العقل والتحير من شدّة الوجد أَو الحزن أَو الخوف)(3) فشدة الشوق أصبح ممزوجاً بالحزن والبكاء في التضرع لله (عزّ وجلّ).

ومنها دلالة السياق على (الحث على الطاعة والتنبيه من العقاب) يقول علیه السلام: «فَوَالله لَوْ حَنَنْتُمْ حَنِينَ الْوُلَّهِ الْعِجَالِ ودَعَوْتُمْ بِهَدِيلِ الَحمَامِ... فِی ارْتفِاعِ دَرَجَةٍ عِنْدَهُ أَوْ غُفْرَانِ سَيِّئَةٍ أَحْصَتْهَا كُتُبُهُ وحَفِظَتْهَا رُسُلُهُ لَكَانَ قَلِيلاً فِيمَا أَرْجُو لَكُمْ مِنْ ثَوَابِهِ وأَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ عِقَابِهِ»(4) .

والدعاء بهديل الحمام دلالة على النوح والبكاء(5) ، فيوجّه الإمام علیه السلام خطابه بالإرشاد والنصح أنّه لا ينفعكم شدّة الحنين والوله إلى الله والدعاء المستمرّ والتضرّع إلا إذا عملتم على طاعة الله بإخلاص واجتنبتم نواهيه.

ص: 104


1- الحيوان: 1/ 239
2- ينظر: م. ن
3- لسان العرب: (وله): 13/ 561
4- نهج البلاغة: الخطبة (52)/ 89
5- جاء في تهذيب اللغة: 2/ 304 (يَزعُم الأعراب في الَهدِيل أنّه فَرْحٌ كان على عَهْد نُوحٍ فمات ضَيْعةً وعَطشا، قال: فيقولون: ليس من حَمامةٍ إلاّ وهي تَبْكي عليه)
ب- الخُفَّاش

(الخفَشُ ضعف في البصر وضيق في العين وقيل صغرٌ في العين خلقةً وقيل هو فساد في جفن العين... والخُفَّاشُ طائرٌ يطير بالليل مشتق من ذلك لأَنه يَشُقُّ عليه ضوء النهار والخُفَّاشُ واحدُ الخَفافِيش التي تطير بالليل)(1) .

وردت هذه اللفظة في نهج البلاغة مرة واحدة في خطبة يذكر بها الإمام بديع خلق الله- سبحانه وتعالى- للخفاش.

وللخطبة مقاصد أوضحها ابن ميثم في شرحه(2) ، وما يهم هو بيان العلة من ذكر هذا الطائر والإنفراد بوصف عجيب له في النهج فكما تشير دلالة السياق إختلاف هذا الطائر عن بقية الطيور الأخرى في طلب أرزاقها يقول الإمام علیه السلام: «فَهِيَ مُسْدَلَةُ الُجفُونِ بِالنَّهَارِ عَلَی حِدَاقِهَا وجَاعِلَةُ اللَّيْلِ سِرَاجاً تَسْتَدِلُّ بِهِ فِی الْتِمَاسِ أَرْزَاقِهَا»(3) . فضلاً عن الإشارة إلى حمد الله والثناء عليه والدعوة إلى التفكّر والتدبّر، ويبدو أنّ هذا كان قصد الإمام علیه السلام في سياق الخطبة، إذ إنّه ابتدأ خطبته بحمد الله والثناء عليه وختمها بالتعظيم له سبحانه حيث يقول علیه السلام: «فَسُبْحَانَ الْبَارِئِ لِكُلِّ شَیْءٍ عَلَی غَيْرِ مِثَالٍ خَلا مِنْ غَيْرِهِ»(4) .

ت- الدِّيك الديك: (ذكر الدجاج وجمعه ديوك وديكة، وتصغيره دويك، وكنيته

ص: 105


1- لسان العرب: (خفش): 6/ 289
2- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن ميثم): 3/ 254- 257
3- نهج البلاغة: الخطبة (155)/ 217
4- م. ن/ 218

أبو حسان، وأبو حماد وأبو سليمان... وأبو نبهان وأبو يقظان... الذي يرتفع من ريش الطائر في عنقه، وينفشه الديك للقتال، وقيل: إن للديك خاصة.

ويسمى الأنيس والمؤانس، ومن شأنه أنه لا يحنو على ولده)(1) .

وردت لفظة (الديك) مرتين بصيغة الجمع(2) في نهج البلاغة في خطبة (الطاووس) لمّا وصف الإمام علیه السلام الطاووس وصفاً دقيقاً ذكر أنّ هذا الكائن على الرغم من جماله الآخاذ ففيه عيب جلي وظاهر ألا وهو أرجله فقد شببها بأرجل الديكة الخِلاسية(3) الحُمْش(4) يقول علیه السلام: «فَإِذَا رَمَى بِبَصِرهِ إلَی قَوَائمِهِ زَقَا مُعْوِلا بِصَوْتٍ يَكَادُ يُبيِنُ عَنِ اسْتغِااثَتهِ ويَشْهَدُ بصِادِقِ تَوَجُّعِهِ لأنَّ قَوَائمِهُ حُمشٌ كَقَوَائِمِ الدِّيَكَةِ الِخلاسِيَّةِ»(5) ، لذا فدلالة السياق على ترك التكبر والزهو والعجب بالنفس وأنّ الكمال لله وحده- سبحانه وتعالى-.

ث- الشكِيْر

(ما ينبت في أَصل الشجرة من الورق وليس بالكبار والشَّكيرُ من الفَرْخِ الزَّغَبُ)(6) .

ص: 106


1- حياة الحيوان الكبرى: 1/ 348
2- نهج البلاغة: الخطبة (165)/ 237
3- الخلاسية: (هي المتولدة من الدجاج الهندي والفارسي-. يقول ع إن الطاووس يزهى بنفسه- ويتيه إذا نظر في أعطافه ورأى ألوانه المختلفة- فإذا نظر إلى ساقيه وجم لذلك وانكسر نشاطه وزهوه- فصاح صياح العويل لحزنه- وذلك لدقة ساقيه ونتوء عرقوبيه): شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 9/ 273
4- الحَمْشُ: (الدَّقيقُ القوائِمِ) كتاب العين: (حمش): 3/ 100
5- نهج البلاغة: الخطبة (165)/ 237
6- لسان العرب: (شكر): 4/ 424

ورد ذكره في نهجة البلاغة مرة واحدة قال الإمام علیه السلام لبَعض مُخَاطبِيه وقَدْ تَكَلَّم بِكَلمة يستصغر مثْلُه عن قَول مثلهَ: «لَقَد طِرْتَ شَكِيراً وهَدَرْتَ سَقْباً»(1) هنالك التفاتة لطيفة لمحمد تقي التستري صاحب (بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة) في قول الرضي: (والشكير هاهنا أول ما ينبت من ريش الطائر قبل أن يقوى ويستحصف)(2) يقول (إنّما قال المصنف «والشكير هاهنا» أي: في كلامه علیه السلام لأنّه يأتي الشكير بمعنى آخر كما في قول الشاعر:

و من عضة ما ينبتن شكيرها(3) بمعنى ما ينبت حول الشجرة من أصلها)(4) ، ودلالة السياق هنا على استصغار الإمام لكلام بعض مخاطبيه لكونه قد تكلم بأمر لا يحسن تدبيره (ووصف الطيران والهدير له باعتبار نهوضه إلى ذلك الكلام الّذي هو فوق محلّه وليس أهلا له كما أنّ الطيران ليس من شأن الشكير، ولا الهدير من شأن السقب)(5) .

ج- الطَّاووس

قال ابن فارس في معجمه: (الطاء والواو والسين ليس بأصل، إنّما فيه الذي يقال له الطَّاوُوس. ثم يشتقّ منه فيقال للشَّء الحسن: مُطوَّس. وحُكيَ عن الأصمعيّ: تطوَّست المرأةُ: تزينَت. وذكر في الباب أيضاً أنَّ الطَّوْس:

ص: 107


1- نهج البلاغة: الكتاب (402)/ 547
2- م. ن
3- الأمثال: ابن سلام: 1/ 25
4- بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة: 14/ 617
5- شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 5/ 439

تغطيةُ الشّیء)(1) .

فالطاووس كان ومازال من الطيور الجميلة، الآخاذة للنظر، المبهرة، وتكمن جماليته في أوصاف ذكرها الإمام علیه السلام ضمن خطبة وردت باسمه، وتكرر ذكر هذا الطائر في النهج مرتين؛ مرة كعنوان للخطبة ومرة ضمن سياق الخطبة نفسها، يقول في خطبة عجيب خلقة الطاووس: «وَمِنْ أَعْجَبهِا خَلْقاً الطَّاوُوسُ الَّذِي أَقَامَهُ فِی أَحْكَمِ تَعْدِيلٍ ونَضَّدَ أَلْوَانَهُ فِی أَحْسَنِ تَنْضِيدٍ بِجَنَاحٍ أَشْرَجَ قَصَبَهُ وذَنَبٍ أَطَالَ مَسْحَبَهُ إِذَا دَرَجَ إِلَ الأنْثَى نَشَرَهُ مِنْ طَيِّهِ وسَمَا بهِ مُطلِاً عَلَی رَأْسِهِ كَأَنَّهُ قِلْعُ دَارِيٍّ عَنَجَهُ نُوتيِّهُ»(2) ، ولذا فدلالة السياق تشير إلى إثبات قدرة الله وحكمته ودلائل خلقه المفضي إلى خلق هذا الطائر العجيب، ثم ينتقل بالأذهان إلى ذكر الجنان إذ يقول: «فَلَوْ رَمَيْتَ ببِصَرِ قَلْبِكَ نَحْوَ مَا يُوصَفُ لَكَ مِنْهَا لَعَزَفَتْ نَفْسُكَ عَنْ بَدَائِعِ مَا أُخْرِجَ إِلَی الدُّنْيَا مِنْ شَهَوَاتِها ولَذَّاتِهَا وزَخَارِفِ مَنَاظِرِهَا ولَذَهِلَتْ بِالْفِكْرِ فِی اصْطِفَاقِ أَشْجَارٍ غُيِّبَتْ عُرُوقُهَا فِی كُثْبَانِ الْمِسْكِ عَلَی سَوَاحِلِ أَنْهَارِهَا»(3) ، وهنا تنكشف الدلالة من الخطبة التي حوت بين طياتها مقاصد شتى كان هدفها الرئيس الإنسان لا الطائر منها: قدرة الله على الخلق، وعجيب ما خلق، ترك العجب والزهو بالنفس، ذكر الجنان وطيبها والتشويق لها، وأخيراً حمد الله- عزوجل- والثناء عليه.

ص: 108


1- معجم مقاييس اللغة: (طوس): 3/ 431
2- نهج البلاغة: الخطبة (165)/ 236
3- نهج البلاغة: الخطبة (165)/ 239
ح- الطَّيْر

(قال الليث: الطَّيْرُ معروفٌ، وهو اسم جامع مُؤَنثٌ، والواحد طائر، وقلما يقولون: طائرة للأنثى،... الناس كلهم يقولون للواحد: طَائِر، وأبو عبيدة معهم ثم انفرد فأجاز أن يقال: طَيْر للواحد، وجَمَعَه على طُيور)(1) ، ورد ذكر هذا الطائر في نهج البلاغة احدى عشرة مرة، وهو بهذا يعد أكثر الألفاظ تكراراً بلفظه، وقد وردت على النحو الآتي: لصيغة المفرد (طائر) مرتين(2) ، و (طير) سبع مرات(3) ، و (طيور) مرتين(4) .

قال علیه السلام في حق مالك الاشتر حينما جاءهُ: «مَالِكٌ ومَا مَالِكٌ والله لَوْ كَانَ جَبَلاً لَكَانَ فِنْداً ولَوْ كَانَ حَجَراً لَكَانَ صَلْداً لا يَرْتَقِيهِ الَحافِرُ ولا يُوفِی عَلَيْهِ الطَّائِرُ»(5) ، والفند كما قال الرضي في النهج: (المنفرد من الجبال)(6) ، وقد ذكر ابن أبي الحديد في شرحه في سبب ذكر الفند: (وإنّما قال لو كان جبلا لكان فندا- لأن الفند قطعة الجبل طولا- وليس الفند القطعة من الجبل كيفما كانت- ولذلك قال لا يرتقيه الحافر- لأن القطعة المأخوذة من الجبل طولا في دقة- لا سبيل للحافر إلى صعودها- ولو أخذت عرضا لأمكن صعودها-)(7) وتأتي أوفى بمعنيين ذكرهما ابن فارس ت (395ه):

ص: 109


1- تهذيب اللغة: (طار. يطير): 14/ 11
2- نهج البلاغة: الخطبة (185)/ 272، الكتاب (443)/ 554
3- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (3)/ 49، كلامه (13)/ 56، الخطبة (108)/ 157، الخطبة (185)/ 272، الخطبة (186)/ 275، الخطبة (192)/ 302
4- ينظر نهج البلاغة: الخطبة (83)/ 108، الخطبة (192)/ 291
5- نهج البلاغة: الكتاب (443)/ 554
6- م. ن
7- شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 20/ 93

الأول: بمعنى استيفاء الشيء واتمامه.

الثاني: أوفى بمعنى أشرف(1) ، وما ورد في الحكمة يفيد المعنى الثاني فلا الحافر يرتقي الجبل ويصل إليه ولا يشرف عليه الطير دلالة لعلوه العظيم ودلالة السياق علو المقام الذي ناله مالك فلا يصل إليه أحد.

خ- الغُرَاب

(والغُراب معروف. والغُرابانِ: نُقرتانِ عند صَلَوَي العَجُز من الفَرس.

والغُرَاب: رأس الفأس)(2) ، من الطيور التي يتشاءم العرب لسماع صوتها، يقول الجاحظ: (فالغراب أكثر من جميع ما يُتطيَّرُ به في باب الشؤم، ألا تراهم كلما ذكروا ممَّا يتطيرون منه شيئاً ذكروا الغراب معه وقد يذكرون الغراب ولا يذكرون غيره)(3) .

ورد ذكر هذا الطائر مرتين في النهج وقد ورد في سياق خطبة الطاووس وهو من الطيور التي ذكرت ضمن الخطبة إلى جانب (الديكة) وباقي الحيوانات وقد ورد ذكرها في سياق الخطبة خلق هذا الطائر العجيب والرد على من زعم أن الطواويس تتلاقح بجريان دمع العين من الذكر فتأتي الأنثى تطعم الدمعة وهكذا(4) ؛ فرد الإمام بقوله: «ولَوْ كَانَ كَزَعْمِ مَنْ يَزْعُمُ أنَهَّ يُلقْحُ بِدَمْعَةٍ تَسْفَحُهَا مَدَامِعُهُ فَتقَفُ فِ ضَفَّتيَ جُفُونهِ وأنَّ أنُثاَهُ تَطعْمُ ذَلِكَ ثُمَّ تَبيِضُ

ص: 110


1- ينظر: معجم مقاييس اللغة: 6/ 129
2- معجم مقاييس اللغة: (غرب): 4/ 421
3- الحيوان: 3/ 443
4- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 3/ 309، شرح نهج البلاغة (السيد عباس الموسوي) 3/ 85

لا مِنْ لِقَاحِ فَحْلٍ سِوَى الدَّمْعِ الُمنْبَجِسِ لَما كَانَ ذَلِكَ بِأَعْجَبَ مِنْ مُطَاعَمَةِ الْغُرَابِ تَخَالُ قَصَبَهُ مَدَارِيَ مِنْ فِضَّةٍ ومَا أُنْبِتَ عَلَيْهَا مِنْ عَجِيبِ دَارَاتِهِ»(1) فلو كنتم تزعمون ذلك في الغراب فزعمكم في الطواويس يكون صحيحاً، ويقول الجاحظ (ت255ه) في هذا الصدد حول سفود الغراب: (وناس يزعمون أنَّ تسافدَها عَلَی غير تسافد الطير، وأنّها تزاقُّ بالمناقير، وتلقح من هناك)(2) ، فدلالة السياق على الوصف وبيان الحقيقة بخلاف ما يزعمون.

د- النَّعامة

(معروفةٌ هذا الطائرُ تكون للذكر والأُنثى والجمع نَعاماتٌ ونَعائمُ ونَعامٌ وقد يقع النَّعامُ على الواحد... وقيل النَّعام اسمُ جنس مثل حَمامٍ وحَمامةٍ وجرادٍ وجرادةٍ والعرب تقول أَصَمُّ مِن نَعامةٍ وذلك أنها لا تَلْوي على شيء إذا جفَلت)(3) ، وقد وردت هذه اللفظة ثلاث مرات(4) في النهج قال علیه السلام من كلام له فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة «يَا أَحْنَفُ كَأَنِّی بِهِ وقَدسَارَ بِالَجيْشِ الَّذِي لا يَكُونُ لَهُ غُبَارٌ ولا لَجبٌ ولا قَعْقَعَةُ لُجمٍ ولا حَمْحَمَةُ خَيْلٍ يُثِيرُونَ الأرْضَ بِأَقْدَامِهِمْ كَأَنَّهَا أَقْدَامُ النَّعَامِ»(5) هنا يخاطب الأحنف بن قيس بعد واقعة الجمل ويصف الزنج بأنهم حفاة، أرجلهم قصار لا يملكون الخيل ولا يركبونها ومدار إثارتهم لتراب الأرض غبار خفيف فقط وفي هذا دلالة

ص: 111


1- نهج البلاغة: الخطبة (165)/ 236
2- الحيوان: 3/ 464
3- لسان العرب: (نعم): 12/ 579
4- ينظر: نهج البلاغة: كلامه (13)/ 56، كلامه (128)/ 185، الخطبة (185)/ 272
5- نهج البلاغة: كلامه (128)/ 185

واضحة على رؤية الإمام لجيش الزنج وما ستؤول إليه الأمور(1) ، وما يهمنا هو دلالة السياق على كونهم حفاة أي أنهم ليسوا أهل خيل او جند. ينظر ينظر جدول إحصائي (4) للوحدات الدلالية للطيور غير الجارحة في نهج البلاغة297.

ب- الحشرات
1- البَعُوض

(«جمع»: مفردة بَعوضة: عدّة أجناس من الحشرات الصَّغيرة المضرَّة، من فصيلة البعوض ثنائيّة الأجنحة، تغتذي الإناثُ منها بدم الإنسان وبهذا تنقل إليه عِدّة أمراض، أمّا الذُّكور فتغتذي برحيق الأزهار، له عِدّة أسماء منها النَّاموس والبَقّ(2) «إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضِرْبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا»(3) )(4) .

ورد ذكر هذه اللفظة في نهج البلاغة ثلاث مرات(5) ؛ إذ يقول علیه السلام: حينما جاءه أحدهم وطلب منه أن يصف الله- عز وجل- فغضب الإمام علیه السلام منه وقال في خطبة طويلة تعرف بخطبة (الأشباح) ابتدأها بحمد الله والثناء عليه وبأنّه هو مقسم الأرزاق على الخلائق إلى أن يقول: «عَالِمُ السَّرَّ مِنْ

ص: 112


1- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 3- 137
2- وترد البق بمعنى (عِظامُ البعُوض): لسان العرب: (بقق): 10/ 23
3- البقرة: 26
4- معجم اللغة العربية المعاصرة: 1/ 227
5- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (91)/ 134، الخطبة (182)/ 26، الخطبة (186)/ 275

ضَمَائِرِ الُمضْمِرِينَ ونَجْوَى الُمتَخَافِتِينَ... ومُختَبَإِ الْبَعُوضِ بَيْنَ سُوقِ الأشْجَارِ وأَلِحِيَتِهَا»(1) ، والمختبىء هنا لا يعطي معنى الاختفاء(2) ودلالة المختبىء ليس كدلالة المختفي ضمن السياق العاطفي في معرفة قوة الشيء من التأكيد أو المبالغة؛ لأن المختفي ممكن له أن يظهر بينما المختبىء لا يظهر للعيان.

ويبدو إنّ دلالة اختباء البعوض كان الإقامة مع التستر، والسوق جمع ساق، والألحية: (لَا الشجرةَ يَلْحُوها لَحواً قَشَرها... واللِّحاء قِشرُ كل شيء)(3) ويؤكد سياق الحال المعنى في اختباء هذا المخلوق هو موضعه الذي يكون فيه، ويستقر بين ساق الشجرة وقشرها مع حركته في هذا الموضع، ولذا يبدو إنّ دلالة السياق تبّين قدرة الله ودقة التصوير والإحاطة بكل شيء علماً لهذا الكائن الحي على الرغم من صغر حجمه وكذلك حجته على خلقه في خلق هذا الكائن؛ ولعلّ في هذا جواباً لمن أراد أن يسأل عن الله فوجوده- سبحانه وتعالى- متجلٍّ بقدرة من خلق من صغير جرم إلى كبيرها والإحاطة بعلم كل شيء دون سواه وهذا فيه دليل وحجة.

2- الجَرَاد

(والجَرَاد: معروف، قيل: هو سروة ثم دباً ثم غوغاء ثم خيفان ثم كتفان ثم جراد. وقيل: الجراد: الذكر، والجرادة: الأنثى)(4) .

ص: 113


1- نهج البلاغة: الخطبة (91)/ 134
2- ورد في معجم اللغة العربية المعاصرة: (اختبأ الحيوانُ: أقام في جُحْرٍ) 1/ 603
3- لسان العرب: (لحا): 15/ 241
4- المحكم والمحيط الاعظم: 3/ 264

وردت لفظة الجراد مرتين(1) في خطبة له علیه السلام في حمد الله (سبحانه وتعالى) والثناء على الرسول صلی الله علیه و آله وفيها يصف خلقاّ من الحيوان «وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ فِی الَجرَادَةِ إِذْ خَلَقَ لَها عَيْنَيْنِ حَمرَاوَيْنِ وأَسْرَجَ لَها حَدَقَتَيْنِ قَمْرَاوَيْنِ وجَعَلَ لَها السَّمْعَ الَخفِيَّ وفَتَحَ لَها الْفَمَ السَّوِيَّ وجَعَلَ لَها الحِسَّ الْقَوِيَّ ونَابَيْنِ بِهِمَا تَقْرِضُ ومِنْجَلَيْنِ بِهِمَا تَقْبِضُ يَرْهَبُهَا الزُّرَّاعُ فِی زَرْعِهِمْ ولا يَسْتَطِيعُونَ ذَبَّهَا ولَوْ أَجْلَبُوا بِجَمْعِهِمْ حَتَّى تَرِدَ الَحرْثَ فِی نَزَوَاتِهَا وتَقْضِیَ مِنْهُ شَهَوَاتِهَا وخَلْقُهَا كُلُّهُ لا يُكَوِّنُ إِصْبَعاً مُسْتَدِقَّةً فَتَبَارَكَ اللهُ»(2) .

فما الغاية من ذكر هذا الكائن؟ ما الهدف؟ لماذا وقع الإختيار حول الوصف الدقيق لهذا الكائن دون غيره؟ هل كان لإثبات قدرة الله في خلقه؟ أم لصغر حجمها؟ أم لتكيّفها مع البيئة التي يعيش بها الإنسان؟ هذه الاسئلة وغيرها يجيب عنها السياق بتحديد دلالة المراد والقصد من المتكلم الذي هو الإمام علیه السلام كانت المناسبة للقول هو في سياق وصف خلق الجرادة الأنثى وصفاً دقيقاً وذكر الأنثى دون الذكر دلالة على ضعف الأنثى، وذكر المفردة لا الجمع هو لقصد التصغير لهذا الكائن الذي وصفه وصفاً دقيقاً؛ قال ابن الحديد: (أسرج لها حدقتين- أي جعلهما مضيئتين كما يضيء السراج- ويقال حدقة قمراء أي منيرة- كما يقال ليلة قمراء أي نيرة بضوء القمر- وبهما تقرض أي تقطع والراء مكسورة- والمنجلان رجلاها- شبههما بالمناجل لعوجهما وخشونتهما)(3) .

ص: 114


1- نهج البلاغة: الخطبة: 185/ 271، كلامه: (224)/ 347
2- نهج البلاغة: الخطبة: 185/ 271
3- شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 13/ 66

وعلى الرغم من كون خَلْقُها كلها بحجم الإصبع إلّا أنَّها يهابها الزّراع إذا ما دخلت حقله، فيصبح عاجزاً عن طردها، فهنا يكمن سياق الموقف بين هذا الكائن الصغير الحقير الذي لا يتجاوز حجم الإصبع في الإنسان وبين هذا الكائن الكبير الذي هو الإنسان وعلى إثر هذا ينظر إلى أنّ السياق دلّ على عجز الإنسان أمام قدرة الله في خلقه وعندها ينبغي الحمد له وحده.

3- العَقْرَب

(واحدةُ العَقارِب من الهَوامِّ يكونُ للذكر والأُنثى بلفظ واحد والغالبُ عليه التأْنيث وقد يقال للأُنثى عَقْرَبة وعَقْرَباءُ ممدود غير مصروف والعُقْرُبانُ والعُقْرُبَّانُ الذَّكَرُ)(1) .

وردت هذه اللفظة في النهج مرة واحدة، قال الإمام علیه السلام في حكمة له: «الَمرْأَةُ عَقْرَبٌ حُلْوَةُ اللَّسْبَةِ»(2) . رويت («اللَّسْبَةِ» بهذه الرواية، ورويت «اللَّبْسة»)(3) ، واللسبة: («لَسَبتْهُ الحَيَّةُ وغيرُهَا» مِثْلُ العَقْرَبِ والزُّنْبُور «كَمَنَعَهُ وضَرَبَه »، تَلسَبُهُ، وتَلْسِبُهُ، لَسْباً: «لَدَغَتْه»، وأَكثرُمَا يُسْتَعْمَلُ فِی العَقْرَبِ)(4) .

أمّا اللَّبْسة فهي من اللباس قال ابن منظور (ت711ه): (اللُّبْسُ بالضم مصدر قولك لَبِسْتُ الثوبَ أَلْبَس واللَّبْس بالفتح مصدر قولك لَبَسْت عليه

ص: 115


1- لسان العرب: (عقرب): 1/ 624
2- نهج البلاغة: الكتاب: 61/ 479
3- ينظر: بهج الصباغة: 14/ 309
4- تاج العروس: (لسب): 4/ 206

الأَمر أَلْبِسُ خَلَطْت واللِّبْسُ بالكسر مثلُه)(1) وهنا يتضح الفرق بين اللفظتين ضمن السياق اللغوي فلفظة العقرب وتشبيه المرأة بها فيما تلدغ وليس لجمال العقرب؛ لأن هذا الكائن بخصائصه ليس بمبهر ولا بجميل المنظر وإنّما يلدغ وجاء في القول في تصويرها (أشدُّ عداوةً من عقرب)(2) . وقال الجاحظ أيضاً: (ونجدُ العقربَ تلسعُ إنساناً فيموت الإنسان، وتلسع آخرَ فتموت هي، فَدَلَّ ذلك على أنها كما تعطي تأخُذ)(3) ؛ ثم نلاحظ قوله (حلوة)(4) ولم يقل (جميلة) لدلالة الأولى على الاختلاف بين لسعة المرأة ولسعة العقرب والدلالة الأخرى كونها تعطي احساساً باللذة (تذوق حسي)؛ في حين لفظة (جميلة) تعطي الإحساس بجمالية المنظر (تذوق معنوي)، ومن هنا نؤكد رواية اللَّسبة لا اللّبسة؛ فكان قصد الإمام بيان حال المرأة (باعتبار أنّ من شأنها الأذى لكن أذاها مشوب بما فيها من اللذّة بها فلا يحسّ بها)(5) ، ودلالة السياق الوصف للتنبيه.

4- العَنْكَبُوت

(دُوَيْبَّة تَنْسُجُ في الهواءِ وعلى رأْس البئر نَسْجاً رقيقاً مُهَلْهَلاً مؤَنثة... قال الفراء العَنْكَبُوت أُنثى وقد يُذَكِّرها بعض العرب... قال والتأْنيث في

ص: 116


1- لسان العرب: (لبس): 2/ 606
2- الحيوان: 1/ 68
3- الحيوان: 1/ 466
4- قال ابن فارس: (الحاء واللام وما بعدها معتلٌّ، ثلاثة أصول: فالأوّل طِيب الشيء في مَيْل من النّفس إليه، والثاني تحسين الشيء، والثالث- وهو مهموز- تَنْحِيَة الشيء) معجم مقاييس اللغة: 2/ 94
5- شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 5/ 272

العنكبوت أَكثر والجمع العَنْكبوتاتُ وعَنَاكِبُ وعَنَاكِيبُ عن اللحياني وتصغيرها عُنَيْكِبٌ وعُنَيْكِيبٌ)(1) .

ورد ذكرها في النهج مرة واحدة في سياق خطبة يبين فيها الإمام علیه السلام من يتصدى للحكم في الأمة وهو ليس أهلاً لذلك، وفيها يصنف الرجال إلى صنفين، وهما أبغض الخلائق إلى الله يقول في وصف الرجل الثاني: «وَرَجُلٌ قَمَشَ جَهْلاً مُوضِعٌ فِی جُهَّالِ الأمَّةِ عَادٍ فِ أَغْبَاشِ الْفِتْنَةِ عَمٍ بِمَا فِی عَقْدِ الُهدْنَةِ قَدْ سَمَّاهُ أَشْبَاهُ النَّاسِ عَالمِاً ولَيْسَ بِهِ... فَهُوَ مِنْ لَبْسِ الشُّبُهَاتِ فِی مِثْلِ نَسْجِ العْنكْبوُتِ لا يَدْرِي أَصَابَ أَمْ أَخْطأَ فَإنِ أَصَابَ خَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخْطأَ وإِنْ أَخْطَأَ رَجَا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَصَابَ»(2) .

من الأمور التي تبتلي بها الأمة (الجهّال) على اختلاف الأزمنة و (المعاندون)، وإنّ الجهل أكثر وطأً على الأمة، ثم يأتي الإمام علیه السلام بعشرين وصفاً للصنف الثاني من الرجال(3) ، ويضرب مثلًا على لبسه الشبهات كنسج العنكبوت، فالسياق الثقافي يشير إلى استعمال (نسج العنكبوت) للدلالة على الوهن والضعف الذي يتمثل به هذا الجاهل أمام الشبهات، وسرعان ما ينكشف.

يقول ابن ميثم في شرحه: (ووجه هذا التمثيل أنّ الشبهات الّتي تقع على ذهن مثل هذا الموصوف إذا قصد حلّ قضيّة مبهمة تكثر فيلبس على ذهنه وجه الحقّ منها فلا يهتدي له لضعف ذهنه، فتلك الشبهات في الوها يشبه

ص: 117


1- لسان العرب: (عنكب): 1/ 632
2- نهج البلاغة: كلامه (17)/ 59
3- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 1/ 315

نسج العنكبوت وذهنه فيها يشبه الذباب الواقع فيه فكما لا يتمكّن الذباب من خلاص نفسه من شبّاك العنكبوت لضعفه كذلك ذهن هذا الرجل إذا وقع في الشبهات لا يخلص وجه الحقّ منها لقلّة عقله وضعفه عن إدراك وجوه الخلاص)(1) .

ويبدو إنّ سياق النص للخطبة يشير إلى الحذر من الغفلة وعدم التسليم لمن يتصف مثل هذه الصفات التي ذكرها الإمام علیه السلام مع التنفير منهما.

5- النَّمْل

(النون والميم واللام كلماتُه تدلُّ على تجمُّعٍ في شيء وصِغَرٍ وخِفَّة. منه النَّمل: جمع نَمْلة. وطعامٌ منمولٌ: أصابه النَّمل. وفرسٌ نَمِلُ القَوائِمِ: خفيفُها، كأنَّها شُبِّهَتْ بالنَّمْل. والنَّمْلة: قَرْحَةٌ تخرُج في الجَنْبِ، كأنّهَا سمِّيَت بها لتفشِّيها وانتشارها، شبِّهت بالنَّملةِ ودَبِيبِها. والأَنْمُلَة: واحدة الأنامل، وهي أطراف الأصابع)(2) وقالوا: (هو اجمع من نملة)(3) لدأب النملة على الحركة والعمل فتجمع قوتها.

وردت لفظة النمل أربع مرات(4) في نهج البلاغة في كلام له علیه السلام يتبرأ من الظلم يقول فيه: «والله لَوْ أُعْطِيتُ الأقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلاكِهَا عَلَی أَنْ أَعْصِیَ الله فِی نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَة مَا فَعَلْتهُ وإنَّ دُنْياَكُمْ عِنْدِي لَاهَوَنُ مِنْ

ص: 118


1- شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 1/ 316
2- معجم مقاييس اللغة: (نمل): 5/ 482
3- مجمع الامثال: 1/ 188
4- نهج البلاغة: الخطبة (178)/ 256، الخطبة (185)/ 270- 271، كلامه (224)/ 347

وَرَقَةٍ فِی فَمِ جَرَادَةٍ تَقْضَمُهَا مَا لِعِلّیًّ ولِنَعِيمٍ يَفْنَى ولَذَّةٍ لا تَبْقَى»(1) .

يبتدأ هذا النص ضمن الخطبة بالقسم بلفظة (والله) هذه الكلمة هل فيها تأكيد للكلام أم فيها قوة له؟ يشير السياق اللغوي إلى التكرار في القسم إذ ابتدأ الإمام كلامه ب «وَالله لَاَنْ أَبِيتَ عَلَی حَسَكِ السَّعْدَانِ مُسَهَّداً»(2) وصفة التكرار بالقسم تفضي إلى التأكيد بل هو أبلغ من التأكيد، يقول السيوطي (911ه): (وهو أبلغ من التأكيد، وهومن محاسن الفصاحة خلافاً لبعض من غلط. وله فوائد. منها: التقرير، وقد قيل الكلام إذا تكرر تقرر)(3) إذن أفاد التكرار بالقسم هنا قوة التأكيد في كلام الإمام علیه السلام على رفض الظلم مع الإقرار بذلك.

ثم ضرب الإمام علیه السلام مثلاً لقصد ما يريد أن يوصله للمتلقي، وهو مبدأ (معصية الله) والنهي عنها بذكر النملة كمثل على ذلك، والنملة من الكائنات الصغيرة الكادحة يصفها الإمام بقوله: «انْظُرُوا إِلَی النَّمْلَةِ فِی صِغَرِ جُثَّتِهَا ولَطَافَةِ هَيْئَتهِا لا تَكَادُ تُناَلُ بلِحْظِ الْبَصَرِ ولا بمِسْتَدْرَكِ الْفِكَرِ كَيْفَ دَبَّتْ عَلَی أَرْضِهَا وصُبَّتْ عَلَی رِزْقِهَا تَنْقُلُ الَحبَّةَ إلِی جُحْرِهَا وتُعِدُّهَا فِی مُسْتَقَرِّهَا تَجْمَعُ فِی حَرِّهَا لِبَرْدِهَا وفِی وِرْدِهَا لِصَدَرِهَا مَكْفُولٌ بِرِزْقِهَا مَرْزُوقَةٌ»(4) .

يشير سياق الحال إلى استعمال القرينة اللفظية للفعل (أَسْلُبُهَا) إذ يؤكد بداية الظلم وارتكاب المعصية، ثم ينبّه أنّ السلب هو لجلب شعير أي

ص: 119


1- نهج البلاغة: كلامه (224)/ 347
2- نهج البلاغة: كلامه (224)/ 346
3- الإتقان في علوم القرآن: السيوطي: 1/ 305
4- نهج البلاغة: الخطبة (185)/ 271

(قشرها)(1) ولذا يدل سياق الحال على التبرؤ من الظلم كونه بداية المعصية.

وفي سياق آخر يذكر الإمام علیه السلام (الذر) والذر: (صغار النمل والذر مصدر «ذررت» وهو أخذك الشيء بأطراف أصابعك تذره ذر الملح على الخبز وتذر الدواء في العين والذرور اسم الدواء اليابس للعين)(2) (واحدته ذَرَّةٌ)(3) .

ورد ذكرها في النهج أربع مرات(4) ، قال الإمام علیه السلام في خطبة له: «ويَعْلَمُ مَسْقَطَ الْقَطْرَةِ ومَقَرَّهَا، ومَسْحَبَ الذَّرَّةِ ومَجَرَّهَا، ومَا يَكْفِي الْبَعُوضَةَ مِنْ قُوتِهَا، ومَا تَحْمِلُ الأنْثَى فِی بَطْنِهَا»(5) .

هنا التعددية في الخلق من مسقط قطرة إلى الذر إلى البعوضة وإلى ما تحمل كل أنثى في بطنها رابطها واحد هو علم الله بها وإنّه سبحانه عليم ومحيط بكل شيء ويظهر إنّ الأمثلة المختارة لم تكن اعتباطية فمن من المخلوقات له أن يعلم أين تسقط قطرة المطر وتستقر؟ أو موضع سحب الذرة وجرها(6) أو ما يكفي هذه البعوضة الصغيرة من قوت أو ما تحمل كل أنثى من ذكر أو أنثى كل هذه إشارات على قدرة الله في إثبات وحدانيته لذا فدلالة السياق على

ص: 120


1- شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 11/ 249
2- كتاب العين: (ذر): 8/ 175
3- لسان العرب: (ذرر): 4/ 303
4- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (91)/ 134، الخطبة (165)/ 239، الخطبة (178)/ 256، الخطبة (182)/ 261
5- نهج البلاغة: الخطبة (182)/ 261
6- مسحب الذرة الصغيرة من النمل ومجرها- موضع سحبها وجرها- شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 10/ 88

وحدانية الله مع الشكر وفيه تحدٍّ وعجز للنفس البشرية.

6- اليَعْسوب

اليَعْسُوب (ملك النحل، ومنه قيل للسيَّد: يعسوب قومه. واليعسوب أيضاً: طائرٌ أطول من الجرادة لا يضمُّ جناحه إذا وقع؛ تُشبَّه به الخيلُ في الضُمْ)(1) .

وردت لفظة اليعسوب في النهج مرتين(2) ؛ قال الإمام علي علیه السلام: أَنَا يَعْسُوبُ الُمؤْمِنِينَ والَمالُ يَعْسُوبُ الْفُجَّارِ»(3) .

قال الرضي: (ومعنى ذلك أن المؤمنين يتبعونني والفجار يتبعون المال كما تتبع النحل يعسوبها وهو رئيسها)(4) وفي هذا الصدد يقول الدكتور الياسري:

(وقد تتخذ المفردة مساراً دلالياً آخر هو الوصف في وصف الفجار وتكالبهم على المال كما تتبع النحل يعسوبها)(5) إذن فدلالة السياق هنا تبين أنّ الإمام أشار إلى أنّ الإنسان يتبع طريقين هما: طريق الإيمان أو طريق الكفر وقد تجسّد الإيمان بشخصه في اتباعه بتعاليم الإسلام وسنة الرسول صلی الله علیه و آله وجعل المال مقابل الإيمان، وذلك أنّ المال من مضامين حب الدنيا واتباع الهوى، و (عنهم عليهم السّلام: حبّ الدّنيا رأس كلّ خطيئة)(6) ، رواه عن الصادق علیه السلام بهذه

ص: 121


1- الصحاح: (عسب): 1/ 468
2- نهج البلاغة: غريب كلامه (1)/ 517، الكتاب (316)/ 530
3- نهج البلاغة: الكتاب (316)/ 530
4- م. ن
5- الحقول الدلالية لأسماء الحيوان في نهج البلاغة (بحث): أ. د. عبد الكاظم محسن الياسري: 22، ضمن كتاب دراسات في اللغة والنحو
6- ينظر: الكافي: 2/ 440، الخصال: الصدوق: 1/ 35، الأمالي: الطوسي: 2/ 235

الرواية، ورواه عن الرسول صلی الله علیه و آله برواية أخرى: «حب الدينار رأس كل خطيئة»(1) . ووردت حشرات أخرى مثل: القز (مرة واحدة)(2) ، والهمجة (مرة واحدة)(3) ، والوذحة (مرة واحدة)(4) ومن أسماء المجاميع (الهوام)(5) فقد وردت (أربع مرات)(6) .

ينظر جدول إحصائي (5) للوحدات الدلالية للحشرات في نهج البلاغة- صفحة298.

***

ص: 122


1- شعب الإيمان: البيهقي: 7/ 338
2- نهج البلاغة: الكتاب (45)/ 418
3- نهج البلاغة: الخطبة (165): 239
4- نهج البلاغة: الخطبة (116)/ 174
5- جاء في تهذيب اللغة: 2/ 232، الهوام: (الحيَّات وكلُّ ذي سم يقتل سمُّه. وأما مالا يقتل ويسم فهى السَّوامُّ مشدَّدة الميم لأنها تسم ولاتبلغ أن تقتل مثل الزنبور والعقرب وأشباهها)
6- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (83)/ 111، الخطبة (91)/ 134، كلامه (171)/ 245، كلامه (221)/ 340

الفصل الثاني أثر السياق في الألفاظ الدالة على النبات

اشارة

المبحث الأول: الأشجار

المبحث الثاني: النباتات

المبحث الثالث: الأزهار

ص: 123

ص: 124

توطئة

لا يخفى ما للنبات من أهمية في حياة الإنسان، ونستطيع أن ننظر جلياّ في هذه النعمة التي وهبها الله (سبحانه وتعالى) للبشرية جمعاء ليصبح من أهم ضروريات الحياة.

والنَّبات في اللُّغة: (كلُّ ما أنبتتَ الأرض فهو نبت والنباتُ فعله ويجري مجرى اسمه تقول أنبتَ الله النبات إنباتاً ونباتاً، ونحو ذلك. قال الفراء: إن النبات اسم يقوم مقام المصدر.

قال الله جل وعز: «وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا»(1) ونَبتَ النَّبتُ نبتاً ونباتاً، وأجاز بعضهم أنبتَ لمعنى نَبَت، وأنكره الأصمعي وأجازه أبو زيد)(2) .

لقد شكّل النبات حيزاً كبيراً في القرآن الكريم منذ انطلاقة الإنسان الأولى وبدء خلقه المتمثلة بأبينا آدم وأُمنا حواء علیه السلام حينما نُهيا عن الاقتراب إلى (الشجرة) قال تعالى: «وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الَجنةَّ فَكُلَا مِنْ حَيثْ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمينَ»(3) ، وكما جاء على لسان النبي إبراهيم علیه السلام في سياق الدعاء قال تعالى: «رَبَّنَا إِنِّ أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي

ص: 125


1- آل عمران: 36
2- تهذيب اللغة: (نبت): 5/ 16
3- البقرة: 35

بِوِادٍ غَيْرِ ذيِ زَرْعٍ عِنْدَ بَيتْكِ المحْرَّمِ»(1) ، واقتضى الإسكان في وادٍ غير مزروع لكونه أرضاً حجرية رملية(2) ، ويرد (الزرع) في القرآن الكريم بمعنى زرع الحبوب يقول: ابن منظور (ت711ه): (زَرَعَ الحَبَّ يَزْرَعُه زَرْعاً وزِراعةً بَذَره والاسم الزَّرْعُ وقد غلب على البُرّ والشَّعِير وجمعه زُرُوع وقيل الزرع نبات كل شيء يحرث وقيل الزرْع طرح البَذْر)(3) ، وقال الراغب: (الزرع الإنبات وحقيقة ذلك تكون بالأمور الإلهية دون البشرية قال تعالى: «ءَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ»(4) )(5) .

لذا فقد احتل النبات مكانة عظيمة في القرآن الكريم كالمكانة التي حازها الحيوان، وقد استتبع ذكره في القرآن الكريم في سياقات مختلفة وأغراض شتى كان الغالب فيها هو بيان قدرة الخالق وإثباتها والدعوة إلى الإيمان به؛ قال تعالى: «وَهُوَ الَّذِى أَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شيء فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكبِاً وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانيِةٌ وَجَنَّات مِّنْ أَعْنَاب وَالزَّيْتُونَ وَالرَّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِه انظُرُوا إِلَی ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِی ذَلِكُمْ لآيَات لِّقَوْم يُؤْمِنُونَ»(6) .

فضلاً عن ضرب الأمثال به، وذكره في حياة الأنبياء والرسل، وتسبيح النبات، مع بيان أهميته؛ لكونه يمثّل الغذاء الأساس للإنسان والحيوان،

ص: 126


1- إبراهيم: 37
2- ينظر: تفسير الميزان: الطباطبائي: 12/ 38
3- لسان العرب: (زرع): 8/ 141
4- الواقعة: 64
5- المفردات في غريب القرآن: الراغب الاصفهاني: 1/ 279
6- الانعام: 99

وغيرها من الأغراض الأخرى التي تناولها القرآن ضمن السياقات المختلفة(1) .

وكان للرسول صلی الله علیه و آله الكريم الدور الأكبر في إبراز قدرة الله على خلق النباتات، وعندما نستجلي السُّنة النبوية الشريفة نجد أنّ للنبات حضوراً في حياة الرسول صلی الله علیه و آله، وفي حوادث مختلفة ذكرها القرآن الكريم كذكر الشجرة في صلح الحديبية وغيرها، مع أقواله وحكمه في بيان مكانة النبات لدى الناس بذكر منافعه، وتشبيه المؤمن ببعض النباتات والفواكه وتشبيه الكافر ببعضها الآخر؛ لتقريب الصورة لدى المجتمع الإسلامي، ففي حديث له يشبه المؤمن بفاكهة الاترجة وهي فاكهة من فصيلة الحمضيات(2) .

ذكرها في سياق تشبيه المؤمن بها لتصويره بالهيئة التي يكون بها لدى قراءته القرآن قال صلی الله علیه و آله: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة؛ ريحها طيبٌ وطعمها طيبٌ»(3) ، وفي هذا تصوير جمالي لقصد الحث على قراءة القرآن بدعوى التشويق للمتلقي ضمن سياق الحال.

وعلى الرغم من أنّ البيئة العربية لم تكن بيئة غنّاء بمختلف أنواع النباتات لكونها بيئة صحراوية إلّا إنهم عنوا عناية كبيرة بالنبات والشجر؛ وذلك (للضرورة الماسة لما يحتاجونه منها لرعي ماشيتهم يتفقدونها في كل مكان، وينتجعون إليها حيث وجدت، ويرحلون إليها صيفاّ وشتاءً، وكانت هذه

ص: 127


1- ينظر: الصورة النباتية في الأسلوب القرآني (رسالة ماجستير): أحمد عبدالله عيسى: 181- 182
2- جاء في المعجم الوسيط: 1/ 8: الأترج: (شجر يعلو ناعم الأغصان والورق والثمر وثمره كالليمون الكبار وهو ذهبي اللون ذكي الرائحة حامض الماء)
3- صحيح مسلم: 1/ 549

النباتات بأسمائها ومسمياتها تشغل حيزاً كبيراً من لغتهم واتصلت بها اتصالا وثيقاً فدونت مع اللغة وحفظت في دواوينها جزءاً لا ينفصل عنها)(1) .

ويُلاحظ أنّ النبات شكّل جانباً مهماً في نهج البلاغة، وقد كان للنبات حضورٌ ضمن نطاق البحث؛ تناول فيه الإمام علي علیه السلام مختلف أنواع النباتات ووظفها توظيفاً سياقياً بحسب الغرض، والقصد الذي أراد الكشف عنه، ولا يخلو هذا التوظيف كما الحيوان من دخول معنى الحقيقة والمجاز للنبات فمن إثبات خلق الخالق، وتصوير نعمه فيما خلق والتأمل في ذلك، إلى الوصف، وضرب الأمثال والحكم؛ فضلاً عن: التشبيه، والاستعارة، والكناية، والاغراض البلاغية الأخرى.

وارتبط ذكر النبات في نهج البلاغة بمسميات مختلفة بحسب البيئة العربية، وبحسب أصنافه من: نبات، وشجر، وثمر، وزهر بمختلف الألوان والأشكال، وكان لأجزاء النبات حضورٌ: من ورق، وخوص، وسيقان، وأغصان، ولما كان النبات هو غذاء الإنسان والحيوان فيُعدُّ الماء هو غذاء النبات وكان جل اعتماد العرب على المياه من الأمطار؛ لذا ظهرت خطب الاستسقاء واضحة وجلية في النهج، وكان العرب في حلهم وترحالهم نحو البوادي؛ لرعي ماشيتهم يعتمدون على ما يجدونه من نباتات.

يقول الإمام علیه السلام في خطبة له يذكر فيها فضل أهل البيت علیه السلام «واعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ ظَاهِرٍ بَاطِناً عَلَی مِثَالِهِ فَمَا طَابَ ظَاهِرُهُ طَابَ بَاطِنُهُ ومَا خَبُثَ ظَاهِرُهُ خَبُثَ بَاطِنُهُ وقَدْ قَالَ الرَّسُولُ الصَّادِقُ صلی الله علیه و آله إِنَّ الله يُحِبُّ الْعَبْدَ ويُبْغِضُ عَمَلَهُ ويُحِبُّ الْعَمَلَ ويُبْغِضُ بَدَنَهُ واعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ نَبَاتاً وكُلُّ نَبَاتٍ لا غِنَى بِهِ

ص: 128


1- تاريخ النبات عند العرب: أحمد عيسى: 13

عَنِ الَماءِ والْمِيِاهُ مُخْتَلِفَةٌ فَمَا طَابَ سَقْيُهُ طَابَ غَرْسُهُ وحَلَتْ ثَمَرَتُهُ ومَا خَبُثَ سَقْيهُ خَبُثَ غَرْسُهُ وأَمَرَّتْ ثَمَرَتُهُ»(1) .

يقول التستري: («واعلم ان لكلّ عمل نباتا» الظاهر ان الأصل «واعلم ان لكلّ غرس نباتا»، وصحفه النساخ، وإلّا فلا مناسبة لا ثبات نبات للعمل)(2) ، ويبدو أنّ رواية (العمل) صحيحة لرواية الشروح بها، كما إنّ المعنى مناسب لاستعارة النبات للعمل؛ لأن النباتَ يتطلب الصبر والعناية والانتظار لجني الثمر وكذلك العمل.

ثم يبين الإمام علیه السلام (حب الله لعبده)، ويضرب المثل على ذلك؛ يقول ابن أبي الحديد (هذا الكلام مشتق من قوله تعالى- «وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إلِّا نَكِداً»(3) - وهو تمثيل ضربه الله تعالى- لمن ينجع فيه الوعظ والتذكير من البشر- ولمن لا يؤثر ذلك فيه... السقي مصدر سقيت والسقي بالكسر النصيب من الماء-. وأَمرَّ الشيء أي صار مرا-. وهذا الكلام مثل في الإخلاص وضده- وهو الرياء وحب السمعة- فكل عمل يكون مدده الإخلاص لوجهه تعالى لا غير- فإنه زاك حلو الجنى- وكل عمل يكون الرياء وحب الشهرة مدده فليس بزاك وتكون ثمرته مرة المذاق)(4) .

ويبدو من خلال علاقة التضاد الدلالي في دلالة (المحبة والبغض)؛ للحث على العبادة مقرونة بالعمل الطيّب أو الصالح مع التكرار قد أديّا دوراً في إيصال المعنى، فدلالة (العبد) من العبادة مقترن بعمل غير صالح

ص: 129


1- نهج البلاغة: الخطبة (154): 216
2- بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة: 7/ 402
3- الأعراف: 58
4- شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد): 9/ 178- 180

و (بدنه) من العمل الصالح بلا عبادة، وقد أشار جملة من شراح النهج إلى أنّ المقصود ظاهر العبد وباطنه(1) ، ويشير السياق اللغوي إلى تشبيه العمل بالنبات فكما أنّ الماء مختلف (من بحار وأنهار وأمطار وغيرها) فكذلك النبات يخرج مختلفاً أيضاً، فالعمل الذي يقترن بالعبادة والإخلاص يكون ثمره طيّباً، والعمل الذي لا يقترن بذلك يكون ثمره مرّاً لا خير فيه.

***

ص: 130


1- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 9/ 179شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 3/ 252، شرح نهج البلاغة (السيد عباس الموسوي) 2/ 498

المبحث الأول: الأشجار

1- السدْر

(شجرُ النَبْقِ، الواحدة سِدْرَةٌ، والجمع سِدْرَاتٌ وسِدِرَاتٌ وسِدَراتٌ وسِدَرٌ)(1) ، و(السدر اسم للجنس والواحدة سدرة والسدر من الشجر سِدْرانِ أَحدهما بَرِّيّ لا ينتفع بثمره ولا يصلح ورقه للغَسُولِ وربما خَبَط ورَقَها الراعيةُ وثمره عَفِصٌ لا يسوغ في الحلق والعرب تسميه الضالَ والسدر الثاني ينبت على الماء وثمره النبق وورقه غسول يشبه شجر العُنَّاب له سُلاَّءٌ كَسُلاَّئه وورقه كورقه غير أَن ثمر العناب أَحمر حلو وثمر السدر أَصفر مُزٌّ يُتَفَكَّه به)(2) .

وردت هذه اللفظة في نهج البلاغة مرة واحدة بصيغة اسم الجنس في خطبة له علیه السلام يذكر فيها بعض صفات الرسول الكريم صلی الله علیه و آله، وتهديد بني أمية وعظة الناس يقول: «فَمَا احْلَوْلَتْ لَكُمُ الدُّنْيَا فِی لَذَّتِها، ولا تَمكَّنْتُمْ مِنْ رَضَاعِ أَخْلافِهَا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا صَادَفْتُمُوهَا جَائِلاً خِطَامُهَا، قَلِقاً وَضِينُهَا، قَدْ صَارَ

ص: 131


1- الصحاح: (سدر): 1/ 309
2- لسان العرب: (سدر): 4/ 354

حَرَامُهَا عِنْدَ أَقْوَامٍ بِمَنْزِلَةِ السِّدْرِ الَمخْضُودِ، وحَلالَها بَعِيداً غَيْرَ مَوْجُودٍ، وصَادَفْتُمُوهَا، والله ظِلاً مَمْدُوداً إِلَی أَجْلٍ مَعْدُودٍ»(1) .

يشير السياق اللغوي إلى اقتباس الإمام علي علیه السلام للفظ قرآني، وادخاله ضمن الخطبة بسياق مختلف عمّا ورد في القرآن: (السدر المخضود)(2) و (الظل الممدود) قال تعالى في سورة الواقعة الآية (27- 30): «وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِی سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ» فسياق الآية يشير إلى دلالة بيان حال أصناف من الناس يؤتون يوم القيامة كتابهم بيمينهم أعدّ لهم: شجرة نبق بلا شوك، وشجرة موز، وظل بارد(3) .

وفي الرواية (أخرج الحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن أبي إمامة قال: «كان أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله يقولون: إن الله ينفعنا بالأعراب ومسائلهم أقبل أعرابي يوماً، فقال: يا رسول الله لقد ذكر الله في القرآن شجرة مؤذية، وما كنت أرى أن في الجنة شجرة تؤذي صاحبها، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله: وما هي؟ قال: السدر فإن لها شوكاً، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله: أليس يقول الله:

«فِی سِدْرٍ مَخْضُودٍ» يخضده الله من شوكة، فيجعل مكان كل شوكة ثمرة إنها تنبت ثمراً يفتق الثمر منها عن اثنين وسبعين لوناً من الطعام ما فيها لون يشبه الآخر»)(4) .

ص: 132


1- نهج البلاغة: الخطبة (105)/ 151
2- (الَخضْدُ: نَزْعُ الشَّوْكِ عن الشَّجَر) كتاب العين: 1 495. و (خضدت الشجر، قطعت شوكه فهو خَضيد ومخضود) لسان العرب: (خضد): 4/ 119
3- ينظر: تفسير الميزان: 19/ 64- 66
4- الدر المنثور: السيوطي: 9/ 386

ويلاحظ أنّ سياق الخطبة يشير إلى بيان حال أقوام احلولت الدنيا لهم، وتغير حالهم، فصار حرامها بمنزلة شجرة النبق بلا شوك أي: لا تعب فيه ولا عناء؛ لذا فإنّ (نواهي الله ووعيداته على فعل المحرّمات تجرى مجرى الشوك للسدر في كونها مانعة منه كما يمنع شوك السدر جانبه من تناول ثمرته، ولمّا كان بعض الأمّة قد طرح اعتبار النواهي والوعيد جانبا عن نفسه وفعل ما حرم عليه جرى ذلك عنده مجرى تناوله للسدر الخالي عن الشوك في استسهاله تناوله وإقدامه عليه)(1) ؛ لذا فالإمام لم يقتبس من القرآن الكريم بنفس السياق، وإنّما وظّفه باتجاه آخر كما هو موضح في بيان صفة الدنيا وتساهل الحرام وعدم الالتزام بالأوامر الإلهية.

2- الشجَر

(الشين والجيم والراء أصلان متداخلان، يقرُب بعضُهما من بعض، ولا يخلو معناهما من تداخُل الشيء بعضِه في بعض، ومن عُلُوٍّ في شيءٍ وارتفاع... فالشَّجَر مَعروفٌ، الواحدةُ شَجرة، وهي لا تخلو من ارتفاعٍ وتداخُلِ أغصان)(2) ، و (الشَّجَرَة الواحدة تجمع على الشَّجَر والشَّجَرَات والَأشْجارِ والمُجْتَمِعُ الكثيرُ منه في مَنْبِتِه شَجْرَاءُ الشَّجَر والشَّجَر من النبات ما قام على ساق)(3) .

وردت لفظة (الشجر) سبع عشرة مرة في النهج، منها (اثنا عشر

ص: 133


1- شرح نهج البلاغة (ابن ميثم): 3/ 26
2- معجم مقاييس اللغة: (شجر): 3/ 246
3- لسان العرب: (شجر): 4/ 394

موضعاً)(1) بصيغة المفرد، و (خمسة مواضع)(2) بصيغة الجمع، وغلب التعريف على التنكير من أمثال (شجرة النبوة، الشجرة، شجرتهُ، والشجر، وهكذا).

من كلام له قالوا لما انتهت إلى أمير المؤمنين علیه السلام أنباء السقيفة بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله قال علیه السلام: «ما قالت الأنصار؟ قالوا: قالت: منا أمير ومنكم أمير، قال علیه السلام: فَهَلا احْتَجَجْتُمْ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ رَسُولَ الله صلی الله علیه و آله وَصَّی بِأَنْ يُحْسَنَ إِلَی مُحْسِنِهِمْ، ويُتَجَاوَزَ عَنْ مُسِيئِهِمْ؟ قَالُوا: ومَا فِی هَذَا مِنَ الُحجَّةِ عَلَيْهِمْ؟ فَقَالَ علیه السلام: لَوْ كَانَ الإمَامَةُ فِيهِمْ لَمْ تَكُنِ الْوَصِيَّةُ بِهِمْ. ثُمَّ قَالَ علیه السلام: فَمَا ذَا قَالَتْ قُرَيْشٌ؟ قَالُوا: احْتَجَّتْ بِأَنَّهَا شَجَرَةُ الرَّسُولِ صلی الله علیه و آله، فَقَالَ علیه السلام: احْتَجُّوا بِالشَّجَرَةِ، وأَضَاعُوا الثَّمَرَةَ»(3) .

وفي موضع آخر يقول علیه السلام في ذكر النبي صلی الله علیه و آله من خطبة له علیه السلام في بيان قدرة الله وانفراده بالعظمة وأمر البعث: «نَحْنُ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ، ومَحَطُّ الرِّسَالَةِ، ومُخْتَلَفُ الَملائِكَةِ ومَعَادِنُ الْعِلْمِ، ويَنَابِيعُ الُحكْمِ، نَاصِرُنَا ومُحِبُّنَا يَنْتَظِرُ الرَّحْمَةَ، وعَدُوُّنَا ومُبْغِضُنَا يَنْتَظِرُ السَّطْوَةَ»(4) .

لو نظرنا إلى الصور التي وردت بها لفظة (الشجر) في قوله: «شجرة

ص: 134


1- ينظر: نهج البلاغة: كلامه (67)/ 98، الخطبة (91)/ 135، الخطبة (94)/ 139، الخطبة (108)/ 156، الخطبة (109)/ 162، الخطبة (135)/ 193، الخطبة (161)/ 229، الخطبة (192)/ 301، الكتاب (45)/ 418
2- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (91)/ 134، الخطبة (94)/ 139، الخطبة (97)، 143، الخطبة (165)/ 239، الخطبة (185)/ 271
3- نهج البلاغة: كلامه (67)/ 98
4- نهج البلاغة: الخطبة (109)/ 162- 163

الرسول، احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة، شجرة النبوة» نجد أنها خرجت لأغراض مجازية لا حقيقية بحسب معناها في المعجم اللغوي.

ويشير السياق اللغوي إلى ورود لفظة شجرة في قولهم: (شجرة الرسول) لبيان الأصل المتجذر الذين هم قريش يقول ابن ميثم: (استعار لفظ الشجرةلقريش: باعتبار انّم اصل للرسول صلی الله علیه و آله)(1) ، وإن هذه الشجرة ينبغي أن تكون لها ثمرة تخرج للخلافة لأن إمرة الناس والسعي لإقامة العدل يعد ثمرة هذه الشجرة، والثمرة متمثلة بعلي علیه السلام.

إمّا في السياق اللغوي الآخر في قوله (نحن شجرة النبوة)، فلأنَّ الرسول هو النبي وبيوت آل الرسول مهبط الوحي وفيها ينزل جبرائيل فهنا بيان الأصل المتجذر الذي يرتفع عالياً بالمكانةِ التي نالها الرسول الكريم وأهل بيته علیه السلام.

ولذا يبدو الفرق واضحاً بين السياقين في ورود (الشجرة)، وما أُضيف إليها، ففي الصورة الأولى كانت (شجرة الرسول): غير مثمرة، وإن كانت متجذرة بقريش أو ان ثمرها لم ينتفع به أحد- بأدق تعبير-؛ أمّا في الصورة الثانية (شجرة النبوة) فهي: شجرة مثمرة عالية الأغصان، ومرتفعة عن الأرض.

وسياق الحال يبين الصلة بين هذه الصور، فدلالة (شجرة الرسول) وردت في مقام المدح لقريش بقرينة لفظية، وهي الفعل (احتج) وقد دلّت على التفرّد، ودلالة (شجرة النبوة) فقد وردت في مقام البيان لمكانة أهل

ص: 135


1- اختيار مصباح السالكين: 175

البيت علیه السلام، وقد دلّت على الاشتراك والجمع بدليل القرينة اللفظية الضمير (نحن) وهو ضمير الاختصاص.

3- الصَّبِر

جاء في كتاب العين (صبر) بسكون الباء معناه: (نقيض الجَزَع والصَّبْرُ نَصْبُ الانسان للقتل فهو مَصْبُورٌ وصبَرَوه أي نَصَبوه للقتل والصَّبْرُ أخذُ يمين إنسانٍ تقول صَبَرتُ يَمينَه أي حَلَّفْتُه بالله جُهْدَ القَسَم والصَّبْرُ في الأيْمان لايكون اِلاّ عند الحُكّامِ)(1) أمّا بكسر الباء فمعناه: (عُصارةُ شجرةٍ ورقُها كقُرُبِ السكاكين طِوالٌ غِلاظٌ في خُضْرتِها غُبْرةٌ وكُمْدة مُقْشَعِرَّةُ المَنْظْر يخرجُ من وَسَطها ساقٌ عليه نوْر أصفَرُ تَمِهُ الرَّيحِ كَريهُه)(2) .

وردت هذه اللفظة مرتين في سياقين مختلفين: مرة (يذم الدنيا) من خطبة له إذ يقول علیه السلام: «سُلْطَانُهَا دُوَّلٌ وعَيْشُهَا رَنِقٌ وعَذْبُهَا أُجَاجٌ وحُلْوُهَا صَبِرٌ وغِذَاؤُهَا سِمَامٌ وأَسْبَابُهَا رِمَامٌ»(3) ومرة (فيمن يبايع من ليس أهلًا للحكم) يقول علیه السلام: «أَصْفَيْتُمْ بِالأمْرِ غَيْرَ أَهْلِهِ وأَوْرَدْتُمُوهُ غَيْرَ مَوْرِدِهِ وسَيَنْتَقِمُ اللهُ مِمَّنْ ظَلَمَ مَأْكَلاً بِمَأْكَلٍ ومَشْرَباً بِمَشْرَبٍ مِنْ مَطَاعِمِ الْعَلْقَمِ ومَشَارِبِ الصَّبِرِ وَالَمقِرِ»(4) .

مما لا ريب فيه أنّ الأمثلة تضرب بالصبر للدلالة على مرارة الطعم يقال:

ص: 136


1- كتاب العين: (صبر): 7/ 115
2- م. ن
3- نهج البلاغة: الخطبة (111)/ 165
4- نهج البلاغة: الخطبة (158)/ 223

(أمر من الصبر)(1) لأمر صعب، والإمام في الصورة الأولى يأتي بالصبر، ويجعل حلو العذب للدنيا (صبر)؛ ليبين أنّه مهما ضحكت الدنيا فهي تخدعه يقول البحراني في شرحه: (ولفظي الاجاج- وهو المالح- والصبر لما يشوب لذّاتها من الكدر بالأمراض والتغيّرات، ووجه الاستعارات الاشتراك في الالتذاذ والإيلام)(2) .

في حين الصورة الثانية تبين أنّ ظلم الإنسان سيجزيه الله (سبحانه وتعالى) مشرباً مرّاً جزاءً لعمله، وما يلاقيه من جرّاء ذلك من الصعوبات.

يقول ابن أبي الحديد: (وأوردتموه غير ورده أنزلتموه عند غير مستحقه- ثم قال سيبدل الله مأكلهم اللذيذة الشهية- بمأكل مريرة علقمية- والمقر المر-)(3) .

لذا فدلالة السياق في الصورة الأولى على التحذير من لذائذ الدنيا بدلالة ذمها، ودلالته في الصورة الثانية الأهوال والشدائد لما يلاقي الإنسان من مبايعة من ليس أهلاً للحكم.

4- الضَّرَاء

(والضَّراءُ بالفتح والمدَّ الشجرُ المُلْتَفُّ في الوَادي يقال تَوارَى الصَّيْدُ منه في ضَرَاءِ وفلانٌ يَمْشِی الضَّراءَ إذا مَشَى مُسْتَخْفِياً فيما يُوارِي من الشَّجَر واسْتَضْرَيتُ للصَّيدِ إذا خَتَلْتَه من حيثُ لا يعلمَ والضَّراءُ ما وَارَاكَ من الشَّجَرِ

ص: 137


1- جمهرة الأمثال: العسكري: 1/ 184
2- شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 3/ 88
3- شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 9/ 219

وغيرِهِ وهو أَيضاً المشيُ فيما يُوارِيكَ عمن تَكِيدُه وتَختِلُه)(1) .

وردت هذه اللفظة في نهج البلاغة مرة واحدة في خطبة يصف بها المنافقين يقول علیه السلام: «وأُحَذِّرُكُمْ أَهْلَ النِّفَاقِ فَإِنَّهُمُ الضَّالُّونَ الُمضِلُّونَ والزَّالُّونَ الُمزِلُّونَ يَتَلَوَّنُونَ أَلْوَاناً ويَفْتَنُّونَ افْتِنَاناً... قُلُوبُهُمْ دَوِيَّةٌ وصِفَاحُهُمْ نَقِيَّةٌ يَمْشُونَ الَخفَاءَ ويَدِبُّونَ الضَّرَاءَ وَصْفُهُمْ دَوَاءٌ وقَوْلُهمْ شِفَاءٌ وفِعْلُهُمُ الدَّاءُ الْعَيَاءُ»(2) .

إنّ أكثر ابتلاءات الأمم تتأتى من المنافقين الذين يظهرون خلاف ما يبطنون؛ لذا أفرد الإمام علیه السلام خطبة خاصة عنهم؛ ليبين صفاتهم التي اتصفوا بها.

ومن صفاتهم (مشيهم الخفاء، ودبهم الضّاء) يقال: (دَبَّ النَّمْل يدِبُّ دَبيباً والمَدِبُّ موضع دَبيب النَّمْل ودَبَّ القومُ يَدِبُّون دَبيباً الى العَدُوِّ أي مَشوا على هَيْنَتِهم ولم يُسرِعوا)(3) يقول ابن أبي الحديد: (وهذا مثل يضرب لمن يختل صاحبه- يقال هو يدب له الضراء)(4) إذ بينّ الإمام أنهّم يتناجون بحركات خفية بينهم ولذا أعمالهم الفعلية والحركية تكون بالخفاء مثل الصيد الذي يتخفى بشجر الوادي الملتف فلا يُرى وهكذا هم، وفي هذا وصف أفعالهم من (السير، والدبيب) ضمن سياق الحال دلالة على التستر وإضمار الشر.

5- العَلْقَم

(شجر الحنظل. ولذلك يقال لكل شيء فيه مرارة شديدة: كأنه العلقم

ص: 138


1- لسان العرب: (ضرا): 14/ 482
2- نهج البلاغة: الخطبة (194)/ 307
3- كتاب العين: (دب): 8/ 12
4- شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 10- 167

والقطعة منه علقمة)(1) وقيل (هو شَحْمُ الحنظل ولذلك يقال لكل شيء فيه مرارة شديدة كأَنه العَلْقَم ابن الأَعرابي العَلْقَمَة النَّبِقة المُرَّةُ وهي الحَزْرة والعَلْقَمة المَرارة وعَلْقَمَ طعامَه أَمَرَّه كأَنه جعل فيه العَلْقَم وطعام فيه عَلْقَمَةٌ أي مرارة والْعَلْقَمُ أشدُّ الماء مرارة)(2) .

ورد ذكر هذه اللفظة في نهج البلاغة أربع مرات(3) وصف الإمام علیه السلام ما مرّ به من مواقف شديدة عليه، منها كلام له علیه السلام في التظلم، والتشكي من قريش يقول: «فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لِی رَافِدٌ ولا ذَابٌّ ولا مُسَاعِدٌ، إِلا أَهْلَ بَيْتِي؛ فَضَنَنْتُ بِهِمْ عَنِ الَمنِيَّةِ، فَأَغْضَيْتُ عَلَی الْقَذَى، وجَرِعْتُ رِيقِي عَلَی الشَّجَا، وصَبَرْتُ مِنْ كَظْمِ الغَيْظِ عَلَی أمَرَّ مِنَ العْلقْمِ، وآلَم للِقَلْبِ مِنْ وَخْزِ الشِّفَارِ»(4) .

لم يستعمل الإمام علیه السلام هذا النبات إلا في مواضع التشكي، والتظلم لما لاقاه من صعوبات، ولجأ الإمام إلى أسلوب الدعاء في بداية كلامه: «اللهُمَّ إِنِّی أَسْتَعْدِيكَ عَلَی قُرَيْشٍ».

(يقال: استعدى فلان السلطان على ظالمه أي استعان به)(5) ودلالة الفعل استعدى هنا: هو طلب المعونة من الله (سبحانه وتعالى) لأن بث الشكوى لا يكون لأحد غير الله وهذه نكتة أخلاقية تربوية ضمن السَّياق اللغوي.

ولما كان من أمر الخلافة ما جرى يبين الإمام الحالة التي كان بها (لا رافد

ص: 139


1- تهذيب اللغة: 1/ 413
2- لسان العرب: (علقم): 12/ 422
3- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (26)/ 68، الخطبة (138)/ 195، الخطبة (158)/ 223، كلامه (217)/ 336
4- نهج البلاغة: كلامه (217)/ 336
5- تهذيب اللغة: (عدا): 1/ 345

ولا ذاب ولا مساعد) بمعنى: لا ناصر ولامعين ولاطالب بحق الإمام علیه السلام ولم يكن الإمام من طلّب سلطة أو مال، وذلك بحسب الروايات المتواترة في حقه كون عنايته كانت من لدن الرسول صلی الله علیه و آله؛ ولذا نجد في هذا النص بيان للأمور التي تعرض لها الإمام في حياته التي منها: عدم اعطائه حقه في الحكم.

لذا لم تكن هنالك وقفة لأحد للإمام تذكر سوى (أهل بيته) ولكونهم الناصر؛ فقد بخل الإمام بهم حفاظاً عليهم وما ستجري عليه الأمور من الفتن(1) ، ثم يبين الصورة التي أصبح عليها يقول علیه السلام: «فَأَغْضَيْتُ عَلَی الْقَذَى» أي: (اطبقت عليه جفني. والقذى: ما يسقط في العين فيؤذيها)(2) «وجَرِعْتُ رِيقِي عَلَی الشَّجَا» والشجى هنا بمعنى: (ما يعرض في الحلق عند الغبن ونحوه لا يكاد يسيغ الإنسان معه الشراب)(3) ؛ ثم يقول: «وصَبْرتُ مِنْ كَظْمِ الْغَيْظِ عَلَی أَمَرَّ مِنَ الْعَلْقَمِ، وآلَ لِلْقَلْبِ مِنْ وَخْزِ الشِّفَارِ» كل هذه الصور التي صوّرها الإمام عن حاله كانت أوضح دليل على بيان مظلوميته وقد استعمل العين الباصرة في هذه الصورة وما يصيبها من قذى فيؤذيها وتوظيف العين هنا في السياق كدليل على المعرفة في رؤية الحق المعنوية أي بمنظور حسي بدليل قوله الأول (فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لِی رَافِدٌ) إلى أن يصل إلى شدة التظلم والتشكي في استسقائه رمزا من رموز الطبيعة المعروفة أنذاك، وهو العلقم حيث لا تستسيغه لمرارته الشديدة لذا فهو يؤلم القلب أكثر من الشفار، (والشفار جمع شفرة وهي حد السيف والسكين)(4) ومن هنا يتم

ص: 140


1- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 11/ 110
2- شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 2/ 26
3- شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 2/ 26
4- شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 11/ 110

بيان الألم المعنوي لا المادي، فدلالة السياق تشير إلى شدة الألم المعنوي النفسي في استعماله لحاستي البصر والتذوق ذي دلالة واضحة على ذلك، فما يصيب العين يؤذي النفس، وما يصيب الفم يؤذيها أيضا.

6- المُرَار

شجر مُرٌّ ومنه بنو آكِلِ المُرارِ قومٌ من العرب وقيل المُرارُ حَمْضٌ وقيل المُرارُ شجر إِذا أَكلته الإِبل قلَصت عنه مَشافِرُها واحدتها مُرارَةٌ هو المُرارُ بضم الميم وآكِلُ المُرارِ معروف قال أَبو عبيد أَخبرني ابن الكلبي أَن حُجْراً إِنما سُمَّي آكِلَ المُرارِ أَن ابنةً كانت له سباها ملك من ملوك سَلِيحٍ يقال له ابن هَبُولَةَ فقالت له ابنة حجر كأَنك بأَبي قد جاء كأَنه جملٌ آكِلُ المُرارِ يعني كاشِراً عن أَنيابه فسمي بذلك... والمُرارَةُ أَيضاً بقلة مرة وجمعها مُرارٌ(1) .

وردت هذه اللفظة في النهج مرة واحدة ومن خطبة له علیه السلام تسمى القاصعة وفيها ذم إبليس وتحذير الناس من سلوك طريقته يقول: «وتَدَبَّرُوا أَحْوَالَ الماضِينَ مِنَ الُمؤْمِنِينَ قَبْلَكُمْ كَيْفَ كَانُوا فِی حَالِ التَّمْحِيصِ والْبَلاءِ أَلَمْ يَكُونُوا أَثْقَلَ الَخلائِقِ أَعْبَاءً وأَجْهَدَ الْعِبَادِ بَلاءً وأَضْيَقَ أَهْلِ الدُّنْيَا حَالاً اتَّخَذَتْهُمُ الْفَرَاعِنَةُ عَبِيداً فَسَامُوهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وجَرَّعُوهُمُ الُمَرارَ فَلَمْ تَبْرَحِ الَحالُ بِهِمْ فِی ذُلِّ الَهلَكَةِ وقَهْرِ الْغَلَبَةِ»(2) من الأمور التي حثّ الإمام علیه السلام عليها في نهج البلاغة كثيرا هو الحذر، وقد جاء الحذر هنا ضمن السياق التاريخي من استذكار أحداث الأمم السالفة بالقرينة اللفظية الفعل (تدبّروا) أي: تفكّروا، ولاستذكار الأمم السابقة وما مرّت به من أحداث في التمحيص أثر

ص: 141


1- لسان العرب: (مرر): 5/ 165
2- نهج البلاغة: الخطبة (92)/ 296

كبير في المجتمع، فيتدبرها بنزع المرء إلى الحذر من الوقوع في مشابك الشيطان وقصص الأنبياء علیه السلام حافلة بذلك.

وأوضح الإمام باستفهام انكاري لمن لا يحذر الشيطان ويمشي في طريقه استسهالا لذلك يذكره بما جرى على المؤمنين السابقين من بلاءات وابتلاءات جمة.

فقد ذكر الإمام علیه السلام الفراعنة، وما جرى على المؤمنين في ذلك الزمن، فهو يصف حالهم آنذاك بتعذيبهم بشدة وسومهم سوء العذاب، وقد ذكر تجرعهم المُرار لشدة ما لاقوا من العذاب للحفاظ على دينهم وفي هذا إشارة واضحة إلى الجهاد؛ لغلبة الشيطان، ومقاومة العدو بالصبر، لذا تتأتّى دلالة السياق على الصبر، والتجلّد، وجهاد النفس.

7- النَّخْل

(النون والخاء واللام: كلمةٌ تدلُّ على انتقاء الشَّیء واختياره. وانتخلته: استقصيت حَتّى أخذتُ أفضلَه. وعندنا أنَّ النَّخلَ سمِّي به لأنَّه أشرف كلِّ شجرٍ ذي ساق، الواحدة نَخْلة. والنَّخْل: نَخلك الدَّقيق بالمُنْخُل... والنَّخْل:

ضربٌ من الحَلْی على صورة النَّخْل)(1) ، و (النَّخلة شجرة التمر الجمع نَخْل ونَخِيل وثلاث نَخَلات)(2) .

ذكرت هذه اللفظة في النهج مرتين، وقد وردت في وصية الإمام إلى ولده الحسن علیه السلام يقول فيها: «فَاسْتَخْلَصْتُ لَكَ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ نَخِيلَهُ وتَوَخَّيْتُ لَكَ

ص: 142


1- معجم مقاييس اللغة: (نخل): 5/ 407
2- لسان العرب: (نخل): 11/ 651

جَمِيلَهُ وصَرَفْتُ عَنْكَ مَجْهُولَهُ ورَأَيْتُ حَيْثُ عَنَانِی مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِي الْوَالِدَ الشَّفِيقَ وأَجْمَعْتُ عَلَيْهِ مِنْ أَدَبِكَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ»(1) .

النخلة معروفة وهنا لم يأت ذكر النخل كشجر؛ وأنما ورد بمعنى: الصفو والخلاصة والاختيار(2) ، فدلالة السياق هنا على انتقاء الأمور الحسنة الجيدة لولده الحسن علیه السلام بمدة قصيرة واستفادة كبيرة، يقول الموسوي: (في هذا الفصل الشريف من الوصية بيان مرغب لقبولها ودفع لما يتوهم من أنه كيف يقبلها الإنسان وهي تجربة لزمن قصير وأيام معدودة)(3) .

كما وردت لفظة (النخلة) في سياق مختلف ضمن خطبة يصف خلق النملة والنخلة يقول: «مَا دَلَّتْكَ الدَّلالَةُ إِلا عَلَی أَنَّ فَاطِرَ النَّمْلَةِ هُوَ فَاطِرُ النَّخْلَةِ لِدَقِيقِ تَفْصِيلِ كُلِّ شَیْءٍ»(4) يقول الأصفهاني: (الصِّغَرَ والكِبرَ من الأسماء المُّتضادَّة، التي تُقال عند اعتبار بعضها ببعض، فالشيء قد يكون صغيراً في جنب الشيء، وكبيراً في جنبٍ آخر، وقد تُقال تارةً باعتبار الزمان فيقال: فُلان صغير وفلان كبير إذا كان مالهُ من السنين أقل مما للآخر، وتارةً تقال باعتبار الجِثة، وتارةً باعتبار القَدْر والمنزلة)(5) .

وشتان ما بين النملة والنخلة من صغر حجم النملة إلى طول حجم النخلة(6) ، فالمفارقة بينهما في الحجم بالنسبة للجثة، ويشتركان في الوزن الصرفي

ص: 143


1- نهج البلاغة: الوصية (31)/ 394
2- ينظر: اختيار مصباح السالكين: 507
3- شرح نهج البلاغة (السيد عباس الموسوي) 4/ 287
4- نهج البلاغة: الخطبة (185)/ 271
5- مفردات ألفاظ القرآن: الاصفهاني: 1/ 581
6- ينظر: ألفاظ النبات في نهج البلاغة دراسة في المعجم والدلالة (بحث): م. كريمة نوماس المدني: 229، مجلة أهل البيت: العدد العاشر، رجب1431ه، 2010م

لكليهما فهما على وزن صرفي واحد وهو (فَعْلَة) كما تكون دلالة (فاطر) اسم فاعل على وزن (فاعل) صيغة مشتركة بينهما (قال ابن عباس رضي الله عنهما ما كنت أَدري ما فاطِرُ السموات والأَرض حتى أَتاني أَعرابيّان يختصمان في بئر فقال أَحدهما أَنا فَطَرْتُها أَي أَنا ابتدأْت حَفْرها)(1) ، ودلالة السياق في قول الإمام علیه السلام واضحة في إثبات قدرة الخالق في ابتداء خلق الأشياء، والضمير المنفصل (هو) تأكيد أيضاً على واحدية الخالق (سبحانه وتعالى).

ووردت الودية مرة واحدة(2) التي هي (الفسيلة)(3) ، كما وردت من أسماء الشجر الأخرى (العظلم) مرة واحدة(4) و (الوسمة) مرة واحدة(5) أيضاً.

ينظر جدول إحصائي (6) للوحدات الدلالية للأشجار في نهج البلاغة- صفحة299.

***

ص: 144


1- لسان العرب: (فطر): 5/ 55
2- نهج البلاغة: الوصية (24)/ 379
3- قال الرضي: (الودية الفسيلة وجمعها ودي) ينظر: نهج البلاغة: الوصية (24)/ 380
4- نهج البلاغة: كلامه (224)/ 346
5- نهج البلاغة: الخطبة (165)/ 137

المبحث الثاني: النباتات

1- البَذْر

(الباء والذال والراء أصلٌ واحد، وهو نَثْرُ الشيءِ وتفريقُه. يقال بذرْتُ البَذْرَ أبْذُرُهُ بَذْراً، وبذَّرت المالَ أبَذِّرُه تبذيراً. قال الله تعالى: «وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّياطِينِ»(1) ، (والبُذُر القومُ لا يكتمُون حديثاً، ولا يحفَظُون ألسِنتَهم. قال عليٌّ علیه السلام «أُولئك مَصابيحُ الدُّجَى، ليسوا بالمَسَاييح ولا المَذَايِيع البُذُر»، فالمذاييع الذين يُذيعون، والبُذُر الذين ذكرناهم)(2) ، ويذكر صاحب المخصص: (الشجر وجميع النبت إذا طلع من الأرض فنجم فهو بذرٌ قبل أن يتلون بلون أو تعرف وجوهه)(3) .

وردت هذه اللفظة مرة واحدة، من خطبة له وصف جوهر الرسول، ويصف العلماء، ويعظ بالتقوى يقول علیه السلام: «وَاعْلَمُوا أَنَّ عِبَادَ الله المسْتَحْفَظِينَ عِلْمَهُ... لا تَشُوبُهُمُ الرِّيبَةُ ولا تُسْرعُ فِيهِمُ الْغِيبَةُ عَلَی ذَلِكَ عَقَدَ خَلْقَهُمْ وأَخْلاقَهُمْ فَعَلَيْهِ يَتَحَابُّونَ وبِهِ يَتَوَاصَلُونَ فَكَانُوا كَتَفَاضُلِ الْبَذْرِ يُنْتَقَى فَيُؤْخَذُ

ص: 145


1- الإسراء: 26- 27
2- معجم مقاييس اللغة: (بذر): 1/ 216
3- المخصص: 2/ 323

مِنْهُ ويُلْقَى قَدْ مَيَّزَهُ التَّخْلِيصُ وهَذَّبَهُ التَّمْحِيصُ»(1) .

تشير الخطبة إلى ذكر أصناف من الناس من الأجدر أن يقتدى بهم ويحتذى، ومن بين هذه الأصناف (العلماء)، ومن صفاتهم أنّهم يتحابون ويتواصلون فيما بينهم، ثم شبههم الإمام بالبذور عندما يريد أحدهم أن يُفَاضِلَ بينها فيختار الجيد؛ يقول ابن أبي الحديد: (أي مثلهم مثل الحب الذي يُنْتَقى للبذر- يستصلح بعضه ويسقط بعضه-. قد ميزه التخليص قد فرق الانتقاء بين جيدة ورديئة-)(2) ، وسياق الحال يبين جوهر اختيار هذا الحب الجيد من غيره أنه منتقى وجوهر اختيارهم وتفضيلهم على الناس أنهم مميزون بالإخلاص وقد هذبوا بالتمحيص؛ فلذا دلالة السياق تبين صفات العلماء المختارين من غيرهم، فدلَّ السياق على الإخلاص.

2- البَقْل

(ما ليسَ بشَجَرٍ دِقٍّ ولا جِلٍّ وفَرْقُ ما بينَ البَقْل ودِقِّ الشَّجَر أنَّ البَقْل إذا رُعِيَ لم يَبْقَ له ساقٌ والشَّجَرُ تبقَى له سُوقٌ وإنْ دَقَّتْ وابتَقَلَ القَوْمُ إذا رَعَوا البَقْلَ والإِبِلُ تَبْتَقِل وتَتَبَقَّلُ أي تأكُلُ البَقْلَ)(3) وهو (نبات عشبي يغتذي الإنسان به أو بجزء منه دون تحويله صناعيا)(4) .

وردت هذه اللفظة مرتين في نهج البلاغة يقول الإمام علیه السلام في خطبة له يذكر فيها الأنبياء وزهدهم في الدنيا وتركهم لها: «وَإِنْ شِئْتَ ثَنَّيْتُ بمِوسَى

ص: 146


1- نهج البلاغة: الخطبة (214)/ 331
2- شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 11/ 82
3- كتاب العين: (بقل): 5/ 169- 170
4- المعجم الوسيط: (بقل): 1/ 139

كَلِيمِ الله صلی الله علیه و آله حَيْثُ يَقُولُ رَبِّ إنِّی لمِاِ أَنْزَلْتَ إلِیَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ والله مَا سَأَلَهُ إلِا خُبْزاً يَأْكُلُهُ لأَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ بَقْلَةَ الأرْضِ ولَقَدْ كَانَتْ خُضْرَةُ الْبَقْلِ تُرَى مِنْ شَفِيفِ صِفَاقِ بَطْنِهِ لُهِزَالِهِ وتَشَذُّبِ لَحمِهِ»(1) .

يضرب الإمام علیه السلام المثل بالأنبياء والرسل بذكر مقتطفات من سيرهم، وبعد ذكر الرسول صلی الله علیه و آله يثني كلامه بموسى علیه السلام إذ يصف حاله من شدة جوعه وصفاً دقيقاً كدليل على زهده بالدنيا وذمها، وكان موسى يأكل البقلة، وقد ذكره مقتدياً بما ورد في القرآن الكريم على لسانه حين قال: «رَبِّ إنِّی لماِ أنْزَلْتَ إلِیَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ»(2) فقد جاء في تفسير هذه الآية ضمن السياق الدلالي أنّ الأغلب ذهبوا إلى سؤاله عن الطعام لسد جوعه(3) ؛ بينما ذهب الميداني إلى أنّ المقصود: (يشير باستحياء إلى حاجته إلى الزوجة إشارة خفيَّة لا تُعْرف إلاَّ من قرينة الحال)(4) .

إلّا إنّه في ترتيب سياق الحال نجد أنّ في ذلك إشارة واضحة إلى ما رآه الإمام من شدة جوع موسى، واستشعار حاجته لله على الرغم مما يملك من القوة الجسمانية إلّا إنّ الإمام بيّن بكلامه على موسى أنّه ليس عنده من طعام سوى البقل، وهو ما ينبت من خضرة الأرض، ولوصف شدة جوعه، فقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف بطنه لشدة هزاله وضعفه لذا، فدلالة السياق بينت مقصد الإمام من الزهد في الدنيا، وذمها والرجوع لله في كل الأحوال، وشتان ما بين طلبه الخبز وطلبه الزوجة وهذا ما ذهب إليه الإمام

ص: 147


1- نهج البلاغة: الخطبة (160)/ 226- 227
2- القصص: 24
3- ينظر: تفسير الميزان: 16/ 12
4- البلاغة العربية أسسها، وعلومها، وفنونها: الميداني: 1/ 49

مما يوافق سياق الحال.

3- الحَسك

(الحَسَكُ نبات له ثمرة خشنة تَعْلَقُ بأَصواف الغنم وكل ثمره تشبهها نحو ثمرة القُطْب والسَّعْدَان والهَرَاسِ وما أَشبهه حَسَك واحدته حَسَكة وقال أَبو حنيفة: هي عُشْبة تضرب على الصفرة ولها شوك يسمى الحَسَك أَيضاً مُدَحْرَجٌ لا يكاد أَحد يمشي عليه إِذا يبس إِلاَّ مَنْ في رجليه خُفّ)(1) .

وردت هذه اللفظة في نهج البلاغة مرتين يقول علیه السلام: «فَكَمْ أكَلَتِ الأرْضُ مِنْ عَزِيزِ جَسَدٍ وأَنِيقِ لَوْنٍ كَانَ فِی الدُّنْيَا غَذِيَّ تَرَفٍ ورَبِيبَ شَرَفٍ يَتَعَلَّلُ بِالسُّرورِ فِی سَاعَةِ حُزْنِهِ ويَفْزَعُ إِلَ السَّلْوَةِ إِنْ مُصِيبَةٌ نَزَلَتْ بِهِ ضَنّاً بِغَضَارَةِ عَيْشِهِ وشَحَاحَةً بِلَهْوِهِ ولَعِبِهِ فَبَيْنَا هُوَ يَضْحَكُ إِلَی الدُّنْيَا وتَضْحَكُ إِلَيْهِ فِی ظِلِّ عَيْشٍ غَفُولٍ إِذْ وَطِئَ الدَّهْرُ بِهِ حَسَكَهُ ونَقَضَتِ الأيَّامُ قُوَاهُ ونَظَرَتْ إِلَيْهِ الُحتُوفُ مِنْ كَثَبٍ»(2) .

كثيرة هي مواعظ الإمام وحكمه وأقواله وأفعاله؛ في ذم الدنيا، وتركها لا بل هجرها والزهد فيها، ونلاحظ هنا صورة متكاملة ضمن كلامه؛ إذ يبين الإمام ما سيؤول إليه هذا الجسد بعد أن يُبلى، وتبدل ساعة السرور إلى ساعة الحزن، ويصوّر مدى التعلق بالدنيا، فيستعير الضحك للدنيا؛ حتى ينقلب عليه الأمر إلى غير ذي رجعة إلى ما كان عليه.

ويكشف لنا سياق الموقف أو الحال عن مدى تأثير الحدث اللغوي

ص: 148


1- لسان العرب: (حسك): 10/ 411
2- نهج البلاغة: كلامه: (221)/ 341

في المتلقي إذ يقول الإمام بينا الإنسان في غفلة من أمره: «وطىء الدهر به حسكه» جاء في منهاج البراعة: (أي أنشب شوكه فيه واستعار الحسك لآلام الدّهر وأسقامه وحوادثه الموجبة لأذاه كإيجاب الحسك للأذى)(1) فلا يستطيع أحد ان يطأ الحسك لما يسبب له من ألم وأذى شديدين؛ إلا إذا لبس الخف، وكذلك الدهر لا يسلمُ أحدٌ منه، ولا المترفين الذين ظنوا أنّ النعم لن تزولَ، فدلالة السَّياق التنبيه من الغفلة؛ لكي لا يلاقيَ الإنسان المصاعب والشدائد في هذه الدنيا.

وفي سياق مختلف يضرب الإمام المثل ب (حسك السعدان)، والسعدان: (نبت ذو شوك كأَنه فَلْكَةٌ يَسْتَلْقِي فينظر إِلى شوكه كالحاً إِذا يبس ومَنْبتُهُ سُهول الأَرض وهو من أَطيب مراعي الإِبل ما دام رطباً والعرب تقول أَطيب الإِبل لبناً ما أَكلَ السَّعْدانَ)(2) إذ يقول في تبرئهِ من الظلم: «وَالله لَاَنْ أَبِيتَ عَلَی حَسَكِ السَّعْدَانِ مُسَهَّداً أَوْ أُجَرَّ فِی الأغْلالِ مُصَفَّداً أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى الله ورَسُولَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ظَالِماً»(3) ، فهنا يأتي الإمام ليبين في كلامه أنّ المبيت مسهد أي مؤرق أو جر الأثقال وهو مصفد أهون من الظلم ودلالة السياق تبين تبرُّؤ الإمام علیه السلام من الظلم.

4- الحَصِيد

(«حصد» الحاء والصاد والدال أصلان: «أحدهما» قطْع الشيء، والآخر إحكامه. وهما متفاوتان. فالأول حصدتُ الزّرعَ وغيرَه حَصْدا. وهذا زمَنُ

ص: 149


1- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (الخوئي) 14/ 237
2- لسان العرب: (سعد): 3/ 213
3- نهج البلاغة: كلامه (224)/ 346

الحَصاد والحِصاد. وفي الحديث: «وهَلْ يكُبُّ الناسَ على مَناخِرِهم في النار إلا حصائدُ ألسنتهم؟»(1) . فإن الحصائد جمع حَصِيدة، وهو كلُّ شيءٍ قيل في الناس باللِّسان وقُطِع به عليهم)(2) .

وردت هذه اللفظة ثلاث مرات في نهج البلاغة بمسميات مختلفة: منها قوله علیه السلام إلى عامله على البصرة: «والله لَوْ تَظَاهَرَتِ الْعَرَبُ عَلَی قِتَالِی لَما وَلَّيْتُ عَنْهَا ولَوْ أَمْكَنَتِ الْفُرَصُ مِنْ رِقَابِهَا لَسَارَعْتُ إِلَيْهَا وسَأَجْهَدُ فِ أَنْ أُطَهِّرَ الأرْضَ مِنْ هَذَا الشَّخْصِ الَمعْكُوسِ والْجِسْمِ الَمرْكُوسِ حَتَّى تَخْرُجَ الَمدَرَةُ مِنْ بَيْنِ حَبِّ الَحصِيدِ»(3) .

لمّا خاطب الإمام عامله على البصرة من كتاب بعثه إليه يبين الأسلوب التي ينتهجه الإمام علیه السلام في الحكم، ومن بين هذه الأساليب هو سعيه لإقامة العدل مهما كلفه الأمر ليستخلص المؤمن من الكافر يقول ابن أبي الحديد: (حتى تخرج المدرة من بين حب الحصيد- أي حتى يتطهر الدين وأهله منه- وذلك لأن الزراع يجتهدون في إخراج المدر- والحجر والشوك والعوسج ونحو ذلك- من بين الزرع كي لا تفسد منابته- فيفسد الحب الذي يخرج منه- فشبه معاوية بالمدر ونحوه من مفسدات الحب- وشبه الدين بالحب الذي هو ثمرة الزرع)(4) ، والإمام أراد أن يبين أنه على الحق والذي يكون بدولته يجب أن يسير على هذا الطريق؛ لذا فدلالة السياق تبين استخلاص الجيد من الرديء من حب الحصيد، أو إقامة العدل والحق ونبذ الباطل.

ص: 150


1- الدر المنثور: 3/ 499
2- معجم مقاييس اللغة: (حصد): 2/ 71
3- نهج البلاغة: الكتاب (45)/ 418- 419
4- شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 16/ 292

ومنها قوله في ذكر الفتنة يقول علیه السلام: «وتَدُوسُكُمْ دَوْسَ الَحصِيدِ وتَسْتَخْلِصُ الُمؤْمِنَ مِنْ بَيْنِكُمُ اسْتِخْلاصَ الطَّيْرِ الَحبَّةَ الْبَطِينَةَ مِنْ بَيْنِ هَزِيلِ الَحبِّ»(1) يبين الإمام أنه عندما تأتي الفتنة، فإنها تطبق عليكم كما هو الحال في دوس الحصيد لاستخراج الحب الجيد من الرديء، فتستخلص المؤمن كما يستخلص الطير الحب الجيد السمين من الهزيل(2) ، ودلالة السياق هو الاستخلاص للحق من الباطل، وللخير من الشر وهو التمحيص.

5- الرَيْحان

(والرَيْحان: نَبْتٌ معروفٌ. والريحان: الرِزْقُ. تقول: خَرَجْتُ أبتغي رَيْانَ الله. وفي الحديث: «الوَلَد من رَيْانِ الله» وقولهم: سَبْحانَ الله ورَيْحانَه، نَصَبوههما على المصدر، يُريدونَ تَنْزيهاً له واسترزاقاً. وأما قوله تعالى: «والحَبُّ ذُو العَصْفِ والرَيْحانُ»(3) فالعَصْفُ: ساقُ الزرعِ، والرَيْحانُ:

وَرَقُهُ)(4) وقيل بإنَّه: (كلُّ بَقْل طَيِّب الريح، واحدته رَيْحانه، وقيل: الرَّيحْانُ أطراف كلِّ بقلة طيبة الريح أذا خرج عليها أوائل النَّور)(5) .

وردت هذه اللفظة ثلاث مرات في نهج البلاغة(6) يقول في خطبة له يوصي بها ولده الحسن علیه السلام: «وإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلا يَعْرِفْنَ غَيْرَكَ فَافْعَلْ ولا

ص: 151


1- نهج البلاغة: الخطبة (108)/ 157
2- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 3/ 46
3- الرحمن: 12
4- الصحاح: (روح): 1/ 276
5- لسان العرب: (روح): 2/ 455
6- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (160)/ 227، الوصية (31)/ 405، الحكمة (120)/ 490

تُمَلِّكِ الَمرْأَةَ مِنْ أَمْرِهَا مَا جَاوَزَ نَفْسَهَا فَإِنَّ الَمرْأَةَ رَيْحَانَةٌ ولَيْسَتْ بِقَهْرَمَانَةٍ»(1) ، ومن سؤال أحدهم عن قريش فيجيب علیه السلام: «أَمَّا بَنُو مَخْزُومٍ فَرَيْحَانَةُ قُرَيْشٍ نُحِبُّ حَدِيثَ رِجَالِهِمْ والنِّكَاحَ فِی نِسَائِهِمْ وأَمَّا بَنُو عَبْدِ شَمْسٍ فَأَبْعَدُهَا رَأْياً وأَمْنَعُهَا لَمِا وَرَاءَ ظُهُورِهَا»(2) .

لو تتبعنا لفظة (ريحانة) في النصين نجد إنّ كليهما دلّا على: التشبيه على إختلاف المشبه فالأول كان للمرأة والثاني لبني مخزوم؛ ولكن ما كان قصد الإمام بالتشبيه الأول؟ وما قصده بالتشبيه الثاني؟ يكشف لنا السياق النحوي أنّ النص الأول جاء بيان الإمام علیه السلام لولده الحسن حول كيفية التعامل مع المرأة، إذ يبين الإمام أنّ في المرأة صفات لا تجعلها قادرة على تحمل المسؤوليات الصعبة، فيؤكد ب (إنًّ) المرأة ريحانة وليست بقهرمانة(3) ، ويبدو أنّ تشبيه الإمام لها بالريحانة من باب رقتها يقول الشيرازي عن ذلك: (وهذا يعني أنّ النساء وبسبب ما يملكن من الحالات العاطفية واللطائف الروحية لا يستطعن تولي الأمور الصعبة وإدارة القضايا المعقدة)(4) ، ثم يعلل سبب ذلك بقوله (نعلم أنّ الورود والرياحين تملك في حدّ ذاتها مزايا كثيرة، فهي عنصر لخلق السكينة والراحة النفسية، وكذلك

ص: 152


1- نهج البلاغة: الوصية (31)/ 405
2- نهج البلاغة: الحكمة (120)/ 489- 490
3- جاء في تاج العروس: 33/ 322: (هُوَ المُسيْطِرُ الحَفِيظُ على مَا تْحَتَ يَدَيْه... قَالَ سِيبَوَيْه: هُوَ فارِسِیٌّ، والقَهْرَمَانُ لُغَةٌ فِيهِ. وَقَالَ ابنُ بَرِّيّ: القَهْرَمَانُ: من أُمَناءِ المَلِكِ وخَاصَّتِه. فارِسِیٌّ مُعَرَّب. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: يُقَال: قَهْرَمَانٌ وقَرْهمانٌ مَقْلُوب، وَهُوَ بِلُغَةِ الفُرْسِ القائِمُ بِأمُورِ الرَّجُلِ)
4- نفحات الولاية: 10/ 603

تعتبر زينة، ولها فوائد كثيرة أخرى، ولكن في ذات الوقت فهي كائن لطيف ورقيق... فالحقيقة أنّ هذه الجملة إشارة إلى أن المشاعر والعواطف للنساء هي الغالبة)(1) .

وفي النص الثاني جاء جواباً للسائل ويبدو أنّ التشبيه جاء لغرض بيان الرائحة الزكية وجمال الخَلْق لبني مخزوم كما ذكر ابن ميثم البحراني: (وكان لمخزوم ريح طيّبة كالخزامى ولونا كلونه، والولد يشبه الوالد غالبا، ولذلك كانت هذه البطن تسمّى بريحانة قريش، وكانت المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم تسمّى بذلك. وقيل: لأنّه كان في رجالهم كيس لذلك يحبّ الحديث إليهم وفي نسائهم لطف وتصنّع وتحبّب إلى الرجال ولذلك يحبّ نكاحهم)(2) .

ومن هنا جاء بيان مقصد الإمام من توظيفه لهذه النبتة الجميلة ذات الرائحة الزكية فتشير دلالة السياق في الأول إلى الدعوة للتعامل الرقيق مع المرأة من دون أن تتحمل مسؤولية، وفي دلالة السياق الثاني جاء بياناً للجمال والرائحة الزكية.

6- الشيح

(الشِّيحُ، بِالْكَسْرِ: نَبْتٌ) سُهْليّ يُتَّخَذ من بعضِه المَكَانِس، وَهُوَ من الأَمرَارِ، لَهُ رائحةٌ طَيِّبة وطَعْمٌ مُرُّ، وَهُوَ مَرْعًى للخَيْل والنَعَم، ومَنَابتُه القيعَانُ والرِّياض... وَجمعه (شِيحانٌ)(3) .

ص: 153


1- م. ن: 10/ 609
2- شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 5/ 305
3- تاج العروس: (شيح): 6/ 511- 512

وردت هذه اللفظة في النهج مرة واحدة من خطبة له تسمى القاصعة وقد ذكرت ورود مفردة (المُرار) فيها يقول علیه السلام: فَاعْتَبِرُوِا بِحَالِ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ وبَنِي إِسْحَاقَ وبَنِي إِسْرائِيلَ علیه السلام فَمَا أَشَدَّ اعْتِدَالَ الأحْوَالِ وأَقْرَبَ اشْتِبَاهَ الأمْثَالِ تَأَمَّلُوا أَمْرَهُمْ حَالِ تَشَتُّتِهِمْ وتَفَرُّقِهِمْ لَيَالِی كَانَتِ الأكَاسِرَةُ والْقَيَاصِرةُ أَرْبَاباً لَهمْ يَحتَازُونَهُمْ عَنْ رِيفِ الآفَاقِ وبَحْرِ الْعِرَاقِ وخُضرَةِ الدُّنْيَا إِلَی مَنَابِتِ الشِّيحِ ومَهَافِی الرِّيحِ ونَكَدِ المعْاشِ فَتركَوهُمْ عَالَةً مَسَاكِينَ إِخْوَانَ دَبَرٍ ووَبَرٍ أَذَلَّ الأمَمِ دَاراً وأَجْدَبَهمْ قَرَاراً»(1) أيضاً يشير السياق التاريخي إلى بيان أحوال الأمم السابقة، ويدلل عليها بلفظة الفعل (اعتبروا)، والمعتبر بأحوال الأمم السابقة لن يكون مثلها في العناد، ويذكر الاعتبار بحال ولد إسماعيل وبني إسحاق وغيرهم.

لذا فهذه الخطبة ذكرت نوعين من النبات تربطهما دلالة واحدة، وهي المرارة لما كان يلاقيه أصحاب الأمم السابقة في السياق ذاته والدهر يتكرر.

ولو وقفنا وقفة قصيرة حول مضامين هذه الخطبة؛ ولا بد بالأول من بيان سبب تسميتها ب (القاصعة) يقول الفراهيدي (ت175ه): (القَصْعُ: ابتِلاعُ جُرَعِ الماء والبَعِيرُ يقصَعُ جِرَّته إذا رَدَّها إلى جَوْفِهِ... والماءُ يَقْصَعُ العَطَشَ: أي يَقْتُلُه وقَصَعَ صُؤاباً أو قَمْلةً: أي قَتَلها بين ظُفُرَيْهِ وقَصَعْتُ رأس الصَّبِيَّ: ضرَبتُه ببُسْط الكَفِّ على هامته وقَصَع اللهُ شَبابه: أي ذهب به وقَتَلَه)(2) ويذكر الدكتور صبحي الصالح بقوله: (القاصعة: من قصع فلان

ص: 154


1- نهج البلاغة: الخطبة (92)/ 297
2- كتاب العين: (قصع): 1/ 128

فلاناً: أي حقّره، لأنه علیه السلام حقر فيها حال المتكبرين)(1) .

ومن هذا يتبين معنى القاصعة أي: الضاربة التي ضرب بها الإمام علیه السلام المخاطبين في مقام: التذكير، والتأنيب، والتحذير، فضلاً عن التحقير لحال المتكبرين، وتعد من الخطب الطوال إذ تضمُّها سبع عشرة صفحة(2) .

وعودة إلى من ذكّر بهم الإمام من ولد إسماعيل وغيرهم كيف لاقوا من الأكاسرة بدلالة الفعل (يحتازونهم) أي: يفصلونهم ويجمعونهم ويخرجونهم(3) ؛ لذلك الإمام شبّه أحوال المخاطبين بحال هؤلاء وأراد منهم الاعتبار، وتشير دلالة سياق الحال إلى تغير الأحوال لمن ذكرهم الإمام علیه السلام في النص وللمخاطبين أيضاً، فيذكرهم بأن معيشة الأقوام الذين سبقوهم أصبحت نكداً لتحول المعيشة من الرفاهية إلى منابت الشيح حيث نبت قليل، وعيش ضنك(4) ، فيدل السياق على أخذ الاعتبار من حالهم حيث نزولهم بأرض جدب وتحوّل حالهم من حال إلى حال.

7- العُشب

(الكلأ الرطَّب وهو سَرَعَانُ الكلأ أيْ: أوله في الّبيع ثُمَّ يَهِيجُ فلا بقاءَ له وأرض عَشِبَةٌ مُعْشِبَةٌ قد أَعْشَبَتْ واعشَوْشَبَتْ أيْ: كثر عُشْبُها وطال والتفّ وأَعْشَبَ القَوْمُ واعشوشبوا أصابوا عُشْباً وأرض عَشِبَة بيّنة العَشابة

ص: 155


1- نهج البلاغة: 650
2- ينظر: نهج البلاغة: 285وما بعدها
3- ينظر: بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة 2/ 284، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (الراوندى) 2/ 262
4- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 4/ 297

ولا يُقَالُ: عَشِبَتِ الأرضُ ولكن أعشبت وهو القياس)(1) (واحدته: عُشْبة. وجمع العُشْب: أعشاب)(2) .

وردت هذه اللفظة في النهج أربع مرات(3) . من كتاب له علیه السلام إلى عامله على البصرة، ولو تتبعنا هذا الكتاب ضمن مجال ألفاظ الطبيعة لوجدنا فيه جانباً لا بأس به من ألفاظ الطبيعة المتنوعة؛ فمن بين الألفاظ المستخرجة للحيوان فيما سبق (أتان دبرة) ومن بين النباتات (الحصيد، والعشب) وربّ سائلٍ يسأل ما سبب استعمال هذه الألفاظ دون غيرها؟ والجواب فضلاً عمّا ما مرّ تحليله لكل لفظة أن مقتضى الحال اقتضى استعمال هذه الألفاظ دون غيرها وكانت دلالة السياق على التنوع واضحة.

جاء في الكتاب: «أَتَمتَلِئُ السَّائِمَةُ مِنْ رِعْيِهَا فَتَبْرُكَ؟ وتَشْبَعُ الرَّبِيضَةُ مِنْ عُشْبِهَا فَتَرْبِضَ؟ ويَأْكُلُ عَلِیٌّ مِنْ زَادِهِ فَيَهْجَعَ! قَرَّتْ إِذاً عَيْنُهُ إِذَا اقْتَدَى بَعْدَ السِّنِينَ الُمتَطَاوِلَةِ بِالْبَهِيمَةِ الَهامِلَةِ»(4) .

هنا يعطي الإمام علیه السلام صورة لعامله حينما دُعي إلى وليمة كتب له الكتاب لأجل: (التذكير والتأنيب والموعظة ولفت الانتباه فضلاً عن تصحيح مساره)، وعلى الرغم من تعدد صور الحيوان الأليف؛ إلا أنّ السياق الدلالي يبين وجه الربط بين ما ذكره الإمام من طعام الإنسان (زاده)، ومن طعام الحيوان (العشب)، وإذا كان الإنسان همه بطنه أصبح شبيهاً بالحيوان، وفي

ص: 156


1- كتاب العين: (عشب): 1/ 262
2- المحكم والمحيط الاعظم: 1/ 133
3- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (91)/ 133، الخطبة (143)/ 200، الوصية (25)/ 382، الكتاب (45)/ 420
4- نهج البلاغة: الكتاب(45)/ 420

كلام الإمام علیه السلام اقذاع لعامله بدلالة قوله: «قَرَّتْ إذِا عَيْنُهُ» إن فعل الإمام علیه السلام هكذا؛ يقول البحراني: (إخبار في معرض الإنكار والاستهزاء باللذّة كقوله تعالى «ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ»(1) )(2) ؛ لذا فالإمام علیه السلام لم يقصد نفسه وإنما أراد ضرب مثلٍ على ذلك ليتعظ عامله، وفي كلامه تتضح الأسس العليا لبناء شخصية من تتوافر به هذه الصفات ليقود المجتمع نحو الأفضل، وكل هذا يعطي دلالة السياق على ترك الانشغال بإشباع البطن كما دلّ عليه عنوان الخطبة وتنزيه النفس والترفع عن كل ما يشوبها.

ومن خطبة له في الاستسقاء: «اللهُمَّ انْشُرْ عَلَيْنَا غَيْثَكَ وبَرَكَتَكَ، ورِزْقَكَ ورَحْمَتَكَ؛ واسْقِنَا سُقْيَا نَاقِعَةً مُرْوِيَةً مُعْشِبَةً، تُنْبِتُ بِهَا مَا قَدْ فَاتَ، وتُحْيِي بِهَا مَا قَدْ مَاتَ، نَافِعَةَ الَحيَا، كَثِيرَةَ الُمجْتَنَى، تُرْوِي بِهَا الْقِيعَانَ، وتُسِيلُ الْبُطْنَانَ، وتَسْتَوْرِقُ الأشْجَارَ، وتُرْخِصُ الأسْعَارَ، إِنَّكَ عَلَی مَا تَشَاءُ قَدِيرٌ»(3) .

فقد وردت لفظة (معشبة) للدلالة على نزول الخیرات من السماء، والأرض المعشبة تكون كثيرة العشب فيطول ويلتف، والعرب تسمي العشب سماء فيِخضع لهم(4) ، وقد جاءت معشبة بالمرتبة الثالثة بعد النقع والروي؛ لأنّ طبيعة الأرض الصحراوية تحتاج إلى النقع والروي ومن ثم تعشب وفي هذا دلالة على انقطاع الأمطار لفترات طويلة.

والذي ينظر الأرض الجرداء ليس كمن ينظر الأرض المعشبة، فالنظر هنا

ص: 157


1- الدخان: 49
2- شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 5/ 117
3- نهج البلاغة: الخطبة (143)/ 200
4- جمهرة الأمثال: 1/ 14قال الشاعر: فلما رأى أن السماء سماؤهم رأى خطةً كان الخضوع نكيرها

يبعث الراحة النفسية والروحية، حيث ينظر الإنسان جمال الطبيعة وبهجتها وعظمة الخالق (جلّت قدرته).

ودلالة السياق هنا على الدعاء وطلب الخير الكثير من الله (سبحانه وتعالى) وهذا دليل رحمته.

كما وردت مسميات أخرى للنبات مثل: البرَّة (مرة واحدة)(1) ، والشعير (مرتان)(2) ، والفاكهة (مرة واحدة)(3) ، والقمح (مرة واحدة)(4) .

ينظر جدول إحصائي (7) للوحدات الدلالية للنباتات في نهج البلاغة- صفحة300.

***

ص: 158


1- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (192)/ 293
2- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (160)/ 227، كلامه (224)/ 347
3- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (160)/ 227
4- ينظر: نهج البلاغة: الكتاب (45)/ 418

المبحث الثالث: الأزهار

1- الأزَاهِير

(الزَّهْرَةُ نَوْرُ كل نبات والجمع زَهْرٌ وخص بعضهم به الأَبيض وزَهْرُ النبت نَوْرُه وكذلك الزهَرَةُ بالتحريك)(1) ، وجمع الزهرة: (زهر)(2) ، و (الأزاهير)(3) جمع الجمع.

وردت هذه اللفظة بصيغة المفرد مرة واحدة(4) ، وبصيغة جمع الجمع مرتين أيضاً(5) ، من خطبة عجيب خلقة الطاووس يقول علیه السلام: «وقَلَّ صِبْغٌ إلِا وقَدْ أَخَذَ مِنْهُ بقِسْطٍ وعَلاهُ بِكَثْرَة صِقَالهِ وبَرِيقِهِ وبَصِيصِ ديِباَجِهِ ورَوْنَقِهِ فَهُوَ كَالأزَاهِيرِ الَمبْثُوثَةِ لَمْ تُرَبِّهَا أَمْطَارُ»(6) .

وقد مرّ ذكر الخطبة لدى دراسة لفظة الطاووس، ومن الطبيعي أنّ

ص: 159


1- لسان العرب: (زهر): 4/ 331
2- تاج العروس: (زهر): 11/ 374
3- م. ن
4- نهج البلاغة: الخطبة (165)/ 237
5- نهج البلاغة: الخطبة (91)/ 133، الخطبة (165)/ 238
6- نهج البلاغة: الخطبة (165)/ 238

الطاووس يحمل صفات ميزته من بقية الطيور الأخرى، وهذا شأن الله (عز وجل) في خلقه، وذكر الإمام علیه السلام ومن الصفات تعدد ألوان ريشه بين ألوانٍ مختلفةِ فخرجت ألوانه المختلفة براقةً للناظر؛ لأنّ الإمام يصوَّر أنَّه ما قلَّ صبغٌ إلا وقد أُخذ من هذا الصبغ شيء زاد فيه لمعاناً وبريقاً بكثرة صقاله فأصبحت ألوانه كالأزاهير المنتشرة (ولفظ الديباج مستعار لريشه)(1) وجاء في لسان العرب في التعريف بمادة (بثث): (بَثَّ الشيءَ والخَبَرَ يَبُثُّه ويَبِثُّه بَثّاً وأَبَثَّه بمعنًى فانْبَثَّ فَرَّقه فتَفَرَّقَ ونَشَره وكذلك بَثَّ الخيلَ في الغارة يَبُثُّها بَثّاً فانْبَثَّتْ وبَثَّ الصيادُ كلابَه يَبُثُّها بَثّاً وانْبَثَّ الجَرادُ في الأَرض انْتَشَر) أي أنّ ريشه أصبح كالأزاهير المتفرقة والمنتشرة لم تسقط عليها الأمطار لأنّ من عادة الزهر أنّه يظهر في موسم الأمطار إلا أنّ هذا الزهر المختلف الألوان دائم الظهور وهنا يبين السياق عظمة الخالق في حسن تصويره للطاووس وبديع خلقه.

2- الأقْحُوَان

(نَبت تُشَبّه به الأسنان ووزنه أفْعُلان، والهمزة والنون زائدتان، وقيل: الأُقْحوان البَابونج أو القُرَّاص، واحدته أُقْحوانة، ويجمع على أقاحٍ)(2) .

وردت هذه اللفظة مرة واحدة من خطبة عجيب خلقة الطاووس يقول علیه السلام: «أَنَّهُ يُخَيَّلُ لِكَثْرَةِ مَائِهِ وشِدَّةِ بَرِيقِهِ أَنَّ الُحضْرَةَ النَّاضِرَةَ مُمتْزِجَةٌ بِهِ ومَعَ فَتقْ سَمْعِهِ خَطٌّ كَمُسْتدَقِّ الْقَلَمِ فِی لَوْنِ الأقْحُوَانِ أبْيَضُ يَقَقٌ فَهُوَ ببِيَاَضِهِ

ص: 160


1- شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 3/ 311
2- لسان العرب: (قحا): 15/ 171

فِی سَوَادِ مَا هُنَالِكَ يَأْتَلِقُ»(1) .

لقد شبّه الإمام ريشه بزهرة الأقحوان حيث اللون الأبيض، فحضور الأقحوان هنا لاشتراكهما بلون ولأجل تقريب الصورة في تصوير الجمال، ونتيجة جمال هذا الطائر وتصويره أصبح ما وجد عليه من (الصقال والبريق، والديباج، والرونق) كل هذه التشكيلات فيه شبهها الإمام علیه السلام بالأزاهير المنتشرة المنثورة المتفرقة بكل مكان يقول ابن ميثم: (ثمّ رجع إلى تشبيهه بالأزاهير المبثوثة، ونبّه على كمال قدرة صانعها بأنّها مع ذلك لم تربّها أمطار الربيع: أى لم تعدّها لتلك الألوان أمطار ربيع)(2) ، فهي دائمة الظهور بينما الازهار حقيقة لا توجد إلا بفصل الربيع ودلالة السياق تبين قدرة الخالق وذكر الأقحوان والأزاهير لما تميز به هذا الطائر كدعوة إلى التأمل والتفكر فيما خلق الله (سبحانه وتعالى).

ينظر جدول إحصائي (8) للوحدات الدلالية للأزهار في نهج البلاغة- صفحة301.

***

ص: 161


1- نهج البلاغة: الخطبة (165)/ 238
2- شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 3/ 311

ص: 162

الباب الثاني: ألفاظ الطبيعة غير الحيّة في نهج البلاغة

اشارة

ص: 163

ص: 164

الفصل الأول أثر السياق في الألفاظ الدالة على الأرض

اشارة

المبحث الأول: التراب والصخور والحجارة وما يتصل بها

المبحث الثاني: السهل والوادي والطريق وما يتصل بها

المبحث الثالث: الجبال والصحراء وما يتصل بها

المبحث الرابع: البحار وما يتصل بها

ص: 165

ص: 166

توطئة

لمّا كانت الأرضُ التي نحنُ عليها تشكّلُ الركنَ الأساس لألفاظِ الطَّبيعة، فهي تُعدُّ أيضاً محورُ الكونِ الذي نعيشُ فيه إذْ خلَقَهَا اللهُ للإنسان وسخّرها وما عليها له.

وتردُ الأرضُ في اللُّغةِ في قولِ ابن فارس (ت395ه): (الهمزة والراء والضاد ثلاثة أصول، أصل يتفرع وتكثر مسائله، الأصل الأوّل فكلُّ شيءٍ يسفُل ويقابل السّماءَ، يُقال لأعلى الفرس سماءٌ، ولقوائمه أرض. قال الشاعر:

وأحمر كالديباج أما سماؤه فريا وأما أرضه فمحول(1) سماؤه: أعاليه، وأرضه: قوائمه. والأرضُ: التي نحنُ عليها.

وأصلان لا ينقاسانِ بل كلُّ واحدٍ موضوعٌ حيثُ وضعَتْه العرب. فأمّا هذان الأصلان فالأرض الزُّكْمَةُ، رجل مأروضٌ أي مزكوم... والآخر الرِّعدة، يقال بفلانٍ أرْضٌ أي رِعْدَةٌ)(2) .

ويقول الجوهري (ت393ه): (الأرْضُ مؤنثة، وهي اسم جنس.

ص: 167


1- ديوان طفيل الغنوي شرح الأصمعي: 136، والمعاني الكبير : ابن قتيبة الدينوري: 1/ 36
2- مقاييس اللغة: (أرض): 1/ 79- 80

والجمع أَرْضاتٌ وأَرَضونَ. وقد تجمع على أُروضٍ. والأَراضي أيضاً على غير قياس. وكلُّ ما سفل فهو أرض وأرض أَريضَةٌ، أي زكيةٌ)(1) .

وجاء في الكتاب قول سيبويه (ت180ه): (وسألت الخليل عن قول العرب: أرضٌ وأرضاتٌ؟ فقال: لمَّا كانت مؤنثَّة وجمعت بالتاء ثقلت كما ثقلت طلحاتٌ وصحفاتٌ. قلت: فلم جمعت بالواو والنون؟ قال: شبّهت بالسِّنين ونحوها من بنات الحرفين لأنّهَا مؤنثّة كما أن سنةً مؤنّثة، ولأن الجمع بالتاء أقلّ والجمع بالواو والنون أعمُّ. ولم يقولوا: آرضٍ ولا آراضٍ فيجمعونه كما جمعوا فعلٌ. قلت: فهلَّا قالوا: أرضون كما قالوا: أهلون؟ قال:

إنّهَا لمّا كانت تدخلها التاء أرادوا أن يجمعوها بالواو والنون كما جمعوها بالتاء، وأهلٌ مذكَّر لا تدخله التاء ولا تغيَّره الواو والنون كما لا تغيّر غيره من المذكَّر، نحو: صعبٍ وفسلٍ)(2) .

وعندما نزل القرآن تغيرت نظرة الإنسان، ولا سيما العربي لكل ما حوله بما في ذلك الأرض، فكان التأمل حاضراً في كل زاوية من زوايا نظره، وقد وعده الله (سبحانه وتعالى) أنه سيريه الآيات في الآفاق وفي أنفسهم؛ كما بيّن أنّ في الدعوة إلى التفكر يؤدي إلى الإقرار بوجود الله والإيمان به(3) قال تعالى:

«الَّذِينَ يَذْكُرُونَ الله قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَ جُنُوبِهمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِی خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْاَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار»(4) .

ص: 168


1- الصحاح: (أرض): 3/ 10
2- الكتاب: سيبويه: 1/ 320
3- ينظر: صورة السماء والأرض في القرآن (رسالة ماجستير): نوال علي: 61
4- آل عمران: 191

ولو نظر إلى السياقات التي وردت فيها هذه اللفظة في القرآن الكريم نجدها متنوعة ومتعددة ومقترنة بأفعال وصفات وأحوال، كان لها الأثر في تحديد الصور، ولا يشمل ذلك الأرض فحسب بل كل ما عليها وما يتصل بها من تضاريس وما تحويه من سهول وجبال ومياه وغيرها.

إذ يوجد في القرآن أيضاً ورود الأرض مفردة في صورة من الصور، وصورة أخرى اقترانها بالسماء وجعلها لفظاً مقابلاً للفظ، ومن الملاحظ أن الأرض لم ترد إلّا بصيغة المفرد بينما السماء وردت بصيغة المفرد والجمع(1) ، وأول من التفت لذلك الجاحظ في كتابه البيان والتبيين إذ يقول: (ولفظ القرآن الذي عليه نزل انه اذا ذكر الابصار لم يقل الاسماع واذا ذكر سبع سموات لم يقل الارضين الا تراه لا يجمع الارض أرضين)(2) .

والصور اللفظية الواردة للأرض (المفردة) في القرآن وضعت ضمن السياق اللغوي في الدلالة على مسمى معين من البلاد من خلال السياق: كأرض مصر، ومكة، والمدينة المنورة، وبلاد الشام، واليمن، كما وردت بمسمى عام في الدلالة على الأرض التي نعيش عليها قال تعالى: «هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْاَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِ مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ»(3) .

ونجد هذه اللفظة في السنة النبوية الشريفة قد ورد الاهتمام بذكرها في الأحاديث النبوية.

ص: 169


1- ينظر: السماء والأرض في القرآن الكريم: دراسة دلالية للألفاظ والتراكيب (رسالة ماجستير): أحمد صالح حميد: 40
2- البيان والتبيين: الجاحظ: 1/ 26
3- الملك: 15

فمما جاء في حديث نقل عنه يبين أنّ الأرضين سبع كما السموات سبع وقد ورد ذلك في القرآن وتأكيد الرسول صلی الله علیه و آله على ذلك، قال تعالى في: «اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْاَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْاَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ الله عَلَ كُلِّ شَیءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ الله قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَیْءٍ عِلْمًا»(1) .

يلاحظ على الرغم من عدم ذكر لفظها مجموعاً في القرآن الكريم، والاكتفاء بالإشارة في ذلك في قوله (مِثْلَهُنَّ) تأكيداً، فقد ذكرها الرسول صلی الله علیه و آله بلفظ الجمع.

روى البخاري: (حدثنا علي بن عبد الله أخبرنا ابن علية عن على بن المبارك حدثنا يحيى ابن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن أبى سلمة بن عبد الرحمن كانت بينه وبين أناس خصومة فى أرض، فدخل على عائشة فذكر لها ذلك، فقالت يا أبا سلمة اجتنب الأرض، فإن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: «من ظلم قيد شبر طوقه من سبع أرضين»)(2) .

ولما كانت الأرض من أهم المصادر التي تُهيِّىء للإنسان الرزق والغذاء، فقد ذكر الرسول السعي لإحيائها قال صلی الله علیه و آله: «من أحيا أرضا ميتة فهي لهُ وليس لعرق ظالم حق»(3) ذكر صاحب المجازات النبوية أن إحياء الأرض هو من المجاز، ويتم أحياؤها بسقيها وحرثها وزرعها فإذا ما أتى أحدهم وغرس فيها شجراً أو ما شابه ذلك يكون ظالماً، وإنّما ذكر العرق الظالم هنا من باب المجاز والمراد هو من يقوم بالغرس أو البناء في أرض غيره يكون ظالماً لأن

ص: 170


1- الطلاق: 12
2- صحيح البخاري: 11/ 335
3- سنن أبي داود: ابو داود السجستاني: 3/ 142

صاحبها تملّكها بالإحياء وهذا ما جرى زمن الفتوحات الإسلامية(1) .

ولأهمية الأرض الكوكب الذي نعيش عليه، فقد ذُكِرتْ في نهج البلاغة في مئة واثنين وثلاثين موضعاً وردت في سياق الخلق، والدعاء، والوصف وغيرها، ولعلّ تكرار ذكرها بكثرة كان لقصد تنبيه المخاطب لأمور منها: الالتفات إلى ما خلق الله من أجل التفكّر في وحدانيته (عز وجل)، وتنبيه الإنسان إلى الكرة الأرضية التي يعيش عليها ليكون مدركاً للأمور والحوادث من حوله، فضلاً على الدور الذي أدّاه تنوع السياق والمقام الذي وردت فيه اللفظة باختلاف الخطاب والزمن والحال كله أدّى إلى تنوع المقاصد والمعاني.

فمثلاً ورود هذه اللفظة في ثلاثة سياقات مختلفة؛ قوله علیه السلام من خطبة في حمد الله والثناء على الرسول صلی الله علیه و آله: «اسْتَعْمَلَنَا اللهُ وإِيَّاكُمْ بِطَاعَتِهِ وطَاعَةِ رَسُولِهِ وعَفَا عَنَّا وعَنْكُمْ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ الْزَمُوا الأرْضَ واصْبِرُوا عَلَی الْبَلاءِ ولا تُحَرِّكُوا بِأَيْدِيكُمْ وسُيُوفِكُمْ فِی هَوَى أَلْسِنَتِكُمْ»(2) .

فبعد سيرٍ مرتقب للأجواء التي عاشها الإمام من خلال القراءة المتأنية؛ يلاحظ ضمن السياق النحوي أنّ خطاب الإمام خاص، فهو ليس خطاباً عاماً؛ بدلالة الضمير المتصل للمتكلمين (نا) وضمير المخاطب المنفصل (اياكم) جاء في ذكر وظائف الضمائر: (فضلاً عن وظيفة الربط فإن للضمائر قيمة استعمالية تكمن في الاختصار والإيجاز في التعبير بالاستغناء عن إعادة ما سبق ذكره من اسماء)(3) وهنا يتضح وجود وظيفة جديدة للضمائر ضمن

ص: 171


1- ينظر: المجازات النبوية: الشريف الرضي: 1/ 258
2- نهج البلاغة: الخطبة (190)/ 282- 283
3- ضمائر العربية: المفهوم والوظيفة (بحث): الاستاذة دندوقة فوزية: 6، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية: العدد السادس: 2010

سياق الحال وهي الايحاء بوساطة الضمائر إذ كان لها دور يحيل من دون الكشف عن المخاطب ولعلّ الأمر يرجع إلى حرص الإمام علیه السلام الذي كان موجهاً لأصحابه المخلصين(1) .

يلاحظ أنّ الإمام علیه السلام كان محيطاً بالأعداء من حوله مع أصحابه؛ لذا أمرهم بلزوم الأرض بعد تذكيرهم بطاعتهم لله والرسول، وقد قدّم الإمام بنصحه لهم ووصيته بلزوم الأرض أولا مهما نزلت عليهم من مصائب وعدم التحرك والعجلة، وقد دلّت هذه اللفظة ضمن سياق الحال على الثبات، وضرورة ذلك بضبط النفس، فجاءت قصداً للعموم ونصحاً للجميع.

وفي موضع آخر يستعمل الإمام علیه السلام الأرض في سياق مختلف إذ دلّت على موضع هلاك يقول علیه السلام: «ولَوِ اسْتَنْطَقُوا عَنْهُمْ عَرَصَاتِ تِلْكَ الدِّيَارِ الَخاوِيَةِ والرُّبُوعِ الخَالِيَةِ لَقَالَتْ ذَهَبُوا فِ الأرْضِ ضُلالاً»(2) . فالضُلال هنا بمعنى: هالكون(3) .

وفي موضع آخر من الخطبة نفسها يستعمل اللفظة في موضع التذكير والوعظ ويستعير لها فعل (الأكل) مجازاً لا حقيقة يقول علیه السلام: «فَكَمْ أَكَلَتِ الأرْضُ مِنْ عَزِيزِ جَسَدٍ وأنَيِقِ لَوْنٍ كَانَ فِی الدُّنيْاَ غَذِيَّ تَرَفٍ ورَبيِبَ شَرَفٍ»(4) .

فدّل أكلها على إفناء الجسد وتحليله وإزالته من الوجود؛ تذكر الدكتورة سهى

ص: 172


1- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد): 13/ 113، واختيار مصباح السالكين: 445
2- نهج البلاغة: كلامه: (221)/ 338
3- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن ميثم): 4/ 60
4- نهج البلاغة: كلامه: (221)/ 340

نعجة أنّ دلالة الفعل حينما يخرج عن الخطاب والمعنى النحوي إلى الاستعارة ليكشف الخطاب المضمر في كليهما عن المراد وقد وظّف الخطاب النحوي بما يقوم به من التعويض الاعرابي في حذف العنصر واحلال غيره محله بينما الخطاب الاستعاري يعطي مدلولاً معنوياُ من خلال التحليل لذا فمفهوم الأكل مثلاً قول لشاعر:

أكلَ الثعلبُ من بُرجي حمامةْ فالفعل أكل بمعنى احتل لان مفهوم الأكل للإنسان هو احتلال شيء من الطعام يتقوى به الإنسان والثعلب هنا العدو، أمّا الابراج فهي الوطن العربي والحمامة رمز السلام(1) .

لذا يشير السياق إلى هذا المفهوم في قول الإمام علیه السلام فالأرض تتحول من كوكب نعيش عليه إلى مكان لاختفاء الجسد وفنائه بقدرة الله (عز وجل)، واستعمل الإمام علیه السلام الأرض هنا على نحو المجاز في صفة الاكل لها كما ذكر حال الإنسان قبل موته (عزيز جسد وأنيق لون) فضلاً على مطعمه وشربه كان غذي ترف وربيب شرف إشارة إلى منزلته ومكانته.

ومن هنا فقد دلّ السياق على العبرة والعظة وما أكثر ذلك في أقوال الإمام علیه السلام وهو المراد من قوله.

***

ص: 173


1- ينظر: المعنى الجمالّي بين التعويض النحويّ والإضمار الاستعاريّ (بحث): د. سهى فتحي نعجة: 51، مجلة الجامعة الإسلامية/ غزة، العدد الثاني، المجلد الثاني والعشرون، 1914

ص: 174

المبحث الأول: التراب والصخور والحجارة وما يتصل بها

1- بِسَاط

(الباء والسين والطاء أصلٌ واحدٌ، وهو امتِدادُ الشَّیء، في عِرَض أو غير عِرَض. فالبِساط ما يُبْسط. والبَسَاط الأرض، وهي البسيطة. يقال مكان بَسِيطٌ وبَساط)(1) ، والجمع (البُسُطُ والبِساطُ ما بُسِط وأَرض بَساطٌ وبَسِيطةٌ مُنْبَسطة مستويَة)(2) . يقول ابو هلال العسكري: (وأصْلُ البَسْطِ السَّعَةُ وسُمِّيَتِ الأرْضُ بَسيطةً لِسَعَتها)(3) .

وردت هذه اللفظة مرة واحد في نهج البلاغة، فقد جاء عَنْ نَوْف البكالِیَّ قَالَ رَأَيتُ أَميرَ المؤمِنِينَ علیه السلام ذَات لَيْلَةٍ وقَدْ خرجَ مِنْ فراشهِ فَنَظَرَ فِی النُّجومِ فَقَالَ لِی يَا نَوفُ أَراقِدٌ أَنْتَ أَمْ رَامِقٌ؟ فَقُلتُ بَل رَامقٌ قَالَ: «يَا نَوْفُ طُوبَى لِلزَّاهِدِينَ فِ الدُّنْيَا الرَّاغِبِينَ فِی الآخِرَةِ أُولَئِكَ قَوْمٌ اتَّخَذُوا الأرْضَ بِسَاطاً وتُرَابَهَا فِرَاشاً ومَاءَهَا طِيباً»(4) .

ص: 175


1- معجم مقاييس اللغة: (بسط): 1/ 247
2- لسان العرب: (بسط): 7/ 258
3- كتاب التلخيص في معرفة اسماء الأشياء: لأبي هلال العسكري: 1/ 232
4- نهج البلاغة: الحكمة (104)/ 486

عندما نلاحظ هذه اللفظة (بِسَاطاً) نجد أنها جاءت مجاورة للأرض في القرآن الكريم قال تعالى: «وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْاَرْضَ بِسَاطًا»(1) ، وألصقت هذه النعمة بالأرض حتى سميت بالبسيطة، وَقيل: البَسيطَةُ: الأرْضُ، اسمٌ لَها(2) ؛ لذا فمن باب الانتفاع بها، والتقلب على ارجائها كونها سكناً ممهداً ومريحاً للبشر مع تثبيتها بالجبال الراسيات الشامخات، أصبح هذا المعنى الوارد في القرآن الكريم لهذه اللفظة(3) ، وفي دلالة قول الإمام علیه السلام على الزهدِ لمّا خاطب نَوْفَ معنىً آخر مختلفاً عن المعنى الوارد في القرآن من خلال الفعلين (جعل واتخذوا) بالمعطيات الآتية:

إذ ورد الفعل (اتخذ) في القرآن، واختلفت دلالةُ الأرضِ هنا في إلصاقِ صفة البساط بها بإختلاف دلالات الأفعال (جعل)- (اتخذ):

1. الاختلاف الوارد بين الفعلين (جعل) و (اتخذوا) على الرغم من ملاحظة أنّ الزمن المسيطر على السياق المقالي هو الزمن الماضي؛ والفعلان يدلان على الصيرورة والتحويل ويخرجان لمعانٍ بحسب السياق.

2. معنى (الجعل)(4) في الآية كما ذكره السمين الحلبي (ت756ه) في آيات مشابهة لهذه الآية(5) بقوله: (و «جَعَل» فيها وجهان، أحدُهما: أن تكونَ بمعنى صَيَّر فتتعدَّى لمفعولين فيكونُ «الأرضُ» مفعولاً أولَ، و «فراشاً» مفعولاً ثانياً. الثاني: أن تكونَ بمعنى «خَلَقَ» فتتعدَّى لواحد وهو «الأرضَ»،

ص: 176


1- نوح: 19
2- ينظر: تاج العروس: (بسط): 19/ 146
3- ينظر: تفسير القرآن العظيم: ابن كثير: 8/ 234
4- ذكر صاحب المفردات ل (جعل) خمسة أوجه: ينظر: المفردات في غريب القرآن: 94
5- في قوله تعالى من سورة البقرة: 22: «الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الَاْرْضَ فِرَاشًا»

ويكونُ «فراشاً» حالاً)(1) ؛ لذا فالأرض صُيرَّت بساطاٌ(2) ، أو خلقت وهنا مفهوم الجعل خلق لوظيفة الأشياء المخلوقة فالله (سبحانه وتعالى) خلق الأرض وجعل وظيفتها أن تكون مهاداً أو فراشاً أو بساطاً دلالةً على الاستقرار(3) .

3. معنى الفعل (اتخذ) يختلف عن معنى الفعل جعل فالجعلُ من الله والاتخاذ من الزاهدين، ودلالة الفعل اتخذ كما ذكر أبو هلال العسكري: (الاتخاذ: أخذ الشيء لأمر يستمر فيه مثل الدار يتخذها مسكناً والدابة يتخذها قُعْدَة)(4) ومما يعرف أنّ الزيادة في بنية الكلمة فيه دلالة على زيادة في المعنى يقول الزركشي في كتابه البرهان في علوم القرآن: (إن اللفظ إذا كان على وزن من الأوزان ثم نقل الى وزن آخر أعلى منه فلا بد أن يتضمن من المعنى أكثر مما تضمنه أولا لأن الألفاظ أدلة على المعاني فإذا زيدت في الألفاظ وجب زيادة المعاني ضرورة ومنه قوله تعالى: «فَأخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ»(5) فهو أبلغ من قادر لدلالته على أنه قادر متمكن القدرة لا يرد شيء عن اقتضاء قدرته ويسمى هذا قوة اللفظ لقوة المعنى)(6) فدلالة الفعل أخذ ليس كدلالة اتخذ لأن فيه دلالة على الاستمرار، ويجري مجرى الجعل في

ص: 177


1- الدر المصون في الكتاب المكنون: السمين الحلبي: 1/ 192
2- يذكر صاحب المفردات في غريب القرآن: 94هذا المعنى (فى تصيير الشيء على حالة دون حالة)
3- ينظر: الفروق اللغوية بين بعض الألفاظ المتشابهة من خلال القرآن الكريم (مقالة): د. حسناء القنيعير
4- الفروق اللغوية: ابو هلال العسكري: 157
5- القمر: 42
6- البرهان في علوم القرآن: الزركشي: 3/ 34

المفعولية، فإما أن يتعدى لمفعول واحد أو لمفعولين الثاني منهما هوالأول في المعنى(1) .

ومن هنا يتبين أن الجعل بمعنى (الخلق والتصيير)، وهو أقوى من الاتخاذ وأبلغ في حين الأخذ يعني الاستمرار على حوز الشيء أي أنهم مستمرون على اتخاذ الأرض بساطاً. ودلالة ذلك في السياق على شدة زهدهم من دون السعي لتغيير أحوالهم لأن صفة الزهد ثابتة فيهم لا حادثة.

وبناء على ذلك فاتخاذ الأرض بساطاً فيه دلالة على قوة الفعل وملازمته فهذا حالهم الذي هم عليه دائما؛ وفي الآية الكريمة كان جعل الأرض دالة على التحول من حال الى حال أي أنه ذو دلالة على قدرة الله في الارض، وجعلها كالبسط لتصلح للسكنى عليها والسعي في مناكبها، والجعل من أفعال الخالق في هذا السياق والاتخاذ من أفعال الخلق، والإمام علیه السلام يعطي جانباّ مهماً ضمن سياق الحال في بيان صفاتهم ولعلّ في ذلك حكمة في بيان صفات الزهاد فمن كانت الأرض بساطاً له والتراب فراشاً يكون زاهداً؛ لذا دلّ السياق على بيان صفات الزهاد من خلال ذلك.

والسؤال المتبادر إلى الذهن لماذا لم يقتبس الامام علي علیه السلام من القرآن؟ لماذا جاء بالفعل اتخذ ولم يأتِ بالفعل جعل إن كانت صيغة اتخذ تشبه جعل بصورة متقاربة على حد قول بعض أصحاب المعاجم اللغوية؟ يبدو أن الفعل اتخذ يمكن حمله على المجاز وعلى الحقيقة، فحمله على المجاز من باب مشابهته للفعل جعل، وعلى الحقيقة من باب صفات الزهاد وافعالهم، فإن كانت دلالة البساط على التسوية الاتساع فإن دلالته هنا على الزهد والتواضع.

ص: 178


1- ينظر: الحجة للقراء السبعة: لأبي علي الفارسي: 2/ 68، والدر المصون 1/ 354
2- البِقَاع

(البَقَعُ: لَوْنٌ يُخالِفُ بَعْضُه بَعضاً مثلُ الغُرابِ الأَسْوَدِ في صَدْرِه بيَاضٌ غُرابٌ أبْقَعُ وكَلْبٌ أبْقَعُ والبُقْعَةُ: قِطعةٌ من أرضٍ على غَير هَيْأة التي على جَنْبِها كُلُّ واحِدةٍ منها بُقْعةٌ وجمعُها بقاعٌ وبُقَعٌ والبَقيعُ: مَوْضِعٌ من الأرض فيه أرُومُ شَجَرٍ من ضُرُوبٍ شَتَّى وبه سُمِّيَ بَقيعُ الغَرْقَدِ بالمدينةِ)(1) .

وردت هذه اللفظة في النهج ثلاث مرات بصيغة الجمع فقط(2) جاء: في خطبة له في أوائل خلافته: «اتَّقُوا الله فِی عِبَادِهِ وبِلادِهِ فَإِنَّكُمْ مَسْؤولُونَ حَتَّى عَنِ الْبِقَاعِ والْبَهَائِمِ أَطِيعُوا الله ولا تَعْصُوهُ وإِذَا رَأَيْتُمُ الَخيْرَ فَخُذُوا بِهِ وإِذَا رَأَيْتُمُ الشَّرَّ فَأَعْرِضُوا عَنْهُ»(3) .

توجيه من الإمام علیه السلام إلى المسؤولين، ولعدالته موارد ينقل عدالته في قوله للرعية؛ مذكراً إيّاهم بمسؤوليات جمة؛ ولكي يكون خطاب الإمام شمولياً ومن باب قول الرسول صلی الله علیه و آله: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته»، فذكر أن مسؤولياتهم تتجاوز البقاع والبهائم قال تعالى: «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ»(4) ، وقال رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُلٌ (كذا) عَنْ رَعِيَّتهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤلٌ عَنْ رَعِيَّتهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِی أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْؤلٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالَمرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِی بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤلَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالَخادِمُ رَاعٍ فِی مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْؤلٌ عَنْ رَعِيَّتهِ- قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ- وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِی مَالِ أَبيِهِ

ص: 179


1- كتاب العين: (بقع): 1/ 184
2- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (167): 242، الخطبة (182)/ 261، الخطبة (192)/ 293
3- نهج البلاغة: الخطبة (167): 242
4- الصافات: 24

وَمَسْؤلٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤلٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»(1) .

وقد ذكر البقاع هنا للدلالة على العموم؛ لأن البقعة هي قطعة الأرض غير هيأة التي جنبها كما ذكرها أصحاب المعاجم، ومن هنا جاءت تسمية البقيع بهذا الاسم لتخالف الموضع عن الذي إلى جنبه، وإن كان فيه أشجار مختلفة، وبناء على ذلك فإنّ مجيء لفظة البقاع هنا دون غيرها؛ للدلالة على مطلق المكان لا التخصيص، ويبدو أنّ الإمام كان مقصده هو المكان المطلق من دون تمييز من الذي إلى جنبه، وإنما يكون التمييز بنوع البقعة التي يكونون بها بما يحدّها من حدود لكيلا يكون هنالك عبث أو اعتداء.

لذا فهم مسؤولون عن كل شيء حتى البقاع والبهائم، ومساءلون عن كل تصرف بها من سكن أو إعمار أو تخريب وأيضاً عن إيذاء البهائم واجاعتها أو تحميلها أكثر مما ينبغي(2) وفي مضمار الحرف نرى ورود الحرفين (حتى وعن) كون حتى حرف عطف(3) بتقدير معطوف عليه محذوف أي: فإنكم مسؤولون عن كل شيء وعن البقاع والبهائم أو حرف ابتداء(4) بتقدير: حتى إنكم مسؤولون عن....: فهنا شمولية لمسؤولية البقاع والبهائم وفي كل ما تقع عليه اليد أو مالم تقع لضمان عدم حصول الضرر بها كما تقدّم.

ومن هنا تتبين دلالة السياق في التقوى بعباد الله وبلاده للمسؤولية التي وضعت على الإنسان في كل شيء.

ص: 180


1- صحيح البخاري: 2/ 5
2- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 9/ 290، ونفحات الولاية: 6/ 305
3- ينظر: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب: ابن هشام الأنصاري: 135- 137
4- ينظر: المصدر نفسه: 137- 139
3- التُّرَابِ

(ما نعم من أديم الأرض)(1) ، و (التْرُّبُ والتراب واحد إلا أنهم أنثوا قالوا: التُّربةُ، يقال: أرض طيبة التربة أي خِلقةُ ترابها، فإذا عنيتَ طاقة واحدةً من التراب قلت: تُرَابةٌ، وتلك لا تدرك بالبصر دِقَّةً إلا بالتوهم)(2) ، يقال: (التُّرْبُ والتُّرابُ والتَّرَباءُ والتُّرَباءُ والتَّوْرَبُ والتَّيْرَبُ والتَّوْرابُ والتَّيْرابُ والتِّرْيَبُ والتَّرِيبُ الأَخيرة عن كراع كله واحد وجَمْعُ التُّرابِ أَتْرِبةٌ وتِرْبانٌ)(3) .

وردت هذه اللفظة في نهج البلاغة في أحد عشر موضعاً، تكررت بصيغة (تُراب) سبع مرات(4) ، وتكررت صيغة (تُرْبة) أربع مرات(5) .

وورد التراب بعدة أوجه: منها بمعنى (الكفن) قال الإمام علیه السلام من خطبة له في ذم الدنيا يذكر فيها حال المتكبرين: «واتَّعِظُوا فِيهَا بِالَّذِينَ قَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً حُمِلُوا إِلَی قُبُورِهِمْ فَلا يُدْعَوْنَ رُكْبَاناً... وجُعِلَ لَهمْ مِنَ الصَّفِيحِ أَجْنَانٌ ومِنَ التُّرَابِ أَكْفَانٌ ومِنَ الرُّفَاتِ جِيرَانٌ فَهُمْ جِيرَةٌ لا يُجيبُونَ دَاعِياً»(6) .

لا شك أن استعمال التراب هنا بمثابة الوعظ والتذكير والارشاد لما سبق،

ص: 181


1- المعجم الوسيط: 1/ 174
2- تهذيب اللغة: (ترب): 5/ 5
3- لسان العرب: (ترب): 1/ 227
4- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (111)/ 166، الخطبة (192)/ 291- 294، الخطبة (221)/ 338، الخطبة (226)/ 348، الكتاب (45)/ 416، الحكمة (104)/ 486
5- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (1)/ 42، الخطبة (13)/ 55، الخطبة (77)/ 104، الخطبة (234)/ 354، الحكمة (130)/ 492
6- نهج البلاغة: الخطبة (111)/ 166

فدوام الحال من المحال، ويضرب الإمام المثل في عدم الاغترار والانجرار وراء الدنيا، ويذكر بحال الذين قالوا من أشد منا قوة حيث أخذهم التكبر والأنفة، فتغيرت بهم الأحوال ليجيء الفعل (جعل) ويدل على التصيير والتحويل لحالهم من حال إلى حال، ويبدو بما يتصور من النص أنّه بعد أن كانت منازلهم قصوراً وثيابهم حريراً تحولت منازلهم قبوراً ولباسهم التراب وجيرانهم الرفات فأية حال أصبحوا وأمسوا؟ وقد قيل أما إنّ ترابهم قد تحوّل لكفن يغطي أجسادهم أو أنهم تحوّلوا تراباً(1) فدلّ السياق على التحوّل من حال إلى حال مع الوعظ والارشاد لذلك، والاستفادة من أحوال من سبق.

ووردت هذه اللفظة بمعنى (التواضع) من خطبة القاصعة(2) يقول في ذكر الانبياء والأولياء «فَلَوْ رَخَّصَ اللهُ فِی الْكبِرِ لأَحَدٍ مِنْ عِبَادِهِ لَرَخَّصَ فيِهِ لِخاصَّةِ أَنْبِيَائِهِ وأَوْلِيَائِهِ ولَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ كَرَّهَ إِلَيْهِمُ التَّكَابُرَ ورَضِیَ لهمُ التَّوَاضُعَ فَأَلْصَقُوا بِالأرْضِ خُدُودَهُمْ وعَفَّرُوا فِی التُّرَابِ وُجُوهَهُمْ وخَفَضُوا أَجْنِحَتَهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ»(3) .

ليس هنالك أكثر تواضعاّ من تعفير الوجوه بالأرض للعلي الأعلى وتعفير الوجه فيه عدة دلالات: فلو أخذنا هذا الفعل لوجدنا في المعجم العربي ملاصقاً للتراب حتى أنه في أحد تصريفاته وهو العفر جاء بمعنى: التراب(4) ، ويبدو هنا استعمال المفردة أي (التعفير بالتراب) أمّا كناية عن

ص: 182


1- شرح نهج البلاغة (السيد عباس الموسوي) 2/ 257
2- مرّ ذكرها مع سبب تسميتها في الفصل الثاني: 69
3- نهج البلاغة: الخطبة (192)/ 290- 291
4- ينظر: كتاب العين: 2/ 122، معجم مقاييس اللغة: 4/ 62، لسان العرب (عفر): 4/ 583

التواضع والخضوع لله وعدم التكبر والغرور بالدنيا(1) ، أو لطول سجودهم على الأرض لله وعبادتهم له سبحانه وتعالى إلى جانب معاملتهم مع البشر بإلانة الجانب لأن تخفيض الجناح للمؤمنين يبين التعامل بالخلق الرفيع معهم(2) .

ورد بمعنى (الفراش) وقد مرّ ذكرها سابقاً ضمن هذا المبحث قال: «يَا نَوْفُ طُوبَى لِلزَّاهِدِينَ فِی الدُّنْيَا الرَّاغِبِينَ فِی الآخِرَةِ أُولَئِكَ قَوْمٌ اتَّخَذُوا الأرْضَ بِسَاطاً وتُرَابَهَا فِرَاشاً ومَاءَهَا طِيباً والْقُرْآنَ شِعَاراً والدُّعَاءَ دِثَاراً»(3) ، فهنا اتخذوا الأرض كالفراش دلالة على زهدهم.

4- الحَجَر

(الحاء والجيم والراء أصل واحد مطَّرد، وهو المنْع والإحاطة على الشيء)(4) وهو (الجوهر الصلب المعروف وجمعه أحجار وحجارة)(5) .

وردت هذه اللفظة في النهج في ستة عشر موضعاً، تكررت صيغة المفرد

ص: 183


1- شرح نهج البلاغة (السيد عباس الموسوي) 3/ 305
2- قال ابن ميثم في شرحه: (ولفظ الأجنحة مستعار من الطائر ليد الإنسان وجانبه باعتبار ما هو محلّ البطش والنفرة. وخفض الجناح كناية عن لين الجانب) شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 4/ 271
3- نهج البلاغة: الحكمة (104)/ 486
4- معجم مقاييس اللغة: (حجر): 2/ 138
5- المفردات في غريب القرآن: 141

(حجر) احدى عشرة مرة(1) ، وصيغتا الجمع (أحجار) ثلاث مرات(2) ، و (حجارة) مرة واحدة(3) .

لورود هذه اللفظة في نهج البلاغة دلالات متعددة، ولا سيما دلالة الخلق للأرض بوصفه أحد مكوناتها، وكذلك من الدلالات والمعاني الأخرى لهذه اللفظة هي: دلالة المكان: كون الحجر ينتشر بمكان دون آخر كالبيت الحرام يقول الإمام علیه السلام في وصف مكانه: «فَجَعَلَهَا بَيْتَهُ الَحرَامَ الَّذِي جَعَلَهُ لِلنَّاسِ قِيَاماً ثُمَّ وَضَعَهُ بِأَوْعَرِ بِقَاعِ الأرْضِ حَجَراً وأَقَلِّ نَتَائِقِ الدُّنْيَا مَدَراً»(4) . فهنا يصف المكان الذي وضع الله سبحانه بيته وضعه في اغلظ بقاع الأرض، وأصعبها من الأحجار فيكون السلوك إليها في موسم الحج وغيره من الصعوبة التي يلاقيها المسافر إلى مكة، كما ذكر بأنها أقل الأماكن الصالحة للزراعة كونها أرضاً حجرية لا طينية(5) ، ويعلل الإمام سبب ذلك بقوله: «ولَكِنَّ الله يْختَبُرِ عِبَادَهُ بِأَنْوَاعِ الشَّدَائِدِ ويَتَعَبَّدُهُمْ بِأَنْوَاعِ الَمجَاهِدِ ويَبْتَلِيهِمْ بِضُرُوبِ الَمكَارِهِ إِخْرَاجاً لِلتَّكَبُّرِ مِنْ قُلُوبِهمْ وإِسْكَاناً لِلتَّذَلُّلِ فِی نُفُوسِهِمْ ولِيَجْعَلَ ذَلِكَ أَبْوَاباً فُتُحاً إِلَی فَضْلِهِ وأَسْبَاباً ذُلُلاً لِعَفْوِهِ»(6) .

ص: 184


1- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (160)/ 227، الخطبة (183)/ 266، الخطبة (185)/ 270- 271، الخطبة (192)/ 292- 300، الكتاب (45)/ 416، الحكمة (240)/ 510، الحكمة (314)، 530
2- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (160)/ 227، الخطبة (192)/ 292، الخطبة (226)/ 348
3- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (26)/ 68
4- نهج البلاغة: الخطبة (192)/ 292- 293
5- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد): 13/ 157- 158
6- نهج البلاغة: الخطبة (192)/ 294
5- الصُّخُور

(الصَّخْرُ: عِظامُ الحِجارةِ وصِلابُها والصّاخِرُ: إناءٌ من خَزَف والصَّخِيرُ: نبات)(1) و (الجمع صَخْرٌ وصَخَر وصُخُور وصُخورة وصِخَرة وصَخَرات ومكان صَخِر ومُصْخِر كثير الصَّخْر)(2) .

جاءت هذه اللفظة بصيغة الجمع (صخور) ثلاث مرات(3) ، قال الإمام علیه السلام في ذكر النبي صلی الله علیه و آله من خطبة الملاحم: «طَبيِبٌ دَوَّارٌ بطِبِّهِ قَدْ أَحْكَمَ مَرَاهِمَهُ وأَحْمَى مَوَاسِمَهُ... لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِأَضْوَاءِ الِحِكْمَةِ ولَمْ يَقْدَحُوا بِزِنَادِ الْعُلُومِ الثَّاقِبَةِ فَهُمْ فِی ذَلِكَ كَالأنْعَامِ السَّائِمَةِ والصُّخُورِ الْقَاسِيَةِ»(4) .

هذا المقطع من الخطبة يبين الرحمة الإلهية في ارسال الرسول صلی الله علیه و آله فهو طبيب للأرواح وانقاذها مما كانت تتعبد مما لا ينفع ولا يغني عنهم شيئاً فضلاً عن الاخلاق التي حملها الرسول صلی الله علیه و آله؛ ولكن هنالك بعض النفوس لم تستجب فلم يدخل قلوبها الدواء ولم تعالج بالحكمة والموعظة على الرغم من الحجج والبراهين وفي ذلك يشبههم الامام بالأنعام السائمة التي ترعى لا همَّ لها سوى علفها والصخور القاسية هنا ذكر الامام نوعين مختلفين في التشبيه: انعام سائمة(5) ، وصخور قاسية: فما وجه الترابط بينهما؟ لقد جرت العادة على التشبيه بالحيوان في القرآن والسنة ونهج البلاغة

ص: 185


1- كتاب العين: (صخر): 4/ 184
2- لسان العرب: (صخر): 4/ 445
3- نهج البلاغة: الخطبة (1): 39، الخطبة (108): 156، الخطبة (226): 348
4- نهج البلاغة: الخطبة (108): 156
5- جاء في لسان العرب (سوم): 12/ 314: (وسامَتِ الراعيةُ والماشيةُ والغنم تَسُومُ سَوْماً رعت حيث شاءت فهي سائِمَةٌ)

لدلالات مختلفة فقولنا: محمد كالأسد. دلالة على شجاعة محمد، وقولنا زيد كالنعامة دلالة على جبن زيد لأن النعامة من صفاتها دفن رأسها بالتراب فاتخذ هذا المعنى للجبن والخوف وكل ذلك حسب السياقات المختلفة التي تحدد المعنى.

ويلاحظ هنا أن الامام علیه السلام لم يكتف بالتشبيه بذكر الانعام، وإنّما وصف الأنعام بالسائمة دلالة على رعيها(1) فهنا تشبيه للقوم أنهم كالأنعام التي لا همَّ لها سوى اشباع البطن، ويقودنا هذا المفهوم الى أنهم رفضوا الامتثال للرسول صلی الله علیه و آله؛ لأنهم اغلقوا عقولهم عن ادراك الحكمة، وتشبيههم بالصخور القاسية أي الصلبة دلالة على قساوة قلوبهم ومنعها لتقبل ما جاء به الرسول وقد ورد هذا المعنى في القرآن الكريم قال تعالى: «ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَة أَوْ أشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَة لماَ يَتفَجَّرُ مِنْهُ الْاَنْهَاَر»(2) .

6- الطِّين

(الطاء والياء والنون كلمةٌ واحدة، وهي الطَّين، وهو معروف)(3) ، و (الطِّينُ معروف الوَحَلُ واحدته طِينةٌ وهو من الجواهر الموصوف بها)(4) .

وردت هذه اللفظة أربع مرات(5) ، يقول علیه السلام من كلام له، حينما ذكر عنده

ص: 186


1- نهج البلاغة: الخطبة (108)/ 156
2- البقرة: 74
3- معجم مقاييس اللغة: (طين): 3/ 437
4- لسان العرب: (طين): 13/ 270
5- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (1)/ 42، الخطبة (163)/ 233، الخطبة (192)/ 295، كلامه (234)/ 354

اختلاف الناس: «إِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمْ مَباَدِئُ طيِنهِمْ وذَلِكَ أنَّهُمْ كَانوُا فِلْقَةً مِنْ سَبخَ أَرْضٍ وعَذْبِهَا وحَزْنِ تُرْبَةٍ وسَهْلِهَا فَهُمْ عَلَی حَسَبِ قُرْبِ أَرْضِهِمْ يَتَقَارَبُونَ وعَلَ قَدْرِ اخْتِلافِهَا يَتَفَاوَتُونَ فَتَامُّ الرُّوَاءِ نَاقِصُ الْعَقْلِ ومَادُّ الْقَامَةِ قَصِيرُ الْهِمَّةِ وزَاكِي الْعَمَلِ قَبِيحُ الَمنْظَرِ وقَرِيبُ الْقَعْرِ بَعِيدُ السَّبْرِ ومَعْرُوفُ الضَّرِيبَةِ مُنْكَرُ الَجلِيبَةِ وتَائِهُ الْقَلْبِ مُتَفَرِّقُ اللُّبَّ وطَلِيقُ اللِّسَانِ حَدِيدُ الَجنَانِ»(1) .

نجد هنا ذكراً لخلقة الأرض قبل خلقة الإنسان؛ والسبب يرجع إلى أصل الخلقة مع اختلاف طينة الأرض، وقد أشار القرآن الكريم إلى بيان مجمل خلق الانسان في عدد من الآيات، وأصل الخلق من الأرض، قال تعالى: «هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْاَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّی قَرِيبٌ مُجِيبٌ»(2) ، فأصل الإنشاء من الأرض لذا تعد ال الأولى من بين المواد؛ ثم يفصّل (سبحانه وتعالى) في ذلك ويذكر المواد التي خُلق منها الإنسان باختلاف تسمياتها في القرآن من: تراب أو طين أو حمأ أو صلصال.

يقول الفخر الرازي (ت606ه) في خلق آدم علیه السلام: (والأقرب أنه تعالى خلقه أولاً من تراب ثم من طين ثم من حمأ مسنون ثم من صلصال كالفخار، ولا شك أنه تعالى قادر على خلقه من أي جنس من الأجسام كان، بل هو قادر على خلقه ابتداء...)(3) ويذكر العلة في خلق الإنسان بهذه الكيفية ما قاله الحكماء: (إنما خلق آدم علیه السلام من تراب لوجوه: الأول: ليكون متواضعاً الثاني: ليكون ستاراً الثالث: ليكون أشد التصاقاً بالأرض، وذلك لأنه إنما

ص: 187


1- نهج البلاغة: كلامه (234)/ 354- 355
2- هود: 61
3- تفسير مفاتيح الغيب: الرازي: 9/ 302

خلق لخلافة أهل الأرض...)(1) كما أشار الحديث النبوي الشريف إلى التعدد في اختلاف أجناس الناس قال الرسول صلی الله علیه و آله: «إنَِّ الله عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْاَرْضِ فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَی قَدْرِ الْاَرْضِ جَعَلَ مِنْهُمْ الْاَحْمَرَ وَالْاَبْيَضَ وَالْاَسْوَدَ وَبَيْنَ ذَلِكَ وَالسَّهْلَ وَالَحزْنَ(2) وَبَيَنْ ذَلِكَ وَالَخبِيثَ وَالطَّيِّبَ وَبَيْنَ ذَلِكَ»(3) ، فالناظر لهذا الحديث وكلام الإمام علیه السلام يرى اجمالًا وتفصيلاً بين القولين، فمجيء بني آدم على قدر الأرض جعلهم مختلفين بالألوان: من أحمر، وأبيض، وفي الطباع والأخلاق بحسب البيئة التي خلقوا منها... الخ، وهذا باب من الإجمال.

فنهل الإمام علیه السلام من هذا الحديث ما يبين، ويفصل خلقة الناس، ويبين أسباب اختلاف الناس لاختلاف طينة الأرض، ويبدو أنّه مجيء التراب والحمأ والصلصال بوصفها مصادر خلق الإنسان في القرآن؛ لكن الإمام علیه السلام استعمل لفظة (طينة) ولعل ذلك يعود إلى ثبات لون التراب وجفافه وأصل التغيير في أساس الطينة التي خلقوا منها؛ لذا فإنّ هذا المفهوم للخلق انتج عدداً من أنواع الخلق متقاربين بينهم تارة ومختلفين تارة أخرى أمّا إضافة لفظة (مبادئ) إلى الطين، فعند ذلك قال أهل التأويل: (إضافة المبادئ هنا إلى الطين إضافة بمعنى اللام: أي المبادئ لطينهم، والإشارة بطينهم إلى

ص: 188


1- م. ن: 4/ 234
2- ذكر عبد الرؤوف المناوي: («والسهل » بفتح فسكون أي الذي فيه رفق ولين «والحزن» بفتح وسكون أي الذي فيه عنف وغلظة فالسهل من الأرض السهلة واللفظ الغليظ الجافي من ضدها «والخبيث والطيب وبين ذلك» أي فالخبيث من الأرض السبخة والطيب من العذبة) فيض القدير شرح الجامع الصغير: 2/ 231
3- مسند أحمد: أحمد بن حنبل: 40/ 130

أصولهم، وهي الممتزجات المنتقلة في أطوار الخلقة كالنطفة وما قبلها من موادّها وما بعدها من العلقة والمضغة والعظم، والمزاج الإنساني القابل للنفس المدبّرة)(1) .

وتكونت مبادئ الطين هذه من: فلقة من سبخ أرض وعذبها وحزن التربة وسهلها، فإن تقاربت تقارب الخلق وإلا العكس بالعكس، ويثير ابن أبي الحديد تساؤلاً حول الاختلاف الحاصل في سبخية الأرض أو عذبها لم يكون الاختلاف حاصلاً؟ هذا من جهة، ومن جهة أخرى كيف يؤثر طين الأرض على الأقوام المتوالدة من القديم الى الآن ويعطي في ذلك تصوراً مفاده: (أن لكلامه علیه السلام تأويلا باطنا- وهو أن يريد به اختلاف النفوس المدبرة للأبدان- وكنى عنها بقوله مبادئ طينهم- وذلك أنها لما كانت الماسكة للبدن من الانحلال- العاصمة له من تفرق العناصر- صارت كالمبدأ وكالعلة له من حيث إنها- كانت علة في بقاء امتزاجه- واختلاط عناصره بعضها ببعض- ولذلك إذا فارقت عند الموت افترقت العناصر- وانحلت الأجزاء فرجع اللطيف منها إلى الهواء- والكثيف إلى الأرض-. وقوله كانوا فلقة من سبخ أرض وعذبها- وحزن تربة وسهلها- تفسيره أن البارئ جل جلاله لما خلق النفوس- خلقها مختلفة في ماهيتها- فمنها الزكية ومنها الخبيثة- ومنها العفيفة ومنها الفاجرة- ومنها القوية ومنها الضعيفة- ومنها الجريئة المقدمة ومنها الفاشلة الذليلة- إلى غير ذلك من أخلاق النفوس المختلفة المتضادة-)(2) ليفهم من ذلك أن مبادئ طينهم تتمثل

ص: 189


1- شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 4/ 115
2- شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 13/ 19

برجوع الأجسام إلى التربة، وتحللها أي إلى المبادئ الأولى، فإنّه من الممكن أن تنشأ نفوس متقاربة أو متباعدة، ويقودنا هذا التمازج لمبادئ الطينة إلى بيان قول الإمام علیه السلام خلق مختلف مع الأخلاق منه(1) : اللذان لا يوافق ظاهرهما باطنهما وهما: الغبي الذي يكون عقله ناقصاً مع قبول الصورة الحسنة ومنه الجبان وهو الطويل مع نقص الهمة، ومنه صاحب الأعمال الذاكية فهو يستعد لتقبيح الظاهر مع حسن الباطن باعتدال المزاج، ومنه القصير الذكي ومنه المتكلف إذ يأتي بتكلف على خلاف مااراد فهو بخيل ويتكلف الكرم والسخاء وهكذا نرى في البقية.

فدلالة السياق هنا تبين أسباب اختلاف البشر في الخلق أو الخُلق بحسب الطينة التي نشأ الإنسان منها، فأصبح الطين ال الأولى للخلق.

ومن الألفاظ الأخرى الواردة: الثرى (أربع مرات)(2) ، والجنادل (مرة واحدة)(3) ، والصياخيد (مرة واحدة)(4) .

ينظر جدول إحصائي رقم (9) للوحدات الدلالية للتراب والصخور وما يتصل بها في نهج البلاغة- صفحة: 301.

***

ص: 190


1- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 4/ 117
2- نهج البلاغة: كلامه (224)/ 346، الخطبة (226)/ 349، الكتاب (41)/ 414، الحكمة (131)/ 492
3- نهج البلاغة: الخطبة (226)/ 349
4- نهج البلاغة: الخطبة (91)/ 132

المبحث الثاني: السهل والوادي والطريق وما يتصل بها

1- السَّبِيل

(السين والباء واللام أصلٌ واحد يدلُّ على إرسال شيءٍ من عُلو إلى سُفل، وعلى امتداد شيء. فالأوّل من قِيلِكَ: أسبلتُ السِّتْرَ، وأسبلَتِ السَّحابةُ ماءَها وبمائِها. والسَّبَل: المطر الجَوْد. وسِبال الإنسان من هذا، لأنّه شعر منسدل.

وقولهم لأعالي الدَّلو أسبْال... والممتدُّ طولاً: السّبيل، وهو الطَّريق، سمِّي بذلك لامتداده. والسَّابلة: المختلِفَةُ في السُّبُل جائيةً وذاهبة)(1) لذا عُرف السبيل بأنّه: (الطريقُ وما وَضَحَ منه يُذَكَّر ويؤنث وسَبِيلُ الله طريق الهُدى الذي دعا إِليه... ابنُ السَّبيل ابنُ الطريق وتأْويله الذي قُطِع عليه الطريقُ والجمع سُبُلٌ وسَبيلٌ سابلةٌ مَسْلوكة والسابِلَة أَبناء السَّبيل المختلفون على الطُّرُقات في حوائجهم والجمع السوابل)(2) .

وردت هذه اللفظة في نهج البلاغة في ثلاثة وسبعين موضعاً؛ منها: بصيغة المفرد (سبيل) اثنتين وستين مرة واحدى عشرة مرة بصيغة الجمع

ص: 191


1- معجم مقاييس اللغة: (سبل): 3/ 130
2- لسان العرب: (سبل): 11/ 319

(سبل)، وفي ورود هذه اللفظة معانٍ حددها السياق وكالآتي:

أ- السبيل بمعنى الطريق: يقول الكفوي في التمييز بين الطريق والسبيل: السَّبيل: هو أغلب وقوعاً في الخير، ولا يكاد اسم الطَّريق يراد إلاّ مقروناً بوصف، أو إضافة تخلّصه لذلك)(1) ، ويلاحظ في الأغلب ملازمة الفعلين (سلك- نهج) للسبيل وهنالك فرق واضح وجلي بين دلالة السلوك والنهج فمفهوم سلك كما يبينه ابن فارس (395ه) بقوله: (السين واللام والكاف أصلٌ يدلُّ على نفوذ شيءٍ في شيء. يقال سلكت الطَّريقَ أَسلُكُه. وسَلكت الشيء في الشيء: أنفذْته)(2) هو الدخول والنفوذ إلى الطريق.

من كتاب له علیه السلام إلى المنذر العبدي، وخان في بعض ما ولّاه من اعماله يقول علیه السلام: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ صَلاحَ أَبِيكَ غَرَّنِی مِنْكَ وظَنَنْتُ أَنَّكَ تَتَّبِعُ هَدْيَهُ وتَسْلُكُ سَبِيلَهُ»(3) .

نجد هنا أسلوب توبيخ لعامله المنذر، وقد بيّن الإمام هذا الأسلوب من خلال تذكيره بأبيه الذي تميز بالصلاح؛ على عكس ابنه فقد ترك سلوك سبيل أبيه، وقد ظنّ الإمام علیه السلام أنه كأبيه يتبع هديه ويسير بحسب ذلك؛ سالكاّ طريقته متبعاً ذلك فيما ولّاه منفذاً لذلك؛ بينما دلالة النهج على: (الطريق الواضح. وكذلك المَنْهَجُ والمِنْهاجُ. وأَنْهَجَ الطريقُ، أي استبانَ وصار نَهْجاً واضحاً بَيِّناً. قال يزيد بن الحذَّاق العبديّ:

ولقد أضاءَ لك الطريقُ وأَنْهَجَتْ سُبُلُ المَسالِكِ والهُدى تُعْدي

ص: 192


1- الكليات: أبو البقاء أيوب الكفوي: 513
2- معجم مقاييس اللغة: (سلك): 3/ 97
3- نهج البلاغة: الكتاب (71)/ 461- 462

أي تُعين وتقوِّي. ونَهَجْتُ الطريق، إذا أَبَنْتَهُ وأوْضحته)(1) أي: السير او اتباع طريق واضح.

جاء من خطبة الأشباح قوله علیه السلام: «الَحمْدُ للهِ الَّذِي لا يَفِرُهُ الَمنْعُ والُجمُودُ ولا يُكْدِيهِ الإعْطَاءُ والُجودُ إِذْ كُلُّ مُعْطٍ مُنْتَقِصٌ سِوَاهُ وكُلُّ مَانِعٍ مَذْمُومٌ مَا خَلاهُ وهُوَ الَمنَّانُ بِفَوَائِدِ النِّعَمِ وعَوَائِدِ الَمزِيدِ والْقِسَمِ عِيَالُهُ الَخلائِقُ ضَمِنَ أَرْزَاقَهُمْ وقَدَّرَ أَقْوَاتَهُمْ ونَهَجَ سَبِيلَ الرَّاغِبِينَ إِلَيْهِ والطَّالِبِينَ مَا لَدَيْهِ»(2) .

فهنا الحمد والثناء لله (سبحانه وتعالى) كما ينبغي، ونجد الرحمة الإلهية على الخلق إذ شملت عدة أمور منها: اعتبار الخلائق هم عيال الله فهنا من باب الاستعارة(3) ، ومن ثم تقسيم الرزق عليهم، واشارته إليهم باتباع نهج السبيل: أي الطريق الواضح للدين الحق والشريعة السمحاء أو تبيين ذلك لهم ليكونوا من الراغبين إليه.

ب- السبيل بمعنى الحرية: لما كان المفهوم من الطريق هو التقييد فإن مفهوم السبيل هو الاطلاق وإن مفهوم الاطلاق من مفاهيمه هو الحرية لذا عدت الحرية لازمة من لوازم السبيل لذا فقد جاء السبيل هنا بمعنى منح الحرية أو اطلاق السراح؛ من كلام له علیه السلام قاله لمروان بن الحكم بالبصرة: «قَالُوا أُخِذَ مَرْوَانُ بْنُ الَحكَمِ أَسِيراً يَوْمَ الَجمَلِ فَاسْتَشْفَعَ الَحسَنَ والُحسَيْنَ إِلَی أَمِيرِ الُمؤْمِنِينَ علیه السلام فَكَلَّمَاهُ فِيهِ فَخَلَّ سَبِيلَهُ»(4) .

ص: 193


1- الصحاح: (نهج): 2/ 234
2- نهج البلاغة: الخطبة (91)/ 124
3- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 2/ 325
4- نهج البلاغة: كلامه: (73)/ 102

ج- السبيل بمعنى الطاعة: ومن أجَلّ العبارات المتكررة في القرآن وفي السنة النبوية ونهج البلاغة وغيرها هي عبارة: (في سبيل الله) أي في طاعة الله(1) ؛ ومن وصية له علیه السلام للحسن والحسين علیه السلام لما ضربه ابن ملجم لعنه الله: «والله الله فِی الصَّلاةِ فَإِنَّهَا عَمُودُ دِينِكُمْ والله الله فِی بَيْتِ رَبِّكُمْ لا تُخَلُّوهُ مَا بَقِيتُمْ فَإِنَّهُ إِنْ تُرِكَ لَمْ تُنَاظَرُوا والله الله فِی الْجِهَادِ بِأَمْوَالِكُمْ وأَنْفُسِكُمْ وأَلْسِنَتِكُمْ فِی سَبِيلِ الله»(2) فدلالة السياق هنا على الجهاد والتضحية والايثار بالنفس.

وهنالك دلالات اخرى ضمن السياق للسبيل: منها الانحراف عن الصراط المستقيم كقوله: «إنَّ أَبْغَضَ الَخلائِقِ إِلَی الله رَجُلانِ رَجُلٌ وَكَلَهُ اللهُ إِلَی نَفْسِهِ فَهُوَ جَائِرٌ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ...»(3) .

2- السَّهْل

(كل شيءٍ إلى اللِّين وذهاب الخشونة وقد سَهُل سُهُولةً والسَّهْلة: تراب كالرملِ يجيءُ به الماء. وأرض سَهِلةٌ فإذا قلت: سَهْلَة فهي نقيض حزنة وأَسْهَلَ القوم نزلوا عن الجبل الى السَّهْل... وسُهَيل: اسم كوكب يُرى بالعراق ولا يرى بخُراسانَ)(4) (والجمع سُهول)(5) .

وردت هذه اللفظة في النهج في عشرة مواضع؛ سبعة منها بصيغة

ص: 194


1- ينظر: قاموس القرآن أو اصلاح الوجوه والنظائر في القرآن الكريم: الدامغاني: 228- 230
2- نهج البلاغة: الوصية (47)/ 422
3- نهج البلاغة: كلامه: (17)/ 59
4- كتاب العين: (سهل): 4/ 7
5- لسان العرب: (سهل): 11/ 349

المفرد(1) وثلاثة بصيغة الجمع(2) ، وقد وردت بمعان مختلفة حددها السياق داخل النص وكالآتي:

أ- بمعنى السهولة واللين: من خطبة له علیه السلام يصف فيها المتقين: «يَمْزُجُ الْحِلْمَ بِالْعِلْمِ والْقَوْلَ بِالْعَمَلِ. تَرَاهُ قَرِيباً أَمَلُهُ، قَلِيلاً زَللهُ، خَاشِعاً قَلْبُهُ، قَانِعَةً نَفْسُهُ مَنْزُوراً أَكْلُهُ، سَهْلاً أَمْرُهُ، حَرِيزاً دِينُهُ...»(3) فيلاحظ أن لفظة (سهْلًا) وردت في النص للدلالة على السهولة والليونة فيما وبما يحيط بها من ألفاظ لتدل بالأخير على صفات المتقين.

ب- بمعنى السهل من الأرض: وهنالك أقوال تبين خلق الله للأرض ومن مكوناتها السهل قال من خطبة له علیه السلام يذكر فيها ابتداء خلق السماء والأرض وخلق آدم وفيها ذكر الحج وغيرها، قال في صفة خلق آدم: (ثُمَّ جَمَعَ سُبْحَانَهُ مِنْ حَزْنِ الأرْضِ وسَهْلِهَا وعَذْبِهَا وسَبَخِهَا تُرْبَةً سَنَّهَا بِالَماءِ حَتَّى خَلَصَتْ ولاطَهَا بِالْبَلَّةِ حَتَّى لَزَبَتْ فَجَبَلَ مِنْهَا صُورَةً ذَاتَ أَحْنَاءٍ ووُصُولٍ وأَعْضَاءٍ...)(4) فهنا تبيين للمكونات التي خُلق منها آدم علیه السلام أي أنّ هنا بيان للأصول والمبادئ لخلقه.

ص: 195


1- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (1)/ 42، الخطبة (192)/ 292، الخطبة (193)/ 303، الخطبة (234)/ 354، الكتاب (9)/ 368 ، الكتاب (53)/ 437، الحكمة (333)/ 533
2- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (91)/ 131
3- نهج البلاغة: الخطبة (193)/ 305
4- م. ن: الخطبة (1)/ 42
3- الطَّرِيق

(الطاء والراء والقاف أربعة أصول: أحدها الإتيان مَسَاءً، والثاني الضَّرْب، والثالث جنسٌ من استرخاء الشيء، والرابع خَصْف شيء على شيء)(1) و (والطَّرِيقُ السبيل تذكَّر وتؤنث تقول الطَّريق الَأعظم والطَّريق العُظْمَى وكذلك السبيل والجمع أَطْرِقة وطُرُق... والطَّرُيقة السِّيرة وطريقة الرجل مَذْهبه يقال ما زال فلان على طَرِيقة واحدة أَي على حالة واحدة)(2) .

وردت هذه اللفظة في واحد وسبعين موضعاً، وتكررت لفظة الطريق اثنتين وخمسين مرة، وطرق أربع عشرة مرة، وطريقة خمس مرات.

ولما كان المغزى من السياق هو الكشف عن مضمار المعنى للفظة ولما كانت الكلمة متغيرة المعنى داخل السياق فإن تغيير معناها قد نحى ثلاثة مناحٍ:

الأول: أن يتعدد معناها بنفسها بحسب الدلالة والزمن.

الثاني: أن تكتسب معنى آخر مع البقاء على معناها المركزي وذلك من خلال ما يضاف اليها من كلمات.

الثالث: أنها تخرج عن معناها الحقيقي لمعان وأغراض أُخر بحسب مقتضى الحال إلى المجاز.

ولو ألقينا نظرة على لفظة الطريق نجد أنّها أكثر ما وردت بالمنحى الثاني وهو الاكتساب بما يخبر عنها أو يضيف لها أو الوصف.

ص: 196


1- معجم مقاييس اللغة: (طرق): 3/ 449
2- لسان العرب: (طرق): 10/ 215

قال من خطبة له علیه السلام وفيها يصف الله تعالى ثم يبين فضل الرسول الكريم وأهل بيته ثم يعظ الناس: «اعْمَلُوا رَحِمَكُمُ اللهُ عَلَی أَعْلامٍ بَيِّنَةٍ فَالطَّرِيقُ نَهْجٌ. يَدْعُو إِلى دارِ السَّلامِ وأَنْتُمْ فِی دَارِ مُسْتَعْتَبٍ عَلَی مَهَلٍ وفَرَاغٍ والصُّحُفُ مَنْشُورَةٌ والأقْلامُ جَارِيَةٌ والأبْدَانُ صَحِيحَةٌ والألْسُنُ مُطْلَقَةٌ والتَّوْبَةُ مَسْمُوعَةٌ والأعْمَلُ مَقْبُولَةٌ»(1) .

اختصر الإمام مسيرة الكون والحياة التي يعيشها الإنسان بكلمتين (فَالطَّرِيقُ نَهْجٌ)، لقد أوصى الإمام هنا الرعية بالعمل على وفق مناهج ظاهرة واضحة لا ملتوية فالأعلام والشواهد الدالة على اتباع هذا الطريق واضحة والعمل بهذه المناهج تحتاج إلى ممر وطريق للوصول إلى دار السلام أي: الجنة(2) لذا فهذا الممر أو الطَّريق تمثل بالسير وفق الشريعة الصادقة التي هي النهج وهنا بيان واضح للحق من الباطل ممن تشوبه الشوائب ثم يفصل الأمور التي عليها على وجه التحذير والتذكير لكي يسيروا على وفق منهج الشريعة.

ومن كلام له علیه السلام في الإيمان ووجوب الهجرة: «أَيُّهَا النَّاسُ سَلُونِی قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِی فَلَاَنَا بِطُرُقِ السَّمَاءِ أَعْلَمُ مِنِّي بِطُرُقِ الأرْضِ قَبْلَ أَنْ تَشْغَرَ بِرِجْلِهَا فِتْنَةٌ تَطَأُ فِی خِطَامِهَا وتَذْهَبُ بِأَحْلامِ قَوْمِهَا»(3) .

يستشعر القارئ لهذه الأسطر أن علياً قد تميز من غيره بإتيان العلم كيف

ص: 197


1- نهج البلاغة: الخطبة (94)/ 139- 140
2- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 7/ 65، شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 2/ 398
3- نهج البلاغة: كلامه (189)/ 280

لا؟ ورسول الأمة صلی الله علیه و آله يقول: «أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أرداد المدينة فليأت الباب»(1) .

لقد وجّه الإمام خطابه للناس في سؤاله بلفظة (سَلُونِی) ينقل ابن عبد البر في كتابه: (قال أحمد بن زهير: وأخبرنا إبراهيم بن بشار قال: حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: ما كان أحد من الناس يقول: سلوني غير علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه)(2) .

والسؤال هنا مشروط قبل وفاة الإمام علیه السلام وكأنه أراد استعجالهم باستثمار وجوده للاستفادة من علمه؛ لذا كان التعبير عن علمه بالطرق وهو منقسم على شطرين وكما يأتي:

أ- طرق السماء: وهنا جاءت لفظة الطرق للدلالة على: معرفة ما يجري من الأمور المستقبلية وقد دلّت أحاديث متواترة منقولة عنه أو معرفة الأحكام الشرعية وهي من الأمور الالهية لذا قال بأنه ما من فتنة مستقبلية يخبرهم بها قبل أن تحصل أو معرفته بوجوه الهداية لمعرفة منازل من مات وما هي مرتبته فضلاً عن مقامات الأنبياء(3) وأيّاً يكون هذا الاختلاف في آراء الشراح فإن المستفاد من ذلك هو الاحاطة بالعلم للإمام علیه السلام يستطيع المخاطب أن يدرك أن ما من سؤال إلا ويجيبه الإمام عنه.

ب- طرق الأرض: قدّم طرق السماء على طرق الأرض ولعل ذلك

ص: 198


1- المستدرك على الصحيحين: النيسابوري: 3/ 147
2- الاستيعاب في معرفة الأصحاب: ابن عبد البر: 1/ 340
3- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 13/ 106، شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 4/ 200

يرجع إلى تعلق فكر الإنسان لمعرفة ما يجول بالسماء أكثر من معرفته بالأرض كونه يعيش عليها وكذلك لأهمية السماء عن الأرض لذا نستطيع أن نقول استعمال التشويق للمعرفة ويقصد بطرق الأرض على ما يبدو هي الأمور والمتعلقات الدنيوية.

ويبدو أنّ هنالك دلالة أخرى للسياق تختص بضرورة تعلم العلوم الاخرى.

4- الفِجَاج

(الفَجُّ: الطريق الواسع بين الجبلين، والجمع فِجاج)(1) ، و (الفَجُّ المَضِرْب البعيد وقيل هو الشِّعْب الواسع بين الجبَلين... ما انخفض من الطرُق وجمعه فِجاج وأَفِجَّةٌ الأَخيرة نادرة)(2) .

وردت هذه اللفظة في ثمانية مواضع، منها بصيغة المفرد مرة واحدة(3) ، وسبع مرات بصيغة الجمع(4) ، قال من خطبة له علیه السلام وتشتمل على قدم الخالق وعظم مخلوقاته، ويختمها بالوعظ: «الَحمْدُ للهِ الَمعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ والَخالِقِ مِنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ الَّذِي لَمْ يَزَلْ قَائِماً دَائِماً إِذْ لا سَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ ولا حُجُبٌ ذَاتُ إِرْتَاجٍ ولا لَيْلٌ دَاجٍ ولا بَحْرٌ سَاجٍ ولا جَبَلٌ ذُو فِجَاجٍ ولا فَجٌّ ذُو اعْوِجَاجٍ ولا

ص: 199


1- الصحاح: (فجج): 2/ 34
2- لسان العرب: (فجج): 2/ 338
3- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (90)/ 122
4- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (90)/ 122، الخطبة (191)/ 128- 131، الخطبة (165)/ 235، الخطبة (182)/ 260، الخطبة (192)/ 292، الخطبة (198)/ 313

أَرْضٌ ذَاتُ مِهَادٍ»(1) .

يبتدئُ الإمام خطبته بالحمد لله على جزيل معروفه بما خلق حمداً يستحقه فهو القائم الذي لم يزل والموجود دوماً بما تجلّی من جميل صنيع قدرته، ومن بين ما خلقه الجبال التي تثبت الأرض فهي كالأوتاد وصفة هذه الجبال أن فيها فجاجاً أي مجموعة من الطرق في الجيل(2) ففي العادة أن يحتوي الجبل على فج أو طريق لا طرق متعددة وهنا نفي، كما نفي وجود طريق معوج في الجبل.

5- الوَادِي

(كل مَفْرَجٍ بين جبال وآكام وتلال يكون مسلكاً للسَّيْل أو مَنْفَذاً والجميع «كذا» الأودية على تقدير فاعل وأفعله)(3) ، و (أَوْداء على أَفْعالٍ مثل صاحبٍ وأَصْحابٍ)(4) .

وردت هذه اللفظة في سبعة مواضع، تكررت في المفرد مرتين(5) ، وفي الجمع خمس مرات(6) .

من خطبة له علیه السلام ينبّه على إحاطة علم الله بالجزئيات، ثم يحث على التقوى،

ص: 200


1- نهج البلاغة: الخطبة (90)/ 122- 123
2- ينظر: بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة: 1/ 190
3- كتاب العين: (ودي): 8/ 98
4- لسان العرب: (وادي): 15/ 383
5- ينظر: نهج البلاغة: الكتاب (31)/ 400، الحكمة (289)/ 526
6- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (91)/ 134، الخطبة (166)/ 240، الخطبة (186)/ 275، الخطبة (192)/ 293، الخطبة (198)/ 315

ويبين فضل الإسلام والقرآن: «ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ نُوراً لا تُطْفَأُ مَصَابِيحُهُ وسِرَاجاً لا يَخْبُو تَوَقُّدُهُ... وحَقّاً لا تُخْذَلُ أَعْوَانُهُ فَهُوَ مَعْدِنُ الإيمَنِ وبُحْبُوحَتُهُ ويَنَابِيعُ الْعِلْمِ وبُحُورُهُ ورِيَاضُ الْعَدْلِ وغُدْرَانُهُ وأَثَافِیُّ الإسْلامِ وبُنْيَانُهُ وأَوْدِيَةُ الَحقَّ وغِيطَانُهُ وبَحْرٌ لا يَنْزِفُهُ الُمسْتَنْزِفُونَ»(1) .

في هذه الخطبة يذكر الإمام الكتاب الذي نزل على رسول الله وقد وصفه بأوصاف كثيرة فكما أن الرسول خاتم الأنبياء فالقرآن الكريم خاتم الكتب السماوية، وذكر بأنه النور الذي لا تنطفىء مصابيحه مما احتواه وما ضمه وما جاء به من العلم والمعرفة وغيرها يسير عليها الناس، كما أنه سراج لا ينقطع نوره لهداية الناس(2) .

ومن ضمن الوصف له وصفه بأودية الحق لأنه في العادة الوادي يحتوي على المياه فكأنما أصبح مصدراً من مصادر الماء، ويبدو أن ذكر الوادي هنا للعلم الدفين الذي يحمله الكتاب فضلاً عن دلالة الحق فيه فأصبح المنبع الذي يكون للحق كما الوادي الذي تجري المياه فيه فيكون مصدراً لها.

ومن الألفاظ الأخرى الواردة: المسلك (مرة واحدة)(3) . ينظر جدول إحصائي رقم (10) للوحدات الدلالية للسهل والوادي والطريق وما يتصل بها في نهج البلاغة- صفحة301.

***

ص: 201


1- نهج البلاغة: الخطبة (198)/ 315
2- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 3/ 358
3- نهج البلاغة: الخطبة (191)/ 284

ص: 202

المبحث الثالث: الجبال والصحراء وما يتصل بها

1- الجَبَل

(اسْمٌ لكلِّ وَتِدٍ من أوتاد الأرض إذا عَظُمَ وطالَ من الأَعلامِ والأَطوارِ والشَّناخيبِ والأَنْضادِ فإذا صَغُرَ فهو من الآكام والقِيرانِ)(1) .

(والجمع أَجْبُل وأَجْبال وجِبال وأَجْبَل القومُ صاروا إِلى الجَبَل وتَجَبَّلوا دَخَلوا في الجَبَل)(2) .

وردت هذه اللفظة في النهج في ستة وعشرين موضعاً، منها بصيغة المفرد ثماني مرات وبصيغة الجمع ثماني عشرة مرة وُظِّفَ أغلبها للدلالة على اثبات قدرة الله سبحانه في الخلق.

قال عندما توفي سهل بن حُنيف الأنصاري بالكوفة بعد مرجعه من صفين وكان أحب الناس إليه: «لَوْ أَحَبَّنِي جَبَلٌ لَتَهَافَتَ»(3) .

يقول الرضي: (معنى ذلك أن المحنة تغلظ عليه فتسرع المصائب إليه ولا

ص: 203


1- كتاب العين: (جبل): 6/ 136
2- لسان العرب: (جبل): 11/ 96
3- نهج البلاغة: الحكمة (11)/ 488

يُفعل ذلك إلا بالأتقياء الأبرار والمصطفين الأخيار وهذا مثل قوله علیه السلام: «مَنْ أحَبَّنَاَ أَهْلَ البْيَتِ فَلْيسَتَعِدَّ للِْفَقْرِ جِلْباَباَ». وقد يؤول ذلك على معنى آخر ليس هذا موضع ذكره)(1) .

لقد طرّز النهج اسماء أصحاب الإمام علیه السلام المخلَصين له ومن بينهم:

همام حينما سأل الإمام أن يصف له المتقين وكان أحدهم(2) فصعق ومات بعد سماعه كلام الإمام فقال الإمام: «أَمَا والله لَقَدْ كُنْتُ أَخَافُهَا عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أهَكَذَا تَصْنَعُ الَموَاعِظُ الْبَالِغَةُ بِأَهْلِهَا»(3) .

وكذلك سهل الأنصاري الذي أحبه الإمام علیه السلام، فقال الإمام علیه السلام في محنة فقده سهل أنّه لو أحبني جبل وأراد التقرب لسقطت اجزاؤه قطعة قطعة(4) ، ومعنى ذلك الإخلاص للإمام في تهافت الجبل كما أصحابه يقاتلون دونه لأنه يحمل بين طياته الحق ويسير عليه ويأمر العمل به فاختار الجبل دون غيره لصلابته في الاستعداد للبلاء نتيجة اتباع الحق والثبات في الحق مع علو الشأن والدليل على ما نقله الرضي من أنّ المحبَ لآل البيت عليه أن يلبس الفقر جلباباً له ولعل المراد كشف مدى البلاء الذي تعرّض له الإمام علیه السلام.

وفي سياق مختلف يوظّف الإمام علیه السلام الجبل في نَهْرِ أحدهم يقول: من كتاب له علیه السلام إلى أبي موسى الأشعري وهو عامله على الكوفة، وقد بلغه عنه تثبيطه الناس عن الخروج إليه لما ندبهم لحرب أصحاب الجمل: «ولَكِنَّهَا

ص: 204


1- م. ن
2- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (193)/ 303
3- م. ن
4- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 5/ 298

الدَّاهِيَةُ الْكُبْرَى يُرْكَبُ جَمَلُهَا ويُذَلَّلُّ صَعْبُهَا ويُسَهَّلُ جَبَلُهَا فَاعْقِلْ عَقْلَكَ وامْلِكْ أَمْرَكَ وخُذْ نَصِيبَكَ وحَظَّكَ فَإِنْ كَرِهْتَ فَتَنَحَّ إِلَی غَيْرِ رَحْبٍ ولا فی نَجَاةٍ»(1) .

بعد أن شرط الإمام علیه السلام شروطه على أبي موسى الأشعري(2) ، وأقام حدوده لأن أبا موسى ثبَّط عزيمة الناس على الخروج لحرب الجمل(3) ، ذكّره بأنّ هذه الحرب الداهية الكبرى في عدم اتباع ما امرتك به وكان الإمام علیه السلام قد امره بالمبادرة والخروج ولا يجلس مكتوف الأيدي فلو قام بما أمره به ذللت له الصعاب وأصبح يصعد الجبل بسهولة.

فقال علیه السلام إن كرهت الأمر فمل جانباَ ودع أمر الولاية لغيرك إن لم تكن كفءً لها وأوضح له الأمر أن ما آمرك أن تقوم به ليس باليسير كما ان تصرفك ليس باليسير في حال امتناعك فدلّ السياق على بيان طاعة الإمام والامتثال للأوامر فتذلل صعاب الأمور.

2- الصَّحْرَاء والفَلاة

(الصاد والحاء والراء أصلان: أحدهما البَرَاز من الأرض، والآخر لونٌ من الألوان.

ص: 205


1- نهج البلاغة: الكتاب (63)/ 453
2- ذكر ابن ابي الحديد حول أبي موسى وما كان يقوله للناس: (أن أبا موسى كان يقول لأهل الكوفة- إن عليا إمام هدى وبيعته صحيحة- ألا إنه لا يجوز القتال معه لأهل القبلة- وهذا القول بعضه حق وبعضه باطل-). شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 17/ 246
3- ينظر: توضيح نهج البلاغة: 4/ 222

فالأوَّل الصَّحْرَاء: الفضاء من الأرض. ويقال أصحر القَوْمُ، إذا بَرَزُوا.

ومن الباب قولُهُم: لقيته صَحْرَةَ بَحْرَةَ، إذا لم يكن بينك وبينه سِتْر. والصُّحْرة: الصَّحراء.

والأصل الآخر: الصُّحْرة، وهو لونٌ أبيضُ مُشربٌ حمرةً)(1) .

اذن فالصحراء ذلك الفضاء الواسع، وردت في نهج البلاغة بالصيغة الفعلية (فعل أمر) ولم ترد هذه اللفظة بالصورة المعروفة عليها (صحراء).

قال الإمام من كتاب له علیه السلام إلى محمد بن أبي بكر لما بلغه توجده من عزله بالأشتر عن مصر، ثم توفي الأشتر في توجهه إلى هناك قبل وصوله إليها: «فَأَصْحِرْ لِعَدُوِّكَ وامْضِ عَلَی بَصِيرَتِكَ وشَمِّرْ لَحِرْبِ مَنْ حَارَبَكَ وادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ وأَكْثِرِ الاسْتِعَانَةَ بِالله يَكْفِكَ مَا أَهَّمَّكَ»(2) .

بعد ذكر مالك الاشتر والترحم عليه، يوجه الإمام علیه السلام الخطاب إلى محمد أبي بكر بعدة توصيات لا بد له من ادائها ليحل العدل في الرعية، ومن جملة هذه التوصيات: قوله «فاصحر لعدوك» أي ابرز له واظهر غير متستر(3) ؛ لأن الاستتار للعدو سيكون من باب الضعف.

لذا فورود هذه اللفظة وبهذه الصيغة فيها معانٍ كثيرة واختصار لألفاظ ودلّ السياق فيها على الظهور دون الاستتار حتى لا يشعر العدو بضعفه.

أمّا الفَلاة، فقد ذكر ابن منظور (711ه): (الفَلاة المَفازة والفَلاة القَفر

ص: 206


1- معجم مقاييس اللغة: (صحر): 3/ 333
2- نهج البلاغة: الكتاب (53): 442
3- ينظر: بهج الصباغة: 8/ 611

من الأَرض لأَنها فُلِيت عن كل خير أَي فُطِمت وعُزِلت وقيل هي التي لا ماء فيها... وقيل هي الصحراء الواسعة والجمع فَلاً وفَلَوات)(1) .

تعد من الألفاظ المرادفة للصحراء؛ وردت هذه اللفظة في النهج في ثلاثة مواضع بصيغة الجمع(2) ؛ يقول علیه السلام من خطبة له وهي في بيان صفات المتقين وصفات الفاسقين والتنبيه إلى مكان العترة الطيبة والظن الخاطئ لبعض الناس: «عِبَادَ الله إنَّ مِنْ أَحَبِّ عِبَادِ الله إلَيْهِ عَبْداً أَعَانَهُ اللهُ عَلَ نَفْسِهِ فَاسْتَشْعَرَ الُحزْنَ وتَجَلْبَبَ الَخوْفَ فَزَهَرَ مِصْبَاحُ الُهدَى فِ قَلْبِهِ... مِفْتَاحُ مُبْهَمَاتٍ دَفَّاعُ مُعْضِلاتٍ دَليِلُ فَلَوَاتٍ يَقُولُ فَيفُهِمُ ويَسْكُتُ فَيَسْلَمُ قَدْ أخْلَصَ للهِ فَاسْتَخْلَصَهُ»(3) .

يذكّر الإمام علیه السلام بصفات المتقين وما يجب أن يكون عليه الإنسان، وفي طيات الخطبة أمورٌ جمة وكثيرة لمن يريد الاهتداء إلى طاعة الله ومن بين الصفات التي ذكرها توظيفه للفظ من ألفاظ الطبيعة لمقصود معين واللفظ هو: الفلوات وتكون أوسع من الصحراء وإن كانت مرادفة لها.

إن عبارة (دَلِيلُ فَلَوَاتٍ) تبين أنّ الذي يريد كمالات روحية واكتساب التقوى أن يسعى لذلك فيكون كمن يعرف الفلاة مدركاً اتجاهاتها يقول البحراني: (واستعار لفظ الفلوات لموارد السلوك وهي الأمور المعقولة، ووجه المشابهة أنّ الفلوات كما لا يهتدى لمسالكها إلّا الأدلّاء الّذين اعتادوا

ص: 207


1- لسان العرب: (فلا): 155/ 161
2- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (87)/ 11- 119، الخطبة (198)/ 312، الخطبة (222)/ 342
3- نهج البلاغة: الخطبة (87): 118- 119

سلوكها وضبطوا مراحلها ومنازلها حتّى كان من لا قايد له منهم لا بدّ وأن يتيه فيها ويكون جهله بطرقها سببا لهلاكه كذلك الأمور المتصوّرة المعقولة)(1) .

فدلّ السياق على كون الفلوات هي المعرفة بالأمور والإحاطة بها للسير بطريق الطاعة من خلال معرفة دليله.

ومن الألفاظ الأخرى الواردة مثل: الرابية (بصيغة الجمع مرة واحدة)(2) والمفازة (مرة واحدة)(3) والشناخيب (مرتان)(4) .

ينظر جدول إحصائي رقم (11) للوحدات الدلالية للجبال والصحراء وما يتصل بها في نهج البلاغة- صفحة303.

***

ص: 208


1- شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 2/ 29
2- نهج البلاغة: الخطبة (91)/ 132
3- نهج البلاغة: الخطبة (192)/ 292
4- نهج البلاغة: الخطبة (91)/ 132، 135

المبحث الرابع: البحار وما يتصل بها

1- البَحْر

(البَحْر سُمِّيَ به لاستِبحاره وهو انبِساطُه وسَعَتُه. وتقول: استَبْحَرَ في العلم وتَبَحَّر الراعي: وقع في رعْيٍ كثير)(1) وكذلك البحر: (الماءُ الكثيُر مِلْحاً كان أَو عَذْباً وهو خلاف البَرَّ سمي بذلك لعُمقِهِ واتساعه قد غلب على المِلْح حتى قَلّ في العَذْبِ وجمعه أَبْحُرٌ وبُحُورٌ وبِحارٌ)(2) .

وردت هذه اللفظة في النهج في خمسة وعشرين موضعاً، منها بصيغة المفرد خمس عشرة مرة، وبصيغة الجمع عشر مرات.

من خطبة له علیه السلام ينبّه على إحاطة علم الله بالجزئيات، ثم يحث على التقوى، ويبين فضل الإسلام والقرآن يقول: «ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ نُوراً لا تُطْفَأُ مَصَابِيحُهُ وسِرَاجاً لا يَخْبُو تَوَقُّدُهُ وبَحْراً لا يُدْرَكُ قَعْرُهُ»(3) .

أرسل الله سبحانه الرسل والأنبياء مبشرين ومنذرين وأرسل النبي

ص: 209


1- كتاب العين: (بحر): 3/ 219
2- لسان العرب: (بحر): 4/ 41
3- نهج البلاغة: الخطبة (198)/ 315

محمداً صلی الله علیه و آله هادياً ورحمة للأمة الأسلامية، وقد خصّه بالكتاب السماوي (القرآن) وقد استعار الإمام ألفاظاً ليبين للناس هذا الكتاب وبحسب افهامهم ومن جملة الاستعارات قوله: «وبَحْرا لا يُدْرَكُ قَعْرُهُ» فضلاً عن كونه نوراً وسراجاً وشعاعاً فهو كالبحر الذي لا يستطيع أحد الوصول إلى فهمه الفهم الكامل والاحاطة بجميع جوانبه وذكر ابن ميثم(1) أن استعارة البحر كان له مقصدين:

الأول: عمق أسراره بحيث لا يحيط بها الأفهام ولا تصل إلى أغوارها العقول كما لا يدرك الغائص قعر البحر العميق.

الثاني: كونه معدنا لجواهر العلوم النفيسة والفضائل كما أنّ البحر معدن للجواهر.

لذا مهما بلغ التعمق في القرآن الكريم لا يمكن الاحاطة بدرره ومكنوناته، وكما قال الإمام علیه السلام من وصية لعبد الله بن العباس لما بعثه للاحتجاج على الخوارج:

«لا تُخَاصِمْهُمْ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّ الْقُرْآنَ حَمَّالٌ ذُو وُجُوهٍ تَقُولُ ويَقُولُونَ... ولَكِنْ حَاجِجْهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنَّهُمْ لَنْ يَجِدُوا عَنْهَا مَحِيصاً»(2) .

فدلّ السياق على عظمة القرآن الكريم وعده كنزأ من الكنوز يحمل أسراراً وجواهر.

ص: 210


1- شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 3/ 458
2- نهج البلاغة: الوصية: 77/ 465
2- المَوْج

(الميم والواو والجيم أصلٌ واحد يدلُّ على اضطرابٍ في الشيء. وماجَ الناسُ يموجون، إذا اضطرَبوا. وماجَ أمرُهم ومَرِج: اضطرب. والمَوْج: مَوج البحر، سمِّي لاضطرابه)(1) .

وردت هذه اللفظة في نهج البلاغة في ثلاثة عشر موضعاً، منها بصيغة المفرد أربع مرات(2) ، وبصيغة الجمع تسع مرات(3) .

مرّ بنا في مقدمة الفصل حول التسميات الأخرى للسماء كالموج المكفوف، كما جاء الموج في باب الاستعارة ضمن السياق اللغوي للنص من خلال قول الإمام من خطبة له علیه السلام لما قبض رسول الله صلی الله علیه و آله وخاطبه العباس وأبو سفيان بن حرب في أن يبايعا له بالخلافة: «أَيُّهَا النَّاسُ شُقُّوا أَمْوَاجَ الْفِتَنِ بِسُفُنِ النَّجَاةِ وعَرِّجُوا عَنْ طَرِيقِ الُمنَافَرَةِ وضَعُوا تِيجَانَ الُمفَاخَرَةِ أَفْلَحَ مَنْ نَهَضَ بِجَنَاحٍ أَوِ اسْتَسْلَمَ فَأَرَاحَ»(4) .

يبين هنا حرص الإمام علیه السلام في الحفاظ على الدين الإسلامي يشهد له بذلك ما جادت به قريحته من خطبٍ لم يأتِ أحد قبله أو بعده، فلطالما حذّر من الفتن بين ثنايا خطبه مشبهاً تارة مستعيراً تارة أخرى أو مكنياً، وحتى مصرحاً لوأد نار الفتنة في محلها على نحو الحقيقة.

ص: 211


1- معجم مقاييس اللغة: (موج): 5/ 284
2- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (1)/ 40، الخطبة (164)/ 234، الكتاب (32)/ 406
3- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (5)/ 52، الخطبة (91)/ 131، الخطبة (196)/ 310، الخطبة (198)/ 312، الحكمة (146)/ 495
4- نهج البلاغة: الخطبة (5)/ 52

وفي هذه الخطبة بيان واضح في استعارة الأمواج للفتن فإنها تجيء وتذهب فأمرهم بإبطالها فالسفينة في البحر أمام الموج الذي يصل أحياناً بحجم الجبال في اضطرابه وحركته كذلك الفتن فإن خًلِّی سبيلها اغرقت السفينة بمن فيها، ومن جمالية المفردة التي وظفها الإمام هو دلالة الفعل (شقوا) فلم يقل سيروا أو أي فعل مرادف؛ وأنّما استعمل هذا الفعل ذا دلالة على المشقة والعمل الحثيث لإطفاء الفتنة.

فالبحر يهلك ويغرق وكذا الفتن اذا قامت كقيام البحر بأمواجه(1) فحذّر الإمام علیه السلام من ذلك.

من الألفاظ الأخرى مثل: النهر: ورد النهر (مرة واحدة بصيغة المفرد(2) ، وخمس مرات بصيغة الجمع(3) بدلالات حقيقية) والجدول (مرتان بصيغة الجمع)(4) .

ينظر جدول إحصائي رقم (12) للوحدات الدلالية للبحار وما يتصل بها في نهج البلاغة- صفحة304.

***

ص: 212


1- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 1/ 277
2- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (136)/ 80
3- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (91)/ 131، الخطبة (109)/ 159، الخطبة (165)/ 239، الخطبة (192)/ 292، الكتاب (111)/ 371
4- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (91)/ 131، الخطبة (192)/ 298

الفصل الثاني: أثر السياق في الألفاظ الدالة على السماء

اشارة

المبحث الأول: السماء والنجوم وما يتصل بها

المبحث الثاني: الهواء والأمطار وما يتصل بها

المبحث الثالث: النور والظلمة وما يتصل بها

ص: 213

ص: 214

توطئة

احتلت السماء مكانة بين ألفاظ الطبيعة، وكان ذلك نابعاً من اهتمام الإنسان والتفكر بها فلطالما اطال النظر فيها وقبله التفكّر، ولا يخفى ما للسماء من أهمية في حياة الإنسان بما تمده من انواء جوية او بوصفها من المصادر التي تحمل مكونات لها تأثير مباشر على الأرض.

وردت هذه اللفظة في المعاجم اللغوية بدلالات متعددة ذكر الخليل (ت175ه): (سما الشيء يَسْمُو سُمُوّاً أي ارتفع وسما إليه بصري أي ارتفع بَصَرُك إليه وإذا رُفعَ لك شيءٌ من بعيدٍ فاستبنتَهُ قلت سما لي شيءٌ... والسّماء سقف كل شيء وكل بيت والسماء المطر الجائد يقال أصابتهم سماء وثلاث أسمية والجميعُ سُمِيٌّ والسّماوات السبْعُ أطباق الأَرَضينَ والجميعُ السّماء والسّماوات)(1) .

يقول ابن فارس (ت395ه) السين والميم والواو اصل يدل على العلو)(2) ، و (السَماءُ يذكر ويؤنّث أيضاً، ويجمع على أَسْمِيَةٍ وسماوات. والسَماءُ: كلُّ ما علاك فأظلّك، ومنه قيل لسقف البيت: سَماءٌ. والسَماءُ: المطر، يقال: ما زلنا نطأ السَماءَ حتَّى أتيناكم. قال الشاعر:

ص: 215


1- كتاب العين: (سمو): 7/ 319
2- معجم مقاييس اللغة: (سمو): 3/ 98

إذا سقط السَماءُ بأرض قومٍ رَعَيْناهُ وإنْ كانوا غَضابا ويجمع على أَسْمِيَةٍ وسُمِيٍّ)(1) .

ورد ذكرها في القرآن الكريم إلى جنب الأرض فهي لا تكاد تنفك عنها بصيغة (السماوات والأرض) الأكثر وروداً في القرآن مع اختلاف التقديم والتأخير بينهما بحسب ما يقتضي المقام والسياق، وقد وردت بصيغتي المفرد والجمع؛ أمّا في تذكيرها وتأنيثها، فيقول ابن سيده (ت458ه): (السماءُ التي تُظلُّ الأرضَ تذكر وتؤنث والتذكير قليل)(2) ، فمثال التأنيث قوله (تبارك وتعالى): «إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ»(3) ، ومثال التذكير قول الله (عز وجل): «السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا»(4) .

ولم يقتصر ذكر السماء في القرآن الكريم فحسب؛ بل شمل ذلك جميع ما فيها من: أفلاك، وكواكب، ونجوم، وغيوم وما إلى ذلك؛ فضلاً عن الظواهر الطبيعية التي تنتجها على الأرض.

والملاحظ أنّ السماء وردت بعدة أسماء عند العرب منها:

1. الجرباء: ذكر ابن سيده (ت458ه) في المخصص: (والجَرْباء السَّماء وقيل هي سَماء الدنيا)(5) وقد علل سبب التسمية ما نقله عن ابي علي الفارسي (ت377ه): (قال الفارسي: وإنما سُمِّيتْ جَرباءَ تشبيها بالجرْباء من الابل

ص: 216


1- الصحاح: (سما): 1/ 332
2- المخصص: 4/ 219
3- الانفطار: 1
4- المزمل: 18
5- المخصص: 4/ 113

لأن الكواكبَ تَظهر فيها كظهور الجَرَب بالجَرباء)(1) .

2. الخلقاء: لكونها ملساء؛ (الخَلْقاءُ: السماءُ، لمَلاسَتِها واسْتِوائِها)(2) .

3. برقع: (قال الليث: البِرْقِع: اسم السماء الرابعة. قلت: وهكذا قال غيره)(3) قال رسول الله صلی الله علیه و آله لسعد بن معاذ: «لقد حكمت بحكم الله عز وجل من فوق سبعة أرقعة»(4) ، فجمع البرقع أرقعة لترقعها بالأنوار التي فيها(5) .

وكذلك الخضراء والعلياء(6) وغيرها من الاسماء الأخرى.

أمّا فيما يخص اسماء السماء الواردة في القرآن الكريم فهي كالآتي:

1. السَّماء: وردت بلفظها الذي هو سماء وهو الاسم الذي صار دالًّا عليها في التسمية.

2. السَّقْف: قال تعالى: «وَالسَّقْفِ الَمرْفُوعِ»(7) .

3. طرائق: قال تعالى: «وَلَقَدْ خَلَقْناَ فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائقِ»(8) قال: (سبع سموات لأنها طورق بعضها فوق بعض)(9) .

ص: 217


1- م. ن
2- تاج العروس: (خلق): 25/ 264
3- تهذيب اللغة: (برقع): 1/ 411
4- المغازي: الواقدي: 1/ 203
5- ينظر: إيضاح شواهد الإيضاح: القيسي: 1/ 252
6- ينظر: المخصص: 3/ 229، 4/ 141
7- الطور: 5، وينظر: غريب القرآن: ابن قتيبة: 1/ 366
8- المؤمنون: 17
9- الكليات: 1/ 916

ولا تختلف السنة النبوية كثيراً في تناولها السماء عما جاء في القرآن الكريم، بل كانت في الأغلب مفسرة ومبينة وموضحة لما جاء في القرآن، وما نراه من الرسول صلی الله علیه و آله الاعظم لفيه بيان عظيم حول وصفه للسماء والسبع سموات، وغيرها؛ فلا يخفى على لبيب (الاسراء والمعراج)(1) خصه الله (سبحانه وتعالى) رسوله الكريم صلی الله علیه و آله على الرغم من الاختلاف به من الذي قال بالإسراء الروحي أو الجسدي(2) .

وكذلك قول الرسول صلی الله علیه و آله في وصفه السماء بالنسبة للأرض: «أخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله تعالى: «وَالسَّمَاءَ بِنَاءً»(3) قال: بناء السماء على الأرض كهيئة القبة وهي سقف على الأرض»(4) ، فهنا تظهر السماء كالقبة على الأرض في هيأتها.

لقد كان اعتقاد العرب في الجاهلية سائداً بأن الكسوف للشمس أو الخسوف للقمر لا يحصلان إلا بموت أحدهم، فقد قيل كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَی عَهْدِ رَسُولِ الله صلی الله علیه و آله يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ، فَقَالَ النَّاسُ كَسَفَتِ الشَّمْسُ لِموْتِ إِبْرَاهِيمَ.

فَقَالَ رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ لَمِوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لَحِيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ فَصَلُّوا وَادْعُوا الله»(5) .

ص: 218


1- ينظر: صحيح البخاري: 6/ 2730
2- ينظر: تفسير مفاتيح الغيب: 9/ 498- 499
3- البقرة: 22
4- ينظر: الدر المنثور: السيوطي: 1/ 43، وتفسير ابن أبي حاتم: ابن أبي حاتم الرازي: 1/ 56
5- صحيح البخاري: 4/ 252

ومن تسميات الرسول صلی الله علیه و آله للسماء الموج المكفوف؛ روي عن ابن عباس: «قال رجل: يا رسول الله ما هذه السماء؟ قال: هذه موج مكفوف عنكم»(1) .

وقد قابل التسمية هذه الإمام علي علیه السلام في النهج بقوله من خطبة في ابتداء خلق السموات والأرض: «فَسَوَّى مِنْهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ جَعَلَ سُفْلاهُنَّ مَوْجاً مَكْفُوفاً وعُلْيَاهُنَّ سَقْفاً مَحْفُوظاً وسَمْكاً مَرْفُوعاً بِغَيْرِ عَمَدٍ يَدْعَمُهَا»(2) .

فقد ذهب ابن أبي الحديد إلى أن الموج هو السماء الدنيا بقوله: (إن السماء الدنيا موج مكفوف- بخلاف السموات الفوقانية- وهذا أيضا قول قد ذهب إليه قوم- واستدلوا عليه بما نشاهده- من حركة الكواكب المتحيرة- وارتعادها في مرأى العين واضطرابها)(3) ، والمؤكد أنّ هذا من باب الاستعارة قال ابن ميثم: (واستعار لفظ الموج للسماء ملاحظة للمشابهة بينهما فى العلوّ واللون، ومكفوفا ممنوعا من السقوط)(4) .

وورد ذكر السماء في القرآن الكريم بمعنى (المطر) قال تعالى من سورة الإنعام الآية: 6 «أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِی الْاَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْناَ السَّمَاءَ عَلَيهْمْ مِدْرَارًا» يقول أبو عبيدة: (مجاز السماء ها هنا مجاز المطر، يقال: ما زلنا في سماء، أي في مطر، وما زلنا نَطأُ السماء، أي أثر المطر، وأَنَّى أخذَتكم هذه السماءُ؟ ومجاز «أرْسلنا»: أنزلنا وأمطرنا «مِدْرَاراً» أي غزيرة دائمة)(5) .

ص: 219


1- الدر المنثور: 1/ 63
2- نهج البلاغة: الخطبة (1)/ 41
3- شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 1/ 85
4- اختيار مصباح السالكين: 67
5- مجاز القرآن: ابو عبيدة: 1/ 35

كما دلّت السماء في سياق النص في النهج على المطر قال من خطبة له في الكوفة جاء فيها: «ومَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ تُزِيلُهَا عَنْ مَسْقَطِهَا عَوَاصِفُ الأنْوَاءِ وانْهِطَالُ السَّمَاءِ»(1) انهطال السماء: أي تتابع الأمطار وانصبابها(2) فهو يعلم كل شيء من سقوط ورقة أو نزول قطرة مطر.

واقتبس من القرآن الكريم(3) فقد استعار البكاء للسماء والأرض في سياق ذم من جعل الدنيا أكبر همه، وغالباً ما نجد هذا يتكرر في كلام العرب؛ نقل صاحب مجمع البحرين: (وبكت السماء إذا أمطرت، ومنه بكت السحابة)(4) .

قال علیه السلام من خطبة له يحمد الله ويثني على نبيه ويوصي بالزهد والتقوى:

«هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ قَدْ فَاتَ مَا فَاتَ وذَهَبَ مَا ذَهَبَ ومَضَتِ الدُّنْيَا لَحِالِ بَالَهِا فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ والأرْضُ وما كانُوا مُنْظَرِينَ»(5) .

قال ابن أبي الحديد موضحاً المجاز هنا: (والمراد أهل السماء وهم الملائكة وأهل الأرض وهم البشر- والمعنى أنهم لا يستحقون أن يتأسف عليهم وقيل أراد المبالغة في تحقير شأنهم- لأن العرب كانت تقول في العظيم القدر يموت- بكته السماء وبكته النجوم)(6) .

***

ص: 220


1- نهج البلاغة: الخطبة (182)/ 261
2- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 10/ 86
3- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 4/ 231
4- مجمع البحرين: الطريحي: 1/ 224
5- نهج البلاغة: الخطبة (91): 285
6- شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 13/ 126

المبحث الأول: السماء والنجوم وما يتصل بها

1- السقْف- الجَو المَكْفُوف- أطبَاق السمَاء
اشارة

من الأسماء الواردة في النهج والألفاظ الدالة عليها:

أ- السَّقْف

(عِماد البّيْتِ والسَّماءُ سَقْفٌ فوق الارض)(1) والجمع (سُقُفٌ وسُقُوفٌا)(2) .

اذن هو اسم للسماء لأنه يشترك معها في دلالة العلو والارتفاع عن الأرض.

ب- الجَو المَكْفُوف

الجو (الهواءُ.. وفي حديث علي رضوان الله عليه ثم فتَقَ الأَجْواءَ وشَقَّ الأَرْجاءَ جمع جَوٍّ وهو ما بين السماء والأَرض وجَوُّ السماء الهواء الذي بين السماء والأَرض الجمع جِوَاءٌ)(3) .

ص: 221


1- كتاب العين: (سقف): 5/ 81
2- لسان العرب: (سقف): 9/ 155
3- ينظر: كتاب العين: 6/ 196، لسان العرب (جوا): 14/ 157

أمّا المكفوف فقد ذكر ابن فارس (395): (الكاف والفاء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على قبض وانقباض. من ذلك الكَفُّ للإنسان، سمِّيت بذلك لأنَّها تَقبِض الشّیءَ... كان الأصمعيُّ يقول: كلُّ ما استطالَ فهو كُفّة بضم الكاف نحو كُفّة الثَّوبِ ونحوه وهو حاشيته، وإنَّما كفّة لأنَّها مكفوفة، وكذلك كُفّة الرَّمل. قال: وكلُّ ما استدارَ فهو كِفّة، نحو كِفَّة الميزان وكِفَّة الصَّائد)(1) .

وردت هذه لفظة السقف في النهج أربع مرات(2) ، أمّا لفظة الجو المكفوف فقد وردت مرة واحدة، وقد جمعا في سياق واحد من كلام له علیه السلام لما عزم على لقاء القوم بصفين: «اللهُمَّ رَبَّ السَّقْفِ الَمرْفُوعِ والَجوِّ الَمكْفُوفِ الَّذِي جَعَلْتَهُ مَغِيضاً لِلَّيْلِ والنَّهَارِ ومَجْرًى لِلشَّمْسِ والْقَمَرِ ومُخْتَلَفاً لِلنُّجُومِ السَّيَّارَةِ، وجَعَلْتَ سُكَّانَهُ سِبْطاً مِنْ مَلائِكَتِكَ لا يَسْأَمُونَ مِنْ عِبَادَتِكَ»(3) .

فكما ذُكِر قي مقدمة هذا الفصل بورود اسماء متنوعة للسماء عند العرب وفي القرآن الكريم، فإنَّ اللفظ المشترك بين القرآن والنهج هو السقف، فقد قال تعالى: «وَجعَلْنَا السَّمَءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا»(4) .

والإمام علیه السلام قد استعمل اللفظة من القرآن مخاطباً ربه بإسلوب الدعاء وفي ذلك جانب روحي في لقاء العبد بربه ودعوته بألفاظ فيها براعة وفطنة فضلاً عن حسن الاختيار بمناسبة المقام، ويبدو بما يتصور من النص أنَّ هذا الدعاء وبهذه الصيغة هو دعاء خاص يقابله دعاء عام كقولنا (اللهم رب

ص: 222


1- معجم مقاييس اللغة: (كف): 5/ 129- 130
2- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (1)/ 40- 43، كلامه (171)/ 245
3- نهج البلاغة: كلامه (171)/ 245
4- الأنبياء: 32

السماوات والأرض) للموقف الذي وقفه الإمام في حرب صفين.

وقد اختلف في الجو المكفوف من قبل شارحي النهج على النحو الآتي:

1. السماء: إلى ذلك ذهب الراوندي واحتج بأن جميع ما ذكره الإمام يمثل السماء قال: (الاظهر أن جميع ذلك عبارة عن السماء، لانه قال «وجعلت سكانه سبطا» أي جماعة من الملائكة، و «السبط »: الامة)(1) وكذلك ابن أبي الحديد وابن ميثم(2) .

2. الهواء: ذكر النيسابوري في شرحه أنّ الجو المكفوف هو الهواء المحدود؛ قال: (الهواء المحدود «الذي ينتهي حده إلى السماء»، والجو ما بين السماء والأرض كأنه كف أي منع من تجاوز حديه)(3) وإلى ذلك ذهب المجلسي في شرحه(4) .

3. الفضاء: وإلى ذلك ذهب كل من: الخوئي معللاً جوابه بعدم ذهاب أرباب المعاجم إلى أنّه بمعنى السماء وما ذهب إليه المعتزلي وابن ميثم بأنه السماء، فهذا من باب المجاز لا الحقيقية(5) ومن الشراح أيضاً من ذهب لذلك وهو الموسوي في شرحه(6) .

4. الفلك: نقل كل من النيسابوري والمجلسي في شرحيهما قولاً لابي

ص: 223


1- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (الراوندي): 2/ 156
2- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 9/ 301، شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 3/ 328
3- حدائق الحقائق في شرح نهج البلاغة: 2/ 63
4- ينظر: شرح نهج البلاغة (المجلسي): 2/ 155
5- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (الخوئي): 10/ 122
6- شرح نهج البلاغة (السيد عباس الموسوي): 3/ 110

عمرو الابيوردي يذكر بأن الجو المكفوف هو الفلك(1) وكذلك نقل الرواندي أنه في الناس من يقول الفلك الدوار(2) .

ومع هذا العرض المتضمن تكرار لفظ السماء والأسماء الدالة عليه بلفظين مختلفين دلّ على كونه بمعنى السماء لاشتماله على معنى الكف والسبط ضمن سياق النص.

اما ذكره بأنّ السماء على أطباق فهذا دلالة على أنه لا يوجد سماء واحدة كما اعتقدت العرب في الجاهلية(3) ، والطبق: (كلُّ غِطاءٍ لازمٍ ويقال: أطبَقْتُ الحُقَّةَ وشِبْهَها... والسَّماواتُ طِباقٌ بعضُها فوقَ بعضٍ الواحدة طَبَقةٌ ويُذكَّرُ فيقال: طَبَقٌ واحدٌ والطَّبَقَةُ: الحال)(4) .

يقول ومن خطبة له علیه السلام في عجيب صنعة الكون: «وَكَانَ مِنِ اقْتِدَارِ جَبَرُوتِهِ وبَدِيعِ لَطَائِفِ صَنْعَتِهِ أَنْ جَعَلَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ الزَّاخِرِ الُمتَرَاكِمِ الُمتَقَاصِفِ يَبَساً جَامِداً ثُمَّ فَطَرَ مِنْهُ أَطْبَاقاً فَفَتَقَهَا سَبْعَ سَمَاوَاتٍ بَعْدَ ارْتِتَاقِهَا فَاسْتَمْسَكَتْ بِأَمْرِهِ وقَامَتْ عَلَی حَدِّهِ وأَرْسَى أَرْضاً يَحْمِلُهَا الأخْضَرُ»(5) .

ذكر الله (عز وجل) آيات مشتملة على خلق السماء الأولى والفتق لها وللأرض، قال تعالى في محكم كتابه: «أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ

ص: 224


1- ينظر: حدائق الحقائق في شرح نهج البلاغة: 2/ 63، شرح نهج البلاغة (المجلسي): 2/ 156
2- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (الراوندي) 2/ 156
3- ينظر: التكون التاريخي لاصطلاحات البيئة الطبيعية والفلك: د. يحيى جبر: 39
4- كتاب العين: (طبق): 5/ 108
5- نهج البلاغة: الخطبة (221)/ 328

وَالْاَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا»(1) ففي سياق الآية بيان للذين كفروا من قدرة الله سبحانه وتعالى على الخلق وهو القادر على كل شيء بصيغة الاستفهام وفي مسألة الرتق والفتق آراء للمفسرين مختلفة(2) .

فما معنى الرتق والفتق: عُرّف الرتق بأنه: (إلحامُ الفَتْق وإصلاحُه يقال: رَتَقْتُ فَتْقَه حتى ارتَتَقَ... كانت السموات رتْقاً لا ينزل منها رَجْع وكانت الأَرض رتْقاً ليس فيها صَدْع ففتقهما الله تعالى بالماء والنبات رِزْقاً للعباد قال الفراء فُتِقت السماء بالقَطر والأَرض بالنبْت)(3) .

أمّا الفتق فإنّه: (الفَتْق خلاف الرَّتْق فَتَقَهُ يَفْتُقُه ويَفْتِقُه فَتْقاً شقه)(4) ومن هنا يتبين شق السماء وإنزال المطر والارض وإخراج النبات للعباد وقد أشار الإمام علیه السلام إلى ذلك بشيء من التفصيل، فذكر في اثبات قدرة الله على الخلق حيث خلق السموات والأرض من الماء وجعلها سبع سموات من الأطباق التي كانت ملتحمة ففتقها فكانت مطيعة لأمره بإخضاعها لقوانين الأرض(5) .

ومن هنا بيّن الإمام قدرة الله عز وجل في فصل طبقات السماء وكذلك الأرض.

ص: 225


1- الانبياء: 30
2- ذكرها الشنقيطي في تفسيره: أضواء البيان في تفسير القرآن: 4/ 215
3- كتاب العين: (رتق): 5/ 126، لسان العرب: (رتق): 10/ 114
4- لسان العرب: (فتق): 10/ 296
5- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد): 11/ 52، شرح نهج البلاغة (السيد عباس الموسوي) 3/ 474
2- الشَّمس

(الشين والميم والسين أصلٌ يدلُّ على تلوُّنٍ وقِلَّة استقرار. فالشَّمس معروفة، وسمِّيت بذلك لأنَّها غير مستقرّة، هي أبداً متحرّكة. وقُرئَ: «والشَّمْسُ تَجْرِي لاَ مُسْتَقَرَّ لَهَا»(1) والشَّموس من الدوابّ: الذي لا يكاد يستقرّ... والجمع شُمُس)(2) .

وردت هذه اللفظة في سبعة عشر موضعاً بصيغة المفرد خمس عشرة مرة(3) ، وبصيغة الجمع مرة واحدة(4) .

فقد ذُكرت هذه اللفظة في نهج البلاغة منفردة كما أنها جاءت مقترنة بالقمر ومقدمة عليه، وقد ذكرت ضمن سياق تحديد الزمن.

أ- تحديد زمن استمرار القتال: من كتاب لأخيه عقيل يخبره عندما أنفذ الجيش إلى بعض اعدائه: (فَسَرَّحْتُ إِلَيْهِ جَيْشاً كَثِيفاً مِنَ الُمسْلِمِينَ فَلَمَّا بَلَغَهُ ذَلِكَ شَمَّرَ هَارِباً ونَكَصَ نَادِماً فَلَحِقُوهُ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ وقَدْ طَفَّلَتِ الشَّمْسُ لِلإيَابِ...)(5) ، ويراد بتطفيل الشمس: (ميلُها للغروب... والطَفَلُ بالتحريك: بعد العصر، إذا طَفَّلَتِ الشمس للغروب)(6) .

ص: 226


1- يس: 38
2- معجم مقاييس اللغة: (شمس): 3/ 212- 213
3- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (87)/ 118، الخطبة (90)/ 122، الخطبة (91)/ 127، الخطبة (155)/ 217، الخطبة (163)/ 232، الخطبة (185)/ 271، الخطبة (233)/ 344، الكتاب (36)/ 409، الكتاب (52)/ 426، كلامه (171)/ 245، الحكمة (294)/ 527
4- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (165)/ 236
5- نهج البلاغة: الكتاب (36)/ 409
6- الصحاح: (طفل): 1/ 426

فهنا يخبر الإمام علیه السلام أنّ في وقت القتال مالت الشمس للغروب، وقد كان هذا الاستعمال للفظ سائداً عند العرب آنذاك في اعتقاد العرب بأن للشمس منزلاً تأوي إليه كما الناس فهنا ميلانها يكون للغروب والرجوع إلى ما كانت عليه في الليلة السابقة وليس الزوال(1) فهنا خاطب الإمام علیه السلام على قدر فهم العرب وافهامهم ويتضح دلالة تحديد الزمن بوساطة الأجرام السماوية.

ب- تحديد وقت صلاة العصر: كما جاء تحديد الزمن في موضع يحدد فيه الإمام علیه السلام وقت الصلاة؛ من كتاب له علیه السلام إلى أمراء البلاد في معنى الصلاة: «أَمَّا بَعْدُ فَصَلُّوا بِالنَّاسِ الظُّهْرَ حَتَّى تَفِيءَ الشَّمْسُ مِنْ مَرْبِضِ الْعَنْزِ وصَلُّوا بِهِمُ الْعَصْرَ والشَّمْسُ بَيْضَاءُ حَيَّةٌ فِی عُضْوٍ مِنَ النَّهَارِ»(2) .

وصف الشمس بأنها بيضاء حية في تحديد وقت صلاة العصر ودلالة كونها بيضاء أي أنها لا يكون فيها اصفرار لأن اصفرارها دليل على ميلانها للمغيب هذا من جهة ومن جهة أخرى ذكر بكونها حيّة أي ظاهرة لا مختفية وفي هذا استعارة(3) .

ووردت الشمس بلفظ آخر مرادف لها وهو السراج قال الإمام علیه السلام: «وأَجْرَى فِيهَا سِرَاجاً مُسْتَطِيراً وقَمَراً مُنِيراً»(4) .

ص: 227


1- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 16/ 149
2- نهج البلاغة: الكتاب (52)/ 426
3- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 5/ 133
4- نهج البلاغة: الخطبة (1)/ 41
3- الفَلَك والرَّقيم

(الفَلَكُ: فَلَكُ السَّمَاءِ سُمِّيَ لاسْتِدارَتِه، واحِدَتُه فَلْكَةٌ. وقيل: الفَلَكُ جَمْعٌ واحِدَتُه فَلَكَةٌ وهي مَجْرى النُّجُوْم. والفُلْكُ: السَّفِينةُ، يُذَكَرُ ويُؤنَّث. ويكونُ جَمْعاً للسٌّفُن. ويُجْمَعُ على الفُلُوْكِ أيضاً.

ويُقال للمَوْج إِذا اضْطَرَبَ وجاءَ وذَهَبَ: فَلَكٌ)(1) .

وردت هذه اللفظة في ثلاثة مواضع بصيغة الجمع(2) .

جاء ذكر الفلك في القرآن الكريم في قوله تعالى: «وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِی فَلَكٍ يَسْبَحُونَ»(3) .

فالمدار الذي تظهر فيه الاجرام السماوية للأرض مع تعاقب الليل والنهار هو الفلك؛ لذا قال الإمام: «فَسَوَّى مِنْهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ... ثُمَّ زَيَّنَهَا بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ وضِيَاءِ الثَّوَاقِبِ وأَجْرَى فِيهَا سِرَاجاً مُسْتَطِيراً وقَمَراً مُنِيراً فِی فَلَكٍ دَائِرٍ وسَقْفٍ سَائِرٍ ورَقِيمٍ مَائرٍ»(4) .

لقد كان لوصف الطبيعة محورٌ متميزٌ في نهج البلاغة فضلاً عن الأوصاف الأخرى، وفي بعض الأحيان يأخذ هذا الوصف جانباً تفسيرياً للكون الذي يحيط الأرض من كل جانب.

لقد وقف الإمام علیه السلام أمام هذا الكون متأملاً وبما جاء به من العلم مفسراً، فقد ذكر ثلاث صفات مختلفة «فلك دائر، وسقف سائر، ورقيم مائر» وقد

ص: 228


1- المحيط في اللغة: (فلك): 2/ 51
2- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (1)/ 41، الخطبة (91)/ 127، الخطبة (224)/ 346
3- الأنبياء: 33
4- نهج البلاغة: الخطبة (1)/ 41

خص الله سبحانه وتعالى كل واحد بخصائص معينة فقول الإمام (فلك دائر) أي: (اي يدور، والمراد بالفلك المدار الذى يدور فيه الشمس والقمر، وكونه دائرا اما باعتبار ما حمل فيه- بعلاقة الحال والمحل- او باعتبار ما يستصحب هذين الجرمين من الهواء والغاز لدى الحركة)(1) وهنا يعطي دلالة السياق بما جاء به القرآن الكريم.

والسقف السائر المقصود به: (السماء)(2) ؛ أمّا الرقيم فهو: (استعارة أصليّة للفلك تشبيها له باللوح المرقوم فيه ثمّ كثر استعمال هذا اللفظ في الفلك حتّى صار اسما من أسمائه، سمي الفلك رقيما تشبيها باللوح لأنه مسطح والمائر المتحرك)(3) فقد تحول سياق دلالة الرقيم من اللوح المحفوظ إلى دلالته على الفلك.

4- الكَوْكب والنَّجم

الكَوْكبُ: (النّجم ويُسَمَّى الثَّوْر كَوْكَبا يشبّه بكوكب السّماء والبياض في السّماء يُسَمَّى كَوْكَبا والكوكب: القطرات التي تقع باللّيل على الحشيش قال الأَعْشَى يُضاحِكُ الشَّمْس منها كوكبٌ شَرِقٌ مُؤَزّرٌ بعَمِيمِ النَّبْت مُكْتَهِلُ(4) )(5)

ص: 229


1- توضيح نهج البلاغة: 1/ 24
2- توضيح نهج البلاغة: 1/ 24
3- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 1/ 89، شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 1/ 149
4- ديوان الأعشى: 48/ 1
5- كتاب العين: (كوكب): 5/ 433

أمّا النجم فيقال: (نَجمَ الشيءَ يَنْجُمُ بالضم نُجوماً: ظهر وطلع. يقال: نَجَمَ السِنُّ، والقَرْنُ، والنَبْتُ، ونَجمَ الخارجيُّ. ونَجَمَتْ ناجِمَةٌ بموضع كذا، أي نَبَغَتْ... والنَجْمُ: الوقت المضروب، ومنه سمِّي المُنَجِّمُ. ويقال: نَجَّمْتُ المال، إذا أدَّيته نُجوماً.

والنَجْمُ: الكوكبُ. والنَجْمُ: الثريَّا، وهو اسمٌ لها علم، مثل زيدٍ وعمرٍو.

فإذا قالوا: طلعَ النَجْمُ، يريدون الثريا. وإن أخرجت منه الألف واللام تنكَّر. والنَجْمَةُ: ضربٌ من النبت)(1) .

يتضح من التعريف اللغوي أنَّ كلًّ منهما مرادف للآخر، فالكوكب ورد في تعريفه اللغوي أنّه: نجم، والنجم: كوكب؛ ولكن ثمة فروق بينهما(2) ، وهي كالآتي:

أ- يطلق لفظ الكوكب على كبير النجوم ولا يطلق على صغيرها؛ بينما يطلق لفظ النجم على الصغير والكبير معاً؛ يقال كوكب كل شيء: أي معظمه.

ب- الكواكب ثابتة لا تزول والنجوم تطلع وتغرب ولذا قيل فيه كوكب من ذهب وكوكب من فضة وكما قيل في لفظ المنجم منجم لأنه ينظر فيما يطلع منه وليس كوكباً؛ كما ينظر ثبوت ظهور الكواكب في وقتنا الحاضر مثل (الزهرة وعطارد وغيرها) وظهور نجوم وزوالها واختفاؤها.

فالملاحظ من خلال الفروق بينهما أن كل كوكب نجم وليس كل نجم

ص: 230


1- الصحاح: (نجم): 2/ 195
2- ينظر: الفروق اللغوية: 1/ 314

كوكب، وإن الكواكب ثابتة لا تزول والنجوم تزول.

(وقد لاحظ العرب أن النجوم لا تبدو نهاراً، وذلك لتلاشي ضوئها في ضوء الشمس، ولذلك كانوا يجعلون إدراك الممتنع كإبصار النجم ظهراً، قال طَرَفَة:

إن تُنَوِّلْهُ فقدْ تَمْنَعهُ وَتُريهِ النَّجْمَ يجرِي بالظُّهُر)(1) وقد وردت لفظة الكوكب في أربعة مواضع، وردت بصيغة المفرد مرة واحدة(2) وبصيغة الجمع ثلاث مرات(3) .

من كلام له لما مرّ بطلحة بن عبد الله وعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد(4) وهما قتيلان يوم الجمل: «لَقَدْ أَصْبَحَ أَبُو مُحَمَّدٍ بِهَذَا الَمكَانِ غَرِيباً أَمَا والله لَقَدْ كُنْتُ أَكْرَهُ أَنْ تَكُونَ قُرَيْشٌ قَتْلَی تَحْتَ بُطُونِ الْكَوَاكِبِ»(5) .

مرّ الإمام علیه السلام على القتلى ومنهم أبو محمد وهو (طلحة) وقد كره المنظر الذي رآه فيه فجاء بألطف تعبير عن الرؤية التي رآها عليه قال: «تحت بطون الكواكب» والعرب تجيز استقبال وجه السماء والكواكب بطناً أو ظهراً(6) ،

ص: 231


1- التكون التاريخي لاصطلاحات البيئة الطبيعية والفلك: 35
2- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (106)/ 154
3- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (1)/ 40، الخطبة (91)/ 127، الخطبة (219)/ 337
4- فصّل ابن ابي الحديد سيرته في شرحه: ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد): 11/ 123
5- نهج البلاغة: كلامه (219)/ 337
6- ينظر: لسان العرب: (بطن): 13/ 52، وكذلك نقل ابن الانباري في كتاب الأضداد- البطانة والظهارة- 1/ 342. عن الفراء قول على لسان ابن الزبير وقد عاب قتلة عثمان: (خرجوا عليه كاللُّصوص من وراء القرية، فقتلهم الله كلَّ قتلة، ونَجا مَنْ نجا منهم تحت بطون الكواكب، يريد: هربوا ليلاً. قالَ الفرَّاءُ: فقد يكون البطن ظهراً، والظَّهر بطناً على ما أَخبرتك)

لذا نجد في هذا (كناية لطيفة عن الفلوات)(1) ، والإمام كره هذا المنظر الذي رآه فيه حيث لا ظل ولا غيره فالإمام لم يصرح بالفلاة وانما ذكر بطون الكواكب للدلالة على ذلك.

أمّا لفظة النجم، فقد وردت في تسعة مواضع، وردت أربع مرات بصيغة المفرد(2) ، وخمس مرات بصيغة الجمع(3) .

ومن التعريف اللغوي للنجوم وردت بمعنيين:

الأول: النجوم بمعنى: الظهور تم التعرض لذلك في الفصل الثاني لفظة (الماعز) في قول الإمام علیه السلام للبرج بن مسهر: «حَتَّى إِذَا نَعَرَ الْبَاطِلُ نَجَمْتَ نُجُومَ قَرْنِ الَماعِزِ»(4) .

وكذلك قوله علیه السلام لما قتل الخوارج فقيل له يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم: «كلا والله إِنَّهُمْ نُطَفٌ فِی أَصْلابِ الرِّجَالِ وقَرَارَاتِ النِّسَاءِ كُلَّمَا نَجَمَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ حَتَّى يَكُونَ آخِرُهُمْ لُصُوصاً سَلابِينَ»(5) .

الثاني: النجوم بمعنى: الكواكب؛ قال علیه السلام من خطبة له في رسول الله

ص: 232


1- شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 4/ 52
2- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (48)/ 87، الخطبة (100)/ 145، الخطبة (126)/ 183، الكتاب (18)/ 375
3- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (79)/ 105، كلامه (171)/ 245، الخطبة (178)/ 256، الخطبة (151)/ 210، الخطبة (182)/ 260
4- نهج البلاغة: الخطبة (184)/ 268
5- نهج البلاغة: كلامه (60)/ 93- 94

وأهل بيته: «أَلا إِنَّ مَثَلَ آلِ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله كَمَثَلِ نُجُومِ السَّمَاءِ إذَا خَوَى نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ فَكَأَنَّكُمْ قَدْ تَكَامَلَتْ مِنَ الله فِيكُمُ الصَّنَائِعُ وأَرَاكُمْ مَا كُنْتُمْ تَأْمُلُونَ»(1) .

لم يسلط التاريخ الضوء على آل محمد كما أشار إليهم الإمام علیه السلام؛ إذ مثّل الإمام بآل محمد تمثيلاً تشبيهياً في مشابهتهم بنجوم السماء في دليل السالك للانتفاع منها وما ذكره شارحو النهج من دلالة الفعل (خَوَى) بمعنى: مال للمغيب أو سقط(2) فكلما غاب نجم أو كاد ظهر نجم آخر فينتفع الناس من وجودهم كونهم ينتمون إلى الذي قال فيه الله سبحانه: «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ»(3) .

ووردت ألفاظ أخرى: كالشهاب (مرة واحدة)(4) ، والقمر (ثماني مرات(5) ، كانت لها دلالة حقيقة وهو الجرم السماوي)، ينظر جدول إحصائي رقم (13) للوحدات الدلالية للبحار وما يتصل بها في نهج البلاغة- صفحة304.

***

ص: 233


1- نهج البلاغة: الخطبة (100)/ 145
2- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 7/ 95، شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 3/ 6
3- القلم: 4
4- نهج البلاغة: الخطبة (94)/ 139
5- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (1)/ 40، الخطبة (90)/ 122، الخطبة (91)/ 127، الخطبة (160)/ 227، الخطبة (163)/ 232، الخطبة (171)/ 245، الخطبة (182)/ 260، الخطبة (185)/ 271

ص: 234

المبحث الثاني: الأمطار والأهوية وما يتصل بها

1- الأمطار
اشارة

وتضمُّ كلاً من:

أ- القَطْر

(القَطْر والقَطَرانُ مصدرُ قَطَرَ الماءُ)(1) ، و (والقِطارُ جمع قَطْرٍ وهو المطر والقَطْرُ ما قَطَرَ من الماء وغيره واحدته قَطْرة والجمع قِطار وسحابٌ قَطُورٌ ومِقْطار كثير القَطْرِ حكاهما الفارسي عن ثعلب وأَرض مَقْطورة أَصابها القَطْر واسْتَقْطَر الشيءَ رامَ قَطَرَانَه)(2) .

وردت هذه اللفظة في النهج في خمسة مواضع، بصيغة المفرد مرة واحدة(3) ، وأربع مرات بصيغة الجمع(4) .

ص: 235


1- كتاب العين: (قطر): 5/ 95
2- لسان العرب: (قطر): 5/ 105
3- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (182)/ 260
4- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (91)/ 134، الخطبة (178)/ 256، الخطبة (115)/ 171

يقول من خطبة له وتشتمل على تهذيب الفقراء بالزهد وتأديب الأغنياء بالشفقة: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الأمْرَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَی الأرْضِ كَقَطَرَاتِ الَمطَرِ إِلَی كُلِّ نَفْسٍ بِمَا قُسِمَ لَها مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ»(1) .

فهنا اشارة واضحة من الإمام علیه السلام لنزول أمر الله من السماء إلى الأرض وقد شبّه الأمر بقطرات المطر النازلة فدّلت القطرات في سياق النص على الأحكام الإلهية التي تَنْزلُ لكل نفس من (صلاح حال الخلق في معاشهم ومعادهم من صحّة أو مال أو علم أو جاه أو أهل)(2) .

لذا الأمر يساق من الله فتتمثل السماء هنا بمنزلة المكان الذي تصدر منه الأوامر لتصدر الى الأرض العالم الذي يضم النفوس وتحمل الزيادة والنقصان كما تتوزع قطرات المطر على الأرجاء بحسب المصلحة.

ب- المَطَر

(الميم والطاء والراء أصلٌ صحيحٌ فيه معنيان: أحدهما الغَيث النّازل من السَّماء والآخر جِنْسٌ من العَدْو. فالأوَّل المطَر، ومُطِرْنا مَطراً. وقال ناسٌ: لا يقال أُمْطِرَ إلاّ في العَذاب... والثاني قولُم: تمطَّرَ الرَّجُل في الأرض، إذا ذَهَب)(3) ، كما يدل المطر على (الماء المنسكب من السَّحابِ والمَطرُ ماءُ السحابِ والجمع أَمْطارٌ)(4) .

ص: 236


1- نهج البلاغة: الخطبة (23)/ 64
2- شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 2/ 4
3- معجم مقاييس اللغة: (مطر): 5/ 332- 333
4- لسان العرب: (مطر): 5/ 178

ورد في النهج في خمسة مواضع، بصيغة المفرد ثلاث مرات(1) ، والجمع مرتين(2) .

يقول من خطبة له علیه السلام فی صفات الله جل جلاله، وصفات أئمة الدين:

«قَدْ طَلَعَ طَالِعٌ ولَمعَ لامِعٌ ولاحَ لائِحٌ واعْتَدَلَ مَائِلٌ واسْتَبْدَلَ اللهُ بِقَوْمٍ قَوْماً وبِيَوْمٍ يَوْماً وانْتَظَرْنَا الْغِيَرَ انْتِظَارَ الُمجْدِبِ الَمطَرَ»(3) .

في هذه الخطبة بيان لأمر مرتقب قد حصل وظفه فيه الإمام وقد ذكر هذه الخطبة حين أصبحت الخلافة له بعد قتل عثمان(4) فذكر أنّه قد طلع طالع والطالع هنا النجم أو ما شابه ذلك؛ وذلك لأن الطالع ممكن أن يكون (الشمس والقمر والفجر والنجوم تَطْلُعُ طُلُوعاً ومَطْلَعاً ومَطْلِعاً فهي طالِعةٌ)(5) وبطلوعه لمع ولاح بالأفق يرجح أن تكون هذه الجمل الثلاث لمقصود واحد وهو بيان الأمر محقق ب (قد) الدالة على تحقيق الخلافة للإمام.

وقد انتقلت الخلافة له بعد طول انتظار كونه من يمثل الحق فظهرت خلافته أو ظهر الحق وكلاهما واحد وكان المسلمون ينتظرون تغيير حالهم وواقعهم وهذا دعاء المسلمين حين حصول الجدب(6) ويحتمل أن يكون انتظار الغير (بكسر الغين) ويراد به: (الاسم من قولك غَیَّرتُ الشيء

ص: 237


1- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (23)/ 64، الخطبة (108)/ 156، الخطبة (152)/ 212
2- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة الخطبة (91)/ 134، الخطبة (165)/ 236
3- نهج البلاغة: الخطبة (152)/ 212
4- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 9/ 153
5- لسان العرب: (طلع): 8/ 235
6- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 9/ 154، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (الخوئي) 9/ 184

فتَغَيَّر)(1) لذا فدلالة السياق على حصول المراد بتغيير الحال بعد انتظار الفرج واستجابة الدعاء كمن ينتظر هطول الأمطار ليحصل على المراد فكذلك سيادة الحق فالإمام أولى بإقامة الحدود واجتناب النواهي.

ج- السحَاب والمُزْن

السَّحَاب: (السين والحاء والباء أصلٌ صحيح يدلُّ على جرِّ شيء مبسوطٍ ومَدِّه)(2) والسحابة: (الغَيْمُ، والجمع سحابٌ وسُحُبٌ وسَحائبُ)(3) .

أمّا المُزْن: (الميم والزاء والنون أصلٌ صحيح فيه ثلاث كلمات متباينةِ القياس: فالأولى: المُزْن: السَّحاب، والقطعة مُزْنة... والثانية المازن: بيض النَّمل. والثالثة: مَزَنَ قِربَته: ملأَها. وهو يتمزَّنُ على أصحابه، أي يتفضّل عليهم، كأنَّه يتشبَّه بالمزنِ سَخاءً. ولعل المُزْن هو الأصل في الباب، وما سواه فمفرَّعٌ عليه)(4) .

لو دُقَّقَ في التعريفات لظهر أن السحاب هو الغيم، والمزن هي السحاب، وكل له خصائص بحسب سياق ورودها.

وقد وردت السحاب في صيغة الجمع (سحاب) عشر مرات(5) .

قال علیه السلام: فِی دُعَاءٍ اسْتَسْقَى بِهِ: «اللهُمَّ اسْقِنَا ذُلُلَ السَّحَابِ دُونَ

ص: 238


1- الصحاح: (غير): 2/ 30
2- معجم مقاييس اللغة: (سحب): 3/ 142
3- الصحاح: (سحب): 1/ 305
4- معجم مقاييس اللغة: (مزن): 5/ 317- 318
5- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (91)/ 131- 134، الخطبة (115)/ 171، الخطبة (166)/ 240، الخطبة (185)/ 271، الكتاب (62)/ 451، (472)/ 471

صِعَابِهَا»(1) .

قال الشريف الرضي: (وهذا من الكلام العجيب الفصاحة وذلك أنه شبه السحاب ذوات الرعود والبوارق والرياح والصواعق بالإبل الصعاب التي تقمص برحالها وتقص بركبانها وشبه السحاب خالية من تلك الزوابع بالإبل الذلل التي تحتلب طيعة وتقتعد مسمحة).

دعا الإمام بهذا الدعاء في أدعية الاستسقاء المنثورة في النهج، وقد دعا لإعمار الحرث والنسل(2) من دون إهلاكها؛ لأن من السحاب من يكون مهلكاً فدلالة السياق على الطلب والدعاء بالرزق الهين والمطر الذي يعمر الأرض لا يهلكها.

وفي سياق مختلف تكون السحاب كالفرص التي تعترض حياة الإنسان قوله علیه السلام: «قُرِنَتِ الَهيْبَةُ بِالَخيْبَةِ والَحيَاءُ بِالْحِرْمَانِ والْفُرْصَةُ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ فَانْتَهِزُوا فُرَصَ الَخيْرِ»(3) .

وهذه الفرص لن تتكرر فكما ينبغي ترك الهيبة فإهابة الآخر والخوف منه تضيع الفرص لأنها مقرونة بالخيبة وترك الحياء لأنه مقرون بالحرمان(4) .

كذلك الفرص إن كانت في الخير تمر مرّ السحاب لأنها تكون سريعة الزوال.

يقول ابن أبي الحديد: (كانت العرب إذا أوفدت وافدا قالت له- إياك

ص: 239


1- نهج البلاغة: غريب كلامه (472)/ 558
2- ينظر: شرح نهج البلاغة (السيد عباس الموسوي) 5/ 538
3- نهج البلاغة: الحكمة (21)/ 471
4- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 5/ 248

والهيبة فإنها خيبة- ولا تبت عند ذنب الأمر وبت عند رأسه)(1) .

أمّا المُزن فقد وردت هذه اللفظة في موضعين، بصيغة المفرد مرة واحدة(2) ، وبصيغة الجمع مرة واحدة(3) أيضاً.

من خطبة له علیه السلام في ذم الدنيا: «لْمْ يَكُنِ امْرُؤٌ مِنْهَا فِی حَبْرَةٍ إِلا أَعْقَبَتْهُ بَعْدَهَا عَبْرَةً... ولَمْ تَطُلَّهُ فِيهَا دِيمَةُ رَخَاءٍ إِلا هَتَنَتْ عَلَيْهِ مُزْنَةُ بَلاءٍ وحَرِيٌّ إِذَا أَصْبَحَتْ لَهُ مُنْتَصِرَةً أَنْ تُمْسِیَ لَهُ مُتَنَكِّرَةً»(4) .

لم ينفك الإمام علیه السلام بالتحذير من الدنيا ويؤكد ذلك في أكثر من خطبة، وفي بداية الخطبة هذه يحذر منها؛ حتى أنّه وظّف المطر في اطلال الدنيا على المرء فاستعار لتقلب أوضاعه الديمة للرخاء، والديمة: (المطر الذي ليس فيه رَعْد ولا برق أقله ثلث النهار أو ثلث الليل وأَكثره ما بلغ من العِدَّة والجمع دِيَمٌ)(5) وقد استفاد العرب كثيراَ منها من باب الاستعارة لهذه اللفظة في وصف احدهم بأنه سخي وكريم كالديمة في الكرم(6) .

والديمة بحسب ما ذكره شارحو النهج هنا هو المطر الخفيف المصاحب للخير في نزوله ولكن سرعان ما يتحول ويهتن أي: يصب بلاءاً واستعار للبلاء المزنة؛ فمقابل السعة والخير هنالك ضيق وهم(7) ، فالحذر مطلوب

ص: 240


1- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 18/ 131
2- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (91)/ 131
3- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (111)/ 164
4- نهج البلاغة: الخطبة (111)/ 164
5- لسان العرب: (ديم): 12/ 219
6- ينظر: م. ن
7- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (راوندى) 1/ 475، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (الخوئي) 8/ 20، شرح نهج البلاغة (السيد عباس الموسوي) 2/ 270

وإن كان صبها للبلاء غير دائم.

ووردت ألفاظ أخرى كالديم (ثلاث مرات)(1) ، وذكرت الغيوم بصيغة الجمع (مرة واحدة)(2) ، والقزع وهو صغار الغيم المتفرقة(3) ، (مرتان)(4) .

ينظر جدول إحصائي رقم (14) للوحدات الدلالية للأمطار والأهوية وما يتصل بها في نهج البلاغة- صفحة(305).

2- الأهوية
اشارة

وتضم كلاً من:

أ- الهَوَاء

(الهاء والواو والياء: أصلٌ صحيح يدلُّ على خُلُوٍّ وسقوط. أصله الهواء بين الأرض والسماء، سمِّي لخلوِّه. قالوا: وكلُّ خالٍ هواء. قال الله تعالى: «وأفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ»(5) ، أي خاليةٌ لا تَعِي شيئاً... ويقال هَوَى الشّیءُ يَهَوِي: سقط. وهاويةُ: جهنم)(6) .

والهواءُ (ممدودٌ: ما بين السماء والأرض، والجمع الأهْوِيَةُ. وكل خالٍ

ص: 241


1- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (105)/ 151، الخطبة(111)/ 164، الخطبة (185)/ 272
2- نهج البلاغة: الخطبة (91)/ 134
3- ينظر: التلخيص في معرفة اسماء الأشياء: 1/ 276
4- نهج البلاغة: الخطبة (115)/ 171، الخطبة (166)/ 241
5- إبراهيم: 43
6- معجم مقاييس اللغة: (هوي): 6/ 15

هواءٌ. قال زهير:

كأنَّ الرَحْلَ منها فوق صَعْلٍ من الظِلمانِ جُؤْجُؤُهُ هَواءُ(1) يقال: إنَّه لا عقول لهم. والهَوَى مقصورٌ: هَوَى النفس: والجمع الأهْواءُ.

وإذا أضفته إليك قلت هَوايَ. وهُذَيْلٌ تقول: هَوَيَّ)(2) .

وردت هذه اللفظة في النهج بصيغة المفرد في عشرة مواضع(3) .

استعمله الإمام بمعناه الحقيقي المعروف في السياق يقول من خطبة الأشباح في صفة الأرض ودحوها على الماء: «وأَعَدَّ الَهوَاءَ مُتَنَسَّماً لِسَاكِنِهَا وأَخْرَجَ إِلَيْهَا أَهْلَهَا عَلَ تَمَامِ مَرَافِقِهَا»(4) .

من لطف الله سبحانه وتعالى أنه اعدّ لهم أسباب العيش في بيئة صالحة، فأوجد لهم الماء وجعل منه كل شيء حي والكلأ وتكفل برزق الدواب وما يحتاجه الإنسان الهواء كما الحيوان فخص الإمام صفة الهواء أن يكون متنسماً أي: (جعل الهواء محلّ لطلب النسيم واستنشاقه وفائدته ترويح القلب حتّى لا يتأذّى بغلبة الحرارة)(5) وكيف لا وقد شملت قدرته ورحمته كل شيء.

ص: 242


1- ديوان زهير بن أبي سلمى: 9
2- الصحاح: (هوا): 2/ 260
3- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (1)/ 40، (91)/ 127- 128- 131، الخطبة (160)/ 224، الخطبة (178)/ 256، الخطبة (185)/ 271، الخطبة (221)/ 328، الخطبة (223)/ 344
4- نهج البلاغة: الخطبة (91)/ 132
5- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (الخوئي): 7/ 13
ب- الرِّيح

يفيد ابن فارس (ت395ه) أنّ: (الراء والواو والحاء أصلٌ كبير مطّرد، يدلُّ على سَعَةٍ وفُسْحَةٍ واطّراد. وأصل «ذلك» كلِّه الرِّيح...)(1) .

والريح: (نَسِيم الهواء وكذلك نَسيم كل شيء وهي مؤنثة وفي التنزيل «كَمَثَلِ رِيحٍ فيها صِرٌّ أَصابت حَرْثَ قوم»(2) ... الرِّيح ياؤُها واو صُيرَّت ياء لانكسار ما قبلها وتصغيرها رُوَيْحة وجمعها رِياحٌ وأَرْواحٌ)(3) .

وردت هذه اللفظة في النهج في ثمانية عشر موضعاً، منها بصيغة المفرد احدى عشرة مرة(4) ، وبصيغة الجمع ثماني مرات(5) .

قال علیه السلام من كام له في صفة من يتصدى للحكم بين الأمة وفيها ابغض خلق الناس يقول في الصنف الثاني «جَاهِلٌ خَبَّاطُ جَهَالاتٍ عَاشٍ رَكَّابُ عَشَوَاتٍ لَمْ يَعَضَّ عَلَی الْعِلْمِ بِضِرْسٍ قَاطِعٍ يَذْرُو الرِّوَايَاتِ ذَرْوَ الرِّيحِ الَهشِيمَ»(6) .

من صفات العالم الذي يبتلي الناس بعلمه ويقيمونه في غير مكانه وينزلونه

ص: 243


1- معجم مقاييس اللغة: (روح): 2/ 454
2- آل عمران: 117
3- لسان العرب: (روح): 2/ 455
4- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (1)/ 40، الخطبة (17)/ 59، الخطبة (1)/ 128، الخطبة (97)/ 143، الخطبة (178)/ 256، الخطبة (192)/ 287- 279- 300، الحكمة (147)/ 495، الحكمة (397)/ 546
5- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (1)/ 39، الخطبة (93)/ 137، الخطبة (149)/ 207، الخطبة (185)/ 271، الخطبة (196)/ 310، الخطبة (198)/ 312، الخطبة (211)/ 328، الخطبة (226)/ 348
6- نهج البلاغة: كلامه (17)/ 59- 60

في غير منزله أن يكون جاهلاً خبّاطاً أي: (ضرب البعير الشيء بخُفِّ يده... وخَبَطْتُ الشجرة بالعصا: ضربتها بها والمِخْبَطَة: العصا)(1) وذكر جهالات ولم يقل جاهلاً لأنه أراد الزيادة بالخبط أي أن يقع في كثرة ضرب الجهالات أي كثرة الأغلاط من احكام شرعية وغيرها دون طريق الحق(2) .

فمن تكن هذه صفته فإنه يأتي بالروايات ويلقيها على الناس من أحكام جاهلة ظالمة كما تلقي الريح بذور النباتات المتكسرة(3) في الأرض فلا نتاج في الروايات أو الزرع، فلنلاحظ انتاج ذرو الريح للهشيم للروايات ما تكون النتيجة يقول الامام في الكلام نفسه: «تَصْرُخُ مِنْ جَوْرِ قَضَائِهِ الدِّمَاءُ وتَعَجُّ مِنْهُ الَموَارِيثُ»(4) .

فدلّ السياق على الظلم والجور من العالم الجاهل.

ينظر جدول إحصائي رقم (15) للوحدات الدلالية للأهوية وما يتصل بها في نهج البلاغة- صفحة306.

***

ص: 244


1- تهذيب اللغة: (خبط): 2/ 461
2- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 1/ 317
3- ينظر: توضيح نهج البلاغة: 1/ 112
4- نهج البلاغة: كلامه (17): 60

المبحث الثالث: الظلمة والنور وما يتصل بها

1- الألفاظ الدالة على الظلمة
أ- الحِنْدِس

الحِنْدسُ: (الليل الشديد الظلمة)(1) ، والحنادسُ: (ثلاث ليال من الشهر، لظلمتهن.

وأسود حِنْدِسٌ: شديد السواد، كقولك: أسود حالك)(2) .

وردت هذه اللفظة بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع(3) .

قال من خطبة القاصعة في ذم ابليس: «فَالله الله فِی كِبْرِ الَحمِيَّةِ وفَخْرِ الَجاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ مَلاقِحُ الشَّنَئَانِ ومَنَافِخُ الشَّيْطَانِ الَّتِي خَدَعَ بِهَا الأمَمَ الَماضِيَةَ والْقُرُونَ الَخْالِيَةَ حَتَّى أَعْنَقُوا فِ حَنَادِسِ جَهَالَتِهِ ومَهَاوِي ضَلالَتِهِ ذُلُلاً عَنْ

ص: 245


1- الصحاح: (حندس): 1/ 151
2- المحكم والمحيط الاعظم: 2/ 115
3- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (182)/ 260، الخطبة (192)/ 289، الخطبة (230)/ 351

سِيَاقِهِ»(1) .

يحذر الفخر والتكبر واتباع الشيطان في ذلك كما خدع الأمم السابقة فكانت صفتهم أنّم اعنقوا أي: أصبحوا منقادين بسهولة(2) ، وكأنهم قدّموا اعناقهم للشيطان باتباعهم إيّاه.

واستعار الإمام ضمن السياق اللغوي هنا لفظة حنادس للجهل بمعنى:

أنهم انقادوا لظلمات الجهالة فلم يروا الحق ولم يميزوا الباطل بسبب الشرك الذي نصبه لهم فساقهم اذلاء جهلاء مضلين.

ب- الظُّلْمَة

(الظاء واللام والميم أصلانِ صحيحانِ، أحدهما خلافُ الضِّياء والنور، والآخَر وَضْع الشَّیءِ غيرَ موضعه تعدِّياً.

فالأوَّل الظُّلْمة، والجمع ظلمات. والظَّلام: اسم الظلمة؛ وقد أظْلَمَ المكان إظلاماً)(3) .

وردت في النهج في تسعة وعشرين موضعاً، منها ثماني مرات بصيغة المفرد(4) ، وثماني مرات بصيغة الجمع(5) .

ص: 246


1- نهج البلاغة: الخطبة (192)/ 289
2- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 13/ 148
3- معجم مقاييس اللغة: (ظلم): 3/ 468
4- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (108)/ 156، الخطبة (111)/ 164، الخطبة (157)/ 221، الخطبة (187)/ 277، الخطبة (190)/ 281، الخطبة (198)/ 315
5- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (91)/ 128، الخطبة (186)/ 272، الكتاب (131)/ 401

يقول من خطبة له في ذكر الملاحم: «ولا تَقْتَحِمُوا مَا اسْتَقْبَلْتُمْ مِنْ فَوْرِ نَارِ الْفِتْنَةِ وأَمِيطُوا عَنْ سَنَنِهَا... إِنَّمَا مَثِلَی بَيْنَكُمْ كَمَثَلِ السِّرَاجِ فِی الظُّلْمَةِ يَسْتَضِیءُ بِهِ مَنْ وَلَجهَا فَاسْمَعُوا أَيُّهَا النَّاسُ وعُوا وأَحْضِرُوا آذَانَ قُلُوبِكُمْ تَفْهَمُوا»(1) .

لم يكن الإمام علیه السلام مداحاً لنفسه ولا ينبغي له ذلك وهو الذي طلّقَ الدنيا ثلاثاً، فالناظر لشظف معيشة الإمام علیه السلام يرى ذلك أبلغ في خطبته هذه عدة أمور توزع بعضها بين الفصول.

وفي هذا المقطع ينسجم عنوان الخطبة مع المقصود منها لأنه لم يخلُ الدين الإسلامي من الفتن طالما مدار الأمر حب الدنيا فينتفض الإمام للناس ناصحاً من هذه الفتن المضلة؛ ويلاحظ ذلك خطابه الموجه للمسلمين، فقد شبّه نفسه بالسراج الذي ينير الظلمة، والظلمة هنا الفتنة كما دلّ على ذلك سياق الخطبة وهنا تعبير مجازي، فبعد أن أمرهم بالابتعاد عنها وعدم السير بما تحمل بيّن لهم أن الطريق الذي اختطه لهم هو طريق الحق، وطريقهم باتباعه يمر بمراحل: السماع والوعي والحضور حتى يكون الفهم والقبول.

ت- اللَّيل

(الليل ضد النهار والليل ظلام وسواد والنور والضياء ينهر أي يضيء والليل يليل إذا أظلم فإذا أفردت أحدهما من الآخر قلت ليلة ويوم وتصغير ليلة لُيَيْلِية أخرجوا الياء الآخرة من مُخرجها في الليالي إنما كان أصل تأسيس بنائها ليلاة فقُصِرت وتقول ليلة ليلاء أي شديدة الظلمة)(2) .

ص: 247


1- نهج البلاغة: الخطبة (187)/ 277- 278
2- كتاب العين: (ليل): 8/ 363

ورد في النهج في تسعة وثلاثين موضعاً، منها: الليل (معرف ب ال) تسع عشرة مرة، ومن دون تعريف عشرين مرة، والليلة مرتين وليلة مرة واحدة، والليالي ثماني مرات.

من المعروف أن الله عز وجل قد جعل الليل راحة للبدن والنهار للعمل قال تعالى من سورة النبأ الآيتان (10- 11): «وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا».

لذا أكد الإمام هذا المعنى في سياق قوله من وصية له علیه السلام وصى بها معقل بن قيس الرياحي حين أنفذه إلى الشام يقول: «وسِرِ الْبَرْدَيْنِ وغَوِّرْ بِالنَّاسِ ورَفِّهْ فِ السَّيْرِ ولا تَسِرْ أَوَّلَ اللَّيْلِ فَإِنَّ الله جَعَلَهُ سَكَناً وقَدَّرَهُ مُقَاماً لا ظَعْناً فَأَرِحْ فِيهِ بَدَنَكَ ورَوِّحْ ظَهْرَكَ»(1) .

هذا الليل نفسه عند الإمام يتحول إلى فتن تفتك بالمسلمين ولعل لون السواد الطاغي فيه دلالة على الشر المستقر في بعض النفوس يقول في احدى الخطب المشتملة على الملاحم: «لكَأنَّی أَنْظُرُ إِلَی ضِلِّيلٍ قَدْ نَعَقَ باِلشَّامِ وفَحَصَ بِرَايَاتِهِ فِی ضَوَاحِي كُوفَانَ... فَإِذَا أَيْنَعَ زَرْعُهُ وقَامَ عَلَی يَنْعِهِ وهَدَرَتْ شَقَاشِقُهُ وبَرَقَتْ بَوَارِقُهُ عُقِدَتْ رَايَاتُ الْفِتَنِ الُمعْضِلَةِ وأَقْبَلْنَ كَاللَّيْلِ الُمظْلِمِ والْبَحْرِ الُملْتَطِمِ»(2) .

إن من أشد الفتن هو أن يقوم الضلِّيل المعروف بكثرة الضلال، وقد عزم عزمه على كسر شوكة المسلمين فحذرهم الإمام علیه السلام من الفتنة، فإذا هدأت له الحال قام وتملك ما استطاع فيصبح الأمر ميسراً له بان على حقيقته حينما

ص: 248


1- نهج البلاغة: الوصية (12)/ 372
2- نهج البلاغة: الخطبة (101)/ 147

يستمكن وتظهر قبائحه على الملأ بلا مبالاة منه.

وقتها تخرج الفتن كخروج الزبد من فم البعير وهو كناية عن كمال الفتنة ووصولها حال الاهتياج(1) ، وظهرت اباريق لمعان سيوفه ورماحه فعندها تقبل رايات الفتن وتكون كليل مظلم فلا يهتدي أحد للحق كما الذي لا يهتدي لواضح الطريق بليل مظلم فيضرب بعضهم بعضاً كأمواج بحر متلاطمة.

ووردت ألفاظ أخرى مثل: الدجى (مرة واحدة)(2) ، والدجنة (مرة واحدة)(3) ، والديجور (وردت بصيغة الجمع «دياجير» مرتان)(4) ، والغسق (أربع مرات)(5) والمساء (مرتان)(6) .

ينظر جدول إحصائي رقم (16) للوحدات الدلالية للألفاظ الدالة على الظلمة وما يتصل بها في نهج البلاغة- صفحة (306).

ص: 249


1- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (الخوئي) 7/ 171- 172، توضيح نهج البلاغة، 2/ 132- 133
2- نهج البلاغة: كلامه (222)/ 343
3- نهج البلاغة: الخطبة (55)/ 217
4- نهج البلاغة: الخطبة (91)/ 135
5- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (48)/ 87، الخطبة (155)/ 217، الخطبة (163)/ 232، الخطبة (182)/ 261
6- ينظر: نهج البلاغة: كلامه (221)/ 339، الوصية (56)/ 447
2- الألفاظ الدالة على النُّور
أ- البَرْق

(البَرَق مصدر الأبْرَقِ من الحِبال وهو الحَبْلُ الذي أُبرِمَ بقُوَّةِ سوداءَ وقُوَّةٍ بيضاءَ ومن الجبال: ما فيه جُدَدٌ بيضٌ وجُدَدٌ سُودٌ)(1) ، و (الباء والراء والقاف أصلانِ تتفرع الفروع منهما: أحدهما لمعانُ الشيء؛ والآخر اجتماع السَّوادِ والبياضِ في الشيء. وما بَعْدَ ذلك فكلُّه مجازٌ ومحمولٌ على هذين الأصلين.

أمّا الأول فقال الخليل: البرق وَمِيضُ السَّحاب، يقال بَرَقَ السَّحَابُ بَرْقاً وبَريقاً. قال: وأبْرَقَ أيضاً لغة. قال بعضهم: يقال بَرْقَة للمرّة الواحدة، إذا بَرَقَ، وبُرْقَة بالضم، إذا أردْتَ المقدار من البرق. ويقال: «لا أفعلُهُ ما بَرَقَ في السَّماءِ نجم»، أي ما طَلَعَ. وأتانا عند مَبْرَقِ الصُّبح، أي حين برَق)(2) .

وردت هذه اللفظة في النهج في سبعة مواضع؛ بصيغة المفرد خمس مرات(3) ، وبصيغ الجمع مرتين(4) ، يقول من كلام له علیه السلام في وصف السالك الطريق إلى الله سبحانه: «قَدْ أَحْيَا عَقْلَهُ وأَمَاتَ نَفْسَهُ حَتَّى دَقَّ جَلِيلُهُ ولَطُفَ غَلِيظُهُ وبَرَقَ لَهُ لامِعٌ كَثِيرُ الْبَرْقِ فَأَبَانَ لَهُ الطَّرِيقَ وسَلَكَ بِهِ السَّبِيلَ»(5) .

فقد وصف الإمام الذي يصبو إلى الإخلاص لله عز وجل أن يتمثل بعدة

ص: 250


1- كتاب العين: (برق): 5/ 155
2- معجم مقاييس اللغة: (برق): 1/ 221
3- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (91)/ 131، الخطبة (94)/ 139، الخطبة (115)/ 171، الخطبة (191)/ 284، الخطبة (223)/ 344
4- ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (182)/ 260، الحكمة (219)/ 507
5- نهج البلاغة: كلامه (221)/ 337

أمور منها: إحياء عقله، وإماتة نفسه وهو كله على نحو المجاز في (الإحياء والإماتة) ومفهوم إحياء العقل كما هو معروف باكتساب العلوم وقيل: (هي علوم ضرورية مخصوصة من جملتها العلم بأحوال النفس والمدركات والمحسنات والمقبحات، وقيل: هي العلوم التي تمنع المكتسب من الزوال وحصر بعضهم علوم العقل عشرة:

أولها: علم المرء بنفسه.

ثانيها: علمه بكثير من أحواله نحو كونه مريدا وكارها ومفكرا ومشتهيا)(1) .

أمّا إماتة النفس، فهو ترويضها وكبحها عن جماحها وشهواتها(2) ، فإذا ما حصل ذلك ارتفع السالك حتى يبرق ويلمع بطريقه نحو الوصول للهدف، فالبرق هنا لا يعني ما نشاهده من الضوء في السماء قبل المطر وإنّما هو كما ورد في سياق النص مجموعة الأنوار المكتسبة من هذا العلم وتلك الرياضات الروحية.

ب- الضَّيَاء والنُّور

(الضاد والواو والهمزة أصلٌ صحيح، يدلُّ على نورٍ. من ذلك الضَّوء والضُّوء بمعنىً، وهو الضِّياء والنُّور. قال الله تعالى: «فَلَمَّ أَضَاءَتْ مَا

ص: 251


1- حدائق الحقائق في شرح نهج البلاغة: 2/ 217
2- ذكر ابن أبي الحديد جانباً من الرياضات الروحية: ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 11/ 127

حَوْلَهُ»(1) . قال أبو عبيد: أَضاءَت النَّارُ وأضاءت غيَرها)(2) (وجمعه أَضْواءٌ وهو الضِّواءُ والضِّياءُ)(3) .

أمّا: (النون والواو والراء أصلٌ صحيح يدلُّ على إضاءةٍ واضطراب وقِلّة ثبات. منه النور والنار، سمِّيا بذلك من طريقة الإضاءة، ولأنَّ ذلك يكون مضطرِباً سريعَ الحركة. وتنوَّرْتُ النّار: تبصَّرتُها... ومنه النَّور: نَور الشَّجر ونُوّارُهُ. وأنارت الشَّجرةُ: أخرجَتْ النَّوْر. والمَنَارة: مَفعلة من الاستنارة، والأصل مَنْوَرة. ومنه مَنَار الأرض: حُدودها وأعلامها، سمِّيت لبَيَانِها وظُهورها)(4) ، و (في أَسماء الله تعالى النُّورُ... قال تعالى: «اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْاَرْضِ»(5) ... والجمع أَنْوارٌ ونِيرانٌ)(6) .

وقد فرّق العسكري(7) بينهما على رغم ترادفهما إلا أنهما مختلفان في الاستعمال بحسب السياق وكالآتي:

1. أن الضياء ما يتخلل الهواء من أجزاء النور فيبيض بذلك، والشاهد أنهم يقولون ضياء النهار ولا يقولون نور النهار إلا أن يعنوا الشمس فالنور الجملة التي يتشعب منها، والضوء مصدر ضاء يضوء ضوءاً يقال ضاء وأضاء أي ضاء هو واضاء غيره.

ص: 252


1- البقرة: 17
2- معجم مقاييس اللغة: (ضوأ): / 375- 376
3- لسان العرب: (ضوأ): 1/ 112
4- معجم مقاييس اللغة: (نور): 5/ 368
5- النور: 35
6- لسان العرب: (نور): 5/ 240
7- معجم الفروق اللغوية: 1/ 229

2. وقد يفرق بينهما بأن الضوء: ما كان من ذات الشيء المضيء، والنور: ما كان مستفادا من غيره. وعليه جرى قوله تعالى: «هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا»(1) .

وقال الراغب: النور الضوء المنتشر الذي يعين على الابصار. وهو ضربان: دنيوي وأخروي. والدنيوي ضربان: معقول بعين البصيرة، وهو ما انتشر من الانوار الآلهية كنور العقل ونور القرآن. ومنه: «قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ الله نُورٌ»(2) ومحسوس بعين التبصر وهو ما انتشر من الاجسام النيرة، كالقمرين والنجوم النيرات... ومن النور الاخروي قوله تعالى: «يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ»(3) .

كمثال على ذلك نقول في تسمية مدينة الرسول صلی الله علیه و آله المدينة المنورة وليست المضيئة وذلك لأنها تستمد النور من وجود قبر الرسول صلی الله علیه و آله فيها وليست هي مصدر الاضاءة أو النور.

وردت لفظة الضياء في احد عشر موضعاً، والنور في ثمانية وثلاثين موضعاً.

وقد اخترتُ من كلام الإمام علیه السلام قولين له يذكر فيه الرسول صلی الله علیه و آله مُؤطّراً كلامه باللفظين. قال الإمام من خطبة له علیه السلام وهي من خطب الملاحم؛ فيذكر النبي صلی الله علیه و آله: «اخْتَارَهُ مِنْ شَجَرَةِ الأنْبِيَاءِ ومِشْكَاةِ الضِّيَاءِ وذُؤَابَةِ الْعَلْيَاءِ

ص: 253


1- يونس: 5
2- المائدة: 15
3- الحديد: 12

وسُرَّةِ الْبَطْحَاءِ ومَصَابِيحِ الظُّلْمَةِ ويَنَابِيعِ الْحِكْمَةِ»(1) .

ومن خطبة له علیه السلام في صفة النبي وأهل بيته وأتباع دينه، وفيها يعظ بالتقوى «ابْتَعَثَهُ بِالنُّورِ الُمِضیِءِ والْبُرْهَانِ الِجِلیَّ والْمِنْهَاجِ الْبَادِي والْكِتَابِ الَهادِي أُسْرَتُهُ خَيْرُ أُسْرَةٍ وشَجَرَتُهُ خَيْرُ»(2) .

وعلى الرغم من كلامه علیه السلام على الرسول صلی الله علیه و آله؛ ولكن لو أنعمنا النظر في السياق الذي وردت به كل من (الضياء والنور) لنجد الاختلاف فيما يأتي:

1. نجد في القول الأول صفة اختيار الرسول صلی الله علیه و آله بتحديد من أين اختاره وبالتأكيد فالانصراف سيذهب إلى النسب وقد ذكر الإمام أنّ انتماء الرسول صلی الله علیه و آله وانتسابه لشجرة الانبياء (ينتهى نسبه الى ابى الأنبياء ابراهيم علیه السلام)(3) ، ونجد في القول الثاني صفة الابتعاث ولكن ليس بسبب أو نسب وانما اضفى عليه صفات.

2. إنّ الفرق بين دلالة الفعلين (اختار وابتعث) واضحة؛ ولكن نجد مناسبتهما من حيث الدلالة اللفظية الضياء والنور في قوله علیه السلام: اختار الضياء، وابتعث النور فهنا توجد مناسبة الاختيار بين اللفظين.

3. دلالة الضياء هنا حسب ما ذكره شارحو النهج في قوله علیه السلام: «ومِشْكَاةِ الضِّيَاءِ» اتفقوا(4) أن المقصود من مشكاة الضياء هو: آل إبراهيم فبما أنه اختاره

ص: 254


1- نهج البلاغة: الخطبة (108)/ 156
2- نهج البلاغة: الخطبة (161)/ 229
3- توضيح نهج البلاغة: 2/ 165
4- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن ميثم) 3/ 39- 40، شرح نهج البلاغة (المجلسي) 1/ 373، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (الخوئي) 7/ 283

من شجرة الأنبياء فقد خصّ سبحانه وتعالى آل إبراهيم خاصة بضياء وقد سطع ضياء هدايتهم للناس، كما يسطع النور من المصباح من المشكاة هي: الكوة غير نافذة يجعل فيها المصباح. لذا فالرسول من ذلك الضياء المنبعث من شجرة النبوة.

واختلفوا في تحديد المقصود بعثه أو ابتعاثه (بِالنُّورِ الُمِضِیءِ):

أ- ذكر ابن ابي الحديد بأن المقصود (أي بالدين أو بالقرآن)(1) .

ب- ذهب ابن ميثم ومجموعة من شارحي النهج بأنّه: نور النبوة(2) .

ولم يكتفِ السيد الخوئي بما ذهب إليه الآخرون بل ردّ على ابن أبي الحديد؛ قال: (وتفسير الشّارح المعتزلي له بالدّين او القرآن وهم لأنّ المراد بالمنهاج الآتي ذلك، والكتاب أيضا يجيء ذكره والتّأسيس أولى من التّأكيد «والبرهان الجليّ» أى بالمعجزات الباهرات والأدلّة الواضحة على حقيّته)(3) .

لذا نجد أن آل إبراهيم كما دل السياق أنهم مشكاة الضياء لشجرة الأنبياء في نور هداية الناس؛ بينما النور جاء مصاحباً للرسول صلی الله علیه و آله وهو نور النبوة الذي خُصّ بها.

ووردت ألفاظاً أخرى مثل: الفجر (مرة واحدة)(4) ، والنار وردت (خمساً

ص: 255


1- شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 7/ 283
2- ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن ميثم): 3/ 290، شرح نهج البلاغة (المجلسي) 2/ 118، توضيح نهج البلاغة، 2/ 440
3- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (الخوئي) 9/ 406
4- نهج البلاغة: الوصية (12)/ 372

وستين مرة (ضمّت أغلب دلالتها ما بين نار) الحرب «الفتنة» ونار «جهنم» والنار بدلالتها الحقيقية المعروفة).

ينظر جدول إحصائي رقم (17) للوحدات الدلالية للألفاظ الدالة على النور وما يتصل بها في نهج البلاغة- صفحة (307).

***

ص: 256

الخاتمة

اشارة

ص: 257

ص: 258

الخاتمة الحمدُ للهِ ربِ العالمينَ القائل في محكمِ كتابِهِ: «خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِی ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الُمتَنَافِسُونَ»(1) ، والصلاةُ والسلامُ على منْ ختمتْ بهِ الرسالاتُ وعلى آلهِ وسلم: بعد التقصي الجاد والبحث الدقيق، قدّم البحث ومن خلال أثر السياق دلالات جديدة لألفاظ الطبيعة في نص نهج البلاغة غير دلالاتها المعروفة وبحسب التوظيف الدلالي لها وما جاورها من ألفاظ وقد توصل من خلالها البحث إلى النتائج الآتية:

1. اتفق بعض اللغويين القدامى في المعاجم اللغوية حول دلالة لفظة السياق الأولى على (النزع أو نزع الروح)، وتحوّلها الدلالي إلى رصف الكلمات داخل النص أثبتت عند الهنود والأصوليين والنحويين والبلاغيين قبل أن توصل السياق إلى نظرية قائمة بذاتها بعد اكتمال جانبيها (اللغوي والاجتماعي).

2. كشف السياق أنّ نهج البلاغة من الكتب التي تتساوق ومفهوم المعنى، (فالموقع الزمكاني، والمشاركون، والهدف) شكّلت حضوراّ في النهج بل حتّى الوقائع والأحداث والبيئة فالقارئ له أو الباحث فيه يجد نفسه كأنه جزء من العملية الحوارية مثلاً؛ وذلك لمناسبة التجدد في النص النهجي:

ص: 259


1- المطففين: 26

زمانا ومكانا ودلالة؛ فضلا عن التنوع في الاساليب البلاغية فيقوم برصد الانفعالات، وتوجيه العبارات ضمن اللغة المناسبة للتحليل النصي ولا سيّما إذا ما وقف أمام شخصية المتكلم التي اُتفق عليها في كونها شخصية اتسمت بالعدالة والفداء للدين الاسلامي.

3.لقد كان التحليل السياقي حاضراً لدى شارحي النهج وعوناً لهم في الكشف عن دلالة المعاني لألفاظ الطبيعة، فعندما تكون اللفظة محتملة أكثر من معنى ينصرف الشارح إلى الترجيح لمعنى معين من دون غيره معززاً اجابته بقرائن سياقية أو بما يطرحه السياق الثقافي من المتعارف في أقوال العرب، وقد كشف البحث عن التلوين السياقي لدى تحليل الألفاظ بكافة أنواعه وأطيافه لتنوع الخطاب في الاختيار والموقعية.

4. إنَّ تكرار المفردات ومجيئها ضمن إطار معين ومحدد داخل التراكيب المتشابهة في نهج البلاغة أو بين القرآن الكريم ونهج البلاغة؛ لا يعني بالضرورة تشابهها بالدلالات والمعاني فقد حدد السياق دلالة المعنى المقصودبما تمثّل في نهج البلاغة مثل (الحيّة أو السدر) ولم يتوقف السياق في تحديد المعنى فحسب؛ بل فرّق بين دلالات الألفاظ المشتركة أو المترادفة لأن نهج البلاغة انماز باختيار ألفاظه في المقام المناسب لها، وإنّ أية لفظة لا يمكن أن تحل محل الأخرى؛ وإن كان هنالك ترادف بينهما أو اشتراك، وهذا دليل اسلوبه المختلف عن بقية الاساليب الأخرى.

5. لم يتوقف السياق في تحديد المعنى؛ بل فرّق بين دلالات الألفاظ وفي دلالة المشترك اللفظي بما تمثّل به في نهج البلاغة مثل (الليث)، فضلاً على ايجاد العلاقات كالترادف والتفريق بينهما من خلال السياق؛ حتى أّن السياق

ص: 260

حدّ من ذلك، فقد امتاز النهج باختيار ألفاظه في المقام المناسب لها، وإنّ أية لفظة لا يمكن أن تحل محل الأخرى؛ وإن كان هنالك ترادف بينهما، وهذا دليل اسلوبه المختلف عن بقية الاساليب الأخرى.

6. لم يكن تناول الإمام علیه السلام لألفاظ الطبيعة منهجاً مبتكراً، فقد سبقه القرآن الكريم والرسول صلی الله علیه و آله؛ ولكن الأسلوب في صياغة الألفاظ بأطر أخرى تارة تكون مبينة ومفسرة لما ورد في القرآن الكريم كما في لفظي (اطباق السماء والفلك) أو ما ورد في السنة النبوية كلفظة (الطين) وتارة تكون مكتسبة للدلالة مما يجاورها من دلالة الألفاظ الأخرى مع الحفاظ على معناها المركزي أو تغييره بحسب الإضافة أو الوصف مثل لفظي: (سبيل طريق) وذلك بحسب سياق ورودها؛ فضلاً عن إضافته لبعض ألفاظ الطبيعة دلالة جديدة ضمن الاستعمال لم تكن معروفة ولا ادل دليل على ذلك من نقل أصحاب المعاجم كمعجم (لسان العرب) أحاديث الإمام علیه السلام.

7. كشف البحث أن الوظيفة الأساس في استعمال الإمام علیه السلام لأية لفظة من ألفاظ الطبيعة كان لغرض إثبات قدرة الله (سبحان وتعالى) والتفكّر بخلقه على نحو الإعجاز الآلهي، وكان له مدار أخلاقي تربوي توجيهي تنظيمي، يمكن أن نسميه ب (منظومة أخلاقية) وقد جاءت متساوقةً ومضمون النهج على النحو الآتي:

أ- الحيوان: من المعروف أنّ الحيوان له تأثير في الحياة العربية؛ لذا ارتفع مستوى التوظيف لبعض الحيوانات وانخفض؛ كما ظهر ذلك جلياً في التحليل السياقي وبوساطة الدراسة الاحصائية التي توافرت على جمهرة من ألفاظ الحيوان:

ص: 261

- الحيوانات الوحشية: تم عرض الحيوان الوحشي بشكل مفصّل، وكان للحيوان (السبع) حضوراً عددياً إذ تكرر (ست مرات) بما تميّز به من موقع الصدارة بالنسبة لبقية الحيوانات الأخرى؛ لما له من حضور وهيبة داخل النفوس.

وقد كشفت الدلالات السياقية عن معانٍ للتوظيف الدلالي في النهج منها: (القوة والتعظيم والشجاعة والسيادة والتناحر والظلم والافتراس واليقظة والحذر والتنفير وغيرها).

- الحيوان الأليف: تصدّر لفظ (الخيل) الحضور العددي إذ تكرر (احدى عشرة مرة) ويرجع السبب إلى التصاق العرب بهذا الحيوان كونه رمز القوة وحتى المال ويليه (الابل)، ومثلث دلالات السياق في توجيه المعنى إلى: (الزهد والحذر والتوبيخ والزجر وغيرها).

- الطيور والحشرات: تصدّر الطيور لفظ (الطير) كلفظ عام مجموعة الطيور تكرر (احدى عشرة مرة) وقد تكررت الطيور غير الجارحة أكثر وذلك لتهذيب النفس بالتقرب إليها من دون التنفير، واشارت إلى (ابداع الخالق وجمال تصويره والحنين والحث على الطاعة والزهو بالنفس دلالات السياق في توجيه المعنى للطيور الجارحة إلى والحشرات تصدرها «النمل» وتكرر «أربع مرات» دل التوظيف الدلالي على «اثبات قدرة الله ودقة التصوير في الخلق والإحاطة بكل شيء علماً والتسليم والحذر وغيرها»).

ب- النبات: ذُكِرَ النبات أقل من الحيوان، على الرغم من كونه المصدر الأساس مما يؤكل ويلبس منه ويستفاد، والتوظيف الدلالي الى الجانب

ص: 262

الاحصائي ظهر كما يأتي:

- الأشجار: برزت من بين الأشجار لفظ (الشجر) تكررت (سبع عشرة) مرة (كان للشجر الذي يحوي المرار أكثر حضوراً وذلك لما لاقى الإمام من محن ومثلت دلالات السياق جانبين: جانب ذكر صفات الرسول والنسب ويستفاد من جذور الاشجار وأصولها وجانب ذكر صفات ما يستفاد من الاشجار فمنها الصبر والجلد ومنها تساهل الحرام وأكله وعدم الاقرار بالآخرة فضلاً عن اثبات قدرة الخالق).

- النباتات: لقد تنوعت طبيعة هذا المبحث بمختلف النباتات التي كان يعرفها العربي كان العشب أكثر حضوراً (أربع مرات) يليه الحصيد والريحان (ثلاث مرات) وقد كشفت الدلالات السياقية عن معانٍ للتوظيف الدلالي في النهج منها: (الاخلاص والزهد وعدم الغفلة والظلم والدعوة الى التعامل بلطف وطلب الخير وغيرها).

- الأزهار: وردت ألفاظ هذا المبحث بقلة إذ احتوى على أربعة ألفاظ فقط، ولعل الأمر يرجع إلى طبيعة البيئة الصحراوية فلم تكن بيئة غنّاء وأكثر لفظ هذا المبحث وروداً (الأزاهر) تكررت (ثلاث مرات) والتوظيف الدلالي للأزهار هو: (اثبات لقدرة الله وجمالية التصوير).

ت- الأرض: وهي من أكثر الفصول مباحثاً، لأنها محور الكون، ومنها خلق الإنسان وإليها يرجع، وتخضع وبقية الكواكب وغيرها لنواميس الكون، والتوظيف الدلالي الى الجانب الاحصائي ظهر كما يأتي:

- البساط والحجارة والصخور وغيرها: كان أكثر الفاظ هذا المبحث

ص: 263

وروداً مما فوق أديم الأرض هو (الحجر) تكرر ذكره (ست عشرة مرة) يليه (التراب) تكرر في (أحدى عشرة مرة) كشفت الدلالات السياقية عن معانٍ للتوظيف الدلالي منها: (خلق البشر والزهد والتواضع والتقوى).

- السهل والوادي والطريق وغيرها: كان أكثر ألفاظ البحث هو السبيل تكرر (ثلاث وسبعين مرة) بعد الأرض، يليه (الطريق) تكرر (احدى وسبعين مرة) دلّ التوظيف الدلالي على: (عظم خلق الخالق والسهولة واللين في الخَلق والحث على تعلم العلوم الدنيوية والأخروية والطاعة).

- الجبال والصحراء: كان أكثر ألفاظ هذا المبحث وروداً هو (الجبل) تكرر (ست وعشرون مرة) من الدلالات السياقية (الصلابة والجلد وتذليل الصعاب والظهور لمواجهة العدو).

- البحار: كان أكثر ألفاظ هذا المبحث وروداً هو: (البحر) تكرر (خمس وعشرون) دلّ التوظيف الدلالي على (اهمية القرآن الكريم كونه كنزاً من الكنوز لا يدرك كله وكذلك اجتناب الفتن).

ث- السماء: تعددت اسمائها والدلالة لها ولم يكن العرب مستوعبين إلا لوجود سماء واحدة، فجاء النص القرآني والحديث النبوي والنص النهجي في محاولة لتقريب الذهن وللإدراك وكما يأتي:

- السماء والنجوم: كان أكثر الفاظ هذا المبحث وروداً هي (الشمس) تكررت (سبع عشرة مرة) يليها النجم (خمس عشرة مرة) والتوظيف الدلالي دلّ على (اثبات قدرة الله ودلالة الزمان والمكان).

- الأمطار والأهوية: كان أكثر الفاظ هذا المبحث بالنسبة للأمطار

ص: 264

وروداً هي (السحب) تكررت (عشر مرات) دل التوظيف الدلالي على (بيان الاحكام الآلهية والصبر واغتنام الفرصة)؛ أما الأهوية فكانت (الريح) أكثر وروداً تكررت (ثماني عشرة مرة) دلّ التوظيف الدلالي على (ابداع الخالق ولطفه والانتباه من الظلم والجور).

- الظلمة والنور: كان أكثر الفاظ هذا المبحث بالنسبة للظلمة هو (الليل) تكرر (تسع وثلاثين مرة) دلّ التوظيف الدلالي على (الجهل والفتن والظلم) وهو مناسب للظلمة أمّا النور فقد كان أكثر الألفاظ وروداًّ هو (النور) نفسه إذ تكرر (ثماني وثلاثين) ودلّ التوظيف الدلالي على (استكمال العلوم الموجبة لتهذيب النفس والهداية).

لذا نخلص من ذلك أنّ ألفاظ الطبيعة شكّلت جانباً مهماً في نهج البلاغة لا يمكن الاستغناء عنه واتخذت جانبين:

الأول: ابداع الخالق واثبات قدرته مه وجوب عبادته وشكره.

الثاني: تهذيب النفس والحث على الأخلاق الحسنة واجتناب السيئة والحذر من الشيطان والفتن، فضلاً على أمور متفرقة ذكرها الأمام علیه السلام بمواضعها في نهج البلاغة.

توصيات

1. اعتماد المنهج السياقي (التحليلي) للكشف عن المعنى المقصود للكلمة عن طريق البحث في ايحاءات النص؛ كونه منهجاً مختلفاً عن بقية المناهج الأخرى في تحليله اللغوي وغير اللغوي.

ص: 265

2. أضم رأيي إلى آراء الآخرين بما لمسته في البحث لدى دراسة ألفاظ الطبيعة من ضرورة اعتماد نصوص نهج البلاغة، ولا سيّما (الخطب) ضمن النصوص المعتمدة في التدريس ليشمل ذلك طلاب الثانوية وطلاب مرحلتي البكالوريوس والدراسات العليا، فضلاً على التخصصات: (العلمية والإنسانية).

3. عُدَّ نهج البلاغة من الكتب الثرَّة بألفاظها المتنوعة ودلالاتها المختلفة عمّ حوته المعاجم اللغوية أو جاءت به؛ لذا يمكن وضع معاجم متنوعة لألفاظه: كمعجم لغوي خاص به أو معجم لألفاظ الطبيعة في نهج البلاغة أو معجم معاني كلمات نهج البلاغة بسياقها (الاجتماعي- التاريخي).

***

ص: 266

الملاحق

ص: 267

ص: 268

الملاحق الباب الأول: الفصل الأول: الحيوان:

1. المبحث الأول: الحيوان المفترس:

ص: 269

صورة

- جدول إحصائي رقم (1) للوحدات الدلالية للحيوان المفترس في نهج البلاغة-

2. المبحث الثاني: الحيوان الأليف:

- جدول إحصائي (2) للوحدات الدلالية للحيوان الأليف في نهج البلاغة-

ص: 270

3. المبحث الثالث: الطيور والحشرات:

أ- الطيور:

1- الطيور الجارحة:

- جدول إحصائي (3) للوحدات الدلالية للطيور الجارحة في نهج البلاغة-

2- الطيور غير الجارحة:

ص: 271

صورة

- جدول إحصائي (4) للوحدات الدلالية للطيور غير الجارحة في نهج البلاغة-

ب- الحشرات:

ص: 272

صورة

- جدول إحصائي (5) للوحدات الدلالية للحشرات في نهج البلاغة-

الفصل الثاني: النبات:

1. المبحث الأول: الأشجار:

ص: 273

صورة

- جدول إحصائي (6) للوحدات الدلالية للأشجار في نهج البلاغة-

2. المبحث الثاني: النباتات:

ص: 274

صورة

-جدول إحصائي (7) للوحدات الدلالية للنباتات في نهج البلاغة-

3. المبحث الثالث: الأزهار:

- جدول إحصائي (8) للوحدات الدلالية للأزهار في نهج البلاغة-

الفصل الثالث: الأرض:

1. المبحث الأول: التراب والصخور والحجارة وما يتصل بها:

ص: 275

صورة

- جدول إحصائي رقم (9) للوحدات الدلالية للتراب والصخور وما يتصل بها في نهج البلاغة-

2. المبحث الثاني: السهل والوادي والطريق وما يتصل بها

ص: 276

صورة

-جدول إحصائي رقم (10) للوحدات الدلالية للسهل والوادي والطريق وما يتصل بها في نهج البلاغة-

3. المبحث الثالث: الجبال والصحراء وما يتصل بها:

- جدول إحصائي رقم (11) للوحدات الدلالية للجبال والصحراء وما يتصل بها في نهج البلاغة-

ص: 277

4. المبحث الرابع: البحار وما يتصل بها:

- جدول إحصائي رقم (12) للوحدات الدلالية للبحار وما يتصل بها في نهج البلاغة

- الفصل الرابع: السماء:

1. المبحث الأول: السماء والنجوم وما يتصل بها:

ص: 278

صورة

-جدول إحصائي رقم (13) للوحدات الدلالية للبحار وما يتصل بها في نهج البلاغة-

2. المبحث الثاني: الأمطار والأهوية وما يتصل بها:

1- الأمطار وتضم كل من:

صورة

ص: 279

صورة

- جدول إحصائي رقم (14) للوحدات الدلالية للأمطار والأهوية وما يتصل بها في نهج البلاغة-

2- الأهوية: وتضم كل من:

- جدول إحصائي رقم (15) للوحدات الدلالية للأهوية وما يتصل بها في نهج البلاغة-

3. المبحث الثالث: الظلمة والنور وما يتصل بها:

1- الألفاظ الدالة على الظلمة:

ص: 280

صورة

- جدول إحصائي رقم (16) للوحدات الدلالية للألفاظ الدالة على الظلمة وما يتصل بها في نهج البلاغة-

2- الألفاظ الدالة على النور:

ص: 281

صورة

- جدول إحصائي رقم (17) للوحدات الدلالية للألفاظ الدالة على النور وما يتصل بها في نهج البلاغة-

***

ص: 282

المصادر والمراجع

اشارة

ص: 283

ص: 284

المصادر والمراجع

القرآن الكريم

- الإتقان في علوم القرآن: عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي )(ت911ه): تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم: الهيئة المصرية العامة للكتاب: د. ط، 1394ه- 1947م.

- اختيار مصباح السالكين: ميثم بن علي بن ميثم البحراني (ت679ه):

تحقيق: محمد هادى الأميني: مجمع البحوث الإسلامية التابعة للآستانة الرضوية المقدسة، مشهد، ط 1، 1408ه.

- أساس البلاغة: محمود بن عمر الزمخشري (ت538ه): تحقيق الاستاذ عبد الرحيم محمود: دار المعرفة، بيروت، ط 1، 1402ه/ 1982م.

- استراتيجيات الخطاب مقاربة لغوية تداولية: عبد الهادي بن ظافر الشهري: دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، ط 1، 2004.

- الاستيعاب في معرفة الأصحاب: ابو عمر سيف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر القرطبي (ت463ه): تحقيق: علي محمد البجاوي: دار الجيل، بيروت، ط 1، 1412ه، 1992م.

- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: محمد الأمين بن محمد المختار

ص: 285

الشنقيطي (ت1393ه): دار الفكر العربي للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، د. ط، 1415ه- 1995م.

- أعلام نهج البلاغة (من أعلام القرن السادس): علي بن ناصر السرخسي:تحقيق: عزيز الله العطاردي: مؤسسة الطباعة والنشر وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي- نشر عطارد، ط1، طهران، 115.

- الألسنية: الدكتور نسيم عون: دار الفارابي، بيروت، لبنان، ط1، 2005.

- الأمثال: ابو عبيد القاسم بن سلام الجمحي )ت224ه): تحقيق: الدكتور: عبد المجيد قطامش: دار المأمون للتراث، ط1، 1400ه، 1980م.

- إيضاح شواهد الإيضاح: أبو علي الحسن بن عبد الله القيسي (ت.ق6ه): تحقيق: الدكتور محمد بن حمود الدعجاني، الناشر: دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، ط1، 1408ه، 1987م.

- الإيضاح في علوم البلاغة المعاني والبيان والبديع: الخطيب القزويني جلال الدين محمد ابن عبد الرحمن بن عمر بن أحمد بن محمد (ت738ه): وضع حواشيه: إبراهيم شمس الدين: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1424ه، 2003م.

- البحث اللغوي عند الهنود وأثره على اللغويين العرب: الدكتور أحمد مختار عمر: دار الثقافة، بيروت، لبنان، د. ط، 1972م.

- البحر المحيط في التفسير: أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي (ت745ه): تحقيق صدقي محمد جميل: دار الفكر، بيروت، 1420ه.

- البرهان في علوم القرآن: بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي (ت794ه):

ص: 286

تحقيق محمد ابو الفضل إبراهيم: دار المعرفة، بيروت، لبنان، ط1، 1376ه، 1957م.

- بدائع الفوائد: أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيَّم الجوزية (691- 751): تحقيق: علي بن محمد العمران: دار عالم الفوائد، 1416ه- 1996م.

- البلاغة العربية أسسها، وعلومها، وفنونها: عبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة الميداني الدمشقي (ت1425ه): دار القلم، دمشق، الدار الشامية، بيروت، ط1، 1416ه- 1996م.

- بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة: محمد تقي التستري (ت1415ه): دار أمير كبير للنشر، طهران، ط1، 1418ه.

- البيان في روائع القران دراسة لغوية واسلوبية للنص القرآني: الدكتور تمام حسان: عالم الكتب، القاهرة، مصر، ط2، 2003م.

- البيان والتبيين: الجاحظ (255ه): الناشر: مكتبة الخانجي، القاهرة، ط7، 418ه، 1998م.

- تاج العروس: محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، الزَّبيدي (ت1205ه): تحقيق: عبد الستار أحمد فراج، مطبعة حكومة الكويت، د. ط، 1385ه، 1965م.

- تاريخ النبات عند العرب: أحمد عيسى: كلمات عربية للترجمة والنشر، القاهرة، مصر، د. ط، د. ت.

- التصور اللغوي عند الأصوليين: د. أحمد عبد الغفار، دار المعرفة الجامعية، مصر، ط1، 1401ه، 1981م.

- التطور الدلالي بين لغة الشعر الجاهلي ولغة القران الكريم: عودة خليل أبو

ص: 287

عُودة: مكتبة المنار، الزرقاء، الأردن، ط1، 1405ه، 1985م.

- تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم: أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر التميمي الرازي ابن أبي حاتم (ت327ه): تحقيق أسعد محمدالطيب: مكتبة نزار مصطفى الباز، المملكة العربية السعودية، ط3، 1419ه.

- تفسير القرآن العظيم: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (700- 774ه): تحقيق سامي بن محمد سلامة: دار طيبة للنشر والتوزيع، ط2، 1420ه، 1999م.

- تفسير الميزان: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي: صححه واشرف على طباعته: الشيخ حسين الاعلمي: منشورات مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، ط1، 1997م.

- التلخيص في معرفة اسماء الأشياء: ابو هلال الحسن بن عبد الله العسكري (ت نحو395ه): تحقيق الدكتور عزة حسن: دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر، دمشق، ط2، 1996م.

- تهذيب الأحكام: الشيخ ابي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (460ه): ضبطه وصححه وخرّج أحاديثه وعلّق عليه: محمد جعفر شمس الدين: دار التعارف للمطبوعات، بيروت، لبنان، د. ط، 1412ه، 1992م.

- تهذيب اللغة: لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري (282ه- 370ه): تحقيق عبد السلام هارون وآخرون: الدار المصرية للتأليف والنشر، مطابع سجل العرب، القاهرة، د. ط، 1384ه/ 1964م.

- تمام نهج البلاغة: السيد صادق الموسوي: تحقيق: فريد السيد: مؤسسة الإمام صاحب الزمان (عج)، ط1، 1418ه.

ص: 288

- التواصل اللساني والشعرية مقاربة تحليلية لنظرية رومان جاكبسون: الطاهر بو مزبر: الدار العربية للعلوم، الجزائر، ط1، 2007.

- توضيح نهج البلاغة: السيد محمد الحسيني الشيرازي: دار تراث الشيعة،طهران، د. ط، د. ت.

- الجدول في اعراب القرآن وصرفه وبيانه: محمود بن عبد الرحيم صافي (ت1376ه): دار الرشيد، دمشق، مؤسسة الايمان، بیروت، لبنان، ط4، 1418ه.

- جمهرة الأمثال: ابو هلال الحسن بن عبد الله العسكري (ت نحو395ه): دار الفكر، بيروت، د. ط، د. ت.

- جمهرة اللغة: أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي (ت321ه): تحقيق رمزي منير بعلبكي: دار العلم للملايين، بيروت، 1987م.

- الحجة للقراء السبعة: الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ الأصل، أبو علي (ت377ه): بدر الدين قهوجي، بشير جويجابي: راجعه ودققه: عبد العزيز رباح، أحمد يوسف الدقاق: دار المأمون للتراث، دمشق، بيروت، ط2، 1413ه، 1993م.

- حدائق الحقائق في شرح نهج البلاغة: قطب الدين محمد بن الحسين البيهقي الكيذري: عزيز الله العطاردي: مؤسسة نهج البلاغة- عطارد، قم، ط1، 1416ه.

- حياة الحيوان الكبرى: محمد بن موسي بن عيسي الدميري (742- 808ه): تهذيب وتصنيف أسعد الفارس: دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر، دمشق، د. ط، 1992.

ص: 289

- الحيوان: أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (150- 255ه): بتحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون: شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر، ط2، 1358ه - 965م.

- الحيوان في القرآن الكريم: الدكتور زغلول راغب محمد النجار: دار المعرفة، بيروت، لبنان، ط1، 1427ه- 2006م.

- الخصائص: أبو الفتح عثمان بن جني (392ه): تحقيق: محمد علي النجار: دار الكتب المصرية، القاهرة، المكتبة العلمية، د. ط، د. ت.

- دراسة أدبية لنصوص من القرآن: محمد المبارك، دار الفكر، بيروت، لبنان، د. ط، 1424ه - 2003م.

- الدر المصون في علم الكتاب المكنون: أبو العباس شهاب الدين أحمد بن يوسف بن عبد الدائم المعروف بالسمين الحلبي (ت756ه): تحقيق الدكتور أحمد محمد الخراط: دار القلم، دمشق، د. ط، د. ت.

- الدر المنثور: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (ت911ه): دار الفكر، بيروت، د. ط، د. ت.

- الدرس الدلالي في خصائص ابن جني: الدكتور أحمد سليمان ياقوت: دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، مصر، ط1، 1989.

- دروس في علم الاصول (الحلقة الأولى): السيد محمد باقر الصدر: دار الكتاب اللبناني، بيروت، دار الكتاب المصري، القاهرة، ط1، 1978م.

- دلائل الإعجاز: عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني النحوي أبو بكر (ت471ه أو 474ه): قرأه وعلق عليه محمود محمد شاكر: مكتبة الخانجي- مطبعة المدني د. ت.

ص: 290

- الدلالة السياقية عند اللغويين: أ. د. عواطف كنوش المصطفى: دار السياب للطباعة والنشر، لندن، ط1، 2007.

- الدلالة اللغوية عند العرب: الدكتور عبد الكريم مجاهد، دار الضياء،عمّن، د. ط، 1985.

- الدلالة والنحو: الدكتور صلاح الدين صالح حسنين: توزيع مكتبة الآداب، ط1، د. ت.

- دور الكلمة في اللغة: ستيفن أولمان: ترجمه وقدم له وعلق عليه: الدكتور كمال محمد بشر: مكتبة الشباب، د. ط، 1975.

- ديوان الأعشى الكبير ميمون بن قيس: شرح وتعليق الدكتور محمد حسين: مكتبة الآداب بالجماميز، المطبعة النموذجية، د. ط، د. ت.

- ديوان بشر بن أبي خازم الأسدي: بشر بن أبي خازم الأسدي: تحقيق: عزة حسن: مطبوعات مديرية إحياء التراث القديم، دمشق، د. ط، 1379ه، 1960م.

- ديوان الحطيئة برواية وشرح ابن السكيت (186- 246ه): تحقيق: الدكتور: نعمان محمد أمين طه: الناشر: مكتبة الخانجي، القاهرة، ط1 (1407ه- 1987م).

- ديوان زهير بن أبي سلمى: زهير بن أبي سلمى: تحقيق: علي حسن فاعور، دار الكتب العلمية، ط1، 1408ه، 1988م.

- ديوان طفيل الغنوي شرح الأصمعي ديوان: تحقيق: حسان فلاح أوغلي: دار صادر، ط1، 1997م.

- ديوان القطامي تحقيق: د. إبراهيم السامرائي- أحمد مطلوب: دار الثقافة،

ص: 291

بيروت، لبنان، ط1، 1960م.

- ديوان النابغة الذبياني: النابغة الذبياني: تحقيق عباس عبد الساتر: دار الكتب العلمية، ط3، 1416ه، 1996م.

- زاد المسير في علم التفسير: ابن الجوزي: دار ابن حزم (508- 597ه)- المكتب الإسلامي، دار ابن حزم للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، ط1، 1423ه، 2002م.

- سر صناعة الإعراب: إمام العربية أبي الفتح عثمان بن جنّي (ت392ه): دراسة وتحقيق: الدكتور حسن هنداوي: دار القلم، دمشق، ط2، 1413ه- 1993م.

- سنن أبي داود: أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السِّجِسْتاني (ت275ه) تحقيق: شعيب الأرنؤوط، محمد كامِل قره بللي: دار الرسالة العالمية، ط1، 1430ه- 2009م.

- شرح نهج البلاغة: سيد عباس الموسوي: دار الرسول الأكرم، دار المحجة البيضاء، بيروت، ط1، 1418ه.

- شرح نهج البلاغة: عز الدين ابو حامد ابن أبي الحديد (ت656ه): تحقيق محمد ابو الفضل إبراهيم: مكتبة آية الله المرعشي النجفي العامة، قم، ط1، 1378ه.

- شرح نهج البلاغة المقتطف من بحار الأنوار: المجلسي: تحقيق: مرتضى حاج علي فرد: مؤسسة الطباعة والنشر وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، طهران، ط1، 140ه.

- شرح نهج البلاغة: ميثم بن علي بن ميثم البحراني (ت689ه)، دار

ص: 292

الثقلين، بيروت- لبنان، ط1، 1420ه- 1999م.

- شعب الايمان: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني أبو بكر البيهقي (458ه): حققه وراجع نصوصه وخرج أحاديثه: الدكتور عبدالعلي عبد الحميد حامد: مكتبة الرشد للنشر والتوزيع بالرياض بالتعاون مع الدار السلفية، بومباي، الهند، ط1، 1423ه، 2003م.

- شفاء الغليل في بيان الشبه والمخيل ومسالك التعليل: أبو حامد الغزالي محمد بن محمد بن محمد الطوسي (450- 505ه): تحقيق: الدكتور حمد الكبيسي: مطبعة الإرشاد، بغداد، 1390ه- 1971م.

- الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي (ت393ه): تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار: دار العلم للملايين، بيروت، ط4، 1407ه، 1987م.

- صحيح البخاري: محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري الجعفي: تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر: دار طوق النجاة، ط1، 1422ه.

- صحيح مسلم: للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (206- 261ه): تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي: دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي وشركاه، ط، 1412ه - 1991م.

- الصحيفة السجادية الكاملة: الإمام زين العابدين علیه السلام (ت94ه): تحقيق: حاج عبد الرحيم أفشاري زنجاني: مؤسسة النشر الإسلامي، قم، د. ط، 1404.

- الطبيعة في الشعر الجاهلي: نوري حمودي القيسي: ساعدت جامعة بغداد على نشره، ط1، 1390ه، 1970م.

- الطبيعة في القرآن: الدكتور كاصد ياسر الزيدي: دار الرشيد للطباعة: د.

ص: 293

ط: 1980.

- الطير ودلالته في البنية الفنية والموضوعية للشعر العربي قبل الإسلام: د. كامل عبد ربه حمدان الجبوري: ، دار الينابيع للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق،ط1، 2010.

- علم الدلالة: أحمد مختار عمر: عالم الكتب، القاهرة، مصر، د. ط، 1998م.

- علم الدلالة: أف آر بالمر: ترجمة مجيد الماشطة: مطبعة العمال المركزية، بغداد، العراق، د. ط، 1985.

- علم الدلالة أصوله ومباحثه في التراث العربي دراسة: منقور عبد الجليل: اتحاد الكتاب العرب، دمشق، د. ط، 2001م.

- علم الدلالة دراسةً وتطبيقاً: الدكتورة نور الهدى لوشن: منشورات جامعة قازيونس، بنغازي، ط1، 1995.

- علم الدلالة عند العرب: فخر الدين الرازي نموذجا: محيى الدين محسب: دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، ط1، 2008.

- علم اللغة نشأته وتطوره: الدكتور محمود جاد الرب: دار المعارف، ط1، 1985م.

- العمدة: ابن رشيق القيرواني: حققه وفصله وعلق على حواشيه محي الدين: دار الجيل، ط5، 1401ه- 1981م.

- غريب القرآن: أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت276ه): تحقيق أحمد صقر: دار الكتب العلمية، د. ط، 1398ه، 1978م.

- الفروق اللغوية: ابو هلال الحسن بن عبد الله العسكري (ت نحو395ه): حققه وعلق عليه: محمد إبراهيم سليم: دار العلم والثقافة للنشر والتوزيع،

ص: 294

القاهرة- مصر، د. ط، د ت.

- فقه اللغة وسر العربية: لأبي منصور الثعالبي (ت429ه): قرأه وقدم له وعلق عليه: خالد فهمي: تصدير: الدكتور: رمضان عبد التواب: الناشر مكتبة الخانجي، مطبعة المدني، القاهرة، ط1، 1418ه، 1998م.

- في البحث الصوتي عند العرب: الدكتور خليل إبراهيم العطية: منشورات دار الجاحظ، بغداد، د. ط، 1983.

- فيض القدير شرح الجامع الصغير: عبد الرؤوف المناوي: المكتبة التجارية الكبرى، مصر، ط1، 1356ه.

- قاموس القرآن أو اصلاح الوجوه والنظائر في القرآن الكريم: للفقيه المفسر الجام الحسين بن محمد الدامغاني: حققه وأكمله وأصلحه: عبد العزيز سيد الأهل: دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، نيسان (ابريل)، 1983.

- قضايا الشعرية: رومان ياكبسون: ترجمة محمد الولي ومبارك حنون: دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، ط1، 1988م.

- الكافي: الشيخ محمد بن يعقوب الكليني (ت329ه): منشورات الفجر، بيروت، لبنان، ط1، 1428ه، 2007م.

- الكتاب: عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء، أبو بشر، الملقب سيبويه (ت180ه): تحقيق: عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط3، 1408ه- 1988م.

- كتاب الأنواء في مواسم العرب: أبو محمد عبد الله بن مسلم ابن قتيبة الدينوري (ت276ه): منشورات: دار الشؤون الثقافية العامة: وزارة الثقافة والاعلام العراقية، بغداد، د. ط، 1988م.

ص: 295

- كتاب صناجة الطرب في تقدمات العرب: نوفل أفندي بن نعمة الله بن جرجس نوفل الطرابلسي: طبع في مطبعة الامريكان في بيروت، د. ط، د. ت.

- كتاب العين: لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي (100- 175ه): تحقيق: الدكتور مهدي المخزومي، الدكتور إبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال، د. ط، د. ت.

- الكليات: أبو البقاء أيوب الكفوي: تحقيق: عدنان درويش، محمد المصري، مؤسسة الرسالة، بيروت، د. ط، 1419ه- 1998م.

- لسان العرب: للإمام العلّامة أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الافريقي المصري (ت711ه)، دار صادر، بيروت.

- اللسانيات اتجاهاتها وقضاياها الراهنة: الدكتور: نعمان بوقرة: عالم الكتب الحديث، إربد، ط1، 1430ه- 2009م.

- لسانيات النص مدخل إلى انسجام الخطاب: محمد خطابي: المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط2، 2006.

- اللغة: ج. فندريس: تعريب: عبد الحميد الدواخلي- محمد القصاص، مكتبة الأنجلو المصرية، مطبعة لجنة البيان العربي، د. ط، 1950.

- اللغة في الدرس البلاغي: أ.د. عدنان عبد الكريم جمعة: دار السياب للطباعة والنشر، لندن، ط1، 2008.

- اللغة العربية مبناها ومعناها: الدكتور تمام حسان: دار الثقافة، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، د. ط، 1994م.

- اللغة والمعنى والسياق: جون لاينز: ترجمة د. عباس صادق الوهاب: مراجعة: د. يوئيل عزيز: دار الشؤون الثقافية العامة، وزارة الثقافة والأعلام،

ص: 296

بغداد، العراق، ط1، 1987م.

- مبادئ اللسانيات: الدكتور أحمد محمد قدور: دار الفكر، دمشق، ط3، 2008.

- المجازات النبوية: الشريف الرضي الشريف الرضي (406ه): تحقيق وشرح فضيلة الدكتور طه محمد الزيني: مكتبة بصيرتي، قم، د. ط، د. ت.

- مجمع الأمثال: أبو الفضل أحمد بن محمد الميداني النيسابوري (ت518ه):

تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، دار المعرفة، بيروت، لبنان، د. ط، د. ت.

- المحكم والمحيط الاعظم في اللغَة: علي بن اسماعيل بن سيدة (ت458ه):

تحقيق: عبد الستار أحمد فرَّاج، معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية، ط1، 1377ه- 1958م.

- المحيط في اللغة: الصاحب، اسماعيل بن عبَّاد (326- 385ه): تحقيق: الشيخ محمد حسن آل ياسين: عالم الكتب، ط1، 1401ه- 1981م.

- المخصص: علي بن إسماعيل أبو الحسن ابن سيده (ت458ه)، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، د. ط، د. ت.

- مدخل الى علم الاسلوب: شكري محمد عياد: المشروع للطباعة والتصوير: ط1، 1403ه- 1982م- ط2، 1413ه- 1992م.

- مدخل الى علم اللغة: د. محمود فهمي حجازي: دار قباء للطباعة والنشر، القاهرة، د. ط، د. ت.

- مستدرك سفينة البحار: العلامة البحّاثة الشيخ علي النمازي الشاهرودي (ت1405ه): بتحقيق وتصحيح الشيخ حسن بن علي النمازي: مؤسسة النشر الإسلامي، 1418ه، د. ط، 1418ه.

ص: 297

- المستدرك على الصحيحين: للإمام الحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري: دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا: دار الكتب العلمية: بيروت، لبنان، ط2، 1422ه- 2002م.

- مسند أحمد: أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (ت241ه): تحقيق: أحمد محمد شاكر: دار الحديث، القاهرة، ط1، 1416ه، 1995م.

- مشكلة الهمزة العربية: الدكتور رمضان عبد التواب: الناشر مكتبة الخانجي، مطبعة المدني، القاهرة، ط1، 1417ه، 1996م.

- المصايد والمطارد: ابو الفتح محمود بن الحسن الكاتب المعروف بكشاجم ت (بعد358ه): حققه وعلق عليه الدكتور أسعد طلس مطبعة دار المعرفة، بغداد، د. ت.

- المعاني الكبير في أبيات المعاني: أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت276ه): تحقيق: المستشرق د. سالم الكرنكوي (ت1373ه)، عبد الرحمن بن يحيى بن علي اليماني، مطبعة دائرة المعارف العثمانية- حيدر آباد الدكن، الهند، ط1، 1368ه، 1949م.

- المعجم الفلسفي بالألفاظ العربية والفرنسية والإنجليزية واللاتينية: الدكتور جميل صليبا: دار الكتاب اللبناني، بيروت، لبنان، د. ط، 1982.

- معجم اللغة العربية المعاصرة: أحمد مختار عمر: عالم الكتب، ط1، 1429ه، 2008م.

- معجم المصطلحات الأدبية: إبراهيم فتحي: التعاضدية العمالية للطباعة والنشر، تونس، د. ط، 1986.

ص: 298

- معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب: مجدي وهبه، كامل المهندس: مكتبة لبنان، بيروت، ط2، 1984.

- معجم اللغة واللسانيات: هارتمان وستورك: ترجمة: الدكتور توفيق عزيز عبد الله- مروان محمد حسن- أوس عادل عبد الوهاب، وزارة الثقافة، دار المأمون للترجمة والنشر، بغداد، العراق، ط1، 2012.

- معجم مقاييس اللغة: لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (ت395ه): تحقيق وضبط: عبد السلام محمد هارون: دار الفكر، القاهرة، د. ط، 1399ه- 1979م.

- المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، إِخراج: إِبراهيم مصطفى، أَحمد حسن الزيات، حامد عبد القادر، محمد علي النجار، دار الدعوة، إِستانبول، 1989م.

- المعقول واللامعقول في التراث العربي: د. زكي نجيب محمود: دار الشروق: ط3 1401ه، 1981م، ط4 1408ه - 1987م.

- المغازي: محمد بن عمر بن واقد السهمي الأسلمي بالولاء، المدني، أبو عبد الله الواقدي: (207ه): تحقيق: مارسدن جونس: دار الأعلمي، بيروت، ط3، 1409، 1989.

- مغني اللبيب عن كتب الأعاريب: عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله ابن يوسف، أبو محمد، جمال الدين، ابن هشام (761ه): تحقيق: د. مازن المبارك، محمد علي حمد الله: دار الفكر، دمشق، ط6 ، 1985م.

- مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير: أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري (ت606ه): دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط3، 1420ه.

ص: 299

- مفردات ألفاظ القرآن: أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني (ت502ه): دار القلم، دمشق، د. ط، د. ت.

- المفردات في غريب القرآن: أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني (ت502ه): تحقيق صفوان عدنان الداودي: دار القلم، الدار الشامية، دمشق، بيروت، ط1، 1412ه.

- مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية: دنيس كوش: ترجمة: د. منير السعيداني: مراجعة: د. الطاهر لهيب: المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط1، آذار- مارس2007.

- مقدمة في علمي الدلالة والتخاطب: الدكتور محمد محمد يونس علي: دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، ط1، 2004.

- من تراث العرب في المعجم والدلالة: د. عبد القادر سلامي: دار الكتاب الجامعي، العين الإمارات، ط1434، 1ه- 2014م.

- من لا يحضره الفقيه: الشيخ الصدوق ابو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن الحسنين ابن بابويه القمي (ت381ه): أشرف على تصحيحه طبعه والتعليق عليه الشيخ حسين الاعلمي، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، ط1، 1406ه - 1986م.

- المُنَجَّد في اللغة (أقدم معجم شامل للمشترك اللفظي): علي بن الحسن الهُنائي الأزدي، أبو الحسن الملقب ب (كراع النمل) (ت بعد309ه): تحقيق: دكتور أحمد مختار عمر، دكتور ضاحي عبد الباقي: عالم الكتب، القاهرة، ط2، 1988م.

- المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع: تأليف أبي محمد القاسم الأنصاري

ص: 300

السجلماسي (من نقاد القرن الثامن الهجري): تقديم وتحقيق علال الغازي: مكتبة المعارف، الرباط، المغرب، ط1، 1401- 1980.

- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي (ت573ه): تحقيق السيد عبد اللطيف الكوهكمري: مكتبة آية الله المرعشي النجفي العامة، قم، د. ط، 1406ه.

- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: ميرزا حبيب الله الهاشمي الخوئي: تحقيق السيد إبراهيم الميانجي: المكتبة الاسلامية، طهران، ط4، 1400ه.

- الموافقات في أصول الشريعة: تصنيف العلامة المحقق أبي إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي (ت790ه): تقديم: بكر بن عبد الله ابو زيد: ضبط نصه وقدم له وعلق عليه وخرج أحاديثه: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان: دار ابن عفان، السعودية، ط1، 1417ه- 1997م.

- النسق القرآني: الدكتور محمد ديب الجاجي: دار القبلة للثقافة، مؤسسة علوم القرآن، المملكة السعودية، ط1، 1431ه- 2010م.

- نظرية السياق بين القدماء والمحدثين دراسة لغوية نحوية دلالية: الدكتور عبد النعيم خليل، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الاسكندرية، مصر، ط1، 2007.

- نفحات الولاية: آية الله العظمى مكارم الشيرازي: اعداد: عبد الرحيم الحمراني، سليمان زاده، دار النشر الإمام علي علیه السلام، قم، إيران، ط3، 1430ه.

- النقد الأدبي عند الإغريق والرومان: الدكتور عبد المعطي الشعراوي: مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، د. ط، د. ت.

- نهاية السول في شرح منهاج الأصول، ومعه سلم الوصول شرح نهاية

ص: 301

السول: للقاضي ناصر الدين عبد الله بن عمر البيضاوي (ت685ه): الشيخ الإمام جمال الدين عبد الرحيم بن الحسن بن علي الآسنوي الشافعيّ (ت772) - محمد بخيت المطيعي: عالم الكتب، د. ط، د. ت.

- النهاية في غريب الحديث والأثر، للإمام مجد الدين ابي السعادات المبارك بن محمد بن الجزري- ابن الأثير (544ه- 606ه): تحقيق: محمود محمد الطناحي، طاهر أحمد الزاوي، دار إحياء التراث العربي، بيروت- لبنان، د. ط، د. ت.

- نهج البلاغة: الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام: ضبط نصه وابتكر فهارسه العلمية: الدكتور صبحي الصالح: دار الكتاب المصري، القاهرة، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ط4، 1425ه- 2004م.

- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: لأبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان (608- 681ه): حققه: الدكتور إحسان عباس: دار صادر، بيروت، 1398ه- 1978م.

البحوث والمقالات والدوريات

- أسماء الخيل عند ابن الكلبي (بحث): د. نصر الدين صالح: مجلة علوم اللغة المجلد الاول العدد الاول 1998.

- ألفاظ النبات في نهج البلاغة دراسة في المعجم والدلالة (بحث): م. كريمة نوماس المدني: مجلة أهل البيت: العدد العاشر، رجب1431ه-، 2010م.

- التكون التاريخي لاصطلاحات البيئة الطبيعية والفلك (بحث): الدكتور يحيى عبد الرؤوف جبر: مجلة مجمع اللغة العربية الأردني، العدد 46، كانون الثاني، السنة الثامنة عشرة، 1994.

- الحقول الدلالية لأسماء الحيوان في نهج البلاغة (بحث): أ. د. عبد الكاظم

ص: 302

محسن الياسري، بحث ضمن كتاب دراسات في اللغة والنحو، د. ط، د. ت.

- الذئب والقطا في لامية العرب (بحث): د. عبد الجليل صرصور: مجلة جامعة الاقصى، العدد الأول، المجلد التاسع، ذو القعدة1425ه- كانون الثاني2005م.

- ضمائر العربية: المفهوم والوظيفة (بحث): الاستاذة دندوقة فوزية: مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية: العدد السادس: 2010.

- اللغة ونظرية السياق- علي عزت: (مقال) في مجلة الفكر المعاصر: العدد76يوليو- 1971.

- الفروق اللغوية بين بعض الألفاظ المتشابهة من خلال القرآن الكريم (مقالة): د. حسناء القنيعير، النسخة الالكترونية من صحيفة الرياض اليومية الصادرة من مؤسسة اليمامة، في الاحد 15 جمادى الاخرة1433ه، الموقع الالكتروني: (http //www.alriyadh.com/ 733337).

- منهج الخليل في دراسة الدلالة القرآنية في كتاب العين (بحث): الدكتور أحمد نصيف الجنابي: المعجمية العربية أبحاث الندوة التي عقدها المجمع العلمي العراقي (15- 16شعبان1412ه، 18- 19شباط1992م) مطبعة المجمع العراقي، 1412ه، 1992م.

- المعنى الجماليّ بين التعويض النحويّ والإضمار الاستعاريّ (بحث): د. سهى فتحي نعجة. مجلة الجامعة الإسلامية/ غزة، العدد الثاني، المجلد الثاني والعشرون، 1914.

- نظرية السياق عند فيرث ومدى تأثرها بنظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني: د. حازم فارس ابو شارب: بحث الكتروني، الموقع الالكتروني:

ص: 303

(http: // www.liilas.com/ vb3/ t171903.html).

الأطاريح والرسائل الجامعية

- ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة: حسام عدنان رحيم الياسري: (أطروحة دكتوراة): كلية الآداب، جامعة الكوفة، 1434ه- 2012.

- السماء والأرض في القرآن الكريم: دراسة دلالية للألفاظ والتراكيب (رسالة ماجستير): أحمد صالح حميد، كلية الآداب، جامعة الموصل، 1424ه- 2003م.

- صورة السماء والأرض في القرآن (رسالة ماجستير): نوال علي كلية الدراسات العليا، جامعة النجاح، 2011م.

- الصورة النباتية في الأسلوب القرآني: أحمد عبدالله عيسى، (رسالة ماجستير)، كلية الآداب، جامعة عين شمس، 1415ه- 1995م.

***

ص: 304

المحتويات

مقدمة المؤسسة 9

المقدّمة 11

التمهيد 19

السياق 21

السِّياق لغةً 21

السِّياق اصطلاحاً 25

عناصر السياق 27

أنواع السياق 30

نشأة الدراسات السياقية وتطورها 33

1- السياق عند الهنود 34

2- السياق عند العرب 36

أ- السياق عند الأصوليين 37

ب- السياق عند النحاة 40

ت- السياق عند البلاغيين 43

3- السياق عند الغربيين 44

ص: 305

الباب الأول ألفاظ الطبيعة الحيّة في نهج البلاغة 51

الفصل الأول أثر السياق في الألفاظ الدالة على الحيوان 53

توطئة 55

المبحث الأول: الحيوان المفترس 59

1- الأسَد -الضِّرْغَام- اللَّيْث 59

2- حِمَار الوَحْش (العانة) 64

3- الحُوْت (الحِيتان) 66

4- الحَيَّة 67

5- الخِنْزير 70

6- الذِئْب 72

7- السَّبُع 74

8- الضَّب 76

9- الضَّبُع 79

10- الفِيل 81

11- الكَلْب 81

12- الوَحْش 82

المبحث الثاني: الحيوان الأليف 85

ص: 306

1- الإِبِل وما يتصل بها 85

2- الخَيْل والحَمِير وما يتصل بها 91

3- الثَّور والغَنَم والماعِز وما يتصل بها 93

المبحث الثالث الطِّيُور والحَشرات 101

أ- الطِّيُور 101

1- الطَّيُور الجَارحة 101

أ- الأنُوق 101

ب- العُقَاب 102

2- الطيور غير الجارحة 103

أ- الحَمَامة 103

ب- الخُفَّاش 105

ت- الدِّيك 105

ث- الشَّكِيْر 106

ج- الطَّاووس 107

ح- الطَّيْر 109

خ- الغُرَاب 110

د- النَّعامة 111

ص: 307

ب- الحشرات 112

1- البَعُوض 112

2- الجَرَاد 113

4- العَقْرَب 115

4- العَنْكَبُوت 116

5- النَّمْل 118

6- اليَعْسُوب 121

الفصل الثاني أثر السياق في الألفاظ الدالة على النبات 123

توطئة 125

المبحث الأول: الأشجار 131

1- السَّدْر 131

2- الشَّجَر 133

3- الصَّبِر 136

4- الضَّرَاء 137

5- العَلْقَم 138

6- المُرَار 141

7- النَّخْل 142

ص: 308

المبحث الثاني: النباتات 145

1- البَذْر 145

2- البَقْل 146

3- الحَسَك 148

4- الحَصِيد 149

5- الرَيْحان 151

6- الشِّيح 153

7- العُشْب 155

المبحث الثالث: الأزهار 159

1- الأزَاهِير 159

2- الأقْحُوَان 160

الباب الثاني ألفاظ الطبيعة غير الحيّة في نهج البلاغة 163

الفصل الأول أثر السياق في الألفاظ الدالة على الأرض 165

توطئة 167

المبحث الأول: التراب والصخور والحجارة وما يتصل بها 175

1- بِسَاط 175

2- البِقَاع 179

ص: 309

3- التُّرَابِ 181

4- الحَجَر 183

5- الصُّخُور 185

6- الطِّين 186

المبحث الثاني: السهل والوادي والطريق وما يتصل بها 191

1- السَّبِيل 191

2- السَّهْل 194

3- الطَّرِيق 196

4- الفِجَاج 199

5- الوَادِي 200

المبحث الثالث: الجبال والصحراء وما يتصل بها 203

1- الجَبَل 203

2- الصَّحْرَاء والفَلاة 205

المبحث الرابع: البحار وما يتصل بها 209

1- البَحْر 209

2- المَوْج 211

الفصل الثاني: أثر السياق في الألفاظ الدالة على السماء 213

ص: 310

توطئة 215

المبحث الأول: السماء والنجوم وما يتصل بها 221

1- السَّقْف- الجَو المَكْفُوف- أطبَاق السَّمَاء 221

أ- السَّقْف 221

ب- الجَو المَكْفُوف 221

2- الشَّمس 226

3- الفَلَك والرَّقيم 228

4- الكَوْكب والنَّجم 229

المبحث الثاني: الأمطار والأهوية وما يتصل بها 235

1- الأمطار 235

أ- القَطْر 235

ب- المَطَر 236

ج- السَّحَاب والمُزْن 238

2- الأهوية 241

أ- الهَوَاء 241

ب- الرِّيح 243

المبحث الثالث: الظلمة والنور وما يتصل بها 245

ص: 311

1- الألفاظ الدالة على الظلمة 245

أ- الحِنْدِس 245

ب- الظُّلْمَة 246

ت- اللَّيل 247

2- الألفاظ الدالة على النُّور 250

أ- البَرْق 250

ب- الضِّيَاء والنُّور 251

الخاتمة 257

توصيات 265

الملاحق 267

المصادر والمراجع 283

القرآن الكريم 285

البحوث والمقالات والدوريات 302

الأطاريح والرسائل الجامعية 304

ص: 312

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.