رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 346 لسنة 2017 م مصدر الفهرسة: IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda رقم تصنيف LC: BP38.09.I3 S2 2017 المؤلف الشخصی: سعدون، هدی یاسر.
العنوان: الفکر الإداری عند الإمام علي (علیه السلام) فی نهج البلاغة.
بیان المسؤولیة: هدی یاسر سعدون، تقدیم سید نبیل الحسني الکربلائي.
بيانات الطبعة: الطبعة الأولى.
بيانات النشر: كربلاء: العتبة الحسينية المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة. 1438 ه = 2017 م.
الوصف المادي: 408 صفحة.
سلسلة النشر: سلسلة الرسائل الجامعیة / العراق - وحدة الدراسات التاریخیة - مؤسسة علوم نهج البلاغة.
تبصرة عامة:
تبصرة ببیلوغرافية: الکتاب يتضمن هوامش - لائحة المصادر (الصفحات 357 - 405).
تبصرة محتویات:
موضوع شخصي: الشریف الرضي، محمد بن الحسین بن موسي، 359 - 406 هجریاً - نهج البلاغة.
موضوع شخصي: علي بن أبی طالب (علیه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجریاً - أحادیث.
موضوع شخصي: علي بن أبی طالب (علیه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجریاً - نظریته فی الإدارة.
موضوع شخصي: علي بن أبی طالب (علیه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجریاً - نهج البلاغة - إدارة، مطالعات تطبیقیة.
مصطلح موضوعي: الإدارة فی الإسلام.
مؤلف إضافی: الحسني، نبیل قدوري حسن، 1965 م، مقدم.
عنوان إضافی: نهج البلاغة. شرح.
تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة
ص: 1
بسم الله الرحمن الرحیم
الفكر الإداري عند الإمام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة
ص: 2
سلسلة الرسائل الجامعية - العراق وحدة الدراسات التاريخية (17)
الفكر الإداري عند الإمام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة
تألیف:هدی یاسر سعدون
إصدار:مؤسسة علوم نهج البلاغة فی العتبة الحسینیة المقدسة
ص: 3
جميع الحقوق محفوظة
للعتبة الحسينية
المقدسة الطبعة الأولى
1438 ه - 2017 م
العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الأكبر علیه السلام
مؤسسة علوم نهج البلاغة
هاتف: 07728243600 07815016633
الموقع: www.inahj.org
البريد الألكتروني: Info@Inahj.org
تنويه: إن الأفكار والآراء المذكورة في هذا الكتاب تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسينية المقدسة
ص: 4
بِسْمِ الله الرَّحَمْنِ الرَّحِيم «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» صَدَقَ اللهُ العَلِیُ العَظِيم (سورة البقرة: 164)
ص: 5
ص: 6
قال رسُولُ اللهِ صلی الله علیه و آله وسلم:
«يا عليّ مَا عَرَفَ الله إلا أنا وأَنْتَ، وما عَرَفَنِی إلاَّ الله وأنْتَ، وَمَا عَرَفَكَ إلاَّ اللهُ وأَنا».
البرسي، مشارق أنوار اليقين، ص 135؛ الحلي، المحتضر، ص 209؛ الديلمي، إرشاد القلوب، 1 / 215؛ النجفي، تأويل الآيات، 1 / 139.
ص: 7
ص: 8
إلى ….
مَن لَمْ تَرَهُ العُيُونُ بِمُشَاهَدَةِ الإبْصَارِ، وَلَكِنْ رَأَتْهُ القُلُوبُ بِحَقَائِقِ الإيمَانِ. لاَ يُعْرَفُ باِلقِيَاسِ وَلا يُدْرَكُ باِلحَوَاسِّ وَلا يُشَبَّه باِلناَّسِ.
مَوْصُوفٌ باِلآيَاتِ، مَعْرُوفٌ باِلعَلاَمَاتِ، لا يجور فِی حُكْمِهِ؛ ذَلِكَ اللهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ».
إلى الذي...
«أُسْرَتُهُ خَيْرُ أُسْرَةٍ، وَشَجَرَتُهُ خَيْرُ شَجَرَةٍ، أَغْصَانُهَا مُعْتَدِلَةٌ، وَثمَارُهَا مُتَهَدِّلَةٌ. مَوْلِدُهُ بِمَكَّةَ، وَهِجْرَتُهُ بِطَيْبَةَ، عَلَا بِهَا ذِكْرُهُ، وَامْتَدَّ مِنْهَا صَوْتُهُ، أَرْسَلَهُ بِحُجَّةٍ كَافِیَةٍ، وَمَوْعِظَةٍ شَافِيَةٍ، وَدَعْوَةٍ مُتَلَافِیَةٍ، أَظْهَرَ بِهِ الشَّرَائِعَ الْمَجْهُولَةَ، وَقَمَعَ بِهِ الْبِدَعَ الْمَدْخُولَة، وَبَیَّنَ بِهِ الْأَحْكَامَ الْمَفْصُولَةَ».
إلى من قيل فيه....
وَقالوا عَلِیٌّ عَلا قلتُ لا *** فَانِ العُلى بِعَلِیٍّ عَلا
وَلكِن أَقولُ كَقَولِ النَبِيِّ *** وَقَد جَمع الخَلقَ كلَّ الملا
ألَا اِنَّ مَن كُنتُ مَولىً لَهُ *** يُوالي عَلِيّاً وَاِلّا فَلا وإلى:
قدوتي الأولى، ونبراسي الذي يُنیر دربي، إلى من أعطاني ولم يزل يعطيني بلا حدود إلى من رفعت رأسي عاليًا افتخاراً به، فأدامه الله ذخراً ليّ.
والدي العزيز
ص: 9
ص: 10
مقدمة المؤسسة
ص: 11
ص: 12
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدّم من عموم نعم ابتدأها وسبوغ الآء أسداها، والصلاة والسلام على خیر النعم وأتمها محمد وآله الأخيار الأطهار.
أما بعد:
فإن من أهم ما يلزم التنبيه عليه ونحن نقدّم هذا البحث الموسوم ب (الفكر الإداري عند الإمام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة) هو أن الإدارة بمفهومها المعاصر وجذورها القرآنية والنبوية التي كانت تدور ي فلك مفهوم التدبیر كقوله تعالى:
«إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأرْضَ فيِ سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ»(1).
لا يرتكز على كون الإدارة نظرية يمكن استنتاجها من فكر أمیر المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وذلك أن مفهوم النظرية ومعناها ومدلولها العلمي قائم على الاحتمالية التي تتعايش مع نسبة من الواقعية ومحاولة تفسيیر قطّاع محدود من الظواهر.
من هنا: ذهب بعض الباحثين إلى (أن النظرية بسبب اتساعها يبقى صدقها احتمالياً مهما بلغ النجاح فيها)(2)، على حين تكون النظرية عند الإمام المعصوم (سلام الله عليه) خاضعة لتفسیر الظاهرة أو القانون أو القاعدة طبقاً لعين الواقع، ولذا فهي قطعية لاستحالة نفوذ الظنون والاحتمالات إليها.
ص: 13
ومن ثم هناك فارق شاسع بين تقديم الباحث لنظريته وتفسيره لظاهرة محدودة ضمن قطاع محدّد، وبين أن يقدم المعصوم رؤيته وتفسيره المرتكز على عين الواقع الذي سنّه الله تعالى ومن ثم غير قابل للتغيير والتبديل ما لم يتغير أصل الواقع المسنون من الله تعالى.
وعليه: فالإمام علي (عليه السلام) لا ينظر في ظواهر محدّدة كالإدارة أو الاقتصاد أو السياسة وغيرها من الظواهر الحياتية وقيامها ونظامها وسيرانها؛ وإلا لتساوى مع غيره من الناس؛ على حين وكما اسندت الباحثة بحثها هذا في إدارة الدولة والخلافة قول أمير المؤمنين (عليه السلام): (لا يقاس بآل محمد من هذه الأمة أحد)(1).
ولذا: فنحن اليوم بحاجة إلى إظهار هذه العلوم التي واكبت حياة أمير المؤمنين (عليه السلام) واستخدام العلوم الحديثة كأداة لفهم ما أظهره أمير المؤمنين (عليه السلام) وذلك أن هذه العلوم العلوية المحمدية لا تقبل الظنون والاحتمالات ولعلّ تقصير الباحثين في سعيهم لجمع هذا الإرث الإنساني هو الذي زاد في ظلامة آل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين) وحرم البشرية من الانتفاع بها، فجزى الله الباحثة التي انتجت يدها هذا الجهد الكبير ومن أشرف على بحثها فلقد بذلوا جهدهم وعلى الله أجرهم والحمد لله رب العالمين.
السيد نبيل الحسني رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة
ص: 14
المقدمة
ص: 15
ص: 16
مازالت الدراسات والبحوث والكتب - منذ مئات السنين - تترى فی سیرة الإمام علي علیه السلام وحياته منذ الولادة حتى الشهادة، إلا أن اغلب هذه الدراسات قد اكتفت بل وتعمقت في دراسة الغزوات التي شارك فيها وكيفية وصول الخلافة إليه مع التركيز في الحروب التي قادها إبان خلافته، وبذلك فإنها أهملت الجوانب المهمة التي يجب الوقوف عندها والاقتداء بها، وبذلك فإن تناول نهج البلاغة برؤى جديدة هو تعاطٍ جديد مع الماضي؛ إذ إنه يكشف رؤى للمستقبل، فضلاً عن ذلك فانه يشكل هوية الإنسان لما في هذا السفر القيّم في مواضيع شتى.
ومن خلال دراستي للموضوع قد حثني الكثیر من الأساتذة ان أتناول كتاب «علي بن أبي طالب نظرة عصرية جديدة» للدكتور محمد عماره وآخرين(1) إلا أنني فوجئت عندما اطلعت عليه؛ إذ لم يأتِ بجديد إنما اكتفى بسرد الأحداث التاريخية وفقاً لفكرة معتمداً على نصوص النهج.
اختيار الموضوع:
من أكبر الصعوبات التي تواجه طالب الدراسات العليا، هو اختيار الموضوع
ص: 17
الذي يروم تناوله، ولاسيما بعد هذا الكم الهائل من الدراسات الإسلامية منذ نشأة الدراسات العليا في العراق حتى يومنا هذا... فما كان لي إلا أن استشير واطلب من الأستاذ المساعد الدكتور مثنى فليفل الفضلي موضوعاً جديدًا في فحواه عميقًا في أصالته، على الرغم من انه قد تناول آخرون عنوانات قد تكون غير مطابقة مع الفحوى... فما كان إلا أن قدم لي الأستاذ الفاضل موضوعًا سبق وان قدمه، على مدى سنوات، لطلاب الدراسات العليا فلم يجرؤوا على أخذه والكتابة فيه ألا وهو «الفكر الإداري عند الإمام علي علیه السلام في نهج البلاغة» إنَّ نهج البلاغة يُعدّ أثراً نادرًا وكتابًا فاخرًا، ذا قيمة علمية، ومهمة تقويمية، ومنزلة تاريخية جعلته في مكتبة الكتب الفريدة، لاحتوائه على مضامين متعددة تخدم المجتمع، وهي جديرة بالدراسة والبحث، ولعل في هذه الدراسة شاهدًا لنا على وعورة مسلكنا وصعوبة مرتقاه، وذلك ما ابتغيناه ليكون لنا ذخرًا في يوم الحساب، وتخليدًا لجهود ذلك الإمام الهمام، وحياته الحافلة بالعطاءات العلمية والمعرفية والذي كلنا مدينون لفضله وعلمه الواسع الغزير من خلال دراسة ذلك السفر.
أهمية الدراسة:
إن الاستبداد الإداري والطمع وحب الاستحواذ، وغياب القناعة من اخطر الأمراض التي تصيب المجتمعات، وتنخر في عمودها الفقري وتحيلها الى الخراب وتدفع بها إلى هاوية التمايز وظهور الفوارق الطبقية، لذا فقد اعتمدنا ما جاء في النهج فيما يخص الأمور الإدارية، إذ انه يهدف إلى بناء الإنسان وبناء المجتمعات.
ص: 18
نطاق البحث وعرض المصادر:
تتوزع هيكلية الدراسة، فضلاً عن المقدمة والنتائج - على أربعة فصول، إذ تضمن الفصل الأول: ثلاثة مباحث تناولنا فيها معنى الفكر ودلالة الإدارة عند الإمام علیه السلام ثم دلالاتها عند المسلمين ثم الخصائص التي تميزت بها.
والفصل الثاني: أيضاً جاء بثلاثة مباحث، وكانت محاوره وصف بعض المؤرخين من مسلمين ومسيح ومستشرقين كتاب نهج البلاغة، لما له الأثر البالغ في الجوانب الإدارية والسياسية والفكرية والعقائدية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية كافة، وهو بذلك ثروة عظيمة.
أما الفصل الثالث: فقد تضمن المؤسسات الإدارية ضمن نهج البلاغة، بدءاً بالخلافة التي كان لها النصيب الوافر في النهج، إلا أننا حاولنا وضع الحقيقة أمام طالبيها بشكل مفصل ومختصر، ثم القضاء إذ بين فيه الإمام الصفات التي يجب ان يتحلى بها القاضي، فيما كان للولاة والعمال الدور البارز في الدراسة، إذ تضمن كلام الإمام علیه السلام صفات وحقوق وواجبات الوالي والعامل تجاه الرعية، ثم الوزارة إذ بين من خلالها صفات الوزير ثم الحسبة والكتّاب والجيش.
فضلاً عن ذلك أشار الإمام علیه السلام في معرض كلامه إلى أمور أخرى لا تقل أهمية منها: النظر في المظالم، إذ كان يوصي قائلاً:
«وَاجْعلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ، وَتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً، فَتَتَواضَعُ فِيهِ لله الَّذِي خَلَقَكَ.. حَتَّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُمُتَنِع»(1).
ص: 19
أما الفصل الرابع: فإنه يبحث جانباً من جوانب الإدارة المتمثل بفكر الإمام علیه السلام في تطبيق النظام المالي الذي أعطى النموذج الاسمى والأمثل في الجانب الاقتصادي، إذ بين فيه النظرية الاقتصادية متمثلاً في خراج الأرض (الضرائب)، والفيء الذي صولح عليه المسلمون، والزكاة التي فرضها الله سبحانه وتعالى، وهي احد أركان الإسلام الخمسة، ثم الصدقة وآخرهاالعطاء، إلا أن الإمام علیه السلام لم يشر في النهج الى العشر.
ثم خُتمت الدراسة بأهم النتائج التي توصل إليها البحث، وقد تنوعت المصادر والمراجع التي نهلتُ منها وتعددت موضوعاتها، بسبب طبيعة البحث التي أفادت الرسالة، فمنها ما تناولناه في ترجمة حياة جامع النهج (الشريف الرضي(، ومنها ما افدنا منها في توثيق الموارد التي اعتمدها الرضي في جمع النهج وأخرى في دراستنا النهج وترجمة لبعض الشخصيات وأنسابهم، وفضلاً عن استعمال المعاجم اللغوية، فقد استعملت مصادر أخرى، فمنها المصادر التاريخية:
ابن سعد (ت 230 ه)، الطبقات الكبرى، وهو من أمهات المصادر التاريخية لما تضمنه من سير وتراجم الخلفاء والصحابة والتابعين.
ابن خياط (ت 240 ه)، تاريخ ابن خياط، وهذا الكتاب قد تضمن روايات تاريخية شملت المناصب الإدارية من أسماء الأمراء وأصحاب الشرطة والقضاة والعمال.
ابن قتيبة (ت 276 ه)، المعارف، جاء بمعلومات غنية ومفيدة أما (عيون الأخبار) فهو احد المصادر التي تضمنت خطب الإمام علي علیه السلام في نهج البلاغة في حين كتاب (الإمامة والسياسة المنسوب إليه) ذكر فيه روايات مهمة بل في
ص: 20
غاية الأهمية منها ما يتعلق بالخلافة الإسلامية.
اليعقوبي (ت 292 ه)، تاريخ اليعقوبي، ذكر فيه روايات تخص الخلافة وركز في أمور عديدة.
الطبري (ت 310 ه)، تاريخ الرسل والملوك، جاء بنصوص تاريخية مهمة، وقد اعتمدتُ عليه في توثيق المعلومات في مؤسسة الخلافة، وكان يورد الروايات على اختلافها دون الانفراد برأي.
المسعودي (ت 346 ه)، مروج الذهب ومعادن الجوهر، امتاز فيه بعرض الروايات بشكل واسع، أما كتابه (التنبيه والإشراف) قد تناول فيه أموراً عديدة منها تراجم الخلفاء.
ابن النديم (ت 385 ه)، الفهرست، أورد فيه نصوصًا أفدنا منها في ترجمة بعض المؤرخين والشخصيات المهمة واثبات بعض الكتب المفقودة.
ابن الجوزي (ت 597 ه)، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، والثبات عند الممات، وصفة الصفوة وغيرها في تراجم بعض الشخصيات.
ياقوت الحموي (ت 626 ه)، معجم الأدباء، ومعجم البلدان، انبثقت عنهما حقائق تاريخية، فالأول لتراجم المؤرخين والشخصيات، والثاني للمواقع الجغرافية المهمة.
ابن الأثير (ت 630 ه)، الكامل في التاريخ، وكتابه (اللباب في تهذيب الأنساب) أمدتنا بمعلومات قيمة.
ابن خلكان (ت 681 ه)، وفيات الأعيان، كشف لنا عن وفيات العديد من الشخصيات وبذلك قدم لنا صورًا وافية وحقائق ثابتة عنها.
ص: 21
السيوطي (ت 911 ه)، تاريخ الخلفاء، والدر المنثور اللذان تحدث فيهما عن مواضيع متعددة أفادت الرسالة.
أما المصادر الأدبية التي أفدنا منها:
الثعالبي (ت 429 ه): كتابه يتيمة الدهر، الخبري (ت 476 ه)، كتابه ديوان الشريف الرضي، والباخرزي (ت 476 ه)، كتابه دمية القصر وعصرة أهل العصر، والقفطي (ت 646 ه)، كتابه المحمدون من الشعراء.
أما المصادر الاقتصادية التي أغنت الرسالة في دراسة الإدارة المالية فهي أبو يوسف (ت 183 ه)، كتابه الخراج، كان جهداً علمياً، إذ انه بنى صرحًا في تراث الأمة الاقتصادية، فقد عرض الأحداث الاقتصادية المهمة التي شهدها عصر الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، وعصر الخلفاء الراشدين، وكذلك الدولة الأموية، ثم العباسية إلى زمن هارون العباسي، وهو أقدم النصوص الاقتصادية.
أبو عبيد (ت 224 ه)، كتابه الأموال، هو من علماء بغداد النحويين، وللكتاب قيمة علمية لا تنكر؛ إذ انه ضم بين دفتيه كل ما يتعلق بالنظام المالي إلاسلامي.
الماوردي (ت 450 ه)، الأحكام السلطانية، يُعدّ هذا الكتاب من مؤلفات الفقه، الذي يبحث في أحكام الإمامة العظمى والولاية وما يتعلق مابه، وهو من أوائل الكتب في نظم الحكم، أما اهميته فإنه يقدم اول اطروحة سياسية متكاملة مقدمة للدولة العباسية.
أبو يعلى الحنبلي (ت 458 ه)، الأحكام السلطانية، كان عالم زمانه، ألف كتابه الذي كاد أن يكون نسخة مطابقة لما جاء فيه الماوردي إلا أن أبا يعلى يذكر
ص: 22
فروع الإمام احمد بن حنبل والماوردي يذكر مذهب الإمام الشافعي.
وغيرها من المصادر الأصيلة التي أغنت الرسالة بمعلومات جديدة، لا مجال لذكرها.
أما المراجع الثانوية التي أفدنا منها في الرسالة فإننا لم نذكرها إنما ذكرناها في قائمة المصادر بشكل دقيق.
الباحثة
ص: 23
ص: 24
المبحث الأول: الفكر
المبحث الثاني: الإدارة
المبحث الثالث: الإدارة وخصائصها
ص: 25
ص: 26
التفكر: (التأمل)، والاسم: الفكر، والفكرة، والمصدر: (الفَكر) بالفتح، وأفَكر في الشيء، وفكَّر فيه، بالتشديد، وتفكّر فيه، وتفكّر، بمعنى، ورجل فكّیر، كثیر التفكّیر(1). والفكرة تردد القلب في الشيء، ويقال تفكّر: إذا ردد قلبه معتبرًا(2). وهو قوة مطرقة للعلم إلى المعلوُم(3). وذكر الفيومي بأنه التدبر
ص: 27
لطلب المعاني، ولي في الأمر فكر أي نظر ورويّة(1). وفكر بالكسر والفتح:
إعمال النظر، وإعمال الخاطر في الشيء، وفكّر: والمعنى تأمل وهو فكِّير كسكّيت وفكير كصقيل: كثير الفكر(2).
والفكّرة: «الاسم من الافتكار، والجمع فكر، والتَفكير، اسم منه وهو لمعنيين أحدهما: القوة المودعة في مقدمة الدماغ، وثانيهما: أثرها، أعني ترتيب أمور في الذهن يتوصل بها إلى مطلوب يكون علمًا أو ظناً، ويقال: فكرت في الأمر وأيضًا من تفكر في ذات الله تزندق أي تأمل في معرفة الذات؛ لأنه طلب ما لم يطلبه ولم يصل إليه نبي ولا وصي ولا ولي»(3). ومن هنا قال ابن أبي الحديد(4):
فيك يا أعجوبة الكون *** غدَا الفكر كَليلاَ
أنت حیرّت ذوي اللُّب *** وبلْبلْت العُقُولاَ
كلَما أقدم فكري *** فِيك شبرًا فرّ ميلا
ناكصًا يخبط في عمياء *** لايُهدَى السَّبِيلا
ص: 28
وذكر دوزي أنَّ تفكر: تفطن(1).
هو قوة في داخل الإنسان ناجمة عن امتلاكه للعقل، والتفكير هو العملية التي يكشف الإنسان بواسطتها الحقائق، وهذه القوة قد منحها الله للإنسان الذي يولد جاهلًا(2). قال تعالى:
«وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»(3).
إذ إنه من فكر في نفسه علم أنه لم يكن موجودًا ثم وجد نطفة ثم صار علقة ثم مضغة ثم عظمًا ثم جنينًا في بطن أمه ميتًا ثم صار حيًا فبقي مدة ثم ولد صغيرًا فتقلبت به الأحوال من صغر إلى كبر ومن طفولة إلى رجل ومن عدم عقل إلى عقل كامل ثم الى الشيخوخة والى هرم ثم الموت وغير ذلك(4).
فهو فهم الإنسان بما يحيطه وإدراكه للمعلومات الحسية وعواقب الأمور(5)،
ص: 29
لتسهيل السلوك والوصول إلى الحقيقة(1).
وهو في التفسير المادي هو العملية العقلية التي تصدر حكمها على الواقع الذي ينتقل إلى الدماغ بواسطة الحواس فيربط الدماغ بينه وبين المخزون فيه من المعلومات السابقة المستقرة عنده ثم يصدر حكمه عليه، فيحصل الفكر(2).
والتفكير عبارة عن سير الباطن من المبادئ(3). إلى المقاصد. (الوصول إلى المعرفة) ولا يمكن لأحد أن يترقى من حضيض النقصان إلى أوج الكمال إلا بهذا السير، وهو مفتاح الأسرار، ومشكاة الأنوار، ومنشأ الاعتبار، ومبدأ الاستبصار، ومصيدة الحقائق اليقينية(4). فهو جولان القوة بحسب نظر العقل ولا يقال إلا فيما يمكن ان يحصل له صورة في القلب ولهذا روي تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله؛ إذ كان الله منزهًا أن يوصف بصورة(5). والفكر مدعاة لكشف الأمور والتبصر في عواقبها قبل الوقوع في الخطأ، أكد الإمام علیه السلام:
«رَحِمُ اللهُ أمرًا تفكر فاعتبر واعتبر فأبصر، وكان ما هو كائن من الدنيا عن
ص: 30
قليل لم يكن وكأن ما هو كائن من الآخر عما قليل لم يزل»(1).
فالفكر يجعل الإنسان مبصرًا لعواقب الأمور، وقد قال الإمام علیه السلام:
«مَنْ أَكْثَرَ أَهْجَرَ، وَمَنْ تَفَكَّرَ أَبْصَرَ»(2).
«ومن اعتبر بالأمور وقف على مصادقها»(3).
«ومن كثر اعتباره قل عثاره»(4).
«والاعتبار يثمر العصمة»(5).
فهو أجنحة النفس للطيران الى وكرها القدسي، به تنكشف ظلمة الجهل وأستاره وتنجلي أنوار العلم وأسراره(6). ولعل قراءة للحدث تسهم في صوغه بقدر ما تعترف بما يتولد عنه من الحقائق والوقائع(7)، نستطيع القول - كما يقول المحدثون - بأن الفكر في الحقيقة ليس إفرازًا للظروف الاجتماعية
ص: 31
والثقافية، ولانتاجًا لنابغةٍ ما وانه قد يكون أرضية بظهور أفكار جديدة، لكن هنالك فرق جوهري بين هذه الأفكار وأنماط التفكير فيها(1).
وقد حث(2) القرآن الكريم على التأمل لإيقاظ الإنسان وإرشاده لما يحقق سعادته، قال تعالى:
«أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ...»(3).
قيمة الإنسان بما يحمله من أفكار ويجسدها من أفعال، فبالفكر يتجاوز حدود الحيوانية والصغائر لكي يرتقي إلى الدرجات الإنسانية العليا، والارتقاء المعنوي لابن آدم يتحقق بفضل تفكيره في الأمور الباقية(4).
إنَّ الله سبحانه وتعالى - ينكر على أولئك الذين يعرضون عن التفكير والتدبر في كتابه بقوله:
«أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»(5).
لأن الإنسان عندما يفكر يبحث عن الأسباب الحقيقية التي تساعده للوصول إلى المجهول الحقيقي والنبي محمد صلی الله علیه و آله وسلم يقول:
ص: 32
«التفكير حياة قلب البصير»(1).
«وتفكر ساعة خير من عبادة سنة»(2).
على حين يقول الإمام علیه السلام عندما يصف الفكرة بقوله:
«الفكرة الصحيحة اصطرلاب روحاني»(3).
وقد بيّن الإمام علیه السلام ثمرة التفكّر(4)، فالتفكير مثله كأي جزء من أجزاء الإنسان فهو بحاجة إلى التقوية والإعانة، وإلا فإنه سيعاني من الضمور، ولعل
ص: 33
من شأن تقوية الفكر جملة أمور؛ منها العلم فإنه يعمل على إنجاد الفكر يقول الإمام علیه السلام:
«العلم ينجد الفكر»(1).
ومنها أن يجعل الإنسان التفكير في حياته كما يقول الإمام علیه السلام:
«كُلُّ يوم يفيدك عبرًا إن أصحبته فكرًا»(2).
يُقال دَارَ الشيء يَدُورُ دورًا ودورانًا، واستدَارَ، وأدَرتهُ أنا، ودَوَّرته، وأدَارَهُ غَيرُهُ ودَوارًا: دَارَ مَعَهُ(3) والإدارة المصدر القياسي من الفعل (أدار)، فالمدير:
من يتولى النظر في الشيء، ومن يتولى جهة معينة من البلاد(4)، حيث یسیّر أمور أو إدارة شركة أو مدرسة أو مؤسسة ويشرف على أعمالها(5) الإدارة - بناء على تحليل الأصل الإنجليزي للفظ «Management» أو «Administration»
ص: 34
هي التي تتخذ - لتحقيق غرض معين، أو الوفاء بهدف محدد، وتعني، الكلمة باللاتينية «Administration» بجزأيها ) (Ad) و (Ministare): أداء خدمة للآخرين(1)، وجاء: أن «الإدارة، والتدبير، والتوجيه كإدارة الأعمال، وتدبير شؤون الدولة، وتوجيه سياستها، تقابلها في اللاتينية benareعلیه السلامC (حكم) التي تعني في الأصل: توجيه الربان لدفة السفينة»(2).
ومن الباحثين من عرّفها بأنها: سياسة الدولة، وريادة مجتمعها في المعترك الإنساني بشتى مناهجه ومناشطه من حيث ممارسة السلطات العامة التي تتولى حكم المجتمع وحمايته وتدبير مرافقه والحفاظ على تقاليده(3)، وتعرف بأنها تنظيم القوى البشرية والمادية، لتحقيق الأهداف الحكومية، والإداريون: هم أولئك الذين يختصون بتوجيه وتنسيق ورقابة الآخرين(4)، والممارسات التي تتخذها المؤسسات الحكومية لتأمين السيطرة وضمان الأمن والاستقرار والحفاظ
ص: 35
على الكفاءة في العمل وزيادة الإنتاج، ويتوقف نجاحها على مدى قدرتها على تحقيق الأهداف التي رُسمت من أجلها(1)، فيما أشار احد الباحثين إلى أنَّ الإدارة:
تنفيذ الأعمال بوساطة الآخرين عن طريق تخطيط وتنظيم وتوجيه وترشيد ورقابة الأداء والجهد المبذول(2)، وهي نسيج متمايز في المهارات والقدرات الشخصية تبلور في القدرة على تحليل المشاكل وابتكار الحلول لها التي تتوافر في فئة من الأفراد الموهوبين والمؤهلين طبيعيًا لممارسة الأعمال الإدارية والنجاح فيها(3). ويعاب على هذا التعريف أنه ليس كل من يدير الأمور موهوبًا، إنما هي النشاط الخاص بقيادة وتوجيه الأفراد ومراقبة عملهم لتحقيق الأهداف بأحسن الطرق وإنها من التفاعل مع البشر واستقطاب تعاونهم وتنسيق جهودهم(4)، وبذلك يقول الدكتور صالح احمد العلي: «إنَّ أقوى المؤثرات في الإدارة وتوجهاتها هي الأفكار والاتجاهات السياسية العامة للدولة والأهداف التي تنشدها في حكم الرعية، وكذلك هي نمط من أنماط الجهود الإنسانية التعاونية التي تتم بدرجة عالية من المعقول الذي تمارسه القيادة»(5)، وبذلك تعني الإدارة السياسات والإجراءات
ص: 36
والبناء التنظيمي لتوجيه الأشخاص واستخدام الإمكانات المتاحة لإنجاز أهداف منظمة(1)، أما الكاتب الفرنسي (بيتت روبرت) فقد عرّفها على أنها تحمل معنيين هما: أولًا: إدارة خاصة مثل إدارة الزوج لأموال الزوجين المشتركة.
ثانيًا: إدارة عامة: مثل إدارة بلد أو دائرة وذلك بممارسة التوجيه والرقابة(2)، على حين قال جلادن: «بأنها تنظيم شؤون الناس والعناية بأمورهم»(3)، نخرج بمحصلة مفادها: إنَّ الإدارة مجموعة أوامر ونواهٍ يوجهها الإداري نفسه بعدما تناط به مهام القيادة وتوافر الشروط.
ولعل سؤالً يُطرح: هل الإدارة فطرية أو مكتسبة، فيجيب هالسي: «إنَّ تسعة أعشار من النبوغ هو الجهد المبذول وقد ثبت بالتجربة المرة بعد الأخرى أن أي إنسان متوسط الذكاء، خالص النية لخدمة الناس يستطيع أن يكتسب خبرة كبيرة في فن الإدارة والإشراف على الناس لو دَرس أصُولها وطرقها وحاول تطبيق هذه الأصول والطرق باحتراس وإخلاص ومواظبة»(4). على حين يقول أحد
ص: 37
الباحثين المحدثين: يتلخص علم الإدارة (Sciences) – (Management بأنه علم وفن Science) and art) وإنه علم يستمد من النظريات الفلسفية والفكرية وظيفته في مضمار إدارة المجتمع ومنظماته الإنسانية المختلفة، ومن يعتمد على (صيغ) ذلك مع (التعامل مع البشر) لأن الإنسان (الفرد) حصيلة متفاعلة من المتغيرات الموروثة والمكتسبة التي تؤدي البيئة على مختلف جوانبها وظيفتها التأثير والتأثر في ذلك الفرد أو الجماعة أو المجتمع(1)، فضلًا عن ذلك تتحكم في الخطط التي تتبعها الحكومة بتحقيق أهدافها في الإدارة عوامل عدّة منها أحوال الرعية، والتكوين العربي، والاجتماعي، والاقتصادي والعقائدي، وتجمعاته، وتكتلاته، وموقفه من الحكام(2).
يبدو ان نجاح الإدارة وفعاليتها يعتمد بالدرجة الأولى على ما يتمتع به الإداري من سمات شخصية وقدرات مهنية وغيرها.
ص: 38
إنَّ تعاقب الدويلات وتطورها ونشوء المدن والتجمعات الحضرية ومجاورتها للإمبراطوريتين الرومانية والساسانية، ونشوء العلاقات التجارية بينها أدى إلى ظهور العديد من الممارسات والتطبيقات الإدارية التي تطلبتها ظروف المجتمع العربي قبل مجيء الإسلام(1)، إذ تُعدّ مكة أول مؤسسة تنظيمية للإدارة قبل غیرها من المدن نظرًا لتطور الوظائف الدينية والاجتماعية(2)، إذ كانت فيها «دار الندوة أول مكان لاجتماع الزعماء من مختلف القبائل للتشاور في أمور السلم والحرب والتحالف»(3)، وعلى الرغم من وجود هذه الوظائف
ص: 39
لم يكن للعرب (قانون) منظم مكتوب، بل كانت لهم عادات وتقاليد واضحة يتمسكون بها أشد التمسك ومفعولها يقتصر على القبيلة(1). وحينما كانت مكة مقرًا للقبائل القرشية، كانت كل قبيلة منها تحتل حيًا من أحيائها، وقد أوجد هذا التجاور بينها نوعًا من الاتحاد وتوزيع العمل إلا أنها لم تخضع لسلطة عامة وكان يلقب من يتولى رئاسة قبائل مكة بشيخ قريش وكبيرها(2).
فلكل قبيلة رئيس يقال له السيد أو الشيخ وأحيانًا يطلقون عليه تجوزًا الأمير أو الملك، وهذا السيد تختاره القبيلة كأن يكون قد فاق الآخرين في الفضائل، كالشجاعة والجود والغيرة وسعة الصدر وسداد الرأي وكمال التجربة مع كبر السن يمكنه بهذه الصفات الكفيلة أن يحقق مصالح القبيلة وأنْ يكون سيد قبيلته(3)، «وقد قيل لقيس بن عاصم: بم سُدت قومك؟ قال: ببذل الندى وكفّ الأذى ونصرة المولى، وتعجيل القرى(4)، وسئل آخر بأي شيء سُدت قومك فأنشد(5):
ص: 40
فأصبحت في أمر العشيرة كُلَّها *** كذي الحلم يرضى ما يقول ويعرفُ
وذلك أنّ لا أُعادي سُراتَهُم *** ولا عن أخي حراتِهم أتنكَّفُ
واني لأعطي سائلي ولَرُبَّما *** أكلَّفُ ما لا أستطيع فأُكلَفُ
وإنَّ شيخ القبيلة إذا كان ضعيفًا أثر ضعفه في قبيلته، وإذا كان قويًا أثرت قوته في قبيلته وقد تقوم الزعامة بما تعجز عنه الكثرة وبما ينوء به عدد القبيلة ولهذا تكون مكانة القبيلة بمكانة الرئيس(1). والذي يكون له النفوذ العظيم في قبيلته ولم تكن الوراثة وحدها في تولية مناصب القيادة، فالاختيار يقع على الأفضل من الأبناء والأخوة(2)، فقد كان أفراد القبيلة الصليبة أنفسهم متساوين في المكانة والشرف وفي الحقوق والواجبات، وكان ابن العشيرة وبخاصة البدوي (يعامل) زعيمه الشيخ المتبوع معاملة الاكفاء والقرناء فكأن الهيئة الاجتماعية التي يعيش فيها قد سادت بين الناس على الإطلاق(3). ولا ريب أن بالعرف تسير الأمور وهذه الأعراف التي تناسب عقلية القبيلة تنتقل من جيل الى جيل، وتصبح قانونًا ودستورًا للقبيلة سمّوها بسنة القبيلة (سُنة الأولين). أما حدود أرض القبيلة فتتقلص وتتوسع بتقلص أو بتوسع نفوذ القبيلة(4)، فقد كانت
ص: 41
القبيلة أول صورة للنظام الاجتماعي الدائر - ونقصد بالقبيلة جماعة من أسرات ترتبط بأواصر القربى، وتشغل بقعة من الأرض... فإذا اتحدت عدّة من القبائل تحت رئيس واحد تكونت بذلك العشيرة، فالعشيرة هي الخطوة الثانية نحو تكوين الدولة(1).
وسيد القبيلة هو رئيسها إذ تقول العرب: «فلان سيدنا أي رئيسنا الذي نعظمه، ونقول: ساد قومه(2). وهنالك كلمة مرادفة لهذا المعنى كانت تتردد على الألسن، وهي (زعيم)»(3).
وقد ذكر الآلوسي أن لمن يترأس القبيلة ويسودها صفات مميزة منها:
السخاء، والنجدة، والصبر، والحلم، والبيان(4). فيما يقول ديورانت: «إنَّ الحرب هي التي تخلق الرئيس، وتخلق الملك، وتخلق الدولة... وإنك لترى الجماعات تحكمها قوتان: تحكمها الكلمة في دفة السيف، ويحكمها السيف إبان الشدائد، إذن فالقوة لا تستعمل إلا حيثما يفشل الإرشاد بالقول، ولقد ساد القانون والعقائد جنبًا إلى جنب خلال العصور يتعاونان معًا على حكم البشر،
ص: 42
أو يتعاقبان الواحد بعد الآخر»(1).
فلم يكن مفهوم الدولة في المجتمعات القبلية في الجزيرة العربية، يتعدى كونها تتمثل في سيادة القبيلة بوصفها حكومة، وفي الشيخ، ومجلس شورى القبيلة، بوصفها سلطة، ولقد كانت جميع السلطات بيد شيخ القبيلة الذي يُعدّ حاكمًا مطلقًا(2). ولعل ممارسة إدارة النظم الإدارية قبل الإسلام قد تمثلت في تراث العرب الشعري وحثهم فيه على القيادة أو الرئاسة الحكيمة، إذ أبرز ما قيل في هذا الشأن قول الشاعر الأفوه الأودي(3) بخصوص ضرورة الاختيار الصائب لمن تناط إليه أمور الناس(4):
تهُدَى الأمور بأهل الرأيِ ما صَلَحتْ *** فإن تولّتْ فبالأشرار تَنقادُ لا يَصْلُحُ القومُ فُوضَی لاسَراة لُهمْ *** ولا سَراة إذا جُهَّالًهم سَادُوا فيما أشار ديورانت الى مسألة مهمة في الحكم بقوله: «فالديمقراطية ليست من مزايا عصرنا التي يزهى بها على العصور السوالف، لأنها تظهر على خير
ص: 43
وجوهها في كثير من الجماعات البدائية...»(1) لذا قد أبرز لنا الواقع التاريخي للمجتمع العربي قبل الإسلام نظمًا للإدارة ولعل أهم خصائصها: بساطتها، وتأثرها بالعادات، والتقاليد، والعلاقات الاجتماعية، والقبلية، والعصبية، وظهور بدايات لتقسيم العمل، وتأطير العمل الجماعي في مكة متمثلًا بوظائف السيادة، وتماسك لتنظيمات القبيلة وتلاحم أفرادها(2). وغيرها من الخصائص في شمال وجنوب شبه الجزيرة، بيد أننا لمسنا أن الإدارة قبل الإسلام كانت جذورًا للإدارة العربية وامتدادًا لها إلا أن انتشار الإسلام ساعد في إزالة بعض الأمور وتشذيب الأخرى.
يقول المستشرق غوستاف لوبون «لا نرى في التاريخ أمة ذات أثر بارز كالعرب، فجميع الأمم التي اتصل العرب بهم اعتنقت حضارتهم، ولو حينًا من الزمن، ولما غاب العرب عن مسرح التاريخ انتحل قاهروهم وهم كالترك والمغول... تقاليدهم وبدوا للعالم ناشرين لنفوذهم ولكن العالم اليوم لا يعرف في البلاد الممتدة من سواحل المحيط الأطلنطي إلى الهند ومن البحر المتوسط الى الصحراء غير أتباع النبي [صلی الله علیه و آله وسلم] ولغتهم»(3). ويرى هاملتون: «أن التعاليم الاجتماعية التي جاء بها الرسول [صلی الله علیه و آله وسلم] في أساسها إعادة لإحقاق المبادئ الأخلاقية التي تشترك فيها ديانات التوحيد... وإنَّ أفراد الجماعة الإسلامية
ص: 44
سواسية من حيث القيمة الشخصية الفطرية، دون النظر الى ما في مكانتهم الدنيوية ووظائفهم وثرواتهم من تباين واختلاف»(1). فكان النبي محمد صلی الله علیه و آله وسلم بحق رجل الإدارة الأول، إذ أرسى قواعد الإسلام في المدينة بقيادته الفذة «فهو مدير حين تكون الإدارة تدبير أمور، ومدير حين تكون الإدارة تدبير شعور، وهو كفيل لأي مصلحة من المصالح تعتورها الفوضى أو يتطرق إليها الاختلال»(2)، فبناء المسجد ومؤاخاته بين المسلمين على اختلاف قبائلهم ثم توحيدهم ليصبحوا أمةً واحدة تحت لواء الإسلام يشد بعضهم بعضًا بتأييد الله، إذ أشار إلى ذلك بقوله سبحانه وتعالى:
«وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»(3).
وقد وضع الرسول صلی الله علیه و آله وسلم نواة النظام الإداري؛ فقد كان يبعث الى القبائل التي دخلت في الإسلام من يقرئها القرآن، ولم تكن حكومته حكومة دينية فحسب، فقد كان يقود الجيوش ويفصل في الخصومات ويجبي الأموال(4)، وكان يحذر
ص: 45
الولاة والعمال الذين لاتهمهم حاجات الرعية من العقاب بقوله «ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة»(1) ويحث على أن تكون العلاقة ما بين القائد والمقود أو الراعي والرعية على أساس التعاون وكان يقول: «ما من عبد يسترعيه الله رعيةً يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة»(2). وقد أشار باحث محدث إلى نشوء الجهاز الإداري، بإدارة الجيوش الغازية وما يتبع ذلك من الغنائم، وقال: «إنَنا لا نستطيع أن نتحدث عن إدارة جديدة أنشأها النبي صلی الله علیه و آله وسلم خلال السنوات الأولى من الهجرة بكل قواها»(3).
وترى الباحثة أنه منذ بدء الدعوة الإسلامية قد عمل صلی الله علیه و آله وسلم لتنظيم أمور المسلمين، وما إصداره الصحيفة التي عدت بمنزلة الدستور الأول للمسلمين بعد القرآن، إلا مصداق لذلك، أليست هذه من الإدارة؟ ويرى آخر «قد كان النظام الإداري في صدر الإسلام، وفي عهد بني أمية نظامًا بسيطًا أوليًا، فلم يتبع نظام توزيع الأعمال على الإدارات المختلفة واختصاص كل إدارة بأعمال معينة كما فعل العباسيون»(4) فالإدارة التي اتبعها الرسول صلی الله علیه و آله وسلم كانت النواة الأولى؛ إذ «بعث أمراءه وعماله على الصدقات، إلى كل ما أوطأ الإسلام من البلدان؛ فبعث المهاجر بن أبي أمية بن المعرة إلى صنعاء... وبعث زياد بن لبيد
ص: 46
إلى حضرموت وعلى صدقاتها... وكان قد بعث العلاء بن الحضرمي(1) على البحرين، وعلي بن أبي طالب علیه السلام إلى أهل نجران ليجمع صدقتهم»(2) ويبدو أن الشخص قد يكون مسؤولًا أو يكون له منصبان أو أكثر في ذلك الحين، فقد أرسل الرسول صلی الله علیه و آله وسلم معاذ بن جبل(3) على الجند، والقضاء، وتعليم الناس الإسلام، وشرائعه، وقراءة القرآن»(4) وأوصاه بوصية، ثم قال له: يسر ولا تعسِّر، وَبشّر ولا تنفِّر»(5) بالمقابل فإن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم يتابع أخطاء عماله وإساءاتهم في أثناء قيامهم بواجباتهم ويعمل لتصحيحها فعندما بعث رسول
ص: 47
الله صلی الله علیه و آله وسلم خالد بن الوليد وأمره أن يسير بأسفل تهامة داعيًا، ولم يبعثه مقاتلً، فوطأ بني خزيمة فأصاب منهم فلما انتهى الخبر إلى الرسول صلی الله علیه و آله وسلم رفع يديه إلى السماء ثم قال: «اللُهّم إني أبْرأ إليك مماّ صنع خالد بن الوليد ثم دعا علي بن أبي طالب علیه السلام فقال يا علي، أخرج إلى هؤلاء القوم فانظر أمرهم.. فخرج علي علیه السلام ومعه مال قد بعث به رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فودى لهم الدماء وما أصيب لهم من الأموال(1) هذه هي الدروس التي يضعها الرسول صلی الله علیه و آله وسلم أمام القائد.
واتخذ الرسول صلی الله علیه و آله وسلم العمال والأمراء والموظفين لإدارة أمور الدولة - كما اصطلحنا - فأرسل عمال الصدقات للجباية(2) وقد أشارت المصادر إلى ذلك بقولها: «كان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قد بعث أمراءه وعماله على الصدقات على كل ما أوطأ الإسلام من البلدان»(3).
أما إدارة الخلفاء الذين جاؤوا بعد الرسول صلی الله علیه و آله وسلم فقد اتسعت مع الدولة
ص: 48
الإسلامية؛ إذ ازدادت الحاجة إلى النظام الإداري، فالخليفة أبو بكر (11 - 13 ه) كان رجلًا تاجرًا يغدو كل يوم إلى السوق فيبيع ويبتاع فلما بويع له بالخلافة كان يقول: «لا والله، ما تصلح أمور الناس التجارة، وما يصلحهم، إلا التفرغ لهم، والنظر في شأنهم»(1). أما عمر بن الخطاب (13 - 23 ه) فقام بتدوين التاريخ في ربيع الأول لسنتين ونصف من خلافته بناءً على مشورة الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام(2). وعمل لتوسيع المسجد النبوي(3)، فضلًا عن أنه قام بإجلاء اليهود من خيبر، وعن نجران، وقسّم خيبر ووادي القرى(4). «ولما ولي عثمان بن عفان (23 - 35 ه) كان لا يعزل أحدًا إلا عن شكاة، أو استعفاء من غير شكاة»(5). أما الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام قد بدأ نظامه الإداري بخطبته
ص: 49
أمام الناس حين قال: «إنما على الإمام(1) الاستقامة وعلى الرعية التسليم»(2) وهذا أساس لإدارة الدولة، وقد قال عندما بويع بالخلافة في المدينة: «اليمين والشمال مضلة والوسطى الجادة(3)، منهج عليه باقي الكتاب وآثار النبوة، ومنها منفذ السنة، وإليها مصير العاقبة هلك من أدعى، وخاب من افترى، من أبدى صفحته للحق هلك عند جهلة الناس وكفى بالمرء جهلًا ألا يعرف قدره»(4)، وبذلك فإن الإمام علیه السلام ركز على الوسطية في الامور، هذا ومن قيادته الملتزمة: الثناء على الوالي، (وإعلاء مرتبته)، نتيجة لكفاءته في العمل، وإخلاصه؛ إذ كتب إلى عمر بن أبي سلمة المخزومي(5) عامله على البحرين:
ص: 50
«أما بعد، فإني قد وليت النعمان بن عجلان الزرقي(1) على البحرين، ونزعت يدك، بلا ذم لك، ولا تثريب(2) عليك، فلقد أحسنت الولاية، وأديت الأمانة، فأقبل غير ظنين ولا ملوم، ولا متهم ولا مأثوم، فقد أردت المسير إلى ظلمة أهل الشام، وأحببت أن تشهد معي»(3). وبالضد من ذلك فقد كتب الإمام علیه السلام إلى أحد عماله يحاسبه للتقصير والتصرف الذي لا يليق بالعمال الأمناء بقوله لمصقلة بن هبيرة الشيباني: «أما بعد، فقد بلغني عنك أمر إن كنت فعلته فقد أسخطت ربك، وعصيت إمامك، وأخزيت أمانتك. بلغني أنك جردت الأرض(4) فأخذت ما تحت قدميك، وأكلت ما تحت يديك، فارفع إلي حسابك، واعلم أن حساب الله أعظم من حساب الناس»(5)، وهذا ما دأب عليه الرسول صلی الله علیه و آله وسلم في إدارة الأمة وتبعه في ذلك الإمام علي علیه السلام.
ص: 51
من المتعارف عليه والشائع أن لفظ «الإدارة» ليس بلفظ قديم، إنما استحدث تلبية لحاجات العصر، وقد استخدم العرب المسلمون للدلالة على معنى الإدارة ألفاظاً مغايرة، كالتدبير، والسياسة، التي وجدت في أمهات المصادر عند المسلمين ومنها:
1- الجاحظ (ت 255 ه / 868 م): التاج في أخلاق الملوك.
قال في مقدمته «فإن الذي حدا لي وضع كتابنا هذا معان: منها: أن الله عزوجل لما خص الملوك بكرامته، وأكرمهم بسلطانه، ومكن لهم في البلاد، وخولهم أمر العباد،... وأيضًا فإن لنا في ذلك أمرين: أما أحدهما فلما نبهنا عليه العامة من معرفة حق ملوكها، وأما الأمر الآخر فلما يجب من حق الملوك علينا من تقويم كل مائل عنها، ورد كل نافر إليها»(1).
2- الدينوري (ت 276 ه / 889 م): الإمامة والسياسة.
يمثل تأليف هذا الكتاب حقبة من حقب السياسة والتدبير والقيادة وشؤون الملك وغيرها، متسلسلً من تاريخ الخلفاء الراشدين الى خلافة هارون العباسي، عرض فيه سياسة كل خليفة وكيفية إدارته للدولة من الاستخلاف والتولية الى الفتوحات الإسلامية ثم ذكر الولاة(2)، وعزلهم وغيرها من الأمور التي تخص الدولة وتنظيماتها.
ص: 52
3- أدب الكاتب: يقول ابن خلكان: قيل إنه صنف هذا الكتاب لأبي الحسن عبد الله بن يحيى بن خاقان وزير المعتمد(1)، وقد أشار الدينوري إليه في المقدمة(2)، وذكر سبب تأليفه للكتاب فقال: «وأي موقف أخزى لصاحبه من موقف رجل من الكتاب اصطفاه بعض الخلفاء لنفسه وارتضاه لسره فقرأ عليه يومًا كتابًا وفي الكتاب: «ولقد حضرتُ جماعة من وجوه الكتاب والعمال العلماء بتَحَلُّب الفيء، وقتل النفوس، وإخراب البلاد، والتوفير العائد على السلطان بالخسران المبين... فهل يَحسُن بمن ائتمنه السلطان على رعيته وأمواله ورضي بحكمه ونظره أن يجهل...»(3).
4- ابن أبي الربيع (ت أوائل ق 3 ه / ق 9م): سلوك المالك في تدابير الممالك.
جاء في الصفحة الأولى من الكتاب أن مؤلفه كتبه إلى الخليفة المعتصم العباسي (ت 227 ه / 833 م) وقد احتوى على قسم خاص وضح فيه أقسام السياسة وأحكامها وسلوك الممالك وكتابات الحكمة السياسية، والوظيفية، والأهمية التاريخية(4).
وقد ذكر ابن أبي الربيع شروط إقامة الدولة وأركانها: الملك، والرعية،
ص: 53
والعدل، والتدبير... على حين تحدث عن الصفات الواجب توافرها في الملك والوزير والكاتب.
5- الجهشياري (ت 331 ه / 942 م): الوزراء والكتاب.
بين فيه تاريخ الكتابة وقال: إن آدم علیه السلام أول من وضع الكتاب(1)، ثم وضح فيه تاريخ الوزراء في الإسلام وذكر الوزراء الذين استوزرهم الخلفاء وأشار إلى طائفة من كتابهم.
6- الفارابي (ت 339 ه / 950 م): آراء أهل المدينة الفاضلة.
أورد الفارابي فيه لفظ التدبير بمعنى الإدارة بقوله: «وملوك الجاهلية على عهد مدنها أن يكون كل واحد منهم إنما يدبر المدينة التي هو متسلط عَلَيها ليحصل هواهُ وَمَيَلَهَ»(2).
7- الإسكافي (ت 421 ه / 1030 م): لطائف التدبير.
إنَّ الكتاب يشتمل على اثنين وثلاثين بابًا، تحدث فيها الإسكافي عن سياسة الملوك وإدارتهم للدولة، ومن هذه الأبواب باب ما يحتاج الملوك إلى معرفته(3)، وباب في لطف التدبير في الحروب(4).
ص: 54
8- ابن سينا (ت 428 ه / 1036 م): تدابير المنازل.
هذا الكتاب قد تضمن قواعد إدارية انطلاقًا من إدارة الأسرة حتى إدارة المملكة؛ إذ يشير فيه بأن «أحق الناس وأولاهم بتأمل ما يجري عليه تدبير العالم من الحكمة وحسن السياسة هم الملوك الذين يجعل الله تعالى بأيديهم أزمّة العباد، وملوكهم تنظم البلاد ثم(1) الذين يلوونهم من أرباب النعم، وسواس البطانة والخدم، ثم الذين يلونهم من أرباب المنازل، ودواجن الأهل، والأولاد، كل واحد من هؤلاء راع لما يحوزه كنفه»(2).
9- الثعالبي (ت 429 ه / 1037 م): تحفة الوزراء.
يقول الثعالبي «فالملوك في الأمر والنهي والحماية والذب والوزراء في التدبير وجمع الفيء والكتّاب في حفظ الدواوين وتسديد المكاتبات، والعمال في عمارة البلاد واستدرار الإنفاق، والجند في سد الثغور، وجهاد العدو، والقضاة في إقامة ميزان القسط، وتنفيذ أحكام الدين، و...»(3).
10- الصابئ (ت 448 ه / 1056 م): رسوم دار الخلافة.
جاءت هذه الرسوم بكل ما تعلق بأمور السلطنة وقوانينها، وقد ذكر سبب تأليفه فقال: «وخفتُ أن تلحق هذه البقية بتلك المواضي المنسيّة، ورأيتُ حقوق النعمة التي غمرتني وغمرت أسلافي للدولة العباسية... تقتضي الغاية بها أن أنشر أعلام سُننها القديمة وأوضح آثارها القويمة جمعت من ذلك ما أضبطته
ص: 55
بالتأليف، وحفظته بالتصنيف... وسأورد من أورده أبوابًا، أبين منها ما كانت الأمور جارية عليه وما تأدت وآلت على الأيام إليه، لتعرف من ذلك السالف والآنف والمتبع والمبتدع»(1).
11- تحفة الأمراء في تاريخ الوزراء:
صنف الصابي كتابه هذا وقد ضم بين دفتيه جمعًا كبيرًا من الوزراء - أولئك الذين وزروا لخلفاء بني العباس، وأمراء بني بويه، فيما ذكر طائفة كبيرة منهم(2). ثم تناول أمورًا إدارية أخرى كأصحاب البريد، وديوان المظالم، وديوان الرسائل(3).
12- الماوردي (ت 450 ه / 1058 م): الأحكام السلطانية والولايات الدينية.
صدّر كتابه بقوله: «ولما كانَت الأحكامُ السُلطانيةُ بوُلاة الأمُور أحقّ وكان امتزاجُها بَجميع الأحكام يقطعهُم عن تصفُّحِها مع تشاغلهم بالسّياسَةِ والتّدبيرِ، أفردتُ لها كتابًا امتثلت فيهِ، أمر منْ لزَمت طاعتهُ»(4) وهو يفصل بذلك التدبير عن السياسة (الحكم) بقوله: «أما بعد فإن الله جلّت قُدْرتهُ نَدَب للأُمة زعيمًا خلف به النُبّوة، وَحَاط بهِ الملة، وفوّضَ إليهِ السّياسَةَ، ليَصدُرَ
ص: 56
التدبّير عَن دينٍ مشرُوعٍ، وتجَمع الكلمةُ على رأيٍ متْبُوعٍ، فكانَت الإمامةُ أصلًا عليهِ استقرّت قواعد الملّة، وانتظمَت بِهِ مصالحُ الأمةِ، حتىّ استتبت بها الأمُور العامّة، وصدرت عنها الولايات الخاصّة، فلزمِ تقديم حُكمها على كلُ حُكم سُلطَانيّ»(1).
13- نصيحة الملوك:
من يطلع على هذا الكتاب يَلحظ أنه يحمل بين دفتيه من صفحاته الأولى إلى نهايته، التنظيمات الإدارية بكاملها، فضلًا عن النصائح والتوجيهات التي ينبغي أن يأخذ بها الملك، والتي قدمها الماوردي، فقد نصح الملك على سبيل المثال لا الحصر: أن يجعل على من تحت يده عيونًا أمناء، وتقليد الملك عامله إنما ليعمل ولينتفع وليس ليستمع(2)، تقويم الملك ولاة أعماله وجباة أمواله(3) وعدم الاستكثار من العمال فوق الحاجة(4).
14- أبو يعلى (ت 458 ه / 1065 م): الأحكام السلطانية.
اقتفى الفراء أثر الماوردي بمؤلفه الأحكام السلطانية والذي لايختلف عنه
ص: 57
إلا قليلاً، وقد أشار أبو يعلى إلى سبب تأليفه هذا الكتاب بقوله «وقد رأيت أن أفرد كتابًا في الإمامة، وأزيد فيه فصولًا أخر تتعلق بما يجوز للإمام فعله من الولايات وغيرها»(1). فيما ذكر فيه الأمور الإدارية التي تهم الدولة منها ما يتعلق بالإمامة، وولاية القضاء(2)، والمظالم...(3).
15- الطوسي (ت 485 ه / 1092 م): سير الملوك.
يقع الكتاب في خمسين فصلًا وكل فصل منها يبرز فيه بوضوح اهتمام الطوسي بأجهزة الحكم وإدارة الدولة ورسومها ثم يقول: «كلما قرأه أكثر ازدادت درايتهم بأمور الدين والدنيا، واتسعت رؤيتهم في معرفة أحوال الصديق والعدو، وافتتحت أمامهم سبل تصريف الأمور وإدارتها، واتضحت لهم قواعد تدبير شوؤن البلاط والقصر والديوان... والميدان والأموال، والمعاملات، والعسكر، والرعية»(4). على حين يقول في أحوال الناس ومدح السلطان: «فإن الله يختص بقدرته الربانية أحد عباده بالسعادة والملك، ويمنحه ما هو أهله من ثروة و نعمة، ويخصه عقلًا وعلمًا وحكمة يرعى بها من هم في إمرته ويسرّهم، كلًا بما يستحقه، ثم يضع كلًا منهم في المحل والمكان والعمل الذي يليق به ويصلح له. أما الوزراء والأكفياء من الرجال فيختارهم من وسط الرعية»(5).
ص: 58
16- الحضرمي (ت 489 ه / 1095 م): كتاب السياسة.
قسم كتابه هذا على أبواب منها: باب في الاستشارة وصفة المستشار، وباب في صفة الكتّاب والأعوان والحجّاب، وباب في سياسة الحاشية والجند(1).
17- الغزالي (ت 505 ه / 1111 م): التبر المسبوك في نصيحة الملوك.
قسم الغزالي كتابه على أبواب جاء في الباب الأول: ذكر العدل والسياسة، وذكر الملوك وسيرهم، وقال فيه: «إعلم وتيقن أن الله سبحانه وتعالى اختار من بني آدم طائفتين وهم الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام) ليبينوا للعباد على عبادته الدليل، ويوضحوا لهم إلى معرفته السبيل. واختار الملوك لحفظ العباد من اعتداء بعضهم على بعض وملكهم أزمّة الإبرام والنقض، فربط بهم مصالح خلقه ومعايشهم بحكمته»(2).
18- الطرطوشي (ت 520 ه / 1126 م): سراج الملوك.
بين فيه العديد من تجارب الملوك في الحكم، إذ ركز اهتمامه في ما يقوم به السلطان أو الملك نفسه تجاه رعيته، العدل والمساواة وغيرهما، وذلك بقوله:
«فلا سلطان إلا بجند، ولا جند إلا بمال، ولا مال إلا بجباية، ولا جباية إلا بعمارة، ولا عمارة إلا بعدل فصار العدل أساسًا لسائر الأساسيات»(3).
ص: 59
19- الشيزري (ت 590 ه / 1193 م): النهج المسلوك في سياسة الملوك.
أفرد بابًا خاصًا في معرفة أصول السياسة والتدبير قال فيه: «إعلم أن الملك العظيم يحسن به أن يكون في تصاريف تدبيره وسياسة أموره مشتبهًا بطبائع ثمانية، وهي: الغيث، والشمس، والقمر، والريح، والنار، والماء والأرض، والموت. أما الغيث: فإنه ينزل متواترًا في أربعة أشهر من السنة، فيساوى به بين كل محلة مشرفة، وموضع منخفض، ويغمر كلًا من مائه بقدر موضعه في ارتفاعه وهبوطه، فتأخذ تلك البقاع منه ما تغذي نباتها في الثمانية أشهر الباقية من السنة، وكذلك ينبغي للملك أن يعطي جنده وأعوانه في أربعة أشهر للثمانية أشهر الباقية، فيجعل رفيعهم ووضيعهم في الحق الذي يستوجبه في القيامة بينهم على حسب ما يراه من المصلحة على قدر مراتبهم، كما يسوي الغيث بين بقاع الأرض»(1).
20- الجرجامي (ت أواخر ق 6 ه وأوائل ق 7ه / ق 12 - 14 م): نكت الوزراء.
جاء في مقدمة المؤلف «فهذا كتاب جمعت فيه البدائع والطرف والروائع والنتف والعيون والغرر، والنوادر، والفقر من كلام الرؤساء والصدور الذين تزين بهم دستور الوزارة، وانتظم بتدابيرهم الصابئة عقود الإمارة، واحتوى من قلائد كلامه، وفرائد نظامهم على ما هو درة التاج وطراز الديباج، وإنسان عين البلاغة، ونقش فص البداعة»(2).
21- الطقطقي (ت 709 ه / 1309 م): الفخري في الآداب السلطانية
ص: 60
والولايات الدينية.
يقول ابن الطقطقي «وهذا الكتاب كتابٌ يحتاج إليه من يسوس الجمهور ويدبّر الأمور، وإنْ أنصفَه الناس أخذوا أولادهم بتحفظه وتدبر معانيه بعد أن يتدبروه هو، فما الصغير بأحوج إليه من الكبير، ولا الملك العام الطاعة بأحوج إليه من ملك المدینة»(1).
ثم ذكر في موضع آخر «والتزمت فيه أمرين: أحدهما ألا أميل فيه إلا مع الحق، ولا أنطق فيه إلا بالعدل، وأنْ أعزل سلطان الهوى، وأخرج من حكم المستاء والمربى»(2).
22- الطرسوسي (ت 758 ه / 1356 م): تحفة الترك فيما يجب أن يعمل الملك.
تناول فيه التنظيم الإداري للدولة المملوكية، فقال: «فإن الله جعل حفظ نظام الأنام بالسلطان، وأدام له الأيام بالقبول في الشريعة والإحسان، ورأيت الواجب في هذا الزمان بذل النصيحة له بقدر الإمكان بتأليف كتاب يشتمل على فصول تجتمع فيها أنواع ومصالح الملك، وما يعتمد عليه الملوك، وبيان طريق يدوم لهم بها الملك بحسن السلوك»(3).
23- مجهول: قانون السياسة ودستور الرياسة.
وجاء في مقدمة المؤلف: «وهو في علمي الأخلاق والسياسة حاويًا لأخلاق
ص: 61
السلطنة والرياسة، وأبدع في تدوينها وحبّها غريب مخترعًا وسلك تأليفها فهمًا عجيبًا مبتدعًا، لا متبعًا»(1).
والكتاب جاء مرتبًا على ثلاثة قوانين في الأخلاق وتدبير الأموال وفي تقويم الرعايا والأجناد(2).
24- ابن خلدون (ت 808 ه / 1414 ه): المقدمة.
استخدم لفظ السياسة والتدبير في مقدمته في مواضع عديدة فعند تعريفه للخلافة قال: «هي لحفظ الدين، وسياسة الدنيا، وصاحب الشرّع متصرف في الأمرين، أما في الدين فبمقتضى الشرعية التي هو مأمور بتبليغها وحمل الناس عليها، وأما سياسة الدنيا، فبمقتضى رعايته لمصالحهم في العمران البشري»(3).
25- القلقشندي (ت 821 ه / 1418 م): صبح الأعشى في صناعة الإنشا.
أشار فيه إلى معرفته بالأحكام السلطانية وقال: «وكنت في حدود سنة أحدى وتسعين وتسعمائة عند استقراري في كتابة الإنشاء بالأبواب الشريفة السلطانية عظم الله تعالى شأنها ورفع قدرها، وأعز سلطانها»(4).
ثم يقول: «ليعرف كيف يخلص قلمه على حكم الشريعة المطهرة وما يشترط في كل ولاية من الشروط، فينبه عليها ويقف عندها وما يلزم قرب كل وظيفة
ص: 62
من أرباب الوظائف وما يندب له»(1).
26- ابن الأزرق (ت 896 ه / 1490 م): بدائع السلك في طبائع الملك.
أفرد ابن الأزرق فصولًا كثيرة تضمنت سياسة السلطان تجاه رعيته ومنها فصل في سياسة السلطة وفيها سياسات عدّة منها:
أولًا: سياسة الرعية: وهي تنحصر في جملتين، تأسيس ما يقوم عليه بناؤها واقتضاء ما يتم به مقصودها، وهو أخذ الرعية بالحقوق الواجبة عليها للسلطان.
ثانيًا: إنَّ إصلاح السلطان بتنزيهه عن سعاف دناءة الأخلاق وترفعه عن صحبة ذوي البطالة والمجون هو الكفيل بإصلاح الرعية. وقديماً قيل: «أصلح نفسك يصلح لك الناس»(2).
وذكر سياسة الأمور العارضة ومنها الجهاد(3)، وكذلك في سياسة الوزير؛ إذ أشار إلى أنَّ فيها ثلاث سياسات: لنفسه، وسلطانه، وأرباب دولته(4)، ثم تناول أمورًا أخرى لإدارة الدولة.
ص: 63
ص: 64
إنَّ لفظة الإدارة لم ترد في كلام الإمام علي علیه السلام؛ لأن اللفظ حديث الاستعمال في معناه، وقد أشار الإمام علي علیه السلام إلى مفهوم الإدارة بالفعل (ولي) بقوله: «ينبغي لمن ولي أمر قوم أن يبدأ بتقويم نفسه قبل أن يشرع في تقويم رعيته، والإيمان بمنزلة من رام استقامة ظل العود قبل أن يستقيم ذلك العود»(1).
و في موضع آخر يقول:
«الولايات مضامیر الرجال»(2).
«وفي تقلب الأحوال علم جواهر الرجال»(3).
فيما قال لمحمد بن أبي بكر عندما عزله عن ولاية مصر «ولو نزعت ما تحت
ص: 65
يدك من سلطانك، لوليتك ما هو أيسر عليك مؤونة وأعجب إليك ولاية»(1)، أما كلمات الإمام علي علیه السلام التي تضمنت مفهوم الإدارة:
1- التدبير.
2- السياسة.
3- الرعاية.
4- السلطان.
5- الإمرة.
هو التفكير في دبر الأمور(2)، «وهو تقديم الأمر على ما يكون فيه صلاح عاقبته وفلان يتدبر أمره»(3) «ودّبر أمر القوم: تولى التدبير والنظر في الأمور»(4). أي تأمل بها. والتدبير ما يفعله الإداري في عمله؛ إذ يخطط له، ويتحسب إلى نتائجه قبل البدء به، ومن ثم يضع الأمور في مكانها الصحيح.
وجاء على لسانه علیه السلام في خطبة له ذكر فيها المضمون من حسن التدبير وعواقبه «التدبير قبل العمل يؤمّنكُ من الندم، ومن استقبل وجوه الآراء عرف مواقف
ص: 66
الخطاء... ولا عقل كالتدبير...»(1).
فالإمام علیه السلام يربط حسن التدبير بحسن السياسة كون الإداري إذا تدبر في إدارته سيكون ناجحًا.
يُقال: سُستُ الرعية، سِياسَة، وسُوِّسَ الرجلُ أمورَ الناس على ما لم يسمّ فاعله إذا ملك أمرهم، وفلان مجرب قد ساس وسيس عليه: أي: أمر وأمر عليه(2). وساس زيد الأمر يسوسه سياسة: دبره وقام بأمره(3). وقد أشار إلى هذا المفهوم وبهذا الصدد ابن الطقطقي بقوله: «هي رأس الملك وعليها التعويل في حقن الدماء وحفظ الأموال ومنع الشرور وقمع الدعار والمفسدين والمنع من المظالم المؤدي الى الفتنة والاضطراب»(4). وجاء هذا اللفظ في كلام أمير المؤمنين علیه السلام. بقوله:
«مَنْ ساس رعية حرم عليه السُكر عقلًا، لأنَّه قبيح أنْ يحتاج الحارس إلى مَنْ يَحرُسه»(5).
فالإمام علیه السلام يوضح ويحذر بأن من يسوس أمر قوم يجب عليه أن لا يتعاطى
ص: 67
شيئًا مسكرًا ثم يقول معللًا ذلك: كيف يحتاج السائس لأمر قومه حارسًا وقد وضعوه حارسًا عليهم! فيما أكد أنه ينبغي أن يكون السائس صبورًا على جهال الناس من قومه:
«من ساس نفسه بالصبر على جهل الناس صلح أن يكون سائسًا»(1).
وخاطب الإمام علیه السلام في أحد كتبه لمعاوية بقوله:
«وَمتى كُنتَم يا مَعاوية سَاسَة الرّعيّة، ووُلاة أمرِ الأمُّة»(2).
الرعي في الأصل حفظ الحيوان إما بغذائه الحافظ لحياته، وإما بذَب العَدُو عنه. يُقال: رعيْتهُ أي: حَفظْتهُ، وأرعيتهُ جَعَلْتُ له ما يْرعى، وجعل الرّعي والرِّعَاءُ للحفظِ والسِّياسةِ، ويسمى كُلُّ سائسٍ لنِفسِه أو لغْيرِهِ رَاعيًا(3)، راعي الأمر: نظر الأمر إلى ما يصير، وراعاه: لاحظه، والراعي: الوالي، والرعية:
العامة، ويقال: ليس المرعيَ كالراعي، ورعى الأمير رعيته رعاية(4). وقيل للحاكم والأمير (راع) لقيامه بتدبير الناس وسياستهم(5) فكل من ولي أمر قوم فهو راعيهم، وهم رعيته فعيلة بمعنى مفعول(6)، وقد قال الشاعر:
ص: 68
ولا المْرعِيُّ في الأقُوامِ كالرّاعِي(1) وقد ورد لفظ الراعي في كلام الإمام علیه السلام:
«مِنْ تِلْكَ الْحُقُوقِ حَقُّ الْوَالِی عَلَی الرَّعِيَّةِ وَحَقُّ الرَّعِيَّةِ عَلَی الْوَالِی فَرِيضَةٌ فَرَضَهَا اللهَ سُبْحَانَهُ لِكُلٍّ عَلَی كُلٍّ»(2).
«ودعى داع، فاستجيبوا للداعي واتبعوا الراعي»(3).
يبدو أنها تدل على شدة الحفاظ على الشيء (الرعية) فيما أشار علیه السلام بقوله:
«إِنْ كَانَتِ الرَّعَايَا قَبْلِی لَتَشْكُو حَيْفَ رُعَاتِهَا وإِنَّنِيِ الْيَوْمَ لَأَشْكُو حَيْفَ رَعِيَّتيِ»(4).
فهذه إحدى حكم الإمام علیه السلام يوضح فيها أن من كان قبله [الرعايا] تشتكي من ظلم الذين يرعونهم وأما أنا عكس ذلك ثم يقول كأنني أحد الرعية وهم الرعاة لي وقوله عیه السلام:
«إذا كان الراعي ذئبًا، فالشاة من يحفظها»(5).
في حين يصف الإمام علیه السلام:
«علامات المأموم على دين الله بعد الإقرار والعمل، الحزمة في أمره، والصدق
ص: 69
في قوله، والعدل في حكمه، والشفقة على رعيته، لا تخرجه القدرة إلى خرق(1)، ولا اللين إلى ضعف، ولا تمنعه العزة من كرم العفو، ولا يدعوه العفو إلى إضاعة حق...»(2).
السلاطة: القهر، وقد سلطه الله فتسلط عليهم، والاسم السلطة والسلطان الوالي(3)، وقد حفل كلام الإمام علیه السلام بذكره للسلطان من ذلك:
«إذِا تَغَيَّرَتْ نيَّةُ السُّلْطانِ تَغَيَّرَ الزَّمانُ»(4).
ويشير الإمام علیه السلام إلى معاملة السلطان بقوله:
«إذِا زادَكَ السُّلْطانُ تَقْريباً فَزِدْهُ إِجْلالاً»(5).
«اللَهُمَّ إنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَم يَكُنِ الَّذِي كَانَ مِنَّا مُنَافَسَةً فِی سُلْطَانٍ»(6).
«السُّلْطَانُ وَزَعَةُ اللهِ فِی أَرْضِهِ»(7).
ص: 70
فيما يصور الإمام علیه السلام حال صاحب السلطان بقوله:
«صَاحِبُ السُّلْطَانِ كَرَاكِبِ الأسَدِ يُغْبَطُ بِمَوْقِعِهِ وهُوَ أَعْلَمُ بِمَوْضِعِهِ»(1).
فلأنَّ الناس يتمنون ما هو فيه من ترف الحياة ولكنه أعلم بموضعه ومن الخوف والخطر الذي يحيط به منه، ثم يقول في موضع آخر «لا تنتبس بالسلطان في وقت اضطراب الأمور عليه، فإن البحر لا يكاد يسلم صاحبه في حال سكونه، فكيف يسلم من اختلاف رياحه واضطراب أمواجه»(2).
وفي المعنى نفسه يقول علیه السلام:
«من صحب السلطان وجب أن يكون معه كراكب البحر إن سلم بجسمه من الغرق، لم يسلم بقلبه من الفرق»(3).
على حين يبين الإمام علیه السلام حال أصحاب السلطان:
«أصحاب السلطان في المثل كقوم رقوا جبلًا ثم سقطوا منه فأقربهم الى الهلكة والتلف أبعدهم كان في المرتقى»(4).
فيما يعرّف الإمام علیه السلام السلطان الفاضل:
«هو الذي يحرس الفضائل ويجود بها لمن دونه، ويرعاها من خاصته وعامته، حتى تكثر في أيامه، ويحسن بها من لم تكن فيه»(5).
ص: 71
وإذا أردت منه حاجة فعليك بالصبر فإن السلطان مشغول بالرعية كلها وليس مخصصًا لك:
«اصبر على سلطانك في حاجتك فلست أكبر شغله ولا بك قوام أمره»(1).
ثم يتعجب الإمام علیه السلام من أمر السلطان فيقول:
«عجبًا للسلطان، كيف يحسن وهو إذا أساء وجد من يزكيه ويمدحه»(2).
ويؤكد الإمام علیه السلام العلاقة بين عدل السلطان وعمران البلاد فيقول:
«لا يكون العمران إلا حيث يعدل السلطان»(3).
وقد أشار الإمام علي علیه السلام في خطبة له يوضح فيها الإمرة الصالحة والفاجرة:
«أما الإمرة البرة فيعمل فيها التقي، وأما الإمرة الفاجرة فيتمتع فيها الشقي، إلى أن تنقطع مدته، وتدركه منيته»(1).
فالإمام علیه السلام يؤكد في كلامه للخوارج بضرورة وجود من يدير أمور الناس بغض النظر عن كون ذلك الأمير برًا أو فاجرًا بقوله لهم:
«ولكِنَّ هؤُلاَءِ يَقُولُونَ: لا إِمْرَةَ، فَإِنَّهُ لابُدَّ للِناَّسِ مِنْ أَمِير بَرّ أَوْ فَاجِر، يَعْمَلُ فِی إِمْرَتِهِ الْمُؤْمِنُ، وَيَسْتَمْتِعُ فيِهَا الْكَافرِ»(2).
بيد أن الإمام علیه السلام قد أشار إلى الإمرة في خطبة له جاء فيها:
«وَقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ في هذِهِ الْحُكُومَةِ أَمْرِي»(3).
وكذلك جاء في خطبة أخرى له:
«مُنِيتُ(4) بِمَنْ لَا يُطيِعُ إِذَا أَمَرْتُ وَلا يُجِيبُ إِذَا دَعَوْتُ»(5).
ثم يقول الإمام علیه السلام:
ص: 73
«ما خاف إمرؤ عدل في حكمه وأطعم من قوته، وذخر من دنياه لآخرته»(1).
على حين يشير في موضع آخر إلى أهمية العدل حينما يقول الإمام علیه السلام:
«الْعَدْلُ يَضَعُ الأمُورَ مَوَاضِعَهَا»(2).
«ومن استثقل الحق ان يقال له أو العدل ان يُعرض عليه، كان العمل بهما أثقل عليه»(3).
ص: 74
امتازت نظرية الإمام علي علیه السلام في الإدارة من غیرها بما تضمنته من خصائص سامية من جهة وكونها تولي الإنسان (الإداري) بالغ الأهمية من جهة أخرى، ويمكن إجمال الخصائص العامة لنظرية الإمام علیه السلام في الإدارة بما يأتي:
«ثُمَّ جَمَعَ سُبْحَانَهُ مِنْ حَزْنِ الْأَرْضِ وَسَهْلِهَا، وَعَذْبِهَا وَسَبَخِهَا، تُرْبَةً سَنَّهَا بالمَاءِ حَتَّى خَلَصَتْ، وَلاَطَهَا باِلبَلَّةِ حَتَّى لَزَبَتْ، فَجَبَلَ مِنْها صُورَةً ذَاتَ أَحْنَاء وَوُصُول، وَأَعْضَاء وَفُصُول: أَجْمَدَهَا حَتَّى اسْتَمْسَكَتْ، وَأَصْلَدَهَا حَتَّى صَلْصَلَتْ، لِوَقْت مَعْدُود، وَأجَل مَعْلُوم، ثُمَّ نَفَخَ فيِها مِنْ رُوحِهِ فَمَثُلَتْ إِنْساناً ذَا أَذْهَان يُجیلُهَا، وَفِكَر يَتَصَرَّفُ بِهَا، وَجَوَارِحَ یَخْتَدِمُهَا، وَأَدَوَات يُقَلِّبُهَا، وَمَعْرِفَة يَفْرُقُ بِهَا بَیْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ، والاَذْوَاقِ والمَشَامِّ، وَالْاَلوَانِ وَالْاَجْنَاس، مَعْجُوناً بطيِنَةِ الْاَلْوَانِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَالاَشْبَاهِ المُؤْتَلِفَةِ، وَالْاَضْدَادِ المُتَعَادِيَةِ، والْاَخْلاطِ المُتَبَايِنَةِ، مِنَ الحَرِّ والبَرْدِ، وَالبَلَّةِ وَالْجُمُودِ»(1).
ص: 75
فالإنسان قبضة من طين الأرض فضلًا عن أنه نفخة من روح الله منحتهُ القدرة على التفكير والحركة فأخذ يفكر لحياته، فالإنسان فيه عقل وهوى كما أكد ذلك الإمام علیه السلام فقال:
«الإنسان بعقله»(1).
و «لا غناء كالعقل»(2).
ويؤكد الإمام علیه السلام أن العقل إذا غاب استولى مكانه الهوى؛ إذ يقول علیه السلام:
«آفة الْعَقْلِ الهَوَى»(3).
وأكثر الفتن التي حدثت في التاريخ سببها اتباع الناس لأهوائهم وقد أشار الإمام علیه السلام لذلك:
«إِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ الْفِتَنِ أَهْوَاءٌ تُتَّبَعُ، وَأَحْكَامٌ تُبْتَدَعُ»(4).
وقوله علیه السلام:
«وَكم مَنْ عَقل أسير عِنْدَ هَوىً أمير»(5).
في حين يصور الإمام علیه السلام العقل كأنه سيف بتار يقطع كل انحراف فيقول:
«الحكم غطاء ساتر والعقل حسام قاطع، فاستر خلل خلقك بحلمك وقاتل هواك بعقلك»(6).
ص: 76
فنلاحظ أن العقل مصدر الفضائل والعلم والنجاح والتقدم إذا ما فكر الإنسان تفكيرًا صحيحًا، فيما أوصى الإمام بحقوق الإنسان لمن تناط إليه مسؤولية الحكم.
جاء في كلام الإمام علیه السلام بأن الحياة الكريمة للإنسان هي مفتاح سداد، وعتق من كل من يملك، وتنال فيها ما ترغب من الله وذلك بقوله:
«إنَّ تَقْوَى اللهِ مِفتَاح سَداد، وَذخيرة مَعَاد، وَعتق مِنْ كُل مَلكة، وَنجاة مِنْ كُلْ هَلْكَة، بها يَنجَحُ الطالبُ، وَينْجُو الهَارِبُ، وَتنال الرِغَائبُ...»(1).
من حق الإنسان أن يشعر بالأمان على حياته بل ليس ما هو أهمّ من هذا الشعور، ومن دونه ينتفي الشعور بالسعادة الفردية، وتتعطل قدرات الإنسان على الأداء السليم لأعماله في حياته اليومية(2).
لذا فقد وَعّى الإمام أن الإنسان الجائع، المستغل، المحروم، المصفد بالأغلال لا يستطيع أن يكون فاضلًا، وإنَّ من اللغو أن يوعظ بالوعد والوعيد، والترغيب والترهيب، وأنَّ إنسانًا كهذا ينقلب كافرًا: كافرًا بالقيم، والفضائل والإنسان.
إن معدته الخاوية، وجسده المعذب، ومجتمعه الكافر بإنسانيته، المتنكر له، وشعوره بالاستغلال، وميسم الضعة الذي يلاحقه أنى كان، هذه كلها تجعله
ص: 77
لصًا، وسفاحًا، وعدوًّا للإنسانية التي لم تعترف بحقه في الحياة الكريمة(1).
وقد أكد الإمام علیه السلام أنَّ لكل إنسان الحق في عيش حياة كريمة في ظل إدارة يسودها العدل والنظام، ووعى أن المجتمع القائم على سيادة فريق وعبودية فريق، وعلى استغلال الأسياد للعبيد، والأحرار للمصفدين بالأغلال، مجتمع لا يمكن أن توجد فيه فضلية ولا يمكن أن يوجد فيه فضلاء. إنه ليس إلا مجتمع لصوص ومجرمين وعبيد، تسيّر أفراده الأحقاد والمكر والاستغلال، وما كانت اللصوصية والعبودية وما إليهما يومًا فضائل تُشرِّف الإنسان، وعلى أساس من هذا الوعي جعل الإمام الإصلاح الاقتصادي أساسًا للإصلاح الاجتماعي(2).
أمر الإمام علیه السلام ان يرى الحاكم:
«أفراد الرعية على أنهم متساوون في الحق والحقوق».
وذلك بقوله: «أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَكَ فِی الْحَقِّ سَوَاءٌ»(3).
وقد أشار الإمام علیه السلام إلى العدل والإنصاف والمساواة، قائلاً:
«أَنْصِفِ اللهَ وَأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ، وَمِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ، وَمَنْ لَكَ فِيهِ هَوىً مِنْ رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّكَ إِلاَّ تَفْعَلْ تَظْلِمْ، وَمَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللهِ كَانَ اللهُ خَصْمَهُ
ص: 78
دُونَ عِبَادِهِ، وَمَنْ خَاصَمَهُ اللهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ، وَكَانَ لله حَرْباً حَتَّى يَنْزعَ وَيَتُوبَ.
وَلَيْسَ شَیْءٌ أَدْعَى إِلَی تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللهِ وَتَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إِقَامَة عَلَ ظُلْم، فَإِنَّ اللهَ سَميعٌ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِينَ، وَهُوَ للِظَّالِميِنَ بِالْمِرْصَادِ»(1).
قال البحراني: «أمره بإنصاف الله وإنصاف الناس من نفسه وأهل هواه من رعيته، فإنصاف الله: العمل بأوامره والانتهاء عن زواجره، مقابلًا بذلك نعمه وإنصاف الناس: العدل فيهم، والخروج إليهم من حقوقهم اللازمة لنفسه وأهل خاصته»(2). فيبدو لنا ومن خلال كلام الإمام علیه السلام بأننا إذا وجدنا إنسانًا يغلّب العقل على الهوى ويعطي الحقوق لمستحقيها من الرعية ويظهر الفضائل فهذا الذي يجدر أن تكون الإدارة على أكتافه.
«فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلَ الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَكَ اللهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ، فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ، وَ وَالِی الْاَمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ، وَاللهُ فَوْقَ مَنْ وَلاَّكَ! وَقَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ، وَابْتَلاَكَ بِهِمْ. وَلاَ تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ اللهِ، فَإِنَّهْ لاَيَدَيْ لَكَ بِنِقْمَتِهِ، وَلاَ غِنَى بِكَ عَنْ عَفْوِه وَرَحْمَتِهِ. وَلاَ تَنْدَمَنَّ عَلَی عَفْو، وَلا تَبْجَحَنَّ بِعُقُوبَة، وَلاَ تُسْرِعَنَّ إِلَی بَادِرَة وَجَدْتَ مِنْهَا مَنْدُوحَةً»(1).
والإنسان غير معصوم من الخطأ فعلى الإداري أن يراعي ذلك:
«يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ، وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ، يُؤْتَى عَلَی أَيْدِيهِمْ فِی الَعَمْدِ وَالْخَطَأ»(2).
وبذلك يقول محمد جواد مغنية: «وكل الناس يخطئون، ومن ذا الذي تخلو صفحته من هفوة ما دام يعيش مع الناس ويحتك بهم؟ حتى الذي يعيش معتزلًا قد يخطئ ويقصر بحق خالقه ولكنه يعفو ويصفح عمن يطلب منه العفو والصفح»(3) وغيرها من الحقوق التي يحتاج إليها كل إنسان يعيش في مجتمعه.
لكل إدارة نظام ومن دون ذلك النظام تصبح الإدارة فوضى، وقد أولى أمير المؤمنين علیه السلام اهتمامه لتنظيم الأمور فقد أوصى بوصاياه وكتبه في النظم وملازمة التقوى معًا:
«أُوصِيكُمْ، وَجَمِيعَ وَلَدِي وَأَهْلِی وَمَنْ بَلَغَهُ كِتَابِی، بِتَقْوَى اللهِ، وَنَظْمِ أَمْرِكُمْ»(4).
ص: 80
ولعل فكرة النظم والنظام لم تك وليدة الحاجة، لأنها وجدت في كلمات الإمام علیه السلام قبل أن تأتيه الخلافة - فضلًا عن ذلك - فقد استشاره عمر بن الخطاب في الشخوص لقتال الفرس فأوصاه الإمام علیه السلام بأن يلتزم النظام وذلك بقوله:
«وَمكان القيم بالأمر مكان النظام من الخرز يجمعه ويضمه فإن انقطع النظام تفرق الخرز وذهب، ثم لم يجتمع بحِذَافيِرِه أبدًا»(1).
فالقائد يمثل قوة النظام وإنَّ المسلمين قد اتحدوا؛ لأن الله أنزل إليهم ما ينظم شؤونهم في الحياة وهو القرآن الكريم الذي عد بمنزلة دستور لهم والإمام علیه السلام بين فضله في خطبة له جاء فيها:
«ذلك القرآن فاستنطقوه، ولن ينطق، ولكن أخبركم عنه، ألا إن فيه علم ما يأتي، والحديث عن الماضي، ودواء دائكم ونظم ما بينكم»(2).
فالإمام علیه السلام يوضح ما يجب على القائد فعله لتقوية نظامه على أساس الحقوق المتبادلة وعدم التفرقة بين الرعية وذلك بقوله:
«حق الوالي على الرعية وحق الرعية على الوالي فريضة فرضها الله - سبحانه - لكل على كل، فجعلها نظامًا لألفتهم»(3).
فيما أكد ضرورة تواضع القائد أمام الرعية؛ حيث إن كل إدارة سبب تفككها الخلاف وعدم الانسجام بين القائد ورعيته وجاء في كلام الإمام علیه السلام:
«الخلاف يهدم الرأي»(4).
ص: 81
فللخلاف آثار وخيمة تلحق أضرارًا جمة، وتنبثق عن ذلك التفرقة بين الأمة، فالإمام علیه السلام أقر قاعدة للتنظيم للحفاظ على حيوية المجتمع.
الإدارة لا تكون إلا لمجتمع من الناس، وهذا المجتمع تربطه روابط قوتها تقوي الجماعة وبذلك تصبح الإدارة قادرة على تحدي الصعوبات التي تعترضها، وقد حفل فكر الإمام الناصع في الحث على الجماعة بقوله:
«الزموا الجماعة واجتنبوا الفرقة»(1).
وقوله:
«الزموا السواد الأعْظَمَ فإن يَدَ الله مع الجماعة»(2).
«الزموا ما عقد عليه حبل الجماعة»(3).
ثم يوصيهم بذلك:
«وَعَلَيْكُمْ بِذَا السَّوَادِ الاْعْظَمِ»(4).
ولأجل ذلك فإن الارتباط بالجماعة يحافظ على الأمة ووحدتها ويجعلها متماسكة، وقد أكد الإمام علیه السلام على الألفة بين المجتمع والجماعة بقوله:
«إن أحسن ما يألف به الناس قلوب أودّائهم ونفوا به الضغن عن قُلُوبِ أعدائهم، حسن البشر عند لقائهم والتفقد في غيبتهم والبشاشة بهم عند
ص: 82
حضورهم»(1).
بيد أن الإمام علیه السلام يوصي بالنظر الى أخبار من قبلكم من الأمم كيف كانت حالهم لما كانت كلمتهم واحدة، والى ماذا آلت عندما اختلفت بقوله:
«فانظروا كيف كانوا حيث كانت الأملاء مجتمعة، والأهواء مؤتلفة، والقلوب معتدلة، والأيدي، مترادفة، والسيوف متناصرة، والبصائر نافذة والعزائم واحدة. ألم يكونوا أربابًا في أقطار الأرضين، وملوكًا على رقاب العالمين! فانظروا الى ما صاروا إليه في آخر أمورهم، حين وقعت الفرقة، وتشتت الألفة، واختلفت الكلمة»(2).
وفي موضع آخر يقول:
«فإذا تفكرتم في حاليهم فالزموا كل أمر لزمت العزة به حالهم وزاحت الأعداء عنهم... من الاجتناب للفرقة، واللزوم للألفة والتحاضِّ عليها، والتواصي بها، واجتنوا كل أمر كسر فقرتهم، وأوهن مُنّتهُم، من تضاغن القلوب، وتشاحن الصدور، وتدابر النفوس، وتخاذل الأيدي»(3).
هذا وقد ذكر الإمام علیه السلام أهمية الجماعة من أجل نظام المسلمين:
«وسأصبر ما لم أخف على جماعتكم، فإنهم إن تممّوا على فَيالة هذا الرأي، انقطع نظام المسلمين، وإنما طلبوا هذه الدنيا حسدًا لمن أفاءها الله عليه»(4).
ص: 83
بعد ذلك يؤكد حق المشورة قائلاً:
«فلا تكفوا عن مقالة بحق، أو مشورة بعدلٍ، فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ، ولا آمن ذلك من فعلي، إلا أن يكفى الله من نفس ما هو ملك به مني، فإنما أنا وأنتم عبيد مملوكون لرب لا رب غيره»(1).
وإذا ما توافرت تلك الصفات في المجتمع وتحلى بها قائدهم فسرعان ما التف حوله مجتمعه؛ لأن إدارته قد انبثقت من المجتمع نفسه، وسعت إلى التماسك الاجتماعي وهذا ما ترتقي به الإدارات.
ص: 84
أولًا: الخلافة.
ثانيًا: القضاء.
ثالثًا: الوزارة.
رابعًا: الولاية.
خامسًا: العمال.
سادسًا: الحسبة.
سابعًا: الكتّاب.
ثامنًا: الجيش.
ص: 85
ص: 86
حفل فكر الإمام علیه السلام من خلال نهج البلاغة، بوضع منهاج ذي إطار مميز للمؤسسات الادارية على وفق منظوره وهي:
مصدر خلف أي ما جاء من بعد، يقال هو خلف سوء من أبيه وخلف صدق من أبيه، إذا قام مقامه، وخلفته إذا جئت بعده، ويقال:
خلف فلان فلانًا إذا كان خليفته، وخلفه في قومه وخلفته واستخلفته أنا جعلته خليفتي(1)، والخلافة، الإمارة(2)، أما الخليفة فهو السلطان الأعظم، وقد يؤنث، والجمع الخلائف وأيضًا خلفاء(3)، وهو من يقوم مقام الذاهب
ص: 87
ويسد مسده والهاء فيها للمبالغة(1). فيما ذكر الأصفهاني أنها النيابة عن الغير؛ إما لغيبة المنوب عنه، وإما لموته أو لعجزه، وأما كتشريف المستخلف، وعلى هذا الوجه الأخير استخلف الله أولياءه في الأرض(2). وقد أشار لذلك اليهود بقولهم «لقد علمنا أن محمدًا صلی الله علیه و آله وسلم لم يترك أهله خلوفًا أي لم يتركهم سدى لا راعي لهم ولا حامي»(3).
الخلافة اصطلاحًا(4): موضوعة لخلافة النبوة في حراسة وسياسة الدنيا، وعندهم لمن يقوم بها في الأمة واجب بالإجماع وإن شذ عنهم الأصم(5).
فقد عرّفها ابن خلدون: «هي نيابة عن صاحب الشرع في حفظ الدين وسياسة الدنيا فصاحب الشرع متصرف في الأمرين، إما في الدين فبمقتضى التكاليف الشرعية التي هو مأمور بتبليغها وحمل الناس عليها، وأما سياسة الدنيا فبمقتضى رعايته لمصالحهم في العمران البشري»(6) «فهي بذلك تعني
ص: 88
حلول شخص مكان شخص أو قوم مكان قوم، وهي في حق الغائب، أما الحاضر فلا، وهي مقيدة بقوانين دينية شرعية يسوس الخليفة بها أمته، ويحمل الناس على أحكامها بالنيابة عن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم صاحب تلك الشريعة(1).
فالخلافة موضوعة في الأصل ليكون الشخص خلفًا لأحد، ومن ثم سمي من يخلف الرسول صلی الله علیه و آله وسلم في تنفيذ الأحكام الشرعية خليفة؛ لذا فقد خلف النبي صلی الله علیه و آله وسلم في أمته(2)، فيقال خليفة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم(3). وقد ذكرت الخلافة في القرآن الكريم في آيات كثيرة(4) منها قوله تعالى:
ص: 89
«وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ»(1).
«يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ»(2).
«وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ»(3).
«أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»(4).
«وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ»(5).
وأشار الإمام علي علیه السلام في خطبه للدلالة على مفهوم الخلافة بألفاظ أخرى
ص: 90
وهي:
«أَرَى تُرَاثيِ نَهبًا»(1).
«وَسَلَبُونِی سُلْطَانَ ابن أُمِّي»(2).
«أَشْرَكْتُكَ فِی أَمَانَتيِ»(3).
«أَلَا وَإِنَّ الْقَدَرَ السَّابِقَ(4) قَدْ وَقَعَ وَالْقَضَاءَ الْمَاضِیَ قَدْ تَوَرَّد»(5).
وفي موضع آخر يقول:
«فَقَدْ طَلَعَ طَالِعٌ(6)، وَلَمَعَ لَامِعٌ، وَلَاحَ لَائِحٌ»(7).
فجاءت مرة تراث ومرة سلطان وأخرى أمانة.. وهي تعطي معنى الخلافة.
ص: 91
اتفق المسلمون على أن الخلافة من المسلمات لقيام الإسلام وتثبيته، كما أنها من ضروريات قيام المجتمع، قال ابن حزم: «اتفق جمهور المسلمين من السّنة والمرجئة والشيعة والخوارج على وجوب الإمامة»(1). إلا أن الماوردي يشير الى الاختلاف في وجوبها «واختلف في وجوبها هل وجبت بالعقل أو بالشرع؟ فقالت طائفة: وجبت بالعقل؛ لما في طباع العقلاء من التسليم لزعيم يمنعهم من التظالم ويفصل بينهم في التنازع والتخاصم... وقالت طائفة أخرى: بل وجبت بالشرع دون العقل، لأن الإمام يقوم بأمور شرعية قد كان مجوزًا في العقل أن لا يرد التعبد بها... ولكن جاء الشرع بتفويض الأمور الى وليه في الدين(2). قال الله عزوجل: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا»(3).
ففرض علينا طاعة أولي الأمر فينا وهم الأئمة المتأمرون علينا(4). فكان لابد للناس من خليفة يدبر أمورهم، وهذا الخليفة له حقوق وعليه واجبات، وقد جاء في كلام الإمام علیه السلام في نهج البلاغة في الخطب والكتب والرسائل(5).
ص: 92
حيث يقول الإمام علیه السلام في إحدى خطبه التي أورد فيها بعض المؤهلات (الصفات) التي تؤهل الخليفة (الحاكم) لذلك المنصب لقوله علیه السلام:
«وقَدَ عَلمتمْ أنهُ لا ينْبغي أنْ يكوُنَ عَلَی الفرُوج وَالدماءِ، وَالمغَانمِ والأحْكام، وإمامة المُسْلمينَ الْبخيل، فتكون في أمْوالهمْ نَهْمتهُ(1). وَلَا الجَاهلُ فيُضلهُم بجَهلهِ، وَلاَ الجَافِی فيقطعهُمْ بجَفائِهِ، وَلاَ الحائفُ للدّولِ(2). فيتّخذَ قوْمًا دُون قوم، وَلا المُرتشي فِی الْحُكم، فيذْهبَ بالحُقُوقِ، ويقفَ بهَا دون المَقَاطِعِ(3). وَلَا المُعطّلُ للسُّنة، فَيُهلك الأمةَ»(4).
فهذه إشارات وتأكيدات واضحة لصفات الخليفة يقول ابن أبي الحديد: إذا
ص: 93
كان الإمام بخيلًا كان حرصه وجشعه على أموال رعيته. ولا الجاهل كون الأمة تحتاج الى عالم بأمورها كونه يجب أن يهديهم ولو كان جاهلًا لأضلهم، أو الجافي الذي يقطعهم بجفائه أي يقطعهم عن حاجاتهم لغلظته عليهم؛ لأن الوالي إذا كان غليظًا جافيًا أتعب الرعية وقطعهم عن مراجعته في حاجاتهم خوفًا من بادرته(1). ثم يقول:
و «وَلاَ الحائفُ للدّولِ».
«أي إنه يجب أن يكون الإمام يقسم بالسوية ولا يخص قومًا دون قوم على وجه العصبية القبلية. وأن يكون نزيهًا ولا يرتشي، ولا يكون معطلًا للسنة، أي يجري أمر الشريعة والرعية ما كان يجري عليه أيام البداوة(2). فيما أكد الإمام علیه السلام أيضًا على ما يجب أن يفعله الخليفة تجاه الرعية.
ولكن الذي جرى: أن الخلافة والحكم أصبحا كقطعتي شطرنج يلعب بهما الذين لم يتوانوا عن أي نوع من أنواع التآمر والتلاعب، لكي يحظوا بالفوز في هذه اللعبة، وعزل الحكام الصالحين والكفوئين، وبذلك داسوا جميع المقدسات، وآل مصير الناس الى العناء والدمار بعد أن سلطوا على رقابهم مثل هؤلاء الساسة، وهذا ما آلم الإمام عليًا علیه السلام فكان دائمًا يئن من هذا الاستخدام الخاطئ لحرية الانتخاب ومن الانتخاب الخاطئ، ومن تذبذب الناس وعدم استقرارهم»(3).
قال الإمام علیه السلام:
ص: 94
«لا يُقيمُ أمْر اللهِ سُبحْانه إلاّ منْ لا يُصانعُ(1)، وَلَا يُضارعُ(2)، وَلَا يتّبعُ المَطَامِعَ»(3).
فيما خاطب الإمام علیه السلام الناس بقوله لهم:
«أيُّها النّاسُ أعينُونِی عَلَی أنْفُسكُم، وأيْمُ اللهِ لأُنْصفنّ المظْلوُم، ولأقُودَنّ الظّالم بخِزامتِهِ(4)، حتّى أورِدهُ منْهل الحقِّ وإن كان كارِهًا»(5).
فالإمام علیه السلام يقسم هنا على إنصاف المظلوم من الظالم حتى لو كان الظالم مكرهًا لذلك، وهذا يحقق انتشار العدل بين الرعية.
فالحكم في فكر الإمام علیه السلام وإدارة الدولة له قواعد ثابتة ورصينة فمنها: ما يجب على الحاكم فعله، إذ إن من واجب الحاكم أن يكون عادلًا بين رعيته كون عدله هذا يجعلهم قريبين منه:
«وإني لَعالمٌ بما يُصلحكُم، ويقُيمُ أودَكُمْ، ولكنّي واللهِ لا أرَى إصْلاحكُم بإفْسادِ نَفسِی أضْرعَ اللهُ خُدودكُم، وَأتعسَ جدُودَكُم»(6)! فالإمام علیه السلام يقول لهم إني أعلم بما يصلحكم، إنما يصلحكم في السياسة
ص: 95
السيف وصدق! لكن أمير المؤمنين لم يكن ليستحل من دماء أصحابه ما يستحله من يريد الدنيا وسياسة الملك وانتظام الدولة قال علیه السلام:
«ولكنّي واللهِ لا أرَى إصْلاحكُم بإفْسادِ نَفسِی»(1).
إي بإفساد ديني عند الله تعالى(2). وقوله:
«ألْم أعْملْ فيكُمْ باِلثقلِ الأكْبرَ، واتْركْ فيكُم الثقلَ الأصْغر؟ قَدْ ركزْت فيكُمْ دابَةَ الإيَمانِ، ووقْفتُكمْ على حُدوُدِ الحَلالِ وَالحَرامِ،وألبسْتكُم العافية منْ عَدْلي، وَفَرشتكُمُ المَعْرُوفَ من قوْلِی وَفعِلي، وأريْتكُمْ كَرَائمَ الأخْلاقِ منْ نفسي»(3).
وقد أورد الإمام علیه السلام من خلال خطبه أيضًا ما يجب أن يقوم به الحاكم "الخليفة" اتجاه رعيته بأن حقهم عليه، وكما جاء عن الإمام علیه السلام:
«ويجمع به الفيء(4)، ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي، حتى يستريح برّ، ويستراح من فاجر»(5).
فيما يضع الإمام علیه السلام ما يجب أن يقدمه الخليفة للرعية:
«أَلا وَإِنَّ لَكُمْ عِنْدِي أَلاَّ أَحْتَجِزَ دُونَكُمْ سِّراً إلِا فِی حَرْب، وَلا أَطْوِيَ دُونَكُمْ أَمْراً إِلاَّ فِی حُكْم، وَلاَ أُؤَخِّرَ لَكُمْ حَقّاً عَنْ مَحَلِّهِ، وَلاَ أَقِفَ بِهِ دُونَ مَقْطَعِهِ، وَأَنْ تُكُونُوا عِندِي فِی الْحَقِّ سَوَاءً»(6).
ص: 96
وقال علیه السلام:
«أيها النّاسُ، إن لِی عليكُمْ حَقًّا وَلكُم عليّ حقّ. فَأمّا حقكُمْ عَليّ فَالنّصيحة لكُمْ، وتوفير فَيئكُمْ عَلَيكُمْ وتَعليمكُمْ كْيلا تجهلوُا وتأديبُكُمْ كيْمَا تعلمُوا»(1).
وفي هذه الخطبة شيء من التفصيل عمّا يجب أن يفعله الحاكم حيث قال الإمام علیه السلام:
«أيُّها النّاسُ، استصبحُوا منْ شعْلة مِصبَاحِ واعظِ متِّعظٍ، وامتاحُوا من صفو عَينٍ قدْ روقت من الْكدر... إنه ليْسَ عَلَی الإمام إلا مَا حمل منْ أمْر ربّهِ:
الابلاغ فِی الموعْظةٍ، والاجتهاد في النصيحةِ، والإحيَاءُ للسنة، وإقامة الحدُوِد عَلَی مُسْتحقّيها، وإصْدارُ السّهمانِ عَلَی أهَلها...»(2).
وغيرها من واجبات الحاكم التي يجب أن يلتزم بها، حيث إن الإمام علیه السلام قد وضع جهازًا متكاملًا لنظرية الحكم الإسلامي على وفق فكره الواسع.
فكانت من ضرورات هذا الحكم المشاركة الوجدانية بين الراعي والرعية، إذ بها يستطيع الحاكم أن يتعرف على آمال المحكومين وآلامهم ومطامحهم، وأن يعي حاجتهم ومخاوفهم، فيعمل لخيرهم ويضع كل شيء مما يصلحهم وموضعه.
ويشعرهم ذلك برعايته لهم، وحياطته لأمورهم، وعملة لصالحهم، فيدعمون حكمة بحبهم، وإيثارهم له، ويؤازرونه في السراء والضراء على السواء(3) وإن يحسن الظن بهم ويخفف ما يثقلهم من المؤونات.
ص: 97
بعد أن يؤدي الخليفة ما عليه من واجبات، إذ يقول الإمام علیه السلام:
«وقد كَرِهْتُ أنْ يكوُنَ حَالَ في ظنكُمْ أني أحب الإطراء، واسْتمِاع الثّناء، ولسْتُ بحمد الله كذلك ولو كنتُ أحِبّ أنْ يُقال ذلك لتركتهُ انحطاطًا لله سبحانه عن تناول ما هو أحقّ بِهِ مَنْ الْعَظَمةِ والكبرياءِ، ورُبما استحلى النّاسُ الثناء بَعْد الْبلاءِ، فَلا تُثنُوا عَلَّی بجَميل ثناءٍ، لإخراجي نفسي الى الله سبحانهُ وإليكم مَنْ البقية في حقوق لم أفرغ فِی أدائهِا وفرائض لابُدَّ منْ إمضائهِا»(1).
ومعنى قوله:
«لإخراجي نَفْسِی...».
أي لاعترافي بين يدي الله وبمحضر منكم أن عليّ حقوقًا في إيالتكم ورياستي عليكم(2)، لهذا وجب على الرعية أن تقدم له:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا»(1).
وفي هذا الإطار يوضح الإمام علیه السلام حقوق الخليفة على الرعية، وذلك جاء في خطاب وجهه الى الأمة يقول فيه:
«أيُّها النّاسُ... إنَّ لَیِ عليكُمْ حقًا، وَلَكُمْ عَلَّی حقٌّ... وأمَا حقيّ عَلَيكُمْ:
فَالوَفاءِ بالبيعةِ والنَصيحةِ فِی المَشهدِ والمغيبِ والإجابةِ حين أدعُوكُمْ والطاعة حين آمُرُكُمْ»(2).
ثم يجسد الإمام علیه السلام هذه الطاعة؛ إذ إنه لم يحثهم على طاعة إلا وقد سبقهم إليها، وهذه إحدى الضرورات التي يجب أن نحذو ونقتدي بها وذلك لقوله:
«أيُّها النّاس؛ إنّ ما أحُثكُمْ عَلَی طَاعَةٍ إلا وأسْبقكُمْ إليْها، وَلا أنْهاكًمْ عن معصية إلا وأتَنَاهَى قَبْلكُمْ عنْهَا»(3).
على حين أن الإمام علیه السلام بين لهم ماذا سيحدث لهم إن تمثلوا لطاعته:
«وإنْ أطعْتُمُوني، فَإني حَاملُكُمْ إنْ شَاءَ اللهِ عَلِی سبيل الجنّةِ، وإنْ كانَ ذا مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ ومَذاقةٍ مَريرةٍ»(4).
أي إن السبيل التي حملهم عليها وهي سبيل الرشاد ذات مشقة شديدة، ومذاقة مريرة، لأن الباطل محبوب النفوس، فإنه اللهو واللذة، وسقوط
ص: 99
التكليف، وأما الحق فمكروه النفس، لأن التكليف صعب وترك الملاذ العاجلة، شاق شديد المشقة(1). إذ يقول علیه السلام:
«فَإِذَا فَعَلْتُ ذلِكَ وَجَبَتْ لله عَلَيْكُمُ النِّعْمَةُ، وَلِی عَلَيْكُمُ الطَّاعَةُ، وَأَلاَّ تَنْكُصُوا(2) عَنْ دَعْوَة، وَلَا تُفَرِّطُوا فِی صَلَاح، وَأَنْ تَخوضوا الْغَمَرَاتِ إِلَی الْحَقِّ، فَإِنْ أنْتُمْ لَم تَسْتَقِيمُوا لِی عَلَی ذلِكَ لَم يَكُنْ أَحَدٌ أَهْوَنَ عَلَیَّ مِمَّنْ اعْوَجَّ مِنْکُمْ، ثُمَّ أُعْظِمُ لَهُ الْعُقُوبَةَ، وَلا يَجِدُ عِنْدِي فيِها رُخْصَةً، فَخُذُوا هذَا مِنْ أُمَرَائِكُمْ، وَأَعْطُوهُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ مَا يُصْلِحُ اللهُ بِهِ أَمْرَكُمْ»(3).
- نلاحظ من خلال تأكيد الإمام علیه السلام أهمية الطاعة وفرضها كونها الأساس في استقرار حكم الخليفة واستمراره، فضلًا عن ذلك سيبعث له الطمأنينة من الرعية، والطاعة بشكل أو بآخر هي عدم عصيان الرعية لأوامر الخليفة - إنما تطيعه - وبذلك فإنه لا سيادة ولا نظام لأي خليفة أو حاكم دون إطاعة الرعية كما جاء عن الإمام علیه السلام:
«لا رأيَ لَمَنَ لا يُطاع»(4).
قد أشار الإمام علیه السلام الى النصيحة حيث إنه من الضروري لكل مسلم عندما يستلم موقعًا في الدولة أن يبدي النصيحة لأمته وذلك بحسن سياسته وإدارته وتعاونه وإخلاصه، مما سيؤدي الى قيامه بواجباته ومسؤولياته، ويبدو ذلك واضحًا لإبداء النصيحة عندما قال لأحد عماله على الصدقات بقوله:
«وَمَنِ اسْتَهَانَ باِلْأَمَانَةِ، وَرَتَعَ فِی الْخِيَانَةِ، وَلَم يُنَزِّهَ نَفْسَهُ وَدِينَهُ عَنْهَا، فَقَدْ أَحَلَّ بِنَفْسِهِ فِی الدُّنْيَا الْخِزْيَ، وَهُوَ فِی الآخِرَةِ أَذَلُّ وَأَخْزَى. وَإِنَّ أَعْظَمَ الْخِيَانَةِ خِيَانَةُ الْأُّمَةِ، وَأَفْظَعَ الْغِشِّ غِشُّ الْأَئِمَّةِ»(1).
وتنصب النصيحة أيضًا بين الخليفة والرعية وذلك لقول الإمام علیه السلام:
ولكن من واجب حقوق الله على عباده النصيحة بمبلغ جهدهم، والتعاون على إقامة الحقّ بينهم. وليس امرؤ - وإن عظمت في الحق منزلته وتقدمت في الدين فضيلته - بفوق أن يعان على ما حمله الله من حقه، ولا امرؤ - وإن صغرته النفوس، واقتحمته(2) العيون بدون أن يعين على ذلك أو يعان عليه»(3).
إنَّ أول مواصفات الخليفة بعد علمه زهده وأمانته على بيت المال فالإمام علیه السلام يقول:
ص: 101
«أَلاَ وَإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ(1)، وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ ....
فَوَاللهِ مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْيَاكُمْ تِبْراً(2)، وَلَا ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً، وَلَا أَعْدَدْتُ لِبَالِی ثَوْبِ طِمْراً، وَلا حُزتُ مِنْ أرْضهَا شِبرًا، وَلا أخَذْتُ مِنْهُ إلا كقُوتِ أتَانٍ دبَرةٍ، وَلهي في عَيْنيِ أوْهَى مِنْ عَفْصةٍ مَقِرَةٍ»(3).
ويقسم على أنه لو أعطي الأقاليم بما فيها لم يعصِ الله في نملة يسلبها قشرة الشعير التي تجمعه! فكيف بحقوق الرعية إذن:
«واللهِ لوْ أعْطيتُ الأقاليمَ السّبعةَ بَما تحت أفْلاكِهِا، عَلَی أنْ أعْصِی الله، في نملةٍ أسْلبُهَا جُلْبَ شعيرةٍ ما فَعَلتُهُ، وإنَّ دنياكُمْ عِنْدي(4)، لأهْوَنُ مِنْ وَرقةٍ في فَمِ جَرَادَة تَقْضَمُهَا»(5).
وفي موضع آخر يقول عنها:
«واللهِ لَدُنيَاكُمْ هَذه أهْوَنُ في عَيْني من عُراق خنزيرٍ فِی يَدِ مَجْذُوم(6)»(7).
وبذلك يقول ابن أبي الحديد: «ولعمري لقد صدق - وما زال صادقًا -
ص: 102
ومن تأمل سيرته في حالتي خلوه من العمل وولايته الخلافة عرف صحة هذا القول»(1).
والإمام يرفض المصانعة فيقول:
«فلا تَكّلمُوني بما تُكلّمُ به الجَبَابرةث، وَلَا تَتَحفّظُوا منّي بما يتحفّظُ بِهِ عِنْدَ أهْلِ البادِرَة، وَلا تُخالُطوني بالْمُصَانَعَةِ(2)، وَلَا تُظنّوا بِیَ استثقالًا في حَقّ قيلَ لِی، وَلا التماسَ إعظام النَفْس، فَإنّهُ مَنْ استثقل اْلحقّ أنْ يُقالَ لَهُ أو العَدْل أنْ يُعرضَ عَلَيهِ، كَان العَمَلُ بهمَا أثقَلَ عَلَيْه»(3).
إنَّ معناه لا تصانعوني بالمدح والإطراء عن عمل الحق، كما يصانع به كثير من الحكام الذين يستفزّهم المدح ويستخصهم الإطراء والثناء، فيغمضون عن اعتماد كثير من الحق مكافأة لما صونعوا به من التفريط والتزكية والنفاق(4).
وله كلام علیه السلام يجري مجرى الخطبة يؤكد صرامته في الحق:
«لَم يَكُنْ لِاَحَد فيَّ مَهْمَزٌ، وَلاَ لِقَائِل فيَّ مَغْمَزٌ، الذَّلِيلُ عِنْدِي عَزِيزٌ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ لَهُ، وَالْقَوِيُّ عِنْدِي ضَعِيفٌ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مَنْهُ»(5).
فالذليل المظلوم أقوم بإعزازه ونصره وأقوي يده الى أن آخذ الحق له، ثم يعود بعد ذلك الى الحالة التي كان عليها قبل أن أقوم باعزازه ونصرته، والقوي
ص: 103
الظالم استضعفه وأقهره وأذله إلى أن آخذ الحق منه، ثم يعود الى الحالة التي كان عليها قبل أن اهتضمه، لاستيفاء الحق»(1). ويجب على الرعية أن تمتثل لأمر الخليفة مثلما عليه أداء حقوقها يقول الإمام علیه السلام:
«وَأَعْظَمُ مَا افْتَرَضَ - سُبْحَانَهُ - مِنْ تِلْكَ الْحُقُوقِ حَقُّ الْوَالِی عَلَی الرَّعِيَّةِ وَحَقُّ الرَّعِيَّةِ عَلَی الْوَالِی فَرِيضَةٌ فَرَضَهَا اللهَ سُبْحَانَهُ لِكُلٍّ عَلَی كُلٍّ فَجَعَلَهَا نِظَاماً لِأُلْفَتِهِمْ وَعِزّاً لِدِينِهِمْ فَلَيْسَتْ تَصْلُحُ الرَّعِيَّةُ إِلَّا بِصَلَاحِ الْوُلَاةِ وَلَا تَصْلُحُ الْوُلَاةُ إِلَّا باِسْتِقَامَةِ الرَّعِيَّةِ»(2).
فضلاً عن ذلك جاء تركيز الإمام علیه السلام على توفير العيش الكريم للرعية، والخليفة له حق رعيته كونه يسوسهم ويدير شؤونهم إلا أننا نرى أن الإمام علیه السلام جاء بمنطق عجيب بقوله:
«إنَّ اللهِ فَرضَ عَلَی أئمة العَدلِ، أنْ يُقدّروُا أنَفُسهُم بضعفة النّاس كي لا يتَبيغ(3) بالفَقير فَقرهُ»(4).
ثم إن الخليفة عندما يساوي نفسه مع أدنى المستويات التي يعيشها الرعية فإنه يعيش حالة الفقر ومن ثم قد تساوى مع أضعف الناس في حكومته [وهو القدوة عندهم] فيقول في المؤاساة للفقراء:
«وَلَوْ شِئْتُ لاَهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ، إِلَی مُصَفَّى هذَا الْعَسَلِ، وَلُبَابِ هذَا الْقَمْحِ،
ص: 104
وَنَسَائِجِ هذَا الْقَزِّ(1)، وَلكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنيِ هَوَايَ، وَيَقُودَنِی جَشَعِي(2) إِلَی تَخَيُّرِ الْاَطْعِمَةِ - وَلَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوِ بِالْيَمَامَةِ مَنْ لاَطَمَعَ لَهُ فِی الْقُرْصِ، وَلا عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ - أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً(3) وَحَوْلِی بُطُونٌ غَرْثَى(4)، وَأَكْبَادٌ حَرَّى، أَوْ أَكُونَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ(5):
وَحَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَة *** وَحَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَی الْقِدِّ
ثم يصور الإمام علیه السلام - أروع صورة - بقوله أأقنع أو أرضى عن نفسي بأن يقولوا هذا أمير المؤمنين ولم أشاركهم في هذه الحياة حلوها ومرها ثم يعطي مثالًا دقيقًا لذلك:
«أَ أَقْنَعُ مِنْ نَفْسِی بِأَنْ يُقَالَ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنيِنَ، وَلاَ أُشَارِكُهُمْ فِی مَكَارِهِ الدَّهْرِ، أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِی جُشُوبَةِ(6) الْعَيْشِ! فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ، كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا(7)، أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا(8)، تَكْتَرِشُ
ص: 105
مِنْ أَعْلاَفِهَا، وَتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا، أَوْ أُتْرَكَ سُدىً، أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً، أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلاَلَةِ، أَوْ أَعْتَسِفَ(1) طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ»(2).
على الرغم من كون الإمام علیه السلام خليفة المسلمين وإمامهم وله حق عليهم إلا أننا نراه قد جاء بكلام في غاية الأهمية وذلك عندما يقسم بأنه يتحمل الصعاب لكي لا يظلم أحدًا ثم يأتي الله ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم يوم القيامة غاصبًا لحق أحدٍ، حيث يقول:
«واللهِ لأنْ أبيتَ عَلَ حَسَكِ السّعْدان(3) مُسهّدًا(4)، أو أجرّ فِی الأغلال مُصفدًا(5) أحَبّ إلّي منْ أنْ ألْقى الله وَرَسُولهُ يوْمَ القْيامةِ ظاِلمًا لبعْض العبَادِ، وغاصبًا لشيءٍ مَنْ الحُطامِ(6) وَكَيفَ أظْلمُ أحًدًا لنَفْسٍ يُسْعُ الى البِلَی قُفُولُها، ويَطُولُ في الثُّرى حُلُولُها؟»(7).
فالإمام علیه السلام يقول: كيف أظلم الناس لأجل نفس تموت سريعًا؟ يعني
ص: 106
نفسه علیه السلام(1).
يقول الامام علیه السلام:
«لا يُقَاسُ بآِلِ مُحَمَّد علیهم السلام مِنْ هذِه الاُمَّةِ أَحَدٌ، وَلا يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أبَداً. هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ، وَعِمَادُ اليَقِينِ، إِلَيْهمْ يَفِيءُ الغَالي، وَبِهِمْ يَلْحَقُ التَّالي، وَلَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الوِلايَةِ، وَفيِهِمُ الوَصِيَّةُ وَالوِرَاثَةُ، الآنَ إِْ رَجَعَ الحَقُّ إِلَی أَهْلِهِ، وَنُقِلَ إِلَی مُنْتَقَلِهِ»(2).
يقول ابن أبي الحديد المعتزلي: «وإشارته هذه ليست الى المنافقين كما ذكر الرضي رحمه الله وإنما هي إشارة الى من تغلب عليه، وحجر حقه كمعاويه وغيره ولعل الرضي رحمه الله تعالى عرف ذلك وكنى عنه»(3). فالإمام علیه السلام يشير الى الثناء على آل محمد فقد جعلهم كمقنب(4). يسير في فلاة، فالفاني منه أي الفارط المتقدم، الذي غلا في سيره يرجع الى ذلك المقنب إذا خاف عدوًا، ومن قد تخلف عن ذلك المقنب فصار تاليًا له يلتحق به إذا أشتر عن أن يتخطف(5). ثم ذكر خصائص حق الولاية وهي الإمرة، فأما الإمامية فيقولون: أراد نص النبي صلی الله علیه و آله وسلم [يقصد الإمام عليًا علیه السلام وأولاده، أما رأي المعتزلة فيقولون: لهم خصائص حق ولاية الرسول صلی الله علیه و آله وسلم على الخلق فيما قال: «وفيهم الوصية والوراثة «يقول المعتزلي:
ص: 107
«أما الوصية فلا ريب عندنا أن عليًا علیه السلام كان وصي رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وإن خالف في ذلك من هو منسوب عندنا الى العناد»(1).
فالولاية(2) وكما أشار الإمام علي علیه السلام هي حق آل البيت علیهم السلام وهي بمفومها تعني ولاية أمور المسلمين من بعد الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، وطبقًا لهذا المعنى ما جاء على لسان أبي بكر قوله: «إني قد وليت عليكم ولست بخيركم»(3). وقوله: «ولا وليت ذا قرابة»(4). فضلًا عن ذلك أن عمر كان يقول عندما سئل لمن يستخلف الأمر فأجاب...لو كان أبو عبيدة حيًا لوليته...»(5).
وبذلك يقول الأستاذ احمد حسين يعقوب: ومن الملفت للانتباه أن أبا بكر وعمر لم يجدا كلمة تغني عن كلمة التولية على الرغم من التصاق هذه الكلمة شرعًا بعلي بن أبي طالب علیه السلام ودليلنا أنه لم يصدف على الإطلاق أن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم قد قال لمسلم قط: «أنت وليهم من بعدي، أو من كنت مولاه فهذا فلان
ص: 108
مولاه »... ثم يقول إن هذه الكلمة على الأطلاق لم تقُل شرعًا إلا لعلي(1).
فالولي المقصود هو الخليفة أو القائد الذي يتولى أمور المسلمين فحديث الولاية لعلي بن أبي طالب علیه السلام نص واضح وجلي والذي أكده جمهور المسلمين بالإجماع والتواتر وهو ما يسمى بحديث الغدير وهو واحد النصوص الواردة في أحقية الولاية والخلافة للإمام علیه السلام بعد الرسول صلی الله علیه و آله وسلم عن زيد بن أرقم قال: خطب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بغدير خم(2). تحت شجرات فقال: «أيها الناس يوشك أن أدعى فأجيب، وإني مسؤول وإنكم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وجاهدت ونصحت، فجزاك الله خيرًا فقال: أليس تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن جنته حق وأن الموت حق وأن البعث حق... قالوا: بلى نشهد بذلك، قال: اللهم اشهد، ثم قال: يا أيها الناس إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه، فهذا
ص: 109
مولاه - يعني عليًا - اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه...»(1).
ص: 110
على حين «روى سفيان الثوري، عن عبد الرحمن، عن عمر بن عبد الغفار، أن أبا هريرة ولما قدم الكوفة مع معاوية، كان يجلس بالعشيات بباب كندة، ويجلس الناس إليه، فجاء شاب من الكوفة، فجلس إليه، فقال: يا أبا هريرة، أنشدك الله، أسمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول لعلي بن أبي طالب علیه السلام: اللهم والِ من والاه وعاد من عاداه؟ فقال: اللهم نعم، قال: فاشهد بالله، لقد واليت عدوه، وعاديت وليه! ثم قام عنه»(1).
وبرواية أخرى أيضًا عن زيد بن أرقم قال: «لما رجع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات(2). فقمن، فقال: كأني دعيت فأجبت وإني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله تعالى
ص: 111
وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض» ثم قال:
«إن الله مولاي وأنا مولى كل مؤمن، ثم أخذ بيد علي علیه السلام فقال: «من كنت مولاه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه»(1). وبعد ذلك تقدم أبو بكر وعمر لتهنئة الإمام علیه السلام بقولهم: أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة و «بخ بخ لك يا بن أبي طالب» و «أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن».
ص: 112
ص: 113
وروى أبو إسرائيل عن الحكم عن أبي سلمان المؤذن، أن عليًا علیه السلام ناشد الناس من سمع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول:
«من كنت مولاه فعلي مولاه».
فشهد له قوم وأمسك زيد بن أرقم(1)، فلم يشهد - وكان يعلمها - فدعا علي علیه السلام بذهاب البصر فعمي، فكان حديث الناس بالحديث بعدما كف بصره(2).
فيما أشار الخوارزمي: قيل لعمر بن الخطاب، نراك تصنع بعلي شيئًا لا تصنعه بأحد من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فقال: إنه مولاي(3)، وجاء عن الإمام علیه السلام ان
ص: 114
نصره للإسلام أفضل من ولايتهم بقوله:
«فَخَشِيتُ إِنْ لَم أَنْصُرِ الْاِسْلاَمَ أَهْلَهُ أَنْ أَرَى فيِهِ ثَلْماً أَوْ هَدْماً، تَكُونُ الْمُصِيبَةُ بِهِ عَلَیَّ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلاَيَتِكُمُ الَّتِي إِنَّمَا هِيَ مَتَاعُ أَيَّام قَلاَئِلَ، يَزُولُ مِنْهَا مَا كَانَ، كَمَا يَزُولُ السَّرَابُ، أَوْ كَمَا يَتَقَشَّعُ السَّحَابُ...»(1).
على حين ذكر ابن أبي الحديد المعتزلي حوارًا بين ابن العباس وعمر بن الخطاب يقر فيه عمر على أن الولاية والخلافة لعلي علیه السلام بعد النبي صلی الله علیه و آله وسلم روى ابن عباس رضی الله عنه، قال: دخلت على عمر في أول خلافته... ثم قال: من أين جئت يا عبد الله؟ قلت: من المسجد، قال: كيف خلفت ابن عمك؟... قال: إنما عنيت عظيمكم اهل البيت، قلت: خلفته يمتح بالغرب(2) على نخيلات...، وهو يقرأ القرآن، قال: يا عبد الله، عليك دماء البدن إن كتمتنيها، هل بقي في نفسه شيء من أمر الخلافة؟ قلت: نعم، قال: أيزعم أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم نص عليه؟ قلت:
نعم، وأزيدك، سألت أبي عما يدعيه، فقال: صدق، فقال عمر: لقد كان يربع في أمره وقتها، ولقد أراد في مرضه(3) أن يصرح باسمه - يقصد اسم الإمام
ص: 115
علي علیه السلام - فمنعت من ذلك إشفاقًا وحيطة على الإسلام، لا ورب هذه البنية لا تجتمع عليه قريش أبدًا، ولو وليها لانتفضت عليه العرب من أقطارها، فعلم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أني علمت ما في نفسه فأمسك، وأبى الله إلا إمضاء ما حتم»(1).
وأشار أحد المؤرخين إلى أهم الأسباب التي دفعت الصحابة الى عدم تولية الإمام علي علیه السلام لقوله: إن الخلافة إذا وصلت الى علي لن تخرج عنه أبدًا وبذلك تفوت الفرصة عليهم(2).
فيما أشار المستشرق الألماني 1716( Johann Jakobreisk - 1774 (:
بقوله «ومن المحن التي توالت على أنصار علي بن أبي طالب والتي كانت تدبيرًا إلهيًا، وكان علي الأحق بالخلافة بعد النبي [صلی الله علیه و آله وسلم] مباشرة، وإنه حرم من حقه هذا طوال أربع وعشرين سنة بسبب المؤامرات، إذ إن عليًا كان أفضل أمير
ص: 116
عرفه العالم الإسلامي»(1).
ومع هذا فإن الإمام علیه السلام عندما كلم طلحة والزبير بعد بيعته وكانا قد عتبا عليه كان يقول لهم:
«وَاللهِ مَا كَانَتْ لِی فِی الْخِلَافَةِ رَغْبَةٌ وَلَا فِی الْوِلَايَةِ إِرْبَةٌ»(2).
أما الوصية(3)، فيرى بعض المفكرين أن تمسك الإمام علیه السلام بالوصية له من قبل الرسول صلی الله علیه و آله وسلم كان مسألة صعبة للغاية، وذلك لأنه كان يسحب الشرعية عن خلافة من سبقوه(4)، الأمر الذي كان من شأنه أن يحدث بلبلة شديدة في أوساط المسلمين، لا يستفيد منها في ذلك الظرف إلا أعداء الإسلام(5)، ولكن هذا لم يمنع الإمام علیه السلام من الاشارة الى الوصية بين الحين والآخر منعًا من طمسها وفضلًا عن كونها الطريقة المثلى لتولي الخلافة، لذا جاء في خطبته المذكورة:
«لا يقاس بآل محمد صلی الله علیه و آله وسلم...»(6).
ص: 117
وفي خطبة أخرى يؤكد ذلك بقوله:
«أنا سيد الوصيين»(1).
وجاء على لسانه بهذا الصدد [وصايته] أثناء الإشارة الى اختلاف الفرق:
«فَيا عَجَباً! وما لِیَ لا أَعْجَبُ مِنْ خَطَإ هَذِهِ الْفِرَقِ عَلَی اخْتلِافِ حُجَجِها فِی دِينهِا! لا يَقْتَصُّونَ أَثَرَ نَبيِّ، ولا يَقْتَدُونَ بِعَمَلِ وَصِّی»(2).
وقد ذكر المعتزلي الشعر الذي قيل في وصاية الإمام علي علیه السلام وهو كثير إلا أننا اقتطفنا منه ما قاله ابن بديل بن ورقاء الخزاعي يوم الجمل(3):
حرب الوصي وما للحرب من آسي *** يا قوم للخطة العظمى التي حدثت
تلك القبائل اخماسًا لأسداس *** الفاصل الحكم بالتقوى إذا ضربت
وكذلك من أشعار صفين التي تتضمن تسميته علیه السلام بالوصي ما ذكره نصر بن مزاحم، قال زحر بن قيس(4):
فصلى الإله على أحمد *** رسول المليك تمام النعم
رسول المليك ومن بعده *** خليفتنا القائم المدعم
عليًا عنيت وصي النبي *** نجالد عنه غواة الأمم
وقد أشار ابن أبي الحديد في قصائده الى وصية الإمام علیه السلام(5):
ص: 118
لقد فاز عبد للوصي ولاؤه *** وإن شابه بالموبقات الكبائر
هو النبأ المكنون والجوهر الذي *** تجسد من نور من القدس زاهر
ثم أشار الإمام الى الوراثة، وهي دليل آخر على استحقاق الإمام علیه السلام الخلافة بعد الرسول صلی الله علیه و آله وسلم وقد جعله صلی الله علیه و آله وسلم كهارون من موسى وخليفته بعده، وذلك في حديث المنزلة، حيث كان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قد خرج في غزوة تبوك وخرج الناس معه، فقال له علي: أخرج معك؟ فقال صلی الله علیه و آله وسلم: لا فبكى علي، فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه ليس بعدي نبي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي.
ص: 119
ص: 120
وذكرت المصادر عن سويد بن غفلة عن عمر بن الخطاب: «أنه رأى رجلًا يسب عليًا علیه السلام فقال عمر: إني أظنك منافقًا، سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول:
إنما علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي»(1).
فيما جاء الحديث برواية أخرى من الصحابة وما جرى بين سعد بن أبي وقاص ومعاوية بن أبي سفيان الذي سن سب الإمام علي علیه السلام على المنابر خير مصداق لذلك، «فعندما قال معاوية لسعد بن أبي وقاص: ما منعك أن تسب أبا تراب؟ فقال أما ما ذكرت ثلاثًا قالهن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فلن أسبه، لأن تكون لي واحدة منها أحب إلي من حمر النعم(2)، سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول له وقد خلفه في بعض المغازي:
ص: 121
«أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي..
فأبلس معاوية وكف عن تكليف سعد»(1).
والأغرب من ذلك أن معاوية يعترف بلسانه بحديث المنزلة، «حيث إن رجلًا سأل معاوية عن مسألة، فقال: سل عنها عليًا فهو أعلم، قال: جوابك فيها أحب إلي من جواب علي علیه السلام قال: بئس ما قلت! لقد كرهت رجلًا كان رسول الله يغره بالعلم غرًا، ولقد قال له:
أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي»(2).
يقول المؤرخ الفرنسي سيديو: «جمع زوج فاطمة [علي - علیه السلام -) في شخصه حقوق الوراثة وحقوق الانتخاب، ووجب على كل واحد أن ينحني أمام صاحب هذا المجد العظيم الخالص وما كان هذا ليحدث»(3). فنحن نرى أن خلافة علي علیه السلام لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم برؤية تختلف عما يراه الآخرون أي تقرأها من ناحية دينية كون الإمام يحفظ تراث محمد صلی الله علیه و آله وسلم وتراث القرآن، إلا أن الأمة لم
ص: 122
تمتثل لأمر نبيها صلی الله علیه و آله وسلم»(1).
ثم كان يقول قائل: لعلهم (الصحابة) اجتهدوا فأخطأوا ولم يعلموا بأن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم أراد عليًا علیه السلام خليفة بعده - فتكون الإجابة – لا يمكن ذلك كون الأدلة ثابتة ولا تقبل النقاش، فضلًا عن ذلك أنه صلی الله علیه و آله وسلم نبههم لذلك كما نبه نبي الله يعقوب علیه السلام أولاده بما سيحدث لابنه منهم.
أما قوله «الآن إذ رجع الحق الى أهله» يقول المعتزلي «وهذا يقتضي أن يكون فيما قبل في غير أهله،... ونقول إنه علیه السلام كان أولى بالأمر وأحق، لا على وجه النص(2)، بل على وجه الأفضلية، فإنه أفضل البشر بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وأحق بالخلافة من جميع المسلمين لكنه ترك حقه لما علمه من المصلحة، وما تفرس فيه هو والمسلمون من اضطراب الإسلام، وانتشار الكلمة، لحسد العرب له، وضغنهم عليه. وجائز لمن كان أولى بشيء فتركه ثم استرجعه أن يقول: «قد
ص: 123
رجع الأمر الى أهله»(1) وقوله «وانتقل الى منتقله»(2) كقولك: لي في هذا الأمر مضطرب، وقد رجع الأمر الى نصابه، والى الموضع الذي هو على الحقيقة الموضع الذي يجب أن يكون انتقاله إليه(3). أما معنى كلامه هذا وما القصد منه فهو واضح كما يقول المعتزلي «لا ريب في أن كلامه هذا تعريض بمن تقدم عليه، فأي نعمة له عليهم؟!! قيل نعمتان: الأولى منهما الجهاد عنهم وهم قاعدون، فإن من أنصف علم أنه لولا سيف علي علیه السلام لاصطلم المشركون. والثانية علومه التي لولاها لحكم بغير الصواب في كثير من الأحكام وقد اعترف عمر له بذلك، والخبر مشهور(4): «لولا(5) علي لهلك عمر»(6).
إشارة الامام إلى خلافة من سبقه:
ص: 124
.............. مِنَ الرَّحَا(1) يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ، وَلا يَرْقَى إِلَّیَ الطَّيْرُ»(2).
فأما قوله علیه السلام:
«أَنَّ مَحَلِّیَ مِنهَا مَحَلُّ القُطْبِ مِنَ الرَّحَا»(3).
أي كما كان الرحا لا تدور إلا على القطب، ودورانها بغير قطب لا ثمرة له ولا فائدة فيه، كذلك نسبتي الى الخلافة، فإنها لا تقوم إلا بي، ولا يدور أمرها إلا عليّ(4). فيما يقول ابن أبي الحديد «وعندي أنه أراد أمرًا آخر، وهو أني من الخلافة في الصميم وفي وسطها وبحبوحتها، كما أن القطب دائرة الرحا»(5).
ولعل ما قصده الإمام علیه السلام أقرب حيث جاء في خطبة أخرى له:
«وَإنَّمَا أَنَا قُطْبُ الرَّحَا، تَدُورُ عَلَیَّ وَأَنَا بِمَكَاني، فَإِذَا فَارَقْتُهُ اسْتَحَارَمَدَارُهَا، وَاضْطَرَبَ ثِفَالُهَا(6)»(7).
فقد جاء أمير المؤمنين علیه السلام بمؤكدات تؤكد علم أبي بكر بأن الخلافة للإمام
ص: 126
علي علیه السلام لا لغيره وهي القسم «والله» واللام في «ليعلم» وهذا يدلل لنا شدة المخالفة، فضلًا عن علم أبي بكر بحق الإمام علیه السلام حيث سمع من النبي صلی الله علیه و آله وسلم أحاديث في حقه علیه السلام فقد جاء كتاب معاوية لمحمد بن أبي بكر عندما بعث إليه محمد بن أبي بكر بكتاب جاء فيه... - فكيف - يالك الويل - تعدل نفسك بعليّ وهو وارث رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ووصيه وأبو ولده، وأول الناس له اتباعًا فكتب إليه معاوية: «ذكرت حق ابن أبي طالب وقديم سابقته، وقرابته من نبي الله ونصرته له واحتجاجك عليّ... فقد كنا وأبوك معنا في حياة نبينا، نرى حق ابن أبي طالب لازمًا لنا، وفضله مبرزًا علينا، فلما اختار الله لنبيه ما عنده، وأتم له ما وعده.
وأظهر دعوته، وأفلج حجته، قبضه الله إليه، فكان أبوك وفاروقه، أوّل من ابتزه وخالفه على ذلك اتفقا واتسقا، ثم دعواه الى أنفسهما فأبطأ عنهما، وتلكأ عليهما، فهّما به الهموم، وأرادا به العظيم، فبايعهما وسلم لهما، لايشركانه في أمرهما، ولا يطلعانه على سرهما... فإن يكن ما نحن فيه صوابا فأبوك أوله، وإن يكن جورًا فأبوك أسّه ونحن شركاؤه فبهديه أخذنا، وفعله اقتدينا، رأينا أباك فعل ما فعل، فاحتذينا مثاله، واقتدينا بفعاله، فعِب أباك بما بدالك، أو دع»(1). فيما روي عن عامر الشعبي عن عروة بن الزبير بن العوام قال: «لما قال المنافقون: إن أبا بكر تقدم عليًا وهو يقول أنا أولى بالمكان منك، قام أبو بكر خطيبُا فيما قاله:...
وإن عليًا بن أبي طالب فاز والله من الله بمحبة ومن الرسول بقرابة ومن الإيمان برتبة، لو جهد الأولون والآخرون إلا النبيين لم يبلغوا درجته ولم يسلكوا منهجه... وقد جعله الله ورسوله للمؤمنين وليًا وللنبي وصيًا وللخلافة راعيًا
ص: 127
وبالإمامة قائمًا»(1).. أليست هذه شهادة صريحة بأن الولاية والوصاية لعلي علیه السلام على لسان أبي بكر وعلمه بها وبأنه [الإمام علیه السلام] محله من الخلافة كمحل القطب من الرحى وأمرها لا يكون إلا إذا تولاها وإلا استحار أمرها. وهذا ما آلت إليه الأمور عندما سلبوا حق الإمام علیه السلام وهم على علم بأحقيته لها حيث جاء عن الكنجي الشافعي قوله عن سعيد بن المسيب قال: قلت لسعد بن أبي وقاص:
إني أريد أن أسالك عن شيء وإني أتقيك قال: سل عما بدا لك، فإنما أنا ابن عمك، قلت: مقال النبي صلی الله علیه و آله وسلم فيكم الغدير، قال: نعم، قام بالظهيرة فأخذ بيد علي بن أبي طالب: فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، فقال أبو بكر وعمر: أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة»(2).
أما قوله:
«يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ»(3).
يعني رفعة منزلته كأنه في ذروة جبل أو يفاع مشرف، ينحدر السيل عنه الى الوهاد والغيطان(4). ثم (ولا يرقى إلّي الطير، هذه أعظم في الرفعة والعلو
ص: 128
من التي قبلها؛ لأن السيل ينحدر عن الرابية والهضبة، وأما تعذر رقي الطير فربما يكون للتلال الشاهقة جدًا، بل هو ما أعلى من التلال، كأن يقول: إني لعلو منزلتي كمن في السماء التي يستحيل أن يرقى الطير إليها)(1). روي عن الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري قوله في تفسير كلامه علیه السلام: «يريد أن - (أي الخلافة) ممتنعة على غيري، لا يتمكن منها ولا تصلح له»(2). وبعد أن، آلت الخلافة الى غيره قال الإمام علیه السلام:
«فَسَدَلْتُ(3) دُونَها ثَوْباً، وَطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً،(4)، وَطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَد جَذَّاءَ(5)، أَوْ أَصْبَرِ عَلَی طَخْيَة(6) عَمْيَاءَ، يَهرَمُ فيهَا الكَبيُر، وَيَشِيبُ فيِهَا الصَّغِيرُ، وَيَكْدَحُ(7) فيِهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ»(8).
فالإمام يوضح ما جرى له فضرب ما بينه وبين الخلافة حجابًا بعد أن رأى القوم وفعلتهم فأخذ يُخير نفسه بين أمرين:
الأول: أن يجهز على القوم ولا يوجد معه من يكفي لصد الغاصبين، إذ
ص: 129
قال لما هجم القوم على الدار يريدون إكراهه ومن معه على البيعة، جاء كلامه مع الأشعث بن قيس: «لو وجدت يوم بويع أخو تيم أربعين رهطًا لجاهدتهم في الله الى أن أبلي»(1) ورواية أخرى «فلما أمسى بايعه (360) رجلًا على الموت فقال لهم أمير المؤمنين علیه السلام: «أغدوا بنا الى أحجار الزيت(2) محلقين، وحلق أمير المؤمنين علیه السلام فما وافى من القوم محلقًا إلا أبو ذر والمقداد وحذيفة بن اليمان وعمار ابن ياسر وجاء سلمان في آخر القوم...»(3) فلذلك عبر الإمام علیه السلام أثناء خطبته عن قلة الأعوان أو الأنصار باليد المقطوعة «الجذاء».
الثاني: رأى أن يصبر على تلك الظلمة التي وصفها بالعمياء؛ كون الأمة قد وقعت فيها حيث بعدوا الخلافة عن شخصها الحقيقي ثم بذلك طال أمدها فهرم فيها الكبير وشاب فيها الصغير، وذكر المعتزلي قوله: «يمكن أن يكون من باب المجازات والاستعارات، أو الأول: يعني به طول مدة ولاية المتقدمين عليه، فإنها مدة يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، وأما الثانية: فإنه يعني بذلك صعوبة تلك الأيام، حتى أن الكبير من الناس يكاد يهرم لصعوبتها، والصغير يشيب من أهوالها، كقولهم: هذا أمر يشيب له الوليد، وإن لم يشب على الحقيقة»(4). ونلاحظ أن الأمر الثاني هو الصواب كونه وصف صعوبة تلك السنين، إذ تعرضت الأمة الى الضلال والانحراف والتغير في الأحكام وأمور
ص: 130
أخرى. فيما صور الإمام علیه السلام كدح المؤمن حتى يلقى ربه، حيث إن الكدح العمل للدنيا والآخرة، فلعل الإمام علیه السلام يقصد نفسه حيث يكدح فيها حتى يرجع حقه، ويرى المجلسي «المراد به المؤمن المجتهد في الذب عن الحق والأمر بالمعروف يسعى فيه ويكد ويقاسي الشدائد حتى يموت»(1).
أما المنهج الذي اختاره الإمام علیه السلام فنلاحظ أنه رجح الصبر:
«فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَ هَاتَا أَحْجَى، فَصَبَرتُ وَفي الْعَيْنِ قَذىً(2)، وَفي الحَلْقِ شَجاً(3)، أرى تُرَاثي(4) نَهبًا»(5).
وكون الصبر أنسب للعقل فضلًا عن أن مواجهة الأعداء بيد جذاء لا تستطيع إرجاع المرجو إعادته، ومن ثمّ لا تعود على الإسلام بالمنفعة وبذلك أكد الإمام علیه السلام في إحدى خطبه ما يدل على هذا الأمر، وذلك عندما خاطبه عمه العباس وأبو سفيان أن يبايعاه، قال:
«أَيُّها النَّاسُ، شُقُّوا أَمْوَاجَ الفِتَنِ بِسُفُنِ النَّجَاةِ، وَعَرِّجُوا عَنْ طَريقِ المُنَافَرَةِ، وَضَعُوا تِيجَانَ المُفَاخَرَةِ. أَفْلَحَ مَنْ نَهَضَ بِجَنَاح، أوِ اسْتَسْلَمَ فَأَراحَ، مَاءٌ آجِنٌ،
ص: 131
وَلُقْمَةٌ يَغَصُّ بِهَا آكِلُهَا، وَمُجْتَنِي الَّثمَرَةِ لِغَيْرِ وَقْتِ إِينَاعِهَا كالزَّارعِ بِغَيْرِ أَرْضِهِ»(1).
وفي خطبة أخرى يقول:
«فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لِی رَافِدٌ، وَلاَ ذَابٌّ وَلاَ مُسَاعِدٌ، إِلاَّ أَهْلَ بَيْتِي، فَضَنِنْتُ بِهِمْ عَنِ الْمَنِيَّةِ، فَأَغْضَيْتُ عَلَی الْقَذى، وَجَرِعْتُ رِيقِي عَلَی الشَّجَا وَصَبَرْتُ مِنْ كَظْمِ الغَيْظِ عَلى أَمَرَّ مِنَ العَلْقَمِ، وَآلَمَ لِلْقَلْبِ مِنْ خَزِّ الشِّفَارِ»(2).
ولعل من يتساءل إذا كانت الخلافة حق علي علیه السلام وإرثه من النبي صلی الله علیه و آله وسلم فلماذا تركه لغيره؟ أو لماذا سكت الى أن آلت إليه؟ فالجواب:
إن الخلافة فعلًا حق علي علیه السلام وإرثه من النبي صلی الله علیه و آله وسلم أكد الإمام علیه السلام بيان ذلك في مواطن كثيرة، فيما وضح العلة التي من أجلها أصبحت الأمور على هذا الحال، كقوله علیه السلام:
«قد علمتم أنّ أحقّ بها من غيري، ووالله لاَسلِّمنَّ ما سلمت أُمورُ المسلمين ولم يكن فيها جَورٌ إلاّ علَیَّ خاصّة؛ التماساً لأجر ذلك وفضله، وزهداً في ما تنافستموه من زخرفة وزبرجة»(3).
وقوله:
«أنا أحَقّ بهذا الأمر منه، وانتم أولى بالبَيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار، واحتَجَجْتُم عليهم بالقرابة من الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، وتأخذونه منا أهل البيت غَصباً»(4).
ص: 132
ولعل ما أشار إليه الإمام علیه السلام لما حصل له وقرنه بالأنبياء الذين تأسى بهم أكبر دليل حيث قال: «احتجوا في مسجد الكوفة فقالوا ما بال أمير المؤمنین علیه السلام لم ينازع الثلاثة كما نازع طلحة والزبير... فبلغ ذلك عليًا علیه السلام فأمر أن ينادي الصلاة جامعة، فلما اجتمعوا صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: معاشر الناس! أنه بلغني عنكم كذا وكذا؟ قالوا صدق أمير المؤمنين علیه السلام قد قلنا ذلك. قال: فإن لي بسنةّ الأنبياء أسوة فيما فعلت، قال الله تعالى في محكم كتابه:
«لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»(1).
قالوا: ومن هم يا أمير المؤمنين؟ قال أولهم إبراهيم علیه السلام إذ قال لقومه:
وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله(2) فإن قلتم إن إبراهيم علیه السلام اعتزل قومه لغير مكروه أصابه فقد كفرتم وإن قلتم اعتزلهم لمكروه منهم فالوصي أعذر، ولي بابن خالته لوط أسوة إذ قال لقومه:
«قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ»(3).
وإن قلتم؛ إن لوطًا كانت له بهم قوة فقد كفرتم، وإن قلتم لم يكن له بهم قوة فالوصي أعذر، ولي بيوسف علیه السلام أسوة إذ قال:
«رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ»(4).
فإن قلتم إن يوسف دعا ربه وسأله السجن لسخط ربه فقد كفرتم، وإن
ص: 133
قلتم إنه أراد ذلك لئلا يسخط ربه عليه فاختار السجن فالوصي أعذر، ولي بموسى علیه السلام أسوة إذ قال:
«فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ»(1).
فإن قلتم إن موسى فر من قومه لا خوف كان له منهم فقد كفرتم، وإن قلتم إن موسى علیه السلام خاف منهم فالوصي أعذر، ولي بأخي هارون علیه السلام أسوة إذ قال لأخيه:
«ابْنَ أمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِی وَكَدُوا يَقْتُلوُنَنِی»(2).
فإن قلتم لم يستضعفوه ولم يشرفوا على قتله فقد كفرتم وإن قلتم استضعفوه وأشرفوا على قتله فلذلك سكت عنهم فالوصي أعذر، ولي بمحمد صلی الله علیه و آله وسلم أسوة حين فر من قومه ولحق بالغار من خوفهم وأنا فتى على فراشه، فإن قلتم فر من قومه لغير خوف منهم فقد كفرتم، وإن قلتم خافهم وأنا فتى على فراشه، ولحق بالغار من خوفهم فالوصي أعذر»(3).
وهذا يظهر أن الإمام علیه السلام - كما أسلفنا من خلال خطبه - لم يقاتل ولم يشهر السيف بوجه الذين غصبوا حقه الذي أوصى به الرسول صلی الله علیه و آله وسلم فقد جاء عن زرارة عن أبي جعفر علیه السلام قال:
«إن الناس لما صنعوا ما صنعوا إذ بايعوا أبا بكر لم يمنع أمير المؤمنين علیه السلام من
ص: 134
أن يدعو الى نفسه إلا نظر للناس وتخوفًا عليهم أن يرتدوا عن جميع الإسلام»(1).
فمصلحة الدين وتخوف الإمام علیه السلام أن يرتد الناس وهم حديثو عهد بالجاهلية وفي بداية الإسلام، فضلًا عن قلة من ينصرونه جعلت الإمام علیه السلام يصبر ويكظم غيظه. أما ابن أبي الحديد المعتزلي فيقول في ذلك: «إنه لما كان أمير المؤمنين علیه السلام هو الأفضل والأحق، وعدل عنه الى من لا يساويه في فضل، ولا يوازيه في جهاد وعلم، ولا يماثله في سؤدد وشرف ثم يقول عن ذلك: إلا أنه لا يوجب طعناً... ولا تفسيقًا له!! فالمعتزلة - لما أحسنوا الظن بالصحابة - وحملوا ما وقع منهم على وجه الصواب، وأنهم نظروا الى مصلحة الإسلام وخافوا فتنة لا تقتصر على ذهاب الخلافة فقط، بل وتفضي الى ذهاب النبوة والملة فعدلوا عن الأفضل والأشرف الأحق الى فاضل آخر دونه، فعقدوا له»(2). ولنا أن نسأل:
أهم أعلم أم الله الذي نصّبه إماماً على الناس؟
ص: 135
ص: 136
وحسبنا ما جاء في حديث الغدير حيث هنأ فيه عمر الإمام عليًا علیه السلام «فلقيه عمر فقال: هنيئًا لك يابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة»(1).
كما أن مصلحة الإسلام ينبغي أن يختار من اختاره الله ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم حيث أشار ابن أبي الحديد ما نصه «ألا ترى أن البلد قد يكون فيه فقيهان؛ إحدهما أعلم من الآخر بطبقات كثیرة، فيجعل السلطان الأنقص علمًا منهما قاضيًا، فيتوجد الأعلم ويتألم وينفُث أحيانًا بالشكوى ولا يكون ذلك طعناً في القاضي ولا تفسيقًا له، ولا حكمًا منه بأنه غیر صالح بل للعدول عن الأحق والأولى؟»(2).
ونحن نخاطب ابن أبي الحديد ردًا على ما قاله ونقول:
أولًا: لا يمكن لأي سلطان عادل أن يقدم غیر الأعلم الذي له الحق في ذلك إلا إذا كان متبعًا لهواه، فضلًا عن أن القاضي عمله لفضّ النزاع والتخاصم وليس للتعيين.
ثانيًا: أي فتنة خافوها، هل يعقل عندما يتولى الإمام علي علیه السلام الخلافة تكون
ص: 137
فتنة والأعم الأغلب كان يريد مبايعته كما صرح بذلك الطبري «فقالت الأنصار أو بعض الأنصار لا نبايع إلا عليًا»(1). فكيف يكون غير الأنصار الأكثر حماسًا لتولية الإمام علیه السلام لمنصب الخلافة:
«حَتَّى مَضَی الْاَوَّلُ لِسَبيِلِهِ، فَأَدْلَی(2) بِهَا إِلَی ابن الخطاب بَعْدَهُ».
شتان(3) ما يومي على كورها(4) ويوم حيان أخي جابر(5) أشار ابن ابي الحديد بقوله: «لما كان علیه السلام يرى أن العدول بها عنه الى غيره إخراج لها الى غير جهة الاستحقاق شبه ذلك بإدلاء الإنسان بماله الى الحاكم، فكأنه إخراج للمال على غير وجهه»(6) ونحن نرى أن الإمام علیه السلام تمثل بذلك
ص: 138
القول لأن الثاني سلمها الى الأول ليعود بها الأول للثاني بدليل أن الإمام لما هدده عمر بالقتل إن لم يبايع فقال له علیه السلام:
«أحلب حلبًا لك شطره، وأشدد له اليوم أمره يردد عليك غدًا»(1).
وفعلًا تبين ذلك عندما «خرج عمر بكتاب أبي بكر فيه استخلافه قال له رجل: ما في الكتاب يا أبا حفص؟ قال: لا أدري(2) ولكن أول من سمع وأطاع، قال: لكن والله أدري ما فيه: أمرته عام أول، وأمرك العام»(3). وقد صرح بذلك المعتزلي: «وعمر هو الذي شد بيعة أبي بكر ووقم(4) المخالفين فيها... ولولا ذلك لم يثبت لأبي بكر أمر، ولا قامت له قائمة»(5) فضلًا عن ذلك أن الإمام علیه السلام يعلم بما خططوا إليه لغصب حقه وقد ذكرهم بذلك لما أخذ من بيته قهرًا: لقد وفيتم بصحيفتكم الملعونة التي تعاقدت عليها في الكعبة إن قتل الله محمدًا أو مات لتزون هذا الأمر عنا أهل البيت فقال أبو بكر فما علمك بذلك؟ ما أطلعناك عليها! فقال علیه السلام: أنت يازبير وأنت يا سلمان وأنت يا أبا ذر وأنت يامقداد، أسألكم بالله وبالإسلام، أما سمعتم رسول الله يقول ذلك وأنتم تسمعون: إن فلانًا وفلانًا - حتى عد هؤلاء الخمسة - قد كتبوا أنفسهم كتابًا وتعاهدوا فيه وتعاقدوا إيمانًا على ما صنعوا إن قتلت أو مت؟ فقالوا:
ص: 139
اللهم نعم...(1)، وهذا ليس ببعيد إنما كان مخططًا سابقًا كون النبي صلی الله علیه و آله وسلم قد أكد كثيرًا تنصيب علي علیه السلام إمامًا ووصيًا وخليفة ووارثًا لكنهم اجتمعوا على عكس ذلك فكانت للأول، أبي بكر(2)، والتي كانت وفاته ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخر من سنة ثلاث عشرة(3).
وأشار الإمام علیه السلام حتى مضى الأول لسبيله فدفعها لآخر (عمر بن الخطاب)(4) وقد تنوعت الروايات في الكيفية التي صدرت فيها الخلافة من أبي بكر الى عمر فمنها ما ذكره الطبري، قال حدثنا حميد قال حدثنا يحيى بن واضح قال حدثنا يونس بن عمر عن أبي السفر قال أشرف أبو بكر على الناس من كنيفه وأسماء بنت عميس ممسكته موشومة اليدين وهو يقول: أترضون بمن استخلف عليكم فإني والله ما ألوت من جهد الرأي ولا وليت ذا قرابة وإني قد استخلفت عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا، فقالوا: سمعنا وأطعنا»(5) ورواية أخرى «أحضر أبو بكر عثمان. وهو يجود بنفسه - فأمره أن يكتب عهدًا، وقال اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد به عبد الله بن عثمان الى المسلمين: أما بعد، ثم أغمي عليه، وكتب عثمان: قد استخلفت عليكم عمر ابن الخطاب وأفاق أبو بكر فقال اقرأ، فقرأه، فكبر أبو بكر وسر وقال أراك خفت أن يختلف الناس إن مت في غشيتي! قال نعم، قال جزاك الله خيرًا عن
ص: 140
الإسلام وأهله، ثم أتم العهد وأمر أن يقرأ على الناس فقرئ عليهم ثم أوصى عمر...»(1). وللاستخلاف صور متعددة ومتغايرة «إن أبا بكر دعا عثمان بن عفان فقال: أكتب عهدي فكتب عثمان وأملى عليه: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد به أبو بكر بن أبي قحافة آخر عهده في الدنيا نازحًا عنها، وأول عهده بالآخرة داخلًا فيها: أني استخلفت عليكم عمر بن الخطاب فإن تروه عدل فيكم فذلك ظني به ورجائي فيه وأن بدل وغير فالخير أردت ولا أعلم الغيب... ثم إنه استدعى عمر وطلب منه أن يقبل الاستخلاف ثم قال له: خذ هذا الكتاب واخرج به الى الناس وأخبرهم أنه عهدي وسلهم عن سمعهم وطاعتهم فخرج عمر بالكتاب وأعلمهم، فقالوا: سمعًا وطاعة...»(2). نخرج بمحصلة من هذه الروايات الثلاث هي عقد البيعة من أبي بكر الى عمر بشكل صريح ويلاحظ عليه ملاحظات عديدة يتتبعها من يطلب الحقيقة التاريخية ومصاديقها وهي:
أولًا: أن النبي محمدًا صلی الله علیه و آله وسلم استشهد في مرض وأبو بكر كذلك، أن النبي أمر الصحابة بجلب الكتاب والدواة وأبو بكر أيضًا - كما أسلفنا كمنصفين – لماذا لم يؤخذ بقول النبي صلی الله علیه و آله وسلم ويقال عنه بأنه هجر بينما تأخذ الأمة بكلام أبي بكر وتنفذه في وقته بالسمع والطاعة على حين لم يسمع كلام نبي الأمة وخاتم
ص: 141
الرسل صلی الله علیه و آله وسلم وهذا يدل على عصيان الصحابة وخذلانهم وعدم تلبية كلام نبيهم، وهذا لا يدل إلا لعلمهم من دون شك أن هذا الكتاب ليس فيه ذكر أحدهم.
ثانيًا: ما قاله أبو بكر لعثمان لما أغشي عليه ثم أفاق «أراك خفت أن يختلف الناس إن مت في غشيتي، قال نعم»(1) ونقول: ألم يقولوا ويزعموا أن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم مات ولم يستخلف ولم يوصِ حتى توفي! إنما بهذا أرادوا القول إن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم يريد للناس أن يختلفوا! حاشا لله أن يكون كذلك، إذن من الذي أعلم بأمور الأمة وأعلم بمصالحها إلا الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، على حين روى بعضهم أن أبا بكر قال في احتضاره: والله ما آسي إلا على ثلاث فعلتها وودت أني تركتها، وثلاث تركتها وودت أني فعلتها، وثلاث وددت أني سألت رسول الله عنها وودت أني كنت سألت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لمن هذا الأمر فلا ينازعه أحد، وودت أني كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر نصيب»(2). وشتان بين هذا وذاك، فأبو بكر يتمنى لو سأل الرسول صلی الله علیه و آله وسلم إذن هذا تأكيد أن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم لم يستخلف وهذا مناقض لما جاء عن لسانه في حق علي علیه السلام بالوصية، فضلًا عن أنه صرح «بأن الأئمة من قريش»(3) وأن الصحابة احتجوا على الأنصار بذلك في السقيفة. وأمر ثالث بالغ الأهمية: إذا كان النبي صلی الله علیه و آله وسلم لم يستخلف حيث أشار أبو بكر، فكيف يقوم ويختار أو يستخلف للأمة؟ أليس من المعقول أن يحذو حذو
ص: 142
الرسول صلی الله علیه و آله وسلم ثم تمثل الإمام علیه السلام ببيت الأعشى الكبير(1)، ويقول ابن أبي الحديد في ذلك «وحيان وجابر ابنا السمني الحنفيان، وكان حيان صاحب شراب ومعاقرة خمر، وكان نديم الأعشى، وكان أخوه جابر أصغر سناً منه فيقول:
ابن حبان قال للأعشى: نسبتني الى أخي وهو أصغر سناً مني! فقال: إن الروي اضطرّني الى ذلك، فقال: والله لا نازعتك، كأسًا أبدًا ما عشت»(2).
ومعنى شتان يومي وأنا في الهاجرة والرمضاء أسير على كور هذه الناقة ويوم حيان وهو في سكره الشراب، ناعم البال مرفه من الأكدار والمشاق، والإمام علیه السلام، أراد بذلك: «شتان بين يومي في الخلافة مع ما انتفض عليّ من الأمر ومنيت به من انتشار الحبل واضطراب أركان الخلافة، وبين يوم عمر حيث وليها على قاعدة جمهور وأركان ثابت، وسكون شامل، فانتظم أمره، وأطرد حاله وسكنت أيامه»(3). فيما يرى السيد المرتضى «أن غرضه علیه السلام بيان البعد بين يومه صابرًا على القذى والشجى وبين يومهم فائزين بما طلبوا من الدنيا»(4) ثم يشير، الإمام علیه السلام الى استقالة أبي بكر وتسلمها لعمر:
ص: 143
«فَيَا عَجَباً!! بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُها في حَيَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا لآخَرَ(1) بَعْدَ وَفَاتِهِ لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا(2) ضْرَعَيْهَا! فَصَيَّرهَا في حَوْزَة خَشْنَاءَ(3)، يَغْلُظُ كَلْمُهَا(4)، وَيْخَشُنُ مَسُّهَا، وَيَكْثُرُ العِثَارُ [فيِهَا] وَالاْعْتَذَارُ مِنْهَا، فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ، إِنْ أَشْنَقَ لَهَا خَرَمَ، وَإِنْ أَسْلَسَ لَهَا تَقَحَّمَ، فَمُنِيَ النَّاسُ لَعَمْرُ اللهِ بِخَبْط وَشِمَس(5)، وَتَلَوُّن وَاعْتِرَاض(6). فَصَبْرَتُ عَلَی طُولِ الْمُدَّةِ، وَشِدَّةِ الْمِحْنَة(7)».
يصور الإمام علیه السلام «تعجبه من الأول فيا عجبي» أي والعجب منه وهو يستقيل المسلمين من الخلافة أيام حياته، فيقول أقيلوني ثم يعقدها عند وفاته لآخر، وهذا يناقض الزهد والاستقالة منها وقال الشاعر(8):
حملوها يوم السقيفة أوزا *** رًا تخف الجبال وهي ثقال
ثم جاؤوا من بعدها يستقيلون *** وهيهات عثرة لا تقال
ص: 144
وبذلك قال الشيخ محمد عبده: «رووا أن أبا بكر قال بعد البيعة أقيلوني فلست بخيركم»(1) وأنكر الجمهور هذه الرواية عنه، والمعروف عنه: «وليتكم ولست بخيركم»(2) وقد ذكرها المؤرخون «وليت عليكم ولست بخيركم»(3). فيما جاء عند ابن أبي الحديد ما نصه: «وقد اختلف الرواة في هذه اللفظة، فكثير من الناس رواها: «أقيلوني فلست بخيركم «ومن الناس من أنكر»(4) هذه اللفظة ولم يروها، وإنما روى قوله: «وليتكم ولست بخيركم»(5). وقد تبين أنها جاءت على لسانه في موضعين: فقد ذكر الأول ابن قتيبة: لما خرج أبو بكر وعمر من عند سيدة النساء علیها السلام وهي ساخطة عليهما، فاجتمع إليه الناس وكان مما قاله: «... لا حاجة لي في بيعتكم، أقيلوني بيعتي»(6) والثاني: لما تمت البيعة لأبي بكر أقام ثلاثة أيام يقيل الناس ويستقيلهم، بقول «قد أقلتكم في بيعتي، هل من كاره؟ هل من مبغض»(7).
ص: 145
وعلى الرغم من هذه الأدلة والتي سبقت ابن أبي الحديد فإنه يقول: «ومن رواها اعتذر لأبي بكر فقال: إنما قال: أقيلوني، ليُثير ما في نفوس الناس من بيعته، ويخبر ما عندهم من ولايته، فيعلم مريدهم وكارههم، ومحبهم ومبغضهم، فلما رأى النفوس إليه ساكنة والقلوب لبيعته مذعنة، فتأمر على امارته، وحكم حكم الخلفاء في رعيته»(1). أما وجه اعتذار ابن أبي الحديد فنقول: إن كان القصد ليثور ما في النفوس ويرى ما بها فلعل ما حدث بين المهاجرين والأنصار قد أثبتت ذلك من جهة، فضلًا عن أن كلامه يد ل على نحو صريح لوجود من هو خير منه في هذا الأمر، ثم يذكر بقوله: «وقد جرى مثل ذلك لعلي علیه السلام فإنه قال للناس بعد قتل عثمان: دعوني والتمسوا غيري،...، وقال لهم: أتركوني،.. فأبوا عليه وبايعوه، فكرهها أولًا ثم عهد الى الحسن علیه السلام عند موته»(2) وبذلك قالت الإمامية: «هذا غير لازم، والفرق بين الموضعين ظاهر، لأن عليًا علیه السلام لم يقل: إني لا أصلح، ولكن كره الفتنة، وأبو بكر قال كلامًا معناه: إني لا أصلح لها لقوله: (لست بخيركم) ومن نفى عن نفسه صلاحيته للإمامة لا يجوز أن يعهد بها الى غيره»(3). ثم يقول الإمام علیه السلام فصبرت على طول المدة، ويقصد بها مدة خلافة عمر وشدة المحنة التي أدّت بالأمة إلى ما حدث إلا أنه صبر من أجل ثبات الإسلام وأركانه:
«حَتَّى إذِا مَضَی لِسَبيِلِهِ جَعَلَهَا في جَمَاعَة زَعَمَ أَنَّ أَحَدُهُمْ. فَيَاللهِ وَللِشُّورَى(4)»(5).
ص: 146
«مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ(1) فَّیِ مَعَ الَاوَّلِ مِنْهُمْ، حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إِلَی هذِهِ النَّظَائِرِ! لكِنِّي أَسفَفْتُ(2) إِذْ أَسَفُّوا، وَطِرْتُ إِذْ طَارُوا، فَصَغَا(3) رَجُلٌ مِنْهُمْ لِضِغْنِه(4)، وَمَالَ الآخَرُ لِصِهْرهِ(5)، مَعَ هَن(6) وَهَن»(7).
يقول الإمام علیه السلام «إن عمر لما طعن جعل الخلافة في ستة، هو علیه السلام أحدهم، ثم تعجب من ذلك فقال: متى اعترض الشك فيّ مع أبي بكر، حتى أقرن
ص: 147
بسعد بن ابي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وأمثالهما؟ لكني طلبت الأمر وهو موسوم بالأصاغر منهم، كما طلبته أولًا وهو موسوم بأكابرهم، أي هو حقي فلا استنكف من طلبه»(1). أما مسألة استخلاف عمر فقد اختلف عن أبي بكر وذلك باستحداثه الشورى لكن قبل ذلك فقد قال له ابنه عبد الله:... فإنه لو جاءك راعي إبلك أو غنمك وترك إبله أو غنمه لا راعي له للمته، وقلت له: كيف تركت أمانتك ضائعة؟ فكيف يا أمير المؤمنين - بأمة محمد؟ فاستخلف عليهم(2).
ورواية أخرى قيل لعمر ألا تستخلف؟ قال إن استخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر وأن أترك فقد ترك من هو خير مني رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فأثنوا عليه...»(3). وبذلك نقول: لو كان للاستخلاف ضرورة بنظر الصحابة، فالأولى بذلك النبي الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم والذي لم يترك أمته بلا خليفة، وهذا غير جائز حيث إن نصوصًا جلية صدرت من الرسول صلی الله علیه و آله وسلم في علي علیه السلام ومنذ بداية الدعوة الإسلامية وهي مثبوتة في مصادر العامة والخاصة، ومع هذا فللمعتزلي رأي ينكر فيه النص على ولاية الإمام علیه السلام من قبل الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، وذلك يوم السقيفة عندما قال الإمام علیه السلام: يا معشر المهاجرين، الله الله إلا يخرجوا سلطان محمد عن داره وبيته الى بيوتكم ودوركم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه، فو الله... لنحن - أهل البيت - أحق بهذا الأمر منكم... فقال بشير بن سعد: لو كان هذا الكلام سمعته منك الأنصار يا علي قبل بيعتهم لأبي بكر ما اختلف
ص: 148
عليك اثنان، ولكنهم قد بايعوا(1). فيقول المعتزلي «قلت هذا الحديث يدل على بطلان ما يدعى من النص على أمير المؤمنين وغيره، لأنه لو كان هناك نص صريح لاحتج به ولم يجر للنص ذكر، وإنما كان الاحتجاج منه ومن أبي بكر ومن الأنصار بالسوابق والفضائل والقول، فلو كان هناك نص على أمير المؤمنين أو على أبي بكر لاحتج به أبو بكر أيضا على الأنصار ولاحتج به أمير المؤمنين على أبي بكر فإن هذا الخبر وغيره من الأخبار المستفيضة، يدل على أنه قد كان كاشفهم وهتك القناع بينه وبينهم، ألا تراه كيف نسبهم الى التعدي عليه وظلمه، وتمنع من طاعتهم، واسمعهم من الكلام أشده وأغلظه؟ فلو كان هناك نص لذكره وذكره بعض من كان من شيعته وحزبه، لأنه لا عطر بعد عروس»(2).
فنقول: وأما احتجاجه بالنص فقد روته المصادر الخاصة وإنما لم يذكر عند العامة لحاجة في نفس يعقوب وأن أقرارهم بوجوده يقتضي حكمهم بكفر المخالفين له علیه السلام أو فسقهم لمخالفتهم للنص وهذا أدى الى إنكاره، وكما جاء للمعتزلي قوله: «لو كان النص موجودًا لكانوا فساقًا أو كفارًا لمخالفته»(3).
فنقول: أي نص؟ وأن الصحابة به قد تحججوا بحججٍ واهية لإبعاد الإمام علیه السلام عن حقه فمنها: «في حديث دار بين عمر وابن عباس قال فيه عمر: يا ابن عباس أما والله إن كان صاحبك [يعني الإمام علیه السلام] أولى بالأمر بعد وفاة النبي صلی الله علیه و آله وسلم إلا أنا خفناه على اثنين قال ابن عباس: فجاء بمنطق لم أجد بدًا منه من
ص: 149
مسألته عنه فقلت يا أمير المؤمنين: ما هما؟ قال خشيناه على حداثة سنه، وحبه بني عبد المطلب»(1). وقد روى الجوهري عن ابن عباس، قال: «إني لأماشي عمر في سكة من سكك المدينة، يده في يدي فقال: يا بن عباس، ما أظن صاحبك إلا مظلومًا، فقلت في نفسي: والله لا يسبقني بها، فقلت: يا أمير المؤمنين فأردد إليه ظلامته: فانتزع يده من يدي، ثم مر يهمهم ساعة ثم وقف، فلحقته، فقال لي: يابن عباس، ما أظن القوم منعهم من صاحبك إلا استصغروه، فقلت في نفسي: هذه شر من الأولى، فقلت والله ما استصغره الله حين أقره أن يأخذ سورة براءة من أبي بكر(2). فيما جاء عن أبي بكر الأنباري «أن عليًا علیه السلام جلس الى عمر في المسجد وعنده ناس فلما قام عرض واحد بذكره، ونسبه الى التيه والعجب، فقال عمر: حق لمثله أن يتيه فوالله لولا سيفه لما قام عمود الإسلام وهو بعد اقضى
ص: 150
الأمة وذو سابقتها، وذو شرفها، فقال له ذلك القائل: فما منعكم يا أمير المؤمنين عنه؟ قال كرهناه على حداثة سنه وحبه بني عبد المطلب(1). ولعل ما صرح به أبو عبيد بن الجراح أقرب الى ذلك، لما قال لعلي علیه السلام: يابن عم إنك حديث السن وهؤلاء مشيخة قومك، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأمور»(2). ومما يجدر بالباحث ان يسند هذه الروايات حسب معطياتها ودلالاتها وهي:
أولًا: إن كانت الأمرة تشترط بكبر السن فلماذا لم تمنع حداثة سن أسامة بن زيد(3). حين أمره الرسول صلی الله علیه و آله وسلم إمرة الجيش وفيه ما فيه من مشيخة القوم وذوي التجربة من المسلمين آنذاك، وإن صح ذلك - لماذا لم يلتفت إلى ذلك الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، لا شك أنه أعلم بما يصلح أمور المسلمين وقد أشارت كتب السير والتاريخ لذلك: «لما مرض الرسول صلی الله علیه و آله وسلم مرض الموت، دعا أسامة بن زيد فقال سر الى مقتل أبيك، فأوطئهم الخيل، فقد وليتك على هذا الجيش... فلم يبق أحد من وجهاء المهاجرين والأنصار إلا كان في ذلك الجيش، منهم، أبو بكر وعمر...».
ص: 151
وهنالك دليل آخر يُبطل مسألة حداثة السن «إن أبا قحافة»(1). كان
ص: 152
بالطائف لما قبض رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بويع لأبي بكر فكتب ابنه إليه كتابًا عنوانه: «من خليفة رسول الله الى أبي قحافة أما بعد: فإن الناس قد تراضوا بي، فإني اليوم خليفة الله، فلو قدمت علينا كان أقر لعينك»(1) فلما قرأ أبو قحافة الكتاب قال للرسول: ما منعكم من علي؟ قال: هو حدث السن وقد أكثر القتل في قريش وغيرها وأبو بكر أسن منه، قال: أبو قحافة إن كان الأمر في ذلك السن فأنا أحق من أبي بكر، لقد ظلموا عليًا حقه وقد بايع له النبي صلی الله علیه و آله وسلم وأمرنا ببيعته. ثم كتب إليه: «من أبي قحافة الى ابنه أبي بكر، أما بعد:
فقد أتاني كتابك فوجدته كتاب أحمق ينقض بعضه بعضًا مرة تقول خليفة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ومرة تقول خليفة الله ومرة تقول تراضى بي الناس، وهو أمر ملتبس فلا تدخلن في أمر يصعب عليك الخروج منه غدًا ويكون عقباك منه الى النار والندامة وملامة النفس اللوامة لدى الحساب بيوم القيامة، فإن للأمور مداخل ومخارج وأنت تعرف من هو أولى بها منك، فراقب الله كأنك تراه ولا تدعنّ صاحبها(2).
وأما المسألة الثانية: وهي حبه علیه السلام لبني عبد المطلب فهل يعاب المرء على حب أهله إذا كانوا على خير، فهذا عمر في وصيته لعثمان يقول فيها: «وما
ص: 153
يمنعني منك يا عثمان إلا عصبيتك وحبك قومك وأهلك...»(1). ولنلاحظ المفارقات التي حدثت في التاريخ، فقد قال عمر لعثمان: «هيها إليك كأني بك قد قلدتك قريش هذا الأمر لحبها إياك فحملت بني أمية، وبني معيط على رقاب الناس»(2).
نلاحظ أن حب عثمان لأهله وتقديمهم على غيرهم، يجعله يتولى لأمر من دون شك، فيما عابوا ذلك على الإمام علیه السلام لحبه لقومه بل وأكثر، بدليل أن عبد الرحمن بن عوف أخذ بيد الإمام علیه السلام فقال له: أبايعك على شرط عمر أن لا تجعل أحدًا من بني هاشم على رقاب الناس، فقال علي علیه السلام عند ذلك: مالك ولهذا إذا قطعتها في عنقي؟ فإن علي الاجتهاد لأمة محمد، حيث علمت القوة والأمانة استعفت بها، كان في بني هاشم وغيرهم»(3). وغيره من الحجج الواهية.
أما ماهية استخلاف عمر في رواية الطبري: «أن عمر بن الخطاب لما طعن قيل له: يا أمير المؤمنين لو استخلفت قال: من استخلف، لو كان أبو عبيدة ابن الجراح حيًا استخلفته فإن سألني ربي قلت: سمعت نبيك يقول: إنه أمين هذه الأمة، ولو كان سالم مولى حذيفة حيًا استخلفته فإن سألني ربي قلت:
سمعت نبيك يقول: «إن سالمًا شديد الحب لله... الى أن قال: فإن استخلفت فقد استخلف من هو خير مني وإن أترك فقد ترك من هو خير مني»(4). حيث
ص: 154
يلاحظ المتأمل بإنصاف من الرواية عدّة ملاحظات منها:
1- قوله: إن أترك فقد ترك من هو خير مني رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وهذا يدل على انعدام أي نص على خلافة أبي بكر من الرسول صلی الله علیه و آله وسلم.
2- قوله: «لو كان أبو عبيدة... ولو كان سالم... فإني سمعت نبيك(1)»(2)! هنا يراودنا سؤال: الم يسمع من نبيه صلی الله علیه و آله وسلم ما قاله في علي علیه السلام وما أكثر ما قاله!! وعلى الرغم من تأكيد عمر خلافة عثمان [بوجه صريح] فإن عمر استحدث الشورى في حين ان الناس قد سألوا عمر: فقالوا: لو عهدت عهدًا؟ قال: قد كنت اجمعت بعد مقالتي [لكم] أن أنظر فأوليّ رجلًا أمركم هو أحراكم أن يحملكم - على الحق وأشار الى عليّ [علیه السلام] - فرهقتني غشية، فرأيت رجلًا يدخل جنة قد غرسها، فجعل يقطف كل غضّة ويانعة، فيضمها إليه، ويصيرّها، تحته... فخفت أن اتحملها حيًا وميتًا، وعلمت أن الله غالب أمره عليكم بالرهط الذي قال رسول الله عنهم: إنهم من أهل الجنة»(3).
الشورى:
وصورة هذه الواقعة كما أوردها ابن أبي الحديد: «أن عمر لما طعنه أبو
ص: 155
لؤلوة، وعلم أنه ميت استشار فيمن يوليه الأمر بعده، فأُشير عليه بابنه عبد الله، فقال: لاها. الله إذا ألا يليها رجلان من ولد الخطاب حسب عمر ما حمل حسب عمر ما احتقب، لاها(1) الله إلا أتحملها حيًا وميتًا! ثم قال: إن رسول الله مات وهو راض عن هذه الستة من قريش: علي علیه السلام وعثمان وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، وقد رأيت أن أجعلها شورى بينهم ليختاروا لأنفسهم... ثم قال: أدعوهم لي، فدعوهم، فدخلوا عليه وهو ملقى على فراشه يجود بنفسه، فنظر إليهم، فقال: أكلكم يطمع في الخلافة بعدي؟ فوجموا فقال لهم ثانية، فأجابه الزبير وقال: وما الذي يبعدنا منها؟ وليتها أنت فقمت بها، ولسنا دونك في قريش ولا في السابقة ولا في القرابة(2).
فقال عمر: أفلا أخبركم عن أنفسكم؟ قال: قل، فإنا لو استعفيناك، فقال:
أما أنت يا زبير فوعق لقس(3). مؤمن الرضا، كافر الغضب، يومًا إنسان، ويومًا شيطان، ولعلها لو أفضت اليك ظلت يومك تلاطم بالبطحاء على مد من شعير! أفرايت أن أفضت إليك؟ فليت شعري من يكون للناس يوم تكون شيطانًا، ومن يكون يوم تغضب؟ وما كان الله ليجمع لك أمر هذه الأمة، وأنت
ص: 156
على هذه الصفة، ثم أقبل على طلحة - وكان له مبغضًا منذ قال لأبي بكر يوم وفاته ما قال في عمر - فقال له: أقول أم أسكت؟ قال: قل، فإنك لا تقول من الخير شيئًا، قال: أما إني أعرفك منذ أصيبت أصبعك يوم أحد والبأو(1).
الذي حدث لك ولقد مات رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ساخطًا عليك بالكلمة التي قلتها يوم أنزلت آية الحجاب(2).
قال ثم أقبل على سعد بن أبي وقاص فقال: إنما أنت صاحب مقنب(3).
من هذه المقانب تقاتل به، وصاحب قنص وقوس وأسهم وما زهرة(4).
والخلافة وأمور الناس؟ ثم أقبل على عبد الرحمن بن عوف، فقال: وما أنت يا عبد الرحمن فلو وزن نصف إيمان المسلمين بايمانك لرجح ايمانك، ولكن ليس يصلح هذا الأمر لمن فيه ضعف لضعفك، وما زهرة وهذا الأمر؟ ثم أقبل على
ص: 157
علي علیه السلام فقال: لله أنت لولا دعابة فيك! أما والله لئن وليتهم لتحملنهم على الحق الواضح، والمحجة البيضاء - ثم أقبل على عثمان، فقال: هيهًا إليك كأني بك قد قلدتك قريش...(1). ثم قال: أدعوا الي أبا طلحة الأنصاري فدعوه له فقال: أنظر يا أبا طلحة، إذا عدتم من حفرتي، فكن في خمسين رجلًا من الأنصار حاملي سيوفكم، فخذ هؤلاء النفر بإمضاء الأمر وتعجيله، واجمعهم في بيت وقف بأصحابك على باب البيت ليتشاوروا ويختاروا واحدًا منهم، فإن اتفق خمسة وأبى واحد فاضرب عنقه، وإن اتفق أربعة وأبى اثنان فاضرب أعناقهما، وان اتفق ثلاثة وخالف ثلاثة فانظر الثلاثة التي فيها عبد الرحمن فارجع الى ما قد اتفقت عليه، فإن أضرب الثلاثة الأخرى على خلافها فاضرب أعناقها، وان مضت بثلاثة أيام ولم يتفقوا على أمر، فاضرب أعناق الستة، ودع المسلمين يختاروا لأنفسهم(2). فلما دفن عمر، جمعهم أبو طلحة، ووقف على باب البيت بالسيف في خمسين من الأنصار، حاملي سيوفهم، ثم تكلم القوم وتنازعوا، فأول ما عمل طلحة أنه أشهدهم على نفسه أنه قد وهب حقه من الشورى لعثمان، وذلك لعلمه أن الناس لا يعدلون به عليًا وعثمان، وأن الخلافة لا تخلص له وهذان موجودان، فأراد تقوية أمر عثمان وإضعاف جانب علي علیه السلام، بهبة أمر لا انتفاع له به، ولا تمكن له منه. فقال الزبير في معارضته: وأنا أشهدكم على نفسي أني قد وهبت حقي من الشورى لعلي علیه السلام(3).
ص: 158
فقال سعد بن أبي وقاص: وأنا قد هبت حقي من الشورى لابن عمي عبد الرحمن - وذلك لأنهما من بني زهرة ولعلم سعد أن الأمر لا يتم له - فلما لم يبق إلا الثلاثة. قال عبد الرحمن لعلي علیه السلام وعثمان: أيكما يخرج نفسه من الخلافة، ويكون إليه الاختيار في الاثنين الباقيين؟ فلم يتكلم منهما أحد، فقال عبد الرحمن: أشهد له أني قد أخرجت نفسي من الخلافة على أن اختار أحدهما، فأمسكا. فبدأ بعلي علیه السلام وقال له: أبايعك على كتاب الله وسنة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وسيرة الشيخين: أبي بكر وعمر. فقال: بل على كتاب الله وسنة رسوله واجتهاد رأيي. فعدل عنه الى عثمان، فعرض ذلك عليه، فقال: نعم، فعاد الى علي علیه السلام:
فأعاد قوله؛ فعل ذلك عبد الرحمن ثلاثًا، فلما رأى أن عليًا علیه السلام غير راجع عما قاله، وأن عثمان ينعم له بالإجابة صفق على يد عثمان، وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فيقال: إن عليًا علیه السلام قال له: والله ما فعلتها إلا لأنك رجوت منه ما رجا صاحبكم من صاحبه، دق الله بينكما عطر منشم(1). قيل: ففسد بعد ذلك بين عثمان وعبد الرحمن، فلم يكلم أحدهما صاحبه حتى مات عبد الرحمن(2).
فيما جاءت واقعة الشورى عند البخاري برواية مختلفة حيث اقتصر فيها على أن
ص: 159
عمر سمى الستة الذين مات رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وهو عنهم راض، وجعل عبد الله بن عمر شاهدًا عليهم وليس له من الأمر شيء وفيه: «أن عبد الرحمن بن عوف قال لأمير المؤمنين علیه السلام ولعثمان: أفتجعلونه - أي أمر الخلافة - الي والله على أن لا آلو عن أفضلكم قالا: نعم، فأخذ بيد أحدهما فقال: لك قرابة من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم والقدم في الإسلام ما قد علمت، فالله عليك لئن أمرتك لتعدلن، ولئن أمرت عثمان لتسمعن ولتطيعن، ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك فلما أخذ الميثاق قال: أرفع يدك ياعثمان فبايعه»(1). وفي رواية أخرى أن عبد الرحمن دعا عليًا علیه السلام فقال: «عليك عهد الله وميثاقه لتعملنّ بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده، قال: أرجو أن أفعل وأعمل بمبلغ علمي وطاقتي ودعا عثمان فقال له مثل ما قاله لعلي علیه السلام قال: نعم، فبايعه، فقال علي: «حبوته حبو دهر، ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون، والله ما وليت عثمان إلا ليرد الأمر إليك، والله كل يوم هو في شأن»(2). ويلاحظ ما تقدم عدة أمور يستوجب الوقوف عندها:
أولًا: جعل أمر الخلافة شورى وهذا مبدأ جديد حيث إنه خرج عن مبدأ النص، وقد استخلف عثمان مسبقًا، ثم إنه يأمر بضرب أعناق الستة المبشرين بالجنة والذين وضعهم بما لا يليق بمن يدخل الجنة، ثم يقول: وإن لم يتفقوا دع المسلمين يختارون، وهذا الكلام متناقض، فإذا كانت الشورى مبدأ شرعيًّا لتعيين الخليفة فلماذ لم يعتمدها الرسول صلی الله علیه و آله وسلم؟.
ص: 160
ثانيًا: إن النبي صلی الله علیه و آله وسلم مات وهو راض عن الستة ولنا في ذلك قول: ألم يك الرسول صلی الله علیه و آله وسلم راضيًا عن غيرهم كسلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري والمقداد وعمار ابن ياسر وغيرهم الكثير ممن يفوق أهل الشورى، والفارق بينهم واضح وجلي أما من يزعم بأن هؤلاء أغلبهم من الأنصار وعمر إنما أشار الى القرشيين كون «الأئمة من قريش»(1)، فلنا القول - كما أسلفنا - أن عمر كان ليستخلف سالمً امولى أبي حذيفة لو كان حيًا وسالم ليس من قريش إلا أنه من أصحاب الصحيفة الذين ذكرناهم. إنما هم أصحاب علي علیه السلام وشتان بين الفريقين! ثالثًا: إخبار عمر عن خلافة عثمان دون غيره بتولي الخلافة بل ذكر أمورًا أخرى.
رابعًا: ما نسبه الى الإمام علیه السلام «الدعابة» فإنه لم يجد ما يعيبه به وهذا ما زعمه عمرو بن العاص. وقد رد عليه أمير المؤمنين في خطبة له: «عجبًا لابن النابغة يزعم لأهل الشام أن في دعابة(2) وأني أمرؤ تلعابة(3) أعافس(4) وأمارس! لقد قال باطلًا ونطق آثامًا... أما والله إني ليمنعني من اللعب ذكر الموت، وإنه ليمنعه من قول الحق نسيان الآخرة»(5) وفي رواية أخرى عن ابن عباس قال:
ص: 161
«قال عمر: لا أدري ما أصنع بأمة محمد صلی الله علیه و آله وسلم قبل أن يطعن فقلت: ولم تهتم وأنت تجد من تستخلفه عليهم، قال: أصاحبكم؟ - يعني عليًا، قلت نعم، والله هو لها أهل في قرابته من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وصهره وسابقته وبلائه فقال عمر: إن فيه بطالة وفكاهة»(1).
في حين أشار المعتزلي - على هذه الرواية مستبعدًا صدورها من عمر بحق علي علیه السلام فقال: «كان عليّ على قدم عظيمة من الجد والوقار العظيم، والهدى الرصين، ولكنه كان طلق الوجه، سمح الأخلاق، وعمر كان يريد مثله من ذوي الفظاظة والخشونة؛ لأن كل واحد، يستحسن طبع نفسه، ولا يستحسن طبع من يباينه في الخلق والطبع»(2) وبعد ذلك يقول: «وأنا أعجب من لفظة عمر - إن كان قالها (إن فيه بطالة) وحاشى الله أن يوصف علي علیه السلام بذلك! وإنما يوصف به أهل الدعابة واللهو، وما أظن عمرآن شاء الله - قالها، وأظنها زيدت في كلامه، وإن الكلمة هاهنا لدالة على انحراف شديد»(3). كيف يعجب ابن أبي الحديد من صدور هذا الكلام وقد أكد أن في أخلاق عمر فظاظة وجفاء وعنجهية ظاهرة...» فضلًا عمّا ذكره القطب الراوندي أن عمر لما قال: كونوا مع الثلاثة التي عبد الرحمن فيها، قال ابن عباس لعلي علیه السلام: ذهب الأمر منا، الرجل يريد أن يكون الأمر في عثمان فقال: علي علیه السلام وأنا أعلم ذلك ولكني أدخل معهم الشورى؛ لأن عمر قد أهلني الآن للخلافة وكان قبل ذلك يقول: إن رسول
ص: 162
الله صلی الله علیه و آله وسلم قال: إن النبوة والإمامة لا يجتمعان في بيت، فأنا أدخل في ذلك لأظهر للناس مناقضة فعله لروايته(1).
ويزيد إعجاب الإمام علیه السلام بما أقدموا عليه (الشورى) وذلك بقوله: «واعجبًا أن تكون الخلافة بالصحابة ولا تكون بالصحابة والقرابة» ويقول ابن أبي الحديد قال الرضي رحمه الله وقد روى له شعرًا قريبًا من هذا المعنى وهو(2):
فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم *** فكيف بهذا والمشیرون غيب!
وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم *** فغرك أولى بالنبي وأقرب
فيما يشير في شرحه الى أن حديثه علیه السلام في النثر والنظم المذكور مع أبي بكر وعمر، أما النثر فالى عمر توجيهه، لأن أبا بكر لما قال لعمر: أمدد يدك، قال له عمر: أنت صاحب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في المواطن كلها، شدتها ورخائها، فامدد أنت يدك، فقال علي علیه السلام: إذا احتججت لاستحقاقه الأمر بصحبته إياه في المواطن كلها، فهلا سلمت الأمر الى من حاج الأنصار في السقيفة، فقال: نحن عترة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وبيضته التي تلألأت عنه، فلما بويع احتج على الناس بالبيعة، وأنها صدرت عن أهل الحل والعقد، فقال علي علیه السلام: أما احتجاجك على الأنصار بأنك من بيضة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ومن قومه، فغيرك أقرب نسبًا منك إليه، وأما احتجاجك بالاختيار ورضا الجماعة بك فقد كان قوم من جملة الصحابة غائبين لم يحضروا العقد فكيف يثبت(3).
ص: 163
ثم يختم قوله [ابن أبي الحديد]: وأعلم أن الكلام في هذا تتضمنه كتب أصحابنا في الإمامة، ولهم عن هذا القول أجوبة ليس هذا موضع ذكرها(1).
وقد ذكر ابن أبي الحديد(2) «وروى أبو جعفر رواية أخرى أطالها، وذكر خطب الشورى وما قاله كل منهم وذكر كلامًا قاله علي علیه السلام في ذلك اليوم وهو:
الحمد لله الذي اختار محمدًا منا نبيًا، وابتعثه إلينا رسولًا، فنحن أهل بيت النبوة ومعدن الحكمة، أمان لأهل الأرض ونجاة لمن طلب، إن لنا حقًا إن نعطه نأخذه، وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل وإن طال السرى، لو عهد إلينا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم عهدًا لانفذنا عهدة، ولو قال لنا قولً لجالدنا عليه حتى نموت، لن يسرع أحد قبلي الى دعوة حق وصلة رحم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. اسمعوا كلامي، وعوا منطقي عسى أن تروا هذا الأمر بهد هذا الجمع تنتضى فيه السيوف وتخان فيه العهود حتى لا يكون لكم جماعة، وحتى يكون بعضكم أئمة لأهل الضلالة وشيعة لأهل الجهالة»(3).
ثم يقول: «وهذا الكلام تزعم الإمامية أنه قاله يوم السقيفة أو في تلك الأيام، ويذهب أصحابنا الى أنه قال يوم الشورى بعد وفاة عمر واجتماع الجماعة
ص: 164
لاختيار واحد من الستة، وأكثر أرباب السير ينقلونه على هذا الوجه»(1).
وفي خطبة أخرى للإمام علیه السلام قال فيها بشأن ما حدث في الشورى: «كنت في أيام رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم كجزء من رسول الله... ينظر الي الناس كما ينظر الى الكواكب في أفق السماء، ثم غض الدهر مني فقرن بي فلان وفلان، ثم قرنت بخمسة أمثلهم عثمان، فقال: واذفراه، ثم لم يرض الدهر لي بذلك حتى أرذلني فجعلني نظيرًا لابن هند وابن النابغة، لقد استنت الفصال حتى القرعى(2)»(3).
مناشدة(4) أمير المؤمنين علیه السلام أصحاب الشورى واحتجاجه عليهم:
ص: 165
جاءت هذه المناشدة من الإمام علیه السلام يوم الشورى، حيث قام فيهم ليتخذ عليهم الحجة فقال علیه السلام لهم: اسمعوا مني كلامي فإن يك ما أقول حقًا فأقبلوا، وإن يك باطلًا فأنكروا(1). وذكر ابن أبي الحديد أنه قال لهم: «أنشدكم بالله أفيكم أحد آخى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بينه وبين نفسه حيث آخى بين بعض المسلمين وبعض غيري؟ فقالوا: لا. فقال: أفيكم أحد قال له رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: من كنت مولاه فهذا مولاه غيري؟ فقالوا: لا(2). قال: أفيكم أحد قال له رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي قالوا: لا. قال: أفيكم من أئتمن على سورة براءة وقال له رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: إنه لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني غيري؟ قالوا: لا. قال: ألا تعلمون أن أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فروا عنه في مأقط الحرب في غير موطن وما فررت قط. قالوا: بلى. قال: ألا تعلمون أني أول الناس إسلامًا، قالوا: بلى. قال: فأينا أقرب الى رسول الله نسبًا.
ص: 166
قالوا: أنت. فقطع عليه عبد الرحمن بن عوف...»(1). قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد عرف الناسخ والمنسوخ غيري؟ قالوا: لا(2). قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد بارز عمر بن ود يوم الخندق وقتله غيري؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد ورث سلاح رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ورايته وخاتمه غيري؟ قالوا:
لا. قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: أنت أول من آمن بي وصدقني وأول من يرد علي الحوض يوم القيامة غيري؟ قالوا: لا. قال:
نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: أول طالع يطلع عليكم من هذا الباب يا أنس فإنه أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وأولى الناس بالناس، فقال أنس: اللهم أجعله رجلًا من الأنصار، فكنت أنا الطالع فقال(3) رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لأنس: «ما أنت بأول رجل أحب قومه غيري؟ قالوا: لا(4). قال
ص: 167
نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم «قاتل الله من قاتلك وعادى الله من عاداك» غيري؟ قالوا: لا. قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أنت أولى الناس بأمتي بعدي غيري؟ قالوا: لا. قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ولايتك كولايتي عهدٌ عهده إلي ربي وأمرني أن أبلغكموه غيري؟ قالوا: لا. قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد أخذ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بيده فرفعها حتى نظر الناس الى بياض إبطيه وهو يقول: ألا إن هذا ابن عمي ووزيري فوازروه وناصحوه وصدقوه فإنه وليكم غيري؟ قالوا: لا... الى أن انتهى من مناشدته أياهم، بعد ذلك قال لهم علیه السلام: أما إذا أقررتم على أنفسكم، واستبان لكم ذلك من قول نبيكم، فعليكم بتقوى الله وحده ولا شريك له، وأنهاكم عن سخطه ولا تعصوا أمره وردوا الحق الى أهله، واتبعوا سنة نبيكم، فإنكم إن خالفتم خالفتم الله فادفعوها الى من هو أهله وهي له.
قال: فتغامزوا فيما بينهم وتشاوروا وقالوا: «قد عرفنا فضله، وعلمنا أنه أحق الناس بها، ولكنه رجل لا يفضل أحدًا على أحد، فإن وليتموه إياه جعلكم وجميع الناس فيها شرعًا سواء، ولكن ولوها عثمان فإنه يهوى الذي تهوون فدفعوها إليه(1).
ص: 168
فَتْلُهُ، وَأَجْهَزَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ(1)، وَكَبَتْ(2) بِهِ بِطْنَتُهُ(3)»(4).
بايعه الناس بعد انقضاء الشورى واستقرار الأمر له،...فإنه أوطأ بني أمية رقاب الناس، وولاهم الولايات وأقطعهم القطائع، وفتحت أفريقية في أيامه، فأخذ الخمس كله فوهبه لمروان، وطلب منه عبد الله بن خالد بن أسيد صلة، فأعطاه أربعمائة ألف درهم. وأعاد الحكم بن العاص(5) بعد أن كان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قد سيره ثم لم يرده وأبو بكر ولا عمر، وأعطاه مائة ألف درهم(6) وبذلك أشار ابن سعد «... ثم توانى في أمرهم واستعمل أقرباءه وأهل بيته
ص: 170
في الست الأواخر وكتب لمروان بخمس مصر وأعطى أقرباءه المال، وتأول في ذلك لصلة التي أمر الله به واتخذ الأموال، واستسلف من بيت المال وقال إن أبا بكر وعمر تركا في ذلك ما هو لهما، وأني أخذته فقسمته في أقربائي، فأنكر الناس عليه ذلك»(1). وقد استصعب ابن أبي الحديد في ما جاء في ذكر ولاية عثمان وما قام به(2). وبهذا فإن الإمام علیه السلام بعد هذا الوصف يصور نهايته التي آل اليها والتي أشار إليها عمر بن الخطاب عندما خاطبه عند استخلافه قبل موته: «هيها إليك... فحملت بني أمية وبني أبي معيط على رقاب الناس، وآثرتهم بالفيء، فسارت إليك عصابة من ذؤبان العرب»(3). وذكر المسعودي أن عثمان قتل ليلة الجمعة لثلاث بقين من ذي الحجة من سنة 35 ه(4). وكان مدة تولي عثمان مدة عصيبة حيث يصفها أمير المؤمنين علیه السلام بقوله: «إنه قد كان على الأمة وال أحدث أحداثًا وأوجد الناس مقالًا، فقالوا ثم نقموا فغيروا»(5).
ص: 171
ص: 172
.................. الحَسَنَانِ(1)، وَشُقَّ عِطْفَايَ(2)، مُجْتَمِعِينَ حَوْلي كَرَبِيضَةِ الغَنَمِ(3)، فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالْاَمْرِ نَكَثَتْ(4) .....................................
ص: 174
..........................طَائِفَةٌ وَمَرَقَتْ أُخْرَى(1)، وَفَسَقَ(2) آخَرُونَ(3)، كَأَنَّهُمْ لَم يَسْمَعُوا اللهَ سُبْحَانَهُ يقول:
«تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ»(4).
بَلَی! وَاللهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا وَوَعَوْهَا، وَلكِنَّهُمْ حَلِيَتَ الدُّنْيَا في أَعْيُنهِمْ، وَرَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا»(5).
بيعة(6) الإمام علي علیه السلام:
ص: 175
توافد الناس لأمير المؤمنين علیه السلام بعد مقتل عثمان ليبايعوه خليفة لهم، وليس لأنه منصوص عليه من قبل الرسول صلی الله علیه و آله وسلم(1) إنما لعدله وورعه وما امتاز به من صفات، وقد وضح أمير المؤمنين ذلك عندما جاءت إليه الناس لتبايعه فقال لهم: «بسطتم يدي فكففتها، ومددتموها فقبضتها، ثم تداككتم عليّ تداك الأبل الهيم(2) على حياضها يوم ورودها، حتى انقطعت النعل، وسقط الرداء، ووطيء الضعيف، وبلغ سرور الناس بيعتهم إياي أن ابتهج بها الصغير، وهدج(3) إليها الكبير، وتحامل نحوها العليل، وحسرت إليها الكعاب»(4). وفي خطبة أخرى
ص: 176
يصف إقبالهم إليه للبيعة «فأقبلتم إلي إقبال العوذ(1) المطافيل(2) على أولادها، تقولون: البيعة البيعة! قبضت كفي فبسطتموها، ونازعتكم يدي فجاذبتموها، اللهم إنهما قطعاني وظلماني، ونكثا بيعتي، وألبا(3) الناس علّي. فأحلل ما عقدا، ولا تحكم لهما ما أبرما، وأرهما المساءة فيما أقلا وعملا ولقد استثبتهما قبل القتال، واستأنيت مابه أمام الوقاع، فغمطا النعمة وردا العافية»(4).
يقول ابن أبي الحديد بذلك إن الإمام علیه السلام يقول: إنكم أقبلتم مزدحمين كما تقبل النوق الى أولادها، تسألونني البيعة فامتنعت عليكم حتى علمت اجتماعكم فبايعتكم(5).
أما قوله علیه السلام دعوني والتمسوا غيري فإنا مستقبلون أمرًا له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول. وإن الآفاق قد أغامت، والمحجة قد تنكرت. واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصنع الى قول
ص: 177
القائل، وعتب العاتب....(1) «وقد فصّل الكلام ابن أبي الحديد على قول الإمام علیه السلام: «الآفاق قد أغامت والمحجة قد تنكرت» أي إن الشبهة قد استولت على العقول والقلوب وجهل أكثر الناس محجة الحق أين هي، فأنا وزيرًا عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أفتي فيكم بشريعته وأحكامه خير لكم منيّ أميرًا محجورًا عليه مدبرًا بتدبيركم(2) ثم يطرح رأي آخر قد حمله البعض فقال: هذا كلام مستزيد شاك من أصحابه يقول لهم: دعوني والتمسوا غيري، على طريق الضجر منهم، والتبرم بهم والتسخط لأفعالهم، لأنهم كانوا عدلوا عنه من قبل، واختاروا عليه، فلما طلبوه بعد أجابهم جواب المتسخط العاتب(3).
ومن كلام له علیه السلام كلم به طلحة والزبير بعد بيعته بالخلافة وقد عتبا عليه من ترك مشورتهما: «لقد نقمتما يسيرًا، وأرجأتما كثيرًا. ألا تخبراني أي شيء كان لكما فيه دفعتكما عنه؟ أم أي قسم استأثرت عليكما به؟ أو أي حق رفعه إلي أحد من المسلمين ضعفت عنه أم جهلته أم أخطأت به؟ والله ما كانت لي في الخلافة رغبة، ولا في الولاية إربة، ولكنكم دعوتموني إليها، وحملتموني عليها، فلما أفضت إلي نظرت الى كتاب الله وما وضع لنا، وأمرنا بالحكم به فاتبعته»(4).
رفض أمير المؤمنين علیه السلام البيعة ثم قبولها:
أشار ابن قتيبة إلى أن الإمام عليًا رفض البيعة أول الأمر إلا أن إصرارهم عليه جعله يقبل «فأتوا علياً في داره، فقالوا: نبايعك، فمد يدك، لابد من أمير، فأنت أحق
ص: 178
بها»(1)، وقد نقل ابن أبي الحديد عن أبي مخنف «أن الأنصار والمهاجرين اجتمعوا في مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ينظرون من يولونه أمرهم حتى غص المسجد بأهله، فاتفق رأي عمار وأبي الهيثم بن التيهان ورفاعة بن رافع ومالك بن عجلان وأبي أيوب خالد ابن يزيد على إقعاد أمير المؤمنين علیه السلام في الخلافة... فقال الناس بأجمعهم: قد رضينا، وهو عندنا ما ذكرتم وأفضل، وقاموا كلهم فأتوا عليًا فاستخرجوه من داره وسألوه بسط يده فقبضها، فتداكوا عليه تداك الإبل الهيم على ورودها حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا، فلما رأى منهم ما رأى سألهم أن تكون بيعته في المسجد ظاهرة للناس»(2).
وقد ذكر ابن حجر العسقلاني: «أنهم قالوا له: ما نرى أحداً أحق بها منكمد يدك نبايعك فبايعوه»(3).
ولعل البعض يسأل لماذا رفض الإمام علیه السلام الخلافة، بعد أن كان يرى بأنه صاحب الحق قبل الثلاثة الذين سبقوه ثم قبلها؟ فالجواب:
أولًا: يبدو أن أغلب الذين اجتمعوا لبيعته لم يعدّوه وارث الرسول صلی الله علیه و آله وسلم ووصيه من بعده بل أرادوه خليفة كما كان الخلفاء الذين بايعوهم وبيعتهم إنما كانت لأجل أنفسهم أي دنيوية لذلك قال لهم الإمام علیه السلام:
ص: 179
«إني أُريدكم لله، وأنتم تُريدونني لأنفسكم!»(1).
ثانيًا: كان على علم أن في القوم من يطمع بالخلافة (أصحاب الشورى مثلًا) فأراد إبطال حجتهم كونه علیه السلام قد اختاره الناس عامة وكما جاء عن المؤرخين قولهم: فقال الجمهور: «علي بن أبي طالب نحن به راضون»(2).
ثالثًا: أراد أن يتم عليهم الحجة ويذكرهم بما سبق بقوله: «لم تكن بيعتكم إياي فلتة»(3). وهذا ما تحقق فعلًا حيث اعترض عليه معاوية بن أبي سفيان وقد أجابه الإمام علیه السلام بقوله:
«إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن اجتمعوا على رجل وسموه إمامًا كان ذلك لله رضى»(4).
ثم إن الإمام علیه السلام قد احتج على معارضيه ورد عليهم (ومنهم طلحة والزبير) حيث كتب لهما:
«أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ عَلِمْتُما، وَإِنْ كَتَمْتُما، أَنِّ لَم أُرِدِ النَّاسَ حَتَّى أَرَادُونِی، وَلَم أُبَايِعْهُمْ حَتَّى بَايَعُونِی، وَإِنَّكُمَا مِمَّنْ أَرَادَنِی وَبَايَعَنيِ»(5).
ص: 180
رابعًا: قول الإمام علیه السلام بشأن البيعة بعد رحيل النبي صلی الله علیه و آله وسلم الى الملأ الأعلى لعمه العباس وأبي سفيان لما جاء للبيعة معه:
«ماء آجن ولقمة يغص بها آكلها، ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها كالزارع بغير أرضه»(1).
وعلى ما يبدو أن الإمام علیه السلام وافق على البيعة كون الأسباب الرئيسة قد تهيأت له، وكانت هنالك ضرورة لقبولها إذ إنه قال:
«وما أردت إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت»(2).
وقال علیه السلام:
«اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك وتقام المعطلة من حدودك»(3).
ص: 181
ص: 182
قال الإمام علیه السلام:
«أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَوْلا حُضُورُ الْحَاضِرِ، وَقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ، وَمَا أَخَذَ اللهُ عَلَی العُلَمَاءِ أَلاَّ يُقَارُّوا(1) عَلَی كِظَّةِ(2) ظَالمِ، وَلا سَغَبِ مَظْلُوم(3)، لَالقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَی غَارِبِهَا(4)، وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِها، وَلاَلَفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْز»(5).
قال: ميثم البحراني «لما ذكر في حال القوم وحاله معهم ما ذكر من الشكاية
ص: 183
والتظلم في أمر الخلافة وذم الشورى وما انتهى إليه من الحال التي أوجبت نزوله إلى أن قرن بالجماعة المذكورين، أردف ذلك بيان الأعذار الحاملة على قبول هذا الأمر والقيام به بعد تخلفه، وقدم على ذلك شاهدًا هذا القسم العظيم، هما فالق الحبة وبارئ النسمة، ثم يقول فاعلم أنه على ذكر من تلك الأعذار الثلاثة:
أولها: حضور الحاضرين لمبايعته.
الثاني: قيام الحجة عليهم بوجود الناصر له في طلب الحق لو ترك القيام.
الثالث: ما أخذ الله على العلماء من العهد على أنكار المنكرات وقمع الظالمين ودفع الظلامات عند التمكن، والعذران الاولان هما شرطان في الثالث إذ لا ينعقد ولا يجب إنكار المنكر بدونهما، وكنى بكظة الظالم عن قوة ظلمه وبسغب المظلوم عن قوة ظلامته(1). أما ابن أبي الحديد فيقول «لولا حضور الحاضر» يمكن أن يريد به لولا حضور البيعة فإنها بعد عقدها تتعين المحاماة عنها، ويمكن أن يريد الحاضر من حضره من الجيش الذين يستعين بهم على الحرب»(2) وأما قوله «لألقيت حبلها» أي ألقى فلان حبل فلان على غاربه أي تركه هملًا يسرح حيث يشاء من غير وازع ولا مانع»(3). ويبدو ان قول البحراني أوجه.
ثم يشير ابن أبي الحديد الى قوله: «لولا وجود الناصر» لولا وجود من ينصرني - لا كما كانت الحال عليها أولًا بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فإني لم أكن حينئذ
ص: 184
واجدًا للناصر مع كوني مكلفًا ألا أمكن الظالم من ظلمه - لتركت الخلافة، ولرفضتها الآن كما رفضتها قبل، ولوجدتم هذه الدنيا عندي أهون من عطسة عنز(1). ونلاحظ أن الإمام علیه السلام في أكثر خطبه يشير الى خلافتهم ب «دنياكم» كونه - وكما أسلفنا - على علم بما يرمون إليه في قصدهم من الخلافة. إذ قال لهم في كلام له علیه السلام:
«واللهِ لَدُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَهْوَنُ فِی عَيْنيِ مِنْ عِرَاقِ(2) خِنْزِيرٍ فِی يَدِ مَجْذُومٍ»(3).
وقد عبر أمير المؤمنين عن هذه الخلافة وقيمتها عنده، حيث إن كلامًا دار بينه علیه السلام وبين عبد الله بن عباس بذي قار عندما خرج الى قتال الجمل في البصرة، «قال عبد الله بن عباس: دخلت على أمير المؤمنين علیه السلام بذي قار وهو يخصف نعله فقال لي: (ما قيمة هذا النعل؟) فقلت: (لا قيمة لها) فقال علیه السلام: والله لهي أحب إلي من إمرتكم إلا أن أقيم حقًا أو أدفع باطلًا»(4). فهي لا قيمة لها(5)، إلا لإقامة الحق أو لدفع الظلم عن الناس، وبذلك فإنه رد على الخوارج لهذا المعنى «أنه لابد للناس من أمير برًا أو فاجرًا، يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها
ص: 185
الكافر»(1).
على حين أنَّ الإمام علیه السلام ربط الخلافة بالعلم، وهو جزء من الخصائص الإدارية في فكر الإمام، إذ يقول علیه السلام «ولا يحمل هذا العلم الا اهل البصر والصبر والعلم بمواضع الحق»(2).
ص: 186
القضاء لغةً:
جاءت كلمة القضاء عند اللغويين بمعان مختلفة، فقضي من قضيت بين الخصمين وعليهما: حكمته، والقضاء مصدر في الكل، واستقضيت: طلبت قضاءه واقتضيت منه حقي، أخذت، وقاضيته، حاكمته(1)، وأشار ابن الأثیر إلى أن القضاء هو الفصل والحكم وأصله القطع والفصل، يقال: قضى يقضي قضاء فهو قاض إذا حكم وفصل، وقضاء الشيء إحكامه(2) وقد استعمل القرآن الكريم القضاء بمعنى الحكم: فقال تعالى:
«وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ»(3).
ص: 187
القضاء اصطلاحًا:
قال ابن خلدون: «منصب الفصل بين الناس في الخصومات حسمًا للتداعي وقطعًا للتنازع»(1). وقال الجرجاني: «القضاء في الخصومة إظهار ما هو ثابت»(2).
لما أقام الرسول صلی الله علیه و آله وسلم دولته العظمى في يثرب أقام مجلس القضاء في جامعه الأعظم، وتولى بنفسه الشريفة القضاء وفصل الخصومات(3)، وقد تمثل ذلك في زمن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم في صورة رائعة للقضاء الإسلامي لكونه يضمن للناس كرامتهم، وقد أكدت الروايات، أنه لما أراد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إرسال الإمام علیه السلام قاضيًا الى اليمن..، قال له: ادن مني فدنا منه فضرب على صدره بيده وقال:
اللهم اهدِ قلبه وثبت لسانه. قال أمير المؤمنين: فما شككت في قضاء بين اثنين بعد ذلك المقام(4).
خاطب الإمام علیه السلام القضاة قائلًا:
«ذِمَّتي بِمَا أَقُولُ رَهِينَةٌ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ: إِنَّ مَنْ صَرَّحَتْ لَهُ العِبَرُ عَمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ المَثُلاتِ، حَجَزَهُ التَّقْوَى عَنْ تَقَحُّمِ الشُّبُهَاتِ»(5).
ص: 188
أهمية القضاء:
تتجلى أهمية القضاء كونه من أهم مراكز الدولة الإسلامية وإقامته من واجبات الحاكم تحدث الإمام علي علیه السلام مع شريح القاضي عن منصب القضاء ومدى أهميته في الإسلام قائلًا:
«يَا شُرَيْحُ، قَدْ جَلَست مجلسًا لا يجلسهُ إلاَ نَبيِّ، أَوْ وَصِیُّ نَبيِّ، أَوْ شَقِيٌّ»(1).
فالقضاء إنما هو الحكم بين الناس بالحق والعدل والمساواة لذلك فقد أولى الإمام علیه السلام القضاء عناية خاصة، وقد أشار الإمام علي علیه السلام الى أهمية القضاء في تقوية الدولة بقوله:
«لَما يُحْكِمُونَ مِنَ الْمَعَاقِدِ، وَيَجْمَعُونَ مِنْ الْمَنَافِعِ، وَيُؤْتَمَنُونَ عَلَيْهِ مِنْ خَوَاصِّ الْاُمُورِ وَعَوَامِّهَا»(2).
وقد أشار النبي صلی الله علیه و آله وسلم والصحابة الأوائل الى براعة الإمام علي علیه السلام ودقته في تولي القضاء، كإصداره أحكامًا هي غاية في الدقة وفي احتواء مسائل معقدة وجديدة، لا سابق لها في المجال القضائي(3).
القضاة:
من خلال كلام أمير المؤمنين علیه السلام نلاحظ اشتراطه في القضاة أن يكونوا أفضل أبناء الأمة وذوي مواصفات عن غيرهم وما جاء في عهده للأشتر تلك التي تخص القضاء أروع ما يكون حيث قال علیه السلام:
ص: 189
«ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِی نَفْسِكَ، مِمَّنْ لاَ تَضِيقُ بِهِ الْاُمُورُ، وَلا تُمَحِّكُهُ الْخُصُومُ، وَلا يَتَمادَى فِی الزَّلَّةِ، وَلا يَحْصَرُ مِنَ الْفَيْءِ إِلَی الْحَقِّ إذَا عَرَفَهُ، وَلاَ تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلَی طَمَع، وَلا يَكْتَفِي بِأَدْنَى فَهْم دُونَ أَقصَاهُ، أَوْقَفَهُمْ فِی الشُّبُهَاتِ، وَآخَذَهُمْ بِاِلْجَجِ، وَأَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بِمُرَاجَعَةِ الْخَصْمِ، وَأَصْبَرَهُمْ عَلَی تَكَشُّفِ الْاُمُورِ، وَأَصْرَمَهُمْ عِنْدَ اتِّضَاحِ الْحُكْمِ، مِمَّنْ لاَ يَزْدَهِيهِ إطْرَاءٌ، وَلاَ يَسْتَمِيلُهُ إِغْرَاءٌ، أُولئِكَ قَلِيلٌ»(1).
وفي ذلك يقول ابن أبي الحديد لقوله (وَأَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً) أي تضجرًا، وهذه الخصلة من محاسن ما شرطه علیه السلام، فإن القلق والضجر والتبرم قبيح، وأقبح ما يكون من القاضي(2) ثم يقول بشرط آخر وهو أن يتطلع على أحكامه وأقضيته، وأن يفرض له عطاءً واسعًا يملأ عينه، ويعفف به عن المرافق والرشوات، وأن يكون قريب المكان منه كثير الاختصاص به ليمنع قربه سعاية الرجال وتقبيحهم ذكره عنده(3).
فقد انبرى من كلام الإمام علیه السلام لمالك الأشتر لذكر أمور من الأساسيات والمرتكزات لإدارة أي دولة، فاشترط أن يكون القضاة أفضل الناس، علمًا وتقوى وبذلك فعليه أن يتحمل المسؤوليات التي تناط إليه.
صفات القاضي:
للقاضي صفات عدةّ يمكن إجمالها بما يأتي:
ص: 190
1. أنْ يكون ذا عقل نيرٍ وأفضل الناس وأَن لا يضيق من الدعاوى التي ترفع إليه ولا ينزعج وأن يكون صبورًا في الحكم(1) ولا يغضب(2) أمام المتخاصمين.
2. أن لا يتمادى في الزلل وأن يأخذ الأمور التي تعرض عليه بتمعن وتبصر.
3. عليه أن يتبع الحق إذا تبين له.
4. أن يبتعد عن الطمع.
5 .5 يجب ان لا يتصدى للحكم وهو ليس أهلًا لذلك، إذ يشير الإمام علیه السلام بقوله:
«اَلْمَعْرُوفُ فيِهِمْ مَا عَرَفُوا وَ اَلْمُنْكَرُ عِنْدَهُمْ مَا أَنْكَرُوا، مَفْزَعُهُمْ فِی اَلْمُعْضِلاَتِ إِلَی أَنْفُسِهِمْ، وَ تَعْوِيلُهُمْ فِی اَلْمُهِمَّاتِ عَلَی آرَائِهِمْ، كَأَنَّ كُلَّ اِمْرِئٍ مِنْهُمْ إِمَامُ نَفْسِهِ قَدْ أَخَذَ مِنْهَا فيِمَا يَرَى بِعُرًى ثِقَاتٍ وَأَسْبَابٍ مُحْكَمَاتٍ»(3).
5. يجب عليه أن يتأمل في الحكم والدعاوى نظرة دقيقة وأن يبذل قصارى جهده.
6. أنْ اعترضته دعاوى في الشبهات فعليه أن يقف ولا يحكم حتى يتبين
ص: 191
له الحق.
7. أنْ يكون حكمه بالحجج القاطعة(1).
8. عليه أن لا يتململ من كثرة مراجعة المتخاصمين.
9. أنْ يكون صبورًا حتى تنكشف غياهب الأمور، وأن يكون صادقًا في الحكم عند اتضاحها فضلًا عن ذلك لا يميل لأي طرف من المتخاصمين وأن يسمع لكليهما(2).
10 . أنْ لا يزدهيه إطراء الناس ولا يميله أغراؤهم.
معاملة الوالي للقاضي:
يتابع الإمام علیه السلام قوله:
«ثُمَّ أَكْثِرْ تَعَاهُدَ قَضَائِهِ، وافْسَحْ لَهُ فِی الْبَذْلِ مَا يُزيِلُ عِلَّتَهُ، وَتَقِلُّ مَعَهُ حَاجَتُهُ إِلَی النَّاسِ، وَأَعْطِهِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ لَدَيْكَ مَا لاَ يَطْمَعُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ خَاصَّتِكَ، لِيَأْمَنَ بذِلَكَ اغْتِيَالَ الرِّجَالِ لَهُ عِنْدَكَ. فَانْظُرْ فِی ذلِكَ نَظَراً بلِيِغاً، فَإِنَّ هذَا الدِّينَ قَدْ كَانَ أَسِيراً فِی أَيْدِي الْاَشْرَارِ، يُعْمَلُ فيِهِ باِلْهَوَى، وَتُطْلَبُ بِهِ الدُّنْيَا»(3).
يشير الإمام علیه السلام بضرورة تتبع القاضي لكي تتوضح لديك إذا كان مقصرًا في عمله، ومن ثم عدم تطبيق أحكام القضاء كون المسائل القضائية في بالغ
ص: 192
الأهمية إذا ما طبقت على الناس بصورة صحيحة هذا ما أشار إليه أحد الباحثين بتوضيح معنى «تعاهد قضائه» وتعاهد قضاء القاضي يعني تتبعه بالاستكشاف والتعرف، وهذا التعاهد يشير بنحو عام لمسألة (المراقبة) التي تمثل أحد أعمدة الإدارة أو أية عملية تنظيمية معينة(1).
وأما قوله:
«وافْسَحْ لَهُ فِی الْبَذْلِ مَا يُزيِلُ عِلَّتَهُ، وَتَقِلُّ مَعَهُ حَاجَتُهُ إِلَی النَّاسِ»(2).
نلاحظ أن الإمام علیه السلام ينبه على الإسراع في إعطاء مرتب القاضي لقاء عمله، هو بذلك قد أكد أهم ناحية من نواحي القضاء وترقيته، وذلك بترقية حال القاضي وتأمين متطلبات العيش له ويكون ذلك بفرض العطاء الواسع حتى يكون مايأخذه كافيًا لمعيشته وحفظ منزلته ويتعفف به عن الرشاوى(3).
على حين يقول:
«وَأَعْطِهِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ لَدَيْكَ مَا لاَ يَطْمَعُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ خَاصَّتِكَ، لِيَأْمَنَ بِذلَكَ اغْتِيَالَ الرِّجَالِ لَهُ عِنْدَكَ...»(4).
وقد أوضح ذلك الأستاذ جورج جرداق بقوله: إن الإمام علیه السلام أول من فصل بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية؛ إذ كانت السلطات الثلاثة (القضائية - التنفيذية - التشريعية) موحدة غير منفصلة في عهد الإمام لذا
ص: 193
خطا خطوة مبدئية لإكساب القضاة حصانة، وتأمينهم من عقاب السلطة وبهذا يكون علي علیه السلام قد قضى على السبب الأول من أسباب انحراف القضاء، إذ خطا هذه الخطوة المبدئية نحو فصل القضاة عن السلطة التنفيذية؛ كي لا يتأثر القضاة بأصحابها(1). فيما قال الأستاذ الفكيكي: «الغرض المهم من استقلال المحاكم الذي توخاه الإمام في وصيته لعامله هو لم يثق من عدالة الأحكام وصيانة الحقوق؛ لأن المحاكم لا تكون مرجعًا موثوقًا به عند الناس إلا إذا كانت مصونة من التأثير والنفوذ»(2).
أما قوله:
«فَإِنَّ هذَا الدِّينَ قَدْ كَانَ أَسِيراً فِی أَيْدِي الْاَشْرَارِ، يُعْمَلُ فيِهِ باِلْهَوَى، وَتُطْلَبُ بِهِ الدُّنْيَا»(3).
يقول المعتزلي: هذه اشارة الى قضاة عثمان وحكامه، وأنهم لم يكونوا يقضون بالحق عنده، بل بالهوى لطلب الدنيا(4).
ثم يقول علیه السلام في خطبة أخرى حيث توضح فيها هذا المعنى (صفة من يتصدى للحكم بين الأمة وليس لذلك بأهل):
«إنَّ أَبْغَضَ الْخَلَائِقِ إِلَی اللَّهِ رَجُلَانِ، رَجُلٌ وَکَلَهُ اللَّهُ إِلَی نَفْسِهِ، فَهُوَ جَائِرٌ عَنْ قَصْدِ السَّبِیلِ، مَشْغُوفٌ بِکَلَامِ بِدْعَهٍ، وَدُعَاءِ ضَلَالَهٍ، فَهُوَ فِتْنَهٌ لِمَنِ افْتَتَنَ بِهِ، ضَالٌّ عَنْ هَدْیِ مَنْ کَانَ قَبْلَهُ، مُضِلٌّ لِمَنِ اقْتَدَی بِهِ فِی حَیَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، حَمَّالٌ
ص: 194
خَطَایَا غَیْرِهِ، رَهْنٌ بِخَطِیئَتِهِ، وَرَجُلٌ قَمَشَ جَهْلًا، مُوضِعٌ فِی جُهَّالِ الْأُمَّهِ، غادر فِی أَغْبَاشِ الْفِتْنَهِ، عَمٍ بِمَا فِی عَقْدِ الْهُدْنَهِ، قَدْ سَمَّاهُ أَشْبَاهُ النَّاسِ عَالِماً وَ لَیْسَ بِهِ، بَکَّرَ فَاسْتَکْثَرَ مِنْ جَمْعٍ، مَا قَلَّ مِنْهُ خَیْرٌ مِمَّا کَثُرَ، حَتَّی إِذَا ارْتَوَی مِنْ مَاءٍ آجِنٍ، وَ اکْثَر مِنْ غَیْرِ طَائِلٍ، جَلَسَ بَیْنَ النَّاسِ قَاضِیاً ضَامِناً لِتَخْلِیصِ مَا الْتَبَسَ عَلَی غَیْرِهِ، فَإِنْ نَزَلَتْ بِهِ إِحْدَی الْمُبْهَمَاتِ هَیَّأَ لَهَا حَشْواً رَثًّا مِنْ رَأْیِهِ، ثُمَّ قَطَعَ بِهِ، فَهُوَ مِنْ لَبْسِ الشُّبُهَاتِ فِی مِثْلِ نَسْجِ الْعَنْکَبُوتِ: لَا یَدْرِی أَصَابَ أَمْ أَخْطَأَ فَإِنْ أَصَابَ خَافَ أَنْ یَکُونَ قَدْ أَخْطَأَ، وَ إِنْ أَخْطَأَ رَجَا أَنْ یَکُونَ قَدْ أَصَابَ جَاهِلٌ خَبَّاطُ جَهَلاتٍ، عَاشٍ رَکَّابُ عَشَوَاتٍ، لَمْ یَعَضَّ عَلَی الْعِلْمِ بِضِرْسٍ قَاطِع، یَذْرُو الرِّوَایَاتِ إذْراءَ الرِّیحِ الْهَشِیمَ، لَا مَلِیٌّ - وَ اللَّهِ - بِإِصْدَارِ مَا وَرَدَ عَلَیْهِ وَ لَا أَهْلٌ لِمَا فُوّضَ إلیه»(1).
ويقول ابن أبي الحديد وقوله «يذري الروايات» فكأنه يقول: يلقي الروايات كما يلقي الإنسان الشيء على الأرض(2).
ثم يتابع الإمام علیه السلام:
«لاَ یَحْسَبُ العِلْمَ في شيْء مِمَّا أَنْكَرَهُ، وَلاَ يَرَى أَنَّ مِنْ وَرَاءِ مَا بَلَغَ منه مَذْهَباً لِغَيْرهِ، وَإِنْ أَظْلَمَ عَلَيْهِ أَمْرٌ اكْتَتَمَ بِهِ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ جَهْلِ نَفْسِهِ، تَصْرُخُ مِنْ جَوْرِ قَضَائِهِ الدِّمَاءُ، وَتَعَجُّ مِنْهُ المَوَارِيثُ، إِلَی اللهِ أَشْكُو مِنْ مَعْشَر يَعِيشُونَ جُهَّالاَ، وَيَمُوتُونَ ضُلاَّلاً»(3).
نلاحظ أن الإمام علیه السلام يؤكد ضرورة وضع الشخص المناسب في المكان المناسب له، وأن يكون كما وصف الإمام علیه السلام جاهلًا مضلًا لا يدري ما يحكم
ص: 195
أكان صائبًا أو خاطئًا ومن ثم تصرخ الناس من جور قضائه، لذلك يحث الإمام علیه السلام على تفادي هذا المصير السيئ كي يرتقي بسلطة القضاء. على حين يُوصي القاضي بقوله:
«وَأَلْزِمِ الْحَقَّ مَنْ لَزِمَهُ مِنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، وَكُنْ فِی ذلِكَ صَابِراً مُحْتَسِباً، وَاقِعاً ذلِكَ مِنْ قَرَابَتِكَ وخَاصَّتِكَ حَيْثُ وَقَعَ، وَابْتَغِ عَاقِبَتَهُ بِمَا يَثْقُلُ عَلَيْكَ مِنْهُ، فَإِنَّ مَغَبَّةَ ذلِكَ مَحْمُودَةٌ»(1).
لابد للناس - وهذا أكبر همهم - أن تكون لديهم ثقة بالقضاء والقاضي أو الحاكم قد يكون أحدهم قريبًا أو صديقًا له سواء من بعيد أو قريب.
«هَلَكَ مَنِ ادَّعى، وَخَابَ مَنِ افْتَرَى، مَنْ أَبْدَى صَفْحَتَهُ لِلْحَقِّ هَلَكَ، وَكَفَى باِلْمَرْءِ جَهْلاً أَلاَّ يَعْرِفَ قَدْرَهُ...»(2).
وقد قارن الأستاذ الفكيكي ما جاء من الصفات التي اشترطها الإمام علیه السلام في القاضي وبذلك يقول: «إن الخصائص والسمات الواجب توافرها في القاضي والاتصاف بها مقارنة بنحو كبير لأصول المحاكمات الحقوقية المعاصرة التي تحتم على القضاة مراعاتها والالتزام بها في إدارة المحاكمة»(3).
اختلاف القضاة:
بعد أن وضع الإمام علیه السلام الشروط التي يجب أن يمتاز بها الشخص الذي يتولى هذا المنصب المهم، فهو يشير الى أمر آخر لا يقل أهمية عن القضايا الأخرى
ص: 196
وهو الاجتهاد في بعض القضايا التي يمكن استنباط الحكم لها من خلال القرآن والسُنة وذلك بقوله:
«تَرِدُ عَلَی أَحَدِهِمُ اَلْقَضِیَّهُ فِی حُکْمٍ مِنَ اَلْأَحْکَامِ فَیَحْکُمُ فِیهَا بِرَأْیِهِ، ثُمَّ تَرِدُ تِلْکَ اَلْقَضِیَّهُ بِعَیْنِهَا عَلَی غَیْرِهِ فَیَحْکُمُ فِیهَا بِخِلاَفِ قَوْلِهِ، ثُمَّ یَجْتَمِعُ اَلْقُضَاهُ بِذَلِکَ عِنْدَ اَلْإِمَامِ اَلَّذِی اِسْتَقْضَاهُمْ، فَیُصَوِّبُ(1) آرَاءَهُمْ جَمِیعاً، وَ إِلَهُهُمْ وَاحِدٌ! وَ نَبِیُّهُمْ وَاحِدٌ! أَفَأَمَرَهُمُ اَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - بِالاِخْتِلاَفِ فَأَطَاعُوهُ! أَمْ نَهَاهُمْ عَنْهُ فَعَصَوْهُ! أَمْ أَنْزَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ دِيناً نَاقِصاً فَاسْتَعَانَ بِهِمْ عَلَی إِتْمَاَمِهِ! أَمْ كَانُوا شُرَكَاءَ لَهُ فَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا وَعَلَيْهِ أَنْ يَرْضى؟ أَمْ أَنْزَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ دِيناً تَامّاً فَقَصَّرَ الرَّسُولُ صلی الله علیه و آله عَنْ تَبْليِغِهِ وَأَدَائِهِ؟ وَاللهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ:
«مَا فَرَّطْنَا في الكِتَابِ مِنْ شَیْء»(2).
«وَفيِهِ تِبْيَانٌ لِكُلِّ شَیْء».
وَذَكَرَ أَنَّ الكِتَابَ يُصَدِّقُ بَعْضاً، وَأَنَّهُ لاَ اخْتِلافَ فِيهِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ:
«وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ الله لَوَجَدُوا فيِهِ اخْتِلَافًا كَثيِرًا»(3)»(4).
ولما كان الإله سبحانه واحدًا والرسول صلی الله علیه و آله وسلم واحدًا والكتاب واحدًا وجب أن يكون الحكم في الواقعة واحدًا، كالملك الذي يرسل الى رعيته رسولًا بكتاب
ص: 197
يأمرهم فيه بأوامر يقتضيها ملكه وإمرته، فإنه لا يجوز ان تتناقض أوامره، ولو تناقضت لنسب الى السفه والجهل(1).
وفي موضع آخر يقول علیه السلام:
«فلا تستعملوا الرأي فيما لا يدرك معه البصر ولا تتغلغل إليه الفكر»(2).
وقوله كذلك في مسألة اجتهادهم في الرأي: ثم جملة الأخبار لأطرافك قضاة تجتهد فيهم بنفسه لا يختلفون ولا يتدابرون في حكم الله وسنة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فإن الاختلاف في الحكم إضاعة للعدل وغرّة في الدين وسبب من الفرقة...»(3). قد خاضوا بحار الفتن وأخذوا بالبدع دون السنن(4). وقد ذهب الكثير بقولهم ان هناك بعض الأحكام القضائية التي انفرد الإمام علیه السلام في صفة الحكم بها، ومعالجتها، إذ إن المتأمل في هذه القضايا ليستغرب حقًا من مجريات الحكم واستنطاق الشهود(5). وإثبات الأدلة فيها، إذ نجدها قد أخذت مستندًا اعتمد عليه الفقهاء فيما بعد بالمشابه بها من الأحكام(6).
ص: 198
ومن خلال ذلك نستطيع القول: إن القضايا التي حكم بها الإمام علي علیه السلام قد أصبحت بمنزلة دستور لكل أحد يأتي بعده أو أثناء حياته وذلك بشهادة المؤالف والمخالف(1).
نماذج من فكر الإمام علیه السلام في القضاء:
جاء في نهج البلاغة «روي أنّ شريح بن الحارث قاضي(2) أمير المؤمنين علیه السلام اشترى على عهده داراً بثمانين ديناراً، فبلغه علیه السلام ذلك، فاستدعى شريحاً، وقال له:
بلَغَنيِ أَنَّكَ ابْتَعْتَ دَاراً بِثَمانيِنَ دِينَاراً، وَكَتَبْتَ لَهَا كِتَاباً، وَأَشْهَدْتَ فيِهِ شُهُوداً.
فقال شريح: قد كان ذلك يا أميرالمؤمنين، قال: فنظر إليه علیه السلام نظر مغضب ثمّ قال له:
یَا شُرَیْحُ، أَمَا إِنَّهُ سَیَأْتِیکَ مَنْ لَایَنْظُرُ فِی کِتَابِکَ، وَلَا یَسْأَلُکَ عَنْ بَیِّنَتِکَ، حَتَّی یُخْرِجَکَ مِنْهَا شَاخِصاً، وَیُسْلِمَکَ إِلَی قَبْرِکَ خَالِصاً. فَانْظُرْ یَا شُرَیْحُ لَا تَکُونُ ابْتَعْتَ هَذِهِ الدَّارَ مِنْ غَیْرِ مَالِکَ، أَوْ نَقَدْتَ الثَّمَنَ مِنْ غَیْرِ حَلَالِکَ! فَإِذَا أَنْتَ قَدْ خَسِرْتَ دَارَ الدُّنْیَا وَدَارَ الْآخِرَهِ! أَمَا إِنَّکَ لَوْ کُنْتَ أَتَیْتَنِی عِنْدَ شِرَائِکَ مَا اشْتَرَیْتَ لَکَتَبْتُ لَکَ کِتَاباً عَلَی هَذِهِ النُّسْخَهِ، فَلَمْ تَرْغَبْ فِی شِرَاءِ هَذِهِ الدَّارِ
ص: 199
بِدِرْهَمٍ فَمَا فَوْقُ وَ النُّسْخَهُ هَذِهِ: هَذَا مَا اشْتَرَی عَبْدٌ ذَلِیلٌ، مِنْ مَیِّتٍ قَدْ أُزْعِجَ لِلرَّحِیلِ، اشْتَرَی مِنْهُ دَاراً مِنْ دَارِ الْغُرُورِ، مِنْ جَانِبِ الْفَانِینَ، وَ خِطَّهِ الْهَالِکِینَ، وَ تَجْمَعُ هَذِهِ الدَّارَ حُدُودٌ أَرْبَعَهٌ: الْحَدُّ الْأَوَّلُ یَنْتَهِی إِلَی دَوَاعِی الْآفَاتِ، وَ الْحَدُّ الثَّانِی یَنْتَهِی إِلَی دَوَاعِی الْمُصِیبَاتِ، وَ الْحَدُّ الثَّالِثُ یَنْتَهِی إِلَی الْهَوَی الْمُرْدِی، وَ الْحَدُّ الرَّابِعُ یَنْتَهِی إِلَی الشَّیْطَانِ الْمُغْوِی، وَ فِیهِ یُشْرَعُ بَابُ هَذِهِ الدَّارِ. اشْتَرَی هَذَا الْمُغْتَرُّ بِالْأَمَلِ، مِنْ هَذَا الْمُزْعَجِ بِالْأَجَلِ، هَذِهِ الدَّارَ بِالْخُرُوجِ مِنْ عِزِّ الْقَنَاعَهِ، وَ الدُّخُولِ فِی ذُلِّ الطَّلَبِ وَ الضَّرَاعَهِ، فَمَا أَدْرَکَ هَذَا الْمُشْتَرِی فِیمَا اشْتَرَی مِنْهُ مِنْ دَرَکٍ، فَعَلَی مُبَلْبِلِ أَجْسَامِ الْمُلُوکِ، وَ سَالِبِ نُفُوسِ الْجَبَابِرَهِ، وَ مُزِیلِ مُلْکِ الْفَرَاعِنَهِ، مِثْلِ کِسْرَی وَقَیْصَرَ، وَتُبَّعٍ وَحِمْیَرَ، وَ مَنْ جَمَعَ الْمَالَ عَلَی الْمَالِ فَأَکْثَرَ، وَ مَنْ بَنَی وَ شَیَّدَ، وَ زَخْرَفَ وَ نَجَّدَ، وَ ادَّخَرَ وَ اعْتَقَدَ، وَ نَظَرَ بِزَعْمِهِ لِلْوَلَدِ، إِشْخَاصُهُمْ جَمِیعاً إِلَی مَوْقِفِ الْعَرْضِ وَ الْحِسَابِ، وَ مَوْضِعِ الثَّوَابِ وَ الْعِقَابِ، إِذَا وَقَعَ الْأَمْرُ بِفَصْلِ الْقَضَاءِ»(1).
«وَ خَسِرَ هُنالِکَ الْمُبْطِلُونَ»(2)».
وموضع الاستحسان من هذا الكلام كما يقول المعتزلي أمران - وإن كان كله حسنًا:
أحدهما: أنه علیه السلام نظر إليه نظرة مغضب، إنكارًا لابتياعه دارًا بثمانين دينارًا(3). وهذا يدل على زهد شديد في الدنيا واستكثار للقليل منها، ونسبة هذا المشتري الى الإسراف وخوف من أن يكون ابتاعها. بمال حرام.
الثاني: أنه أملى عليه كتابًا زهديًا وعظيًا، مماثلًا لكتب الشروط التي تكتب
ص: 200
في ابتياع الأملاك «هذا ما اشترى فلان...»(1). فقد كان دور الإمام علیه السلام في تقديم النصح لقاضيه ليتلافى الأخطاء التي كاد أن يقع فيها.
ومثال آخر قال الشعبي: وجد علي علیه السلام درعه عند يهودي أو مع رجل نصراني فأقبل به الى القاضي شريح يخاصمه فلما جاء جلس الى جنب شريح وقال: يا شريح لو كان خصمي مسلمًا لما جلست إلا الى جنبه ولكنه نصراني وقد قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إذا كنتم وإياهم في طريق فاضطروهم الى مضائقة، ثم قال:
هذا درعي لم أبع ولم أهب، فقال النصراني: ما الدرع إلا درعي وما أمير المؤمنين بكاذب فالتفت شريح وقال: يا أمير المؤمنين هل من بينة؟ فضحك علي علیه السلام وقال أصاب القاضي مالي ببينة فقضى شريح بها للنصراني فمشى النصراني خطوات ثم رجع وقال: أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وأن هذه أحكام الأنبياء، الدرع والله يا أمير المؤمنين درعك اتبعت الجيش وأنت منطلق الى صفين فطرق من بعيرك الاورق(2). فأخذته فقال له علي علیه السلام: أما إذا أسلمت فهي لك، وحمله على فرس(3). تبين لنا من تلك الحادثة أمور إدارية كثيرة منها:
1. أراد الإمام علیه السلام أن يوضح للأمة الإسلامية من خلال وقوفه أمام
ص: 201
القاضي [وهو الحاكم، فضلًا عن ذلك هو العالم بأمور القضاء] هو والخصم ولم يكن قد حدث هذا في تاريخ الأمة.
2. إنما أراد القول إن القضاء العادل يجب أن ينفذ حتى لو على الحاكم نفسه.
ص: 202
(لغةً واصطلاحًا) قيل إنها من الوزر والغدر: الملجأ إليه من الجبل والوزر الثقل، والوزير المتحمل ثقل أمیره وشغله، والمؤازرة المعاونة، يقال وازرت فلانًا موازرة إئتمنته على أمره(1)، فيما قال الماوردي انه مشتق من الازر وهو الظهر، لأن الملك يقوى بوزيره كقوة البدن بالظهر(2) ويسمى السلاح وزرًا لثقله على لابسه، واشتقاق الوزير من ذلك؛ لأنه لا يحل عن الملك ثقل التدبیر، يقال وزر: وزر للسلطان فهو وزير، والجمع وزراء(3). والوزير هو الذي وازره الملك(4) فيحمل ما حمله
ص: 203
من الأثقال وهو الذي يلتجئ الأمر الى رأيه وتدبيره، فهو ملجأ له ومفزع(1).
أما اصطلاحًا: فهي اسمى المناصب في الدولة بعد الرئاسة واسمها يدل على مطلق الاعانة، وهي مشتقة من الوزر ب (فتح الواو والزاي)، وهو الملجأ والمعتصم(2) فيما يعرفها ابن خلدون بقوله: «الوزارة هي أم الخطط السلطانية والرتب المملوكية، لأن اسمها يدل على مطلق الإعانة، فإن الوزارة مأخوذة: إما من المؤازرة، وهي المعاونة، أو من الوزر، وهو الثقل، وكأنه يحمل مع مفاعله أوزاره وأثقاله، وهو راجع الى المعاونة المطلقة»(3). وقد ورد ذكر الوزارة في القرآن الكريم:
«وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي»(4).
وفي موضع آخر:
«وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا»(5).
أما مسألة جذور ظهور الوزارة فيقول أحد الباحثين: وقع أن اللفظة قرآنية إلا أنها بمعناها السياسي مستحدثة في الإسلام وإن عرفت عند بني إسرائيل وقدماء المصريين قبل الفرس الفهلويين(6).
ص: 204
يبدو لنا أن منصب الوزارة لم يكن يعرف في بداية العصر الإسلامي ولم يشر إليه بوصفه وظيفة قد مارسها أحدهم إلا أنه منصب مهم لمساندة الحاكم ومساعدته على تخطي الصعوبات التي تعترضه كما أشار الطرطوشي «الوزير عون على الأمور وشريك في التدبير على السياسة ومفزع عند النازلة»(1).
ولابد لنا من الإشارة الى فقرة قد أوردها ابن أبي الحديد في فصل أورده للكتاب وما يلزمهم وقد ذكر أن ما أشار إليه الإمام علیه السلام بقوله:
«ثُمَّ انْظُرْ فِی حَالِ كُتَّابِكَ...»(2).
لم يقصد الكاتب إنما الوزير «واعلم أن الكاتب الذي يشير أمير المؤمنين علیه السلام إليه هو الذي يسمى الآن في الاصطلاح العرفي وزيرًا، لأنه صاحب تدبير حضرة الأمير، والنائب عنه في أموره، وإليه تصل مكتوبات العمال وعنه تصدر الأجوبة، وإليه العرض(3) على الأمير، وهو المستدرك على العمال، والمهمين، عليهم، وهو على الحقيقة كاتب الكتاب ولهذا يسمونه: الكاتب المطلق(4).
وقد أشار الشرقاوي الى قريب من هذا المعنى وتطبيقه «ومازالت بعض دول المغرب العربي تسمي رئيس الوزراء بالكاتب الأول، أما في حكومة الإمام علیه السلام فهم أفراد الجهاز الإداري للدولة وكان علیه السلام يريد أن ينشئ جهازًا إداريًا جديدًا
ص: 205
للدولة ولاسيما في مصر...»(1).
الوزارة في كلام الإمام علي علیه السلام:
صفات الوزير:
يجب أن لا تكون له سابقة سيئة مع الحكام الظالمين في كونه عونًا لهؤلاء الظلمة:
«شَرَّ وُزَرَائِکَ مَنْ کَانَ لِلْأَشْرَارِ قَبْلَکَ وَزِیراً، وَمَنْ شَرِکَهُمْ فِی الآْثَامِ، فَلَا یَکُونَنَّ لَکَ بِطَانَهً، فَإِنَّهُمْ أَعْوَانُ الْأَثَمَهِ، وَإِخْوَانُ الظَّلَمَهِ، وَأَنْتَ وَاجِدٌ مِنْهُمْ خَیْرَ الْخَلَفِ مِمَّنْ لَهُ مِثْلُ آرَائِهِمْ وَنَفَاذِهِمْ، وَلَیْسَ عَلَیْهِ مِثْلُ آصَارِهِمْ وَأَوْزَارِهِمْ وَآثَامِهِمْ، مِمَّنْ لَمْ یُعَاوِنْ ظَالِماً عَلَی ظُلْمِهِ، وَلَا آثِماً عَلَی إِثْمِهِ، أُولَئِکَ أَخَفُّ عَلَیْکَ مَؤُونَهً، وَأَحْسَنُ لَکَ مَعُونَهً، وَأَحْنَی عَلَیْکَ عَطْفاً، وَأَقَلُّ لِغَیْرِکَ إِلْفاً، فَاتَّخِذْ أُولَئِکَ خَاصَّهً لِخَلَوَاتِکَ وَحَفَلَاتِکَ، ثُمَّ لْیَکُنْ آثَرُهُمْ عِنْدَکَ أَقْوَلَهُمْ بِمُرِّ الْحَقِّ لَکَ، وَأَقَلَّهُمْ مُسَاعَدَهً فِیمَا یَکُونُ مِنْکَ مِمَّا کَرِهَ اللّهُ لِأَوْلِیَائِهِ، وَاقِعاً ذَلِکَ مِنْ هَوَاکَ حَیْثُ وَقَعَ»(2).
فمن اشترك في ظلم الحكام السابقين يجب عليك أن لا تجعلهم بطانتك والمقربين إليك؛ لأنهم كانوا يعينون على الظلم من جهة ثم يقول له أنت بمقدورك أن تجد من هو أفضل منهم ولم تكن لديهم الأوزار والآثام فهؤلاء أفضل من يعينك من جهة أخرى.
على الحكام أن يتخذوا من هؤلاء المحسنين وزراء لهم في خلواتهم وأن
ص: 206
يختاروا من كان كلامه في الحق وإن كان قاسيًا ومهما كان تأثيره على الحاكم.
يقول ابن أبي الحديد «نهى علیه السلام بأن لا يتخذ بطانة قد كانوا من قبل بطانة للظلمة وذلك لأن الظلم قد صار ملكة ثابتة في أنفسهم، فبعيد أن يمكنهم الخلو منها إذ قد صارت كالخلق الغريزي اللازم لتكرارها وصيرورتها عادة، فقد جاءت النصوص في الكتاب والسنة بتحريم معاونة الظلمة ومساعدتهم وتحريم الاستعانة بهم فإن من استعان بهم كان معيناً لهم»(1).
«وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا»(2).
فيما شبه ابن ابي الحديد الملك والوزير كالماء والتمساح وذلك بقولهم: مثل الملك الصالح إذا كان وزيره فاسدًا مثل الماء العذب الصافي وفيه التمساح، لا يستطيع الإنسان - وإن سابحًا والى الماء ظامئًا - دخوله حذرًا على نفسه(3).
ص: 207
ص: 208
إن فكر الإمام علیه السلام في الولاة خص الإمام [علیه السلام] له عهدين هما: ما عهد به الى واليه مالك الأشتر النخعي(1). ومحمد بن أبي بكر.
فالإمام يوجه كلامه لواليه:
«وَلْيَكُنْ أَحَبَّ الاْمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ، وَأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ، وَأَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ، فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَى الْخَاصَّةِ، وَإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ
ص: 209
يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَی الْعَامَّةِ»(1).
نلاحظ ان الامام حثه على منهج الوسطية في الادارة، إذ أشار ابن أبي الحديد إلى «أن الإمام عرفه بقانون الإمارة والاجتهاد في رضا العامة، فإنه لا مبالاة بسخط خاصة الأمير مع رضا العامة، فأما إذا سخطت العامة لم ينفعه رضا الخاصة وذلك مثل أن يكون في البلد عشرة أو عشرون من أغنيائه وذوي الثروة من أهله، يلازمون الوالي ويخدمونه ويسامرونه، وقد صار كالصديق لهم فإن هؤلاء ومن ضارعهم من حواشي الوالي وأرباب الشفاعات والقربات عنده لا يغنون عنه شيئًا عند تنكر العامة له وكذلك لا يضر سخط هؤلاء إذا رضيت العامة، وذلك لأن هؤلاء عنهم غنى ولهم بدل والعامة لا غنى عنهم ولا بدل منهم، ولأنهم إذا شغبوا عليه كانوا كالبحر إذا هاج واضطرب فلا يقاومه أحد، وليس الخاصة كذلك»(2).
واجبات الوالي:
أولًا: العدل بين الناس بعيداً عن الهوى:
«فَإِنَّ اَلْوَالِیَ إِذَا اِخْتَلَفَ هَوَاهُ مَنَعَهُ ذَلِکَ کَثِیراً مِنَ اَلْعَدْلِ، فَلْیَکُنْ أَمْرُ اَلنَّاسِ عِنْدَکَ فِی اَلْحَقِّ سَوَاءً، فَإِنَّهُ لَیْسَ فِی اَلْجَوْرِ عِوَضٌ مِنَ اَلْعَدْلِ، فَاجْتَنِبْ مَا تُنْکِرُ أَمْثَالَهُ، وَ اِبْتَذِلْ نَفْسَکَ فِیمَا اِفْتَرَضَ اَللَّهُ عَلَیْکَ، رَاجِیاً ثَوَابَهُ، وَ مُتَخَوِّفاً عِقَابَهُ»(3).
ص: 210
وقوله:«إِذَا اخْتَلَفَ هَوَاهُ مَنَعَهُ ذلِكَ كَثيِراً مِنَ الْعَدْلِ».
«قول صدق لأنه إذا لم يكن الخصمان عند الوالي سواء في الحق جار وظلم»(1) «وفي العدل كل العوض من الجور»(2).
ثم يتابع الإمام علیه السلام:
«الْصَقْ بِذَوِی الْمُرُوءَاتِ وَ الْأَحْسَابِ، وَ أَهْلِ الْبُیُوتَاتِ الصَّالِحَهِ، وَ السَّوَابِقِ الْحَسَنَهِ، ثُمَّ أَهْلِ النَّجْدَهِ وَ الشَّجَاعَهِ، وَ السَّخَاءِ وَ السَّمَاحَهِ، فَإِنَّهُمْ جِمَاعٌ مِنَ الْكَرَمِ، وَشُعَبٌ مِنَ الْعُرْفِ»(3).
ثانيًا: أن لا يجعل الرعب والخوف في قلوبهم:
«وَاحْلُلْ عُقْدَةَ الْخَوْفِ عَنْ قُلُوبِهِمْ»(4).
ثالثًا: على الوالي أن يميل للعامة دون الخاصة، إذ قال الإمام علیه السلام:
«وَلَیسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِیةِ، أَثْقَلَ عَلَی الْوَالِی مَؤُونَةً فِی الرَّخَاءِ، وَ أَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ فِی الْبَلَاءِ، وَ أَکْرَهَ لِلْإِنْصَافِ، وَأَسْأَلَ بِالْإِلْحَافِ، وَأَقَلَّ شُکْراً عِنْدَ الْإِعْطَاءِ، وَأَبْطَأَ عُذْراً عِنْدَ الْمَنْعِ، وَأَضْعَفَ صَبْراً عِنْدَ مُلِمَّاتِ الدَّهْرِ مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّةِ. وَإِنَّمَا عَمُودُ الدِّینِ، وَجِمَاعُ الْمُسْلِمِینَ، وَ الْعُدَّةُ لِلْأَعْدَاءِ، الْعَامَّةُ مِنَ الْأُمَّةِ؛ فَلْیکُنْ صِغْوُکَ لَهُمْ،
ص: 211
وَمَیلُکَ مَعَهُمْ»(1).
ليس شيء أقل نفعًا، ولا أكثر ضررًا على الوالي من خواصه أيام الولاية؛ لأنهم يثقلون عليه بالحاجات، والمسائل والشفاعات فإذا عزل هجروه ورفضوه حتى لو لقوه في الطريق لم يسلموا عليه».(2) يذكر الإمام علیه السلام بقوله:
«وَاعْلَمْ أَنَّ الدُّنْیَا دَارُ بَلِیَّهٍ لَمْ یَفْرُغْ صَاحِبُهَا فِیهَا قَطُّ سَاعَهً إِلَّا کَانَتْ فَرْغَتُهُ عَلَیْهِ حَسْرَهً یَوْمَ الْقِیَامَهِ، أَنَّهُ لَنْ یُغْنِیَکَ عَنِ الْحَقِّ شَیْءٌ أَبَداً؛ وَمِنَ الْحَقِّ عَلَیْکَ حِفْظُ نَفْسِکَ، وَالِاحْتِسَابُ عَلَی الرَّعِیَّهِ بِجُهْدِکَ، فَإِنَّ الَّذِی یَصِلُ إِلَیْکَ مِنْ ذَلِکَ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِی یَصِلُ بِکَ»(3).
أما قوله فإن الذي يصل إليك:
«فإن الذي يصل إليك من ثواب الاحتساب على الرعية، وحفظ نفسك من مظالمهم والحيف عليهم أفضل من الذي يصل بك من حراسة دمائهم وأعراضهم وأموالهم ولا شبهة في ذلك لأن أحدى المنفعتين دائمة»(4).
رابعًا: يجب على الوالي أن يشعر الرعية بالأمن ويحقق أمانيهم وأن يعفو عن أخطائهم مثل ما يحب أن يصفح عنه الله:
«وَأَشْعِرْ قَلْبَکَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِیةِ، وَالْمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلَاتَکُونَنَّ عَلَیهِمْ سَبُعاً ضَارِیاً تَغْتَنِمُ أَکْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَکَ فِی الدِّینِ، وَإمّا نَظِیرٌ
ص: 212
لَکَ فِی الْخَلْقِ، یفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ، وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ، وَیؤْتَی عَلَی أَیدِیهِمْ فِی الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِکَ وَصَفْحِکَ مِثْلَ الَّذِی تُحِبُّ وَتَرْضَی أَنْ یعْطِیکَ اللَّهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ. فَإِنَّکَ فَوْقَهُمْ، وَ وَآلِی الْأَمْرِ عَلَیکَ فَوْقَکَ، وَاللَّهُ فَوْقَ مَنْ وَلَّاکَ! وَقَدِ اسْتَکْفَاکَ أَمْرَهُمْ، وَابْتَلاَكَ بِهِمْ»(1).
خامسًا:
«وَأَمَرَهُ أَنْ يَكْسِرَ نَفْسَهُ عِنْدَ الشَّهَوَاتِ، وَيَزَعَهَا عِنْدَ الْجَمَحَاتِ، فَإِنَّ النَّفْسَ أَمَّارَةٌ باِلسُّوءِ...»(2).
هذا ما أكده الإمام علیه السلام ثم:
«إِنَّ لِلْوَالِی خَاصَّهً وَبِطَانَهً، فِیهِمُ اسْتِئْثَارٌ وَتَطَاوُلٌ، وَقِلَّهُ إِنْصَافٍ فَاحْسِمْ مَادَّهَ أُولئِکَ بِقَطْعِ أَسْبَابِ تِلْکَ الْأَحْوَالِ، وَلَا تُقْطِعَنَّ لِاَحَدٍ مِنْ حَاشِیَتِکَ وَحَامَّتِکَ قَطِیعَهً، وَلَا یَطْمَعَنَّ مِنْکَ فِی اعْتِقَادِ عُقْدَهٍ، تَضُرُّ بِمَنْ یَلِیهَا مِنَ النَّاسِ، فِی شِرْبٍ أَوْ عَمَلٍ مُشْتَرَکٍ، یَحْمِلُونَ مَؤُونَتَهُ عَلَی غَیْرِهِمْ، فَیَکُونَ مَهْنَأُ ذلِکَ لَهُمْ دُونَکَ، وَعَیْبُهُ عَلَیْکَ فِی الدُّنْیَا وَالْآخِرَهِ»(3).
حيث نهاه الإمام علیه السلام أن يحمل أقاربه وحاشيته وخواصه على رقاب الناس، وأن يمكنهم من الاستئثار عليهم والتطاول والإذلال، ونهاه عن أن يقطع أحدًا منهم قطيعة أو يملكه ضيعة تضر بمن يجاورها من السادة والدهاقين، أو ضياع يضيفونها الى ما ملكهم إياه وإعفاء لهم من مؤونة، أو حفر وغيره، فيعفيهم
ص: 213
الولاة منه مراقبة لهم، فيكون مؤونة ذلك الواجب عليهم قد اسقطت عنهم، وحمل ثقلها على غيرهم»(1).
يقول الأستاذ الفكيكي «وكسر النفس عن الشهوات التي هي التعفف في الموظف الإداري على طرفي نقيض، ومن المستحيل أن يكون عفيفًا إذا استرسل مع شهواته وانقاد الى نفسه الأمارة بالسوء المغتر بالإمارة والجاه الطويل العريض وهل معنى إيصاله بردع نفسه عن الشهوات إلا تحذيره من التهور في المسائل الإدارية والعسكرية وأن يتصف بالمتانة والتبصرة المشترطين في كل إداري»(2).
حقوق الوالي:
بعد أن بين لنا الإمام علیه السلام فكرًا واسعًا وشاملًا لواجبات الوالي فإن للوالي حقوقًا وهذه الحقوق تكون متقابلة، وإذا قام الوالي بتنفيذها فإن الأمور، تستقيم وينشر العدل فقال:
«ثُمَّ جَعَلَ - سُبْحَانَهُ - مِنْ حُقُوقِهِ حُقُوقاً افْتَرَضَهَا لِبَعْضِ النَّاسِ عَلَی بَعْضٍ فَجَعَلَهَا تَتَکَافَأُ فِی وُجُوهِهَا وَ یُوجِبُ بَعْضُهَا بَعْضاً وَ لاَ یُسْتَوْجَبُ بَعْضُهَا إِلاَّ بِبَعْضٍ وَ أَعْظَمُ مَا افْتَرَضَ سُبْحَانَهُ مِنْ تِلْکَ الْحُقُوقِ حَقُّ الْوَالِی عَلَی الرَّعِیَّهِ وَ حَقُّ الرَّعِیَّهِ عَلَی الْوَالِی فَرِیضَهٌ فَرَضَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِکُلٍّ عَلَی کُلٍّ فَجَعَلَهَا نِظَاماً لِأُلْفَتِهِمْ وَ عِزّاً لِدِینِهِمْ وَقُوامًا لسُّنَن الحَقْ فيِهِمْ»(3).
ويتضح لنا من خلال كلام الإمام علیه السلام أن هذه الحقوق المتبادلة من حقوق
ص: 214
الله لأنها مرتبطة بنظام الأمة وتلك الحقوق إذا سادت الحكم قوّي المجتمع كما يؤكد ذلك الإمام علیه السلام:
«فَلَيْسَتْ تَصْلُحُ الرَّعِيَّةُ إِلَّا بِصَلَاحِ الْوُلَاةِ، وَ لَا تَصْلُحُ الْوُلَاةُ إِلَّا بِاسْتِقَامَةِ الرَّعِيَّةِ. فَإِذَا أَدَّتْ الرَّعِيَّةُ إِلَى الْوَالِي حَقَّهُ، وَ أَدَّى الْوَالِي إِلَيْهَا حَقَّهَا، عَزَّ الْحَقُّ بَيْنَهُمْ، وَ قَامَتْ مَنَاهِجُ الدِّينِ، وَ اعْتَدَلَتْ مَعَالِمُ الْعَدْلِ، وَ جَرَتْ عَلَى أَذْلَالِهَا السُّنَنُ، فَصَلَحَ بِذَلِكَ الزَّمَانُ، وَ طُمِعَ فِي بَقَاءِ الدَّوْلَةِ، وَ يَئِسَتْ مَطَامِعُ الْأَعْدَاءِ»(1).
ولما كانت طبيعة المجتمعات تنقسم الى طبقات وهي كالمعتاد مفادته في المعيشة فمنهم الأغنياء ومنهم الفقراء فعلى الوالي أن يكون حذرًا في التعامل مع هذه الفئات:
«وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ لاَ يَصْلُحُ بَعْضُهَا إلاَّ بِبَعْض، وَلاَ غِنَى بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْض: فَمِنْهَا جُنُودُ الله ومِنْهَا كُتَّابُ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، وَمِنْهَا قُضَاةُ الْعَدْلِ، وَمِنهَا عُمَّالُ الْاِنْصَافِ وَالرِّفْقِ...»(2).
لذلك عدم احتجاب الوالي وإن لم يكن له أن يقضي حاجاتهم لا بأس أن يطرح ذلك إمامهم وأن لا يتردد في ذلك:
«وَإِنَّمَا الْوَالِی بَشَرٌ لا يَعْرِفُ مَا تَوَارَى عَنْهُ»(3).
واعلم أنه ليس شيء أدعى الى حسن ظن والٍ برعيته من إحسانه إليهم وتخفيفه المؤونات عليهم، وترك استكراهه إياهم على ما ليس له قبلهم منك
ص: 215
ذلك أمر يجتمع لك به حسن الظن برعيتك، فإن حسن الظن يقطع عنك نصبًا طويلًا، وإن أحق من حسن ظنك به لمن حسن بلاؤك عنده، وإن أحق من ساء ظنك به لمن ساء بلاؤك عنده(1). وفي موضع آخر:
«وَ إِذَا غَلَبَتِ الرَّعِيَّةُ وَالِيَهَا، أَوْ أَجْحَفَ الْوَالِي بِرَعِيَّتِهِ، اخْتَلَفَتْ هُنَالِكَ الْكَلِمَةُ، وَ ظَهَرَتْ مَعَالِمُ الْجَوْرِ، وَ كَثُرَ الْإِدْغَالُ فِي الدِّينِ، وَ تُرِكَتْ مَحَاجُّ السُّنَنِ، فَعُمِلَ بِالْهَوَى، وَ عُطِّلَتِ الْأَحْكَامُ، وَ كَثُرَتْ عِلَلُ النُّفُوسِ، فَلَا يُسْتَوْحَشُ لِعَظِيمِ حَقٍّ عُطِّلَ، وَ لَا لِعَظِيمِ بَاطِلٍ فُعِلَ»(2).
وبذلك يقول ابن أبي الحديد: «أيدي الرعية تبع ألسنتها، فلن يملك الملك ألسنتها حتى يملك جسومها ولن يملك جسومها حتى يملك قلوبها فتحبه، ولن تحبه حتى يعدل عليها في أحكامه عدلا يتساوى فيه الخاصة والعامة، وحتى يخفف عنها المؤن والكلف...»(3).
مواصفات الوالي:
ومن الصفات التي يجب أن يتحلى بها الوالي:
أولًا: ألا يغضب وأن يصبر:
«سَعِ النَّاسَ بِوَجْهِكَ وَمَجْلِسِكَ وَحُكْمِكَ، وإِيَّاكَ وَالْغَضَبَ فَإِنَّهُ طَيْرَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا قَرَّبَكَ مِنَ اللهِ يُبَاعِدُكَ مِنْ النَّارِ، وَمَا بَاعَدَكَ مِنَ اللهِ يُقَرِّبُكَ مِنَ النَّارِ»(4).
ص: 216
ثانيًا: ألا يبدل سُنةّ قد عملت بها الأمة:
«لا تُحْدِثَنَّ سُنَّةً تَضُرُّ بِشَیء مِنْ مَاضِی تِلْكَ السُّنَنِ، فَيَكُونَ الْاَجْرُ بِمَنْ سَنَّهَا، وَالْوِزْرُ عَلَيْكَ بِمَا نَقَضْتَ مِنْهَا»(1).
ثالثًا: عليه ألا ينقض السنن السابقة:
«وَلاَ تَنْقُضْ سُنَّةً صَالِحَةً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هذِهِ الْاُمَّةِ، وَاجْتَمَعتْ بِهَا الْاُلْفَةُ، وَصَلَحَتْ عَلَيْهَا الرَّعِيَّةُ»(2).
وليس يخرج الوالي من حقيقة ما ألزمه الله تعالى من ذلك، إلا بالاهتمام والاستعانة بالله، وتوطين نفسه على لزوم الحق والصبر عليه فيها خف عليه أو ثقل(3).
رابعًا: على الوالي ان لا يطيل الاحتجاب(4) عن الرعية، حيث أوصى لمن يتولى هذا المنصب قائلًا:
«وَأَمَّا بَعْدَ هذا، فَلاَ تُطَوِّلَنَّ احْتِجَابَكَ عَنْ رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّ احْتِجَابَ الْوُلاَةِ
ص: 217
عَنِ الرَّعِیَّهِ شُعْبَهٌ مِنَ الضِّیقِ، وَ قِلَّهُ عِلْمٍ بِالْأُمُورِ، وَ الاِحْتِجَابُ مِنْهُمْ یَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ مَا احْتَجَبُوا دُونَهُ فَیَصْغُرُ عِنْدَهُمُ الْکَبِیرُ، وَ یَعْظُمُ الصَّغِیرُ، وَ یَقْبُحُ الْحَسَنُ، وَ یَحْسُنُ الْقَبِیحُ، وَ یُشَابُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ، وَ إِنَّمَا الْوَالِی بَشَرٌ لاَ یَعْرِفُ مَا تَوَارَی عَنْهُ النَّاسُ بِهِ مِنَ الْأُمُورِ، وَ لَیْسَتْ عَلَی الْحَقِّ سِمَاتٌ تُعْرَفُ بِهَا ضُرُوبُ الصِّدْقِ مِنَ الْکَذِبِ»(1).
يلاحظ ان الإمام علیه السلام قد رسم اهم ما يجب ان يتصف به الوالي من خلال كلامه، حيث جاء تحذيره بما يأتي:
1. أن لا يجعل وقوف الرعية لمدة طويلة عندما يحتاجون إليه، فيما بين الإمام علیه السلام مساوئ طول هذه المدة ومالها من الضرر على الوالي.
2. الاحتجاب يكثر همهم وتضيق بهم السبل.
3. قلة علم الوالي بما يحدث حوله من الأمور.
واحتجابك عنهم يصور لهم القبيح بالحسن والحسن بالقبيح وغير ذلك.
وإنك بشر ولا تعرف ما يخفي عنك حاجبك وليس لك دليل على صدقه وكذبه معك:
«وَإِنَّمَا أَنْتَ أَحَدُ رَجُلَیْنِ: إِمَّا امْرُؤٌ سَخَتْ نَفْسُکَ بِالْبَذْلِ فِی الْحَقِّ، فَفِیمَ احْتِجَابُکَ مِنْ وَاجِبِ حَقٍّ تُعْطِیهِ، أَوْ فِعْلٍ کَرِیمٍ تُسْدِیهِ، أَوْ مُبْتَلًی بِالْمَنْعِ، فَمَا أَسْرَعَ کَفَّ النَّاسِ عَنْ مَسْأَلَتِکَ إِذَا أَیِسُوا مِنْ بَذْلِکَ! مَعَ أَنَّ أَکْثَرَ حَاجَاتِ النَّاسِ إِلَیْکَ [م] ما لَا مَؤُونَهَ فِیهِ عَلَیْکَ، مِنْ شَکَاهِ مَظْلِمَهٍ، أَوْ طَلَبِ إِنْصَافٍ
ص: 218
فِی مُعَامَلَهٍ»(1).
ثم يسأل الإمام علیه السلام بقوله: إذا كنت على الحق فلماذا تحتجب من حق واجب عليك أن تعطيه؟ وهل أنت مبتلٍ بالمنع حتى لمنع الناس؟. «فإن أكثر الناس يحجبون كيلا يطلب منهم الرفد! وأنت إن كنت جوادًا سمحًا لم يكن لك الى الحجاب داع وإن كنت ممسكًا فسيعلم الناس ذلك منك، فلا يسألك أحد شيئًا.
ثم قال: على أن أكثر ما يسأل منك ما لا مؤونة عليه في ماله، كرد ظلامة أو إنصاف من خصم»(2).
وقد أخذ هذا معنى الحجابة للوالي، قول الشاعر محمود الورّاق(3):
إذا اعتصم الوالي بإغلاق بابه *** وردّ ذوي الحاجات دون حجابهِ
ظننت به إحدى ثلاث وربّما *** رجمتُ بظنّ واقع بصوابهِ
أقول به مسّ من العيّ ظاهر *** ففي إذنه للناس إظهار ما بهِ
فإن لم يكن عيّ اللسان فغالب *** من البُخْل يحمي ما له عن طلابهِ
وإن لم يكن لاذا ولاذا قريبةٌ *** بُكتمها مستورةٌ بثيابهِ
خامسًا: على الوالي ان يتفقد أعمال الجند(4) ولا يقعد عنهم:
ص: 219
«وَتُقعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وَأَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وَشُرَطِكَ(1)»(2).
سادسًا: على الوالي أن يتواضع للرعية، وكما عهد الإمام علیه السلام الى محمد بن أبي بكر - حين ولاه مصر:
«وَاخْفِضْ لِلرَّعِيَّةِ جَنَاحَكَ، وَابْسِطْ لَهُمْ وَجْهَكَ وَأَلِنْ لَهُمْ جَانِبَكَ، وَآسِ بَيْنَهُمْ فِی اللَّحْظَةِ وَالنَّظْرَةِ، وَالْاِشَارَةِ وَالتَّحِيَّةِ، حَتَّى لاَ يَطْمَعَ الْعُظَمَاءُ فِی حَيْفِكَ، وَلا يَيْأَسَ الضُّعَفَاءُ مِنْ عَدْلِكَ»(3).
مدح وثناء الإمام علیه السلام لبعض الولاة:
إنَّ الإمام علیه السلام لم ينسَ أو يتجاهل أمرًا هامًا وهو الثناء والتقدير والتشجيع للولاة الأكفاء كون ذلك يشجع الآخرين حيث يقول:
«أَمَّا بَعْدُ فَقدْ وَفرت على المسلمين فيئهم وأطعت ربك ونصحت إمامك
ص: 220
فعل المتنزه العفيف، فقد حمدت أثرك ورضيت إمامك..»(1).
فيما يثني على والٍ آخر بقوله:
«أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّی قَدْ وَلَّیْتُ اَلنُّعْمَانَ بْنِ عَجْلاَنَ اَلزُّرَقِیَّ عَلَی اَلْبَحْرَیْنِ، وَ نَزَعْتُ یَدَکَ، بِلاَ ذَمٍّ لَکَ، وَ لاَ تَثْرِیبٍ عَلَیْکَ، فَلَقَدْ أَحْسَنْتَ اَلْوِلاَیَهَ، وَ أَدَّیْتَ اَلْأَمَانَهَ، فَأَقْبِلْ غَیْرَ ظَنِینٍ، وَ لاَ مَلُومٍ، وَ لاَ مُتَّهَمٍ، وَ لاَ مَأْثُومٍ، فَلَقَدْ أَرَدْتُ اَلْمَسِیرَ إِلَی ظَلَمَهِ أَهْلِ اَلشَّامِ، وَ أَحْبَبْتُ أَنْ تَشْهَدَ مَعِی، فَإِنَّکَ مِمَّنْ أَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَی جِهَادِ اَلْعَدُوِّ، وَ إِقَامَهِ عَمُودِ اَلدِّینِ إِنْ شَاءَ اَللَّه»(2).
مراقبة الولاة ومحاسبتهم:
يؤكد الإمام علیه السلام أهمية الرقابة والمحاسبة والعزل التي تعمل على حماية الرعية وضمان ممتلكاتهم.
إذ أشار الإمام علیه السلام الى من يستخلفهم الوالي في عمله والذي يجب عليه أن ينظر في سيرتهم:
«أما بعد، فاستخلف على عملك واخرج في طائفة من أصحابك حتى تمر بأرض السواد كورة كورة فتسألهم عن عمالهم وتنظر في سیرتهم»(3).
ولم يقف عند ذلك الإمام علیه السلام بل إنه يؤكد ذلك مرارًا في قوله:
ص: 221
«ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ، وَابْعَثِ الْعُيُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ تَعَاهُدَکَ فِي السِّرِّ لاُمُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الاْمَانَةِ، وَالرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ»(1).
أما ما يخص معاملة العامل للرعية فقد أكد الإمام علیه السلام على أن يكون مداول بين القسوة واللين وأن يرفق بهم:
«أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ دَهَاقِینَ أَهْلِ بَلَدِکَ شَکَوْا مِنْکَ غِلْظَهً وَ قَسْوَهً، وَ اِحْتِقَاراً وَ جَفْوَهً، وَ نَظَرْتُ فَلَمْ أَرَهُمْ أَهْلاً لِأَنْ یُدْنَوْا لِشِرْکِهِمْ، وَ لاَ أَنْ یُقْصَوْا وَ یُجْفَوْا لِعَهْدِهِمْ، فَالْبَسْ لَهُمْ جِلْبَاباً مِنَ اَللِّینِ تَشُوبُهُ بِطَرَفٍ مِنَ اَلشِّدَّهِ، وَ دَاوِلْ لَهُمْ بَیْنَ اَلْقَسْوَهِ وَ اَلرَّأْفَهِ، وَ اُمْزُجْ لَهُمْ بَیْنَ اَلتَّقْرِیبِ وَ اَلْإِدْنَاءِ، وَ اَلْإِبْعَادِ وَ اَلْإِقْصَاءِ، إِنْ شَاءَ اَللَّهُ»(2).
ويمضي في كتاب آخر الى هذا المعنى:
«أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّکَ مِمَّنْ أَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَی إِقَامَةِ الدِّینِ، وَ أَقْمَعُ بِهِ نَخْوَةَ الْأَثِیمِ، وَ أَسُدُّ بِهِ لَهَاةَ الثَّغْرِ الْمَخُوفِ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ عَلَی مَا أَهَمَّکَ، وَ اخْلِطِ الشِّدَّةَ بِضِغْثٍ مِنَ اللِّینِ، وَ ارْفُقْ مَا کَانَ الرِّفْقُ أَرْفَقَ، وَ اعْتَزِمْ بِالشِّدَّةِ حِینَ لاَ تُغْنِی عَنْکَ إِلاَّ الشِّدَّةُ، وَ اخْفِضْ لِلرَّعِیَّةِ جَنَاحَکَ، وَ ابْسُطْ لَهُمْ وَجْهَکَ وَ أَلِنْ لَهُمْ جَانِبَکَ، وَ آسِ بَیْنَهُمْ فِی اللَّحْظَةِ وَ النَّظْرَةِ، وَ الْإِشَارَةِ وَ التَّحِیَّةِ، حَتَّی لاَ یَطْمَعَ الْعُظَمَاءُ فِی حَیْفِکَ، وَ لاَ یَیْأَسَ الضُّعَفَاءُ مِنْ عَدْلِکَ وَ السَّلاَمُ»(3).
وكما يبدو واضحًا من كلامه الى رفق العامل بالرعية وأن يستعين بالله في أموره وأن يستعمل الشدة عندما يكون مضطرًا لذلك، وأن يتواضع لهم وعليه
ص: 222
بالمساواة بينهم، ذلك لكي لا يطمع القوي ولا ييأس الضعيف. ويتعدى ذلك حيث إنه علیه السلام، يقسم قسمًا صريحًا على مراقبة العمال وغيرهم فمن تناط إليهم مسؤولية المؤسسات الإدارية في الدولة:
«فَوَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لأفُتشن عَنْ ذَلْكَ تَفْتيِشًا شَافِيًا»(1) على حين ينبه الإمام علیه السلام الوالي إلى أن تكون رقابته للعمال كافة بغض النظر عن انتمائهم حيث أرسل كتابًا الى ابن عمه عبد الله بن العباس يقول له:
«فَارْبَعْ(2) أَبَا الْعَبَّاسِ، رَحَمِكَ اللهُ، فِيَما جَرَى عَلَی يَدِكَ وَلِسَانِكَ مِنْ خَيْر وَشَرّ! فَإِنَّا شَرِيكَانِ فِی ذلِكَ،كُنْ عِنْدَ صَالِحِ ظَنِّي بِكَ، وَلاَ يَفِيلَنَّ رَأَيِي فِيكَ، وَالسَّلاَمُ»(3).
إذ جاء في كتاب له الى أحد ولاته ومنه تتضح مراقبته ومحاسبته العامل المقصر:
«وَإِنِّی أُقْسِمُ بِاللهِ قَسَماً صَادِقاً، لَئِنْ بَلَغَني أَنَّكَ خُنْتَ مِنْ فَیْءِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئاً صَغِيراً أَوْ كَبِيراً، لاَشُدَّنَّ عَلَيْكَ شَدَّةً تَدَعُكَ قَلِيلَ الْوَفْرِ(4) ثَقِيلَ الظَّهْرِ، ضَئِيلَ الْاَمْرِ، وَالسَّلاَمُ»(5) (6).
ص: 223
لقد أقسم الإمام علیه السلام على أن لو ظلم أحد أولاده لأخذ حق المظلوم منه:
«وَ وَ اللّهِ لَو أَنّ الحَسَنَ وَ الحُسَينَ فَعَلَا مِثلَ ألّذِي فَعَلتَ، مَا كَانَت لَهُمَا عنِديِ هَوَادَةٌ، وَ لَا ظَفِرَا منِيّ بِإِرَادَةٍ، حَتّي آخُذَ الحَقّ مِنهُمَا، وَ أُزِيحَ البَاطِلَ عَن مَظلَمَتِهِمَا...»(1).
أيضًا مراقبة الولاة من حيث إسرافهم في المال الذي تحت أيديهم له أثره في الدولة واقتصادها:
«فَدَعِ الْإِسْرَافَ مُقْتَصِداً، وَ اذْکُرْ فِی الْیَوْمِ غَداً، وَ أَمْسِکْ مِنَ الْمَالِ بِقَدْرِ ضَرُورَتِکَ، وَ قَدِّمِ الْفَضْلَ لِیَوْمِ حَاجَتِکَ أَ تَرْجُو أَنْ یُعْطِیَکَ اللَّهُ أَجْرَ الْمُتَوَاضِعِینَ وَ أَنْتَ عِنْدَهُ مِنَ الْمُتَکَبِّرِینَ...»(2).
فيما جاء في كتاب آخر قوله علیه السلام:
«أمّا بَعدُ؛ فَاحملِ ما قِبَلَكَ مِن مالِ اللّه؛ فَإِنَّهُ فَیءٌ للِمُسلمِينَ، لَستَ بِأَوفَرَ حَظّا فيهِ مِن رَجُلٍ فيهِم، ولا تَحسَبَنَّ يَابنَ اُمِّ قُدامَةَ أنَّ مالَ كَسكَرَ(3) مُباحٌ لَكَ كَمالٍ
ص: 224
وَرِثتَهُ عَن أبيكَ واُمِّكَ، فَعَجِّل حَملَهُ، وأعجِل فِی الإِقبالِ إلَينا، إن شاءَ اللّه»(1).
وأرسل الى أحد ولاته علیه السلام أيضًا وفيه:
«بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ إِلَهَكَ، وَ أَغْضَبْتَ إِمَامَكَ: أَنَّكَ تَقْسِمُ فَيْءَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِي حَازَتْهُ رِمَاحُهُمْ وَ خُيُولُهُمْ، وَ أُرِيقَتْ عَلَيْهِ دِمَاؤُهُمْ، فِيمَنِ اعْتَامَكَ مِنْ أَعْرَابِ قَوْمِكَ، فَوَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ، لَئِنْ كَانَ ذَلِكَ حَقّاً لَتَجِدَنَّ بِكَ عَلَيَّ هَوَاناً، وَ لَتَخِفَّنَّ عِنْدِي مِيزَاناً، فَلاَ تَسْتَهِنْ بِحَقِّ رَبِّكَ، وَ لاَ تُصْلِحْ دُنْيَاكَ بِمَحْقِ دِينِكَ، فَتَكُونَ مِنَ الْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً»(2).
وتابع الإمام علیه السلام مراقبته إذ جاء في كتاب له الى أحد ولاته، وقد خان في بعض ما ولاه قوله:
«أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ صَلَاحَ أَبِیکَ غَرَّنِی مِنْکَ، وَظَنَنْتُ أَنَّکَ تَتَّبِعُ هَدْیَهُ، وَتَسْلُکُ سَبِیلَهُ، فَإِذَا أَنْتَ فِیمَا رُقِّیَ إِلَیَّ عَنْکَ لَاتَدَعُ لِهَوَاکَ انْقِیَاداً، وَلَا تُبْقِی لآِخِرَتِکَ عَتَاداً، تَعْمُرُ دُنْیَاکَ بِخَرَابِ آخِرَتِکَ، وَتَصِلُ عَشِیرَتَکَ بِقَطِیعَهِ دِینِکَ. وَلَئِنْ کَانَ مَا بَلَغَنِی عَنْکَ حَقّاً، لَجَمَلُ أَهْلِکَ وَشِسْعُ نَعْلِکَ خَیْرٌ مِنْکَ، وَمَنْ کَانَ بِصِفَتِکَ فَلَیْسَ بِأَهْلٍ أَنْ یُسَدَّ بِهِ ثَغْرٌ، أَوْ یُنْفَذَ بِهِ أَمْرٌ، أَوْ یُعْلَی لَهُ قَدْرٌ، أَوْ یُشْرَکَ فِی أَمَانَهٍ، أَوْ یُؤْمَنَ عَلَی خِیَانَهٍ، فَأَقْبِلْ إِلَیَّ حِینَ یَصِلُ إِلَیْکَ کِتَابِی هَذَا، إِنْ شَاءَ اللّهُ»(3).
وقد أشار للخيانة في كتاب آخر:
«وَإِنَّ أَعْظَمَ الْخِيَانَةِ خِيَانَةُ الْامَّةِ، وَأَفْظَعَ الْغِشِّ غِشُّ الْائِمَّةِ،... وَعِنْدَكَ من
ص: 225
حق المسلمين خمسمائة ألف فابعث بها إلي ساعة يأتيك رسولي، وإلا فأقبل إليّ حين تنظر في كتابي، فإني قد قدمت رسولي إليك إلا يدعك أنَّ تقيم ساعة واحدة بعد قدومه عليك إلا ان تبعث بالمال والسلام عليك»(1).
نلاحظ أن الإمام علیه السلام يدعو الى عدم إمهال الخائناً ولو ساعة واحدة.
وعنه علیه السلام في مراقبة الولاة وعقوبة من كان خائن منهم:
«فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَى خِيَانَة اجْتَمَعَتْ بِهَا عَلَيْهِ عِنْدَکَ أَخْبَارُ عُيُونِکَ، اکْتَفَيْتَ بِذَلِکَ شَاهِداً، فَبَسَطْتَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فِي بَدَنِهِ، وَأَخَذْتَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ عَمَلِهِ، ثُمَّ نَصَبْتَهُ بِمَقَامِ الْمَذَلَّةِ، وَوَسَمْتَهُ بِالْخِيَانَةِ، وَقَلَّدْتَهُ عَارَ التُّهَمَةِ»(2).
وفي موضع آخر لبعض عماله:
«فَلَمّا أَمكَنَتكَ الشّدّةُ فِي خِيَانَةِ الأُمّةِ، أَسرَعتَ الكَرّةَ، وَ عَاجَلتَ الوَثبَةَ، وَ اختَطَفتَ مَا قَدَرتَ عَلَيهِ مِن أَموَالِهِمُ المَصُونَةِ لِأَرَامِلِهِم وَ أَيتَامِهِمُ، اختِطَافَ الذّئبِ الأَزَلّ...»(3).
فضلًا عن ذلك فإن الإمام علیه السلام يلفت نظر الوالي الى مسألة نعيشها في الوقت الحاضر، ألا وهي في غاية الأهمية - الرشوة(4) - التي يأخذها الولاة لقاء تقديم خدمة ما للرعية وذلك بقوله:
ص: 226
«وَأَعْجَبُ مِنْ ذلِکَ طَارِقٌ طَرَقَنَا بِمَلْفُوفَهٍ فِی وِعَائِهَا، وَمَعْجُونَهٍ شَنِئْتُهَا، کَأَنَّمَا عُجِنَتْ بِرِیقِ حَیَّهٍ أَوْ قَیْئِهَا، فَقُلْتُ: أَصِلَهٌ، أَمْ زَکَاهٌ، أَمْ صَدَقَهٌ؟ فَذلِکَ مُحَرَّمٌ عَلَیْنَا أَهْلَ الْبَیْتِ! فَقَالَ: لَا ذَا وَلَا ذَاکَ، وَلکِنَّهَا هَدِیَّهٌ. فَقُلْتُ: هَبِلَتْکَ الْهَبُولُ أَعَنْ دِینِ اللَّهِ أَتَیْتَنِی لَتَخْدَعَنِی؟ أَمُخْتَبِطٌ أَنْتَ أَمْ ذُو جِنَّهٍ، أَمْ تَهْجُرُ؟ وَاللَّهِ لَوْ أُعْطِیتُ الْأَقَالِیمَ السَّبْعَهَ بِمَا تَحْتَ أَفْلَاکِهَا، عَلَی أَنْ أَعْصِیَ اللَّهَ فِی نَمْلَهٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِیرَهٍ مَا فَعَلْتُهُ»(1).
وقوله لأحد ولاته:
«... فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً مِنْ فِتْيَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ دَعَاكَ إلى مَأْدُبَة، فَأَسْرَعْتَ إِلَيْهَا، تُسْتَطَابُ لَكَ الْاَلْوَانُ، وَتُنْقَلُ إِلَيْكَ...»(2).
فإن الإمام علیه السلام يمارس الرقابة ويهدد بالعزل والعقوبة ويذكره بأن حسابالله أعظم من حساب الناس:
«أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ بَلَغَنِی عَنْکَ أَمْرٌ، إِنْ کُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ رَبَّکَ، وَ عَصَیْتَ إِمَامَکَ، وَ أَخْزَیْتَ أَمَانَتَکَ. بَلَغَنِی أَنَّکَ جَرَّدْتَ اَلْأَرْضَ فَأَخَذْتَ مَا تَحْتَ قَدَمَیْکَ، وَ أَکَلْتَ مَا تَحْتَ یَدَیْکَ، فَارْفَعْ إِلَیَّ حِسَابَکَ، وَ اِعْلَمْ أَنَّ حِسَابَ اَللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ حِسَابِ اَلنَّاسِ، وَ اَلسَّلاَمُ»(3).
فيما يذكر الإمام علیه السلام العزل (عزل الولاة) وما له من أهمية كبيرة لكونهم لا يصلحون لهذه المناصب فيجب على الوالي العادل أن يعزلهم. فقد ذكر ابن عبد البر: «كان علي رضی الله عنه... لا يخص بالولايات إلا أهل الديانات والأمانات، وإذا
ص: 227
بلغه عن أحدهم خيانة كتب إليه:
«وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ»(1).
إذا أتاك كتابي هذا فاحتفظ بما في يديك من أعمالنا حتى نبعث إليك من يتسلمه منك، ثم يرفع طرفه الى السماء فيقول: اللهم إنك تعلم أني لم آمرهم بظلم خلقك، ولا بترك حقك. [ثم يقول] وخطبه ومواعظه ووصاياه لعماله إذا كان يخرجهم الى اعماله كثيرة، مشهورة لم أرَ التعرض لذكرها، لئلا يطول الكتاب وهي حسان كلها(2). وقد نقل عن سودة بنت عمارة الهمدانية(3): أنها دخلت على معاوية بعد موت علي علیه السلام فجعل معاوية يؤنبها على تحريضها عليه في أيام قتال صفين ثم إنه قال لها: ما حاجتك؟ فقالت: إن الله تعالى مسائلك عن أمرنا وما فوض إليك من أمرنا ولا يزال يقدم علينا من قبلك من يسمو بمقامك ويبطش بسلطانك... وهذا بسر ابن أرطاة(4) قد قدم علينا فقتل رجالنا، وأخذ
ص: 228
أموالنا ولولا الطاعة لكان فينا عز ورفعة فإن عزلته عنا شكرناك، وإلا فالى الله شكوناك فقال معاوية: إياي تعنين ولي تهددين! لقد هممت ياسودة أن أحملك على قتب أشوس فأردك إليه، فينفذ حكمه فيك، فأطرقت ثم أنشأت تقول:
صلى الإله على جسم تضمنه *** قبر فأصبح فيه العدل مدفونا
قد حالف الحق لا يبغي به بدلًا *** وصار بالحق والإيمان مقرونا
فقال معاوية: من هذا ياسودة؟ قالت: هذا والله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام لقد جئته في رجل كان قد ولاه صدقاتنا فجار علينا فصادفته قائمًا يريد الصلاة، فلما رأني انفتل ثم أقبل عليّ بوجه طلق، ورحمة ورفق وقال: لكِ حاجة؟ قُلت: نعم، وأخبرته بالأمر فبكى، ثم قال: اللهم أنت شاهد أني لم آمرهم بظلم خلقك ولا بترك حقك، ثم أخرج من جيبه قطعة جلد وكتب فيها: بسم الله الرحمن الرحيم:
«قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ»(1).
وإذا قرأت كتابي فاحتفظ بما في يدك من عملك حتى يقدم عليك من يقبضه والسلام. ثم دفع إلي الرقعة فجئت بالرقعة الى صاحبه فانصرف عنا معزولًا.
فقال: أكتبوا لها بما تريد، وخذوها الى بلدها غير شاكية(2).
ص: 229
وصايا الإمام علیه السلام للوالي:
قد أشار الإمام علیه السلام الى أن هنالك ضوابط تحدّ من فساد الوالي تجاه رعيته، وبهذا فإن الإمام علیه السلام يضع الأطر الأساسية لقيام المجتمعات:
أولًا: عدم سفك الدماء خارج حدود الله.
«إِيَّاکَ وَالدِّمَاءَ وَسَفْکَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَدْنَى لِنِقْمَة، وَلاَ أَعْظَمَ لِتَبِعَة، وَلاَ أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَة، وَانْقِطَاعِ مُدَّة، مِنْ سَفْکِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا. وَاللهُ سُبْحَانَهُ مُبْتَدِئٌ بِالْحُکْمِ بَيْنَ الْعِبَادِ، فِيمَا تَسَافَکُوا مِنَ الدِّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلاَ تُقَوِّيَنَّ سُلْطَانَکَ بِسَفْکِ دَم حَرَام، فَإِنَّ ذَلِکَ مِمَّا يُضْعِفُهُ وَ يُوهِنُهُ، بَلْ يُزِيلُهُ وَ يَنْقُلُهُ. وَلاَ عُذْرَ لَکَ عِنْدَ اللهِ وَلاَ عِنْدِي فِي قَتْلِ الْعَمْدِ، لاَنَّ فِيهِ قَوَدَ الْبَدَنِ، وَإِنِ ابْتُلِيتَ بِخَطَإ وَأَفْرَطَ عَلَيْکَ سَوْطُکَ [أَوْ سَيْفُکَ] أَوْ يَدُکَ بِالْعُقُوبَةِ، فَإِنَّ فِي الْوَکْزَةِ فَمَا فَوْقَهَا مَقْتَلَةً، فَلاَ تَطْمَحَنَّ بِکَ نَخْوَةُ سُلْطَانِکَ عَنْ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ حَقَّهُمْ»(1).
فالإمام علیه السلام يحذر الوالي من سفك الدماء بغير وجه ثم يقول ما من شيء أصعب منه ومن تبعاته، وإن فعل ذلك في سبيل تقوية سلطانه فإن الأمور ستؤول الى ضعف سلطانه لا بل وإزالته عنه «وكلام أمير المؤمنين علیه السلام يدل على أن المؤدب من الولاة إذا تلف تحت يده إنسان في التأديب فعليه الدية»(2).
ثانيًا: يتذكر من كان قبله من السُنة.
«وَالْوَاجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَذَكَّرَ مَا مَضَی لِمَنْ تَقَدَّمَكَ: مِنْ حُكُومَة عَادِلَة، أَوْ سُنَّة
ص: 230
فَاضِلَةٍ، أَوْ أَثَرٍ عَنْ نَبِینَا صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَآلِهِ وَسلَّم أَوْ فَرِیضَةٍ فِی کِتَابِ اللَّهِ، فَتَقْتَدِی بِمَا شَاهَدْتَ مِمَّا عَمِلْنَا بِهِ فِیهَا، وَتَجْتَهِدَ لِنَفْسِکَ فِی اتِّبَاعِ مَا عَهِدْتُ إِلَیکَ فِی عَهْدِی هذَا، وَ اسْتَوْثَقْتُ بِهِ مِنَ الْحُجَّةِ لِنَفْسِی عَلَیکَ، لِکَیلَا تَکُونَ لَکَ عِلَّةٌ عِنْدَ تَسَرُّعِ نَفْسِکَ إِلَی هَوَاهَا»(1).
نلاحظ من كلام الإمام علیه السلام نقطتين مهمتين:
الأولى: على من يخلف أمرًا أن يجعل من كان قبله قدوة له وهو حكم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وهي كما وصفها الإمام علیه السلام:
«حُكُومَة عَادِلَة، أَوْ سُنَّة فَاضِلَة».
الثانية: أن الإمام علیه السلام بين لهم بأنه علیه السلام هو امتداد لتلك الحكومة وأنه وضع واجباته تجاه عماله بصورة واضحة المعالم وانتهج بها نهج رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم.
ثالثًا: ترك العجب وحب المديح والإطراء «وَإِیاکَ وَالْإِعْجَابَ بِنَفْسِکَ، وَالثِّقَةَ بِمَا یعْجِبُکَ مِنْهَا، وَحُبَّ الْإِطْرَاءِ، فَإِنَّ ذلِکَ مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ الشَّیطَانِ فِی نَفْسِهِ لِیَمْحَقَ مَا یکُونُ مِنْ إِحْسَانِ الْمُحسِنِینَ»(2).
رابعًا: ترك المنّ على الرعية وإلزام الوالي بوعوده لرعيته «وَإِيَّاكَ وَالْمَنَّ عَلَی رَعِيَّتِكَ بِإِحْسَانِكَ، أَوِ التَّزَيُّدَ فِيَما كَانَ مِنْ فِعْلِكَ، أَوْ أَنْ تَعِدَهُمْ فَتُتْبِعَ مَوْعِدَكَ بِخُلْفِكَ، فَإِنَّ الْمَنَّ يُبْطِلُ الْاِحْسَانَ، وَالتَّزَيُّدَ يَذْهَبُ بِنُورِ الْحَقِّ، وَالخُلْفَ يُوجِبُ الْمَقْتَ عِنْدَاللهِ وَالنَّاسِ»(3).
ص: 231
قال تعالى:
«كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ الله أنْ تَقُولوُا مَا لَا تَفْعَلوُنَ»(1) وهنا يوضع الإمام علیه السلام ما يجب أن يقوم به الخليفة أو الوالي تجاه رعيته وذلك بأن لا يتفاخر بما يقدمه لهم وأن يحسن لهم أمورهم وأن لا يخلف الوعد الذي يعدهم به كقول الإمام علیه السلام:
«المسؤول حر حتى يعد»(2).
خامسًا: لا يتعجل بالأمور ولا يتهاون «وإيَّاكَ وَالْعَجَلَةَ باِلْاُمُورِ قَبْلَ أَوَانِهاَ، أَوِ التَّسَاقُطَ فيِهَا عِنْدَ إِمْكَانِهاَ، أَوِ الَّلجَاجَةَ فيِهَا إذِا تَنَكَّرَتْ، أَوِ الْوَهْنَ عَنْهَا إذَا اسْتَوْضَحَتْ، فَضَعْ كُلَّ أَمْر مَوْضِعَهُ، وَأَوْقِعْ كُلَّ عَمَل مَوْقِعَهُ»(3).
سادسًا: لا يستأثر «وَإِيَّاکَ وَالاِسْتِئْثَارَ بِمَا النَّاسُ فِيهِ أُسْوَةٌ، وَالتَّغَابِيَ عَمَّا تُعْنَى بِهِ مِمَّا قَدْ وَضَحَ لِلْعُيُونِ، فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْکَ لِغَيْرِکَ، وَعَمَّا قَلِيل تَنْکَشِفُ عَنْکَ أَغْطِيَةُ الاُمُورِ، وَيُنْتَصَفُ مِنْکَ لِلْمَظْلُومِ»(4).
ويبدو لنا جليًا بأن الإنسان عندما يتمكن من شيء أو سلطة قوية فإنه يستأثر، فالإمام علیه السلام يذكر مالكًا الأشتر بذلك، كما أن بعض الحكام والسلاطين يميزون أصحابهم المقربين ويغدقون عليهم الخيرات استغلالًا لمناصبهم،
ص: 232
فالإمام علیه السلام من جهة أخرى يؤكد بأن ذلك لا يدوم كونه لم يبقَ مخفيًا عن الرعية، ثم إنه عما قليل تزول أغطية هذه الأمور ويأخذ المظلوم حقه، وما أنت إلا كأحد هذه الرعية، وتاريخنا مليء بهذه الأحداث بل ما أكثرها! كما جاء قول الإمام علیه السلام:
من ملك استأثر(1). والمعنى أن الأغلب في كل ملك يستأثر على الرعية بالمال والعز والجاه ونحوه قولهم: من غلب سلب(2).
فضلًا عن ذلك أن الامام يوُصي الوالي إذ يقول علیه السلام:
«وَلَكِنِ الْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّكِ بَعْدَ صُلْحِهِ، فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ، فَخُذْ باِلْحَزْمِ، وَاتَّهِمْ فِی ذلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ»(3).
وبذلك يقول الأستاذ جورج جرداق: «وصاحب هذا التوجه في تاريخ العرب، لابد له أن يكون محبًا، للسلم، كارهًا للقتل إلا إذا كان في القتال ضرورة اجتماعية...»(4).
«فَلاَ تَغْدِرَنَّ(5) بِذِمَّتِكَ، وَلاَ تَخِيسَنَّ بَعَهْدِكَ، وَلاَ تَخْتِلَنَّ عَدُوَّكَ، فَإِنَّهُ لاَ يَجْتَرِىءُ عَلَى اللهِ إِلاَّ جَاهِلٌ شَقِيٌّ. وَقَدْ جَعَلَ اللهُ عَهْدَهُ وَذِمَّتَهُ أَمْناً أَفْضَاهُ بَيْنَ الْعِبَادِ بِرَحْمَتِهِ، وَحَرِيماً يَسْكُنُونَ إِلَى مَنَعَتِهِ، يَسْتَفِيضُونَ إِلَى جِوَارِهِ، فَلاَ إِدْغَالَ(6) وَلاَ
ص: 233
مُدَالَسَةَ، وَلا خِدَاعَ فيِهِ»(1).
«وَلَا مُدَالَسَهَ، وَلَا خِدَاعَ فِیهِ، وَلَا تَعْقِدْ عَقْداً تُجَوِّزُ فِیهِ الْعِلَلَ، وَلَا تُعَوِّلَنَّ عَلَی لَحْنِ قَوْلٍ بَعْدَ التَّأْکِیدِ وَالتَّوْثِقَهِ. وَلَا یَدْعُوَنَّکَ ضِیقُ أَمْرٍ لَزِمَکَ فِیهِ عَهْدُ اللَّهِ، إِلَی طَلَبِ انْفِسَاخِهِ بِغَیْرِ الْحَقِّ، فَإِنَّ صَبْرَکَ عَلَی ضِیقِ أَمْرٍ تَرْجُو انْفِرَاجَهُ وَفَضْلَ عَاقِبَتِهِ، خَیْرٌ مِنْ غَدْرٍ تَخَافُ تَبِعَتَهُ، وَأَنْ تُحِیطَ بِکَ مِنَ اللَّهِ فِیهِ طِلْبَهٌ، لَا تَسْتَقْبِلُ فِیهَا دُنْیَاکَ وَلَا آخِرَتَکَ»(2).
وبذلك يقول المعتزلي: «ثم نهاه عن أن يعقد عقدًا يمكن فيه التأويلات والعلل وطلب المخارج، ونهاه إذا عقد العقد بينه وبين العدوان ينقضه معولًا على تأويل خفي أو فحوى قول، أو يقول: إنما عنيت كذا، ولم أعن ظاهر اللفظة، فإن العقود تعقد على ما هو ظاهر في الاستعمال متداول في الاصطلاح والعرف لا على ما في الباطن»(3).
ولمحمد عبده رأي آخر: «فإذا تعلل المتعاقد لك بعلة قد تطرأ على الكلام وطلب شيئًا لا يوافق ما أكدته المعاهدة، وأخذت عليه المواثيق، فلا تعولن عليه، وكذلك لو رأيت ثقلًا في التزام العهد فلا تركن الى لحن القول لتتخلص منه فأخذ بصرح الوجود لك وعليك»(4).
ص: 234
مفردها عامل والجمع: عمال وعاملون، ويتعدى الى ثانٍ بالهمزة فيقال:
أعملته كذا واستعملته، أي جعلته عاملًا واستعملته: سألته أن يعمل، وعملته على البلد بالتشديد وليته عمله، والعمالة بضم العين: أجرة العامل(1).
والتعميل: توليه العمل، يقال عملت فلانًا على البصرة والعمالة رزق العامل(2) فيما يرى الزبيدي بأن العمل، محركة: المهنة وعَمِلَ كَفَرِحَ وأعمله واستعمله غیره وقيل استعمله طلب إليه العمل واعتمل اضطرب في العمل وقيل عمل لغیره واعتمل عمل بنفسه(3).
صفات العامل:
جاء اهتمام الإمام علیه السلام بفئة العمال كونهم عماد الدولة وسند الحاكم في رعيته، وقد حدد الإمام علیه السلام الصفات التي ينبغي توافرها في شخص العامل، ومن ثم تقديم التوجيهات الإدراية ليتسنى له القيام بها.
ص: 235
أولًا: كان أول ما أشار إليه علیه السلام هو الاختبار:
«ثُمَّ انْظُرْ فِی أُمُورِ عُمَّالِكَ، فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً...»(1).
ثانيًا: إنَّ لا يوليهم هذا المنصب على أساس محبة بينه وبين العامل فيما يذكر السبب في ذلك لأنهم شعب خليط جرت عليه الخيانة والجور:
«وَلا تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وأَثَرَةً، فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَالْخِيَانَةِ...»(2).
ثالثًا: ثم يؤكد علیه السلام اختيار أهل التجربة والحياء كونهم يمتازون بصفات غيرهم عن غيرهم:
«وَتَوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَهِ وَالْحَیَاءِ، مِنْ أَهْلِ الْبُیُوتَاتِ الصَّالِحَهِ، وَالْقَدَمِ فِی الْإِسْلَامِ الْمُتَقَدِّمَهِ، فَإِنَّهُمْ أَکْرَمُ أَخْلَاقاً، وَأَصَحُّ أَعْرَاضاً، وَأَقَلُّ فِی الْمَطَامِعِ إِشْرَاقاً، وَأَبْلَغُ فِی عَوَاقِبِ الْأُمُورِ نَظَراً...»(3).
في حين يشير الإمام علیه السلام الى عدم تأخير الوالي أو (الحاكم) العطاء لهم؛ لأن ذلك يشجعهم على العمل من جهة ولم يطمعوا بما لديهم من اموال الرعية من جهة أخرى:
«ثُمَّ أَسْبِغْ عَلَیْهِمُ الْأَرْزَاقَ، فَإِنَّ ذَلِکَ قُوَّهٌ لَهُمْ عَلَی اسْتِصْلَاحِ أَنْفُسِهِمْ، وَغِنًی لَهُمْ عَنْ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَ أَیْدِیهِمْ، وَحُجَّهٌ عَلَیْهِمْ إِنْ خَالَفُوا أَمْرَکَ أَوْ ثَلَمُوا أَمَانَتَکَ»(4).
ص: 236
رابعًا:
«ثم تفقد أعمالهم»(1).
وهذا ما أمره به هو التطلع عليهم وإذكاء العيون والإرصاد على حركاتهم، ثم أمر بمؤاخذة من تثبت خيانته واستعادة المال منه، وقد قال بعض الأكاسرة لعامل من عماله: كيف نومك بالليل؟ قال أنامه كله، قال: أحسنت! لو سرقت ما نمت هذا النوم(2).
ذكر ابن عبد البر: إن الإمام علیه السلام: «أراد أن يستعمل رجلًا دعاه فاوصاه وقال:
«اتَّقِ اللهَ الَّذِي لاَبُدّ لَكَ مِنْ لِقَائِهِ... وَعَلْيك فيِما أَمْرك بِهِ بَما يُؤُتيك مِنْ اللهِ»(3).
وأكد علیه السلام نقطة مهمة هي ضرورة أن ينظر ويقسم العمل بين الرئيس والمرؤوسين لكي لا تخرج عن سيطرته لكثرتها:
«وَاجْعَلْ لِرَأْسِ كُلِّ أَمْر مِنْ أُمُورِكَ رَأْسا مِنْهُمْ، لا يَقْهَرُهُ كَبيِرُهَا، وَلا يَتَشَتَّتُ عَلَيْهِ كَثيِرُهَا»(4).
خامسًا: إنجاز العمل اليومي يقول علیه السلام:
ص: 237
«وَأَمْضِ لِكُلِّ يَوْم عَمَلَهُ، فإِنَّ لِكُلِّ يَوْم مَا فيِهِ»(1).
لأن الاهتمام بالوقت يساعد في إنجاز المشاريع ويأتي بنتائج مرضية.
ويتابع الإمام بما يجب على العامل فعله «وَاجْعَلْ لِنَفْسِكَ فِيمَا بَيْنِكَ وَبَيْنَ اللهِ تعالى أَفْضَلَ تِلْكَ الْمَوَاقِيتِ، وَأَجْزَلَ تِلْكَ الْاَقْسَامِ، وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا لله إِذَا صَلَحَتْ فيهَا النِّيَّةُ، وَسَلِمَتْ مِنْهَا الرَّعِيَّةُ»(2).
ص: 238
الحسبة لغةً: احتسابك الأمر، وفلان حسن الحسبة: إذا كان حسن التدبیر وليس من احتساب الأجر(1).
أما اصطلاحًا: «فهي أمر بالمعروف إذا ظهر تركه ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله، وهي واسطة بين أحكام القضاء وأحكام المظالم»(2).
وقد أشار القرآن الكريم الى هذا النظام بقوله:
«وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»(3).
وقوله:
«وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ
ص: 239
وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ»(1).
فيما أشار الإمام علیه السلام الى مراقبة البيع في الأسواق فقال:
«وَلْيَكُنِ الْبَيْعُ بَيْعاً سَمْحاً: بِمَوَازِينِ عَدْل، وَأَسْعَار لا تُجْحِفُ باِلْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ، فَمَنْ قَارَفَ حُكْرَةً بَعْدَ نَهْيِكَ إِيَّاهُ فَنَكِّلْ، وَعَاقِبْ فِی غَيْرِ إِسْرَاف»(2).
وفي ذلك يقول ابن أبي الحديد يقصد الإمام علیه السلام: «قد يكون في كثير منهم نوع من الشح والبخل فيدعوهم ذلك الى الاحتكار في الأقوات، والحيف في البياعات، والاحتكار ابتياع الغلات في أيام رخصها وإدخارها في المخازن الى أيام الغلاء والقحط»(3). ثم يوضح المعتزلي معنى الحيف بقوله: تطفيف في الوزن والكيل وزيادة في السعر، وهو الذي عبر عنه بالتحكم وقد نهى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم عن الاحتكار، وأما التطفيف وزيادة التسعير فهو أوضح في نص الكتاب»(4). وأما قارف حكرة فيقصد الإمام علیه السلام وأمره أن يؤدب فاعل ذلك من غير إسراف وذلك أنه دون المعاصي التي توجب الحدود، فغاية أمره من التعزير الإهانة والمنع(5)، وقد أشار الإمام علیه السلام في خطبة له طويلة في ذكر الأوزان والمكاييل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكيف يوجه خيار الناس أن يتورعوا في مكاسبهم:
ص: 240
«عِبَادَ اللّهِ، إِنّكُم وَ مَا تَأمُلُونَ مِن هَذِهِ الدّنيَا أَثوِيَاءُ(1) وهو الضیف. مُؤَجّلُونَ، وَ مَدِينُونَ مُقتَضَونَ أَجَلٌ مَنقُوصٌ، وَ عَمَلٌ مَحفُوظٌ، فَرُبّ دَائِبٍ مُضَيّعٌ، وَ رُبّ كَادِحٍ خَاسِرٌ. وَ قَد أَصبَحتُم فِي زَمَنٍ لَا يَزدَادُ الخَيرُ فِيهِ إِلّا إِدبَاراً، وَ لَا الشّرّ فِيهِ إِلّا إِقبَالًا، وَ لَا الشّيطَانُ فِي هَلَاكِ النّاسِ إِلّا طَمَعاً، فَهَذَا أَوَانٌ قَوِيَت عُدّتُهُ، وَ عَمّت مَكِيدَتُهُ، وَ أَمكَنَت فَرِيسَتُهُ»(2).
على حين ينبه الإمام علیه السلام لمن يتسلم هذا المنصب بأن يكون حازمًا وأن ينصر الفقير ويساعده:
«اضرِب بِطَرفِكَ حَيثُ شِئتَ مِنَ النّاسِ، فَهَل تُبصِرُ إِلّا فَقِيراً يُكَابِدُ فَقراً، أَو غَنِيّاً بَدّلَ نِعمَةَ اللّهِ كُفراً، أَو بَخِيلًا اتّخَذَ البُخلَ بِحَقّ اللّهِ وَفراً، أَو مُتَمَرّداً كَأَنّ بِأُذُنِهِ عَن سَمعِ المَوَاعِظِ وَقراً»(3).
ثم يتساءلُ الإمام علیه السلام بقوله لهم:
«أَينَ أَخيَارُكُم وَ صُلَحَاؤُكُم وَ أَينَ أَحرَارُكُم وَ سُمَحَاؤُكُم وَ أَينَ المُتَوَرّعُونَ فِي مَكَاسِبِهِم وَ المُتَنَزّهُونَ فِي مَذَاهِبِهِم أَ لَيسَ قَد ظَعَنُوا جَمِيعاً عَن هَذِهِ الدّنيَا الدّنِيّةِ وَ العَاجِلَةِ المُنَغّصَةِ(4)؟ ویذکرهم بقوله: «وَ هَل خُلِقتُم إِلّا فِي حُثَالَةٍ لَا تلَتقَيِ إِلّا بِذَمّهِمُ الشّفَتَانِ استِصغَاراً لِقَدرِهِم وَ ذَهَاباً عَن ذِكرِهِم فَإِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيهِ راجِعُونَ ظَهَرَ الفَسَادُ فَلَا مُنكِرٌ مُغَيّرٌ وَ لَا زَاجِرٌ مُزدَجِرٌ أَ فَبِهَذَا تُرِيدُونَ أَن تُجَاوِرُوا اللّهَ فِي دَارِ قُدسِهِ وَ تَكُونُوا
ص: 241
أَعَزّ أَولِيَائِهِ عِندَهُ هَيهَاتَ لَا يُخدَعُ اللّهُ عَن جَنّتِهِ وَ لَا تُنَالُ مَرضَاتُهُ إِلّا بِطَاعَتِهِ لَعَنَ اللّهُ الآمِرِينَ بِالمَعرُوفِ التّارِكِينَ لَهُ، وَ النّاهِينَ عَنِ المُنكَرِ العَامِلِينَ بِهِ»(1)!
ص: 242
الكتاب، معروف والجمع كتب، وقد كتبت كتبًا وكتابًا، والكتاب الفرض والحكم(1)، والكتّاب جمع كاتب.
الصفات التي يضعها الإمام علیه السلام للكاتب:
عدّ الإمام علیه السلام الكُتّاب ضمن المؤسسات التي تنظم أمور الحاكم لأمته، فلذلك أوصى أن يكون الكاتب ذا صفات تؤهله لذلك:
«ثُمَّ انْظُرْ فِی حَالِ كُتَّابِكَ، فَوَلِّ عَلَی أُمُورِكَ خَيْرَهُمْ، وَاخْصُصْ رَسَائِلَكَ الَّتِی تُدْخِلُ فيِهَا مَكَائِدَكَ وأَسْرَارَكَ بِأَجْمَعِهِمْ لِوُجُودِ صَالِحِ الْاَخْلاَقِ»(2).
فأول هذه الصفات بعد أن يختار أفضلهم، يقول ابن أبي الحديد: الكتّاب الذين يلون أمر الحضرة، يترسّلون عنه الى عماله وأمرائه، وإليهم معاقد التدبیر وأمر الديوان، فأمره أن يتخیر الصالح منهم، ومن يوثق على الاطلاع على الأسرار والمكايد والحيل والتدبیرات(3). ثم يقول علیه السلام:
ص: 243
«مِمَّنْ لَاتُبْطِرُهُ الْکَرَامَهُ، فَیَجْتَرِیءَ بِهَا عَلَیْکَ فِی خِلَافٍ لَکَ بِحَضْرَهِ مَلا»(1).
ومن لايبطره الإكرام والتقريب، فيطمع فيجترئ على مخالفته في ملأ من الناس والرد عليه، ففي ذلك من الوهن للأمير وسوء الأدب الذي انكشف الكاتب عنه مالا خفاء به»(2).
«وَ لَاتَقْصُرُ بِهِ الْغَفْلَهُ عَنْ إِیْرَادِ مُکَاتَبَاتِ عُمَّالِکَ عَلَیْکَ»(3).
ومن المؤهلات التي أشار إليها أن لا يكون غافلًا مقصرًا عن إيراد الرسائل التي ترد إليه من المكاتبات التي تصدر من العمال أو الولاة الآخرين، فيما حث الإمام علیه السلام على نقطة مهمة وهي «الوكالة في حال غياب الوالي أو الحكم» وذلك في حال لم يكن الوالي موجودًا فإن إجابة الكاتب في الموارد التي تتطلب منه الجواب فإنه يجب أن يجيب وكأنك موجودٌ(4):
«وَ إِصْدَارِ جَوَابَاتِهَا عَلَی الصَّوَابِ عَنْکَ، فِیَما یَأْخُذُ لَکَ وَ یُعْطِی مِنْکَ، وَ لَایُضْعِفُ عَقْداً اعْتَقَدَهُ لَکَ، وَ لَایُعْجِزُ عَنْ إِطْلَاقِ مَا عُقِدَ عَلَیْکَ»(5).
ثم يقول علیه السلام بأمر في غاية الأهمية حيث إن الكاتب يجب عليه أن لا يتجاهل قدره، ويتجاوز حدوده، وأنه إذا لم يكن كذلك لم يعرف قدر الآخرين وذلك:
ص: 244
«وَ لَا یَجْهَلُ مَبْلَغَ قَدْرِ نَفْسِهِ فِی الْأُمُورِ، فَإِنَّ الْجَاهِلَ بِقَدْرِ نَفْسِهِ یَکُونُ بِقَدْرِ غَیْرِهِ أَجْهَلَ»(1).
ضوابط اختيار الكتّاب:
يضع الإمام علیه السلام ضوابط اختيار الكاتب بقوله:
«ثُمَّ لَایَکُنِ اخْتِیَارُک إِیَّاهُمْ عَلَی فِرَاسَتِکَ(2) وَاسْتِنَامَتِکَ(3) وَ حُسْنِ الظَّنِّ مِنْکَ، فَإِنَّ الرِّجَالَ یَتَعَرَّفُونَ لِفِرَاسَاتِ الْوُلَاهِ بِتَصَنُّعِهِمْ وَ حُسْنِ خِدْمَتِهِمْ، وَ لَیْسَ وَرَاءَ ذلِکَ مِنَ النَّصِیحَهِ وَ الأَمَانَهِ شَیءٌ، وَلکِنِ اخْتَبِرْهُمْ بِمَا وُلُوّا لِلْصَّالِحِینَ قَبْلَکَ، فَاعْمِدْ لِأَحْسَنِهِمْ کَانَ فِی الْعَامَّهِ أَثَراً، وَ أَعْرَفِهِمْ بِالأَمَانَهِ وَجْهاً، فَإِنَّ ذلِکَ دَلِیلٌ عَلَی نَصِیحَتِکَ لِلَّهِ وَ لِمَنْ وُلِّیْتَ أَمْرَهُ»(4) (5).
وفي ذلك أشار الإمام علیه السلام الى:
1. ان لا يكون الاختيار بحسن الظن والفراسة، كون بعض الرجال
ص: 245
يتقربون من الحكام، ويتصنعون أمامهم ويخدمونهم لأجل أن يرتقي الى المناصب العليا في الدولة، وهذا ما نلاحظه في وقتنا الحاضر.
2. أن يعمد لأحسنهم وأفضلهم ومن له سيرة حسنة مع العامة من الناس، وقد أكد بعض الباحثين بقوله: إذن جميع الصفات المطلوبة في إدارة الأعمال المهمة وأكثرها أهمية هو اختيار أحسنهم وأفضلهم وأقربهم في قلوب العامة من الناس، فمن ترك أثرًا طيبًا وذكرًا محمودًا وحمل قلبًا ينبض بالإحساس بالناس وحل مشكلاتهم، وعمل بالعدل والحق، وحسن التعامل الإنساني في الرعية، فادفع إليه الأمر، فهو أهل لذلك(1). على حين يقول الإمام علیه السلام:
«وَ اجْعَلْ لِرَأْسِ کُلِّ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِک رَأْساً مِنْهُمْ، لَایَقْهَرُهُ کَبِیْرُهَا، وَ لَایَتَشَتَّتُ عَلَیْهِ کَثِیْرُهَا، وَ مَهْمَا کَانَ فِی کُتَّابِکَ مِنْ عَیْبٍ فَتَغَابَیْتَ عَنْهُ أُلْزِمْتَهُ»(2).
ثم أمره أن يقسم فنون الكتابة وضروبها بينهم على نحو أن يكون أحدهم للرسائل الى الأطراف، والأعداء، والآخر لأجوبة عمال السواد، والآخر بحضرة الأمير خاصته وداره، وحاشيته، وثقاته، وهنا ينبه الإمام علیه السلام بأن يتنبه الكتاب الى ما غفل عنه أو صدر منه خطأ، وجاء لأهمية الكتاب في موضع آخر من كلام الإمام علیه السلام:
«لِمَا یُحْکِمُونَ مِنَ الْمَعَاقِدِ، وَیَجْمَعُونَ مِنَ الْمَعَاقِدِ، وَیُؤْتَمَنُونَ عَلَیْهِ مِنْ خَوَاصِّ الْأُمُورِ وَعَوامِّهَا»(3).
ص: 246
ثم قال علیه السلام:
«جَوَابَاتِهَا عَلَى الصَّوَابِ عَنْكَ، فِيَما يَأْخُذُ لَكَ وَيُعْطِي مِنْكَ، وَلاَ يُضْعِفُ عَقْداً اعْتَقَدَهُ لَكَ، وَلاَ يَعْجِزُ عَنْ إِطْلاَقِ مَا عُقِدَ عَلَيْكَ، وَلاَ يَجْهَلُ مَبْلَغَ قَدْرِ نَفْسِهِ فِي الاُمُورِ، فَإِنَّ الْجَاهِلَ بِقَدْرِ نَفْسِهِ يَكُونُ بِقَدْرِ غَيْرِهِ أَجْهَلَ»(1).
أي وليكن كاتبك غير مقصر عن عرض مكتوبات عمالك عليك والإجابة عنها حسن الوكالة والنيابة عنك فيما يحتج به لك عليهم من مكتوباتهم، وما يصدره عنك إليهم من الأجوبة، فإن عقد لك عقدًا قوّاه وأحكمه وإن عقد عليك عقدًا اجتهد في نقضه وحله، قال: وإن يكون عارفًا بنفسه فمن لم يعرف قدر نفسه لا يعرف قدر غيره(2).
«وَاجْعَلْ لِرَأْسِ كُلِّ أَمْر مِنْ أُمُورِكَ رَأْساً مِنْهُمْ، لاَ يَقْهَرُهُ كَبِيرُهَا، وَلاَ يَتَشَتَّتُ عَلَيْهِ كَثِيرُهَا، وَمَهْمَا كَانَ فِي كُتَّابِكَ مِنْ عَيْب فَتَغَابَيْتَ عَنْه أُلْزِمْتَهُ»(3).
بينما أشار الإمام علیه السلام الى التغابي عن العيوب: وذكر أنه مأخوذ من الله بما يتغابى عنه، ويتغافل من عيوب كتابه فإن الدين لا يبيح الإغضاء والغفلة عن الأعوان والخول، ويوجب التطلع عليهم(4). وكان يقال: «لا تخف صولة الأمير مع رضا الكاتب، ولا تَثقِنّ برضا الأمير مع سخط الكاتب، فضلًا عن ذلك أن للكاتب على الملك ثلاثًا: رفع الحجاب عنه واتهام الوشاة عليه، وإفشاء
ص: 247
السر إليه»(1). وقد وضح الإمام علیه السلام أدق تفاصيل الكتابة للكاتب (فن الكتابة والخط) التي يجب أن يتبعها للحد من الإسراف:
«ألق دواتك، وأطل جلفة قلمك، وفرج بين السطور وقرمط بين الحروف، فإن ذلك أصدر بصباحة الخط»(2).
وذلك أن يفرق بين السطور لكي تكون مفهومة وواضحة للقارئ وأن يقارب بين الكلمات ويقول في موضع آخر أكثر دقة:
«أدقوا أقلامكم وقاربوا سطوركم، واحذفوا من فضولكم، واقصدوا المعاني وإياكم والإكثار، فإن أموال المسلمين لا تحتمل الإضرار»(3).
ص: 248
- كثیراً ما يُردد البعض - وما أكثرهم بقولهم: متى حكم علي علیه السلام وقد كانت مدة تسلمه للخلافة أغلبها حروب!.
نقول: هذا ما أرادته ودأبت عليه الدولة الأموية، لكي تثبت عدم أهلية الإمام علي علیه السلام للحكم، وكونهم السبب المباشر في إشغال مدة حكم الإمام علیه السلام بالحروب، فأيهما أهم تطهیر الداخل أم الفتوحات فيما كان عهد الذين سبقوا الإمام علیه السلام في الحكم عهد فتوحات إسلامية بينما كانت خلافته عهد حروب مداخلية، فهل لهذا ميزة لغیره عليه؟(1).
فيأتي الجواب: إن الفتوحات ليست ضرورة من ضرورات وجود الدولة الإسلامية، بل هي تزيد في قوتها وقدرتها، أما إخماد الفتن الداخلية فهو ضرورة يتوقف عليها وجود الإسلام ودولته، لأن بقاء هذه الفتن إنما يحرف الإسلام عن مساره الصحيح، أو يقسم المسلمين على نصفين متحاربين حتى يُفني
ص: 249
بعضهم بعضًا فينعدم وجود الإسلام(1).
وسنسلط الضوء على هذه المؤسسة في فكر الإمام علیه السلام.
لقد كان الإمام علي علیه السلام لا يبدأ أحداً بالقتال أبداً إنما يدعوهم الى الحق فإن رفضوا ذلك تركهم حتى يبادروا هم بالقتال، وذلك لأن الإمام علیه السلام أراد أن يجتنب سفك الدم من جهة وهدايتهم من الضلال من جهة أخرى. هذا ما ميز فكر الإمام علیه السلام عن غيره.
فمن كلام له وقد أشار عليه أصحابه بالاستعداد لحرب أهل الشام:
«إِنَّ اسْتَعْدَادِی لِحَرْبِ أَهْلِ الشَّامِ وَجِرِیرٌ عِنْدَهُمْ، إِغْلاَقٌ لِلشَّامِ، وَصَرْفٌ لِأَهْلِهِ عَنْ خَیْرٍ إِنْ أَرادُوهُ، وَلکِنْ قَدْ وَقَّتُّ لِجَرِیرٍ وَقْتاً لاَ یُقِیمُ بَعْدَهُ إِلاَّ مَخْدُوعاً أَوْ عَاصِیاً، وَالرَّأْیُ عِنْدِی مَعَ الْأَنَاهِ، فَأَرْوِدُوا، وَلاَ أَکْرَهُ لَکُمُ الْإِعْدَادَ. وَلَقَدْ ضَرَبْتُ أَنْفَ هذَا الْأَمْرِ وَعَیْنَهُ، وَقَلَّبْتُ ظَهْرَهُ وَبَطنَهُ، فَلَمْ أَرَلِی فِیهِ إِلاَّ الْقِتَالَ أَوِ الْکُفْرَ»(2).
وقال الإمام علیه السلام وقد استبطأ إذنه لهم في القتال:
«فَوَاللَّهِ مَا دَفَعْتُ اَلْحَرْبَ یَوْماً إِلاَّ وَ أَنَا أَطْمَعُ أَنْ تَلْحَقَ بِی طَائِفَهٌ فَتَهْتَدِیَ بِی، وَ تَعْشُوَ إِلَی ضَوْئِی، وَ ذَلِکَ أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ أَنْ أَقْتُلَهَا عَلَی ضَلاَلِهَا، وَ إِنْ کَانَتْ تَبُوءُ بِآثَامِهَا»(3).
وفي موضع آخر يقول:
ص: 250
«ولكن إنما أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام على ما دخل فيه من الزيغ والاعوجاج، والشبهة والتأويل، فإذا طمعنا في خصلة يلم الله بها شعثنا، ويبدأني بها الى البقية فيما بيننا رغبنا فيها، وأمسكنا ما سواها!»(1).
وقوله في طلحة والزبير:
«ولقد استثبتهما قبل القتال، واستأنيت بهما أمام الوقاع، فغمطا النعمة وردا العافية»(2).
وقد أكد الإمام علیه السلام حبه للسلام، وحرصه على هداية الناس، فقال: وقد سمع قوماً من أصحابه يسبون أهل الشام أيام حربهم:
«إني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكنكم لو وضعتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبكم إياهم: اللهم أحقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق من جهله ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به»(3).
على حين أوصى الإمام علیه السلام بعدم بدء القتال:
«وَ لاَ یَحْمِلَنَّکُمُ شَنَآنُهُمْ عَلَی قِتَالِهِمْ قَبْلَ دُعَائِهِمْ وَ اَلْإِعْذَارِ إِلَیْهِمْ...»(4) ووصية أخرى في ساحات الحرب وقد اوشكت الحرب على الوقوع:
«لاَ تُقَاتِلُوهُمْ حَتَّی یَبْدَءُوکُمْ، فَإِنَّکُمْ بِحَمْدِ اَللَّهِ عَلَی حُجَّهٍ، وَ تَرْکُکُمْ إِیَّاهُمْ
ص: 251
حَتَّی یَبْدَءُوکُمْ حُجَّهٌ أُخْرَی لَكُمْ عَلَيْهِمْ»(1).
هذا وقد أوصى الإمام علیه السلام لابْنِهِ الْحَسَنِ علیه السلام فقال:
«اَ تَدْعُوَنَّ إِلَی مُبَارَزَهٍ وَ إِنْ دُعِیتَ إِلَیْهَا فَأَجِبْ فَإِنَّ اَلدَّاعِیَ إِلَیْهَا بَاغٍ وَ اَلْبَاغِیَ مَصْرُوعٌ»(2).
بين الإمام علي علیه السلام مسوّغات القتال من خلال نهج البلاغة وصورها بأدق التفاصيل وذلك بقوله:
«وَلَعَمْرِي مَا عَلَیَّ مِنْ قِتَالِ مَنْ خَالَفَ الحَقَّ، وَخَابَطَ الغَيَّ، مِنْ إِدْهَان وَلا إيِهَان»(3).
فقد وضح بأن الخروج للقتال إنما لنصرة الحق ودحض الباطل:
«أَمَا وَ اَللَّهِ إِنْ کُنْتُ لَفِی سَاقَتِهَا حَتَّی تَوَلَّتْ بِحَذَافِیرِهَا، مَا عَجَزْتُ، وَ لاَ جَبُنْتُ، وَ إِنَّ مَسِیرِی هَذَا لِمِثْلِهَا، فَلَأَنْقُبَنَّ اَلْبَاطِلَ حَتَّی یَخْرُجَ اَلْحَقُّ مِنْ جَنْبِهِ»(4).
فيما قال علیه السلام:
«وَلَقَدْ ضَرَبْتُ أَنْفَ هذَا الْاَمْرِ وَعَيْنَهُ، وَقَلَّبْتُ ظَهْرَهُ وَبَطنَهُ، فَلَمْ أَرَلِی إِلاَّ الْقِتَالَ أَوِ الْكُفْرَ بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلی الله علیه و آله»(5).
ص: 252
وقد أوضح ذلك المعنى مفصلاً في خطبة أخرى:
«وَقَدْ قَلَّبْتُ هَذَا الْأَمْرَ بَطْنَهُ وَظَهْرَهُ حَتَّى مَنَعَنِي النَّوْمَ، فَمَا وَجَدْتُنِي يَسَعُنِي إِلّا قِتَالُهُمْ أَوِ الْجُحُودُ بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وآله، فَكَانَتْ مُعَالَجَةُ الْقِتَالِ أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ مُعَالَجَةِ الْعِقَابِ، وَمَوْتَاتُ الدُّنْيَا أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ مَوْتَاتِ الْآخِرَةِ»(1).
وقد جاء عن الإمام علیه السلام في أصحاب الجمل وتعليل قتاله لهم:
«فقدموا على عاملي بها وخُزّان بيت مال المسلمين وغيرهم من أهلها فقتلوا طائفة صبراً، وطائفة غدراً فوالله إن لو لم يصيبوا من المسلمين إلا رجلاً واحداً متعمدين لقتله، بلا جرم جره، لحل لي قتل ذلك الجيش كله إذ حضروه فلم ينكروا، ولم يدفعوا عنه بلسان ولا بيد دع ما أنهم قد قتلوا من المسلمين مثل العدّة التي دخلوا بها عليهم!»(2).
ثم يوصي الإمام علیه السلام المحاربين:
«أوصيكم عباد الله بتقوى الله فإنها خير ما تواصي العباد به، وخير عواقب الأمور عند الله، وقد فتح باب الحرب بينكم وبين أهل القبلة، ولا يحمل هذا العلم إلا أهل البصر والصبر والعلم بمواضع الحق، فأمضوا لما تؤمرون له وقفوا عندما تنهون عنه ولا تعجلوا في أمر حتى تتبينوا، فإن لنا مع كل أمر تنكرونه غيراً»(3).
فيما بين الإمام علیه السلام في معرض كلامه أن قتاله للناكثين والمارقين والقاسطين
ص: 253
أنما هو أمر الله ثم يقول بعد ذلك ولو أذن لي الله أن أقاتلهم مرة أخرى لأفنيتهم:
«ألا وقد أمرني الله بقتال أهل البغي والنكث والفساد في الأرض، فأما الناكثون فقد قاتلت، وأما القاسطون فقد جاهدت، وأما المارقة فقد دوّخت.
وأما شيطان الردهة(1) فقد كفيته بصعقه سمعت لها وجبة قلبه، ورجّة صدره، وبقيت بقية من أهل البغي، ولئن أذن الله في الكرّة عليهم لأُديلَنّ منهم إلا ما يتشذّر في أطراف البلاد تشذراً»(2).
في حين أشار الى معنى آخر لسبب القتال بقوله:
«وَ أَمّا مَا سَأَلتَ عَنهُ مِن رأَييِ فِي القِتَالِ، فَإِنّ رأَييِ قِتَالُ المُحِلّينَ حَتّي أَلقَي اللّهَ، لَا يزَيِدنُيِ كَثرَةُ النّاسِ حوَليِ عِزّةً، وَ لَا تَفَرّقُهُم عنَيّ وَحشَةً، وَ لَا تَحسَبَنّ ابنَ أَبِيكَ - وَ لَو أَسلَمَهُ النّاسُ - مُتَضَرّعاً مُتَخَشّعاً، وَ لَا مُقِرّاً لِلضّيمِ وَاهِناً، وَ لَا سَلِسَ الزّمَامِ لِلقَائِدِ، وَ لَا وطَيِ ءَ الظّهرِ لِلرّاكِبِ المُتَقَعّدِ، وَ لَكِنّهُ كَمَا قَالَ أَخُو بنَيِ سَلِيمٍ(3).
فَإِنْ تَسْأَلِينِي كَيْفَ أَنْتَ فَإِنَّنِي *** صَبُورٌ عَلَی رَيْبِ الزَّمَانِ صَلِيبُ
يَعِزُّ عَلَيَّ أَنْ تُرَى بِی كَآبَةٌ *** فَيَشْمَتَ عَاد أَوْ يُسَاءَ حَبِيبُ
جاءت تعاليم الإمام علیه السلام في غاية الأهمية لقائد الجيش وركز فيها بدقة
ص: 254
واضحة، حيث قال لابنه محمد بن الحنفية لما أعطاه الراية:
«تزُولُ الْجِبَالُ وَلا تَزُلْ! عَضَّ عَلَی نَاجِذِکَ(1)، أَعِرِ اللّهَ جُمْجُمَتَکَ، تد فی الأرْضِ قَدَمَکَ، ارْمِ بِبَصَرِکَ أَقْصَی الْقَوْمِ، وَ غُضَّ بَصَرکَ، واعلمْ أَنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ سُبْحَانَهُ»(2).
على حين يذكر الإمام علیه السلام تعاليم الحرب للمقاتلة بقوله:
«مَعَاشِرَ اَلْمُسْلِمِینَ: اسْتَشْعِرُوا الْخَشْیَةَ، وَ تَجَلْبَبُوا السَّکِینَةَ، وَ عَضُّوا عَلَی النَّوَاجِذِ، فَإِنَّهُ أَنْبَی لِلسُّیُوفِ عَنِ الْهَامِ، وَ أَکْمِلُوا الْلَأْمَةَ، وَ قَلْقِلُوا السُّیُوفَ فِی أَغْمَادِهَا قَبْلَ سَلِّهَا، وَ الْحَظُوا الْخَزْرَ، وَ اطْعُنُوا الشَّزْرَ، وَ نَافِحُوا بِالظُّبَا، وَ صِلُوا السُّیُوفَ بِالْخُطَا، وَ اعْلَمُوا أَنَّکُمْ بِعَیْنِ اللَّهِ، وَ مَعَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و آله وسلم، فَعَاوِدُوا الْکَرَّ، وَ اسْتَحْیُوا مِنَ الْفَرِّ، فَإِنَّهُ عَارٌ فِی الْأَعْقَابِ، وَ نَارٌ یَوْمَ الْحِسَابِ، وَ طِیبُوا عَنْ أَنْفُسِکُمْ نَفْساً، وَ امْشُوا إِلَی الْمَوْتِ مَشْیاً سُجُماً(3)، وَ عَلَیْکُمْ بِهَذَا السَّوَادِ الْأَعْظَمِ، وَ الرِّوَاقِ الْمُطَنَّبِ، فَاضْرِبُوا ثَبَجَهُ، فَإِنَّ اَلشَّیْطَانَ کَامِنٌ فِی کِسْرِهِ، وَ قَدْ قَدَّمَ لِلْوَثْبَةِ یَداً، وَ أَخَّرَ لِلنُّکُوصِ رِجْلاً فَصَمْداً صَمْداً حَتَّی یَنْجَلِیَ لَکُمْ عَمُودُ الْحَقِّ وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَ اللّٰهُ مَعَکُمْ وَ لَنْ یَتِرَکُمْ أَعْمالَکُمْ»(4).
ص: 255
وأوصى الإمام علیه السلام على أن يخرج قائد ميداني شجاع مع الجيش للقتال المحدود:
«ما بالكم لا سددتم لرشد، ولا هديتم لقصد أفي مثل هذا ينبغي لي أن أخرج؟! وإنما يخرج في مثل هذا رجل ممن أرضاه من شجعانكم وذوي بأسكم ولا ينبغي لي أن أدع الجند والمصر وبيت المال وجباية الأرض والقضاء بين المسلمين والنظر في حقوق المطالبين ثم أخرج في كتيبة أتبع أخرى، أتقلقل القدح في الجفير الفارغ، وإنما أنا قطب الرحا، تدور علي وأنا بمكاني فإذا فارقته استحار مدارها واضطرب ثفالها، هذا لعمر الله الرأي السوء!»(1).
ومن كلام له علیه السلام حيث قال في ساحة الحرب وفيه يشير الى فنون القتال وتعاليمه للجيش:
«وأي أمرئ منكم أحسن من نفسه رباطة جأش عند اللقاء، ورأى من أحد من إخوانه فشلاً فليذب عن أخيه بفضل نجدته التي فضّل بها عليه، كما يذب عن نفسه، فلو شاء الله يجعله مثله. إن الموت طالب حثيث لا يفوته المقيم ولا يعجزه الهارب، إن أكرم الموت القتل والذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون علي من ميتة على الفراش»(2).
ثم يتابع الإمام علیه السلام:
«فقدموا الدارع وأخروا الحاسر وعضوا على الأضراس فإنه أنبى للسيوف عن الهام والتورا في أطراف الرماح فإنه أموَرُ للأسنّة وغضّوا الأبصار فإنه أربط
ص: 256
للجأش وأسكن للقلوب، وأميتوا الأصوات فإنه أطرد للفشل، ورايتكم فلا تميلوها ولا تُخِلّوها ولا تجعلوها إلا بأيدي شجعانكم والمانعين الذمار منكم فإن الصابرين على نزول الحقائق هم الذين يحفون براياتهم ويكتنفونها حِفافيها ووراءها وأمامها لا يتأخرون عنها فيسلموها، ولا يتقدمون عليها فيفردوها أجزَأ امرؤ قرنه وآسى أخاه بنفسه ولم يكل قرنه الى أخيه فيجتمع عليه قرنه وقرن أخيه، وايم الله لئن فررتم من سيف العاجلة لا تسلموا من سيف الآخرة وانتم لهاميم العرب والسنام الأعظم، إن في الفرار موجدة الله والذل اللازم والعار الباقي، وأن الفارّ لغير مزيد في عمره، ولا محجوزٍ بينه وبين يومه»(1).
فيما يقدم الإمام علیه السلام بعض التوجيهات لأمراء الجيش والضوابط التي ينبغي اتباعها:
أولاً: أمر أمراء الجيش أن ينهضوا بمن أطاعهم كون المتقاعسين أو المتكارهين عدم حضورهم للقتال أفضل من حضورهم وهم كارهون:
«فَإِنْ عَادُوا إِلَی ظِلِّ اَلطَّاعَهِ فَذَاکَ اَلَّذِی نُحِبُّ، وَ إِنْ تَوَافَتِ اَلْأُمُورُ بِالْقَوْمِ إِلَی اَلشِّقَاقِ وَ اَلْعِصْیَانِ فَانْهَدْ بِمَنْ أَطَاعَکَ إِلَی مَنْ عَصَاکَ، وَ اِسْتَغْنِ بِمَنِ اِنْقَادَ مَعَکَ عَمَّنْ تَقَاعَسَ عَنْکَ، فَإِنَّ اَلْمُتَکَارِهَ(2) مَغِیبُهُ خَیْرٌ مِنْ شُهُودِهِ، وَ قُعُودُهُ أَغْنَی مِنْ نُهُوضِهِ»(3).
ثانياً: على المقاتلين أن يختاروا المكان المناسب لقتال العدو حيث أشار
ص: 257
عليهم في سفوح الجبال أو أثناء الأنهار:
«فَإِذَا نَزَلْتُمْ بِعَدُوٍّ أَوْ نَزَلَ بِکُمْ، فَلْیَکُنْ مُعَسْکَرُکُمْ فِی قُبُلِ الْأَشْرَافِ، أَوْ سِفَاحِ الْجِبَالِ، أَوْ أَثْنَاءِ الْأَنْهَارِ، کَیْمَا یَکُونَ لَکُمْ رِدْءاً، وَدُونَکُمْ مَرَدّاً. وَلْتَکُنْ مُقَاتَلَتُکُمْ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ أَوِ اثْنَیْنِ وَاجْعَلُوا لَکُمْ رُقَبَاءَ فِی صَیَاحِی(1) الْجِبَالِ، وَمَنَاکِبِ الْهِضَابِ، لِئَلَّا یَأْتِیَکُمُ الْعَدُوُّ مِنْ مَکَانِ مَخَافَهٍ أَوْ أَمْنٍ»(2).
ثالثًا: على المقاتل أن يتقي الله وأن لا يقاتل إلا من قاتله:
«وَلاَ تُقَاتِلَنَّ إِلاَّ مَنْ قَاتَلَکَ، وَسِرِ الْبَرْدَیْنِ(3)، وَغَوِّرْ بِالنَّاس، وَرَفِّهْ فِی السَّیْرِ، وَلاَ تَسِرْ أَوَّلَ اللَّیْلِ، فَإِنَّ اللّهَ جَعَلَهُ سَکَناً، وَقَدَّرَهُ مُقَاماً لاَ ظَعْناً، فَأَرِحْ فِیهِ بَدَنَکَ، وَرَوِّحْ ظَهْرَکَ، فَإِذَا وَقَفْتَ حِینَ یَنْبَطِحُ السَّحَرُ، أَوْ حِینَ یَنْفَجِرُ الْفَجْرُ...»(4).
خامسًا: أوصى الإمام علیه السلام بأن لا يكثر المقاتلون من النوم فقال:
«وَإِذَا غشِيكُمُ اللَّيْلُ فَاجْعَلُوا الرِّمَاحَ كِفَّةً، وَلا تَذُوقُوا النَّوْمَ إِلاَّ غِرَاراً أَوْ مَضْمَضَةً(5)»(6).
ص: 258
سادساً: أمرهم أن لا يأخذوا مال المصلي أو المعاهد فيما استثنى الفرس والسلاح الذي يعتدي به العدو على المسلمين:
«وَلَا تَمَسُّنَّ مَالَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، مُصَلٍّ وَلَا مُعَاهَدٍ، إِلَّا أَنْ تَجِدُوا فَرَساً أَوْ سِلَاحاً یعْدَی بِهِ عَلَی أَهْلِ الْإِسْلَامِ، فإِنَّهُ لا ینْبَغی لِلْمُسْلِمِ أنْ یدَعَ ذلِکَ فی أَیدِی أَعْدَاءِ الإِسْلامِ، فَیکُونَ شَوْکَهً عَلَیهِ»(1).
سابعاً: حث الأمراء على أن لا يبدأوا القتال حتى يبدأهم العدو فإن ذلك حجة عليهم:
«لاَ تُقَاتِلُوهُمْ حَتَّی یَبْدَءُوکُمْ، فَإِنَّکُمْ بِحَمْدِ اَللَّهِ عَلَی حُجَّهٍ، وَ تَرْکُکُمْ إِیَّاهُمْ حَتَّی یَبْدَأُوکُمْ حُجَّهٌ أُخْرَی لَکُمْ عَلَیْهِمْ، فَإِذَا کَانَتِ اَلْهَزِیمَهُ بِإِذْنِ اَللَّهِ فَلاَ تَقْتُلُوا مُدْبِراً، وَ لاَ تُصِیبُوا مُعْوِراً»(2).
ثامناً: أمرهم بأن لا يقتلوا جريحاً ولا يؤذوا النساء حتى لو شتمن أعراضكم:
«وَ لاَ تُجْهِزُوا عَلَی جَرِیحٍ، وَ لاَ تَهِیجُوا اَلنِّسَاءَ بِأَذًی، وَ إِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَکُمْ، وَ سَبَبْنَ أُمَرَاءَکُمْ، فَإِنَّهُنَّ ضَعِیفَاتُ اَلْقُوَی وَ اَلْأَنْفُسِ وَ اَلْعُقُولِ، إِنْ کُنَّا لَنُؤْمَرُ بِالْکَفِّ عَنْهُنَّ وَ إِنَّهُنَّ لَمُشْرِکَاتٌ»(3).
تاسعاً: يحدد الإمام علیه السلام كيفية اختيار القادة الميدانيين:
«فَوَلِّ مِنْ جُنُودِكَ أَنْصَحَهُمْ فِی نَفْسِكَ لله وَلِرَسُولِهِ وَلِاِمَامِكَ، [وَأَنْقَاهُمْ]
ص: 259
جَیْباً، وَ أَفْضَلَهُمْ حِلْماً مِمَّنْ یُبْطِئُ عَنِ الْغَضَبِ، وَ یَسْتَرِیحُ إِلَی الْعُذْرِ، وَ یَرْأَفُ بِالضُّعَفَاءِ، وَ یَنْبُو عَلَی الْأَقْوِیَاءِ، وَ مِمَّنْ لا یُثِیرُهُ الْعُنْفُ، وَ لا یَقْعُدُ بِهِ الضَّعْفُ»(1).
عاشراً: فيما أشار الإمام علیه السلام الى أمور أخرى:
«فإن تضييع المرء ما وُلّی وتكلفه ما كفي لعجز حاضر ورأي متبر وإن تعاطيك الغارة على أهل قرقيسيا(2) وتعطيلك مسالحك التي وليناك ليس بها من يمنعها ولا يرد الجيش عنها لرأيٌ شعاعٌ فقد صرت جسراً لمن أراد الغارة من أعدائك على أوليائك غير شديد المنكب، ولا مهيب الجانب، ولا ساد ثغرة ولا كاسر لعدو شوكةً ولا مغنٍ عن أهل مصره، ولا مجز عن أميره»(3).
فضلاً عن ذلك فقد أوصى الإمام علیه السلام الجيش بعدم التفرق وإذا نزلوا يجب أن ينزلوا جميعاً، وإذا ارتحلوا كذلك:
«وَاعْلَمُوا أَنَّ مُقَدَّمَهَ الْقَوْمِ عُیُونُهُمْ، وَ عُیُونَ الْمُقَدِّمَهِ طَلائِعُهُمْ(4) وَ إِیَّاکُمْ وَالتَّفَرُّقَ، فَإِذَا نَزَلْتُمْ فَانْزِلُوا جَمِیعاً»(5).
فيما يشدد الإمام علیه السلام بأنهم يجب أن لا ييأسوا ولا يضعفوا إذا خسروا جولة صغيرة فيقول:
ص: 260
«لا تَشْتَدَّنَّ عَلَيْكُمْ فَرَّةٌ بَعْدَهَا كَرَّةٌ، وَلا جَوْلَةٌ بَعْدَهَا حَمْلَةٌ»(1).
أي ينبغي لهم أن لا يستطعموا الفرار الذي لا كرار بعده.
ثم يقول لهم:
«وَأَعْطُوا السُّيُوفَ حُقُوقَهَا، وَوَطِّئُوا لِلْجُنُوبِ مَصَارِعَهَا، وَاذْفرُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَی الطَّعْنِ الْدَّعْسِیِّ(2)، وَالضّْربِ الطِّلَحْفِيِّ(3)»(4).
فضلاً عن ذلك ان الإمام علیه السلام يوصي القائد بالخلق الحسن مع الجند فيقول لزياد:
«فإني قد وليتك هذا الجند، فلا تستطيلن عليهم، وإن افضلكم عند الله أتقاكم، وتعلم عن عالمهم وعلم جاهلهم وأحلم عن سفيههم»(5).
لقد كان تدبير الإمام وحكمته الإدارية لإدارة الجيش تتمثل في أمور عديدة منها أن يكون قائد الجيش قوياً ويقوي من كان ضعيفًا من جيشه ويشجع جبانها بالنصر ويراقب راياتهم ليشد عزيمتهم للقتال وغيرها وقد أشار الأسكافي لهذا المعنى بقوله: «وكان رضی الله عنه في تلك الأحوال يباشر الحرب بنفسه، ويقومها برأيه ويجبر صدعها ببأسه ويقوي ضعيفها بكلامه ويشجع جبانها بالبشارة والحجة،
ص: 261
ويدور على الرايات فيقوم أودها، ويقاتل مع المتأخرين عنها حتى تلحق مكانها»(1) (2).
قد تبين لنا جلياً أن الحرب (القتال) عند الإمام علیه السلام لم تكن غاية وهدفاً بل وسيلة لتحقيق الأهداف المنشودة.
ص: 262
أولًا: الخراج.
ثانیًا: الفیء.
ثالثًا: الزكاة.
رابعًا: الصدقة.
خامساً: العطاء.
ص: 263
ص: 264
أولى الإمام علي علیه السلام اهتمامه الكبیر بالجانب الإداري المالي، لما له من الأهمية في تقويم وتنمية المجتمع، متمثلاً ذلك في واردات الدولة: الخراج، والفيء، والزكاة، والصدقة، فضلاً عن النفقات المتمثلة في العطاء. وسنأتي على دراستها على وفق ما جاء في النهج:
المبتاعة عبداً كان أو أمةً أو ملكاً(1)، وهو اسم للكراء أو الغلة ويسمى غلة الأرض والدار والمملوك خراجاً(2)، فيما يقول الزبيدي، بأن الخراج هو الضريبة والجزية ومعناه الغلة أيضاً؛ لأنه جملة معنى الخراج الغلة، وقيل للجزية التي ضربت على رقاب أهل الذمة: الخراج لأنه كالغلة الواجبة عليهم، وفي الأساس: يقال للجزية الخراج، فيقال أدى خراج أرضه(3).
أما اصطلاحاً:
فهو كما عرّفه أبو يوسف، بأنه «أرض أخذت عنوةً مثل السواد، والشام»(4) وقال أبو يعلى «الخراج ما وضع على رقاب الأرض من حقوق تؤدى عنها»(5)، أما الماوردي فقد ذكر بأنه «ماوضع على رقاب الأرض من حقوق تؤدى عنها وفيه نص الكتاب بينة خالفت نص الجزية، فلذلك كان موقوفاً على اجتهاد الأئمة..»(6)، كما ذكر بأن الخراج «هو حق معلوم على مساحة معلومة»(7).
وهو ما يضرب على الأرض كالأجرة.(8)
ص: 266
فيما عرّفه الباحثون المحدثون «هو الأجرة التي تستلمها الدولة عن الأرض التي تدخل في حساب المسلمين، نتيجة جهاد إسلامي مشترك، ولما كان الانتفاع بسبب تلك الأمور سموها - أي المنفعة - خراجاً»(1).
وعرّفه الريس على انه «ضريبة فرضتها الدولة العربية على الأرض التي حررها الجيش العربي الإسلامي، وكانت عادة على وحدة المساحة من الأراضي المزروعة والقابلة للزراعة»(2)، وهو ما فرض على وحدة المساحة من الأرض(3).
وجاء عند آخر «الخراج ضريبة تفرض على الأرض التي صولح عليها عند الفتح وبقيت في أيدي أصحابها تدفع كل عام مرة واحدة»(4)، حيث فرق الدكتور محمد ضيف الله بينه وبين الجزية بقوله: هو ما كان يوضع على الأرض من الضرائب لا ما كان يوضع على الرأس(5)، وهو مقدار معين من المال أو
ص: 267
الحاصلات، ويفرض على الأرض التي صولح عليها المشركون(1).
فيما عرّفه الدكتور عبد المنعم الناصر بأنه: ما تجبيه الدولة من الناتج الزراعي الذي تغله الأرض وهو من المصادر الرئيسة في مالية الدولة تمول نشاطها في خدمة المجتمع وكل دولة تحتاج إلى موارد مالية تنفق منها على مرافقتها المدنية والعسكرية، وبدونها لاتستقيم أمورها(2)، على حين يرى آخر: هو ضريبة الأرض(3) التي كانت تؤخذ عادة على المساحة زرعت أم لم تزرع(4).
الفرق بين الخرج والخراج:
قال الأزهري: والخراج ان يؤدي إليك العبد خراجه أي غلته والرعية
ص: 268
تؤدي الخرج إلى الولاة(1)، «الخرج: المصدر، والخراج: اسم لما يخرج والخراج:
غلة العبد والأمة»(2).
أما ابن دريد فلم يفرّق بين الخرج والخراج فقال: «الخرج والخراج: الأتاوة وتؤخذ من أموال المسلمين»(3)، ووافقه ابن منظور في ذلك «الخرج والخراج شيء واحد يخرجه القوم في السنة من مالهم بقدر معلوم وقيل الأتاوة تؤخذ من مال المسلمين»(4). فالخراج: هو مبلغ معلوم يدفع بصورة منتظمة ومتكررة في نهاية كل حول أو محصول من قبل مستثمري الأرض إلى الدولة الإسلامية(5)، ويتضح هنا ان الخرج أعم من الخراج، كون الخراج يختص في الغالب بالضريبة على الأرض، وقيل العبد يؤدي خرجه أي غلته والرّعية تؤدي إلى أمير الخراج(6)، فالفرق بين الخرج والخراج هو ان الخرج من الرّقاب والخراج من الأرض(7).
الفرق بين الجزية والخراج:
قال الجوهري «الجزية: ما يؤخذ من أهل الذمة(8)، فيما عرّفها ابن الأثير
ص: 269
على أنها: «عبارة عن المال الذي يعقد الكتابي عليه الذمة وهي فعلة من الجزاء كأنها جزت عن قتله(1)، حيث قال تعالى في محكم كتابه:
«قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ»(2).
وفي الحديث:
«ليس على مسلم جزية»(3).
أراد ان الذمي إذا أسلم وقد مرّ بعض الحول لم يطالب من جزية ما مضى من السنة، ثم يقول ابن الأثير: «وقيل ان الذميّ إذا أسلم وكان في يده أرض صولح عليها بخراج توضع عن رقبته الجزية وعن أرضه الخراج»(4).
فيما ذكر أبو يوسف «أن الجزية بمنزلة مال الخراج»(5)، أما الماوردي فيقول: «إن الجزية والخراج حقان أوصل الله - سبحانه وتعالى - المسلمين إليهما من المشركين، يجتمعان من ثلاثة أوجه، ويفترقان من ثلاثة أوجه، ثم تتفرع أحكامهما، فأما الأوجه التي يجتمعان فيها:
فأحدها: أن كل واحد منهما مأخوذ من مشركٍ صغارًا له وذمّة.
ص: 270
والثاني: أنهما مالا فيء يصرفان في أهل الفيء.
والثالث: أنهما يجبان بحلول الحول ولا يستحقان قبله.
أما الأوجه التي يفترقان فيها فأحدها: ان الجزية نص:
«قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ»(1).
وإن الخراج اجتهاد(2):
«أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ»(3).
أما الثاني: أن أقل الجزية مقدر بالشرع، وأكثرها مقدر بالاجتهاد، والخرج أقله وأكثره مقدر بالاجتهاد.
والثالث: ان الجزية تؤخذ مع بقاء الكفر وتسقط بحدوث الإسلام، والخراج، يؤخذ مع الكفر والإسلام، فأما الجزية فهي موضوعة على الرؤوس واسمها مشتق من الجزاء»(4). فالجزية: فريضة مالية، تفرض جبراً على الرؤوس ممن يدخل في ذمة المسلمين(5) من أهل الكتاب وما في حكمهم، مقابل توفير
ص: 271
الحماية والأمن لهم وتؤخذ مع بقاء الكفر وتسقط بالدخول في الإسلام، وتفرض على الرجال الأحرار والعقلاء، ويعفى منها الصبيان والنساء والشيوخ والمرضى والمؤمنون(1).
أما قديماً(2) فيرى بعضهم أنها «ضريبة»(3) قديمة فرضها اليونان والرومان والفرس على رعاياهم، وعلى سكان البلاد المفتوحة من قبلهم، وتؤكد المصادر التاريخية ان نسبتها كانت تصل إلى سبعة أضعاف التي أخذها العرب المسلمون من أهل الذمة، وقد أطلقت الشريعة الإسلامية على الأموال المأخوذة من أهل الذمة على رؤوسهم - لفظ الجزية(4).
وقد أفرد أبو يوسف فصلاً فيمن تجب عليه الجزية؛ إذ قال: «والجزية
ص: 272
واجبة على جميع أهل الذمة ممن في السواد وغيرهم من أهل الحيرة وسائر البلدان من اليهود والنصارى والمجوس والطائيين والسامرة ما خلا نصارى بني تغلب وأهل نجران خاصة(1)، وإنما تجب الجزية على الرجال دون النساء والصبيان(2): على الموسر ثمانية وأربعون درهماً وعلى الوسط أربعة وعشرون وعلى المحتاج الحراث العامل بيده اثنا عشر درهماً يؤخذ منهم في كل سنة»(3).
ص: 273
وقد خالف فيليب وجه الصواب(1) حين قال:
«إن العرب قد ضربوا أتاوة إجمالية على الأرض والرؤوس وانه لم يكن ثمة خراج واضح أو جزية واضحة في الفترة الخاصة بعهد الراشدين»(2).
إلا أننا التمسنا بالدليل - من خلال المصادر التاريخية - مايؤكد وجود هذه الفروق بين الجزية والخراج عند العرب.
فقد ذكرت المصادر «أن عمر بن الخطاب بعث عثمان بن حنيف فمسح السواد فوجده ستة وثلاثين ألف جريب(3)، فوضع على كل جريب درهماً
ص: 274
وقفيزاً(1)... وختم على خمسمائة ألف إنسان للجزية على الطبقات(2)، هذا ويبدو أن الجزية والأرزاق عدّا ضريبة ابتدائية فكانت الأرزاق ضريبة الأرض بسبب انشغال المسلمين بالتحرير وعدم تنظيمهم للضرائب في البداية؛ إذ إنَّ عام 21 ه قد شهد التنظيم وتم مسح الأرض ووضع الخراج عليها كما وضعت جزية على الطبقات وتميزت عن الخراج(3). أما الخراج فهو الضريبة التي كانت تدفع لخزينة الدولة عن الأراضي التي احتلها المسلمون حتى إذا أسلم صاحبها، ويختلف مقدار الخراج بحسب نوعية الأرض وطريقة ريعها واستغلالها ونوعية المحصول.. وكانت هذه الضريبة عادة تفرض على محاصيل الحبوب والأشجار
ص: 275
المثمرة وكانت تدفع سنوياً بعد الموسم(1). فيما قال الإمام علي علیه السلام بشأن الجزية(2):
«واعْلمْ أنّ الرّعِيّة طبقاتٌ، لا يصْلُحُ بعْضُها إلا ببِعْض،.. ومِنْها أهْلُ الْجِزْيةِ والْراجِ مِنْ أهْلِ الذِّمّةِ ومُسْلمِةِ النّاس»(3).
نلاحظ أن الإمام علیه السلام قد بيّن الفرق بين الجزية والخراج، كالآتي:
1. ان الخراج ثابت خلافاً للجزية التي تسقط بإسلام الشخص.
2. يؤدي الخراج إلى زيادة إنتاج الأرض ومن ثم تحسين الأوضاع الاقتصادية للبلاد.
3. يحدد مقدار الجزية بقدرة الشخص، أما الخراج فإنه مقدر بحسب ما ينتجهُ من الأرض.
فيما تكلم الماوردي وأبو يعلى بشأن الأرض فقال: «والأرضون كلها تنقسم إلى أربعة أقسام:
أحدها: ما استأنف المسلمون إحياءه فهو أرض عشر لايجوز أن يوضععليها خراج.
ص: 276
والقسم الثاني: ما أسلم عليه أربابه منهم أحقّ به(1)، أرض عشر، ولايجوز أن يوضع عليها خراج(2).
والقسم الثالث: ما ملك من المشركين عنوة وقهراً(3) غنيمة تقسم بين الغانمين وتكون أرض عشر لا يجوز أن يوضع عليها الخراج(4).
والقسم الرابع: ما صولح عليه المشركون من أرضهم فهي الأرض المختصة بوضع الخراج عليها فهي على ضربين: أحدهما: ماخلا عنها أهلها فحصلت للمسلمين بغير قتال، فيكون وقفاً على مصالح المسلمين ويضرب
ص: 277
عنها الخراج.. أما الثاني: ما أقام فيه أهله وصولحوا على إقراره في أيديهم»(1).
وقد جاء عن أبي يوسف ما قاله عمر بن الخطاب بشأن أرض الخراج بعد الفتح «... ولكن رأيت أنه لم يبق شيء يفتح بعد أرض كسرى، وقد غنمنا الله أموالهم وأرضهم وعلوجهم فقسمت ماغنموا من أموال بين أهله وأخرجت الخمس فوجهته على وجهه، وانا في توجيهه، وقد رأيت أن أحبس الأرضين بعلوجها وأضع عليهم الخراج»(2). إلا أن ابن رجب الحنبلي يقول: أرض الخراج نوعان: صلح وعنوة، فأما أرض الصلح فإن خراجها عند الجمهور في معنى الجزية فيسقط بالإسلام، وعند أبي حنيفة هو معنى ثمن للأرض كخراج العنوة عنده، ثم يعلل ذلك بقوله: ولعل هذا أيضاً مأخذ الكوفيين الذين قالوا:
ان الأرض متى وضع الخراج عليها لم يتغير عنها بحال، وأما أرض العنوة فقد اختلفوا في خراجها فقالت طائفة هو ثمن أيضاً وهو قول الحنفية.. وقاله أيضاً طائفة من الشافعية(3).
الخراج في كلام الإمام علیه السلام:
1- الخراج وعمارة الأرض:
بيّن الإمام علیه السلام ان الطبقة الرابعة هم أهل الخراج الذين يقومون بزراعة الأرض والاعتناء بها وجني المحاصيل التي تقوم عليها اقتصاديات البلد..
ص: 278
والإمام هنا يجسد روح العطف والحنان على هذه الطبقة ويأمر الوالي أن يهتم بها ويصلح من شأنها ولا يحملها من الأمر ما لا تطيق، فلا يرهقها ولا يثقل عليها بل ان الاعتناء بأهل الخراج وصلاحهم صلاح لعامة الناس، فإنهم ميمونو الأمة ويغدقون على الرعية بأهم احتياجاتها فإذا كانوا بخير استطاعوا أن يقدموا أحسن إنتاج وأفضله(1)، وذلك بقوله:
«وَتَفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ، فَإِنَّ فِي صَلاَحِهِ وَصَلاَحِهِمْ صَلاَحاً لِمَنْ سِوَاهُمْ، وَلاَ صَلاَحَ لِمَنْ سِوَاهُمْ إِلاَّ بِهِمْ، لانَّ النَّاسَ کُلَّهُمْ عِيَالٌ عَلَى الْخَرَاجِ وَأَهْلِهِ...»(2).
فيما يضع الإمام علیه السلام قاعدة وهي: يجب أن تكون جباية الخراج (الضرائب) تراعي مصالح الذين يدفعونها وبذلك يكون نظاماً صالحاً وبصلاحه يصلح الناس فيما بينهم دون تمييز؛ لأنهم محتاجون إلى هذه الضرائب، فضلاً عن ذلك فقد عدّ الإمام علیه السلام منهجية الخراج وجبايته ركن الإصلاح، وبطبيعة الحال فإن هذا الإصلاح يمثل صلاح المجتمع اقتصادياً من جهة، ولمراعاة تكامل هذا الإصلاح فقد حث الإمام علیه السلام على أن يكون الناس بعضهم لبعض لأنهم - كما قال -:
«عِيالٌ على الْخراجِ وأهْلِهِ»(3).
من جهة أخرى. ولم تكن ضريبة الخراج هي الهدف - لدى الإمام علیه السلام - إنما السبيل لتحصيل الخراج لتحقيق التنمية الاقتصادية لأي مجتمع، لذلك أكد علیه السلام
ص: 279
أن يكون الحاكم دقيقًا في هذه الأمور:
«وَلْيَکُنْ نَظَرُکَ فِي عِمَارَةِ الاَرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِکَ فِي اسْتِجْلاَبِ الْخَرَاجِ(1) لاَنَّ ذَلِکَ لاَ يُدْرَکُ إِلاَّ بِالْعِمَارَةِ، وَمَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَة، أَخْرَبَ الْبِلاَدَ، وَأَهْلَکَ الْعِبَادَ، وَلَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلاَّ قَلِيلاً..»(2).
أي ينبغي ان يكون اخذ هذه الضرائب ضمن نظام عادل وعلى أساس خطة محكمة، وليس لملء الخزينة فإنَّ ذلك يحدث خللاً في النظام الاقتصادي، ومن ثم يؤدي إلى تدهور أوضاع الرعية، ثم يعلل ذلك إذ يقول:
«لاِنّ ذلكِ لا يُدْركُ إلِا بالْعِمارةِ»(3).
وبذلك أشار الإمام علیه السلام إلى عمارة الأرض(4).
«وهذه القاعدة عرفت عند علماء أصول علم المال في عصرنا بقاعدة «ليس للخراج أن يعرقل الإنتاج» وبقاعدة «الإنفاق العام منوط بالمصلحة
ص: 280
العامة» أما قاعدة ليس للخراج أن يعرقل الإنتاج فمعناها «لا يجدر بالحكومة أن تضع ضريبة تحول دون السعي والإنتاج ونقص ثمرات المساعي الشعبية بتخريب وإهمال الأراضي الزراعية»(1)، وهذه القاعدة معناها أن تكون أموال الخراج في صالح الرعية جميعها دون تمييز. وبذلك الصدد يقول ابن خلدون: إن «معظم الجباية إنما هي من الفلاحين والتجار ولاسيما بعد وضع المكوس(2) ونمو الجباية بها فإذا انقبض الفلاحون عن الفلاحة وقعد التجار عن التجارة ذهبت جملة أو دخلها النقص المتفاحش وإذا قايس السلطان بين ما يحصل له من الجباية وبين هذه الأرباح القليلة وجدها بالنسبة إلى الجباية أقل من القليل ثم انه ولو كان مفيداً فيذهب له بحظ عظيم من الجباية فيما يعانيه من شراء أو بيعٌ فإنه من البعيد أن يوجد فيه من المكس، ولو كان غيره في تلك الصفقات لكان تكسبها كلها حاصلاً من جهة الجباية ثم فيه التعرّض لأهل عمرانه واختلال الدولة بفسادهم ونقصه، فإن الرعايا إذا قعدوا عن تثمير أموالهم بالفلاحة والتجارة نقصت»(3).
فيما يقول الإمام علیه السلام لواليه مالكِ بْن الْارِثِ الْاشْتر فِی عهْدِهِ إلِيْهِ، حِين ولاهُّ مِصْر:
ص: 281
«جِبْاية خراجِها(1)، واسْتِصْلاح أهْلهِا، وعِمارة بلِادِها»(2).
على حين تنبه ابن خلدون إلى ما أشار إليه الإمام علیه السلام بشأن عمارة الأرض وجبايتها وما لها في تقدم المجتمع من أثر، قائلاً: «إن الدولة هي السوق الأعظم للعالم ومنها مادة العمران فإذا احتجز السلطان الأموال والجبايات أو فقدت فلم يصرفها في مصارفها، قلّ حينئذ ما بأيدي الحاشية والحامية، وانقطع أيضاً ما كان يصل منهم لحاشيتهم وذويهم، وقلّت نفقاتهم جملة، وهو معظم السواد ونفقاتهم أكثر مادة للأسواق ممن سواهم، فيقع الكساد حينئذ في الأسواق، وتضعف الأرباح في المتاجر، فيقل الخراج لذلك، لأن الخراج والجباية إنما تكون في الاعتماد والمعاملات، ونفاق الأسواق وطلب الناس للفوائد والأرباح ووبال ذلك عائد على الدولة بالنقص لقلة أموال السلطان حينئذ بقلة الخراج، فالمال إنما هو متردد بين الرعية والسلطان منهم إليه ومنه إليهم، فإذا حبسه السلطان عنده فقدته الرعية سنة الله في عباده»(3). فنخرج بمحصلة مفادها ان الإمام علیه السلام حث على أن يكون الهدف من جباية الخراج هو لعمارة البلاد وذلك من خلال ما أوصى به الوالي - ان يعمر بلده بالخراج - وليس لغرض جمعه.
ص: 282
وقد ذكّر الدكتور عبد المنعم الناصر بهذا بقوله: «نرى في أيامنا هذه أن الدول التي تريد رفع مستوى النمو الاقتصادي في بلادها تلجأ إلى تخفيض مقدار الضرائب على الدخل، لكي يشجع المستثمرون على توظيف أموالهم في التنمية والاستثمار، فتكون محصلة هذا القرار زيادة في مجمل ما يأتي الدولة من ضرائب على الدخل نتيجة التوسع في الإنتاج وارتفاع معدلات النمو الاقتصادي»(1).
ويبدو لنا ان الإمام علیه السلام أراد ذلك كون إصلاح الخراج لايكون إلا بعمارة البلاد.
على حين ذكر الإمام علیه السلام عاقبة من يتوجه لجمع الخراج من دون النظر لعمارة الأرض معللاً ذلك بخراب البلاد وهلاك العباد، وذلك على اثر زيادة الخراج حيث يؤدي إلى ضعف خدمة الفلاحين(2) المزارعين في الأرض، ومن ثّم عدم استصلاحها ثم شعور الفلاحين بعدم النفع من عملهم هذا، فضلاً عن ذلك فإن الوالي جراء هذه المشاكل - ان عجز عن حلها - سيواجه اضطراباً في اقتصاد الدولة ولن يستقيم أمره إلا قليلاً(3).
2- معالجة المشاكل المستجدة:
ثم يوصي الإمام علیه السلام الوالي بأن يراعي ظروف الرعية (الفلاحين) التي تعتريها في أثناء زراعة الأرض وذلك عند فرض الخراج (الضرائب) مختصاً بحالات طارئة قد حددها الإمام علیه السلام بما يأتي:
ص: 283
«فإِنْ شكوْا ثِقلاً أوْ عِلّةً(1)، أوِ انْقِطاع شِرْب(2)، أوْ بالّة(3)، أوْ إِحالة أرْض اغْتمرها غرقٌ، أوْ أجْحف بِها عطشٌ؛ خفّفْت عنْهُمْ بمِا ترْجُو أنْ يصْلُح بِهِ أمْرُهُمْ»(4).
يبدو أن الحالات التي ذكرها الإمام علیه السلام والتي تحد من نشاط المزارعين - هي ثقل مقدار ضريبة الخراج المفروض عليهم أو قد يتعرض المزروع إلى آفات زراعية أو تنقص المياه التي يعتمدون عليها في الإرواء في حين قد يكون المطر أغرقها(5)، ومن ثمّ أدى إلى إتلافها لذلك يجدر بالوالي في هذه الحالة أن يخفض الضرائب أو يلغيها مراعياً إعمار الأراضي المتضررة والتخلص من الآفات.
فضلاً عن ذلك ان الإمام علیه السلام أمره «أن يخفف عنهم متى لحقهم شيء من ذلك؛ فإن التخفيف يُصلح أمورهم، وهو وإن كان يُدخل على الماء نقصًا في العاجل إلا انه يقتضي توفير زيادة في الآجل، فهو بمنزلة التجارة التي لابدّ فيها
ص: 284
من إخراج رأس المال وانتظار عوده وعود ربحه»(1).
«ولا یَثقُلَنَّ عَلَیکَ شَیءٌ خَفَّفتَ بِهِ المَؤونَهَ عَنهُم، فَإِنَّهُ ذُخرٌ یَعودونَ بِهِ عَلَیکَ فی عِمارَهِ بِلادِکَ، وتَزیینِ وِلایَتِکَ، مَعَ استِجلابِکَ حُسنَ ثَنائِهِم، وتَبَجُّحِکَ بِاستِفاضَهِ العَدلِ فیهِم، مُعتَمِداً فَضلَ قُوَّتِهِم، بِما ذَخَرتَ عِندَهُم مِن إجمامِکَ لَهُم، وَالثِّقَهَ مِنهُم بِما عَوَّدتَهُم مِن عَدلِکَ عَلَیهِم ورِفقِکَ بِهِم»(2).
3- عدم استكثار ما يُصلح الناس:
يشير الإمام علیه السلام إلى أن على الوالي أن لايستكثر ما يقدمه للرعية من مساعدة أو حل لمشاكلهم كون ذلك من شأنه أن يرفع من مكانته ويضمن له تأييدهم، كما ان ثناء الرعية يدل على عدل واليهم ومن ثمّ فإنه يحق للوالي أن يفتخر به ويعده من حسن إدارته وصواب سياسته في هذه البلاد يقول ابن أبي الحديد، ومع ذلك فإنه يفضي إلى تزيين بلادك بعمارتها، وإلى انك تتبجح بين الولاة بإفاضة العدل في رعيتك معتمداً أفضل قوتهم»(3).
4- كسب ودّ الرعية:
يشير الإمام علیه السلام إلى هذه التضحية المتبادلة قائلاً:
«فرُبّما حدث مِن الْاُمُورِ ما إذِا عوّلْت فيِهِ عليْهِمْ مِنْ بعْدُ احْتملُوهُ طيِّبةً أنْفُسُهُمْ بِهِ»(4).
ص: 285
إن هؤلاء الرعية الذين قدمت لهم يد العون والمساعدة سيكونون أكثر استعداداً وعن طيبة نفس إذا احتجت إلى معونتهم يوماً ما وعولت عليهم، كأن يكون لصد هجوم الأعداء مثلاً فإنهم سيدافعون ويبذلون ما بوسعهم وهذا بدوره يعزز الثقة بينك وبينهم «وربما احتجت فيما بعد إلى تكلفهم بحادث يحدث عندك المساعدة بمال يقسطونه عليهم قرضاً أو معونة محضة؛ فإذا كانت لهم ثروة نهضوا بمثل ذلك، طيبة قلوبهم به»(1).
5- الولاة سبب خراب الأرض.
«وإنِّما يُؤْتى خرابُ الاْرْضِ مِنْ إِعْوازِ أهْلهِا، إنِّما يُعْوِزُ أهْلُها لاِشْرافِ أنْفُسِ الْوُلاةِ على الْجمْعِ، وسُوءِ ظنِّهِمْ باِلْبقاءِ، وقِلّةِ انْتفِاعِهِمْ باِلْعِبرِ»(2).
لعل الإمام علیه السلام قصد بالعمران المشار إليه: كل ما يخطط له الوالي من مشاريع تخدم الرعية قابل لأن يتحقق، وذلك بالعزم والجهود المبذولة، وهذه إشارة من الإمام علیه السلام لحث الحاكم أو الوالي على ان لايسعى لتعطيل أي مشروع كونه يصب في مصلحة الرعية، فيما يجعلها الأستاذ الفكيكي القاعدة الخامسة من ضمن قواعد علم المال الحديث فيقول: ومن معاني هذه القاعدة التي وضعها أبو الحسن علیه السلام النظرية الاقتصادية الحديثة وهي: «رقي الأمة الاقتصادي متناسب مع انتاجها» تلك القاعدة التي معناها: هو كلما زاد الإنتاج الزراعي والصناعي والعقلي والفني زادت الثروة الشعبية وتجلت المنافع الوطنية فليس من الحزم أن تكون الضرائب أو الخارج حائلاً دون
ص: 286
الرقي الشعبي(1). فيما ذكر نظرية أخرى قال بها علماء هذا القرن، تقول:
«نتحرى الحصيلة الكبرى بالنفقة الصغرى» ومعناه أنه يجب على الحكومة أن تتجنب الأعمال التي تتجشمها النفقات الفاحشة لقاء فوائد تافهة وان تتحرى منافع الجباية التي تُدر عليها خيراً كثيراً بإنفاق قليل(2). على حين أشار إلى ذلك ابن خلدون، إذ يقول: «واعلم ان السلطان لا ينمي ماله ولا يدر موجوده إلا الجباية وإدرارها إنما يكون بالعدل في أهل الأموال والنظر لهم بذلك، فبذلك تنبسط آمالهم وتنشرح صدورهم للأخذ في تثمير الأموال وتنميتها فتعظم فيها جباية السلطان وأما غير ذلك من تجارة أو فلح فإنما هو مضرة عاجلة للرعايا وفساد للجباية ونقص للعمارة»(3).
أما الخراب الذي هو انخفاض مستوى المعيشة لدى الرعية إنما يأتي عندما يبدأ المسؤولون الكبار استغلال مناصبهم لجمع الثروات، وهم يعلمون هذا لتخوفهم من فقدان هذه المناصب على حين غفلة، فضلاً عن ذلك يبدو ان خوفهم هذا ناشئ من وصولهم لهذه المناصب عن طريق الخداع والتسلط مما يجعلهم يفعلون ذلك، دون الانتفاع والاعتبار بمن سبقهم من الولاة ممن ليس
ص: 287
لديهم ثقة ببقائهم في مواقعهم فيكون همهم أن يجمعوا أكثر ما يستطيعون جمعه فيصيب الرعية العوز والحاجة.
وهنالك رأي ذهب إليه ابن أبي الحديد، إذ يقول «شارحاً قوله علیه السلام»:
«وإنِّما يُؤْتى خرابُ الاْرْضِ»(1).
أي إنما تدهى من إعواز أهلها، أي من فقرهم، ثم يقول: والموجب لإعوازهم طمع ولاتهم في الجباية وجمع الأموال لأنفسهم ولسلطانهم وسوء ظنهم بالبقاء يحتمل أن يريد به أنهم يظنون طول البقاء وينسون الموت والزوال(2).
فيما يعطي ابن أبي الحديد رأياً آخر وهو ماذهبنا إليه سابقاً: ويحتمل أن يريد به أنهم يخيّلون العزل والصرف، فينتهزون الفرص، ويقتطعون الأموال، ولا ينظرون في عمارة البلاد(3).
6- وصايا الإمام علیه السلام لعمال الخراج:
أولًا: أكد الإمام علیه السلام ان هذا العمل أمانة في عنق العامل ويجب عليه المحافظة عليها وأن ينظر الأوامر من الوالي ولايجازف كون هذا المال مال الله وعليه أن يسلمه حتى يوضع في بيت المال:
«وإِنَّ عَمَلَکَ لَیْسَ لَکَ بِطُعْمَهٍ، ولَکِنَّهُ فِی عُنُقِکَ أمَانَهٌ، وأنْتَ مُسْتَرْعیً لِمَنْ فَوْقَکَ، لَیْسَ لَکَ أنْ تَفْتَاتَ فِی رَعِیَّهٍ، ولا تُخَاطِرَ إِلاَّ بِوَثِیقَهٍ، وفی یَدَیْکَ مَالٌ مِن مَال اللّه عزوجل، وأنْتَ مِن خُزَّانِهِ حَتَّی تُسَلِّمَهُ إلَیَّ، ولَعَلِّی ألاَّ أکُونَ شَرَّ وُلاتِکَ
ص: 288
لك، والسّلامُ»(1).
ثانيًا: حذرهم من العسف وأمرهم بالعدل مع الرعية إذ يقول لأحد عماله:
«اسْتَعْمِلِ الْعَدْلَ واحْذَرِ الْعَسْفَ(2) والْحَيْفَ(3) فَإِنَّ الْعَسْفَ يَعُودُ باِلْجَلاءِ والْحَيْفَ يَدْعُو إِلَی السَّيْفِ»(4).
ثالثًا: ثم يصف الإمام علیه السلام عمل الخراج الذي يقوم به العامل حيث إنه عمل يسير في أدائه، عظيم في فائدته، كبير في ثوابه، ولكنه مع ذلك لم يسمح لعماله وجباته، أن يحصل على الحق من المكلفين لدفعه بالشدة والجبر بل يجب أن يكون بالقناعة. وبهذا فإن الإمام علیه السلام قد أقر قاعدة الجوار مع الآخر، بعيداً عن التسلط وذلك للحفاظ على كرامة الإنسان وعدم ضياع أمواله:
«واعْلمُوا أنّ ما كُلِّفْتُمْ يسِيرٌ، وأنّ ثوابهُ كثيِرٌ، ولوْ لم يكُنْ فيِما نهى اللهُ عنْهُ مِن الْبغْيِ والْعُدْوانِ عِقابٌ يُخافُ لكان فِی ثوابِ اجْتنِابِهِ ما لا عُذْر فِی ترْكِ طلبِهِ»(5).
رابعًا: التعامل الإنساني مع المكلفين لدفع الخراج، فقد أوصى الإمام علیه السلام عمّاله ان ينصفوا الناس من أنفسهم، أي لايقصروا اتجاه حقوقهم أو في خدمتهم
ص: 289
كذلك عليهم أن يسمعوا ويصبروا ويقضوا حوائجهم، على حين يذكرهم الإمام بمنزلتهم حيث إنكم وكلاء وسفراء للأئمة:
«فأنْصِفُوا النّاس مِنْ أنْفُسِكُمْ، واصْبِرُوا لِوائِجِهِمْ، فإنِّكُمْ خُزّانُ الرّعِيّةِ، ووُكلاءُ الْاُّمةِ، وسُفراءُ الائْمِّةِ..»(1).
خامسًا: نهاهم عن الأساليب الإدارية التسلطية وإجبار المكلفين (أهل الخراج) على دفع أموال الخراج في وقت لايستطيعون دفعها، كأن يكون قبل جني ثمارهم ومحاصيلهم مثلاً مما يضطرهم إلى بيع كسوتهم (سواء كانت في الصيف أو الشتاء) أو بيع دوابهم التي يعملون عليها مما له الأثر السلبي في نفوسهم وكذلك على عملية الإنتاج:
«ولا تحْسِمُو(2) أحداً عنْ حاجتِهِ، ولاتَحبِسُوهُ عنْ طلبِتِهِ، ولا تبيِعُنّ للِنّاسِ فِی الْخراجِ كِسْوة شِتاء ولا صيْف، ولا دابّةً يعْتمِلُون عليْها، ولا عبداً»(3).
- فيما قال رجل من ثقيف: «استعملني علي بن أبي طالب رضی الله عنه على عكبراء(4) فقال لي - وَأَهْلُ الَأرْضِ معي يسمعون:
«انْظُرْ أَنْ تَسْتَوْفِیَ مَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْخَرَاجِ، وَإيَّاكَ أَنْ تُرَخِّصَ لَهُمْ فِی شَیْءٍ، وَإِيَّاكَ
ص: 290
أن يروا منك ضعفاً، ثمّ قال: رح إلىّ عند الظهر، فرحت إليه عند الظهر، فقال لي: إنّما أوصيتك بالّذي أوصيتك به قدّام أهل عملك لأنّهم قوم خدع، انظر إذا قدمت عليهم فلا تبيعنّ لهم كسوة شتاء ولا صيفٍ ولا رزقاً يأكلونه، ولا دابّة يعملون عليها، ولا تضربنّ أحداً منهم سوطاً واحداً في درهم، ولا تقمه علي رجله في طلب درهم، ولا تبع لأحد منهم عرضاً في شيء من الخراج، فإنّا إنّما امرنا أن نأخذ منهم العفو»(1).
أما ابن أبي الحديد فيقول إن الإمام علیه السلام نهاهم أن يبيعوا لأرباب الخراج ما هو من ضرورياتهم كثياب أبدانهم وكدابةٍ يعملون عليها، نحو بقر الفلاحة، وكعبد لابد للإنسان منه يخدمه، ويسعى بين يديه(2).
نستشف من ذلك أن الإمام علیه السلام قد نبّه على موضوعات مهمة في عصرنا الحاضر (الضرائب) فيجب أن تؤخذ في الوقت الملائم للمكلف: أي عند امتلاكه الأموال الكافية.
سادساً: على عامل الخراج أن يحترم حقوق المكلفين وان لا يلجأ إلى العنف:
«ولا تضْرِبُنّ أحداً سوْطاً لكِانِ دِرْهم(3)..»(4).
وقد أشار المعتزلي في أثناء شرحه لهذا الكلام بقوله «ثم نهاهم عن ضرب
ص: 291
الأبشار(1) لاستيفاء الخراج»(2).
سابعاً: على العامل أن لا يمس مال أحد من المسلمين أو المعاهدين (المكلفين) باستثناء حالة واحدة وهي وجود فرس أو سلاح، أو (أموال) بحوزة الخارجين على الإسلام التي يستعدون بها على أهل الإسلام، فإنه لا ينبغي للمسلم أن يدع ذلك في أيدي أعداء الإسلام فيكون شوكة عليه، إذ يقول:
«ولا تمسُّنّ مال أحد مِن النّاسِ، مُصلٍّ ولا مُعاهد(3)، إلِّا أنْ تجِدُوا فرساً أوْ سِلاحاً يُعْدى بِهِ على أهْلِ الاْسْلامِ»(4).
ثامناً: أكد الإمام علیه السلام لعماله بعدم ادخار أية نصيحة يمكن أن تنفع المسلمين بحجة تأخيرها لوقت الحاجة:
«ولا تدّخِرُوا أنْفُسكُمْ نصِيحةً، ولا الْجُنْد حُسْن سِيرة، ولا الرّعِيّة معُونةً، ولا دِين اللهِ قُوّةً»(5).
تاسعاً: اشترط عليهم أن يصطنعوا من المعروف في سبيل الله ما استوجب عليهم إذ يقول لهم علينا ان نشكر الله بجهدنا وان ننصره ما بلغت قوتنا:
ص: 292
«وأبْلُوا(1) فِی سبيلِ اللهِ ما اسْتوْجب عليْكُمْ، فإِنّ الله سُبْحانهُ قدِ اصْطنع عِنْدنا وعِنْدكُمْ أنْ نشْكُرهُ بِجُهْدِنا، وأنْ ننْصُرهُ بمِا بلغتْ قُوّتُنا، ولا قُوّة إلِا باِللهِ العلي العظيم»(2).
ص: 293
ص: 294
(لغةً واصطلاحاً) قال الجوهري: ان الفيء هو الخراج والغنيمة، ونقول منه، أفاء الله على المسلمين مال الكفار، يفيء إفاءة، واستفأت هذا المال أي أخذته فيئاً(1)، فيما ذكر الأصفهاني بأن الفيء يقال للغنيمة التي لا يلحق فيها مشقة فيء(2).
أما اصطلاحاً: فقد ذكر ابن آدم انه: «ماصولح عليه المسلمون من الجزية والخراج بغیر قتال(3) على حين يشیر أبو يوسف «فأما الفيء... فهو الخراج عندنا، خراج الأرض، وا هل أعلم»(4) وهو ما اجتنى من أموال أهل الذمة مما
ص: 295
صولحوا عليه من جزية رؤوسهم التي حقنت دماءهم وحرمت أموالهم ومنه خراج الأرضين التي افتتحت عنوة ثم أقرها الإمام في أيدي أهل الذمة على طسق(1) يؤدونه، ومنه وظيفة أرض الصلح التي منعها أهلها حتى صولحوا فيها على خراج مسمى... فكل هذا من الفيء. وهو الذي يعم المسلمين: غنيهم وفقيرهم(2). أما قدامة فقد أعطى تعريفاً مزدوجاً للفيء بمعنيين إذ يقول:
وهذه اللفظة في لغة العرب اسم للرجوع يقال: فاء الشيء، يفيء فيئاً إذا رجع وكذلك سموا ظل الشمس من الشطر الأول من النهار ظلاً، وفي الشطر الثاني منه فيئاً فبحق ما وضعت اسماً لما غلب المسلمون عليه من بلاد السعد وقسرا بالقتال وجعل موقوفاً عليهم؛ لأن الذي يجتني منه راجع في كل سنة(3). فهو الأموال التي وصلت من المشركين أو كانوا سبب وصولها(4). فيما يعرفه الماوردي في موضع آخر: هو كل ما وصل من المشتركين عفواً بغير قتال ولا بإيجاف(5) خيل ولا ركاب، فهو كمال الهدنة والجزية وأعشار متاجرهم أو كان واصلاً سبب جهتهم كمال الخراج(6).
ص: 296
على حين يقول الكاساني: «هو اسم لما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب نحو الأموال المبعوثة بالرسالة الى إمام المسلمين برسالة والأموال المأخوذة على موادعة أهل الحرب»(1).
يرى باحث محدث ان الفيء «toretm» هو ما أخذ من أموال الكفار بغير حرب(2). ويرى آخر: هو الارضون التي دخلت دار الإسلام صلحاً، دون حرب، أو بعد حرب ولكنها منعت نفسها من السقوط المباشر بأيدي المسلمين فتدخل هذه الأرض دار الإسلام مع بقاء أهلها على دينهم أو دخولهم الإسلام بموجب عهد صلح يتفق على شروطه الطرفان(3). ويقول الأستاذ الدوري
ص: 297
ان كلمة الفيء تطلق على وارد البلاد المفتوحة أي الخراج والجزية وضرائب التجارة(1). فالفيء هو ما أخذه المسلمون من المشركين - سواء كان أرضاً(2) أم أموالاً؟ إلا أنه يؤخذ صلحاً.
الفرق بين الغنيمة والفيء:
الغنيمة: «ماغلب عليه المسلمون بالقتال حتى يأخذوه عنوة»(3) فيما ذكر الجرجاني: أنها «اسم لما يؤخذ من أموال الكفرة بقوة الغزاة وقهر الكفرة على وجه يكون فيه إعلاء كلمة الله تعالى، وحكمه أن يخمّس وسائره للغانمين خاصة»(4). أما الفيء فيقول ابن الجوزي: «هو ما أخذ من المشركين بغير قتال كالجزية والخراج»(5)، فالغنيمة أخص منه، والنفل أخص منها»(6)، كونها مأخوذة بالقهر حين القتال(7).
إلا أن الداودي يقول إن الفيء: ما أرجعت الله إليهم من مال السعد
ص: 298
والغنيمة ما غلبوا عليه(1)، ثم يقول موضحاً: وقد اختلف الفقهاء في هذه الأسماء: فقيل: الفيء، ما أفاءه الله عليهم بغير قتال. والغنيمة ما غنموه.
وغلبوا عليه، وهذا وجه غير مدفوع ولا يمتنع أن تسمى الغنيمة فيئاً؛ لأنها مما أفاء الله(2)، فيما ذكر الماوردي وأبو يعلى وجه الاختلاف والاتفاق بينهما إذ يريان:
أما الفيء والغنيمة فهما متفقان من وجهين ومختلفان من وجهين: فأما وجها اتفاقهما، فأحدهما: ان كل واحد من المالين واصلٌ بالكفر.
والثاني: أن مصرف خمسهما واحد، وأما وجها افتراقهما:
فأحدهما: أن مال الفيء مأخوذ عفواً(3)، ومال الغنيمة مأخوذ قهراً.
والثاني: ان مصرف أربعة أخماس الفيء مخالفٌ الغنيمةَ لمصرف أربعة أخماس الغنيمة(4).
فالفرق بينهما هو ان الغنيمة هي ما حصل عليه المسلمون من المشركين بعد قتال دار بينهما، أما الفيء فهو ما أخذه المسلمون أيضاً من المشركين إلا أنه دون قتال (صلحاً)، أي إن ما حازه المسلمون من مال في كلتا الحالتين (غنائم - فيء) فإنه وصلهم من مال السفك.
ص: 299
الفيء في كلام الإمام علیه السلام:
بيّن الإمام علیه السلام أن تشريع الفيء من الله علیه السلام فقال:
«فأما هذا الفيء فليس لأحد على أحد فيه أثرة وقد فرضها الله من قسمه، فهو مال الله وأنتم عباد الله المسلمون، وهذا كتاب الله به أقررنا وله أسلمنا وعهد نبينا بين أظهرنا، فمن لم يرض به فليقل كيف يشاء فإن العامل بطاعة الله والحاكم بحكم الله لا وحشة عليه»(1).
وجاء هذا التشريع في الآية الكريمة:
«مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ»(2).
يقول الماوردي يُمس الفيء وانه يقسم على خمسة أسهم متساوية:
سهم منها: كان لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في حياته ينفق منه على نفسه وأزواجه، واختلف الناس فيه بعد موته فذهب من يقول بميراث الأنبياء إلى انه موروث عنه مصروف إلى ورثته(3).
ص: 300
السهم الثاني: سهم ذوي القربى، زعم أبو حنيفة أنّه قد سقط حقهم منه اليوم، وعند الشافعي أن حقهم فيه ثابت، وهم بنو هاشم وبنو عبد المطلب ابنا عبد مناف خاصة لا حق فيه لمن سواهم من قريش كلها... السهم الثالث:
لليتامى(1) من ذوي الحاجات. السهم الرابع: للمساكين وهم الذين لايجدون ما يكفيهم من أهل الفيء؛ لأن مساكين الفيء يتميزون عن مساكين الصدقات لاختلاف مصرفهما(2).
أما السهم الخامس: لبني السّبيل، وهم المسافرون من أهل الفيء لايجدون ما ينفقون(3).
بعدما ذكر الإمام علیه السلام وبيّن أن تشريع الفيء من القرآن الكريم وانه على ما جاء به الرسول صلی الله علیه و آله وسلم فإنه يتابع كلامه موضحاً ما قام به الرسول صلی الله علیه و آله وسلم في أموال المسلمين قائلاً:
«إِنَّ اَلْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَی اَلنَّبِیِّ صَلَّی اَللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ اَلْأَمْوَالُ أَرْبَعَهٌ أَمْوَالُ اَلْمُسْلِمِینَ فَقَسَّمَهَا بَیْنَ اَلْوَرَثَهِ فِی اَلْفَرَائِضِ وَ اَلْفَیْءُ فَقَسَّمَهُ عَلَی مُسْتَحِقِّهِ وَ اَلْخُمُسُ فَوَضَعَهُ حَیْثُ وَضَعَهُ اَللَّهُ وَ اَلصَّدَقَاتُ فَجَعَلَهَا حَیْثُ جَعَلَهَا»(4).
ص: 301
يقول ابن أبي الحديد: و «الأموال الأربعة التي عددها إنما قسمها الله تعالى حيث قسّمها؛ لأنها أموال متكررة بتكرر الأوقات على مرّ الزمان الموجود منها ويخلفه غيره. فكان الاعتناء بها أكثر، والاهتمام بوجوه متصرفها أشد، لأن حاجة الفقراء والمساكين وأمثالهم من ذوي الاستحقاق كثيرة ومتجددة بتجدد الأوقات»(1). على حين يخاطب الإمام علیه السلام الخوارج:
«وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صَلَّی اللّهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ رَجَمَ الزَّانِیَ (الْمُحْصَنَ) ثُمَّ صَلَّی عَلَیْهِ ثُمَّ وَرَّثَهُ أَهْلَهُ،... وَقَطَعَ السَّارِقَ(2) وَجَلَدَ الزَّانِیَ غَیْرَ المُحْصَنِ ثُمَّ قَسَمَ عَلَیْهِمَا مِنَ الْفَیْءِ»(3).
وفي موضع آخر قال لهم عندما سمع أنهم يقولون في بداية الأمر أنهم لا حاجة إلى إمام ولا حكم إلا لله فخاطبهم قائلاً:
«... لابُدَّ لِلنّاسِ مِن أمیرٍ بَرٍّ أو فاجِرٍ، یَعمَلُ فی إمرَتِهِ المُؤمِنُ، ویَستَمتِعُ فیهَا الکافِرُ، ویُبَلِّغُ اللّهُ فیهَا الأَجَلَ، ویُجمَعُ بِهِ الفَیءُ، ویُقاتَلُ بِهِ العَدُوُّ»(4).
ومن جهة أخرى فقد حثّ الإمام علیه السلام - بصفته الحاكم - على ان من حقوق الرعية على الحاكم توفير الفيء عليهم، إذ يقول:
«أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ لِی عَلَيْكُمْ حَقّاً، وَلَكُمْ عَلَیَّ حَقٌّ: فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَیَّ:
ص: 302
فَالنَّصِيحَةُ لَكُمْ، وَتَوْفِيرُ فَيْئِكُمْ عَلَيْكُمْ،(1) وَتَعْليِمُكُمْ كَيْلا تَجْهَلُوا، وَتَأْدِيبُكُمْ كَيْما تَعْلَمُوا»(2).
فضلاً عن ذلك فقد بيّن الإمام علیه السلام أمراً مهماً وهو على الحاكم أن يتبع الحق بين الرعية بلا تمييز؛ إذ جاء في كلام له علیه السلام قد كلم به عبد الله بن زمعة(3)...
حين قدم عليه يطلب منه مالاً فقال علیه السلام:
«إنِّ هذا الْال ليْس لِی ولا لك، وإنِّما هُو فيْءٌ لِلْمُسْلِمِين، وجلْبُ أسْيافِهِمْ، فإِنْ شرِكْتهُم فْیِ حرْبِهِمْ كان لك مِثْلُ حظِّهِمْ، وإِلاّ فجناةُ أيْدِيهِمْ لا تكُونُ لِغيْرِ أفْواهِهِمْ»(4).
وصايا الإمام علیه السلام لعمال الفيء:
أولًا: الابتعاد عن الخيانة، إذ ان الإمام علیه السلام قد وعدهم بأنه قسم قسماً صادقاً، إذا بلغه عن الخيانة في فيء المسلمين - بغض النظر إن كان صغيراً أو كبيراً فإنه سيعاقبهم على ذلك:
ص: 303
«وإِنِّی أُقْسِمُ بِاللهِ قسماً صادِقاً، لئِنْ بلغني أنّك خُنْت مِنْ فيْءِ الْمَسْلِمِين شيْئاً صغِيراً أوْ كبيِراً، لاشُدّنّ عليْك شدّةً تدعُك قليِل الْوفْرِ، ثقِيل الظّهْرِ، ضئيِل الاْمْرِ، والسّلامُ»(1).
وقد شرح ابن أبي الحديد قول الإمام علیه السلام فقال: «ثم وصف تلك الشدة فقال:
إنها تتركك(2) قليل الوفر، أي أفقرك بأخذ ما احتجت من بيت مال المسلمين وثقيل الظهر، أي مسكين لا تقدر على مؤونة عيالك. وضئيل الأمر، أي حقير، لأنك إنما كنت نبيهاً بين الناس بالغنى والثروة، فإذا افتقرت صغرت عندهم، واقتحمتك أعينهم»(3).
ثانياً: أن يكون العامل على بيّنة من ربه وأمره وان لايكيد على الأمة ويغرهم ويختطف أموالهم:
«وكأنّك لم تكُنْ على بيِّنة مِنْ ربِّك، وكأنّك إنِّما كُنْت تكيِدُ هذِهِ الْاُمّة عنْ دُنْياهُمْ، وتنْوِي غِرّتهُمْ عنْ فيْئِهِمْ، فلمّ أمْكنتْك الشِّدّةُ فِی خِيانةِ الْاُمّةِ، أسْرعْت الْكرّة، وعاجلْت الْوثْبة»(4).
ثم بيّن الإمام علیه السلام كيفية اختطاف هذه الأموال قائلاً:
«واخْتطفْت ما قدرْت عليْهِ مِنْ أمْوالِهِمُ الْصُونةِ لأرامِلِهِمْ وأيْتامِهِمُ،
ص: 304
اخْتطِاف الذِّئْبِ الازْلّ(1)، دامِية الْمِعْزى الْكسِيرة، فحملْتهُ إلِى الْحِجازِ رحيبِ الصّدْرِ بحِمْلِهِ، غيْر مُتأثِّم مِنْ أخْذِهِ، كأنّك لا أبا لغِيْرِك حدرْت إلِى أهْلكِ تُراثك مِنْ أبيِك وأُمِّك»(2).
... حيث ان هذه الأموال عندما حملتهن لم تبالِ في أخذها وكأنك قد ورثتها عن أبيك وأمك.
يتبين من ذلك، أن الإمام علیه السلام أراد توبيخه بأعنف مايكون فشكك في إخلاصه فيما كان يقوم به من جهاد؛ لأن فعله هذا يكشف عن ذاك، وكذلك شكك في إيمانه بوعد الله ووعيده؛ لأن فعله يساوي فعل الجاهل وكذلك شكك في عمله وصحة توجهه ونزله منزلة من يريد خداع المسلمين بعمله من أجل أن يصطاد دنياهم ويأخذ فيئهم وما جنته سيوفهم.. وقد وصف هذا الاختطاف كأن اختطاف الذئب الوثّاب الشديد العدو الذي ظفر بالمعزى المكسورة التي لاتقدر الفرار»(3).
ثالثاً: على العامل أن يستحضر موقفه يوم القيامة قال الإمام علیه السلام:
«فسُبْحان اللهِ! أما تُؤْمِنُ باِلْعادِ؟ أو ما تخافُ نقِاش الْحِسابِ! أيُّا الْعْدُودُ كان عِنْدنا مِنْ ذوِي الاْلْباب، كيْف تُسِيغُ شراباً وطعاماً، وأنْت تعْلمُ أنّك تأْكُلُ حراماً، وتشْبُ حراماً، وتبْتاعُ الامْاء وتنْكِحُ النِّساء مِنْ مالِ الْيتامى والْساكيِنِ
ص: 305
والْمُؤْمِنيِن والْمُجاهِدِين، الّذِين أفاء اللهُ عليْهِمْ هذِهِ الاْمْوال، وأحْرز بِهِمْ هذِهِ الْبلِاد..»(1).
رابعاً: يوصيه بتقوى الله وأن يرجع هذه الأموال إلى أهلها وإلا فإن مصيره سيكون القتل:
«فَاتَّقِ اللّهَ، وَارْدُدْ إِلَی هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَمْوَالَهُمْ، فَإِنَّکَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ ثُمَّ أَمْکَنَنِی اللّهُ مِنْکَ لَأُعْذِرَنَّ إِلَی اللّهِ فِیکَ، وَلَأَضْرِبَنَّکَ بِسَیْفِی الَّذِی مَا ضَرَبْتُ بِهِ أَحَداً إِلَّا دَخَلَ النَّارَ!»(2).
ثم يضع الإمام علیه السلام - وهو الحاكم - أنموذجاً لعدالته ومساواته؛ إذ يقسم ان هذا الفعل لو قام به الحسن أو الحسين علهما السلام لم يتأخر عن عقوبتهما حتى يأخذ الحق منهما:
«وواللهِ لوْ أنّ الْسن والْحُسيْن فعلا مِثْل الّذِي فعلْت، ما كانتْ لهُما عِنْدِي هوادةٌ، ولا ظفِرا مِنِّي بإرِادة، حتّى آخُذ الْقّ مِنْهُما، وأُزِيح الْباطلِ عنْ مظْلمتِهِما...»(3).
«فَکَأَنَّکَ قَدْ بَلَغْتَ الْمَدَی، وَدُفِنْتَ تَحْتَ الثَّرَی، وَعُرِضَتْ عَلَیْکَ أَعْمَالُکَ بِالْمَحَلِّ الَّذِی یُنَادِی الظَّالِمُ فِیهِ بِالْحَسْرَهِ، وَیَتَمَنَّی الْمُضَیِّعُ فِیهِ الرَّجْعَهَ، وَلاتَ حِینَ مَناصٍ»(4).
ص: 306
(لغةً واصطلاحاً) ذكر ابن الأثیر أن أصلها في اللغة الطهارة والنماء والبركة والمدح وكل ذلك قد استعمل في القرآن الكريم والحديث، ووزنها فَعَلَة كالصدقة ثم قال، الزكاة طهرة للأموال(1). فيما أشار الأصفهاني: إلى أن أصلها النمو الحاصل من بركة الله ويعتبر ذلك بالأمور الدنيوية والأخروية، يُقال زكا الزرع يزكو إذا حصل منه نمو وبركة(2).
أما اصطلاحاً: فالزكاة في الشرع: إخراج بعض المال زكاة مايؤول إليه من زيادة الثواب(3)، وقيل إنها التطهیر.
«أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً»(4).
ص: 307
أي طاهرة من الذنوب، فشبّه إخراج المال زكاة من حيث تطهير ما بقي، ولولا ذلك لكان حراماً من حيث ان فيه حقاً للمساكين، وقيل تطهيراً لمالك مآثم منعها(1). فقد عرّفها ابن أبي الحديد: انها النماء والزيادة ومنه سميت الصدقة المخصوصة زكاة؛ لأنها تنمي المال المزكى وانتشار الصيت نماء وزيادة(2)، فيما قال الشرنبلالي: «هي تمليك مال مخصوص فرضت على كل حر مسلم مكلف لنصاب من نقدٍ أو تبرٍ»(3)، وهي من الفرائض التي أجمعت عليها الأمة واشتهرت شهرة جعلتها من ضروريات الدين بحيث لو أنكر وجوبها أحد خرج عن الإسلام، وقتل كفراً إلا إذا كان حديث عهد بالإسلام فإنه يعذر لجهله بأحكامه(4)، وهي أول ضريبة إسلامية فرضت على الأغنياء القادرين، إذ تؤخذ من الذي يملك كثيراً لتعطى إلى الذي يملك قليلاً أو لا يملك شيئاً(5)، وبمعنى آخر، تؤخذ من أغنياء المسلمين وتوزع على فقرائهم(6)،
ص: 308
وهذه الضريبة تؤخذ منهم إذا بلغت نصاباً معيناً ومضى عليها سنة(1). فيما يعرّفها الدكتور حسن إبراهيم قائلاً: الزكاة معناه الطهارة، فكأن الخارج من المال يطهره من تبعة الحق الذي جعل الله فيه للمسلمين وهي شرعاً: تمليك جزء مال عينه منحه الشارع لمستحقيه بشرائط مخصوصة(2). فهي قدر معلوم من أموال معينة مخصصة لمصارف معينة، فالزكاة فريضة في الأموال النامية فعلاً أو قابلة للنماء ومنها النقود والموجودات الأخرى(3). والزكاة تطهير لنفوس الأغنياء من البخل والشح، وتنقية لقلوب الفقراء من الغل والحسد، وانقاذ للأمة من المشردين والمتسولين(4). وسمي المال المخرج زكاة؛ لأنه يزيد في المخرج منه ويقيه الآفات(5). وقد أضاف السيد سابق على أنها اسم لما يخرجه الإنبات من حق الله إلى الفقراء
ص: 309
وسميت زكاة لما يكون فيها من رجاء البركة وتزكية النفس وتسميتها بالخيرات، وهي أحد أركان الإسلام الخمسة(1).
وجوب الزكاة:
فرضت الزكاة وفقاً للآيات القرآنية(2) الكريمة التي شرعت بها، وقد بيّن ذلك النبي محمد صلی الله علیه و آله وسلم فيما أكد الإمام علي علیه السلام ذلك، قال:
«إنّ الله سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلاّ بما مُتع به غني، والله تعالى سائلهم عن ذلك»(3).
وبذلك فإن الإمام علیه السلام قد أقر قاعدة عامة «فما جاع فقير إلا بما متع به غني»، وهنا يؤكد ان الزكاة تحد من ذلك وتعمل على رفع مستوى الفقير، فيما قال الماوردي: والزكاة تجب في الأموال المرصدة للنماء(4)، أما بنفسها وأما بالعمل
ص: 310
فيها، طهرة لأهلها ومعونة لأهل السهمين. وأموال الزكاة ضربان: ظاهرة وباطنة. فالظاهرة: لايمكن إخفاؤها: من الزروع والثمار والمواشي. والباطنة:
ما أمكن إخفاؤه: من الذهب والفضة، وعروض التجارة(1).
ونُسب للشافعي فيه قولان: الأول: انه محمول على الإيجاب وليس لهم التفرد بإخراجها إن أخرجوها، والثاني: انه محمول على الاستحباب إظهار للطاعة وان تفردوا بإخراجها أجزأتهم وله على القولين معاً أن يقاتلهم عليها إذا امتنعوا من دفعها.
أما أبو حنيفة فقد منع قتالهم إذا أجابوا إلى إخراجها بأنفسهم(2)، أما أحمد ابن حنبل فيقول بوجوب الواجب والسبب كالنصاب يتوقف عليه وجوب الزكاة، فلا يجب تحصيله على المكلف لتجب عليه الزكاة والشرط كالإقامة في البلد لوجوب أداء الصوم(3).
وقال السيد اليزدي، يشترط في وجوبها أمور: الأول: البلوغ، فلا تجب على غير البالغ في تمام الحول. والثاني: العقل، فلا زكاة في مال المجنون في تمام الحول وفي بعضه(4).
ص: 311
وبذلك قال المذهب الحنفي: لاتجب الزكاة في أموالهما - ذلك للحديث - رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق، والنائم حتى يستيقظ، وبأنها عبادة محضة، فلا تجب عليهما كالصلاة والحج(1). على حين ذكر ابن قدامة أنَّ الزكاة تجب في مال الصبي والمجنون يخرج عنهما ولهما - وبه قال مالك والشافعي لما روي عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم انه قال: من ولي يتيماً له مال، فليجز له ولا يتركه حتى تأكله الصدقة والمجنون كالصبي والزكاة حق يتعلق بالمال فأشبه نفقة الأقارب والزوجات»(2).
أما الامتناع عنها(3)، فقد روي عن ابن مسعود في قوله تعالى، في مانعي الزكاة:
«يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ»(4).
قال: لا يوضع دينار ولا درهم على درهم ولكن يوسع جلده حتى يوضع كل دينار ودرهم على حدته(5). ثم يقول الذهبي معلقاً على ذلك: فإن قيل لم
ص: 312
خص الجباه والجنوب والظهور بالكي؟ قيل لأن الغني البخيل إذا رأى الفقير عبس وجهه وزوى مابين عينيه وأعرض بجنبيه، فإذا قرب منه ولي بظهره فعوقب بكي هذه الأعضاء ليكون الجزاء من جنس العمل(1). أما الغرناطي فيقول: «من جحد وجوبها فهو كافر، ومن منعها أخذت منه قهرًا، فإن امتنع قوتل حتى يؤديها»(2) على حين قال السيد سابق: أما من امتنع عن أدائها مع اعتقاده وجوبها فإنه يأثم بامتناعه دون أن يخرجه ذلك عن الإسلام(3)، وعلى الحاكم أن يأخذها منه قهراً ويعزره(4) ولا يأخذ من ماله أزيد منها إلا عند أحمد والشافعي في القديم فإنه يأخذها منه ونصف ماله عقوبة له(5).
مصارف الزكاة:
قد بيّن القرآن الكريم ثمانية أصناف يستحقون الزكاة في الآية الكريمة «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ
ص: 313
وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ»(1).
قد اختلفت المذاهب والمصادر في هذه الصدقات(2) التي حددتها الآية ووجد استحقاق كل صنف منها:
أولاً: الفقراء، والفقير الذي لاشيء له، ثم يدفع.
ثانياً: المساكين، والمسكين هو الذي له ما يكفيه، فكأن الفقير أسوأ حالا منه(3). (4)
ص: 314
قال الداودي، واختلف في الفقراء والمساكين من هم، فقيل الفقير الذي له البلغة والمسكين الذي لاشيء له، وقيل، الفقير الذي لاشيء له، والمسكين الذي له شيء(1).
فيما قال ابن سلام: ان الفقراء والمساكين هم المهاجرون في سبيل الله، وفي حديث آخر يقول: عن ابن عباس قال: «الفقراء، فقراء المهاجرين والمساكين الذين لم يهاجروا»(2).
ويبدو لنا ان الفقير هو من لايملك شيئاً أو المسكين فهو الذي يملك إلا انه لايسد حاجته(3). اما سهم الفقراء والمساكين من صدقة ما حول كل مدينة في أجلها ولايخرج منها فيتصدق به على أهل مدينة أخرى(4).
ثالثاً: العاملون عليها: وهم الساعون في جمعها، فيعطون منها بمعنى الإجارة كانوا أغنياء أو فقراء إلا بني هاشم فإنهم لايستعملون عليها ثبت ذلك عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم(5). أما سهم العاملين عليها فقد أشار أبو يوسف إلى أن الإمام
ص: 315
يعطيهم ما يكفيهم وان كان أقل من الثمن أو أكثر أعطى الوالي منها ما يسعه وسع عماله من غير سرف ولا تقتير(1).
رابعاً: المؤلفة قلوبهم(2)، وهم الذين يدخلون في الإسلام(3)، قوم من صناديد مضر ورؤسائهم كانوا يستألفون على الإسلام ليسلم من ورائهم، فكان لهم ذلك(4)، ..............................................................
ص: 316
....................فقيل قبل أن يسلموا كي يسلموا(1)، وقيل بعدما أسلموا كي يحبب إليهم الإيمان فكانوا على ذلك حياة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وصدر من خلافة أبي بكر ثم قال أبو بكر لأبي سفيان (قد انقطعت الرشا، قد أعزّ الله الإسلام) وقطع ذلك عنهم(2) (3).
وقال الهروي: والمعروف عند العامة في تأويل هذه الآية ما قاله الحسن وابن جريج، أنهم كانوا يتألفون بالعطية، ولا حسبة لهم في الإسلام ثم اختلفت الناس بعد فمن كان بمثل حالهم اليوم، فقال بعضهم: قد ذهب أهل هذه الآية وإنما كان في دهر النبي صلی الله علیه و آله وسلم(4). وأما ما قاله الحسن وابن شهاب فعلى أن الأمر ماضٍ أبداً. وهذا هو القول عندي(5) لأن الآية محكمة. لانعلم لها ناسخاً من كتاب ولا سنة(6). ثم يعلل سبب إعطاء الزكاة لهم بقوله: فإذا كان قوم هذه
ص: 317
حالهم، لا رغبة لهم في الإسلام إلا للنيل. وكان في ردتهم ومحاربتهم إن ارتدوا ضرر على الإسلام. لما عندهم من العز والأنفة فرأى الإمام أن يرضخ لهم من الصدقة، فعل ذلك لخلال ثلاث: أحدهن الأخذ بالكتاب والسنةّ، والثانية، البقيا على المسلمين والثالثة، أنه ليس ببائس منهم إن تمادى بهم الإسلام أن يفقهوه وتحسن فيه رغبتهم(1). أما سهم المؤلّفة قلوبهم(2) «فهم من يفرض له من إمداد الناس، عن أول عطاء يعطونه ومن يغزو مشترطاً الإعطاء له: وهم فقراء ولايسألون الناس»(3).
خامساً: «في الرقاب»: وهو عند الشافعي وأبي حنيفة مصروف فيء المكاتبين يدفع إليهم قدر ما يعتقدون به ولا يشترى منه فتعتق. وقيل بل يشترى منه رقاب فتعتق، ولا يعطى منه المكاتبون لأن الولاء قد انعقد لمن كاتبهم(4).
أما سهم الرقاب، نصفان لكل مكاتب يدعي الإسلام وهم على أصناف شتى، فلفقهائهم في الإسلام فضيلة ولمن سواهم منهم منزلة أخرى على قدر ما أدى كل واحد منهم من الكتابة وما بقي عليه والنصف الباقي تشترى به رقاب ممن
ص: 318
قد صلى وصام وقدم في الإسلام من ذكر وأنثى ثم يعتقون(1).
سادساً: «الغارمين»: هم من أدان في غير فساد ولا يجدون قضاء لديونهم، وقيل: من أفدحه الدين في غير فساد أعطي منها، «إن كان له ما يؤدي به دينه»(2).
سابعاً: في سبيل الله(3): وهم الغزاة يدفع إليهم من سهمهم قدر حاجتهم في جهادهم، فإن كانوا يُرابطون في الثغر دفع إليهم نفقة ذهابهم وما أمكن من نفقات مقامهم، وإن كانوا يعودون إذا جاهدوا أعطوا نفقة ذهابهم وعودهم(4).
أما سهم هؤلاء «فمنه له ربع هذا السهم ومنه للمشترط الفقير ربعه ومنه لمن تصيبه الحاجة في ثغره وهو غازٍ في سبيل الله»(5).
ثامناً: ابن السبيل، وهو المقطوع به في سفره وإن كان له مال في بلده(6)، وقال الجزيري: «وفي سبيل الله هو الغازي فيعطى له ما يحتاج من سلاح،
ص: 319
وغيره بقدر ما يفي بعودته(1)، وابن السبيل المنقطع بهم(2)، أما سهم ابن السبيل، يقسم ذلك لكل طريق على قدر من يسلكها ويمر بها من الناس لكل رجل من ابن السبيل له مأوى، ولا أهل يأوي إليهم، فيطعم حتى يجد منزلا أو يقضي حاجته، ويجعل في منازل معلومة على أيدي أمناء لايمر بهم ابن سبيل له حاجة إلا آووه وأطعموه وعلفوا دابته»(3). أما الماوردي فيقول:
«سهم ابن السبيل - حيث انهم المسافرون الذين لايجدون نفقة سفرهم، يُدفع إليهم من سهمهم إذا لم يكن سفر معصيةٍ قدر كفايتهم في سفره، وسواء من كان منهم مبتدئاً بالسّفر أو مجتازاً»(4).
الزكاة في كلام الإمام علیه السلام:
أكد الإمام علیه السلام انها فريضة واجبة، وأنها من أفضل الفرائض التي توسل بها المتوسلون إلى الله: «أن افضل ما توسل به المُتوسِلون إلى اللهِ سبحانهُ وتعالى، الإيمانُ بِه، وبرسولهِ...، وإقامُ الصلاة، وإيتاءُ الزكاة فإنها فريضةٌ واجبة»(5) وإيتاء الزكاة إنما أخرها عن الصلاة، لأن الصلاة آكد افتراضاً منها وإنما قال
ص: 320
في الزكاة: «فإنها فريضة واجبة»(1) لأن الفريضة لفظ يطلق على الجزء المعين.
المعين المقدر في السائمة(2)، باعتبار غير الاعتبار الذي يطلق به على صلاة الظهر لفظ الفريضة، والاعتبار الأول من القطع، والثاني من الوجوب، وقال: فإنها فريضة واجبة، مثل أن يقول: فإنها شيء مقتطع من المال موصوف بالوجوب(3). ثم يتابع الإمام كلامه بتعليل هذه الفريضة إذ يبين أنها فرضت لتكون سبباً للرزق حيث قال تعالى:
«قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ»(4).
وقوله تعالى:
«مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ»(5).
فقد قال الإمام علیه السلام:
«فرض اللهُ الْاِيمان تطْهِيراً مِن الشِّرْك، .. والزّكاة تسْبيِباً للِرِّزْقِ»(6).
إن وجوبها يساعد في خلق التوازن بين الأغنياء والفقراء إذ يقول:
ص: 321
«إنِّ الله سبحانهُ فرض في أموالِ الأغنياءِ أقواتَ الفقراء، فما جاع فقيرٌ إلا بما متّع به غني، واللهُ تعالى جدّه سائلِهُهُم عن ذلك»(1).
في حين يبيّن فضلها(2) قائلًا:
«ثم ان الزكاة جُعلت مع الصلاة قرباناً(3).
لأهل الإسلام، فمن أعطاها طيب النفس بها، فإنها تجعل له كفارة، ومن النار حجازاً ووقاية، فلا يتبعها أحد لنفسه، ولا يكثرنّ عليها لهفة، فإنّ من أعطاها غير طيب النفس بها يرجو بها ما هو أفضل منها فهو جاهل بالسّنة، مغبون الأجر، ضال العمل، طويل الندم..»(4)، فيجب أن تعطى بطيب النفس لما لها من الفائدة «فمن أعطاها طيب النفس بها، فإنها تجعل له كفارة. ومن النار حجازاً ووقاية» أي انها تقي «الإنسان من العذاب في الدنيا والآخرة فضلاً عن تزكية النفس، فيما حثّ الإمام علیه السلام أن لايتبع المحتاج لها بأذى وأن لا يكون - المزكي - متلهفاً وغير راضٍ فإن أعطاها ورجا ماهو أفضل منها فهو جاهل بأحكام القرآن الكريم والسنّة النبوية ولم يؤجر على عمله ويندم على فعله هذا ندماً طويلاً. ومن الأمثلة التي شجع فيها الإمام علیه السلام إعطاء الزكاة وتبين فائدتها ما قاله لغالب بن صعصعة أبي الفرزدق في كلام دار بينهما:
ص: 322
«مَا فَعَلَتْ إِبِلُكَ الْكثيِرَةُ؟ فقال: دَغْدَغَتْها الحُقُوقُ ياأمير المؤمنين! فقال:
ذَاكَ أَحْمَدُ سُبُلِهَا»(1).
ويؤكد الإمام علیه السلام ضرورة إعطاء الزكاة فهي أفضل السبل لحصانة الأموال(2) إذ يقول:
«حصنوا أموالكم بالزكاة»(3).
أي حافظوا عليها: فضلاً عن ذلك فإنه يقول:
«الزكاة نقص في الصورة وزيادة في المعنى»(4).
ثم بيّن علیه السلام الحكمة في العبادات فقال:
«إنه تعالى حرس عباده بالصلوات التي افترضها عليهم من تلك المكايد، وكذلك بالزكاة»(5).
ويقول:
«وعن ذلك ما حرس الله عباده المؤمنين بالصّلوات والزّكوات.. مع ما في الزكاة من صرف ثمرات الأرض(6)، .......................................
ص: 323
........................ وغير ذلك إلى أهل المسكنة والفقر»(1).
ص: 324
(لغةً واصطلاحاً) قال الزبيدي: «والمتصدق، الذي يعطي الصدقة، والصدقة محركة لما أعطيته في ذات الله تعالى للفقراء»(1).
أما اصطلاحاً: فقد عرفها ابن آدم على انها: هي الزكاة أو العشر(2). وهي العطية التي ينبغي بها الثواب عند الله(3).
الصدقة في كلام الإمام علي علیه السلام:
حث الإمام علیه السلام على إعطاء الصدقة لما لها من الأثر الحسن، وذكر أنها وسيلة لنزول الرزق على الإنسان فقال:
«اسْتَنْزِلُوا الرِّزْقَ باِلصَّدَقَةِ»(4).
فيما جعلها طريقاً لحصانة الأموال من جهة أخرى بقوله:
ص: 325
«سُوسُوا إيِمَانَكُمْ باِلصَّدَقَةِ»(1).
ثم يؤكد أنها دواء:
«والصَّدَقَةُ دَوَاءٌ مُنْجِحٌ»(2).
ويبّين لنا أهمية الصدقة وكيفية المتاجرة مع الله بها قائلاً:
«إِذَا أَمْلَقْتُمْ فَتَاجِرُوا(3) اللهَ باِلصَّدَقَةِ»(4).
وكونها أحد الأموال الأربعة التي ذكرها الإمام علیه السلام:
«إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَی النَّبِيِّ صلی الله علیه و آله وسلم والأمْوَالُ أَرْبَعَةٌ.. والصَّدَقَاتُ فَجَعَلَهَا اللهُ حَيْثُ جَعَلَهَا»(5).
إن هذا القرآن أنزل على محمد صلی الله علیه و آله وسلم والأموال أربعة.. والصدقات فجعلها الله حيث جعلها...»(6)، فضلًا عن ذلك أشار إلى أهمية صدقة السر والعلانية إذ يقول:
ص: 326
«وصدقة السر فإنها تكفر الخطيئة، وصدقة العلانية تدفع ميتةَ السوء»(1).
إلا ان الإمام علیه السلام يتنبأ لزمان تُعد فيه الصدقة غرامة:
«يَأْتِی عَلَی النَّاسِ زَمَانٌ لا يُقَرَّبُ فيِهِ إلِا الْمَاحِلُ ولا يُظَرَّفُ فيِهِ إلِا الْفَاجِرُ ولا يُضَعَّفُ فيِهِ إلِا الْمُنْصِفُ يَعُدُّونَ الصَّدَقَةَ فيِهِ غُرْماً (2)»(3).
قال السرخسي: قال الإمام علیه السلام:
«يريد الغنم مغرماً والغرم مغنماً».
يريد أن يرى أداء الزكاة وإعطاء الصدقة. وإن كان غنماً في الحقيقة غرامة، ويرى منع الزكاة والصدقة غنيمة وذلك غرم(4).
فيما أشار القمي إلى أن قصد الإمام علیه السلام في ذلك الزمان: يعدّون الصدقة فيه غرماً وهذه من غرائب ذلك الزمان أن أهله يعدّون دفع الزكاة الواجبة عليهم والتي فرضها الله على الأغنياء منهم يعدونها ضريبة إجبارية يدفعونها قهراً عنهم ورغماً عن أنوفهم(5).
أولاً: وصايا الإمام علیه السلام لعامل الصدقات:
أشار الإمام علیه السلام، بوصايا قد كتبها لمن يستعمل على الصدقات ويقوم بتحصيلها هي:
ص: 327
الليونة والعدل، فقال:
«ولا تُروِّعنّ مُسْلمِاً، ولا تجْتازنّ(1) عليْهِ كارِهاً(2) ولا تأْخُذنّ مِنْهُ أكثر مِنْ حقِّ اللهِ فِی مالِهِ»(3).
اذا قدم على إحيائهم فلينزل بمائهم وذلك لأن الغريب يحمد منه الانقباض ويستهجن في القادم ان يخالط بيوت الحي الذي قدم عليه فقد يكون من النساء من لايليق رؤيته، ولايحسن سماع صوته، ومن الأطفال من يستهجن أن يرى الغريب انبساطه على أبويه وأهله وقد يكره القوم أن يطلع الغريب على مأكلهم وم بهشرم وملبسهم وبواطن أحوالهم...(4)، إذ يقول:
«فإذِا قدِمْت على الْحيِّ فانْزِلْ بمِائِهِمْ مِنْ غيْرِ أنْ تُخالطِ أبْياتهُمْ»(5).
أن يمضي إليهم بكل احترام غير متسرع(6)، ثم يسلم عليهم سلام غير
ص: 328
منقوص(1)، وبعد ذلك تقول لهم أرسلني ولي الله لكي آخذ حق الله من أموالكم. بهذه الصيغة الطيبة والعبارة الندية الطرية التي تحمل العطف والرقة والحنان يتوجه جابي الصدقة إلى الناس.. عباد الله وما أجمله من نداء.. انه يردهم إلى الله الذي أعطاهم وخولهم هذا الخير.. أرسلني ولي الله وخليفته الذي يتولى تنفيذ أمر الله لآخذ منكم حق الله المفروض(2).
«ثُمَّ امْضِ إِلَيْهِمْ بِالسَّكِينَةِ وَ الْوَقَارِ، حَتَّى تَقُومَ بَيْنَهُمْ فَتُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ، وَ لاَ تُخْدِجْ(3) بِالتَّحِيَّةِ لَهُمْ ثُمَّ تَقُولَ: عِبَادَ اللَّهِ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ وَلِيُّ اللَّهِ وَ خَلِيفَتُهُ، لِآخُذَ مِنْكُمْ حَقَّ اللَّهِ فِي أَمْوَالِكُمْ، فَهَلْ لَكُمْ مِنْ حَقٍّ فَتُؤَدُّوهُ إِلَى وَلِيِّهِ»!(4).
إذا قال صاحب المال لدي حق في أموالي فعلى العامل أن يرافقه إلى محل أمواله بعيداً عن التكبر والتسلط؛ لأنها ليست من أخلاق الإسلام، وإن قال لا فعليه أن ينصرف عنه كونه هو المسؤول عن ماله وإن ذهب معه فيجب عليه أن لايدخلها إلا بإذن(5).
ص: 329
«فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: «لاَ فَلاَ تُرَاجِعْهُ، وَ إِنْ أَنْعَمَ مُنْعِمٌ فَانْطَلِقْ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخِيفَهُ أَوْ تُوعِدَهُ أَوْ تَعْسِفَهُ أَوْ تُرْهِقَهُ، فَخُذْ مَا أَعْطَاكَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَاشِيَةٌ أَوْ إِبِلٌ فَلاَ تَدْخُلْهَا إِلاَّ بِإِذْنِهِ، فَإِنَّ أَكْثَرَهَا لَهُ، فإِذا أتيْتها فلا تدْخُلْها دُخُول مُتسلِّط عليْهِ ولا عنِيف بِهِ»(1).
الرفق بالحيوان فيقول:
«ولا تُنفِّرنّ بهيِمةً ولا تُفْزِعنّها، ولا تسُوءنّ صاحِبها فيِها»(2).
ثانياً: مواصفات عامل الصدقات أ- أن يكون مطيعاً لله في السر والعلانية:
«وآمرهُ ألا يعْمل بشيْء مِنْ طاعةِ اللهِ فيِما ظهر فيُخالِف إلِى غيْرِهِ فيِما أسرّ، ومنْ لم يخْتلِفْ سِرُّهُ وعلانيِتُهُ، وفِعْلُهُ ومقالتُهُ، فقدْ أدّى الامْانة، وأخْلص الْعِبادة»(3).
ب- أن يكون متواضعاً بين قومه ولا يميز نفسه عنهم بهذه الإمرة أي لايأنف من الانتماء لهم ففي نهاية الأمر أنهم أخوانه في الدين وأعوان له في استخراج هذه الحقوق وجمعها:
«وآمرهُ ألا يجْبههُمْ(4)، ولايعْضههُمْ(5)، ولا يرْغب عنْهُمْ تفضُّلًا باِلْاِامارةِ
ص: 330
عليْهِمْ، فإِنّهُمُ الاْخْوانُ فِی الدِّينِ، والاْعْوانُ على اسْتِخْراجِ الْحُقُوقِ»(1).
قال ابن أبي الحديد: كلام لا مزيد عليه من الفصاحة والرياسة والدين وذلك لأن الصدقة المستحقة جزء يسير من النصاب والشريك إذ كان له الأكثر حرم عليه أن يدخل ويتصرف إلا بإذن شريكه فكيف إذا كان له الأقل، حيث أمره أن لايواجههم مما يكرهون أو يرميهم بأمر ليس فيهم فيبهتهم بأن يقول لهم: إن الزكاة أكثر مما تدفعون وان الله لا يتقبلها منكم وهكذا أو يعرض عن مجالستهم لظنه انه أحسن منهم وأفضل لمنزل الإمارة ومكانة منها حيث ان المتولي لجمع الصدقة، وقد علّل له عدم التطاول بأمرين:
الأول: أنهم الإخوان في العقيدة.
الثاني: أنهم المساعدون في استخراج الحقوق المالية إلى الفقراء والمساكين.
ج- أن يكون حافظاً للأمانة؛ إذ إن الإمام علیه السلام يقول له ان في هذه الصدقة نصيباً مفروضاً لك فعليك الحفاظ عليها ونحن (الحكام) سنوفيك حقك وما عليك إلا أن توفر لهم حقوقهم:
«وإنِّ لك في هذِهِ الصّدقةِ نصِيباً مفْرُوضاً، وحقّاً معْلُوماً، وشُكاء أهْل مسْكنة، وضعفاء ذوِي فاقة، إنِّا مُوفُّوك حقّك، فوفِّهِمْ حُقُوقهُمْ»(2).
«وإلِا تفْعلْ فإنِّك مِنْ أكْثرِ النّاسِ خُصُوماً يوْم الْقِيامةِ»(3).
ثم يبيّن الإمام علیه السلام ويصف ذلك الخصم ثم يقول: بؤساً للذي يكون خصمه
ص: 331
عند الله الفقراء والمساكين:
«وبُؤْساً لِمَنْ خصْمُهُ عِنْد اللهِ الْفُقراءُ والْساكيِنُ والسّائِلُون والْدْفُوعُون والْغارِمُ وابْنُ السّبيِلِ»(1).
على حين يبيّن الإمام علیه السلام عقوبة وعاقبة من يستهين بهذه الأمانة ولم ينزّه نفسه عنها حيث انه وصفها بالذل والخزي في الدنيا، أما الآخرة فستكون أذل وأحقر من ذلك إذ يقول:
«ومنِ اسْتهان باِلامْانةِ، ورتع فِی الْخِيانةِ، ولم يُنزِّه نفْسهُ ودِينهُ عنْها، فقدْ أحلّ بنِفْسِهِ فِی الدُّنْيا الْخِزْي، وهُو فِی الاْخِرةِ أذلُّ وأخْزى، وإنِّ أعْظم الْخِيانةِ خِيانةُ الْاُمّةِ، وأفْظع الْغِشِّ غِشُّ الائْمِّةِ، والسّلام».
د- أن يكون مقتصداً وليس مبذراً في المال:
«فدع الإسراف مقتصداً، واذكر في اليوم غداً، وامسك من المال بقدر ضرورتك، وقدم الفضل ليوم حاجتك، أترجو أن يعطيك الله أجر المتواضعين وأنت عنده من المتكبرين وأنت متمرغ في النعيم أن تمنعه الضعيف والأرملة، وان يوجب لك ثواب المتصدقين؟ وإنما المرء مجزيٌّ بما سلف وقادم على ما قدم»(2).
فقد نهاه عن الإسراف وهو التبذير في الإنفاق، وأمره أن يمسك من المال ما تدعو إليه الضرورة، وأن يقدم فضول أمواله وما ليس له إليه حاجة ضرورية في الصدقة فيدخره ليوم حاجته وهو يوم البعث والنشور(3).
ص: 332
ثالثاً: الصفات التي يضعها الإمام علیه السلام للمؤتمن والوكيل على أموال الصدقات.
1- المؤتمن: هو الذي يقوم بمهمة نقل أموال المسلمين الى مركز الخلافة؛ إذ يُبيّن الإمام علیه السلام لعامله المواصفات التي يعتمدها لاختيار المؤتمن، ممن يثق بدينه وتقواه ومن يحمل روح الرفق بأموال المسلمين، فضلاً عن الحفاظ عليها حتى تصل إليهم غير منقوصة إذ يقول له:
«ولاتأمنن عليها إلا من تثق بدينه، رافقاً بمال المسلمين حتى يوصله إلى وليّهم فيقسمه بينهم»(1).
وصايا الإمام علیه السلام للمؤتمن عند مسيره بأموال المسلمين:
أمر الإمام علیه السلام واليه أن يوعز لأمينه أن لايفرق بين الناقة وولدها، وعندما تكون مرضعة فيجب عدم حلبها إلى الحد الذي يضرّ بوليدها:
«ثُمّ احْدُرْ إلِيْنا ما اجْتمع عِنْدك، نُصيِّرْهُ حيْثُ أمر اللهُ بِهِ. فإذِا أخذها أمِينُك فأوْعِزْ إلِيْهِ: ألا يحُول بيْن ناقة وبيْن فصِيلهِا، ولا يمْصُر(2) لبنها فيضُّ ذلِك بِولدِها»(3).
أشار الإمام علیه السلام إلى حقوق الحيوان وأكد ضرورة الرفق به إذ نهى المؤتمن عن إجهادها أو إتعابها أو أن يحمّلها أكثر من طاقتها ثم أمره بالعدل بين الفصيل كله دون تمييز:
ص: 333
«ولا يجْهدنّا رُكُوباً، ولْيعْدِلْ بيْن صواحِباتِها فِی ذلكِ وبيْنها»(1).
على المؤتمن أن يرأف بالإبل إذا كانت تشكو من علةٍ وأن يتركها لتستريح ويمهلها عند المساء:
«ولْيُرفِّهْ على اللاّغِبِ(2)، ولْيسْتأْنِ بِالنّقِبِ(3) والظّالِعِ(4)، ولْيُورِدْها ما تمُرُّ بِهِ مِن الْغُدُر»(5) (6).
أمَرَه أن يمر بها في الأراضي الزراعية لا في طريق لاينبت فيه المرعى:
«ولا يعْدِلْ بِها عنْ نبْتِ الاْرْضِ إلِى جوادِّ الطُّرُقِ»(7).
عليه ان يروحها في الساعات وأن يتركها عند الماء الصافي والأعشاب لكي تأتي غير ضعيفة ولا مجهودة:
«ولْيُروِّحْها فِی السّاعاتِ، ولْيُمْهِلْها عِنْد النِّطافِ(8) والْاعْشابِ، حتّى تأْتِينا
ص: 334
بِإِذْنِ اللهِ بُدّناً(1) مُنْقِيات(2)؛ غيْر مُتْعبات ولا مْجهُودات، لنِقْسِمها على كتِابِ اللهِ وسُنّةِ نبِيِّهِ صلی الله علیه و آله وسلم فإنِّ ذلكِ أعْظمُ لاِجْرِك، وأقْربُ لِرُشْدِك، إِنْ شاء اللهُ»(3).
2- الوكيل: هو الذي يحافظ على الأموال العامة ويرعاها لحين وصول العامل، وقد أوجز الإمام علیه السلام الصفات التي يجب أن يتحلى بها الوكيل ليحمي أموال الصدقات قائلاً:
«ولا تُوكِّلْ بِها إلِا ناصِحاً شفِيقاً، وأمِيناً حفِيظاً، غيْر مُعنِّف ولا مُجْحِف(4) ولا مُلْغِب(5)، ولا مُتْعِب»(6).
رابعاً: وصايا الإمام علیه السلام في أموال الصدقة:
يلاحظ أن الإمام علیه السلام اعتمد أسلوب حرية الاختيار في المال لا أسلوب الضغط والتسلط على الآخرين حيث أمره بمقاسمة المال أي شقه نصفين ثم خيره، فإذا اختار أحد النصفين فلا تعرضن لما اختار، ثم أصدع النصف الذي
ص: 335
لم يرتضه لنفسه صدعين وخيره، ثم لاتزال تفعل هكذا حتى تبقي من المال بمقدار الحق الذي عليه، فاقبضه منه، فإن استقالك فأقله، ثم اخلط المال، ثم عد لمثل ما صنعت حتى يرضى، وينبغي أن يكون المعيبات الخمس وهي المهلوسة والمكسورة وأخواتها يخرجها المصدق من أصل المال قبل قسمته ثم يقسم وإلا فربما وقعت في سهم المصدق إذا كان يعتمد ما أمره به من صدع المال مرّة بعد مرّة(1).
إذ يقول علیه السلام:
«وَاصْدَعِ الْمَالَ صَدْعَيْنِ، ثُمَّ خَيِّرْهُ، فَإِذَا اخْتَارَ فَلَا تَعْرِضَنَّ لِمَا اخْتَارَهُ، ثُمَّ اصْدَعِ الْبَاقِيَ صَدْعَيْنِ، ثُمَّ خَيِّرْهُ، فَإِذَا اخْتَارَ فَلَا تَعْرِضَنَّ لِمَا اخْتَار، فَلَا تَزَالُ حَتَّى يَبْقَى مَا فِيهِ وَفَاءٌ لِحَقِّ اللَّهِ فِي مَالِهِ، فَاقْبِضْ حَقَّ اللَّهِ مِنْهُ، فَإِنِ اسْتَقَالَكَ فَأَقِلْهُ، ثُمَّ اخْلِطْهُمَا، ثُمَّ اصْنَعْ مِثْلَ الَّذِي صَنَعْتَ أَوَّلًا حَتَّى تَأْخُذَ حَقَّ اللَّهِ فِي مَالِهِ»(2).
أي إلى أن يرضى عن هذه القسمة، وقطعاً ان هذا النظام الذي سار عليه الإمام إنما هو امتداد لما اعتمده الرسول صلی الله علیه و آله وسلم(3).
ص: 336
فيما حدد أمير المؤمنين علي علیه السلام الأموال التي تؤخذ على أن تكون (بغض النظر إن كانت من الإبل أو غيرها) غير نحيفة ولا مريضة:
«ولا تأْخُذنّ عوْداً(1)، ولا هرِمةً(2)، ولا مكْسُورةً(3)، ولا مهْلُوسةً(4) ولا ذات عوار»(5).
يتضح من خلال كلام الإمام علیه السلام أنه طلب من العامل أن يختار الجيد من الأموال نقداً كان أم عيناً.
الفرق بين الزكاة والصدقة:
يُشير الماوردي إلى أن: «الصدقة زكاةٌ والزكاةُ صدقةٌ، يفترق الاسم ويتفق المسمى(6) سواها»(7). أما الزكاة «فهي الضريبة التي تؤخذ من أموال المسلمين إذا بلغت نصابًا معيناً ومضى عليها الحول»(8)، فالصدقة ما يخرجه الإنسان
ص: 337
من ماله على وجه القربه كالزكاة لكن الصدقة في الأصل تقال للمتطوع به(1)، وتأتي الصدقة أحيانًا مرادفة للزكاة على الرغم من ان معنى الصدقة العام هو إعطاء جزء من المال لأعمال الخير حسب تقدير الشخص، فمقدار الصدقة غير محدد والزكاة فريضة بينما الصدقة اختيارية(2). فيما قال مونتغمري: «إنَّ اسم الزكاة قد أطلق على الصدقات الرسمية، على حين احتفظت الصدقة بمعنى الهبات الاختيارية»(3).
يتضح لنا ان المصطلحين مترادفان من حيث إنهما يؤخذان من المالك للطهارة، إلا أنَّ إحداهما واجبة والأخرى اختيارية.
ص: 338
(لغةً واصطلاحاً) العطاء: أعطاه مالًا يعطيه إعطاء والاسم العطاء، والعطية، الشيء المعطى، والجمع العطايا(1).
أما اصطلاحاً:
فهو المال الذي كانت تعطيه الدولة الإسلامية في عهودها الأولى للمسلمين، وانه أكبر باب من أبواب الصرف في ميزانية الدولة من جهة وأكبر معتمد من معتمدات المعيشة في حياة السكان من جهة أخرى(2). والعطاء هو نظام قسمة الأموال العامة بين الناس، سواء أكانوا جنوداً أم من عامة الناس وبصرف النظر عن دور الفرد في النضال سابقاً مع الإسلام أو ضده، وبغض النظر عن انتمائه، أكان من أصل عربي أم كان من الموالي(3). أي إنه بمثابة المنح (الراتب في وقتنا الحاضر) التي تدفع من بيت المال للمسلمين وليس كما أشار
ص: 339
إليه بعض المحدثين(1) إلى انه إعطاء الدولة للمقاتلة نسبة معينة من المال نقداً أو عيناً لقاء خدمتهم في الجيش واستعدادهم الدائم لإسناد الدولة وعقيدتها الإسلام، وكان المال يرد في صدر الدولة العربية الإسلامية من الغنيمة ومن جبايات الأقاليم(2). فيما يعرّفه آخرون بأنه أهم أبواب الصرف في الدولة العربية الإسلامية ويعني العطاء وضع أسس وقواعد في كيفية توزيع الأموال على المسلمين وبخاصة المقاتلة وعوائلهم وذريتهم(3).
ممّا تقدم نستطيع القول ان العطاء لم يختص بالمقاتلين فقط إنما للمسلمين كافة هذا ما أشارت إليه المصادر التاريخية في ما بعد وفاة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، حيث ذكر اليعقوبي عندما جاء مال من البحرين وأراد الخليفة أبو بكر أن يقسمه بين الناس بالتسوية فغضبت الأنصار، فقال لهم، ان أردتم أن أفضلكم فقد
ص: 340
صار ما علمتموه للدنيا، وإن شئتم كان ذلك لله فقالوا: والله ما علمناه إلا لله(1).
أما عهد عمر بن الخطاب فحينما جاءت إليه الأموال على أثر الفتوحات الإسلامية فقد قال: إن «أبا بكر رأى في هذا المال رأياً ولي فيه رأي آخر، لا أجعل من قاتل رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم كمن قاتل معه، ففرض للمهاجرين والأنصار ممن شهد بدراً.. وفرض لمن كان إسلامه كإسلام أهل بدر ولم يشهد بدراً...
وفرض لأزواج النبي صلی الله علیه و آله وسلم اثني عشر الفاً إلا صفية وجويرية فإنه فرض لهما ستة آلاف، فأبتا أن تقبلا...»(2).
إذا كان العطاء وفقاً للسبق في الإسلام وممن شهد القتال مع الرسول صلی الله علیه و آله وسلم فلماذا الفرق في عطاء زوجات الرسول صلی الله علیه و آله وسلم! فيما يعلق الدكتور السامرائي على تلك الرواية قائلاً: «لست أدري كيف اتخذ عمر هذا الإجراء؟ ولماذا اتخذه؟ إنه إجراء أوجد تفاوتاً اجتماعياً واقتصادياً، إجراء بذر بذور التنافس والتفاضل بين المسلمين بشكل لا أدري كيف غاب عن عمر»(3) ويتابع كلامه مستغربًا: نعم هناك فروق بين المسلمين في التضحية والجهاد وهناك من ضحى بكل شيء في سبيل إعلاء كلمة الإسلام وهناك من يحارب المسلمين ويقاتل الرسول صلی الله علیه و آله وسلم ولكن «الإسلام يجبُّ ما
ص: 341
قبله» والمسلمون سواسية، وان محبة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم التي اعتمدها عمر وحدة قياسية للتفاضل بين أهل العطاء يصعب الاعتماد عليها بدقة، والسبق في الإسلام والتضحية في سبيله إنما ثوابهما عند الله، أما معاش الناس في الدنيا فإن الأسوة فيه خير»(1).
فضلاً عن ذلك فقد اعترض بعض المسلمين على رأي عمر بن الخطاب هذا في حياة أبي بكر ومنهم سهيل بن عمرو الذي قال لعمر يعتب عليه: «ألسنا إخوانكم في الإسلام، وبني أبيكم في النسب؟ أفإنكم إن كان الله قدم لكم في هذا قدماً صالحاً لم نؤت مثله، قاطعون أرحامنا ومستهينون بحقنا. فأجابه عمر:
«إني والله ما قلت ما بلغكم إلا نصيحة لمن سبقكم للإسلام، وتحرياً للعدل فيما بينكم وبين من هو أفضل منكم من المسلمين»(2).
وبذلك يرى السعيدي: قام عمر بخلق فوارق طبقية جديدة في المجتمع الإسلامي؛ إذ كانت سياسته المالية والاجتماعية ترتكز على التمايز في العطاء بين المسلمين، ووضع شروطاً لتوزيع الثروة مما أدى في النهاية إلى أن تتبلور طبقة ذات امتيازات اقتصادية خاصة(3). وفي عهد عثمان بن عفان اتسعت الفتوحات وازدادت الواردات ويروى انه زاد اعطيات الناس مائة(4) وانه
ص: 342
اتبع في خلافته رأي عمر(1)، وهذا بطبيعة الحال يستوجب منا تفسير ذلك كون عمر بن الخطاب قد عدل عن رأيه في العطاء قبل موته كما ذكر أبو يوسف «ولما رأى المال قد كثر قال لئن عشت إلى هذه الليلة من قبل لألحقن أخزى الناس بأولهم حتى يكونوا في العطاء سواء فتوفي...»(2) كيف ذاك وعمر أراد أن يتراجع عن رأيه.
أما في عهد الإمام علي علیه السلام(3) فقد أشار اليعقوبي إلى ان الإمام علیه السلام قد أعطى الناس بالسوية لم يفضّل أحداً على أحد، وأعطى الموالي كما أعطى الصليبة، وقيل له في ذلك، فقال: قرأت مابين الدفتين، فلم أجد لولد إسماعيل على ولد إسحاق فضل هذا، وأخذ عوداً من الأرض، فوضعه بين إصبعيه(4).
ص: 343
العطاء في كلام الإمام علیه السلام:
أولًا: التسوية في العطاء عند الإمام علیه السلام:
لاحظ الإمام علیه السلام أن المفاضلة في العطاء تترتب عليها عواقب وخيمة؛ لذلك ساوى بين الناس في العطاء وأشار بقوله بأنه كأحدهم:
«أيّها الناس إنّ رجل منكم، لي ما لكُم وعليّ ما عليكم، وإنّ حامِلُكُم على منهج نبيِّكم، ومُنفِّذٌ فيكم ما أمر به»(1).
على حين ان الإمام علیه السلام قد وعد المسلمين بإرجاع المال الذي أخذ من بيت المال وإن كان قد تزوج به النساء وإن الحاكم إذا ضاقت عليه الأمور في العدل فهي في الجور أضيق عليه:
«واللهِ(2) لو وجدتُه وقد تُزُوِّج به النساء، وفُرِّق في البلدان لرددتُه إلى حالِهِ فإن في العدلِ سِعة، ومن ضاق عنه الحقُّ فالجورُ عليه أضْيق»(3).
فقد كانت سنة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في توزيع الأموال هي التسوية بين الفاضل والمفضول، لأن النظر في هذا الأمر إلى الحاجة لا إلى الفضل، ولأنّ الفضل
ص: 344
ليس عرضاً ليشرى ويباع، ولأنّ الفاضل يجد عند الله وعند الناّس ثواب فضله،... ولما جاء الإمام علیه السلام سوى بين الناس في العطاء. وبقدر ما كانت هذه السياسة مصدر جذل وفرح للطبقة المُستضعفة الفقيرة الرازحة تحت أثقال من الظلم كانت أيضاً صفعة مدوية لقريش ولغرورها وخيلائها واستعلائها على الناس(1). فيما عزز ذلك كلام الإمام علیه السلام حينما خطب في الناس خطبة موضحاً فيها انه سيتبع نظام المساواة بين الناس:
«أيّها النّاس لايقولن رجال منكم غدا غمرتهم الدنيا فامتلكوا العقار، وفجروا ما كانوا يخوضون فيه، وأمرتهم في حقوقهم التي يعلمون: حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا، ألا وأي رجل من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله يرى ان الفضل له على سواه بصحبته، فإن الفضل غدا عند الله، وانتم عباد الله، والمال مال الله، يقسم بينكم بالسوية ولا فضل فيه لأحد على أحد»(2) (3).
ثانيًا: الإجراءات العملية في تطبيق التسوية جاء تطبيق الإمام علیه السلام لهذه النظرية واضحًا؛ إذ لافرق بين مسلم وآخر، وذلك عندما طلب منه بعض الصحابة بأن يميز في العطاء على الذين يخشى منهم العداء وإثارة الفتنة بين المسلمين، فروى علي بن محمد المدائني: أن طائفة من أصحاب علي علیه السلام مشوا إليه فقالوا: يا أمير المؤمنين، أعط هذه الأموال وفضل هؤلاء الأشراف من العرب وقريش على الموالي والعجم، واستمل من تخاف خلافه من الناس
ص: 345
وفراره، وإنما قالوا له ذلك لما كان معاوية يصنع في المال فقال لهم: «أتأمروني أن أطلب النصر بالجور؟ لا والله لا أفعل ما طلعت شمس، وما لاح لي في السماء نجم، والله لو كان المال لي لواسيت (جاءت هكذا) بينهم، فكيف وإنما هي أموالهم؟ ثم سكت طويلاً واجماً، ثم قال: الأمر أسرع من ذلك، قالها ثلاثاً»(1)، وهذه قاعدة نستنتجها من خلال كلام الإمام علیه السلام بأنه على الحاكم أن لايميز في العطاء من أجل كسب ودّ الآخرين ومودتهم إليه وتحقيق ما يطمح إليه حيث قال:
«أتأْمُرُونِّی أنْ أطْلُب النّصْر باِلْجوْرِ فيِمنْ وُلِّيتُ عليْهِ! واللهِ لا أطُورُبِهِ ما سمر سمِيرٌ(2)، وما أمّ نجْمٌ(3) فِی السّماءِ نجْمًا! لوْ كان الْمالُ لِی لسوّيْتُ بيْنهُمْ، فكيْف وإنِّما الْمالُ مالُ اللهِ لهُمْ»(4).
فيما جاء تشريع الإمام علیه السلام لموارد الدولة بتمثل التسوية في العطاء دون إسراف وتبذير فإنه يرفع صاحبه في الدنيا ويضعه في الآخرة وبكرمه في الناس، إلا انه يهان عند الله وانه لم يسلك أحداً هذا الطريق إلا حرمه الله من كان يريد أن يتودد إليه بالمال فضلاً عن ذلك فإنه لو احتاج إليهم يوماً عند زلة أو عثرة يعثرها لم يجدهم «ألا وإنّ إعطاء المال في غير حقه تبذيرٌ وإسراف(5)، وهو يرفع
ص: 346
صاحبه في الدّنيا، ويضعه في الآخرة، ويكرمه في غير حقّه ولا عند غير أهله إلا حرمه الله شكرهم ممن كان لغيره ودّهم، فإن زلّت به النعّل يوماً فاحتاج إلى معونتهم فشرّ خليل، (وألأم خدين(1))(2) (3)، وبذلك يقول ابن أبي الحديد «واعلم ان هذه مسألة فقهية ورأي علي علیه السلام «.. هو التسوية بين المسلمين في قسمة الفيء والصدقات، والى هذا ذهب الشافعي رحمه الله، وأما عمر فإنه لمّا ولي الخلافة فضّل بعض الناس على بعض، ففضّل السابقين على غيرهم، وفضّل المهاجرين من قريش على غيرهم من المهاجرين وفضّل المهاجرين كافة على الأنصار كافة وفضّل العرب على العجم، وفضّل الصريح على المولى... وقد ذهب كثير من فقهاء المسلمين إلى قوله،... ثم يقول وإن كان اتباع علي علیه السلام عندنا أولى»(4).
حيث إن الإمام علیه السلام يقرن نعمة الله على عباده بإطاعة وليهم، إذ يقول:
«وأنْ تَكُونُوا عِندِي فِی الْحقِّ سواءً، فإذِا فعلْتُ ذلكِ وجبتْ لله عليْكُمُ
ص: 347
النِّعْمةُ، ولِی عليْكُمُ الطّاعةُ،... فخُذُوا هذا مِنْ أُمرائِكُمْ، وأعْطُوهُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ ما يُصْلِحُ اللهُ بِهِ أمْركُمْ»(1).
وقد بيّن الإمام علیه السلام وجود الكثير ممن لايروق لهم نهج الإمام علي علیه السلام، لذلك قد ينظر إلى من يفرق بينهم (كما تسلل بعضهم إلى الشام وانضم إلى معاوية) وبذلك قال الإمام علیه السلام لأحد عماله:
«فَقَدْ بَلَغَنِی أَنَّ رِجَالاً مِمَّنْ قِبَلَکَ یَتَسَلَّلُونَ إِلَی مُعَاوِیَهَ، فَلاَ تَأْسَفْ عَلَی مَا یَفُوتُکَ مِنْ عَدَدِهِمْ، وَ یَذْهَبُ عَنْکَ مِنْ مَدَدِهِمْ، فَکَفَی لَهُمْ غَیّاً، وَ لَکَ مِنْهُمْ شَافِیاً، فِرَارُهُمْ مِنَ اَلْهُدَی وَ اَلْحَقِّ، وَ إِیضَاعُهُمْ إِلَی اَلْعَمَی وَ اَلْجَهْلِ، فَإِنَّمَا هُمْ أَهْلُ دُنْیَا مُقْبِلُونَ عَلَیْهَا، وَ مُهْطِعُونَ(2) إِلَیْهَا، وَ قَدْ عَرَفُوا اَلْعَدْلَ وَ رَأَوْهُ، وَ سَمِعُوهُ وَ وَعَوْهُ، وَ عَلِمُوا أَنَّ اَلنَّاسَ عِنْدَنَا فِی اَلْحَقِّ أُسْوَهٌ، فَهَرَبُوا إِلَی اَلْأَثَرَهِ(3)، فَبُعْداً لَهُمْ وَ سُحْقاً...»(4).
فضلاً عن ذلك إن من إجراءات الإمام علیه السلام العملية أنه أكد عدم إيثار الأهل والأقارب حيث يشرح معاملته مع أخيه عقيل رضی الله عنه لما طلب منه زيادة في العطاء:
«واللهِ لقدْ رأيْتُ عقِيلاً وقدْ أمْلق(5) حتّى اسْتماحنِي مِنْ بُرِّكُمْ صاعاً(6)،
ص: 348
ورأيْتُ صِبْيانهُ شُعْث الشُّعُورِ، غُبْر الاْلْوانِ، مِنْ فقْرِهِمْ، كأنّما سُوِّدتْ وُجُوهُهُمْ بِالْعِظْلِمِ(1)، وعاودنِی مُؤكِّداً، وكرّر علّي الْقوْل مُردِّداً، فأصْغيْتُ إِليْهِ سمعِي، فظنّ أنِّ أبِيعُهُ دِينِي، وأتّبِعُ قِيادهُ، مُفارِقاً طرِيقِي، فأحْيْتُ لهُ حدِيدةً، ثُمّ أدْنيْتُها مِنْ جِسْمِهِ لِيعْتبِر بِها، فضجّ ضجِيج ذِي دنف(2) مِنْ ألمِها، وكاد أنْ يْحتِرق مِنْ مِيسمِها، فقُلْتُ لهُ: ثكِلتْك الثّواكِلُ(3)، يا عقِيلُ! أتئِنُّ مِنْ حدِيدة أحْماها إِنْسانُها لِلعِبِهِ، وتجُرُّنِی إِلى نار سجرها جبّارُها لِغضبِهِ! أتئِنُّ مِن الاذى ولا أئِنُّ مِنْ لظىً»(4).
إن الخطاب الاقتصادي العلوي بوصفه يمثل الشريعة الإسلامية والنظام المتمثل بشخصية الخليفة الذي هو الإمام علي علیه السلام لم يكن بعيداً عن تلك المقاصد في إيجاد منهجية عادلة تحافظ على الثروة من استيلاء ذوي النفوس الضعيفة عليها من جانب، وإيجاد سبل حقيقية لإنشاء مجتمع تتوافر فيه العدالة، ولا يسمح بتكوين إمبراطوريات صغيرة تتحكم بمقدرات الغالبية العظمى من الأفراد من جانب آخر»(5).
ص: 349
ص: 350
الخاتمة
ص: 351
ص: 352
يعطينا البحث صورة الدولة العلوية العصرية، فإن رؤية الإمام علیه السلام لم تكن رؤية مسطرة في مبادئ إسلامية فقط بل إنها نظرية ذات دلالات إنسانية وإيحاءات بأسلوب علمي دقيق.
لقد أعطى الإمام علیه السلام مدلولاً للإدارة ي النهج فهي (التدبیر - والرعاية - والسلطان - والإمرة) وكان فكره موجهاً لإدارة الأمة إدارة منظمة، وعدم استخدام الإداري (الحاكم) أساليب العنف والبطش والاستبداد، ويبدو الإمام علیه السلام ساعياً لنشر الحق في ربوع الأرض متبعاً بما جاء عن كتاب الله هل وسنة نبيه.
أما في مسألة الخلافة فقد أكد ضرورة وجود الحاكم والقائد الذي يدير أمور الرعية ويطبق الأحكام التي من شأنها أن تحفظ كيان الأمة ويسودها النظام، على حين وضع الإمام علیه السلام واجبات وحقوقًا للخليفة ضمن ضوابط ومعايیر دقيقة.
فالباحثون عن الديمقراطية والشورى سيجدون ان طريقة الإمام في الحكم هي السبيل لضمان المشاركة الجماعية وتحقيق الشورى في الحكم، والتواقون إلى السلم والى حقوق الإنسان يجدون الإمام علیه السلام قد رسم منهجاً للحكومات العادلة وللحكام العادلين.
ص: 353
لم يكن الإمام علیه السلام يريد حكماً يقوم على مخالفة القانون أو حكماً لا يحترم حقوق الإنسان أو لا يقوم على مشاركة الرعية، بل كان الحكم الذي يبتغيه هو المستند إلى رأي الأمة والذي يكفل لها أهدافها ويحترم إرادتها.
فيما حدد الإمام علیه السلام القضاة ومميزاتهم إذ بهم ترفع المظالم عن الرعية أما توجيهاته للولاة والعمال فقد كانت بمنزلة توصيات إدارية منظمة لأركان الدولة.
لقد اهتم الإمام علیه السلام بطبقة الكُتاب على حين بيّن مهام الوزير ومكانته ثم بين التعاليم الحربية للمقاتلين مع جملة من الوصايا للقادة وأمراء الجيش.
وما يسعنى إلا أن أقول: ما أحوجنا اليوم الى هذه المبادئ لحماية مؤسسات الدولة! تلك التي بثها الإمام علیه السلام ليحوك لنا نسيجاً متكاملاً من الأخلاق والسياسة ليرتديه عالمنا المنخور، وما أحوج البشرية إلى الإمام علي علیه السلام ليقودها بإدارة منتظمة الى نظام عالمي جديد تسوده العدالة والمساواة والحرية! من خلال الأسس القديمة التي يضعها الإمام علیه السلام لإقامة الدولة العادلة، وعلى الرغم من المسافة التي بيننا وبين الإمام علیه السلام شاسعة إلا أنَّ الظروف التي عاشها من حيث الصراعات وانتهاج السياسة القمعية والتضليل و... جميعها تشابه الظروف الراهنة (المستجدة) في كل مكان، لأن الإمام علیه السلام قد عالج تلك المشاكل.
وصفوة القول أنَّ الإمام عليًا علیه السلام ليس ابن جيله فقط، بل هو لكل الأجيال - بغض النظر عن انتمائهم العرقي، وهذا واضح وجليّ من خلال ما طرحناه وان الإمام علیه السلام كان ولا يزال منهجاً وطريقاً معبداً للأجيال.
ص: 354
المصادر والمراجع
ص: 355
ص: 356
- القرآن الكريم أولاً: المصادر الأولية:
(أ) 1. ابن الأثیر، أبو السعادات بن محمد الجزري، (ت 606 ه / 1214 م). النهاية في غريب الحديث والأثر، تح: محمود محمد الطناحي، مؤسسة إسماعيليان، ط 4 (قم - 1944).
2. ابن الأثیر، عز الدين أحمد بن مكرم، (ت 630 ه / 1237 م). أُسد الغابة في معرفة الصحابة، دار الكتاب، (بیروت د. ت).
3. الكامل في التاريخ، تح: أبي الفدا عبد الله القاضي، دار الكتب العلمية، ط 4، (بیروت - 2003 م). اللباب في تهذيب الأنساب، دار صادر، (بیروت - 1980).
4. الاحسائي، ابن أبي جمهور، (ت 880 ه / 1486 م). عوالي اللآلي، تقديم: سيد شهاب الدين النجفي، تح: أغا مجتبى العراقي، مطبعة سيد الشهداء علیه السلام، (قم - 1983).
5. الأحوازي، أبو محمد الحسني بن سعيد الكوفي، (إعلام ق 3 ه /ق 9 م). الزهد، تحقيق وإخراج وتنظيم: میرزا غلام رضا، المطبعة العلمية، (قم - 1899) 6. ابن آدم، يحيى بن آدم القرشي، (ت 203 ه / 810 م). الخراج، تح: أحمد محمد
ص: 357
شاكر، دار المعرفة، (بيروت - 1979).
7. الأربلي، الصاحب بهاء الدين، (ت 682 ه / 1298 م). التذكرة الفخرية، تح:
نوري حمودي القيسي، حاتم صالح الضامن، مطبعة المجمع العلمي، (بغداد - 1985).
8. ابن الأزرق، أبو عبد الله، (ت 896 ه / 1503 م). بدائع السلك في طبائع الملك، تحقيق وتعليق: علي سامي النشار، منشورات وزارة الثقافة، (العراق - 1978).
9. الأزرقي، أبو الوليد بن عبد الله، (ت 250 ه / 857 م). أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار، تح: علي عمر، مكتبة الثقافة الدينية، (القاهرة - 2004).
10. الأزهري، أبو منصور محمد بن أحمد، (ت 370 ه / 976 م). تهذيب اللغة، تح:
عبد السلام محمد هارون، مراجعة: محمد علي نجد، (مصر - 1964).
11. أبو إسحاق، إبراهيم بن علي بن يوسف، (ت 476 ه / 1082 م). المهذب في الفروع، دار الفكر، (بيروت د. ت).
12. الإسكافي، أبو جعفر محمد المعتزلي، (ت 220 ه / 826 م). المعيار والموازنة، تح:
محمد باقر المحمودي، (قم - 1981).
13. الإسكافي، محمد بن عبد الله الخطيب، (ت 421 ه / 1027 م). لطائف التدبير، تح: أحمد عبد الباقي، مطبعة السُنةّ المحمدية، (القاهرة - 1964).
14. الأصبحي، أبو مالك بن أنس، (ت 179 ه / 885 م). المدونة الكبرى، (رواية ابن سعيد التنوخي)، مطبعة السعادة، (القاهرة - 1905).
15. الموطأ، تح: محمد بيومي، مكتبة الإيمان، (المنصورة - 2005).
16. الأصبهاني، محمد بن الحسن بن فورك، (ت 406 ه / 1012 م). حدود الأصول، تحقيق وتعليق: محمد السليماني، دار الغرب الإسلامي، (بيروت - 1999).
17. الأصفهاني، أبو الفرج علي بن الحسين، (ت 356 ه / 972 م). الأغاني، تح:
إبراهيم السعافين، د. بكر عباس، دار صادر، ط 3، (بيروت - 2008).
ص: 358
18. الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد، (ت 502 ه / 1109 م). المفردات في غريب القرآن، تح: محمد خليل عيتاني، دار المعرفة، ط 2، (بيروت - 1999).
19. الأصفهاني، أبو نعيم أحمد بن عبد الله، (ت 430 ه / 1036 م). حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، دار الكتب العلمية، (بيروت - 1988).
20. ابن أعثم، أبو محمد الكوفي، (ت 314 ه / 921 م). الفتوح، تح: علي شيري، دار الأضواء، (بيروت - 1990).
21. الآمدي، ناصح الدين عبد الواحد بن محمد، (ت 505 ه / 1111 م). غُرر الحكم ودُرر الكلم، عُني بترتيبه: حسين الأعلمي، منشورات مؤسسة الأعلمي، (بيروت - 2002).
22. الأنصاري محمد بن ابي بكر (ت ق 7 / 1300 م). الجوهرة في نسب الإمام علي علیه السلام، تح: د. محمد التونجي، (قم - 1980).
23. الأنصاري، عبد الله، (ت 396 ه / 1089 م). منازل السائرين، مكتبة الشرق الجديد، (بغداد - د. ت).
24. الأنصاري، أبو محمد عبد الله بن يوسف، (ت 741 ه / 1347 م). مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، تح: د. مازن المبارك، أحمد علي حمد الله، دار الفكر، ط 6، (بيروت - 1985).
25. الأيوبي، محمد بن عمر، (ت 617 ه / 1224 م). أخبار الملوك ونزهة الممالك والمملوك في طبقات الشعراء، تح: ناظم رشيد، دار الشؤون الثقافية، (بغداد - 2001).
(ب) 26. ابن بابويه، (ت 329 ه / 935 م). فقه الرضا علیه السلام، تح: مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، الناشر: المؤتمر العالمي للإمام الرضا علیه السلام، (قم - 1985).
27. الباخرزي، أبو الحسن علي بن الحسن، (ت 467 ه / 1075 م). دُمية القصر
ص: 359
وعصرة أهل العصر، قدّم له وعلّق عليه: علم إبراهيم محمود، دار الكتب العلمية، (بيروت - 2008).
28. الباعوني، محمد بن أحمد الشافعي، (ت 871 ه / 1477 م). جواهر المطالب في مناقب علي بن أبي طالب علیه السلام، تح: محمد باقر المحمودي، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، (قم - 1994).
29. الباقلاني، أبو بكر بن محمد بن الخطيب، (ت 403 ه / 1010 م). إعجاز القرآن، تح: السيد أحمد صقر، دار المعارف، ط 3، (القاهرة د. ت). تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل، تح: عماد الدين أحمد، مؤسسة الكتب الثقافية، (بيروت - 1972).
30. البجلي، أبو موسى (ت 220 ه / 827 م). الوصية في الأصول الروائية المعتبرة، أعاد جمعه وترتيبه: الشيخ قيس بهجت العطار، (مشهد - 2008 م).
31. البحراني، ميثم بن علي بن ميثم، (ت 679 ه / 1287 م). شرح نهج البلاغة، مؤسسة الآداب الشرقية، (النجف - د. ت).
32. البخاري، أبو عبد الله بن محمد بن إسماعيل الجعفي، (ت 256 ه / 862 م).
التاريخ الكبير، المكتبة الإسلامية، (تركيا - د. ت). صحيح البخاري، دار الفكر، (بيروت - 1981).
33. ابن البراج، عبد العزيز الطرابلسي، (ت 481 ه / 1087 م). المهذب، تح:
مؤسسة الشهداء، مؤسسة النشر الإسلامي، (قم - 1997).
34. البرسي، رضي الدين رجب بن محمد (ت 772 ه / 1379 م). مشارق أنوار اليقين، دار الفكر، (بيروت - 1959).
35. البرقي، أبو جعفر أحمد بن محمد، (ت 274 ه / 881 م). المحاسن، عُني بنشره وتصحيحه: السيد جلال الدين الأرموي، دار الكتب الإسلامية، (طهران - 1912).
ص: 360
36. ابن بريال، أبو بكر عبد الباقي، (ت 502 ه / 1108 م). تاريخ ابن بريال (كتبه عن ابن حزم)، دراسة وتحقيق: بهمن صالح محمد، سلسلة خزانة التراث، (بغداد - 2011).
37. البستي، محمد بن حبان، (ت 354 ه / 960 م). صحيح ابن حبان، تح:
شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، ط 2، (د. م - د. ت). مشاهير علماء الامصار، عني بتصحيحه م. فلايشمهر، (القاهرة - 1959). السيرة النبوية وأخبار الخلفاء، صححه وعلّق عليه: السيد عزيز وآخرون، مؤسسة الكتب الثقافية، ط 3، (بيروت - 1995).
38. البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي، (ت 463 ه / 1070 م). تاريخ بغداد، تحقيق ودراسة: مصطفى عبد القادر، دار الكتب العلمية، (بيروت - 2004).
39. البغدادي، عبد المؤمن عبد الحق، (ت 739 ه / 1345 م). مراصد الإطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع، تحقيق وتعليق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، (بيروت - 1992).
40. البغدادي، أبو علي إسماعيل بن القاسم القالي، (ت 245 ه / 852 م). الأمالي، دار الكتب المصرية، (القاهرة - 1926). ذيل الأمالي، مطبعة السعادة، ط 3، (القاهرة - د. ت).
41. ابن بكار، الزبير أبو عبد الله، (ت 256 ه / 862 م). الأخبار الموفقيات، تح:
د. سامي مكي العاني، مطبعة العاني، (بغداد - 1972).
42. البكري، أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز، (ت 487 ه / 1095 م). معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، تحقيق وضبط: مصطفى السقا، ط 3، (بيروت - 1983).
43. البلاذري، أحمد بن جابر بن يحيى، (ت 279 ه / 885 م). أنساب الأشراف، حققه وعلّق عليه: الشيخ محمد باقر المحمودي، منشورات الأعلمي (بيروت - 1974). فتوح البلدان، تح: لجنة التحقيق لإحياء التراث، مكتبة الهلال،
ص: 361
(بيروت - 1988).
44. البهوتي، منصور بن يوسف الحنبلي، (ت 1051 ه / 1657 م). كشاف القناع، تح: كمال عبد المنعم، أبو عبد الله محمد، دار الكتب العلمية، (بيروت - 1997).
45. البوصيري، احمد بن ابي بكر (ت 840 ه / 1447 م). اتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة، تح: أبي عبد الرحمن عادل، محمد بن اسماعيل، مكتبة الرشيد، (السعودية - 1998).
46. البيهقي، إبراهيم بن محمد، (ت 320 ه / 928 م). المحاسن والمساوئ، دار صادر، (بيروت - 1960).
47. البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين، (ت 458 ه / 1064 م). السنن الكبرى، دار الفكر، (بيروت - د. ت).
48. البيهقي، علي بن زيد الأنصاري، (ت 493 ه / 1100 م). معارج نهج البلاغة، تح: أسعد الطيب، مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، (قم - 1961).
(ت) 49. التبريزي، محمد بن عبد الله العمري، (ت 737 ه / 1344 م). مشكاة المصابيح، محمد الألباني، المكتب الإسلامي، (دمشق - 1965).
50. الترمذي، محمد بن عيسى بن سورة، (ت 279 ه / 885 م). سنن الترمذي، د. مط، (بيروت - 1983).
51. ابن تغري بردي، جمال الدين أبو الحسن، (ت 813 ه / 1420 م). النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، قدّم له وعلّق عليه: محمد حسن شمس الدين، دار الكتب العلمية، (بيروت - 1994).
52. التنوخي، أبو علي الحسن بن أبي القاسم، (ت 384 ه / 991 م). الفرج بعد الشدة، منشورات الشريف الرضي، ط 2، (قم - 1894).
53. التوحيدي، أبو حيان علي بن محمد، (ت 400 ه / 1006 م). الإمتاع والمؤانسة،
ص: 362
حققه وعلّق عليه: عبد المنعم فريد، مؤسسة الكتب الثقافية، د. مط، (بيروت - 2006). البصائر والذخائر، حققه وعلّق عليه: أحمد أمين، سيد أحمد صقر، (القاهرة - 1953 م) 54. ابن تيمية، أبو العباس أحمد بن عبد الحليم، (ت 728 ه / 1335 م). الحسبة في الإسلام، دار الكتب العلمية، (بيروت - د. ت). السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعيّة، تح: الشيخ إبراهيم رمضان، دار الفكر، (بيروت - 1992).
(ث) 55. الثعالبي، أبو منصور عبد الملك، (ت 429 ه / 1035 م). تحفة الوزراء، تحقيق ودراسة: د. سعد أبو دية، دار البشير، (عمّان - 1994). سحر البلاغة وسر البراعة، تح: درويش جويدي، المكتبة العصرية، (بيروت - 2008). يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر، تح: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار المعارف، ط 3، (القاهرة - 1962).
56. ثعلب، أبو العباس أحمد بن يحيى، (ت 291 ه / 898 م). مجالس ثعلب، شرح وتحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار المعارف، ط 2، (مصر - 1948).
57. الثقفي، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد، (ت 283 ه / 890 م). الغارات، تح:
السيد جلال الدين الأرموي، طبع على طريقة أوفسيت في مطابع بهمن.
(ج) 58. الجاحظ، أبو عمرو عثمان بن بحر، (ت 255 ه / 862 م). البيان والتبيين، تح:عبد السلام محمد هارون، دار الجيل، (بيروت - د. ت). التاج في أخلاق الملوك، تح: أحمد زكي باشا، المطبعة الاميرية، (د. م - د. ت). الحيوان، تح:
عبد السلام محمد هارون، دار المعارف، (القاهرة - د. ت). رسائل الجاحظ، قدّم لها وبوّبها: د. علي بو ملحم، منشورات دار ومكتبة الهلال، (بيروت 1987). المحاسن والأضداد، قدّم له وشرحه: د. صلاح الدين الهواري، المكتبة العصرية، (بيروت - 2006).
ص: 363
59. الجرجامي، أبو المعالي المؤيد بن محمد، (ت أواخر ق 6 ه / أواخر ق 12 م).
نكت الوزراء، تح: نبيلة عبد المنعم، شركة المطبوعات، (بيروت - 2000).
60. الجرجاني، علي بن محمد الحنفي، (ت 816 ه / 1424 م). التعريفات، حققه وعلّق عليه: نصر الدين تونسي، شركة القدس للتصوير، (القاهرة - 2007).
61. الجزري، شمس الدين محمد بن محمد، (ت 833 ه / 1440 م). مناقب الأسد الغالب مُمزّق الكتائب ومظهر العجائب ليث بن غالب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضی الله عنه، تح: طارق الطنطاوي، مكتبة القرآن، (مصر - د. ت).
62. الجمحي، عبد الله بن سلاّم، (ت 230 ه / 837 م). طبقات الشعراء، دار الكتب العلمية، (بيروت - 2001).
63. الجهشياري، أبو عبد الله محمد بن عبدوس، (ت 331 ه / 937 م). الوزراء والكتّاب، حققه ووضع فهارسه: مصطفى السقا، إبراهيم الأبياري، عبد الحفيظ شبلي، مطبعة مصطفى البابي، (القاهرة - 1938).
64. ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن، (ت 597 ه / 1204 م). الثبات عند الممات، تح: الشيخ إبراهيم رمضان، دار الفكر، (بيروت - 1992). صفة الصفوة، دار الجيل، (بيروت - 1992). المجتنى من المجتبى، تح: علي حسين، دار فائز، (السعودية - 1988). المصباح المضيء في خلافة المستضيء، تح:
ناجية عبد الله إبراهيم، شركة المطبوعات، (بيروت - 2000). المنتظم في تاريخ الملوك والأمُم، مطبعة دار المعارف، (حيدر آباد - 1859).
65. الجوهري، إسماعيل بن حمّاد، (ت 392 ه / 999 م). تاج اللغة وصحاح العربية، تح: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، ط 4، (القاهرة - 1987).
(ح) 66. ابن حبيب، ابو جعفر محمد، (ت 245 ه / 852 م). أسماء المغتالين من الأشراف في الجاهلية والإسلام، تح: عبد السلام محمد هارون، (القاهرة -
ص: 364
1954).
67. ابن أبي الحديد، عز الدين بن عبد الحميد، (ت 656 ه / 1263 م). القصائد السبع العلويات، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، (بيروت - د. ت). شرح نهج البلاغة، كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام، جمعه: الشريف الرضي، تح:
محمد أبو الفضل، المكتبة العصرية، (بيروت - 2011).
68. الحراني، محمد بن الحسين بن شعبة، (من أعلام ق 4 ه / 10 م). تحف العقول، مطبعة سلمان الفارسي، (قم - 2005).
69. ابن حزم، أبو محمد علي بن أحمد، (ت 456 ه / 1062 م). جمهرة أنساب العرب، تح: عبد المنعم خليل إبراهيم، دار الكتب العلمية، ط 5، (بيروت - 2009). الفصل في الملل والأهواء والنحل، دار الندوة الجديدة، (بيروت - 1902).
70. الحسكاني، عبيد الله بن أحمد الحنفي، 0 ت 490 ه / 1096 م). شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، تح: محمد باقر المحمودي، مؤسسة وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، (طهران - 1990).
71. الحضرمي، أبو بكر محمد بن الحسن، (ت 489 ه / 1095 م). السياسة (أو الإشارة إلى تدبير الإمارة)، تح: محمد حسن محمد حسن، أحمد فريد المزيدي، دار الكتب العلمية، (بيروت - 2003).
72. الحلي (ابن المطهر)، الحسن بن سليمان (أعلام ق 8 ه / ق 13 م) المحتضر، المطبعة الحيدرية، (النجف - د. ت).
73. الحلي، أبو منصور الحسن بن يوسف، (ت 776 ه / 1372 م). تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية، تح: الشيخ إبراهيم البهادري، اعتماد، (قم - 1999).
74. الحموي، شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت، (ت 626 ه / 1233 م). معجم الأدباء، دار إحياء التراث العربي، (بيروت - 1936). معجم البلدان، دار
ص: 365
صادر، ط 3، (بيروت - 2005).
75. الحميدي، أبو بكر عبد الله بن الزبير، (ت 219 ه / 825 م). مسند الحميدي، حقق أصوله: أ. حبيب رحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية، (بيروت - 1988).
76. الحميري، أبو العباس عبد الله بن جعفر، (من أعلام ق 3 ه / 9 م). قرب الإسناد، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت علیه السلام لإحياء التراث، (قم - 1992).
77. ابن حنبل، أبو عبد الله بن محمد، (ت 242 ه / 848 م). الزهد، دار الكتب العلمية، (بيروت - 1978). فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام، تح:
حسن حميد السنيد، مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت علیه السلام، (قم - 2011). المسند، دار صادر، (بيروت - د. ت).
78. الحنبلي، الحافظ أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد، (ت 734 ه / 1340 م).
الاستخراج في أحكام الخراج، صححه: السيد محمد عبد الله الصديق، دار المعرفة بالأزهر، (مصر - 1933).
(خ) 79. ابن خرداذبة، أبو القاسم عبيد الله، (ت 300 ه / 906 م). المسالك والممالك، طبعة أوفسيت بريل، (ليدن - 1889).
80. الخصفكي، محمد أمين بن عابدين، (ت 1088 ه / 1695 م). الدر المختار في شرح تنوير الأبصار، تح: مكتب البحوث والدراسات، دار الفكر، (بيروت - 1995).
81. ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد بن محمد، (ت 808 ه / 1414 م). العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، دار الكتب العلمية، (بيروت - 1992). المقدمة، دار صادر، ط 2، (بيروت - 2009).
ص: 366
82. الخصيبي، أبو عبد الله الحسين بن حمدان (ت 334 ه / 941 م). الهداية الكبرى، مؤسسة البلاغ، ط 2، (دمشق - 2005).
83. الخطبي، أبو محمد إسماعيل بن علي البغدادي (ت 350 ه / 961 م). مختصر تاريخ الخلفاء، دراسة وتحقيق: د. سعاد ضمد محمود، منشورات المجمع العلمي، (بغداد - 2006).
84. ابن خلكان، شمس الدين أبو العباس أحمد، (ت 681 ه / 1287). وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تح: إحسان عباس، دار صادر، ط 4، (بيروت - 2005).
85. الخوارزمي، محمد بن أحمد بن يوسف، (ت 387 ه / 993 م). مفاتيح العلوم، المطبعة الأميرية، (القاهرة - د. ت).
86. الخوارزمي، الموفق بن أحمد الحنفي، (ت 568 ه / 1174 م). المناقب، تح:
الشيخ مالك المحمودي، مؤسسة النشر الإسلامي، (قم - 1999).
87. ابن خياط، أبو عمرو خليفة العصفري البصري، (ت 240 ه / 854 م). تاريخ خليفة بن خياط، تحقيق وضبط وتوثيق: د. مصطفى نجيب فؤاد، حكمت كشلي فواز، دار الكتب العلمية، (بيروت - 1995).
(د) 88. الداودي، أحمد بن نصر المالكي، (ت 402 ه / 1011 م). الأموال، تحقيق ودراسة: رضا محمد سالم شحادة، دار الكتب العلمية، (بيروت - 2008).
89. ابن دريد، أبو بكر محمد بن الحسن، (ت 321 ه / 927 م). الاشتقاق، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي، ط 3، (القاهرة - د. ت).
جمهرة اللغة، مطبعة مجلس دائرة المعارف، (حيدر آباد، 1945). المجتنى، طبع بمطبعة مجلس دائرة المعارف، (حيدر آباد - 1942). الملاحن، تح: أبو إسحاق إبراهيم اطفيس، مكتبة الشرق الجديد، (بغداد - 1990).
ص: 367
90. الدورقي، أبو عبد الله أحمد بن إبراهيم، (ت 246 ه / 860 م). مسند سعد بن أبي وقاص، حققه وخرّج أحاديثه: عامر حسن طبري، دار البشائر الإسلامية، (بيروت: 1987).
91. الدولابي، محمد بن أحمد، (ت 310 ه / 922 م). الذرية الطاهرة النبوية، تح:
سعد المبارك حسن، الدار السلفية، )(الكويت - 1997).
92. ديار بكري، الشيخ حسين بن محمد (ت 966 ه / 1558 م). تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس، اعتنى به عبد الله محمد الخليلي، دار الكتب العلمية، (بيروت - 2009).
93. الديلمي، الحسن بن أبي الحسن (أعلام ق 8 ه / ق 14 م). إرشاد القلوب الى الصواب المنجي من عمل به من أليم العقاب، تح: هاشم الميلاني، مؤسسة الإمام الكاظم علیه السلام (العراق - د. ت).
94. الدينوري، أبو حنيفة أحمد بن داود، (ت 282 ه / 888 م). الأخبار الطوال، تح: عبد المنعم عامر، مراجعة: جمال الدين شيال، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، (القاهرة - 1959).
(ذ) 95. الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد، (ت 748 ه / 1357 م). تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، تح: عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، (بيروت - 2003). دول الإسلام، حققه وعلّق عليه: حسن إسماعيل مروة، قدّم له: محمود الأرناؤوط، دار صادر، (بيروت - 2006). سير أعلام النبلاء، أشرف على تحقيقه وخرّج أحاديثه: شعيب الأرناؤوط، حقق هذا الجزء: أكرم البوشي، ط 9، (بيروت - 1993). الكبائر، دار الكتب العلمية، (الكويت - د. ت). ميزان الاعتدال في نقد الرجال، دراسة وتحقيق: الشيخ علي معوض، الشيخ عادل أحمد، شارك في تحقيقه: د. عبد الفتاح أبو رسن، دار الكتب العلمية، (بيروت - 1995).
ص: 368
(ر) 96. الرازي، الفخر الرازي، (ت 606 ه / 1212 م). التفسير الكبير، ط 3، د. مط، (د. م د. ت).
97. الرازي، محمد بن بكر بن عبد القادر، (ت 666 ه / 1273 م). مختار الصحاح، دار الكتاب العربي، (بيروت - د. ت).
98. الراوندي، قطب الدين سعيد بن هبة الله، (ت 573 ه / 1180 م). معجزات علي الكرار علیه السلام، تح: عبد الستار الحاج، (العراق - 2003).
99. ابن أبي الربيع، شهاب الدين أحمد، (أوائل ق 4 ه / أوائل ق 9 م). سلوك المالك في تدابير الممالك، تحقيق وتعليق وترجمة: حامد عبد الله ربيع، مطابع دار الشعب، (القاهرة - 1983).
100. ابن رسته، أبو علي أحمد بن عمر، (ت 300 ه / 906 م). الأعلاق النفيسة، وضع حواشيه: خليل المنصور، دار الكتب العلمية، (بيروت - 1998).
101. الرسي، القاسم بن إبراهيم، (ت 246 ه / 852 م). تثبيت الإمامة، تح: صالح الورداني، مركز الغدير، (بيروت - 1998).
102. الرضي، أبو الحسن محمد بن الحسين، (ت 406 ه / 1157 م). ديوان الشريف الرضي، صنعه الخبري أبو الحكيم، (ت 476 ه / 1083 م)، تح: د. عبد الفتاح محمد الحلو، (القاهرة - 1976). تلخيص البيان عن مجاز القرآن، حققه ووضع فهارسه: محمد عبد الغني، دار إحياء التراث العربية، (القاهرة - 1955).
حقائق التأويل في متشابه التنزيل، شرحه العلاّمة الأستاذ: محمد آل كاشف الغطاء، دققته: دار المهاجر، (بيروت - 1936).خصائص الأئمة علیه السلام، تح:
محمد هادي الأميني، مجمع البحوث الإسلامية، (مشهد - 1956). المجازات النبوية، تحقيق وشرح: د. طه محمد زيني، منشورات بصيرتي، (قم - د. ت) 103. الروحي، علي بن محمد (ت 648 ه / 1255 م). بلغة الظرفاء في تاريخ الخلفاء،
ص: 369
تح: عماد احمد هلال وآخرون، (القاهرة - 2004).
(ز) 104. الزبيدي، أبو بكر محمد بن الحسن، (ت 379 ه / 986 م). طبقات النحويين واللغويين، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، (مصر - 1954).
105. الزبيدي، محب الدين أبو فيض مرتضى، (ت 1205 ه / 1812 م). تاج العروس من جواهر القاموس، تح: علي شيري، دار الفكر، (بيروت - 1994).
106. الزجاج، أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق، (ت 339 ه / 946 م). الأمالي، شرح العلاّمة: أحمد بن الأمين الشنقيطي، المطبعة المحمودية، ط 2، (مصر - 1935).
107. الزرندي، محمد بن يوسف بن الحسن الحنفي، (ت 750 ه / 1356 م). نظم درر السمطين في فضائل المصطفى و المرتضى والبتول والسبطين، مكتبة الإمام علي علیه السلام، (قم - 1958).
108. ابن زكريا، أبو الحسن بن فارس، (ت 395 ه / 104 م). مجمل اللغة، دراسة وتحقيق: زهير عبد المحسن سلطان، مؤسسة الرسالة، ط 2، (بيروت - 1986). معجم مقاييس اللغة، تح: عبد السلام محمد هارون، مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي، (قم - 2004).
109. الزمخشري، أبو القاسم جار الله محمد بن عمر، (ت 538 ه / 1143 م). أساس البلاغة، تح: محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية، (بيروت - 1998).
ربيع الأبرار ونصوص الأخبار، تح: د. سليم النعيمي، مطبعة العاني، (بغداد - 1982) الفائق في غريب الحديث، وضع حواشيه: إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، (بيروت - 1996). المفصل في صنعة الإعراب، تح: علي أبو ملحم، دار ومكتبة الهلال، (بيروت - 1993).
110. ابن زنجويه، ابو احمد حميد بن مخلد، (ت 251 ه / 857 م). الأموال، تح: شاكر
ص: 370
ذيب فياض، مركز الملك فيصل، (السعودية - 1986).
(س) 111. سبط ابن الجوزي، أبو المظفر يوسف فرغلي، (ت 655 ه / 1261 م). تذكرة الخواص، تقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم، منشورات الشريف الرضي، (قم - 1997).
112. السجستاني، أبو حاتم سهل بن محمد، (ت 235 ه / 842 م). المعمرون والوصايا، عُني بتصحيحه وتعليق حواشيه: محمد أمين خانجي، مطبعة السعادة، (مصر - 1905).
113. السرخسي، أبو بكر محمد بن أبي سهل، (ت 483 ه / 1099 م). المبسوط، دار المعرفة، (بيروت - د. ت).
114. السرخسي، علي بن ناصر، (من أعلام ق 5 / ق 11 م). أعلام نهج البلاغة، تح: الشيخ عبد العزيز العطاردي، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، (طهران - 1985).
115. ابن سعد، محمد بن عبد الله، (ت 230 ه / 837 م). الطبقات الكبرى، تح:
إحسان عباس، دار صادر، (بيروت - د. ت).
116. ابن سيده، أبو الحسن علي بن إسماعيل، (ت 458 ه / 1064 م). المخصص، تح: عبد الحميد يوسف هنداوي، دار الكتب العلمية، (بيروت - 2005).
117. ابن سينا، أبو علي الحسين بن علي، (ت 428 ه / 1034 م). تدبير المنازل (أو السياسات الأهلية)، (مصر - د. ت).
118. السمهودي، عبد الله بن الشريف الشافعي، (ت 911 ه / 1505 م). وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى (صلی الله علیه و آله وسلم)، مطبعة المؤيد، (مصر - 1936).
119. السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن، (ت 911 ه / 1505 م). إسعاف المبطأ برجال الموطأ، تح: موفق فوزي جبر، دار الهجرة، (بيروت - 1980). الأشباه
ص: 371
والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية، تح: يحيى مراد، مؤسسة المختار، (القاهرة - 2001). تاريخ الخلفاء، تح: محمد أحمد، دار الغد، (القاهرة - 2000). الدر المنثور في التفسير بالمأثور، دار المعرفة، (بيروت - د. ت). لب اللباب في تحرير الأنساب، دار صادر، (بيروت - ت). المزهر في علوم اللغة وأنواعها، تح: محمد أحمد جاد المولى، علي محمد البجاوي، محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر، (بيروت - د. ت).
(ش) 120. ابن شاذان، جبرائيل القمي، (ت 660 ه / 1268 م). فضائل ابن شاذان، (قم - 1986).
121. الشافعي، أبو عبد الله محمد بن إدريس، (ت 204 ه / 810 م). الأم، دار الفكر، ط 2، (بيروت - 1983).
122. الشافعي، محمد بن طلحة، (ت 652 ه / 1258 م). مطالب السؤول في مناقب آل الرسول، تح: ماجد أحمد العطية، (العراق - 1952).
123. الشامي، محمد بن يوسف الصالحي، (ت 942 ه / 1550 م). سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، تح: أحمد عبد الموجود، علي محمد عوض، دار الكتب العلمية، (بيروت - 1993).
124. الشربيني، الخطيب محمد، (ت 977 ه / 1569 م). مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج، دار إحياء التراث العربي، (بيروت - 1958).
125. الشرنبلالي، الشيخ حسن بن عمّار الحنفي، (ت 1069 ه / 1675 م). مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح، دار الإيمان، ط 2، (دمشق - 1988).
126. الشعراني، عبد الوهاب بن أحمد الشافعي، (ت 952 ه / 1559 م). الطبقات الكبرى أو (لواقح الأنوار في طبقات الأخيار، تح: سليمان الصالح، دارالمعرفة، (بيروت - 2005).
ص: 372
127. ابن شهر أشوب، مشير الدين أبو عبد الله، (ت 588 ه / 1192 م). مناقب آل أبي طالب، تصحيح وشرح: لجنة من أساتذة النجف، المطبعة الحيدرية، (النجف - 1956). معالم العلماء، ط 2، (النجف - 1961).
128. الشهرستاني، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم، (ت 548 ه / 1154 م). الملل والنحل، صححه وعلّق عليه، أحمد فهمي محمد، دار الكتب العلمية، ط 8، (بيروت - 2009) 129. الشوكاني، محمد بن علي، (ت 1250 ه / 1870 م). السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، تح: محمود إبراهيم زايد، دار الكتب العلمية، (بيروت - 1985). العقد الثمين في إثبات وصاية أمير المؤمنين علیه السلام، خرّج مصادره وعلّق عليه: فاضل الفراتي، مكتبة هيئة الأمين، (الكويت - 2004).
130. الشيزري، عبد الرحمن بن عبد الله بن نصر، (ت 590 ه / 1193 م). النهج المسلوك في سياسة الملوك، تح: محمد حسن إسماعيل، احمد فريد المزيدي، دار الكتب العلمية، (بيروت - 2003).
131. ابن أبي شيبة، عبد الله بن محمد الكوفي، (ت 235 ه / 841 م). المصنف، ضبطه وعلّق عليه: أ. سعيد اللحام، دار الفكر، (بيروت - 1989).
(ص) 132. الصابي، أبو الحسن هلال بن الحسين، (ت 448 ه / 1054 م). تحفة الأمراء في تاريخ الوزراء (القسم الضائع)، جمع وتعليق: ميخائيل عواد، مطبعة المعارف، (بغداد - 1948). رسوم دار الخلافة، عُني بتحقيقه وتعليقه: ميخائيل عواد، دار الآفاق العربية، (القاهرة - 2003).
133. الصاحب، إسماعيل بن الحسن عباد، (ت 385 ه / 996 م). المحيط في اللغة، تح: عبد السلام محمد هارون، دار المعارف، (القاهرة - 1962).
134. ابن الصباغ، علي بن محمد المالكي، (ت 855 ه / 1462 م). الفصول المهمة في معرفة الأئمة علیهم السلام، دار الأضواء، ط 2، (بيروت - 1988).
ص: 373
135. الصدوق، أبو جعفر علي بن الحسين، (ت 381 ه / 988 م). إكمال الدين وإتمام النعمة، صححه وعلّق عليه: علي أكبر الغفاري، منشورات مؤسسة النشر الإسلامي، (إيران - 1985). الأمالي، مؤسسة التاريخ العربي، (بيروت - 2009).
التوحيد، صححه وعلّق عليه: المحقق السيد هاشم الطهراني، منشورات جماعة المدرسين، (قم - 1968). ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، منشورات الرضي، ط 2، (قم - 1948). الخصال، صححه وعلّق عليه:
علي أكبر الغفاري، منشورات النشر الإسلامية، ط 2، (قم - 1975). علل الشرائع، قدّم له: محمد صادق بحر العلوم، منشورات دار الزهراء،) قم - 1913).
عيون أخبار الرضا، صححه وعلّق عليه: العلاّمة حسين الأعلمي، منشورات الأعلمي، (بيروت - 1994). معاني الأخبار، عُني بتصحيحه: علي أكبر الغفاري، الناشر: إشارات إسلامي، (قم - 1941). من لا يحضره الفقيه، صححه وعلّق عليه: علي أكبر الغفاري، منشورات مؤسسة النشر الإسلامي، ط 2، (قم - 1975).
136. الصفار، أبو جعفر محمد بن الحسين، (ت 29 ه / 897 م). بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمد صلی الله علیه و آله وسلم، تعليق وتصحيح: العلاّمة الحاج ميرزا حسن، منشورات الأعلمي، (طهران - 1990).
137. الصفدي، صلاح الدين بن أيبك، (ت 774 ه / 1381 م). الغيث المسجم في شرح لامية العجم، دار الكتب العلمية، (بيروت - 1975) الوافي بالوفيات، اعتناء: س. ديدنيغ وآخرون، ط 2، (بيروت - 1991).
138. الصنعاني، أبو بكر عبد الرزاق بن همام، (ت 211 ه / 817 م). المصنف، عُني بتحقيقه وأحاديثه: أ. حبيب رحمن الأعظمي، (بيروت - د. ت).
(ض) 139. الضبي، سيف بن عمر الأسدي، (ت 180 ه / 786 م). الفتنة ووقعة الجمل، جمع وتصنيف: أحمد راتب عرموش، دار النفائس، ط 7، (بيروت - 1993).
ص: 374
140. الضبي، محمد بن يعلى بن عامر، (ت 168 ه / 775 م). الأمثال، قدّم له وعلّق عليه: د. إحسان عباس، دار الرائد، (بيروت - 1981).
(ط) 141. الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد، (ت 360 ه / 966 م). المعجم الأوسط، تح: أبو معاذ طارق، أبو الفضل عبد الحسن، دار الحرمين للطباعة، (د. م - د. ت).
142. الطبرسي، أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب، (ت 548 ه / 1156 م) الاحتجاج، مؤسسة الصفا، ط 2، (بيروت - د. ت).
143. الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير، (ت 310 ه / 922 م). تاريخ الرسل والملوك، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، ط 3، (القاهرة - 1962). تفسير الطبري (المسمى جامع البيان عن تأويل آي القرآن)، قدّم له:
خليل الميس، ضبط وتوثيق: صدقي جميل: (د. م - د. ت).
144. الطبري (الإمامي)، أبو جعفر محمد بن جرير، (أوائل ق 4 ه / ق 10 م).
المسترشد في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام»، تح: أحمد المحمودي، مؤسسة الثقافة الإسلامية، مطبعة سلمان الفارسي، (قم - 1994).
دلائل الإمامة، تح: قسم الدراسات الإسلامية، مؤسسة البعثة، (قم - 1993).
145. الطبري، محب الدين أحمد بن عبد الله، (ت 694 ه / 1300 م). ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى، دار الكتب المصرية، (القاهرة - 1937).
146. الطبري، محب الدين ابو جعفر الشافعي، (ت 525 ه / 1131 م). الرياض النضرة في العشرة المبشرة، مكتبة الخانجي، (القاهرة - د. ت).
147. الطرسوسي، نجم الدين إبراهيم بن علي، (ت 758 ه / 1363 م). تحفة الترك فيما يجب أن تعمل الملك، تحقيق ودراسة: رضوان السيد، دار الطليعة، (بيروت - 1992).
ص: 375
148. الطرطوشي، أبو بكر محمد بن الوليد المالكي، (ت 520 ه / 1127 م). سراج الملوك، مطبعة المنير، (د. م 1812).
149. الطريحي، فخر الدين محمد بن أحمد، (ت 1081 ه / 1691 م). مجمع البحرين ومطلع النيرين، تح: السيد الحسيني، إعادة: محمد عادل، ط 2، (قم - 1986).
150. الطقطقي، محمد بن علي بن طباطبا، (ت 709 ه / 1315 م). الفخري في الآداب السلطانية والولايات الدينية، دار صادر، (بيروت - د. ت).
151. الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن،(ت 460 ه / 1076 م). الاقتصاد، مطبعة الخيام، منشورات مكتبة جامع جهلستون، (قم - 1981). رجال الطوسي، تح:
جواد الفيومي الأصفهاني، مؤسسة النشر الإسلامي، (قم - 1995) المبسوط في فقه الإمامية، تح: السيد محمد تقي الكشفي، المطبعة الحيدرية، (طهران - 1967) النهاية في مجرد الفقه والفتاوي، تح: الشيخ أغا بزرك، (قم - د. ت).
152. الطوسي، أبو الفضل علي، (ت 700 ه / 1130 م). مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، تح: مهدي هوشمندة، مطبعة دار الحديث، (قم - 1997).
153. الطوسي، نظام الملك حسين بن قوام الدين، (ت 485 ه / 1107 م). سياسة نامة (سير الملوك)، ترجمه إلى العربية: د. يوسف بكار، ط 3، (أربد - 2007).
154. الطيالسي، سليمان بن داود، (ت 204 ه / 810 م). مسند الطيالسي، دار المعرفة، (بيروت - د. ت).
155. ابن طيفور، أبو الفضل بن أبي طاهر (ت 380 ه / 988 م). بلاغات النساء، منشورات بصيرتي، (قم - د. ت).
(ع) 156. ابن عاصم، عمرو، (ت 287 ه / 893 م). السُنةّ، المكتب الإسلامي، ط 3، (بيروت - 1993).
157. العاصمي، أحمد بن محمد بن علي، (ت 378 ه / 994 م). العسل المصفى في زين
ص: 376
الفتى شرح سورة هل أتى، هذبه وعلّق عليه: المحقق محمد باقر المحمودي، دار إحياء الثقافة الإسلامية، (إيران - 1997).
158. العاصمي، عبد الملك بن حسين الشافعي، (ت 1111 ه / 1719 م). سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، تحقيق وتعليق: عادل أحمد عبد الموجود، علي محمد معوض، دار الكتب العلمية، (بيروت - 1998).
159. العامري، أبو الحسن محمد بن يحيى، (ت 410 ه / 1017 م). أدب الشهود، دراسة وتحقيق: محيي هلال السرحان، (بغداد - 1999).
160. ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله النميري، (ت 463 ه / 1069 م). الاستيعاب في معرفة الأصحاب، (د. م - د. ت). بهجة المجالس وأنيس المجالس وشحذ الذاهن والهامس، دار الكتب العلمية، (بيروت - د. ت). التمهيد، تح:
مصطفى أحمد العلوي، محمد عبد الكبير البكري، (المغرب - 1967).
161. ابن عبد ربه، أبو عمر أحمد بن محمد، (ت 328 ه / 935 م). العقد الفريد، شرح وضبط: أحمد أمين، أحمد الزين، إبراهيم الأبياري، مكتبة النهضة المصرية، (مصر - 1962).
162. عبد الوهاب، (ت 600 ه / 1206 م). شرح كلمات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام، نشره وطبعه: مير جلال الدين الأرموي، (قم - 1969).
163. ابن العبري، غريغورس أبو الفرج، (ت 685 ه / 1286 م). تاريخ مختصر الدول، تصحيح: الأب صالحاني اليسوعي، دار الرائد اللبناني، (بيروت - 1983) 164. ابن عربي، محيي الدين، (ت 638 ه / 1244 م). محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار، دار صادر، ط 2، (بيروت - 2005).
165. ابن عساكر، علي بن الحسن الشافعي، (ت 571 ه / 1277 م). تاريخ مدينة دمشق، دراسة وتحقيق: علي شيري، دار الفكر، (بيروت - 1995).
ص: 377
166. العسكري، أبو الهلال الحسن بن عبد الله، (ت 395 ه / 1002 م). الأوائل، حققه وعلّق عليه: محمد السيد الوكيل، (المدينة المنوّرة - 1966). التصحيف والتحريف، (شرح ما يقع من التصحيف والتحريف)، تح: عبد العزيز أحمد، مطبعة البابي وأولاده، (مصر - 1963). جمهرة الأمثال، حققه ووضع فهارسه:
محمد أبو الفضل إبراهيم، عبد الحميد قطامش، دار الجيل، ط 2، (بيروت - 1964). الصناعتين، الكتابة والشعر، تح: علي محمد البجاوي، محمد أبو الفضل، منشورات المكتبة المصرية، (القاهرة - 1959). الفروق اللغوية، علّق عليه: محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية، ط 4، (بيروت - 2006).
المصون في الأدب، تح: عبد السلام هارون، سلسلة التراث العربي، (الكويت - 1960) 167. العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر، (ت 852 ه / 1459 م). الإصابة في تمييز الصحابة، دراسة وتحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي معوض، دار الكتب العلمية، (بيروت - 1995).تهذيب التهذيب، دار الفكر، (بيروت - 1984). الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة، خرج أحاديثه: عبد الوهاب عبد اللطيف، مكتبة القاهرة، (مصر - 1894). فتح الباري شرح صحيح البخاري، دار المعرفة، (بيروت - د. ت). لسان الميزان، اعتنى به: الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، اعتنى بإخراجه: سلمان عبد الفتاح، مكتبة المطبوعات الإسلامية، (د. م - د. ت). المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية، تح: أ. حبيب الرحمن الأعظمي، (د. م - د. ت).
168. العمري، أبو الحسن علي بن محمد، (أعلام ق 5 ه / ق 11 م). المجدي في أنساب الطالبيين، تح: د. أحمد المهدوي، مطبعة ستار، ط 2، (قم - 1999).
168. ابن العماد، أبو الفلاح عبد الحي الحنبلي، (ت 1089 ه / 1696 م). شذرات الذهب في أخبار من ذهب، إعداد: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، (بيروت - 1998).
ص: 378
170. ابن عنبة، جمال الدين محمد بن علي، (ت 828 ه / 1435 م). عمدة الطالب، تحقيق وتصحيح: محمد حسن آل الطالقاني، منشورات المطبعة الحيدرية، ط 2، (النجف - 1961).
171. العياشي، أبو النظر محمد بن مسعود السمرقندي، (ت 320 ه / 975 م). تفسير العياشي، تح: السيد هاشم الموسوي، المكتبة الإسلامية، (طهران - 1980).
(غ) 172. الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد، (ت 505 ه / 1111 م). إحياء علوم الدين، دار المعرفة، (بيروت - د. ت). التبر المسبوك في نصيحة الملوك، مطبعة الآداب، (القاهرة - 1899). كيمياء السعادة والقواعد العشرة والأدب في الدين، المكتبة الشعبية، (بيروت - د. ت).
(ف) 173. الفارابي، أبو النصر محمد بن محمد بن طرخان، (ت 339 ه / 945 م). آراء أهل المدينة الفاضلة، قدّم له وعلّق عليه: د. البير نصري نادر، المطبعة الكاثوليكية، دار المشرق، ط 2، (بيروت - 1986).
174. أبو الفداء، عماد الدين إسماعيل بن علي، (ت 732 ه / 1338 م). المختصر في أخبار البشر، تح: محمود أيوب، دار الكتب العلمية، (بيروت - 1997).
175. الفراهيدي، الخليل بن أحمد، (ت 175 ه / 871 م). العين، تح: مهدي المخزومي، د. إبراهيم السامرائي، مؤسسة دار الهجرة، ط 2، (إيران - 1979).
176. ابن الفوطي، جمال الدين عبد الرزاق الشيباني، (ت 732 ه / 1340 م). الحوادث الجامعة والتجارب النافعة، تح: بشار عواد معروف عماد عبد السلام، دار الغرب الإسلامية، (بيروت - 1997).
177. الفيروزآبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب الهويرني، (ت 817 ه / 1414 م).
القاموس المحيط، الشارح: السيد مرتضى عبد الله، (القاهرة - د. ت).
ص: 379
178. الفيومي، أحمد بن محمد بن علي المقري، (ت ق 770 ه / 1341 م). المصباح المنير، دار الحديث، (القاهرة - 2003).
(ق) 179. ابن قتيبة، أبو محمد عبد الله بن مسلم، (ت 276 ه / 883 م). أدب الكاتب، شرح وكتب هوامشه: أ. علي فاعور، دار الكتب العلمية، ط 4، (بيروت - 2009). الشعر والشعراء، تح: مفيد قميحة ومحمد أمين الضناوي، دار الكتب العلمية، ط 3، (بيروت - 2009). عيون الأخبار، ضبطه وعلّق عليه:
الداني بن منير آل زهوي، المكتبة العصرية، (بيروت - 2006). غريب الحديث، وضع فهارسه: نعيم زرزور، دار الكتب العلمية، (بيروت - 1988). المعارف، دار الكتب العلمية، ط 3، (بيروت - 2011).
180. قدامة بن جعفر، (ت 334 ه / 941 م). الخراج وصناعة الكتابة، تح: محمد حسين الزبيدي، دار الحرية، (العراق - 1981).
181. ابن قدامة، أبو محمد عبد الله، (ت 620 ه / 1226 م). المغني، المطبعة السلفية، (الرياض - 1997).
182. القسطلاني، أحمد بن محمد الشافعي، (ت 923 ه / 1531 م). إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، ضبطه وصححه: محمد عبد العزيز الخالدي، دار الكتب العلمية، (بيروت - 1996). المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، شرحه وعلّق عليه: مأمون بن محيي الدين، دار الكتب العلمية، (بيروت - 1996).
183. القفطي، أبو الحسن علي بن يوسف، (ت 646 ه / 1248 م). إنباه الرواة على أنباء النحاة، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة دار الكتب المصرية، (القاهرة - 1955). المحمدون من الشعراء، اعتنى بتصحيحه وعلّق عليه: عبد الستار خان، دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، (الدكن - 1996).
184. القلقشندي، أبو العباس أحمد بن علي، (ت 821 ه / 1127 م). صبح الأعشى في صناعة الانشا، المطبعة الأميرية، (القاهرة - 1913). نهاية الأرب في معرفة
ص: 380
أنساب العرب، تح: إبراهيم الأبياري، دار الكتب المصرية، ط 3، (القاهرة - 1991).
185. القمي، أبو الحسن علي بن إبراهيم، (من أعلام ق 4 ه / 10 م). تفسيرالقمي، صححه وعلّق عليه: السيد طيب الموسوي، منشورات مكتبة الهدى، ط 3، (قم - 1984).
186. القندوزي، سليمان بن إبراهيم الحنفي، (1294 ه - 1800 م) ينابيع المودة لذوي القربى، تح: سيد علي جمال، إشراف: دار الأسوة، (قم - 1995).
187. ابن قيم الجوزية، أبو عبد الله محمد، (ت 751 ه / 1357 م). إعلام الموقعين عن رب العالمين، تح: الشيخ مشهور سلمان، دار إحياء التراث، (بيروت - د. ت).
(ك) 188. الكاساني، علاء الدين أبو بكر بن مسعود، (ت 794 ه / 1400 م). بدائع الصنائع، تح: محمد عدنان ياسين درويش، دار الفكر، ط 2، (بيروت - 1999).
189. الكتبي، محمد بن شاكر، (ت 734 ه / 1341 م). عيون التواريخ، تح: فيصل السامر، نبيلة عبد المنعم داود، دار الحرية، (بغداد - 1980). فوات الوفيات، تح: علي محمد عوض، الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، (بيروت - 2000).
190. ابن كثير، أبو الفداء، (ت 774 ه / 1381 م). البداية والنهاية، دار الفكر، (بيروت - 1978). تفسير ابن كثير، تحقيق وتقديم: يوسف عبد الرحمن المرعشلي، دار المعرفة، (بيروت - 1991).
191. الكفعمي، إبراهيم علي، (ت 950 ه / 1557 م). جنةّ الواقية وجنةّ الأعمال الباقية المشهور ب (المصباح)، مؤسسة الأعلمي، ط 3، (بيروت - 1983).
192. الكلبي، أبو منذر هشام بن محمد بن السائب، (ت 204 ه / 810 م). جمهرة
ص: 381
النسب (رواية الشكري عن أبي حبيب)، تح: ناجي حسن، (بيروت - 2004).
مثالب العرب والعجم، تح: الشيخ محمد حسن الحاج، دار الأندلس، (بيروت - 2009).
193. الكليني، أبو جعفر محمد بن يعقوب، (ت 329 ه 935 م). الأصول من الكافي، صححه وعلّق عليه: علي أكبر الغفاري، نهض به: الشيخ محمد الأخوندي، مطبعة الحيدري، ط 3، (طهران - 1967). الروضة، دار المرتضى، (بيروت - 2005).
194. الكندي، أبو عمر بن يعقوب، (ت 353 ه / 960 م). الولاة والقضاة، تح:
محمد حسن محمد حسن، أحمد فريد المزيدي، دار الكتب العلمية، (بيروت - 2003).
195. الكنجي، محمد بن يوسف الشافعي، (ت 658 ه / 1264 م). كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب، تحقيق وتصحيح: محمد هادي الأعلمي، دار إحياء تراث أهل البيت، ط 3، (طهران - 1983).
196. الكوفي، أحمد بن محمد بن عقدة، (ت 333 ه / 939 م). فضائل أمير المؤمنين علیه السلام، جمعه ورتّبه وخرّج له: عبد الرزاق محمد فيض الدين، (د. م - د. ت). الولاية، (د. م - د. ت).
197. الكوفي، فرات بن إبراهيم، (ت 352 ه / 959 م). تفسير الكوفي، تح: محمد كاظم نشر: وزارة الثقافة والأرشاد الإسلامي، (طهران - 1990).
(م) 198. الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد، (ت 450 ه / 1056 م). الأحكام السلطانية، تح: أحمد جاد، دار الحديث، (القاهرة - 2006). أدب الدنيا والدين، تح: محمد صباح، منشورات دار مكتبة الحياة، (بيروت - 1967).
قوانين الوزارة، تح: د. رضوان السيد، دار الطليعة، (بيروت - 1979). نصيحة الملوك، تح: محمد جاسم الحديثي، دار الشؤون الثقافية العامة، مطابع الحرية،
ص: 382
(بغداد - 1986).
199. ابن ماجه، محمد بن يزيد القزويني، (ت 275 ه / 981 م). سنن ابن ماجه، حققه وعلّق عليه: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، (بيروت - د. ت).
200. المبرد، أبو العباس محمد بن يزيد، (ت 285 ه / 982 م). الفاضل، تح: عبد العزيز اليمني، مطبعة دار الكتب المصرية، (القاهرة - 1956). الكامل في اللغة والأدب، مؤسسة المعارف، (لبنان - 2002).المقتضب، إعداد: حسن محمد، دار الكتب العلمية، (بيروت - 1999). المتقي الهندي، علاء الدين حسام الدين، (ت 975 ه / 1581 م). كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، ضبطه بكري حياني، صححه: صفو السقا، مؤسسة الرسالة، (بيروت - 1989).
201. المجلسي، محمد باقر، (ت 1111 ه / 1718 م). بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، مطبعة الأميرة، (بيروت - 2008).
202. مجهول. قانون السياسة ودستور الرئاسة، تحقيق ودراسة: محمد جاسم الحديثي، دار الشؤون الثقافية العامة، (بغداد - 1987).
203. المدني، السيد علي خان، (ت 1140 ه / 1747 م). الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة، تحقيق وتقديم: محمد صادق بحر العلوم، منشورات مكتبة بصيرتي، (قم - 1897).
204. المدني، ضامن بن شدقم (ت 1082 ه / 1689 م). الجمل، تح: تحسين آل شبيب، مطبعة محمد، (د. م - 1999).
205. المرتضى، علي بن الحسين، (ت 436 ه / 1047 م). رسائل المرتضى، تقديم:
السيد أحمد الحسيني، إعداد: السيد مهدي رجائي، مطبعة سيد الشهداء، (قم - 1985). طيف الخيال، تح: حسن كامل الصیرفی، مراجعة: إبراهيم الأبياري، دار إحياء الكتب العربية، (الجمهورية العربية المتحدة 1964).
مسائل الناصريات، تح: مركز البحوث والدراسات العلمية، مؤسسة الهدى، (إيران - 1997).
ص: 383
206. المزي، جمال الدين أبو الحجاج يوسف، (ت 742 ه / 1348 م). تهذيب الكمال في أسماء الرجال، حققه وضبطه وعلّق عليه: بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، (دمشق - 1985).
207. المسعودي، أبو الحسن علي بن الحسين (ت 346 ه / 953 م). إثبات الوصية لعلي بن أبي طالب علیه السلام، مطبوعات دار الأندلس، (بيروت - 2009). التنبيه والإشراف، إشراف: لجنة تحقيق التراث، منشورات دار مكتبة الهلال، (بيروت - 1981). مروج الذهب ومعادن الجوهر، تح: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الكتب العلمية، (بيروت - 2009).
208. ابن مسكويه، أبو علي بن محمد بن يعقوب، (ت 421 ه / 1027 م).
تجارب الأمُم وتعاقب الهمم، تح: كروي سيد حسن، دار الكتب العلمية، (بيروت - 2003). المفيد، محمد بن محمد بن نعمان، (ت 413 ه / 1020 م).
الاختصاص، صححه وعلّق عليه: علي أكبر الغفاري، رتب فهارسه: محمود الزيدي، دار المفيد للطباعة، ط 2، (بيروت - 1993). الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، مطبعة قلم، (قم - 2007).الأمالي، مؤسسة التاريخ، (بيروت - د. ت). الجمل، منشورات مكتبة الداودي، ط 2، (قم - د. ت). رسائل في الغيبة، تح: علاء آل جعفر، دار المفيد، ط 2، (بيروت - 1993). المقنعة، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي، (قم - 1990).
209. المقريزي، تقي الدين أبو العباس أحمد، (ت 854 ه / 1451 م). المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار، دار الكتب العلمية، (بيروت - 2005).
210. المكي، أبو طالب محمد بن أبي الحسن، (ت 386 ه / 994 م). قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد، توزيع: مكتبة المتنبي، (القاهرة - د. ت).
211. المناوي، شمس الدين محمد عبد الرؤوف، (ت 1039 ه / 1645 م). فتح القدير شرح جامع الصغير في أحاديث البشير النذير، ضبطه وصححه:
ص: 384
أحمد عبد السلام، دار الكتب العلمية، (بيروت - 1994). النقود والمكاييل والموازين، تح: د. رجاء محمود السامرائي، دار الحرية للطباعة، (بغداد - 1981).
212. ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم، (ت 711 ه / 1317 م).
لسان العرب، دار صادر، ط 2، (بيروت - 2005).
213. ابن منقذ، الأمير أسامة، (ت 584 ه / 1206 م). لباب الآداب، تح: محمد أحمد شاكر، مكتبة لويس سركيس، المطبعة الرحمانية، (مصر - 1935).
214. المنقري، أبو الفضل نصر بن مزاحم، (ت 202 ه / 809 م). وقعة صفين، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون، المؤسسة العربية الحديثة، ط 2، (القاهرة - 1884).
(ن) 215. النابلسي، عبد الغني إسماعيل، (ت 1043 ه / 1749 م). ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الحديث، مطبعة النشر والتأليف الأزهرية، (مصر - 1934).
216. النجاشي، أبو العباس أحمد بن علي، (ت 450 ه / 1057 م). رجال النجاشي، تح: موسى الشيري الزنجاني، مؤسسة النشر الإسلامي، ط 5، (قم - 1996).
217. النجفي، شرف الدين، (أعلام ق 10 ه / ق 16 م). تأويل الآيات، مؤسسة الإمام المهدي، (قم - د. ت).
218. ابن النديم، محمد بن إسحاق، (ت 380 ه / 987 م). الفهرست، ضبطه وشرحه: د. يوسف علي الطويل، وضع فهارسه: محمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، ط 3، (بيروت - 2010).
219. النراقي، مهدي بن محمد الكاشاني، (ت 1209 ه / 1815 م). جامع السعادات، ضبطه: محمد رضا الباني، انتشارات، دار التفسير، (قم - 1999).
ص: 385
220. النسائي، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب، (ت 303 ه / 909 م). خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (كرّم الله وجهه)، حققه ووضع فهارسه: محمد هادي الأميني، مكتبة نيزي الحديثة، (طهران - د. ت). السُنن الكبرى، تح: عبد الغفار سلمان، سيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، (بيروت - 1991).
فضائل الصحابة، دار الكتب العلمية، (بيروت - د. ت).
221. النعماني، محمد بن إبراهيم بن جعفر، (ت 363 ه / 971 م). دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام عن أهل بيت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أفضل السلام، تح: آصف بن علي أصغر فيضي، دار المعارف (القاهرة - 1963).
22. النويري، أحمد بن عبد الوهاب، (ت 733 ه / 1341 م). نهاية الأرب في فنون الأدب، تح: علي بو ملحم، دار الكتب العلمية، (بيروت - 2004).
223. النيسابوري، أبو عبد الله الحاكم، (ت 450 ه / 1058 م). المستدرك على الصحيحين، دار المعرفة، (بيروت - د. ت).
224. النيسابوري، محمد بن الحسين الفتال، (ت 508 ه / 1114 م). روضة الواعظين، تح: السيد محمد مهدي السيد حسن، منشورات الرضي، (قم - د. ت).
225. النيسابوري، مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري، (ت 261 ه / 83 م).
جامع الصحيح (صحيح مسلم)، دار الفكر، (بيروت - د. ت).
(ه) 226. الهروي، أبو عبيد القاسم بن سلاّم، (ت 224 ه / 831 م). الأموال، تح: محمد خليل هراس، دار الكتب العلمية، (بيروت - 1986). غريب الحديث، تح:
حميد عبد المعيد خان، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، (الهند - 1964).
227. ابن هشام، عبد الملك بن هشام المعافري، (ت 218 ه / 819 م). السيرة النبوية، تح: مصطفى السقا، إبراهيم الأبياري، عبد الحفيظ شلبي، دار الكتب العلمية، ط 6، (بيروت - 2011).
ص: 386
228. الهلالي، سليم بن قيس، (ت 76 ه / 685 م). كتاب سليم بن قيس، تح: محمد باقر الأنصاري زنجاني، (بيروت - د. ت).
229. الهمداني، ابن الفقيه أبو بكر أحمد، (أعلام ق 3 ه /ق 9 م). مختصر كتاب البلدان، (أبريل - 1885).
230. الهيثمي، نور الدين علي بن أبي بكر، (ت 807 ه / 1414 م). مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، بتحرير الحافظين: العراقي وابن حجر، دار الكتب العلمية، (بيروت - 1988). موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، حققه وعلّق عليه:
شعيب الأرناؤوط، محمد رضوان العرقوسي، مؤسسة الرسالة، (بيروت - 1993).
(و) 231. الواسطي، أبو الحسن علي الليثي، (من أعلام ق 6 ه / ق 12 م). عيون الحكم والمواعظ، تح: حسين الحسيني، البير جندي، دار الحديث، (قم - 1984).
232. الواقدي، ابو عبد الله محمد، (ت 207 ه / 914 م). المغازي، تح: د. مارسدن جونز، منشورات مؤسسة الاعلمي، ط 3، (بيروت - 1989).
233. ابن الوردي، عمر بن مظفر المقري الشافعي، (ت 749 ه / 1355 م). تاريخ ابن الوردي، دار الكتب العلمية، (بيروت - 1996).
234. الوشاء، أبو الطيب محمد بن إسحاق بن يحيى، (من أعلام ق 3 ه / ق 9 م).
الظرف والظرفاء أو (الموشى)، مطبعة التقدم، ط 2، (مصر - 1904).
235. وكيع، محمد بن خلف بن حيان، (ت 306 ه / 918 م). إخبار القضاة، عالم الكتب، (بيروت - د. ت).
(ي) 236 اليافعي، أبو محمد عبد الله، (ت 768 ه / 1375 م). مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان، وضع حواشيه: خليل المنصور،
ص: 387
منشورات دار الكتب العلمية، (بيروت - 1997).
237. اليعقوبي، أحمد بن إسحاق بن واضح، (ت 292 ه / 899 م). البلدان، وضع حواشيه: محمد أمين ضناوي، دار الكتاب العلمية، (بيروت - 2002). تاريخ اليعقوبي، علّق عليه ووضع حواشيه: خليل المنصور، دار الزهراء، (قم - 1998). مشاكلة الناس لزمانهم، تح: وليم ملورد، جار الكتاب الجديد، (بيروت - 1962).
328. أبو يعلى، أحمد بن المثنى الموصلي، (ت 307 ه / 914 م). مسند أبي يعلى، حققه وخرّج أحاديثه: حسن سليم أسد، دار المأمون للتراث، (دمشق - د. ت).
239. أبو يعلى، محمد بن الحسين الحنبلي، (ت 458 ه / 1064 م). الأحكام السلطانية، صححه وعلّق عليه: محمد حامد الفقي، دار الكتب العلمية، (بيروت - 2006).
240. اليعمري، ابن سيد الناس، محمد بن عبد الله، (ت 734 ه / 1342 م). السيرة النبوية (المسمى عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير)، مؤسسة عز الدين، (بيروت - 1986).
241. أبو يوسف، يعقوب بن إبراهيم، (ت 182 ه / 790 م). الخراج، تح: أ. محمود الباجي، دار بوسلامة، (تونس - 1984).
ثانياً: المراجع الحديثة 242. آبادي، محمود حميد. مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة، ط 2، (الهند - 1956).
243. آل ياسين. نهج البلاغة.. لمن!، مطبعة أوفسيت، (د. م - 1977).
244. الآلوسي، محمد شكري البغدادي. بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب، عُني بشرحه وتصحيحه، محمد بهجة الأثري، دار الكتب العلمية، (بيروت - 1935).
ص: 388
245. إبراهيم، أحمد لبيد وآخرون. الدولة العربية الإسلامية في العصر الأمُوي، (بغداد - 1992). عصر النبوة والخلافة الراشدة، منشورات دار الحكمة، (بغداد - 1992).
246. إسماعيل، محمد بكر. فقيه الأمُة ومرجع الأئمة علي بن أبي طالب رضی الله عنه، (قم - 2006). رجال أحبهم الرسول صلی الله علیه و آله وسلم وبشرهم بالجنة، دار المنار، ()القاهرة - 2000).
247. الاصبهاني، حسن الميرجهاني. مصباح البلاغة (مستدركات نهج البلاغة)، مؤسسة التاريخ الإسلامي، (بيروت - 2008).
248. الأعظمي، عواد مجيد، الكبيسي، حمدان عبد المجيد. دراسات في تاريخ الاقتصاد العربي الإسلامي، مطبعة التعليم العالي، (بغداد - 1998).
249. أمين، أحمد. فجر الإسلام، مكتبة النهضة المصرية، ط 9، (مصر - 1969). يوم الإسلام، دار المعارف، (القاهرة - 1952).
250. الأمين، محسن. أعيان الشيعة، حققه وخرّجه: حسن الأمين، دار التعارف، (بيروت - 1983).
251. الأميني، عبد الحسين أحمد. الغدير في الكتاب والسُنةّ والأدب، دار الكتب الإسلامية، (طهران - 1967).
252. الأنطاكي، عبد المسيح. الملحمة العلوية، مؤسسة الأعلمي، ط 2، (بيروت - 1991).
253. بارا، أنطوان. الحسين في الفكر المسيحي، انتشارات الهاشمي، (قم - 1984).
254. الباليسياني، أحمد محمد. التفكير في الإسلام، دار الحرية، (بغداد - 1989).
255. ابن بدران، عبد القادر بن محمد. المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل، دار إحياء التراث العربي، (دمشق - د. ت).
256. بحري، محمد عبد الله. تطور نظم الحكم في الجزيرة العربية منذ العصور التاريخية
ص: 389
حتى القرن الثالث، هيئة أبو ظبي للثقافة والنشر، (الإمارات - 2007).
257. بسيوني، عبد الغني. أصول علم الإدارة العامة، الدار الجامعية، (بيروت - 1983).
258. بطاينة، ضيف الله. الحضارة الإسلامية، دار الفرقان، (عمّان - 2002).
259. بيضون، لبيب إبراهيم. تصنيف نهج البلاغة، مطبعة مكتب الإعلام، ط 3، (قم - 1857).
260. التليدي، أبو الفتوح عبد الله. الأنوار الباهرة في فضائل أهل البيت النبوي والذرية الطاهرة، مكتبة الإمام الشافعي، (السعودية - 1997).
261. التيجاني، السماوي. فاسلوا أهل الذكر، مؤسسة الفجر، (لندن - 1991).
262. جرداق، جورج. الإمام علي علیه السلام، صوت العدالة الإنسانية، ذوي القربى، (قم - 1952).
263. الجزيري، عبد الرحمن. الفقه على المذاهب الأربعة، المكتبة التجارية، (مصر - 1970).
264. الجليلي، محمود. المكاييل والأوزان والنقود العربية، دار الغرب الإسلامي، (بيروت - 2005).
265. الجميلي، رشيد. تاريخ العرب، (بيروت - 1972).
266. جمال، عبد الناصر. المعجم الاقتصادي، دار أسامة، (عمّان - 2006).
267. الجنابي، طلال. أبو تراب، دار العربية للموسوعات، (د. م - د. ت).
268. جودة، جمال محمد. العرب والأرض في العراق في صدر الإسلام، الشركة العربية للطباعة، (الأردن - 1977).
269. حاتم، نوري. النظام السياسي في عهد الإمام علي علیه السلام للأشتر، مؤسسة المرتضى العالمية، (بيروت - 1994).
270. حتي، فيليب وآخرون. تاريخ العرب (المطول)، دار الكشاف، ط 3، (بيروت
ص: 390
- 1961).
271. حرب، علي. الفكر والحدث، دار الكنوز الأدبية، (بيروت - 1997).
272. حسن، إبراهيم حسن، حسن، علي إبراهيم. النظم الإسلامية، مكتبة النهضة المصرية، ط 4، (القاهرة - 1970).
273. حسن، إبراهيم حسن. تاريخ الإسلام السياسي والديني والاجتماعي والثقافي، مكتبة النهضة المصرية، ط 9، (القاهرة - 1975).
274. حسن، محمد حسن. الاستشراق برؤية شرقية، بيت الوراق، (بغداد - 2011).
275. حسين، طه. الفتنة الكبرى، دار المعارف، ط 6، (مصر - 1966).
276. الحكيم، حسن عيسى. النظم الإسلامية، مكتبة الرواد للطباعة، (بغداد - 1990).
277. الحلو، محمد عبد الفتاح. أعلام التراث العربي الإسلامي، المكتبة المصرية، ط 9، (مصر - 1969).
278. أبو حمد، رضا صاحب. السياسة المالية، مركز الأمير لإحياء التراث، (النجف - 2006).
279. الخامنئي، علي. العودة إلى نهج البلاغة، ترجمة عباس نور الدين، الدار الإسلامية، (بيروت - د. ت).
280. الخربوطلي، علي حسن. الحضارة العربية الإسلامية، مكتبة الحانجي، (القاهرة - د. ت). تاريخ العراق في ظل الحكم الأمُوي، دار المعارف، (مصر - 1959).
281. الخضري، محمد بيك. محاضرات في تاريخ الأمُم الإسلامية (الدولة الأمُوية)، دار الكتب العلمية، ط 2، (بيروت - 2007).
282. خليل، محسن. في الفكر الاقتصادي العربي الإسلامي، دار الشؤون الثقافية العامة، ط 2، (بغداد - 1986).
283. خيرو، رمزية عبد الوهاب. إدارة العراق في صدر الإسلام، دار الحرية، (بغداد
ص: 391
- 1978).
284. دحلان، أحمد زيني المالكي الشافعي. الفتوحات الإسلامية بعد مضي الفتوحات النبوية، دار صادر، (بيروت - 2009).
285. درنيقة، محمود أحمد. الموجز في الحضارة الإسلامية، المؤسسة الحديثة للكتاب، (بيروت - 2010).
286. دستغيب، الشهيد. التفكير، مكتبة الفقيه، (قم - د. ت).
287. الدوري، عبد العزيز. مقدمة في تاريخ الاقتصاد العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، (بيروت - 2007). تاريخ العراق الاقتصادي في القرن الرابع، مركز دراسات الوحدة العربية، ط 4، (بيروت - د. ت). أوراق في التاريخ والحضارة، مركز دراسات الوحدة العربية، ط 2، (بيروت - 2009) 288. الربيعي، أحمد أمين. العُذيق النضيد بمصادر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، مطبعة العاني، (بغداد - 1987).
289. رشيد، أحمد. نظرية الإدارة العامة، دار المعارف، (القاهرة - 1981).
290. رضا، محمد. نحو نظرية إدارية في الدولة الإسلامية، دار الملاك، (بيروت - 2009).
291. رمضان، مروان و (آخرون). الموسوعة الإدارية الشاملة، إشراف: سليم الياس، مركز الشرق الأوسط الثقافي، (بيروت - د. ت).
292. رهبر، محمد تقي. دروس سياسية في نهج البلاغة، دار الولاء، (بيروت - 2004).
293. الريس، ضياء الدين. الخراج والنظم المالية للدولة الإسلامية، دار الأنصار، (القاهرة - 1981).
294. الزبيدي، عبد الرضا عبد الأمير. في الفكر الاجتماعي عند الإمام علي، مكتبة فدك، (قم - 2005).
ص: 392
295. الزحيلي، وهبة. الفقه الإسلامي وأدلته، دار الفكر المعاصر، ط 8، (دمشق - 2005).
296. الزركلي، خير الدين. الأعلام، دار العلم للملايين، ط 4، (بيروت - 1999).
297. زيدان، جرجي. تاريخ التمدن الإسلامي، راجعه وعلّق عليه: د. حسين مؤنس، دار الهلال، (مصر - 1962). تاريخ آداب اللغة العربية، مطبعة الهلال، مصر - 1912).
298. سابق، سيد. فقه السُنةّ، دار الكتاب العربي، (بيروت - د. ت).
299. سالم، رحيم محمد. الاتجاهات الفكرية عند الإمام علي علیه السلام، مركز الصدرين للدراسات والبحوث، (بغداد - 2007).
300. السامرائي، إبراهيم. مع نهج البلاغة (معجم)، دار الفكر، (عمّان - 1987).
301. السامرائي، حسام القوام. المؤسسات الإدارية في الدولة العباسية، مكتبة دار الفتح، (دمشق - 1971).
302. السامرائي، عبد الله سلوم. الغلو والفرق الغالية في الحضارة الإسلامية، دار واسط، ط 3، (بغداد - 1988).
303. السعيدي، أنيس. علي بن أبي طالب ديكتاتورية الفقراء، دار الطباعة، (النجف - 2010).
304. السعيدي، عبد الله جمعان. سياسة المال في الإسلام، (قطر - 2008).
305. السلمي، علي و (آخرون). أساسيات الإدارة، مراجعة: د. علي عبد المجيد، دار الكتب المصرية، (القاهرة - 1992).
306. سلهب، نصري. في خطى علي، دار الكتاب اللبناني، (بيروت - 1973).
307. السويدي، أبو الفوز محمد أمين البغدادي. سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب، منشورات دار المحبين، ط 2، (إيران - 2006).
308. سيد جاسم، عزيز. علي بن أبي طالب سلطة الحق، تحقيق وتعليق: صادق
ص: 393
جعفر الروازق، الغدير للطباعة، (قم - 2000).
309. الشافعي، احمد محمود وآخرون. المدخل لدراسة الفقه الإسلامي ونظرياته العامة، منشورات الجلبي، (بيروت - 2003).
310. شرف الدين، عبد الحسين. المراجعات، دار القارئ، ط 3، (د. م - 2004).
311. الشرقاوي، عبد الرحمن.
312. علي علیه السلام، إمام المتقين، مطبوعات دار الأندلس، (بيروت - 2009).
313. الشريف، أحمد إبراهيم. مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، دار الفكر العربي، ط 2، (القاهرة - 1965).
314. الشطشاط، علي حسين. دراسات في تاريخ الحضارة الإسلامية، دار قباء، (القاهرة - 2000).
315. شلبي، إبراهيم أحمد. تطور الفكر السياسي، دار الجامعة، (بيروت - 1985).
316. شمس الدين، محمد مهدي. دراسات في نهج البلاغة، وثق أصوله وحققه وعلّق عليه: الأستاذ سامي العزيزي الغراوي، مؤسسة دار الكتّاب الإسلامية، مطبعة ستار، (قم - 2007). عهد الأشتر، مؤسسة الوفا، (بيروت - 2000).
317. شنشل، فلاح. نظام الحكم والإدارة في الإسلام (عهد الإمام علیه السلام نموذجاً، دار المحجة البيضاء، (بيروت - 2011).
318. الشهرستاني، هبة الدين. ما هو نهج البلاغة، مطبعة النعمان، ط 3، (النجف - 1990).
319. الشيرازي، ناصر مكارم. نفحات الولاية (شرح نهج البلاغة)، دار المحجة البيضاء، ط 2، (بيروت - 2007).
320. الصادقي، محمد علي. علي والحاكمون، مكتبة المكتبة، (بيروت - 2011).
321. صالح، صبحي. النظم الإسلامية، منشورات الشريف الرضي، مطبعة أمير، (قم - 1996).
ص: 394
322. صليبا، جميل. المعجم الفلسفي للألفاظ العربية والفرنسية والإنكليزية واللاتينية، دار الكتاب اللبناني، (بيروت - 1971).
323. الطائي، يحيى. التعزير في الفقه الإسلامي، (قم - 2002).
324. الطبرسي، حسن النوري. مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، تح: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، (بيروت - 1987).
325. طبلية، القطب محمد. نظام الإدارة في الإسلام، دار الفكر، (القاهرة - 1978).
326. الطماوي، سليمان. مبادئ علم الإدارة العامة، مطبعة عين شمس، ط 4، (القاهرة - 1986).
327. الطهراني، أغا برزك. الذريعة في تصانيف الشيعة، دار الأضواء، (بيروت - 1983).
328. طي، محمد. الإمام علي علیه السلام، مركز الغدير للدراسات الإسلامية، ط 2، (بيروت - 1997).
329. عاشور، سعيد عبد الفتاح، و (آخرون). دراسات في تاريخ الحضارة الإسلامية العربية، منشورات ذات السلاسل، ط 2، (الكويت - 1986).
330. عاشور، محمد. آهات علي ومعاناته، مؤسسة التاريخ العربي، (بيروت - د. ت).
331. العاني، حسان محمد شفيق. نظرية الحريات العامة، المكتبة القانونية، (بغداد - 2008).
332. عبد الباقي، محمد فؤاد. المعجم المفهرس لألفاظ القرآن، تقديم: منصور فهمي، دار الفكر للطباعة، ط 3، (مصر - 1992).
333. عبد الحميد، صائب. تاريخ الإسلام الثقافي والسياسي، الغدير، ط 2، (بيروت - 2000).
334. عبد الزهراء، الخطيب. مصادر نهج البلاغة وأسانيده، دار الأضواء، ط 3، (بيروت - 1985).
ص: 395
335. عبدة، محمد. شرح نهج البلاغة، مطبوعات دار الأندلس، (لبنان - 2010).
336. العجلاني، منير. عبقرية الإسلام في الحكم، دار الكتاب الجديد، (الرياض - 1965).
337. العزيزي، روكس بن زايد. أسد الإسلام، وقديسة، مطبعة النعمان، (النجف - 1967).
338. العقاد، عباس محمود. عبقرية الإمام علي علیه السلام، دار التربية للطباعة والنشر، (بغداد - 2001). عبقرية محمد صلی الله علیه و آله، دار التربية للطباعة والنشر، (بغداد - 2001).
339. عكاشة، محمود أحمد. تاريخ الحكم في الإسلام، مؤسسة المختار للنشر، (القاهرة - 2002).
340. العلايلي، عبد الله. الإمام الحسين علیه السلام، الناشر: مكتبة الشريف الرضي، (قم - 2005).
341. علي، جواد. المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام مطبعة جامعة بغداد، (بغداد - د. ت) 342. علي، سيد أمير. مختصر تاريخ العرب، نقله إلى العربية: عفيف البعلبكي، دار العلم للملايين، مطبعة الإرشاد، (بغداد - 1967).
343. العلي، صالح أحمد. الإدارة في العهود الإسلامية الأولى، شركة المطبوعات، (بيروت - 2010). التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة في القرن الأول الهجري، دار الطليعة، ط 2، (بيروت - 1969). محاضرات في تاريخ العرب قبل الإسلام، (بغداد - 1954).
344. العلي، عادل فليح، كداوي، طلال محمود. اقتصاديات المالية العامة، دار الكتب للطباعة والنشر، (الموصل - 1989).
345. علي، محيي الدين. ابن أبي الحديد (سيرته وآثاره الأدبية والنقدية)، مكتب
ص: 396
المواهب، (النجف - 2005).
346. عمارة، محمد و (آخرون). علي بن أبي طالب نظرة عصرية جديدة، الدار العربية للموسوعات، (بيروت - د. ت).
347. عمر، فاروق و (آخرون). النظم الإسلامية، دار الحكمة، (بغداد - 1987).
348. العمري، حسين. الخطاب في نهج البلاغة، دار الكتب العلمية، (بيروت - 2010).
349. فاخوري، حنا. تاريخ الأدب العربي، دار اليوسف للطباعة، (بيروت - د. ت).
350. فضل الله، عبد المحسن. نظام الحكم والإدارة في عهد الأشتر، دار الكتب العلمية، (بيروت - 2010).
351. الفضلي، عبد الهادي. مشكلة الفقر، مطبعة النعمان، (النجف - د. ت).
352. الفكيكي، توفيق. الراعي والرعية، مطبعة أسعد، (بغداد - 1962).
353. فياض، عبد الله. محاضرات في صدر الإسلام والدولة الأمُوية، مطبعة الإرشاد، (بغداد - 1967).
354. القاسمي، ظافر. نظام الحكم في الشريعة الإسلامية والتاريخ الإسلامي.
355. القصير، عبد اللطيف. الإدارة العامة (المنظور السياسي)، مراجعة: د. خليل الشماع، مطبعة جامعة بغداد، ط 2، (بغداد - 1980).
356. القلعجي، محمد رواسي، قتينبي، حامد صادق. معجم لغة الفقهاء، دار النفائس، ط 2، (بيروت - 1988).
357. القمي، علي عباس. سفينة البحار، ط 2، (طهران - د. ت).
358. شرح نهج البلاغة، دار الرسول الأكرم (ص)، (بيروت - 2007). الكنى والألقاب، تقديم: محمد هادي الأميني، مكتبة الصدر، ط 2، (طهران - د. ت).
359. كاشف الغطاء، الشيخ هادي. مستدرك نهج البلاغة، دار الأندلس، (بيروت - 1996).
ص: 397
360. الكبيسي، حمدان عبد المجيد. الخراج، أحكامه ومقاديره، شركة المطبوعات، (بيروت - 2004).
361. الكبيسي، عامر. الإدارة العربية الإسلامية، (فكر وتطبيق، نشر: المكتبة الوطنية، (بغداد - 1994).
362. كتاني، سليمان. الإمام علي علیه السلام نبراس ومتراس، ط 2، مطبعة الأزهر، (بغداد - 1967).
363. كحالة، عمر رضا. معجم المؤلفين، دار إحياء التراث العربي، (بيروت - د. ت).
364. الكرباسي، محمد جعفر إبراهيم. صحائف من نهج البلاغة (صحيفة الأحداث العسكرية)، منشورات دار الوفاق، مطبعة الجاحظ، (بغداد - 1991).
365. الكروي، إبراهيم، شرف الدين، عبد التواب. المرجع في الحضارة العربية الإسلامية، ذات السلاسل، ط 2، (الكويت - 1987).
366. الكلانتري، علي أكبر. الجزية وأحكامها، مؤسسة النشر الإسلامي، (قم - 1996).
367. الكيلاني، محمد سيد. أثر التشيع في الأدب العربي، دار العرب اللبناني، ط 2، (القاهرة - 1996).
368. ماهر، سعاد. مشهد الإمام علي (رضي الله عنه) في النجف وما به من الهدايا والتحف، دار المعارف، (القاهرة - 1967).
369. مبارك، زكي. عبقرية الشريف الرضي، مكتبة الثقافة الدينية، ط 2، (القاهرة - 2009).
النثر الفني في القرن الرابع، المكتبة التجارية الكبرى، ط 2، (مصر - 1932).
370. المباركفوري، الحافظ أبو العلاء محمد. تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، دار الكتب العلمية، (بيروت - 1999).
371. المحنك، هاشم حسين ناصر. أوضاع الكوفة الاقتصادية في عهد الإمام
ص: 398
علي علیه السلام، دار أنباء، (النجف - 2004) فلسفة الإدارة المعاصرة والمجتمع، مطبعة القضاء، (النجف - 1990).
372. محسن، يحيى رمزي. موارد ابن أبي الحديد في كتاب نهج البلاغة، نشر: المفتش العام في ديوان الوقف الشيعي، (بغداد - 2009).
373. المحمودي، محمد باقر. منهاج السعادة في مستدرك نهج البلاغة، مطبعة النعمان، (النجف - 1968).
374. مرطان، سعيد سعد. مدخل للفكر الاقتصادي في الإسلام، مؤسسة الرسالة، (بيروت - 1986).
375. مركز نون للتأليف والترجمة. الحرية الفكرية، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط 2، (إيران - 2008).
376. مسعود، جبران. الرائد، دار العلم للملايين، ط 2، (بيروت - 1967).
377. مسلم، عمّر جاسم. تفسيرات فسيولوجية في نهج البلاغة، منشورات الاجتهاد، (بيروت - 2009).
378. مطهري، مرتضى. في رحاب نهج البلاغة، دار المصطفى العالمية، ط 2، (لبنان - 2010).
379. معروف، ناجي. تاريخ علماء المستنصرية، مطبعة العاني، ط 2، (بيروت - 1965). المدخل إلى تاريخ الحضارة العربية، مطبعة العاني، (بغداد - 1960).
380. معلوف، لويس. المنجد في اللغة، دار المشرق، ط 1، (بيروت - 1973).
381. مغنية، محمد جواد. فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام، إعداد: عباس اللويز، مؤسسة الشيخ المظفر الثقافية، (بيروت - د. ت). الفقه على المذاهب الخمسة، دار المعارف، ط 7، (بيروت - 1982). في ظلال نهج البلاغة، دار العلم للملايين، (بيروت - 1973).
382. الملاح، هاشم يحيى. الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام رجل المُثل والمبادئ، دار
ص: 399
الكتب العلمية، (بيروت - 2007). حكومة الرسول المصطفى صلی الله علیه و آله، الدار العربية للموسوعات، (بيروت - 2004).
383. الملاح، محمود. شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد، (النجف - 1954).
384. الموسوي، محسن باقر. الإدارة والنظام الإداري عند الإمام علي علیه السلام، مركز الغدير، (بيروت - 1998). المدخل على علوم نهج البلاغة، دار العلوم، (بيروت - 2002).
385. الموريتاني، محمد الأمين بن الشيخ فريد. الرقابة الإدارية في العهد الراشدي، دار الكتب العلمية، (بيروت - 2010) 386. الناصر، عبد المنعم. فن إدارة الدولة في الإسلام، عهد مالك الأشتر، دار الكتب العلمية، (بیروت -2011).
387. الناطور، شحاده وآخرون. النظم الإسلامية، دار الكندي، (الأردن - 1988).
388. النبراوي، فتحية عبد الفتاح. تاريخ النظم والحضارة الإسلامية، دار المعارف، (مصر - 2008).
389. نجمان، ياسين. تطور الأوضاع الاقتصادية في عصر الرسالة والراشدين، بيت الموصل للنشر، (الموصل - 1988).
390. نعمة، عبد الله. مصادر نهج البلاغة، (بيروت - 1973).
391. نور الدين، عباس. عهد أمير المؤمنين إلى القادة، مركز بقية الله الأعظم، (بيروت - 1998).
392. هبو، أحمد رحيم. تاريخ العرب قبل الإسلام، ط 2، (حلب - 1981).
393. الهروي، عبد السميع. لغة الإدارة العامة في صدر الإسلام، مراجعة: عفاف توفيق، الهيئة المصرية للكتاب، (مصر - 1986).
394. هيفا، راجي أنور. الإمام علي علیه السلام في الفكر المسيحي المعاصر، دار العلوم، ط 3، (بيروت - 2010) مقدمة في معرفة الإمام علي علیه السلام، مؤسسة الفكر الإسلامي،
ص: 400
(بيروت - 2003).
395. اليزدي، محمد كاظم عبد العظيم. العروة الوثقى، دار نشر الإمام علي علیه السلام، ط 3، (قم - 1831).
396. يعقوب، أحمد حسين. النظام السياسي في الإسلام (رأي الشيعة - رأي السُنةّ - حكم الشرع)، (قم - 1998). الخطط السياسية لتوحيد الأمة الإسلامية، دار الفجر، ط 2، (لندن - 1994).
ثالثاً: المراجع المعربة 397. الأردكاني، رضا الداودي. الفكر العربي والحضارة العربية، تعريب: عبد الرحمن العلوي، دار الهادي، (بيروت - 2004).
398. بروكلمان، كارل. تاريخ الأدب العربي، نقله إلى العربية، د. السيد يعقوب سكر، راجع ترجمته: د. رمضان عبد التواب، مؤسسة دار الكتاب الإسلامي، (قم - 2005).
399. جب، هاملتون. دراسات في حضارة العرب، تح: ستغافورد دشبنو، وليم بوك، ترجمة: د. إحسان عباس، محمد يوسف نجم، محمد زايد، دار العلم للملايين، ط 3، (بيروت - 1979).
400. دانييل، دينيت. الحرية والإسلام، ترجمة: فوزي فهمي جاد الله، دار مكتبة الحياة، (بيروت - 1960).
401. دوزي، رينهارت. تكملة المعاجم العربية، ترجمة: محمد سليم النعيمي، مراجعة: جمال الدين الخياط، دار الشؤون الثقافية العامة، (بغداد - 1997).
402. ديموبين، موريس. النظم الإسلامية، نقله إلى العربية عن الفرنسية: صالح الشماع، وفيصل السامر، مطبعة الزهراء، (بغداد - 1952).
403. سيديو، ل. تاريخ العرب العام، ترجمة: عبد الله علي الشيخ، (عمّان - 2002).
404. فالتر، هانتس. المكاييل والأوزان الإسلامية، ترجمة: كامل العسلي، مطبعة
ص: 401
القوات المسلحة الأردنية، (عمّان 1970).
405. فلتيشسكي، أ. م. الأدب العربي، ترجمة من الروسية إلى الإنكليزية: هيلدا كاستينا، ترجمه إلى العربية: كاظم سعد الدين، دار المأمون، (بغداد - 2012).
406. فلهاوزن، يوليوس. تاريخ الدولة العربية، ترجمة: محمد عبد الهادي أبو ريدة، ط 2، (القاهرة - 1968) 407. كارليل، توماس. الأبطال، دار الكاتب العربي، ترجمة: محمد السباعي، (بيروت - د. ت).
408. كوربن، هنري. تاريخ الفلسفة الإسلامية، ترجمة: نصير مروة، دار عويدات، (بيروت - 1996). عن الإسلام في إيران (مشاهد روحية وفلسفية) نقله إلى العربية وقدّم له وحقق نصوصه: نواف الموسوي، دار النهار، (بيروت - 2000).
409. لاند، روم. الإسلام والعرب، نقله إلى العربية: منير البعلبكي، دار العلم للملايين، (بيروت - 1962).
410. لوبون، غوستاف. حضارة العرب، نقله إلى العربية: عادل زعيتر، طبع مطبعة عيسى البابي، ط 4، (القاهرة - 1958).
411. المودودي، أبو الأعلى. أسس الاقتصاد بين الإسلام والنظم المعاصرة، نقله إلى العربية: عاصم حداد، (د. م - د. ت) 412. هالسي، جورج. إدارة الناس فن، ترجمة: أحمد زكي محمد، دار المعارف، ط 2، (القاهرة - 1958).
413. وات، مونتغمري. محمد في المدينة، ترجمة: شعبان بركات، المكتبة العصرية، (بيروت - د. ت).
414. ول، ديوارنت. قصة الحضارة، ترجمة: د. زكي نجيب محمود، محمد بدران، مكتبة الأسرة، (مصر - 2001).
ص: 402
رابعاً: المجلات والدوريات 415. الأبياري، إبراهيم. شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد، بحث منشور ضمن مجلة التراث الإسلامية، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، (مصر - 1964).
416. بستانة، حسين. أدب الإمام علي علیه السلام ونهج البلاغة، بحث منشور ضمن مجلة الموسم، المركز الثقافي لتراث أهل البيت، ع 7، (هولندا - 1990).
417. خلوصي، صفاء. الكنوز الدفينة في شرح ابن أبي الحديد لنهج البلاغة، بحث منشور ضمن مجلة المعلم الجديد، وزارة المعارف، (العراق - د. ت) مج 24 / ج / 3 (لسنة 1961).
418. الدوري، عبد العزيز. في التنظيم الإداري في صدر الإسلام، بحث منشور ضمن مجلة العلوم الاجتماعية، (جامعة الكويت - 1981(، عدد خاص.
419. السامر، فيصل. التجارة في العصور الوسطى، بحث منشور ضمن مجلة المؤرخ العربي، الأمانة العامة لاتحاد المؤرخين العرب، العدد 17، (لسنة 1981).
420. الشيخ حمد. عبد الله أحمد، الفقير والمسكين والزكاة وزكاة الفطر في الفقه الإسلامي، بحث منشور ضمن مجلة البحوث والدراسات الإسلامية، ديوان الوقف السُنيّ، (العراق - 2005)، ع 23 (لسنة 2011).
421. ضروف، يعقوب، ونمر فارس. عهد الإمام علي علیه السلام، وكتاب السلطان بايزيد الثاني، بحث منشور ضمن مجلة المقتطف، (القاهرة، 1913)، مج 24 لشهر مارس، (لسنة 1913).
422. عبد الستار، حامد. الفقه الإسلامي وتطوره منذ نشأته حتى عصرنا الحاضر، بحث منشور ضمن مجلة دراسات عربية وإسلامية، (بغداد - 1982)، ع 1 / السنة الأولى.
423. عرشي، امتياز علي. استناد نهج البلاغة، تعريب: عامر الأنصاري، بحث منشور
ص: 403
ضمن مجلة ثقافة الهند، مطبعة (ق)، (الهند - 1957)، ع / 7، مجلد 8 / 64.
424. العلي، صالح أحمد. العطاء في الحجاز، تطور تنظيمه في العهود الإسلامية الأولى، بحث منشور ضمن مجلة المجمع العلمي العراقي، (بغداد - 1970) مجلد / 20. تنظيم جبايات الصدقات في القرن الأول الهجري، بحث منشور ضمن مجلة العرب، (الرياض - 1969)، ج 10 / السنة الثالثة.
425. غزوان، عناد. الخصائص الفنية لأدب الإمام علي علیه السلام، بحث منشور ضمن مجلة الموسم، المركز الثقافي لتراث أهل البيت، (هولندا - 1990)، ع / 7.
426. كوربن، هنري. الإسلام والأدب العربي، بحث منشور، مجلة الفكر الإسلامي، مطبعة المتوسط، (لبنان - 1997)، ع / 164، السنة الرابعة.
427. خورشيد. (بيت المال، الخراج)، بحث منشور ضمن دائرة المعارف الإسلامي، إعداد إبراهيم تركي خورشيد، أحمد الشنتاوي، عبد الحميد يونس، دار الشعب، (القاهرة - د. ت).
428. الملاح، هاشم. أساليب تداول السلطة في الدولة العربية الإسلامية، بحث منشور ضمن مجلة آداب الرافدين، (الموصل - 1976)، ع (7).
خامساً: الرسائل والأطاريح الجامعية والبحوث المخطوطة.
429. الأرناؤوطي، إياد محمد علي. حقوق الإنسان في عهد الإمام علي علیه السلام إلى مالك الأشتر، بحث مخطوط، كلية التربية ابن رشد، (جامعة بغداد - 2009). معالم نظرية إدارة الدولة في عهد الأشتر، بحث مخطوط، (جامعة بغداد - 2009).
430. الطائي، نعمة دهش: نهج البلاغة في ضوء علم الاجتماع، أُطروحة دكتوراه غير منشورة، (جامعة بغداد، كلية التربية - ابن رشد، 2011).
ص: 404
سادساً: المراجع الأجنبية:
431. Petite Robert،Dictionaries langage Francis – Arabic – (Paris – Novell eedition،1977).
432. Gladden، An Introdction to pblic Administration (London – 1952).
ص: 405
ص: 406
الإهداء...9
مقدمة المؤسسة...13
المقدمة...17
الفصل الأول الفكر والإدارة المبحث الأول: الفكر...27
المبحث الثاني: الإدارة...39
المبحث الثالث: الإدارة وخصائصها...65
خصائص الإدارة عند الإمام علي...75
الفصل الثاني المؤسسات الإدارية في فكر الإمام علي علیه السلام
أولًا: الخلافة...87
خلافة أبي بكر...125
خلافة عمر...137
خلافة عثمان...169
الإمام علي علیه السلام والخلافة...173
أسباب قبول الإمام علي علیه السلام الخلافة...183
ص: 407
ثانيًا: القضاء...187
ثالثًا: الوزارة...203
رابعًا: الولاية...209
خامسًا: العمال...235
سادسًا: الحسبة...239
سابعًا: الكتاب...243
ثامناً: الجيش...249
الفصل الثالث الإدارة المالية
أولًا: الخراج...265
ثانيًا: الفيء...295
ثالثًا: الزكاة...307
رابعًا: الصدقة...325
خامساً: العطاء...339
الخاتمة...353
المصادر والمراجع...357
ص: 408