موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 25 العروة الوثقی المجلد 2

هوية الكتاب

عنوان واسم المؤلف: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 25 العروة الوثقی المجلد 2/ [روح الله الامام الخمیني قدس سرة].

مواصفات النشر : طهران : موسسة تنظیم و نشر آثارالامام الخمیني قدس سرة، 1401.

مواصفات المظهر: 709ص.

الصقيع: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة

ISBN: 9789642123568

حالة القائمة: الفيفا

ملاحظة: الببليوغرافيا مترجمة.

عنوان : الخميني، روح الله، قائد الثورة ومؤسس جمهورية إيران الإسلامية، 1279 - 1368.

عنوان : الفقه والأحكام

المعرف المضاف: معهد الإمام الخميني للتحرير والنشر (س)

ترتيب الكونجرس: BP183/9/خ8الف47 1396

تصنيف ديوي : 297/3422

رقم الببليوغرافيا الوطنية : 3421059

عنوان الإنترنت للمؤسسة: https://www.icpikw.ir

خيرانديش ديجيتال: مركز خدمة مدرسة اصفهان

ویراستار: محمّد علي ملك محمّد

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

كتاب الصوم

اشارة

وهو الإمساك عمّا يأتي من المفطرات بقصد القربة ، وينقسم إلى الواجب والمندوب والحرام والمكروه بمعنى قلّة الثواب .

والواجب منه ثمانية : صوم شهررمضان ، وصوم القضاء ، وصوم الكفّارة على كثرتها ، وصوم بدل الهدي في الحجّ ، وصوم النذر(1) والعهد واليمين ، وصوم الإجارة ونحوها كالمشروط في ضمن العقد ، وصوم الثالث من أيّام الاعتكاف ، وصوم الولد الأكبر عن أحد أبويه ، ووجوبه في شهر رمضان من ضروريات الدين ، ومنكره مرتدّ يجب قتله ومن أفطر فيه لا مستحلاًّ عالماً عامداً يعزّر بخمسة(2) وعشرين سوطاً ، فإن عاد عزّر ثانياً ، فإن عاد قتل على الأقوى وإن كان الأحوط قتله في الرابعة ، وإنّما يقتل في الثالثة أو الرابعة إذا عزّر في كلّ من المرّتين أو الثلاث وإذا ادّعى شبهة محتملة في حقّه درئ عنه الحدّ .

ص: 5


1- - الأقوى عدم وجوب المنذور وشبهه بعنوان ذاته كما مرّ فلا يكون الصوم المنذور من أقسام الواجب .
2- - هذا التقدير إنّما هو وارد في الجماع لا غير.

فصل : في النيّة

يجب في الصوم القصد إليه مع القربة والإخلاص كسائر العبادات ، ولا يجب الإخطار ، بل يكفي الداعي ، ويعتبر فيما عدا شهر رمضان حتّى الواجب المعيّن أيضاً القصد إلى نوعه من الكفّارة أو القضاء أو النذر ؛ مطلقاً كان أو مقيّداً بزمان معيّن ؛ من غير فرق بين الصوم الواجب والمندوب ، ففي المندوب أيضاً(1) يعتبر تعيين نوعه من كونه صوم أيّام البيض - مثلاً - أو غيرها من الأيّام المخصوصة ، فلا يجزي القصد إلى الصوم مع القربة من دون تعيين النوع ؛ من غير فرق بين ما إذا كان ما في ذمّته متّحداً أو متعدّداً ، ففي صورة الاتّحاد أيضاً يعتبر تعيين النوع ، ويكفي التعيين الإجمالي ، كأن يكون ما في ذمّته واحداً ، فيقصد ما في ذمّته وإن لم يعلم أ نّه من أيّ نوع ، وإن كان يمكنه الاستعلام أيضاً ، بل فيما إذا كان ما في ذمّته متعدّداً أيضاً يكفي التعيين الإجمالي ، كأن ينوي ما اشتغلت ذمّته به أوّلاً أو ثانياً أو نحو ذلك ، وأمّا في شهر رمضان فيكفي قصد الصوم وإن لم ينو كونه من رمضان ، بل لو نوى فيه غيره جاهلاً أو ناسياً له أجزأ عنه ، نعم إذا كان عالماً به وقصد غيره لم يجزه ، كما لا يجزي لما قصده أيضاً ، بل إذا قصد غيره عالماً به مع تخيّل صحّة الغير فيه ثمّ علم بعدم الصحّة وجدّد نيّته قبل الزوال لم يجزه أيضاً ، بل الأحوط عدم الإجزاء إذا كان جاهلاً بعدم صحّة غيره فيه وإن لم يقصد الغير أيضاً ، بل قصد الصوم في الغد مثلاً ، فيعتبر في مثله(2)

ص: 6


1- - الأقوى عدم اعتبار التعيين في المندوب المطلق ، فلو نوى صوم غد متقرّبا إلى اللّه صحّ ووقع ندبا ، مع كون الزمان صالحا ، والشخص جائزاً له التطوّع بالصوم . نعم ، في إحراز الخصوصية لا بدّ من القصد .
2- - الأقوى صحّة صومه وعدم اعتبار تعيين كونه من شهر رمضان .

تعيين كونه من رمضان ، كما أنّ الأحوط في المتوخّي - أي المحبوس الذي اشتبه عليه شهر رمضان وعمل بالظنّ - أيضاً ذلك ؛ أي اعتبار قصد كونه من رمضان ، بل وجوب ذلك لا يخلو عن قوّة .

(مسألة 1) : لا يشترط التعرّض للأداء والقضاء ولا الوجوب والندب ولا سائر الأوصاف الشخصية ، بل لو نوى شيئاً منها في محلّ الآخر صحّ ، إلاّ إذا كان منافياً للتعيين ؛ مثلاً إذا تعلّق به الأمر الأدائي فتخيّل كونه قضائياً ، فإن قصد الأمر الفعلي المتعلّق به واشتبه في التطبيق فقصده قضاءً صحّ ، وأمّا إذا لم يقصد الأمر الفعلي بل قصد الأمر القضائي بطل(1) ؛ لأ نّه منافٍ للتعيين حينئذٍ ، وكذا يبطل إذا كان مغيّراً للنوع ، كما إذا قصد الأمر الفعلي لكن بقيد كونه قضائياً - مثلاً - أو بقيد كونه وجوبياً - مثلاً - فبان كونه أدائياً أو كونه ندبياً ، فإنّه حينئذٍ مغيّر للنوع ويرجع إلى عدم قصد الأمر الخاصّ .

(مسألة 2) : إذا قصد صوم اليوم الأوّل من شهر رمضان فبان أنّه اليوم الثاني - مثلاً - أو العكس صحّ ، وكذا لو قصد اليوم الأوّل من صوم الكفّارة أو غيرها فبان الثاني - مثلاً - أو العكس ، وكذا إذا قصد قضاء رمضان السنة الحالية فبان أ نّه قضاء رمضان السنة السابقة وبالعكس .

(مسألة 3) : لا يجب العلم بالمفطرات على التفصيل ، فلو نوى الإمساك عن اُمور يعلم دخول جميع المفطرات فيها كفى .

(مسألة 4) : لو نوى الإمساك عن جميع المفطرات ولكن تخيّل أنّ المفطر

ص: 7


1- - الحكم فيه وفيما بعده مبنيّ على الاحتياط .

الفلاني ليس بمفطر ، فإن ارتكبه في ذلك اليوم بطل صومه ، وكذا إن لم يرتكبه ولكنّه لاحظ في نيّته الإمساك عمّا عداه(1) ، وأمّا إن لم يلاحظ ذلك صحّ صومه في الأقوى .

(مسألة 5) : النائب عن الغير لا يكفيه قصد الصوم بدون نيّة النيابة وإن كان متّحداً ، نعم لو علم باشتغال ذمّته بصوم ولا يعلم أ نّه له أو نيابة عن الغير يكفيه(2) أن يقصد ما في الذمّة.

(مسألة 6) : لا يصلح شهر رمضان لصوم غيره - واجباً كان ذلك الغير أو ندباً - سواء كان مكلّفاً بصومه أو لا ، كالمسافر ونحوه ، فلو نوى صوم غيره لم يقع عن ذلك الغير ؛ سواء كان عالماً بأ نّه رمضان أو جاهلاً ، وسواء كان عالماً بعدم وقوع غيره فيه أو جاهلاً ، ولا يجزي عن رمضان أيضاً إذا كان مكلّفاً به مع العلم والعمد ، نعم يجزي عنه مع الجهل أو النسيان كما مرّ ، ولو نوى في شهر رمضان قضاء رمضان الماضي أيضاً لم يصحّ قضاءً ولم يجز عن رمضان أيضاً ، مع العلم والعمد .

(مسألة 7) : إذا نذر صوم يوم بعينه لا تجزيه نيّة الصوم بدون تعيين أ نّه للنذر ولو إجمالاً كما مرّ ، ولو نوى غيره فإن كان مع الغفلة عن النذر صحّ ، وإن كان مع العلم والعمد ففي صحّته إشكال(3) .

ص: 8


1- - الأقوى صحّة صومه إذا قصد عنوان الصوم ولو قصد الإتيان بما تخيّل أ نّه ليس بمفطر أو قصد الإمساك عمّا عداه .
2- - محلّ إشكال .
3- - الأقوى هو الصحّة .

(مسألة 8) : لو كان عليه قضاء رمضان السنة التي هو فيها ، وقضاء رمضان السنة الماضية، لا يجب عليه(1) تعيين أ نّه من أيّ منهما ، بل يكفيه نيّة الصوم قضاءً ، وكذا إذا كان عليه نذران(2) كلّ واحد يوم أو أزيد ، وكذا إذا كان عليه كفّارتان غير مختلفتين في الآثار .

(مسألة 9) : إذا نذر صوم يوم خميس معيّن ، ونذر صوم يوم معيّن من شهر معيّن ، فاتّفق في ذلك الخميس المعيّن يكفيه صومه ، ويسقط(3) النذران فإن قصدهما اُثيب عليهما وإن قصد أحدهما اُثيب عليه ، وسقط عنه الآخر .

(مسألة 10) : إذا نذر صوم يوم معيّن ، فاتّفق ذلك اليوم في أيّام البيض - مثلاً - فإن قصد وفاء النذر وصوم أيّام البيض اُثيب عليهما ، وإن قصد النذر فقط اُثيب عليه فقط وسقط الآخر ، ولا يجوز أن يقصد أيّام البيض دون وفاء النذر .

(مسألة 11) : إذا تعدّد في يوم واحد جهات من الوجوب أو جهات من

ص: 9


1- - مع سعة الوقت لإتيانهما قبل شهر رمضان .
2- - إذا كان النذران مطلقين ، وأمّا في نذر الشكر والزجر إذا كانا في نوعين وكذا في الكفّارتين إذا كانتا لنوعين ، فلا يبعد وجوب التعيين . نعم ، لو كانت الكفّارتان لنوع واحد فلا يبعد عدم وجوب التعيين ، فمن وجبت عليه كفّارة يومين من شهر رمضان فالظاهر عدم وجوب تعيين أ نّها من أيّهما ، وأمّا لو كانت عليه كفّارة ظهار وكفّارة قتل خطأ فالظاهر وجوب التعيين ، وكذا الحال في النذر ، فمن نذر أ نّه لو وفّق لزيارة مولانا الحسين عليه السلام فصام يوماً ثمّ نذر يوماً آخر لذلك فالظاهر عدم وجوب التعيين ، وأمّا لو نذر يوماً لصحّته من مرض ويوماً للزيارة فالظاهر وجوب التعيين .
3- - لو قصدهما ، وأمّا لو لم يقصد إلاّ واحداً منهما فتحقّق الوفاء بالنسبة إلى ما قصد دون غيره ، ولا يبعد ثبوت الكفّارة بالنسبة إلى غير المقصود .

الاستحباب أو من الأمرين فقصد الجميع اُثيب على الجميع ، وإن قصد البعض دون البعض اُثيب على المنويّ وسقط الأمر بالنسبة إلى البقيّة .

(مسألة 12) : آخر وقت النيّة(1) في الواجب المعيّن - رمضان كان أو غيره - عند طلوع الفجر الصادق ، ويجوز التقديم في أيّ جزء من أجزاء ليلة اليوم الذي يريد صومه ، ومع النسيان أو الجهل بكونه رمضان أو المعيّن الآخر ، يجوز متى تذكّر إلى ما قبل الزوال ؛ إذا لم يأت بمفطر ، وأجزأه عن ذلك اليوم ولا يجزيه إذا تذكّر بعد الزوال ، وأمّا في الواجب الغير المعيّن فيمتدّ وقتها اختياراً من أوّل الليل إلى الزوال ، دون ما بعده على الأصحّ ، ولا فرق في ذلك بين سبق التردّد أو العزم على العدم ، وأمّا في المندوب فيمتدُّ إلى أن يبقى من الغروب زمان يمكن تجديدها فيه على الأقوى .

(مسألة 13) : لو نوى الصوم ليلاً ، ثمّ نوى الإفطار ، ثمّ بدا له الصوم قبل الزوال فنوى وصام قبل أن يأتي بمفطر صحّ(2) على الأقوى ، إلاّ أن يفسد صومه برياء ونحوه ؛ فإنّه لا يجزيه لو أراد التجديد قبل الزوال على الأحوط(3) .

(مسألة 14) : إذا نوى الصوم ليلاً ، لا يضرّه الإتيان بالمفطر بعده قبل الفجر ، مع بقاء العزم على الصوم .

ص: 10


1- - لا وقت للنيّة شرعاً ، بل المعيار حصول الصوم عن عزم باقٍ في النفس ولو ذهل عنه بنوم وشبهه ، ولا فرق في حدوث هذا العزم بين أجزاء ليلة اليوم الذي يريد صومه أو قبلها ، فلو عزم على صوم الغد من اليوم الماضي ونام على هذا العزم إلى آخر الغد صحّ صومه على الأصحّ .
2- - مفروض المسألة في مورد قلنا بصحّة تجديد نيّته إلى قبل الزوال كالناسي والجاهل .
3- - بل الأقوى .

(مسألة 15) : يجوز(1) في شهر رمضان أن ينوي لكلّ يوم نيّة على حدة ، والأولى أن ينوي صوم الشهر جملة ، ويجدّد النيّة لكلّ يوم ، ويقوى الاجتزاء بنيّة واحدة للشهر كلّه ، لكن لا يترك الاحتياط بتجديدها لكلّ يوم ، وأمّا في غير شهر رمضان من الصوم المعيّن فلا بدّ من نيّته لكلّ يوم ؛ إذا كان عليه أيّام كشهر أو أقلّ أو أكثر .

(مسألة 16) : يوم الشكّ في أ نّه من شعبان أو رمضان يبني على أ نّه من شعبان ، فلا يجب صومه ، وإن صام ينويه ندباً أو قضاءً أو غيرهما ، ولو بان بعد ذلك أ نّه من رمضان أجزأ عنه ووجب عليه تجديد النيّة إن بان في أثناء النهار ولو كان بعد الزوال ، ولو صامه بنيّة أ نّه من رمضان لم يصحّ وإن صادف الواقع .

(مسألة 17) : صوم يوم الشكّ يتصوّر على وجوه : الأوّل : أن يصوم على أ نّه من شعبان ، وهذا لا إشكال فيه ؛ سواء نواه ندباً أو بنيّة ما عليه من القضاء أو النذر أو نحو ذلك ، ولو انكشف بعد ذلك أ نّه كان من رمضان أجزأ عنه وحسب كذلك . الثاني : أن يصومه بنيّة أ نّه من رمضان ، والأقوى بطلانه وإن صادف الواقع . الثالث : أن يصومه على أ نّه إن كان من شعبان كان ندباً أو قضاءً - مثلاً - وإن كان من رمضان كان واجباً ، والأقوى بطلانه أيضاً(2) . الرابع : أن يصومه بنيّة القربة المطلقة بقصد ما في الذمّة وكان في ذهنه أ نّه إمّا من رمضان أو غيره ؛ بأن يكون الترديد في المنويّ لا في نيّته ، فالأقوى صحّته وإن كان الأحوط خلافه .

(مسألة 18) : لو أصبح يوم الشكّ بنيّة الإفطار ، ثمّ بان له أ نّه من الشهر ، فإن

ص: 11


1- - كأنّ هذه المسألة أو بعض فروعها مبتنية على كون النيّة بمعنى الخطور .
2- - لا تبعد الصحّة في خصوص هذا الفرع ولو كان الترديد في النيّة .

تناول المفطر وجب عليه القضاء ، وأمسك بقيّة النهار وجوباً تأدّباً ، وكذا لو لم يتناوله ولكن كان بعد الزوال ، وإن كان قبل الزوال ولم يتناول المفطر جدّد النيّة وأجزأ عنه .

(مسألة 19) : لو صام يوم الشكّ بنيّة أ نّه من شعبان ؛ ندباً أو قضاءً أو نحوهما ، ثمّ تناول المفطر نسياناً ، وتبيّن بعده أ نّه من رمضان أجزأ عنه أيضاً ، ولا يضرّه تناول المفطر نسياناً ، كما لو لم يتبيّن ، وكما لو تناول المفطر نسياناً بعد التبيّن .

(مسألة 20) : لو صام بنيّة شعبان ثمّ أفسد صومه برياء ونحوه لم يجزه عن رمضان ، وإن تبيّن له كونه منه قبل الزوال .

(مسألة 21) : إذا صام يوم الشكّ بنيّة شعبان ، ثمّ نوى الإفطار وتبيّن كونه من رمضان قبل الزوال قبل أن يفطر فنوى صحّ صومه، وأمّا إن نوى الإفطار(1) في يوم من شهر رمضان عصياناً ، ثمّ تاب فجدّد النيّة قبل الزوال لم ينعقد صومه ، وكذا لو صام يوم الشكّ بقصد واجب معيّن ثمّ نوى الإفطار عصياناً ثمّ تاب فجدّد النيّة بعد تبيّن كونه من رمضان قبل الزوال .

(مسألة 22) : لو نوى القطع أو القاطع(2) في الصوم الواجب المعيّن بطل صومه؛ سواء نواهما من حينه أو فيما يأتي ، وكذا لو تردّد . نعم ، لو كان تردّده من جهة الشكّ في بطلان صومه وعدمه لعروض عارض لم يبطل وإن استمرّ ذلك إلى

ص: 12


1- - هذا في نيّة القطع صحيح ، وأمّا نيّة القاطع فليست بمفطرة على الأقوى ، وكذا الحال في الفرع الآتي .
2- - قد مرّ أنّ الأقوى عدم بطلانه بنيّة القاطع وإن كانت مستلزمة لنيّة القطع تبعاً ، نعم لو نوى القاطع وتوجّه إلى الاستلزام ونوى القطع استقلالاً بطل على الأقوى .

أن يسأل ، ولا فرق في البطلان بنيّة القطع أو القاطع أو التردّد بين أن يرجع إلى نيّة الصوم قبل الزوال أم لا ، وأمّا في غير الواجب المعيّن فيصحّ لو رجع قبل الزوال .

(مسألة 23) : لا يجب معرفة كون الصوم هو ترك المفطرات مع النيّة أو كفّ النفس عنها معها .

(مسألة 24) : لا يجوز العدول من صوم إلى صوم - واجبين كانا أو مستحبّين أو مختلفين - وتجديد نيّة رمضان إذا صام يوم الشكّ بنيّة شعبان ليس من باب العدول ، بل من جهة(1) أنّ وقتها موسّع لغير العالم به إلى الزوال .

فصل : فيما يجب الإمساك عنه في الصوم من المفطرات

وهي اُمور :

الأوّل والثاني : الأكل والشرب ؛ من غير فرق في المأكول والمشروب بين المعتاد كالخبز والماء ونحوهما وغيره كالتراب والحصى وعصارة الأشجار ونحوها ، ولا بين الكثير والقليل كعشر حبّة الحنطة أو عشر قطرة من الماء أو غيرها من المائعات ، حتّى أ نّه لو بلّ الخيّاط الخيط بريقه أو غيره ثمّ ردّه إلى الفم وابتلع ما عليه من الرطوبة بطل صومه ، إلاّ إذا استهلك ما كان عليه من الرطوبة بريقه على وجه لا يصدق عليه الرطوبة الخارجية ، وكذا لو استاك وأخرج المسواك من فمه وكان عليه رطوبة ثمّ ردّه إلى الفم ، فإنّه لو ابتلع ما عليه بطل صومه ، إلاّ مع الاستهلاك على الوجه المذكور ، وكذا يبطل بابتلاع ما يخرج من بقايا الطعام من بين أسنانه .

ص: 13


1- - في التعليل إشكال .

(مسألة 1) : لا يجب التخليل بعد الأكل لمن يريد الصوم وإن احتمل أنّ تركه يؤدّي إلى دخول البقايا بين الأسنان في حلقه ، ولا يبطل صومه لو دخل بعد ذلك سهواً ، نعم لو علم أنّ تركه يؤدّي إلى ذلك وجب عليه وبطل صومه على فرض(1) الدخول .

(مسألة 2) : لا بأس ببلع البصاق وإن كان كثيراً مجتمعاً ، بل وإن كان اجتماعه بفعل ما يوجبه - كتذكّر الحامض مثلاً - لكن الأحوط الترك في صورة الاجتماع ، خصوصاً مع تعمّد السبب .

(مسألة 3) : لا بأس بابتلاع ما يخرج من الصدر من الخلط ، وما ينزل من الرأس ما لم يصل إلى فضاء الفم ، بل الأقوى جواز الجرّ من الرأس إلى الحلق وإن كان الأحوط تركه ، وأمّا ما وصل منهما إلى فضاء الفم فلا يترك الاحتياط فيه بترك الابتلاع .

(مسألة 4) : المدار صدق الأكل والشرب وإن كان بالنحو الغير المتعارف ، فلا يضرّ مجرّد الوصول إلى الجوف إذا لم يصدق الأكل أو الشرب ، كما إذا صبّ دواءً في جرحه ، أو شيئاً في اُذنه أو إحليله فوصل إلى جوفه ، نعم إذا وصل من طريق أنفه فالظاهر أ نّه موجب للبطلان إن كان متعمّداً ؛ لصدق الأكل والشرب حينئذٍ .

(مسألة 5) : لا يبطل الصوم بإنفاذ الرمح أو السكّين أو نحوهما بحيث يصل إلى الجوف وإن كان متعمّداً .

الثالث : الجماع وإن لم ينزل ؛ للذكر والاُنثى ، قبلاً أو دبراً ، صغيراً كان أو

ص: 14


1- - بل مطلقاً على الأحوط .

كبيراً ، حيّاً أو ميّتاً ، واطئاً كان أو موطوءاً ، وكذا لو كان الموطوء بهيمة ، بل وكذا لو كانت هي الواطئة ، ويتحقّق بإدخال الحشفة أو مقدارها(1) من مقطوعها ، فلا يبطل بأقلّ من ذلك ، بل لو دخل بجملته ملتوياً ولم يكن بمقدار الحشفة لم يبطل(2) وإن كان لو انتشر كان بمقدارها .

(مسألة 6) : لا فرق في البطلان بالجماع بين صورة قصد الإنزال به وعدمه .

(مسألة 7) : لا يبطل الصوم بالإيلاج في غير أحد الفرجين بلا إنزال ، إلاّ إذا كان قاصداً له فإنّه يبطل وإن لم ينزل ؛ من حيث إنّه نوى المفطر(3) .

(مسألة 8) : لا يضرّ إدخال الإصبع ونحوه لا بقصد(4) الإنزال .

(مسألة 9) : لا يبطل الصوم بالجماع إذا كان نائماً أو كان مكرهاً بحيث خرج عن اختياره ، كما لا يضرّ إذا كان سهواً .

(مسألة 10) : لو قصد التفخيذ - مثلاً - فدخل في أحد الفرجين لم يبطل ، ولو قصد الإدخال في أحدهما فلم يتحقّق كان مبطلاً(5) من حيث إنّه نوى المفطر .

(مسألة 11) : إذا دخل الرجل بالخنثى قبلاً لم يبطل صومه ولا صومها ، وكذا لو دخل الخنثى بالاُنثى ولو دبراً ، أمّا لو وطئ الخنثى دبراً(6) بطل صومهما ، ولو

ص: 15


1- - الأحوط البطلان بمطلق الدخول في مقطوع الحشفة ، بل لا يخلو ذلك من قوّة .
2- - بل يبطل على الأحوط .
3- - تقدّم التفصيل في ذلك .
4- - بل مطلقاً إذا لم ينزل .
5- - تقدّم ما هو الأقوى .
6- - وكان الواطئ غير الخنثى .

دخل الرجل بالخنثى ودخلت(1) الخنثى بالاُنثى بطل صوم الخنثى دونهما ، ولو وطئت كلّ من الخنثيين الاُخرى لم يبطل صومهما .

(مسألة 12) : إذا جامع نسياناً أو من غير اختيار ثمّ تذكّر أو ارتفع الجبر وجب الإخراج فوراً ، فإن تراخى بطل صومه .

(مسألة 13) : إذا شكّ في الدخول ، أو شكّ في بلوغ مقدار الحشفة(2) لم يبطل صومه .

الرابع من المفطرات : الاستمناء ؛ أي إنزال المنيّ متعمّداً بملامسة أو قبلة أو تفخيذ أو نظر أو تصوير صورة الواقعة أو تخيّل صورة امرأة أو نحو ذلك من الأفعال التي يقصد بها حصوله ، فإنّه مبطل للصوم بجميع أفراده ، وأمّا لو لم يكن قاصداً للإنزال وسبقه المنيّ من دون إيجاد شيء ممّا يقتضيه لم يكن عليه شيء .

(مسألة 14) : إذا علم من نفسه أ نّه لو نام في نهار رمضان يحتلم فالأحوط تركه ، وإن كان الظاهر جوازه ، خصوصاً إذا كان الترك موجباً للحرج .

(مسألة 15) : يجوز للمحتلم في النهار الاستبراء(3) بالبول أو الخرطات ؛ وإن علم بخروج بقايا المنيّ في المجرى ، ولا يجب عليه التحفّظ بعد الإنزال من خروج المنيّ إن استيقظ قبله ، خصوصاً مع الإضرار أو الحرج .

ص: 16


1- - أي دخل بقبلها .
2- - مرّ أنّ الأحوط في مقطوعها مبطلية مطلق الدخول ، بل لا تخلو من وجه ، فحينئذٍ لو شكّ مقطوع الحشفة في أصل الدخول لم يحكم ببطلان صومه ، دون ما لو علم الدخول وشكّ في بلوغ مقدارها .
3- - قبل الغسل ، وأمّا بعده فمع العلم بخروج المنيّ فالأحوط - لو لم يكن الأقوى - تركه .

(مسألة 16) : إذا احتلم في النهار وأراد الاغتسال فالأحوط تقديم الاستبراء ؛ إذا علم أ نّه لو تركه خرجت البقايا بعد الغسل فتحدث جنابة جديدة .

(مسألة 17) : لو قصد الإنزال بإتيان شيء ممّا ذكر ولكن لم ينزل بطل صومه ؛ من باب نيّة إيجاد المفطر(1) .

(مسألة 18) : إذا أوجد بعض هذه الأفعال لا بنيّة الإنزال ، لكن كان من عادته الإنزال بذلك الفعل بطل صومه أيضاً إذا أنزل ، وأمّا إذا أوجد بعض هذه ولم يكن قاصداً للإنزال ولا كان من عادته فاتّفق أ نّه أنزل(2) ، فالأقوى عدم البطلان وإن كان الأحوط القضاء ، خصوصاً في مثل الملاعبة والملامسة والتقبيل .

الخامس : تعمّد الكذب على اللّه تعالى أو رسوله أو الأئمّة - صلوات اللّه عليهم - سواء كان متعلّقاً باُمور الدين أو الدنيا ، وسواء كان بنحو الإخبار أو بنحو الفتوى(3) ، بالعربي أو بغيره من اللغات ؛ من غير فرق بين أن يكون بالقول أو الكتابة أو الإشارة أو الكناية أو غيرها ممّا يصدق عليه الكذب عليهم ، ومن غير فرق(4) بين أن يكون الكذب مجعولاً له أو جعله غيره وهو أخبر به مسنداً إليه ، لا على وجه نقل القول ، وأمّا لو كان على وجه الحكاية ونقل القول فلا يكون مبطلاً .

ص: 17


1- - تقدّم التفصيل فيها .
2- - من غير استناد إلى اختياره ، وأمّا إذا أوجد الأفعال ووصل الأمر إلى حدّ قريب من الإنزال ولم يتحفّظ كما هو الغالب ، فهو بحكم العمد .
3- - بنحو الاستناد على اللّه أو رسوله صلى الله عليه و آله وسلم أو الأئمّة عليهم السلام .
4- - بل ومن غير فرق - على الأحوط - بين الكذب عليهم في أقوالهم أو غيرها ، كالإخبار كاذباً بأ نّهم فعلوا كذا أو كانوا كذا .

(مسألة 19) : الأقوى(1) إلحاق باقي الأنبياء والأوصياء بنبيّنا صلی الله علیه و آله وسلم ، فيكون الكذب عليهم أيضاً موجباً للبطلان، بل الأحوط إلحاق فاطمة الزهراء - سلام اللّه عليها - بهم أيضاً.

(مسألة 20) : إذا تكلّم بالخبر غير موجّه خطابه إلى أحد ، أو موجّهاً إلى من لا يفهم معناه ، فالظاهر عدم البطلان وإن كان الأحوط القضاء .

(مسألة 21) : إذا سأله سائل هل قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم كذا ؟ فأشار «نعم» في مقام «لا» ، أو «لا» في مقام «نعم» بطل صومه .

(مسألة 22) : إذا أخبر صادقاً عن اللّه تعالى أو عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم - مثلاً - ثمّ قال : كذبت ، بطل صومه ، وكذا إذا أخبر بالليل كاذباً ثمّ قال في النهار : ما أخبرت به البارحة صدق .

(مسألة 23) : إذا أخبر كاذباً ثمّ رجع عنه بلا فصل لم يرتفع عنه الأثر ، فيكون صومه باطلاً ، بل وكذا إذا تاب بعد ذلك ، فإنّه لا تنفعه توبته في رفع البطلان .

(مسألة 24) : لا فرق في البطلان بين أن يكون الخبر المكذوب مكتوباً في كتاب من كتب الأخبار أو لا ، فمع العلم بكذبه لا يجوز الإخبار به وإن أسنده إلى ذلك الكتاب ، إلاّ أن يكون ذكره له على وجه الحكاية دون الإخبار ، بل لا يجوز(2) الإخبار به على سبيل الجزم مع الظنّ بكذبه ، بل وكذا مع احتمال كذبه ، إلاّ على سبيل النقل والحكاية ، فالأحوط لناقل الأخبار في شهر

ص: 18


1- - في القوّة إشكال ، فالأحوط الإلحاق .
2- - لكن مفطريته محلّ إشكال بل منع إذا كان الظنّ غير معتبر ، وأولى بالمنع هو احتماله .

رمضان مع عدم العلم بصدق الخبر أن يسنده إلى الكتاب ، أو إلى قول الراوي على سبيل الحكاية .

(مسألة 25) : الكذب على الفقهاء والمجتهدين والرواة وإن كان حراماً لا يوجب بطلان الصوم ، إلاّ إذا رجع إلى الكذب على اللّه ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم .

(مسألة 26) : إذا اضطرّ إلى الكذب على اللّه ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم في مقام التقيّة من ظالم لا يبطل صومه به ، كما أ نّه لا يبطل مع السهو أو الجهل المركّب .

(مسألة 27) : إذا قصد الكذب فبان صدقاً ، دخل في عنوان قصد المفطر بشرط العلم بكونه مفطراً .

(مسألة 28) : إذا قصد الصدق فبان كذباً لم يضرّ ، كما اُشير إليه .

(مسألة 29) : إذا أخبر بالكذب هزلاً ؛ بأن لم يقصد المعنى أصلاً ، لم يبطل صومه .

السادس : إيصال الغبار الغليظ إلى حلقه ، بل وغير الغليظ(1) على الأحوط ؛ سواء كان من الحلال كغبار الدقيق ، أو الحرام كغبار التراب ونحوه ، وسواء كان بإثارته بنفسه بكنس أو نحوه ، أو بإثارة غيره ، بل أو بإثارة الهواء مع التمكين منه وعدم تحفّظه ، والأقوى إلحاق(2) البخار الغليظ ودخان التنباك ونحوه ، ولا بأس بما يدخل في الحلق غفلة أو نسياناً أو قهراً أو مع ترك التحفّظ بظنّ عدم الوصول ونحو ذلك .

ص: 19


1- - والأقوى عدم مفطريته .
2- - في القوّة إشكال في الموردين ، نعم هو الأحوط فيهما .

السابع : الارتماس(1) في الماء ، ويكفي فيه رمس الرأس فيه وإن كان سائر البدن خارجاً عنه ؛ من غير فرق بين أن يكون رمسه دفعة أو تدريجاً على وجه يكون تمامه تحت الماء زماناً ، وأمّا لو غمسه على التعاقب لا على هذا الوجه فلا بأس به وإن استغرقه ، والمراد بالرأس ما فوق الرقبة بتمامه ، فلا يكفي غمس خصوص المنافذ في البطلان وإن كان هو الأحوط ، وخروج الشعر لا ينافي صدق الغمس .

(مسألة 30) : لا بأس برمس الرأس أو تمام البدن في غير الماء من سائر المائعات ، بل ولا رمسه في الماء المضاف وإن كان الأحوط(2) الاجتناب ، خصوصاً في الماء المضاف .

(مسألة 31) : لو لطخ رأسه بما يمنع من وصول الماء إليه ثمّ رمسه في الماء فالأحوط - بل الأقوى - بطلان صومه ، نعم لو أدخل رأسه في إناء كالشيشة ونحوها ورمس الإناء في الماء فالظاهر عدم البطلان .

(مسألة 32) : لو ارتمس في الماء بتمام بدنه إلى منافذ رأسه وكان ما فوق المنافذ من رأسه خارجاً عن الماء كلاًّ أو بعضاً لم يبطل صومه على الأقوى ؛ وإن كان الأحوط البطلان برمس خصوص المنافذ كما مرّ .

(مسألة 33) : لا بأس بإفاضة الماء على رأسه ، وإن اشتمل على جميعه ما لم يصدق الرمس في الماء ، نعم لو أدخل رأسه أو تمام بدنه في النهر المنصبّ من عال إلى السافل ولو على وجه التسنيم فالظاهر البطلان ؛ لصدق الرمس ،

ص: 20


1- - على الأحوط .
2- - لا يترك في مثل الجلاّب خصوصاً مع ذهاب رائحته .

وكذا في الميزاب إذا كان كبيراً وكان الماء كثيراً كالنهر مثلاً .

(مسألة 34) : في ذي الرأسين إذا تميّز الأصلي منهما فالمدار عليه ، ومع عدم التميّز يجب عليه الاجتناب عن رمس كلٍّ منهما ، لكن لا يحكم ببطلان الصوم إلاّ برمسهما(1) ولو متعاقباً .

(مسألة 35) : إذا كان مائعان يعلم بكون أحدهما ماءً يجب الاجتناب عنهما ، ولكن الحكم بالبطلان يتوقّف على الرمس فيهما .

(مسألة 36) : لا يبطل الصوم بالارتماس سهواً أو قهراً أو السقوط في الماء من غير اختيار .

(مسألة 37) : إذا ألقى نفسه من شاهق في الماء بتخيّل عدم الرمس فحصل لم يبطل(2) صومه .

(مسألة 38) : إذا كان مائع لا يعلم أ نّه ماء أو غيره ، أو ماء مطلق أو مضاف(3) لم يجب الاجتناب عنه .

(مسألة 39) : إذا ارتمس نسياناً أو قهراً ثمّ تذكّر أو ارتفع القهر ، وجب عليه المبادرة إلى الخروج وإلاّ بطل صومه .

(مسألة 40) : إذا كان مكرهاً في الارتماس لم يصحّ صومه ، بخلاف ما إذا كان مقهوراً .

ص: 21


1- - ومع كون كلّ منهما أصلياً يفعل به ما يفعل بالآخر ، فالأحوط بطلانه برمس أحدهما .
2- - إذا لم تقض العادة برمسه ، وإلاّ فمع الالتفات فالأحوط إلحاقه بالعمد إلاّ مع العلم بعدم الرمس .
3- - غير مثل الجلاّب .

(مسألة 41) : إذا ارتمس لإنقاذ غريق بطل صومه وإن كان واجباً عليه .

(مسألة 42) : إذا كان جنباً وتوقّف غسله على الارتماس انتقل إلى التيمّم إذا كان الصوم واجباً معيّناً ، وإن كان مستحبّاً أو كان واجباً موسّعاً وجب عليه الغسل وبطل صومه .

(مسألة 43) : إذا ارتمس بقصد الاغتسال في الصوم الواجب المعيّن بطل صومه وغسله(1) إذا كان متعمّداً ، وإن كان ناسياً لصومه صحّا معاً ، وأمّا إذا كان الصوم مستحبّاً أو واجباً موسّعاً بطل صومه وصحّ غسله .

(مسألة 44) : إذا أبطل صومه بالارتماس العمدي ، فإن لم يكن من شهر رمضان ولا من الواجب المعيّن غير رمضان يصحّ له الغسل حال المكث في الماء أو حال الخروج ، وإن كان من شهر رمضان يشكل صحّته حال المكث ؛ لوجوب الإمساك عن المفطرات فيه بعد البطلان أيضاً ، بل يشكل صحّته(2) حال الخروج أيضاً ؛ لمكان النهي السابق ، كالخروج من الدار الغصبية إذا دخلها عامداً ، ومن هنا يشكل صحّة الغسل في الصوم الواجب المعيّن أيضاً ؛ سواء كان في حال المكث أو حال الخروج .

(مسألة 45) : لو ارتمس الصائم في الماء المغصوب ، فإن كان ناسياً للصوم

ص: 22


1- - على الأحوط ؛ بناءً على عدم كون نيّة المفطر مفسداً كما هو الحقّ ، وأمّا بناءً على المفسدية فلا وجه في غير صوم شهر رمضان لبطلان غسله ، وما ذكره في المسألة الآتية غير وجيه .
2- - الأقوى هو الصحّة إذا تاب واغتسل حال الخروج ، والحكم ببطلانه حال المكث والخروج بلا توبة مبنيّ على الاحتياط ، وأمّا في غير شهر رمضان فلا إشكال في صحّته ؛ لعدم حرمة المكث والخروج بعد بطلان الصوم .

وللغصب صحّ صومه وغسله ، وإن كان عالماً بهما بطلا معاً ، وكذا إن كان متذكّراً للصوم(1) ناسياً للغصب ، وإن كان عالماً بالغصب ناسياً للصوم صحّ الصوم دون الغسل .

(مسألة 46) : لا فرق في بطلان الصوم بالارتماس بين أن يكون عالماً بكونه مفطراً أو جاهلاً .

(مسألة 47) : لا يبطل الصوم بالارتماس في الوحل ولا بالارتماس في الثلج.

(مسألة 48) : إذا شكّ في تحقّق الارتماس بنى على عدمه .

الثامن : البقاء على الجنابة عمداً إلى الفجر الصادق في صوم شهر رمضان أو قضائه ، دون غيرهما من الصيام الواجبة والمندوبة على الأقوى وإن كان الأحوط تركه في غيرهما أيضاً ، خصوصاً في الصيام الواجب ؛ موسّعاً كان أو مضيّقاً ، وأمّا الإصباح جنباً من غير تعمّد فلا يوجب البطلان إلاّ في قضاء شهر رمضان على الأقوى ؛ وإن كان الأحوط إلحاق مطلق الواجب الغير المعيّن به في ذلك ، وأمّا الواجب المعيّن - رمضاناً كان أو غيره - فلا يبطل بذلك ، كما لا يبطل مطلق الصوم - واجباً كان أو مندوباً معيّناً أو غيره - بالاحتلام في النهار ، ولا فرق في بطلان الصوم بالإصباح جنباً عمداً بين أن تكون الجنابة بالجماع في الليل أو الاحتلام ، ولا بين أن يبقى كذلك متيقّظاً أو نائماً بعد العلم بالجنابة مع العزم على ترك الغسل . ومن البقاء على الجنابة عمداً الإجناب قبل الفجر متعمّداً في زمان لا يسع الغسل ولا التيمّم ، وأمّا لو وسع التيمّم خاصّة فتيمّم صحّ صومه وإن كان

ص: 23


1- - على الأحوط في الواجب المعيّن ، وأمّا في غيره فصحّ غسله وبطل صومه على الأحوط .

عاصياً في الإجناب ، وكما يبطل الصوم بالبقاء على الجنابة متعمّداً ، كذا يبطل بالبقاء على حدث الحيض والنفاس إلى طلوع الفجر ، فإذا طهرت منهما قبل الفجر وجب عليها الاغتسال أو التيمّم ، ومع تركهما عمداً يبطل صومها ، والظاهر اختصاص البطلان بصوم رمضان وإن كان الأحوط إلحاق قضائه به(1) أيضاً ، بل إلحاق مطلق الواجب بل المندوب أيضاً ، وأمّا لو طهرت قبل الفجر في زمان لا يسع الغسل ولا التيمّم أو لم تعلم بطهرها في الليل حتّى دخل النهار فصومها صحيح(2) ؛ واجباً كان أو ندباً على الأقوى .

(مسألة 49) : يشترط في صحّة صوم المستحاضة على الأحوط(3) الأغسال النهارية التي للصلاة ، دون ما لا يكون لها ، فلو استحاضت قبل الإتيان بصلاة الصبح أو الظهرين بما يوجب الغسل - كالمتوسّطة أو الكثيرة - فتركت الغسل بطل صومها ، وأمّا لو استحاضت بعد الإتيان بصلاة الفجر أو بعد الإتيان بالظهرين فتركت الغسل إلى الغروب لم يبطل صومها ، ولا يشترط فيها الإتيان بأغسال الليلة المستقبلة وإن كان أحوط ، وكذا لا يعتبر فيها الإتيان بغسل الليلة الماضية ؛ بمعنى أ نّها لو تركت الغسل الذي للعشاءين لم يبطل صومها لأجل ذلك ، نعم يجب عليها الغسل حينئذٍ لصلاة الفجر ، فلو تركته بطل صومها من هذه الجهة ، وكذا لا يعتبر فيها ما عدا الغسل من الأعمال ؛ وإن كان الأحوط اعتبار جميع ما يجب عليها من الأغسال والوضوءات وتغيير الخرقة والقطنة ، ولا يجب تقديم

ص: 24


1- - لا يترك في قضائه .
2- - في قضاء شهر رمضان مع سعة الوقت إشكال .
3- - بل الأقوى ، ولا يترك الاحتياط بإتيان ليلية الليلة الماضية ، نعم يكفي عنها الغسل قبل الفجر لإتيان صلاة الليل أو الفجر على الأقوى .

غسل المتوسّطة والكثيرة على الفجر وإن كان هو الأحوط .

(مسألة 50) : الأقوى بطلان صوم شهر رمضان بنسيان غسل الجنابة ليلاً قبل الفجر حتّى مضى عليه يوم أو أيّام ، والأحوط(1) إلحاق غير شهر رمضان من النذر المعيّن ونحوه به وإن كان الأقوى عدمه ، كما أنّ الأقوى عدم إلحاق غسل الحيض والنفاس لو نسيتهما بالجنابة في ذلك ، وإن كان أحوط .

(مسألة 51) : إذا كان المجنب ممّن لا يتمكّن من الغسل ؛ لفقد الماء أو لغيره من أسباب التيمّم ، وجب عليه التيمّم ، فإن تركه بطل صومه ، وكذا لو كان متمكّناً من الغسل وتركه حتّى ضاق الوقت .

(مسألة 52) : لا يجب على من تيمّم بدلاً عن الغسل أن يبقى مستيقظاً حتّى يطلع الفجر ، فيجوز له النوم بعد التيمّم قبل الفجر على الأقوى وإن كان الأحوط البقاء مستيقظاً ؛ لاحتمال بطلان تيمّمه بالنوم ، كما على القول بأنّ التيمّم بدلاً عن الغسل يبطل بالحدث الأصغر .

(مسألة 53) : لا يجب على من أجنب في النهار - بالاحتلام أو نحوه من الأعذار - أن يبادر إلى الغسل فوراً ، وإن كان هو الأحوط .

(مسألة 54) : لو تيقّظ بعد الفجر من نومه فرأى نفسه محتلماً لم يبطل صومه ؛ سواء علم سبقه على الفجر أو علم تأخّره أو بقي على الشكّ ؛ لأ نّه لو كان سابقاً كان من البقاء على الجنابة غير متعمّد ، ولو كان بعد الفجر كان من الاحتلام في النهار ، نعم إذا علم سبقه على الفجر لم يصحّ منه صوم قضاء رمضان مع كونه

ص: 25


1- - لا يترك في قضاء شهر رمضان .

موسّعاً ، وأمّا مع ضيق وقته فالأحوط(1) الإتيان به وبعوضه .

(مسألة 55) : من كان جنباً في شهر رمضان في الليل لا يجوز له أن ينام قبل الاغتسال ؛ إذا علم أنّه لا يستيقظ قبل الفجر للاغتسال ، ولو نام واستمرّ إلى الفجر لحقه حكم البقاء متعمّداً ، فيجب عليه القضاء والكفّارة ، وأمّا إن احتمل الاستيقاظ جاز له النوم وإن كان من النوم الثاني أو الثالث أو الأزيد ، فلا يكون نومه حراماً ؛ وإن كان الأحوط ترك النوم الثاني فما زاد ، وإن اتّفق استمراره إلى الفجر ، غاية الأمر وجوب القضاء أو مع الكفّارة في بعض الصور كما سيتبيّن .

(مسألة 56) : نوم الجنب في شهر رمضان في الليل مع احتمال الاستيقاظ أو العلم به إذا اتّفق استمراره إلى طلوع الفجر على أقسام : فإنّه إمّا أن يكون مع العزم على ترك الغسل ، وإمّا أن يكون مع التردّد في الغسل وعدمه ، وإمّا أن يكون مع الذهول والغفلة عن الغسل ، وإمّا أن يكون مع البناء على الاغتسال حين الاستيقاظ مع اتّفاق الاستمرار ، فإن كان مع العزم على ترك الغسل أو مع التردّد فيه لحقه حكم تعمّد البقاء جنباً ، بل الأحوط ذلك إن كان مع الغفلة والذهول أيضاً ، وإن كان الأقوى لحوقه بالقسم الأخير ، وإن كان مع البناء على الاغتسال أو مع الذهول على ما قوّينا ، فإن كان في النومة الاُولى بعد العلم بالجنابة فلا شيء عليه وصحّ صومه ، وإن كان في النومة الثانية ؛ بأن نام بعد العلم بالجنابة ثمّ انتبه ونام ثانياً مع احتمال الانتباه فاتّفق الاستمرار وجب عليه القضاء فقط دون الكفّارة على الأقوى ، وإن كان في النومة الثالثة فكذلك على الأقوى وإن كان الأحوط ما هو المشهور من وجوب الكفّارة أيضاً في هذه

ص: 26


1- - الإتيان بالعوض فقط بعد شهر رمضان الآتي لا يخلو من قوّة .

الصورة ، بل الأحوط وجوبها في النومة الثانية أيضاً ، بل وكذا في النومة الاُولى أيضاً ؛ إذا لم يكن معتاد الانتباه ولا يعدّ النوم الذي احتلم فيه من النوم الأوّل ، بل المعتبر فيه النوم بعد تحقّق الجنابة ، فلو استيقظ المحتلم من نومه ثمّ نام كان من النوم الأوّل لا الثاني .

(مسألة 57) : الأحوط(1) إلحاق غير شهر رمضان من الصوم المعيّن به في حكم استمرار النوم الأوّل أو الثاني أو الثالث حتّى في الكفّارة في الثاني والثالث إذا كان الصوم ممّا له كفّارة كالنذر ونحوه .

(مسألة 58) : إذا استمرّ النوم الرابع أو الخامس ، فالظاهر أنّ حكمه حكم النوم الثالث .

(مسألة 59) : الجنابة المستصحبة كالمعلومة في الأحكام المذكورة .

(مسألة 60) : ألحق بعضهم الحائض والنفساء بالجنب في حكم النومات ، والأقوى عدم الإلحاق وكون المناط فيهما صدق التواني في الاغتسال ، فمعه يبطل وإن كان في النوم الأوّل ، ومع عدمه لا يبطل وإن كان في النوم الثاني أو الثالث .

(مسألة 61) : إذا شكّ في عدد النومات بنى على الأقلّ .

(مسألة 62) : إذا نسي غسل الجنابة ومضى عليه أيّام وشكّ في عددها يجوز له الاقتصار في القضاء على القدر المتيقّن ؛ وإن كان الأحوط تحصيل اليقين بالفراغ .

ص: 27


1- - وإن كان الأقوى عدم الإلحاق .

(مسألة 63) : يجوز قصد الوجوب في الغسل وإن أتى به في أوّل الليل ، لكن الأولى(1) مع الإتيان به قبل آخر الوقت أن لا يقصد الوجوب ، بل يأتي به بقصد القربة .

(مسألة 64) : فاقد الطهورين يسقط عنه اشتراط رفع الحدث للصوم ، فيصحّ صومه(2) مع الجنابة ، أو مع حدث الحيض أو النفاس .

(مسألة 65) : لا يشترط في صحّة الصوم الغسل لمسّ الميّت ، كما لا يضرّ مسّه في أثناء النهار .

(مسألة 66) : لا يجوز إجناب نفسه في شهر رمضان إذا ضاق الوقت عن الاغتسال أو التيمّم ، بل إذا لم يسع للاغتسال ولكن وسع للتيمّم(3) ، ولو ظنّ سعة الوقت فتبيّن ضيقه(4) ، فإن كان بعد الفحص صحّ صومه ، وإن كان مع ترك الفحص فعليه القضاء على الأحوط(5) .

التاسع من المفطرات : الحقنة بالمائع ولو مع الاضطرار إليها لرفع المرض ، ولا بأس بالجامد(6) وإن كان الأحوط اجتنابه أيضاً .

ص: 28


1- - بل الأولى عدم قصده مطلقاً ، فيأتي بقصد القربة ولو في آخر الوقت .
2- - إلاّ فيما يفسده البقاء على الجنابة مطلقاً ولو لا عن عمدٍ كقضاء شهر رمضان ، فإنّ الظاهر فيه البطلان .
3- - لكن صحّ صومه إذا تيمّم ، وبطل في الفرض الأوّل كما مرّ .
4- - حتّى لتحصيل التيمّم .
5- - وإن كان الأقوى عدم وجوبه .
6- - الأحوط الاقتصار على مثل الشياف للتداوي ، وأمّا إدخال نحو الترياك للمعتادين بأكله وغيرهم لحصول التغذّي أو التكيّف به ففيه إشكال ، لا يترك الاحتياط بتركه ، وكذا الحال في كلّ ما يحصل به التغذّي من هذا المجرى .

(مسألة 67) : إذا احتقن بالمائع لكن لم يصعد إلى الجوف ، بل كان بمجرّد الدخول في الدبر ، فلا يبعد عدم كونه مفطراً وإن كان الأحوط تركه .

(مسألة 68) : الظاهر جواز الاحتقان بما يشكّ في كونه جامداً أو مائعاً وإن كان الأحوط(1) تركه .

العاشر : تعمّد القيء وإن كان للضرورة ؛ من رفع مرض أو نحوه ، ولا بأس بما كان سهواً أو من غير اختيار ، والمدار على الصدق العرفي ، فخروج مثل النواة أو الدود لا يعدّ منه .

(مسألة 69) : لو خرج بالتجشّؤ شيء ثمّ نزل من غير اختيار لم يكن مبطلاً ، ولو وصل إلى فضاء الفم فبلعه اختياراً بطل صومه وعليه القضاء والكفّارة ، بل تجب كفّارة الجمع(2) إذا كان حراماً من جهة خباثته أو غيرها .

(مسألة 70) : لو ابتلع في الليل ما يجب عليه قيؤه في النهار فسد صومه(3) إن كان الإخراج منحصراً في القيء ، وإن لم يكن منحصراً فيه لم يبطل ، إلاّ إذا اختار القيء مع إمكان الإخراج بغيره ، ويشترط أن يكون ممّا يصدق القيء على إخراجه ، وأمّا لو كان مثل درّة أو بندقة أو درهم أو نحوها ممّا لا يصدق معه القيء لم يكن مبطلاً .

ص: 29


1- - لا يترك إلاّ مع التردّد بين الجامد الشيافي للتداوي والمائع أو غيره .
2- - على الأحوط .
3- - الأقوى عدم الفساد في مثل ابتلاع المغصوب ممّا يجب عليه ردّه والقيء مقدّمة له ، فصحّ الصوم لو عصى ولم يردّه ولو قلنا بأنّ ترك القيء جزء للصوم ، فضلاً عن القول بأ نّه ضدّه ، نعم لو فرض ابتلاع ما يحكم الشارع بقيئه بعنوانه ففي الصحّة والبطلان تردّد ، والصحّة أشبه .

(مسألة 71) : إذا أكل في الليل ما يعلم أ نّه يوجب القيء في النهار من غير اختيار ، فالأحوط القضاء .

(مسألة 72) : إذا ظهر أثر القيء وأمكنه الحبس والمنع وجب ؛ إذا لم يكن حرج وضرر .

(مسألة 73) : إذا دخل الذباب في حلقه وجب(1) إخراجه مع إمكانه ولا يكون من القيء ، ولو توقّف إخراجه على القيء سقط وجوبه وصحّ صومه .

(مسألة 74) : يجوز للصائم التجشّؤ اختياراً وإن احتمل خروج شيء من الطعام معه ، وأمّا إذا علم بذلك فلا يجوز .

(مسألة 75) : إذا ابتلع شيئاً سهواً فتذكّر قبل أن يصل إلى الحلق وجب إخراجه وصحّ صومه ، وأمّا إن تذكّر بعد الوصول(2) إليه فلا يجب ، بل لا يجوز إذا صدق عليه القيء ، وإن شكّ في ذلك فالظاهر وجوب إخراجه أيضاً مع إمكانه؛ عملاً بأصالة عدم الدخول في الحلق.

ص: 30


1- - مع الوصول إلى حدّ لم يصدق معه الأكل فالظاهر عدم وجوب إخراجه وصحّة صومه ، ومع صدق الأكل فالظاهر وجوب إخراجه ولو لزم منه القيء وبطل صومه ، ولو أكله والحال هذه بطل صومه ، والأحوط وجوب كفّارة الجمع بارتكاب المفطر المحرّم .
2- - الميزان في وجوب الإخراج وعدمه الوصول إلى حدّ صدق معه الأكل بابتلاعه وعدمه ، والظاهر صدق الأكل مع الوصول إلى أوّل الحلق بل وسطه ، ولو شكّ في وصوله إلى ذلك الحدّ فلا يبعد جواز الابتلاع ، والأصل الذي تمسّك به في المتن لا يثبت عنوان الأكل ولو في الشبهة الموضوعية ، فضلاً عن الشبهة المفهومية ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط ، بل لا يترك حتّى الإمكان .

(مسألة 76) : إذا كان الصائم بالواجب المعيّن مشتغلاً بالصلاة الواجبة ، فدخل في حلقه ذباب أو بقّ أو نحوهما أو شيء من بقايا الطعام الذي بين أسنانه ، وتوقّف إخراجه على إبطال الصلاة بالتكلّم ب «أخ» أو بغير ذلك ، فإن أمكن التحفّظ والإمساك إلى الفراغ من الصلاة وجب وإن لم يمكن ذلك ودار الأمر بين إبطال الصوم بالبلع أو الصلاة بالإخراج ، فإن لم يصل إلى الحدّ(1) من الحلق كمخرج الخاء وكان ممّا يحرم بلعه في حدّ نفسه - كالذباب ونحوه - وجب قطع الصلاة بإخراجه ، ولو في ضيق(2) وقت الصلاة ، وإن كان ممّا يحلّ بلعه في ذاته - كبقايا الطعام - ففي سعة الوقت للصلاة ولو بإدراك ركعة منه يجب القطع والإخراج ، وفي الضيق يجب البلع وإبطال الصوم تقديماً لجانب الصلاة لأهمّيتها ، وإن وصل إلى الحدّ(3) فمع كونه ممّا يحرم بلعه وجب إخراجه بقطع الصلاة وإبطالها على إشكال ، وإن كان مثل بقايا الطعام لم يجب وصحّت صلاته وصحّ صومه على التقديرين لعدم عدّ إخراج مثله قيئاً في العرف .

(مسألة 77) : قيل : يجوز للصائم أن يدخل إصبعه في حلقه ويخرجه عمداً ، وهو مشكل(4) مع الوصول إلى الحدّ ، فالأحوط الترك .

(مسألة 78) : لا بأس بالتجشّؤ القهري وإن وصل معه الطعام إلى فضاء الفم

ص: 31


1- - بل إن لم يصل إلى حدّ خرج عن اسم الأكل .
2- - لا يبعد تقديم جانب الصلاة إن ضاق الوقت عن إدراك ركعة .
3- - إن وصل إلى حدّ خرج عن صدق الأكل فالظاهر جواز بلعه وصحّة صومه وصلاته .
4- - لا إشكال فيه إن كان المراد إدخال نفس الإصبع وإخراجه كما هو ظاهر العبارة ، وكذا لو كان المراد إخراج ما في الحلق بإصبعه .

ورجع ، بل لا بأس(1) بتعمّد التجشّؤ ما لم يعلم أ نّه يخرج معه شيء من الطعام ، وإن خرج بعد ذلك وجب إلقاؤه ، ولو سبقه الرجوع إلى الحلق لم يبطل صومه وإن كان الأحوط القضاء .

فصل : في الإفطار عن غير عمد

فصل

المفطرات المذكورة ما عدا البقاء على الجنابة الذي مرّ الكلام فيه تفصيلاً ، إنّما توجب بطلان الصوم إذا وقعت على وجه العمد والاختيار ، أمّا مع السهو وعدم القصد فلا توجبه ؛ من غير فرق بين أقسام الصوم من الواجب المعيّن والموسّع والمندوب ، ولا فرق في البطلان مع العمد بين الجاهل بقسميه(2) والعالم ، ولا بين المكره وغيره ، فلو اُكره على الإفطار فأفطر مباشرة فراراً عن الضرر المترتّب على تركه بطل صومه على الأقوى ، نعم لو وجر في حلقه من غير مباشرة منه لم يبطل .

(مسألة 1) : إذا أكل ناسياً فظنّ فساد صومه فأفطر عامداً بطل صومه ، وكذا لو أكل بتخيّل أنّ صومه مندوب يجوز إبطاله فذكر أنّه واجب .

(مسألة 2) : إذا أفطر تقيّة من ظالم بطل صومه(3) .

ص: 32


1- - مع عدم كون الخروج عادة له وإلاّ فيشكل ، فلا يترك الاحتياط .
2- - على الأقوى في المقصّر وعلى الأحوط في القاصر .
3- - إذا اتّقى من المخالفين في أمر راجع إلى فتوى فقهائهم أو حكمهم لا يكون مفطراً ، فلو ارتكب تقيّة ما لا يرى المخالفون مفطراً صحّ صومه على الأقوى ، وكذا لو أفطر قبل ذهاب الحمرة ، وكذا لو أفطر يوم الشكّ تقيّة لحكم قضاتهم بحسب الموازين التي عندهم لا يجب عليه قضاؤه مع بقاء الشكّ ، نعم مع العلم بكون حكمهم بالتعيّد مخالفاً للواقع يجوز له - بل يجب عليه - الإفطار تقيّة ويجب عليه القضاء .

(مسألة 3) : إذا كانت اللقمة في فمه وأراد بلعها لنسيان الصوم فتذكّر ، وجب إخراجها ، وإن بلعها مع إمكان إلقائها بطل صومه ، بل يجب الكفّارة أيضاً ، وكذا لو كان مشغولاً بالأكل فتبيّن طلوع الفجر .

(مسألة 4) إذا دخل الذباب أو البقّ أو الدخان الغليظ أو الغبار في حلقه من غير اختياره(1) لم يبطل صومه ، وإن أمكن إخراجه وجب ولو وصل إلى مخرج الخاء .

(مسألة 5) : إذا غلب على الصائم العطش ؛ بحيث خاف من الهلاك ، يجوز له أن يشرب الماء مقتصراً على مقدار الضرورة ، ولكن يفسد صومه بذلك ، ويجب عليه الإمساك بقيّة النهار إذا كان في شهر رمضان ، وأمّا في غيره من الواجب الموسّع والمعيّن فلا يجب الإمساك ، وإن كان أحوط في الواجب المعيّن .

(مسألة 6) : لا يجوز للصائم أن يذهب إلى المكان الذي يعلم اضطراره فيه إلى الإفطار بإكراه أو إيجار في حلقه أو نحو ذلك ، ويبطل صومه لو ذهب وصار مضطرّاً ولو كان بنحو الإيجار(2) ، بل لا يبعد(3) بطلانه بمجرّد القصد إلى ذلك ، فإنّه كالقصد للإفطار .

ص: 33


1- - مجرّد الوصول إلى الحلق خصوصاً في غير الدخان والغبار غير مفطر ولو مع الاختيار ، ولا يجب الإخراج ، نعم لا يجوز البلع .
2- - فيه تأمّل .
3- - الأقوى عدم البطلان بمجرّده فإنّه كقصد المفطر وقد مرّ التفصيل فيه .

(مسألة 7) : إذا نسي فجامع لم يبطل صومه ، وإن تذكّر في الأثناء وجب المبادرة إلى الإخراج ، وإلاّ وجب عليه القضاء والكفّارة .

فصل : في حدّ الأكل المفطر

فصل

لا بأس للصائم بمصّ الخاتم أو الحصى ، ولا بمضغ الطعام للصبيّ ، ولا بزقّ الطائر ، ولا بذوق المرق ونحو ذلك ؛ ممّا لا يتعدّى إلى الحلق ، ولا يبطل صومه إذا اتّفق التعدّي ؛ إذا كان من غير قصد ولا علم بأ نّه يتعدّى قهراً أو نسياناً ، أمّا مع العلم بذلك من الأوّل فيدخل في الإفطار العمدي ، وكذا لا بأس بمضغ العلك ولا ببلع ريقه بعده وإن وجد له طعماً فيه ؛ ما لم يكن ذلك بتفتّت أجزاء منه ، بل كان لأجل المجاورة ، وكذا لا بأس بجلوسه في الماء ما لم يرتمس ؛ رجلاً كان أو امرأة وإن كان يكره لها ذلك ، ولا ببلّ الثوب ووضعه على الجسد ولا بالسواك باليابس ، بل بالرطب أيضاً ، لكن إذا أخرج المسواك من فمه لا يردّه وعليه رطوبة، وإلاّ كانت كالرطوبة الخارجية لا يجوز بلعها إلاّ بعد الاستهلاك في الريق ، وكذا لا بأس بمصّ لسان الصبيّ أو الزوجة إذا لم يكن عليه رطوبة ، ولا بتقبيلها أو ضمّها أو نحو ذلك .

(مسألة 1) : إذا امتزج بريقه دم واستهلك فيه يجوز بلعه على الأقوى ، وكذا غير الدم من المحرّمات والمحلّلات ، والظاهر عدم جواز(1) تعمّد المزج والاستهلاك للبلع ؛ سواء كان مثل الدم ونحوه من المحرّمات أو الماء ونحوه من المحلّلات ، فما ذكرنا من الجواز إنّما هو إذا كان ذلك على وجه الاتّفاق .

ص: 34


1- - على الأحوط وإن كان الجواز أشبه .

فصل : فيما يكره للصائم

فصل

يكره للصائم اُمور : أحدها : مباشرة النساء لمساً وتقبيلاً وملاعبة ، خصوصاً لمن تتحرّك شهوته بذلك ، بشرط أن لا يقصد الإنزال ، ولا كان من عادته ، وإلاّ حرم(1) إذا كان في الصوم الواجب المعيّن . الثاني : الاكتحال بما فيه صبر أو مسك أو نحوهما ممّا يصل طعمه أو رائحته إلى الحلق ، وكذا ذرّ مثل ذلك في العين . الثالث : دخول الحمّام إذا خشي منه الضعف . الرابع : إخراج الدم المضعف بحجامة أو غيرها ، وإذا علم بأدائه إلى الإغماء المبطل للصوم حرم ، بل لا يبعد كراهة كلّ فعل يورث الضعف أو هيجان المرّة . الخامس : السعوط مع عدم العلم بوصوله إلى الحلق ، وإلاّ فلا يجوز على الأقوى . السادس : شمّ الرياحين خصوصاً النرجس ، والمراد بها كلّ نبت طيّب الريح . السابع : بلّ الثوب على الجسد . الثامن : جلوس المرأة في الماء ، بل الأحوط لها تركه . التاسع : الحقنة بالجامد . العاشر : قلع الضرس ، بل مطلق إدماء الفم . الحادي عشر : السواك بالعود الرطب . الثاني عشر : المضمضة عبثاً ، وكذا إدخال شيء(2) آخر في الفم لا لغرض صحيح . الثالث عشر : إنشاد الشعر ولا يبعد اختصاصه بغير المراثي ، أو المشتمل على المطالب الحقّة من دون إغراق ، أو مدح الأئمّة وإن كان يظهر من بعض الأخبار التعميم . الرابع عشر : الجدال والمراء وأذى الخادم والمسارعة إلى الحلف ونحو ذلك من المحرّمات والمكروهات في غير حال الصوم فإنّه يشتدّ حرمتها أو كراهتها حاله .

ص: 35


1- - الحرمة بمجرّد القصد أو العادة غير معلومة ، لكن إذا أمنى يكون من الإفطار العمدي .
2- - في إطلاقه تأمّل وإشكال .

فصل : فيما يكره للصائم

فصل

المفطرات المذكورة كما أ نّها موجبة للقضاء كذلك توجب الكفّارة(1) إذا كانت مع العمد والاختيار من غير كره ولا إجبار ؛ من غير فرق بين الجميع حتّى الارتماس والكذب على اللّه وعلى رسوله صلی الله علیه و آله وسلم ، بل والحقنة والقيء على الأقوى ، نعم الأقوى عدم وجوبها في النوم الثاني من الجنب بعد الانتباه ، بل والثالث ؛ وإن كان الأحوط فيها أيضاً ذلك ، خصوصاً الثالث ، ولا فرق في وجوبها أيضاً بين العالم والجاهل المقصّر والقاصر على الأحوط وإن كان الأقوى عدم وجوبها على الجاهل خصوصاً القاصر والمقصّر(2) الغير الملتفت حين الإفطار ، نعم إذا كان جاهلاً بكون الشيء مفطراً مع علمه بحرمته - كما إذا لم يعلم أنّ الكذب على اللّه ورسوله من المفطرات فارتكبه حال الصوم - فالظاهر لحوقه(3) بالعالم في وجوب الكفّارة .

(مسألة 1) : تجب الكفّارة في أربعة أقسام من الصوم : الأوّل : صوم شهر رمضان ، وكفّارته مخيّرة بين العتق وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستّين مسكيناً على الأقوى ؛ وإن كان الأحوط الترتيب ، فيختار العتق

ص: 36


1- - على الأحوط في الكذب على اللّه ورسوله صلى الله عليه و آله وسلم والأئمّة عليهم السلام ، وفي الارتماس والحقنة وعلى الأقوى في البقيّة ، بل في الكذب عليهم لا يخلو من قوّة ، نعم القيء لا يوجبها على الأقوى .
2- - لا يترك الاحتياط فيه .
3- - بل الأحوط لحوقه ، نعم لو اعتقد أنّه حرام عليه من حيث الصوم وليس بمفطر فلا يبعد اللحوق .

مع الإمكان ومع العجز عنه فالصيام ، ومع العجز عنه فالإطعام ، ويجب الجمع(1) بين الخصال إن كان الإفطار على محرّم كأكل المغصوب وشرب الخمر والجماع المحرّم ونحو ذلك . الثاني : صوم قضاء شهر رمضان إذا أفطر بعد الزوال ، وكفّارته إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ ، فإن لم يتمكّن فصوم ثلاثة أيّام(2) ، والأحوط إطعام ستّين مسكيناً . الثالث : صوم النذر المعيّن ، وكفّارته كفّارة إفطار شهر رمضان . الرابع : صوم الاعتكاف ، وكفّارته مثل كفّارة شهر رمضان مخيّرة بين الخصال ، ولكن الأحوط الترتيب المذكور . هذا ، وكفّارة الاعتكاف مختصّة بالجماع فلا تعمّ سائر المفطرات ، والظاهر أ نّها لأجل الاعتكاف لا للصوم ولذا تجب في الجماع ليلاً أيضاً ، وأمّا ما عدا ذلك من أقسام الصوم فلا كفّارة في إفطاره ؛ واجباً كان كالنذر المطلق والكفّارة أو مندوباً ، فإنّه لا كفّارة فيها وإن أفطر بعد الزوال .

(مسألة 2) : تتكرّر الكفّارة بتكرّر الموجب في يومين وأزيد من صوم له كفّارة ، ولا تتكرّر بتكرّره في يوم واحد في غير الجماع وإن تخلّل التكفير بين الموجبين أو اختلف جنس الموجب على الأقوى ، وإن كان الأحوط التكرار مع أحد الأمرين ، بل الأحوط التكرار مطلقاً ، وأمّا الجماع فالأحوط - بل الأقوى(3) - تكريرها بتكرّره .

(مسألة 3) : لا فرق في الإفطار بالمحرّم الموجب لكفّارة الجمع بين أن يكون

ص: 37


1- - على الأحوط .
2- - متتابعات على الأحوط .
3- - بل الأقوى عدم تكرّرها ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط .

الحرمة أصلية كالزنا وشرب الخمر، أو عارضية كالوط ء حال الحيض أو تناول(1) ما يضرّه .

(مسألة 4) : من الإفطار بالمحرّم الكذب على اللّه وعلى رسوله صلی الله علیه و آله وسلم ، بل ابتلاع النخامة إذا قلنا بحرمتها من حيث دخولها في الخبائث ، لكنّه مشكل .

(مسألة 5) : إذا تعذّر بعض الخصال في كفّارة الجمع وجب عليه الباقي .

(مسألة 6) : إذا جامع في يوم واحد مرّات وجب عليه(2) كفّارات بعددها ، وإن كان على الوجه المحرّم تعدّد كفّارة الجمع بعددها .

(مسألة 7) : الظاهر أنّ الأكل في مجلس واحد يعدّ إفطاراً واحداً وإن تعدّدت اللقم ، فلو قلنا بالتكرار مع التكرّر في يوم واحد لا تتكرّر بتعدّدها، وكذا الشرب إذا كان جرعة فجرعة.

(مسألة 8) : في الجماع الواحد إذا أدخل وأخرج مرّات لا تتكرّر الكفّارة وإن كان أحوط .

(مسألة 9) : إذا أفطر بغير الجماع ثمّ جامع بعد ذلك يكفيه التكفير مرّة ، وكذا إذا أفطر أوّلاً بالحلال ثمّ أفطر بالحرام تكفيه كفّارة(3) الجمع .

(مسألة 10) : لو علم أ نّه أتى بما يوجب فساد الصوم وتردّد بين ما يوجب القضاء فقط أو يوجب الكفّارة أيضاً لم تجب عليه ، وإذا علم أ نّه أفطر أيّاماً ولم يدر

ص: 38


1- - في هذا المثال ونظائره تأمّل وإشكال .
2- - مرّ أنّ الأقوى عدم تكرّرها بتكرّره .
3- - بل يكفيه إحدى الخصال مطلقاً .

عددها يجوز له الاقتصار على القدر المعلوم ، وإذا شكّ في أنّه أفطر بالمحلّل أو المحرّم كفاه إحدى الخصال ، وإذا شكّ في أنّ اليوم الذي أفطره كان من شهر رمضان أو كان من قضائه وقد أفطر قبل الزوال لم تجب عليه الكفّارة ، وإن كان قد أفطر بعد الزوال كفاه إطعام ستّين مسكيناً ، بل له الاكتفاء بعشرة مساكين .

(مسألة 11) : إذا أفطر متعمّداً ثمّ سافر بعد الزوال لم تسقط عنه الكفّارة بلا إشكال وكذا إذا سافر قبل الزوال للفرار عنها ، بل وكذا لو بدا له السفر لا بقصد الفرار على الأقوى(1) ، وكذا لو سافر فأفطر قبل الوصول إلى حدّ الترخّص ، وأمّا لو أفطر متعمّداً ثمّ عرض له عارض قهري ؛ من حيض أو نفاس أو مرض أو جنون أو نحو ذلك من الأعذار ، ففي السقوط وعدمه وجهان بل قولان ؛ أحوطهما الثاني وأقواهما الأوّل .

(مسألة 12) : لو أفطر يوم الشكّ في آخر الشهر ، ثمّ تبيّن أ نّه من شوّال ، فالأقوى سقوط الكفّارة وإن كان الأحوط عدمه ، وكذا لو اعتقد أ نّه من رمضان ثمّ أفطر متعمّداً فبان أ نّه من شوّال ، أو اعتقد في يوم الشكّ في أوّل الشهر أ نّه من رمضان فبان أنّه من شعبان .

(مسألة 13) : قد مرّ : أنّ من أفطر في شهر رمضان عالماً عامداً إن كان مستحلاًّ فهو مرتدّ ، بل وكذا إن لم يفطر ولكن كان مستحلاًّ له ، وإن لم يكن مستحلاًّ عزّر بخمسة وعشرين(2) سوطاً ، فإن عاد بعد التعزير عزّر ثانياً ، فإن عاد كذلك قتل في الثالثة ، والأحوط قتله في الرابعة .

ص: 39


1- - بل على الأحوط فيه وفيما يليه .
2- - مرّ عدم ثبوت هذا التقدير في غير الجماع .

(مسألة 14) : إذا جامع زوجته في شهر رمضان وهما صائمان مكرهاً لها ، كان عليه كفّارتان وتعزيران خمسون سوطاً فيتحمّل عنها الكفّارة والتعزير ، وأمّا إذا طاوعته في الابتداء فعلى كلّ منهما كفّارته وتعزيره ، وإن أكرهها في الابتداء ثمّ طاوعته في الأثناء فكذلك على الأقوى(1) وإن كان الأحوط كفّارة منها وكفّارتين منه ، ولا فرق في الزوجة بين الدائمة والمنقطعة .

(مسألة 15) : لو جامع زوجته الصائمة وهو صائم في النوم لا يتحمّل عنها الكفّارة ولا التعزير ، كما أ نّه ليس عليها شيء ولا يبطل صومها بذلك ، وكذا لا يتحمّل عنها إذا أكرهها على غير الجماع من المفطرات حتّى مقدّمات الجماع وإن أوجبت إنزالها .

(مسألة 16) : إذا أكرهت الزوجة زوجها لا تتحمّل عنه شيئاً .

(مسألة 17) : لا تلحق بالزوجة الأمة إذا أكرهها على الجماع وهما صائمان ، فليس عليه إلاّ كفّارته وتعزيره ، وكذا لا تلحق بها الأجنبيّة إذا أكرهها عليه على الأقوى وإن كان الأحوط التحمّل عنها ، خصوصاً إذا تخيّل أ نّها زوجته فأكرهها عليه .

(مسألة 18) : إذا كان الزوج مفطراً بسبب كونه مسافراً أو مريضاً أو نحو ذلك وكانت زوجته صائمة ، لا يجوز له إكراهها على الجماع ، وإن فعل

ص: 40


1- - إن أكرهها في الابتداء على وجه سلب منها الاختيار والإرادة ثمّ طاوعته في الأثناء فالأقوى ثبوت كفّارتين له وكفّارة لها ، وإن كان الإكراه على وجه صدر منها الفعل بإرادتها وإن كانت مكرهة في ذلك ، فالأقوى ثبوت كفّارتين له وليست عليها كفّارة ، وكذا الحال في التعزير على الظاهر .

لا يتحمّل(1) عنها الكفّارة ولا التعزير ، وهل يجوز له مقاربتها وهي نائمة ؟ إشكال .

(مسألة 19) : من عجز عن الخصال الثلاث في كفّارة مثل شهر رمضان تخيّر(2) بين أن يصوم ثمانية عشر يوماً أو يتصدّق بما يطيق ، ولو عجز أتى بالممكن منهما ، وإن لم يقدر على شيء منهما استغفر اللّه ولو مرّة بدلاً عن الكفّارة ، وإن تمكّن بعد ذلك منها أتى بها .

(مسألة 20) : يجوز التبرّع بالكفّارة عن الميّت ؛ صوماً كانت أو غيره ، وفي جواز التبرّع بها عن الحيّ إشكال ، والأحوط العدم خصوصاً في الصوم .

(مسألة 21) : من عليه الكفّارة إذا لم يؤدّها حتّى مضت عليه سنين لم تتكرّر .

(مسألة 22) : الظاهر أنّ وجوب الكفّارة موسّع ، فلا تجب المبادرة إليها ، نعم لا يجوز التأخير إلى حدّ التهاون .

(مسألة 23) : إذا أفطر الصائم بعد المغرب على حرام ؛ من زناً أو شرب الخمر أو نحو ذلك ، لم يبطل صومه وإن كان في أثناء النهار قاصداً لذلك .

(مسألة 24) : مصرف كفّارة الإطعام : الفقراء ؛ إمّا بإشباعهم وإمّا بالتسليم إليهم ؛ كلّ واحد مدّاً ، والأحوط مدّان من حنطة أو شعير أو أرز أو خبز أو

ص: 41


1- - لا يخلو من إشكال ، فلا يترك الاحتياط .
2- - بل تعيّن عليه التصدّق بما يطيق ، ومع عدم التمكّن منه استغفر اللّه ولو مرّة ، والأحوط التكفير إن تمكّن بعد ذلك .

نحو ذلك ، ولا يكفي(1) في كفّارة واحدة إشباع شخص واحد مرّتين أو أزيد ، أو إعطاؤه مدّين أو أزيد ، بل لا بدّ من ستّين نفساً . نعم ، إذا كان للفقير عيال متعدّدون ولو كانوا أطفالاً صغاراً يجوز(2) إعطاؤه بعدد الجميع ؛ لكلّ واحد مدّاً .

(مسألة 25) : يجوز السفر في شهر رمضان لا لعذر وحاجة ، بل ولو كان للفرار من الصوم ، لكنّه مكروه .

(مسألة 26) : المدّ ربع الصاع وهو ستّمائة مثقال وأربعة عشر مثقالاً وربع مثقال ، وعلى هذا فالمدّ مائة وخمسون مثقالاً وثلاثة مثاقيل ونصف مثقال وربع ربع المثقال ، وإذا أعطى ثلاثة أرباع الوقيّة من حقّة النجف فقد زاد أزيد من واحد وعشرين مثقالاً ؛ إذ ثلاثة أرباع الوقيّة مائة وخمسة وسبعون مثقالاً .

فصل : فيما يوجب القضاء دون الكفّارة

فصل

يجب القضاء دون الكفّارة في موارد :

أحدها : ما مرّ من النوم الثاني بل الثالث وإن كان الأحوط فيهما الكفّارة أيضاً ، خصوصا الثالث .

الثاني : إذا أبطل صومه بالإخلال بالنيّة مع عدم الإتيان بشيء من المفطرات ، أو بالرياء أو بنيّة القطع أو القاطع(3) كذلك .

الثالث : إذا نسي غسل الجنابة ومضى عليه يوم أو أيّام كما مرّ .

ص: 42


1- - مع التمكّن من الستّين .
2- - مع كونه ثقة في إيصاله إليهم أو إطعامهم .
3- - مرّ الكلام في نيّة القاطع .

الرابع : من فعل المفطر قبل مراعاة الفجر ثمّ ظهر سبق طلوعه وأ نّه كان في النهار ؛ سواء كان قادراً على المراعاة أو عاجزاً(1) عنها لعمى أو حبس أو نحو ذلك أو كان غير عارف بالفجر ، وكذا مع المراعاة وعدم اعتقاد بقاء الليل ؛ بأن شكّ في الطلوع أو ظنّ(2) فأكل ثمّ تبيّن سبقه، بل الأحوط القضاء حتّى مع اعتقاد بقاء الليل ، ولا فرق في بطلان الصوم بذلك بين صوم رمضان وغيره من الصوم الواجب والمندوب ، بل الأقوى فيها ذلك حتّى مع المراعاة واعتقاد بقاء الليل .

الخامس : الأكل تعويلاً على من أخبر ببقاء الليل وعدم طلوع الفجر مع كونه طالعاً .

السادس : الأكل ؛ إذا أخبره مخبر بطلوع الفجر لزعمه سخرية المخبر ، أو لعدم العلم بصدقه .

السابع : الإفطار تقليداً لمن أخبر بدخول الليل وإن كان جائزاً له لعمى أو نحوه ، وكذا إذا أخبره عدل بل عدلان ، بل الأقوى وجوب الكفّارة أيضاً ، إذا لم يجز له التقليد .

الثامن : الإفطار لظلمة قطع بحصول الليل منها فبان خطؤه ولم يكن في السماء علّة ، وكذا لو شكّ أو ظنّ بذلك منها ، بل المتّجه في الأخيرين الكفّارة أيضاً ؛ لعدم جواز الإفطار حينئذٍ ، ولو كان جاهلاً بعدم جواز الإفطار ، فالأقوى عدم الكفّارة وإن كان الأحوط إعطاؤها(3) . نعم ، لو كانت في السماء علّة فظنّ

ص: 43


1- - على الأحوط فيه وفي الفرع التالي .
2- - الأقوى مع حصول الظنّ بعد المراعاة عدم وجوب القضاء ، فضلاً عن حصول الاعتقاد ، بل عدم وجوبه مع الشكّ أيضاً لا يخلو من قوّة .
3- - لا يترك في المقصّر .

دخول الليل فأفطر ثمّ بان له الخطأ لم يكن عليه قضاء ، فضلاً عن الكفّارة .

ومحصّل المطلب : أنّ من فعل المفطر بتخيّل عدم طلوع الفجر أو بتخيّل دخول الليل بطل صومه(1) في جميع الصور ، إلاّ في صورة ظنّ دخول الليل مع وجود علّة في السماء ؛ من غيم أو غبار أو بخار أو نحو ذلك ، من غير فرق بين شهر رمضان وغيره من الصوم الواجب والمندوب ، وفي الصور التي ليس معذوراً شرعاً في الإفطار ، كما إذا قامت البيّنة على أنّ الفجر قد طلع ومع ذلك أتى بالمفطر ، أو شكّ في دخول الليل أو ظنّ ظنّاً غير معتبر ومع ذلك أفطر ، تجب الكفّارة أيضاً فيما فيه الكفّارة .

(مسألة 1) : إذا أكل أو شرب - مثلاً - مع الشكّ في طلوع الفجر ولم يتبيّن أحد الأمرين ، لم يكن عليه شيء ، نعم لو شهد عدلان بالطلوع ومع ذلك تناول المفطر وجب عليه القضاء ، بل الكفّارة أيضاً وإن لم يتبيّن له ذلك بعد ذلك ، ولو شهد عدل واحد بذلك ، فكذلك على الأحوط .

(مسألة 2) : يجوز له فعل المفطر - ولو قبل الفحص - ما لم يعلم طلوع الفجر ولم يشهد به البيّنة ، ولا يجوز له ذلك إذا شكّ في الغروب عملاً بالاستصحاب في الطرفين ، ولو شهد عدل واحد بالطلوع أو الغروب فالأحوط ترك المفطر عملاً بالاحتياط ؛ للإشكال في حجّية خبر العدل الواحد وعدم حجّيته ، إلاّ أنّ الاحتياط في الغروب إلزامي وفي الطلوع استحبابي(2) نظراً للاستصحاب .

التاسع : إدخال الماء في الفم للتبرّد بمضمضة أو غيرها فسبقه ودخل

ص: 44


1- - قد مرّ .
2- - لا يترك فيه أيضاً .

الجوف ، فإنّه يقضي ولا كفّارة عليه ، وكذا لو أدخله عبثاً فسبقه ، وأمّا لو نسي فابتلعه فلا قضاء عليه أيضاً وإن كان أحوط ، ولا يلحق بالماء غيره على الأقوى وإن كان عبثاً ، كما لا يلحق بالإدخال في الفم الإدخال في الأنف للاستنشاق أو غيره ؛ وإن كان أحوط في الأمرين .

(مسألة 3) : لو تمضمض لوضوء الصلاة فسبقه الماء لم يجب عليه القضاء ؛ سواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة على الأقوى ، بل لمطلق الطهارة وإن كانت لغيرها من الغايات ؛ من غير فرق بين الوضوء والغسل ، وإن كان الأحوط القضاء فيما عدا ما كان لصلاة الفريضة ، خصوصاً فيما كان لغير الصلاة من الغايات .

(مسألة 4) : يكره المبالغة في المضمضة مطلقاً ، وينبغي له أن لا يبلع ريقه حتّى يبزق ثلاث مرّات .

(مسألة 5) : لا يجوز التمضمض مطلقاً مع العلم بأ نّه يسبقه الماء إلى الحلق أو ينسى فيبلعه .

العاشر : سبق المنيّ بالملاعبة أو بالملامسة ؛ إذا لم يكن ذلك من قصده ولا عادته على الأحوط ، وإن كان الأقوى عدم وجوب القضاء أيضاً .

فصل : في الزمان الذي يصحّ فيه الصوم

وهو النهار - من غير العيدين - ومبدؤه طلوع الفجر الثاني ، ووقت الإفطار ذهاب الحمرة من المشرق ، ويجب الإمساك من باب المقدّمة في جزء من الليل في كلّ من الطرفين ؛ ليحصل العلم بإمساك تمام النهار ، ويستحبّ تأخير الإفطار حتّى يصلّي العشاءين لتكتب صلاته صلاة الصائم ، إلاّ أن يكون هناك من ينتظره

ص: 45

للإفطار أو تنازعه نفسه على وجه يسلبه الخضوع والإقبال - ولو كان لأجل القهوة والتتن والترياك - فإنّ الأفضل حينئذٍ الإفطار ثمّ الصلاة مع المحافظة على وقت الفضيلة بقدر الإمكان .

(مسألة 1) : لا يشرع الصوم في الليل ، ولا صوم مجموع الليل والنهار ، بل ولا إدخال جزء من الليل فيه إلاّ بقصد المقدّمية .

فصل : في شرائط صحّة الصوم

وهي اُمور :

الأوّل : الإسلام والإيمان ، فلا يصحّ من غير المؤمن ولو في جزء من النهار ، فلو أسلم الكافر في أثناء النهار ولو قبل الزوال لم يصحّ صومه ، وكذا لو ارتدّ ثمّ عاد إلى الإسلام بالتوبة وإن كان الصوم معيّناً وجدّد النيّة قبل الزوال على الأقوى .

الثاني : العقل ، فلا يصحّ من المجنون ولو أدواراً وإن كان جنونه في جزء من النهار ، ولا من السكران(1) ، ولا من المغمى عليه - ولو في بعض النهار - وإن سبقت منه النيّة على الأصحّ .

الثالث : عدم الإصباح جنباً أو على حدث الحيض والنفاس بعد النقاء من الدم على التفصيل المتقدّم .

الرابع : الخلوّ من الحيض والنفاس في مجموع النهار ، فلا يصحّ من الحائض والنفساء إذا فاجأهما الدم ولو قبل الغروب بلحظة أو انقطع عنهما بعد الفجر

ص: 46


1- - الأحوط لمن يفيق من السكر مع سبق النيّة الإتمام ثمّ القضاء ، ولمن يفيق من الإغماء مع سبقها الإتمام وإن لم يفعل القضاء .

بلحظة ، ويصحّ من المستحاضة إذا أتت بما عليها من الأغسال النهارية(1) .

الخامس : أن لا يكون مسافراً سفراً يوجب قصر الصلاة مع العلم بالحكم في الصوم الواجب ، إلاّ في ثلاثة مواضع : أحدها : صوم ثلاثة أيّام بدل هدي التمتّع . الثاني : صوم بدل البدنة ممّن أفاض من عرفات قبل الغروب عامداً ؛ وهو ثمانية عشر يوماً . الثالث : صوم النذر المشترط فيه سفراً خاصّة أو سفراً وحضراً ، دون النذر المطلق ، بل الأقوى عدم جواز الصوم المندوب في السفر أيضاً ، إلاّ ثلاثة أيّام للحاجة في المدينة ، والأفضل(2) إتيانها في الأربعاء والخميس والجمعة ، وأمّا المسافر الجاهل بالحكم لو صام فيصحّ صومه ويجزيه حسب ما عرفته في جاهل حكم الصلاة ؛ إذ الإفطار كالقصر ، والصيام كالتمام في الصلاة ، لكن يشترط أن يبقى على جهله إلى آخر النهار ، وأمّا لو علم بالحكم في الأثناء فلا يصحّ صومه ، وأمّا الناسي فلا يلحق بالجاهل في الصحّة ، وكذا يصحّ الصوم من المسافر إذا سافر بعد الزوال ، كما أ نّه يصحّ صومه إذا لم يقصّر في صلاته ، كناوي الإقامة عشرة أيّام ، والمتردّد ثلاثين يوماً ، وكثير السفر(3) ، والعاصي بسفره ، وغيرهم ممّن تقدّم تفصيلاً في كتاب الصلاة .

السادس : عدم المرض أو الرمد الذي يضرّه الصوم لإيجابه شدّته أو طول برئه أو شدّة ألمه أو نحو ذلك ؛ سواء حصل اليقين بذلك أو الظنّ ، بل أو الاحتمال الموجب للخوف ، بل لو خاف الصحيح(4) من حدوث المرض لم يصحّ منه ، وكذا

ص: 47


1- - والليلة الماضية على الأحوط ، كما مرّ .
2- - بل المتعيّن على الأحوط ، لو لم يكن أقوى .
3- - أي من كان شغله ذلك كما مرّ .
4- - إذا كان خوفه من منشأ يعتني به العقلاء ، وكذا فيما بعده .

إذا خاف من الضرر في نفسه أو غيره ، أو عرضه أو عرض غيره ، أو في مال يجب حفظه وكان وجوبه أهمّ(1) في نظر الشارع من وجوب الصوم ، وكذا إذا زاحمه واجب آخر أهمّ منه ، ولا يكفي الضعف وإن كان مفرطاً ما دام يتحمّل عادة ، نعم لو كان ممّا لا يتحمّل عادة جاز الإفطار ، ولو صام بزعم عدم الضرر فبان الخلاف بعد الفراغ من الصوم ففي الصحّة إشكال(2) ، فلا يترك الاحتياط بالقضاء ، وإذا حكم الطبيب بأنّ الصوم مضرّ وعلم المكلّف من نفسه عدم الضرر يصحّ صومه(3) ، وإذا حكم بعدم ضرره وعلم المكلّف أو ظنّ كونه مضرّاً وجب عليه تركه ولا يصحّ منه(4) .

(مسألة 1) : يصحّ الصوم من النائم ولو في تمام النهار إذا سبقت منه النيّة في الليل ، وأمّا إذا لم تسبق منه النيّة فإن استمرّ نومه إلى الزوال بطل صومه ووجب عليه القضاء إذا كان واجباً ، وإن استيقظ قبله نوى وصحّ(5) ، كما أ نّه لو كان مندوباً واستيقظ قبل الغروب يصحّ إذا نوى .

(مسألة 2) : يصحّ الصوم وسائر العبادات من الصبيّ المميّز على الأقوى من شرعية عباداته ، ويستحبّ تمرينه عليها بل التشديد عليه

ص: 48


1- - كون أهمّية المزاحم موجباً لبطلان الصوم، واشتراطه بعدم مزاحمته له محلّ إشكال بل منع، فالبطلان في بعض الأمثلة المتقدّمة محلّ منع ، وكذا الحال في مزاحمته لواجب أهمّ .
2- - عدم الصحّة لا يخلو من قرب .
3- - مع عدم تبيّن الخلاف كما مرّ
4- - مع تبيّن الخلاف محلّ تأمّل إذا صام متقرّباً .
5- - لا يخلو من تأمّل وإن لا يخلو من قوّة ، والاحتياط بالنيّة والإتمام والقضاء حسن .

لسبع(1) ؛ من غير فرق بين الذكر والاُنثى في ذلك كلّه .

(مسألة 3) : يشترط في صحّة الصوم المندوب مضافاً إلى ما ذكر : أن لا يكون عليه صوم واجب ؛ من قضاء أو نذر(2) أو كفّارة أو نحوها مع التمكّن من أدائه ، وأمّا مع عدم التمكّن منه - كما إذا كان مسافراً وقلنا بجواز الصوم المندوب في السفر ، أو كان في المدينة وأراد صيام ثلاثة أيّام للحاجة - فالأقوى صحّته ، وكذا إذا نسي(3) الواجب وأتى بالمندوب فإنّ الأقوى صحّته إذا تذكّر بعد الفراغ ، وأمّا إذا تذكّر في الأثناء قطع ويجوز تجديد النيّة حينئذٍ للواجب مع بقاء محلّها ، كما إذا كان قبل الزوال ، ولو نذر التطوّع على الإطلاق صحّ وإن كان عليه واجب ، فيجوز أن يأتي(4) بالمنذور قبله بعد ما صار واجباً ، وكذا لو نذر أيّاماً معيّنة يمكن إتيان الواجب قبلها ، وأمّا لو نذر أيّاماً معيّنة لا يمكن إتيان الواجب قبلها ففي صحّته إشكال(5) ؛ من أ نّه بعد النذر يصير واجباً ، ومن أنّ التطوّع قبل الفريضة غير جائز فلا يصحّ نذره ، ولا يبعد أن يقال : إنّه لا يجوز بوصف التطوّع وبالنذر يخرج عن الوصف ، ويكفي في رجحان متعلّق النذر رجحانه ولو بالنذر ، وبعبارة اُخرى : المانع هو وصف الندب ، وبالنذر يرتفع المانع .

ص: 49


1- - هذا التحديد محلّ تأمّل ، ولا يبعد استحباب التشديد عليه إذا أطاق على صوم ثلاثة أيّام متتابعة .
2- - على الأحوط في غير القضاء ، بل التعميم لا يخلو من قوّة .
3- - لا يخلو من إشكال وإن لا يخلو من وجه .
4- - فيه إشكال ، فالأحوط أن يأتي بالمنذور بعده إلاّ إذا ضاق وقته .
5- - الأقوى بطلانه .

(مسألة 4) : الظاهر جواز التطوّع بالصوم إذا كان ما عليه من الصوم الواجب استئجارياً وإن كان الأحوط تقديم الواجب .

فصل : في شرائط وجوب الصوم

وهي اُمور :

الأوّل والثاني : البلوغ والعقل ، فلا يجب على الصبيّ والمجنون إلاّ أن يكملا قبل طلوع الفجر ، دون ما إذا كملا بعده ، فإنّه لا يجب عليهما وإن لم يأتيا بالمفطر بل وإن نوى الصبيّ الصوم ندباً ، لكن الأحوط مع عدم إتيان المفطر الإتمام والقضاء(1) إذا كان الصوم واجباً معيّناً ، ولا فرق في الجنون بين الإطباقي والأدواري ؛ إذا كان يحصل في النهار ولو في جزء منه ، وأمّا لو كان دور جنونه في الليل ؛ بحيث يفيق قبل الفجر ، فيجب عليه .

الثالث : عدم الإغماء ، فلا يجب معه الصوم ولو حصل في جزء من النهار ، نعم لو كان نوى الصوم قبل الإغماء(2) فالأحوط إتمامه .

الرابع : عدم المرض الذي يتضرّر معه الصائم ، ولو برئ بعد الزوال ولم يفطر لم يجب عليه النيّة والإتمام ، وأمّا لو برئ قبله ولم يتناول مفطراً فالأحوط أن ينوي ويصوم ؛ وإن كان الأقوى عدم وجوبه(3) .

الخامس : الخلوّ من الحيض والنفاس ، فلا يجب معهما وإن كان حصولهما في جزء من النهار .

ص: 50


1- - لا وجه للجمع بينهما ، بل الأحوط الغير الإلزامي الإتمام ، ومع عدم الإتيان القضاء .
2- - لا يترك الاحتياط بالإتمام ومع تركه بالقضاء .
3- - لا يخلو وجوبه من قرب .

السادس : الحضر ، فلا يجب على المسافر الذي يجب عليه قصر الصلاة ، بخلاف من كان وظيفته التمام - كالمقيم عشراً والمتردّد ثلاثين يوماً والمكاري ونحوه والعاصي بسفره - فإنّه يجب عليه التمام ؛ إذ المدار في تقصير الصوم على تقصير الصلاة ، فكلّ سفر يوجب قصر الصلاة يوجب قصر الصوم وبالعكس .

(مسألة 1) : إذا كان حاضراً فخرج إلى السفر ، فإن كان قبل الزوال وجب عليه الإفطار ، وإن كان بعده وجب عليه البقاء على صومه ، وإذا كان مسافراً وحضر بلده أو بلداً يعزم على الإقامة فيه عشرة أيّام ، فإن كان قبل الزوال ولم يتناول المفطر وجب عليه الصوم ، وإن كان بعده أو تناول فلا وإن استحبّ له الإمساك بقيّة النهار ، والظاهر أنّ المناط كون الشروع في السفر قبل الزوال أو بعده لا الخروج عن حدّ الترخّص ، وكذا في الرجوع المناط دخول البلد ، لكن لا يترك الاحتياط بالجمع إذا كان الشروع قبل الزوال والخروج عن حدّ الترخّص بعده ، وكذا في العود إذا كان الوصول إلى حدّ الترخّص قبل الزوال والدخول في المنزل بعده .

(مسألة 2) : قد عرفت التلازم بين إتمام الصلاة والصوم وقصرها والإفطار ، لكن يستثنى من ذلك موارد(1) : أحدها : الأماكن الأربعة ، فإنّ المسافر يتخيّر فيها بين القصر والتمام في الصلاة ، وفي الصوم يتعيّن الإفطار . الثاني : ما مرّ من الخارج إلى السفر بعد الزوال ، فإنّه يتعيّن عليه البقاء على الصوم مع أ نّه يقصّر في الصلاة . الثالث : ما مرّ من الراجع من سفره ، فإنّه إن رجع بعد الزوال يجب عليه الإتمام مع أ نّه يتعيّن عليه الإفطار .

ص: 51


1- - وقد مرّ في سفر الصيد للتجارة لزوم قصر الصوم والاحتياط بالجمع في الصلاة .

(مسألة 3) : إذا خرج إلى السفر في شهر رمضان لا يجوز له الإفطار إلاّ بعد الوصول إلى حدّ الترخّص ، وقد مرّ سابقاً وجوب الكفّارة(1) عليه إن أفطر قبله .

(مسألة 4) : يجوز السفر اختياراً في شهر رمضان ، بل ولو كان للفرار من الصوم كما مرّ ، وأمّا غيره من الواجب المعيّن فالأقوى(2) عدم جوازه إلاّ مع الضرورة ، كما أ نّه لو كان مسافراً وجب عليه الإقامة لإتيانه مع الإمكان .

(مسألة 5) : الظاهر كراهة السفر في شهر رمضان قبل أن يمضي ثلاثة وعشرون يوماً ، إلاّ في حجّ أو عمرة أو مال يخاف تلفه أو أخ يخاف هلاكه .

(مسألة 6) : يكره للمسافر في شهر رمضان بل كلّ من يجوز له الإفطار التملّؤ من الطعام والشراب ، وكذا يكره له الجماع في النهار ، بل الأحوط تركه وإن كان الأقوى جوازه .

فصل : فيمن يجوز له الإفطار

فصل

وردت الرخصة في إفطار شهر رمضان لأشخاص ، بل قد يجب :

الأوّل والثاني : الشيخ والشيخة ؛ إذا تعذّر عليهما الصوم أو كان حرجاً ومشقّة ، فيجوز لهما الإفطار ، لكن يجب عليهما في صورة المشقّة ، بل في صورة التعذّر(3) أيضاً التكفير بدل كلّ يوم بمدّ من طعام ، والأحوط مدّان ، والأفضل

ص: 52


1- - على الأحوط كما مرّ .
2- - الأقوى جوازه في النذر المعيّن ، وعدم وجوب الإقامة فيه .
3- - وجوب الكفّارة على الشيخين وذي العطاش في صورة تعذّر الصوم عليهم محلّ إشكال ، بل عدمه لا يخلو من قوّة ، كما أ نّه على الحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن إذا أضرّ بهما لا بولدهما محلّ تأمّل .

كونهما من حنطة ، والأقوى وجوب القضاء عليهما(1) لو تمكّنا بعد ذلك .

الثالث : من به داء العطش ، فإنّه يفطر ؛ سواء كان بحيث لا يقدر على الصبر ، أو كان فيه مشقّة ، ويجب عليه التصدّق بمدّ ، والأحوط مدّان ؛ من غير فرق بين ما إذا كان مرجوّ الزوال أم لا ، والأحوط - بل الأقوى - وجوب القضاء عليه إذا تمكّن بعد ذلك ، كما أنّ الأحوط أن يقتصر على مقدار الضرورة .

الرابع : الحامل المقرب التي يضرّها الصوم ، أو يضرّ حملها ، فتفطر وتتصدّق من مالها بالمدّ أو المدّين وتقضي بعد ذلك .

الخامس : المرضعة القليلة اللبن ؛ إذا أضرّ بها الصوم ، أو أضرّ بالولد ، ولا فرق بين أن يكون الولد لها أو متبرّعة برضاعه أو مستأجرة ، ويجب عليها التصدّق بالمدّ أو المدّين أيضاً من مالها والقضاء بعد ذلك ، والأحوط بل الأقوى الاقتصار(2) على صورة عدم وجود من يقوم مقامها في الرضاع تبرّعاً أو باُجرة من أبيه أو منها أو من متبرّع .

فصل : في طرق ثبوت الهلال

فصل

في طرق ثبوت هلال رمضان وشوّال للصوم والإفطار ، وهي اُمور :

الأوّل : رؤية المكلّف نفسه .

الثاني : التواتر .

الثالث : الشياع المفيد للعلم ، وفي حكمه كلّ ما يفيد العلم ولو بمعاونة القرائن ، فمن حصل له العلم بأحد الوجوه المذكورة وجب عليه العمل به

ص: 53


1- - في القوّة إشكال ، لكنّه أحوط ، وكذا الحال فيمن به داء العطاش .
2- - في القوّة إشكال .

وإن لم يوافقه أحد ، بل وإن شهد وردّ الحاكم شهادته .

الرابع : مضيّ ثلاثين يوماً من هلال شعبان أو ثلاثين يوماً من هلال رمضان ، فإنّه يجب الصوم معه في الأوّل والإفطار في الثاني .

الخامس : البيّنة الشرعية ، وهي خبر عدلين ؛ سواء شهدا عند الحاكم وقبل شهادتهما ، أو لم يشهدا عنده ، أو شهدا وردّ شهادتهما ، فكلّ من شهد عنده عدلان عنده يجوز - بل يجب عليه - ترتيب الأثر ؛ من الصوم أو الإفطار ، ولا فرق بين أن تكون البيّنة من البلد أو من خارجه(1) ، وبين وجود العلّة في السماء وعدمها ، نعم يشترط توافقهما في الأوصاف(2) ، فلو اختلفا فيها لا اعتبار بها ، نعم لو أطلقا أو وصف أحدهما وأطلق الآخر كفى ، ولا يعتبر اتّحادهما في زمان الرؤية مع توافقهما على الرؤية في الليل ، ولا يثبت بشهادة النساء ، ولا بعدل واحد ولو مع ضمّ اليمين .

السادس : حكم الحاكم الذي لم يعلم خطؤه ولا خطأ مستنده ، كما إذا استند إلى الشياع الظنّي ، ولا يثبت بقول المنجّمين ، ولا بغيبوبة الشفق(3) في الليلة

ص: 54


1- - إلاّ مع الصحو واجتماع الناس للرؤية وحصول الاختلاف والتكاذب بينهم بحيث يقوى احتمال الاشتباه في العدلين ، فإنّه في هذه الصورة محلّ إشكال .
2- - مع عدم توصيفهما بما يخالف الواقع ، ككون تحديبه إلى فوق الاُفق ، أو متمايلاً إلى الجنوب في بلاد تغرب الشمس في شمال القمر ، أو في أشهر كانت كذلك أو بالعكس ، نعم لا يبعد قبول شهادتهما إذا اختلفا في بعض الأوصاف الخارجة ممّا يحتمل فيه اختلاف تشخيصهما ، ككونه مرتفعاً أو مطوّقاً أو في عرض شمالي أو جنوبي ممّا لا يكون فاحشاً .
3- - لا يخفى ما في العبارة من النقص ، وحقّها : ولا بغيبوبته بعد الشفق في كونه من الليلة الماضية .

الاُخرى ، ولا برؤيته يوم الثلاثين قبل الزوال ، فلا يحكم بكون ذلك اليوم أوّل الشهر ، ولا بغير ذلك ممّا يفيد الظنّ ولو كان قويّاً إلاّ للأسير والمحبوس .

(مسألة 1) : لا يثبت بشهادة العدلين إذا لم يشهدا بالرؤية ، بل شهدا شهادة علمية .

(مسألة 2) : إذا لم يثبت الهلال وترك الصوم ، ثمّ شهد عدلان برؤيته ، يجب قضاء ذلك اليوم ، وكذا إذا قامت البيّنة على هلال شوّال ليلة التاسع والعشرين من هلال رمضان(1) ، أو رآه في تلك الليلة بنفسه .

(مسألة 3) : لا يختصّ اعتبار حكم الحاكم بمقلّديه ، بل هو نافذ بالنسبة إلى الحاكم الآخر أيضاً إذا لم يثبت عنده خلافه .

(مسألة 4) : إذا ثبت رؤيته في بلد آخر ولم يثبت في بلده ، فإن كانا متقاربين كفى ، وإلاّ فلا ، إلاّ إذا علم توافق اُفقهما وإن كانا متباعدين .

(مسألة 5) : لا يجوز الاعتماد على البريد البرقي المسمّى ب «التلغراف» في الإخبار عن الرؤية ، إلاّ إذا حصل منه العلم ؛ بأن كان البلدان متقاربين وتحقّق حكم الحاكم أو شهادة العدلين برؤيته هناك .

(مسألة 6) : في يوم الشكّ في أ نّه من رمضان أو شوّال يجب أن يصوم ، وفي يوم الشكّ في أ نّه من شعبان أو رمضان يجوز الإفطار ويجوز أن يصوم ، لكن لا بقصد أ نّه من رمضان - كما مرّ سابقاً تفصيل الكلام فيه - ولو تبيّن في الصورة الاُولى كونه من شوّال وجب الإفطار ؛ سواء كان قبل الزوال أو بعده ، ولو تبيّن

ص: 55


1- - أي من هلال لم يثبت عنده .

في الصورة الثانية كونه من رمضان وجب الإمساك وكان صحيحاً إذا لم يفطر ونوى قبل الزوال ، ويجب قضاؤه إذا كان بعد الزوال .

(مسألة 7) : لو غمّت الشهور ولم ير الهلال في جملة منها أو في تمامها ، حسب كلّ شهر ثلاثين ما لم يعلم النقصان عادة .

(مسألة 8) : الأسير والمحبوس إذا لم يتمكّنا من تحصيل العلم بالشهر عملا بالظنّ ومع عدمه تخيّرا في كلّ سنة بين الشهور ، فيعيّنان شهراً له ، ويجب(1) مراعاة المطابقة بين الشهرين في سنتين ؛ بأن يكون بينهما أحد عشر شهراً ، ولو بان بعد ذلك أنّ ما ظنّه أو اختاره لم يكن رمضان ، فإن تبيّن سبقه كفاه ؛ لأ نّه حينئذٍ يكون ما أتى به قضاءً ، وإن تبيّن لحوقه وقد مضى قضاه ، وإن لم يمض أتى به ، ويجوز له في صورة عدم حصول الظنّ أن لا يصوم حتّى يتيقّن(2) أ نّه كان سابقاً فيأتي به قضاءً ، والأحوط إجراء أحكام شهر رمضان على ما ظنّه ؛ من الكفّارة والمتابعة والفطرة وصلاة العيد وحرمة صومه ما دام الاشتباه باقياً ، وإن بان الخلاف عمل بمقتضاه .

(مسألة 9) : إذا اشتبه شهر رمضان بين شهرين أو ثلاثة أشهر - مثلاً - فالأحوط صوم الجميع ؛ وإن كان لا يبعد إجراء حكم الأسير(3) والمحبوس ، وأمّا

ص: 56


1- - على الأقوى فيما إذا ظنّ ، إلاّ إذا انقلب ظنّه فيعمل على طبق الثاني ، ويجب على الأحوط مع التخيير .
2- - بل حتّى يتيقّن عدم تقدّمه على شهر رمضان، فينوي ما في ذمّته، والأحوط اختيار ذلك.
3- - في العمل بالظنّ ، وأمّا في التخيير فمشكل ، وطريق التخلّص في النذر هو السفر في الشهر الأوّل وصيام شهر الثاني بنيّة ما في الذمّة ؛ لما مرّ من جواز السفر في النذر المعيّن والقضاء بعده .

إن اشتبه الشهر المنذور صومه بين شهرين أو ثلاثة ، فالظاهر وجوب الاحتياط ما لم يستلزم الحرج ، ومعه يعمل بالظنّ(1) ، ومع عدمه يتخيّر .

(مسألة 10) : إذا فرض كون المكلّف في المكان الذي نهاره ستّة أشهر وليله ستّة أشهر ، أو نهاره ثلاثة وليله ستّة(2) ، أو نحو ذلك ، فلا يبعد كون المدار في صومه وصلاته على البلدان المتعارفة المتوسّطة ؛ مخيّراً بين أفراد المتوسّط ، وأمّا احتمال سقوط تكليفهما عنه فبعيد ، كاحتمال سقوط(3) الصوم وكون الواجب صلاة يوم واحد وليلة واحدة ، ويحتمل كون المدار بلده الذي كان متوطّناً فيه سابقاً إن كان له بلد سابق .

فصل : في أحكام القضاء

يجب قضاء الصوم ممّن فاته بشروط ، وهي : البلوغ ، والعقل ، والإسلام ، فلا يجب على البالغ ما فاته أيّام صباه ، نعم يجب قضاء اليوم الذي بلغ فيه قبل طلوع فجره أو بلغ مقارناً لطلوعه إذا فاته صومه ، وأمّا لو بلغ بعد الطلوع في أثناء النهار فلا يجب قضاؤه وإن كان أحوط ، ولو شكّ في كون البلوغ قبل

ص: 57


1- - لا يخلو من إشكال ، فالأحوط التجزّي في الاحتياط مع الإمكان ، مع إدخال المظنون فيه ، ومع عدم إمكانه العمل بالظنّ ، وإلاّ فيختار الأخير فيصوم بقصد ما في الذمّة . هذا كلّه فيما إذا لم يمكن التخلّص بالسفر في النذر كما مرّ ، أو كان الصوم واجباً عليه بالعهد مثلاً .
2- - هذا مجرّد فرض لا واقعية له .
3- - هذا أقرب الاحتمالات ، ولا يبعد أن يكون وقت الظهرين هو انتصاف النهار في ذاك المحلّ - وهو عند غاية ارتفاع الشمس في أرض التسعين - كما أنّ انتصاف الليل عند غاية انخفاضها فيها .

الفجر أو بعده فمع الجهل بتأريخهما لم يجب القضاء ، وكذا مع الجهل بتأريخ البلوغ ، وأمّا مع الجهل بتأريخ الطلوع ؛ بأن علم أنّه بلغ قبل ساعة مثلاً ، ولم يعلم أنّه كان قد طلع الفجر أم لا فالأحوط القضاء ، ولكن في وجوبه إشكال(1) ، وكذا لا يجب على المجنون ما فات منه أيّام جنونه ؛ من غير فرق بين ما كان من اللّه ، أو من فعله على وجه الحرمة ، أو على وجه الجواز ، وكذا لا يجب على المغمى عليه ؛ سواء نوى الصوم قبل الإغماء أم لا ، وكذا لا يجب على من أسلم عن كفر ، إلاّ إذا أسلم قبل الفجر ولم يصم ذلك اليوم ، فإنّه يجب عليه قضاؤه ؛ ولو أسلم في أثناء النهار لم يجب عليه صومه وإن لم يأت بالمفطر ، ولا عليه قضاؤه ؛ من غير فرق بين ما لو أسلم قبل الزوال أو بعده ؛ وإن كان الأحوط القضاء(2) إذا كان قبل الزوال .

(مسألة 1) : يجب على المرتدّ قضاء ما فاته أيّام ردّته ؛ سواء كان عن ملّة أو فطرة .

(مسألة 2) : يجب(3) القضاء على من فاته لسكر ؛ من غير فرق بين ما كان للتداوي أو على وجه الحرام .

(مسألة 3) : يجب على الحائض والنفساء قضاء ما فاتهما حال الحيض والنفاس ، وأمّا المستحاضة فيجب عليها الأداء وإذا فات منها فالقضاء .

ص: 58


1- - بل منع .
2- - إذا لم يأت بالمفطر قبل إسلامه ، وترك تجديد النيّة وإتمام الصوم .
3- - على الأحوط لو سبق منه النيّة وأتمّ الصوم ، وعلى الأقوى في غيره .

(مسألة 4) : المخالف إذا استبصر يجب عليه قضاء ما فاته ، وأمّا ما أتى به على وفق مذهبه(1) فلا قضاء عليه .

(مسألة 5) : يجب القضاء على من فاته الصوم للنوم ؛ بأن كان نائماً قبل الفجر إلى الغروب(2) من غير سبق نيّة ، وكذا من فاته للغفلة كذلك .

(مسألة 6) : إذا علم أ نّه فاته أيّام من شهر رمضان ودار بين الأقلّ والأكثر ، يجوز له الاكتفاء بالأقلّ ، ولكن الأحوط قضاء الأكثر ، خصوصاً إذا كان الفوت لمانع ؛ من مرض أو سفر أو نحو ذلك ، وكان شكّه في زمان زواله ؛ كأن يشكّ في أ نّه حضر من سفره بعد أربعة أيّام أو بعد خمسة أيّام - مثلاً - من شهر رمضان .

(مسألة 7) : لا يجب الفور في القضاء ولا التتابع ، نعم يستحبّ التتابع فيه وإن كان أكثر من ستّة ، لا التفريق فيه مطلقاً أو في الزائد على الستّة .

(مسألة 8) : لا يجب تعيين الأيّام ، فلو كان عليه أيّام فصام بعددها كفى ؛ وإن لم يعيّن الأوّل والثاني وهكذا ، بل لا يجب الترتيب أيضاً ، فلو نوى الوسط أو الأخير تعيّن ويترتّب عليه أثره .

(مسألة 9) : لو كان عليه قضاء من رمضانين فصاعداً يجوز قضاء اللاحق قبل السابق ، بل إذا تضيّق اللاحق بأن صار قريباً من رمضان آخر كان الأحوط(3) تقديم اللاحق ، ولو أطلق في نيّته انصرف إلى السابق وكذا في الأيّام .

ص: 59


1- - أو مذهب الحقّ إذا تحقّق منه قصد القربة .
2- - أو إلى الزوال .
3- - بل الأقوى .

(مسألة 10) : لا ترتيب بين صوم القضاء وغيره من أقسام الصوم الواجب كالكفّارة والنذر ونحوهما ، نعم لا يجوز التطوّع بشيء لمن عليه صوم واجب كما مرّ .

(مسألة 11) : إذا اعتقد أنّ عليه قضاء فنواه ، ثمّ تبيّن بعد الفراغ فراغ ذمّته لم يقع لغيره ، وأمّا لو ظهر له في الأثناء ، فإن كان بعد الزوال لا يجوز العدول إلى غيره ، وإن كان قبله فالأقوى جواز تجديد النيّة لغيره وإن كان الأحوط عدمه .

(مسألة 12) : إذا فاته شهر رمضان أو بعضه بمرض أو حيض أو نفاس ومات فيه لم يجب القضاء عنه ، ولكن يستحبّ النيابة عنه في أدائه ، والأولى أن يكون بقصد إهداء الثواب .

(مسألة 13) : إذا فاته شهر رمضان أو بعضه لعذر واستمرّ إلى رمضان آخر ، فإن كان العذر هو المرض سقط قضاؤه على الأصحّ ، وكفّر عن كلّ يوم بمدّ ، والأحوط مدّان ، ولا يجزي القضاء عن التكفير ، نعم الأحوط الجمع بينهما ، وإن كان العذر غير المرض - كالسفر ونحوه - فالأقوى وجوب القضاء ، وإن كان الأحوط الجمع بينه وبين المدّ ، وكذا إن كان سبب الفوت هو المرض وكان العذر في التأخير غيره مستمرّاً من حين برئه إلى رمضان آخر أو العكس ، فإنّه يجب القضاء أيضاً في هاتين الصورتين على الأقوى ، والأحوط الجمع خصوصاً في الثانية .

(مسألة 14) : إذا فاته شهر رمضان أو بعضه لا لعذر ، بل كان متعمّداً في الترك ، ولم يأت بالقضاء إلى رمضان آخر ، وجب عليه الجمع بين

ص: 60

الكفّارة(1) والقضاء بعد الشهر ، وكذا إن فاته لعذر ولم يستمرّ ذلك العذر ، بل ارتفع في أثناء السنة ، ولم يأت به إلى رمضان آخر متعمّداً وعازماً على الترك أو متسامحاً ، واتّفق العذر عند الضيق ، فإنّه يجب حينئذٍ الجمع ، وأمّا إن كان عازماً على القضاء بعد ارتفاع العذر فاتّفق العذر عند الضيق ، فلا يبعد(2) كفاية القضاء ، لكن لا يترك الاحتياط بالجمع أيضاً ، ولا فرق فيما ذكر بين كون العذر هو المرض أو غيره ، فتحصّل ممّا ذكر في هذه المسألة وسابقتها : أنّ تأخير القضاء إلى رمضان آخر إمّا يوجب الكفّارة فقط وهي الصورة الاُولى المذكورة في المسألة السابقة ، وإمّا يوجب القضاء فقط وهي بقيّة الصور المذكورة فيها ، وإمّا يوجب الجمع بينهما وهي الصور المذكورة في هذه المسألة ، نعم الأحوط الجمع في الصور المذكورة في السابقة أيضاً كما عرفت .

(مسألة 15) : إذا استمرّ المرض إلى ثلاث سنين - يعني الرمضان الثالث - وجبت كفّارة للاُولى وكفّارة اُخرى للثانية ويجب عليه القضاء للثالثة إذا استمرّ إلى آخرها ثمّ برئ ، وإذا استمرّ إلى أربع سنين وجبت للثالثة أيضاً ، ويقضي للرابعة إذا استمرّ إلى آخرها - أي الرمضان الرابع - وأمّا إذا أخّر قضاء السنة الاُولى إلى سنين عديدة ، فلا تتكرّر الكفّارة بتكرّرها ، بل تكفيه كفّارة واحدة .

(مسألة 16) : يجوز إعطاء كفّارة أيّام عديدة من رمضان واحد أو أزيد لفقير واحد ، فلا يجب إعطاء كلّ فقير مدّاً واحداً ليوم واحد .

(مسألة 17) : لا تجب كفّارة العبد على سيّده ؛ من غير فرق بين كفّارة التأخير

ص: 61


1- - بمدّ لكلّ يوم مضافاً إلى الكفّارة للإفطار العمدي .
2- - فيه إشكال .

وكفّارة الإفطار ، ففي الاُولى إن كان له مال وأذن(1) له السيّد أعطى من ماله ، وإلاّ استغفر بدلاً عنها ، وفي كفّارة الإفطار يجب عليه اختيار صوم شهرين مع عدم المال والإذن من السيّد ، وإن عجز فصوم ثمانية عشر يوماً ، وإن عجز فالاستغفار .

(مسألة 18) : الأحوط عدم تأخير القضاء إلى رمضان آخر مع التمكّن عمداً ؛ وإن كان لا دليل على حرمته(2) .

(مسألة 19) : يجب على وليّ الميّت قضاء ما فاته من الصوم لعذر(3) ؛ من مرض أو سفر أو نحوهما ، لا ما تركه عمداً ، أو أتى به وكان باطلاً من جهة التقصير في أخذ المسائل ؛ وإن كان الأحوط قضاء جميع ما عليه وإن كان من جهة الترك عمداً ، نعم يشترط في وجوب قضاء ما فات بالمرض أن يكون قد تمكّن في حال حياته من القضاء وأهمل ، وإلاّ فلا يجب لسقوط القضاء حينئذٍ كما عرفت سابقاً ، ولا فرق في الميّت بين الأب والاُمّ(4) على الأقوى ، وكذا لا فرق بين ما إذا ترك الميّت ما يمكن التصدّق به عنه وعدمه ؛ وإن كان الأحوط في الأوّل الصدقة عنه برضا الوارث مع القضاء ، والمراد بالوليّ هو الولد الأكبر وإن كان طفلاً أو مجنوناً حين الموت ، بل وإن كان حملاً .

(مسألة 20) : لو لم يكن للميّت ولد لم يجب القضاء على أحد من الورثة ؛

ص: 62


1- - اعتبار الإذن منه محلّ تأمّل .
2- - فيه منع ، فالحرمة لا تخلو من قوّة .
3- - قد مرّ عدم الفرق بين أسباب الترك إلاّ ما هو على وجه الطغيان ، فإنّه لا يبعد فيه عدم الوجوب وإن كان الأحوط ذلك ، بل لا يترك هذا الاحتياط .
4- - بل الأقوى عدم وجوب ما فات من الاُمّ على وليّها .

وإن كان الأحوط قضاء أكبر الذكور من الأقارب عنه .

(مسألة 21) : لو تعدّد الوليّ اشتركا ، وإن تحمّل أحدهما كفى عن الآخر ، كما أ نّه لو تبرّع أجنبيّ سقط عن الوليّ .

(مسألة 22) : يجوز للوليّ أن يستأجر من يصوم عن الميّت ، وأن يأتي به مباشرة ، وإذا استأجر ولم يأت به المؤجر أو أتى به باطلاً لم يسقط عن الوليّ .

(مسألة 23) : إذا شكّ الوليّ في اشتغال ذمّة الميّت وعدمه لم يجب عليه شيء ، ولو علم به إجمالاً وتردّد بين الأقلّ والأكثر جاز له الاقتصار على الأقلّ .

(مسألة 24) : إذا أوصى الميّت باستئجار ما عليه من الصوم أو الصلاة سقط عن الوليّ ؛ بشرط أداء الأجير صحيحاً ، وإلاّ وجب عليه .

(مسألة 25) : إنّما يجب على الوليّ قضاء ما علم اشتغال ذمّة الميّت به ، أو شهدت به البيّنة ، أو أقرّ به(1) عند موته ، وأمّا لو علم أ نّه كان عليه القضاء وشكّ في إتيانه حال حياته أو بقاء شغل ذمّته ، فالظاهر عدم الوجوب(2) عليه باستصحاب بقائه ، نعم لو شكّ هو في حال حياته وأجرى الاستصحاب أو قاعدة الشغل ولم يأت به حتّى مات ، فالظاهر وجوبه على الوليّ(3) .

(مسألة 26) : في اختصاص ما وجب على الوليّ بقضاء شهر رمضان ،

ص: 63


1- - الحكم فيه مبنيّ على الاحتياط .
2- - بل الأقوى وجوبه عليه .
3- - بل الظاهر عدم وجوبه عليه ، إلاّ أن يكون هو على يقين من ثبوته على الميّت فشكّ في إتيانه كما تقدّم .

أو عمومه لكلّ صوم واجب قولان ؛ مقتضى إطلاق بعض الأخبار الثاني وهو الأحوط(1) .

(مسألة 27) : لا يجوز لصائم قضاء شهر رمضان إذا كان عن نفسه الإفطار بعد الزوال ، بل تجب عليه الكفّارة به ، وهي كما مرّ : إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ ، ومع العجز عنه صيام ثلاثة أيّام ، وأمّا إذا كان عن غيره - بإجارة أو تبرّع - فالأقوى جوازه(2) وإن كان الأحوط الترك ، كما أنّ الأقوى الجواز في سائر أقسام الصوم الواجب الموسّع وإن كان الأحوط الترك فيها أيضاً ، وأمّا الإفطار قبل الزوال فلا مانع منه حتّى في قضاء شهر رمضان عن نفسه ، إلاّ مع التعيّن بالنذر أو الإجارة أو نحوهما ، أو التضيّق بمجيء رمضان آخر ؛ إن قلنا بعدم جواز التأخير إليه ، كما هو المشهور(3) .

فصل : في صوم الكفّارة

وهو أقسام :

منها : ما يجب فيه الصوم مع غيره ، وهي كفّارة قتل العمد وكفّارة من أفطر على محرّم في شهر رمضان ، فإنّه تجب فيهما(4) الخصال الثلاث .

ومنها : ما يجب فيه الصوم بعد العجز عن غيره ، وهي كفّارة الظهار وكفّارة قتل الخطأ ، فإنّ وجوب الصوم فيهما بعد العجز عن العتق ، وكفّارة الإفطار في

ص: 64


1- - بل لا يخلو من قوّة .
2- - فيه تأمّل لا يترك الاحتياط .
3- - والمنصور كما مرّ .
4- - على الأحوط في الثاني .

قضاء رمضان ، فإنّ الصوم فيها بعد العجز عن الإطعام كما عرفت ، وكفّارة اليمين وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم وبعد العجز عنها فصيام ثلاثة أيّام ، وكفّارة صيد النعامة ، وكفّارة صيد البقر الوحشي ، وكفّارة صيد الغزال ، فإنّ الأوّل تجب فيه بدنة ومع العجز عنها صيام(1) ثمانية عشر يوماً ، والثاني يجب فيه ذبح بقرة ومع العجز(2) عنها صوم تسعة أيّام ، والثالث يجب فيه شاة ومع العجز(3) عنها صوم ثلاثة أيّام ، وكفّارة الإفاضة من عرفات قبل الغروب عمداً ؛ وهي بدنة وبعد العجز عنها صيام ثمانية عشر يوماً ، وكفّارة خدش المرأة وجهها في المصاب حتّى أدمته ، ونتفها رأسها فيه ، وكفّارة شقّ الرجل ثوبه على زوجته أو ولده ، فإنّهما ككفّارة اليمين .

ص: 65


1- - بل مع العجز عنها يفض ثمنها على الطعام ويتصدّق به على ستّين مسكيناً ؛ لكلّ مسكين مدّ على الأقوى ، والأحوط مدّان ، ولو زاد على الستّين اقتصر عليهم ، ولو نقص لا يجب الإتمام ، والاحتياط بالمدّين إنّما هو فيما لا يوجب النقص عن الستّين ، وإلاّ اقتصر على المدّ ويتمّ الستّين ، ولو عجز عن التصدّق صام على الأحوط لكلّ مدّ يوماً إلى الستّين وهو غاية كفّارته ، ولو عجز صام ثمانية عشر يوماً .
2- - إن عجز عنها يفض ثمنها على الطعام ويتصدّق به على ثلاثين مسكيناً ؛ لكلّ واحد مدّ على الأقوى ، والأحوط مدّان ، وإن زاد فله ، وإن نقص ليس عليه الإتمام ، ولا يحتاط بالمدّين مع إيجاب النقص كما مرّ ، ولو عجز عنه صام على الأحوط عن كلّ مدّ يوماً إلى الثلاثين وهو غاية الكفّارة ، ولو عجز صام تسعة أيّام ، وحمار الوحش كذلك والأحوط أ نّه كالنعامة .
3- - مع عجزه عنها يفض ثمنها على الطعام ويتصدّق على عشرة مساكين ؛ لكلّ مدّ ، والأحوط مدّان ، وحكم الزيادة والنقيصة ومورد الاحتياط كما تقدّم ، ولو عجز صام على الأحوط عن كلّ مدّ يوماً إلى عشرة أيّام غاية كفّارته ، ولو عجز صام ثلاثة أيّام .

ومنها : ما يجب فيه الصوم مخيّراً بينه وبين غيره ، وهي كفّارة الإفطار في شهر رمضان ، وكفّارة الاعتكاف ، وكفّارة النذر والعهد ، وكفّارة جزّ المرأة شعرها في المصاب ، فإنّ كلّ هذه مخيّرة بين الخصال الثلاث على الأقوى ، وكفّارة حلق الرأس في الإحرام وهي دم شاة أو صيام ثلاثة أيّام أو التصدّق على ستّة مساكين لكلّ واحد مدّان .

ومنها : ما يجب فيه الصوم مرتّباً على غيره مخيّراً بينه وبين غيره ، وهي كفّارة الواطئ أمته المحرمة بإذنه ، فإنّها بدنة أو بقرة(1) ومع العجز فشاة أو صيام ثلاثة أيّام .

(مسألة 1) : يجب التتابع في صوم شهرين من كفّارة الجمع أو كفّارة التخيير(2) ، ويكفي في حصول التتابع فيهما صوم الشهر الأوّل ويوم من الشهر الثاني ، وكذا يجب(3) التتابع في الثمانية عشر بدل الشهرين ، بل هو الأحوط(4) في صيام سائر الكفّارات وإن كان في وجوبه فيها تأمّل وإشكال .

(مسألة 2) : إذا نذر صوم شهر أو أقلّ أو أزيد لم يجب التتابع ، إلاّ مع الانصراف ، أو اشتراط التتابع فيه .

(مسألة 3) : إذا فاته النذر المعيّن أو المشروط فيه التتابع ، فالأحوط في قضائه التتابع أيضاً .

ص: 66


1- - بل بدنة أو بقرة أو شاة مع اليسر ، ومع العسر عن الأوّلين فشاة أو صيام ، والأحوط ثلاثة أيّام ، ولا يترك هذا الاحتياط .
2- - أو الترتيب .
3- - على الأحوط .
4- - لا يترك .

(مسألة 4) : من وجب عليه الصوم اللازم فيه التتابع ، لا يجوز أن يشرع فيه في زمان يعلم أ نّه لا يسلم له ؛ بتخلّل العيد أو تخلّل يوم يجب فيه صوم آخر من نذر أو إجارة أو شهر رمضان ، فمن وجب عليه شهران متتابعان لا يجوز له أن يبتدأ بشعبان ، بل يجب أن يصوم قبله يوماً أو أزيد من رجب ، وكذا لا يجوز أن يقتصر على شوّال مع يوم من ذي القعدة أو على ذي الحجّة مع يوم من المحرّم ؛ لنقصان الشهرين بالعيدين . نعم ، لو لم يعلم من حين الشروع عدم السلامة فاتّفق ، فلا بأس على الأصحّ وإن كان الأحوط(1) عدم الإجزاء ، ويستثنى ممّا ذكرنا من عدم الجواز مورد واحد وهو صوم ثلاثة أيّام بدل هدي التمتّع إذا شرع فيه يوم التروية ، فإنّه يصحّ وإن تخلّل بينها العيد ، فيأتي بالثالث بعد العيد بلا فصل(2) أو بعد أيّام التشريق بلا فصل لمن كان بمنى ، وأمّا لو شرع فيه يوم عرفة أو صام يوم السابع والتروية وتركه في عرفة لم يصحّ ، ووجب الاستئناف كسائر موارد وجوب التتابع .

(مسألة 5) : كلّ صوم يشترط فيه التتابع إذا أفطر في أثنائه لا لعذر اختياراً ، يجب استئنافه ، وكذا إذا شرع فيه في زمان يتخلّل فيه صوم واجب آخر ؛ من نذر ونحوه ، وأمّا ما لم يشترط فيه التتابع وإن وجب فيه بنذر أو نحوه فلا يجب استئنافه ، وإن أثم بالإفطار ، كما إذا نذر التتابع في قضاء رمضان ، فإنّه لو خالف

ص: 67


1- - لا يترك إذا التفت فتردّد .
2- - على الأحوط ؛ وإن كان الأقوى عدم لزومه ، وكذا عدم لزوم كونه بلا فصل بعد أيّام التشريق ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في صوم يوم قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة مع الاختيار ، حتّى لا ينفصل بالعيد ، ومع الفصل لا ينبغي ترك الاحتياط بصوم الثالث بلا فصل .

وأتى به متفرّقاً صحّ وإن عصى من جهة خلف النذر .

(مسألة 6) : إذا أفطر في أثناء ما يشترط فيه التتابع لعذر من الأعذار - كالمرض والحيض والنفاس والسفر الاضطراري ، دون الاختياري - لم يجب استئنافه ، بل يبني على ما مضى ، ومن العذر ما إذا نسي النيّة حتّى فات وقتها ؛ بأن تذكّر بعد الزوال ، ومنه أيضاً ما إذا نسي فنوى صوماً آخر ولم يتذكّر إلاّ بعد الزوال ، ومنه أيضاً ما إذا نذر قبل تعلّق الكفّارة صوم كلّ خميس ، فإنّ تخلّله في أثناء التتابع لا يضرّ به ولا يجب عليه الانتقال إلى غير الصوم من الخصال في صوم الشهرين لأجل هذا التعذّر ، نعم لو كان قد نذر صوم الدهر قبل تعلّق الكفّارة اتّجه الانتقال إلى سائر الخصال .

(مسألة 7) : كلّ من وجب عليه شهران متتابعان - من كفّارة معيّنة أو مخيّرة - إذا صام شهراً ويوماً متتابعاً يجوز له التفريق في البقيّة ؛ ولو اختياراً لا لعذر ، وكذا لو كان من نذر أو عهد لم يشترط فيه تتابع الأيّام جميعها ولم يكن المنساق منه ذلك ، وألحق المشهور بالشهرين الشهر المنذور فيه التتابع ، فقالوا : إذا تابع في خمسة عشر يوماً منه يجوز له التفريق في البقيّة اختياراً ، وهو مشكل ، فلا يترك الاحتياط فيه بالاستئناف مع تخلّل الإفطار عمداً وإن بقي منه يوم ، كما لا إشكال في عدم جواز التفريق اختياراً مع تجاوز النصف في سائر أقسام الصوم المتتابع .

(مسألة 8) : إذا بطل التتابع في الأثناء لا يكشف عن بطلان الأيّام السابقة ، فهي صحيحة(1) وإن لم تكن امتثالاً للأمر الوجوبي ولا الندبي ؛ لكونها محبوبة

ص: 68


1- - في غير النذر وشبهه إشكال .

في حدّ نفسها من حيث إنّها صوم ، وكذلك الحال في الصلاة إذا بطلت في الأثناء ، فإنّ الأذكار والقراءة صحيحة في حدّ نفسها من حيث محبوبيتها لذاتها .

فصل : في أقسام الصوم

فصل

أقسام الصوم أربعة : واجب ، وندب ، ومكروه - كراهة عبادة - ومحظور .

والواجب أقسام : صوم شهر رمضان ، وصوم الكفّارة ، وصوم القضاء ، وصوم بدل الهدي في حجّ التمتّع ، وصوم النذر(1) والعهد واليمين ، والملتزم بشرط أو إجارة ، وصوم اليوم الثالث من أيّام الاعتكاف ، أمّا الواجب فقد مرّ جملة منه .

وأمّا المندوب منه فأقسام :

منها : ما لا يختصّ بسبب مخصوص ولا زمان معيّن كصوم أيّام السنة عدا ما استثني - من العيدين وأيّام التشريق لمن كان بمنى - فقد وردت الأخبار الكثيرة في فضله من حيث هو ومحبوبيته وفوائده ، ويكفي فيه ما ورد في الحديث القدسي : «الصوم لي وأنا اُجازي به» وما ورد من «أنّ الصوم جنّة من النار» ، و«أنّ نوم الصائم عبادة وصمته تسبيح وعمله متقبّل ودعاؤه مستجاب» ، ونعم ما قال بعض العلماء من أ نّه لو لم يكن في الصوم إلاّ الارتقاء عن حضيض حظوظ النفس البهيمية إلى ذروة التشبّه بالملائكة الروحانية لكفى به فضلاً ومنقبةً وشرفاً.

ومنها : ما يختصّ بسبب مخصوص ، وهي كثيرة مذكورة في كتب الأدعية .

ومنها : ما يختصّ بوقت معيّن وهو في مواضع : منها : وهو آكدها صوم ثلاثة

ص: 69


1- - في كون هذا وما بعده - غير الأخير ؛ أي الثالث من أيّام الاعتكاف - منه إشكال ؛ لما مرّ من أنّ المنذور لا يصير بعنوانه واجباً .

أيّام من كلّ شهر ، فقد ورد أ نّه يعادل صوم الدهر ويذهب بوحر الصدر ، وأفضل كيفياته ما عن المشهور ويدلّ عليه جملة من الأخبار وهو أن يصوم أوّل خميس من الشهر وآخر خميس منه وأوّل أربعاء في العشر الثاني ، ومن تركه يستحبّ له قضاؤه ، ومع العجز عن صومه - لكبر ونحوه - يستحبّ أن يتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام أو بدرهم . ومنها : صوم أيّام البيض من كلّ شهر وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر على الأصحّ المشهور ، وعن العمّاني أ نّها الثلاثة المتقدّمة . ومنها : صوم يوم مولد النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، وهو السابع عشر من ربيع الأوّل على الأصحّ وعن الكليني أ نّه الثاني عشر منه . ومنها : صوم يوم الغدير ، وهو الثامن عشر من ذي الحجّة . ومنها : صوم يوم مبعث النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، وهو السابع والعشرون من رجب . ومنها : يوم دحو الأرض من تحت الكعبة ، وهو اليوم الخامس والعشرون من ذي القعدة . ومنها : يوم عرفة لمن لا يضعّفه الصوم عن الدعاء . ومنها : يوم المباهلة(1) ، وهو الرابع والعشرون من ذي الحجّة . ومنها : كلّ خميس وجمعة معاً أو الجمعة فقط . ومنها : أوّل ذي الحجّة ، بل كلّ يوم من التسع فيه . ومنها : يوم النيروز . ومنها : صوم رجب وشعبان ؛ كلاًّ أو بعضاً ولو يوماً من كلّ منهما . ومنها : أوّل يوم من المحرّم وثالثه وسابعه(2) . ومنها : التاسع والعشرون من ذي القعدة . ومنها : صوم ستّة أيّام(3) بعد عيد الفطر بثلاثة أيّام أحدها العيد . ومنها : يوم النصف(4) من جمادى الاُولى .

ص: 70


1- - يصومه بقصد القربة المطلقة وشكراً لإظهار النبي الأكرم فضيلة عظيمة من فضائل مولانا أمير المؤمنين عليه السلام .
2- - لم أعثر على دليله عجالة ، نعم وردت رواية في صوم تاسعه ، لكن في استحبابه تأمّل .
3- - في استحباب صومها بالخصوص تأمّل .
4- - يأتي به رجاءً ، أو للرجحان المطلق .

(مسألة 1) : لا يجب إتمام صوم التطوّع بالشروع فيه ، بل يجوز له الإفطار إلى الغروب وإن كان يكره بعد الزوال .

(مسألة 2) : يستحبّ للصائم تطوّعاً قطع الصوم إذا دعاه أخوه المؤمن إلى الطعام ، بل قيل بكراهته حينئذٍ .

وأمّا المكروه منه - بمعنى قلّة الثواب(1) - ففي مواضع أيضاً :

منها : صوم عاشوراء .

ومنها : صوم عرفة لمن خاف أن يضعّفه عن الدعاء الذي هو أفضل من الصوم ، وكذا مع الشكّ(2) في هلال ذي الحجّة خوفاً من أن يكون يوم العيد .

ومنها : صوم الضيف بدون إذن مضيفه ، والأحوط تركه مع نهيه ، بل الأحوط تركه مع عدم إذنه أيضاً .

ومنها : صوم الولد بدون إذن والده ، بل الأحوط تركه خصوصاً مع النهي(3) ، بل يحرم إذا كان إيذاءً له من حيث شفقته عليه ، والظاهر جريان الحكم في ولد الولد بالنسبة إلى الجدّ ، والأولى مراعاة إذن الوالدة ، ومع كونه إيذاءً لها يحرم كما في الوالد .

وأمّا المحظور منه ، ففي مواضع أيضاً :

أحدها : صوم العيدين - الفطر والأضحى - وإن كان عن كفّارة القتل في أشهر الحرم ، والقول بجوازه للقاتل شاذّ ، والرواية الدالّة عليه ضعيفة سنداً(4) ودلالة .

ص: 71


1- - أو بمعنى انطباق عنوان مرجوح عليه تكون مرجوحيته أهمّ من رجحان الصوم ، أو بمعنى المزاحمة لما هو أفضل منه .
2- - الظاهر عدم كراهة صومه بالمعاني المتقدّمة .
3- - لا يترك مع نهيه مطلقاً ، أو نهي الوالدة كذلك .
4- - ضعف سندها ممنوع ، نعم هي مع شذوذها يمكن الخدشة في دلالتها أيضاً .

الثاني : صوم أيّام التشريق ؛ وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجّة لمن كان بمنى ، ولا فرق على الأقوى بين الناسك وغيره .

الثالث : صوم يوم الشكّ في أ نّه من شعبان أو رمضان بنيّة أ نّه من رمضان ، وأمّا بنيّة أ نّه من شعبان فلا مانع منه كما مرّ .

الرابع : صوم وفاء نذر المعصية ؛ بأن ينذر الصوم إذا تمكّن من الحرام الفلاني أو إذا ترك الواجب الفلاني يقصد بذلك الشكر على تيسّره ، وأمّا إذا كان بقصد الزجر عنه فلا بأس به ، نعم يلحق بالأوّل في الحرمة ما إذا نذر الصوم زجراً عن طاعة صدرت منه أو عن معصية تركها .

الخامس : صوم الصمت ؛ بأن ينوي في صومه السكوت عن الكلام في تمام النهار أو بعضه بجعله في نيّته من قيود صومه ، وأمّا إذا لم يجعله قيداً وإن صمت فلا بأس به ، بل وإن كان في حال النيّة بانياً على ذلك ؛ إذا لم يجعل الكلام جزءاً من المفطرات وتركه قيداً في صومه .

السادس : صوم الوصال وهو صوم يوم وليلة إلى السحر ، أو صوم يومين بلا إفطار في البين ، وأمّا لو أخّر الإفطار إلى السحر أو إلى الليلة الثانية مع عدم قصد جعل تركه جزءاً من الصوم فلا بأس به ؛ وإن كان الأحوط عدم التأخير إلى السحر مطلقاً .

السابع : صوم الزوجة(1) مع المزاحمة لحقّ الزوج ، والأحوط تركه بلا إذن منه ، بل لا يترك الاحتياط مع نهيه عنه وإن لم يكن مزاحماً لحقّه .

الثامن : صوم المملوك مع المزاحمة لحقّ المولى ، والأحوط تركه من دون إذنه ، بل لا يترك الاحتياط مع نهيه .

ص: 72


1- - على الأحوط وكذا في المملوك .

التاسع : صوم الولد مع كونه موجباً لتأ لّم الوالدين وأذيّتهما(1) .

العاشر : صوم المريض ومن كان يضرّه الصوم .

الحادي عشر : صوم المسافر إلاّ في الصور المستثناة على ما مرّ.

الثاني عشر : صوم الدهر حتّى العيدين ، على ما في الخبر ؛ وإن كان يمكن أن يكون من حيث اشتماله عليهما لا لكونه صوم الدهر من حيث هو .

(مسألة 3) : يستحبّ الإمساك تأدّباً في شهر رمضان - وإن لم يكن صوماً - في مواضع:

أحدها : المسافر إذا ورد أهله أو محلّ الإقامة بعد الزوال مطلقاً أو قبله وقد أفطر ، وأمّا إذا ورد قبله ولم يفطر فقد مرّ أ نّه يجب عليه الصوم .

الثاني : المريض إذا برئ في أثناء النهار وقد أفطر ، وكذا لو لم يفطر إذا كان بعد الزوال ، بل قبله أيضاً على ما مرّ من عدم صحّة صومه وإن كان الأحوط تجديد(2) النيّة والإتمام ثمّ القضاء .

الثالث : الحائض والنفساء إذا طهرتا في أثناء النهار .

الرابع : الكافر إذا أسلم في أثناء النهار ؛ أتى بالمفطر أم لا .

الخامس : الصبيّ إذا بلغ في أثناء النهار .

السادس : المجنون والمغمى عليه(3) إذا أفاقا في أثنائه .

ص: 73


1- - ولا يترك الاحتياط مع نهيهما مطلقاً كما مرّ .
2- - قد مرّ أنّ وجوبه لا يخلو من قرب .
3- - مرّ الاحتياط فيه لو سبق منه النيّة بالإتمام وإلاّ فبالقضاء .

كتاب الاعتكاف

اشارة

وهو اللبث في المسجد بقصد العبادة ، بل لا يبعد كفاية قصد التعبّد بنفس اللبث وإن لم يضمّ إليه قصد عبادة اُخرى خارجة عنه ، لكن الأحوط الأوّل ، ويصحّ في كلّ وقت يصحّ فيه الصوم ، وأفضل أوقاته شهر رمضان ، وأفضله العشر الأواخر منه . وينقسم إلى واجب ومندوب . والواجب منه ما وجب بنذر(1) أو عهد أو يمين أو شرط في ضمن عقد أو إجارة أو نحو ذلك ، وإلاّ ففي أصل الشرع مستحبّ . ويجوز الإتيان به عن نفسه وعن غيره الميّت ، وفي جوازه نيابة عن الحيّ قولان ؛ لا يبعد ذلك(2) ، بل هو الأقوى ، ولا يضرّ اشتراط الصوم فيه ، فإنّه تبعي ، فهو كالصلاة في الطواف الذي يجوز فيه النيابة عن الحيّ .

ويشترط في صحّته اُمور :

الأوّل : الإيمان ، فلا يصحّ من غيره .

الثاني : العقل ، فلا يصحّ من المجنون ولو أدواراً في دوره ، ولا من السكران وغيره من فاقدي العقل .

ص: 74


1- - مرّ الإشكال في أمثاله ، والأمر سهل .
2- - الأولى الإتيان به رجاءً ، بل هو الأحوط .

الثالث : نيّة القربة ، كما في غيره من العبادات ، والتعيين إذا تعدّد ولو إجمالاً ، ولا يعتبر فيه قصد الوجه كما في غيره من العبادات ، وإن أراد أن ينوي الوجه ففي الواجب منه ينوي الوجوب(1) وفي المندوب الندب ، ولا يقدح في ذلك كون اليوم الثالث الذي هو جزء منه واجباً ؛ لأ نّه من أحكامه ، فهو نظير النافلة إذا قلنا بوجوبها بعد الشروع فيها ، ولكنّ الأولى ملاحظة ذلك حين الشروع فيه ، بل تجديد نيّة الوجوب في اليوم الثالث . ووقت النيّة(2) قبل الفجر ، وفي كفاية النيّة في أوّل الليل كما في صوم شهر رمضان إشكال ، نعم لو كان الشروع فيه في أوّل الليل أو في أثنائه نوى في ذلك الوقت ، ولو نوى الوجوب في المندوب أو الندب في الواجب اشتباهاً لم يضرّ ، إلاّ إذا كان على وجه التقييد لا الاشتباه في التطبيق .

الرابع : الصوم ، فلا يصحّ بدونه ، وعلى هذا فلا يصحّ وقوعه من المسافر في غير المواضع التي يجوز له الصوم فيها ، ولا من الحائض والنفساء ، ولا في العيدين ، بل لو دخل فيه قبل العيد بيومين لم يصحّ وإن كان غافلاً حين الدخول . نعم ، لو نوى اعتكاف زمان يكون اليوم الرابع أو الخامس منه العيد ، فإن كان على وجه التقييد بالتتابع لم يصحّ ، وإن كان على وجه الإطلاق لا يبعد صحّته ، فيكون العيد فاصلاً(3) بين أيّام الاعتكاف .

ص: 75


1- - في المنذور وشبهه لا يصير الوجوب وجهاً له ، فلا معنى لقصده ، بل يقصد المندوب وفاءً لنذره أو عهده أو إجارته .
2- - مرّ في نيّة الصوم ما هو الأقوى .
3- - بعد الفصل بالعيد لا يكون المجموع اعتكافاً واحداً ، فله اعتكاف آخر ثلاثة أيّام أو أزيد بعد العيد بشروطه .

الخامس : أن لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام ، فلو نواه كذلك بطل ، وأمّا الأزيد فلا بأس به وإن كان الزائد يوماً أو بعضه(1) ، أو ليلة أو بعضها ، ولا حدّ لأكثره ، نعم لو اعتكف خمسة أيّام وجب السادس ، بل ذكر بعضهم(2) : أ نّه كلّما زاد يومين وجب الثالث ، فلو اعتكف ثمانية أيّام وجب اليوم التاسع وهكذا ، وفيه تأمّل . واليوم من طلوع الفجر إلى غروب الحمرة المشرقية ، فلا يشترط إدخال الليلة الاُولى ولا الرابعة - وإن جاز ذلك كما عرفت - ويدخل فيه الليلتان المتوسّطتان ، وفي كفاية الثلاثة التلفيقية إشكال .

السادس : أن يكون في المسجد الجامع(3) ، فلا يكفي في غير المسجد ولا في مسجد القبيلة والسوق ، ولو تعدّد الجامع تخيّر بينها ، ولكن الأحوط مع الإمكان كونه في أحد المساجد الأربعة ؛ مسجد الحرام ومسجد النبي صلی الله علیه و آله وسلم ومسجد الكوفة ومسجد البصرة .

السابع : إذن السيّد بالنسبة إلى مملوكه ؛ سواء كان قنّاً أو مدبّراً أو اُمّ ولد أو مكاتباً لم يتحرّر منه شيء ولم يكن اعتكافه اكتساباً ، وأمّا إذا كان اكتساباً فلا مانع منه ، كما أ نّه إذا كان مبعّضاً فيجوز منه في نوبته ؛ إذا هاياه مولاه من دون إذن ، بل مع المنع منه أيضاً ، وكذا يعتبر إذن المستأجر بالنسبة إلى أجيره الخاصّ(4) ، وإذن الزوج بالنسبة إلى الزوجة إذا كان منافياً

ص: 76


1- - فيه تردّد ، وكذا في الازدياد ببعض الليل .
2- - هذا هو الأحوط .
3- - في غير المساجد الأربعة محلّ إشكال ، فلا يترك الاحتياط بإتيانه رجاءً في غيرها .
4- - إذا كانت الإجارة بحيث ملك منفعة الاعتكاف وإلاّ فغير معلوم ، بل في بعض فروعه معلوم العدم .

لحقّه(1) ، وإذن الوالد والوالدة بالنسبة إلى ولدهما إذا كان مستلزماً لإيذائهما ، وأمّا مع عدم المنافاة وعدم الإيذاء فلا يعتبر إذنهم؛ وإن كان أحوط، خصوصاً بالنسبة إلى الزوج والوالد.

الثامن : استدامة اللبث في المسجد ، فلو خرج عمداً اختياراً لغير الأسباب المبيحة بطل ؛ من غير فرق بين العالم بالحكم والجاهل به ، وأمّا لو خرج ناسياً أو مكرهاً فلا يبطل ، وكذا لو خرج لضرورة عقلاً أو شرعاً أو عادة ، كقضاء الحاجة من بول أو غائط أو للاغتسال من الجنابة أو الاستحاضة ونحو ذلك ، ولا يجب الاغتسال(2) في المسجد ؛ وإن أمكن من دون تلويث وإن كان أحوط ، والمدار على صدق اللبث ، فلا ينافيه خروج بعض أجزاء بدنه ؛ من يده أو رأسه أو نحوهما .

(مسألة 1) : لو ارتدّ المعتكف في أثناء اعتكافه بطل ؛ وإن تاب بعد ذلك ، إذا كان ذلك في أثناء النهار ، بل مطلقاً على الأحوط(3) .

(مسألة 2) : لا يجوز العدول بالنيّة من اعتكاف إلى غيره وإن اتّحدا في الوجوب والندب ، ولا عن نيابة ميّت إلى آخر أو إلى حيّ ، أو عن نيابة غيره إلى نفسه أو العكس .

(مسألة 3) : الظاهر عدم جواز النيابة عن أكثر من واحد في اعتكاف واحد ،

ص: 77


1- - فيه إشكال ، لكن لا يترك الاحتياط .
2- - بل لا يجوز في المسجدين ، ويجب عليه التيمّم والخروج للاغتسال ، ولا يجوز في غيرهما مع استلزام اللبث .
3- - بل الأقوى .

نعم يجوز ذلك بعنوان إهداء الثواب ، فيصحّ إهداؤه إلى متعدّدين أحياءً أو أمواتاً أو مختلفين .

(مسألة 4) : لا يعتبر في صوم الاعتكاف أن يكون لأجله ، بل يعتبر فيه أن يكون صائماً أيّ صوم كان ، فيجوز الاعتكاف مع كون الصوم استئجارياً(1) أو واجباً من جهة النذر ونحوه ، بل لو نذر الاعتكاف يجوز له بعد ذلك أن يؤجر نفسه للصوم ويعتكف في ذلك الصوم ، ولا يضرّه وجوب الصوم عليه بعد نذر الاعتكاف ، فإنّ الذي يجب لأجله هو الصوم الأعمّ من كونه له أو بعنوان آخر ، بل لا بأس بالاعتكاف المنذور مطلقاً في الصوم المندوب الذي يجوز له قطعه ، فإن لم يقطعه تمّ اعتكافه ، وإن قطعه انقطع ووجب عليه الاستئناف .

(مسألة 5) : يجوز قطع الاعتكاف المندوب في اليومين الأوّلين ، ومع تمامهما يجب الثالث ، وأمّا المنذور فإن كان معيّناً فلا يجوز قطعه مطلقاً ، وإلاّ فكالمندوب .

(مسألة 6) : لو نذر الاعتكاف في أيّام معيّنة وكان عليه صوم منذور أو واجب لأجل الإجارة ، يجوز له أن يصوم في تلك الأيّام وفاء عن النذر أو الإجارة ، نعم لو نذر الاعتكاف في أيّام مع قصد كون الصوم له ولأجله لم يجز عن النذر أو الإجارة .

(مسألة 7) : لو نذر اعتكاف يوم أو يومين ، فإن قيّد بعدم الزيادة بطل نذره ، وإن لم يقيّده صحّ ووجب ضمّ يوم أو يومين .

ص: 78


1- - إذا لم يكن انصراف في البين .

(مسألة 8) : لو نذر اعتكاف ثلاثة أيّام معيّنة أو أزيد ، فاتّفق كون الثالث(1) عيداً بطل من أصله ولا يجب عليه قضاؤه ؛ لعدم انعقاد نذره ، لكنّه أحوط .

(مسألة 9) : لو نذر اعتكاف يوم قدوم زيد بطل(2) ، إلاّ أن يعلم يوم قدومه قبل الفجر ، ولو نذر اعتكاف ثاني يوم قدومه صحّ ووجب عليه ضمّ يومين آخرين .

(مسألة 10) : لو نذر اعتكاف ثلاثة أيّام من دون الليلتين المتوسّطتين لم ينعقد .

(مسألة 11) : لو نذر اعتكاف ثلاثة أيّام أو أزيد ، لم يجب إدخال الليلة الاُولى فيه ، بخلاف ما إذا نذر اعتكاف شهر فإنّ الليلة الاُولى جزء من الشهر .

(مسألة 12) : لو نذر اعتكاف شهر ، يجزيه ما بين الهلالين(3) وإن كان ناقصاً ، ولو كان مراده مقدار شهر وجب ثلاثون يوماً .

(مسألة 13) : لو نذر اعتكاف شهر وجب التتابع ، وأمّا لو نذر مقدار الشهر جاز له التفريق ثلاثة ثلاثة إلى أن يكمل ثلاثون ، بل لا يبعد جواز التفريق يوماً

ص: 79


1- - وكذا لو نذر اعتكاف أربعة أيّام أو أزيد واتّفق كون الرابع مثلاً عيداً ، فالظاهر بطلان نذره وإن كان الأحوط اعتكاف ما عدا العيد من الأيّام السابقة عليه ، بل وما بعده ، خصوصاً إذا كان ثلاثة أيّام أو أزيد ، نعم لو رجع نذره إلى اعتكافين فاتّفق يوم الثالث عيداً يجب الاعتكاف بعد العيد ، أو اتّفق الرابع وجب الاعتكاف قبله .
2- - على إشكال نشأ من صحّة الاعتكاف ثلاثة أيّام تلفيقاً ، والأحوط لمن نذر ذلك أن يصوم يوم احتمال قدومه مقدّمة ويعتكف من حينه ، فإن قدم بين اليوم يعتكف رجاءً ويتمّه ثلاثة أيّام تلفيقاً .
3- - والأحوط ضمّ يوم كما مرّ .

فيوماًويضمّ إلى كلّ واحد يومين آخرين ، بل الأمر كذلك في كلّ مورد لم يكن المنساق منه هو التتابع .

(مسألة 14) : لو نذر الاعتكاف شهراً أو زماناً على وجه التتابع - سواء شرطه لفظاً ، أو كان المنساق منه ذلك - فأخلّ بيوم أو أزيد بطل ؛ وإن كان ما مضى ثلاثة فصاعداً واستأنف آخر مع مراعاة التتابع فيه ، وإن كان معيّناً وقد أخلّ بيوم أو أزيد وجب قضاؤه ، والأحوط التتابع فيه أيضاً وإن بقي شيء من ذلك الزمان المعيّن بعد الإبطال بالإخلال ، فالأحوط ابتداء(1) القضاء منه .

(مسألة 15) : لو نذر اعتكاف أربعة أيّام ، فأخلّ بالرابع ولم يشترط التتابع ولا كان منساقاً من نذره ، وجب قضاء ذلك اليوم وضمّ يومين آخرين والأولى جعل المقضيّ أوّل الثلاثة وإن كان مختاراً في جعله أيّاً منها شاء .

(مسألة 16) : لو نذر اعتكاف خمسة أيّام وجب أن يضمّ إليها سادساً ؛ سواء تابع أو فرّق بين الثلاثتين .

(مسألة 17) : لو نذر زماناً معيّناً - شهراً أو غيره - وتركه نسياناً أو عصياناً أو اضطراراً وجب قضاؤه(2) ، ولو غمّت الشهور فلم يتعيّن عنده ذلك المعيّن عمل بالظنّ(3) ، ومع عدمه يتخيّر بين موارد الاحتمال .

(مسألة 18) : يعتبر في الاعتكاف الواحد وحدة المسجد ، فلا يجوز أن يجعله

ص: 80


1- - وإن كان الأقوى عدم وجوبه .
2- - على الأحوط .
3- - محلّ إشكال ، وأشكل منه التخيير مع عدمه ، فالأحوط مع عدم الحرج الجمع بين المحتملات .

في مسجدين ؛ سواء كانا متّصلين أو منفصلين ، نعم لو كانا متّصلين على وجه يعدّ مسجداً واحداً فلا مانع(1) .

(مسألة 19) : لو اعتكف في مسجد ثمّ اتّفق مانع من إتمامه فيه ؛ من خوف أو هدم أو نحو ذلك بطل ، ووجب استئنافه أو قضاؤه إن كان واجباً في مسجد آخر أو ذلك المسجد إذا ارتفع عنه المانع ، وليس له البناء - سواء كان في مسجد آخر أو في ذلك المسجد - بعد رفع المانع .

(مسألة 20) : سطح المسجد وسردابه ومحرابه منه ما لم يعلم خروجها ، وكذا مضافاته إذا جعلت جزءاً منه كما لو وسّع فيه .

(مسألة 21) : إذا عيّن موضعاً خاصّاً من المسجد محلاًّ لاعتكافه ، لم يتعيّن(2) وكان قصده لغواً .

(مسألة 22) : قبر مسلم وهاني ليس جزءاً من مسجد الكوفة على الظاهر .

(مسألة 23) : إذا شكّ في موضع من المسجد أ نّه جزء منه أو من مرافقه ، لم يجر عليه حكم المسجد .

(مسألة 24) : لا بدّ من ثبوت كونه مسجداً وجامعاً بالعلم الوجداني ، أو الشياع المفيد للعلم ، أو البيّنة الشرعية ، وفي كفاية خبر العدل الواحد إشكال ، والظاهر كفاية حكم الحاكم(3) الشرعي .

ص: 81


1- - هذا من فروع جواز الاعتكاف في كلّ جامع ، وقد مرّ الإشكال فيه .
2- - بل يشكل صحّته في بعض الفروض .
3- - ثبوته به محلّ إشكال ، إلاّ في مورد الترافع بين المتخاصمين .

(مسألة 25) : لو اعتكف في مكان باعتقاد المسجدية أو الجامعية فبان الخلاف ، تبيّن البطلان .

(مسألة 26) : لا فرق في وجوب كون الاعتكاف في المسجد الجامع(1) بين الرجل والمرأة ، فليس لها الاعتكاف في المكان الذي أعدّته للصلاة في بيتها ، بل ولا في مسجد القبيلة ونحوها .

(مسألة 27) : الأقوى صحّة اعتكاف الصبيّ المميّز ، فلا يشترط فيه البلوغ .

(مسألة 28) : لو اعتكف العبد بدون إذن المولى بطل ، ولو اُعتق في أثنائه لم يجب عليه إتمامه ، ولو شرع فيه بإذن المولى ثمّ اُعتق في الأثناء ، فإن كان في اليوم الأوّل أو الثاني لم يجب عليه الإتمام ، إلاّ أن يكون من الاعتكاف الواجب(2) ، وإن كان بعد تمام اليومين وجب عليه الثالث ، وإن كان بعد تمام الخمسة وجب السادس .

(مسألة 29) : إذا أذن المولى لعبده في الاعتكاف جاز له الرجوع عن إذنه ما لم يمضِ يومان وليس له الرجوع بعدهما ؛ لوجوب إتمامه حينئذٍ ، وكذا لا يجوز له الرجوع إذا كان الاعتكاف واجباً بعد الشروع(3) فيه من العبد .

(مسألة 30) : يجوز للمعتكف الخروج من المسجد لإقامة الشهادة أو لحضور الجماعة(4) أو لتشييع الجنازة(5) وإن لم يتعيّن عليه هذه الاُمور ، وكذا في سائر

ص: 82


1- - بل في المساجد الأربعة على الأحوط كما مرّ .
2- - أي المعيّن منه .
3- - كما لو نذر إتمامه إذا شرع فيه .
4- - في غير مكّة محلّ إشكال .
5- - لا مطلقاً ، بل إذا كان للميّت نحو تعلّق به حتّى يعدّ ذلك من ضرورياته العرفية .

الضرورات العرفية أو الشرعية الواجبة أو الراجحة ؛ سواء كانت متعلّقة باُمور الدنيا أو الآخرة ممّا يرجع مصلحته إلى نفسه أو غيره ، ولا يجوز الخروج اختياراً بدون أمثال هذه المذكورات .

(مسألة 31) : لو أجنب في المسجد ولم يمكن(1) الاغتسال فيه وجب عليه الخروج ، ولو لم يخرج بطل اعتكافه لحرمة لبثه فيه .

(مسألة 32) : إذا غصب مكاناً من المسجد سبق إليه غيره ؛ بأن أزاله وجلس فيه ، فالأقوى(2) بطلان اعتكافه ، وكذا إذا جلس على فراش مغصوب ، بل الأحوط(3) الاجتناب عن الجلوس على أرض المسجد المفروش بتراب مغصوب أو آجر مغصوب على وجه لا يمكن إزالته ، وإن توقّف على الخروج خرج على الأحوط ، وأمّا إذا كان لابساً لثوب مغصوب أو حاملاً له ، فالظاهر عدم البطلان .

(مسألة 33) : إذا جلس على المغصوب ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً أو مضطرّاً لم يبطل اعتكافه .

(مسألة 34) : إذا وجب عليه الخروج لأداء دين واجب الأداء عليه ، أو لإتيان واجب آخر متوقّف على الخروج ولم يخرج أثم ، ولكن لا يبطل اعتكافه على الأقوى .

(مسألة 35) : إذا خرج عن المسجد لضرورة ، فالأحوط مراعاة أقرب الطرق ،

ص: 83


1- - مرّ حكم الاغتسال .
2- - عدم البطلان فيه وفيما بعده لا يخلو من قوّة .
3- - لا يترك الاحتياط فيه وفي الفرع التالي ، لكن لو لم يجتنب فالأقوى صحّة اعتكافه .

ويجب عدم المكث إلاّ بمقدار الحاجة والضرورة ، ويجب أيضاً أن لا يجلس تحت الظلال مع الإمكان ، بل الأحوط أن لا يمشي(1) تحته أيضاً ، بل الأحوط عدم الجلوس مطلقاً إلاّ مع الضرورة .

(مسألة 36) : لو خرج لضرورة وطال خروجه ؛ بحيث انمحت صورة الاعتكاف ، بطل .

(مسألة 37) : لا فرق في اللبث في المسجد بين أنواع الكون ؛ من القيام والجلوس والنوم والمشي ونحو ذلك ، فاللازم الكون فيه بأيّ نحو كان .

(مسألة 38) : إذا طلّقت المرأة المعتكفة في أثناء اعتكافها طلاقاً رجعياً وجب عليها الخروج إلى منزلها للاعتداد ، وبطل اعتكافها ، ويجب استئنافه إن كان واجباً موسّعاً بعد الخروج من العدّة ، وأمّا إذا كان واجباً معيّناً فلا يبعد(2) التخيير بين إتمامه ثمّ الخروج ، وإبطاله والخروج فوراً ؛ لتزاحم الواجبين ولا أهمّية معلومة في البين ، وأمّا إذا طلّقت بائناً فلا إشكال ؛ لعدم وجوب كونها في منزلها في أيّام العدّة .

(مسألة 39) : قد عرفت أنّ الاعتكاف إمّا واجب معيّن أو واجب موسّع وإمّا مندوب ، فالأوّل يجب بمجرّد الشروع بل قبله ولا يجوز الرجوع عنه ، وأمّا الأخيران فالأقوى فيهما جواز الرجوع قبل إكمال اليومين ، وأمّا بعده فيجب اليوم الثالث ، لكن الأحوط فيهما أيضاً وجوب الإتمام بالشروع ، خصوصاً الأوّل منهما .

ص: 84


1- - جوازه لا يخلو من قوّة .
2- - المسألة مشكلة ومحلّ تردّد تحتاج إلى مزيد تأمّل .

(مسألة 40) : يجوز له أن يشترط حين النيّة الرجوع متى شاء حتّى في اليوم الثالث ؛ سواء علّق الرجوع على عروض عارض أو لا(1) ، بل يشترط الرجوع متى شاء ، حتّى بلا سبب عارض ، ولا يجوز له اشتراط جواز المنافيات كالجماع ونحوه مع بقاء الاعتكاف على حاله ، ويعتبر أن يكون الشرط المذكور حال النيّة ، فلا اعتبار بالشرط قبلها أو بعد الشروع فيه وإن كان قبل الدخول في اليوم الثالث ، ولو شرط حين النيّة ثمّ بعد ذلك أسقط حكم شرطه ، فالظاهر عدم سقوطه ؛ وإن كان الأحوط ترتيب آثار السقوط من الإتمام بعد إكمال اليومين .

(مسألة 41) : كما يجوز اشتراط الرجوع في الاعتكاف حين عقد نيّته ، كذلك يجوز اشتراطه في نذره كأن يقول : للّه عليّ أن أعتكف بشرط أن يكون لي الرجوع عند عروض كذا أو مطلقاً ، وحينئذٍ فيجوز له الرجوع وإن لم يشترط حين الشروع في الاعتكاف ، فيكفي الاشتراط حال النذر في جواز الرجوع ، لكن الأحوط(2) ذكر الشرط حال الشروع أيضاً ، ولا فرق في كون النذر اعتكاف أيّام معيّنة أو غير معيّنة ، متتابعة أو غير متتابعة ، فيجوز(3) الرجوع في الجميع مع الشرط المذكور في النذر ، ولا يجب القضاء بعد الرجوع مع التعيين ولا الاستئناف مع الإطلاق .

ص: 85


1- - تأثير شرط الرجوع متى شاء من غير عروض عارض محلّ إشكال بل منع ، نعم العارض أعمّ من الأعذار العادية كقدوم الزوج من السفر ، ومن الأعذار التي تبيح المحظورات .
2- - لا يترك .
3- - مرّ الاحتياط فيه .

(مسألة 42) : لا يصحّ أن يشترط في اعتكاف أن يكون له الرجوع في اعتكاف آخر له غير الذي ذكر الشرط فيه ، وكذا لا يصحّ أن يشترط في اعتكافه جواز فسخ اعتكاف شخص آخر ؛ من ولده أو عبده أو أجنبيّ .

(مسألة 43) : لا يجوز التعليق في الاعتكاف ، فلو علّقه بطل ، إلاّ إذا علّقه على شرط معلوم الحصول حين النيّة ، فإنّه في الحقيقة لا يكون من التعليق .

فصل : في أحكام الاعتكاف

يحرم على المعتكف اُمور :

أحدها : مباشرة النساء بالجماع في القبل أو الدبر وباللمس والتقبيل بشهوة ، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة ، فيحرم على المعتكفة أيضاً الجماع واللمس والتقبيل بشهوة ، والأقوى عدم حرمة النظر بشهوة إلى من يجوز النظر إليه وإن كان الأحوط اجتنابه أيضاً .

الثاني : الاستمناء على الأحوط ؛ وإن كان على الوجه الحلال كالنظر إلى حليلته الموجب له .

الثالث : شمّ الطيب مع التلذّذ وكذا الريحان ، وأمّا مع عدم التلذّذ - كما إذا كان فاقداً لحاسّة الشمّ مثلاً - فلا بأس(1) به .

الرابع : البيع والشراء، بل مطلق التجارة مع عدم الضرورة على الأحوط ، ولا بأس بالاشتغال بالاُمور الدنيوية من المباحات حتّى الخياطة والنساجة ونحوهما وإن كان الأحوط الترك ، إلاّ مع الاضطرار إليها ، بل لا بأس بالبيع والشراء إذا

ص: 86


1- - الأمر كما ذكر ، لكن مع فقد الحسّ لا يصدق الشمّ ظاهراً ، والظاهر أ نّه مع تحقّق الشمّ لو لم يتلذّذ لا بأس به .

مسّت الحاجة إليهما للأكل والشرب مع تعذّر التوكيل أو النقل بغير البيع .

الخامس : المماراة ؛ أي المجادلة على أمر دنيوي أو ديني بقصد الغلبة وإظهار الفضيلة، وأمّا بقصد إظهار الحقّ وردّ الخصم عن الخطأ فلا بأس به ، بل هو من أفضل الطاعات ، فالمدار على القصد والنيّة ، فلكلّ امرء ما نوى من خير أو شرّ . والأقوى عدم وجوب اجتناب ما يحرم على المحرم ؛ من الصيد وإزالة الشعر ولبس المخيط ونحو ذلك وإن كان أحوط .

(مسألة 1) : لا فرق في حرمة المذكورات على المعتكف بين الليل والنهار ، نعم المحرّمات من حيث الصوم ، كالأكل والشرب والارتماس ونحوها ، مختصّة بالنهار .

(مسألة 2) : يجوز للمعتكف الخوض في المباح والنظر في معاشه مع الحاجة وعدمها .

(مسألة 3) : كلّ ما يفسد الصوم يفسد الاعتكاف إذا وقع في النهار ؛ من حيث اشتراط الصوم فيه ، فبطلانه يوجب بطلانه ، وكذا يفسده الجماع ؛ سواء كان في الليل أو النهار ، وكذا اللمس والتقبيل بشهوة ، بل الأحوط بطلانه بسائر ما ذكر من المحرّمات ؛ من البيع والشراء وشمّ الطيب وغيرها ممّا ذكر ، بل لا يخلو عن قوّة(1) وإن كان لا يخلو عن إشكال أيضاً ، وعلى هذا فلو أتمّه واستأنفه أو قضاه بعد ذلك إذا صدر منه أحد المذكورات في الاعتكاف الواجب كان أحسن(2) وأولى.

ص: 87


1- - في القوّة تأمّل .
2- - الأحوط في الواجب المعيّن وفي اليوم الثالث القضاء بعد الإتمام ، وفي الواجب الموسّع الإعادة .

(مسألة 4) : إذا صدر منه أحد المحرّمات المذكورة سهواً ، فالظاهر عدم بطلان اعتكافه ، إلاّ الجماع(1) فإنّه لو جامع سهواً أيضاً فالأحوط في الواجب الاستئناف أو القضاء مع إتمام ما هو مشتغل به ، وفي المستحبّ الإتمام .

(مسألة 5) : إذا فسد الاعتكاف بأحد المفسدات ، فإن كان واجباً معيّناً وجب قضاؤه ، وإن كان واجباً غير معيّن وجب استئنافه ، إلاّ إذا كان مشروطاً فيه أو في نذره(2) الرجوع ، فإنّه لا يجب قضاؤه أو استئنافه ، وكذا يجب قضاؤه إذا كان مندوباً وكان الإفساد بعد اليومين ، وأمّا إذا كان قبلهما فلا شيء عليه ، بل في مشروعية قضائه حينئذٍ إشكال .

(مسألة 6) : لا يجب الفور في القضاء وإن كان أحوط .

(مسألة 7) : إذا مات في أثناء الاعتكاف الواجب بنذر أو نحوه لم يجب على وليّه القضاء وإن كان أحوط ، نعم لو كان المنذور الصوم معتكفاً وجب على الوليّ قضاؤه ؛ لأنّ الواجب حينئذٍ عليه هو الصوم ويكون الاعتكاف واجباً من باب المقدّمة ، بخلاف ما لو نذر الاعتكاف ، فإنّ الصوم ليس واجباً فيه وإنّما هو شرط في صحّته ، والمفروض أنّ الواجب على الوليّ قضاء الصلاة والصوم عن الميّت لا جميع ما فاته من العبادات .

ص: 88


1- - التفرقة بين الجماع وغيره محلّ إشكال ، فالأحوط في صورة ارتكاب سائر المحرّمات سهواً إتمامه إذا كان واجباً معيّناً ، وقضاؤه واستئنافه في غيره إذا كان في اليومين الأوّلين ، وإتمامه واستئنافه إذا كان في اليوم الثالث .
2- - مرّ الاحتياط .

(مسألة 8) : إذا باع أو اشترى في حال الاعتكاف لم يبطل بيعه وشراؤه ؛ وإن قلنا ببطلان اعتكافه .

(مسألة 9) : إذا أفسد الاعتكاف الواجب بالجماع ولو ليلاً وجبت الكفّارة ، وفي وجوبها في سائر المحرّمات إشكال ، والأقوى عدمه وإن كان الأحوط ثبوتها ، بل الأحوط(1) ذلك حتّى في المندوب منه قبل تمام اليومين . وكفّارته ككفّارة شهر رمضان على الأقوى وإن كان الأحوط كونها مرتّبة ككفّارة الظهار .

(مسألة 10) : إذا كان الاعتكاف واجباً وكان في شهر رمضان وأفسده بالجماع في النهار فعليه كفّارتان : إحداهما للاعتكاف والثانية للإفطار في نهار رمضان ، وكذا إذا كان في صوم قضاء شهر رمضان وأفطر بالجماع بعد الزوال ، فإنّه يجب عليه كفّارة الاعتكاف وكفّارة قضاء شهر رمضان ، وإذا نذر الاعتكاف في شهر رمضان وأفسده بالجماع في النهار وجب عليه ثلاث كفّارات : إحداها للاعتكاف والثانية لخلف النذر والثالثة للإفطار في شهر رمضان ، وإذا جامع امرأته المعتكفة وهو معتكف في نهار رمضان ، فالأحوط أربع كفّارات وإن كان لا يبعد كفاية الثلاث : إحداها لاعتكافه واثنتان للإفطار في شهر رمضان - إحداهما عن نفسه والاُخرى تحمّلاً عن امرأته - ولا دليل على تحمّل كفّارة الاعتكاف عنها ، ولذا لو أكرهها على الجماع في الليل لم تجب عليه إلاّ كفّارته ولا يتحمّل عنها . هذا ولو كانت مطاوعة فعلى كلّ منهما كفّارتان إن كان في النهار ، وكفّارة واحدة إن كان في الليل .

ص: 89


1- - لا يترك ؛ إذا جامع من غير رفع اليد عن الاعتكاف ، وأمّا معه فلا تجب عليه .

كتاب الزكاة

اشارة

التي وجوبها من ضروريات الدين ومنكره مع العلم به كافر(1) ، بل في جملة من الأخبار : «أنّ مانع الزكاة كافر» .

ويشترط في وجوبها اُمور :

الأوّل : البلوغ ، فلا تجب على غير البالغ في تمام الحول فيما يعتبر فيه الحول ، ولا على من كان غير بالغ في بعضه ، فيعتبر ابتداء الحول من حين البلوغ ، وأمّا ما لا يعتبر فيه الحول من الغلاّت الأربع فالمناط : البلوغ قبل وقت التعلّق ؛ وهو انعقاد الحبّ ، وصدق الاسم على ما سيأتي .

الثاني : العقل ، فلا زكاة في مال المجنون في تمام الحول أو بعضه ولو أدواراً ، بل قيل : إنّ عروض الجنون آناً ما يقطع الحول ، لكنّه مشكل ، بل لا بدّ من صدق اسم المجنون وأ نّه لم يكن في تمام الحول عاقلاً، والجنون آناً ما بل ساعة وأزيد(2) لا يضرّ ؛ لصدق كونه عاقلاً.

الثالث : الحرّية ، فلا زكاة على العبد وإن قلنا بملكه ؛ من غير فرق بين القنّ

ص: 90


1- - بتفصيل مرّ في كتاب الطهارة .
2- - الميزان عدم إضراره بالصدق ، ففي الساعة إشكال فضلاً عن الأزيد .

والمدبّر واُمّ الولد والمكاتب المشروط والمطلق الذي لم يؤدّ شيئاً من مال الكتابة ، وأمّا المبعّض فيجب عليه إذا بلغ ما يتوزّع على بعضه الحرّ النصاب .

الرابع : أن يكون مالكاً ، فلا تجب قبل تحقّق الملكية كالموهوب قبل القبض ، والموصى به قبل القبول(1) أو قبل القبض ، وكذا في القرض لا تجب إلاّ بعد القبض .

الخامس : تمام التمكّن من التصرّف ، فلا تجب في المال الذي لا يتمكّن المالك من التصرّف فيه ؛ بأن كان غائباً ولم يكن في يده ولا في يد وكيله ، ولا في المسروق والمغصوب والمجحود والمدفون في مكان منسيّ ، ولا في المرهون ، ولا في الموقوف ، ولا في المنذور التصدّق به ، والمدار في التمكّن على العرف ، ومع الشكّ يعمل بالحالة السابقة ، ومع عدم العلم بها فالأحوط الإخراج(2) .

السادس : النصاب كما سيأتي تفصيله .

(مسألة 1) : يستحبّ للوليّ الشرعي إخراج الزكاة في غلاّت غير البالغ ؛ يتيماً كان أو لا ، ذكراً كان أو اُنثى ، دون النقدين ، وفي استحباب إخراجها من مواشيه إشكال ، والأحوط الترك(3) ، نعم إذا اتّجر الوليّ بماله يستحبّ إخراج زكاته أيضاً ، ولا يدخل الحمل في غير البالغ ، فلا يستحبّ إخراج زكاة غلاّته ومال تجارته ،

ص: 91


1- - بناءً على اعتباره في حصول الملكية كما هو الأقوى في الوصيّة التمليكية ، وأمّا القبض فلا يعتبر فيه بلا إشكال ، بل يحتمل أن يكون ذكره من سهو منه أو من الناسخ وكان في الأصل قبل الوفاة .
2- - والأقوى عدمه في الشبهة الموضوعية ، كما هي المفروضة ظاهراً .
3- - بل الأقوى عدم الزكاة فيها .

والمتولّي لإخراج الزكاة هو الوليّ ، ومع غيبته يتولاّه الحاكم الشرعي ، ولو تعدّد الوليّ جاز لكلّ منهم ذلك ، ومن سبق نفذ عمله ، ولو تشاحّوا في الإخراج وعدمه قدّم من يريد الإخراج ، ولو لم يؤدّ الوليّ إلى أن بلغ المولّى عليه ، فالظاهر ثبوت الاستحباب بالنسبة إليه .

(مسألة 2) : يستحبّ للوليّ الشرعي إخراج زكاة مال التجارة للمجنون دون غيره ؛ من النقدين كان أو من غيرهما .

(مسألة 3) : الأظهر وجوب الزكاة على المغمى عليه في أثناء الحول ، وكذا السكران ، فالإغماء والسكر لا يقطعان الحول فيما يعتبر فيه ، ولا ينافيان الوجوب إذا عرضا حال التعلّق في الغلاّت .

(مسألة 4) : كما لا تجب الزكاة على العبد ، كذا لا تجب على سيّده فيما ملكه على المختار من كونه مالكاً(1) ، وأمّا على القول بعدم ملكه فيجب عليه مع التمكّن العرفي من التصرّف فيه .

(مسألة 5) : لو شكّ حين البلوغ في مجيء وقت التعلّق ؛ من صدق الاسم وعدمه ، أو علم تأريخ البلوغ وشكّ في سبق زمان التعلّق وتأخّره ، ففي وجوب الإخراج إشكال(2) ؛ لأنّ أصالة التأخّر لا تثبت البلوغ حال التعلّق ، ولكن الأحوط الإخراج ، وأمّا إذا شكّ حين التعلّق في البلوغ وعدمه أو علم زمان التعلّق وشكّ في سبق البلوغ وتأخّره أو جهل التأريخين فالأصل(3) عدم

ص: 92


1- - مالكيته محلّ تأمّل ، فلا يترك المولى الاحتياط بالأداء .
2- - الأقوى عدم الوجوب .
3- - والمسألة صحيحة ، لكن في بعض تشبّثاته إشكال .

الوجوب ، وأمّا مع الشكّ في العقل فإن كان مسبوقاً بالجنون وكان الشكّ في حدوث العقل قبل التعلّق أو بعده ، فالحال كما ذكرنا في البلوغ من التفصيل(1) ، وإن كان مسبوقاً بالعقل فمع العلم بزمان التعلّق والشكّ في زمان حدوث الجنون فالظاهر الوجوب ، ومع العلم بزمان حدوث الجنون والشكّ في سبق التعلّق وتأخّره فالأصل عدم الوجوب ، وكذا مع الجهل بالتأريخين ، كما أنّ مع الجهل بالحالة السابقة وأ نّها الجنون أو العقل كذلك .

(مسألة 6) : ثبوت الخيار للبائع ونحوه لا يمنع(2) من تعلّق الزكاة إذا كان في تمام الحول ، ولا يعتبر ابتداء الحول من حين انقضاء زمانه بناءً على المختار من عدم منع الخيار من التصرّف ، فلو اشترى نصاباً من الغنم أو الإبل - مثلاً - وكان للبائع الخيار جرى في الحول من حين العقد لا من حين انقضائه .

(مسألة 7) : إذا كانت الأعيان الزكوية مشتركة بين اثنين أو أزيد ، يعتبر بلوغ النصاب في حصّة كلّ واحد ، فلا تجب في النصاب الواحد إذا كان مشتركاً .

(مسألة 8) : لا فرق في عدم وجوب الزكاة في العين الموقوفة بين أن يكون الوقف عامّاً أو خاصّاً ، ولا تجب في نماء الوقف العامّ(3) ، وأمّا في نماء الوقف الخاصّ فتجب على كلّ من بلغت حصّته حدّ النصاب .

ص: 93


1- - ومرّ ما هو الأقوى .
2- - إلاّ في الخيار المشروط بردّ الثمن ؛ ممّا تكون المعاملة مبنيّة على بقاء العين .
3- - إنّما لا تتعلّق بنمائه إذا لم يقبضه ، وأمّا بعد القبض فهو كسائر أمواله تتعلّق به الزكاة مع اجتماع شرائطه ، فإذا كان نخيل بستان وقفاً وبعد ظهور الثمر وقبل وقت التعلّق دفع المتولّي ما على النخيل على بعض الموقوف عليهم فحان عنده حين التعلّق ، تتعلّق به مع اجتماع الشرائط .

(مسألة 9) : إذا تمكّن من تخليص المغصوب أو المسروق أو المجحود بالاستعانة بالغير أو البيّنة أو نحو ذلك بسهولة فالأحوط(1) إخراج زكاتها ، وكذا لو مكّنه الغاصب من التصرّف فيه مع بقاء يده عليه أو تمكّن من أخذه سرقة ، بل وكذا لو أمكن تخليصه ببعضه مع فرض انحصار طريق التخليص بذلك أبداً ، وكذا في المرهون إن أمكنه فكّه بسهولة .

(مسألة 10) : إذا أمكنه استيفاء الدين بسهولة ولم يفعل ، لم يجب عليه إخراج زكاته ، بل وإن أراد المديون الوفاء ولم يستوف اختياراً مسامحة أو فراراً من الزكاة ، والفرق(2) بينه وبين ما ذكر من المغصوب ونحوه أنّ الملكية حاصلة في المغصوب ونحوه ، بخلاف الدين ، فإنّه لا يدخل في ملكه إلاّ بعد قبضه .

(مسألة 11) : زكاة القرض على المقترض بعد قبضه لا المقرض ، فلو اقترض نصاباً من أحد الأعيان الزكوية وبقي عنده سنة ، وجب عليه الزكاة ، نعم يصحّ أن يؤدّي المقرض عنه تبرّعاً ، بل يصحّ تبرّع الأجنبيّ(3) أيضاً ، والأحوط الاستئذان من المقترض في التبرّع عنه وإن كان الأقوى عدم اعتباره ، ولو شرط في عقد القرض أن يكون زكاته على المقرض ، فإن قصد أن يكون خطاب الزكاة

ص: 94


1- - لكنّ الأقوى عدم الوجوب في جميع فروض المسألة ، نعم في المغصوب إذا مكّنه الغاصب جميع التصرّفات مع بقائه عنده حتّى تكون يده عليه كيد وكيله - بحيث مكّنه من إخراجها منها - تجب الزكاة ، لكنّه خلاف المفروض ، ومع عدم تمكينه من إخراجها من يده ، لا تجب على الأقوى وإن مكّنه سائرها .
2- - هذا الفرق وإن كان ظاهراً ، لكن عدم التعلّق في المغصوب ونحوه ممّا في المسألة السابقة لفقدان شرط آخر .
3- - لا يخلو من إشكال وإن لا يخلو من قرب .

متوجّهاً إليه لم يصحّ ، وإن كان المقصود أن يؤدّي عنه صحّ(1) .

(مسألة 12) : إذا نذر التصدّق بالعين الزكوية ، فإن كان مطلقاً غير موقّت ولا معلّقاً على شرط ، لم تجب الزكاة فيها وإن لم تخرج عن ملكه بذلك ؛ لعدم التمكّن من التصرّف فيها ؛ سواء تعلّق بتمام النصاب أو بعضه . نعم ، لو كان النذر بعد تعلّق الزكاة وجب إخراجها(2) أوّلاً ثمّ الوفاء بالنذر ، وإن كان موقّتاً بما قبل الحول ووفى بالنذر ، فكذلك لا تجب الزكاة إذا لم يبق بعد ذلك مقدار النصاب ، وكذا إذا لم يفِ به وقلنا بوجوب القضاء بل مطلقاً ؛ لانقطاع الحول بالعصيان(3) ، نعم إذا مضى عليه الحول من حين العصيان وجبت على القول بعدم وجوب القضاء ، وكذا إن كان موقّتاً بما بعد الحول ، فإنّ تعلّق النذر به مانع عن التصرّف فيه ، وأمّا إن كان معلّقاً على شرط ، فإن حصل المعلّق عليه قبل تمام الحول لم تجب ، وإن حصل بعده وجبت ، وإن حصل مقارناً لتمام الحول ففيه إشكال ووجوه ؛ ثالثها التخيير بين تقديم أيّهما شاء ، ورابعها القرعة .

(مسألة 13) : لو استطاع الحجّ بالنصاب ، فإن تمّ الحول قبل سير القافلة والتمكّن من الذهاب وجبت الزكاة أوّلاً، فإن بقيت الاستطاعة بعد إخراجها وجب وإلاّ فلا ، وإن كان مضيّ الحول متأخّراً عن سير القافلة وجب الحجّ وسقط(4)

ص: 95


1- - لكن إن لم يؤدّ وجب على المقترض أداؤه .
2- - مع إمكان الجمع بينهما ؛ بأن يخرج الزكاة ويعمل بالنذر ووفت العين بهما فلا كلام ، ومع عدم الإمكان وعدم الوفاء ، فإن أمكن العمل بالنذر وأداء الزكاة بالقيمة يجب ، وإلاّ يجب إخراج الزكاة وإيراد النقص على النذر .
3- - بل لسلب تمام التمكّن من التصرّف بالنذر .
4- - إذا صرف النصاب أو بعضه في الحجّ .

وجوب الزكاة ، نعم لو عصى ولم يحجّ وجبت بعد تمام الحول ولو تقارن خروج القافلة مع تمام الحول وجبت الزكاة أوّلاً لتعلّقها بالعين بخلاف الحجّ .

(مسألة 14) : لو مضت سنتان أو أزيد على ما لم يتمكّن من التصرّف فيه - بأن كان مدفوناً ولم يعرف مكانه أو غائباً أو نحو ذلك - ثمّ تمكّن منه ، استحبّ زكاته لسنة بل يقوى(1) استحبابها بمضيّ سنة واحدة أيضاً .

(مسألة 15) : إذا عرض عدم التمكّن من التصرّف بعد تعلّق الزكاة ، أو بعد مضيّ الحول متمكّناً فقد استقرّ الوجوب ، فيجب الأداء إذا تمكّن بعد ذلك ، وإلاّ فإن كان مقصّراً يكون ضامناً وإلاّ فلا .

(مسألة 16) : الكافر تجب عليه الزكاة ، لكن لا تصحّ منه إذا أدّاها ، نعم للإمام uأو نائبه أخذها منه قهراً ، ولو كان قد أتلفها فله أخذ عوضها منه .

(مسألة 17) : لو أسلم الكافر بعد ما وجبت عليه الزكاة سقطت عنه وإن كانت العين موجودة(2) ؛ فإنّ الإسلام يجبّ ما قبله .

(مسألة 18) : إذا اشترى المسلم من الكافر تمام النصاب(3) بعد تعلّق الزكاة وجب عليه إخراجها .

ص: 96


1- - فيه إشكال ، بل في استحباب الزكاة لسنة واحدة إذا تمكّن بعد السنين أيضاً إشكال ، إلاّ أن تكون المسألة إجماعية - كما ادّعي - وهو أيضاً محلّ تأمّل ؛ لمعلومية مستندهم وهو محلّ مناقشة ، نعم لا يبعد القول بالاستحباب في الدين بعد الأخذ لكلّ ما مرّ من السنين .
2- - على إشكال مع بقائها .
3- - بل بعضه على الأحوط ؛ لو لم يكن أقوى .

فصل : في زكاة الأنعام الثلاثة

ويشترط في وجوب الزكاة فيها - مضافاً إلى ما مرّ من الشرائط العامّة - اُمور :

الأوّل : النصاب ، وهو في الإبل اثنا عشر نصاباً : الأوّل : الخمس وفيها شاة ، الثاني : العشر وفيها شاتان ، الثالث : خمسة عشر وفيها ثلاث شياه ، الرابع : العشرون وفيها أربع شياه ، الخامس : خمس وعشرون وفيها خمس شياه ،

ص: 97

السادس : ستّ وعشرون وفيها بنت مخاض ؛ وهي الداخلة في السنة الثانية ، السابع : ستّ وثلاثون ، وفيها بنت لبون ؛ وهي الداخلة في السنة الثالثة ، الثامن : ستّ وأربعون وفيها حقّة ؛ وهي الداخلة في السنة الرابعة ، التاسع : إحدى وستّون ، وفيها جذعة ؛ وهي التي دخلت في السنة الخامسة ، العاشر : ستّ وسبعون وفيها بنتا لبون ، الحادي عشر : إحدى وتسعون وفيها حقّتان ، الثاني عشر : مائة وإحدى وعشرون ، وفيها في كلّ خمسين حقّة وفي كلّ أربعين بنت لبون ؛ بمعنى أ نّه يجوز(1) أن يحسب أربعين أربعين وفي كلّ منها بنت لبون ، أو خمسين خمسين وفي كلّ منها حقّة ، ويتخيّر بينهما مع المطابقة لكلّ منهما ، أو مع عدم المطابقة لشيء منهما ، ومع المطابقة لأحدهما الأحوط مراعاتها ، بل الأحوط مراعاة الأقلّ عفواً ، ففي المائتين يتخيّر بينهما لتحقّق المطابقة لكلّ منهما ، وفي المائة وخمسين الأحوط اختيار الخمسين ، وفي المائتين وأربعين الأحوط اختيار الأربعين ، وفي المائتين وستّين يكون الخمسون أقلّ عفواً ، وفي المائة وأربعين يكون الأربعون أقلّ عفواً .

(مسألة 1) : في النصاب السادس إذا لم يكن عنده بنت مخاض يجزي عنها ابن اللبون ، بل لا يبعد(2) إجزاؤه عنها اختياراً أيضاً ، وإذا لم يكونا معاً

ص: 98


1- - بل بمعنى مراعاة المطابق منهما ، ولو لم تحصل المطابقة إلاّ بهما لوحظا معاً ، ويتخيّر مع المطابقة بكلّ منهما أو بهما ، وعلى هذا لا يمكن عدم المطابقة ولا العفو إلاّ فيما بين العقدين فلا بدّ أن تراعى على وجه يستوعب الجميع ما عدا النيّف ، ففي مائتين وستّين يحسب خمسينين وأربع أربعينات ، وفي مائة وأربعين يحسب خمسينين وأربعين واحد وهكذا .
2- - الأقوى عدم الإجزاء في حال الاختيار .

عنده تخيّر(1) في شراء أيّهما شاء .

وأمّا في البقر فنصابان : الأوّل : ثلاثون ، وفيها تبيع أو تبيعة ؛ وهو ما دخل في السنة الثانية ، الثاني : أربعون ، وفيها مسنّة ؛ وهي الداخلة في السنة الثالثة ، وفيما زاد يتخيّر(2) بين عدّ ثلاثين ثلاثين ، ويعطي تبيعاً أو تبيعة ، وأربعين أربعين ويعطي مسنّة .

وأمّا في الغنم فخمسة نصب : الأوّل : أربعون وفيها شاة ، الثاني : مائة وإحدى وعشرون وفيها شاتان ، الثالث : مائتان وواحدة وفيها ثلاث شياه ، الرابع : ثلاثمائة وواحدة وفيها أربع شياه ، الخامس : أربعمائة فما زاد ، ففي كلّ مائة شاة ، وما بين النصابين في الجميع عفو(3) ، فلا يجب فيه غير ما وجب بالنصاب السابق .

(مسألة 2) : البقر والجاموس جنس واحد ، كما أ نّه لا فرق في الإبل بين العراب والبخاتي ، وفي الغنم بين المعز والشاة والضأن ، وكذا لا فرق بين الذكر والاُنثى في الكلّ .

(مسألة 3) : في المال المشترك إذا بلغ نصيب كلّ منهم النصاب وجبت

ص: 99


1- - لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بشراء بنت المخاض .
2- - بل يجب مراعاة المطابقة هنا أيضاً ؛ بملاحظة أحدهما تفريقاً أو هما جمعاً ، ففي ثلاثين تبيع وفي أربعين مسنّة وبينهما عفو ، كما أنّ بين أربعين إلى ستّين عفواً أيضاً ، وإذا بلغ الستّين فلا يتصوّر عدم المطابقة والعفو إلاّ عمّا بين العقدين ، ففي السبعين يلاحظ ثلاثون مع أربعين ، وفي الثمانين أربعينان ، وفي المائة أربعون مع ثلاثينين وهكذا .
3- - بمعنى أنّ ما وجب في النصاب السابق يتعلّق على ما بين النصابين إلى النصاب اللاحق ، فالعفو بمعنى عدم تعلّق أكثر من السابق ، لا بمعنى عدم التعلّق عليه رأساً .

عليهم ، وإن بلغ نصيب بعضهم وجبت عليه فقط ، وإذا كان المجموع نصاباً وكان نصيب كلّ منهم أقلّ لم يجب على واحد منهم .

(مسألة 4) : إذا كان مال المالك الواحد متفرّقاً ولو متباعداً يلاحظ المجموع ، فإذا كان بقدر النصاب وجبت ولا يلاحظ كلّ واحد على حدة .

(مسألة 5) : أقلّ أسنان الشاة التي تؤخذ في الغنم والإبل من الضأن الجذع ومن المعز الثنيّ ، والأوّل ما كمل له سنة واحدة ودخل في الثانية ، والثاني ما كمل له سنتان ودخل في الثالثة . ولا يتعيّن عليه أن يدفع الزكاة من النصاب ، بل له أن يدفع شاة اُخرى ؛ سواء كانت من ذلك البلد أو غيره ، وإن كانت أدون قيمة من أفراد ما في النصاب ، وكذا الحال في الإبل والبقر ، فالمدار في الجميع الفرد الوسط من المسمّى لا الأعلى ولا الأدنى ؛ وإن كان لو تطوّع بالعالي أو الأعلى كان أحسن وزاد خيراً ، والخيار للمالك لا الساعي أو الفقير فليس لهما الاقتراح عليه ، بل يجوز للمالك أن يخرج من غير جنس(1) الفريضة بالقيمة السوقية ؛ من النقدين أو غيرهما وإن كان الإخراج من العين أفضل .

(مسألة 6) : المدار في القيمة على وقت الأداء ؛ سواء كانت العين موجودة أو تالفة لا وقت الوجوب ، ثمّ المدار على قيمة بلد الإخراج إن كانت العين تالفة ، وإن كانت موجودة فالظاهر أنّ المدار على قيمة البلد التي هي فيه .

(مسألة 7) : إذا كان جميع النصاب في الغنم من الذكور يجوز دفع الاُنثى وبالعكس ، كما أ نّه إذا كان الجميع من المعز يجوز أن يدفع من الضأن وبالعكس

ص: 100


1- - إخراج غير الجنس فيما عدا الدرهم والدينار محلّ تأمّل ، إلاّ إذا كان خيراً للفقراء ؛ وإن كان الجواز لا يخلو من وجه .

وإن اختلفت في القيمة ، وكذا مع الاختلاف يجوز الدفع من أيّ الصنفين شاء ، كما أنّ في البقر يجوز أن يدفع الجاموس عن البقر وبالعكس ، وكذا في الإبل يجوز دفع البخاتي عن العراب وبالعكس ؛ تساوت في القيمة أو اختلفت .

(مسألة 8) : لا فرق بين الصحيح والمريض والسليم والمعيب والشابّ والهرم في الدخول في النصاب والعدّ منه ، لكن إذا كانت كلّها صحاحاً لا يجوز دفع المريض ، وكذا لو كانت كلّها سليمة لا يجوز دفع المعيب ، ولو كانت كلّ منها شابّاً لا يجوز دفع الهرم ، بل مع الاختلاف أيضاً الأحوط إخراج الصحيح من غير ملاحظة التقسيط ، نعم لو كانت كلّها مراضاً أو معيبة أو هرمة يجوز الإخراج منها .

الشرط الثاني : السوم طول الحول ، فلو كانت معلوفة ولو في بعض الحول لم تجب فيها ، ولو كان شهراً بل اُسبوعاً ، نعم لا يقدح في صدق كونها سائمة في تمام الحول عرفاً علفها يوماً أو يومين ، ولا فرق في منع العلف عن وجوب الزكاة بين أن يكون بالاختيار أو بالاضطرار لمنع مانع من السوم ؛ من ثلج أو مطر أو ظالم غاصب أو نحو ذلك ، ولا بين أن يكون العلف من مال المالك أو غيره؛ بإذنه أو لا بإذنه ، فإنّها تخرج بذلك كلّه عن السوم ، وكذا لا فرق بين أن يكون ذلك بإطعامها للعلف المجزوز أو بإرسالها لترعى بنفسها في الزرع المملوك ، نعم لا تخرج عن صدق السوم باستئجار المرعى أو بشرائه إذا لم يكن مزروعاً(1)، كما أ نّها لايخرج عنه بمصانعة الظالم على الرعي في الأرض المباحة.

ص: 101


1- - ما يخلّ بالسوم هو الرعي في الأراضي المعدّة للزرع ؛ إذا كانت مزروعة على النحو المتعارف المألوف ، وأمّا لو فرض تبذير البذور التي هي من جنس كلأ المرعى في المراتع من غير عمل في تربيتها فلا يبعد عدم إخلاله بالسوم .

الشرط الثالث : أن لا يكون عوامل ؛ ولو في بعض الحول بحيث لا يصدق عليها أ نّها ساكنة فارغة عن العمل طول الحول ، ولا يضرّ إعمالها يوماً أو يومين في السنة كما مرّ في السوم .

الشرط الرابع : مضيّ الحول عليها جامعة للشرائط ، ويكفي الدخول في الشهر الثاني عشر ، فلا يعتبر تمامه ، فبالدخول فيه يتحقّق الوجوب ، بل الأقوى استقراره(1) أيضاً ، فلا يقدح فقد بعض الشروط قبل تمامه ، لكن الشهر الثاني عشر محسوب من الحول الأوّل ، فابتداء الحول الثاني إنّما هو بعد تمامه .

(مسألة 9) : لو اختلّ بعض الشروط في أثناء الحول قبل الدخول في الثاني عشر بطل الحول ، كما لو نقصت عن النصاب أو لم يتمكّن من التصرّف فيها أو عاوضها بغيرها وإن كان زكوياً من جنسها ، فلو كان عنده نصاب من الغنم مثلاً ، ومضى ستّة أشهر فعاوضها بمثلها ومضى عليه ستّة أشهر اُخرى لم تجب عليه الزكاة ، بل الظاهر بطلان الحول بالمعاوضة وإن كانت بقصد الفرار من الزكاة .

(مسألة 10) : إذا حال الحول مع اجتماع الشرائط فتلف من النصاب شيء ، فإن كان لا بتفريط من المالك لم يضمن ، وإن كان بتفريط منه ولو بالتأخير مع التمكّن من الأداء ضمن بالنسبة ، نعم لو كان أزيد من النصاب وتلف منه شيء مع

ص: 102


1- - الظاهر أنّ الزكاة تنتقل إلى أربابها بحلول الشهر الثاني عشر ، فتصير ملكاً متزلزلاً لهم ، فيتبعه الوجوب الغير المستقرّ ، فلا يجوز للمالك التصرّف في النصاب تصرّفاً معدماً لحقّ الفقراء ، ولو فعل كان ضامناً . نعم ، لو اختلّ بعض الشروط من غير اختياره - كأن نقص عن النصاب بالتلف في خلال الشهر الثاني عشر - يرجع الملك إلى صاحبه الأوّل وينقطع الوجوب .

بقاء النصاب على حاله لم ينقص(1) من الزكاة شيء ، وكان التلف عليه بتمامه مطلقاً على إشكال .

(مسألة 11) : إذا ارتدّ الرجل المسلم ، فإمّا أن يكون عن ملّة أو عن فطرة ، وعلى التقديرين : إمّا أن يكون في أثناء الحول أو بعده ، فإن كان بعده وجبت الزكاة ؛ سواء كان عن فطرة أو ملّة ، ولكن المتولّي لإخراجها الإمام (2) أو نائبه ، وإن كان في أثنائه وكان عن فطرة انقطع الحول ولم تجب الزكاة واستأنف الورثة الحول ؛ لأنّ تركته تنتقل إلى ورثته ، وإن كان عن ملّة لم ينقطع ووجبت بعد حول الحول ، لكن المتولّي الإمام علیه السلام أو نائبه إن لم يتب ، وإن تاب قبل الإخراج أخرجها بنفسه ، وأمّا لو أخرجها بنفسه قبل التوبة لم تجز عنه(3) ، إلاّ إذا كانت العين باقية في يد الفقير فجدّد النيّة ، أو كان الفقير القابض عالماً بالحال ، فإنّه يجوز له(4) الاحتساب عليه ؛ لأ نّه مشغول الذمّة بها إذا قبضها مع العلم بالحال وأتلفها أو تلفت في يده ، وأمّا المرأة فلا ينقطع الحول بردّتها مطلقاً .

(مسألة 12) : لو كان مالكاً للنصاب لا أزيد - كأربعين شاة مثلاً - فحال عليه أحوال ، فإن أخرج زكاته كلّ سنة من غيره تكرّرت ؛ لعدم نقصانه حينئذٍ عن النصاب ، ولو أخرجها منه أو لم يخرج أصلاً لم تجب إلاّ زكاة سنة واحدة ؛

ص: 103


1- - بل الأقرب ورود النقص على الزكاة بالنسبة ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط .
2- - في الملّي على الأحوط ، وكذا في الفرع الآتي ، وأمّا الفطري فالمتولّي هو الورثة ، والأحوط الاستئذان من الحاكم أيضاً .
3- - على الأحوط .
4- - بعد التوبة ، وأمّا قبلها فالأمر إلى الحاكم على الأحوط .

لنقصانه حينئذٍ عنه ، ولو كان عنده أزيد من النصاب - كأن كان عنده خمسون شاة - وحال عليه أحوال لم يؤدّ زكاتها ، وجب عليه الزكاة بمقدار ما مضى من السنين إلى أن ينقص عن النصاب ، فلو مضى عشر سنين في المثال المفروض وجب عشرة ، ولو مضى أحد عشر سنة وجب أحد عشر شاة ، وبعده لا يجب عليه شيء ؛ لنقصانه عن الأربعين ، ولو كان عنده ستّ وعشرون من الإبل ومضى عليه سنتان وجب عليه بنت مخاض للسنة الاُولى ، وخمس شياه للثانية ، وإن مضى ثلاث سنوات وجب للثالثة أيضاً أربع(1) شياه ، وكذا إلى أن ينقص من خمسة فلا تجب .

(مسألة 13) : إذا حصل لمالك النصاب في الأنعام ملك جديد : إمّا بالنتاج ، وإمّا بالشراء أو الإرث أو نحوهما ، فإن كان بعد تمام الحول السابق قبل الدخول في اللاحق ، فلا إشكال في ابتداء الحول للمجموع إن كمل بها النصاب اللاحق ، وأمّا إن كان في أثناء الحول ، فإمّا أن يكون ما حصل بالملك الجديد بمقدار العفو ولم يكن نصاباً مستقلاًّ ولا مكمّلاً لنصاب آخر ، وإمّا أن يكون نصاباً مستقلاًّ ، وإمّا أن يكون مكمّلاً للنصاب ، أمّا في القسم الأوّل فلا شيء عليه ، كما لو كان له هذا المقدار ابتداءً ، وذلك كما لو كان عنده من الإبل خمسة فحصل له في أثناء الحول أربعة اُخرى ، أو كان عنده أربعون شاة ثمّ حصل له أربعون في أثناء الحول ، وأمّا في القسم الثاني فلا يضمّ الجديد إلى السابق ، بل يعتبر لكلّ منهما حول بانفراده ، كما لو كان عنده خمس من الإبل ثمّ بعد ستّة أشهر ملك خمسة

ص: 104


1- - إلاّ إذا كان فيها ما يساوي قيمة بنت مخاض وخمس شياه ، وإلاّ ملك في العام الثالث أيضاً بعد إخراج ما للعامين ، خمساً وعشرين فوجب خمس شياه .

اُخرى ، فبعد تمام السنة الاُولى يخرج شاة ، وبعد تمام السنة للخمسة الجديدة أيضاً يخرج شاة ، وهكذا(1) ، وأمّا في القسم الثالث فيستأنف حولاً واحداً بعد انتهاء الحول الأوّل ، وليس على الملك الجديد في بقيّة الحول الأوّل شيء ، وذلك كما إذا كان عنده ثلاثون من البقر فملك في أثناء حولها أحد عشر ، أو كان عنده ثمانون من الغنم فملك في أثناء حولها اثنين وأربعين ، ويلحق بهذا القسم على الأقوى ما لو كان الملك الجديد نصاباً مستقلاًّ ومكمّلاً للنصاب اللاحق ، كما لو كان عنده من الإبل عشرون فملك في الأثناء ستّة اُخرى ، أو كان عنده خمسة ثمّ ملك أحداً وعشرين ، ويحتمل إلحاقه بالقسم الثاني .

(مسألة 14) : لو أصدق زوجته نصاباً وحال عليه الحول وجب عليها الزكاة ، ولو طلّقها بعد الحول قبل الدخول رجع نصفه(2) إلى الزوج ووجب عليها زكاة المجموع في نصفها ، ولو تلف نصفها يجب إخراج(3) الزكاة من النصف الذي رجع إلى الزوج ويرجع بعد الإخراج عليها بمقدار الزكاة . هذا إن كان التلف

ص: 105


1- - فيه إشكال ، والظاهر أنّ الخمس من الإبل مكمّلة الخمس السابقة ولا تكون مستقلّة ، فالخمس نصاب والعشر نصاب واحد آخر لا نصابان ، وخمسة عشر نصاب واحد أيضاً فيها ثلاث شياه وهكذا ، فحينئذٍ يكون حكم هذا القسم حكم القسم الآتي ، نعم لو ملك في أوّل السنة خمساً ، وبعد ستّة أشهر مثلاً ستّاً وعشرين ، يجب عليه في آخر سنة الخمس شاة ، وفي آخر سنة الجديدة بنت مخاض ، ثمّ يترك سنة الخمس ويستأنف للمجموع حولاً وكذا لو ملك بعد الخمس في أثناء السنة نصاباً مستقلاًّ كستّ وثلاثين وستّ وأربعين وهكذا . ومن هذا يظهر الكلام في الفرض الأخير الذي تعرّض له الماتن .
2- - الأحوط الأولى إخراج الزكاة أوّلاً ، ثمّ ردّ نصف التمام إلى الزوج .
3- - بل يضمن نصف الزكاة ونصف نصف المهر ، ونصف الزكاة كنصف نصف المهر متعلّق بالنصف الباقي .

بتفريط منها ، وأمّا إن تلف عندها بلا تفريط فيخرج نصف الزكاة(1) من النصف الذي عند الزوج ؛ لعدم ضمان الزوجة حينئذٍ لعدم تفريطها ، نعم يرجع الزوج حينئذٍ أيضاً عليها بمقدار ما أخرج .

(مسألة 15) : إذا قال ربّ المال : لم يحل على مالي الحول ، يسمع منه بلا بيّنة ولا يمين ، وكذا لو ادّعى الإخراج ، أو قال : تلف منّي ما أوجب النقص عن النصاب .

(مسألة 16) : إذا اشترى نصاباً وكان للبائع الخيار ، فإن فسخ قبل تمام الحول فلا شيء على المشتري ، ويكون ابتداء الحول بالنسبة إلى البائع من حين الفسخ ، وإن فسخ بعد تمام الحول عند المشتري وجب عليه الزكاة ، وحينئذٍ فإن كان الفسخ بعد الإخراج من العين ضمن للبائع قيمة ما أخرج ، وإن أخرجها من مال آخر أخذ البائع تمام العين ، وإن كان قبل الإخراج فللمشتري أن يخرجها من العين ويغرم للبائع ما أخرج وإن يخرجها من مال آخر ، ويرجع العين بتمامها إلى البائع .

فصل : في الأجناس التي تتعلّق بها الزكاة

تجب في تسعة أشياء : الأنعام الثلاثة ؛ وهي الإبل والبقر والغنم ، والنقدين ؛ وهما الذهب والفضّة ، والغلاّت الأربع ؛ وهي الحنطة والشعير والتمر والزبيب.

ولا تجب فيما عدا ذلك على الأصحّ ، نعم يستحبّ إخراجها من أربعة أنواع اُخر : أحدها : الحبوب(2) ؛ ممّا يكال أو يوزن كالأرز والحمّص والماش والعدس ونحوها ، وكذا الثمار كالتفّاح والمشمش ونحوهما ، دون الخضر والبقول كالقتّ والباذنجان والخيار والبطّيخ ونحوها . الثاني : مال التجارة على الأصحّ . الثالث : الخيل الإناث دون الذكور ودون البغال والحمير والرقيق . الرابع : الأملاك والعقارات التي يراد منها الاستنماء كالبستان والخان والدكّان ونحوها .

(مسألة 1) : لو تولّد حيوان بين حيوانين يلاحظ فيه الاسم في تحقّق الزكاة وعدمها ؛ سواء كانا زكويّين أو غير زكويّين أو مختلفين ، بل سواء كانا محلّلين أو محرّمين أو مختلفين مع فرض تحقّق الاسم حقيقة ، لا أن يكون بمجرّد الصورة ، ولا يبعد ذلك فإنّ اللّه قادر على كلّ شيء .

فصل : في زكاة النقدين

وهما الذهب والفضّة ، ويشترط في وجوب الزكاة فيهما - مضافاً إلى ما مرّ من الشرائط العامّة - اُمور :

الأوّل : النصاب ، ففي الذهب نصابان : الأوّل : عشرون ديناراً ، وفيه نصف

ص: 106


1- - إن ردّ نصف الزوج قبل التلف فالظاهر عدم جواز الرجوع إليه ، بل يجب عليه إخراج قيمة النصف ، نعم لو نكل عن أداء القيمة يرجع وليّ الزكاة إلى العين الموجودة لدى الزوج ويرجع الزوج إلى الزوجة .
2- - لا يخلو استحبابها فيها من إشكال .

دينار ، والدينار مثقال شرعي ، وهو ثلاثة أرباع الصيرفي ، فعلى هذا : النصاب الأوّل بالمثقال الصيرفي خمسة عشر مثقالاً ، وزكاته ربع المثقال وثمنه . والثاني : أربعة دنانير ، وهي ثلاث مثاقيل صيرفية ، وفيه ربع العشر ، أي من أربعين واحد ، فيكون فيه قيراطان ؛ إذ كلّ دينار عشرون قيراطاً ، ثمّ إذا زاد أربعة فكذلك ، وليس قبل أن يبلغ عشرين ديناراً شيء ، كما أ نّه ليس بعد العشرين(1) قبل أن يزيد أربعة شيء وكذا ليس بعد هذه الأربعة شيء إلاّ إذا زاد أربعة اُخرى ، وهكذا . والحاصل : أنّ في العشرين ديناراً ربع العشر وهو نصف دينار ، وكذا في الزائد إلى أن يبلغ أربعة وعشرين وفيها ربع عشره وهو نصف دينار وقيراطان ، وكذا في الزائد إلى أن يبلغ ثمانية وعشرين وفيها نصف دينار وأربع قيراطات ، وهكذا ، وعلى هذا فإذا أخرج بعد البلوغ إلى عشرين فما زاد من كلّ أربعين واحداً فقد أدّى ما عليه ، وفي بعض الأوقات زاد على ما عليه بقليل ، فلا بأس باختيار هذا الوجه من جهة السهولة .

وفي الفضّة أيضاً نصابان : الأوّل : مائتا درهم وفيها خمس دراهم ، والثاني : أربعون درهماً وفيها درهم ، والدرهم نصف المثقال الصيرفي وربع عشره ، وعلى هذا فالنصاب الأوّل مائة وخمسة مثاقيل صيرفية ، والثاني : أحد وعشرون مثقالاً ، وليس فيما قبل النصاب الأوّل ولا فيما بين النصابين شيء على ما مرّ ،

ص: 107


1- - الظاهر أنّ ما زاد على العشرين حتّى يبلغ أربعة دنانير متعلّق للفرض الأوّل ؛ أي نصف الدينار ، فالعشرون مبدأ النصاب الأوّل إلى أربعة وعشرين ، فإذا بلغت أربعة وعشرين زاد قيراطان إلى ثمانية وعشرين فزاد قيراطان وهكذا ، وهذا معنى العفو بين النصابين لا عدم التعلّق رأساً كما قبل العشرين ، وهكذا فيما زاد من مائتين في نصاب الفضّة إلى أن يبلغ أربعين .

وفي الفضّة أيضاً بعد بلوغ النصاب إذا أخرج من كلّ أربعين واحداً فقد أدّى ما عليه ، وقد يكون زاد خيراً قليلاً .

الثاني : أن يكونا مسكوكين بسكّة المعاملة ؛ سواء كان بسكّة الإسلام أو الكفر ، بكتابة أو غيرها ، بقيت سكّتهما أو صارا ممسوحين بالعارض ، وأمّا إذا كانا ممسوحين بالأصالة فلا تجب فيهما إلاّ إذا تعومل بهما ، فتجب على الأحوط ، كما أنّ الأحوط ذلك أيضاً إذا ضربت للمعاملة ولم يتعامل بهما ، أو تعومل بهما لكنّه لم يصل رواجهما إلى حدّ يكون دراهم أو دنانير ، ولو اتّخذ الدرهم أو الدينار للزينة فإن خرج عن رواج المعاملة لم تجب فيه الزكاة وإلاّ وجبت(1) .

الثالث : مضيّ الحول بالدخول في الشهر الثاني عشر جامعاً للشرائط التي منها النصاب ، فلو نقص في أثنائه عن النصاب سقط الوجوب ، وكذا لو تبدّل بغيره من جنسه أو غيره ، وكذا لو غيّر بالسبك ؛ سواء كان التبديل أو السبك بقصد الفرار من الزكاة أو لا على الأقوى ؛ وإن كان الأحوط الإخراج على الأوّل ، ولو سبك الدراهم أو الدنانير بعد حول الحول لم تسقط الزكاة ، ووجب الإخراج بملاحظة الدراهم والدنانير إذا فرض نقص القيمة بالسبك.

(مسألة 1) : لا يجب الزكاة في الحلي ، ولا في أواني الذهب والفضّة وإن بلغت ما بلغت ، بل عرفت سقوط الوجوب عن الدرهم والدينار إذا اتّخذا للزينة وخرجا(2) عن رواج المعاملة بهما ، نعم في جملة من الأخبار أنّ زكاتها إعارتها .

ص: 108


1- - الأقوى عدم الوجوب في هذه الصورة أيضاً .
2- - أو لم يخرجا كما مرّ .

(مسألة 2) : ولا فرق في الذهب والفضّة بين الجيّد منها والرديء بل تجب إذا كان بعض النصاب جيّداً وبعضه رديئاً ، ويجوز الإخراج من الرديء ، وإن كان تمام النصاب من الجيّد ، لكنّ الأحوط خلافه(1) بل يخرج الجيّد من الجيّد ، ويبعّض بالنسبة مع التبعّض ، وإن أخرج الجيّد عن الجميع فهو أحسن ، نعم لا يجوز دفع الجيّد عن الرديء بالتقويم ؛ بأن يدفع نصف دينار جيّد يسوى ديناراً رديئاً عن دينار إلاّ إذا صالح الفقير بقيمة في ذمّته ثمّ احتسب تلك القيمة عمّا عليه من الزكاة ، فإنّه لا مانع منه كما لا مانع(2) من دفع الدينار الرديء عن نصف دينار جيّد إذا كان فرضه ذلك .

(مسألة 3) : تتعلّق الزكاة بالدراهم والدنانير المغشوشة إذا بلغ خالصهما النصاب ، ولو شكّ في بلوغه ولا طريق للعلم بذلك ولو للضرر لم تجب ، وفي وجوب التصفية ونحوها للاختبار إشكال ، أحوطه ذلك وإن كان عدمه لا يخلو عن قوّة .

(مسألة 4) : إذا كان عنده نصاب من الجيّد لا يجوز أن يخرج عنه من المغشوش ، إلاّ إذا علم اشتماله على ما يكون عليه من الخالص ، وإن كان المغشوش بحسب القيمة يساوي ما عليه ، إلاّ إذا دفعه بعنوان القيمة إذا كان للخليط قيمة .

(مسألة 5) : وكذا إذا كان عنده نصاب من المغشوش لا يجوز أن يدفع المغشوش ، إلاّ مع العلم على النحو المذكور .

ص: 109


1- - بل الأقوى خلافه ، فيجب ملاحظة النسبة .
2- - الأولى الأحوط التصالح كما في الفرض السابق .

(مسألة 6) : لو كان عنده دراهم أو دنانير بحدّ النصاب وشكّ في أ نّه خالص أو مغشوش ، فالأقوى عدم وجوب الزكاة وإن كان أحوط .

(مسألة 7) : لو كان عنده نصاب من الدراهم المغشوشة بالذهب أو الدنانير المغشوشة بالفضّة لم يجب عليه شيء ، إلاّ إذا علم ببلوغ أحدهما أو كليهما حدّ النصاب ، فيجب في البالغ منهما أو فيهما ، فإن علم الحال فهو ، وإلاّ وجبت التصفية(1) ، ولو علم أكثرية أحدهما مردّداً ولم يمكن العلم وجب إخراج الأكثر من كلّ منهما ، فإذا كان عنده ألف وتردّد بين أن يكون مقدار الفضّة فيها أربعمائة والذهب ستّمائة وبين العكس أخرج عن ستّمائة ذهباً وستّمائة فضّة ، ويجوز أن يدفع بعنوان القيمة ستّمائة عن الذهب ، وأربعمائة عن الفضّة بقصد ما في الواقع .

(مسألة 8) : لو كان عنده ثلاثمائة درهم مغشوشة ، وعلم أنّ الغشّ ثلثها - مثلاً - على التساوي في أفرادها ، يجوز له أن يخرج خمس دراهم من الخالص ، وأن يخرج سبعة ونصف من المغشوش ، وأمّا إذا كان الغشّ بعد العلم بكونه ثلثاً في المجموع لا على التساوي(2) فيها ، فلا بدّ من تحصيل العلم بالبراءة ، إمّا بإخراج الخالص ، وإمّا بوجه آخر .

(مسألة 9) : إذا ترك نفقة لأهله ممّا يتعلّق به الزكاة وغاب وبقي إلى آخر السنة بمقدار النصاب لم تجب عليه ، إلاّ إذا كان متمكّناً من التصرّف فيه طول الحول مع كونه غائباً .

ص: 110


1- - أو الاحتياط بإعطاء ما به يبرأ ذمّته يقيناً .
2- - أو شكّ فيه .

(مسألة 10) : إذا كان عنده أموال زكوية من أجناس مختلفة وكان كلّها أو بعضها أقلّ من النصاب فلا يجبر الناقص منها بالجنس الآخر ؛ مثلاً إذا كان عنده تسعة عشر ديناراً ومائة وتسعون درهماً لا يجبر نقص الدنانير بالدراهم ولا العكس .

فصل : في زكاة الغلاّت الأربع

وهي - كما عرفت - : الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب . وفي إلحاق السلت(1) - الذي هو كالشعير في طبعه وبرودته ، وكالحنطة في ملاسته وعدم القشر له - إشكال ، فلا يترك الاحتياط فيه ، كالإشكال في العلس الذي هو كالحنطة ، بل قيل : إنّه نوع منها في كلّ قشر حبّتان ، وهو طعام أهل صنعاء ، فلا يترك الاحتياط فيه أيضاً ، ولا تجب الزكاة في غيرها ، وإن كان يستحبّ إخراجها من كلّ ما تنبت الأرض ممّا يكال أو يوزن من الحبوب(2) كالماش ، والذرة ، والأرز ، والدخن ، ونحوها إلاّ الخضر والبقول ، وحكم ما يستحبّ فيه حكم ما يجب فيه في قدر النصاب وكمّية ما يخرج منه وغير ذلك .

ويعتبر في وجوب الزكاة في الغلاّت أمران :

الأوّل : بلوغ النصاب، وهو بالمنّ الشاهي - وهو ألف ومائتان وثمانون مثقالاً صيرفياً - مائة وأربعة وأربعون منّاً إلاّ خمسة وأربعين مثقالاً ، وبالمنّ التبريزي- الذي هو ألف مثقال - مائة وأربعة وثمانون منّاً وربع منّ وخمسة وعشرون مثقالاً ، وبحقّة النجف في زماننا - سنة 1326 وهي تسعمائة وثلاثة وثلاثون

ص: 111


1- - الأقوى عدم الإلحاق .
2- - مرّ الإشكال فيها .

مثقالاً صيرفياً وثلث مثقال - ثمان وزنات وخمس حقق ونصف إلاّ ثمانية وخمسين مثقالاً وثلث مثقال ، وبعيار الإسلامبول - وهو مائتان وثمانون مثقالاً - سبع وعشرون وزنة وعشر حقق وخمسة وثلاثون مثقالاً . ولا تجب في الناقص عن النصاب ولو يسيراً ، كما أ نّها تجب في الزائد عليه يسيراً كان أو كثيراً .

الثاني : التملّك بالزراعة فيما يزرع ، أو انتقال الزرع إلى ملكه قبل وقت تعلّق(1) الزكاة ، وكذا في الثمرة كون الشجر ملكاً له إلى وقت التعلّق ، أو انتقالها إلى ملكه منفردة أو مع الشجر قبل وقته .

(مسألة 1) : في وقت تعلّق الزكاة بالغلاّت خلاف ، فالمشهور(2) على أ نّه في الحنطة والشعير عند انعقاد حبّهما ، وفي ثمر النخل حين اصفراره أو احمراره ، وفي ثمرة الكرم عند انعقادها حصرماً ، وذهب جماعة(3) إلى أنّ المدار صدق أسماء المذكورات من الحنطة والشعير والتمر ، وصدق اسم العنب في الزبيب ، وهذا القول لا يخلو عن قوّة وإن كان القول الأوّل أحوط ، بل الأحوط مراعاة الاحتياط مطلقاً ؛ إذ قد يكون القول الثاني أوفق بالاحتياط .

(مسألة 2) : وقت تعلّق الزكاة وإن كان ما ذكر - على الخلاف السالف - إلاّ أنّ المناط في اعتبار النصاب هو اليابس من المذكورات ، فلو كان الرطب منها بقدر النصاب لكن ينقص عنه بعد الجفاف واليبس فلا زكاة .

ص: 112


1- - على الأقوى فيما إذا نمت مع ذلك في ملكه ، وعلى الأحوط في غيره ، وكذا في الفرع الآتي .
2- - المشهور لدى المتأخّرين أنّ وقته عند اشتداد الحبّ في الزرع ، وأمّا لدى قدماء أصحابنا فلم تثبت الشهرة .
3- - هذا هو الأقوى ، لكن لا يترك الاحتياط في الزبيب .

(مسألة 3) : في مثل البربن وشبهه من الدقل الذي يؤكل رطباً وإذا لم يؤكل إلى أن يجفّ يقلّ تمره ، أو لا يصدق(1) على اليابس منه التمر أيضاً ، المدار فيه على تقديره يابساً ، وتتعلّق به الزكاة إذا كان بقدر يبلغ النصاب بعد جفافه .

(مسألة 4) : إذا أراد المالك التصرّف في المذكورات بسراً أو رطباً أو حصرماً أو عنباً بما يزيد على المتعارف فيما يحسب من المؤن ، وجب عليه ضمان(2) حصّة الفقير ، كما أ نّه لو أراد الاقتطاف كذلك بتمامها وجب عليه أداء الزكاة حينئذٍ بعد فرض بلوغ يابسها النصاب .

(مسألة 5) : لو كانت الثمرة مخروصة على المالك فطلب الساعي من قبل الحاكم الشرعي الزكاة منه قبل اليبس لم يجب عليه القبول ، بخلاف ما لو بذل المالك الزكاة بسراً أو حصرماً - مثلاً - فإنّه يجب على الساعي(3) القبول .

(مسألة 6) : وقت الإخراج - الذي يجوز للساعي مطالبة المالك فيه ، وإذا أخّرها عنه ضمن - عند تصفية الغلّة واجتذاذ التمر واقتطاف الزبيب ، فوقت وجوب الأداء غير وقت التعلّق .

(مسألة 7) : يجوز للمالك المقاسمة مع الساعي مع التراضي بينهما قبل الجذاذ.

(مسألة 8) : يجوز للمالك دفع الزكاة والثمر على الشجر قبل الجذاذ ؛ منه أو من قيمته .

ص: 113


1- - مع عدم صدق التمر على يابسه لا تتعلّق به الزكاة فلا معنى لتقديره .
2- - على الأحوط فيه وفي الفرع الآتي ؛ وإن كان الأقوى عدم الوجوب .
3- - وجوب القبول محلّ تأمّل ، بل الأقوى عدم الجواز لو انجرّ الإخراج إلى الفساد .

(مسألة 9) : يجوز دفع القيمة حتّى من غير النقدين(1) ؛ من أيّ جنس كان ، بل يجوز أن تكون من المنافع كسكنى الدار مثلاً ، وتسليمها بتسليم العين إلى الفقير .

(مسألة 10) : لا تتكرّر زكاة الغلاّت بتكرّر السنين إذا بقيت أحوالاً ، فإذا زكّى الحنطة ثمّ احتكرها سنين لم يجب عليه شيء ، وكذا التمر وغيره .

(مسألة 11) : مقدار الزكاة الواجب إخراجه في الغلاّت هو العشر فيما سقي بالماء الجاري أو بماء السماء أو بمصّ عروقه من الأرض كالنخل والشجر ، بل الزرع أيضاً في بعض الأمكنة ، ونصف العشر فيما سقي بالدلو والرشاء والنواضح والدوالي ونحوها من العلاجات ، ولو سقي بالأمرين ، فمع صدق الاشتراك في نصفه العشر ، وفي نصفه الآخر نصف العشر ، ومع غلبة الصدق(2) لأحد الأمرين فالحكم تابع لما غلب ، ولو شكّ في صدق الاشتراك أو غلبة صدق أحدهما فيكفي(3) الأقلّ ، والأحوط الأكثر .

(مسألة 12) : لو كان الزرع أو الشجر لا يحتاج إلى السقي بالدوالي ومع ذلك سقي بها من غير أن يؤثّر في زيادة الثمر فالظاهر وجوب العشر ، وكذا لو كان سقيه بالدوالي وسقي بالنهر ونحوه من غير أن يؤثّر فيه فالواجب نصف العشر .

(مسألة 13) : الأمطار العادية في أيّام السنة لا تخرج ما يسقى بالدوالي عن حكمه ، إلاّ إذا كانت بحيث لا حاجة معها إلى الدوالي أصلاً ، أو كانت

ص: 114


1- - دفع غيرهما لا يخلو من إشكال ، إلاّ إذا كان خيراً للفقراء وإن لا يخلو الجواز من وجه .
2- - بمعنى إسناد السقي إليه عرفاً .
3- - إلاّ في بعض الصور ، كما إذا كان مسبوقاً بانتساب السقي بمثل الجاري وشكّ في سلب الانتساب الكذائي لأجل الشكّ في قلّة السقي بالعلاج وكثرته ، فيجب الأكثر .

بحيث توجب صدق الشركة فحينئذٍ يتبعهما الحكم .

(مسألة 14) : لو أخرج شخص الماء بالدوالي على أرض مباحة - مثلاً - عبثاً أو لغرض فزرعه آخر وكان الزرع يشرب بعروقه ، فالأقوى العشر ، وكذا إذا أخرجه هو بنفسه لغرض آخر غير الزرع ثمّ بدا له أن يزرع زرعاً يشرب بعروقه ، بخلاف ما إذا أخرجه لغرض الزرع الكذائي ، ومن ذلك يظهر حكم ما إذا أخرجه لزرع فزاد وجرى على أرض اُخرى .

(مسألة 15) : إنّما تجب الزكاة بعد إخراج ما يأخذه السلطان باسم المقاسمة ، بل ما يأخذه باسم الخراج(1) أيضاً ، بل ما يأخذه العمّال زائداً على ما قرّره السلطان ظلماً ؛ إذا لم يتمكّن من الامتناع جهراً وسرّاً ، فلا يضمن حينئذٍ حصّة الفقراء من الزائد ، ولا فرق في ذلك بين المأخوذ من نفس الغلّة أو من غيرها(2) إذا كان الظلم عامّاً ، وأمّا إذا كان شخصياً فالأحوط الضمان فيما اُخذ من غيرها ، بل الأحوط الضمان فيه مطلقاً وإن كان الظلم عامّاً ، وأمّا إذا اُخذ من نفس الغلّة قهراً فلا ضمان ؛ إذ الظلم حينئذٍ وارد على الفقراء أيضاً .

(مسألة 16) : الأقوى اعتبار خروج المؤن جميعها ؛ من غير فرق بين المؤن السابقة على زمان التعلّق واللاحقة ، كما أنّ الأقوى(3) اعتبار النصاب أيضاً بعد خروجها وإن كان الأحوط اعتباره قبله ، بل الأحوط عدم إخراج المؤن

ص: 115


1- - إذا كان مضروباً على الأرض باعتبار الجنس الزكوي .
2- - الأحوط فيما يأخذونه من غير الغلّة الضمان ، خصوصاً إذا كان الظلم شخصياً ، بل فيه لا يخلو من قوّة .
3- - فيه منع ، بل الأحوط - لو لم يكن الأقوى - اعتباره قبله .

خصوصاً اللاحقة(1) ، والمراد بالمؤونة كلّ ما يحتاج إليه الزرع والشجر من اُجرة الفلاّح والحارث والساقي ، واُجرة الأرض إن كانت مستأجرة ، واُجرة مثلها إن كانت مغصوبة ، واُجرة الحفظ والحصاد والجذاذ وتجفيف الثمرة وإصلاح موضع التشميس وحفر النهر(2) وغير ذلك كتفاوت نقص(3) الآلات والعوامل حتّى ثياب المالك ونحوها ، ولو كان سبب النقص مشتركاً بينها وبين غيرها وزّع عليهما بالنسبة .

(مسألة 17) : قيمة البذر إذا كان من ماله المزكّى أو المال الذي لا زكاة فيه من المؤن ، والمناط قيمة يوم تلفه وهو وقت الزرع .

(مسألة 18) : اُجرة العامل من المؤن ، ولا يحسب للمالك اُجرة إذا كان هو العامل ، وكذا إذا عمل ولده أو زوجته بلا اُجرة ، وكذا إذا تبرّع به أجنبيّ ، وكذا لا يحسب اُجرة الأرض التي يكون مالكاً لها، ولا اُجرة العوامل إذا كانت مملوكة له.

(مسألة 19) : لو اشترى الزرع فثمنه من المؤونة(4) وكذا لو ضمن النخل والشجر ، بخلاف ما إذا اشترى نفس الأرض والنخل والشجر ، كما أ نّه لا يكون ثمن العوامل(5) إذا اشتراها منها .

ص: 116


1- - الخصوصية في السابقة .
2- - إذا كان للزرع ، وأمّا إذا كان لتعمير البستان - مثلاً - فلا يكون من مؤونة الثمرة ، بل من مؤونة البستان .
3- - فيه وفيما بعده وجه ، وإن كان الأحوط خلافه ، خصوصاً في الثاني .
4- - لكن يقسّط على التبن والحنطة أو الشعير بالنسبة .
5- - على الأحوط .

(مسألة 20) : لو كان مع الزكوي غيره ، فالمؤونة موزّعة عليهما إذا كانا مقصودين ، وإذا كان المقصود بالذات غير الزكوي ثمّ عرض قصد الزكوي بعد إتمام العمل لم يحسب من المؤن ، وإذا كان بالعكس حسب منها .

(مسألة 21) : الخراج الذي يأخذه السلطان أيضاً يوزّع على الزكوي وغيره(1) .

(مسألة 22) : إذا كان للعمل مدخلية في ثمر سنين عديدة لا يبعد(2) احتسابه على ما في السنة الاُولى ، وإن كان الأحوط التوزيع على السنين .

(مسألة 23) : إذا شكّ في كون شيء من المؤن أو لا ، لم يحسب منها .

(مسألة 24) : حكم النخيل والزروع في البلاد المتباعدة حكمها في البلد الواحد ، فيضمّ الثمار بعضها إلى بعض ، وإن تفاوتت في الإدراك ، بعد أن كانت الثمرتان لعام واحد وإن كان بينهما شهر أو شهران أو أكثر ، وعلى هذا فإذا بلغ ما أدرك منها نصاباً اُخذ منه ، ثمّ يؤخذ من الباقي قلّ أو كثر ، وإن كان الذي أدرك أوّلاً أقلّ من النصاب ينتظر به حتّى يدرك الآخر ويتعلّق به الوجوب ، فيكمل منه النصاب ويؤخذ من المجموع ، وكذا إذا كان نخل يطلع في عام مرّتين ، يضمّ الثاني إلى الأوّل ؛ لأ نّهما ثمرة سنة واحدة ، لكن لا يخلو عن إشكال ؛ لاحتمال كونهما في حكم ثمرة عامين كما قيل .

(مسألة 25) : إذا كان عنده تمر يجب فيه الزكاة ، لا يجوز أن يدفع عنه الرطب

ص: 117


1- - إذا كان مضروباً على الأرض باعتبار مطلق الزرع لا خصوص الزكوي .
2- - بل لا يبعد التفصيل بين ما إذا عمل للسنين العديدة فيوزّع عليها ، وبين ما إذا عمل للسنة الاُولى ، وإن انتفع منه في سائر السنين قهراً ، فيحسب من مؤونة الاُولى .

على أ نّه فرضه ، وإن كان بمقدار لو جفّ كان بقدر ما عليه من التمر ، وذلك لعدم كونه من أفراد المأمور به ، نعم يجوز دفعه على وجه القيمة ، وكذا إذا كان عنده زبيب لا يجزي عنه دفع العنب إلاّ على وجه القيمة ، وكذا العكس فيهما ، نعم لو كان عنده رطب يجوز أن يدفع(1) عنه الرطب فريضة ، وكذا لو كان عنده عنب يجوز له دفع العنب فريضة ، وهل يجوز أن يدفع مثل ما عليه من التمر أو الزبيب من تمر آخر أو زبيب آخر فريضة أو لا ؟ لا يبعد الجواز(2) ، لكن الأحوط دفعه من باب القيمة أيضاً ؛ لأنّ الوجوب تعلّق بما عنده ، وكذا الحال في الحنطة والشعير إذا أراد أن يعطي من حنطة اُخرى أو شعير آخر .

(مسألة 26) : إذا أدّى القيمة من جنس ما عليه بزيادة أو نقيصة لا يكون من الربا ، بل هو من باب الوفاء .

(مسألة 27) : لو مات الزارع - مثلاً - بعد زمان تعلّق الوجوب وجبت الزكاة مع بلوغ النصاب ، أمّا لو مات قبله وانتقل إلى الوارث فإن بلغ نصيب كلّ منهم النصاب وجب على كلّ(3) زكاة نصيبه ، وإن بلغ نصيب البعض دون البعض وجب على من بلغ نصيبه ، وإن لم يبلغ نصيب واحد منهم لم يجب على واحد منهم .

(مسألة 28) : لو مات الزارع أو مالك النخل والشجر وكان عليه دين ؛ فإمّا أن يكون الدين مستغرقاً أو لا ، ثمّ إمّا أن يكون الموت بعد تعلّق الوجوب أو قبله ؛

ص: 118


1- - إذا كان الدفع من عين ما تعلّق به الزكاة لا مطلقاً ، وكذا في الفروع الآتية .
2- - مرّ عدم الجواز .
3- - على الأقوى فيما إذا انتقل إليهم قبل تمام النموّ ونما في ملكهم ، وعلى الأحوط فيما إذا انتقل إليهم بعد تمامه وقبل تعلّق الوجوب ، وكذا في الفرع الآتي .

بعد ظهور الثمر أو قبل ظهور الثمر أيضاً ، فإن كان الموت بعد تعلّق الوجوب وجب إخراجها ؛ سواء كان الدين مستغرقاً أم لا ، فلا يجب التحاصّ مع الغرماء ؛ لأنّ الزكاة متعلّقة بالعين ، نعم لو تلفت في حياته بالتفريط وصارت في الذمّة وجب التحاصّ بين أرباب الزكاة وبين الغرماء كسائر الديون ، وإن كان الموت قبل التعلّق وبعد الظهور ، فإن كان الورثة قد أدّوا الدين قبل تعلّق الوجوب من مال آخر ، فبعد التعلّق يلاحظ بلوغ حصّتهم النصاب وعدمه ، وإن لم يؤدّوا إلى وقت التعلّق ففي الوجوب وعدمه إشكال(1) ؛ والأحوط الإخراج مع الغرامة للديّان أو استرضائهم ، وأمّا إن كان قبل الظهور(2) ، وجب على من بلغ نصيبه النصاب من الورثة ؛ بناءً على انتقال التركة إلى الوارث وعدم تعلّق الدين بنمائها الحاصل قبل أدائه وأ نّه للوارث من غير تعلّق حقّ الغرماء به .

(مسألة 29) : إذا اشترى نخلاً أو كرماً أو زرعاً مع الأرض أو بدونها قبل

ص: 119


1- - الأقوى عدم الوجوب مطلقاً ؛ إذا كان الدين مستغرقاً ، وفيما قابل الدين إذا كان غير مستغرق .
2- - مع استيعاب الدين التركة وكونه زائداً عليها بحيث يستوعب النماءات لا تجب الزكاة على الورثة ، بل تكون كأصل التركة بحكم مال الميت على الأقوى ؛ يؤدّي منها دينه ، ومع استيعابه إيّاها وعدم زيادته عليها لو ظهرت الثمرة بعد الموت يصير مقدار الدين بعد ظهورها من التركة - أصلاً ونماءً - بحكم مال الميت بنحو الإشاعة بينه وبين مال الورثة ، ولا تجب فيما يقابله ، ويحسب النصاب بعد توزيع الدين على الأصل والثمرة ، فإن زادت حصّة الوارث من الثمرة بعد التوزيع وبلغت النصاب تجب عليه الزكاة ، ولو تلف بعض الأعيان من التركة يكشف عن عدم كونه ممّا يؤدّى منه الدين وعدم كونه بحكم مال الميت ، وكان ماله فيما سوى التالف واقعاً ، ومنه يظهر الحال في الفرع السابق والتفصيل موكول إلى محلّه .

تعلّق(1) الزكاة ، فالزكاة عليه بعد التعلّق مع اجتماع الشرائط ، وكذا إذا انتقل إليه بغير الشراء ، وإذا كان ذلك بعد وقت التعلّق فالزكاة على البائع ، فإن علم بأدائه أو شكّ في ذلك ليس عليه شيء ، وإن علم بعدم أدائه فالبيع بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضولي ، فإن أجازه الحاكم الشرعي طالبه بالثمن بالنسبة إلى مقدار الزكاة ، وإن دفعه إلى البائع رجع بعد الدفع إلى الحاكم عليه ، وإن لم يجز كان له أخذ مقدار الزكاة من المبيع ، ولو أدّى البائع الزكاة بعد البيع ففي استقرار ملك المشتري وعدم الحاجة إلى الإجازة من الحاكم(2) إشكال .

(مسألة 30) : إذا تعدّد أنواع التمر - مثلاً - وكان بعضها جيّداً أو أجود ، وبعضها الآخر رديء أو أردأ ، فالأحوط(3) الأخذ من كلّ نوع بحصّته ، ولكن الأقوى الاجتزاء بمطلق الجيّد وإن كان مشتملاً على الأجود ، ولا يجوز دفع الرديء عن الجيّد والأجود على الأحوط .

(مسألة 31) : الأقوى أنّ الزكاة متعلّقة بالعين ، لكن لا على وجه الإشاعة(4) ، بل على وجه الكلّي في المعيّن ، وحينئذٍ فلو باع قبل أداء الزكاة بعض النصاب صحّ ؛ إذا كان مقدار الزكاة باقياً عنده ، بخلاف ما إذا باع الكلّ فإنّه بالنسبة إلى مقدار الزكاة يكون فضولياً محتاجاً إلى إجازة الحاكم على ما مرّ ، ولا يكفي

ص: 120


1- - فيما إذا نمت في ملكه فالزكاة عليه على الأقوى ، وفي غيره على الأحوط .
2- - بعد أداء الزكاة لا تأثير لإجازة الحاكم ، نعم هو من مصاديق من باع ثمّ ملك .
3- - بل الأقوى .
4- - هذه المسألة مشكلة جدّاً ؛ وإن كان التعلّق على وجه الإشاعة أقرب وأبعد من الإشكالات وإن لا يخلو من مناقشات وإشكالات ، فحينئذٍ لو باع قبل أداء الزكاة بعض النصاب ، يكون فضولياً بالنسبة إلى الزكاة على الأقرب .

عزمه على الأداء من غيره في استقرار البيع على الأحوط .

(مسألة 32) : يجوز للساعي من قبل الحاكم الشرعي خرص ثمر(1) النخل والكرم ، بل والزرع على المالك ، وفائدته جواز التصرّف للمالك بشرط قبوله كيف شاء ، ووقته بعد بدوّ الصلاح وتعلّق الوجوب ، بل الأقوى جوازه من المالك بنفسه إذا كان من أهل الخبرة ، أو بغيره من عدل أو عدلين ، وإن كان الأحوط الرجوع إلى الحاكم أو وكيله مع التمكّن ، ولا يشترط فيه الصيغة فإنّه معاملة خاصّة وإن كان لو جيء بصيغة الصلح كان أولى ، ثمّ إن زاد ما في يد المالك كان له ، وإن نقص كان عليه ، ويجوز لكلّ من المالك والخارص الفسخ مع الغبن الفاحش ، ولو توافق المالك والخارص على القسمة رطباً جاز ، ويجوز للحاكم أو وكيله بيع نصيب الفقراء من المالك أو من غيره .

(مسألة 33) : إذا اتّجر بالمال الذي فيه الزكاة قبل أدائها يكون الربح للفقراء(2) بالنسبة ، وإن خسر يكون خسرانها عليه .

ص: 121


1- - الظاهر أنّ التخريص هاهنا كالتخريص في المزارعة وغيرها ممّا وردت فيها نصوص ، وهو معاملة عقلائية برأسها ، فائدتها صيرورة المشاع معيّناً على النحو الكلّي في المعيّن في مال المتقبّل ، ولا بدّ في صحّتها من كونها بين المالك ووليّ الأمر - وهو الحاكم - أو المبعوث منه لعمل الخرص ، فلا يجوز استبداد المالك للخرص والتصرّف بعده كيف شاء ، والظاهر أنّ التلف بآفة سماوية ، وظلم ظالم يكون على المتقبّل إلاّ أن يكون مستغرقاً أو بمقدار صارت البقيّة أنقص من الكلّي ، فلا يضمن ما تلف ، ويجب ردّ الباقي على الحاكم إن كان المتقبّل هو المالك لا الحاكم .
2- - إذا كان الاتّجار لمصلحة الزكاة فأجاز الوليّ على الأقرب ، وأمّا إذا اتّجر به لنفسه وأوقع التجارة بالعين فتصحيحها بالإجازة محلّ إشكال ، نعم إن أوقع بالذمّة وأدّى من المال الزكوي يكون ضامناً والربح له .

(مسألة 34) : يجوز للمالك عزل الزكاة وإفرازها من العين أو من مال آخر(1) مع عدم المستحقّ ، بل مع وجوده أيضاً على الأقوى ، وفائدته صيرورة المعزول ملكاً للمستحقّين قهراً حتّى لا يشاركهم المالك عند التلف ، ويكون أمانة في يده ، وحينئذٍ لا يضمنه إلاّ مع التفريط أو التأخير مع وجود المستحقّ ، وهل يجوز للمالك إبدالها بعد عزلها ؟ إشكال ، وإن كان الأظهر عدم الجواز ، ثمّ بعد العزل يكون نماؤها للمستحقّين ، متّصلاً كان أو منفصلاً .

فصل : فيما يستحبّ فيه الزكاة

وهو على ما اُشير إليه سابقاً اُمور :

الأوّل : مال التجارة(2) ، وهو المال الذي تملّكه الشخص وأعدّه للتجارة والاكتساب به ؛ سواء كان الانتقال إليه بعقد المعاوضة أو بمثل الهبة أو الصلح المجّاني أو الإرث على الأقوى ، واعتبر بعضهم كون الانتقال إليه بعنوان المعاوضة ، وسواء كان قصد الاكتساب به من حين الانتقال إليه أو بعده ، وإن اعتبر بعضهم الأوّل ، فالأقوى أ نّه مطلق المال الذي اُعدّ للتجارة(3) ، فمن حين قصد(4) الإعداد يدخل في هذا العنوان ولو كان قصده حين التملّك بالمعاوضة أو بغيرها الاقتناء والأخذ للقنية ، ولا فرق فيه بين أن يكون ممّا يتعلّق به الزكاة المالية وجوباً أو استحباباً ، وبين غيره كالتجارة بالخضروات مثلاً ، ولا بين

ص: 122


1- - محلّ إشكال .
2- - استحباب الزكاة فيه لا يخلو من تأمّل وإشكال .
3- - بناءً على استحباب الزكاة لا يكفي مطلق الإعداد للتجارة ، بل لا بدّ من الدوران فيها .
4- - بل من حين الدوران في التجارة .

أن يكون من الأعيان أو المنافع كما لو استأجر داراً بنيّة التجارة .

ويشترط فيه اُمور : الأوّل : بلوغه حدّ نصاب أحد النقدين ، فلا زكاة فيما لا يبلغه ، والظاهر أ نّه كالنقدين في النصاب الثاني أيضاً . الثاني : مضيّ الحول عليه من حين قصد التكسّب . الثالث : بقاء قصد الاكتساب طول الحول ، فلو عدل عنه ونوى به القنية في الأثناء لم يلحقه الحكم ، وإن عاد إلى قصد الاكتساب اعتبر ابتداء الحول من حينه . الرابع : بقاء رأس المال(1) بعينه طول الحول . الخامس : أن يطلب برأس المال أو بزيادة طول الحول ، فلو كان رأس ماله مائة دينار مثلاً فصار يطلب بنقيصة في أثناء السنة ولو حبّة من قيراط يوماً منها سقطت الزكاة ، والمراد برأس المال : الثمن المقابل للمتاع ، وقدر الزكاة فيه ربع العشر كما في النقدين ، والأقوى تعلّقها بالعين(2) كما في الزكاة الواجبة وإذا كان المتاع عروضاً فيكفي في الزكاة بلوغ النصاب بأحد النقدين دون الآخر .

(مسألة 1) : إذا كان مال التجارة من النصب التي تجب فيها الزكاة - مثل أربعين شاة أو ثلاثين بقرة أو عشرين ديناراً أو نحو ذلك - فإن اجتمعت شرائط كلتيهما وجب إخراج الواجبة وسقطت زكاة التجارة ، وإن اجتمعت شرائط إحداهما فقط ثبتت ما اجتمعت شرائطها دون الاُخرى .

ص: 123


1- - هذا الشرط - وإن كان بمعنى بقاء السلعة - والشرط الخامس على ما ذكروه محلّ إشكال ، بل عدم اعتبارهما لا يخلو من قوّة ، والإجماع أو الشهرة لدى متقدّمي أصحابنا غير ثابتين ، والأدلّة على خلافهما أدلّ ، نعم لو طلب بالنقيصة طول الحول تسقط الزكاة ولو بقي على هذا الحال سنتين أو أكثر ، فإذا باعه يزكّي لسنة واحدة استحباباً ، ويشترط بقاء النصاب طول الحول .
2- - فيه تأمّل ، بل لا إشكال في عدم تعلّقها بها كتعلّق الزكاة الواجبة على ما قرّبناه .

(مسألة 2) : إذا كان مال التجارة أربعين غنماً سائمة ، فعاوضها في أثناء الحول بأربعين غنماً سائمة سقط كلتا الزكاتين ؛ بمعنى أ نّه انقطع حول كلتيهما لاشتراط بقاء(1) عين النصاب طول الحول ، فلا بدّ أن يبتدأ الحول من حين تملّك الثانية .

(مسألة 3) : إذا ظهر في مال المضاربة ربح كانت زكاة رأس المال مع بلوغه النصاب على ربّ المال ، ويضمّ إليه حصّته من الربح ، ويستحبّ زكاته أيضاً إذا بلغ النصاب وتمّ حوله ، بل لا يبعد(2) كفاية مضيّ حول الأصل ، وليس في حصّة العامل من الربح زكاة ، إلاّ إذا بلغ النصاب مع اجتماع الشرائط ، لكن ليس له التأدية من العين إلاّ بإذن المالك أو بعد القسمة .

(مسألة 4) : الزكاة الواجبة مقدّمة على الدين ؛ سواء كان مطالباً به أو لا ، ما دامت عينها موجودة ، بل لا يصحّ وفاؤه بها بدفع تمام النصاب(3) ، نعم مع تلفها وصيرورتها في الذمّة حالها حال سائر الديون ، وأمّا زكاة التجارة فالدين المطالب به مقدّم عليها ؛ حيث إنّها مستحبّة ، سواء قلنا بتعلّقها بالعين أو بالقيمة ، وأمّا مع عدم المطالبة فيجوز تقديمها على القولين أيضاً ، بل مع المطالبة أيضاً إذا أدّاها صحّت وأجزأت ؛ وإن كان آثماً من حيث ترك الواجب .

(مسألة 5) : إذا كان مال التجارة أحد النصب المالية واختلف مبدأ حولهما ، فإن تقدّم حول المالية سقطت الزكاة للتجارة ، وإن انعكس فإن أعطى زكاة

ص: 124


1- - مرّ الكلام فيه .
2- - بعيد .
3- - بل ولا يدفع البعض إلاّ مع عزل الزكاة .

التجارة قبل حلول حول المالية سقطت(1) ، وإلاّ كان كما لو حال الحولان معاً في سقوط مال التجارة .

(مسألة 6) : لو كان رأس المال أقلّ من النصاب ثمّ بلغه في أثناء الحول استأنف الحول عند بلوغه .

(مسألة 7) : إذا كان له تجارتان ولكلّ منهما رأس مال ، فلكلّ منهما شروطه وحكمه ، فإن حصلت في إحداهما دون الاُخرى استحبّت فيها فقط ، ولا يجبر خسران إحداهما بربح الاُخرى .

الثاني ممّا يستحبّ فيه الزكاة : كلّ ما يكال(2) أو يوزن ممّا أنبتته الأرض عدا الغلاّت الأربع ؛ فإنّها واجبة فيها ، وعدا الخضر كالبقل والفواكه والباذنجان والخيار والبطّيخ ونحوها ، ففي صحيحة زرارة : «عفا رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن الخضر ، قلت : وما الخضر ؟ قال علیه السلام : كلّ شيء لا يكون له بقاء : البقل والبطّيخ والفواكه وشبه ذلك ممّا يكون سريع الفساد» . وحكم ما يخرج من الأرض ممّا يستحبّ فيه الزكاة حكم الغلاّت الأربع في قدر النصاب وقدر ما يخرج منها ، وفي السقي والزرع ونحو ذلك .

الثالث : الخيل(3) الإناث بشرط أن تكون سائمة ، ويحول عليها الحول ، ولا بأس بكونها عوامل ، ففي العتاق منها - وهي التي تولّدت من عربيّين - كلّ سنة ديناران هما مثقال ونصف صيرفي ، وفي البراذين كلّ سنة دينار ثلاثة أرباع

ص: 125


1- - إذا نقص عن النصاب ، كما هو المفروض ظاهراً .
2- - مرّ الإشكال فيه .
3- - لا يخلو من شوب الإشكال .

المثقال الصيرفي ، والظاهر ثبوتها حتّى مع الاشتراك ، فلو ملك اثنان فرساً تثبت الزكاة بينهما .

الرابع : حاصل العقار(1) المتّخذ للنماء من البساتين والدكاكين والمساكن والحمّامات والخانات ونحوها ، والظاهر اشتراط النصاب والحول ، والقدر المخرج ربع العشر مثل النقدين .

الخامس : الحلي ، وزكاته إعارته لمؤمن .

السادس : المال الغائب أو المدفون الذي لا يتمكّن من التصرّف فيه ؛ إذا حال عليه حولان أو أحوال ، فيستحبّ زكاته لسنة واحدة(2) بعد التمكّن .

السابع : إذا تصرّف في النصاب بالمعاوضة في أثناء الحول بقصد الفرار من الزكاة ، فإنّه يستحبّ إخراج زكاته بعد الحول .

فصل : أصناف المستحقّين للزكاة

ومصارفها ثمانية :

الأوّل والثاني : الفقير والمسكين ، والثاني أسوأ حالاً من الأوّل ، والفقير الشرعي : من لا يملك مؤونة السنة له ولعياله ، والغنيّ الشرعي بخلافه ، فمن كان عنده ضيعة أو عقار أو مواش أو نحو ذلك تقوم بكفايته وكفاية عياله في طول السنة لا يجوز له أخذ الزكاة ، وكذا إذا كان له رأس مال يقوم ربحه بمؤونته ، أو كان له من النقد أو الجنس ما يكفيه وعياله ، وإن كان لسنة واحدة ، وأمّا إذا كان أقلّ من مقدار كفاية سنته يجوز له أخذها ، وعلى هذا فلو كان عنده بمقدار

ص: 126


1- - لا يخلو من إشكال .
2- - مرّ الإشكال فيه .

الكفاية ونقص عنه بعد صرف بعضه في أثناء السنة يجوز له الأخذ ، ولا يلزم أن يصبر إلى آخر السنة حتّى يتمّ ما عنده ، ففي كلّ وقت ليس عنده مقدار الكفاية المذكورة يجوز له الأخذ ، وكذا لا يجوز لمن كان ذا صنعة أو كسب يحصّل منهما مقدار مؤونته ، والأحوط(1) عدم أخذ القادر على الاكتساب إذا لم يفعل تكاسلاً .

(مسألة 1) : لو كان له رأس مال لا يقوم ربحه بمؤونته لكن عينه تكفيه ، لا يجب عليه صرفها في مؤونته ، بل يجوز له إبقاؤه للاتّجار به وأخذ البقيّة من الزكاة ، وكذا لو كان صاحب صنعة تقوم آلاتها ، أو صاحب ضيعة تقوم قيمتها بمؤونته ، ولكن لا يكفيه الحاصل منهما ، لا يجب عليه بيعها وصرف العوض في المؤونة ، بل يبقيها ويأخذ من الزكاة بقيّة المؤونة .

(مسألة 2) : يجوز(2) أن يعطي الفقير أزيد من مقدار مؤونة سنته دفعة ، فلا يلزم الاقتصار على مقدار مؤونة سنة واحدة ، وكذا في الكاسب الذي لا يفي كسبه بمؤونة سنته ، أو صاحب الضيعة التي لا يفي حاصلها ، أو التاجر الذي لا يفي ربح تجارته بمؤونة سنته لا يلزم الاقتصار على إعطاء التتمّة ، بل يجوز دفع ما يكفيه لسنين ، بل يجوز جعله غنيّاً عرفياً وإن كان الأحوط الاقتصار ، نعم لو أعطاه دفعات لا يجوز بعد أن حصل عنده مؤونة السنة أن يعطي شيئاً ولو قليلاً ما دام كذلك .

(مسألة 3) : دار السكنى والخادم وفرس الركوب المحتاج إليها بحسب حاله

ص: 127


1- - بل عدم جواز أخذه لا يخلو من قوّة .
2- - فيه إشكال لا يترك الاحتياط بعدم الإعطاء والأخذ أزيد من مؤونة السنة ، وكذا في الفرع الآتي .

ولو لعزّه وشرفه لا يمنع من إعطاء الزكاة وأخذها ، بل ولو كانت متعدّدة مع الحاجة إليها ، وكذا الثياب والألبسة الصيفية والشتوية ؛ السفرية والحضرية - ولو كانت للتجمّل - وأثاث البيت من الفروش والظروف وسائر ما يحتاج إليه ، فلا يجب بيعها في المؤونة ، بل لو كان فاقداً لها مع الحاجة جاز أخذ الزكاة لشرائها ، وكذا يجوز أخذها لشراء الدار والخادم وفرس الركوب والكتب العلمية ونحوها مع الحاجة إليها ، نعم لو كان عنده من المذكورات أو بعضها أزيد من مقدار حاجته بحسب حاله ، وجب صرفه(1) في المؤونة ، بل إذا كانت عنده دار تزيد عن حاجته وأمكنه بيع المقدار الزائد منها عن حاجته وجب بيعه ، بل لو كانت له دار تندفع حاجته بأقلّ منها قيمة ، فالأحوط(2) بيعها وشراء الأدون وكذا في العبد والجارية والفرس .

(مسألة 4) : إذا كان يقدر على التكسّب لكن ينافي شأنه - كما لو كان قادراً على الاحتطاب والاحتشاش الغير اللائقين بحاله - يجوز له أخذ الزكاة ، وكذا إذا كان عسراً ومشقّة ؛ من جهة كبر أو مرض أو ضعف ، فلا يجب عليه التكسّب حينئذٍ .

(مسألة 5) : إذا كان صاحب حرفة وصنعة ولكن لا يمكنه الاشتغال بها من جهة فقد الآلات أو عدم الطالب ، جاز له أخذ الزكاة .

(مسألة 6) : إذا لم يكن له حرفة ولكن يمكنه تعلّمها من غير مشقّة ، ففي

ص: 128


1- - أي لا يجوز له أخذ الزكاة ، وكذا صاحب الدار التي تزيد عن مقدار حاجته لا يجوز له أخذها ، أمّا وجوب البيع فلا .
2- - إن كانت محلّ حاجته لكن يمكن له الاقتصار بالأقلّ ، يجوز له أخذ الزكاة ، وكذا في العبد وغيره .

وجوب التعلّم وحرمة أخذ الزكاة بتركه إشكال ، والأحوط التعلّم وترك الأخذ بعده ، نعم ما دام مشتغلاً بالتعلّم لا مانع من أخذها .

(مسألة 7) : من لا يتمكّن من التكسّب طول السنة إلاّ في يوم أو اُسبوع - مثلاً - ولكن يحصل له في ذلك اليوم أو الاُسبوع مقدار مؤونة السنة فتركه وبقي طول السنة لا يقدر على الاكتساب لا يبعد(1) جواز أخذه ، وإن قلنا : إنّه عاص بالترك في ذلك اليوم أو الاُسبوع ؛ لصدق الفقير عليه حينئذٍ .

(مسألة 8) : لو اشتغل القادر على الكسب بطلب العلم المانع عنه ، يجوز له أخذ الزكاة إذا كان ممّا يجب تعلّمه عيناً أو كفاية ، وكذا إذا كان ممّا يستحبّ تعلّمه كالتفقّه في الدين اجتهاداً أو تقليداً ، وإن كان ممّا لا يجب ولا يستحبّ(2) - كالفلسفة والنجوم والرياضيات والعروض والعلوم الأدبية لمن لا يريد التفقّه في الدين - فلا يجوز أخذه .

(مسألة 9) : لو شكّ في أنّ ما بيده كافٍ لمؤونة سنته أم لا ، فمع سبق وجود ما به الكفاية لا يجوز(3) الأخذ ، ومع سبق العدم وحدوث ما يشكّ في كفايته يجوز ؛ عملاً بالأصل في الصورتين .

(مسألة 10) : المدّعي للفقر إن عرف صدقه أو كذبه عومل به، وإن جهل الأمران فمع سبق فقره يعطى من غير يمين ، ومع سبق الغنى أو الجهل بالحالة السابقة

ص: 129


1- - الأحوط عدم أخذ من كان بناؤه على ذلك ، نعم لو اتّفق ذلك يجوز له أخذها ، وأمّا العصيان بترك التكسّب فلا وجه وجيه له .
2- - في بعض الأمثلة مناقشة .
3- - وكذا مع عدم العلم بالسبق بالوجود والعدم .

فالأحوط عدم الإعطاء ، إلاّ مع الظنّ بالصدق(1) ، خصوصاً في الصورة الاُولى .

(مسألة 11) : لو كان له دين على الفقير جاز احتسابه زكاة ؛ سواء كان حيّاً أو ميّتاً ، لكن يشترط في الميّت أن لا يكون له تركة تفي بدينه ، وإلاّ لا يجوز ، نعم لو كان له تركة لكن لا يمكن الاستيفاء منها لامتناع الورثة أو غيرهم ، فالظاهر الجواز .

(مسألة 12) : لا يجب إعلام الفقير أنّ المدفوع إليه زكاة ، بل لو كان ممّن يترفّع ويدخله الحياء منها وهو مستحقّ ، يستحبّ دفعها إليه على وجه الصلة ظاهراً والزكاة واقعاً ، بل لو اقتضت المصلحة(2) التصريح كذباً بعدم كونها زكاة جاز ؛ إذا لم يقصد(3) القابض عنواناً آخر غير الزكاة ، بل قصد مجرّد التملّك .

(مسألة 13) : لو دفع الزكاة باعتقاد الفقر ، فبان كون القابض غنيّاً ، فإن كانت العين باقية ارتجعها ، وكذا مع تلفها إذا كان القابض عالماً بكونها زكاة وإن كان جاهلاً بحرمتها للغنيّ ، بخلاف ما إذا كان جاهلاً بكونها زكاة فإنّه لا ضمان(4) عليه ، ولو تعذّر الارتجاع أو تلفت بلا ضمان أو معه ولم يتمكّن الدافع من أخذ العوض كان ضامناً(5) فعليه الزكاة مرّة اُخرى ، نعم لو كان الدافع هو

ص: 130


1- - الناشئ من ظهور حاله .
2- - المسوّغة للكذب .
3- - لا دخالة لقصد القابض في وقوع الزكاة .
4- - مع احتماله كونها زكاة فالظاهر ضمانه ، نعم مع إعطائه بغير عنوانها سقط ضمانه .
5- - فيما إذا كان الدفع بإذن شرعي ، فالأقوى عدم الضمان ، بخلاف ما لو كان إحراز الفقر بأمارة عقلية كالقطع ، فإنّ الظاهر ضمانه حينئذٍ .

المجتهد(1) أو المأذون منه لا ضمان عليه ولا على المالك الدافع إليه .

(مسألة 14) : لو دفع الزكاة إلى غنيّ جاهلاً بحرمتها عليه أو متعمّداً ، استرجعها مع البقاء ، أو عوضها مع التلف وعلم القابض(2) ، ومع عدم الإمكان يكون عليه مرّة اُخرى ، ولا فرق في ذلك بين الزكاة المعزولة وغيرها ، وكذا في المسألة السابقة ، وكذا الحال لو بان أنّ المدفوع إليه كافر أو فاسق - إن قلنا باشتراط العدالة - أو ممّن تجب نفقته عليه ، أو هاشمي إذا كان الدافع من غير قبيله .

(مسألة 15) : إذا دفع الزكاة باعتقاد أ نّه عادل فبان فقيراً فاسقاً ، أو باعتقاد أ نّه عالم فبان جاهلاً ، أو زيد فبان عمراً ، أو نحو ذلك ، صحّ وأجزأ إذا لم يكن على وجه التقييد(3) ، بل كان من باب الاشتباه في التطبيق ، ولا يجوز استرجاعه حينئذٍ وإن كانت العين باقية ، وأمّا إذا كان على وجه التقييد فيجوز ، كما يجوز نيّتها مجدّداً مع بقاء العين أو تلفها إذا كان ضامناً ؛ بأن كان عالماً باشتباه الدافع وتقييده .

الثالث : العاملون عليها ، وهم المنصوبون من قبل الإمام علیه السلام أو نائبه الخاصّ أو العامّ لأخذ الزكوات وضبطها وحسابها وإيصالها إليه ، أو إلى الفقراء على حسب إذنه ، فإنّ العامل يستحقّ منها سهماً في مقابل عمله وإن كان غنيّاً .

ص: 131


1- - إذا كان الدفع بعنوان الولاية لا الوكالة من قبل المالك ، فإنّه حينئذٍ ضامن يجب عليه دفع الزكاة ثانياً فيما قلنا بالضمان في الفرع السابق .
2- - أو احتماله كما مرّ ، إلاّ إذا دفع بغير عنوانها .
3- - لا يبعد الصحّة مطلقاً .

ولا يلزم استئجاره من الأوّل أو تعيين مقدار له على وجه الجعالة ، بل يجوز أيضاً أن لا يعيّن له ويعطيه بعد ذلك ما يراه ، ويشترط فيهم التكليف بالبلوغ والعقل والإيمان ، بل العدالة(1) والحرّية أيضاً على الأحوط ، نعم لا بأس بالمكاتب ، ويشترط أيضاً معرفة المسائل المتعلّقة بعملهم اجتهاداً أو تقليداً ، وأن لا يكونوا من بني هاشم ، نعم يجوز استئجارهم من بيت المال أو غيره ، كما يجوز عملهم تبرّعاً ، والأقوى عدم سقوط هذا القسم في زمان الغيبة مع بسط يد نائب الإمام علیه السلام في بعض الأقطار ، نعم يسقط بالنسبة إلى من تصدّى بنفسه لإخراج زكاته وإيصالها إلى نائب الإمام علیه السلام أو إلى الفقراء بنفسه .

الرابع : المؤلّفة قلوبهم من الكفّار ، الذين يراد من إعطائهم اُلفتهم وميلهم إلى الإسلام ، أو إلى معاونة المسلمين في الجهاد مع الكفّار أو الدفاع ، ومن المؤلّفة قلوبهم ضعفاء العقول من المسلمين لتقوية اعتقادهم ، أو لإمالتهم(2) إلى المعاونة في الجهاد أو الدفاع .

الخامس : الرقاب وهم ثلاثة أصناف :

الأوّل : المكاتب العاجز عن أداء مال الكتابة ؛ مطلقاً كان أو مشروطاً ، والأحوط أن يكون بعد حلول النجم ، ففي جواز إعطائه قبل حلوله إشكال ، ويتخيّر بين الدفع إلى كلّ من المولى والعبد ، لكن إن دفع إلى المولى واتّفق عجز العبد عن باقي مال الكتابة في المشروط فردّ إلى الرقّ يسترجع منه ، كما أ نّه لو دفعها إلى العبد ولم يصرفها في فكّ رقبته لاستغنائه بإبراء أو تبرّع أجنبيّ

ص: 132


1- - وإن لا يبعد كفاية الوثوق والاطمئنان في عمله .
2- - لا يخلو من تأمّل .

يسترجع منه ، نعم يجوز الاحتساب حينئذٍ من باب سهم الفقراء إذا كان فقيراً ، ولو ادّعى العبد أ نّه مكاتب أو أ نّه عاجز ، فإن علم صدقه أو أقام بيّنة قبل قوله ، وإلاّ ففي قبول قوله إشكال ، والأحوط عدم القبول ؛ سواء صدّقه المولى أو كذّبه ، كما أنّ في قبول قول المولى مع عدم العلم والبيّنة أيضاً كذلك ؛ سواء صدّقه العبد أو كذّبه ، ويجوز إعطاء المكاتب من سهم الفقراء إذا كان عاجزاً عن التكسّب(1) للأداء ، ولا يشترط إذن المولى في الدفع إلى المكاتب ؛ سواء كان من باب الرقاب أو من باب الفقر .

الثاني : العبد تحت الشدّة ، والمرجع في صدق الشدّة العرف ، فيشترى ويعتق ، خصوصاً إذا كان مؤمناً في يد غير المؤمن .

الثالث : مطلق عتق العبد مع عدم وجود(2) المستحقّ للزكاة، ونيّة الزكاة في هذا والسابق عند دفع الثمن إلى البائع، والأحوط الاستمرار(3) بها إلى حين الإعتاق.

السادس : الغارمون وهم الذين ركبتهم الديون وعجزوا عن أدائها وإن كانوا مالكين لقوت سنتهم ، ويشترط أن لا يكون الدين مصروفاً في المعصية وإلاّ لم يقض من هذا السهم ، وإن جاز إعطاؤه من سهم الفقراء ؛ سواء تاب عن المعصية أو لم يتب(4)، بناءً على عدم اشتراط العدالة في الفقير، وكونه مالكاً لقوت سنته لا ينافي فقره لأجل وفاء الدين الذي لا يكفي كسبه أو ما عنده به ،

ص: 133


1- - بل إذا كان فقيراً .
2- - بل مع وجوده على الأقوى .
3- - لا يترك وإن كان ما في المتن هو الأقرب .
4- - يأتي الاحتياط في شارب الخمر ، والمتجاهر بالكبائر مثله .

وكذا يجوز إعطاؤه من سهم سبيل اللّه (1) ، ولو شكّ في أ نّه صرفه في المعصية أم لا ، فالأقوى جواز إعطائه من هذا السهم وإن كان الأحوط خلافه ، نعم لا يجوز له الأخذ إذا كان قد صرفه في المعصية ، ولو كان معذوراً في الصرف في المعصية لجهل أو اضطرار أو نسيان أو نحو ذلك لا بأس بإعطائه . وكذا لو صرفه فيها في حال عدم التكليف لصغر أو جنون ، ولا فرق في الجاهل بين كونه جاهلاً بالموضوع أو الحكم(2) .

(مسألة 16) : لا فرق بين أقسام الدين ؛ من قرض أو ثمن مبيع أو ضمان مال أو عوض صلح أو نحو ذلك ، كما لو كان من باب غرامة إتلاف ، فلو كان الإتلاف جهلاً أو نسياناً ولم يتمكّن من أداء العوض جاز إعطاؤه من هذا السهم ، بخلاف ما لو كان على وجه العمد والعدوان .

(مسألة 17) : إذا كان دينه مؤجّلاً ، فالأحوط عدم الإعطاء من هذا السهم قبل حلول أجله ، وإن كان الأقوى الجواز .

(مسألة 18) : لو كان كسوباً يقدر على أداء دينه بالتدريج ، فإن كان الديّان مطالباً ، فالظاهر جواز إعطائه من هذا السهم ، وإن لم يكن مطالباً ، فالأحوط عدم إعطائه .

(مسألة 19) : إذا دفع الزكاة إلى الغارم فبان بعده أنّ دينه في معصية ارتجع منه ، إلاّ إذا كان فقيراً ، فإنّه يجوز احتسابه عليه من سهم الفقراء(3) ، وكذا إذا تبيّن

ص: 134


1- - مع انطباقه عليه .
2- - الأحوط عدم الإعطاء بالجاهل المقصّر .
3- - إلاّ إذا كان شارب الخمر ، أو متجاهراً بكبائر مثله - على الأحوط - كما مرّ .

أ نّه غير مديون ، وكذا إذا أبرأه الدائن بعد الأخذ لوفاء الدين .

(مسألة 20) : لو ادّعى أ نّه مديون ، فإن أقام بيّنة قبل قوله ، وإلاّ فالأحوط عدم تصديقه وإن صدّقه الغريم ، فضلاً عمّا لو كذّبه أو لم يصدّقه .

(مسألة 21) : إذا أخذ من سهم الغارمين ليصرفه في أداء الدين ثمّ صرفه في غيره ارتجع منه .

(مسألة 22) : المناط هو الصرف في المعصية أو الطاعة لا القصد من حين الاستدانة ، فلو استدان للطاعة فصرف في المعصية لم يعط من هذا السهم ، وفي العكس بالعكس .

(مسألة 23) : إذا لم يكن الغارم متمكّناً من الأداء حالاًّ وتمكّن بعد حين ، كأن يكون له غلّة لم يبلغ أوانها أو دين مؤجّل يحلّ أجله بعد مدّة ، ففي جواز إعطائه من هذا السهم إشكال ، وإن كان الأقوى عدم الجواز مع عدم المطالبة من الدائن ، أو إمكان الاستقراض والوفاء من محلّ آخر ثمّ قضاؤه بعد التمكّن .

(مسألة 24) : لو كان دين الغارم لمن عليه الزكاة ، جاز له احتسابه عليه زكاة ، بل يجوز أن يحتسب ما عنده من الزكاة وفاء للدين ويأخذها مقاصّة وإن لم يقبضها المديون ولم يوكّل في قبضها ، ولا يجب إعلام المديون بالاحتساب عليه ، أو بجعلها وفاءً وأخذها مقاصّة(1) .

(مسألة 25) : لو كان الدين لغير من عليه الزكاة يجوز له وفاؤه عنه بما

ص: 135


1- - لا معنى لها بعد احتسابه وفاء ، نعم لو وكّل الغارم الدائن في أخذ الزكاة يجوز أخذ ما عنده زكاة من قبله ثمّ أخذه مقاصّة مع حصول شرط المقاصّة .

عنده منها ولو بدون اطّلاع الغارم .

(مسألة 26) : لو كان الغارم ممّن تجب نفقته على من عليه الزكاة ، جاز له إعطاؤه لوفاء دينه أو الوفاء عنه ، وإن لم يجز إعطاؤه لنفقته .

(مسألة 27) : إذا كان ديّان الغارم مديوناً لمن عليه الزكاة ، جاز له إحالته على الغارم ، ثمّ يحسب عليه ، بل يجوز له أن يحسب ما على الديّان وفاء عمّا في ذمّة الغارم ؛ وإن كان الأحوط أن يكون ذلك بعد الإحالة .

(مسألة 28) : لو كان الدين للضمان عن الغير تبرّعاً لمصلحة مقتضية لذلك مع عدم تمكّنه من الأداء وإن كان قادراً على قوت سنته ، يجوز الإعطاء من هذا السهم وإن كان المضمون عنه غنيّاً .

(مسألة 29) : لو استدان لإصلاح ذات البين - كما لو وجد قتيل لا يدرى قاتله وكاد أن يقع بسببه الفتنة فاستدان للفصل - فإن لم يتمكّن من أدائه جاز الإعطاء من هذا السهم ، وكذا لو استدان لتعمير مسجد أو نحو ذلك من المصالح العامّة ، وأمّا لو تمكّن من الأداء فمشكل ، نعم لا يبعد(1) جواز الإعطاء من سهم سبيل اللّه وإن كان لا يخلو عن إشكال أيضاً ، إلاّ إذا كان من قصده حين الاستدانة ذلك .

السابع : سبيل اللّه ، وهو جميع سبل الخير(2) كبناء القناطر والمدارس

ص: 136


1- - بعيد .
2- - لا يبعد أن يكون سبيل اللّه هو المصالح العامّة للمسلمين والإسلام ، كبناء القناطر وتعمير الطرق والشوارع وما به يحصل تعظيم الشعائر وعلوّ كلمة الإسلام ، أو دفع الفتنة والفساد عن حوزة الإسلام وبين القبيلتين من المسلمين وأشباه ذلك ، لا مطلق القربات كالإصلاح بين الزوج والزوجة والوالد والولد .

والخانات والمساجد وتعميرها وتخليص المؤمنين من يد الظالمين ، ونحو ذلك من المصالح كإصلاح ذات البين ، ودفع وقوع الشرور والفتن بين المسلمين ، وكذا إعانة الحجّاج والزائرين وإكرام العلماء والمشتغلين مع عدم تمكّنهم من الحجّ والزيارة والاشتغال ونحوها من أموالهم ، بل الأقوى جواز دفع هذا السهم في كلّ قربة مع عدم تمكّن المدفوع إليه من فعلها بغير الزكاة ، بل مع تمكّنه أيضاً ، لكن مع عدم إقدامه إلاّ بهذا الوجه .

الثامن : ابن السبيل ، وهو المسافر الذي نفدت نفقته أو تلفت راحلته بحيث لا يقدر معه على الذهاب ، وإن كان غنيّاً في وطنه ، بشرط عدم تمكّنه من الاستدانة أو بيع ما يملكه أو نحو ذلك ، وبشرط أن لا يكون سفره في معصية ، فيدفع إليه قدر الكفاية اللائقة بحاله من الملبوس والمأكول والمركوب أو ثمنها أو اُجرتها إلى أن يصل إلى بلده بعد قضاء وطره من سفره ، أو يصل إلى محلّ يمكنه تحصيلها بالاستدانة أو البيع أو نحوهما ، ولو فضل ممّا اُعطي شيء ولو بالتضييق على نفسه أعاده على الأقوى ؛ من غير فرق بين النقد والدابّة والثياب ونحوها ، فيدفعه إلى الحاكم(1) ويعلمه بأ نّه من الزكاة ، وأمّا لو كان في وطنه وأراد إنشاء السفر المحتاج إليه ولا قدرة له عليه فليس من ابن السبيل ، نعم لو تلبّس بالسفر على وجه يصدق عليه ذلك يجوز إعطاؤه من هذا السهم ، وإن لم يتجدّد نفاد نفقته ، بل كان أصل ماله قاصراً ، فلا يعطى من هذا السهم قبل أن يصدق عليه اسم ابن السبيل ، نعم لو كان فقيراً يعطى من سهم الفقراء .

(مسألة 30) : إذا علم استحقاق شخص للزكاة ولكن لم يعلم من أيّ

ص: 137


1- - مع تعذّر إيصاله إلى الدافع أو وكيله ، أو كونه حرجياً ، وإلاّ فيجب إيصاله إليهما .

الأصناف ، يجوز إعطاؤه بقصد الزكاة من غير تعيين الصنف ، بل إذا علم استحقاقه من جهتين يجوز إعطاؤه من غير تعيين الجهة .

(مسألة 31) : إذا نذر أن يعطي زكاته فقيراً معيّناً لجهة راجحة أو مطلقاً ينعقد نذره ، فإن سها فأعطى فقيراً آخر أجزأ ، ولا يجوز استرداده وإن كانت العين باقية ، بل لو كان ملتفتاً إلى نذره وأعطى غيره متعمّداً أجزأ أيضاً ؛ وإن كان آثماً في مخالفة النذر وتجب عليه الكفّارة ، ولا يجوز استرداده أيضاً ؛ لأنّه قد ملك بالقبض .

(مسألة 32) : إذا اعتقد وجوب الزكاة عليه فأعطاها فقيراً ، ثمّ تبيّن له عدم وجوبها عليه ، جاز له الاسترجاع إذا كانت العين باقية ، وأمّا إذا شكّ في وجوبها عليه وعدمه فأعطى احتياطاً ثمّ تبيّن له عدمه ، فالظاهر عدم جواز الاسترجاع وإن كانت العين باقية(1) .

فصل : في أوصاف المستحقّين

وهي اُمور :

الأوّل : الإيمان ، فلا يعطى للكافر بجميع أقسامه ، ولا لمن يعتقد خلاف الحقّ من فرق المسلمين حتّى المستضعفين منهم ، إلاّ من سهم المؤلّفة قلوبهم وسهم سبيل اللّه في الجملة ، ومع عدم وجود المؤمن والمؤلّفة وسبيل اللّه يحفظ إلى حال التمكّن .

ص: 138


1- - الظاهر جواز الاسترجاع مع بقائها مع الإعطاء احتياطاً ، نعم لو قصد التصدّق على تقدير عدم الوجوب لم يجز .

(مسألة 1) : تعطى الزكاة من سهم الفقراء لأطفال المؤمنين ومجانينهم؛ من غير فرق بين الذكر والاُنثى والخنثى ، ولا بين المميّز وغيره إمّا بالتمليك بالدفع إلى وليّهم ، وإمّا بالصرف عليهم مباشرة أو بتوسّط أمين ؛ إن لم يكن لهم وليّ شرعي من الأب والجدّ والقيّم .

(مسألة 2) : يجوز دفع الزكاة إلى السفيه تمليكاً وإن كان يحجر عليه بعد ذلك ، كما أ نّه يجوز الصرف عليه من سهم سبيل اللّه (1) ، بل من سهم الفقراء أيضاً على الأظهر ؛ من كونه كسائر السهام أعمّ من التمليك والصرف .

(مسألة 3) : الصبيّ المتولّد بين المؤمن وغيره يلحق بالمؤمن(2) ، خصوصاً إذا كان هو الأب ، نعم لو كان الجدّ مؤمناً والأب غير مؤمن ففيه إشكال ، والأحوط عدم الإعطاء .

(مسألة 4) : لا يعطى ابن الزنا(3) من المؤمنين ، فضلاً عن غيرهم من هذا السهم .

(مسألة 5) : لو أعطى غير المؤمن زكاته أهل نحلته ثمّ استبصر أعادها ، بخلاف الصلاة والصوم إذا جاء بهما على وفق مذهبه ، بل وكذا الحجّ وإن كان قد ترك منه ركناً عندنا على الأصحّ ، نعم لو كان قد دفع الزكاة إلى المؤمن ثمّ استبصر أجزأ ، وإن كان الأحوط الإعادة أيضاً .

(مسألة 6) : النيّة في دفع الزكاة للطفل والمجنون عند الدفع إلى الوليّ إذا كان

ص: 139


1- - مع انطباقه عليه .
2- - إذا كان الأب مؤمناً ، دون الاُمّ مع عدم إيمان الأب .
3- - في حال صغره .

على وجه التمليك ، وعند الصرف عليهما إذا كان على وجه الصرف .

(مسألة 7) : استشكل بعض العلماء في جواز إعطاء الزكاة لعوامّ المؤمنين الذين لا يعرفون اللّه إلاّ بهذا اللفظ ، أو النبي صلی الله علیه و آله وسلم أو الأئمّة علیهم السلام كلاًّ أو بعضاً أو شيئاً من المعارف الخمس واستقرب عدم الإجزاء ، بل ذكر بعض آخر : أ نّه لا يكفي معرفة الأئمّة بأسمائهم ، بل لا بدّ في كلّ واحد أن يعرف أنّه من هو ، وابن من ، فيشترط تعيينه وتمييزه عن غيره ، وأن يعرف الترتيب في خلافتهم ، ولو لم يعلم أ نّه هل يعرف ما يلزم معرفته أم لا ؟ يعتبر الفحص عن حاله ، ولا يكفي الإقرار الإجمالي ؛ بأنّي مسلم مؤمن واثنا عشري ، وما ذكروه مشكل جدّاً ، بل الأقوى كفاية الإقرار الإجمالي وإن لم يعرف أسماءهم أيضاً ، فضلاً عن أسماء آبائهم والترتيب في خلافتهم ، لكن هذا مع العلم بصدقه في دعواه أ نّه من المؤمنين الاثني عشريّين ، وأمّا إذا كان بمجرّد الدعوى ولم يعلم صدقه وكذبه فيجب الفحص(1) عنه .

(مسألة 8) : لو اعتقد كونه مؤمناً فأعطاه الزكاة، ثمّ تبيّن خلافه، فالأقوى عدم الإجزاء(2) .

الثاني : أن لا يكون ممّن يكون الدفع إليه إعانة على الإثم وإغراء بالقبيح ، فلا يجوز إعطاؤها لمن يصرفها في المعاصي ، خصوصاً إذا كان تركه ردعاً له عنها ، والأقوى عدم اشتراط العدالة ، ولا عدم ارتكاب(3)

ص: 140


1- - يقبل قوله بمجرّد إقراره ، ولا يجب الفحص إلاّ إذا قامت قرائن على كذبه .
2- - لكن لو اتّكل على طريق شرعي فأعطاه فتلف لم يضمن على الأقوى .
3- - لا يترك الاحتياط بعدم الإعطاء لشارب الخمر والمتجاهر بمثل تلك الكبيرة .

الكبائر ، ولا عدم كونه شارب الخمر ، فيجوز دفعها إلى الفسّاق ومرتكبي الكبائر ، وشاربي الخمر بعد كونهم فقراء من أهل الإيمان وإن كان الأحوط اشتراطها ، بل وردت رواية بالمنع عن إعطائها لشارب الخمر ، نعم يشترط العدالة في العاملين(1) على الأحوط ، ولا يشترط في المؤلّفة قلوبهم ، بل ولا في سهم سبيل اللّه ، بل ولا في الرقاب وإن قلنا باعتبارها في سهم الفقراء .

(مسألة 9) : الأرجح دفع الزكاة إلى الأعدل فالأعدل ، والأفضل فالأفضل ، والأحوج فالأحوج ، ومع تعارض الجهات يلاحظ الأهمّ فالأهمّ ؛ المختلف ذلك بحسب المقامات .

الثالث : أن لا يكون ممّن تجب نفقته على المزكّي كالأبوين وإن علوا ، والأولاد وإن سفلوا ؛ من الذكور أو من الإناث ، والزوجة الدائمة التي لم يسقط وجوب نفقتها بشرط أو غيره من الأسباب الشرعية ، والمملوك ؛ سواء كان آبقاً أو مطيعاً ، فلا يجوز إعطاء زكاته إيّاهم للإنفاق ، بل ولا للتوسعة على الأحوط وإن كان لا يبعد جوازه إذا لم يكن عنده(2) ما يوسّع به عليهم ، نعم يجوز دفعها إليهم إذا كان عندهم من تجب نفقته عليهم لا عليه ، كالزوجة للوالد أو الولد ، والمملوك لهما مثلاً .

(مسألة 10) : الممنوع إعطاؤه لواجبي النفقة هو ما كان من سهم الفقراء ولأجل الفقر ، وأمّا من غيره من السهام ، كسهم العاملين إذا كان منهم ، أو

ص: 141


1- - مرّ الكلام فيها .
2- - بل مطلقاً ظاهراً .

الغارمين ، أو المؤلّفة قلوبهم ، أو سبيل اللّه ، أو ابن السبيل(1) ، أو الرقاب إذا كان من أحد المذكورات فلا مانع منه .

(مسألة 11) : يجوز لمن تجب نفقته على غيره أن يأخذ الزكاة من غير من تجب عليه ؛ إذا لم يكن قادراً على إنفاقه ، أو كان قادراً ولكن لم يكن باذلاً ، وأمّا إذا كان باذلاً فيشكل الدفع(2) إليه وإن كان فقيراً ، كأبناء الأغنياء إذا لم يكن عندهم شيء ، بل لا ينبغي الإشكال في عدم جواز الدفع إلى زوجة الموسر الباذل ، بل لا يبعد عدم جوازه مع إمكان إجبار الزوج على البذل إذا كان ممتنعاً منه ، بل الأحوط(3) عدم جواز الدفع إليهم للتوسعة اللائقة بحالهم مع كون من عليه النفقة باذلاً للتوسعة أيضاً .

(مسألة 12) : يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة المتمتّع بها ؛ سواء كان المعطي هو الزوج أو غيره ، وسواء كان للإنفاق أو للتوسعة ، وكذا يجوز دفعها إلى الزوجة الدائمة مع سقوط وجوب نفقتها بالشرط أو نحوه ، نعم لو وجبت نفقة المتمتّع بها على الزوج من جهة الشرط أو نحوه لا يجوز الدفع إليها مع يسار الزوج(4) .

(مسألة 13) : يشكل دفع الزكاة إلى الزوجة الدائمة إذا كان سقوط نفقتها من جهة النشوز ؛ لتمكّنها من تحصيلها بتركه .

(مسألة 14) : يجوز للزوجة دفع زكاتها إلى الزوج وإن أنفقها عليها ، وكذا

ص: 142


1- - فيما زاد على نفقته الواجبة في الحضر .
2- - لا إشكال في غير الزوجة ، ولا يترك الاحتياط فيها .
3- - وإن كان الجواز لا يخلو من قوّة .
4- - والإنفاق عليها ، أو إمكان إجباره .

غيرها ممّن تجب نفقته عليه بسبب من الأسباب الخارجية .

(مسألة 15) : إذا عال بأحد تبرّعاً جاز له دفع زكاته له ، فضلاً عن غيره للإنفاق أو التوسعة ؛ من غير فرق بين القريب الذي لا يجب نفقته عليه - كالأخ وأولاده والعمّ والخال وأولادهم - وبين الأجنبيّ ، ومن غير فرق بين كونه وارثاً له لعدم الولد - مثلاً - وعدمه .

(مسألة 16) : يستحبّ إعطاء الزكاة للأقارب مع حاجتهم وفقرهم وعدم كونهم ممّن تجب نفقتهم عليه ، ففي الخبر : أيّ الصدقة أفضل ؟ قال علیه السلام : «على ذي الرحم الكاشح» ، وفي آخر : «لا صدقة وذو رحم محتاج» .

(مسألة 17) : يجوز للوالد أن يدفع زكاته إلى ولده للصرف في مؤونة التزويج ، وكذا العكس .

(مسألة 18) : يجوز للمالك دفع الزكاة إلى ولده للإنفاق على زوجته أو خادمه من سهم الفقراء ، كما يجوز له دفعه إليه لتحصيل الكتب العلمية من سهم سبيل اللّه .

(مسألة 19) : لا فرق في عدم جواز دفع الزكاة إلى من تجب نفقته عليه بين أن يكون قادراً على إنفاقه أو عاجزاً ، كما لا فرق بين أن يكون ذلك من سهم الفقراء أو من سائر السهام(1) ، فلا يجوز الإنفاق عليهم من سهم سبيل اللّه أيضاً ، وإن كان يجوز لغير الإنفاق ، وكذا لا فرق على الظاهر الأحوط بين إتمام ما يجب عليه وبين إعطاء تمامه ، وإن حكي عن جماعة أ نّه لو عجز عن إنفاق تمام

ص: 143


1- - مرّ جوازه من سائر السهام ، نعم لا يجوز الإنفاق عليهم من سهم آخر .

ما يجب عليه جاز له إعطاء البقيّة ، كما لو عجز عن إكسائهم أو عن إدامهم لإطلاق بعض الأخبار الواردة في التوسعة بدعوى شمولها للتتمّة ؛ لأ نّها أيضاً نوع من التوسعة ، لكنّه مشكل ، فلا يترك الاحتياط بترك الإعطاء .

(مسألة 20) : يجوز صرف الزكاة على مملوك الغير إذا لم يكن ذلك الغير باذلاً لنفقته ؛ إمّا لفقره أو لغيره ؛ سواء كان العبد آبقاً(1) أو مطيعاً .

الرابع : أن لا يكون هاشمياً إذا كانت الزكاة من غيره مع عدم الاضطرار ، ولا فرق بين سهم الفقراء وغيره من سائر السهام(2) ؛ حتّى سهم العاملين وسبيل اللّه ، نعم لا بأس بتصرّفه في الخانات والمدارس وسائر الأوقاف المتّخذة من سهم سبيل اللّه ، أمّا زكاة الهاشمي فلا بأس بأخذها له من غير فرق بين السهام أيضاً حتّى سهم العاملين ، فيجوز استعمال الهاشمي على جباية صدقات بني هاشم ، وكذا يجوز أخذ زكاة غير الهاشمي له مع الاضطرار إليها وعدم كفاية الخمس وسائر الوجوه ، ولكنّ الأحوط حينئذٍ الاقتصار على قدر الضرورة يوماً فيوماً مع الإمكان .

(مسألة 21) : المحرّم من صدقات غير الهاشمي عليه إنّما هو زكاة المال الواجبة وزكاة الفطرة ، وأمّا الزكاة المندوبة ولو زكاة مال التجارة وسائر الصدقات المندوبة فليست محرّمة عليه ، بل لا تحرم الصدقات الواجبة ما عدا الزكاتين عليه أيضاً ، كالصدقات المنذورة والموصى بها للفقراء والكفّارات ونحوها ، كالمظالم إذا كان من يدفع عنه من غير الهاشميّين ، وأمّا إذا كان المالك

ص: 144


1- - الأحوط عدم الإعطاء به إذا كان متظاهراً بهذا الفسق .
2- - في سهم الرقاب ، بل بعض موارد سبيل اللّه تأمّل وإشكال .

المجهول الذي يدفع عنه الصدقة هاشمياً فلا إشكال أصلاً ، ولكنّ الأحوط في الواجبة عدم الدفع إليه ، وأحوط منه عدم دفع مطلق الصدقة ولو مندوبة خصوصاً مثل زكاة مال التجارة .

(مسألة 22) : يثبت كونه هاشمياً بالبيّنة والشياع ، ولا يكفي مجرّد دعواه وإن حرم دفع الزكاة إليه مؤاخذة له بإقراره ، ولو ادّعى أنّه ليس بهاشمي يعطى من الزكاة لا لقبول قوله ، بل لأصالة العدم(1) عند الشكّ في كونه منهم أم لا ، ولذا يجوز إعطاؤها لمجهول النسب كاللقيط .

(مسألة 23) : يشكل إعطاء زكاة غير الهاشمي لمن تولّد من الهاشمي بالزنا ، فالأحوط عدم إعطائه ، وكذا الخمس فيقتصر فيه على زكاة الهاشمي .

فصل : في بقيّة أحكام الزكاة

وفيه مسائل :

الاُولى : الأفضل بل الأحوط نقل الزكاة إلى الفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة ، سيّما إذا طلبها ؛ لأ نّه أعرف بمواقعها ، لكنّ الأقوى عدم وجوبه ، فيجوز للمالك مباشرة أو بالاستنابة والتوكيل تفريقها على الفقراء وصرفها في مصارفها ، نعم لو طلبها الفقيه على وجه الإيجاب - بأن يكون هناك ما يقتضي وجوب صرفها في مصرف بحسب الخصوصيات الموجبة لذلك شرعاً وكان مقلّداً له(2) - يجب عليه الدفع إليه ؛ من حيث إنّه تكليفه الشرعي ، لا لمجرّد طلبه وإن كان

ص: 145


1- - هذه لا أصل لها .
2- - إذا كان على نحو الحكم لمصلحة المسلمين يجب اتّباعه ، ولو لم يكن مقلّداً له .

أحوط كما ذكرنا ، بخلاف ما إذا طلبها الإمام uفي زمان الحضور، فإنّه يجب الدفع إليه بمجرّد طلبه من حيث وجوب طاعته في كلّ ما يأمر.

الثانية : لا يجب البسط على الأصناف الثمانية ، بل يجوز التخصيص ببعضها ، كما لا يجب في كلّ صنف البسط على أفراده إن تعدّدت ، ولا مراعاة أقلّ الجمع الذي هو الثلاثة ، بل يجوز تخصيصها بشخص واحد من صنف واحد ، لكن يستحبّ البسط على الأصناف مع سعتها ووجودهم ، بل يستحبّ(1) مراعاة الجماعة التي أقلّها ثلاثة في كلّ صنف منهم ؛ حتّى ابن السبيل وسبيل اللّه ، لكن هذا مع عدم مزاحمة جهة اُخرى مقتضية للتخصيص .

الثالثة : يستحبّ تخصيص أهل الفضل بزيادة النصيب بمقدار فضله ، كما أ نّه يستحبّ ترجيح الأقارب وتفضيلهم على الأجانب ، وأهل الفقه والعقل على غيرهم ، ومن لا يسأل من الفقراء على أهل السؤال ، ويستحبّ صرف صدقة المواشي إلى أهل التجمّل من الفقراء ، لكن هذه جهات موجبة للترجيح في حدّ نفسها ، وقد يعارضها أو يزاحمها مرجّحات اُخر ، فينبغي حينئذٍ ملاحظة الأهمّ والأرجح .

الرابعة : الإجهار بدفع الزكاة أفضل من الإسرار به ، بخلاف الصدقات المندوبة ، فإنّ الأفضل فيها الإعطاء سرّاً .

الخامسة : إذا قال المالك : أخرجت زكاة مالي أو لم يتعلّق بمالي شيء ، قبل قوله بلا بيّنة ولا يمين ما لم يعلم كذبه ، ومع التهمة لا بأس بالتفحّص والتفتيش عنه .

السادسة : يجوز عزل الزكاة وتعيينها في مال مخصوص ، وإن كان من غير

ص: 146


1- - محلّ تأمّل .

الجنس(1) الذي تعلّقت به ؛ من غير فرق بين وجود المستحقّ وعدمه على الأصحّ ، وإن كان الأحوط الاقتصار على الصورة الثانية ، وحينئذٍ فتكون في يده أمانة لا يضمنها إلاّ بالتعدّي أو التفريط(2) ، ولا يجوز تبديلها بعد العزل .

السابعة : إذا اتّجر(3) بمجموع النصاب قبل أداء الزكاة ، كان الربح للفقير بالنسبة والخسارة عليه ، وكذا لو اتّجر بما عزله وعيّنه للزكاة .

الثامنة : تجب الوصيّة بأداء ما عليه من الزكاة إذا أدركته الوفاة قبله ، وكذا الخمس وسائر الحقوق الواجبة ، ولو كان الوارث مستحقّاً جاز احتسابه عليه(4) ، ولكن يستحبّ دفع شيء منه إلى غيره .

التاسعة : يجوز أن يعدل بالزكاة إلى غير من حضره من الفقراء ، خصوصاً مع المرجّحات وإن كانوا مطالبين ، نعم الأفضل حينئذٍ الدفع إليهم من باب استحباب قضاء حاجة المؤمن إلاّ إذا زاحمه ما هو أرجح .

العاشرة : لا إشكال في جواز نقل الزكاة من بلده إلى غيره مع عدم وجود المستحقّ فيه ، بل يجب ذلك إذا لم يكن مرجوّ الوجود بعد ذلك ، ولم يتمكّن من الصرف في سائر المصارف ، ومؤونة النقل حينئذٍ من الزكاة(5) ، وأمّا مع كونه مرجوّ الوجود فيتخيّر بين النقل والحفظ إلى أن يوجد، وإذا تلفت بالنقل لم يضمن مع عدم الرجاء وعدم التمكّن من الصرف في سائر المصارف، وأمّا معهما فالأحوط

ص: 147


1- - محلّ إشكال وإن لا يخلو من وجه .
2- - أو التأخير مع وجود المستحقّ .
3- - مرّ الكلام فيه .
4- - أي إعطائها به من ماله .
5- - محلّ تأمّل ، بل لا يبعد كونها عليه .

الضمان ؛ ولا فرق في النقل بين أن يكون إلى البلد القريب أو البعيد مع الاشتراك في ظنّ السلامة ؛ وإن كان الأولى التفريق في القريب ما لم يكن مرجّح للبعيد .

الحادية عشر : الأقوى جواز النقل إلى البلد الآخر ولو مع وجود المستحقّ في البلد وإن كان الأحوط عدمه ، كما أفتى به جماعة ، ولكن الظاهر الإجزاء لو نقل على هذا القول أيضاً ، وظاهر القائلين بعدم الجواز وجوب التقسيم في بلدها لا في أهلها ، فيجوز الدفع في بلدها إلى الغرباء وأبناء السبيل ، وعلى القولين إذا تلفت بالنقل يضمن ، كما أنّ مؤونة النقل عليه لا من الزكاة ، ولو كان النقل بإذن الفقيه لم يضمن وإن كان مع وجود المستحقّ في البلد ، وكذا بل وأولى منه لو وكّله في قبضها عنه بالولاية العامّة ثمّ أذن له في نقلها .

الثانية عشر : لو كان له مال في غير بلد الزكاة ، أو نقل مالاً له من بلد الزكاة إلى بلد آخر ، جاز احتسابه زكاة عمّا عليه في بلده ولو مع وجود المستحقّ فيه ، وكذا لو كان له دين في ذمّة شخص في بلد آخر جاز احتسابه زكاة ، وليس شيء من هذه من النقل الذي هو محلّ الخلاف في جوازه وعدمه ، فلا إشكال في شيء منها .

الثالثة عشر : لو كان المال الذي فيه الزكاة في بلد آخر غير بلده ، جاز له نقلها إليه مع الضمان لو تلف ، ولكن الأفضل صرفها في بلد المال .

الرابعة عشر : إذا قبض الفقيه الزكاة بعنوان الولاية العامّة برئت ذمّة المالك ؛ وإن تلفت عنده بتفريط أو بدونه أو أعطى لغير المستحقّ اشتباهاً .

الخامسة عشر : إذا احتاجت الزكاة إلى كيل أو وزن ، كانت اُجرة الكيّال والوزّان على المالك لا من الزكاة .

السادسة عشر : إذا تعدّد سبب الاستحقاق في شخص واحد ، كأن يكون فقيراً

ص: 148

وعاملاً وغارماً - مثلاً - جاز أن يعطى بكلّ سبب نصيباً .

السابعة عشر : المملوك الذي يشترى من الزكاة إذا مات ولا وارث له ، ورثه أرباب الزكاة دون الإمام علیه السلام ، ولكن الأحوط صرفه في الفقراء فقط .

الثامنة عشر : قد عرفت(1) سابقاً : أ نّه لا يجب الاقتصار في دفع الزكاة على مؤونة السنة ، بل يجوز دفع ما يزيد على غناه إذا اُعطي دفعة ، فلا حدّ لأكثر ما يدفع إليه ، وإن كان الأحوط الاقتصار على قدر الكفاف ، خصوصاً في المحترف الذي لا تكفيه حرفته ، نعم لو اُعطي تدريجاً فبلغ مقدار مؤونة السنة حرم عليه أخذ ما زاد للإنفاق ، والأقوى أ نّه لا حدّ لها في طرف القلّة أيضاً؛ من غير فرق بين زكاة النقدين وغيرهما ، ولكن الأحوط عدم النقصان عمّا في النصاب الأوّل من الفضّة في الفضّة وهو خمسة دراهم ، وعمّا في النصاب الأوّل من الذهب في الذهب وهو نصف دينار ، بل الأحوط مراعاة مقدار ذلك في غير النقدين أيضاً ، وأحوط من ذلك مراعاة ما في أوّل النصاب من كلّ جنس ، ففي الغنم والإبل لا يكون أقلّ من شاة ، وفي البقر لا يكون أقلّ من تبيع ، وهكذا في الغلاّت يعطى ما يجب في أوّل حدّ النصاب.

التاسعة عشر : يستحبّ للفقيه أو العامل أو الفقير الذي يأخذ الزكاة الدعاء للمالك ، بل هو الأحوط بالنسبة إلى الفقيه الذي يقبض بالولاية العامّة .

العشرون : يكره لربّ المال طلب تملّك ما أخرجه في الصدقة الواجبة والمندوبة ، نعم لو أراد الفقير بيعه بعد تقويمه عند من أراد ، كان المالك أحقّ به من غيره ولا كراهة(2) ، وكذا لو كان جزءاً من حيوان لا يمكن للفقير الانتفاع به ،

ص: 149


1- - مرّ الإشكال فيه .
2- - زوال الكراهة غير معلوم .

ولا يشتريه غير المالك ، أو يحصل للمالك ضرر بشراء الغير ، فإنّه تزول الكراهة حينئذٍ أيضاً ، كما أنّه لا بأس بإبقائه في ملكه إذا عاد إليه بميراث وشبهه من المملّكات القهرية .

فصل : في وقت وجوب إخراج الزكاة

قد عرفت(1) سابقاً : أنّ وقت تعلّق الوجوب فيما يعتبر فيه الحول حولانه بدخول الشهر الثاني عشر ، وأ نّه يستقرّ الوجوب بذلك وإن احتسب الثاني عشر من الحول الأوّل لا الثاني ، وفي الغلاّت التسمية ، وأنّ وقت وجوب الإخراج في الأوّل هو وقت التعلّق(2) ، وفي الثاني هو الخرص(3) ، والصرم في النخل والكرم ، والتصفية في الحنطة والشعير ، وهل الوجوب بعد تحقّقه فوري أو لا ؟ أقوال ؛ ثالثها(4) : أنّ وجوب الإخراج ولو بالعزل فوري ، وأمّا الدفع والتسليم فيجوز فيه التأخير ، والأحوط عدم تأخير الدفع مع وجود المستحقّ وإمكان الإخراج إلاّ لغرض ، كانتظار مستحقّ معيّن أو الأفضل ، فيجوز حينئذٍ ولو مع عدم العزل الشهرين والثلاثة ، بل الأزيد وإن كان الأحوط حينئذٍ العزل ثمّ الانتظار المذكور ، ولكن لو تلف بالتأخير مع إمكان الدفع يضمن .

ص: 150


1- - وعرفت ما هو الأقوى .
2- - محلّ تأمّل ، بل يحتمل أن يكون وقت الاستقرار وهو بمضيّ السنة .
3- - مرّ أ نّه حين اجتذاذ التمر أو اقتطاف الزبيب .
4- - الأحوط لو لم يكن أقوى عدم تأخير إخراجها ولو بالعزل مع الإمكان عن وقت الوجوب ، بل الأحوط عدم تأخير الإيصال أيضاً مع وجود المستحقّ وإن كان الأقوى جواز تأخيره إلى شهر أو شهرين بل أزيد في خلال السنة ، خصوصاً مع انتظار مستحقّ معيّن أو أفضل ؛ وإن كان التأخير عن أربعة أشهر خلاف الاحتياط .

(مسألة 1) : الظاهر أنّ المناط في الضمان مع وجود المستحقّ هو التأخير عن الفور العرفي ، فلو أخّر ساعة أو ساعتين بل أزيد فتلفت من غير تفريط ، فلا ضمان وإن أمكنه الإيصال إلى المستحقّ من حينه مع عدم كونه حاضراً عنده ، وأمّا مع حضوره فمشكل ، خصوصاً إذا كان مطالباً .

(مسألة 2) : يشترط في الضمان مع التأخير العلم بوجود المستحقّ ، فلو كان موجوداً لكن المالك لم يعلم به فلا ضمان ؛ لأ نّه معذور(1) حينئذٍ في التأخير .

(مسألة 3) : لو أتلف الزكاة المعزولة أو جميع النصاب متلف ، فإن كان مع عدم التأخير الموجب للضمان يكون الضمان على المتلف فقط ، وإن كان مع التأخير المزبور من المالك فكلّ من المالك والأجنبيّ ضامن ، وللفقيه أو العامل الرجوع على أيّهما شاء ، وإن رجع على المالك رجع هو على المتلف ، ويجوز له الدفع من ماله ثمّ الرجوع على المتلف .

(مسألة 4) : لا يجوز تقديم الزكاة قبل وقت الوجوب على الأصحّ، فلو قدّمها كان المال باقياً على ملكه مع بقاء عينه ، ويضمن تلفه القابض إن علم بالحال ، وللمالك احتسابه جديداً مع بقائه ، أو احتساب عوضه مع ضمانه وبقاء فقر القابض ، وله العدول عنه إلى غيره .

(مسألة 5) : إذا أراد أن يعطي فقيراً شيئاً ولم يجئ وقت وجوب الزكاة عليه يجوز أن يعطيه قرضاً ، فإذا جاء وقت الوجوب حسبه عليه زكاة ؛ بشرط بقائه

ص: 151


1- - بل لدلالة النصّ عليه .

على صفة الاستحقاق وبقاء الدافع والمال على صفة الوجوب ، ولا يجب عليه ذلك ، بل يجوز مع بقائه على الاستحقاق الأخذ منه والدفع إلى غيره ؛ وإن كان الأحوط الاحتساب عليه وعدم الأخذ منه .

(مسألة 6) : لو أعطاه قرضاً فزاد عنده زيادة متّصلة أو منفصلة ، فالزيادة له لا للمالك ، كما أ نّه لو نقص كان النقص عليه فإن خرج عن الاستحقاق أو أراد المالك الدفع إلى غيره يستردّ عوضه لا عينه(1) ، كما هو مقتضى حكم القرض ، بل مع عدم الزيادة أيضاً ليس عليه إلاّ ردّ المثل أو القيمة .

(مسألة 7) : لو كان ما أقرض الفقير - في أثناء الحول بقصد الاحتساب عليه بعد حلوله - بعضاً من النصاب وخرج الباقي عن حدّه سقط الوجوب على الأصحّ ؛ لعدم بقائه في ملكه طول الحول ؛ سواء كانت العين باقية عند الفقير أو تالفة ، فلا محلّ للاحتساب ، نعم لو أعطاه بعض النصاب أمانة بالقصد المذكور لم يسقط الوجوب مع بقاء عينه(2) عند الفقير ، فله الاحتساب حينئذٍ بعد حلول الحول إذا بقي على الاستحقاق .

(مسألة 8) : لو استغنى الفقير الذي أقرضه بالقصد المذكور بعين هذا المال ثمّ حال الحول ، يجوز الاحتساب عليه ؛ لبقائه على صفة الفقر بسبب هذا الدين ، ويجوز الاحتساب من سهم الغارمين أيضاً ، وأمّا لو استغنى بنماء هذا المال أو بارتفاع قيمته إذا كان قيمياً وقلنا : إنّ المدار قيمته يوم القرض لا يوم الأداء ، لم يجز الاحتساب عليه .

ص: 152


1- - أي لا يجب على المقترض ردّ العين .
2- - إذا لم يخرج عن تحت قدرته وسلطنته .

فصل : فيما يشترط في الزكاة

اشارة

فصل

الزكاة من العبادات فيعتبر فيها نيّة القربة والتعيين مع تعدّد(1) ما عليه ؛ بأن يكون عليه خمس وزكاة وهو هاشمي فأعطى هاشمياً ، فإنّه يجب عليه أن يعيّن أ نّه من أيّهما ، وكذا لو كان عليه زكاة وكفّارة ، فإنّه يجب التعيين ، بل وكذا إذا كان عليه زكاة المال والفطرة ، فإنّه يجب التعيين على الأحوط(2) ، بخلاف ما إذا اتّحد الحقّ الذي عليه ، فإنّه يكفيه الدفع بقصد ما في الذمّة وإن جهل نوعه ، بل مع التعدّد أيضاً يكفيه التعيين الإجمالي ؛ بأن ينوي ما وجب عليه أوّلاً ، أو ما وجب ثانياً مثلاً . ولا يعتبر نيّة الوجوب والندب ، وكذا لا يعتبر أيضاً(3) نيّة الجنس الذي تخرج منه الزكاة أ نّه من الأنعام أو الغلاّت أو النقدين ؛ من غير فرق بين أن يكون محلّ الوجوب متّحداً أو متعدّداً ، بل ومن غير فرق بين أن يكون نوع الحقّ متّحداً أو متعدّداً ، كما لو كان عنده أربعون من الغنم وخمس من الإبل ، فإنّ الحقّ في كلّ منهما شاة ، أو كان عنده من أحد النقدين ومن الأنعام ، فلا يجب تعيين شيء من ذلك ؛ سواء كان المدفوع من جنس واحد ممّا عليه أو لا ، فيكفي مجرّد قصد كونه زكاة ، بل لو كان له مالان متساويان أو مختلفان ؛ حاضران أو غائبان أو مختلفان ، فأخرج الزكاة عن أحدهما من غير تعيين

ص: 153


1- - بل مطلقاً ، نعم يكفي التعيين الإجمالي ولو بعنوان ما وجب عليه .
2- - بل الأقوى .
3- - هذا إذا كان من غير جنسها بعنوان القيمة فيوزّع عليها بالنسبة ، وأمّا إذا كان من أحدها فينصرف إليه ، إلاّ مع نيّة كونه بدلاً أو قيمة ، نعم لو كان عنده أربعون من الغنم وخمس من الإبل - مثلاً - فأخرج شاة زكاة من غير تعيين يوزّع بينهما ومع الترديد في كونها إمّا من الإبل أو من الشاة ، فالظاهر عدم الصحّة .

أجزأه(1) ، وله التعيين بعد ذلك ، ولو نوى الزكاة عنهما وزّعت ، بل يقوى التوزيع مع نيّة مطلق الزكاة .

(مسألة 1) : لا إشكال في أ نّه يجوز للمالك التوكيل في أداء الزكاة ، كما يجوز له التوكيل في الإيصال إلى الفقير ، وفي الأوّل ينوي الوكيل حين الدفع إلى الفقير عن المالك ، والأحوط تولّي المالك للنيّة أيضاً حين الدفع إلى الوكيل(2) ، وفي الثاني لا بدّ من تولّي المالك للنيّة حين الدفع إلى الوكيل ، والأحوط استمرارها إلى حين دفع الوكيل إلى الفقير .

(مسألة 2) : إذا دفع المالك أو وكيله بلا نيّة القربة ، له أن ينوي بعد وصول المال إلى الفقير وإن تأخّرت عن الدفع بزمان ؛ بشرط بقاء العين في يده ، أو تلفها مع ضمانه كغيرها من الديون ، وأمّا مع تلفها بلا ضمان فلا محلّ للنيّة .

(مسألة 3) : يجوز دفع الزكاة إلى الحاكم الشرعي بعنوان الوكالة عن المالك في الأداء ، كما يجوز بعنوان الوكالة في الإيصال ، ويجوز بعنوان أ نّه وليّ عامّ على الفقراء ، ففي الأوّل يتولّى الحاكم النيّة وكالة حين الدفع إلى الفقير ،

ص: 154


1- - محلّ إشكال بل منع ، نعم إذا عيّن بعد الدفع إلى الفقير يتعيّن ويكون الزكاة حال التعيين .
2- - لا وجه للنيّة حين الدفع إليه ، بل الاحتياط هو أن ينوي كون ما أوصله إلى الفقير زكاة ، وفي الثاني أيضاً يجب على المالك أن ينوي ذلك ، نعم يكفي بقاؤها في خزانة نفسه وإن لم تحضر وقت الأداء تفصيلاً ، ولا أثر في النيّة حال الدفع إلى الوكيل ، والأولى اختيار الشقّ الأوّل حتّى يكون الوكيل متولّياً في الأداء ، نعم إذا نوى كون ما ردّ إلى الوكيل زكاة معزولة ويكون الوكيل متصدّياً لإيصال ما هو زكاة إلى الفقراء ، فالظاهر وجوب النيّة حال جعله زكاة ، ولعلّ هذا مراد الماتن .

والأحوط(1) تولّي المالك أيضاً حين الدفع إلى الحاكم ، وفي الثاني يكفي نيّة المالك حين الدفع إليه وإبقاؤها مستمرّة إلى حين الوصول إلى الفقير ، وفي الثالث أيضاً ينوي المالك حين الدفع إليه ؛ لأنّ يده حينئذٍ يد الفقير المولّى عليه .

(مسألة 4) : إذا أدّى وليّ اليتيم أو المجنون زكاة مالهما يكون هو المتولّي للنيّة .

(مسألة 5) : إذا أدّى الحاكم الزكاة عن الممتنع يتولّى هو النيّة عنه ، وإذا أخذها من الكافر يتولاّها أيضاً عند أخذه(2) منه ، أو عند الدفع إلى الفقير عن نفسه لا عن الكافر .

(مسألة 6) : لو كان له مال غائب - مثلاً - فنوى أ نّه إن كان باقياً فهذا زكاته ، وإن كان تالفاً فهو صدقة مستحبّة صحّ ، بخلاف ما لو ردّد في نيّته ولم يعيّن هذا المقدار أيضاً ، فنوى أنّ هذا زكاة واجبة أو صدقة مندوبة فإنّه لا يجزي .

(مسألة 7) : لو أخرج عن ماله الغائب زكاة ثمّ بان كونه تالفاً ، فإن كان ما أعطاه باقياً ، له أن يستردّه ، وإن كان تالفاً استردّ عوضه ؛ إذا كان القابض عالماً بالحال وإلاّ فلا .

ختام : فيه مسائل متفرّقة

الاُولى : استحباب استخراج زكاة مال التجارة ونحوه للصبيّ والمجنون تكليف للوليّ ، وليس من باب النيابة عن الصبيّ والمجنون ، فالمناط فيه اجتهاد

ص: 155


1- - مرّ الكلام فيه وفي الثاني .
2- - إذا أخذها زكاة ، وإن أخذ مقدّمة لتأدية الزكاة على الفقراء ينوي عند الدفع .

الوليّ أو تقليده ، فلو كان من مذهبه - اجتهاداً أو تقليداً - وجوب إخراجها أو استحبابه ، ليس للصبيّ بعد بلوغه معارضته(1) وإن قلّد من يقول بعدم الجواز ، كما أنّ الحال كذلك في سائر تصرّفات الوليّ في مال الصبيّ أو نفسه من تزويج ونحوه ، فلو باع ماله بالعقد الفارسي أو عقد له النكاح بالعقد الفارسي أو نحو ذلك من المسائل الخلافية ، وكان مذهبه الجواز ، ليس للصبيّ بعد بلوغه إفساده(2) بتقليد من لا يرى الصحّة ، نعم لو شكّ الوليّ بحسب الاجتهاد أو التقليد في وجوب الإخراج أو استحبابه أو عدمهما وأراد الاحتياط بالإخراج ففي جوازه إشكال(3) ؛ لأنّ الاحتياط فيه معارض بالاحتياط في تصرّف مال الصبيّ ، نعم لا يبعد(4) ذلك إذا كان الاحتياط وجوبياً ، وكذا الحال في غير الزكاة كمسألة وجوب إخراج الخمس من أرباح التجارة للصبيّ ؛ حيث إنّه محلّ للخلاف ، وكذا في سائر التصرّفات في ماله ، والمسألة محلّ إشكال مع أ نّها سيّالة .

الثانية : إذا علم بتعلّق الزكاة بماله وشكّ في أ نّه أخرجها أم لا ، وجب عليه الإخراج ؛ للاستصحاب ، إلاّ إذا كان الشكّ بالنسبة إلى السنين الماضية ، فإنّ الظاهر جريان قاعدة(5) الشكّ بعد الوقت أو بعد تجاوز المحلّ . هذا ، ولو شكّ في

ص: 156


1- - في ابتناء ذلك على ذاك المبنى وكذا في المبنى إشكال .
2- - المسألة في غاية الإشكال ؛ وإن كان لزوم اتّباع اجتهاد نفسه أو تقليده بعد البلوغ بالنسبة إلى تكاليفه أشبه .
3- - الأقوى عدم الجواز .
4- - بعيد ، وكذا في أشباه المسألة .
5- - ليس المورد مجرى تلك القاعدة ، لكن لا يبعد شمول قاعدة التجاوز له بملاحظة عدم جواز التعويق عن جميع السنة كما مرّ ، لكنّه أيضاً مشكل بل ممنوع .

أنّه أخرج الزكاة عن مال الصبيّ في مورد يستحبّ إخراجها كمال التجارة له بعد العلم بتعلّقها به ، فالظاهر جواز العمل بالاستصحاب ؛ لأ نّه دليل شرعي ، والمفروض أنّ المناط فيه شكّه ويقينه ؛ لأ نّه المكلّف ، لا شكّ الصبيّ ويقينه ، وبعبارة اُخرى : ليس نائباً عنه .

الثالثة : إذا باع الزرع أو الثمر وشكّ في كون البيع بعد زمان تعلّق الوجوب حتّى يكون الزكاة عليه ، أو قبله حتّى يكون على المشتري ، ليس عليه شيء ، إلاّ إذا كان زمان التعلّق معلوماً وزمان البيع مجهولاً ، فإنّ الأحوط(1) حينئذٍ إخراجه ، على إشكال في وجوبه ، وكذا الحال بالنسبة إلى المشتري إذا شكّ في ذلك ، فإنّه لا يجب عليه(2) شيء إلاّ إذا علم زمان البيع وشكّ في تقدّم التعلّق وتأخّره ، فإنّ الأحوط حينئذٍ إخراجه على إشكال في وجوبه .

الرابعة : إذا مات المالك بعد تعلّق الزكاة وجب الإخراج من تركته ، وإن مات قبله وجب على من بلغ(3) سهمه النصاب من الورثة ، وإذا لم يعلم أنّ الموت كان قبل التعلّق أو بعده لم يجب الإخراج من تركته ، ولا على الورثة إذا لم يبلغ نصيب واحد منهم النصاب ، إلاّ مع العلم بزمان التعلّق والشكّ في زمان الموت، فإنّ الأحوط(4) حينئذٍ الإخراج على الإشكال المتقدّم، وأمّا إذا بلغ نصيب كلّ منهم النصاب أو نصيب بعضهم فيجب على من بلغ نصيبه منهم ؛ للعلم

ص: 157


1- - بل الأقوى .
2- - مع احتمال أداء البائع زكاته على فرض كون الشراء بعد التعلّق ، وأمّا مع القطع بعدمه يجب عليه إخراجها ، وأمّا الفرض الآتي الذي احتاط فيه فإشكاله واضح .
3- - مع استجماع الشرائط .
4- - بل الأقوى .

الإجمالي بالتعلّق به ؛ إمّا بتكليف الميّت في حياته ، أو بتكليفه هو بعد موت مورّثه بشرط أن يكون بالغاً عاقلاً(1) ، وإلاّ فلا يجب عليه ؛ لعدم العلم الإجمالي بالتعلّق حينئذٍ .

الخامسة : إذا علم أنّ مورّثه كان مكلّفاً بإخراج الزكاة وشكّ في أ نّه أدّاها أم لا ، ففي وجوب إخراجه من تركته لاستصحاب بقاء تكليفه ، أو عدم وجوبه للشكّ في ثبوت التكليف بالنسبة إلى الوارث - واستصحاب بقاء تكليف الميّت لا ينفع في تكليف الوارث - وجهان ؛ أوجههما الثاني(2) ؛ لأنّ تكليف الوارث بالإخراج فرع تكليف الميّت حتّى يتعلّق الحقّ بتركته ، وثبوته فرع شكّ الميّت وإجرائه الاستصحاب لا شكّ الوارث ، وحال الميّت غير معلوم أ نّه متيقّن بأحد الطرفين أو شاكّ ، وفرق بين ما نحن فيه وما إذا علم نجاسة يد شخص أو ثوبه سابقاً وهو نائم ، ونشكّ في أ نّه طهّرهما أم لا ؛ حيث إنّ مقتضى الاستصحاب بقاء النجاسة مع أنّ حال النائم غير معلوم أ نّه شاكّ أو متيقّن ؛ إذ في هذا المثال لا حاجة إلى إثبات التكليف بالاجتناب بالنسبة إلى ذلك الشخص النائم ، بل يقال : إنّ يده كانت نجسة والأصل بقاء نجاستها فيجب الاجتناب عنها ، بخلاف المقام ؛ حيث إنّ وجوب الإخراج من التركة فرع ثبوت تكليف الميّت واشتغال ذمّته بالنسبة إليه من حيث هو ، نعم لو كان المال الذي تعلّق به الزكاة موجوداً أمكن أن يقال : الأصل بقاء الزكاة فيه ، ففرق بين صورة الشكّ

ص: 158


1- - واستجماع سائر الشرائط .
2- - هذا مع الشكّ في اشتغال ذمّة الميّت ببدل الزكاة حين تلفها ، واستصحاب عدم الإتيان إلى حين التلف لا يثبت الضمان ، وأمّا مع العلم باشتغال ذمّته به فالأوجه الأوّل ، وما ذكره الماتن غير وجيه .

في تعلّق الزكاة بذمّته وعدمه ، والشكّ في أنّ هذا المال الذي كان فيه الزكاة أخرجت زكاته أم لا . هذا كلّه إذا كان الشكّ في مورد لو كان حيّاً وكان شاكّاً وجب عليه الإخراج ، وأمّا إذا كان الشكّ بالنسبة إلى الاشتغال بزكاة السنة السابقة أو نحوها ؛ ممّا يجري فيه قاعدة التجاوز والمضيّ وحمل فعله(1) على الصحّة ، فلا إشكال ، وكذا الحال(2) إذا علم اشتغاله بدين أو كفّارة أو نذر أو خمس أو نحو ذلك .

السادسة : إذا علم اشتغال ذمّته إمّا بالخمس أو الزكاة ، وجب عليه إخراجهما(3) إلاّ إذا كان هاشمياً ، فإنّه يجوز أن يعطي للهاشمي بقصد ما في الذمّة ، وإن اختلف مقدارهما قلّة وكثرة أخذ بالأقلّ(4) ، والأحوط الأكثر .

السابعة : إذا علم إجمالاً أنّ حنطته بلغت النصاب أو شعيره ولم يتمكّن من التعيين ، فالظاهر وجوب الاحتياط بإخراجهما إلاّ إذا أخرج بالقيمة ، فإنّه يكفيه إخراج قيمة أقلّهما(5) قيمة على إشكال ؛ لأنّ الواجب أوّلاً هو العين ومردّد بينهما إذا كانا موجودين ، بل في صورة التلف أيضاً ؛ لأ نّهما مثليّان ، وإذا علم أنّ عليه إمّا زكاة خمس من الإبل ، أو زكاة أربعين شاة يكفيه إخراج شاة ، وإذا علم أنّ عليه إمّا زكاة ثلاثين بقرة أو أربعين شاة وجب الاحتياط إلاّ مع التلف ، فإنّه

ص: 159


1- - لا مجرى لهذه القاعدة ، وقد مرّ وجه جريان الاُولى ومنعه .
2- - يختلف الحال في بعضها في المقام في بعض الصور .
3- - لكن تبرأ ذمّته إذا أدّى ذلك المقدار إلى الحاكم الذي هو وليّ شرعي ، خصوصاً إذا كانا من جنس واحد ، ومع عدم كونهما كذلك يمكن تأدية قيمة ذلك بإزاء ما في ذمّته .
4- - بل بالأكثر .
5- - بل يجب أكثرهما .

يكفيه قيمة شاة(1) ، وكذا الكلام في نظائر المذكورات .

الثامنة : إذا كان عليه الزكاة فمات قبل أدائها ، هل يجوز إعطاؤها من تركته لواجب النفقة عليه حال حياته أم لا ؟ إشكال(2) .

التاسعة : إذا باع النصاب بعد وجوب الزكاة وشرط على المشترى زكاته لا يبعد الجواز(3) ، إلاّ إذا قصد كون الزكاة عليه لا أن يكون نائباً عنه ، فإنّه مشكل .

العاشرة : إذا طلب من غيره أن يؤدّي زكاته تبرّعاً من ماله جاز وأجزأ عنه ، ولا يجوز للمتبرّع الرجوع عليه ، وأمّا إن طلب ولم يذكر التبرّع فأدّاها عنه من ماله ، فالظاهر جواز رجوعه عليه بعوضه ؛ لقاعدة احترام المال ، إلاّ إذا علم كونه متبرّعاً .

الحادية عشرة : إذا وكّل غيره في أداء زكاته أو في الإيصال إلى الفقير هل تبرأ ذمّته بمجرّد ذلك(4) أو يجب العلم بأ نّه أدّاها ، أو يكفي إخبار الوكيل بالأداء ؟

ص: 160


1- - محلّ إشكال ، ويمكن التفصيل بين ضمان اليد وبين ضمان الإتلاف ؛ بعدم الكفاية في الأوّل دون الثاني ، والمسألة محلّ إشكال ، فلا يترك الاحتياط مطلقاً ، وهو يحصل بإعطاء قيمة الأكثر بدلاً لما في الذمّة .
2- - الأقرب الجواز ، والأحوط المنع .
3- - هذا البيع بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضولي ، فإن أجازه وليّ الأمر فعليه القيمة بمقدارها ، وإلاّ فيجب عليه ردّ العين ، فشرط كون الزكاة عليه لا فائدة له في الفرضين ، إلاّ أن يكون المراد بالاشتراط عدم الرجوع إلى البائع بعد ردّ العين إذا لم يجز وليّ الزكاة وأخذها ، وهذا وإن لم يكن مفاد الشرط ، لكن لا يبعد إفادته ، وكذا الحال إذا قصد كون الزكاة عليه .
4- - لا إشكال في عدم براءته بمجرّده ، لكن الأقوى جواز الاكتفاء بالإيكال إلى ثقة أمين ، ولا يلزم عليه العلم ولا التفتيش عن عمله .

لا يبعد جواز الاكتفاء إذا كان الوكيل عدلاً بمجرّد الدفع إليه .

الثانية عشرة : إذا شكّ في اشتغال ذمّته بالزكاة فأعطى شيئاً للفقير ونوى أ نّه إن كان عليه الزكاة كان زكاة ، وإلاّ فإن كان عليه مظالم كان منها ، وإلاّ فإن كان على أبيه زكاة كان زكاة له وإلاّ فمظالم له ، وإن لم يكن على أبيه شيء فلجدّه إن كان عليه وهكذا ، فالظاهر الصحّة .

الثالثة عشرة : لا يجب الترتيب في أداء الزكاة بتقديم ما وجب عليه أوّلاً فأوّلاً ، فلو كان عليه زكاة السنة السابقة وزكاة الحاضرة جاز تقديم الحاضرة بالنيّة ، ولو أعطى من غير نيّة التعيين فالظاهر التوزيع(1) .

الرابعة عشرة : في المزارعة الفاسدة ، الزكاة مع بلوغ النصاب على صاحب البذر ، وفي الصحيحة منها عليهما ؛ إذا بلغ نصيب كلّ منهما ، وإن بلغ نصيب أحدهما دون الآخر فعليه فقط ، وإن لم يبلغ نصيب واحد منهما ، فلا يجب على واحد منهما وإن بلغ المجموع النصاب .

الخامسة عشرة : يجوز للحاكم الشرعي أن يقترض على الزكاة(2) ويصرفه

ص: 161


1- - إذا لم يؤدّ من عين ما تعلّق بها أحدهما ، وإلاّ فالظاهر وقوعها منه ، فلو أخرج من غلّة متعلّقة للزكاة مقدارها تقع منها ، إلاّ أن يقصد الخلاف .
2- - هذا محلّ إشكال بل منع ، وعلى فرض جوازه صرفه في مصارف الزكاة محلّ منع ، ثمّ جواز أداء هذا الدين من الزكاة محلّ إشكال بل منع ؛ لعدم كون أداء قرض الزكاة من مصارفها وعلى فرض جواز صرفه لا يجوز إلاّ بعد وجوب الزكاة ووقت تعلّقه لا مطلقاً ، والقياس على اقتراض المتولّي على رقبات الوقف مع الفارق ، وكون الشيء من الاعتباريات لا يلزم جواز اعتباره بأيّ نحو يراد ، وكون ذلك راجعاً إلى اشتغال ذمّة أرباب الزكاة واضح المنع ، كما أ نّه مع استدانته على نفسه من حيث إنّه وليّ الزكاة يكون أداؤه منها محلّ إشكال ، إلاّ من سهم الغارمين مع اجتماع الشرائط وهو غير ما في المتن ، كما أنّ جواز الاستدانة على المستحقّين وولاية الحاكم على ذلك محلّ إشكال بل منع ، فالمسألة بجميع فروعها محلّ إشكال ، نعم لا مانع من الاقتراض ثمّ الإقراض على الفقير ثمّ أخذ الزكاة عوضاً عن قرضه .

في بعض مصارفها ، كما إذا كان هناك مفسدة لا يمكن دفعها إلاّ بصرف مال ولم يكن عنده ما يصرفه فيه ، أو كان فقير مضطرّ لا يمكنه إعانته ورفع اضطراره إلاّ بذلك ، أو ابن سبيل كذلك ، أو تعمير قنطرة أو مسجد أو نحو ذلك وكان لا يمكن تأخيره ، فحينئذٍ يستدين على الزكاة ويصرف ، وبعد حصولها يؤدّي الدين منها ، وإذا أعطى فقيراً من هذا الوجه وصار عند حصول الزكاة غنيّاً لا يسترجع منه ؛ إذ المفروض أ نّه أعطاه بعنوان الزكاة ، وليس هذا من باب إقراض الفقير والاحتساب عليه بعد ذلك ؛ إذ في تلك الصورة تشتغل ذمّة الفقير بخلاف المقام ، فإنّ الدين على الزكاة ولا يضرّ عدم كون الزكاة ذات ذمّة تشتغل ؛ لأنّ هذه الاُمور اعتبارية ، والعقلاء يصحّحون هذا الاعتبار ، ونظيره استدانة متولّي الوقف لتعميره ثمّ الأداء بعد ذلك من نمائه ، مع أ نّه في الحقيقة راجع إلى اشتغال ذمّة أرباب الزكاة من الفقراء والغارمين وأبناء السبيل من حيث هم من مصارفها ، لا من حيث هم هم ، وذلك مثل ملكيتهم للزكاة ، فإنّها ملك لنوع المستحقّين ، فالدين أيضاً على نوعهم من حيث إنّهم من مصارفه ، لا من حيث أنفسهم ، ويجوز أن يستدين على نفسه من حيث ولايته على الزكاة ، وعلى المستحقّين بقصد الأداء من مالهم ، ولكن في الحقيقة هذا أيضاً يرجع إلى الوجه الأوّل ، وهل يجوز لآحاد المالكين إقراض الزكاة قبل أوان وجوبها أو الاستدانة لها على حذو ما ذكرنا في الحاكم ؟

ص: 162

وجهان(1) ، ويجري جميع ما ذكرنا في الخمس والمظالم ونحوهما .

السادسة عشرة : لا يجوز للفقير ولا للحاكم الشرعي أخذ الزكاة من المالك ثمّ الردّ عليه المسمّى بالفارسية ب «دست گردان» أو المصالحة معه بشيء يسير ، أو قبول شيء منه بأزيد من قيمته أو نحو ذلك ، فإنّ كلّ هذه حيل في تفويت حقّ الفقراء ، وكذا بالنسبة إلى الخمس والمظالم ونحوهما ، نعم لو كان شخص عليه من الزكاة أو المظالم أو نحوهما مبلغ كثير وصار فقيراً لا يمكنه أداؤها وأراد أن يتوب إلى اللّه تعالى لا بأس بتفريغ ذمّته بأحد الوجوه(2) المذكورة ومع ذلك إذا كان مرجوّ التمكّن بعد ذلك الأولى أن يشترط عليه أداءها بتمامها عنده .

السابعة عشرة : اشتراط التمكّن من التصرّف فيما يعتبر فيه الحول كالأنعام والنقدين معلوم ، وأمّا فيما لا يعتبر فيه كالغلاّت ففيه خلاف وإشكال(3) .

الثامنة عشرة : إذا كان له مال مدفون في مكان ونسي موضعه بحيث لا يمكنه العثور عليه لا يجب فيه الزكاة إلاّ بعد العثور ومضيّ الحول من حينه ، وأمّا إذا كان في صندوقه - مثلاً - لكنّه غافل عنه بالمرّة فلا يتمكّن من التصرّف فيه من جهة غفلته ، وإلاّ فلو التفت إليه أمكنه التصرّف فيه ، يجب فيه الزكاة إذا حال

ص: 163


1- - أقواهما العدم .
2- - ليس للحاكم ولاية الردّ إلاّ في بعض الموارد النادرة ممّا تقتضي مصلحة الإسلام أو المسلمين ذلك ، وكذا في المصالحة بمال يسير أو قبول شيء بأزيد من قيمته ، وأمّا الفقير فيجوز له الأوّل دون الثاني والثالث ، ومنه يظهر حال الاشتراط الذي في المتن ، نعم لو أراد الاحتياط المذكور أخذ الزكاة وصالحها بمال قليل وشرط عليه أداء مقدار التمام عند التمكّن .
3- - الأقوى اشتراطه .

عليه الحول ، ويجب التكرار إذا حال عليه أحوال ، فليس هذا من عدم التمكّن الذي هو قادح في وجوب الزكاة .

التاسعة عشرة : إذا نذر أن لا يتصرّف في ماله الحاضر شهراً أو شهرين ، أو أكرهه مكره على عدم التصرّف أو كان مشروطاً عليه في ضمن عقد لازم ، ففي منعه من وجوب الزكاة وكونه من عدم التمكّن من التصرّف الذي هو موضوع الحكم إشكال(1) ؛ لأنّ القدر المتيقّن ما إذا لم يكن المال حاضراً عنده أو كان حاضراً وكان بحكم الغائب عرفاً .

العشرون : يجوز أن يشتري من زكاته عن سهم سبيل اللّه كتاباً أو قرآناً أو دعاءً ويوقفه ويجعل التولية بيده أو يد أولاده ، ولو أوقفه على أولاده وغيرهم ؛ ممّن يجب نفقته عليه فلا بأس به أيضاً ، نعم لو اشترى خاناً أو بستاناً ووقفه على من تجب نفقته عليه لصرف نمائه في نفقتهم فيه إشكال(2) .

الحادية والعشرون : إذا كان ممتنعاً من أداء الزكاة لا يجوز للفقير المقاصّة من ماله ، إلاّ بإذن الحاكم الشرعي في كلّ مورد .

الثانية والعشرون : لا يجوز(3) إعطاء الزكاة للفقير من سهم الفقراء للزيارة أو

الحجّ أو نحوهما من القرب ، ويجوز من سهم سبيل اللّه .

الثالثة والعشرون : يجوز صرف الزكاة من سهم سبيل اللّه في كلّ قربة(4) ؛

ص: 164


1- - الظاهر منع الثاني والثالث منه وفي الأوّل وجه ، لكن لا يترك الاحتياط .
2- - والأقوى عدم الجواز .
3- - بعد فرض فقره لا يبعد الجواز بالمقدار المتعارف ، وأمّا الزيادة فمحلّ إشكال ، كما أنّ الإعطاء من سهم سبيل اللّه لمطلق القربات محلّ إشكال كما مرّ .
4- - مرّ الكلام في مصرفه .

حتّى إعطائها للظالم لتخليص المؤمنين من شرّه ؛ إذا لم يمكن دفع شرّه إلاّ بهذا .

الرابعة والعشرون : لو نذر أن يكون نصف ثمر نخله أو كرمه أو نصف حبّ زرعه لشخص بعنوان نذر النتيجة(1) وبلغ ذلك النصاب ، وجبت الزكاة على ذلك الشخص أيضاً ؛ لأ نّه مالك له حين تعلّق الوجوب ، وأمّا لو كان بعنوان نذر الفعل فلا تجب على ذلك الشخص ، وفي وجوبها على المالك بالنسبة إلى المقدار المنذور إشكال(2) .

الخامسة والعشرون : يجوز للفقير أن يوكّل شخصاً يقبض له الزكاة من أيّ شخص وفي أيّ مكان كان ، ويجوز للمالك إقباضه إيّاه مع علمه بالحال ، وتبرأ ذمّته وإن تلفت في يد الوكيل قبل الوصول إلى الفقير ، ولا مانع من أن يجعل الفقير للوكيل جعلاً على ذلك .

السادسة والعشرون : لا تجري الفضولية في دفع الزكاة ، فلو أعطى فضولي زكاة شخص من ماله من غير إذنه فأجاز بعد ذلك لم يصحّ ، نعم لو كان المال باقياً في يد الفقير أو تالفاً مع ضمانه - بأن يكون عالماً بالحال - يجوز له الاحتساب إذا كان باقياً على فقره .

السابعة والعشرون : إذا وكّل المالك شخصاً في إخراج زكاته من ماله أو أعطاه له وقال : ادفعه إلى الفقراء ، يجوز له الأخذ منه لنفسه إن كان فقيراً مع علمه بأنّ غرضه الإيصال إلى الفقراء، وأمّا إذا احتمل كون غرضه الدفع إلى غيره فلا يجوز.

الثامنة والعشرون : لو قبض الفقير بعنوان الزكاة أربعين شاة دفعة أو تدريجاً وبقيت عنده سنة ، وجب عليه إخراج زكاتها ، وهكذا في سائر الأنعام والنقدين .

ص: 165


1- - بناءً على صحّة هذا النذر ، لكنّها محلّ إشكال .
2- - الأقوى عدم الوجوب عليه .

التاسعة والعشرون : لو كان مال زكوي مشتركاً بين اثنين - مثلاً - وكان نصيب كلّ منهما بقدر النصاب فأعطى أحدهما زكاة حصّته من مال آخر ، أو منه بإذن الآخر قبل القسمة ثمّ اقتسماه ، فإن احتمل المزكّي أنّ شريكه يؤدّي زكاته فلا إشكال ، وإن علم أنّه لا يؤدّي ففيه إشكال ؛ من حيث تعلّق الزكاة بالعين ، فيكون مقدار منها في حصّته .

الثلاثون : قد مرّ أنّ الكافر مكلّف بالزكاة ولا تصحّ منه ، وإن كان لو أسلم سقطت عنه(1) ، وعلى هذا فيجوز للحاكم إجباره على الإعطاء له أو أخذها من ماله قهراً عليه ويكون هو المتولّي للنيّة ، وإن لم يؤخذ منه حتّى مات كافراً جاز الأخذ من تركته ، وإن كان وارثه مسلماً وجب عليه ، كما أ نّه لو اشترى مسلم تمام النصاب منه كان شراؤه بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضولياً ، وحكمه حكم ما إذا اشترى من المسلم قبل إخراج الزكاة ، وقد مرّ سابقاً .

الحادية والثلاثون : إذا بقي من المال الذي تعلّق به الزكاة والخمس مقدار لا يفي بهما ولم يكن عنده غيره ، فالظاهر وجوب التوزيع بالنسبة ، بخلاف ما إذا كانا في ذمّته ولم يكن عنده ما يفي بهما ، فإنّه مخيّر بين التوزيع وتقديم أحدهما ، وأمّا إذا كان عليه خمس أو زكاة ومع ذلك عليه من دين الناس والكفّارة والنذر والمظالم وضاق ماله عن أداء الجميع ، فإن كانت العين التي فيها الخمس أو الزكاة موجودة وجب تقديمهما على البقيّة ، وإن لم تكن موجودة فهو مخيّر بين تقديم أيّها شاء ولا يجب التوزيع وإن كان أولى ، نعم إذا مات وكان عليه هذه الاُمور وضاقت التركة وجب التوزيع بالنسبة ، كما في

ص: 166


1- - مرّ الإشكال فيه مع بقاء العين .

غرماء المفلّس ، وإذا كان عليه حجّ واجب أيضاً ، كان في عرضها .

الثانية والثلاثون : الظاهر أ نّه لا مانع من إعطاء الزكاة للسائل بكفّه ، وكذا في الفطرة ، ومن منع من ذلك كالمجلسي في «زاد المعاد» في باب زكاة الفطرة لعلّ نظره إلى حرمة السؤال واشتراط العدالة في الفقير ، وإلاّ فلا دليل عليه بالخصوص ، بل قال المحقّق القمّي : لم أر من استثناه فيما رأيته من كلمات العلماء سوى المجلسي في «زاد المعاد» ، قال : ولعلّه سهو منه ، وكأ نّه كان يريد الاحتياط فسها وذكره بعنوان الفتوى .

الثالثة والثلاثون : الظاهر بناءً على اعتبار العدالة في الفقير عدم جواز أخذه أيضاً ، لكن ذكر المحقّق القمّي : أ نّه مختصّ بالإعطاء ؛ بمعنى أنّه لا يجوز للمعطي أن يدفع إلى غير العادل ، وأمّا الآخذ فليس مكلّفاً بعدم الأخذ .

الرابعة والثلاثون : لا إشكال في وجوب قصد القربة في الزكاة، وظاهر كلمات العلماء أنها شرط في الإجزاء ، فلو لم يقصد القربة لم يكن زكاة ولم يجز ، ولو لا الإجماع أمكن الخدشة فيه ، ومحلّ الإشكال غير ما إذا كان قاصداً للقربة في العزل وبعد ذلك نوى الرياء - مثلاً - حين دفع ذلك المعزول إلى الفقير، فإنّ الظاهر إجزاؤه(1) وإن قلنا باعتبار القربة ؛ إذ المفروض تحقّقها حين الإخراج والعزل .

الخامسة والثلاثون : إذا وكّل شخصاً في إخراج زكاته وكان الموكّل قاصداً للقربة وقصد الوكيل الرياء ففي الإجزاء إشكال(2) ، وعلى عدم الإجزاء يكون الوكيل ضامناً .

ص: 167


1- - محلّ إشكال ، بل منع .
2- - الظاهر عدم الإجزاء إذا كان وكيلاً في إخراج الزكاة ، وأمّا إذا كان وكيلاً في الإيصال فقد مرّ أنّ المتصدّي للنيّة هو المالك .

السادسة والثلاثون : إذا دفع المالك الزكاة إلى الحاكم الشرعي ليدفعها للفقراء ، فدفعها لا بقصد القربة ، فإن كان أخذ الحاكم ودفعه بعنوان الوكالة عن المالك أشكل الإجزاء كما مرّ(1) ؛ وإن كان المالك قاصداً للقربة حين دفعها للحاكم ، وإن كان بعنوان الولاية على الفقراء فلا إشكال في الإجزاء ؛ إذا كان المالك قاصداً للقربة بالدفع إلى الحاكم ، لكن بشرط أن يكون إعطاء الحاكم بعنوان الزكاة ، وأمّا إذا كان لتحصيل الرئاسة فهو مشكل(2) ، بل الظاهر ضمانه حينئذٍ وإن كان الآخذ فقيراً .

السابعة والثلاثون : إذا أخذ الحاكم الزكاة من الممتنع كرهاً يكون هو المتولّي للنيّة ، وظاهر كلماتهم الإجزاء(3) ، ولا يجب على الممتنع بعد ذلك شيء ، وإنّما يكون عليه الإثم من حيث امتناعه ، لكنّه لا يخلو عن إشكال بناءً على اعتبار قصد القربة ؛ إذ قصد الحاكم لا ينفعه فيما هو عبادة واجبة عليه .

الثامنة والثلاثون : إذا كان المشتغل بتحصيل العلم قادراً على الكسب إذا ترك التحصيل ، لا مانع من إعطائه من الزكاة إذا كان ذلك العلم ممّا يستحبّ تحصيله ، وإلاّ فمشكل .

التاسعة والثلاثون : إذا لم يكن الفقير المشتغل بتحصيل العلم الراجح شرعاً قاصداً للقربة لا مانع من إعطائه الزكاة ، وأمّا إذا كان قاصداً للرياء أو للرئاسة

ص: 168


1- - يأتي فيه التفصيل على ما في المسألة السابقة .
2- - إن كان إعطاء الزكاة لتحصيل الرئاسة الغير المحرّمة فلا إشكال في الإجزاء ، وأمّا إذا كان لتحصيل الرئاسة الباطلة ، فإن كان عادلاً قبل هذا الإعطاء فلا يبعد وقوعه زكاة ، وتزول ولايته بنفس هذا الإعطاء ، وبعد زوال ولايته يجب عليه ردّ بقيّة الزكاة - إذا كانت عنده - إلى الحاكم العدل ، ولو تخلّف وأدّى إلى الفقراء فالظاهر إجزاؤه وعدم الضمان .
3- - وهو الأقوى .

المحرّمة ففي جواز إعطائه إشكال(1) ؛ من حيث كونه إعانة على الحرام .

الأربعون : حكي عن جماعة : عدم صحّة دفع الزكاة في المكان المغصوب نظراً إلى أ نّه من العبادات فلا يجتمع مع الحرام ، ولعلّ نظرهم إلى غير صورة الاحتساب على الفقير من دين له عليه ؛ إذ فيه لا يكون تصرّفاً في ملك الغير ، بل إلى صورة الإعطاء والأخذ ؛ حيث إنّهما فعلان خارجيان ، ولكنّه أيضاً مشكل ؛ من حيث إنّ الإعطاء الخارجي مقدّمة للواجب وهو الإيصال الذي هو أمر انتزاعي معنوي فلا يبعد(2) الإجزاء .

الحادية والأربعون : لا إشكال في اعتبار التمكّن من التصرّف في وجوب الزكاة فيما يعتبر فيه الحول كالأنعام والنقدين كما مرّ سابقاً ، وأمّا ما لا يعتبر فيه الحول كالغلاّت ، فلا يعتبر التمكّن من التصرّف فيها قبل حال تعلّق الوجوب بلا إشكال ، وكذا لا إشكال في أ نّه لا يضرّ عدم التمكّن بعده إذا حدث التمكّن بعد ذلك ، وإنّما الإشكال والخلاف في اعتباره حال تعلّق الوجوب ، والأظهر عدم اعتباره(3) ، فلو غصب زرعه غاصب وبقي مغصوباً إلى وقت التعلّق ثمّ رجع إليه بعد ذلك وجبت زكاته .

فصل : في زكاة الفطرة

وهي واجبة إجماعاً من المسلمين ، ومن فوائدها أ نّها تدفع الموت في تلك السنة عمّن اُدّيت عنه ، ومنها : أ نّها توجب قبول الصوم ، وعن الصادق علیه السلام أنّه

ص: 169


1- - إذا كان قادراً على التكسّب أو كان متجاهراً بالكبيرة ، وأمّا كون ذلك إعانة على الحرام ففيه إشكال .
2- - الأقوى هو الإجزاء ، لا لما ذكره فإنّه غير وجيه .
3- - مرّ أنّ الأقوى اعتباره .

قال لوكيله : اذهب فاعط من عيالنا الفطرة أجمعهم ، ولا تدع منهم أحداً فإنّك إن تركت منهم أحداً تخوّفت عليه الفوت ، قلت : وما الفوت ؟ قال علیه السلام : الموت ، وعنه علیه السلام : إنّ من تمام الصوم إعطاء الزكاة ، كما أنّ الصلاة على النبي صلی الله علیه و آله وسلم من تمام الصلاة ؛ لأ نّه من صام ولم يؤدّ الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمّداً ، ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، إنّ اللّه تعالى قد بدأ بها قبل الصلاة ، وقال : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى) ، والمراد بالزكاة في هذا الخبر هو زكاة الفطرة ، كما يستفاد من بعض الأخبار المفسّرة للآية ، والفطرة : إمّا بمعنى الخلقة فزكاة الفطرة أي زكاة البدن من حيث إنّها تحفظه عن الموت ، أو تطهّره عن الأوساخ ، وإمّا بمعنى الدين ، أي زكاة الإسلام والدين ، وإمّا بمعنى الإفطار لكون وجوبها يوم الفطر .

والكلام في شرائط وجوبها ، ومن تجب عليه ، وفيمن تجب عنه ، وفي جنسها ، وفي قدرها ، وفي وقتها ، وفي مصرفها ، فهنا فصول :

فصل : في شرائط وجوبها

وهي اُمور :

الأوّل : التكليف ، فلا تجب على الصبيّ والمجنون(1) ولا على وليّهما أن يؤدّي عنهما من مالهما ، بل يقوى سقوطها عنهما بالنسبة إلى عيالهما أيضاً .

الثاني : عدم الإغماء ، فلا تجب على من أهلّ شوّال عليه وهو مغمى عليه .

الثالث : الحرّية ، فلا تجب على المملوك وإن قلنا : إنّه يملك ؛ سواء كان قنّاً أو

ص: 170


1- - ولو أدوارياً ؛ إذا كان دور جنونه عند دخول ليلة العيد .

مدبّراً أو اُمّ ولد أو مكاتباً(1) ، مشروطاً أو مطلقاً ولم يؤدّ شيئاً ، فتجب فطرتهم على المولى ، نعم لو تحرّر من المملوك شيء وجبت عليه وعلى المولى بالنسبة مع حصول الشرائط .

الرابع : الغنى ، وهو أن يملك قوت سنة له ولعياله زائداً على ما يقابل الدين(2) ومستثنياته فعلاً أو قوّة ، بأن يكون له كسب يفي بذلك ، فلا تجب على الفقير وهو من لا يملك ذلك وإن كان الأحوط إخراجها إذا كان مالكاً لقوت السنة وإن كان عليه دين ؛ بمعنى أنّ الدين لا يمنع من وجوب الإخراج ، ويكفي ملك قوت السنة ، بل الأحوط الإخراج إذا كان مالكاً عين أحد النصب الزكوية أو قيمتها وإن لم يكفه لقوت سنته ، بل الأحوط إخراجها إذا زاد على مؤونة يومه وليلته صاع .

(مسألة 1) : لا يعتبر في الوجوب كونه مالكاً مقدار الزكاة زائداً على مؤونة السنة ، فتجب وإن لم يكن له الزيادة على الأقوى والأحوط .

(مسألة 2) : لا يشترط في وجوبها الإسلام ، فتجب على الكافر ، لكن لا يصحّ أداؤها منه ، وإذا أسلم بعد الهلال سقط عنه ، وأمّا المخالف إذا استبصر بعد الهلال فلا تسقط عنه .

(مسألة 3) : يعتبر فيها نيّة القربة كما في زكاة المال ، فهي من العبادات ، ولذا لا تصحّ من الكافر .

(مسألة 4) : يستحبّ للفقير إخراجها أيضاً ، وإن لم يكن عنده إلاّ صاع

ص: 171


1- - لا يخلو من إشكال ، وكذا في حكم المحرّر بعضا والأمر سهل .
2- - الذي يحلّ في هذه السنة، دون غيره على الأحوط.

يتصدّق به على عياله ثمّ يتصدّق به على الأجنبيّ بعد أن ينتهي الدور ، ويجوز أن يتصدّق به على واحد منهم أيضاً ، وإن كان الأولى والأحوط الأجنبيّ ، وإن كان فيهم صغير أو مجنون يتولّى الوليّ له الأخذ له والإعطاء عنه(1) ؛ وإن كان الأولى والأحوط أن يتملّك الوليّ لنفسه ثمّ يؤدّي عنهما .

(مسألة 5) : يكره تملّك ما دفعه زكاة وجوباً أو ندباً ؛ سواء تملّكه صدقة أو غيرها ، على ما مرّ في زكاة المال .

(مسألة 6) : المدار في وجوب الفطرة إدراك غروب ليلة العيد جامعاً للشرائط ، فلو جنّ أو اُغمي عليه أو صار فقيراً قبل الغروب ولو بلحظة ، بل أو مقارناً للغروب لم تجب عليه ، كما أ نّه لو اجتمعت الشرائط بعد فقدها قبله أو مقارناً له وجبت(2) ، كما لو بلغ الصبيّ أو زال جنونه ولو الأدواري ، أو أفاق من الإغماء أو ملك ما يصير به غنيّاً أو تحرّر وصار غنيّاً ، أو أسلم الكافر ، فإنّها تجب عليهم ، ولو كان البلوغ أو العقل أو الإسلام - مثلاً - بعد الغروب لم تجب ، نعم يستحبّ إخراجها إذا كان ذلك بعد الغروب إلى ما قبل الزوال من يوم العيد .

فصل : فيمن تجب عنه

يجب إخراجها بعد تحقّق شرائطها عن نفسه وعن كلّ من يعوله حين دخول(3) ليلة الفطر ؛ من غير فرق بين واجب النفقة عليه وغيره ، والصغير

ص: 172


1- - الأحوط أن يقتصر في الإدارة بين المكلّفين ، ومع أخذ الوليّ عن القاصر يصرفها فيه ولا يردّها على غيره .
2- - في فرض المقارنة يشكل الوجوب ، بل عدمه لا يخلو من قوّة .
3- - بل قبله ولو بلحظة .

والكبير والحرّ والمملوك والمسلم والكافر والأرحام وغيرهم ؛ حتّى المحبوس عنده ولو على وجه محرّم ، وكذا تجب عن الضيف ؛ بشرط صدق كونه عيالاً له وإن نزل عليه في آخر يوم من رمضان ، بل وإن لم يأكل عنده شيئاً ، لكن بالشرط المذكور وهو صدق العيلولة عليه عند دخول ليلة الفطر ؛ بأن يكون بانياً على البقاء عنده مدّة ، ومع عدم الصدق تجب على نفسه ، لكن الأحوط أن يخرج صاحب المنزل عنه أيضاً ؛ حيث إنّ بعض العلماء اكتفى في الوجوب عليه مجرّد صدق اسم الضيف ، وبعضهم اعتبر كونه عنده تمام الشهر ، وبعضهم العشر الأواخر وبعضهم الليلتين الأخيرتين ، فمراعاة الاحتياط أولى ، وأمّا الضيف النازل بعد دخول الليلة فلا تجب الزكاة عنه وإن كان مدعوّاً قبل ذلك .

(مسألة 1) : إذا ولد له ولد أو ملك مملوكاً أو تزوّج بامرأة قبل الغروب من ليلة الفطر أو مقارناً(1) له ، وجبت الفطرة عنه إذا كان عيالاً له ، وكذا غير المذكورين ممّن يكون عيالاً ، وإن كان بعده لم تجب ، نعم يستحبّ الإخراج عنه إذا كان ذلك بعده وقبل الزوال من يوم الفطر .

(مسألة 2) : كلّ من وجبت فطرته على غيره سقطت عن نفسه وإن كان غنيّاً ، وكانت واجبة عليه لو انفرد ، وكذا لو كان عيالاً لشخص ثمّ صار وقت الخطاب عيالاً لغيره ، ولا فرق في السقوط عن نفسه بين أن يخرج عنه من وجبت عليه أو تركه عصياناً أو نسياناً ، لكن الأحوط الإخراج عن نفسه حينئذٍ ، نعم لو كان المعيل فقيراً والعيال غنيّاً فالأقوى وجوبها(2) على نفسه ؛ ولو تكلّف المعيل

ص: 173


1- - مرّ الكلام فيه .
2- - بل الأقوى عدم وجوبها عليه .

الفقير بالإخراج على الأقوى وإن كان السقوط حينئذٍ لا يخلو عن وجه .

(مسألة 3) : تجب الفطرة عن الزوجة ؛ سواء كانت دائمة أو متعة مع العيلولة لهما ؛ من غير فرق بين وجوب النفقة عليه أو لا لنشوز أو نحوه ، وكذا المملوك وإن لم تجب نفقته عليه ، وأمّا مع عدم العيلولة فالأقوى عدم الوجوب عليه وإن كانوا من واجبي النفقة عليه وإن كان الأحوط الإخراج ، خصوصاً مع وجوب نفقتهم عليه ، وحينئذٍ ففطرة الزوجة على نفسها إذا كانت غنيّة ، ولم يعلها الزوج ولا غير الزوج أيضاً ، وأمّا إن عالها أو عال المملوك غير الزوج والمولى فالفطرة عليه مع غناه .

(مسألة 4) : لو أنفق الوليّ على الصغير أو المجنون من مالهما ، سقطت الفطرة عنه وعنهما .

(مسألة 5) : يجوز التوكيل في دفع الزكاة إلى الفقير من مال الموكّل ، ويتولّى الوكيل النيّة ، والأحوط نيّة الموكّل أيضاً على حسب ما مرّ(1) في زكاة المال ، ويجوز توكيله في الإيصال ويكون المتولّي حينئذٍ هو نفسه ، ويجوز الإذن في الدفع عنه أيضاً ، لا بعنوان الوكالة ، وحكمه حكمها ، بل يجوز توكيله أو إذنه في الدفع من ماله بقصد الرجوع عليه بالمثل أو القيمة ، كما يجوز التبرّع به من ماله بإذنه(2) أو لا بإذنه ؛ وإن كان الأحوط عدم الاكتفاء في هذا وسابقه .

(مسألة 6) : من وجب عليه فطرة غيره لا يجزيه إخراج ذلك الغير عن نفسه ؛

ص: 174


1- - وقد مرّ ما هو الأقوى .
2- - لا يبعد جواز التوكيل بالإعطاء تبرّعاً ، كما أنّ جواز إذن التبرّع به أيضاً لا يخلو من وجه ، وأمّا التبرّع بلا إذن فمحلّ إشكال .

سواء كان غنيّاً أو فقيراً وتكلّف بالإخراج ، بل لا تكون حينئذٍ فطرة ؛ حيث إنّه غير مكلّف بها ، نعم لو قصد التبرّع بها عنه أجزأه(1) على الأقوى وإن كان الأحوط العدم .

(مسألة 7) : تحرم فطرة غير الهاشمي على الهاشمي كما في زكاة المال ، وتحلّ فطرة الهاشمي على الصنفين ، والمدار على المعيل لا العيال(2) ، فلو كان العيال هاشمياً دون المعيل لم يجز دفع فطرته إلى الهاشمي ، وفي العكس يجوز .

(مسألة 8) : لا فرق في العيال بين أن يكون حاضراً عنده وفي منزله أو منزل آخر أو غائباً عنه ، فلو كان له مملوك في بلد آخر لكنّه ينفق على نفسه من مال المولى يجب عليه زكاته ، وكذا لو كانت له زوجة أو ولد كذلك ، كما أ نّه إذا سافر عن عياله وترك عندهم ما ينفقون به على أنفسهم يجب عليه زكاتهم ، نعم لو كان الغائب في نفقة غيره لم يكن عليه ؛ سواء كان الغير موسراً ومؤدّياً أو لا ؛ وإن كان الأحوط في الزوجة والمملوك إخراجه عنهما مع فقر العائل أو عدم أدائه ، وكذا لا تجب عليه إذا لم يكونوا في عياله ولا في عيال غيره ، ولكن الأحوط في المملوك والزوجة ما ذكرنا ؛ من الإخراج عنهما حينئذٍ أيضاً .

(مسألة 9) : الغائب عن عياله الذين في نفقته يجوز أن يخرج عنهم ، بل يجب ، إلاّ إذا وكّلهم(3) أن يخرجوا من ماله الذي تركه عندهم أو أذن لهم في التبرّع عنه .

ص: 175


1- - مع توكيله أو إذنه كما مرّ .
2- - وإن كان الأحوط مراعاة كليهما .
3- - مع كونهم مورد وثوقه في التأدية .

(مسألة 10) : المملوك المشترك بين مالكين زكاته عليهما(1) بالنسبة إذا كان في عيالهما معاً وكانا موسرين ، ومع إعسار أحدهما تسقط وتبقى حصّة الآخر ، ومع إعسارهما تسقط عنهما ، وإن كان في عيال أحدهما وجبت عليه مع يساره ، وتسقط عنه وعن الآخر مع إعساره وإن كان الآخر موسراً ، لكن الأحوط إخراج حصّته وإن لم يكن في عيال واحد منهما سقطت عنهما أيضاً ، لكن الأحوط الإخراج مع اليسار كما عرفت مراراً ؛ ولا فرق في كونها عليهما مع العيلولة لهما بين صورة المهاياة وغيرها وإن كان حصول وقت الوجوب في نوبة أحدهما ، فإنّ المناط العيلولة المشتركة بينهما بالفرض ، ولا يعتبر اتّفاق جنس المخرج من الشريكين ، فلأحدهما إخراج نصف صاع من شعير والآخر من حنطة ، لكن الأولى بل الأحوط الاتّفاق(2) .

(مسألة 11) : إذا كان شخص في عيال اثنين ؛ بأن عالاه معاً فالحال كما مرّ(3) في المملوك بين شريكين إلاّ في مسألة الاحتياط المذكور فيه ، نعم الاحتياط بالاتّفاق في جنس المخرج جار هنا أيضاً ، وربما يقال بالسقوط عنهما ، وقد يقال بالوجوب عليهما كفاية ، والأظهر ما ذكرنا .

(مسألة 12) : لا إشكال في وجوب فطرة الرضيع على أبيه إن كان هو المنفق على مرضعته ؛ سواء كانت اُمّاً له أو أجنبيّة ، وإن كان المنفق غيره فعليه ، وإن كانت النفقة من ماله فلا تجب على أحد ، وأمّا الجنين فلا فطرة له إلاّ إذا تولّد قبل

ص: 176


1- - على الأحوط فيه وفي بقاء حصّة الموسر مع عسر الشريك .
2- - لا يترك ، بل لا يخلو من وجه .
3- - وقد مرّ ، وكذا لا يترك الاحتياط في اتّفاق الجنس .

الغروب ، نعم يستحبّ إخراجها عنه إذا تولّد بعده إلى ما قبل الزوال كما مرّ .

(مسألة 13) : الظاهر عدم اشتراط كون الإنفاق من المال الحلال ، فلو أنفق على عياله من المال الحرام من غصب أو نحوه وجب عليه زكاتهم .

(مسألة 14) : الظاهر عدم اشتراط صرف عين ما أنفقه أو قيمته بعد صدق العيلولة ، فلو أعطى زوجته نفقتها وصرفت غيرها في مصارفها وجب عليه زكاتها ، وكذا في غيرها .

(مسألة 15) : لو ملّك شخصاً مالاً هبة أو صلحاً أو هديّة وهو أنفقه على نفسه لا يجب عليه زكاته ، لأ نّه لا يصير عيالاً له بمجرّد ذلك ، نعم لو كان من عياله عرفاً ووهبه - مثلاً - لينفقه على نفسه فالظاهر الوجوب(1) .

(مسألة 16) : لو استأجر شخصاً واشترط في ضمن العقد أن يكون نفقته عليه لا يبعد وجوب(2) إخراج فطرته ، نعم لو اشترط عليه مقدار نفقته فيعطيه دراهم - مثلاً - ينفق بها على نفسه لم تجب عليه ، والمناط الصدق العرفي في عدّه من عياله وعدمه .

(مسألة 17) : إذا نزل عليه نازل قهراً عليه ومن غير رضاه وصار ضيفاً عنده مدّة ، هل تجب عليه فطرته أم لا ؟ إشكال(3) ، وكذا لو عال شخصاً بالإكراه والجبر من غيره ، نعم في مثل العامل الذي يرسله الظالم لأخذ مال منه فينزل

ص: 177


1- - مع صدق العيلولة ، لكن صدقها في الفرض محلّ إشكال .
2- - مع الإنفاق عليه ، وإلاّ فمجرّد الوجوب لا يوجب الإخراج .
3- - الأحوط ذلك ، بل لا يخلو من وجه .

عنده مدّة ظلماً ، وهو مجبور في طعامه وشرابه ، فالظاهر عدم الوجوب ؛ لعدم صدق العيال ولا الضيف عليه .

(مسألة 18) : إذا مات قبل الغروب من ليلة الفطر لم يجب في تركته شيء ، وإن مات بعده وجب الإخراج من تركته عنه وعن عياله ، وإن كان عليه دين وضاقت التركة قسّمت عليهما بالنسبة .

(مسألة 19) : المطلّقة رجعياً فطرتها على زوجها(1) ، دون البائن إلاّ إذا كانت حاملاً ينفق عليها .

(مسألة 20) : إذا كان غائباً عن عياله أو كانوا غائبين عنه وشكّ في حياتهم ، فالظاهر وجوب فطرتهم مع إحراز(2) العيلولة على فرض الحياة .

فصل : في جنسها وقدرها

والضابط في الجنس القوت الغالب لغالب الناس(3) ، وهو الحنطة والشعير والتمر والزبيب والأرز والأقط واللبن والذرّة وغيرها ، والأحوط الاقتصار على

ص: 178


1- - الميزان العيلولة ؛ رجعية كانت أو بائنة .
2- - إنّما يجدي الأصل إذا علم كونهم في حال حياتهم عيالاً وشكّ في حياتهم ، وأمّا مع عدم العلم بذلك لكن علم أ نّهم على فرض حياتهم عيال ، فالظاهر عدم إحراز الموضوع باستصحاب الحياة لهم ، إلاّ على القول بالأصل المثبت .
3- - في كون الأمثلة المذكورة بجميعها هي القوت الغالب لغالب الناس منع ، كما أنّ في الضابط الذي ذكره إشكالاً ، ولا يبعد أن يكون الضابط هو ما يتعارف في كلّ قوم أو قطر التغذّي به وإن لم يكتفوا به كالبرّ والشعير والأرز في أقطارنا ، والتمر والأقط واللبن في مثل الحجاز ، والأرز في الجيلان وحواليها ؛ وإن كان الأقوى كفاية الغلاّت الأربع مطلقاً .

الأربعة الاُولى وإن كان الأقوى ما ذكرنا ، بل يكفي الدقيق(1) والخبز والماش والعدس ، والأفضل إخراج التمر ثمّ الزبيب ثمّ القوت الغالب ، هذا إذا لم يكن هناك مرجّح من كون غيرها أصلح بحال الفقير وأنفع له ، لكن الأولى والأحوط حينئذٍ دفعها بعنوان القيمة(2) .

(مسألة 1) : يشترط في الجنس المخرج كونه صحيحاً ، فلا يجزي المعيب(3) ، ويعتبر خلوصه ، فلا يكفي الممتزج بغيره من جنس آخر أو تراب أو نحوه ، إلاّ إذا كان الخالص منه بمقدار الصاع(4) أو كان قليلاً يتسامح به .

(مسألة 2) : الأقوى الاجتزاء بقيمة أحد المذكورات من الدراهم والدنانير أو غيرهما(5) من الأجناس الاُخر ، وعلى هذا فيجزي المعيب والممزوج ونحوهما بعنوان القيمة ، وكذا كلّ جنس شكّ في كفايته ، فإنّه يجزي بعنوان القيمة .

(مسألة 3) : لا يجزي نصف الصاع - مثلاً - من الحنطة الأعلى ، وإن كان يسوّي صاعاً من الأدون أو الشعير مثلاً ، إلاّ إذا(6)

كان بعنوان القيمة .

ص: 179


1- - في كفاية الدقيق والخبز إشكال ، وإن لا تخلو كفاية الدقيق من وجه ، وأمّا الماش والعدس وغيرهما من الحبوبات فمع غلبة التغذّي بها في قطر فالأقوى كفايتها ، وفي غير هذه الصورة فالأحوط إخراج ما غلب التغذّي به أو الغلاّت الأربع .
2- - يأتي الإشكال فيه .
3- - إلاّ إذا كان في قطر يكون قوت غالبهم كذلك .
4- - بشرط أن لا يكون المزج خلاف المتعارف بحيث يحتاج تخليصه إلى مؤونة أو عمل غير متعارف ، كما إذا ردّ أمناناً من التراب فيها منّ من الحنطة .
5- - الأحوط الاقتصار بالأثمان ، بل لا يخلو عدم إجزاء غيرها من وجه ، فيسقط ما فرّع عليه ، مع أ نّه أيضاً محلّ إشكال .
6- - مرّ الكلام فيه ، ويظهر منه الحال في استثناء المسألة الآتية .

(مسألة 4) : لا يجزي الصاع الملفّق من جنسين ؛ بأن يخرج نصف صاع من الحنطة ونصفاً من الشعير - مثلاً - إلاّ بعنوان القيمة .

(مسألة 5) : المدار قيمة وقت الإخراج لا وقت الوجوب ، والمعتبر قيمة بلد الإخراج لا وطنه ولا بلد آخر ، فلو كان له مال في بلد آخر غير بلده وأراد الإخراج منه كان المناط قيمة ذلك البلد لا قيمة بلده الذي هو فيه .

(مسألة 6) : لا يشترط اتّحاد الجنس الذي يخرج عن نفسه مع الذي يخرج عن عياله ، ولا اتّحاد المخرج عنهم بعضهم مع بعض ، فيجوز أن يخرج عن نفسه الحنطة وعن عياله الشعير أو بالاختلاف بينهم ، أو يدفع عن نفسه أو عن بعضهم من أحد الأجناس وعن آخر منهم القيمة ، أو العكس .

(مسألة 7) : الواجب في القدر الصاع عن كلّ رأس من جميع الأجناس حتّى اللبن على الأصحّ ؛ وإن ذهب جماعة من العلماء فيه إلى كفاية أربعة أرطال . والصاع أربعة أمداد ، وهي تسعة أرطال بالعراقي ، فهو ستّمائة وأربعة عشر مثقالاً وربع مثقال بالمثقال الصيرفي ، فيكون بحسب حقّة النجف - التي هي تسعمائة مثقال وثلاثة وثلاثون مثقالاً وثلث مثقال - نصف حقّة ونصف وقية وأحد وثلاثون مثقالاً إلاّ مقدار حمّصتين ، وبحسب حقّة الإسلامبول - وهي مائتان وثمانون مثقالاً - حقّتان وثلاثة أرباع الوقية ومثقال وثلاثة أرباع المثقال ، وبحسب المنّ الشاهي - وهو ألف ومائتان وثمانون مثقالاً - نصف منّ إلاّ خمسة وعشرون مثقالاً وثلاثة أرباع المثقال .

ص: 180

فصل : في وقت وجوبها

وهو دخول ليلة العيد جامعاً للشرائط ، ويستمرّ إلى الزوال لمن لم يصلّ صلاة العيد ، والأحوط عدم تأخيرها عن الصلاة إذا صلاّها فيقدّمها عليها وإن صلّى في أوّل وقتها ، وإن خرج وقتها ولم يخرجها ، فإن كان قد عزلها دفعها إلى المستحقّ بعنوان الزكاة ، وإن لم يعزلها فالأحوط الأقوى(1) عدم سقوطها ، بل يؤدّيها بقصد القربة من غير تعرّض للأداء والقضاء .

(مسألة 1) : لا يجوز تقديمها على وقتها في شهر رمضان على الأحوط ، كما لا إشكال في عدم جواز تقديمها على شهر رمضان ، نعم إذا أراد ذلك أعطى الفقير قرضاً ثمّ يحسب عند دخول وقتها .

(مسألة 2) : يجوز عزلها في مال مخصوص من الأجناس أو غيرها(2) بقيمتها ، وينوي حين العزل ، وإن كان الأحوط(3) تجديدها حين الدفع أيضاً ، ويجوز عزل أقلّ من مقدارها أيضاً ، فيلحقه الحكم وتبقى البقيّة غير معزولة على حكمها ، وفي جواز عزلها في الأزيد بحيث يكون المعزول مشتركاً بينه وبين الزكاة وجه(4) ، لكن لا يخلو عن إشكال ، وكذا لو عزلها في مال مشترك بينه وبين غيره مشاعاً وإن كان ماله بقدرها .

ص: 181


1- - الأقوائية محلّ إشكال ، ولكن لا يترك الاحتياط .
2- - الأحوط بل الأوجه الاقتصار بالأثمان .
3- - لا يترك .
4- - فيه إشكال ، وأمّا تعيينها في مال مشترك بينه وبين غيره يوجب الانعزال على الأقوى ؛ لو كانت حصّته بقدرها أو أقلّ منها .

(مسألة 3) : إذا عزلها وأخّر دفعها إلى المستحقّ ، فإن كان لعدم تمكّنه من الدفع لم يضمن لو تلف(1) ، وإن كان مع التمكّن منه ضمن .

(مسألة 4) : الأقوى جواز نقلها بعد العزل إلى بلد آخر ولو مع وجود المستحقّ في بلده ؛ وإن كان يضمن حينئذٍ مع التلف ، والأحوط(2) عدم النقل إلاّ مع عدم وجود المستحقّ .

(مسألة 5) : الأفضل(3) أداؤها في بلد التكليف بها ؛ وإن كان ماله بل ووطنه في بلد آخر ، ولو كان له مال في بلد آخر وعيّنها فيه ضمن بنقله عن ذلك البلد إلى بلده أو بلد آخر مع وجود المستحقّ فيه .

(مسألة 6) : إذا عزلها في مال معيّن لا يجوز له تبديلها بعد ذلك .

فصل : في مصرفها

وهو مصرف زكاة المال ، لكن يجوز إعطاؤها للمستضعفين من أهل الخلاف عند عدم وجود المؤمنين وإن لم نقل به هناك ، والأحوط الاقتصار على فقراء المؤمنين ومساكينهم ، ويجوز صرفها على أطفال المؤمنين ، أو تمليكها لهم بدفعها إلى أوليائهم .

(مسألة 1) : لا يشترط عدالة من يدفع إليه ، فيجوز دفعها إلى فسّاق المؤمنين ، نعم الأحوط(4) عدم دفعها إلى شارب الخمر والمتجاهر بالمعصية ، بل

ص: 182


1- - بلا تعدّ وتفريط .
2- - لا يترك .
3- - لا يخلو من تأمّل .
4- - لا يترك في شارب الخمر والمتجاهر بكبيرة نظير هذه الكبيرة .

الأحوط العدالة أيضاً ، ولا يجوز دفعها إلى من يصرفها في المعصية .

(مسألة 2) : يجوز للمالك أن يتولّى دفعها مباشرةً أو توكيلاً ، والأفضل بل الأحوط أيضاً دفعها إلى الفقيه الجامع للشرائط ، خصوصاً مع طلبه لها .

(مسألة 3) : الأحوط أن لا يدفع للفقير أقلّ من صاع ، إلاّ إذا(1) اجتمع جماعة لا تسعهم ذلك .

(مسألة 4) : يجوز أن يعطى فقير واحد أزيد من صاع ، بل إلى حدّ الغنى(2) .

(مسألة 5) : يستحبّ تقديم الأرحام على غيرهم ، ثمّ الجيران ، ثمّ أهل العلم والفضل والمشتغلين ، ومع التعارض تلاحظ المرجّحات والأهمّية .

(مسألة 6) : إذا دفعها إلى شخص باعتقاد كونه فقيراً فبان خلافه ، فالحال كما في زكاة المال .

(مسألة 7) : لا يكفي ادّعاء الفقر إلاّ مع سبقه ، أو الظنّ(3) بصدق المدّعي .

(مسألة 8) : تجب نيّة القربة هنا كما في زكاة المال ، وكذا يجب التعيين(4) ولو إجمالاً مع تعدّد ما عليه ، والظاهر عدم وجوب تعيين من يزكّى عنه ، فلو كان عليه أصوع لجماعة ، يجوز دفعها من غير تعيين أنّ هذا لفلان وهذا لفلان .

ص: 183


1- - لا يترك مطلقاً .
2- - فيه إشكال ، والأحوط عدم الإعطاء والأخذ أزيد من مؤونة سنته .
3- - الحاصل من ظهور حاله .
4- - مرّ الكلام فيه فيما تقدّم .

كتاب الخمس

اشارة

وهو من الفرائض وقد جعلها اللّه تعالى لمحمّد صلی الله علیه و آله وسلم وذرّيته عوضاً عن الزكاة إكراماً لهم ، ومن منع منه درهماً أو أقلّ كان مندرجاً في الظالمين لهم ، والغاصبين لحقّهم ، بل من كان مستحلاًّ لذلك كان من الكافرين(1) ، ففي الخبر عن أبي بصير قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : ما أيسر ما يدخل به العبد النار ؟ قال علیه السلام : «من أكل من مال اليتيم درهماً ونحن اليتيم» . وعن الصادق علیه السلام : «إنّ اللّه لا إله إلاّ هو حيث حرّم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس ، فالصدقة علينا حرام والخمس لنا فريضة ، والكرامة لنا حلال». وعن أبي جعفر علیه السلام : «لا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتّى يصل إلينا حقّنا» . وعن أبي عبداللّه علیه السلام : «لا يعذر عبد اشترى من الخمس شيئاً أن يقول : يا ربّ اشتريته بمالي ، حتّى يأذن له أهل الخمس» .

فصل : فيما يجب فيه الخمس

وهو سبعة أشياء :

الأوّل : الغنائم المأخوذة من الكفّار من أهل الحرب قهراً بالمقاتلة معهم ؛

ص: 184


1- - مرّ ميزان الكفر في أبواب النجاسات .

بشرط أن يكون بإذن الإمام علیه السلام ؛ من غير فرق بين ما حواه العسكر وما لم يحوه ، والمنقول وغيره كالأراضي والأشجار ونحوها بعد إخراج المؤن التي اُنفقت على الغنيمة بعد تحصيلها بحفظ وحمل ورعي ونحوها منها ، وبعد إخراج ما جعله الإمام علیه السلام من الغنيمة على فعل مصلحة من المصالح ، وبعد استثناء صفايا الغنيمة كالجارية الورقة ، والمركب الفاره ، والسيف القاطع ، والدرع ، فإنّها للإمام علیه السلام ، وكذا قطائع الملوك ، فإنّها أيضاً له علیه السلام ، وأمّا إذا كان الغزو بغير إذن الإمام علیه السلام فإن كان في زمان الحضور وإمكان الاستئذان منه ، فالغنيمة للإمام علیه السلام ، وإن كان في زمن الغيبة ، فالأحوط إخراج(1) خمسها من حيث الغنيمة ، خصوصاً إذا كان للدعاء إلى الإسلام ، فما يأخذه السلاطين في هذه الأزمنة من الكفّار بالمقاتلة معهم من المنقول وغيره يجب فيه الخمس على الأحوط ، وإن كان قصدهم زيادة الملك لا الدعاء إلى الإسلام ، ومن الغنائم التي يجب فيها الخمس الفداء الذي(2) يؤخذ من أهل الحرب ، بل الجزية المبذولة لتلك السريّة ، بخلاف سائر أفراد الجزية ، ومنها أيضاً ما صولحوا عليه ، وكذا ما يؤخذ منهم عند الدفاع معهم إذا هجموا على المسلمين في أمكنتهم ولو في زمن الغيبة ، فيجب إخراج الخمس من جميع ذلك قليلاً كان أو كثيراً ؛ من غير ملاحظة خروج مؤونة السنة على ما يأتي في أرباح المكاسب وسائر الفوائد .

(مسألة 1) : إذا غار المسلمون على الكفّار فأخذوا أموالهم ، فالأحوط بل

ص: 185


1- - بل الأقوى ذلك .
2- - إذا كان ذلك وما بعده من شؤون الحرب وتبعاته .

الأقوى(1) إخراج خمسها من حيث كونها غنيمة ولو في زمن الغيبة ، فلا يلاحظ فيها مؤونة السنة ، وكذا إذا أخذوا بالسرقة والغيلة ، نعم لو أخذوا منهم بالربا أو بالدعوى الباطلة(2) فالأقوى إلحاقه بالفوائد المكتسبة ، فيعتبر فيه الزيادة عن مؤونة السنة ، وإن كان الأحوط إخراج خمسه مطلقاً .

(مسألة 2) : يجوز أخذ مال النصّاب أينما وجد ، لكن الأحوط إخراج خمسه مطلقاً ، وكذا الأحوط إخراج الخمس ممّا حواه العسكر من مال البغاة إذا كانوا من النصّاب ودخلوا في عنوانهم ، وإلاّ فيشكل حلّية مالهم .

(مسألة 3) : يشترط في المغتنم أن لا يكون غصباً من مسلم أو ذمّي أو معاهد أو نحوهم ؛ ممّن هو محترم المال ، وإلاّ فيجب ردّه إلى مالكه ، نعم لو كان مغصوباً من غيرهم من أهل الحرب لا بأس بأخذه وإعطاء خمسه ؛ وإن لم يكن الحرب فعلاً مع المغصوب منهم ، وكذا إذا كان عند المقاتلين مال غيرهم من أهل الحرب بعنوان الأمانة ؛ من وديعة أو إجارة أو عارية أو نحوها .

(مسألة 4) : لا يعتبر في وجوب الخمس في الغنائم بلوغ النصاب عشرين ديناراً ، فيجب إخراج خمسه - قليلاً كان أو كثيراً - على الأصحّ .

(مسألة 5) : السلب من الغنيمة ، فيجب(3) إخراج خمسه على السالب .

الثاني : المعادن ؛ من الذهب والفضّة والرصاص والصفر والحديد والياقوت

ص: 186


1- - في القوّة إشكال ، وكذا في السرقة والغيلة ، نعم إذا كان ما ذكر في الحرب ومن شؤونه فالأقوى ما في المتن .
2- - ما اُخذ بها ليست من أرباح المكاسب ، بل هي من مطلق الفائدة وسيأتي الكلام فيه .
3- - على الأحوط ، نعم للإمام عليه السلام أن يجعل له بلا خمس .

والزبرجد والفيروزج والعقيق والزئبق والكبريت والنفط والقير والسنج والزاج والزرنيخ والكحل والملح ، بل والجصّ والنورة وطين الغسل وحجر الرحى والمغرة - وهي الطين الأحمر - على الأحوط ؛ وإن كان الأقوى(1) عدم الخمس فيها من حيث المعدنية ، بل هي داخلة في أرباح المكاسب فيعتبر فيها الزيادة عن مؤونة السنة ، والمدار على صدق كونه معدناً عرفاً ، وإذا شكّ في الصدق لم يلحقه حكمها ، فلا يجب خمسه من هذه الحيثية ، بل يدخل في أرباح المكاسب ، ويجب خمسه إذا زادت عن مؤونة السنة من غير اعتبار بلوغ النصاب فيه ، ولا فرق في وجوب إخراج خمس المعدن بين أن يكون في أرض مباحة أو مملوكة ، وبين أن يكون تحت الأرض أو على ظهرها، ولا بين أن يكون المخرج مسلماً أو كافراً ذمّياً ، بل ولو حربياً ، ولا بين أن يكون بالغاً أو صبيّاً ، وعاقلاً أو مجنوناً ، فيجب على وليّهما إخراج الخمس ، ويجوز للحاكم الشرعي إجبار الكافر على دفع الخمس ممّا أخرجه ؛ وإن كان لو أسلم سقط عنه مع عدم بقاء عينه . ويشترط في وجوب الخمس في المعدن بلوغ ما أخرجه عشرين ديناراً(2) بعد استثناء مؤونة الإخراج والتصفية ونحوهما ، فلا يجب إذا كان المخرج أقلّ منه ؛ وإن كان الأحوط إخراجه إذا بلغ ديناراً ، بل مطلقاً . ولا يعتبر في الإخراج أن يكون دفعة ، فلو أخرج دفعات وكان المجموع نصاباً وجب إخراج خمس المجموع ، وإن أخرج أقلّ من النصاب فأعرض ثمّ عاد وبلغ المجموع نصاباً فكذلك على الأحوط ،

ص: 187


1- - في القوّة منع .
2- - أو مائتي درهم عيناً أو قيمة على الأحوط ، وإذا اختلفا في القيمة يلاحظ أقلّهما قيمة على الأحوط .

وإذا اشترك جماعة في الإخراج ولم يبلغ حصّة كلّ واحد منهم النصاب ولكن بلغ المجموع نصاباً فالظاهر وجوب(1) خمسه . وكذا لا يعتبر اتّحاد جنس المخرج فلو اشتمل المعدن على جنسين أو أزيد وبلغ قيمة المجموع نصاباً وجب إخراجه ، نعم لو كان هناك معادن متعدّدة اعتبر في الخارج من كلّ منها بلوغ النصاب دون المجموع ، وإن كان الأحوط كفاية بلوغ المجموع ، خصوصاً مع اتّحاد جنس المخرج منها سيّما مع تقاربها ، بل لا يخلو عن قوّة مع الاتّحاد والتقارب(2) . وكذا لا يعتبر استمرار التكوّن ودوامه ، فلو كان معدن فيه مقدار ما يبلغ النصاب فأخرجه ثمّ انقطع جرى عليه الحكم بعد صدق كونه معدناً .

(مسألة 6) : لو أخرج خمس تراب المعدن قبل التصفية(3) ، فإن علم بتساوي الأجزاء في الاشتمال على الجوهر أو بالزيادة فيما أخرجه خمساً أجزأ ، وإلاّ فلا ؛ لاحتمال زيادة الجوهر فيما يبقى عنده .

(مسألة 7) : إذا وجد مقداراً من المعدن مخرجاً مطروحاً في الصحراء ، فإن علم أ نّه خرج من مثل السيل أو الريح أو نحوهما ، أو علم أنّ المخرج له حيوان ، أو إنسان(4) لم يخرج خمسه ، وجب عليه إخراج خمسه على الأحوط(5) إذا

ص: 188


1- - بل الظاهر عدمه .
2- - لا يكفي مطلق التقارب ، إلاّ إذا عدّ المجموع معدناً واحداً تخلّل بين أبعاضه أجزاء أرضية .
3- - في جواز الإخراج قبلها إشكال ، إلاّ أن يقبل وليّ الخمس لمصلحة .
4- - فيه تفصيل .
5- - بل على الأقوى فيه وفي الفرع التالي .

بلغ النصاب ، بل الأحوط ذلك وإن شكّ في أنّ الإنسان المخرج له أخرج خمسه أم لا(1) .

(مسألة 8) : لو كان المعدن في أرض مملوكة فهو لمالكها ، وإذا أخرجه غيره لم يملكه ، بل يكون المخرج لصاحب الأرض وعليه الخمس من دون استثناء المؤونة ؛ لأ نّه لم يصرف عليه مؤونة .

(مسألة 9) : إذا كان المعدن في معمور الأرض المفتوحة عنوةً - التي هي للمسلمين - فأخرجه أحد من المسلمين ملكه(2) وعليه الخمس ، وإن أخرجه غير المسلم ففي تملّكه إشكال ، وأمّا إذا كان في الأرض الموات حال الفتح فالظاهر أنّ الكافر أيضاً يملكه وعليه الخمس .

(مسألة 10) : يجوز استئجار الغير لإخراج المعدن فيملكه المستأجر ، وإن قصد الأجير تملّكه لم يملكه(3) .

(مسألة 11) : إذا كان المخرج عبداً ، كان ما أخرجه لمولاه وعليه الخمس .

(مسألة 12) : إذا عمل فيما أخرجه قبل إخراج خمسه عملاً يوجب زيادة قيمته ، كما إذا ضربه دراهم أو دنانير أو جعله حلياً أو كان مثل الياقوت

ص: 189


1- - مع الشكّ في قصد حيازته ، وإلاّ فيخرج عمّا نحن فيه ؛ وإن كان وجوب ردّ الخمس مع ذلك على وليّ الخمس وهو الحاكم الشرعي أيضاً هو الأقوى مع اليأس عن وجدان المالك ، بل مع عدم اليأس أيضاً لا يخلو من وجه .
2- - مع إذن وليّ المسلمين ، وإلاّ فمحلّ إشكال .
3- - إذا كانت الإجارة على وجه تكون جميع منافع المؤجر أو تلك المنفعة الخاصّة للمستأجر ، وإلاّ فالظاهر أ نّه يملكه مع قصد العمل لنفسه وتملّكه . نعم ، لو كانت الأرض من المستأجر فيملك المعدن تبعاً لها لكنّه خارج عن مفروض المسألة .

والعقيق فحكّه فصّاً - مثلاً - اعتبر في إخراج خمس مادّته(1) فيقوّم حينئذٍ سبيكة أو غير محكوك - مثلاً - ويخرج خمسه ، وكذا لو اتّجر به فربح قبل أن يخرج خمسه ناوياً الإخراج من مال آخر ثمّ أدّاه من مال آخر ، وأمّا إذا اتّجر به من غير نيّة الإخراج من غيره ، فالظاهر أنّ الربح مشترك بينه وبين أرباب الخمس .

(مسألة 13) : إذا شكّ في بلوغ النصاب وعدمه ، فالأحوط الاختبار .

الثالث : الكنز ، وهو المال المذخور في الأرض أو الجبل أو الجدار أو الشجر ، والمدار الصدق العرفي ؛ سواء كان من الذهب أو الفضّة المسكوكين أو غير المسكوكين أو غيرهما من الجواهر ، وسواء كان في بلاد الكفّار الحربيّين أو غيرهم ، أو في بلاد الإسلام في الأرض الموات أو الأرض الخربة التي لم يكن لها مالك ، أو في أرض مملوكة له بالإحياء أو بالابتياع ، مع العلم بعدم كونه ملكاً للبائعين ، وسواء كان عليه أثر الإسلام أم لا ، ففي جميع هذه يكون ملكاً لواجده وعليه الخمس ، ولو كان في أرض مبتاعة مع احتمال كونه لأحد البائعين عرّفه المالك قبله ، فإن لم يعرفه فالمالك قبله وهكذا ، فإن لم يعرفوه فهو للواجد وعليه الخمس ، وإن ادّعاه المالك السابق فالسابق أعطاه بلا بيّنة ، وإن تنازع الملاّك فيه يجري عليه حكم التداعي(2) ولو ادّعاه المالك السابق إرثاً ، وكان له شركاء نفوه ، دفعت إليه حصّته ، وملك الواجد الباقي وأعطى

ص: 190


1- - محلّ إشكال ، بل الظاهر شركة أرباب الخمس للزيادة الحاصلة ولو اتّجر به قبل إخراج الخمس يكون البيع فضولياً بالنسبة إلى الخمس ، فلو أجاز الوليّ يصير الربح مشتركاً ولا أثر لنيّة الأداء من مال آخر .
2- - مع عرضية الملاّك في اليد ، وأمّا مع الطولية فالسابق مدّعٍ واللاحق منكر .

خمسه ، ويشترط في وجوب الخمس فيه النصاب ؛ وهو عشرون ديناراً(1) .

(مسألة 14) : لو وجد الكنز في أرض مستأجرة أو مستعارة وجب تعريفهما وتعريف المالك أيضاً ، فإن نفياه كلاهما كان له وعليه الخمس ، وإن ادّعاه أحدهما اُعطي بلا بيّنة ، وإن ادّعاه كلّ منهما ففي تقديم قول المالك وجه(2) ؛ لقوّة يده ، والأوجه الاختلاف بحسب المقامات في قوّة إحدى اليدين .

(مسألة 15) : لو علم الواجد أ نّه لمسلم موجود هو أو وارثه في عصره مجهول ، ففي إجراء حكم الكنز أو حكم مجهول المالك عليه وجهان ، ولو علم أ نّه كان ملكاً لمسلم قديم ، فالظاهر جريان حكم الكنز عليه .

(مسألة 16) : الكنوز المتعدّدة لكلّ واحد حكم نفسه في بلوغ النصاب وعدمه ، فلو لم يكن آحادها بحدّ النصاب وبلغت بالضمّ لم يجب فيها الخمس ، نعم المال الواحد المدفون في مكان واحد في ظروف متعدّدة يضمّ بعضه إلى بعض ، فإنّه يعدّ كنزاً واحداً وإن تعدّد جنسها .

(مسألة 17) : في الكنز الواحد لا يعتبر الإخراج دفعة بمقدار النصاب ، فلو كان مجموع الدفعات بقدر النصاب وجب الخمس ، وإن لم يكن كلّ واحدة منها بقدره .

(مسألة 18) : إذا اشترى دابّة ووجد في جوفها شيئاً ، فحاله حال الكنز(3)

ص: 191


1- - في الذهب ومائتا درهم في الفضّة والبلوغ إلى أحدهما في غيرهما .
2- - وأوجه منه تقديم يدهما إلاّ مع سقوطها لأجل القرائن والأمارات ، فمع التساوي احتمالاً تقدّم يدهما على الأقوى .
3- - على الأحوط فيه وفيما بعده .

الذي يجده في الأرض المشتراة في تعريف البائع وفي إخراج الخمس إن لم يعرفه ، ولا يعتبر فيه بلوغ النصاب ، وكذا لو وجد في جوف السمكة المشتراة مع احتمال كونه لبائعها ، وكذا الحكم في غير الدابّة والسمكة من سائر الحيوانات .

(مسألة 19) : إنّما يعتبر النصاب في الكنز بعد إخراج مؤونة الإخراج .

(مسألة 20) : إذا اشترك جماعة في كنز ، فالظاهر(1) كفاية بلوغ المجموع نصاباً ؛ وإن لم يكن حصّة كلّ واحد بقدره .

الرابع : الغوص ، وهو إخراج الجواهر من البحر ؛ مثل اللؤلؤ والمرجان وغيرهما(2) ، معدنياً كان أو نباتياً ، لا مثل السمك ونحوه من الحيوانات ، فيجب فيه الخمس بشرط أن يبلغ قيمته ديناراً فصاعداً ، فلا خمس فيما ينقص من ذلك ، ولا فرق بين اتّحاد النوع وعدمه ، فلو بلغ قيمة المجموع ديناراً وجب الخمس ، ولا بين الدفعة والدفعات فيضمّ بعضها إلى بعض ، كما أنّ المدار على ما اُخرج مطلقاً وإن اشترك(3) فيه جماعة لا يبلغ نصيب كلّ منهم النصاب ، ويعتبر بلوغ النصاب بعد إخراج المؤن كما مرّ في المعدن ، والمخرج بالآلات من دون غوص في حكمه على الأحوط ، وأمّا لو غاص وشدّه بآلة فأخرجه فلا إشكال في وجوبه فيه ، نعم لو خرج بنفسه على الساحل أو على وجه الماء فأخذه من غير غوص لم يجب فيه من هذه الجهة ، بل يدخل في أرباح المكاسب(4)

ص: 192


1- - بل الأحوط ؛ وإن كان عدم الكفاية لا يخلو من وجه .
2- - ممّا يتعارف إخراجه بالغوص .
3- - حكم الاشتراك هاهنا حكمه في الكنز .
4- - إن اتّخذ ذلك شغلاً ، وأمّا لو كان ذلك من باب الاتّفاق ، فيدخل في مطلق الفائدة ويأتي حكمه .

فيعتبر فيه مؤونة السنة ولا يعتبر فيه النصاب .

(مسألة 21) : المتناول(1) من الغوّاص لا يجري عليه حكم الغوص إذا لم يكن غائصاً ، وأمّا إذا تناول منه وهو غائص أيضاً ، فيجب عليه إذا لم ينو الغوّاص الحيازة ، وإلاّ فهو له ووجب الخمس عليه .

(مسألة 22) : إذا غاص من غير قصد للحيازة فصادف شيئاً ، ففي وجوب الخمس عليه وجهان(2) ، والأحوط إخراجه .

(مسألة 23) : إذا أخرج بالغوص حيواناً وكان في بطنه شيء من الجواهر ، فإن كان معتاداً وجب فيه الخمس ، وإن كان من باب الاتّفاق ؛ بأن يكون بلع شيئاً اتّفاقاً ، فالظاهر عدم وجوبه(3) وإن كان أحوط .

(مسألة 24) : الأنهار العظيمة كدجلة والنيل والفرات حكمها حكم البحر بالنسبة إلى ما يخرج منها بالغوص ؛ إذا فرض تكوّن الجوهر فيها كالبحر .

(مسألة 25) : إذا غرق شيء في البحر وأعرض مالكه عنه فأخرجه الغوّاص ملكه ، ولا يلحقه حكم الغوص على الأقوى وإن كان من مثل اللؤلؤ والمرجان ، لكن الأحوط(4) إجراء حكمه عليه .

(مسألة 26) : إذا فرض معدن من مثل العقيق أو الياقوت أو نحوهما تحت الماء ؛ بحيث لا يخرج منه إلاّ بالغوص ، فلا إشكال في تعلّق الخمس به ، لكنّه

ص: 193


1- - مفروض المسألة ما إذا لم ينو الغائص حيازته ، وإلاّ فهو للغائص ويجري عليه حكمه .
2- - أوجههما وجوبه .
3- - من جهة الغوص ، لكن الأحوط إلحاقه بالكنز .
4- - لا يترك في الجواهر كاللؤلؤ والمرجان .

هل يعتبر فيه نصاب المعدن أو الغوص ؟ وجهان ، والأظهر الثاني(1) .

(مسألة 27) : العنبر إذا اُخرج بالغوص جرى عليه حكمه ، وإن اُخذ على وجه الماء أو الساحل ، ففي لحوق حكمه له وجهان(2) ، والأحوط اللحوق ، وأحوط منه إخراج خمسه وإن لم يبلغ النصاب أيضاً .

الخامس : المال الحلال المخلوط بالحرام على وجه لا يتميّز مع الجهل بصاحبه وبمقداره ، فيحلّ بإخراج خمسه ومصرفه مصرف سائر أقسام الخمس على الأقوى ، وأمّا إن علم المقدار ولم يعلم المالك تصدّق به عنه ، والأحوط أن يكون(3) بإذن المجتهد الجامع للشرائط ، ولو انعكس بأن علم المالك وجهل المقدار تراضيا بالصلح ونحوه ، وإن لم يرض المالك بالصلح ففي جواز الاكتفاء بالأقلّ أو وجوب إعطاء الأكثر وجهان ، الأحوط الثاني ، والأقوى الأوّل(4) ؛ إذا كان المال في يده ، وإن علم المالك والمقدار وجب دفعه إليه .

(مسألة 28) : لا فرق في وجوب إخراج الخمس وحلّية المال بعده بين أن يكون الاختلاط بالإشاعة أو بغيرها ، كما إذا اشتبه الحرام بين أفراد من جنسه أو من غير جنسه .

ص: 194


1- - فيما يتعارف إخراجه بالغوص ، وأمّا في غيره فالظاهر هو الأوّل ، كما لو فرض إخراج حجر الرحى من تحت البحر .
2- - الأقوى كونه من أرباح المكاسب إذا أخذه من اتّخذ ذلك حرفة ، وإلاّ فيدخل في مطلق الفائدة .
3- - لا يترك .
4- - إذا كان الأمر دائراً بين الأقلّ والأكثر ، وأمّا في المتباينين الدائر بين كون الأقلّ قيمة له أو لصاحبه ، فالظاهر جريان القرعة .

(مسألة 29) : لا فرق في كفاية إخراج الخمس في حلّية البقيّة في صورة الجهل بالمقدار والمالك بين أن يعلم إجمالاً زيادة مقدار الحرام أو نقيصته عن الخمس ، وبين صورة عدم العلم ولو إجمالاً ، ففي صورة العلم الإجمالي بزيادته عن الخمس أيضاً يكفي إخراج الخمس ، فإنّه مطهّر للمال تعبّداً ؛ وإن كان الأحوط مع إخراج الخمس المصالحة مع الحاكم الشرعي أيضاً ؛ بما يرتفع به يقين الشغل وإجراء حكم مجهول المالك عليه ، وكذا في صورة العلم الإجمالي بكونه أنقص من الخمس ، وأحوط من ذلك المصالحة معه بعد إخراج الخمس بما يحصل معه اليقين بعدم الزيادة .

(مسألة 30) : إذا علم قدر المال ولم يعلم صاحبه بعينه ، لكن علم في عدد محصور ، ففي وجوب التخلّص من الجميع ولو بإرضائهم بأيّ وجه كان ، أو وجوب إجراء حكم مجهول المالك عليه ، أو استخراج المالك بالقرعة(1) ، أو توزيع ذلك المقدار عليهم بالسويّة وجوه ؛ أقواها الأخير ، وكذا إذا لم يعلم قدر المال وعلم صاحبه في عدد محصور ، فإنّه بعد الأخذ بالأقلّ(2) - كما هو الأقوى - أو الأكثر - كما هو الأحوط - يجري فيه الوجوه المذكورة .

(مسألة 31) : إذا كان حقّ الغير في ذمّته لا في عين ماله فلا محلّ للخمس ، وحينئذٍ فإن علم جنسه ومقداره ولم يعلم صاحبه أصلاً ، أو علم في عدد غير محصور ، تصدّق به عنه بإذن الحاكم ، أو يدفعه إليه ، وإن كان في عدد محصور

ص: 195


1- - هذا هو الأقوى .
2- - يأتي فيه التفصيل المتقدّم ، وبعده يعمل بالقرعة على الأقوى .

ففيه الوجوه المذكورة ، والأقوى هنا أيضاً الأخير(1) ، وإن علم جنسه ولم يعلم مقداره - بأن تردّد بين الأقلّ والأكثر - أخذ بالأقلّ المتيقّن ودفعه إلى مالكه إن كان معلوماً بعينه ، وإن كان معلوماً في عدد محصور فحكمه كما ذكر ، وإن كان معلوماً في غير المحصور أو لم يكن علم إجمالي أيضاً تصدّق به عن المالك بإذن الحاكم أو يدفعه إليه ، وإن لم يعلم جنسه وكان قيمياً فحكمه كصورة العلم بالجنس ؛ إذ يرجع إلى القيمة(2) ويتردّد فيها بين الأقلّ والأكثر ، وإن كان مثلياً ففي وجوب الاحتياط وعدمه وجهان .

(مسألة 32) : الأمر في إخراج هذا الخمس إلى المالك كما في سائر أقسام الخمس ، فيجوز له الإخراج والتعيين من غير توقّف على إذن الحاكم ، كما يجوز دفعه من مال آخر(3) وإن كان الحقّ في العين .

(مسألة 33) : لو تبيّن المالك بعد إخراج الخمس فالأقوى ضمانه(4) ، كما هو كذلك في التصدّق عن المالك في مجهول المالك ، فعليه غرامته له حتّى في النصف الذي دفعه إلى الحاكم بعنوان أ نّه للإمام علیه السلام .

(مسألة 34) : لو علم بعد إخراج الخمس أنّ الحرام أزيد من الخمس أو أقلّ

ص: 196


1- - بل الأقوى القرعة أيضاً .
2- - الاشتغال بالقيمة في ضمان الإتلاف ، وأمّا في ضمان اليد فمحلّ إشكال ، بل لا يبعد فيه وجوب الاحتياط ، كما في المثلي أيضاً لا يبعد ذلك ، وكذا يجري الاحتياط إذا كان الاشتغال بنفس الأجناس بواسطة عقد من العقود .
3- - الأحوط أن يكون الدفع من مال آخر إذا كان عروضاً برضا المستحقّ أو وليّ الأمر ؛ وإن كان عدم الاعتبار لا يخلو من وجه .
4- - بل الأحوط فيه وفيما يليه .

لا يستردّ الزائد على مقدار الحرام في الصورة الثانية ، وهل يجب عليه التصدّق بما زاد على الخمس في الصورة الاُولى أو لا ؟ وجهان ، أحوطهما الأوّل ، وأقواهما الثاني .

(مسألة 35) : لو كان الحرام المجهول مالكه معيّناً ، فخلطه بالحلال ليحلّله بالتخميس ؛ خوفاً من احتمال زيادته على الخمس ، فهل يجزيه إخراج الخمس أو يبقى على حكم مجهول المالك ؟ وجهان ، والأقوى الثاني(1) ؛ لأ نّه كمعلوم المالك حيث إنّ مالكه الفقراء قبل التخليط .

(مسألة 36) : لو كان الحلال الذي في المختلط ممّا تعلّق به الخمس ، وجب عليه بعد التخميس للتحليل ، خمس آخر(2) للمال الحلال الذي فيه .

(مسألة 37) : لو كان الحرام المختلط في الحلال من الخمس أو الزكاة أو الوقف الخاصّ أو العامّ ، فهو كمعلوم المالك على الأقوى ، فلا يجزيه إخراج الخمس حينئذٍ .

(مسألة 38) : إذا تصرّف في المال المختلط قبل إخراج الخمس بالإتلاف لم يسقط(3) وإن صار الحرام في ذمّته ، فلا يجري عليه حكم ردّ المظالم على

ص: 197


1- - هو كذلك وإن كان في تعليله إشكال ، بل هو معلوم المصرف ، فلا تشمله أدلّة التخميس ، ويمكن أن يقال : إنّ أدلّة التخميس قاصرة عن شمول ما يختلط عمداً للتحليل بالتخميس .
2- - وله الاكتفاء بإخراج خمس القدر المتيقّن من الحلال إن كان أقلّ من خمس البقيّة بعد تخميس التحليل ، وبخمس البقيّة إن كان بمقداره أو أكثر على الأقوى ، والأحوط التصالح مع الحاكم .
3- - بل الظاهر سقوطه وجريان حكم ردّ المظالم عليه .

الأقوى ، وحينئذٍ فإن عرف قدر المال المختلط اشتغلت ذمّته بمقدار خمسه(1) ، وإن لم يعرفه ففي وجوب دفع ما يتيقّن معه بالبراءة أو جواز الاقتصار على ما يرتفع به يقين الشغل وجهان ؛ الأحوط الأوّل ، والأقوى الثاني .

(مسألة 39) : إذا تصرّف في المختلط قبل إخراج خمسه ضمنه ، كما إذا باعه مثلاً ، فيجوز لوليّ(2) الخمس الرجوع عليه ، كما يجوز له الرجوع على من انتقل إليه ، ويجوز للحاكم أن يمضي معاملته فيأخذ مقدار الخمس من العوض إذا باعه بالمساوي قيمة أو بالزيادة ، وأمّا إذا باعه بأقلّ من قيمته فإمضاؤه خلاف المصلحة ، نعم لو اقتضت المصلحة ذلك فلا بأس .

السادس : الأرض التي اشتراها الذمّي من المسلم ؛ سواء كانت أرض مزرع أو مسكن(3) أو دكّان أو خان أو غيرها ، فيجب فيها الخمس ، ومصرفه مصرف غيره من الأقسام على الأصحّ ، وفي وجوبه في المنتقلة إليه من المسلم بغير الشراء من المعاوضات إشكال ، فالأحوط اشتراط مقدار الخمس عليه في عقد المعاوضة ؛ وإن كان القول بوجوبه في مطلق المعاوضات لا يخلو عن قوّة(4) ، وإنّما يتعلّق الخمس برقبة الأرض دون البناء والأشجار والنخيل إذا كانت فيه ،

ص: 198


1- - بل بمقدار المتيقّن من الحرام ، فيتصدّق به بإذن الحاكم على الأحوط .
2- - الأقوى كون البيع فضولياً بالنسبة إلى الخمس ، فإن أمضاه الوليّ يصير العوض بحكم المعوّض والمعوّض للمشتري بتمامه ، وإن لم يمضه يكون المعوّض على حاله ، فلوليّ الخمس اتّباعه .
3- - إذا تعلّق البيع بأرضها مستقلاًّ ، وأمّا إذا تعلّق بالدار والدكّان - مثلاً - ويكون انتقال الأرض تبعاً ، فالأقوى عدم التعلّق .
4- - في القوّة تأمّل .

ويتخيّر الذمّي بين دفع الخمس من عينها أو قيمتها(1) ، ومع عدم دفع قيمتها يتخيّر وليّ الخمس بين أخذه وبين إجارته ، وليس له قلع الغرس والبناء ، بل عليه إبقاؤهما بالاُجرة ، وإن أراد الذمّي دفع القيمة وكانت مشغولة بالزرع أو الغرس أو البناء تقوّم مشغولة بها مع الاُجرة ، فيؤخذ منه خمسها ولا نصاب في هذا القسم من الخمس ، ولا يعتبر فيه نيّة القربة حين الأخذ حتّى من الحاكم ، بل ولا حين الدفع إلى السادة .

(مسألة 40) : لو كانت الأرض من المفتوحة عنوةً وبيعت تبعاً للآثار(2) ثبت فيها الحكم ؛ لأ نّها للمسلمين فإذا اشتراها الذمّي وجب عليه الخمس ، وإن قلنا(3) بعدم دخول الأرض في المبيع وإنّ المبيع هو الآثار ، ويثبت في الأرض حقّ الاختصاص للمشتري ، وأمّا إذا قلنا بدخولها فيه فواضح ، كما أ نّه كذلك إذا باعها منه أهل الخمس بعد أخذ خمسها ، فإنّهم مالكون لرقبتها ، ويجوز لهم بيعها .

(مسألة 41) : لا فرق في ثبوت الخمس في الأرض المشتراة بين أن تبقى على ملكية الذمّي بعد شرائه ، أو انتقلت منه بعد الشراء إلى مسلم آخر ، كما لو باعها منه بعد الشراء أو مات وانتقلت إلى وارثه المسلم ، أو ردّها إلى البائع بإقالة

أو غيرها ، فلا يسقط الخمس بذلك ، بل الظاهر ثبوته أيضاً لو كان للبائع خيار ففسخ بخياره .

(مسألة 42) : إذا اشترى الذمّي الأرض من المسلم وشرط عليه عدم الخمس

ص: 199


1- - مرّ الكلام فيه .
2- - مرّ ما هو الأقوى ، نعم إذا بيعت بنفسها في مورد صحّ بيعها يتعلّق بها الخمس .
3- - إن قلنا بذلك فلا إشكال في عدم ثبوته .

لم يصحّ ، وكذا لو اشترط كون الخمس على البائع ، نعم لو شرط على البائع المسلم أن يعطي مقداره عنه ، فالظاهر جوازه .

(مسألة 43) : إذا اشتراها من مسلم ثمّ باعها منه أو من مسلم آخر ، ثمّ اشتراها ثانياً وجب عليه خمسان : خمس الأصل للشراء أوّلاً ، وخمس أربعة(1) أخماس للشراء ثانياً .

(مسألة 44) : إذا اشترى الأرض من المسلم ثمّ أسلم بعد الشراء لم يسقط(2) عنه الخمس ، نعم لو كانت المعاملة ممّا يتوقّف الملك فيه على القبض فأسلم بعد العقد وقبل القبض سقط عنه ؛ لعدم تمامية ملكه في حال الكفر .

(مسألة 45) : لو تملّك ذمّي من مثله بعقد مشروط بالقبض فأسلم الناقل قبل القبض ففي ثبوت الخمس وجهان ، أقواهما(3) الثبوت .

(مسألة 46) : الظاهر عدم سقوطه إذا شرط البائع على الذمّي أن يبيعها بعد الشراء من مسلم .

(مسألة 47) : إذا اشترى المسلم من الذمّي أرضاً ثمّ فسخ بإقالة أو بخيار ففي ثبوت الخمس وجه ، لكن الأوجه خلافه ؛ حيث إنّ الفسخ ليس معاوضة .

(مسألة 48) : من بحكم المسلم بحكم المسلم .

ص: 200


1- - إذا أجاز وليّ الخمس بيع الذمّي فالظاهر وجوب خمس الجميع عليه ثانياً .
2- - مع بقاء العين ، وأمّا مع تلفها حكماً كما لو أحاط عليها الماء بحيث سقطت عن الانتفاع ، فالظاهر سقوطه .
3- - محلّ إشكال .

(مسألة 49) : إذا بيع خمس الأرض التي اشتراها الذمّي عليه ، وجب عليه(1) خمس ذلك الخمس الذي اشتراه وهكذا .

السابع : ما يفضل عن مؤونة سنته ومؤونة عياله من أرباح التجارات ومن سائر التكسّبات ؛ من الصناعات والزراعات والإجارات حتّى الخياطة والكتابة والنجارة والصيد وحيازة المباحات واُجرة العبادات الاستئجارية من الحجّ والصوم والصلاة والزيارات وتعليم الأطفال وغير ذلك من الأعمال التي لها اُجرة ، بل الأحوط ثبوته في مطلق الفائدة(2) وإن لم تحصل بالاكتساب ، كالهبة والهديّة والجائزة والمال الموصى به ونحوها ، بل لا يخلو عن قوّة ، نعم لا خمس في الميراث إلاّ في الذي ملكه من حيث لا يحتسب ، فلا يترك الاحتياط فيه ، كما إذا كان له رحم بعيد في بلد آخر لم يكن عالماً به فمات وكان هو الوارث له ، وكذا لا يترك في حاصل الوقف الخاصّ ، بل وكذا في النذور ، والأحوط استحباباً ثبوته في عوض الخلع والمهر ومطلق الميراث - حتّى المحتسب منه - ونحو ذلك .

(مسألة 50) : إذا علم أنّ مورّثه لم يؤدّ خمس ما تركه وجب إخراجه ؛ سواء كانت العين التي تعلّق بها الخمس موجودة فيها ، أو كان الموجود عوضها ، بل لو علم باشتغال ذمّته بالخمس وجب إخراجه من تركته مثل سائر الديون .

ص: 201


1- - لكن ليس منه ما إذا قوّمت الأرض التي تعلّق بها الخمس وأدّى قيمتها ، فإنّ الأقوى عدم وجوبه عليه .
2- - وإن كان عدم التعلّق بغير ما يحصل بالاكتساب لا يخلو من قوّة ، وعلى هذا لا يتعلّق بنحو الهبات وما تتلوها ، ولا بالميراث مطلقاً ، ولا بالنذر ، ولا في حاصل الوقف الخاصّ ، إلاّ إذا كان على نحو الاستنماء والاكتساب بالزراعة .

(مسألة 51) : لا خمس فيما ملك بالخمس أو الزكاة أو الصدقة المندوبة وإن زاد عن مؤونة السنة ، نعم لو نمت في ملكه ففي نمائها يجب(1) كسائر النماءات .

(مسألة 52) : إذا اشترى شيئاً ثمّ علم أنّ البائع لم يؤدّ خمسه كان البيع بالنسبة إلى مقدار الخمس فضولياً ، فإن أمضاه الحاكم يرجع عليه بالثمن ، ويرجع هو على البائع إذا أدّاه ، وإن لم يمضِ فله أن يأخذ مقدار الخمس من المبيع ، وكذا إذا انتقل إليه بغير البيع من المعاوضات ، وإن انتقل إليه بلا عوض يبقى مقدار خمسه على ملك أهله .

(مسألة 53) : إذا كان عنده من الأعيان التي لم يتعلّق بها الخمس أو تعلّق بها لكنّه أدّاه ، فنمت وزادت زيادة متّصلة أو منفصلة ، وجب الخمس(2) في ذلك النماء ، وأمّا لو ارتفعت قيمتها السوقية من غير زيادة عينية ، لم يجب خمس تلك الزيادة ؛ لعدم صدق التكسّب ولا صدق حصول الفائدة ، نعم لو باعها لم يبعد(3) وجوب خمس تلك الزيادة من الثمن ، هذا إذا لم تكن تلك العين من مال التجارة ورأس مالها ، كما إذا كان المقصود من شرائها أو إبقائها في ملكه الانتفاع بنمائها أو نتاجها أو اُجرتها أو نحو ذلك من منافعها ، وأمّا إذا كان المقصود الاتّجار بها ، فالظاهر وجوب خمس ارتفاع قيمتها بعد تمام السنة إذا أمكن بيعها وأخذ قيمتها .

(مسألة 54) : إذا اشترى عيناً للتكسّب بها ، فزادت قيمتها السوقية ولم يبعها

ص: 202


1- - إذا استبقاها للاسترباح والاستنماء لا مطلقاً .
2- - إذا كان الاستبقاء للاكتساب بنمائها المتّصلة أو المنفصلة لا مطلقاً .
3- - بل لا يبعد عدم الوجوب .

غفلة أو طلباً للزيادة ثمّ رجعت قيمتها إلى رأس مالها أو أقلّ قبل تمام السنة لم يضمن خمس تلك الزيادة ؛ لعدم تحقّقها في الخارج ، نعم لو لم يبعها عمداً بعد تمام السنة واستقرار وجوب الخمس ضمنه(1) .

(مسألة 55) : إذا عمّر بستاناً وغرس فيه أشجاراً ونخيلاً للانتفاع بثمرها وتمرها لم يجب الخمس في نموّ تلك الأشجار والنخيل ، وأمّا إن كان من قصده الاكتساب بأصل البستان فالظاهر وجوب الخمس في زيادة قيمته وفي نموّ أشجاره ونخيله .

(مسألة 56) : إذا كان له أنواع من الاكتساب والاستفادة ، كأن يكون له رأس مال يتّجر به ، وخان يؤجره ، وأرض يزرعها ، وعمل يد مثل الكتابة أو الخياطة أو النجارة أو نحو ذلك يلاحظ في آخر السنة ما استفاده من المجموع من حيث المجموع ، فيجب عليه خمس ما حصل منها بعد خروج مؤونته .

(مسألة 57) : يشترط في وجوب خمس الربح أو الفائدة استقراره فلو اشترى شيئاً فيه ربح وكان للبائع الخيار ، لا يجب(2) خمسه إلاّ بعد لزوم البيع ومضيّ زمن خيار البائع .

(مسألة 58) : لو اشترى ما فيه ربح ببيع الخيار فصار البيع لازماً فاستقاله البائع فأقاله لم يسقط(3) الخمس ، إلاّ إذا كان من شأنه أن يقيله ، كما في غالب موارد بيع شرط الخيار إذا ردّ مثل الثمن .

ص: 203


1- - على الأحوط .
2- - في غير الخيار المشروط بردّ الثمن محلّ تأمّل .
3- - الظاهر سقوطه مطلقاً .

(مسألة 59) : الأحوط إخراج(1) خمس رأس المال إذا كان من أرباح مكاسبه ، فإذا لم يكن له مال من أوّل الأمر فاكتسب أو استفاد مقداراً وأراد أن يجعله رأس المال للتجارة ويتّجر به ، يجب إخراج خمسه على الأحوط ثمّ الاتّجار به .

(مسألة 60) : مبدأ السنة التي يكون الخمس بعد خروج مؤونتها حال الشروع في الاكتساب فيمن شغله التكسّب(2) ، وأمّا من لم يكن مكتسباً وحصل له فائدة اتّفاقاً فمن حين حصول الفائدة .

(مسألة 61) : المراد بالمؤونة مضافاً إلى ما يصرف في تحصيل الربح ما يحتاج إليه لنفسه وعياله في معاشه بحسب شأنه اللائق بحاله في العادة ؛ من المأكل والملبس والمسكن ، وما يحتاج إليه لصدقاته وزياراته وهداياه وجوائزه وأضيافه ، والحقوق اللازمة له بنذر أو كفّارة أو أداء دين أو أرش جناية أو غرامة ما أتلفه عمداً أو خطأً ، وكذا ما يحتاج إليه من دابّة أو جارية أو عبد أو أسباب أو ظرف أو فرش أو كتب ، بل وما يحتاج إليه لتزويج أولاده أو ختانهم ، ونحو ذلك مثل ما يحتاج إليه في المرض وفي موت أولاده أو عياله إلى غير ذلك ممّا يحتاج إليه في معاشه ، ولو زاد على ما يليق بحاله ممّا يعدّ سفهاً وسرفاً بالنسبة إليه لا يحسب منها .

ص: 204


1- - إلاّ إذا احتاج إلى مجموعه ؛ بحيث إذا أخرج خمسه لا يفي الباقي بإعاشته ، أو حفظ شأنه .
2- - إذا كان ممّن يستفيد تدريجاً كنوع التجارات ، وأمّا إذا كان ممّن يستفيد دفعياً عرفاً كالزارع ومن عنده النخيل ، فمن حين حصول الفائدة والربح ، وأمّا فيما تحصل الفائدة بغير الاكتساب فقد مرّ عدم الخمس فيها .

(مسألة 62) : في كون رأس المال للتجارة مع الحاجة إليه من المؤونة إشكال(1) ، فالأحوط - كما مرّ - إخراج خمسه أوّلاً ، وكذا في الآلات المحتاج إليها في كسبه مثل آلات النجارة للنجّار ، وآلات النساجة للنسّاج ، وآلات الزراعة للزرّاع وهكذا ، فالأحوط إخراج خمسها أيضاً أوّلاً .

(مسألة 63) : لا فرق في المؤونة بين ما يصرف عينه فتتلف ، مثل المأكول والمشروب ونحوهما ، وبين ما ينتفع به مع بقاء عينه ، مثل الظروف والفروش ونحوها ، فإذا احتاج إليها في سنة الربح يجوز شراؤها من ربحها وإن بقيت للسنين الآتية أيضاً .

(مسألة 64) : يجوز إخراج المؤونة من الربح وإن كان عنده مال لا خمس فيه ؛ بأن لم يتعلّق به أو تعلّق وأخرجه ، فلا يجب إخراجها من ذلك بتمامها ولا التوزيع وإن كان الأحوط التوزيع ، وأحوط منه إخراجها بتمامها من المال الذي لا خمس فيه ، ولو كان عنده عبد أو جارية أو دار أو نحو ذلك ممّا لو لم يكن عنده كان من المؤونة لا يجوز احتساب قيمتها من المؤونة ، وأخذ مقدارها ، بل يكون حاله حال من لم يحتج إليها أصلاً .

(مسألة 65) : المناط في المؤونة ما يصرف فعلاً لا مقدارها ، فلو قتّر على نفسه لم يحسب له ، كما أ نّه لو تبرّع بها متبرّع لا يستثنى له مقدارها على الأحوط ، بل لا يخلو عن قوّة .

(مسألة 66) : إذا استقرض من ابتداء سنته لمؤونته ، أو صرف بعض رأس المال فيها قبل حصول الربح يجوز له وضع مقداره من الربح .

ص: 205


1- - تقدّم الكلام فيه ، ويأتي التفصيل المتقدّم في الآلات أيضاً .

(مسألة 67) : لو زاد ما اشتراه وادّخره للمؤونة من مثل الحنطة والشعير والفحم ونحوها ممّا يصرف عينه فيها يجب إخراج خمسه عند تمام الحول ، وأمّا ما كان مبناه على بقاء عينه والانتفاع به مثل الفرش والأواني والألبسة والعبد والفرس والكتب ونحوها ، فالأقوى عدم الخمس فيها ، نعم لو فرض الاستغناء عنها ، فالأحوط(1) إخراج الخمس منها ، وكذا في حلي النسوان إذا جاز وقت لبسهنّ لها .

(مسألة 68) : إذا مات المكتسب في أثناء الحول بعد حصول الربح سقط اعتبار المؤونة في باقيه ، فلا يوضع من الربح مقدارها على فرض الحياة .

(مسألة 69) : إذا لم يحصل له ربح في تلك السنة وحصل في السنة اللاحقة ، لا يخرج مؤونتها من ربح السنة اللاحقة .

(مسألة 70) : مصارف الحجّ من مؤونة عام الاستطاعة ، فإذا استطاع في أثناء حول حصول الربح وتمكّن من المسير - بأن صادف سير الرفقة في ذلك العام - احتسب مخارجه من ربحه ، وأمّا إذا لم يتمكّن حتّى انقضى العام وجب عليه خمس ذلك الربح ، فإن بقيت الاستطاعة إلى السنة الآتية وجب وإلاّ فلا ، ولو تمكّن وعصى حتّى انقضى الحول فكذلك على الأحوط(2) ، ولو حصلت الاستطاعة من أرباح سنين متعدّدة وجب الخمس فيما سبق على عام الاستطاعة ، وأمّا المقدار المتمّم لها في تلك السنة فلا يجب خمسه إذا تمكّن من المسير ، وإذا لم يتمكّن فكما سبق يجب إخراج خمسه .

ص: 206


1- - والأقوى عدم الوجوب إذا استغنى عنها بعد عام الربح ، وكذا في الحلي .
2- - بل الأقوى ، وكذا في المتمّم إذا عصى ولم يسر .

(مسألة 71) : أداء الدين(1) من المؤونة ؛ إذا كان في عام حصول الربح ، أو كان سابقاً ولكن لم يتمكّن(2) من أدائه إلى عام حصول الربح ، وإذا لم يؤدّ دينه حتّى انقضى العام فالأحوط(3) إخراج الخمس أوّلاً ، وأداء الدين ممّا بقي ، وكذا الكلام في النذور والكفّارات .

(مسألة 72) : متى حصل الربح وكان زائداً على مؤونة السنة تعلّق به الخمس ؛ وإن جاز له التأخير في الأداء إلى آخر السنة ، فليس تمام الحول شرطاً في وجوبه ، وإنّما هو إرفاق بالمالك ؛ لاحتمال تجدّد مؤونة اُخرى زائداً على ما ظنّه ، فلو أسرف أو أتلف ماله في أثناء الحول لم يسقط الخمس ، وكذا لو وهبه(4) أو اشترى بغبن حيلة في أثنائه .

(مسألة 73) : لو تلف بعض أمواله ممّا ليس من مال التجارة أو سرق أو نحو ذلك لم يجبر بالربح وإن كان في عامه ؛ إذ ليس محسوباً من المؤونة .

(مسألة 74) : لو كان له رأس مال وفرّقه في أنواع من التجارة فتلف رأس المال أو بعضه من نوع منها فالأحوط عدم(5) جبره بربح تجارة اُخرى ، بل وكذا

ص: 207


1- - إذا كان لمؤونته ، أو حصل بأسباب قهرية كقيم المتلفات واُروش الجنايات ، وتلحق بها النذور والكفّارات .
2- - بل وإن تمكّن .
3- - بل الأقوى ؛ إذا لم تكن لمؤونة العام .
4- - هبة غير لائقة بحاله ، أو لمحض الحيلة ، كمن وهب بأهله - فراراً من الخمس - في هذا العام ثمّ وهبه أهله بعد العام .
5- - الظاهر أنّ الميزان في الجبر وعدمه هو استقلال التجارة ورأس المال وعدمه ، بمعنى أ نّه لو كان له رأس مال جعله في شعب يجمعها شعبة مركزية بحسب المحاسبات والدخل والخرج والدفتر ، يجبر النقص ولو كان الأنواع مختلفة ، ولو كان له رأس مال آخر مستقلّ غير مربوط بالآخر من حيث رأس المال والجمع والخرج والمحاسبات ، لم يجبر به نقص الآخر ولو كان الاتّجار بنوع واحد . وكذا الحال في التجارة والزراعة فيجري فيهما ما ذكرنا من استقلال رأس المال وعدمه .

الأحوط عدم جبر خسران نوع بربح اُخرى لكن الجبر لا يخلو عن قوّة ، خصوصاً في الخسارة ، نعم لو كان له تجارة وزراعة - مثلاً - فخسر في تجارته أو تلف رأس ماله فيها فعدم الجبر لا يخلو عن قوّة ، خصوصاً في صورة التلف ، وكذا العكس ، وأمّا التجارة الواحدة ، فلو تلف بعض رأس المال فيها وربح الباقي فالأقوى الجبر ، وكذا في الخسران والربح في عام واحد في وقتين ؛ سواء تقدّم الربح أو الخسران ، فإنّه يجبر الخسران بالربح .

(مسألة 75) : الخمس بجميع أقسامه متعلّق بالعين ، ويتخيّر المالك(1) بين دفع خمس العين أو دفع قيمته من مال آخر ؛ نقداً أو جنساً(2) ، ولا يجوز له التصرّف في العين قبل أداء الخمس وإن ضمنه في ذمّته ، ولو أتلفه بعد استقراره ضمنه ، ولو اتّجر به قبل إخراج الخمس كانت المعاملة فضولية بالنسبة إلى مقدار الخمس ، فإن أمضاه الحاكم الشرعي أخذ العوض وإلاّ رجع بالعين بمقدار الخمس إن كانت موجودة ، وبقيمته إن كانت تالفة ، ويتخيّر في أخذ القيمة بين الرجوع على المالك أو على الطرف المقابل الذي أخذها وأتلفها ، هذا إذا كانت

ص: 208


1- - لا يخلو من إشكال ؛ وإن كان التخيير لا يخلو من قرب ، إلاّ في الحلال المختلط بالحرام ، فلا يترك الاحتياط فيه بإخراج خمس العين .
2- - لا يخلو من إشكال ، إلاّ أن يرى الحاكم مصلحة فيه .

المعاملة بعين الربح ، وأمّا إذا كانت في الذمّة ودفعها عوضاً فهي صحيحة ولكن لم تبرأ ذمّته بمقدار الخمس ، ويرجع الحاكم به إن كانت العين موجودة ، وبقيمته إن كانت تالفة مخيّراً حينئذٍ بين الرجوع على المالك أو الآخذ أيضاً .

(مسألة 76) : يجوز له أن يتصرّف في بعض الربح ما دام مقدار الخمس منه باقٍ في يده مع قصده إخراجه من البقيّة ؛ إذ شركة أرباب الخمس مع المالك إنّما هي على وجه الكلّي في المعيّن(1) ، كما أنّ الأمر في الزكاة أيضاً كذلك ، وقد مرّ في بابها .

(مسألة 77) : إذا حصل الربح في ابتداء السنة أو في أثنائها فلا مانع من التصرّف فيه بالاتّجار ، وإن حصل منه ربح لا يكون ما يقابل خمس الربح الأوّل منه لأرباب الخمس ، بخلاف ما إذا اتّجر به بعد تمام الحول ، فإنّه إن حصل ربح كان ما يقابل الخمس من الربح لأربابه(2) مضافاً إلى أصل الخمس ، فيخرجهما أوّلاً ، ثمّ يخرج خمس بقيّته إن زادت على مؤونة السنة .

(مسألة 78) : ليس للمالك أن ينقل الخمس إلى ذمّته ثمّ التصرّف فيه كما أشرنا إليه ، نعم يجوز له(3) ذلك بالمصالحة مع الحاكم ، وحينئذٍ فيجوز له التصرّف فيه ، ولا حصّة له من الربح إذا اتّجر به ، ولو فرض تجدّد مؤن له في أثناء الحول على وجه لا يقوم بها الربح انكشف فساد الصلح .

ص: 209


1- - الأقرب أنّ الشركة على وجه الإشاعة ، فلا يتصرّف في البعض بالنقل والإتلاف إلاّ بعد إخراج الخمس .
2- - بعد إمضاء الوليّ .
3- - بعد تمام الحول ، وأمّا قبله فتصرّفه لا يتوقّف على المصالحة ، مع أنّ صحّتها قبله محلّ إشكال .

(مسألة 79) : يجوز له تعجيل إخراج خمس الربح إذا حصل في أثناء السنة ، ولا يجب التأخير إلى آخرها ، فإنّ التأخير من باب الإرفاق كما مرّ ، وحينئذٍ فلو أخرجه بعد تقدير المؤونة بما يظنّه فبان بعد ذلك عدم كفاية الربح لتجدّد مؤن لم يكن يظنّها ، كشف ذلك عن عدم صحّته خمساً ، فله الرجوع به على المستحقّ مع بقاء عينه ، لا مع تلفها في يده ، إلاّ إذا كان عالماً بالحال ، فإنّ الظاهر ضمانه حينئذٍ .

(مسألة 80) : إذا اشترى بالربح قبل إخراج الخمس جارية لا يجوز له وطؤها ، كما أ نّه لو اشترى به ثوباً لا يجوز الصلاة فيه ، ولو اشترى به ماءً للغسل أو الوضوء لم يصحّ وهكذا ، نعم لو بقي منه بمقدار الخمس في يده وكان قاصداً لإخراجه منه جاز وصحّ كما مرّ نظيره(1) .

(مسألة 81) : قد مرّ أنّ مصارف الحجّ الواجب إذا استطاع في عام الربح وتمكّن من المسير(2) من مؤونة تلك السنة ، وكذا مصارف الحجّ المندوب والزيارات ، والظاهر أنّ المدار على وقت إنشاء السفر ، فإن كان إنشاؤه في عام الربح فمصارفه من مؤونته ذهاباً وإياباً ، وإن تمّ الحول في أثناء السفر فلا يجب(3) إخراج خمس ما صرفه في العام الآخر في الإياب ، أو مع المقصد وبعض الذهاب .

(مسألة 82) : لو جعل الغوص أو المعدن مكسباً له كفاه إخراج خمسهما

ص: 210


1- - ومرّ الكلام فيه .
2- - وسار ، وكذا في الحجّ [المندوب] وغيره .
3- - محلّ إشكال بالنسبة إلى ما يصرفه ويفنيه ، بل لزوم الإخراج لا يخلو من قوّة . نعم ، الظاهر عدم الوجوب بالنسبة إلى ما يبقى عينه ويستفاد منها كالدابّة .

أوّلاً ، ولا يجب عليه خمس آخر من باب ربح المكسب بعد إخراج مؤونة سنته .

(مسألة 83) : المرأة التي تكتسب في بيت زوجها ، ويتحمّل زوجها مؤونتها يجب عليها خمس ما حصل لها من غير اعتبار إخراج المؤونة ، إذ هي على زوجها(1) إلاّ أن لا يتحمّل .

(مسألة 84) : الظاهر عدم اشتراط التكليف والحرّية في الكنز والغوص والمعدن والحلال المختلط بالحرام والأرض التي(2) يشتريها الذمّي من المسلم ، فيتعلّق بها الخمس ، ويجب على الوليّ والسيّد إخراجه ، وفي تعلّقه بأرباح مكاسب الطفل إشكال ، والأحوط إخراجه بعد بلوغه .

فصل : في قسمة الخمس ومستحقّه

(مسألة 1) : يقسّم الخمس ستّة أسهم على الأصحّ : سهم للّه سبحانه وسهم للنبي صلی الله علیه و آله وسلم وسهم للإمام علیه السلام ، وهذه الثلاثة الآن لصاحب الزمان - أرواحنا له الفداء وعجّل اللّه تعالى فرجه - وثلاثة للأيتام والمساكين وأبناء السبيل ، ويشترط في الثلاثة الأخيرة الإيمان(3) ، وفي الأيتام الفقر ، وفي أبناء السبيل الحاجة في بلد التسليم وإن كان غنيّاً في بلده ، ولا فرق بين أن يكون سفره في طاعة أو معصية(4) ، ولا يعتبر في المستحقّين العدالة وإن كان الأولى ملاحظة

ص: 211


1- - وبعض الزيادات التي ليست عليه لو أنفق عليها تبرّعاً لا يحسب مقدارها من المؤونة .
2- - لا تخلو هذه من إشكال ، ولا يترك الاحتياط فيها بالإخراج بعد البلوغ .
3- - أو ما في حكمه .
4- - بل يعتبر أن لا يكون في معصية .

المرجّحات ، والأولى أن لا يعطى لمرتكبي الكبائر ، خصوصاً مع التجاهر(1) ، بل يقوى عدم الجواز إذا كان في الدفع إعانة على الإثم وسيّما إذا كان في المنع الردع عنه ، ومستضعف كلّ فرقة ملحق بها .

(مسألة 2) : لا يجب البسط على الأصناف ، بل يجوز دفع تمامه إلى أحدهم ، وكذا لا يجب استيعاب أفراد كلّ صنف ، بل يجوز الاقتصار على واحد ، ولو أراد البسط لا يجب التساوي بين الأصناف أو الأفراد .

(مسألة 3) : مستحقّ الخمس من انتسب إلى هاشم بالاُبوّة ، فإن انتسب إليه بالاُمّ لم يحلّ له الخمس ، وتحلّ له الزكاة ، ولا فرق بين أن يكون علوياً أو عقيلياً أو عبّاسياً وينبغي تقديم الأتمّ علقة بالنبي صلی الله علیه و آله وسلم على غيره ، أو توفيره كالفاطميّين .

(مسألة 4) : لا يصدّق من ادّعى النسب إلاّ بالبيّنة أو الشياع المفيد للعلم ، ويكفي الشياع والاشتهار في بلده ، نعم يمكن الاحتيال في الدفع إلى مجهول الحال بعد معرفة عدالته بالتوكيل على الإيصال إلى مستحقّه على وجه يندرج فيه الأخذ لنفسه أيضاً ، ولكن الأولى بل الأحوط عدم الاحتيال المذكور .

(مسألة 5) : في جواز دفع الخمس إلى من يجب عليه نفقته إشكال ، خصوصاً في الزوجة ، فالأحوط عدم دفع خمسه إليهم ؛ بمعنى الإنفاق عليهم محتسباً ممّا عليه من الخمس ، أمّا دفعه إليهم لغير النفقة الواجبة ممّا يحتاجون إليه - ممّا لا يكون واجباً عليه كنفقة من يعولون ونحو ذلك -

ص: 212


1- - الأحوط عدم الدفع إلى المتهتّك المتجاهر .

فلا بأس به ، كما لا بأس بدفع خمس غيره إليهم ولو للإنفاق مع فقره حتّى الزوجة ؛ إذا لم يقدر على إنفاقها .

(مسألة 6) : لا يجوز دفع الزائد عن مؤونة السنة لمستحقّ واحد ولو دفعة على الأحوط .

(مسألة 7) : النصف من الخمس الذي للإمام علیه السلام أمره في زمان الغيبة راجع إلى نائبه ؛ وهو المجتهد الجامع للشرائط ، فلا بدّ من الإيصال إليه أو الدفع إلى المستحقّين بإذنه ، والأحوط له(1) الاقتصار على السادة ما دام لم يكفهم النصف الآخر ، وأمّا النصف الآخر الذي للأصناف الثلاثة فيجوز للمالك دفعه إليهم بنفسه لكنّ الأحوط(2) فيه أيضاً الدفع إلى المجتهد أو بإذنه ؛ لأ نّه أعرف بمواقعه والمرجّحات التي ينبغي ملاحظتها .

(مسألة 8) : لا إشكال في جواز نقل الخمس من بلده إلى غيره إذا لم يوجد المستحقّ فيه ، بل قد يجب كما إذا لم يمكن حفظه مع ذلك ، أو لم يكن وجود المستحقّ فيه متوقّعاً بعد ذلك ، ولا ضمان حينئذٍ عليه لو تلف ، والأقوى جواز النقل مع وجود المستحقّ أيضاً ، لكن مع الضمان لو تلف ، ولا فرق بين البلد القريب والبعيد ؛ وإن كان الأولى القريب ، إلاّ مع المرجّح للبعيد .

(مسألة 9) : لو أذن الفقيه في النقل لم يكن عليه ضمان ولو مع وجود المستحقّ ، وكذا لو وكّله في قبضه عنه بالولاية العامّة ثمّ أذن في نقله .

ص: 213


1- - إذا لم يكن مصرف آخر أهمّ بنظره .
2- - لا يترك هذا الاحتياط .

(مسألة 10) : مؤونة النقل على الناقل في صورة الجواز ، ومن الخمس(1) في صورة الوجوب .

(مسألة 11) : ليس من النقل لو كان له مال(2) في بلد آخر فدفعه فيه للمستحقّ عوضاً عن الذي عليه في بلده ، وكذا لو كان له دين في ذمّة شخص في بلد آخر فاحتسبه خمساً ، وكذا لو نقل قدر الخمس(3) من ماله إلى بلد آخر فدفعه عوضاً عنه .

(مسألة 12) : لو كان الذي فيه الخمس في غير بلده ، فالأولى دفعه هناك ، ويجوز نقله إلى بلده مع الضمان .

(مسألة 13) : إن كان المجتهد الجامع للشرائط في غير بلده جاز(4) نقل حصّة الإمام علیه السلام إليه ، بل الأقوى جواز ذلك(5) ولو كان المجتهد الجامع للشرائط موجوداً في بلده أيضاً ، بل الأولى النقل إذا كان من في بلد آخر أفضل ، أو كان هناك مرجّح آخر .

(مسألة 14) : قد مرّ أ نّه يجوز للمالك أن يدفع الخمس من مال آخر له نقداً أو عروضاً(6) ، ولكن يجب أن يكون بقيمته الواقعية ، فلو حسب العروض

ص: 214


1- - فيه تأمّل .
2- - مرّ الاحتياط في مثله .
3- - من غير ما يتعلّق به الخمس .
4- - بل وجب مع عدم المجتهد في البلد .
5- - مع الضمان .
6- - مرّ الاحتياط فيه .

بأزيد من قيمتها لم تبرأ ذمّته(1) وإن قبل المستحقّ ورضي به .

(مسألة 15) : لا تبرأ ذمّته من الخمس إلاّ بقبض المستحقّ أو الحاكم ؛ سواء كان في ذمّته أو في العين الموجودة ، وفي تشخيصه بالعزل إشكال .

(مسألة 16) : إذا كان له في ذمّة المستحقّ دين جاز له احتسابه(2) خمساً ، وكذا في حصّة الإمام علیه السلام إذا أذن المجتهد .

(مسألة 17) : إذا أراد المالك أن يدفع العوض نقداً أو عروضاً(3) لا يعتبر فيه رضا المستحقّ ، أو المجتهد بالنسبة إلى حصّة الإمام علیه السلام ؛ وإن كانت العين التي فيها الخمس موجودة ، لكن الأولى اعتبار رضاه خصوصاً في حصّة الإمام علیه السلام .

(مسألة 18) : لا يجوز للمستحقّ أن يأخذ من باب الخمس ويردّه على المالك إلاّ في بعض الأحوال ، كما إذا كان عليه مبلغ كثير ولم يقدر على أدائه ؛ بأن صار معسراً وأراد تفريغ الذمّة ، فحينئذٍ لا مانع منه إذا رضي المستحقّ بذلك .

(مسألة 19) : إذا انتقل إلى الشخص مال فيه الخمس ممّن لا يعتقد وجوبه - كالكافر ونحوه - لم يجب عليه إخراجه ، فإنّهم علیهم السلام أباحوا لشيعتهم ذلك ؛ سواء كان من ربح تجارة أو غيرها ، وسواء كان من المناكح والمساكن والمتاجر أو غيرها .

ص: 215


1- - بالنسبة إلى الزيادة .
2- - مع إذن الحاكم على الأحوط ، وأحوط منه القبض والإقباض أيضاً .
3- - الأحوط رضا المجتهد وإذنه في سهم السادة أيضا .

كتاب الحجّ

اشارة

الذي هو أحد أركان الدين ومن أوكد فرائض المسلمين ، قال اللّه تعالى : )وَللّه ِ عَلَى النّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً( . غير خفيّ على الناقد البصير ما في الآية الشريفة من فنون التأكيد ، وضروب الحثّ والتشديد ، ولا سيّما ما عرّض به تاركه ؛ من لزوم كفره وإعراضه عنه بقوله عزّ شأنه : )وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّه َ غَنِىٌّ عَنِ العَالَمِينَ( . وعن الصادق uفي قوله عزّ من قائل : )وَمَنْ كَانَ فِى هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِى الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً( ذاك الذي يسوّف الحجّ ؛ يعني حجّة الإسلام حتّى يأتيه الموت ، وعنه علیه السلام : «من مات وهو صحيح موسر لم يحجّ ، فهو ممّن قال اللّه تعالى : )وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى(» ، وعنه علیه السلام : «من مات ولم يحجّ حجّة الإسلام ؛ لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به ، أو مرض لا يطيق فيه الحجّ ، أو سلطان يمنعه ، فليمت يهودياً أو نصرانياً» ، وفي آخر : «من سوّف الحجّ حتّى يموت ، بعثه اللّه يوم القيامة يهودياً أو نصرانياً» ، وفي آخر : «ما تخلّف رجل عن الحجّ إلاّ بذنب وما يعفو اللّه أكثر» ، وعنهم مستفيضاً : «بني الإسلام على خمس : الصلاة والزكاة والحجّ والصوم والولاية» .

والحجّ فرضه ونفله عظيم فضله ، خطير أجره ، جزيل ثوابه ، جليل جزاؤه ،

ص: 216

وكفاه ما تضمّنه من وفود العبد على سيّده ، ونزوله في بيته ومحلّ ضيافته وأمنه ، وعلى الكريم إكرام ضيفه وإجارة الملتجئ إلى بيته ، فعن الصادق علیه السلام : «الحاجّ والمعتمر وفد اللّه إن سألوه أعطاهم ، وإن دعوه أجابهم ، وإن شفّعوا شفّعهم ، وإن سكتوا بدأهم ، ويعوّضون بالدرهم ألف ألف درهم» ، وعنه علیه السلام : «الحجّ والعمرة سوقان من أسواق الآخرة اللازم لهما في ضمان اللّه ، إن أبقاه أدّاه إلى عياله ، وإن أماته أدخله الجنّة» ، وفي آخر : «إن أدرك ما يأمل غفر اللّه له ، وإن قصر به أجله وقع أجره على اللّه عزّ وجلّ» ، وفي آخر : «فإن مات متوجّهاً غفر اللّه له ذنوبه ، وإن مات محرماً بعثه ملبّياً ، وإن مات بأحد الحرمين بعثه من الآمنين ، وإن مات منصرفاً غفر اللّه له جميع ذنوبه» . وفي الحديث : «إنّ من الذنوب ما لا يكفّره إلاّ الوقوف بعرفة» ، وعنه صلی الله علیه و آله وسلم في مرضه الذي توفّي فيه في آخر ساعة من عمره الشريف : «يا أباذرّ اجلس بين يدي اعقد بيدك : من ختم له بشهادة أن لا إله إلاّ اللّه دخل الجنّة - إلى أن قال - : ومن ختم له بحجّة دخل الجنّة ، ومن ختم له بعمرة دخل الجنّة . . .» الخبر ، وعنه صلی الله علیه و آله وسلم : «وفد اللّه ثلاثة : الحاجّ والمعتمر والغازي ، دعاهم اللّه فأجابوه ، وسألوه فأعطاهم» ، وسأل الصادق علیه السلام رجل في المسجد الحرام : من أعظم الناس وزراً ؟ فقال : «من يقف بهذين الموقفين - عرفة والمزدلفة - وسعى بين هذين الجبلين ثمّ طاف بهذا البيت وصلّى خلف مقام إبراهيم علیه السلام ، ثمّ قال في نفسه وظنّ أنّ اللّه لم يغفر له ، فهو من أعظم الناس وزراً» ، وعنهم علیهم السلام : «الحاجّ مغفور له وموجوب له الجنّة ، ومستأنف به العمل ومحفوظ في أهله وماله ، وإنّ الحجّ المبرور لا يعدله شيء ولا جزاء له إلاّ الجنّة ، وإنّ الحاجّ يكون كيوم ولدته اُمّه ، وإنّه يمكث أربعة أشهر تكتب له الحسنات ، ولا تكتب عليه السيّئات إلاّ أن يأتي بموجبه ، فإذا مضت الأربعة الأشهر خلط

ص: 217

بالناس ، وإنّ الحاجّ يصدرون على ثلاثة أصناف : صنف يعتق من النار ، وصنف يخرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته اُمّه ، وصنف يحفظ في أهله وماله ، فذلك أدنى ما يرجع به الحاجّ ، وإنّ الحاجّ إذا دخل مكّة وكّل اللّه به ملكين يحفظان عليه طوافه وصلاته وسعيه ، فإذا وقف بعرفة ضربا منكبه الأيمن ، ثمّ قالا : أمّا ما مضى فقد كفيته ، فانظر كيف تكون فيما تستقبل» . وفي آخر : «وإذا قضوا مناسكهم قيل لهم : بنيتم بنياناً فلا تنقضوه ، كفيتم ما مضى فأحسنوا فيما تستقبلون» . وفي آخر : «إذا صلّى ركعتي طواف الفريضة يأتيه ملك فيقف عن يساره ، فإذا انصرف ضرب بيده على كتفه فيقول : يا هذا أمّا ما قد مضى فقد غفر لك ، وأمّا ما يستقبل فجدّ» . وفي آخر : «إذا أخذ الناس منازلهم بمنى نادى منادٍ : لو تعلمون بفناء من حللتم لأيقنتم بالخلف بعد المغفرة» . وفي آخر : «إن أردتم أن أرضى فقد رضيت» . وعن الثمالي قال : قال رجل لعلي بن الحسين علیه السلام : تركت الجهاد وخشونته ولزمت الحجّ ولينه ، فكان متّكئاً فجلس وقال : «ويحك أما بلغك ما قال رسول اللّه في حجّة الوداع ؛ إنّه لمّا وقف بعرفة وهمّت الشمس أن تغيب ، قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : يا بلال قل للناس : فلينصتوا ، فلمّا أنصتوا قال : إنّ ربّكم تطوّل عليكم في هذا اليوم فغفر لمحسنكم ، وشفّع محسنكم في مسيئكم فأفيضوا مغفوراً لكم» . وقال النبي لرجل مميل فاته الحجّ والتمس منه ما به ينال أجره : «لو أنّ أبا قبيس لك ذهبة حمراء فأنفقته في سبيل اللّه تعالى ما بلغت ما يبلغ الحاجّ» ، وقال : «إنّ الحاجّ إذا أخذ في جهازه لم يرفع شيئاً ولم يضعه إلاّ كتب اللّه له عشر حسنات ، ومحى عنه عشر سيّئات ، ورفع له عشر درجات ، وإذا ركب بعيره لم يرفع خفّاً ولم يضعه إلاّ كتب اللّه له مثل ذلك ، فإذا طاف بالبيت خرج من ذنوبه ، فإذا سعى بين الصفا والمروة خرج من ذنوبه ،

ص: 218

فإذا وقف بعرفات خرج من ذنوبه ، فإذا وقف بالمشعر خرج من ذنوبه ، فإذا رمى الجمار خرج من ذنوبه - قال : فعدّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم كذا وكذا موقفاً إذا وقفها الحاجّ خرج من ذنوبه - ثمّ قال : أ نّى لك أن تبلغ ما يبلغ الحاجّ» . وقال الصادق علیه السلام : «إنّ الحجّ أفضل من عتق رقبة ، بل سبعين رقبة» بل ورد : «أنّه إذا طاف بالبيت وصلّى ركعتيه كتب اللّه له سبعين ألف حسنة ، وحطّ عنه سبعين ألف سيّئة ، ورفع له سبعين ألف درجة ، وشفّعه في سبعين ألف حاجة ، وحسب له عتق سبعين ألف رقبة ، قيمة كلّ رقبة عشرة آلاف درهم» ، و«إنّ الدرهم فيه أفضل من ألفي ألف درهم فيما سواه من سبيل اللّه تعالى» ، و«إنّه أفضل من الصيام والجهاد والرباط» ، بل «من كلّ شيء ما عدا الصلاة» ، بل في خبر آخر : «إنّه أفضل من الصلاة» أيضاً ولعلّه لاشتماله على فنون من الطاعات لم يشتمل عليها غيره حتّى الصلاة التي هي أجمع العبادات ، أو لأنّ الحجّ فيه صلاة ، والصلاة ليس فيها حجّ ، أو لكونه أشقّ من غيره وأفضل الأعمال أحمزها ، والأجر على قدر المشقّة .

ويستحبّ تكرار الحجّ والعمرة وإدمانهما بقدر القدرة ، فعن الصادق علیه السلام : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : تابعوا بين الحجّ والعمرة فإنّهما ينفيان الفقر والذنوب ، كما ينفي الكير خبث الحديد» . وقال علیه السلام : «حجّ تترى وعمرة تسعى يدفعن عيلة الفقر وميتة السوء» . وقال علي بن الحسين علیه السلام : «حجّوا واعتمروا تصحّ أبدانكم وتتّسع أرزاقكم ، وتكفون مؤونة عيالكم» .

وكما يستحبّ الحجّ بنفسه كذا يستحبّ الإحجاج بماله ، فعن الصادق أ نّه كان إذا لم يحجّ أحجّ بعض أهله ، أو بعض مواليه ، ويقول لنا : «يا بنيّ إن استطعتم فلا يقف الناس بعرفات إلاّ وفيها من يدعو لكم ، فإنّ الحاجّ ليشفّع في ولده

ص: 219

وأهله وجيرانه» ، وقال علي بن الحسين علیه السلام لإسحاق بن عمّار لمّا أخبره أ نّه موطّن على لزوم الحجّ كلّ عام بنفسه أو برجل من أهله بماله : «فأيقن بكثرة المال والبنين ، أو أبشر بكثرة المال» . وفي كلّ ذلك روايات مستفيضة يضيق عن حصرها المقام ، ويظهر من جملة منها أنّ تكرارها ثلاثاً أو سنة وسنة لا إدمان ، ويكره تركه للموسر في كلّ خمس سنين ، وفي عدّة من الأخبار : «أنّ من أوسع اللّه عليه وهو موسر ولم يحجّ في كلّ خمس - وفي رواية : أربع سنين - إنّه لمحروم» ، وعن الصادق علیه السلام : «من أحجّ أربع حجج لم يصبه ضغطة القبر» .

مقدّمة : في آداب السفر ومستحبّاته لحجّ أو غيره

وهي اُمور :

أوّلها - ومن أوكدها - : الاستخارة ؛ بمعنى طلب الخير من ربّه ، ومسألة تقديره له عند التردّد في أصل السفر أو في طريقه أو مطلقاً ، والأمر بها للسفر وكلّ أمر خطير أو مورد خطر مستفيض ، ولا سيّما عند الحيرة والاختلاف في المشورة ، وهي الدعاء لأن يكون خيره فيما يستقبل أمره ، وهذا النوع من الاستخارة هو الأصل فيها ، بل أنكر بعض العلماء ما عداها ممّا يشتمل على التفؤّل والمشاورة بالرقاع والحصى والسبحة والبندقة وغيرها ؛ لضعف غالب أخبارها ؛ وإن كان العمل بها للتسامح في مثلها لا بأس به أيضاً ، بخلاف هذا النوع ؛ لورود أخبار كثيرة بها في كتب أصحابنا ، بل في روايات مخالفينا أيضاً عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم الأمر بها والحثّ عليها . وعن الباقر والصادق علیهما السلام : «كنّا نتعلّم الاستخارة كما نتعلّم السورة من القرآن» . وعن الباقر علیه السلام : «أنّ علي بن الحسين علیه السلام كان يعمل به إذا همّ بأمر حجّ أو عمرة أو بيع أو شراء أو عتق» . بل في كثير من رواياتنا النهي عن

ص: 220

العمل بغير استخارة ، وإنّه من دخل في أمر بغير استخارة ثمّ ابتلى لم يؤجر . وفي كثير منها : «ما استخار اللّه عبد مؤمن إلاّ خار له ، وإن وقع ما يكره» ، وفي بعضها : «إلاّ رماه اللّه بخير الأمرين» ، وفي بعضها : «استخر اللّه مائة مرّة ، ثمّ انظر أجزم الأمرين لك فافعله ، فإنّ الخيرة فيه إن شاء اللّه تعالى» ، وفي بعضها : «ثمّ انظر أيّ شيء يقع في قلبك فاعمل به» ، وليكن ذلك بعنوان المشورة من ربّه ، وطلب الخير من عنده ، وبناء منه أنّ خيره فيما يختاره اللّه له من أمره .

ويستفاد من بعض الروايات أن يكون قبل مشورته ؛ ليكون بدء مشورته منه سبحانه ، وأن يقرنه بطلب العافية ، فعن الصادق علیه السلام : «وليكن استخارتك في عافية فإنّه ربما خير للرجل في قطع يده ، وموت ولده ، وذهاب ماله» ، وأخصر صورة فيها أن يقول : «أستخير اللّه برحمته» ، أو «أستخير اللّه برحمته خيرة في عافية» ، ثلاثاً أو سبعاً أو عشراً أو خمسين أو سبعين أو مائة أو مائة مرّة ومرّة ، والكلّ مرويّ ، وفي بعضها : في الاُمور العظام مائة ، وفي الاُمور اليسيرة بما دونه ، والمأثور من أدعيته كثيرة جدّاً .

والأحسن تقديم تحميد وتمجيد وثناء وصلوات وتوسّل وما يحسن من الدعاء عليها ، وأفضلها بعد ركعتين للاستخارة أو بعد صلوات فريضة أو في ركعات الزوال ، أو في آخر سجدة من صلاة الفجر ، أو في آخر سجدة من صلاة الليل ، أو في سجدة بعد المكتوبة ، أو عند رأس الحسين علیه السلام ، أو في مسجد النبي صلی الله علیه و آله وسلم والكلّ مرويّ ، ومثلها كلّ مكان شريف قريب من الإجابة ، كالمشاهد المشرّفة ، أو حال أو زمان كذلك ، ومن أراد تفصيل ذلك فليطلبه من مواضعه ، ك «مفاتيح الغيب» للمجلسي قدّس سرّه ، و«الوسائل» و«مستدركه» ، وبما ذكر من حقيقة هذا النوع من الاستخارة وأ نّها محض الدعاء والتوسّل وطلب الخير

ص: 221

وانقلاب أمره إليه ، وبما عرفت من عمل السجاد علیه السلام في الحجّ والعمرة ونحوهما يعلم أ نّها راجحة للعبادات أيضاً ، خصوصاً عند إرادة الحجّ ، ولا يتعيّن فيما يقبل التردّد والحيرة ، ولكن في رواية اُخرى : «ليس في ترك الحجّ خيرة» ، ولعلّ المراد بها الخيرة لأصل الحجّ أو للواجب منه .

ثانيها : اختيار الأزمنة المختارة له من الاُسبوع والشهر ، فمن الاُسبوع يختار السبت ، وبعده الثلاثاء والخميس ، والكلّ مرويّ ، وعن الصادق علیه السلام : «من كان مسافراً فليسافر يوم السبت ، فلو أنّ حجراً زال عن جبل يوم السبت لردّه اللّه إلى مكانه» . وعنهم علیهم السلام : «السبت لنا والأحد لبني اُميّة» . وعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «اللهمّ بارك لاُمّتي في بكورها يوم سبتها وخميسها» . ويتجنّب ما أمكنه صبيحة الجمعة قبل صلاتها والأحد ، فقد روي : «أنّ له حدّاً كحدّ السيف» ، والاثنين فهو لبني اُميّة ، والأربعاء فإنّه لبني العبّاس ، خصوصاً آخر أربعاء من الشهر ، فإنّه يوم نحس مستمرّ ، وفي رواية : ترخيص السفر يوم الاثنين مع قراءة سورة «هل أتى» في أوّل ركعة من غداته ، فإنّه يقيه اللّه به من شرّ يوم الاثنين ، وورد أيضاً اختيار يوم الاثنين وحملت على التقيّة وليتجنّب السفر من الشهر والقمر في المحاق ، أو في برج العقرب أو صورته ، فعن الصادق علیه السلام : «من سافر أو تزوّج والقمر في العقرب لم ير الحسنى» ، وقد عدّ أيّام من كلّ شهر وأيّام من الشهر منحوسة يتوقّى من السفر فيها ، ومن ابتداء كلّ عمل بها ، وحيث لم نظفر بدليل صالح عليه لم يهمّنا التعرّض لها ، وإن كان التجنّب منها ومن كلّ ما يتطيّر بها أولى ، ولم يعلم أيضاً أنّ المراد بها شهور الفرس أو العربية ، وقد يوجّه كلّ بوجه غير وجيه ، وعلى كلّ حال فعلاجها لدى الحاجة بالتوكّل والمضيّ ، خلافاً على أهل الطيرة ، فعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «كفّارة الطيرة التوكّل» . وعن أبي الحسن الثاني علیه السلام : «من

ص: 222

خرج يوم الأربعاء لا يدور خلافاً على أهل الطيرة وقي من كلّ آفة ، وعوفي من كلّ عاهة وقضى اللّه حاجته ، وله أن يعالج نحوسة ما نحس من الأيّام بالصدقة» ، فعن الصادق علیه السلام : «تصدّق واخرج أيّ يوم شئت» ، وكذا يفعل أيضاً لو عارضه في طريقه ما يتطيّر به الناس ، ووجد في نفسه من ذلك شيئاً ، وليقل حينئذٍ : «اعتصمت بك يا ربّ من شرّ ما أجد في نفسي فاعصمني» وليتوكّل على اللّه وليمض خلافاً لأهل الطيرة ، ويستحبّ اختيار آخر الليل للسير ، ويكره أوّله ،

ففي الخبر :«الأرض تطوي من آخر الليل» ، وفي آخر : «إيّاك والسير في أوّل الليل وسر في آخره» .

ثالثها : - وهو أهمّها - : التصدّق بشيء عند افتتاح سفره ، ويستحبّ كونها عند وضع الرجل في الركاب ، خصوصاً إذا صادف المنحوسة أو المتطيّر بها من الأيّام والأحوال ، ففي المستفيضة : رفع نحوستها بها ، وليشتري السلامة من اللّه بما يتيسّر له ، ويستحبّ أن يقول عند التصدّق : «اللهمّ إنّي اشتريت بهذه الصدقة سلامتي وسلامة سفري ، اللهمّ احفظني واحفظ ما معي ، وسلّمني وسلّم ما معي ، وبلّغني وبلّغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل» .

رابعها : الوصيّة عند الخروج ، لا سيّما بالحقوق الواجبة .

خامسها : توديع العيال ؛ بأن يجعلهم وديعة عند ربّه ، ويجعله خليفةً عليهم ، وذلك بعد ركعتين أو أربع يركعها عند إرادة الخروج ويقول : «اللهمّ إنّي أستودعك نفسي وأهلي ومالي وذرّيتي ودنياي وآخرتي وأمانتي وخاتمة عملي» . فعن الصادق علیه السلام : «ما استخلف رجل على أهله بخلافة أفضل منها ، ولم يدع بذلك الدعاء إلاّ أعطاه عزّ وجلّ ما سأل» .

سادسها : إعلام إخوانه بسفره ، فعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «حقّ على المسلم إذا أراد

ص: 223

سفراً أن يعلم إخوانه ، وحقّ على إخوانه إذا قدم أن يأتوه» .

سابعها : العمل بالمأثورات ؛ من قراءة السور والآيات والأدعية عند باب داره ، وذكر اللّه والتسمية والتحميد وشكره عند الركوب ، والاستواء على الظهر ، والإشراف والنزول ، وكلّ انتقال وتبدّل حال ، فعن الصادق علیه السلام : «كان رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في سفره إذا هبط سبّح ، وإذا صعد كبّر» وعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «من ركب وسمّى ردفه ملك يحفظه ، ومن ركب ولم يسمّ ردفه شيطان يمنّيه حتّى ينزل» .

ومنها : قراءة «القدر» للسلامة حين يسافر ، أو يخرج من منزله ، أو يركب دابّته ، و«آية الكرسي» و«السخرة» و«المعوّذتين» و«التوحيد» و«الفاتحة» والتسمية وذكر اللّه في كلّ حال من الأحوال .

ومنها : ما عن أبي الحسن علیه السلام : أ نّه يقوم على باب داره تلقاء ما يتوجّه له ، ويقرأ «الحمد» و«المعوّذتين» و«التوحيد» و«آية الكرسي» أمامه وعن يمينه وعن شماله ، ويقول : «اللهمّ احفظني واحفظ ما معي وبلّغني وبلّغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل» يحفظ ويبلغ ويسلم هو وما معه .

ومنها : ما عن الرضا علیه السلام : «إذا خرجت من منزلك في سفر أو حضر فقل : «بسم اللّه وباللّه توكّلت على اللّه ، ما شاء اللّه ، لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه» ، تضرب به الملائكة وجوه الشياطين ، وتقول : ما سبيلكم عليه وقد سمّى اللّه وآمن به وتوكّل عليه» .

ومنها : ما كان الصادق علیه السلام يقول إذا وضع رجله في الركاب : (سُبْحَانَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) ، ويسبّح اللّه سبعاً ، ويحمده سبعاً ، ويهلّله سبعاً ، وعن زين العابدين علیه السلام : «أ نّه لو حجّ رجل ماشياً وقرأ إنّا أنزلناه في ليلة القدر ما وجد ألم المشي» . وقال : «ما قرأه أحد حين يركب دابّته إلاّ نزل منها

ص: 224

سالماً مغفوراً له ، ولقارئها أثقل على الدوابّ من الحديد» . وعن أبي جعفر علیه السلام : «لو كان شيء يسبق القدر لقلت : قارئ إنّا أنزلناه في ليلة القدر حين يسافر ، أو يخرج من منزله» ، والمتكفّل لبقيّة المأثور منها - على كثرتها - الكتب المعدّة لها ، وفي وصيّة النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «يا علي إذا أردت مدينة أو قرية فقل حين تعاينها : اللهمّ إنّي أسأ لُك خيرها ، وأعوذ بك من شرّها ، اللهمّ حبّبنا إلى أهلها ، وحبّب صالحي أهلها إلينا» . وعنه صلی الله علیه و آله وسلم : «يا علي إذا نزلت منزلاً فقل : اللهمّ أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين ، ترزق خيره ويدفع عنك شرّه» ، وينبغي له زيادة الاعتماد والانقطاع إلى اللّه سبحانه ، وقراءة ما يتعلّق بالحفظ من الآيات والدعوات وقراءة ما يناسب ذلك كقوله تعالى : (كَلاّ إِنّ مَعِىَ رَبِّى سَيَهْدِينِ) . وقوله تعالى : (إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّه َ مَعَنَا) ، ودعاء التوجّه ، وكلمات الفرج ونحو ذلك ، وعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : يسبّح تسبيح الزهراء I ويقرأ «آية الكرسي» عند ما يأخذ مضجعه في السفر ، يكون محفوظاً من كل شيء حتّى يصبح .

ثامنها : التحنّك بإدارة طرف العمامة تحت حنكه ، ففي المستفيضة عن الصادق والكاظم علیهما السلام : «الضمان لمن خرج من بيته معتمّاً تحت حنكه أن يرجع إليه سالماً ، وأن لا يصيبه السرق ولا الغرق ولا الحرق» .

تاسعها : استصحاب عصا من اللوز المرّ ، فعنه : «من أراد أن تطوى له الأرض فليتّخذ النقد من العصا» ، والنقد : عصا لوز مرّ ، وفيه نفي للفقر ، وأمان من الوحشة والضواري وذوات الحمّة ، وليصحب شيئاً من طين الحسين علیه السلام ليكون

له شفاء من كلّ داء وأماناً من كلّ خوف ، ويستصحب خاتماً من عقيق أصفر مكتوب على أحد جانبيه : «ما شاء اللّه ، لا قوّة إلاّ باللّه ، أستغفر اللّه» . وعلى

ص: 225

الجانب الآخر : «محمّد وعلي» وخاتماً من فيروزج مكتوب على أحد جانبيه : «اللّه الملك» وعلى الجانب الآخر : «الملك للّه الواحد القهّار» .

عاشرها : اتّخاذ الرفقة في السفر ، ففي المستفيضة الأمر بها ، والنهي الأكيد عن الوحدة ، ففي وصيّة النبي صلی الله علیه و آله وسلم لعلي علیه السلام : «لا تخرج في سفر وحدك ، فإنّ الشيطان مع الواحد ، وهو من الاثنين أبعد» . و«لعن ثلاثة : الآكل زاده وحده ، والنائم في بيت وحده ، والراكب في الفلاة وحده» . وقال : «شرّ الناس من سافر وحده ، ومنع رفده ، وضرب عبده ، وأحبّ الصحابة إلى اللّه أربعة ، وما زاد على سبعة إلاّ كثر لَغَطُهُم» ؛ أي تشاجرهم ، ومن اضطرّ إلى السفر وحده فليقل : «ما شاء اللّه لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه ، اللهمّ آمن وحشتي ، وأعنّي على وحدتي ، وأدّ غيبتي» . وينبغي أن يرافق مثله في الإنفاق ، ويكره مصاحبته دونه أو فوقه في ذلك ، وأن يصحب من يتزيّن به ، ولا يصحب من يكون زينته له ، ويستحبّ معاونة أصحابه وخدمتهم ، وعدم الاختلاف معهم ، وترك التقدّم على رفيقه في الطريق .

الحادي عشر : استصحاب السفرة والتنوّق فيها ، وتطييب الزاد والتوسعة فيه ، لا سيّما في سفر الحجّ ، وعن الصادق علیه السلام : «إنّ من المروّة في السفر كثرة الزاد وطيبه ، وبذله لمن كان معك» . نعم يكره التنوّق في سفر زيارة الحسين علیه السلام بل يقتصر فيه على الخبز واللبن لمن قرب من مشهده ، كأهل العراق ، لا مطلقاً في الأظهر ، فعن الصادق علیه السلام : «بلغني أنّ قوماً إذا زاروا الحسين علیه السلام حملوا معهم السفرة فيها الجداء والأخبصة وأشباهه ، ولو زاروا قبور آبائهم ما حملوا معهم هذا» ، وفي آخر : «تاللّه إنّ أحدكم ليذهب إلى قبر أبيه كئيباً حزيناً ، وتأتونه أنتم بالسفر ، كلاّ حتّى تأتونه شعثاً غبراً» .

ص: 226

الثاني عشر : حسن التخلّق مع صحبه ورفقته ، فعن الباقر علیه السلام : «ما يعبأ بمن يؤمّ هذا البيت إذا لم يكن فيه ثلاث خصال : خلق يخالق به من صحبه ، أو حلم يملك به غضبه ، أو ورع يحجزه عن معاصي اللّه» . وفي المستفيضة : «المروّة في السفر ببذل الزاد ، وحسن الخلق ، والمزاح في غير المعاصي» . وفي بعضها : «قلّة الخلاف على من صحبك ، وترك الرواية عليهم إذا أنت فارقتهم» ، وعن الصادق علیه السلام : «ليس من المروّة أن يحدث الرجل بما يتّفق في السفر من خير أو شرّ» . وعنه علیه السلام : «وطّن نفسك على حسن الصحابة لمن صحبت في حسن خلقك ، وكفّ لسانك ، واكظم غيظك ، وأقلّ لغوك ، وتفرش عفوك ، وتسخي نفسك» .

الثالث عشر : استصحاب جميع ما يحتاج إليه من السلاح والآلات والأدوية ، كما في ذيل ما يأتي من وصايا لقمان لابنه وليعمل بجميع ما في تلك الوصيّة .

الرابع عشر : إقامة رفقاء المريض لأجله ثلاثاً ، فعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «إذا كنت في سفر ومرض أحدكم فأقيموا عليه ثلاثة أيّام» ، وعن الصادق علیه السلام : «حقّ المسافر أن يقيم عليه أصحابه إذا مرض ثلاثاً» .

الخامس عشر : رعاية حقوق دابّته ، فعن الصادق علیه السلام : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : للدابّة على صاحبها خصال : يبدأ بعلفها إذا نزل ، ويعرض عليها الماء إذا مرّ به ، ولا يضرب وجهها فإنّها تسبّح بحمد ربّها ، ولا يقف على ظهرها إلاّ في سبيل اللّه ، ولا يحملها فوق طاقتها ، ولا يكلّفها من المشي إلاّ ما يطيق» . وفي آخر : «ولا تتورّكوا على الدوابّ ، ولا تتّخذوا ظهورها مجالس» . وفي آخر : «ولا يضربها على النفار ، ويضربها على العثار ، فإنّها ترى ما لا ترون» ، ويكره التعرّس على ظهر الطريق ، والنزول في بطون الأودية ، والإسراع في السير ،

ص: 227

وجعل المنزلين منزلاً إلاّ في أرض جدبة ، وأن يطرق أهله ليلاً حتّى يعلمهم ، ويستحبّ إسراع عوده إليهم ، وأن يستصحب هديّة لهم إذا رجع إليهم ، وعن الصادق علیه السلام : «إذا سافر أحدكم فقدم من سفره فليأت أهله بما تيسّر ولو بحجر . . .» الخبر ، ويكره ركوب البحر في هيجانه ، وعن أبي جعفر علیه السلام : «إذا اضطرب بك البحر فاتّكئ على جانبك الأيمن وقل : بسم اللّه اسكن بسكينة اللّه ، وقرّ بقرار اللّه واهدأ بإذن اللّه ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه» ، ولينادِ إذا ضلّ في طريق البرّ : «يا صالح يا أبا صالح أرشدونا رحمكم اللّه» . وفي طريق البحر : «يا حمزة» ، وإذا بات في أرض قفر فليقل : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللّه ُ الّذِى خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ) إلى قوله : (تَبَارَكَ اللّه ُ ربُّ العَالَمِينَ) . وينبغي للماشي أن ينسل في مشيه ؛ أي يسرع ، فعن الصادق علیه السلام : «سيروا وانسلوا فإنّه أخفّ عنكم . وجاءت المشاة إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم فشكوا إليه الإعياء ، فقال : عليكم بالنسلان ، ففعلوا فذهب عنهم الإعياء» . وأن يقرأ سورة «القدر» لئلاّ يجد ألم المشي كما مرّ عن السجّاد علیه السلام ، وعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «زاد المسافر الحدا والشعر ما كان منه ليس فيه خناء» . وفي نسخة : «جفاء» وفي اُخرى «حنان» وليختر وقت النزول من بقاع الأرض أحسنها لوناً ، وألينها تربةً ، وأكثرها عشباً .

هذه جملة ما على المسافر ، وأمّا أهله ورفقته فيستحبّ لهم تشييع المسافر وتوديعه وإعانته والدعاء له بالسهولة والسلامة ، وقضاء المآرب عند وداعه ، قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «من أعان مؤمناً مسافراً فرّج اللّه عنه ثلاثاً وسبعين كربة ، وأجاره في الدنيا والآخرة من الغمّ والهمّ ، ونفّس كربه العظيم يوم يعضّ الناس بأنفاسهم» ، وكان رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم إذا ودّع المؤمنين قال : «زوّدكم اللّه التقوى ، ووجّهكم إلى كلّ خير ، وقضى لكم كلّ حاجة وسلّم لكم دينكم ودنياكم ، وردّكم

ص: 228

سالمين إلى سالمين» . وفي آخر : «كان إذا ودّع مسافراً أخذ بيده ثمّ قال : أحسن لك الصحابة ، وأكمل لك المعونة ، وسهّل لك الحزونة ، وقرّب لك البعيد ، وكفاك المهمّ ، وحفظ لك دينك وأمانتك وخواتيم عملك ، ووجّهك لكلّ خير ، عليك بتقوى اللّه ، استودع اللّه نفسك ، سر على بركة اللّه عزّ وجلّ» ، وينبغي أن يقرأ في اُذنه : «إنّ الذي فرض عليك القرآن لرادّك إلى معاد إن شاء اللّه» ثمّ يؤذّن خلفه وليقم كما هو المشهور عملاً ، وينبغي رعاية حقّه في أهله وعياله وحسن الخلافة فيهم ، لا سيّما مسافر الحجّ ، فعن الباقر علیه السلام : «من خلف حاجّاً بخير كان له كأجره كأ نّه يستلم الأحجار» ، وأن يوقّر القادم من الحجّ ، فعن الباقر علیه السلام : «وقّروا الحاجّ والمعتمر ، فإنّ ذلك واجب عليكم» ، وكان علي بن الحسين علیه السلام يقول : «يا معشر من لم يحجّ استبشروا بالحاجّ وصافحوهم وعظّموهم ، فإنّ ذلك يجب عليكم تشاركوهم في الأجر» ، وكان رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم يقول للقادم من مكّة : «قبل اللّه منك ، وأخلف عليك نفقتك ، وغفر ذنبك» .

ولنتبرّك بختم المقام بخير خبر تكفّل مكارم أخلاق السفر بل والحضر ، فعن الصادق uقال : «قال لقمان لابنه : يا بنيّ إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في أمرك واُمورهم وأكثر التبسّم في وجوههم ، وكن كريماً على زادك ، وإذا دعوك فأجبهم ، وإذا استعانوا بك فأعنهم ، واستعمل طول الصمت ، وكثرة الصلاة ، وسخاء النفس بما معك من دابّة أو ماء أو زاد ، وإذا استشهدوك على الحقّ فاشهد لهم واجهد رأيك لهم إذا استشاروك ثمّ لا تعزم حتّى تتثبّت وتنظر ، ولا تجب في مشورة حتّى تقوم فيها وتقعد وتنام وتأكل وتضع وأنت مستعمل فكرتك وحكمتك في مشورتك ، فإنّ من لم يمحّض النصح لمن استشاره سلبه اللّه رأيه ، ونزع منه الأمانة ، وإذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم ، وإذا رأيتهم يعملون

ص: 229

فاعمل معهم ، فإذا تصدّقوا أو أعطوا قرضاً فاعط معهم ، واسمع لمن هو أكبر منك سنّاً ، وإذا أمروك بأمر وسألوك شيئاً فقل : نعم ، ولا تقل : لا ، فإنّها عي ولؤم ، وإذا تحيّرتم في الطريق فانزلوا ، وإذا شككتم في القصد فقفوا أو تؤامروا ، وإذا رأيتم شخصاً واحداً فلا تسألوه عن طريقكم ولا تسترشدوه ، فإنّ الشخص الواحد في الفلات مريب ، لعلّه يكون عين اللصوص ، أو يكون هو الشيطان الذي حيّركم ، واحذروا الشخصين أيضاً إلاّ أن ترون ما لا أرى ، فإنّ العاقل إذا أبصر بعينه شيئاً عرف الحقّ منه ، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب ، يا بنيّ إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخّرها لشيء ، صلّها واسترح منها ، فإنّها دين ، وصلّ في جماعة ولو على رأس زجّ ، ولا تنامنّ على دابّتك ، فإنّ ذلك سريع في دبرها ، وليس ذلك من فعل الحكماء إلاّ أن تكون في محمل يمكنك التمدّد لاسترخاء المفاصل ، وإذا قربت من المنزل فانزل عن دابّتك وابدأ بعلفها ، فإنّها نفسك ، وإذا أردتم النزول فعليكم من بقاع الأرض بأحسنها لوناً ، وألينها تربةً ، وأكثرها عشباً ، وإذا نزلت فصلّ ركعتين قبل أن تجلس ، وإذا أردت قضاء حاجتك فأبعد المذهب في الأرض ، وإذا ارتحلت فصلّ ركعتين ، ثمّ ودّع الأرض التي حللت بها ، وسلّم عليها وعلى أهلها ، فإنّ لكلّ بقعة أهلاً من الملائكة ، فإن استطعت أن لا تأكل طعاماً حتّى تبدأ وتصدّق منه فافعل ، وعليك بقراءة كتاب اللّه ما دمت راكباً ، وعليك بالتسبيح ما دمت عاملاً عملاً ، وعليك بالدعاء ما دمت خالياً ، وإيّاك والسير في أوّل الليل ، وسر في آخره ، وإيّاك ورفع الصوت ، يا بنيّ سافر بسيفك وخفّك وعمامتك وحبالك وسقائك وخيوطك ومخرزك ، وتزوّد معك من الأدوية فانتفع به أنت ومن معك ، وكن لأصحابك موافقاً إلاّ في معصية اللّه عزّ وجلّ» .

هذا ما يتعلّق بكلّي السفر ، ويختصّ سفر الحجّ باُمور اُخر :

ص: 230

منها : اختيار المشي فيه على الركوب على الأرجح ، بل الحفاء على الانتعال إلاّ أن يضعّفه عن العبادة ، أو كان لمجرّد تقليل النفقة ، وعليهما يحمل ما يستظهر منها أفضلية الركوب ، وروي : «ما تقرّب العبد إلى اللّه عزّ وجلّ بشيء أحبّ إليه من المشي إلى بيته الحرام على القدمين ، وإنّ الحجّة الواحدة تعدل سبعين حجّة ، وما عبد اللّه بشيء مثل الصمت والمشي إلى بيته» .

ومنها : أن تكون نفقة الحجّ والعمرة حلالاً طيّباً ، فعنهم علیهم السلام : «إنّا أهل بيت حجّ صرورتنا ومهور نسائنا وأكفاننا من طهور أموالنا» . وعنهم علیهم السلام : «من حجّ بمال حرام نودي عند التلبية : لا لبّيك عبدي ولا سعديك» . وعن الباقر علیه السلام : «من أصاب مالاً من أربع لم يقبل منه في أربع : من أصاب مالاً من غلول أو رباً أو خيانة أو سرقة لم يقبل منه في زكاة ولا صدقة ولا حجّ ولا عمرة» .

ومنها : استحباب نيّة العود إلى الحجّ عند الخروج من مكّة ، وكراهة نيّة عدم العود ، فعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «من رجع من مكّة وهو ينوي الحجّ من قابل زيد في عمره ، ومن خرج من مكّة ولا يريد العود إليها فقد اقترب أجله ودنا عذابه» . وعن الصادق علیه السلام مثله مستفيضاً ، وقال لعيسى بن أبي منصور : «يا عيسى إنّي اُحبّ أن يراك اللّه فيما بين الحجّ إلى الحجّ وأنت تتهيّأ للحجّ» .

ومنها : أن لا يخرج من الحرمين الشريفين بعد ارتفاع النهار إلاّ بعد أداء الفرضين بهما .

ومنها : البدءة بزيارة النبي صلی الله علیه و آله وسلم لمن حجّ على طريق العراق .

ومنها : أن لا يحجّ ولا يعتمر على الإبل الجلاّلة ، ولكن لا يبعد اختصاص الكراهة بأداء المناسك عليها ، ولا يسري إلى ما يسار عليها من البلاد البعيدة في الطريق ، ومن أهمّ ما ينبغي رعايته في هذا السفر احتسابه من سفر آخرته

ص: 231

بالمحافظة على تصحيح النيّة ، وإخلاص السريرة ، وأداء حقيقة القربة ، والتجنّب عن الرياء ، والتجرّد عن حبّ المدح والثناء ، وأن لا يجعل سفره هذا على ما عليه كثير من مترفي عصرنا من جعله وسيلة للرفعة والافتخار ، بل وصلة إلى التجارة والانتشار ومشاهدة البلدان وتصفّح الأمصار ، وأن يراعي أسراره الخفيّة ودقائقه الجليّة ، كما يفصح عن ذلك ما أشار إليه بعض الأعلام : إنّ اللّه تعالى سنّ الحجّ ووضعه على عباده إظهاراً لجلاله وكبريائه ، وعلوّ شأنه وعظم سلطانه ، وإعلاناً لرقّ الناس وعبوديتهم وذلّهم واستكانتهم ، وقد عاملهم في ذلك معاملة السلاطين لرعاياهم ، والملاّك لمماليكهم ، يستذلّونهم بالوقوف على باب بعد باب واللبث في حجاب بعد حجاب ، وإنّ اللّه تعالى قد شرّف البيت الحرام وأضافه إلى نفسه ، واصطفاه لقدسه ، وجعله قياماً للعباد ، ومقصداً يؤمّ من جميع البلاد ، وجعل ما حوله حرماً ، وجعل الحرم آمناً ، وجعل فيه ميداناً ومجالاً وجعل له في الحلّ شبيهاً ومثالاً ، فوضعه على مثال حضرة الملوك والسلاطين ، ثمّ أذّن في الناس بالحجّ ليأتوه رجالاً وركباناً من كلّ فجّ ، وأمرهم بالإحرام وتغيير الهيئة واللباس شعثاً غبراً متواضعين مستكينين ، رافعين أصواتهم بالتلبية ، وإجابة الدعوة ، حتّى إذا أتوه كذلك حجبهم عن الدخول ، وأوقفهم في حجبه يدعونه ويتضرّعون إليه ، حتّى إذا طال تضرّعهم واستكانتهم ورجموا شياطينهم بجمارهم ، وخلعوا طاعة الشيطان من رقابهم أذن لهم بتقريب قربانهم وقضاء تفثهم ، ليطهروا من الذنوب التي كانت هي الحجاب بينهم وبينه ، وليزوروا البيت على طهارة منهم ، ثمّ يعيدهم فيه بما يظهر معه كمال الرقّ وكنه العبودية ، فجعلهم تارة يطوفون فيه ، ويتعلّقون بأستاره ، ويلوذون بأركانه ، واُخرى يسعون بين يديه مشياً وعدواً ، ليتبيّن لهم عزّ الربوبية ، وذلّ العبودية ، وليعرفوا أنفسهم ،

ص: 232

ويضع الكبر من رؤوسهم ، ويجعل نير الخضوع في أعناقهم ، ويستشعروا شعار المذلّة ، وينزعوا ملابس الفخر والعزّة وهذا من أعظم فوائد الحجّ ، مضافاً إلى ما فيه من التذكّر بالإحرام والوقوف في المشاعر العظام لأحوال المحشر ، وأهوال يوم القيامة ؛ إذ الحجّ هو الحشر الأصغر ، وإحرام الناس وتلبيتهم وحشرهم إلى المواقف ووقوفهم بها والهين متضرّعين راجعين إلى الفلاح أو الخيبة والشقاء ، أشبه شيء بخروج الناس من أجداثهم ، وتوشّحهم بأكفانهم ، واستغاثتهم من ذنوبهم ، وحشرهم إلى صعيد واحد إلى نعيم أو عذاب أليم ، بل حركات الحاجّ في طوافهم وسعيهم ورجوعهم وعودهم يشبه أطوار الخائف الوجل المضطرب المدهوش الطالب ملجأً ومفزعاً ، نحو أهل المحشر في أحوالهم وأطوارهم ، فبحلول هذه المشاعر والجبال والشعب والتلال ولدى وقوفه بمواقفه العظام يهون ما بأمامه من أهوال يوم القيامة من عظائم يوم المحشر ، وشدائد النشر ، عصمنا اللّه وجميع المؤمنين ، ورزقنا فوزه يوم الدين ، آمين ربّ العالمين . وصلّى اللّه على محمّد وآله الطاهرين (1) .

فصل : في وجوب الحجّ وعدم جواز تعطيله

فصل

من أركان الدين الحجّ ، وهو واجب على كلّ من استجمع الشرائط الآتية من الرجال والنساء والخناثي بالكتاب والسنّة والإجماع من جميع المسلمين ، بل بالضرورة ، ومنكره في سلك الكافرين(2) ، وتاركه عمداً مستخفّاً به بمنزلتهم ،

ص: 233


1- من أوّل كتاب الحجّ إلى هنا لنجله الأمجد الأوحد حضرة السيّد محمّد بأمر والده دام ظلّهما وعلا مجدهما .
2- مرّ الكلام في ميزان الكفر في كتاب الطهارة .

وتركه من غير استخفاف من الكبائر ، ولا يجب في أصل الشرع إلاّ مرّة واحدة في تمام العمر ، وهو المسمّى بحجّة الإسلام ؛ أي الحجّ الذي بني عليه الإسلام ، مثل الصلاة والصوم والخمس والزكاة ، وما نقل عن الصدوق في العلل من وجوبه على أهل الجِدَة كلّ عام - على فرض ثبوته - شاذّ مخالف للإجماع والأخبار ، ولا بدّ من حمله على بعض المحامل ، كالأخبار الواردة بهذا المضمون من إرادة الاستحباب المؤكّد ، أو الوجوب على البدل ؛ بمعنى أ نّه يجب عليه في عامه ، وإذا تركه ففي العام الثاني وهكذا ، ويمكن حملها على الوجوب الكفائي ، فإنّه لا يبعد وجوب الحجّ كفاية على كلّ أحد في كلّ عام إذا كان متمكّناً بحيث لا تبقى مكّة خالية عن الحجّاج ، لجملة من الأخبار الدالّة على أ نّه لا يجوز تعطيل الكعبة عن الحجّ ، والأخبار الدالّة على أنّ على الإمام كما في بعضها ، وعلى الوالي كما في آخر ، أن يجبر الناس على الحجّ والمقام في مكّة وزيارة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم ، والمقام عنده ، وأ نّه إن لم يكن لهم مال أنفق عليهم من بيت المال .

(مسألة 1) : لا خلاف في أنّ وجوب الحجّ بعد تحقّق الشرائط فوري ؛ بمعنى أ نّه يجب المبادرة إليه في العام الأوّل من الاستطاعة ، فلا يجوز تأخيره عنه ، وإن تركه فيه ففي العام الثاني وهكذا ، ويدلّ عليه جملة من الأخبار ، فلو خالف وأخّر مع وجود الشرائط بلا عذر يكون عاصياً ، بل لا يبعد(1) كونه كبيرة ، كما صرّح به جماعة ، ويمكن استفادته من جملة من الأخبار .

(مسألة 2) : لو توقّف إدراك الحجّ بعد حصول الاستطاعة على مقدّمات من

ص: 234


1- - محلّ تأمّل لو لم نقل محلّ منع ، نعم لا يبعد مع كون التأخير استخفافاً .

السفر وتهيئة أسبابه وجبت المبادرة إلى إتيانها على وجه يدرك الحجّ في تلك السنة ، ولو تعدّدت الرفقة وتمكّن من المسير مع كلّ منهم اختار(1) أوثقهم سلامةً وإدراكاً ، ولو وجدت واحدة(2) ولم يعلم حصول اُخرى أو لم يعلم التمكّن من المسير والإدراك للحجّ بالتأخير ، فهل يجب الخروج مع الاُولى ، أو يجوز التأخير إلى الاُخرى بمجرّد احتمال الإدراك ، أو لا يجوز إلاّ مع الوثوق ؟ أقوال ، أقواها الأخير ، وعلى أيّ تقدير إذا لم يخرج مع الاُولى واتّفق عدم التمكّن من المسير ، أو عدم إدراك الحجّ بسبب التأخير ، استقرّ عليه الحجّ وإن لم يكن آثماً بالتأخير ؛ لأ نّه كان متمكّناً من الخروج مع الاُولى ، إلاّ إذا تبيّن عدم إدراكه لو سار معهم أيضاً .

فصل : في شرائط وجوب حجّة الإسلام

وهي اُمور :

أحدها : الكمال بالبلوغ والعقل ، فلا يجب على الصبيّ وإن كان مراهقاً ، ولا على المجنون وإن كان أدوارياً ؛ إذا لم يف دور إفاقته بإتيان تمام الأعمال(3) ، ولو حجّ الصبيّ لم يجز عن حجّة الإسلام ؛ وإن قلنا بصحّة عباداته وشرعيتها كما هو الأقوى وكان واجداً لجميع الشرائط سوى البلوغ ، ففي خبر مسمع عن الصادق علیه السلام : «لو أنّ غلاماً حجّ عشر حجج ثمّ احتلم كان عليه فريضة الإسلام» ، وفي خبر إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن علیه السلام عن ابن عشر سنين ،

ص: 235


1- - على الأولى .
2- - مع عدم المحذور في الخروج معها .
3- - بمقدّماتها الغير الحاصلة .

يحجّ ؟ قال علیه السلام : «عليه حجّة الإسلام إذا احتلم ، وكذا الجارية عليها الحجّ إذا طمثت» .

(مسألة 1) : يستحبّ للصبيّ المميّز أن يحجّ وإن لم يكن مجزياً عن حجّة الإسلام ، ولكن هل يتوقّف ذلك على إذن الوليّ أو لا ؟ المشهور - بل قيل : لا خلاف فيه - : أ نّه مشروط بإذنه ، لاستتباعه المال في بعض الأحوال للهدي وللكفّارة ، ولأ نّه عبادة متلقّاة من الشرع مخالف للأصل ، فيجب الاقتصار فيه على المتيقّن ، وفيه : إنّه ليس تصرّفاً مالياً ، وإن كان ربما يستتبع المال ، وأنّ العمومات كافية في صحّته وشرعيته مطلقاً ، فالأقوى عدم الاشتراط في صحّته وإن وجب الاستئذان في بعض الصور ، وأمّا البالغ فلا يعتبر في حجّه المندوب إذن الأبوين إن لم يكن مستلزماً للسفر المشتمل على الخطر الموجب لأذيّتهما ، وأمّا في حجّه الواجب فلا إشكال .

(مسألة 2) : يستحبّ للوليّ أن يحرم بالصبيّ الغير المميّز بلا خلاف ؛ لجملة من الأخبار ، بل وكذا الصبيّة ، وإن استشكل فيها صاحب «المستند» ، وكذا المجنون وإن كان لا يخلو عن إشكال(1) ؛ لعدم نصّ فيه بالخصوص فيستحقّ الثواب عليه ، والمراد بالإحرام به جعله محرماً ، لا أن يحرم عنه ، فيلبسه ثوبي الإحرام ويقول : «اللهمّ إنّي أحرمت هذا الصبيّ . . . » إلى آخره ، ويأمره بالتلبية ؛ بمعنى أن يلقّنه إيّاها ، وإن لم يكن قابلاً يلبّي عنه ، ويجنّبه عن كلّ ما يجب على المحرم الاجتناب عنه ، ويأمره بكلّ من أفعال الحجّ يتمكّن منه ، وينوب عنه في كلّ ما لا يتمكّن ، ويطوف به ، ويسعى به بين الصفا والمروة ، ويقف به في عرفات

ص: 236


1- - لا بأس برجاء المطلوبية .

ومنى ، ويأمره بالرمي وإن لم يقدر يرمي عنه ، وهكذا يأمره بصلاة الطواف ، وإن لم يقدر يصلّي عنه ، ولا بدّ من أن يكون طاهراً ومتوضّئاً ولو بصورة الوضوء وإن لم يمكن فيتوضّأ هو عنه(1) ، ويحلق رأسه ، وهكذا جميع الأعمال .

(مسألة 3) : لا يلزم كون الوليّ محرماً في الإحرام بالصبيّ ، بل يجوز له ذلك وإن كان محلاًّ .

(مسألة 4) : المشهور على أنّ المراد بالوليّ في الإحرام بالصبيّ الغير المميّز الوليّ الشرعي من الأب والجدّ والوصيّ لأحدهما والحاكم وأمينه أو وكيل أحد المذكورين، لا مثل العمّ والخال ونحوهما والأجنبيّ ، نعم ألحقوا بالمذكورين الاُمّ وإن لم تكن وليّاً شرعياً ؛ للنصّ الخاصّ فيها ، قالوا : لأنّ الحكم على خلاف القاعدة فاللازم الاقتصار على المذكورين فلا يترتّب أحكام الإحرام إذا كان المتصدّي غيرهم، ولكن لا يبعد(2) كون المراد الأعمّ منهم وممّن يتولّى أمر الصبيّ ويتكفّله وإن لم يكن وليّاً شرعياً ؛ لقوله علیه السلام : «قدّموا من كان معكم من الصبيان إلى الجحفة أو إلى بطن مرّ . . . » إلى آخره ، فإنّه يشمل غير الوليّ الشرعي أيضاً ، وأمّا في المميّز فاللازم إذن الوليّ الشرعي إن اعتبرنا في صحّة إحرامه الإذن .

(مسألة 5) : النفقة الزائدة على نفقة الحضر على الوليّ لا من مال الصبيّ ، إلاّ إذا كان حفظه موقوفاً على السفر(3) به ، أو يكون السفر مصلحة له .

ص: 237


1- - مع عدم تمكّنه للوضوء أو للصلاة يصلّي عنه الوليّ ؛ وإن كان الأحوط إتيان الطفل صورة الوضوء والصلاة ، وأحوط منه توضّؤه مع عدم إمكان إتيانه بصورته .
2- - مشكل وإن لا يخلو من قرب لا لما ذكره .
3- - فتكون مؤونة أصل السفر على الطفل لا مؤونة الحجّ به لو كانت زائدة .

(مسألة 6) : الهدي على الوليّ ، وكذا كفّارة الصيد إذا صاد الصبيّ ، وأمّا الكفّارات الاُخر المختصّة بالعمد فهل هي أيضاً على الوليّ ، أو في مال الصبيّ ، أو لا يجب الكفّارة في غير الصيد ؛ لأنّ عمد الصبيّ خطأ والمفروض أنّ تلك الكفّارات لا تثبت في صورة الخطأ ؟ وجوه ، لا يبعد قوّة الأخير ، إمّا لذلك ، وإمّا لانصراف أدلّتها عن الصبيّ ، لكن الأحوط تكفّل الوليّ ، بل لا يترك هذا الاحتياط ، بل هو الأقوى ؛ لأنّ قوله علیه السلام : «عمد الصبيّ خطأ» مختصّ بالديات ، والانصراف ممنوع وإلاّ فيلزم الالتزام به في الصيد أيضاً .

(مسألة 7) : قد عرفت أ نّه لو حجّ الصبيّ عشر مرّات لم يجزه عن حجّة الإسلام ، بل يجب عليه بعد البلوغ والاستطاعة ، لكن استثنى المشهور من ذلك ما لو بلغ وأدرك المشعر ، فإنّه حينئذٍ يجزي عن حجّة الإسلام ، بل ادّعى بعضهم الإجماع عليه ، وكذا إذا حجّ المجنون ندباً ثمّ كمل قبل المشعر ، واستدلّوا على ذلك بوجوه : أحدها : النصوص الواردة في العبد - على ما سيأتي - بدعوى عدم خصوصية للعبد في ذلك ، بل المناط الشروع حال عدم الوجوب لعدم الكمال ، ثمّ حصوله قبل المشعر ، وفيه : إنّه قياس ، مع أنّ لازمه الالتزام به فيمن حجّ متسكّعاً ، ثمّ حصل له الاستطاعة قبل المشعر ولا يقولون به . الثاني : ما ورد من الأخبار من أنّ من لم يحرم من مكّة أحرم من حيث أمكنه ، فإنّه يستفاد منها أنّ الوقت صالح لإنشاء الإحرام ، فيلزم أن يكون صالحاً للانقلاب أو القلب بالأولى وفيه ما لا يخفى . الثالث : الأخبار الدالّة على أنّ من أدرك المشعر فقد أدرك الحجّ ، وفيه : أنّ موردها من لم يحرم ، فلا يشمل من أحرم سابقاً لغير حجّة الإسلام ، فالقول بالإجزاء

ص: 238

مشكل(1) ، والأحوط الإعادة بعد ذلك إن كان مستطيعاً ، بل لا يخلو عن قوّة ، وعلى القول بالإجزاء يجري فيه الفروع الآتية في مسألة العبد ؛ من أ نّه هل يجب تجديد النيّة لحجّة الإسلام أو لا ؟ وأ نّه هل يشترط في الإجزاء استطاعته بعد البلوغ من البلد أو من الميقات أو لا ؟ وأ نّه هل يجري في حجّ التمتّع مع كون العمرة بتمامها قبل البلوغ أو لا ؟ إلى غير ذلك .

(مسألة 8) : إذا مشى الصبيّ إلى الحجّ فبلغ قبل أن يحرم من الميقات - وكان مستطيعاً(2) - لا إشكال في أنّ حجّه حجّة الإسلام .

(مسألة 9) : إذا حجّ باعتقاد أ نّه غير بالغ ندباً ، فبان بعد الحجّ أ نّه كان بالغاً ، فهل يجزي عن حجّة الإسلام أو لا ؟ وجهان ، أوجههما الأوّل ، وكذا إذا حجّ الرجل باعتقاد عدم الاستطاعة بنيّة الندب ثمّ ظهر كونه مستطيعاً حين الحجّ .

الثاني من الشروط : الحرّية ، فلا يجب على المملوك وإن أذن له مولاه وكان مستطيعاً من حيث المال ، بناءً على ما هو الأقوى(3) من القول بملكه ، أو بذل له مولاه الزاد والراحلة ، نعم لو حجّ بإذن مولاه صحّ بلا إشكال ، ولكن لا يجزيه عن حجّة الإسلام ، فلو اُعتق بعد ذلك أعاد ؛ للنصوص ، منها : خبر مسمع : «لو أنّ عبداً حجّ عشر حجج كانت عليه حجّة الإسلام إذا استطاع إلى ذلك سبيلاً» ، ومنها : المملوك إذا حجّ وهو مملوك أجزأه إذا مات قبل أن يعتق ، فإن اُعتق أعاد الحجّ . وما في خبر حكم بن حكيم : «أيّما عبد حجّ به مواليه فقد أدرك حجّة

ص: 239


1- - الأقوى هو الإجزاء .
2- - ولو من ذلك الموضع .
3- - فيه تأمّل .

الإسلام» ، محمول على إدراك ثواب الحجّ ، أو على أ نّه يجزيه عنها ما دام مملوكاً ؛ لخبر أبان : «العبد إذا حجّ فقد قضى حجّة الإسلام حتّى يعتق» ، فلا إشكال في المسألة ، نعم لو حجّ بإذن مولاه ثمّ انعتق قبل إدراك المشعر أجزأه عن حجّة الإسلام بالإجماع والنصوص .

ويبقى الكلام في اُمور :

أحدها : هل يشترط في الإجزاء تجديد النيّة للإحرام بحجّة الإسلام بعد الانعتاق ، فهو من باب القلب أو لا ، بل هو انقلاب شرعي ؟ قولان ؛ مقتضى إطلاق النصوص الثاني وهو الأقوى ، فلو فرض أ نّه لم يعلم بانعتاقه حتّى فرغ أو علم ولم يعلم الإجزاء حتّى يجدّد النيّة كفاه وأجزأه .

الثاني : هل يشترط في الإجزاء كونه مستطيعاً حين الدخول في الإحرام ، أو يكفي استطاعته من حين الانعتاق ، أو لا يشترط ذلك أصلاً ؟ أقوال ، أقواها الأخير ؛ لإطلاق النصوص وانصراف ما دلّ على اعتبار الاستطاعة عن المقام .

الثالث : هل الشرط في الإجزاء إدراك خصوص المشعر ؛ سواء أدرك الوقوف بعرفات أيضاً أو لا ؟ أو يكفي إدراك أحد الموقفين ، فلو لم يدرك المشعر ، لكن أدرك الوقوف بعرفات معتقاً كفى ، قولان ؛ الأحوط الأوّل ، كما أنّ الأحوط اعتبار إدراك الاختياري من المشعر ، فلا يكفي إدراك الاضطراري منه ، بل الأحوط اعتبار إدراك كلا الموقفين ، وإن كان يكفي الانعتاق قبل المشعر ، لكن إذا كان مسبوقاً بإدراك عرفات أيضاً ولو مملوكاً .

الرابع : هل الحكم مختصّ بحجّ الإفراد والقران ، أو يجري في حجّ التمتّع أيضاً وإن كانت عمرته بتمامها حال المملوكية ؟ الظاهر الثاني ؛ لإطلاق النصوص ، خلافاً لبعضهم فقال بالأوّل ؛ لأنّ إدراك المشعر معتقاً إنّما ينفع للحجّ

ص: 240

لا للعمرة الواقعة حال المملوكية ، وفيه ما مرّ من الإطلاق ، ولا يقدح ما ذكره ذلك البعض لأ نّهما عمل واحد ، هذا إذا لم ينعتق إلاّ في الحجّ ، وأمّا إذا انعتق في عمرة التمتّع وأدرك بعضها معتقاً فلا يرد الإشكال .

(مسألة 1) : إذا أذن المولى لمملوكه في الإحرام فتلبّس به ليس له أن يرجع في إذنه لوجوب الإتمام على المملوك ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، نعم لو أذن له ثمّ رجع قبل تلبّسه به لم يجز له أن يحرم إذا علم برجوعه ، وإذا لم يعلم برجوعه فتلبّس به هل يصحّ إحرامه ويجب إتمامه ، أو يصحّ ويكون للمولى حلّه ، أو يبطل ؟ وجوه ، أوجهها الأخير ؛ لأنّ الصحّة مشروطة بالإذن المفروض سقوطه بالرجوع ، ودعوى : أ نّه دخل دخولاً مشروعاً فوجب إتمامه فيكون رجوع المولى كرجوع الموكّل قبل التصرّف ولم يعلم الوكيل ، مدفوعة : بأ نّه لا تكفي المشروعية الظاهرية وقد ثبت الحكم في الوكيل بالدليل ، ولا يجوز القياس عليه .

(مسألة 2) : يجوز للمولى أن يبيع مملوكه المحرم بإذنه ، وليس للمشتري حلّ إحرامه ، نعم مع جهله بأ نّه محرم يجوز له الفسخ مع طول الزمان الموجب لفوات بعض منافعه .

(مسألة 3) : إذا انعتق العبد قبل المشعر فهديه عليه ، وإن لم يتمكّن فعليه أن يصوم ، وإن لم ينعتق كان مولاه بالخيار بين أن يذبح عنه أو يأمره بالصوم ، للنصوص والإجماعات .

(مسألة 4) : إذا أتى المملوك المأذون في إحرامه بما يوجب الكفّارة ، فهل هي على مولاه ، أو عليه ويتبع بها بعد العتق ، أو تنتقل إلى الصوم فيما فيه الصوم مع

ص: 241

العجز ، أو في الصيد عليه وفي غيره على مولاه ؟ وجوه ، أظهرها(1) كونها على مولاه ؛ لصحيحة حريز ، خصوصاً إذا كان الإتيان بالموجب بأمره أو بإذنه ، نعم لو لم يكن مأذوناً في الإحرام بالخصوص ، بل كان مأذوناً مطلقاً إحراماً كان أو غيره لم يبعد كونها عليه ، حملاً لخبر عبدالرحمن بن أبي نجران النافي لكون الكفّارة في الصيد على مولاه ، على هذه الصورة .

(مسألة 5) : إذا أفسد المملوك المأذون حجّه بالجماع قبل المشعر ، فكالحرّ في وجوب الإتمام والقضاء ، وأمّا البدنة ففي كونها عليه أو على مولاه ، فالظاهر(2) أنّ حالها حال سائر الكفّارات على ما مرّ ، وقد مرّ أنّ الأقوى كونها على المولى الآذن له في الإحرام ، وهل يجب على المولى تمكينه من القضاء لأنّ الإذن في الشيء إذن في لوازمه ، أو لا لأ نّه من سوء اختياره ؟ قولان ، أقواهما الأوّل(3) ؛ سواء قلنا : إنّ القضاء هو حجّه ، أو أ نّه عقوبة وأنّ حجّه هو الأوّل ، هذا إذا أفسد حجّه ولم ينعتق ، وأمّا إن أفسده بما ذكر ثمّ انعتق فإن انعتق قبل المشعر كان حاله حال الحرّ في وجوب الإتمام والقضاء والبدنة ، وكونه مجزياً عن حجّة الإسلام إذا أتى بالقضاء على القولين من كون الإتمام عقوبة(4) وأنّ حجّه هو القضاء ، أو كون القضاء عقوبة ، بل على هذا إن لم يأتِ بالقضاء أيضاً أتى بحجّة الإسلام وإن كان عاصياً في ترك القضاء ، وإن انعتق بعد المشعر

ص: 242


1- - محلّ إشكال ، والاحتياط لا يترك .
2- - لا يبعد أن يكون حالها حال الهدي في الحجّ الصحيح .
3- - لكن لا لما ذكره .
4- - على هذا القول يشكل الإجزاء ؛ إذ القضاء قضاء الحجّ المندوب الفاسد لا حجّة الإسلام ، والإتمام عقوبة على الفرض ، نعم لو انعتق ثمّ أفسد فالأمر كما ذكره .

فكما ذكر ، إلاّ أ نّه لا يجزيه عن حجّة الإسلام فيجب عليه بعد ذلك إن استطاع ، وإن كان مستطيعاً فعلاً ففي وجوب تقديم حجّة الإسلام أو القضاء وجهان مبنيّان على أنّ القضاء فوري(1) أو لا ، فعلى الأوّل يقدّم لسبق سببه ، وعلى الثاني تقدّم حجّة الإسلام لفوريتها دون القضاء .

(مسألة 6) : لا فرق فيما ذكر - من عدم وجوب الحجّ على المملوك ، وعدم صحّته إلاّ بإذن مولاه ، وعدم إجزائه عن حجّة الإسلام إلاّ إذا انعتق قبل المشعر - بين القنّ والمدبّر والمكاتب واُمّ الولد والمبعّض إلاّ إذا هاياه مولاه وكانت نوبته

كافية ، مع عدم كون السفر خطرياً ، فإنّه يصحّ منه بلا إذن ، لكن لا يجب ، ولا يجزيه حينئذٍ عن حجّة الإسلام وإن كان مستطيعاً ؛ لأ نّه لم يخرج عن كونه مملوكاً ، وإن كان يمكن دعوى الانصراف عن هذه الصورة، فمن الغريب ما في «الجواهر»(2) من قوله: «ومن الغريب ما ظنّه بعض الناس من وجوب حجّة الإسلام عليه في هذا الحال ، ضرورة منافاته للإجماع المحكي عن المسلمين الذي يشهد له التتبّع على اشتراط الحرّية المعلوم عدمها في المبعّض» . انتهى ، إذ لا غرابة فيه بعد إمكان دعوى الانصراف مع أنّ في أوقات نوبته يجري عليه جميع آثار الحرّية .

ص: 243


1- - بناءً على فوريته فالظاهر التخيير بينهما ؛ لعدم إحراز الأهمّية في واحد منهما وما هو الأهمّ هو أصل حجّة الإسلام لا فوريته ، وأمّا سبق السبب فلا يفيد شيئاً ، كما أنّ القول بعدم تحقّق الاستطاعة مع فورية القضاء وأنّ المانع الشرعي كالعقلي غير تامّ ، ولا يسع المجال لبيانه .
2- - لا غرابة فيه ، بل دعوى الانصراف بمكان من الغرابة ، كما أنّ دعوى جريان جميع آثار الحرّية عليه في نوبته عهدتها على مدّعيها .

(مسألة 7) : إذا أمر المولى مملوكه بالحجّ وجب عليه طاعته وإن لم يكن مجزياً عن حجّة الإسلام ، كما إذا آجره للنيابة عن غيره ، فإنّه لا فرق بين إجارته للخياطة أو الكتابة وبين إجارته للحجّ أو الصلاة أو الصوم .

الثالث : الاستطاعة من حيث المال وصحّة البدن وقوّته وتخلية السرب وسلامته وسعة الوقت وكفايته بالإجماع والكتاب والسنّة .

(مسألة 1) : لا خلاف ولا إشكال في عدم كفاية القدرة العقلية في وجوب الحجّ ، بل يشترط فيه الاستطاعة الشرعية ، وهي - كما في جملة من الأخبار - الزاد والراحلة ، فمع عدمهما لا يجب وإن كان قادراً عليه عقلاً بالاكتساب ونحوه ، وهل يكون اشتراط وجود الراحلة مختصّاً بصورة الحاجة إليها - لعدم قدرته على المشي أو كونه مشقّة عليه أو منافياً لشرفه - أو يشترط مطلقاً ولو مع عدم الحاجة إليه ؟ مقتضى إطلاق الأخبار والإجماعات المنقولة الثاني ، وذهب جماعة من المتأخّرين إلى الأوّل ؛ لجملة من الأخبار المصرّحة بالوجوب إن أطاق المشي بعضاً أو كلاًّ ، بدعوى : أنّ مقتضى الجمع بينها وبين الأخبار الاُولة حملها على صورة الحاجة ، مع أ نّها منزّلة على الغالب ، بل انصرافها إليها ، والأقوى هو القول الثاني ؛ لإعراض المشهور عن هذه الأخبار مع كونها بمرأى منهم ومسمع ، فاللازم طرحها أو حملها على بعض المحامل ، كالحمل على الحجّ المندوب وإن كان بعيداً عن سياقها ، مع أ نّها مفسّرة للاستطاعة في الآية الشريفة ، وحمل الآية على القدر المشترك بين الوجوب والندب بعيد ، أو حملها على من استقرّ عليه حجّة الإسلام سابقاً ، وهو أيضاً بعيد ، أو نحو ذلك ، وكيف كان فالأقوى ما ذكرنا ، وإن كان لا ينبغي ترك الاحتياط بالعمل بالأخبار المزبورة ، خصوصاً بالنسبة إلى من لا فرق عنده بين المشي والركوب ، أو يكون

ص: 244

المشي أسهل ، لانصراف الأخبار الاُولة عن هذه الصورة ، بل لو لا الإجماعات المنقولة والشهرة لكان هذا القول في غاية القوّة .

(مسألة 2) : لا فرق في اشتراط وجود الراحلة بين القريب والبعيد حتّى بالنسبة إلى أهل مكّة ؛ لإطلاق الأدلّة ، فما عن جماعة من عدم اشتراطه بالنسبة إليهم لا وجه له .

(مسألة 3) : لا يشترط وجودهما عيناً عنده ، بل يكفي وجود ما يمكن صرفه في تحصيلهما من المال ؛ من غير فرق بين النقود والأملاك من البساتين والدكاكين والخانات ونحوها ، ولا يشترط إمكان حمل الزاد معه ، بل يكفي إمكان تحصيله في المنازل بقدر الحاجة ، ومع عدمه فيها يجب حمله(1) مع الإمكان ؛ من غير فرق بين علف الدابّة وغيره ، ومع عدمه يسقط الوجوب .

(مسألة 4) : المراد بالزاد هنا المأكول والمشروب ، وسائر ما يحتاج إليه المسافر من الأوعية التي يتوقّف عليها حمل المحتاج إليه وجميع ضروريات ذلك السفر بحسب حاله قوّة وضعفاً ، وزمانه حرّاً وبرداً ، وشأنه شرفاً وضعة ، والمراد بالراحلة مطلق ما يركب ولو مثل السفينة في طريق البحر . واللازم وجود ما يناسب حاله بحسب القوّة والضعف ، بل الظاهر اعتباره من حيث الضعة والشرف كمّاً وكيفاً ، فإذا كان من شأنه ركوب المحمل أو الكنيسة بحيث يعدّ ما دونهما نقصاً عليه ، يشترط في الوجوب القدرة عليه ، ولا يكفي ما دونه وإن كانت الآية والأخبار مطلقة ، وذلك لحكومة قاعدة نفي العسر والحرج على الإطلاقات ، نعم إذا لم يكن بحدّ الحرج وجب معه الحجّ وعليه

ص: 245


1- - وجوباً عقلياً لا شرعياً .

يحمل ما في بعض الأخبار من وجوبه ولو على حمار أجدع مقطوع الذنب .

(مسألة 5) : إذا لم يكن عنده الزاد ولكن كان كسوباً يمكنه تحصيله بالكسب في الطريق لأكله وشربه وغيرهما من بعض حوائجه ، هل يجب عليه أو لا ؟ الأقوى عدمه(1) وإن كان أحوط .

(مسألة 6) : إنّما يعتبر الاستطاعة من مكانه لا من بلده ، فالعراقي إذا استطاع وهو في الشام وجب عليه وإن لم يكن عنده بقدر الاستطاعة من العراق ، بل لو مشى إلى ما قبل الميقات متسكّعاً أو لحاجة اُخرى من تجارة أو غيرها ، وكان له هناك ما يمكن أن يحجّ به وجب عليه ، بل لو أحرم متسكّعاً فاستطاع وكان أمامه ميقات آخر أمكن أن يقال بالوجوب عليه وإن كان لا يخلو عن إشكال .

(مسألة 7) : إذا كان من شأنه ركوب المحمل أو الكنيسة ولم يوجد ، سقط الوجوب ، ولو وجد ولم يوجد شريك للشقّ الآخر ، فإن لم يتمكّن من اُجرة الشقّين سقط أيضاً ، وإن تمكّن فالظاهر الوجوب لصدق الاستطاعة ، فلا وجه لما عن العلاّمة من التوقّف فيه ، لأنّ بذل المال له خسران لا مقابل له ، نعم لو كان بذله مجحفاً(2) ومضرّاً بحاله لم يجب ، كما هو الحال في شراء ماء الوضوء . (مسألة 8) : غلاء أسعار ما يحتاج إليه أو اُجرة المركوب في تلك السنة لا يوجب السقوط ، ولا يجوز التأخير عن تلك السنة مع تمكّنه من القيمة ، بل وكذا لو توقّف على الشراء بأزيد من ثمن المثل والقيمة المتعارفة ، بل وكذا لو توقّف على

ص: 246


1- - ولا يجزي عن حجّة الإسلام لو تكلّف بإتيانه .
2- - الميزان صيرورة الحجّ حرجياً عليه ، وكذا الحال في المسألة الآتية كما أشار إليه الماتن .

بيع أملاكه بأقلّ من ثمن المثل ، لعدم وجود راغب في القيمة المتعارفة ، فما عن الشيخ من سقوط الوجوب ضعيف ، نعم لو كان الضرر مجحفاً بماله مضرّاً بحاله لم يجب ، وإلاّ فمطلق الضرر لا يرفع الوجوب بعد صدق الاستطاعة وشمول الأدلّة ، فالمناط هو الإجحاف والوصول إلى حدّ الحرج الرافع للتكليف .

(مسألة 9) : لا يكفي في وجوب الحجّ وجود نفقة الذهاب فقط ، بل يشترط وجود نفقة العود إلى وطنه إن أراده وإن لم يكن له فيه أهل ولا مسكن مملوك ولو بالإجارة ؛ للحرج في التكليف بالإقامة في غير وطنه المألوف له ، نعم إذا لم يرد العود أو كان وحيداً لا تعلّق له بوطن لم يعتبر وجود نفقة العود ، لإطلاق الآية والأخبار في كفاية وجود نفقة الذهاب ، وإذا أراد السكنى في بلد آخر غير وطنه لا بدّ من وجود النفقة إليه إذا لم يكن أبعد(1) من وطنه ، وإلاّ فالظاهر كفاية مقدار العود إلى وطنه .

(مسألة 10) : قد عرفت أ نّه لا يشترط وجود أعيان ما يحتاج إليه في نفقة الحجّ من الزاد والراحلة ، ولا وجود أثمانها من النقود ، بل يجب عليه بيع ما عنده من الأموال لشرائها ، لكن يستثنى من ذلك ما يحتاج إليه في ضروريات معاشه فلا تباع دار سكناه اللائقة بحاله ، ولا خادمه المحتاج إليه ، ولا ثياب تجمّله اللائقة بحاله فضلاً عن ثياب مهنته ، ولا أثاث بيته ؛ من الفراش والأواني وغيرهما ممّا هو محلّ حاجته ، بل ولا حلي المرأة مع حاجتها بالمقدار اللائق بها بحسب حالها في زمانها ومكانها ، ولا كتب العلم لأهله التي لا بدّ له منها فيما

ص: 247


1- - ليست الأبعدية دخيلة في ذلك ، بل الميزان هو أكثرية النفقة ، نعم لو كان السكنى لضرورة ألجأته إليه ، يعتبر العود ولو مع أكثريتها .

يجب تحصيله ؛ لأنّ الضرورة الدينية أعظم من الدنيوية ، ولا آلات الصنائع المحتاج إليها في معاشه ، ولا فرس ركوبه مع الحاجة إليه ، ولا سلاحه ولا سائر ما يحتاج إليه ، لاستلزام التكليف بصرفها في الحجّ العسر والحرج(1) ، ولا يعتبر فيها الحاجة الفعلية ، فلا وجه لما عن «كشف اللثام» من أنّ فرسه إن كان صالحاً لركوبه في طريق الحجّ فهو من الراحلة ، وإلاّ فهو في مسيره إلى الحجّ لا يفتقر إليه بل يفتقر إلى غيره ، ولا دليل على عدم وجوب بيعه حينئذٍ ، كما لا وجه لما عن «الدروس» من التوقّف في استثناء ما يضطرّ إليه من أمتعة المنزل والسلاح وآلات الصنائع ، فالأقوى استثناء جميع ما يحتاج إليه في معاشه ممّا يكون إيجاب بيعه مستلزماً للعسر والحرج ، نعم لو زادت أعيان المذكورات عن مقدار الحاجة وجب بيع الزائد في نفقة الحجّ ، وكذا لو استغنى عنها بعد الحاجة كما في حلي المرأة إذا كبرت عنه ونحوه .

(مسألة 11) : لو كان بيده دار موقوفة تكفيه لسكناه وكان عنده دار مملوكة فالظاهر وجوب بيع المملوكة إذا كانت وافية لمصارف الحجّ أو متمّمة لها ، وكذا في الكتب المحتاج إليها إذا كان عنده من الموقوفة مقدار كفايته ، فيجب بيع المملوكة منها ، وكذا الحال في سائر المستثنيات إذا ارتفعت حاجته فيها بغير المملوكة ، لصدق الاستطاعة حينئذٍ إذا لم يكن ذلك منافياً لشأنه(2) ولم يكن عليه حرج في ذلك ، نعم لو لم تكن موجودة وأمكنه تحصيلها لم يجب عليه ذلك ، فلا يجب بيع ما عنده وفي ملكه ، والفرق عدم صدق الاستطاعة في هذه

ص: 248


1- - ولإمكان دعوى عدم صدق المستطيع عرفاً على من يمكنه السفر بصرف ضرورياته ، خصوصاً ما يخلّ بمعاشه واكتسابه .
2- - ولا معرضاً للزوال ، وإلاّ لم تصدق الاستطاعة .

الصورة بخلاف الصورة الاُولى ، إلاّ إذا حصلت بلا سعي منه ، أو حصّلها مع عدم وجوبه فإنّه بعد التحصيل يكون كالحاصل أوّلاً .

(مسألة 12) : لو لم تكن المستثنيات زائدة عن اللائق بحاله بحسب عينها ، لكن كانت زائدة بحسب القيمة ، وأمكن تبديلها بما يكون أقلّ قيمة مع كونه لائقاً بحاله أيضاً ، فهل يجب التبديل للصرف في نفقة الحجّ أو لتتميمها ؟ قولان ؛ من صدق الاستطاعة ، ومن عدم زيادة العين عن مقدار الحاجة ، والأصل عدم وجوب التبديل ، والأقوى الأوّل إذا لم يكن فيه حرج أو نقص عليه وكانت الزيادة معتدّاً بها ، كما إذا كانت له دار تسوى مائة وأمكن تبديلها بما يسوى خمسين مع كونه لائقاً بحاله من غير عسر ، فإنّه يصدق الاستطاعة ، نعم لو كانت الزيادة قليلة جدّاً(1) بحيث لا يعتنى بها أمكن دعوى عدم الوجوب ، وإن كان الأحوط التبديل أيضاً .

(مسألة 13) : إذا لم يكن عنده من أعيان المستثنيات ، لكن كان عنده ما يمكن شراؤها به من النقود أو نحوها ، ففي جواز شرائها وترك الحجّ إشكال ، بل الأقوى عدم جوازه إلاّ أن يكون عدمها موجباً للحرج عليه ، فالمدار في ذلك هو الحرج(2) وعدمه ، وحينئذٍ فإن كانت موجودة عنده لا يجب بيعها إلاّ مع عدم الحاجة ، وإن لم تكن موجودة لا يجوز شراؤها إلاّ مع لزوم الحرج في تركه ، ولو كانت موجودة وباعها بقصد التبديل بآخر لم يجب صرف ثمنها في الحجّ ،

ص: 249


1- - مع فرض الزيادة لا تأثير للقلّة إذا كانت متمّمة ، فالأقوى وجوب التبديل .
2- - بل لا يبعد عدم صدق الاستطاعة عرفاً إذا كان عنده ما يحتاج إلى صرفه في ضروريات معاشه ومكسبه ؛ من غير فرق بين كون النقد عنده ابتداء أو بالبيع بقصد التبديل أو لا بقصده .

فحكم ثمنها حكمها ، ولو باعها لا بقصد التبديل وجب بعد البيع صرف ثمنها في الحجّ إلاّ مع الضرورة إليها على حدّ الحرج في عدمها .

(مسألة 14) : إذا كان عنده مقدار ما يكفيه للحجّ ونازعته نفسه إلى النكاح صرّح جماعة بوجوب الحجّ وتقديمه على التزويج ، بل قال بعضهم : وإن شقّ عليه ترك التزويج ، والأقوى وفاقاً لجماعة اُخرى عدم وجوبه مع كون ترك التزويج حرجاً عليه ، أو موجباً لحدوث مرض ، أو للوقوع في الزنا ونحوه ، نعم لو كانت عنده زوجة واجبة النفقة ولم يكن له حاجة فيها لا يجب أن يطلّقها وصرف مقدار نفقتها في تتميم مصرف الحجّ ؛ لعدم صدق الاستطاعة عرفاً .

(مسألة 15) : إذا لم يكن عنده ما يحجّ به ، ولكن كان له دين على شخص بمقدار مؤونته أو بما تتمّ به مؤونته ، فاللازم اقتضاؤه وصرفه في الحجّ إذا كان الدين حالاًّ وكان المديون باذلاً ؛ لصدق الاستطاعة حينئذٍ ، وكذا إذا كان مماطلاً وأمكن إجباره بإعانة متسلّط ، أو كان منكراً وأمكن إثباته عند الحاكم الشرعي وأخذه بلا كلفة وحرج ، وكذا إذا توقّف استيفاؤه على الرجوع إلى حاكم الجور بناءً على ما هو الأقوى من جواز الرجوع إليه مع توقّف استيفاء الحقّ عليه ؛ لأ نّه حينئذٍ يكون واجباً بعد صدق الاستطاعة ؛ لكونه مقدّمة للواجب المطلق ، وكذا لو كان الدين مؤجّلاً وكان المديون باذلاً قبل الأجل لو طالبه ، ومنع صاحب «الجواهر» الوجوب حينئذٍ بدعوى عدم صدق الاستطاعة ، محلّ منع(1) ، وأمّا لو كان المديون معسراً أو مماطلاً لا يمكن إجباره ، أو منكراً للدين ولم يمكن إثباته ، أو كان الترافع مستلزماً للحرج ، أو كان الدين مؤجّلاً مع

ص: 250


1- - بل وجيه إن كان البذل موقوفاً على المطالبة كما هو المفروض .

عدم كون المديون باذلاً فلا يجب ، بل الظاهر عدم الوجوب لو لم يكن واثقاً ببذله مع المطالبة .

(مسألة 16) : لا يجب الاقتراض للحجّ إذا لم يكن له مال وإن كان قادراً على وفائه بعد ذلك بسهولة ؛ لأ نّه تحصيل للاستطاعة وهو غير واجب ، نعم لو كان له مال غائب لا يمكن صرفه في الحجّ فعلاً ، أو مال حاضر لا راغب في شرائه أو دين مؤجّل لا يكون المديون باذلاً له قبل الأجل ، وأمكنه الاستقراض والصرف في الحجّ ثمّ وفاؤه بعد ذلك ، فالظاهر(1) وجوبه ؛ لصدق الاستطاعة حينئذٍ عرفاً ، إلاّ إذا لم يكن واثقاً بوصول الغائب ، أو حصول الدين بعد ذلك فحينئذٍ لا يجب الاستقراض ؛ لعدم صدق الاستطاعة في هذه الصورة .

(مسألة 17) : إذا كان عنده ما يكفيه للحجّ وكان عليه دين ، ففي كونه مانعاً عن وجوب الحجّ مطلقاً ؛ سواء كان حالاًّ مطالباً به أو لا ، أو كونه مؤجّلاً ، أو عدم كونه مانعاً إلاّ مع الحلول والمطالبة ، أو كونه مانعاً إلاّ مع التأجيل أو الحلول مع

عدم المطالبة ، أو كونه مانعاً إلاّ مع التأجيل وسعة الأجل للحجّ والعود أقوال ، والأقوى كونه مانعاً إلاّ مع التأجيل والوثوق بالتمكّن من أداء الدين إذا صرف ما عنده في الحجّ ، وذلك لعدم صدق الاستطاعة في غير هذه الصورة ، وهي المناط في الوجوب ، لا مجرّد كونه مالكاً للمال وجواز التصرّف فيه بأيّ وجه أراد ، وعدم المطالبة في صورة الحلول أو الرضا بالتأخير لا ينفع في صدق الاستطاعة ، نعم لا يبعد الصدق إذا كان واثقاً بالتمكّن من الأداء مع فعلية الرضا بالتأخير من الدائن ، والأخبار الدالّة على جواز الحجّ لمن عليه دين لا تنفع في

ص: 251


1- - بل الظاهر عدم وجوبه ومن قبيل تحصيل الاستطاعة .

الوجوب ، وفي كونه حجّة الإسلام ، وأمّا صحيح معاوية بن عمّار ، عن الصادق علیه السلام عن رجل عليه دين أ عليه أن يحجّ ؟ قال : «نعم ، إنّ حجّة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين» ، وخبر عبدالرحمن عنه علیه السلام أ نّه

قال : «الحجّ واجب على الرجل وإن كان عليه دين» ، فمحمولان على الصورة التي ذكرنا ، أو على من استقرّ عليه الحجّ سابقاً وإن كان لا يخلو عن إشكال كما سيظهر ، فالأولى الحمل الأوّل ، وأمّا ما يظهر من صاحب «المستند» من أنّ كلاًّ من أداء الدين والحجّ واجب ، فاللازم بعد عدم الترجيح التخيير بينهما في صورة الحلول مع المطالبة ، أو التأجيل مع عدم سعة الأجل للذهاب والعود ، وتقديم الحجّ في صورة الحلول مع الرضا بالتأخير ، أو التأجيل مع سعة الأجل للحجّ والعود ، ولو مع عدم الوثوق بالتمكّن من أداء الدين بعد ذلك حيث لا يجب المبادرة إلى الأداء فيهما فيبقى وجوب الحجّ بلا مزاحم ، ففيه : أ نّه لا وجه للتخيير في الصورتين الاُوليين ، ولا لتعيين تقديم الحجّ في الأخيرتين بعد كون الوجوب - تخييراً أو تعييناً - مشروطاً بالاستطاعة الغير الصادقة في المقام ، خصوصاً مع المطالبة وعدم الرضا بالتأخير ، مع أنّ التخيير فرع كون الواجبين مطلقين وفي عرض واحد والمفروض أنّ وجوب أداء الدين مطلق بخلاف وجوب الحجّ فإنّه مشروط بالاستطاعة الشرعية(1) ، نعم لو استقرّ عليه وجوب الحجّ سابقاً فالظاهر التخيير(2) ؛ لأ نّهما حينئذٍ في عرض واحد وإن كان يحتمل تقديم الدين إذا كان حالاًّ مع المطالبة أو مع عدم الرضا بالتأخير لأهمّية حقّ الناس من حقّ اللّه ، لكنّه ممنوع ولذا لو فرض كونهما عليه بعد الموت يوزّع

ص: 252


1- - وهي غير حاصلة ، لا العقلية ؛ حتّى تكون حاصلة مزاحمة ، فالقيد في محلّه .
2- - إن لم يمكنه الجمع ولو بالحجّ متسكّعاً .

المال عليهما ، ولا يقدّم دين الناس ، ويحتمل تقديم الأسبق منهما في الوجوب ، لكنّه أيضاً لا وجه له كما لا يخفى .

(مسألة 18) : لا فرق في كون الدين مانعاً من وجوب الحجّ بين أن يكون سابقاً على حصول المال بقدر الاستطاعة أو لا ، كما إذا استطاع للحجّ ثمّ عرض عليه دين بأن أتلف مال الغير مثلاً على وجه الضمان من دون تعمّد قبل خروج الرفقة ، أو بعده قبل أن يخرج هو ، أو بعد خروجه قبل الشروع في الأعمال فحاله حال تلف المال من دون دين ، فإنّه يكشف عن عدم كونه مستطيعاً .

(مسألة 19) : إذا كان عليه خمس أو زكاة وكان عنده مقدار ما يكفيه للحجّ لو لاهما فحالهما حال الدين مع المطالبة ؛ لأنّ المستحقّين لهما مطالبون فيجب صرفه فيهما ، ولا يكون مستطيعاً ، وإن كان الحجّ مستقرّاً عليه سابقاً يجيء الوجوه المذكورة من التخيير ، أو تقديم حقّ الناس ، أو تقديم الأسبق . هذا إذا كان الخمس أو الزكاة في ذمّته ، وأمّا إذا كانا في عين ماله فلا إشكال في تقديمهما على الحجّ ؛ سواء كان مستقرّاً عليه أو لا ، كما أ نّهما يقدّمان على ديون الناس أيضاً ، ولو حصلت الاستطاعة والدين والخمس والزكاة معاً فكما لو سبق الدين .

(مسألة 20) : إذا كان عليه دين مؤجّل بأجل طويل جدّاً ، كما بعد خمسين سنة ، فالظاهر عدم منعه عن الاستطاعة ، وكذا إذا كان الديّان مسامحاً في أصله ، كما في مهور نساء أهل الهند ، فإنّهم يجعلون المهر ما لا يقدر الزوج على أدائه كمائة ألف روبية ، أو خمسين ألف ، لإظهار الجلالة ، وليسوا مقيّدين بالإعطاء والأخذ ، فمثل ذلك لا يمنع من الاستطاعة ووجوب الحجّ ، وكالدين ممّن بناؤه

ص: 253

على الإبراء(1) إذا لم يتمكّن المديون من الأداء ، أو واعده بالإبراء بعد ذلك .

(مسألة 21) : إذا شكّ في مقدار ماله وأ نّه وصل إلى حدّ الاستطاعة أو لا ، هل يجب عليه الفحص أم لا ؟ وجهان ؛ أحوطهما ذلك ، وكذا إذا علم مقداره وشكّ في مقدار مصرف الحجّ وأ نّه يكفيه أو لا .

(مسألة 22) : لو كان بيده مقدار نفقة الذهاب والإياب وكان له مال غائب ، لو كان باقياً يكفيه في رواج أمره بعد العود ، لكن لا يعلم بقاءه أو عدم بقائه ، فالظاهر وجوب الحجّ بهذا الذي بيده استصحاباً لبقاء الغائب ، فهو كما لو شكّ في أنّ أمواله الحاضرة تبقى إلى ما بعد العود أو لا ، فلا يعدّ(2) من الأصل المثبت .

(مسألة 23) : إذا حصل عنده مقدار ما يكفيه للحجّ ، يجوز له(3) قبل أن يتمكّن من المسير أن يتصرّف فيه بما يخرجه عن الاستطاعة ، وأمّا بعد التمكّن منه فلا يجوز وإن كان قبل خروج الرفقة ، ولو تصرّف بما يخرجه عنها بقيت ذمّته مشغولة به ، والظاهر صحّة التصرّف مثل الهبة والعتق وإن كان فعل حراماً ؛ لأنّ النهي متعلّق بأمر خارج ، نعم لو كان قصده في ذلك التصرّف الفرار من الحجّ

ص: 254


1- - مع الاطمئنان به وبإنجاز وعده .
2- - لأنّ موضوع وجوب الحجّ مركّب محرز بالأصل والوجدان ، وتنظيره صحيح من وجه وإن كان له فارق من جهة .
3- - إذا كان عدم التمكّن لأجل عدم الصحّة في البدن أو عدم تخلية السرب فالأقوى جواز التصرّف كما في المتن ، وأمّا إذا كان لأجل عدم تهيئة الأسباب أو فقدان الرفقة فلا يجوز مع احتمال الحصول ، فضلاً عن العلم به ، ولو تصرّف والحال هذه استقرّ عليه الحجّ إذا فرض رفع العذر فيما بعد .

لا لغرض شرعي أمكن أن يقال(1) بعدم الصحّة ، والظاهر أنّ المناط في عدم جواز التصرّف المخرج هو التمكّن في تلك السنة ، فلو لم يتمكّن فيها ولكن يتمكّن في السنة الاُخرى لم يمنع عن جواز التصرّف ، فلا يجب إبقاء المال إلى العام القابل إذا كان له مانع في هذه السنة ، فليس حاله حال من يكون بلده بعيداً عن مكّة بمسافة سنتين .

(مسألة 24) : إذا كان له مال غائب بقدر الاستطاعة وحده أو منضمّاً إلى ماله الحاضر ، وتمكّن من التصرّف في ذلك المال الغائب ، يكون مستطيعاً ، ويجب عليه الحجّ ، وإن لم يكن متمكّناً من التصرّف فيه ولو بتوكيل من يبيعه هناك ، فلا يكون مستطيعاً إلاّ بعد التمكّن منه ، أو الوصول في يده ، وعلى هذا فلو تلف في الصورة الاُولى بقي وجوب الحجّ مستقرّاً عليه(2) إن كان التمكّن في حال تحقّق سائر الشرائط ، ولو تلف في الصورة الثانية لم يستقرّ ، وكذا إذا مات مورّثه وهو في بلد آخر وتمكّن من التصرّف في حصّته أو لم يتمكّن ، فإنّه على الأوّل يكون مستطيعاً بخلافه على الثاني .

(مسألة 25) : إذا وصل ماله إلى حدّ الاستطاعة لكنّه كان جاهلاً به أو كان غافلاً عن وجوب الحجّ عليه ، ثمّ تذكّر بعد أن تلف(3) ذلك المال ، فالظاهر استقرار وجوب الحجّ عليه إذا كان واجداً لسائر الشرائط حين

ص: 255


1- - لكنّه ضعيف .
2- - إذا لم يحجّ مع التمكّن فتلف بعد مضيّ الموسم ، أو كان التلف بتقصير منه ولو قبل أوان خروج الرفقة على الأقوى .
3- - بتقصير منه بعد تمامية سائر الشرائط ولو قبل أوان خروج الرفقة ، أو تلف بعد مضيّ موسم الحجّ .

وجوده ، والجهل والغفلة لا يمنعان عن الاستطاعة ، غاية الأمر أ نّه معذور في ترك ما وجب عليه ، وحينئذٍ فإذا مات قبل التلف أو بعده وجب الاستئجار عنه إن كانت له تركة بمقداره ، وكذا إذا نقل ذلك المال إلى غيره بهبة أو صلح ثمّ علم بعد ذلك أ نّه كان بقدر الاستطاعة ، فلا وجه لما ذكره المحقّق القمّي في أجوبة مسائله من عدم الوجوب ؛ لأ نّه لجهله لم يصر مورداً ، وبعد النقل والتذكّر ليس عنده ما يكفيه فلم يستقرّ عليه ؛ لأنّ عدم التمكّن من جهة الجهل والغفلة لا ينافي الوجوب الواقعي والقدرة التي هي شرط في التكاليف القدرة من حيث هي ، وهي موجودة ، والعلم شرط في التنجّز لا في أصل التكليف .

(مسألة 26) : إذا اعتقد أ نّه غير مستطيع فحجّ ندباً ، فإن قصد امتثال الأمر(1) المتعلّق به فعلاً وتخيّل أ نّه الأمر الندبي أجزأ عن حجّة الإسلام ؛ لأ نّه حينئذٍ من باب الاشتباه في التطبيق ، وإن قصد الأمر الندبي على وجه التقييد لم يجز عنها وإن كان حجّه صحيحاً(2) ، وكذا الحال إذا علم باستطاعته ثمّ غفل عن ذلك ، وأمّا لو علم بذلك وتخيّل عدم فوريتها فقصد الأمر الندبي فلا يجزي ؛ لأ نّه يرجع إلى التقييد .

(مسألة 27) : هل تكفي في الاستطاعة الملكية المتزلزلة للزاد والراحلة وغيرهما ، كما إذا صالحه شخص ما يكفيه للحجّ بشرط الخيار له إلى مدّة معيّنة ، أو باعه محاباة كذلك وجهان ، أقواهما العدم ، لأنّها في معرض الزوال إلاّ إذا كان

ص: 256


1- - لكن وقوع ذلك مع العلم والالتفات بالحكم والموضوع مشكل .
2- - فيه تأمّل .

واثقاً(1) بأ نّه لا يفسخ ، وكذا لو وهبه وأقبضه إذا لم يكن رحماً ، فإنّه ما دامت العين موجودة له الرجوع ، ويمكن أن يقال بالوجوب هنا ؛ حيث إنّ له التصرّف في الموهوب فتلزم الهبة .

(مسألة 28) : يشترط في وجوب الحجّ بعد حصول الزاد والراحلة بقاء المال إلى تمام الأعمال ، فلو تلف بعد ذلك ولو في أثناء الطريق كشف عن عدم الاستطاعة ، وكذا لو حصل عليه دين قهراً عليه ، كما إذا أتلف مال غيره خطأً ، وأمّا لو أتلفه عمداً ، فالظاهر كونه كإتلاف الزاد والراحلة عمداً في عدم زوال استقرار الحجّ .

(مسألة 29) : إذا تلف بعد تمام الأعمال مؤونة عوده إلى وطنه أو تلف ما به الكفاية من ماله في وطنه بناءً على اعتبار الرجوع إلى كفاية في الاستطاعة ، فهل يكفيه عن حجّة الإسلام أو لا ؟ وجهان ، لا يبعد الإجزاء(2) ، ويقرّبه ما ورد من أنّ من مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأه عن حجّة الإسلام ، بل يمكن أن يقال بذلك إذا تلف في أثناء الحجّ أيضاً .

(مسألة 30) : الظاهر عدم اعتبار الملكية في الزاد والراحلة ، فلو حصلا بالإباحة اللازمة كفى في الوجوب ؛ لصدق الاستطاعة ، ويؤيّده الأخبار الواردة

ص: 257


1- - الوثوق والاطمئنان موجب للزوم الحجّ عليه ظاهراً ، لكن لو فسخ قبل تمام الأعمال يكشف عن عدم الاستطاعة .
2- - بعد البناء المذكور لا وجه للإجزاء ولا دليل عليه ، وما دلّ على إجزاء حجّ من مات بعد الإحرام ودخول الحرم غير مربوط بالمقام ، وأبعد من ذلك التلف في أثناء الحجّ إذا كان المراد أعمّ من تلف مؤونة إتمامه .

في البذل ، فلو شرط أحد المتعاملين على الآخر في ضمن عقد لازم أن يكون له التصرّف في ماله بما يعادل مائة ليرة - مثلاً - وجب عليه الحجّ ويكون كما لو كان مالكاً له .

(مسألة 31) : لو أوصى له بما يكفيه للحجّ ، فالظاهر وجوب الحجّ(1) عليه بعد موت الموصي ، خصوصاً إذا لم يعتبر القبول في ملكية الموصى له ، وقلنا بملكيته ما لم يردّ ، فإنّه ليس له الردّ حينئذٍ .

(مسألة 32) : إذا نذر قبل حصول الاستطاعة أن يزور الحسين في كلّ عرفة ثمّ حصلت لم يجب عليه(2) الحجّ ، بل وكذا لو نذر إن جاء مسافره أن يعطي الفقير كذا مقداراً ، فحصل له ما يكفيه لأحدهما بعد حصول المعلّق عليه ، بل وكذا إذا نذر قبل حصول الاستطاعة أن يصرف مقدار مائة ليرة - مثلاً - في الزيارة أو التعزية أو نحو ذلك ، فإنّ هذا كلّه مانع عن تعلّق وجوب الحجّ به ، وكذا إذا كان عليه واجب مطلق فوري قبل حصول الاستطاعة ، ولم يمكن الجمع بينه وبين الحجّ ، ثمّ حصلت الاستطاعة وإن لم يكن ذلك الواجب أهمّ من الحجّ ؛ لأنّ العذر الشرعي كالعقلي في المنع من الوجوب ، وأمّا لو حصلت الاستطاعة أوّلاً

ص: 258


1- - بل الظاهر عدم الوجوب ؛ لما قلنا باعتبار القبول في حصول الملكية ومعه لا وجه لوجوبه ؛ لأ نّه من قبيل تحصيل الاستطاعة .
2- - بل لا إشكال في أ نّه يجب الحجّ لأهمّيته ، والعذر الشرعي ليس شرطاً للوجوب ولا مقوّماً للاستطاعة ، فلا بدّ من ملاحظة الأهمّ بعد حصول الاستطاعة ولا إشكال في كون الحجّ أهمّ ، وأمّا بناءً على كون العذر الشرعي دخيلاً في الاستطاعة فلا وجه للفرق بين تقدّم الاستطاعة وتأخّرها ، فالتفصيل غير وجيه ، وما ذكرنا سيّال في مزاحمة الحجّ لجميع الواجبات والمحرّمات ؛ أي لا بدّ من ملاحظة الأهمّ ، وأمّا انحلال النذر ففيه كلام .

ثمّ حصل واجب فوري آخر - لا يمكن الجمع بينه وبين الحجّ - يكون من باب المزاحمة ، فيقدّم الأهمّ منهما ، فلو كان مثل إنقاذ الغريق قدّم على الحجّ ، وحينئذٍ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب الحجّ فيه ، وإلاّ فلا ، إلاّ أن يكون الحجّ قد استقرّ عليه سابقاً ، فإنّه يجب عليه ولو متسكّعاً .

(مسألة 33) : النذر المعلّق على أمر قسمان : تارة يكون التعليق على وجه الشرطية ، كما إذا قال : إن جاء مسافري فللّه عليّ أن أزور الحسين علیه السلام في عرفة ، وتارة يكون على نحو الواجب المعلّق ، كأن يقول : للّه عليّ أن أزور الحسين في عرفة عند مجيء مسافري ، فعلى الأوّل يجب الحجّ إذا حصلت الاستطاعة قبل مجيء مسافره ، وعلى الثاني لا يجب(1) فيكون حكمه حكم النذر المنجّز في أ نّه لو حصلت الاستطاعة وكان العمل بالنذر منافياً لها لم يجب الحجّ ؛ سواء حصل المعلّق عليه قبلها أو بعدها وكذا لو حصلا معاً لا يجب الحجّ ، من دون فرق بين الصورتين ، والسرّ في ذلك أنّ وجوب الحجّ مشروط والنذر مطلق ، فوجوبه يمنع من تحقّق الاستطاعة .

(مسألة 34) : إذا لم يكن له زاد وراحلة ولكن قيل له: حجّ وعليّ نفقتك ونفقة عيالك ، وجب عليه ، وكذا لو قال : حجّ بهذا المال ، وكان كافياً له ذهاباً وإياباً ولعياله ، فتحصل الاستطاعة ببذل النفقة كما تحصل بملكها ؛ من غير فرق بين أن يبيحها له أو يملّكها(2) إيّاه ، ولا بين أن يبذل عينها أو ثمنها ، ولا بين أن يكون

ص: 259


1- - مرّ الوجوب في النذر المطلق ، فضلاً عن المعلّق ، ومرّ السرّ فيه ، فما جعله سرّاً غير وجيه .
2- - للحجّ .

البذل واجباً عليه بنذر أو يمين أو نحوهما أو لا ، ولا بين كون الباذل موثوقاً به(1) أو لا على الأقوى ، والقول بالاختصاص بصورة التمليك ضعيف ، كالقول بالاختصاص بما إذا وجب عليه أو بأحد الأمرين ؛ من التمليك أو الوجوب ، وكذا القول بالاختصاص بما إذا كان موثوقاً به ؛ كلّ ذلك لصدق الاستطاعة ، وإطلاق المستفيضة من الأخبار ، ولو كان له بعض النفقة فبذل له البقيّة وجب أيضاً ، ولو بذل له نفقة الذهاب فقط ولم يكن عنده نفقة العود لم يجب ، وكذا لو لم يبذل نفقة عياله إلاّ إذا كان عنده ما يكفيهم(2) إلى أن يعود ، أو كان لا يتمكّن من نفقتهم مع ترك الحجّ أيضاً .

(مسألة 35) : لا يمنع الدين من الوجوب في الاستطاعة البذلية ، نعم لو كان حالاًّ وكان الديّان مطالباً مع فرض تمكّنه من أدائه لو لم يحجّ ولو تدريجاً ، ففي كونه مانعاً أو لا وجهان .

(مسألة 36) : لا يشترط الرجوع إلى كفاية في الاستطاعة البذلية .

(مسألة 37) : إذا وهبه ما يكفيه للحجّ لأن يحجّ ، وجب عليه القبول على الأقوى ، بل وكذا لو وهبه وخيّره بين أن يحجّ به أو لا ، وأمّا لو وهبه ولم يذكر الحجّ لا تعييناً ولا تخييراً ، فالظاهر عدم وجوب القبول كما عن المشهور .

(مسألة 38) : لو وقف شخص لمن يحجّ أو أوصى أو نذر كذلك ، فبذل المتولّي أو الوصيّ أو الناذر له وجب عليه ؛ لصدق الاستطاعة ، بل إطلاق

ص: 260


1- - الأقوى اعتبار الوثوق ؛ لمنع صدق الاستطاعة بدونه ومنع الإطلاق .
2- - أو كان لهم كفيل غيره .

الأخبار(1) ، وكذا لو أوصى له بما يكفيه للحجّ بشرط أن يحجّ ، فإنّه يجب عليه بعد موت الموصي .

(مسألة 39) : لو أعطاه ما يكفيه للحجّ خمساً أو زكاة وشرط عليه أن يحجّ به فالظاهر الصحّة(2) ووجوب الحجّ عليه إذا كان فقيراً ، أو كانت الزكاة من سهم سبيل اللّه .

(مسألة 40) : الحجّ البذلي مجزٍ عن حجّة الإسلام ، فلا يجب عليه إذا استطاع مالاً بعد ذلك على الأقوى .

(مسألة 41) : يجوز للباذل الرجوع عن بذله قبل الدخول في الإحرام ، وفي جواز رجوعه عنه بعده وجهان(3) ، ولو وهبه للحجّ فقبل ، فالظاهر جريان حكم الهبة عليه في جواز الرجوع قبل الإقباض ، وعدمه بعده إذا كانت لذي رحم أو بعد تصرّف الموهوب له .

(مسألة 42) : إذا رجع الباذل في أثناء الطريق ففي وجوب نفقة العود عليه أو لا وجهان(4) .

ص: 261


1- - وعليه - كما ليس ببعيد - لا يعتبر فيه ما يعتبر في الاستطاعة الملكية من الرجوع إلى الكفاية وعدم الدين .
2- - الظاهر لغوية الشرط وعدم وجوب الحجّ ، نعم لو أعطاه من سهم سبيل اللّه لصرفه في الحجّ لا يجوز صرفه في غيره ، ولكن لا يجب عليه القبول ولا يكون من الاستطاعة المالية ولا البذلية ، فيجب عليه الحجّ لو استطاع بعد .
3- - أقواهما الجواز .
4- - لا يبعد الوجوب عليه ، كما لا يبعد وجوب بذل نفقة إتمام الحجّ في الفرع السابق إذا رجع بعد الإحرام .

(مسألة 43) : إذا بذل لأحد اثنين أو ثلاثة ، فالظاهر(1) الوجوب عليهم كفاية ، فلو ترك الجميع استقرّ عليهم الحجّ فيجب على الكلّ ؛ لصدق الاستطاعة بالنسبة إلى الكلّ ، نظير ما إذا وجد المتيمّمون ماءً يكفي لواحد منهم ، فإنّ تيمّم الجميع يبطل .

(مسألة 44) : الظاهر أنّ ثمن الهدي على الباذل ، وأمّا الكفّارات فإن أتى بموجبها عمداً اختياراً فعليه ، وإن أتى به اضطراراً أو مع الجهل أو النسيان فيما لا فرق فيه بين العمد وغيره ، ففي كونه عليه أو على الباذل وجهان(2) .

(مسألة 45) : إنّما يجب بالبذل الحجّ الذي هو وظيفته على تقدير الاستطاعة ، فلو بذل للآفاقي بحجّ القران أو الإفراد أو لعمرة مفردة لا يجب عليه ، وكذا لو بذل للمكّي لحجّ التمتّع لا يجب عليه ، ولو بذل لمن حجّ حجّة الإسلام لم يجب عليه ثانياً ، ولو بذل لمن استقرّ عليه حجّة الإسلام وصار معسراً وجب عليه ، ولو كان عليه حجّة النذر أو نحوه ولم يتمكّن فبذل له باذل وجب عليه ؛ وإن قلنا بعدم الوجوب لو وهبه لا للحجّ ؛ لشمول الأخبار(3) من حيث التعليل فيها بأ نّه بالبذل صار مستطيعاً ، ولصدق الاستطاعة عرفاً .

(مسألة 46) : إذا قال له : بذلت لك هذا المال مخيّراً بين أن تحجّ به أو تزور الحسين علیه السلام ، وجب عليه الحجّ .

ص: 262


1- - محلّ إشكال .
2- - أوجههما عدم الوجوب على الباذل .
3- - بل لتمكّنه به من أداء الواجب فانقطع عذره ، هذا إذا بذله لحجّه النذري أو بلا عنوان ، وأمّا لو بذل لحجّة الإسلام ففيه تفصيل .

(مسألة 47) : لو بذل له مالاً ليحجّ بقدر ما يكفيه فسرق في أثناء الطريق سقط الوجوب .

(مسألة 48) : لو رجع عن بذله في الأثناء وكان في ذلك المكان يتمكّن من أن يأتي ببقيّة الأعمال من مال نفسه ، أو حدث له مال بقدر كفايته ، وجب عليه(1) الإتمام ، وأجزأه عن حجّة الإسلام .

(مسألة 49) : لا فرق في الباذل بين أن يكون واحداً أو متعدّداً ، فلو قالا له : حجّ وعلينا نفقتك ، وجب عليه .

(مسألة 50) : لو عيّن له مقداراً ليحجّ به واعتقد كفايته ، فبان عدمها وجب عليه(2) الإتمام في الصورة التي لا يجوز له الرجوع ، إلاّ إذا كان ذلك مقيّداً بتقدير كفايته .

(مسألة 51) : إذا قال : اقترض وحجّ وعليّ دينك ، ففي وجوب ذلك عليه نظر ؛ لعدم صدق الاستطاعة عرفاً ، نعم لو قال : اقترض لي وحجّ به ، وجب مع وجود المقرض كذلك .

(مسألة 52) : لو بذل له مالاً ليحجّ به فتبيّن بعد الحجّ أ نّه كان مغصوباً ، ففي كفايته للمبذول له عن حجّة الإسلام وعدمها وجهان ، أقواهما العدم ، أمّا لو قال : حجّ وعليّ نفقتك ، ثمّ بذل له مالاً فبان كونه مغصوباً ، فالظاهر صحّة الحجّ ، وأجزأه(3) عن حجّة الإسلام ؛ لأنّه استطاع بالبذل وقرار الضمان

ص: 263


1- - ومع اجتماع سائر الشرائط قبل إحرامه يجزي عن حجّة الإسلام ، وإلاّ فمحلّ إشكال .
2- - الظاهر عدم الوجوب .
3- - بل الظاهر عدم إجزائه عنها .

على الباذل في الصورتين ؛ عالماً كان بكونه مال الغير أو جاهلاً .

(مسألة 53) : لو آجر نفسه للخدمة في طريق الحجّ باُجرة يصير بها مستطيعاً وجب عليه الحجّ ، ولا ينافيه وجوب قطع الطريق عليه للغير ؛ لأنّ الواجب عليه في حجّ نفسه أفعال الحجّ ، وقطع الطريق مقدّمة توصّلية بأيّ وجه أتى بها كفى ، ولو على وجه الحرام ، أو لا بنيّة الحجّ ، ولذا لو كان مستطيعاً قبل الإجارة جاز له إجارة نفسه للخدمة في الطريق ، بل لو آجر نفسه لنفس المشي معه بحيث يكون العمل المستأجر عليه نفس المشي صحّ أيضاً ، ولا يضرّ بحجّه ، نعم لو آجر نفسه لحجّ بلدي لم يجز له أن يؤجر نفسه لنفس المشي كإجارته لزيارة بلدية أيضاً ، أمّا لو آجر للخدمة في الطريق فلا بأس وإن كان مشيه للمستأجر الأوّل ، فالممنوع وقوع الإجارة على نفس ما وجب عليه ؛ أصلاً أو بالإجارة .

(مسألة 54) : إذا استؤجر ؛ أي طلب منه إجارة نفسه للخدمة بما يصير به مستطيعاً ، لا يجب عليه القبول ، ولا يستقرّ الحجّ عليه ، فالوجوب عليه مقيّد بالقبول ووقوع الإجارة ، وقد يقال بوجوبه إذا لم يكن حرجاً عليه ؛ لصدق الاستطاعة ، ولأ نّه مالك لمنافعه فيكون مستطيعاً قبل الإجارة ، كما إذا كان مالكاً لمنفعة عبده أو دابّته وكانت كافية في استطاعته ، وهو كما ترى ؛ إذ نمنع صدق الاستطاعة بذلك ، ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط في بعض صوره ، كما إذا كان من عادته إجارة نفسه للأسفار .

(مسألة 55) : يجوز لغير المستطيع أن يؤجر نفسه للنيابة عن الغير ، وإن

ص: 264

حصلت الاستطاعة بمال الإجارة قدّم الحجّ النيابي(1) ، فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب عليه لنفسه ، وإلاّ فلا .

(مسألة 56) : إذا حجّ لنفسه أو عن غيره تبرّعاً أو بالإجارة مع عدم كونه مستطيعاً لا يكفيه عن حجّة الإسلام ، فيجب عليه الحجّ إذا استطاع بعد ذلك ، وما في بعض الأخبار من إجزائه عنها محمول على الإجزاء ما دام فقيراً ، كما صرّح به في بعضها الآخر فالمستفاد منها أنّ حجّة الإسلام مستحبّة(2) على غير المستطيع ، وواجبة على المستطيع ، ويتحقّق الأوّل بأيّ وجه أتى به ، ولو عن الغير تبرّعاً أو بالإجارة ، ولا يتحقّق الثاني إلاّ مع حصول شرائط الوجوب .

(مسألة 57) : يشترط في الاستطاعة مضافاً إلى مؤونة الذهاب والإياب وجود ما يمون به عياله حتّى يرجع ، فمع عدمه لا يكون مستطيعاً ، والمراد بهم من يلزمه نفقته لزوماً عرفياً وإن لم يكن ممّن يجب عليه نفقته شرعاً على الأقوى ، فإذا كان له أخ صغير أو كبير فقير لا يقدر على التكسّب وهو ملتزم بالإنفاق عليه أو كان متكفّلاً لإنفاق يتيم في حجره ولو أجنبيّ يعدّ عيالاً له ، فالمدار على العيال العرفي .

(مسألة 58) : الأقوى - وفاقاً لأكثر القدماء - اعتبار الرجوع إلى كفاية ؛ من تجارة أو زراعة أو صناعة أو منفعة ملك له ؛ من بستان أو دكّان أو نحو ذلك ، بحيث لا يحتاج إلى التكفّف ، ولا يقع في الشدّة والحرج ، ويكفي كونه قادراً على التكسّب اللائق به أو التجارة باعتباره ووجاهته وإن لم يكن له رأس مال

ص: 265


1- - إن كان الاستئجار للسنة الاُولى .
2- - صدق عنوان حجّة الإسلام عليه محلّ تأمّل ، والأمر سهل .

يتّجر به . نعم ، قد مرّ عدم اعتبار ذلك في الاستطاعة البذلية ، ولا يبعد عدم اعتباره أيضاً فيمن يمضي أمره بالوجوه اللائقة به كطلبة العلم من السادة وغيرهم ، فإذا حصل لهم مقدار مؤونة الذهاب والإياب ومؤونة عيالهم إلى حال الرجوع وجب عليهم(1) ، بل وكذا الفقير الذي عادته وشغله أخذ الوجوه ولا يقدر على التكسّب إذا حصل له مقدار مؤونة الذهاب والإياب له ولعياله ، وكذا كلّ من لا يتفاوت حاله قبل الحجّ وبعده إذا صرف ما حصل له من مقدار مؤونة الذهاب والإياب من دون حرج عليه .

(مسألة 59) : لا يجوز للولد أن يأخذ من مال والده ويحجّ به ، كما لا يجب على الوالد أن يبذل له ، وكذا لا يجب على الولد بذل المال لوالده ليحجّ به ، وكذا لا يجوز للوالد الأخذ من مال ولده للحجّ ، والقول بجواز ذلك أو وجوبه كما عن الشيخ ضعيف ، وإن كان يدلّ عليه صحيح سعيد بن يسار : سأل الصادق علیه السلام الرجل يحجّ من مال ابنه وهو صغير ؟ قال : «نعم يحجّ منه حجّة الإسلام» ، قال : وينفق منه ؟ قال : «نعم» ، ثمّ قال : «إنّ مال الولد لوالده ، إنّ رجلاً اختصم هو ووالده إلى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فقضى أنّ المال والولد للوالد» . وذلك لإعراض الأصحاب عنه ، مع إمكان حمله على الاقتراض من ماله مع استطاعته من مال نفسه ، أو على ما إذا كان فقيراً وكانت نفقته على ولده ولم يكن نفقة السفر إلى الحجّ أزيد من نفقته في الحضر ؛ إذ الظاهر الوجوب حينئذٍ(2) .

(مسألة 60) : إذا حصلت الاستطاعة لا يجب أن يحجّ من ماله ، فلو حجّ في

ص: 266


1- - بل لا يجب عليهم ، ولا على الفقير الذي عادته أخذ الوجوه ، وكذا لا يجب على من لا يتفاوت حاله على الأقوى .
2- - بل الظاهر عدم الوجوب .

نفقة غيره لنفسه أجزأه ، وكذا لو حجّ متسكّعاً ، بل لو حجّ من مال الغير غصباً صحّ وأجزأه ، نعم إذا كان ثوب إحرامه وطوافه وسعيه من المغصوب لم يصحّ(1)، وكذا إذا كان ثمن هديه غصباً .

(مسألة 61) : يشترط في وجوب الحجّ الاستطاعة البدنية ، فلو كان مريضاً لا يقدر على الركوب ، أو كان حرجاً عليه ولو على المحمل أو الكنيسة لم يجب ، وكذا لو تمكّن من الركوب على المحمل لكن لم يكن عنده مؤونته ، وكذا لو احتاج إلى خادم ولم يكن عنده مؤونته .

(مسألة 62) : ويشترط أيضاً الاستطاعة الزمانية ، فلو كان الوقت ضيّقاً لا يمكنه الوصول إلى الحجّ أو أمكن لكن بمشقّة شديدة لم يجب ، وحينئذٍ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب وإلاّ فلا .

(مسألة 63) : ويشترط أيضاً الاستطاعة السربية ؛ بأن لا يكون في الطريق مانع لا يمكن معه الوصول إلى الميقات أو إلى تمام الأعمال وإلاّ لم يجب ، وكذا لو كان غير مأمون ؛ بأن يخاف على نفسه أو بدنه أو عرضه أو ماله ، وكان الطريق منحصراً فيه أو كان جميع الطرق كذلك ، ولو كان هناك طريقان أحدهما أقرب لكنّه غير مأمون وجب الذهاب من الأبعد المأمون ، ولو كان جميع الطرق مخوفاً إلاّ أ نّه يمكنه الوصول إلى الحجّ بالدوران في البلاد ؛ مثل ما إذا كان من أهل العراق ولا يمكنه إلاّ أن يمشي إلى كرمان ، ومنه إلى خراسان ، ومنه إلى بخارا ، ومنه إلى الهند ، ومنه إلى بوشهر ، ومنه إلى جدّة مثلاً ، ومنه إلى المدينة ، ومنها إلى

ص: 267


1- - فيه إشكال ، نعم الأحوط عدم صحّة صلاة الطواف مع غصبية الثوب ، وأمّا غصبية ثمن الهدي مع الشراء بالذمّة فلا توجب البطلان .

مكّة ، فهل يجب أو لا ؟ وجهان ، أقواهما عدم الوجوب ؛ لأ نّه يصدق عليه أنّه لا يكون مخلّى السرب .

(مسألة 64) : إذا استلزم الذهاب إلى الحجّ تلف مال له في بلده معتدّ به(1) لم يجب ، وكذا إذا كان هناك مانع شرعي من استلزامه ترك واجب فوري(2) سابق على حصول الاستطاعة أو لاحق مع كونه أهمّ من الحجّ ، كإنقاذ غريق أو حريق ، وكذا إذا توقّف على ارتكاب محرّم ، كما إذا توقّف على ركوب دابّة غصبية أو المشي في الأرض المغصوبة .

(مسألة 65) : قد علم ممّا مرّ أ نّه يشترط في وجوب الحجّ مضافاً إلى البلوغ والعقل والحرّية ، الاستطاعة المالية والبدنية والزمانية والسربية ، وعدم استلزامه الضرر(3) ، أو ترك واجب ، أو فعل حرام ومع فقد أحد هذه لا يجب .

فبقي الكلام في أمرين :

أحدهما : إذا اعتقد تحقّق جميع هذه مع فقد بعضها واقعاً ، أو اعتقد فقد بعضها وكان متحقّقاً ، فنقول : إذا اعتقد كونه بالغاً أو حرّاً مع تحقّق سائر الشرائط فحجّ ، ثمّ بان أ نّه كان صغيراً أو عبداً ، فالظاهر بل المقطوع عدم إجزائه عن حجّة

الإسلام ، وإن اعتقد كونه غير بالغ أو عبداً مع تحقّق سائر الشرائط وأتى به أجزأه عن حجّة الإسلام كما مرّ سابقاً ، وإن تركه مع بقاء الشرائط إلى

ص: 268


1- - يكون تحمّله حرجياً ، وأمّا مطلق الضرر فغير معلوم .
2- - المعيار في كون ترك الواجب وارتكاب المحرّم موجباً لسقوط الحجّ هو كونه أهمّ منه ؛ كان الواجب سابقاً أو لاحقاً كما مرّ .
3- - مرّ التفصيل فيه وفي تالييه .

ذي الحجّة(1) ، فالظاهر استقرار وجوب الحجّ عليه ، فإن فقد بعض الشرائط بعد ذلك ، كما إذا تلف ماله ، وجب عليه الحجّ ولو متسكّعاً ، وإن اعتقد كونه مستطيعاً مالاً وأنّ ما عنده يكفيه فبان الخلاف بعد الحجّ ، ففي إجزائه عن حجّة الإسلام وعدمه وجهان(2) ؛ من فقد الشرط واقعاً ، ومن أنّ القدر المسلّم من عدم إجزاء حجّ غير المستطيع عن حجّة الإسلام غير هذه الصورة ، وإن اعتقد عدم كفاية ما عنده من المال وكان في الواقع كافياً وترك الحجّ ، فالظاهر الاستقرار عليه ، وإن اعتقد عدم الضرر أو عدم الحرج فحجّ فبان الخلاف ، فالظاهر كفايته(3) وإن اعتقد المانع من العدوّ أو الضرر أو الحرج فترك الحجّ فبان الخلاف ، فهل يستقرّ عليه الحجّ أو لا ؟ وجهان ، والأقوى عدمه ؛ لأنّ المناط في الضرر الخوف(4) ، وهو حاصل إلاّ إذا كان اعتقاده على خلاف رويّة العقلاء وبدون الفحص والتفتيش ، وإن اعتقد عدم مانع شرعي فحجّ ، فالظاهر الإجزاء إذا بان الخلاف ، وإن اعتقد وجوده فترك فبان الخلاف ، فالظاهر الاستقرار .

ثانيهما : إذا ترك الحجّ مع تحقّق الشرائط متعمّداً ، أو حجّ مع فقد بعضها

ص: 269


1- - بل إلى زمان تمام العمل ، ويحتمل اشتراط بقائه إلى زمان إمكان العود إلى محلّه على إشكال فيه .
2- - أقواهما عدم الإجزاء .
3- - محلّ إشكال في الضرر النفسي والحرج ، وكذا الضرر المالي البالغ حدّ الحرج ، وأمّا غير بالغه فلا يمنع عن وجوب الحجّ ، نعم لو تحمّل الضرر والحرج حتّى بلغ الميقات فارتفع الضرر والحرج وصار مستطيعاً فالأقوى كفايته .
4- - موضوعية الخوف محلّ إشكال بل منع ، خصوصاً في الحرج .

كذلك ، أمّا الأوّل : فلا إشكال في استقرار الحجّ عليه مع بقائها إلى ذي الحجّة ، وأمّا الثاني : فإن حجّ مع عدم البلوغ أو عدم الحرّية فلا إشكال في عدم إجزائه ، إلاّ إذا بلغ أو انعتق قبل أحد الموقفين على إشكال في البلوغ قد مرّ(1) ، وإن حجّ مع عدم الاستطاعة المالية فظاهرهم مسلّمية عدم الإجزاء ولا دليل عليه(2) إلاّ الإجماع ، وإلاّ فالظاهر أنّ حجّة الإسلام هو الحجّ الأوّل ، وإذا أتى به كفى ولو كان ندباً ، كما إذا أتى الصبيّ صلاة الظهر مستحبّاً ، بناءً على شرعية عباداته فبلغ في أثناء الوقت ، فإنّ الأقوى عدم وجوب إعادتها ، ودعوى : أنّ المستحبّ لا يجزي عن الواجب ، ممنوعة بعد اتّحاد ماهية الواجب والمستحبّ ، نعم لو ثبت تعدّد ماهية حجّ المتسكّع والمستطيع تمّ ما ذكر ، لا لعدم إجزاء المستحبّ عن الواجب ، بل لتعدّد الماهية ، وإن حجّ مع عدم أمن الطريق أو مع عدم صحّة البدن مع كونه حرجاً عليه ، أو مع ضيق الوقت كذلك ، فالمشهور بينهم عدم إجزائه عن الواجب ، وعن «الدروس» الإجزاء إلاّ إذا كان إلى حدّ الإضرار بالنفس وقارن(3) بعض المناسك ، فيحتمل عدم الإجزاء ، ففرق بين حجّ المتسكّع وحجّ هؤلاء ، وعلّل الإجزاء بأنّ ذلك من

ص: 270


1- - ومرّ أنّ الأقوى هو الإجزاء .
2- - هذا ممنوع مع أنّ الإجماع كافٍ مع عدم الدليل ، مع أنّ قيام الدليل على عدم الإجزاء في الصغير والعبد يدفع تنظيره الآتي ، فعدم الإجزاء خالٍ من الإشكال .
3- - المناط تحقّق الاستطاعة بجميع شرائطها قبل الإحرام من الميقات ، فلو حجّ مع عدم الأمن أو مع عدم صحّة البدن أو مع الحرج وصار قبل الإحرام مستطيعاً بكون الطريق من الميقات إلى تمام الأعمال أمناً وارتفع الحرج والضرر وتحقّق الشروط يجزي حجّه عن حجّة الإسلام ، بخلاف ما لو فقد شرط من حال الإحرام إلى تمام العمل ، فلو كان نفس الحجّ ولو ببعض أجزائه حرجياً أو ضررياً على النفس ، فالظاهر عدم الإجزاء .

باب تحصيل الشرط ، فإنّه لا يجب ، لكن إذا حصّله وجب ، وفيه : أنّ مجرّد البناء على ذلك لا يكفي في حصول الشرط ، مع أنّ غاية الأمر حصول المقدّمة التي هو المشي إلى مكّة ومنى وعرفات ، ومن المعلوم أنّ مجرّد هذا لا يوجب حصول الشرط الذي هو عدم الضرر ، أو عدم الحرج ، نعم لو كان الحرج أو الضرر في المشي إلى الميقات فقط ولم يكونا حين الشروع في الأعمال تمّ ما ذكره ، ولا قائل بعدم الإجزاء في هذه الصورة . هذا ، ومع ذلك فالأقوى ما ذكره في «الدروس» لا لما ذكره ، بل لأنّ الضرر(1) والحرج إذا لم يصلا إلى حدّ الحرمة إنّما يرفعان الوجوب والإلزام لا أصل الطلب ، فإذا تحمّلهما وأتى بالمأمور به كفى .

(مسألة 66) : إذا حجّ مع استلزامه لترك واجب أو ارتكاب محرّم لم يجزه(2) عن حجّة الإسلام ، وإن اجتمع سائر الشرائط ، لا لأنّ الأمر بالشيء نهي عن ضدّه - لمنعه أوّلاً ، ومنع بطلان العمل بهذا النهي ثانياً ؛ لأنّ النهي متعلّق بأمر خارج - بل لأنّ الأمر مشروط بعدم المانع ووجوب ذلك الواجب مانع ، وكذلك النهي المتعلّق بذلك المحرّم مانع ومعه لا أمر بالحجّ ، نعم لو كان الحجّ مستقرّاً عليه وتوقّف الإتيان به على ترك واجب أو فعل حرام دخل في تلك المسألة ، وأمكن أن يقال بالإجزاء ، لما ذكر من منع اقتضاء الأمر بشيء للنهي عن ضدّه ، ومنع كون النهي المتعلّق بأمر خارج موجباً للبطلان .

(مسألة 67) : إذا كان في الطريق عدوّ لا يدفع إلاّ بالمال ، فهل يجب بذله

ص: 271


1- - فيه إشكال بل منع ، فلا معنى لبقاء أصل الطلب بعد رفع الوجوب وفقدان الاستطاعة .
2- - الأقوى الإجزاء ولو استلزم لترك الأهمّ ، فضلاً عن غيره ، ومرّ الإشكال في تعليله .

ويجب الحجّ أو لا ؟ أقوال(1) ، ثالثها : الفرق بين المضرّ بحاله وعدمه ، فيجب في الثاني دون الأوّل .

(مسألة 68) : لو توقّف الحجّ على قتال العدوّ لم يجب(2) ، حتّى مع ظنّ الغلبة عليه والسلامة ، وقد يقال بالوجوب في هذه الصورة .

(مسألة 69) : لو انحصر الطريق في البحر وجب ركوبه ، إلاّ مع خوف الغرق أو المرض خوفاً عقلائياً ، أو استلزامه الإخلال بصلاته(3) ، أو إيجابه لأكل النجس أو شربه ، ولو حجّ مع هذا صحّ حجّه ؛ لأنّ ذلك في المقدّمة ، وهي المشي إلى الميقات ، كما إذا ركب دابّة غصبية إلى الميقات .

(مسألة 70) : إذا استقرّ عليه الحجّ وكان عليه خمس أو زكاة أو غيرهما من الحقوق الواجبة وجب عليه أداؤها ، ولا يجوز له المشي إلى الحجّ قبلها ، ولو تركها عصى ، وأمّا حجّه فصحيح إذا كانت الحقوق في ذمّته ، لا في عين ماله ،

ص: 272


1- - رابعها : التفصيل بين كون العدوّ مانعاً عن العبور ولم يكن السرب مخلّى عرفاً ولكن يمكن تخليته بالمال فلا يجب ، وبين عدم المنع منه لكن يأخذ الظالم من كلّ عابر شيئاً فيجب ، إلاّ إذا كان الدفع حرجياً وهذا هو الأقوى .
2- - إذا كان السرب غير مخلّى عرفاً لا يجب تحصيل تخليته مطلقاً ، وأمّا لو كان السرب مخلّى ولكن كان في البلد - مثلاً - عدوّ يمنعه عن الإخراج للحجّ ، فلا يبعد وجوب قتاله مع العلم بالسلامة والغلبة أو الاطمئنان والوثوق بهما ، ومع ذلك لا تخلو المسألة من الإشكال .
3- - بأصل صلاته لا بتبديل بعض حالاته ، وأمّا مع إيجابه لأكل النجس وشربه فسقوط الحجّ به في غاية الإشكال ، بل لا يبعد عدم السقوط ولزوم التحرّز عن النجس حتّى الإمكان والاقتصار على الضرورة .

وكذا إذا كانت في عين ماله ولكن كان ما يصرفه في مؤونته من المال الذي لا يكون فيه خمس أو زكاة أو غيرهما ، أو كان ممّا تعلّق به الحقوق ولكن كان ثوب إحرامه(1) وطوافه وسعيه وثمن هديه من المال الذي ليس فيه حقّ ، بل وكذا إذا كانا ممّا تعلّق به الحقّ من الخمس والزكاة إلاّ أ نّه بقي عنده مقدار ما فيه منهما ؛ بناءً على ما هو الأقوى(2) من كونهما في العين على نحو الكلّي في المعيّن لا على وجه الإشاعة .

(مسألة 71) : يجب على المستطيع الحجّ مباشرة ، فلا يكفيه حجّ غيره عنه تبرّعاً أو بالإجارة إذا كان متمكّناً من المباشرة بنفسه .

(مسألة 72) : إذا استقرّ الحجّ عليه ولم يتمكّن من المباشرة لمرض لم يرج زواله ، أو حصر كذلك ، أو هرم بحيث لا يقدر ، أو كان حرجاً عليه ، فالمشهور وجوب الاستنابة عليه ، بل ربما يقال بعدم الخلاف فيه وهو الأقوى ، وإن كان ربما يقال بعدم الوجوب ، وذلك لظهور جملة من الأخبار في الوجوب ، وأمّا إن كان موسراً من حيث المال ولم يتمكّن من المباشرة مع عدم استقراره عليه ففي وجوب الاستنابة وعدمه قولان ، لا يخلو أوّلهما(3) عن قوّة ؛ لإطلاق الأخبار

المشار إليها ، وهي وإن كانت مطلقة من حيث رجاء الزوال وعدمه لكن المنساق من بعضها ذلك ، مضافاً إلى ظهور الإجماع على عدم الوجوب مع رجاء الزوال ،

ص: 273


1- - مرّ الإشكال في بطلان غير الصلاة من النسك مع غصبية الثوب والاحتياط في الصلاة ، ومرّ الكلام في ثمن الهدي .
2- - مرّ ما هو الأقرب في محلّه .
3- - بل ثانيهما .

والظاهر فورية(1) الوجوب كما في صورة المباشرة ، ومع بقاء العذر إلى أن مات يجزيه حجّ النائب ، فلا يجب القضاء عنه وإن كان مستقرّاً عليه ، وإن اتّفق ارتفاع العذر بعد ذلك ، فالمشهور : أ نّه يجب عليه مباشرة وإن كان بعد إتيان النائب ، بل ربّما يدّعى عدم الخلاف فيه ، لكن الأقوى عدم الوجوب ؛ لأنّ ظاهر الأخبار أنّ حجّ النائب هو الذي كان واجباً على المنوب عنه ، فإذا أتى به فقد حصل ما كان واجباً عليه ، ولا دليل على وجوبه مرّة اُخرى ، بل لو قلنا باستحباب الاستنابة ، فالظاهر كفاية فعل النائب ، بعد كون الظاهر الاستنابة فيما كان عليه ، ومعه لا وجه لدعوى أنّ المستحبّ لا يجزي عن الواجب ؛ إذ ذلك فيما إذا لم يكن المستحبّ نفس ما كان واجباً ، والمفروض في المقام أ نّه هو ، بل يمكن أن يقال(2) : إذا ارتفع العذر في أثناء عمل النائب - بأن كان الارتفاع بعد إحرام النائب - إنّه يجب عليه الإتمام ويكفي عن المنوب عنه ، بل يحتمل ذلك وإن كان في أثناء الطريق قبل الدخول في الإحرام ، ودعوى أنّ جواز النيابة ما دامي كما ترى ، بعد كون الاستنابة بأمر الشارع ، وكون الإجارة لازمة لا دليل على انفساخها ، خصوصاً إذا لم يمكن إبلاغ النائب المؤجر ذلك ، ولا فرق فيما ذكرنا من وجوب الاستنابة بين من عرضه العذر من المرض وغيره ، وبين من كان معذوراً خلقة ، والقول بعدم الوجوب في الثاني وإن قلنا بوجوبه في الأوّل ضعيف ، وهل يختصّ الحكم بحجّة الإسلام أو يجري في الحجّ النذري

ص: 274


1- - الحكم فيها مبنيّ على الاحتياط .
2- - لكن الأقوى خلافه ، ومنه يعلم حال الاحتمال الآتي ، وما ذكره في وجهه غير وجيه ، فالظاهر بطلان الإجارة لعدم الموضوع ، وإمكان الإبلاغ وعدمه لا دخل له بصحّة الإجارة وعدمها .

والإفسادي(1) أيضاً ؟ قولان ، والقدر المتيقّن هو الأوّل بعد كون الحكم على خلاف القاعدة ، وإن لم يتمكّن المعذور من الاستنابة ولو لعدم وجود النائب ، أو وجوده مع عدم رضاه إلاّ بأزيد من اُجرة المثل ولم يتمكّن من الزيادة ، أو كانت مجحفة(2) سقط الوجوب ، وحينئذٍ فيجب القضاء عنه بعد موته إن كان مستقرّاً عليه ، ولا يجب مع عدم الاستقرار ، ولو ترك الاستنابة مع الإمكان عصى بناءً على الوجوب ، ووجب القضاء عنه مع الاستقرار ، وهل يجب مع عدم الاستقرار أيضاً أو لا ؟ وجهان ، أقواهما نعم(3) ، لأ نّه استقرّ عليه بعد التمكّن من الاستنابة ، ولو استناب مع كون العذر مرجوّ الزوال لم يجز عن حجّة الإسلام فيجب عليه بعد زوال العذر ، ولو استناب مع رجاء الزوال وحصل اليأس بعد عمل النائب فالظاهر الكفاية ، وعن صاحب «المدارك» عدمها ووجوب الإعادة ؛ لعدم الوجوب مع عدم اليأس فلا يجزي عن الواجب ، وهو كما ترى ، والظاهر كفاية حجّ المتبرّع(4) عنه في صورة وجوب الاستنابة ، وهل يكفي الاستنابة من الميقات كما هو الأقوى في القضاء عنه بعد موته ؟ وجهان ، لا يبعد الجواز حتّى إذا أمكن ذلك في مكّة مع كون الواجب عليه هو التمتّع ، ولكن الأحوط خلافه ؛ لأنّ القدر المتيقّن من الأخبار الاستنابة من مكانه ، كما أنّ الأحوط عدم كفاية التبرّع عنه لذلك أيضاً .

ص: 275


1- - فيه تفصيل .
2- - مورثة للحرج .
3- - بل أقواهما عدم الوجوب ؛ لعدم وجوب الاستنابة مع عدم الاستقرار كما مرّ .
4- - بل الظاهر عدم الكفاية ، وفي كفاية الاستنابة من الميقات إشكال ، وإن كان الأقرب كفايتها .

(مسألة 73) : إذا مات من استقرّ عليه الحجّ في الطريق ؛ فإن مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأه عن حجّة الإسلام ، فلا يجب القضاء عنه ، وإن مات قبل ذلك وجب القضاء عنه وإن كان موته بعد الإحرام على المشهور الأقوى ، خلافاً لما عن الشيخ وابن إدريس فقالا بالإجزاء حينئذٍ أيضاً ، ولا دليل لهما على ذلك إلاّ إشعار بعض الأخبار كصحيحة بريد العجلي ؛ حيث قال فيها بعد الحكم بالإجزاء إذا مات في الحرم : وإن كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله وزاده ونفقته في حجّة الإسلام ، فإنّ مفهومه الإجزاء إذا كان بعد أن يحرم ، لكنّه معارض بمفهوم صدرها ، وبصحيح ضريس وصحيح زرارة ومرسل «المقنعة» ، مع أ نّه يمكن أن يكون المراد من قوله : قبل أن يحرم ، قبل أن يدخل في الحرم ، كما يقال : أنجد ، أي دخل في نجد ، وأيمن أي دخل اليمن ، فلا ينبغي الإشكال في عدم كفاية الدخول في الإحرام ، كما لا يكفي الدخول في الحرم بدون الإحرام ، كما إذا نسيه في الميقات ودخل الحرم ثمّ مات ؛ لأنّ المنساق من اعتبار الدخول في الحرم كونه بعد الإحرام ، ولا يعتبر دخول مكّة وإن كان الظاهر من بعض الأخبار ذلك ؛ لإطلاق البقيّة في كفاية دخول الحرم . والظاهر عدم الفرق بين كون الموت حال الإحرام أو بعد الإحلال ، كما إذا مات بين الإحرامين ، وقد يقال بعدم الفرق أيضاً بين كون الموت في الحلّ أو الحرم بعد كونه بعد الإحرام ودخول الحرم ، وهو مشكل ؛ لظهور الأخبار في الموت في الحرم ، والظاهر عدم الفرق بين حجّ التمتّع والقران والإفراد ، كما أنّ الظاهر أ نّه لو مات في أثناء عمرة التمتّع أجزأه عن حجّه أيضاً ، بل لا يبعد الإجزاء إذا مات في أثناء حجّ القران أو الإفراد عن عمرتهما وبالعكس ، لكنّه مشكل ؛ لأنّ الحجّ والعمرة فيهما عملان مستقلاّن بخلاف حجّ التمتّع ، فإنّ العمرة فيه داخلة في

ص: 276

الحجّ ، فهما عمل واحد . ثمّ الظاهر اختصاص حكم الإجزاء بحجّة الإسلام فلا يجري الحكم في حجّ النذر والإفساد(1) إذا مات في الأثناء ، بل لا يجري في العمرة المفردة أيضاً ، وإن احتمله بعضهم ، وهل يجري الحكم المذكور فيمن مات مع عدم استقرار الحجّ عليه فيجزيه عن حجّة الإسلام إذا مات بعد الإحرام ودخول الحرم ، ويجب القضاء عنه إذا مات قبل ذلك ؟ وجهان(2) ، بل قولان ؛ من إطلاق الأخبار في التفصيل المذكور ، ومن أ نّه لا وجه لوجوب القضاء عمّن لم يستقرّ عليه بعد كشف موته عن عدم الاستطاعة الزمانية ، ولذا لا يجب إذا مات في البلد قبل الذهاب ، أو إذا فقد بعض الشرائط الاُخر مع كونه موسراً ، ومن هنا ربما يجعل الأمر بالقضاء فيها قرينة على اختصاصها بمن استقرّ عليه ، وربما يحتمل اختصاصها بمن لم يستقرّ عليه وحمل الأمر بالقضاء على الندب ، وكلاهما منافٍ لإطلاقها ، مع أ نّه على الثاني يلزم بقاء الحكم فيمن استقرّ عليه بلا دليل ، مع أ نّه مسلّم بينهم ، والأظهر الحكم بالإطلاق ، إمّا بالتزام وجوب القضاء في خصوص هذا المورد من الموت في الطريق - كما عليه جماعة - وإن لم يجب إذا مات مع فقد سائر الشرائط ، أو الموت وهو في البلد ، وإمّا بحمل الأمر بالقضاء على القدر المشترك واستفادة الوجوب فيمن استقرّ عليه من الخارج ، وهذا هو الأظهر ، فالأقوى جريان الحكم المذكور فيمن لم يستقرّ عليه أيضاً ، فيحكم بالإجزاء إذا مات بعد الأمرين ، واستحباب القضاء عنه إذا مات قبل ذلك .

ص: 277


1- - فيه تفصيل .
2- - أوجههما الثاني ، وأمّا حمل الأخبار على القدر المشترك والحكم باستحباب القضاء عنه فيما ذكره فغير وجيه .

(مسألة 74) : الكافر يجب عليه الحجّ إذا استطاع ؛ لأ نّه مكلّف بالفروع لشمول الخطابات له أيضاً ، ولكن لا يصحّ منه ما دام كافراً كسائر العبادات وإن كان معتقداً لوجوبه وآتياً به على وجهه مع قصد القربة ؛ لأنّ الإسلام شرط في الصحّة ، ولو مات لا يقضى عنه ؛ لعدم كونه أهلاً للإكرام والإبراء ، ولو أسلم مع بقاء استطاعته وجب عليه ، وكذا لو استطاع بعد إسلامه ، ولو زالت استطاعته ثمّ أسلم لم يجب عليه على الأقوى ؛ لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله(1) كقضاء الصلوات والصيام ، حيث إنّه واجب عليه حال كفره كالأداء ، وإذا أسلم سقط عنه ، ودعوى : أ نّه لا يعقل الوجوب عليه ، إذ لا يصحّ منه إذا أتى به وهو كافر ويسقط عنه إذا أسلم ، مدفوعة ؛ بأ نّه يمكن أن يكون الأمر به حال كفره أمراً تهكّمياً ليعاقب ، لا حقيقياً ، لكنّه مشكل بعد عدم إمكان إتيانه به ، لا كافراً ولا مسلماً ، والأظهر أن يقال : إنّه حال استطاعته مأمور بالإتيان به مستطيعاً وإن تركه فمتسكّعاً وهو ممكن في حقّه لإمكان إسلامه وإتيانه مع الاستطاعة ولا معها إن ترك ، فحال الاستطاعة مأمور به في ذلك الحال ، ومأمور على فرض تركه حالها بفعله بعدها ، وكذا يدفع الإشكال في قضاء الفوائت فيقال : إنّه في الوقت مكلّف بالأداء ، ومع تركه بالقضاء وهو مقدور له بأن يسلم فيأتي بها أداء ، ومع تركها قضاء ، فتوجّه الأمر بالقضاء إليه إنّما هو في حال الأداء على نحو الأمر المعلّق ، فحاصل الإشكال : أ نّه إذا لم يصحّ الإتيان به حال الكفر ولا يجب عليه إذا أسلم

ص: 278


1- - فيسقط بالإسلام سببية الاستطاعة الحاصلة في حال الكفر فيسقط الحجّ المسبّب ، فلا معنى لاستقراره وبقائه ، وليس لحجّ المتسكّع وجوب آخر غير وجوب أصل الحجّ ، وهذا نظير سقوط سبب الكفّارات والحدود بالإسلام ، وأمّا الإشكال العقلي فلحلّه مقام آخر وإن كان بعض ما ذكره لا يخلو من جودة .

فكيف يكون مكلّفاً بالقضاء ويعاقب على تركه ؟ وحاصل الجواب : أ نّه يكون مكلّفاً بالقضاء في وقت الأداء على نحو الوجوب المعلّق . ومع تركه الإسلام في الوقت فوّت على نفسه الأداء والقضاء ، فيستحقّ العقاب عليه ، وبعبارة اُخرى : كان يمكنه الإتيان بالقضاء بالإسلام في الوقت إذا ترك الأداء ، وحينئذٍ فإذا ترك الإسلام ومات كافراً يعاقب على مخالفة الأمر بالقضاء ، وإذا أسلم يغفر له ، وإن خالف أيضاً واستحقّ العقاب .

(مسألة 75) : لو أحرم الكافر ثمّ أسلم في الأثناء لم يكفه ، ووجب عليه الإعادة من الميقات ، ولو لم يتمكّن من العود إلى الميقات أحرم من موضعه ، ولا يكفيه إدراك أحد الوقوفين مسلماً(1) ؛ لأنّ إحرامه باطل .

(مسألة 76) : المرتدّ يجب عليه الحجّ ؛ سواء كانت استطاعته حال إسلامه السابق ، أو حال ارتداده ، ولا يصحّ منه ، فإن مات قبل أن يتوب يعاقب على تركه ، ولا يقضى عنه على الأقوى ؛ لعدم أهليته للإكرام وتفريغ ذمّته ، كالكافر الأصلي ، وإن تاب وجب عليه وصحّ منه وإن كان فطرياً على الأقوى من قبول توبته ؛ سواء بقيت استطاعته أو زالت قبل توبته ، فلا تجري فيه قاعدة جبّ الإسلام ؛ لأ نّها مختصّة بالكافر الأصلي بحكم التبادر ، ولو أحرم في حال ردّته ثمّ تاب وجب عليه الإعادة كالكافر الأصلي ، ولو حجّ في حال إسلامه ثمّ ارتدّ لم يجب عليه الإعادة على الأقوى ، ففي خبر زرارة عن أبي جعفر علیه السلام : «من كان مؤمناً فحجّ ثمّ أصابته فتنة ثمّ تاب يحسب له كلّ عمل صالح عمله ولا يبطل منه شيء» وآية الحبط مختصّة بمن مات على كفره بقرينة الآية

ص: 279


1- - أي مع إحرامه في حال كفره .

الاُخرى وهي قوله تعالى : (ومَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ) وهذه الآية دليل على قبول توبة المرتدّ الفطري ، فما ذكره بعضهم من عدم قبولها منه لا وجه له .

(مسألة 77) : لو أحرم مسلماً ثمّ ارتدّ ثمّ تاب لم يبطل إحرامه على الأصحّ ، كما هو كذلك لو ارتدّ في أثناء الغسل ثمّ تاب ، وكذا لو ارتدّ في أثناء الأذان أو الإقامة أو الوضوء ثمّ تاب قبل فوات الموالاة ، بل وكذا لو ارتدّ في أثناء الصلاة(1) ثمّ تاب قبل أن يأتي بشيء أو يفوت الموالاة على الأقوى ؛ من عدم كون الهيئة الاتّصالية جزءاً فيها ، نعم لو ارتدّ في أثناء الصوم بطل وإن تاب بلا فصل .

(مسألة 78) : إذا حجّ المخالف ثمّ استبصر ، لا يجب عليه الإعادة ؛ بشرط أن يكون صحيحاً في مذهبه ، وإن لم يكن صحيحاً في مذهبنا ؛ من غير فرق بين الفرق ؛ لإطلاق الأخبار ، وما دلّ على الإعادة من الأخبار محمول على الاستحباب بقرينة بعضها الآخر من حيث التعبير بقوله علیه السلام : «يقضي أحبّ إليّ» . وقوله علیه السلام : «والحجّ أحبّ إليّ» .

(مسألة 79) : لا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحجّ إذا كانت مستطيعة ، ولا يجوز له منعها منه ، وكذا في الحجّ الواجب بالنذر ونحوه إذا كان مضيّقاً ، وأمّا في الحجّ المندوب فيشترط إذنه ، وكذا في الواجب الموسّع قبل تضيّقه على الأقوى ، بل في حجّة الإسلام يجوز له منعها من الخروج مع أوّل الرفقة مع وجود الرفقة الاُخرى قبل تضيّق الوقت ، والمطلّقة الرجعية كالزوجة في اشتراط

ص: 280


1- - فيه إشكال .

إذن الزوج ما دامت في العدّة ، بخلاف البائنة لانقطاع عصمتها منه ، وكذا المعتدّة للوفاة فيجوز لها الحجّ واجباً كان أو مندوباً ، والظاهر أنّ المنقطعة كالدائمة في اشتراط الإذن ، ولا فرق في اشتراط الإذن بين أن يكون ممنوعاً من الاستمتاع بها لمرض أو سفر أو لا .

(مسألة 80) : لا يشترط وجود المحرم في حجّ المرأة إذا كانت مأمونة على نفسها وبضعها ، كما دلّت عليه جملة من الأخبار ، ولا فرق بين كونها ذات بعل أو لا ، ومع عدم أمنها يجب عليها استصحاب المحرم ولو بالاُجرة مع تمكّنها منها ، ومع عدمه لا تكون مستطيعة ، وهل يجب عليها التزويج تحصيلاً للمحرم ؟ وجهان . ولو كانت ذات زوج وادّعى عدم الأمن عليها وأنكرت ، قدّم قولها(1) مع عدم البيّنة أو القرائن الشاهدة ، والظاهر عدم استحقاقه اليمين عليها إلاّ أن ترجع الدعوى إلى ثبوت حقّ الاستمتاع له عليها ، بدعوى أنّ حجّها حينئذٍ مفوّت لحقّه مع عدم وجوبه عليها ، فحينئذٍ عليها اليمين على نفي الخوف ، وهل للزوج(2) مع هذه الحالة منعها عن الحجّ باطناً إذا أمكنه ذلك ؟ وجهان في صورة عدم تحليفها ، وأمّا معه فالظاهر سقوط حقّه ، ولو حجّت بلا محرم مع عدم الأمن صحّ حجّها إن حصل الأمن قبل الشروع في الإحرام ، وإلاّ ففي الصحّة إشكال وإن كان الأقوى الصحّة .

ص: 281


1- - فيه إشكال ؛ لأنّ موضوع وجوب الحجّ كونها مأمونة وهو غير الخوف على نفسها حتّى يقال : إنّها من الدعاوي التي لا تعلم إلاّ من قبلها ، فإن ادّعت مأمونيتها وادّعى الزوج كونها في معرض الخطر ، فالظاهر الرجوع إلى التداعي ، وفي المسألة صور في بعضها تصير المرأة مدّعية وفي بعضها بالعكس ، ولا يسعها المجال .
2- - لا يبعد جوازه - بل وجوبه - مع تشخيصه عدم المأمونية .

(مسألة 81) : إذا استقرّ عليه الحجّ ؛ بأن استكملت الشرائط وأهمل حتّى زالت أو زال بعضها صار ديناً عليه ، ووجب الإتيان به بأيّ وجه تمكّن ، وإن مات فيجب أن يقضى عنه إن كانت له تركة ، ويصحّ التبرّع عنه ، واختلفوا فيما به يتحقّق الاستقرار على أقوال ؛ فالمشهور مضيّ زمان يمكن فيه الإتيان بجميع أفعاله مستجمعاً للشرائط ، وهو إلى اليوم الثاني عشر من ذي الحجّة ، وقيل باعتبار مضيّ زمان يمكن فيه الإتيان بالأركان جامعاً للشرائط ، فيكفي بقاؤها إلى مضيّ جزء من يوم النحر يمكن فيه الطوافان والسعي ، وربما يقال باعتبار بقائها إلى عود الرفقة ، وقد يحتمل كفاية بقائها إلى زمان يمكن فيه الإحرام ودخول الحرم ، وقد يقال بكفاية وجودها حين خروج الرفقة ، فلو أهمل استقرّ عليه وإن فقدت بعد ذلك ؛ لأ نّه كان مأموراً بالخروج معهم ، والأقوى اعتبار بقائها إلى زمان يمكن فيه العود إلى وطنه بالنسبة إلى الاستطاعة المالية والبدنية والسربية ، وأمّا بالنسبة إلى مثل العقل فيكفي بقاؤه إلى آخر الأعمال ، وذلك لأنّ فقد بعض هذه الشرائط يكشف عن عدم الوجوب عليه واقعاً ، وأنّ وجوب الخروج مع الرفقة كان ظاهرياً ، ولذا لو علم من الأوّل أنّ الشرائط لا تبقى إلى الآخر لم يجب عليه ، نعم لو فرض تحقّق الموت بعد تمام الأعمال كفى بقاء تلك الشرائط إلى آخر الأعمال ؛ لعدم الحاجة حينئذٍ إلى نفقة العود والرجوع إلى كفاية وتخلية السرب ونحوها ، ولو علم من الأوّل بأ نّه يموت بعد ذلك فإن كان قبل تمام الأعمال لم يجب عليه المشي ، وإن كان بعده وجب عليه ، هذا إذا لم يكن فقد الشرائط مستنداً إلى ترك المشي ، وإلاّ استقرّ عليه ، كما إذا علم أ نّه لو مشى إلى الحجّ لم يمت أو لم يقتل أو لم يسرق ماله مثلاً ؛ فإنّه حينئذٍ يستقرّعليه

ص: 282

الوجوب ؛ لأ نّه بمنزلة تفويت الشرط على نفسه ، وأمّا لو شكّ في أنّ الفقد مستند إلى ترك المشي أو لا ، فالظاهر عدم الاستقرار ؛ للشكّ في تحقّق الوجوب وعدمه واقعاً . هذا بالنسبة إلى استقرار الحجّ لو تركه ، وأمّا لو كان واجداً للشرائط حين

المسير فسار ، ثمّ زال بعض الشرائط في الأثناء فأتمّ الحجّ على ذلك الحال ، كفى حجّه(1) عن حجّة الإسلام ؛ إذا لم يكن المفقود مثل العقل ، بل كان هو الاستطاعة البدنية أو المالية أو السربية ونحوها على الأقوى .

(مسألة 82) : إذا استقرّ عليه العمرة فقط أو الحجّ فقط ، كما فيمن وظيفته حجّ الإفراد والقران ، ثمّ زالت استطاعته فكما مرّ يجب عليه أيضاً بأيّ وجه تمكّن ، وإن مات يقضى عنه .

(مسألة 83) : تقضى حجّة الإسلام من أصل التركة إذا لم يوص بها ؛ سواء كانت حجّ التمتّع أو القران أو الإفراد ، وكذا إذا كان عليه عمرتهما ، وإن أوصى بها من غير تعيين كونها من الأصل أو الثلث فكذلك أيضاً ، وأمّا إن أوصى بإخراجها من الثلث وجب إخراجها منه ، وتقدّم على الوصايا المستحبّة وإن كانت متأخّرة عنها في الذكر ، وإن لم يف الثلث بها اُخذت البقيّة من الأصل ، والأقوى أنّ حجّ النذر أيضاً كذلك ؛ بمعنى أ نّه يخرج من الأصل كما سيأتي الإشارة إليه ، ولو كان عليه دين أو خمس أو زكاة وقصرت التركة ، فإن كان المال المتعلّق به الخمس أو الزكاة موجوداً قدّم لتعلّقهما بالعين ، فلا يجوز صرفه في غيرهما ، وإن كانا في الذمّة فالأقوى أنّ التركة توزع على الجميع بالنسبة ، كما في غرماء المفلّس ، وقد يقال بتقدّم الحجّ على غيره وإن كان دين الناس ، لخبر

ص: 283


1- - مرّ الكلام فيها تفصيلاً .

معاوية بن عمّار(1) الدالّ على تقديمه على الزكاة ، ونحوه خبر آخر ، لكنّهما موهونان بإعراض الأصحاب مع أ نّهما في خصوص الزكاة ، وربما يحتمل تقديم دين الناس لأهمّيته ، والأقوى ما ذكر من التخصيص ، وحينئذٍ فإن وفت(2) حصّة الحجّ به فهو ، وإلاّ فإن لم تفِ إلاّ ببعض الأفعال كالطواف فقط أو هو مع السعي فالظاهر سقوطه وصرف حصّته في الدين أو الخمس أو الزكاة ، ومع وجود الجميع توزّع عليها ، وإن وفت بالحجّ فقط أو العمرة فقط ففي مثل حجّ القران والإفراد تصرف فيهما مخيّراً بينهما ، والأحوط تقديم(3) الحجّ ، وفي حجّ التمتّع الأقوى السقوط وصرفها في الدين وغيره ، وربما يحتمل فيه أيضاً التخيير . أو ترجيح الحجّ لأهمّيته أو العمرة لتقدّمها ، لكن لا وجه لها بعد كونهما في التمتّع عملاً واحداً(4) ، وقاعدة الميسور لا جابر لها في المقام .

(مسألة 84) : لا يجوز للورثة التصرّف في التركة قبل استئجار(5) الحجّ إذا كان مصرفه مستغرقاً لها ، بل مطلقاً على الأحوط ، إلاّ إذا(6) كانت واسعة جدّاً فلهم التصرّف في بعضها حينئذٍ مع البناء على إخراج الحجّ من بعضها الآخر ، كما في الدين ، فحاله حال الدين .

ص: 284


1- - لمعاوية بن عمّار روايتان : إحداهما حسنة - بل صحيحة على الأصحّ - مذكورة في باب العشرين من أبواب المستحقّين للزكاة من «الوسائل» ، وثانيتهما في كتاب الوصايا ، وكلتاهما دالّتان على تقديم الحجّ على الزكاة كما في المتن .
2- - لا يخلو من مناقشة بعد فرض قصور التركة ؛ وإن أمكن تصوّر بعض الأمثلة النادرة له .
3- - بل لا يبعد وجوب تقديمه .
4- - في كونهما عملاً واحدا على نحو ما ذكر تأمّل ، والمسألة محتاجة إلى التأمّل .
5- - أو تأدية مقدار المصرف إلى وليّ أمر الميّت .
6- - في الاستثناء تأمّل ؛ وإن لا يخلو من قرب ، ومع ذلك لا يترك الاحتياط .

(مسألة 85) : إذا أقرّ بعض الورثة بوجوب الحجّ على المورّث ، وأنكره الآخرون ، لم يجب عليه إلاّ دفع ما يخصّ حصّته بعد التوزيع ، وإن لم يفِ ذلك بالحجّ لا يجب عليه تتميمه من حصّته ، كما إذا أقرّ بدين وأنكره غيره من الورثة ، فإنّه لا يجب عليه دفع الأزيد ، فمسألة الإقرار بالحجّ أو الدين مع إنكار الآخرين نظير مسألة(1) الإقرار بالنسب ؛ حيث إنّه إذا أقرّ أحد الأخوين بأخ آخر وأنكره الآخر لا يجب عليه إلاّ دفع الزائد عن حصّته ، فيكفي دفع ثلث ما في يده ، ولا ينزل إقراره على الإشاعة على خلاف القاعدة للنصّ .

(مسألة 86) : إذا كان على الميّت الحجّ ولم تكن تركته وافية به ولم يكن دين ، فالظاهر كونها للورثة ، ولا يجب صرفها في وجوه البرّ عن الميّت ، لكن الأحوط التصدّق عنه ؛ للخبر(2) عن الصادق علیه السلام : عن رجل مات وأوصى بتركته أن أحجّ بها ، فنظرت في ذلك فلم يكفه للحجّ ، فسألت من عندنا من الفقهاء فقالوا : تصدّق بها ، فقال علیه السلام : ما صنعت بها ؟ فقال : تصدّقت بها ، فقال علیه السلام : ضمنت إلاّ أن لا يكون يبلغ ما يحجّ به من مكّة ، فإن كان لا يبلغ ما يحجّ به من

ص: 285


1- - وتختلفان من جهة أنّ الدفع يجب في الزائد من الحصّة أيّ مقدار كان ، وأمّا الحجّ فمع عدم وجوب التتميم من حصّته - كما هو الأقرب ، بل الظاهر موافقته للقاعدة - لا يجب الدفع مع عدم إمكان الحجّ ولو ميقاتياً به ، والأحوط حفظ مقدار حصّته رجاءً لإقرار سائر الورثة أو وجدان متبرّع ، بل مع كون ذلك مرجوّ الوجود يجب حفظه على الأقوى ، والأحوط ردّه إلى وليّ الميّت .
2- - هو خبر علي بن مزيد صاحب السابري بطريق الشيخ ، أو علي بن فرقد صاحب السابري بطريق الكليني ، والظاهر وقوع تصحيف في أحدهما وهما رجل واحد ، وكيف كان هو مجهول ومضمونه غير ما نحن فيه ، واحتياط كبار الورثة لا بأس به .

مكّة فليس عليك ضمان ، نعم لو احتمل كفايتها للحجّ بعد ذلك أو وجود متبرّع بدفع التتمّة لمصرف الحجّ وجب إبقاؤها .

(مسألة 87) : إذا تبرّع متبرّع بالحجّ عن الميّت رجعت اُجرة الاستئجار إلى الورثة ؛ سواء عيّنها الميّت أو لا ، والأحوط صرفها في وجوه البرّ أو التصدّق عنه ، خصوصاً فيما إذا عيّنها الميّت ؛ للخبر المتقدّم(1) .

(مسألة 88) : هل الواجب الاستئجار عن الميّت من الميقات أو البلد ؟ المشهور : وجوبه من أقرب المواقيت إلى مكّة إن أمكن ، وإلاّ فمن الأقرب إليه فالأقرب ، وذهب جماعة إلى وجوبه من البلد مع سعة المال ، وإلاّ فمن الأقرب إليه فالأقرب ، وربما يحتمل قول ثالث وهو الوجوب من البلد مع سعة المال وإلاّ فمن الميقات ، وإن أمكن من الأقرب إلى البلد فالأقرب ، والأقوى هو القول الأوّل وإن كان الأحوط القول الثاني ، لكن لا يحسب الزائد عن اُجرة الميقاتية على الصغار من الورثة ، ولو أوصى بالاستئجار من البلد وجب ويحسب الزائد عن اُجرة الميقاتية من الثلث ولو أوصى ولم يعيّن شيئاً كفت الميقاتية ، إلاّ إذا(2) كان هناك انصراف إلى البلدية أو كانت قرينة على إرادتها ، كما إذا عيّن مقداراً يناسب البلدية .

(مسألة 89) : لو لم يمكن الاستئجار إلاّ من البلد وجب ، وكان جميع المصرف من الأصل .

ص: 286


1- - مفاده غير ما نحن فيه، مع أ نّه ضعيف مخالف للقواعد، لكن احتياط كبار الورثة حسن.
2- - فحينئذٍ تكون الزيادة على الميقاتية من الثلث ، ولو زاد على الميقاتية ونقص من البلدية فيستأجر من الأقرب إلى بلده فالأقرب على الأحوط .

(مسألة 90) : إذا أوصى بالبلدية ، أو قلنا بوجوبها مطلقاً ، فخولف واستؤجر من الميقات ، أو تبرّع عنه متبرّع منه ، برئت ذمّته وسقط الوجوب من البلد ، وكذا لو لم يسع المال إلاّ من الميقات .

(مسألة 91) : الظاهر أنّ المراد من البلد(1) هو البلد الذي مات فيه ، كما يشعر به خبر زكريّا بن آدم : سألت أبا الحسن علیه السلام عن رجل مات وأوصى بحجّة ، أيجزيه أن يحجّ عنه من غير البلد الذي مات فيه ؟ فقال علیه السلام : ما كان دون الميقات فلا بأس به ، مع أ نّه آخر مكان كان مكلّفاً فيه بالحجّ ، وربما يقال : إنّه

بلد الاستيطان ؛ لأ نّه المنساق من النصّ والفتوى ، وهو كما ترى ، وقد يحتمل البلد الذي صار مستطيعاً فيه ، ويحتمل التخيير بين البلدان التي كان فيها بعد الاستطاعة ، والأقوى ما ذكرنا وفاقاً لسيّد «المدارك» ، ونسبه إلى ابن إدريس أيضاً ، وإن كان الاحتمال الأخير وهو التخيير قويّاً جدّاً .

(مسألة 92) : لو عيّن بلدة غير بلده كما لو قال : استأجروا من النجف ، أو من كربلاء ، تعيّن .

(مسألة 93) : على المختار من كفاية الميقاتية لا يلزم أن يكون من الميقات أو الأقرب إليه فالأقرب ، بل يكفي كلّ بلد دون الميقات ، لكن الاُجرة الزائدة

ص: 287


1- - هذه الاحتمالات إنّما هي على فرض وجوب البلدي شرعاً ؛ أوصى به أو لا ، ولا دليل على ترجيح بعضها وإن كان ما قوّاه جدّاً أضعف الاحتمالات ، ولا يبعد التخيير بين بلد الاستيطان وبلد الموت ، وخبر زكريّا بن آدم ورد في الوصيّة ، كما أنّ ما ورد فيه لفظ البلد أيضاً إنّما هو في الوصيّة المحتمل فيها الانصراف ، وأمّا على فرض وجوب البلدي لأجل الوصيّة ، فهو تابع للانصراف والقرائن .

على الميقات مع إمكان الاستئجار منه لا يخرج من الأصل ، ولا من الثلث إذا لم يوص بالاستئجار من ذلك البلد ، إلاّ إذا أوصى بإخراج الثلث من دون أن يعيّن مصرفه ، ومن دون أن يزاحم واجباً مالياً عليه .

(مسألة 94) : إذا لم يمكن الاستئجار من الميقات وأمكن من البلد وجب ، وإن كان عليه دين الناس أو الخمس أو الزكاة فيزاحم الدين إن لم تفِ التركة بهما ، بمعنى أ نّها توزّع عليهما بالنسبة .

(مسألة 95) : إذا لم تفِ التركة بالاستئجار من الميقات ، لكن أمكن الاستئجار من الميقات الاضطراري كمكّة أو أدنى الحلّ وجب ، نعم لو دار الأمر بين الاستئجار من البلد أو الميقات الاضطراري قدّم الاستئجار من البلد ، ويخرج من أصل التركة ؛ لأ نّه لا اضطرار للميّت مع سعة ماله .

(مسألة 96) : بناءً على المختار من كفاية الميقاتية لا فرق بين الاستئجار عنه وهو حيّ أو ميّت ، فيجوز لمن هو معذور بعذر لا يرجى زواله أن يجهّز رجلاً من الميقات كما ذكرنا سابقاً أيضاً ، فلا يلزم أن يستأجر من بلده على الأقوى وإن كان الأحوط(1) ذلك .

(مسألة 97) : الظاهر وجوب المبادرة إلى الاستئجار في سنة الموت ، خصوصاً إذا كان الفوت عن تقصير من الميّت ، وحينئذٍ فلو لم يمكن إلاّ من البلد وجب وخرج من الأصل ، ولا يجوز التأخير إلى السنة الاُخرى ولو مع العلم بإمكان الاستئجار من الميقات توفيراً على الورثة ، كما أ نّه لو لم يمكن من

ص: 288


1- - لا ينبغي تركه .

الميقات إلاّ بأزيد من الاُجرة المتعارفة في سنة الموت وجب ، ولا يجوز التأخير إلى السنة الاُخرى توفيراً عليهم .

(مسألة 98) : إذا أهمل الوصيّ أو الوارث الاستئجار فتلفت التركة أو نقصت قيمتها فلم تف بالاستئجار ضمن ، كما أ نّه لو كان على الميّت دين وكانت التركة وافية وتلفت بالإهمال ضمن .

(مسألة 99) : على القول بوجوب البلدية وكون المراد بالبلد الوطن إذا كان له وطنان ، الظاهر وجوب اختيار الأقرب إلى مكّة ، إلاّ مع رضا الورثة بالاستئجار من الأبعد ، نعم مع عدم تفاوت الاُجرة الحكم التخيير .

(مسألة 100) : بناءً على البلدية الظاهر عدم الفرق(1) بين أقسام الحجّ الواجب . فلا اختصاص بحجّة الإسلام، فلو كان عليه حجّ نذري لم يقيّد بالبلد ولا بالميقات يجب الاستئجار من البلد ، بل وكذا لو أوصى بالحجّ ندباً ، اللازم الاستئجار من البلد إذا خرج من الثلث .

(مسألة 101) : إذا اختلف تقليد الميّت والوارث في اعتبار البلدية أو الميقاتية فالمدار على تقليد الميّت(2) ، وإذا علم أنّ الميّت لم يكن مقلّداً في هذه المسألة

فهل المدار على تقليد الوارث أو الوصيّ أو العمل على طبق فتوى المجتهد الذي كان يجب عليه تقليده إن كان متعيّناً ، والتخيير مع تعدّد المجتهدين ومساواتهم ؟

ص: 289


1- - لا ملازمة بينهما ، ففي مثل النذري الغير المقيّد بالبلد ولا الميقات مع عدم الانصراف ، وكذا في الوصيّة بالحجّ ندباً مع عدم انصراف وتقييد ، لا يجب البلدي حتّى على القول بالبلدي في حجّة الإسلام .
2- - بل على تقليد من كان العمل به وظيفته ، ومع التعدّد والاختلاف يرجع إلى الحاكم .

وجوه ، وعلى الأوّل ، فمع اختلاف الورثة في التقليد يعمل كلّ على تقليده ، فمن يعتقد البلدية يؤخذ من حصّته بمقدارها بالنسبة فيستأجر مع الوفاء بالبلدية بالأقرب فالأقرب إلى البلد ، ويحتمل الرجوع إلى الحاكم لرفع النزاع ، فيحكم بمقتضى مذهبه ، نظير ما إذا اختلف الولد الأكبر مع الورثة في الحبوة ، وإذا اختلف تقليد الميّت والوارث في أصل وجوب الحجّ عليه وعدمه - بأن يكون الميّت مقلّداً لمن يقول بعدم اشتراط الرجوع إلى كفاية فكان يجب عليه الحجّ ، والوارث مقلّداً لمن يشترط ذلك فلم يكن واجباً عليه ، أو بالعكس - فالمدار على تقليد الميّت(1) .

(مسألة 102) : الأحوط(2) في صورة تعدّد من يمكن استئجاره الاستئجار من أقلّهم اُجرة مع إحراز صحّة عمله مع عدم رضا الورثة ، أو وجود قاصر فيهم ؛ سواء قلنا بالبلدية أو الميقاتية ، وإن كان لا يبعد جواز استئجار المناسب لحال الميّت من حيث الفضل والأوثقية مع عدم قبوله إلاّ بالأزيد ، وخروجه من الأصل ، كما لا يبعد عدم وجوب المبالغة في الفحص عن أقلّهم اُجرة وإن كانت أحوط .

(مسألة 103) : قد عرفت أنّ الأقوى كفاية الميقاتية ، لكن الأحوط الاستئجار من البلد بالنسبة إلى الكبار من الورثة ؛ بمعنى عدم احتساب الزائد عن اُجرة الميقاتية على القصّر إن كان فيهم قاصر .

(مسألة 104) : إذا علم أ نّه كان مقلّداً ، ولكن لم يعلم فتوى مجتهده في

ص: 290


1- - بل على تقليد الوارث .
2- - بل الأقوى في فرض المسألة .

هذه المسألة ، فهل يجب الاحتياط أو المدار على تقليد الوصيّ أو الوارث ؟ وجهان(1) أيضاً .

(مسألة 105) : إذا علم استطاعة الميّت مالاً ولم يعلم تحقّق سائر الشرائط في حقّه ، فلا يجب(2) القضاء عنه ؛ لعدم العلم بوجوب الحجّ عليه ؛ لاحتمال فقد بعض الشرائط .

(مسألة 106) : إذا علم استقرار الحجّ عليه ولم يعلم أ نّه أتى به أم لا ، فالظاهر وجوب القضاء عنه لأصالة بقائه في ذمّته ، ويحتمل(3) عدم وجوبه عملاً بظاهر حال المسلم ، وأ نّه لا يترك ما وجب عليه فوراً ، وكذا الكلام إذا علم أنّه تعلّق به خمس(4) أو زكاة أو قضاء صلوات أو صيام ولم يعلم أ نّه أدّاها أو لا .

(مسألة 107) : لا يكفي الاستئجار في براءة ذمّة الميّت والوارث ، بل يتوقّف على الأداء ، ولو علم أنّ الأجير لم يؤدّ وجب الاستئجار ثانياً ، ويخرج من الأصل(5) إن لم يمكن استرداد الاُجرة من الأجير .

(مسألة 108) : إذا استأجر الوصيّ أو الوارث من البلد غفلة عن كفاية الميقاتية ضمن ما زاد عن اُجرة الميقاتية للورثة أو لبقيّتهم .

ص: 291


1- - مرّ ما هو الأقوى .
2- - إلاّ إذا اقتضى الأصل إحراز الشرط المشكوك فيه .
3- - لكنّه ضعيف .
4- - مع بقاء المتعلّق بمقدارهما، وإلاّ فلا يجب، ولا أصل لإحراز كون تلفهما موجباً للضمان.
5- - إن عمل وليّ الميّت على طبق وظيفته من إحراز وثاقة الأجير مثلاً .

(مسألة 109) : إذا لم يكن للميّت تركة وكان عليه الحجّ ، لم يجب على الورثة شيء وإن كان يستحبّ على وليّه ، بل قد يقال بوجوبه ؛ للأمر به في بعض الأخبار .

(مسألة 110) : من استقرّ عليه الحجّ وتمكّن من أدائه ليس له أن يحجّ عن غيره تبرّعاً أو بإجارة ، وكذا ليس له أن يحجّ تطوّعاً ، ولو خالف فالمشهور البطلان ، بل ادّعى بعضهم عدم الخلاف فيه وبعضهم الإجماع عليه ، ولكن عن سيّد «المدارك» التردّد في البطلان ، ومقتضى القاعدة الصحّة وإن كان عاصياً في ترك ما وجب عليه ، كما في مسألة الصلاة مع فورية وجوب إزالة النجاسة عن المسجد ، إذ لا وجه للبطلان إلاّ دعوى أنّ الأمر بالشيء نهي عن ضدّه ، وهي محلّ منع ، وعلى تقديره لا يقتضي البطلان ؛ لأ نّه نهي تبعي ، ودعوى أ نّه يكفي في عدم الصحّة عدم الأمر ، مدفوعة بكفاية المحبوبية في حدّ نفسه في الصحّة ، كما في مسألة ترك الأهمّ والإتيان بغير الأهمّ من الواجبين المتزاحمين ، أو دعوى أنّ الزمان مختصّ بحجّته عن نفسه ، فلا يقبل لغيره ، وهي أيضاً مدفوعة بالمنع ؛ إذ مجرّد الفورية لا يوجب الاختصاص ، فليس المقام من قبيل شهر رمضان ؛ حيث إنّه غير قابل لصوم آخر ، وربما يتمسّك للبطلان في المقام بخبر سعد بن أبي خلف عن أبي الحسن موسى uعن الرجل الصرورة يحجّ عن الميّت ؟ قال علیه السلام : نعم ، إذا لم يجد الصرورة ما يحجّ به عن نفسه ، فإن كان له ما يحجّ به عن نفسه فليس يجزي عنه حتّى يحجّ من ماله ، وهي تجزي عن الميّت إن كان للصرورة مال ، وإن لم يكن له مال ، وقريب منه صحيح سعيد الأعرج عن أبي عبداللّه علیه السلام ، وهما كما ترى بالدلالة على الصحّة أولى ، فإنّ غاية ما يدلاّن عليه أ نّه لا يجوز له ترك حجّ نفسه وإتيانه عن غيره ، وأمّا عدم الصحّة فلا ، نعم

ص: 292

يستفاد منهما عدم إجزائه عن نفسه(1) ، فتردّد صاحب «المدارك» في محلّه ، بل لا يبعد الفتوى بالصحّة(2) لكن لا يترك الاحتياط . هذا كلّه لو تمكّن من حجّ نفسه ، وأمّا إذا لم يتمكّن فلا إشكال في الجواز والصحّة عن غيره ، بل لا ينبغي الإشكال في الصحّة إذا كان لا يعلم(3) بوجوب الحجّ عليه ، لعدم علمه باستطاعته مالاً ، أو لا يعلم بفورية وجوب الحجّ عن نفسه فحجّ عن غيره أو تطوّعاً ، ثمّ على فرض صحّة الحجّ عن الغير - ولو مع التمكّن والعلم بوجوب الفورية - لو آجر نفسه لذلك ، فهل الإجارة أيضاً صحيحة أو باطلة ، مع كون حجّه صحيحاً عن الغير ؟ الظاهر بطلانها ، وذلك لعدم قدرته(4) شرعاً على العمل المستأجر عليه ؛ لأنّ المفروض وجوبه عن نفسه فوراً ، وكونه صحيحاً على تقدير المخالفة لا ينفع في صحّة الإجارة ، خصوصاً على القول بأنّ الأمر

ص: 293


1- - هذا مبنيّ على رجوع ضمير «ليس يجزي عنه» إلى النائب ، وهو خلاف سوق الرواية ؛ فإنّ الظاهر منها هو السؤال عن صحّة الحجّ عن الميّت لا صحّة حجّ الصرورة عن نفسه ، فلا يناسب الجواب عن عدم إجزائه عن نفسه ، فمع الرجوع إلى الميّت تمّت الدلالة ويصير قرينة على المراد في الذيل بما احتمل بعضهم من أنّ قوله : «وهي تجزي عن الميّت» أي الحجّ بعد ما حجّ عن نفسه يجزي عن الميّت ، فالمانع من الحجّ ليس المال ولو بمقدار ما يحجّ به بل اشتغال الذمّة بحجّ نفسه ، بل يمكن القول بدلالتها ولو رجع الضمير إلى النائب، فيكون المعنى أ نّه لا يجزي حجّ عن الصرورة الواجد لنفسه أو غيره حتّى يحجّ من ماله حجّة الإسلام، ومع ذلك لا يخلو من الإشكال وإن كان الأقرب البطلان.
2- - محلّ إشكال، بل لا يبعد الفتوى بالبطلان للشهرة وقرب دلالة الصحيحتين، خصوصاً الاُولى منهما وإطلاق مكاتبتي إبراهيم بن عقبة وبكر بن صالح .
3- - لا فرق بين علمه وجهله ، فالأقرب البطلان مع جهله أيضاً .
4- - بل لعدم إمكان لزوم الوفاء بالإجارة مع فورية الحجّ .

بالشيء نهي عن ضدّه ؛ لأنّ اللّه إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه وإن كانت الحرمة تبعية(1) ، فإن قلت : ما الفرق بين المقام وبين المخالفة للشرط في ضمن العقد مع قولكم بالصحّة(2) هناك ، كما إذا باعه عبداً وشرط عليه أن يعتقه فباعه ، حيث تقولون بصحّة البيع ، ويكون للبائع خيار تخلّف الشرط ؟ قلت : الفرق أنّ في ذلك المقام المعاملة على تقدير صحّتها مفوّتة لوجوب العمل بالشرط ، فلا يكون العتق واجباً بعد البيع لعدم كونه مملوكاً له ، بخلاف المقام حيث إنّا لو قلنا بصحّة الإجارة لا يسقط وجوب الحجّ عن نفسه فوراً ، فيلزم اجتماع أمرين متنافيين فعلاً ، فلا يمكن أن تكون الإجارة صحيحة ، وإن قلنا : إنّ النهي التبعي لا يوجب البطلان ، فالبطلان من جهة عدم القدرة على العمل ، لا لأجل النهي عن الإجارة ، نعم لو لم يكن متمكّناً من الحجّ عن نفسه يجوز له أن يؤجر نفسه للحجّ عن غيره ، وإن تمكّن بعد الإجارة عن الحجّ عن نفسه لا تبطل إجارته ، بل لا يبعد صحّتها(3) لو لم يعلم باستطاعته أو لم يعلم بفورية الحجّ عن نفسه فآجر نفسه للنيابة ولم يتذكّر إلى أن فات محلّ استدراك الحجّ عن نفسه كما بعد الفراغ أو في أثناء الأعمال . ثمّ لا إشكال في أنّ حجّه عن الغير لا يكفيه عن نفسه ، بل إمّا باطل كما عن المشهور ، أو صحيح عمّن نوى عنه كما قوّيناه ، وكذا لو حجّ تطوّعاً لا يجزيه عن حجّة الإسلام في الصورة المفروضة ، بل إمّا باطل أو صحيح ويبقى عليه حجّة الإسلام ، فما عن الشيخ من أ نّه يقع عن حجّة الإسلام لا وجه له ، إذ الانقلاب القهري لا دليل

ص: 294


1- - فيها تأمّل .
2- - القول بالصحّة هناك أيضاً محلّ إشكال ، وما ذكره من الوجه غير وجيه .
3- - محلّ إشكال بل منع .

عليه ، ودعوى أنّ حقيقة الحجّ واحدة ، والمفروض إتيانه بقصد القربة ، فهو منطبق على ما عليه من حجّة الإسلام ، مدفوعة بأنّ وحدة الحقيقة لا تجدي بعد كون المطلوب هو الإتيان بقصد ما عليه ، وليس المقام من باب التداخل بالإجماع ؛ كيف وإلاّ لزم كفاية الحجّ عن الغير أيضاً عن حجّة الإسلام ، بل لا بدّ من تعدّد الامتثال مع تعدّد الأمر وجوباً وندباً ، أو مع تعدّد الواجبين ، وكذا ليس المراد من حجّة الإسلام الحجّ الأوّل بأيّ عنوان كان كما في صلاة التحيّة وصوم الاعتكاف ، فلا وجه لما قاله الشيخ أصلاً ، نعم لو نوى الأمر المتوجّه إليه فعلاً وتخيّل أ نّه أمر ندبي - غفلة عن كونه مستطيعاً - أمكن القول بكفايته عن حجّة الإسلام ، لكنّه خارج عمّا قاله الشيخ ، ثمّ إذا كان الواجب عليه حجّاً نذرياً أو غيره وكان وجوبه فوريّاً ، فحاله ما ذكرنا(1) في حجّة الإسلام من عدم جواز حجّ غيره وأ نّه لو حجّ صحّ أو لا ، وغير ذلك من التفاصيل المذكورة بحسب القاعدة .

فصل : في الحجّ الواجب بالنذر والعهد واليمين

ويشترط في انعقادها : البلوغ والعقل والقصد والاختيار ، فلا تنعقد من الصبيّ وإن بلغ عشراً وقلنا بصحّة عباداته وشرعيتها ؛ لرفع قلم الوجوب عنه ، وكذا لا تصحّ من المجنون والغافل والساهي والسكران والمكره ، والأقوى صحّتها من الكافر وفاقاً للمشهور في اليمين ، خلافاً لبعض ، وخلافاً للمشهور في النذر ، وفاقاً لبعض ، وذكروا في وجه الفرق : عدم اعتبار قصد القربة في اليمين ، واعتباره في النذر ، ولا تتحقّق القربة في الكافر ، وفيه أوّلاً : أنّ القربة لا تعتبر

ص: 295


1- - بينهما فروق لا يسع المجال ذكرها .

في النذر ، بل هو مكروه وإنّما تعتبر في متعلّقه(1) ؛ حيث إنّ اللازم كونه راجحاً شرعاً ، وثانياً(2) : أنّ متعلّق اليمين أيضاً قد يكون من العبادات ، وثالثاً : أ نّه يمكن قصد القربة من الكافر(3) أيضاً ، ودعوى : عدم إمكان إتيانه للعبادات لاشتراطها بالإسلام ، مدفوعة(4) بإمكان إسلامه ، ثمّ إتيانه فهو مقدور لمقدورية مقدّمته ، فيجب عليه حال كفره كسائر الواجبات ، ويعاقب على مخالفته ، ويترتّب عليها وجوب الكفّارة فيعاقب على تركها أيضاً ، وإن أسلم صحّ إن أتى به ، ويجب عليه الكفّارة لو خالف ، ولا يجري فيه قاعدة جبّ الإسلام لانصرافها(5) عن المقام ، نعم لو خالف وهو كافر وتعلّق به الكفّارة فأسلم ، لا يبعد دعوى سقوطها عنه كما قيل .

(مسألة 1) : ذهب جماعة إلى أ نّه يشترط في انعقاد اليمين من المملوك إذن المولى ، وفي انعقاده من الزوجة إذن الزوج وفي انعقاده من الولد إذن الوالد ، لقوله علیه السلام : «لا يمين لولد مع والده ، ولا للزوجة مع زوجها ، ولا للمملوك مع مولاه» ، فلو حلف أحد هؤلاء بدون الإذن لم ينعقد ، وظاهرهم(6) اعتبار الإذن السابق ، فلا تكفي الإجازة بعده ، مع أ نّه من الإيقاعات وادّعي الاتّفاق على

ص: 296


1- - بل لا تعتبر في متعلّقه أيضاً .
2- - هذا غير وارد على المدّعي ؛ لدعوى اعتباره في النذر فلا يقع من الكافر .
3- - المقرّ باللّه تعالى ، بل يمكن قصدها رجاءً لمن يحتمل وجود الصانع ، ولا يعتبر في العبادة أزيد من ذلك .
4- - مضافاً إلى أخصّية الدليل من المدّعى ؛ لما مرّ من عدم لزوم كون المتعلّق قربياً .
5- - بل لعدم كون المقام مورداً لها .
6- - وهو الأرجح ، وما ذكره من الاحتمال ودعوى الإجمال غير وجيه .

عدم جريان الفضولية فيها ، وإن كان يمكن دعوى : أنّ القدر المتيقّن من الاتّفاق ما إذا وقع الإيقاع على مال الغير ، مثل الطلاق والعتق ونحوهما ، لا مثل المقام ممّا كان في مال نفسه ، غاية الأمر اعتبار رضا الغير فيه ، ولا فرق فيه بين الرضا السابق واللاحق ، خصوصاً إذا قلنا : إنّ الفضولي على القاعدة ، وذهب جماعة إلى أ نّه لا يشترط الإذن في الانعقاد ، لكن للمذكورين حلّ يمين الجماعة إذا لم يكن مسبوقاً بنهي أو إذن ، بدعوى أنّ المنساق من الخبر المذكور ونحوه أ نّه ليس للجماعة المذكورة يمين مع معارضة المولى أو الأب أو الزوج ، ولازمه جواز حلّهم له ، وعدم وجوب العمل به مع عدم رضاهم به ، وعلى هذا فمع النهي السابق لا ينعقد ، ومع الإذن يلزم ، ومع عدمهما ينعقد ولهم حلّه ، ولا يبعد قوّة هذا القول ، مع أنّ المقدّر كما يمكن أن يكون هو الوجود يمكن أن يكون هو المنع والمعارضة ؛ أي لا يمين مع منع المولى مثلاً ، فمع عدم الظهور في الثاني لا أقلّ من الإجمال ، والقدر المتيقّن هو عدم الصحّة مع المعارضة والنهي ، بعد كون مقتضى العمومات الصحّة واللزوم .

ثمّ إنّ جواز الحلّ أو التوقّف على الإذن ليس في اليمين بما هو يمين مطلقاً كما هو ظاهر كلماتهم(1) ، بل إنّما هو فيما كان المتعلّق منافياً لحق المولى أو الزوج ، وكان ممّا يجب فيه طاعة الوالد إذا أمر أو نهى ، وأمّا ما لم يكن كذلك فلا ،

ص: 297


1- - وهو الأقوى ، فلا يصحّ اليمين بما هو يمين بلا إذنهم مطلقاً حتّى في فعل واجب أو ترك محرّم ، لكن لا يترك الاحتياط فيهما ، فاستثناء ما ذكر من الأمثلة في غير محلّه حتّى حلف الولد بأن يحجّ إذا استصحبه الوالد إلى مكّة ، فإنّ الاستصحاب إليها أو الإذن في الحجّ غير الإذن في اليمين ، ودعوى خروج مثله من منساق الأخبار غير وجيهة .

كما إذا حلف المملوك أن يحجّ إذا أعتقه المولى ، أو حلفت الزوجة أن تحجّ إذا مات زوجها أو طلّقها ، أو حلفا أن يصلّيا صلاة الليل ، مع عدم كونها منافية لحقّ المولى ، أو حقّ الاستمتاع من الزوجة ، أو حلف الولد أن يقرأ كلّ يوم جزءاً من القرآن ، أو نحو ذلك ممّا لا يجب طاعتهم فيها للمذكورين ، فلا مانع من انعقاده ، وهذا هو المنساق من الأخبار ، فلو حلف الولد أن يحجّ إذا استصحبه الوالد إلى مكّة - مثلاً - لا مانع من انعقاده ، وهكذا بالنسبة إلى المملوك والزوجة ، فالمراد

من الأخبار أ نّه ليس لهم أن يوجبوا على أنفسهم باليمين ما يكون منافياً لحقّ المذكورين ، ولذا استثنى بعضهم الحلف على فعل الواجب أو ترك القبيح ، وحكم بالانعقاد فيهما ، ولو كان المراد اليمين بما هو يمين لم يكن وجه لهذا الاستثناء ، هذا كلّه في اليمين .

وأمّا النذر فالمشهور بينهم أ نّه كاليمين في المملوك والزوجة ، وألحق بعضهم بهما الولد أيضاً ، وهو مشكل لعدم الدليل عليه ، خصوصاً في الولد إلاّ القياس على اليمين ، بدعوى تنقيح المناط ، وهو ممنوع ، أو بدعوى أنّ المراد من اليمين في الأخبار ؛ ما يشمل النذر لإطلاقه عليه في جملة من الأخبار ، منها خبران في كلام الإمام علیه السلام ومنها أخبار في كلام الراوي وتقرير الإمام علیه السلام له ، وهو أيضاً كما ترى ، فالأقوى في الولد عدم الإلحاق ، نعم في الزوجة والمملوك لا يبعد الإلحاق باليمين لخبر قرب الإسناد عن جعفر عن أبيه علیهما السلام : «أنّ علياً علیه السلام كان يقول : ليس على المملوك نذر إلاّ بإذن مولاه» ، وصحيح ابن سنان عن الصادق علیه السلام : «ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق ولا صدقة ولا تدبير ولا هبة ولا نذر في مالها إلاّ بإذن زوجها ، إلاّ في حجّ أو زكاة أو برّ والديها أو صلة قرابتها» . وضعف الأوّل منجبر بالشهرة ، واشتمال الثاني على ما لا نقول به

ص: 298

لا يضرّ . ثمّ هل الزوجة تشمل المنقطعة أو لا ؟ وجهان(1) ، وهل الولد يشمل ولد الولد أو لا ؟ كذلك وجهان ، والأمة المزوّجة عليها الاستئذان من الزوج والمولى بناءً على اعتبار الإذن ، وإذا أذن المولى للمملوك أن يحلف أو ينذر الحجّ لا يجب عليه إعطاء ما زاد عن نفقته الواجبة عليه من مصارف الحجّ ، وهل عليه تخلية سبيله لتحصيلها أو لا ؟ وجهان ، ثمّ على القول بأنّ لهم الحلّ هل يجوز مع حلف الجماعة التماس المذكورين في حلّ حلفهم أم لا ؟ وجهان(2) .

(مسألة 2) : إذا كان الوالد كافراً ففي شمول الحكم له وجهان ، أوجههما العدم ؛ للانصراف ونفي السبيل .

(مسألة 3) : هل المملوك المبعّض حكمه حكم القنّ أو لا ؟ وجهان ، لا يبعد الشمول ، ويحتمل(3) عدم توقّف حلفه على الإذن في نوبته في صورة المهاياة خصوصاً إذا كان وقوع المتعلّق في نوبته .

(مسألة 4) : الظاهر عدم الفرق في الولد بين الذكر والاُنثى ، وكذا في المملوك والمالك ، لكن لا تلحق الاُمّ بالأب .

(مسألة 5) : إذا نذر أو حلف المملوك بإذن المالك ، ثمّ انتقل إلى غيره بالإرث أو البيع أو نحوه ، بقي على لزومه .

(مسألة 6) : لو نذرت المرأة أو حلفت حال عدم الزوجية ثمّ تزوّجت ، وجب

ص: 299


1- - لا يبعد الشمول لها دون تاليها .
2- - الأقوى جوازه .
3- - لكنّه ضعيف ، فإنّ المهاياة لا يجعل العبد حرّاً في نوبته ، وقد مرّ أنّ الحلف بما هو يتوقّف على الإذن لا باعتبار منافاته لحقّ المولى .

عليها العمل به وإن كان منافياً(1) للاستمتاع بها ، وليس للزوج منعها من ذلك الفعل كالحجّ ونحوه ، بل وكذا لو نذرت أ نّها لو تزوّجت بزيد - مثلاً - صامت كلّ خميس ، وكان المفروض أنّ زيداً أيضاً حلف أن يواقعها كلّ خميس إذا تزوّجها ، فإنّ حلفها أو نذرها مقدّم على حلفه وإن كان متأخّراً في الإيقاع ؛ لأنّ حلفه لا يؤثّر شيئاً في تكليفها ، بخلاف نذرها فإنّه يوجب الصوم عليها ؛ لأ نّه متعلّق بعمل نفسها ، فوجوبه عليها يمنع من العمل بحلف الرجل .

(مسألة 7) : إذا نذر الحجّ من مكان معيّن كبلده أو بلد آخر معيّن ، فحجّ من غير ذلك المكان ، لم تبرأ ذمّته ووجب عليه ثانياً ، نعم لو عيّنه في سنة فحجّ في تلك السنة من غير ذلك المكان وجب عليه الكفّارة ؛ لعدم إمكان التدارك ، ولو نذر أن يحجّ من غير تقييد بمكان ثمّ نذر نذراً آخر أن يكون ذلك الحجّ من مكان كذا وخالف فحجّ من غير ذلك المكان برأ من النذر الأوّل ، ووجب عليه الكفّارة لخلف النذر الثاني ، كما أ نّه لو نذر أن يحجّ حجّة الإسلام من بلد كذا فخالف فإنّه يجزيه عن حجّة الإسلام ووجب عليه الكفّارة لخلف النذر .

(مسألة 8) : إذا نذر أن يحجّ ولم يقيّده بزمان ، فالظاهر جواز التأخير إلى ظنّ الموت أو الفوت ، فلا يجب عليه المبادرة إلاّ إذا كان هناك انصراف ، فلو مات قبل الإتيان به في صورة جواز التأخير لا يكون عاصياً ، والقول بعصيانه مع تمكّنه في بعض تلك الأزمنة - وإن جاز التأخير - لا وجه له ، وإذا قيّده بسنة معيّنة لم يجز التأخير مع فرض تمكّنه في تلك السنة ، فلو أخّر عصى وعليه

ص: 300


1- - في صورة المنافاة لا يجب العمل بالحلف ، وأمّا في النذر فمحلّ تأمّل وإن كان الوجوب لا يخلو من وجه في غير مثال الصوم ، وأمّا فيه فمحلّ إشكال وتردّد .

القضاء والكفّارة ، وإذا مات وجب قضاؤه عنه ، كما أنّ في صورة الإطلاق إذا مات بعد تمكّنه منه قبل إتيانه وجب القضاء عنه ، والقول بعدم وجوبه بدعوى أنّ القضاء بفرض جديد ضعيف ؛ لما يأتي ، وهل الواجب القضاء من أصل التركة أو من الثلث ؟ قولان ، فذهب جماعة إلى القول بأ نّه من الأصل(1) ؛ لأنّ الحجّ واجب مالي وإجماعهم قائم على أنّ الواجبات المالية تخرج من الأصل ، وربما يورد عليه بمنع كونه واجباً مالياً ، وإنّما هو أفعال مخصوصة بدنية وإن كان قد يحتاج إلى بذل المال في مقدّماته ، كما أنّ الصلاة أيضاً قد تحتاج إلى بذل المال في تحصيل الماء والساتر والمكان ونحو ذلك ، وفيه : أنّ الحجّ في الغالب محتاج إلى بذل المال بخلاف الصلاة وسائر العبادات البدنية ، فإن كان هناك إجماع أو غيره على أنّ الواجبات المالية تخرج من الأصل يشمل الحجّ قطعاً ، وأجاب صاحب «الجواهر» بأنّ المناط في الخروج من الأصل كون الواجب ديناً ، والحجّ كذلك ، فليس تكليفاً صرفاً ، كما في الصلاة والصوم ، بل للأمر به جهة وضعية ، فوجوبه على نحو الدينية بخلاف سائر العبادات البدنية ، فلذا يخرج من الأصل كما يشير إليه بعض الأخبار الناطقة بأ نّه دين أو بمنزلة الدين .

قلت : التحقيق(2) أنّ جميع الواجبات الإلهية ديون للّه تعالى ؛ سواء كانت مالاً أو عملاً مالياً أو عملاً غير مالي ، فالصلاة والصوم أيضاً ديون للّه ولهما

ص: 301


1- - وهو الأقوى .
2- - هذا التحقيق غير وجيه ، نعم في خصوص الحجّ والنذر يمكن استفادة الدينية من قوله تعالى : (للّه ِ عَلَى النَّاسِ) ، ومن قول الناذر : للّه عليّ ، وإطلاق الدين على الحجّ بهذا الاعتبار ظاهراً لا باعتبار مجرّد التكليف ، فالأقوى عدم خروج الواجبات الغير المالية من الأصل .

جهة وضع ، فذمّة المكلّف مشغولة بهما ، ولذا يجب قضاؤهما ، فإنّ القاضي يفرغ ذمّة نفسه أو ذمّة الميّت ، وليس القضاء من باب التوبة ، أو من باب الكفّارة ، بل هو إتيان لما كانت الذمّة مشغولة به ، ولا فرق بين كون الاشتغال بالمال أو بالعمل ، بل مثل قوله : للّه عليّ أن اُعطي زيداً درهماً ، دين إلهي لا خلقي فلا يكون الناذر مديوناً لزيد ، بل هو مديون للّه بدفع الدرهم لزيد ، ولا فرق بينه وبين أن يقول : للّه عليّ أن أحجّ أو أن اُصلّي ركعتين ، فالكلّ دين اللّه ، ودين اللّه أحقّ أن يقضى ، كما في بعض الأخبار ، ولازم هذا كون الجميع من الأصل ، نعم إذا كان الوجوب على وجه لا يقبل بقاء شغل الذمّة به بعد فوته لا يجب قضاؤه ، لا بالنسبة إلى نفس من وجب عليه ولا بعد موته ؛ سواء كان مالاً أو عملاً مثل وجوب إعطاء الطعام لمن يموت من الجوع عام المجاعة ، فإنّه لو لم يعطه حتّى مات لا يجب عليه ولا على وارثه القضاء ؛ لأنّ الواجب إنّما هو حفظ النفس المحترمة ، وهذا لا يقبل البقاء بعد فوته ، وكما في نفقة الأرحام فإنّه لو ترك الإنفاق عليهم مع تمكّنه لا يصير ديناً عليه ؛ لأنّ الواجب سدّ الخلّة ، وإذا فات لا يتدارك ، فتحصّل : أنّ مقتضى القاعدة في الحجّ النذري إذا تمكّنه وترك حتّى مات وجوب قضائه من الأصل ؛ لأ نّه دين إلهي ، إلاّ أن يقال بانصراف الدين عن مثل هذه الواجبات ، وهو محلّ منع ، بل دين اللّه أحقّ أن يقضى .

وأمّا الجماعة القائلون بوجوب قضائه من الثلث فاستدلّوا بصحيحة ضريس وصحيحة ابن أبي يعفور الدالّتين على أنّ من نذر الإحجاج ومات قبله يخرج من ثلثه ، وإذا كان نذر الإحجاج كذلك مع كونه مالياً قطعاً فنذر الحجّ بنفسه أولى بعدم الخروج من الأصل ، وفيه : أنّ الأصحاب لم يعملوا بهذين الخبرين في

ص: 302

موردهما ، فكيف يعمل بهما في غيره ؟ وأمّا الجواب عنهما بالحمل على صورة كون النذر في حال المرض بناءً على خروج المنجّزات من الثلث ، فلا وجه له بعد كون الأقوى خروجها من الأصل ، وربما يجاب عنهما بالحمل على صورة عدم إجراء الصيغة ، أو على صورة عدم التمكّن من الوفاء حتّى مات ، وفيهما ما لا يخفى خصوصاً الأوّل .

(مسألة 9) : إذا نذر الحجّ مطلقاً أو مقيّداً بسنة معيّنة ولم يتمكّن من الإتيان به حتّى مات ، لم يجب القضاء عنه ؛ لعدم وجوب الأداء عليه حتّى يجب القضاء عنه ، فيكشف ذلك عن عدم انعقاد نذره .

(مسألة 10) : إذا نذر الحجّ معلّقاً على أمر كشفاء مريضه أو مجيء مسافره فمات قبل حصول المعلّق عليه ، هل يجب القضاء عنه أم لا ؟ المسألة مبنيّة(1) على أنّ التعليق من باب الشرط أو من قبيل الوجوب المعلّق ، فعلى الأوّل لا يجب لعدم الوجوب عليه بعد فرض موته قبل حصول الشرط وإن كان متمكّناً من حيث المال وسائر الشرائط ، وعلى الثاني يمكن أن يقال بالوجوب ؛ لكشف حصول الشرط عن كونه واجباً عليه من الأوّل ، إلاّ أن يكون نذره منصرفاً إلى بقاء حياته حين حصول الشرط .

(مسألة 11) : إذا نذر الحجّ وهو متمكّن منه فاستقرّ عليه ، ثمّ صار معضوباً

ص: 303


1- - وإن يمكن إيقاع النذر على الوجهين ، لكن ظاهر التعليقات من باب الشرط ، فلا يجب القضاء إلاّ إذا قصد التعليق على نحو الواجب المعلّق وأوقع النذر كذلك ، فحينئذٍ إن قلنا بأنّ القضاء تابع لنفس الوجوب ولو لم يأت ظرف الواجب يجب القضاء وإلاّ فلا ، وهذه الجهة تحتاج إلى التأمّل .

لمرض أو نحوه ، أو مصدوداً بعدوّ أو نحوه ، فالظاهر(1) وجوب استنابته حال حياته لما مرّ من الأخبار سابقاً في وجوبها ، ودعوى اختصاصها بحجّة الإسلام ممنوعة كما مرّ سابقاً ، وإذا مات وجب القضاء عنه وإذا صار معضوباً أو مصدوداً قبل تمكّنه واستقرار الحجّ عليه ، أو نذر وهو معضوب أو مصدود حال النذر مع فرض تمكّنه من حيث المال ، ففي وجوب الاستنابة وعدمه حال حياته ووجوب القضاء عنه بعد موته قولان ، أقواهما العدم ، وإن قلنا(2) بالوجوب بالنسبة إلى حجّة الإسلام ، إلاّ أن يكون قصده من قوله : للّه عليّ أن أحجّ ، الاستنابة .

(مسألة 12) : لو نذر أن يحجّ رجلاً في سنة معيّنة فخالف مع تمكّنه وجب عليه القضاء والكفّارة ، وإن مات قبل إتيانهما يقضيان من أصل التركة ؛ لأ نّهما واجبان ماليّان بلا إشكال ، والصحيحتان المشار إليهما سابقاً الدالّتان على الخروج من الثلث معرض عنهما كما قيل ، أو محمولتان على بعض المحامل ، وكذا إذا نذر الإحجاج من غير تقييد بسنة معيّنة مطلقاً أو معلّقاً على شرط وقد حصل وتمكّن منه وترك حتّى مات ، فإنّه يقضى عنه من أصل التركة ، وأمّا لو نذر الإحجاج بأحد الوجوه ولم يتمكّن منه حتّى مات ، ففي وجوب قضائه وعدمه

ص: 304


1- - قد مرّ منه ما ينافي ذلك ، والوجوب في النذري محلّ إشكال ، والظاهر اختصاص الروايات بحجّة الإسلام ، نعم لا يبعد إطلاق رواية محمّد بن مسلم ، لكن لا تطمئنّ به النفس ، ودعوى الانصراف غير بعيدة ، وأمّا دعوى إلقاء الخصوصية من الأخبار فغير وجيهة بعد وضوح الخصوصية في حجّة الإسلام التي ممّا بني عليها الإسلام وهي شريعة من شرائع الإسلام .
2- - بعد دعوى عدم اختصاص الأخبار بحجّة الإسلام لا وجه للتفكيك بينهما .

وجهان ، أوجههما ذلك ؛ لأ نّه واجب مالي أوجبه على نفسه فصار ديناً ، غاية الأمر أ نّه ما لم يتمكّن معذور ، والفرق بينه وبين نذر الحجّ بنفسه أ نّه لا يعدّ ديناً مع عدم التمكّن منه ، واعتبار المباشرة ، بخلاف الإحجاج فإنّه كنذر بذل المال ، كما إذا قال : للّه عليّ أن اُعطي الفقراء مائة درهم ومات قبل تمكّنه ، ودعوى كشف عدم التمكّن عن عدم الانعقاد ممنوعة ، ففرق بين إيجاب مال على نفسه أو إيجاب عمل مباشري ، وإن استلزم صرف المال ، فإنّه لا يعدّ ديناً عليه بخلاف الأوّل .

(مسألة 13) : لو نذر الإحجاج معلّقاً على شرط كمجيء المسافر أو شفاء المريض ، فمات قبل حصول الشرط مع فرض حصوله بعد ذلك وتمكّنه منه قبله ، فالظاهر وجوب القضاء عنه ، إلاّ أن يكون مراده التعليق على ذلك الشرط مع كونه حيّاً حينه ، ويدلّ على ما ذكرنا خبر مسمع بن عبدالملك فيمن كان له جارية حبلى فنذر إن هي ولدت غلاماً أن يحجّه أو يحجّ عنه ؛ حيث قال الصادق علیه السلام بعد ما سئل عن هذا : «إنّ رجلاً نذر في ابن له إن هو أدرك أن يحجّه أو يحجّ عنه ، فمات الأب وأدرك الغلام بعد ، فأتى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فسأله عن ذلك ، فأمر رسول اللّه أن يحجّ عنه ، ممّا ترك أبوه» ، وقد عمل به جماعة ، وعلى ما ذكرنا لا يكون مخالفاً للقاعدة كما تخيّله سيّد «الرياض» ، وقرّره عليه صاحب «الجواهر» وقال : إنّ الحكم فيه تعبّدي على خلاف القاعدة(1) .

ص: 305


1- - وهو الحقّ ، ولا بأس بالعمل بالرواية بعد كونها معتبرة الإسناد وعدم إحراز الإعراض عنها ، بل مقتضى إطلاق الشيخ في «النهاية» والمحقّق ، وعن كتب العلاّمة العمل بها صدراً وذيلاً ، ومقتضى استشهاد الإمام عليه السلام التعدّي عن مورد الرواية بإلغاء الخصوصية .

(مسألة 14) : إذا كان مستطيعاً ونذر أن يحجّ حجّة الإسلام انعقد على الأقوى ، وكفاه حجّ واحد ، وإذا ترك حتّى مات وجب القضاء عنه والكفّارة من تركته ، وإذا قيّده بسنة معيّنة فأخّر عنها وجب عليه الكفّارة وإذا نذره في حال عدم الاستطاعة انعقد أيضاً ، ووجب عليه تحصيل الاستطاعة مقدّمة ، إلاّ أن يكون مراده الحجّ بعد الاستطاعة .

(مسألة 15) : لا يعتبر في الحجّ النذري الاستطاعة الشرعية ، بل يجب مع القدرة(1) العقلية ، خلافاً ل «الدروس» ، ولا وجه له ؛ إذ حاله حال سائر الواجبات التي تكفيها القدرة عقلاً .

(مسألة 16) : إذا نذر حجّاً غير حجّة الإسلام في عامه وهو مستطيع لم ينعقد ، إلاّ إذا نوى ذلك على تقدير زوالها فزالت ، ويحتمل الصحّة(2) مع الإطلاق أيضاً إذا زالت ، حملاً لنذره على الصحّة .

(مسألة 17) : إذا نذر حجّاً في حال عدم الاستطاعة الشرعية ثمّ حصلت له ، فإن كان موسّعاً أو مقيّداً بسنة متأخّرة قدّم حجّة الإسلام لفوريتها . وإن كان مضيّقاً بأن قيّده بسنة معيّنة وحصل فيها الاستطاعة أو قيّده بالفورية قدّمه(3) ،

ص: 306


1- - لا تكفي القدرة العقلية ، بل يعتبر فيه عدم الحرج والضرر النفسي ومقصود الماتن أيضاً نفي اعتبار الاستطاعة الشرعية لا وجوب الإتيان مع القدرة العقلية مطلقاً .
2- - وهو الأقوى مع تمشّي القصد منه لا للحمل على الصحّة ؛ لأ نّه لا أصل له ، بل لكونه راجحاً بحسب الواقع .
3- - بل يقدّم حجّة الإسلام ، وقد مرّ أنّ المانع الشرعي ليس شرطاً في الاستطاعة ومع الاستطاعة ووجوب حجّة الإسلام يلغى نذره ، ومنه يعلم حال احتمال تقديم النذري إذا كان موسّعاً فإنّه ضعيف .

وحينئذٍ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجبت ، وإلاّ فلا ؛ لأنّ المانع الشرعي كالعقلي ، ويحتمل وجوب تقديم النذر ولو مع كونه موسّعاً ؛ لأ نّه دين عليه ، بناءً على أنّ الدين ولو كان موسّعاً يمنع عن تحقّق الاستطاعة ، خصوصاً مع ظنّ عدم تمكّنه من الوفاء بالنذر إن صرف استطاعته في حجّة الإسلام .

(مسألة 18) : إذا كان نذره في حال عدم الاستطاعة فوريّاً ، ثمّ استطاع وأهمل عن وفاء النذر في عامه ، وجب الإتيان به في العام القابل مقدّماً(1) على حجّة الإسلام ، وإن بقيت الاستطاعة إليه لوجوبه عليه فوراً ففوراً ، فلا يجب عليه حجّة الإسلام إلاّ بعد الفراغ عنه ، لكن عن «الدروس» أ نّه قال بعد الحكم بأنّ استطاعة النذر شرعية لا عقلية : فلو نذر ثمّ استطاع صرف ذلك إلى النذر ، فإن أهمل واستمرّت الاستطاعة إلى العام القابل وجب حجّة الإسلام أيضاً . ولا وجه له ، نعم لو قيّد نذره بسنة معيّنة وحصل فيها الاستطاعة فلم يف به وبقيت استطاعته إلى العام المتأخّر أمكن أن يقال(2) بوجوب حجّة الإسلام أيضاً ؛ لأنّ حجّه النذري صار قضاء موسّعاً ، ففرق بين الإهمال مع الفورية ، والإهمال مع التوقيت ، بناءً على تقديم حجّة الإسلام مع كون النذري موسّعاً .

(مسألة 19) : إذا نذر الحجّ وأطلق من غير تقييد بحجّة الإسلام ولا بغيره وكان مستطيعاً أو استطاع بعد ذلك ، فهل يتداخلان فيكفي حجّ واحد عنهما ، أو يجب التعدّد أو يكفي نيّة الحجّ النذري عن حجّة الإسلام دون العكس ؟ أقوال ،

ص: 307


1- - بل حجّة الإسلام مقدّما على النذري ، فحينئذٍ لو كان نذره الحجّ فوراً ففوراً يجب الوفاء به بعد حجّة الإسلام .
2- - لكنّه ضعيف ، فالأقوى وجوب الحجّ في هذه الصورة وعدم وجوب النذري .

أقواها الثاني(1) ؛ لأصالة تعدّد المسبّب بتعدّد السبب ، والقول بأنّ الأصل هو التداخل ضعيف ، واستدلّ للثالث بصحيحتي رفاعة ومحمّد بن مسلم عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّه فمشى ، هل يجزيه عن حجّة الإسلام ؟ قال علیه السلام : «نعم» ، وفيه أنّ ظاهرهما كفاية الحجّ النذري عن حجّة الإسلام مع عدم الاستطاعة وهو غير معمول به ، ويمكن حملهما على أ نّه نذر المشي لا الحجّ ثمّ أراد أن يحجّ فسأل علیه السلام عن أ نّه هل يجزيه هذا الحجّ الذي أتى به عقيب هذا المشي أم لا ؟ فأجاب علیه السلام بالكفاية ، نعم لو نذر أن يحجّ مطلقاً - أيّ حجّ كان - كفاه عن نذره حجّة الإسلام ، بل الحجّ النيابي وغيره أيضاً ؛ لأنّ مقصوده حينئذٍ حصول الحجّ منه في الخارج بأيّ وجه كان .

(مسألة 20) : إذا نذر الحجّ حال عدم استطاعته معلّقاً على شفاء ولده - مثلاً - فاستطاع قبل حصول المعلّق عليه ، فالظاهر تقديم حجّة الإسلام ، ويحتمل(2) تقديم المنذور إذا فرض حصول المعلّق عليه قبل خروج الرفقة مع كونه فوريّاً ، بل هو المتعيّن إن كان نذره من قبيل الواجب المعلّق .

(مسألة 21) : إذا كان عليه حجّة الإسلام والحجّ النذري ولم يمكنه الإتيان بهما ؛ إمّا لظنّ الموت أو لعدم التمكّن إلاّ من أحدهما ، ففي وجوب تقديم الأسبق سبباً أو التخيير أو تقديم حجّة الإسلام لأهمّيتها وجوه ، أوجهها الوسط(3) ،

ص: 308


1- - في فرض المسألة إذا لم يكن انصراف ؛ لكون النذري غير حجّة الإسلام ، فالأقرب كون حجّ واحد بقصدهما مجزياً عنهما ، لكن مع ذلك لا يترك الاحتياط في صورة عدم قصد التعميم في نذره لحجّة الإسلام ؛ بإتيان كلّ واحد مستقلاًّ مقدّماً لحجّة الإسلام .
2- - لكنّه ضعيف وإن فرض كونه من قبيل الواجب المعلّق .
3- - بل الأخير وكذا في الفرض التالي .

وأحوطها الأخير ، وكذا إذا مات وعليه حجّتان ولم تفِ تركته إلاّ لإحداهما ، وأمّا إن وفت التركة فاللازم استئجارهما ولو في عام واحد .

(مسألة 22) : من عليه الحجّ الواجب بالنذر الموسّع ، يجوز له الإتيان بالحجّ المندوب قبله .

(مسألة 23) : إذا نذر أن يحجّ أو يُحجّ انعقد ووجب عليه أحدهما على وجه التخيير ، وإذا تركهما حتّى مات يجب القضاء عنه مخيّراً ، وإذا طرأ العجز(1) من أحدهما معيّناً تعيّن الآخر ، ولو تركه أيضاً حتّى مات يجب القضاء عنه مخيّراً أيضاً ؛ لأنّ الواجب كان على وجه التخيير ، فالفائت هو الواجب المخيّر ، ولا عبرة بالتعيين العرضي ، فهو كما لو كان عليه كفّارة الإفطار في شهر رمضان وكان عاجزاً عن بعض الخصال ثمّ مات ، فإنّه يجب الإخراج عن تركته مخيّراً ، وإن تعيّن عليه في حال حياته في إحداها ، فلا يتعيّن في ذلك المتعيّن ، نعم لو كان حال النذر غير متمكّن إلاّ من أحدهما معيّناً ولم يتمكّن من الآخر إلى أن مات أمكن أن يقال(2) باختصاص القضاء بالذي كان متمكّناً منه ، بدعوى أنّ النذر لم ينعقد بالنسبة إلى ما لم يتمكّن منه ، بناءً على أنّ عدم التمكّن يوجب عدم الانعقاد ، لكن الظاهر أنّ مسألة الخصال ليست كذلك ، فيكون الإخراج من تركته على وجه التخيير وإن لم يكن في

ص: 309


1- - ما ذكره صحيح إذا طرأ العجز بعد تمكّنه من الحجّ في عام ، وأمّا مع عدم تمكّنه منه فلا يجب الحجّ عنه ، نعم لو عجز عن الإحجاج ولو قبل تمكّنه في عام يقضى عنه تخييراً ، ففرق بين العجز عن الحجّ وبين العجز عن الإحجاج ، ففي العجز عن الإحجاج يبقى التخيير في القضاء وفي العجز عن الحجّ يأتي التفصيل المتقدّم .
2- - يأتي فيه ما تقدّم من الفرق بين العجز عن الحجّ والإحجاج .

حياته متمكّناً إلاّ من البعض أصلاً ، وربما يحتمل في الصورة المفروضة ونظائرها عدم انعقاد النذر بالنسبة إلى الفرد الممكن أيضاً ، بدعوى أنّ متعلّق النذر هو أحد الأمرين على وجه التخيير ، ومع تعذّر أحدهما لا يكون وجوب الآخر تخييرياً ، بل عن «الدروس» اختياره في مسألة ما لو نذر إن رزق ولداً أن يحجّه أو يحجّ عنه ؛ إذا مات الولد قبل تمكّن الأب من أحد الأمرين ، وفيه : أنّ مقصود الناذر إتيان أحد الأمرين(1) من دون اشتراط كونه على وجه التخيير ، فليس النذر مقيّداً بكونه واجباً تخييرياً ، حتّى يشترط في انعقاده التمكّن منهما .

(مسألة 24) : إذا نذر أن يحجّ أو يزور الحسين علیه السلام من بلده ثمّ مات قبل الوفاء بنذره وجب القضاء من تركته ، ولو اختلفت اُجرتهما يجب الاقتصار على أقلّهما(2) اُجرة ، إلاّ إذا تبرّع الوارث بالزائد ، فلا يجوز للوصيّ اختيار الأزيد اُجرة ، وإن جعل الميّت أمر التعيين إليه ، ولو أوصى باختيار الأزيد اُجرة خرج الزائد من الثلث .

(مسألة 25) : إذا علم أنّ على الميّت حجّاً ولم يعلم أ نّه حجّة الإسلام أو حجّ النذر ، وجب قضاؤه عنه من غير تعيين وليس عليه كفّارة ، ولو تردّد ما عليه بين الواجب بالنذر أو بالحلف وجبت الكفّارة أيضاً ، وحيث إنّها مردّدة بين كفّارة

ص: 310


1- - إن كان المراد بالإتيان ما هو ظاهره فهو عين التخيير ولا يلزم في التخيير اعتبار عنوانه بالحمل الأوّلي ، وإن كان المراد ما يتمكّن من أحد الأمرين فلا ينعقد في غيره فلا يتّجه التخيير في القضاء .
2- - إن جعل أمر التعيين إليه أو أوصى باختيار الأزيد ، فالظاهر جواز اختياره في الأوّل ووجوبه في الثاني وكونه من الأصل غير بعيد ، وأمّا مع سعة الثلث فلا إشكال فيه .

النذر وكفّارة اليمين فلا بدّ من الاحتياط(1) ، ويكفي حينئذٍ إطعام ستّين مسكيناً ؛ لأنّ فيه إطعام عشرة أيضاً الذي يكفي في كفّارة الحلف .

(مسألة 26) : إذا نذر المشي في حجّه الواجب عليه أو المستحبّ انعقد مطلقاً حتّى في مورد يكون الركوب أفضل ؛ لأنّ المشي في حدّ نفسه أفضل من الركوب ، بمقتضى جملة من الأخبار ، وإن كان الركوب قد يكون أرجح لبعض الجهات ، فإنّ أرجحيته لا توجب زوال الرجحان عن المشي في حدّ نفسه ، وكذا ينعقد لو نذر الحجّ ماشياً مطلقاً ، ولو مع الإغماض(2) عن رجحان المشي ، لكفاية رجحان أصل الحجّ في الانعقاد ، إذ لا يلزم أن يكون المتعلّق راجحاً بجميع قيوده وأوصافه ، فما عن بعضهم من عدم الانعقاد في مورد يكون الركوب أفضل لا وجه له ، وأضعف منه دعوى الانعقاد في أصل الحجّ لا في صفة المشي ، فيجب مطلقاً ؛ لأنّ المفروض نذر المقيّد فلا معنى لبقائه مع عدم صحّة قيده .

(مسألة 27) : لو نذر الحجّ راكباً انعقد ووجب ، ولا يجوز حينئذٍ المشي وإن كان أفضل ؛ لما مرّ من كفاية رجحان المقيّد(3) دون قيده ، نعم لو نذر الركوب في حجّه في مورد يكون المشي أفضل لم ينعقد(4) ؛ لأنّ المتعلّق حينئذٍ الركوب لا الحجّ راكباً ، وكذا ينعقد لو نذر أن يمشي بعض الطريق من فرسخ في كلّ يوم أو

ص: 311


1- - الأقرب جواز الاقتصار على الأقلّ وهو إطعام العشرة ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بإطعام الستّين .
2- - لو فرض عدم رجحان في المشي يشكل الانعقاد ؛ إذ المشي من المقدّمات الخارجية لا من القيود لو سلّم بالنسبة إلى القيود ، مع أنّ فيها أيضاً إشكالاً .
3- - بل لأنّ في الركوب إلى الحجّ رجحاناً أيضاً .
4- - بل ينعقد ؛ لأنّ الركوب إليه راجح وأفضلية المشي لا تنافي رجحانه .

فرسخين ، وكذا ينعقد لو نذر الحجّ حافياً ، وما في صحيحة الحذّاء من أمر النبي صلی الله علیه و آله وسلم بركوب اُخت عقبة بن عامر مع كونها ناذرة أن تمشي إلى بيت اللّه حافية قضية في واقعة يمكن أن يكون لمانع من صحّة نذرها ؛ من إيجابه كشفها أو تضرّرها أو غير ذلك .

(مسألة 28) : يشترط في انعقاد النذر ماشياً أو حافياً تمكّن الناذر وعدم تضرّره بهما ، فلو كان عاجزاً أو كان مضرّاً ببدنه لم ينعقد ، نعم لا مانع منه إذا كان حرجاً لا يبلغ حدّ الضرر ؛ لأنّ رفع الحرج من باب الرخصة(1) لا العزيمة ، هذا إذا كان حرجياً حين النذر وكان عالماً به ، وأمّا إذا عرض الحرج بعد ذلك فالظاهر كونه مسقطاً للوجوب .

(مسألة 29) : في كون مبدأ وجوب المشي أو الحفاء بلد النذر أو الناذر أو أقرب البلدين إلى الميقات ، أو مبدأ الشروع في السفر ، أو أفعال الحجّ أقوال ، والأقوى أ نّه تابع للتعيين أو الانصراف ، ومع عدمهما فأوّل أفعال الحجّ إذا قال : للّه عليّ أن أحجّ ماشياً ، ومن حين الشروع في السفر إذا قال : للّه عليّ أن أمشي إلى بيت اللّه ، أو نحو ذلك ، كما أنّ الأقوى أنّ منتهاه مع عدم التعيين رمي الجمار لجملة من الأخبار لا طواف النساء كما عن المشهور ، ولا الإفاضة من عرفات كما في بعض الأخبار .

ص: 312


1- - كونه من باب الرخصة محلّ إشكال ، مع أ نّه لو كان من بابها أيضاً يرفع الوجوب ، واحتمال قصور أدلّة الحرج عن شمول مثل المقام - ممّا لا يكون الإلزام من اللّه تعالى ابتداءً - غير وجيه ، وما اشتهر بينهم : أنّ رفع الحرج منّة فلا يشمل دليله مورد إقدام المكلّف ، غير تامّ ، والتفصيل في محلّه ، وكيف كان لا ينعقد مع حرجيته في الابتداء ويسقط الوجوب مع عروض الحرج .

(مسألة 30) : لا يجوز لمن نذر الحجّ ماشياً أو المشي في حجّه أن يركب البحر لمنافاته لنذره ، وإن اضطرّ إليه لعروض المانع من سائر الطرق سقط نذره ، كما أ نّه لو كان منحصراً فيه من الأوّل لم ينعقد ، ولو كان في طريقه نهر أو شطّ لا يمكن العبور إلاّ بالمركب فالمشهور أ نّه يقوم فيه لخبر السكوني ، والأقوى عدم وجوبه ؛ لضعف الخبر(1) عن إثبات الوجوب ، والتمسّك بقاعدة الميسور لا وجه له ، وعلى فرضه فالميسور هو التحرّك لا القيام .

(مسألة 31) : إذا نذر المشي فخالف نذره فحجّ راكباً ، فإن كان المنذور الحجّ ماشياً من غير تقييد بسنة معيّنة وجب عليه الإعادة ولا كفّارة إلاّ إذا تركها(2) أيضاً ، وإن كان المنذور الحجّ ماشياً في سنة معيّنة فخالف وأتى به راكباً وجب عليه القضاء(3) والكفّارة ، وإذا كان المنذور المشي في حجّ معيّن وجبت الكفّارة دون القضاء ؛ لفوات محلّ النذر ، والحجّ صحيح في جميع الصور ، خصوصاً الأخيرة ؛ لأنّ النذر لا يوجب شرطية المشي في أصل الحجّ ، وعدم الصحّة من حيث النذر لا يوجب عدمها من حيث الأصل ، فيكفي في صحّته الإتيان به بقصد القربة ، وقد يتخيّل البطلان من حيث إنّ المنويّ - وهو الحجّ النذري - لم يقع وغيره لم يقصد ، وفيه : أنّ الحجّ في حدّ نفسه مطلوب وقد قصده

ص: 313


1- - بل الأقوى وجوبه ، وخبر السكوني لا يقصر عن الموثّقات ، والوثوق الحاصل بالتتبّع من أخباره بوسيلة صاحبه لا يقصر عن توثيق أصحاب الرجال مع التأييد بذهاب جمع ، بل قيل بذهاب المشهور على العمل به .
2- - لكن مع سعة الوقت وبنائه على إتيانه فحصل عذر عنه لا حنث ولا كفّارة ، نعم لا يبعد الصدق في بعض صور الترك .
3- - الأقوى عدم الوجوب وإن وجبت الكفّارة .

في ضمن قصد النذر ، وهو كافٍ ألا ترى أ نّه لو صام أيّاماً بقصد الكفّارة ثمّ ترك التتابع لا يبطل الصيام في الأيّام السابقة أصلاً وإنّما تبطل من حيث كونها صيام كفّارة ، وكذا إذا بطلت صلاته لم تبطل قراءته وأذكاره التي أتى بها من حيث كونها قرآناً أو ذكراً ، وقد يستدلّ للبطلان إذا ركب في حال الإتيان بالأفعال بأنّ الأمر بإتيانها ماشياً موجب للنهي عن إتيانها راكباً ، وفيه : منع كون الأمر بالشيء نهياً عن ضدّه ، ومنع استلزامه البطلان على القول به ، مع أ نّه لا يتمّ فيما لو نذر الحجّ ماشياً مطلقاً من غير تقييد بسنة معيّنة ولا بالفورية ؛ لبقاء محلّ الإعادة .

(مسألة 32) : لو ركب بعضاً ومشى بعضاً ، فهو كما لو ركب الكلّ ؛ لعدم الإتيان بالمنذور ، فيجب عليه(1) القضاء أو الإعادة ماشياً ، والقول بالإعادة والمشي في موضع الركوب ضعيف لا وجه له .

(مسألة 33) : لو عجز عن المشي بعد انعقاد نذره لتمكّنه منه أو رجائه سقط ، وهل يبقى حينئذٍ وجوب الحجّ راكباً أو لا ، بل يسقط أيضاً ؟ فيه أقوال : أحدها : وجوبه راكباً مع سياق بدنة . الثاني : وجوبه بلا سياق . الثالث : سقوطه إذا كان الحجّ مقيّداً بسنة معيّنة ، أو كان مطلقاً مع اليأس عن التمكّن بعد ذلك وتوقّع المكنة مع الإطلاق وعدم اليأس . الرابع : وجوب الركوب مع تعيين السنة أو اليأس في صورة الإطلاق ، وتوقّع المكنة مع عدم اليأس . الخامس : وجوب الركوب إذا كان بعد الدخول في الإحرام ، وإذا كان قبله فالسقوط مع التعيين ، وتوقّع المكنة مع الإطلاق ، ومقتضى القاعدة وإن كان هو القول الثالث ، إلاّ أنّ

ص: 314


1- - أي في صورة النذر المعيّن ، والأقوى عدم الوجوب هاهنا أيضاً ووجبت الكفّارة .

الأقوى بملاحظة جملة من الأخبار هو القول الثاني بعد حمل ما في بعضها من الأمر بسياق الهدي على الاستحباب بقرينة السكوت عنه في بعضها الآخر مع كونه في مقام البيان ، مضافاً إلى خبر عنبسة الدالّ على عدم وجوبه صريحاً فيه ؛ من غير فرق في ذلك بين أن يكون العجز قبل الشروع في الذهاب أو بعده وقبل الدخول في الإحرام أو بعده ، ومن غير فرق أيضاً بين كون النذر مطلقاً أو مقيّداً بسنة مع توقّع المكنة وعدمه ، وإن كان الأحوط(1) في صورة الإطلاق مع عدم اليأس من المكنة وكونه قبل الشروع في الذهاب الإعادة إذا حصلت المكنة بعد ذلك ؛ لاحتمال انصراف الأخبار عن هذه الصورة ، والأحوط إعمال قاعدة الميسور أيضاً بالمشي بمقدار المكنة ، بل لا يخلو عن قوّة للقاعدة ، مضافاً إلى الخبر : عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّه حافياً . قال علیه السلام : «فليمش ، فإذا تعب فليركب» ، ويستفاد منه كفاية الحرج والتعب في جواز الركوب وإن لم يصل إلى حدّ العجز ، وفي مرسل حريز : «إذا حلف الرجل أن لا يركب أو نذر أن لا يركب فإذا بلغ مجهوده ركب» .

(مسألة 34) : إذا نذر الحجّ ماشياً فعرض مانع آخر غير العجز عن المشي ؛ من مرض أو خوفه أو عدوّ أو نحو ذلك ، فهل حكمه حكم العجز فيما ذكر أو لا ، لكون الحكم على خلاف القاعدة ؟ وجهان ، ولا يبعد التفصيل بين المرض ومثل العدوّ باختيار الأوّل في الأوّل ، والثاني في الثاني ، وإن كان الأحوط(2) الإلحاق مطلقاً .

ص: 315


1- - لا يترك في هذه الصورة .
2- - ليس الإلحاق موافقاً للاحتياط من بعض الجهات ، فلا يجوز الإلحاق فيما لا يوافقه .

فصل : في النيابة

لا إشكال في صحّة النيابة عن الميّت في الحجّ الواجب والمندوب ، وعن الحيّ في المندوب مطلقاً ، وفي الواجب في بعض الصور .

(مسألة 1) : يشترط في النائب اُمور :

أحدها : البلوغ على المشهور ، فلا يصحّ نيابة الصبيّ عندهم وإن كان مميّزاً ، وهو الأحوط لا لما قيل من عدم صحّة عباداته لكونها تمرينية ؛ لأنّ الأقوى كونها شرعية ، ولا لعدم الوثوق به لعدم الرادع له من جهة عدم تكليفه ؛ لأ نّه أخصّ من المدّعى ، بل لأصالة عدم فراغ ذمّة المنوب عنه بعد دعوى انصراف(1) الأدلّة خصوصاً مع اشتمال جملة من الأخبار على لفظ الرجل ، ولا فرق بين أن يكون حجّه بالإجارة أو بالتبرّع بإذن الوليّ أو عدمه ، وإن كان لا يبعد دعوى صحّة نيابته في الحجّ المندوب(2) بإذن الوليّ .

الثاني : العقل ، فلا تصحّ نيابة المجنون الذي لا يتحقّق منه القصد ؛ مطبقاً كان جنونه أو أدوارياً في دور جنونه ، ولا بأس بنيابة السفيه .

الثالث : الإيمان ؛ لعدم صحّة عمل غير المؤمن وإن كان معتقداً بوجوبه وحصل منه نيّة القربة ، ودعوى أنّ ذلك في العمل لنفسه دون غيره كما ترى .

الرابع : العدالة أو الوثوق(3) بصحّة عمله ، وهذا الشرط إنّما يعتبر في

ص: 316


1- - بل وعدم إطلاق معتدّ به .
2- - محلّ تأمّل .
3- - إنّما يعتبر الوثوق بأصل إتيانه ، وأمّا الحكم بصحّة المأتيّ به فالظاهر عدم اعتبار الوثوق بها ولو قبل العمل ، فلو علم بأ نّه يأتي بالعمل وشكّ في أ نّه يأتي به صحيحاً لا يبعد جواز الاستنابة له ، ولكن الأحوط اعتبار الوثوق .

جواز الاستنابة لا في صحّة عمله .

الخامس : معرفته بأفعال الحجّ وأحكامه وإن كان بإرشاد معلّم حال كلّ عمل .

السادس : عدم اشتغال ذمّته بحجّ واجب عليه في ذلك العام ، فلا تصحّ نيابة من وجب عليه حجّة الإسلام ، أو النذر المضيّق مع تمكّنه من إتيانه ، وأمّا مع عدم تمكّنه لعدم المال فلا بأس ، فلو حجّ عن غيره مع تمكّنه من الحجّ لنفسه بطل على المشهور(1) ، لكن الأقوى أنّ هذا الشرط إنّما هو لصحّة الاستنابة والإجارة ، وإلاّ فالحجّ صحيح وإن لم يستحقّ الاُجرة ، وتبرأ ذمّة المنوب عنه على ما هو الأقوى من عدم كون الأمر بالشيء نهياً عن ضدّه ، مع أنّ ذلك على القول به وإيجابه للبطلان إنّما يتمّ مع العلم والعمد ، وأمّا مع الجهل أو الغفلة فلا ، بل الظاهر صحّة الإجارة أيضاً على هذا التقدير ؛ لأنّ البطلان إنّما هو من جهة عدم القدرة الشرعية على العمل المستأجر عليه ، حيث إنّ المانع الشرعي كالمانع العقلي ، ومع الجهل أو الغفلة لا مانع ؛ لأ نّه قادر شرعاً .

(مسألة 2) : لا يشترط في النائب الحرّية ، فتصحّ نيابة المملوك بإذن مولاه ، ولا تصحّ استنابته بدونه ، ولو حجّ بدون إذنه بطل .

(مسألة 3) : يشترط في المنوب عنه الإسلام ، فلا تصحّ النيابة عن الكافر ،

ص: 317


1- - مرّ الكلام فيه مفصّلاً ومرّ تقوية ما عن المشهور ، ومرّ عدم الفرق بين العلم والعمد والجهل والغفلة ، والأقرب عدم صحّة حجّ المستطيع مع تمكّنه من حجّة الإسلام عن غيره إجارة أو تبرّعاً ، ولا عن نفسه تطوّعاً مطلقاً .

لا لعدم انتفاعه بالعمل عنه ؛ لمنعه وإمكان دعوى انتفاعه بالتخفيف في عقابه(1) ، بل لانصراف الأدلّة ، فلو مات مستطيعاً وكان الوارث مسلماً لا يجب عليه استئجاره عنه ، ويشترط فيه أيضاً كونه ميّتاً أو حيّاً عاجزاً في الحجّ الواجب ، فلا تصحّ النيابة عن الحيّ في الحجّ الواجب إلاّ إذا كان عاجزاً ، وأمّا في الحجّ الندبي فيجوز عن الحيّ والميّت تبرّعاً أو بالإجارة .

(مسألة 4) : تجوز النيابة عن الصبيّ المميّز والمجنون ، بل يجب الاستئجار عن المجنون إذا استقرّ عليه حال إفاقته ثمّ مات مجنوناً .

(مسألة 5) : لا تشترط المماثلة بين النائب والمنوب عنه في الذكورة والاُنوثة ، فتصحّ نيابة المرأة عن الرجل كالعكس ، نعم الأولى المماثلة .

(مسألة 6) : لا بأس باستنابة الصرورة ؛ رجلاً كان أو امرأة ، عن رجل أو امرأة ، والقول بعدم جواز استنابة المرأة الصرورة مطلقاً أو مع كون المنوب عنه رجلاً ضعيف ، نعم يكره ذلك ، خصوصاً مع كون المنوب عنه رجلاً ، بل

ص: 318


1- - محلّ إشكال ، وإلاّ فتصحّ الإجارة على القاعدة ، وما في موثّقة إسحاق من تخفيف عذاب الناصب إنّما هو في إهداء الثواب لا في النيابة ، نعم ظاهر رواية علي بن أبي حمزة جواز النيابة عن الناصب لكن مع ضعف سندها تحمل على إهداء الثواب ؛ جمعاً بينها وبين مثل صحيحة وهب بن عبد ربّه حيث نهى عن الحجّ عن الناصب واستثنى الأب ، ولا بأس بالعمل بها ، فلا تجوز النيابة عن الكافر ؛ إذ مضافاً إلى الصحيحة أنّ اعتبار النيابة عمّن لا يصحّ منه العمل محلّ إشكال ، نعم لو فرض الانتفاع به بنحو إهداء الثواب لا يبعد صحّة الاستئجار لذلك ؛ أي للحجّ الاستحبابي لإهداء الثواب ، وهو موافق للقاعدة .

لا يبعد(1) كراهة استئجار الصرورة ولو كان رجلاً عن رجل .

(مسألة 7) : يشترط في صحّة النيابة قصد النيابة وتعيين المنوب عنه في النيّة ولو بالإجمال ولا يشترط ذكر اسمه ، وإن كان يستحبّ ذلك في جميع المواطن والمواقف .

(مسألة 8) : كما تصحّ النيابة بالتبرّع وبالإجارة ، كذا تصحّ بالجعالة ، ولا تفرغ ذمّة المنوب عنه إلاّ بإتيان النائب صحيحاً ، ولا تفرغ بمجرّد الإجارة ، وما دلّ من الأخبار على كون الأجير ضامناً وكفاية الإجارة في فراغه منزّلة على أنّ اللّه تعالى يعطيه ثواب الحجّ إذا قصّر النائب في الإتيان ، أو مطروحة لعدم عمل العلماء بها بظاهرها .

(مسألة 9) : لا يجوز استئجار المعذور في ترك بعض الأعمال ، بل لو تبرّع المعذور يشكل الاكتفاء به .

(مسألة 10) : إذا مات النائب قبل الإتيان بالمناسك ، فإن كان قبل الإحرام لم يجز عن المنوب عنه ، لما مرّ من كون الأصل عدم فراغ ذمّته إلاّ بالإتيان ، بعد حمل الأخبار الدالّة على ضمان الأجير على ما أشرنا إليه ، وإن مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأ عنه ، لا لكون الحكم كذلك في الحاجّ عن نفسه ؛ لاختصاص ما دلّ عليه به ، وكون فعل النائب فعل المنوب عنه لا يقتضي

ص: 319


1- - فيه إشكال ، بل مقتضى صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجل صرورة مات ولم يحجّ حجّة الإسلام وله مال قال : «يحجّ عنه صرورة لا مال له» ، استحباب ذلك ، نعم تخرج منها المرأة الصرورة على فرض إطلاقها ، وفي دلالة مكاتبتي إبراهيم بن عقبة ، وبكر بن صالح على الكراهة نظر .

الإلحاق ، بل لموثّقة إسحاق بن عمّار المؤيّدة بمرسلتي حسين بن عثمان ، وحسين بن يحيى الدالّة على أنّ النائب إذا مات في الطريق أجزأ عن المنوب عنه المقيّدة بمرسلة «المقنعة» : من خرج حاجّاً فمات في الطريق فإنّه إن كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجّة ، الشاملة للحاجّ عن غيره أيضاً ، ولا يعارضها موثّقة عمّار الدالّة على أنّ النائب إذا مات في الطريق عليه أن يوصي ؛ لأ نّها محمولة على ما إذا مات قبل الإحرام ، أو على الاستحباب ، مضافاً إلى الإجماع على عدم كفاية مطلق الموت في الطريق ، وضعفها سنداً بل ودلالة منجبر بالشهرة والإجماعات المنقولة ، فلا ينبغي الإشكال في الإجزاء في الصورة المزبورة ، وأمّا إذا مات بعد الإحرام وقبل دخول الحرم ففي الإجزاء قولان ، ولا يبعد الإجزاء وإن لم نقل به في الحاجّ عن نفسه ؛ لإطلاق الأخبار في المقام ، والقدر المتيقّن من التقييد هو اعتبار كونه بعد الإحرام ، لكن الأقوى عدمه ، فحاله حال الحاجّ عن نفسه في اعتبار الأمرين في الإجزاء ، والظاهر عدم الفرق بين حجّة الإسلام وغيرها من أقسام الحجّ ، وكون النيابة بالاُجرة أو بالتبرّع(1) .

(مسألة 11) : إذا مات الأجير بعد الإحرام ودخول الحرم ، يستحقّ تمام الاُجرة ؛ إذا كان أجيراً على تفريغ الذمّة ، وبالنسبة إلى ما أتى به من الأعمال إذا كان أجيراً على الإتيان بالحجّ ؛ بمعنى الأعمال(2) المخصوصة ، وإن مات قبل

ص: 320


1- - فيه إشكال ، بل في غير حجّة الإسلام لا يخلو من إشكال .
2- - إذا فرض أنّ الإجارة على نفس الأعمال المخصوصة ولم تكن المقدّمات داخلة ، لا يستحقّ شيئاً قبل الإحرام ، وأمّا نفس الإحرام فمع الإطلاق - أي عدم استثنائه - فداخل في العمل المستأجر عليه ويستحقّ الاُجرة بالنسبة إليه ، وأمّا الذهاب إلى مكّة بعد الإحرام فليس داخلاً ، فلا يستحقّ الاُجرة بالنسبة إليه مع كون الإجارة على نفس المناسك ، كما لا يستحقّ على الذهاب إلى عرفات ومنى مع هذا الفرض ، وأمّا مع كون المشي والمقدّمات داخلاً في الإجارة فيستحقّ بالنسبة إليها مطلقاً ؛ سواء كانت مطلوبة نفساً أو من باب المقدّمة ، إلاّ أن تكون الاُجرة على المقدّمات الموصلات . هذا كلّه مع التصريح بكيفيته ، ومع الإطلاق فالظاهر التوزيع بالنسبة إلى المقدّمات وما فعل من الأعمال ، وتنظيره بإفساد الصلاة في غير محلّه ، نعم مع الإطلاق يستحقّ تمام الاُجرة إذا أتى بالمصداق العرفي الصحيح ولو كان فيه نقص ممّا لا يضرّ بالاسم ، فلو مات بعد الإحرام ودخول الحرم قبل إتيان شيء آخر لا يستحقّ اُجرة غير ما أتى به وإن سقط الحجّ عن الميّت ، فإنّ السقوط ليس لأجل الإتيان بالمصداق العرفي بل هو من باب التعبّد ، وأمّا لو أتى بالحجّ ونسي الطواف أو بعضه - مثلاً - ومات يستحقّ تمام الاُجرة للصدق ، وهذا نظير نسيان بعض أجزاء الصلاة المستأجرة مع عدم إضراره بالصحّة والاسم .

ذلك لا يستحقّ شيئاً ؛ سواء مات قبل الشروع في المشي أو بعده ، وقبل الإحرام أو بعده ، وقبل الدخول في الحرم ؛ لأ نّه لم يأت بالعمل المستأجر عليه لا كلاًّ ولا بعضاً بعد فرض عدم إجزائه ؛ من غير فرق بين أن يكون المستأجر عليه نفس الأعمال أو مع المقدّمات من المشي ونحوه ، نعم لو كان المشي داخلاً في الإجارة على وجه الجزئية ؛ بأن يكون مطلوباً في الإجارة نفساً ، استحقّ مقدار ما يقابله من الاُجرة ، بخلاف ما إذا لم يكن داخلاً أصلاً ، أو كان داخلاً فيها لا نفساً بل بوصف المقدّمية ، فما ذهب إليه بعضهم من توزيع الاُجرة عليه أيضاً مطلقاً لا وجه له ، كما أ نّه لا وجه لما ذكره بعضهم من التوزيع على ما أتى به من الأعمال بعد الإحرام ، إذ هو نظير ما إذا استؤجر للصلاة فأتى بركعة أو أزيد ثمّ

ص: 321

أبطلت صلاته ، فإنّه لا إشكال في أ نّه لا يستحقّ الاُجرة على ما أتى به ، ودعوى أ نّه وإن كان لا يستحقّ من المسمّى بالنسبة لكن يستحقّ اُجرة المثل لما أتى به ، حيث إنّ عمله محترم ، مدفوعة بأ نّه لا وجه له بعد عدم نفع للمستأجر فيه ، والمفروض أ نّه لم يكن مغروراً من قبله ، وحينئذٍ فتنفسخ الإجارة إذا كانت للحجّ في سنة معيّنة ، ويجب عليه(1) الإتيان به إذا كانت مطلقة من غير استحقاق لشيء على التقديرين .

(مسألة 12) : يجب في الإجارة تعيين نوع الحجّ ؛ من تمتّع أو قران أو إفراد ، ولا يجوز للمؤجر العدول عمّا عيّن له ، وإن كان إلى الأفضل ، كالعدول من أحد الأخيرين إلى الأوّل ، إلاّ إذا رضي المستأجر بذلك فيما إذا كان مخيّراً بين النوعين أو الأنواع ، كما في الحجّ المستحبّي والمنذور المطلق ، أو كان ذا منزلين متساويين في مكّة وخارجها ، وأمّا إذا كان ما عليه من نوع خاصّ فلا ينفع رضاه أيضاً بالعدول إلى غيره ، وفي صورة جواز الرضا يكون رضاه من باب إسقاط حقّ الشرط إن كان التعيين بعنوان الشرطية ، ومن باب الرضا بالوفاء بغير الجنس(2) إن كان بعنوان القيدية ، وعلى أيّ تقدير يستحقّ الاُجرة المسمّاة وإن لم يأت بالعمل المستأجر عليه على التقدير الثاني ؛ لأنّ المستأجر إذا رضي

ص: 322


1- - فيتعلّق ما عليه بتركته ، وكذا الحال لو كانت الإجارة في السنة المعيّنة أعمّ من المباشرة ومات ويمكن الإحجاج من ماله في السنة المزبورة .
2- - يمكن تطبيق الوفاء بغير الجنس في الديون المالية على القواعد ، وأمّا مثل الحجّ والتعبّديات فمشكل ، نعم إجازة العدول يمكن أن تكون رفع اليد عن المعدول عنه وإيقاع إجارة على المعدول إليه بالمسمّى ، أو أمر بإتيانه كذلك ، فمع الإتيان يستحقّ المسمّى .

بغير النوع الذي عيّنه فقد وصل إليه ماله على المؤجر ، كما في الوفاء بغير الجنس في سائر الديون ، فكأ نّه قد أتى بالعمل المستأجر عليه ، ولا فرق فيما ذكرنا بين العدول إلى الأفضل أو إلى المفضول ، هذا . ويظهر من جماعة جواز العدول إلى الأفضل ، كالعدول إلى التمتّع تعبّداً من الشارع ، لخبر أبي بصير(1) عن أحدهما علیهما السلام في رجل أعطى رجلاً دراهم يحجّ بها مفردة أيجوز له أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ ؟ قال علیه السلام : «نعم ، إنّما خالف إلى الأفضل» . والأقوى ما ذكرنا ، والخبر منزّل على صورة العلم برضا المستأجر بذلك مع كونه مخيّراً بين النوعين ، جمعاً بينه وبين خبر آخر في رجل أعطى رجلاً دراهم يحجّ بها حجّة مفردة قال علیه السلام : «ليس له أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ ، لا يخالف صاحب الدراهم» . وعلى ما ذكرنا من عدم جواز العدول إلاّ مع العلم بالرضا إذا عدل بدون ذلك لا يستحقّ الاُجرة(2) في صورة التعيين على وجه القيدية ، وإن كان حجّه صحيحاً عن المنوب عنه ، ومفرّغاً لذمّته ؛ إذا لم يكن ما في ذمّته متعيّناً فيما عيّن ، وأمّا إذا كان على وجه الشرطية فيستحقّ ، إلاّ إذا فسخ المستأجر الإجارة من جهة تخلّف الشرط ؛ إذ حينئذٍ لا يستحقّ المسمّى بل اُجرة المثل .

(مسألة 13) : لا يشترط في الإجارة تعيين الطريق وإن كان في الحجّ

ص: 323


1- - الإنصاف أنّ رفع اليد عن خبر أبي بصير مع كونه صحيحاً على الظاهر وعمل به جملة من الأصحاب مشكل كرفع اليد عن القواعد ، فالمسألة مشكلة ، والأحوط عدم العدول إلاّ برضاه ، وأمّا الجمع الذي ارتكبه ففرع حجّية الخبر المذكور وهو قاصر عن الحجّية بجهالة علي الذي روى عنه ابن محبوب وعدم الدليل على كونه ابن رئاب ، وعدم مدح معتدّ به عن هيثم بن أبي مسروق .
2- - الأحوط مع العدول التخلّص بالتصالح .

البلدي ؛ لعدم تعلّق الغرض بالطريق نوعاً ، ولكن لو عيّن تعيّن ولا يجوز العدول عنه إلى غيره ، إلاّ إذا علم أنّه لا غرض للمستأجر في خصوصيته وإنّما ذكره على المتعارف ، فهو راضٍ بأيّ طريق كان ، فحينئذٍ لو عدل صحّ واستحقّ تمام الاُجرة ، وكذا إذا أسقط بعد العقد حقّ تعيينه ، فالقول بجواز العدول مطلقاً أو مع عدم العلم بغرض في الخصوصية ضعيف ، كالاستدلال له بصحيحة حريز عن رجل أعطى رجلاً حجّة يحجّ عنه من الكوفة ، فحجّ عنه من البصرة ، فقال : «لا بأس ، إذا قضى جميع المناسك فقد تمّ حجّه» ؛ إذ هي محمولة على صورة العلم بعدم الغرض كما هو الغالب ، مع أ نّها إنّما دلّت على صحّة الحجّ من حيث هو ، لا من حيث كونه عملاً مستأجراً عليه كما هو المدّعى ، وربما تحمل على محامل اُخر . وكيف كان لا إشكال في صحّة حجّه وبراءة ذمّة المنوب عنه إذا لم يكن ما عليه مقيّداً بخصوصية الطريق المعيّن ، إنّما الكلام في استحقاقه الاُجرة المسمّاة على تقدير العدول وعدمه ، والأقوى أ نّه يستحقّ من المسمّى بالنسبة ، ويسقط منه بمقدار المخالفة إذا كان الطريق معتبراً في الإجارة على وجه الجزئية ، ولا يستحقّ شيئاً على تقدير اعتباره على وجه القيدية(1) ؛ لعدم إتيانه بالعمل المستأجر عليه حينئذٍ وإن برئت ذمّة المنوب عنه بما أتى به ؛ لأ نّه حينئذٍ متبرّع بعمله ، ودعوى أ نّه يعدّ في العرف أ نّه أتى ببعض ما استؤجر عليه فيستحقّ بالنسبة ، وقصد التقييد بالخصوصية لا يخرجه عرفاً عن العمل ذي الأجزاء كما ذهب إليه في «الجواهر» ، لا وجه لها، ويستحقّ تمام الاُجرة إن كان اعتباره على وجه الشرطية الفقهية بمعنى الالتزام في الالتزام ، نعم للمستأجر خيار الفسخ لتخلّف الشرط فيرجع إلى اُجرة المثل .

ص: 324


1- - بمعنى أنّ الحجّ المتقيّد بالطريق الخاصّ يكون مورداً للإجارة .

(مسألة 14) : إذا آجر نفسه للحجّ عن شخص مباشرة في سنة معيّنة ، ثمّ آجر عن شخص آخر في تلك السنة مباشرة أيضاً ، بطلت الإجارة الثانية ؛ لعدم القدرة(1) على العمل بها بعد وجوب العمل بالاُولى ، ومع عدم اشتراط المباشرة فيهما أو في إحداهما صحّتا معاً ، ودعوى بطلان الثانية وإن لم يشترط فيها المباشرة مع اعتبارها في الاُولى لأ نّه يعتبر في صحّة الإجارة تمكّن الأجير من العمل بنفسه فلا يجوز إجارة الأعمى على قراءة القرآن ، وكذا لا يجوز إجارة الحائض لكنس المسجد وإن لم يشترط المباشرة ممنوعة ، فالأقوى الصحّة ، هذا إذا آجر نفسه ثانياً للحجّ بلا اشتراط المباشرة ، وأمّا إذا آجر نفسه لتحصيله فلا إشكال فيه ، وكذا تصحّ الثانية مع اختلاف السنتين ، أو مع توسعة الإجارتين أو توسعة إحداهما ، بل وكذا مع إطلاقهما أو إطلاق إحداهما إذا لم يكن انصراف إلى التعجيل ، ولو اقترنت الإجارتان - كما إذا آجر نفسه من شخص وآجره وكيله من آخر في سنة واحدة وكان وقوع الإجارتين في وقت واحد - بطلتا معاً(2) مع اشتراط المباشرة فيهما ، ولو آجره فضوليان(3) من شخصين مع اقتران الإجارتين يجوز له إجازة إحداهما كما في صورة عدم الاقتران ، ولو آجر نفسه من شخص ثمّ علم أنّه آجره فضولي من شخص آخر سابقاً على عقد نفسه ليس له إجازة ذلك العقد ، وإن قلنا بكون الإجازة كاشفة ، بدعوى أ نّها حينئذٍ تكشف عن بطلان إجارة نفسه ، لكون إجارته نفسه مانعاً عن صحّة الإجازة حتّى تكون كاشفة ، وانصراف أدلّة صحّة الفضولي عن مثل ذلك .

ص: 325


1- - في التعليل تأمّل .
2- - بطلانهما مع الاشتراط الفقهي محلّ إشكال ، نعم لو أوقعاها لإتيانه مباشرة بطلا .
3- - مع إيقاعهما على النحو المتقدّم آنفاً ، وكذا الحال في الفرع الآتي .

(مسألة 15) : إذا آجر نفسه للحجّ في سنة معيّنة لا يجوز له التأخير ، بل ولا التقديم إلاّ مع رضا المستأجر ، ولو أخّر لا لعذر أثم وتنفسخ الإجارة(1) إن كان التعيين على وجه التقييد ، ويكون للمستأجر خيار الفسخ لو كان على وجه الشرطية ، وإن أتى به مؤخّراً لا يستحقّ الاُجرة على الأوّل وإن برئت ذمّة المنوب عنه به ، ويستحقّ المسمّاة على الثاني إلاّ إذا فسخ المستأجر فيرجع إلى اُجرة المثل ، وإذا أطلق الإجارة وقلنا بوجوب التعجيل لا تبطل مع الإهمال وفي ثبوت الخيار للمستأجر حينئذٍ وعدمه وجهان(2) ؛ من أنّ الفورية ليست توقيتاً ، ومن كونها بمنزلة الاشتراط .

(مسألة 16) : قد عرفت عدم صحّة الإجارة الثانية فيما إذا آجر نفسه من شخص في سنة معيّنة ، ثمّ آجر من آخر في تلك السنة ، فهل يمكن تصحيح الثانية بإجازة المستأجر الأوّل أو لا ؟ فيه تفصيل ، وهو أ نّه إن كانت الاُولى واقعة على العمل في الذمّة(3) لا تصحّ الثانية بالإجازة ؛ لأ نّه لا دخل للمستأجر بها إذا لم تقع على ماله حتّى تصحّ له إجازتها ، وإن كانت واقعة على منفعة الأجير في

ص: 326


1- - لا يبعد تخيّر المستأجر بين الفسخ ومطالبة الاُجرة المسمّاة وبين عدمه ومطالبة اُجرة المثل بعد إعطاء الاُجرة المسمّاة ، ولا فرق في ذلك أو انفساخ الإجارة على القول به بين كون التأخير لعذر أو لا .
2- - إن قلنا بأنّ وجوب التعجيل لأجل انصراف العقد إلى ذلك ففي بطلان العقد وعدمه وثبوت الخيار وجهان ، وإن قلنا بأنّ الوجوب حكم شرعي فالظاهر عدم البطلان وعدم ثبوت الخيار .
3- - أي كان متعلّق الإجارة الحجّ المباشري في هذه السنة فحينئذٍ لا تصحّ الثانية بالإجازة بلا إشكال ، وأمّا إذا اشترط المباشرة أو كونه في هذه السنة ، فالإجازة إسقاط الاشتراط فيرفع التزاحم فتصحّ الثانية بلا مزاحم .

تلك السنة - بأن تكون منفعته من حيث الحجّ أو جميع منافعه له - جاز له إجازة الثانية ؛ لوقوعها على ماله ، وكذا الحال في نظائر المقام ، فلو آجر نفسه ليخيط لزيد في يوم معيّن ثمّ آجر نفسه ليخيط أو ليكتب لعمرو في ذلك اليوم ليس لزيد إجازة العقد الثاني ، وأمّا إذا ملّكه منفعة الخيّاطي فآجر نفسه للخياطة أو للكتابة(1) لعمرو جاز له إجازة هذا العقد ؛ لأ نّه تصرّف في متعلّق حقّه ، وإذا أجاز يكون مال الإجارة له لا للمؤجر ، نعم لو ملك منفعة خاصّة كخياطة ثوب معيّن أو الحجّ عن ميّت معيّن على وجه التقييد يكون كالأوّل في عدم إمكان إجازته .

(مسألة 17) : إذا صدّ الأجير أو اُحصر كان حكمه كالحاجّ عن نفسه فيما عليه من الأعمال ، وتنفسخ الإجارة مع كونها مقيّدة بتلك السنة ويبقى الحجّ في ذمّته مع الإطلاق ، وللمستأجر خيار التخلّف إذا كان اعتبار تلك السنة على وجه الشرط في ضمن العقد ، ولا يجزي عن المنوب عنه وإن كان بعد الإحرام ودخول الحرم ؛ لأنّ ذلك كان في خصوص الموت من جهة الأخبار ، والقياس عليه لا وجه له ، ولو ضمن المؤجر الحجّ في المستقبل في صورة التقييد لم تجب إجابته ، والقول بوجوبه ضعيف ، وظاهرهم استحقاق الاُجرة بالنسبة إلى ما أتى به من الأعمال ، وهو مشكل(2) ؛ لأنّ المفروض عدم إتيانه للعمل المستأجر عليه وعدم فائدة فيما أتى به ، فهو نظير الانفساخ في الأثناء لعذر غير الصدّ والحصر ، وكالانفساخ في أثناء سائر الأعمال المرتبطة لعذر في إتمامها ، وقاعدة احترام عمل المسلم لا تجري ؛ لعدم الاستناد إلى المستأجر ، فلا يستحقّ اُجرة المثل أيضاً .

ص: 327


1- - إذا ملّك منفعة الكتابة أيضاً .
2- - لا إشكال فيه كما مرّ ، ويأتي فيه التفصيل المتقدّم .

(مسألة 18) : إذا أتى النائب بما يوجب الكفّارة فهو من ماله .

(مسألة 19) : إطلاق الإجارة(1) يقتضي التعجيل ؛ بمعنى الحلول في مقابل الأجل لا بمعنى الفورية ؛ إذ لا دليل عليها ، والقول بوجوب التعجيل إذا لم يشترط الأجل ضعيف ، فحالها حال البيع في أنّ إطلاقه يقتضي الحلول بمعنى جواز المطالبة ووجوب المبادرة معها .

(مسألة 20) : إذا قصرت الاُجرة لا يجب على المستأجر إتمامها ، كما أ نّها لو زادت ليس له استرداد الزائد ، نعم يستحبّ الإتمام كما قيل ، بل قيل : يستحبّ على الأجير أيضاً ردّ الزائد ، ولا دليل بالخصوص على شيء من القولين ، نعم يستدلّ على الأوّل بأ نّه معاونة على البرّ والتقوى ، وعلى الثاني بكونه موجباً للإخلاص في العبادة .

(مسألة 21) : لو أفسد الأجير حجّه بالجماع قبل المشعر فكالحاجّ عن نفسه يجب عليه إتمامه والحجّ من قابل وكفّارة بدنة ، وهل يستحقّ الاُجرة على الأوّل أو لا ؟ قولان ؛ مبنيّان على أنّ الواجب هو الأوّل وأنّ الثاني عقوبة ، أو هو الثاني وأنّ الأوّل عقوبة ، قد يقال بالثاني ؛ للتعبير في الأخبار بالفساد الظاهر في البطلان ، وحمله على إرادة النقصان وعدم الكمال مجاز لا داعي إليه ، وحينئذٍ فتنفسخ الإجارة إذا كانت معيّنة ولا يستحقّ الاُجرة ، ويجب عليه الإتيان في القابل بلا اُجرة ، ومع إطلاق الإجارة تبقى ذمّته مشغولة ، ويستحقّ الاُجرة على ما يأتي به في القابل ، والأقوى صحّة الأوّل ، وكون الثاني عقوبة ؛ لبعض الأخبار الصريحة في ذلك في الحاجّ عن نفسه ، ولا فرق بينه وبين الأجير ، ولخصوص

ص: 328


1- - مع عدم انصراف في البين .

خبرين في خصوص الأجير عن إسحاق بن عمّار عن أحدهما علیهما السلام قال : قلت : فإن ابتلى بشيء يفسد عليه حجّه حتّى يصير عليه الحجّ من قابل ، أيجزي عن الأوّل ؟ قال : «نعم» قلت : فإنّ الأجير ضامن للحجّ ؟ قال : «نعم» . وفي الثاني سأل الصادق علیه السلام عن رجل حجّ عن رجل فاجترح في حجّه شيئاً يلزم فيه الحجّ من قابل وكفّارة ؟ قال علیه السلام : «هي للأوّل تامّة» وعلى هذا ما اجترح ، فالأقوى استحقاق الاُجرة على الأوّل وإن ترك الإتيان من قابل عصياناً أو لعذر ، ولا فرق بين كون الإجارة مطلقة أو معيّنة ، وهل الواجب إتيان الثاني بالعنوان الذي أتى به الأوّل ، فيجب فيه قصد النيابة عن المنوب عنه وبذلك العنوان ، أو هو واجب عليه تعبّداً ويكون لنفسه ؟ وجهان ، لا يبعد الظهور(1) في الأوّل ، ولا ينافي كونه عقوبة ، فإنّه يكون الإعادة عقوبة ، ولكن الأظهر الثاني ، والأحوط أن يأتي به بقصد ما في الذمّة ، ثمّ لا يخفى عدم تمامية ما ذكره ذلك القائل من عدم استحقاق الاُجرة في صورة كون الإجارة معيّنة ولو على ما يأتي به في القابل ؛ لانفساخها ، وكون وجوب الثاني تعبّداً ؛ لكونه خارجاً عن متعلّق الإجارة ، وإن كان مبرئاً لذمّة المنوب عنه ، وذلك لأنّ الإجارة وإن كانت منفسخة بالنسبة إلى الأوّل لكنّها باقية(2) بالنسبة إلى الثاني تعبّداً ؛ لكونه عوضاً شرعياً تعبّدياً عمّا وقع عليه العقد ، فلا وجه لعدم استحقاق الاُجرة على الثاني ، وقد يقال بعدم كفاية الحجّ الثاني أيضاً في تفريغ ذمّة المنوب عنه ، بل لا بدّ للمستأجر

ص: 329


1- - لا ظهور فيه .
2- - فيه منع ، وكونه عوضاً شرعياً لا يقتضي بقاء الإجارة تعبّداً مع مخالفته للقاعدة ، مع أنّ في كونه عوضاً تأمّلاً وإشكالاً ، وكيف كان فالأقوى ما اختاره في المتن فلا داعي لتعرّض الاحتمالات والأقوال .

أن يستأجر مرّة اُخرى في صورة التعيين ، وللأجير أن يحجّ ثالثاً في صورة الإطلاق ، لأنّ الحجّ الأوّل فاسد ، والثاني إنّما وجب للإفساد عقوبة فيجب ثالث ؛ إذ التداخل خلاف الأصل ، وفيه : أنّ هذا إنّما يتمّ إذا لم يكن الحجّ في القابل بالعنوان الأوّل ، والظاهر من الأخبار على القول بعدم صحّة الأوّل وجوب إعادة الأوّل وبذلك العنوان ، فيكفي في التفريغ ولا يكون من باب التداخل ، فليس الإفساد عنواناً مستقلاًّ ، نعم إنّما يلزم ذلك إذا قلنا : إنّ الإفساد موجب لحجّ مستقلّ لا على نحو الأوّل ، وهو خلاف ظاهر الأخبار ، وقد يقال في صورة التعيين : إنّ الحجّ الأوّل إذا كان فاسداً وانفسخت الإجارة يكون لنفسه ، فقضاؤه في العام القابل أيضاً يكون لنفسه ، ولا يكون مبرئاً لذمّة المنوب عنه ، فيجب على المستأجر استئجار حجّ آخر ، وفيه أيضاً ما عرفت من أنّ الثاني واجب بعنوان إعادة الأوّل وكون الأوّل بعد انفساخ الإجارة بالنسبة إليه لنفسه لا يقتضي كون الثاني له وإن كان بدلاً عنه ؛ لأ نّه بدل عنه بالعنوان المنويّ ، لا بما صار إليه بعد الفسخ ، هذا . والظاهر عدم الفرق في الأحكام المذكورة بين كون الحجّ الأوّل المستأجر عليه واجباً أو مندوباً ، بل الظاهر جريان حكم وجوب الإتمام والإعادة في النيابة تبرّعاً أيضاً وإن كان لا يستحقّ الاُجرة أصلاً .

(مسألة 22) : يملك الأجير الاُجرة بمجرّد العقد ، لكن لا يجب تسليمها إلاّ بعد العمل ؛ إذا لم يشترط التعجيل ولم تكن قرينة على إرادته ؛ من انصراف أو غيره ، ولا فرق في عدم وجوب التسليم بين أن تكون عيناً أو ديناً ، لكن إذا كانت عيناً ونمت كان النماء للأجير ، وعلى ما ذكر - من عدم وجوب التسليم قبل العمل - إذا كان المستأجر وصيّاً أو وكيلاً وسلّمها قبله كان ضامناً لها على تقدير عدم العمل من المؤجر ، أو كون عمله باطلاً ، ولا يجوز لهما اشتراط

ص: 330

التعجيل من دون إذن الموكّل أو الوارث(1) ، ولو لم يقدر الأجير على العمل مع عدم تسليم الاُجرة كان له الفسخ(2) وكذا للمستأجر ، لكن لمّا كان المتعارف تسليمها أو نصفها قبل المشي يستحقّ الأجير المطالبة في صورة الإطلاق ، ويجوز للوكيل والوصيّ دفعها(3) من غير ضمان .

(مسألة 23) : إطلاق الإجارة يقتضي المباشرة ، فلا يجوز للأجير أن يستأجر غيره إلاّ مع الإذن صريحاً أو ظاهراً ، والرواية(4) الدالّة على الجواز محمولة على صورة العلم بالرضا من المستأجر .

(مسألة 24) : لا يجوز استئجار من ضاق وقته عن إتمام الحجّ تمتّعاً ، وكانت وظيفته العدول إلى حجّ الإفراد عمّن عليه حجّ التمتّع ، ولو استأجره مع سعة الوقت فنوى التمتّع ثمّ اتّفق ضيق الوقت ، فهل يجوز له العدول ويجزي عن المنوب عنه أو لا ؟ وجهان ؛ من إطلاق أخبار العدول ، ومن انصرافها إلى الحاجّ عن نفسه، والأقوى عدمه(5)، وعلى تقديره فالأقوى عدم إجزائه عن الميّت وعدم

ص: 331


1- - لا دخل لإذن الوارث فيه ، وأمّا الوصيّ فيجوز له الاشتراط إذا تعذّر بغير ذلك ، ولا ضمان عليه مع التسليم إذا تعذّر .
2- - لا وجه لخيار الأجير ، بل للمستأجر خيار تعذّر التسليم ، نعم لو بقي على هذا الحال حتّى انقضى وقت الحجّ ، فالظاهر انفساخ العقد .
3- - لهما دفع ما يتعارف إن كلاًّ فكلاًّ ، وإن بعضاً فبعضاً .
4- - هي رواية الرواسي ولا ظهور معتدّاً به لها في الإجارة ، بل ولا كون الحجّة للمعطي ، فلا يبعد حملها على إعطاء شيء ليحجّ لنفسه استحباباً فيدفعها إلى غيره .
5- - بل الأقوى لزوم العدول ، وأمّا الإجزاء عن المنوب عنه ، فمحلّ تأمّل ، والأحوط عدم الإجزاء .

استحقاق الاُجرة عليه؛ لأ نّه غير ما على الميّت، ولأ نّه غير العمل المستأجر عليه.

(مسألة 25) : يجوز التبرّع عن الميّت في الحجّ الواجب - أيّ واجب كان - والمندوب ، بل يجوز التبرّع عنه بالمندوب ، وإن كانت ذمّته مشغولة بالواجب ، ولو قبل الاستئجار عنه للواجب ، وكذا يجوز الاستئجار عنه في المندوب كذلك ، وأمّا الحيّ فلا يجوز التبرّع عنه في الواجب إلاّ إذا كان معذوراً في المباشرة لمرض أو هرم ، فإنّه يجوز التبرّع عنه(1) ويسقط عنه وجوب الاستنابة على الأقوى كما مرّ سابقاً ، وأمّا الحجّ المندوب فيجوز التبرّع عنه ، كما يجوز له أن يستأجر له حتّى إذا كان عليه حجّ واجب لا يتمكّن من أدائه فعلاً ، وأمّا إن تمكّن منه فالاستئجار للمندوب قبل أدائه مشكل ، بل التبرّع عنه حينئذٍ أيضاً لا يخلو عن إشكال(2) في الحجّ الواجب .

(مسألة 26) : لا يجوز أن ينوب واحد عن اثنين أو أزيد في عام واحد ، وإن كان الأقوى فيه الصحّة(3) ، إلاّ إذا كان وجوبه عليهما على نحو الشركة ، كما إذا

ص: 332


1- - الظاهر عدم الجواز وعدم الكفاية كما مرّ .
2- - وإن كان الأقوى الصحّة ، بل جواز الاستئجار للمندوب قبل أداء الواجب إذا لم يخل بالواجب لا يخلو من قوّة ، والظاهر أنّ قوله : «في الحجّ الواجب» من اشتباه النسّاخ ، ولعلّ الأصل كان «مع الحجّ» فبدّل ب «في» أو كان قوله : «في الحجّ الواجب» مربوطاً بالمسألة الآتية ، وقوله : «وإن كان الأقوى فيه الصحّة» مربوطاً بهذه المسألة فقلّبهما الناسخ كما احتمله بعض الأجلّة .
3- - بل الأقوى عدم الصحّة ، وقد مرّ أنّ العبارة مغلوطة والشاهد عليها عدم تناسب الاستثناء وعدم مرجع لضمير وجوبه ، وأمّا إذا وضع قوله : «في الحجّ الواجب» ، مكان قوله : «وإن كان الأقوى فيه الصحّة» صارت العبارة سليمة والحكم صحيحاً .

نذر كلّ منهما أن يشترك مع الآخر في تحصيل الحجّ ، وأمّا في الحجّ المندوب فيجوز حجّ واحد عن جماعة بعنوان النيابة ، كما يجوز بعنوان إهداء الثواب ؛ لجملة من الأخبار الظاهرة في جواز النيابة أيضاً ، فلا داعي لحملها على خصوص إهداء الثواب .

(مسألة 27) : يجوز أن ينوب جماعة عن الميّت أو الحيّ في عام واحد في الحجّ المندوب تبرّعاً أو بالإجارة ، بل يجوز ذلك في الواجب أيضاً ، كما إذا كان على الميّت أو الحيّ الذي لا يتمكّن من المباشرة لعذر حجّان مختلفان نوعاً كحجّة الإسلام والنذر(1) ، أو متّحدان من حيث النوع كحجّتين للنذر ، فيجوز أن يستأجر أجيرين لهما في عام واحد ، وكذا يجوز إذا كان أحدهما واجباً ، والآخر مستحبّاً ، بل يجوز أن يستأجر أجيرين لحجّ واجب واحد كحجّة الإسلام في عام واحد احتياطاً ؛ لاحتمال بطلان حجّ أحدهما ، بل وكذا مع العلم بصحّة الحجّ من كلّ منهما ، وكلاهما آت بالحجّ الواجب ، وإن كان إحرام أحدهما قبل إحرام الآخر ، فهو مثل ما إذا صلّى جماعة على الميّت في وقت واحد ، ولا يضرّ سبق أحدهما بوجوب الآخر ، فإنّ الذمّة مشغولة ما لم يتمّ العمل ، فيصحّ قصد الوجوب من كلّ منهما ولو كان أحدهما أسبق شروعاً(2) .

فصل : في الوصيّة بالحجّ

(مسألة 1) : إذا أوصى بالحجّ ، فإن علم أ نّه واجب اُخرج من أصل التركة وإن كان بعنوان الوصيّة ، فلا يقال : مقتضى كونه بعنوانها خروجه من الثلث ، نعم لو

ص: 333


1- - مرّ الإشكال في جواز الاستنابة للحجّ النذري عن الحيّ المعذور .
2- - لكنّهما يراعيان التقارن في الختم .

صرّح بإخراجه من الثلث اُخرج منه ، فإن وفى به ، وإلاّ يكون الزائد من الأصل ، ولا فرق في الخروج من الأصل بين حجّة الإسلام والحجّ النذري والإفسادي ؛ لأ نّه بأقسامه واجب مالي وإجماعهم قائم على خروج كلّ واجب مالي من الأصل ، مع أنّ في بعض الأخبار أنّ الحجّ بمنزلة الدين ، ومن المعلوم خروجه من الأصل ، بل الأقوى خروج كلّ واجب(1) من الأصل وإن كان بدنياً كما مرّ سابقاً ، وإن علم أ نّه ندبي فلا إشكال في خروجه من الثلث ، وإن لم يعلم أحد الأمرين ففي خروجه من الأصل أو الثلث وجهان ؛ يظهر من سيّد «الرياض» خروجه من الأصل ؛ حيث إنّه وجّه كلام الصدوق الظاهر في كون جميع الوصايا من الأصل بأنّ مراده ما إذا لم يعلم كون الموصى به واجباً أو لا ، فإنّ مقتضى عمومات وجوب العمل بالوصيّة خروجها من الأصل ، خرج عنها صورة العلم بكونها ندبياً ، وحمل الخبر الدالّ بظاهره على ما عن الصدوق أيضاً على ذلك ، لكنّه مشكل ، فإنّ العمومات مخصّصة بما دلّ على أنّ الوصيّة بأزيد من الثلث تردّ إليه ، إلاّ مع إجازة الورثة ، هذا مع أنّ الشبهة مصداقية ، والتمسّك بالعمومات فيها محلّ إشكال ، وأمّا الخبر المشار إليه وهو قوله علیه السلام : «الرجل أحقّ بماله ما دام فيه الروح ، إن أوصى به كلّه فهو جائز» ، فهو موهون بإعراض العلماء عن العمل بظاهره ، ويمكن أن يكون المراد بماله هو الثلث الذي أمره بيده ، نعم يمكن أن يقال(2) في مثل هذه الأزمنة بالنسبة إلى هذه الأمكنة البعيدة عن مكّة : الظاهر من قول الموصي : حجّوا عنّي ، هو حجّة الإسلام الواجبة ؛ لعدم تعارف الحجّ

ص: 334


1- - الأقوى في الواجب البدني خروجه من الثلث إذا أوصى به .
2- - لكنّه غير وجيه ، خصوصاً بالنسبة إلى هذه الأزمنة ، بل الانصراف ممنوع في الخمس والزكاة أيضاً ، إلاّ أن تكون قرائن توجب الانصراف والظهور .

المستحبّي في هذه الأزمنة والأمكنة ، فيحمل على أ نّه واجب من جهة هذا الظهور والانصراف ، كما أ نّه إذا قال : أدّوا كذا مقداراً خمساً أو زكاة ، ينصرف إلى الواجب عليه ، فتحصّل أنّ في صورة الشكّ في كون الموصى به واجباً حتّى يخرج من أصل التركة ، أو لا حتّى يكون من الثلث ، مقتضى الأصل الخروج من الثلث ؛ لأنّ الخروج من الأصل موقوف على كونه واجباً وهو غير معلوم ، بل الأصل عدمه إلاّ إذا كان هناك انصراف كما في مثل الوصيّة بالخمس أو الزكاة أو الحجّ ونحوها ، نعم لو كانت الحالة السابقة فيه هو الوجوب كما إذا علم وجوب الحجّ عليه سابقاً ولم يعلم أ نّه أتى به أو لا ، فالظاهر جريان الاستصحاب والإخراج من الأصل ، ودعوى أنّ ذلك موقوف على ثبوت الوجوب عليه وهو فرع شكّه لا شكّ الوصيّ أو الوارث ولا يعلم أ نّه كان شاكّاً حين موته أو عالماً بأحد الأمرين مدفوعة(1) ؛ بمنع اعتبار شكّه ، بل يكفي شكّ الوصيّ أو الوارث أيضاً ، ولا فرق في ذلك بين ما إذا أوصى أو لم يوصِ ، فإنّ مقتضى أصالة بقاء اشتغال ذمّته بذلك الواجب عدم انتقال ما يقابله من التركة إلى الوارث ، ولكنّه يشكل على ذلك الأمر في كثير من الموارد لحصول العلم غالباً بأنّ الميّت كان مشغول الذمّة بدين أو خمس أو زكاة أو حجّ أو نحو ذلك ، إلاّ أن يدفع بالحمل على الصحّة ، فإنّ ظاهر حال المسلم الإتيان بما وجب عليه ، لكنّه مشكل في الواجبات الموسّعة ، بل في غيرها أيضاً في

ص: 335


1- - ما ذكره هاهنا ينافي ما اختاره في كتاب الزكاة ، وقد قوّى هذه الدعوى هناك ، كما أنّ إشكاله في جريان قاعدة الحمل على الصحّة ينافي ما اختاره هناك ، والأقوى جريان الاستصحاب وعدم جريان القاعدة فما ذكره هاهنا هو الموافق للقواعد مع تبديل قوله : «فالأحوط» ب «الأقوى» .

غير الموقّتة ، فالأحوط في هذه الصورة الإخراج من الأصل .

(مسألة 2) : يكفي الميقاتية ؛ سواء كان الحجّ الموصى به واجباً أو مندوباً ، ويخرج الأوّل من الأصل ، والثاني من الثلث ، إلاّ إذا أوصى بالبلدية ، وحينئذٍ فالزائد عن اُجرة الميقاتية في الأوّل من الثلث، كما أنّ تمام الاُجرة في الثاني منه.

(مسألة 3) : إذا لم يعيّن الاُجرة ، فاللازم(1) الاقتصار على اُجرة المثل ؛ للانصراف إليها ، ولكن إذا كان هناك من يرضى بالأقلّ منها وجب استئجاره ؛ إذ الانصراف إلى اُجرة المثل إنّما هو نفي الأزيد فقط ، وهل يجب الفحص عنه لو احتمل وجوده ؟ الأحوط ذلك(2) توفيراً على الورثة ، خصوصاً مع الظنّ بوجوده، وإن كان في وجوبه إشكال ، خصوصاً مع الظنّ بالعدم ، ولو وجد من يريد أن يتبرّع فالظاهر جواز الاكتفاء به ، بمعنى عدم وجوب المبادرة إلى الاستئجار ، بل هو المتعيّن(3) توفيراً على الورثة ، فإن أتى به صحيحاً كفى ، وإلاّ وجب الاستئجار ، ولو لم يوجد من يرضى باُجرة المثل ، فالظاهر وجوب دفع الأزيد إذا كان الحجّ واجباً ، بل وإن كان مندوباً أيضاً مع وفاء الثلث ، ولا يجب الصبر إلى العام القابل ولو مع العلم بوجود من يرضى باُجرة المثل أو أقلّ ، بل لا يجوز لوجوب المبادرة إلى تفريغ ذمّة الميّت في الواجب ، والعمل بمقتضى الوصيّة(4)

ص: 336


1- - على الوصيّ مع عدم رضا الورثة أو صغرهم ، وكذا في وجوب استئجار الأقلّ في الفرع التالي .
2- - لا يترك مع عدم رضا الورثة أو وجود قاصر فيهم ، بل وجوبه لا يخلو من قوّة ، خصوصاً مع الظنّ بوجوده ، نعم الظاهر عدم وجوب الفحص البليغ كما مرّ .
3- - فيه إشكال ، نعم هو الأحوط مع وجود قاصر في الورثة .
4- - وجوب المبادرة غير معلوم مع عدم الوصيّة بها ، ولو بانصراف من كلامه .

في المندوب ، وإن عيّن الموصي مقداراً للاُجرة تعيّن ، وخرج من الأصل في الواجب إن لم يزد على اُجرة المثل ، وإلاّ فالزيادة من الثلث ، كما أنّ في المندوب كلّه من الثلث .

(مسألة 4) : هل اللازم في تعيين اُجرة المثل الاقتصار على أقلّ الناس اُجرة أو يلاحظ اُجرة من يناسب شأن الميّت في شرفه وضعته؟ لا يبعد الثاني ، والأحوط الأظهر(1) الأوّل ، ومثل هذا الكلام يجري أيضاً في الكفن الخارج من الأصل أيضاً .

(مسألة 5) : لو أوصى بالحجّ وعيّن المرّة أو التكرار بعدد معيّن تعيّن ، وإن لم يعيّن كفى حجّ واحد ، إلاّ أن يعلم أ نّه أراد التكرار ، وعليه يحمل ما ورد في الأخبار من أ نّه يحجّ عنه ما دام له مال ، كما في خبرين ، أو ما بقي من ثلثه شيء كما في ثالث ، بعد حمل الأوّلين على الأخير من إرادة الثلث من لفظ المال ، فما عن الشيخ وجماعة من وجوب التكرار ما دام الثلث باقياً ضعيف ، مع أ نّه يمكن أن يكون المراد من الأخبار أ نّه يجب الحجّ ما دام يمكن الإتيان به ببقاء شيء من الثلث بعد العمل بوصايا اُخر ، وعلى فرض ظهورها في إرادة التكرار ولو مع عدم العلم بإرادته لا بدّ من طرحها لإعراض المشهور(2) عنها ، فلا ينبغي

ص: 337


1- - مرّ منه ما يخالف ذلك ومنّا ما يوافقه ، وفرض المسألة وجود قاصر أو غير راضٍ في الورثة ، وقد مرّ حكم الكفن في محلّه .
2- - بل قصور المستند ؛ فإنّ محمّد بن الحسن الأشعري لم يرد فيه توثيق ولم يثبت كونه وصيّاً لسعد بن سعد ، حتّى يستشهد به لوثاقته مع عدم كفاية ذلك أيضاً في الحكم بالوثاقة ، والخبران المذكوران في هذا الباب - مع كون الراوي نفسه - غير دالّين على كونه وصيّاً له لو لم يدلاّ على عدمه ، ومحمّد بن الحسين بن أبي خالد في الرواية الثالثة مجهول ، وظنّي أ نّه محمّد بن الحسن المتقدّم واشتبه النسخة ؛ لأنّ محمّد بن الحسن أيضاً ابن أبي خالد .

الإشكال في كفاية حجّ واحد مع عدم العلم بإرادة التكرار ، نعم لو أوصى بإخراج الثلث ولم يذكر إلاّ الحجّ يمكن أن يقال بوجوب صرف تمامه في الحجّ ، كما لو لم يذكر إلاّ المظالم أو إلاّ الزكاة أو إلاّ الخمس ، ولو أوصى أن يحجّ عنه مكرّراً كفى مرّتان ، لصدق التكرار معه .

(مسألة 6) : لو أوصى بصرف مقدار معيّن في الحجّ سنين معيّنة ، وعيّن لكلّ سنة مقداراً معيّناً واتّفق عدم كفاية ذلك المقدار لكلّ سنة ، صرف نصيب سنتين في سنة ، أو ثلاث سنين في سنتين - مثلاً - وهكذا ، لا لقاعدة الميسور ؛ لعدم جريانها في غير مجعولات الشارع ، بل لأنّ الظاهر من حال الموصي إرادة صرف ذلك المقدار في الحجّ وكون تعيين مقدار كلّ سنة بتخيّل كفايته ، ويدلّ عليه أيضاً خبر علي بن محمّد(1) الحضيني ، وخبر إبراهيم بن مهزيار ، ففي الأوّل : «تجعل حجّتين في حجّة» وفي الثاني : «تجعل ثلاث حجج في حجّتين» وكلاهما من باب المثال كما لا يخفى ، هذا ولو فضل من السنين فضلة لا تفي بحجّة(2) ، فهل ترجع ميراثاً ، أو في وجوه البرّ أو تزاد على اُجرة بعض السنين؟ وجوه ، ولو كان الموصى به الحجّ من البلد ودار الأمر بين جعل اُجرة سنتين مثلاً لسنة ، وبين الاستئجار بذلك المقدار من الميقات لكلّ سنة ففي تعيين الأوّل أو الثاني وجهان ، ولا يبعد التخيير ، بل أولوية الثاني ، إلاّ أنّ مقتضى إطلاق

ص: 338


1- - هذا الخبر أيضاً لإبراهيم بن مهزيار ، وهو أخبر عن مكاتبة الحضيني ولم يرو عنه .
2- - ولو من الميقات ، والأوجه حينئذٍ صرفها في وجوه الخير .

الخبرين(1) الأوّل ، هذا كلّه إذا لم يعلم من الموصي إرادة الحجّ بذلك المقدار على وجه التقييد ، وإلاّ فتبطل الوصيّة إذا لم يرجِ إمكان ذلك بالتأخير ، أو كانت الوصيّة مقيّدة بسنين معيّنة .

(مسألة 7) : إذا أوصى بالحجّ وعيّن الاُجرة في مقدار ، فإن كان الحجّ واجباً ولم يزد ذلك المقدار عن اُجرة المثل ، أو زاد وخرجت الزيادة من الثلث تعيّن ، وإن زاد ولم تخرج الزيادة من الثلث بطلت الوصيّة(2) ويرجع إلى اُجرة المثل ، وإن كان الحجّ مندوباً ، فكذلك تعيّن أيضاً مع وفاء الثلث بذلك المقدار ، وإلاّ فبقدر وفاء الثلث ، مع عدم كون التعيين على وجه التقييد ، وإن لم يفِ الثلث بالحجّ(3) أو كان التعيين على وجه التقييد بطلت الوصيّة ، وسقط وجوب الحجّ .

(مسألة 8) : إذا أوصى بالحجّ(4) وعيّن أجيراً معيّناً تعيّن استئجاره باُجرة المثل ، وإن لم يقبل إلاّ بالأزيد ، فإن خرجت الزيادة من الثلث تعيّن أيضاً ، وإلاّ بطلت الوصيّة ، واستؤجر غيره باُجرة المثل في الواجب مطلقاً ، وكذا في المندوب إذا وفى به الثلث ولم يكن على وجه التقييد ، وكذا إذا لم يقبل أصلاً .

(مسألة 9) : إذا عيّن للحجّ اُجرة لا يرغب فيها(5) أحد ، وكان الحجّ مستحبّاً ، بطلت الوصيّة ؛ إذا لم يرجِ وجود راغب فيها ، وحينئذٍ فهل ترجع ميراثاً ، أو

ص: 339


1- - وعليهما العمل .
2- - مع عدم إجازة الورثة ، وكذا في نظائر المسألة .
3- - حتّى من الميقات .
4- - أي الواجب ، وأمّا المندوب فاُجرته مطلقاً من الثلث .
5- - ولو للحجّ الميقاتي .

تصرف في وجوه البرّ ، أو يفصّل بين ما إذا كان كذلك من الأوّل فترجع ميراثاً ، أو كان الراغب موجوداً ثمّ طرأ التعذّر؟ وجوه ، والأقوى هو الصرف في وجوه البرّ ، لا لقاعدة الميسور ، بدعوى أنّ الفصل إذا تعذّر يبقى الجنس ؛ لأ نّها قاعدة شرعية ، وإنّما تجري في الأحكام الشرعية المجعولة للشارع ، ولا مسرح لها في مجعولات الناس ، كما أشرنا إليه سابقاً ، مع أنّ الجنس لا يعدّ ميسوراً للنوع ، فمحلّها المركّبات الخارجية إذا تعذّر بعض أجزائها ، ولو كانت ارتباطية ، بل لأنّ الظاهر من حال الموصي في أمثال المقام إرادة عمل ينفعه ، وإنّما عيّن عملاً خاصّاً لكونه أنفع في نظره من غيره ، فيكون تعيينه لمثل الحجّ على وجه تعدّد المطلوب وإن لم يكن متذكّراً لذلك حين الوصيّة ، نعم لو علم في مقام كونه على وجه التقييد في عالم اللبّ أيضاً يكون الحكم فيه الرجوع إلى الورثة ، ولا فرق في الصورتين بين كون التعذّر طارئاً أو من الأوّل ، ويؤيّد ما ذكرنا ما ورد من الأخبار في نظائر المقام ، بل يدلّ عليه خبر علي بن سويد عن الصادق علیه السلام قال قلت : مات رجل فأوصى بتركته أن أحجّ بها عنه ، فنظرت في ذلك فلم تكفِ للحجّ ، فسألت من عندنا من الفقهاء ، فقالوا : تصدّق بها ، فقال علیه السلام : «ما صنعت؟» قلت : تصدّقت بها فقال علیه السلام : «ضمنت إلاّ أن لا تكون تبلغ أن يحجّ بها من مكّة ، فإن كانت تبلغ أن يحجّ بها من مكّة فأنت ضامن» ، ويظهر ممّا ذكرنا حال سائر الموارد التي تبطل الوصيّة لجهة من الجهات ، هذا في غير ما إذا أوصى بالثلث وعيّن له مصارف وتعذّر بعضها ، وأمّا فيه فالأمر أوضح ؛ لأ نّه بتعيينه الثلث لنفسه أخرجه عن ملك الوارث بذلك فلا يعود إليه .

(مسألة 10) : إذا صالحه داره - مثلاً - وشرط عليه أن يحجّ عنه بعد موته صحّ ولزم ، وخرج من أصل التركة وإن كان الحجّ ندبياً ، ولا يلحقه حكم الوصيّة ،

ص: 340

ويظهر من المحقّق القمّي قدّس سرّه في نظير المقام إجراء حكم الوصيّة عليه ، بدعوى أ نّه بهذا الشرط ملك عليه الحجّ ، وهو عمل له اُجرة ، فيحسب مقدار اُجرة المثل لهذا العمل ، فإن كانت زائدة عن الثلث توقّف على إمضاء الورثة ، وفيه : أ نّه لم يملك عليه الحجّ مطلقاً في ذمّته ، ثمّ أوصى أن يجعله عنه ، بل إنّما ملك بالشرط الحجّ عنه ، وهذا ليس مالاً تملكه الورثة ، فليس تمليكاً ووصيّة ، وإنّما هو تمليك على نحو خاصّ لا ينتقل إلى الورثة ، وكذا الحال إذا ملّكه داره بمائة تومان(1) مثلاً بشرط أن يصرفها في الحجّ عنه أو عن غيره ، أو ملّكه إيّاها بشرط أن يبيعها ويصرف ثمنها في الحجّ أو نحوه ، فجميع ذلك صحيح لازم من الأصل ، وإن كان العمل المشروط عليه ندبياً ، نعم له الخيار(2) عند تخلّف الشرط ، وهذا ينتقل إلى الوارث ، بمعنى أنّ حقّ الشرط ينتقل إلى الوارث ، فلو لم يعمل المشروط عليه بما شرط عليه يجوز للوارث أن يفسخ المعاملة .

(مسألة 11) : لو أوصى بأن يحجّ عنه ماشياً أو حافياً صحّ واعتبر خروجه من الثلث إن كان ندبياً ، وخروج الزائد عن اُجرة(3) الميقاتية عنه إن كان واجباً ، ولو نذر في حال حياته أن يحجّ ماشياً أو حافياً ولم يأت به حتّى مات ، وأوصى به أو لم يوصِ وجب الاستئجار عنه من أصل التركة كذلك ، نعم لو كان نذره مقيّداً بالمشي ببدنه أمكن أن يقال بعدم وجوب(4) الاستئجار عنه ؛ لأنّ المنذور هو

ص: 341


1- - الظاهر صحّة قول المحقّق القمّي في هذا الفرض .
2- - مع عدم التمكّن من الإجبار على العمل ولو بالرجوع إلى الحاكم العرفي ، مع عدم الإمكان بوجه آخر .
3- - وكذا التفاوت بين اُجرة الحجّ ماشياً أو حافياً وبين غيرها .
4- - إلاّ إذا اُحرز تعدّد المطلوب .

مشيه ببدنه فيسقط بموته ؛ لأنّ مشي الأجير ليس ببدنه ، ففرق بين كون المباشرة قيداً في المأمور به أو مورداً .

(مسألة 12) : إذا أوصى بحجّتين أو أزيد ، وقال : إنّها واجبة عليه ، صدّق وتخرج من أصل التركة ، نعم لو كان إقراره بالوجوب عليه في مرض الموت وكان متّهماً في إقراره ، فالظاهر أ نّه كالإقرار بالدين فيه في خروجه من الثلث إذا كان متّهماً على ما هو الأقوى .

(مسألة 13) : لو مات الوصيّ بعد ما قبض من التركة اُجرة الاستئجار وشكّ في أ نّه استأجر الحجّ قبل موته أو لا ، فإن مضت مدّة يمكن الاستئجار فيها ، فالظاهر(1) حمل أمره على الصحّة مع كون الوجوب فوريّاً منه ، ومع كونه موسّعاً إشكال(2) ، وإن لم تمضِ مدّة يمكن الاستئجار فيها ، وجب الاستئجار من بقيّة التركة إذا كان الحجّ واجباً ، ومن بقيّة الثلث إذا كان مندوباً ، وفي ضمانه لما قبض وعدمه - لاحتمال تلفه عنده بلا ضمان - وجهان(3) ، نعم لو كان المال المقبوض موجوداً اُخذ(4) حتّى في الصورة الاُولى ، وإن احتمل أن يكون استأجر من مال نفسه ؛ إذا كان ممّا يحتاج إلى بيعه وصرفه في الاُجرة وتملّك ذلك المال بدلاً عمّا جعله اُجرة ؛ لأصالة بقاء ذلك المال على ملك الميّت .

(مسألة 14) : إذا قبض الوصيّ الاُجرة وتلف في يده بلا تقصير لم يكن

ص: 342


1- - محلّ إشكال بل منع .
2- - لا إشكال في وجوب الاستئجار .
3- - الأقوى عدم الضمان .
4- - لو عامل معه معاملة الملكية في حال حياته ، أو عامل الورثة كذلك ، لا يبعد عدم جواز الأخذ ، على إشكال خصوصاً في الأوّل .

ضامناً ، ووجب الاستئجار من بقيّة التركة أو بقيّة الثلث ، وإن اقتسمت على الورثة استرجع منهم ، وإن شكّ في كون التلف عن تقصير أو لا ، فالظاهر عدم الضمان أيضاً ، وكذا الحال(1) إن استأجر ومات الأجير ولم يكن له تركة أو لم يمكن الأخذ من ورثته .

(مسألة 15) : إذا أوصى بما عنده من المال للحجّ ندباً ، ولم يعلم أ نّه يخرج من الثلث أو لا ، لم يجز صرف جميعه ، نعم لو ادّعى أنّ عند الورثة ضعف هذا ، أو أ نّه أوصى سابقاً بذلك والورثة أجازوا وصيّته ، ففي سماع دعواه وعدمه وجهان(2) .

(مسألة 16) : من المعلوم أنّ الطواف مستحبّ مستقلاًّ من غير أن يكون في ضمن الحجّ ويجوز النيابة فيه عن الميّت ، وكذا عن الحيّ إذا كان غائباً عن مكّة أو حاضراً وكان معذوراً في الطواف بنفسه ، وأمّا مع كونه حاضراً وغير معذور فلا تصحّ النيابة عنه ، وأمّا سائر أفعال الحجّ فاستحبابها مستقلاًّ غير معلوم ، حتّى مثل السعي(3) بين الصفا والمروة .

(مسألة 17) : لو كان عند شخص وديعة ومات صاحبها ، وكان عليه حجّة الإسلام، وعلم أو ظنّ أنّ الورثة لا يؤدّون عنه إن ردّها إليهم، جاز بل وجب عليه أن يحجّ بها عنه ، وإن زادت عن اُجرة الحجّ ردّ الزيادة إليهم ؛ لصحيحة بريد(4)

ص: 343


1- - أي في وجوب الاستئجار من التركة .
2- - الظاهر سماع دعواه بما هو المعهود في باب الدعاوي ، لا بمعنى إنفاذ قوله مطلقاً .
3- - وإن يظهر من بعض الروايات استحبابه .
4- - في كون هذه الرواية صحيحة إشكال بكلا السندين ؛ لاحتمال كون سويد القلاّ غير سويد بن مسلم القلاّ الذي وثّقه جمع ، لكنّها معمول بها ، فالسند مجبور على فرض ضعفه ، بل المظنون اتّحادهما .

عن رجل استودعني مالاً فهلك ، وليس لوارثه شيء ولم يحجّ حجّة الإسلام ، قال علیه السلام : «حجّ عنه وما فضل فأعطهم» وهي وإن كانت مطلقة إلاّ أنّ الأصحاب قيّدوها بما إذا علم أو ظنّ بعدم تأديتهم لو دفعها إليهم ، ومقتضى إطلاقها عدم الحاجة إلى الاستئذان من الحاكم الشرعي ، ودعوى أنّ ذلك للإذن من الإمام علیه السلام كما ترى ؛ لأنّ الظاهر من كلام الإمام علیه السلام بيان الحكم الشرعي ، ففي مورد الصحيحة لا حاجة إلى الإذن من الحاكم(1) ، والظاهر عدم الاختصاص بما إذا لم يكن للورثة شيء ، وكذا عدم الاختصاص بحجّ الودعي بنفسه ؛ لانفهام الأعمّ من ذلك منها ، وهل يلحق بحجّة الإسلام غيرها من أقسام الحجّ الواجب أو غير الحجّ من سائر ما يجب عليه مثل الخمس والزكاة والمظالم والكفّارات والدين أو لا ؟ وكذا هل يلحق بالوديعة غيرها مثل العارية والعين المستأجرة والمغصوبة والدين في ذمّته أو لا ؟ وجهان ، قد يقال بالثاني ؛ لأنّ الحكم على خلاف القاعدة إذا قلنا : إنّ التركة مع الدين تنتقل إلى الوارث وإن كانوا مكلّفين بأداء الدين ، ومحجورين عن التصرّف قبله ، بل وكذا على القول ببقائها معه على حكم مال الميّت ؛ لأنّ أمر الوفاء إليهم ، فلعلّهم أرادوا الوفاء من غير هذا المال ، أو أرادوا أن يباشروا العمل الذي على الميّت بأنفسهم ، والأقوى(2) مع العلم بأنّ الورثة لا يؤدّون بل مع الظنّ القويّ أيضاً جواز الصرف فيما عليه ، لا لما ذكره في «المستند» ؛ من أنّ وفاء ما على الميّت من الدين أو نحوه واجب كفائي على كلّ من قدر على ذلك ، وأولوية الورثة بالتركة إنّما هي ما دامت

ص: 344


1- - الأحوط الاستئذان منه مع الإمكان .
2- - الإلحاق محلّ إشكال ، فالأحوط إرجاع الأمر إلى الحاكم وعدم استبداده به ، وكذا الحال في صورة الإنكار والامتناع .

موجودة ، وأمّا إذا بادر أحد إلى صرف المال فيما عليه لا يبقى مال حتّى تكون الورثة أولى به ، إذ هذه الدعوى فاسدة جدّاً ، بل لإمكان فهم المثال من الصحيحة ، أو دعوى تنقيح المناط ، أو أنّ المال إذا كان بحكم مال الميّت فيجب صرفه عليه ، ولا يجوز دفعه إلى من لا يصرفه عليه ، بل وكذا على القول بالانتقال إلى الورثة ، حيث إنّه يجب صرفه في دينه ، فمن باب الحسبة يجب على من عنده صرفه عليه ، ويضمن لو دفعه إلى الوارث لتفويته على الميّت ، نعم يجب الاستئذان من الحاكم لأ نّه وليّ من لا وليّ له ، ويكفي الإذن الإجمالي ، فلا يحتاج إلى إثبات وجوب ذلك الواجب عليه ، كما قد يتخيّل ، نعم لو لم يعلم ولم يظنّ عدم تأدية الوارث يجب الدفع إليه ، بل لو كان الوارث منكراً أو ممتنعاً وأمكن إثبات ذلك عند الحاكم ، أو أمكن إجباره عليه ، لم يجز لمن عنده أن يصرفه بنفسه .

(مسألة 18) : يجوز للنائب بعد الفراغ عن الأعمال للمنوب عنه أن يطوف عن نفسه وعن غيره ، وكذا يجوز له أن يأتي بالعمرة المفردة عن نفسه وعن غيره .

(مسألة 19) : يجوز لمن أعطاه رجل مالاً لاستئجار الحجّ أن يحجّ بنفسه ، ما لم يعلم(1) أنّه أراد الاستئجار من الغير ، والأحوط عدم مباشرته إلاّ مع العلم بأنّ مراد المعطي حصول الحجّ في الخارج ، وإذا عيّن شخصاً تعيّن ، إلاّ إذا علم عدم أهليته ، وأنّ المعطي مشتبه في تعيينه ، أو أنّ ذكره من باب أحد الأفراد .

ص: 345


1- - ولو بظهور لفظه في ذلك ، ومعه لا يجوز التخلّف إلاّ مع الاطمئنان بالخلاف .

فصل : في الحجّ المندوب

(مسألة 1) : يستحبّ لفاقد الشرائط من البلوغ والاستطاعة وغيرهما أن يحجّ مهما أمكن ، بل وكذا من أتى بوظيفته من الحجّ الواجب ، ويستحبّ تكرار الحجّ ، بل يستحبّ تكراره في كلّ سنة ، بل يكره تركه خمس سنين متوالية ، وفي بعض الأخبار : «من حجّ ثلاث حجّات لم يصبه فقر أبداً» .

(مسألة 2) : يستحبّ نيّة العود إلى الحجّ عند الخروج من مكّة ، وفي الخبر : إنّها توجب الزيادة في العمر ، ويكره نيّة عدم العود ، وفيه : أ نّها توجب النقص في العمر .

(مسألة 3) : يستحبّ التبرّع بالحجّ عن الأقارب وغيرهم أحياءً وأمواتاً ، وكذا عن المعصومين علیهم السلام أحياءً وأمواتاً ، وكذا يستحبّ الطواف عن الغير وعن المعصومين علیهم السلام أمواتاً وأحياءً مع عدم حضورهم في مكّة ، أو كونهم معذورين .

(مسألة 4) : يستحبّ لمن ليس له زاد وراحلة أن يستقرض ويحجّ إذا كان واثقاً بالوفاء بعد ذلك .

(مسألة 5) : يستحبّ إحجاج من لا استطاعة له(1) .

(مسألة 6) : يجوز إعطاء الزكاة لمن لا يستطيع الحجّ ليحجّ بها .

(مسألة 7) : الحجّ أفضل من الصدقة بنفقته .

(مسألة 8) : يستحبّ كثرة الإنفاق في الحجّ ، وفي بعض الأخبار : «إنّ اللّه يبغض الإسراف إلاّ بالحجّ والعمرة» .

ص: 346


1- - بل مطلقاً .

(مسألة 9) : يجوز الحجّ بالمال المشتبه كجوائز الظلمة مع عدم العلم بحرمتها .

(مسألة 10) : لا يجوز الحجّ بالمال الحرام ، لكن لا يبطل الحجّ إذا كان(1) لباس إحرامه ، وطوافه وثمن هديه من حلال .

(مسألة 11) : يشترط(2) في الحجّ الندبي إذن الزوج والمولى ، بل الأبوين في بعض الصور ، ويشترط أيضاً أن لا يكون عليه حجّ واجب مضيّق ، لكن لو عصى وحجّ صحّ .

(مسألة 12) : يجوز إهداء ثواب الحجّ إلى الغير بعد الفراغ عنه ،كما يجوز أن يكون ذلك من نيّته قبل الشروع فيه .

(مسألة 13) : يستحبّ لمن لا مال له يحجّ به أن يأتي به ولو بإجارة نفسه عن غيره ، وفي بعض الأخبار : أنّ للأجير من الثواب تسعاً ، وللمنوب عنه واحد .

فصل : في أقسام العمرة

(مسألة 1) : تنقسم العمرة كالحجّ إلى واجب أصلي وعرضي ومندوب ، فتجب بأصل الشرع على كلّ مكلّف بالشرائط المعتبرة في الحجّ في العمر مرّة بالكتاب والسنّة والإجماع ، ففي صحيحة زرارة : «العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحجّ ، فإنّ اللّه تعالى يقول : )وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ للّه ِ(» . وفي صحيحة الفضيل في قول اللّه تعالى : (وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ) ، قال علیه السلام : «هما

ص: 347


1- - مرّ الكلام في اللباس وثمن الهدي .
2- - مرّ الكلام في هذه المسألة صدراً وذيلاً .

مفروضان» ووجوبها بعد تحقّق الشرائط فوري كالحجّ ، ولا يشترط في وجوبها استطاعة الحجّ ، بل تكفي استطاعتها في وجوبها ، وإن لم تتحقّق استطاعة الحجّ ، كما أنّ العكس كذلك ، فلو استطاع للحجّ دونها وجب دونها ، والقول باعتبار الاستطاعتين في وجوب كلّ منهما وأ نّهما مرتبطان ضعيف ، كالقول باستقلال الحجّ في الوجوب دون العمرة .

(مسألة 2) : تجزي العمرة المتمتّع بها عن العمرة المفردة بالإجماع والأخبار . وهل تجب على من وظيفته حجّ التمتّع إذا استطاع لها ولم يكن مستطيعاً للحجّ ؟ المشهور عدمه ، بل أرسله بعضهم إرسال المسلّمات وهو الأقوى ، وعلى هذا فلا تجب على الأجير بعد فراغه عن عمل النيابة وإن كان مستطيعاً لها وهو في مكّة ، وكذا لا تجب على من تمكّن منها ولم يتمكّن من الحجّ لمانع ، ولكن الأحوط الإتيان بها .

(مسألة 3) : قد تجب العمرة بالنذر(1) والحلف والعهد والشرط في ضمن العقد والإجارة والإفساد ، وتجب أيضاً لدخول مكّة ؛ بمعنى حرمته بدونها ، فإنّه لا يجوز دخولها إلاّ محرماً إلاّ بالنسبة إلى من يتكرّر(2) دخوله وخروجه كالحطّاب والحشّاش ، وما عدا ما ذكر مندوب ، ويستحبّ تكرارها كالحجّ ، واختلفوا في مقدار الفصل بين العمرتين فقيل : يعتبر شهر ، وقيل : عشرة أيّام ،

ص: 348


1- - قد مرّ منّا الإشكال في صيرورة المنذور وشبهه واجباً ، والأمر سهل .
2- - إذا كان مقتضى شغله التكرّر نظير المثالين ، وأمّا مطلق من يتكرّر منه ذلك فمشكل ، ثمّ إنّ الاستثناء لا ينحصر بذلك ، بل يستثنى موارد اُخر كالمريض والمبطون وغيرهما المذكور في محلّه .

والأقوى(1) عدم اعتبار فصل ، فيجوز إتيانها كلّ يوم ، وتفصيل المطلب موكول إلى محلّه .

فصل : في أقسام الحجّ

وهي ثلاثة بالإجماع والأخبار : تمتّع وقران وإفراد ، والأوّل فرض من كان بعيداً عن مكّة ، والآخران فرض من كان حاضراً ؛ أي غير بعيد ، وحدّ البعد الموجب للأوّل ثمانية وأربعون ميلاً من كلّ جانب على المشهور(2) الأقوى ؛ لصحيحة زرارة عن أبي جعفر uقلت له قول اللّه عزّ وجلّ في كتابه : (ذَلِكَ لِمَن لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى المَسْجِدِ الحَرَامِ) . فقال علیه السلام : «يعني أهل مكّة ليس عليهم متعة ، كلّ من كان أهله دون ثمانية وأربعين ميلاً ذات عرق وعسفان كما يدور حول مكّة ، فهو ممّن دخل في هذه الآية ، وكلّ من كان أهله وراء ذلك فعليه المتعة» . وخبره عنه علیه السلام سألته عن قول اللّه عزّ وجلّ (ذَلِكَ . . .) إلى آخرها ، قال : «لأهل مكّة ليس لهم متعة ولا عليهم عمرة» قلت : فما حدّ ذلك؟ قال : «ثمانية وأربعون ميلاً من جميع نواحي مكّة دون عسفان وذات عرق»، ويستفاد أيضاً من جملة(3) من أخبار اُخر . والقول بأنّ حدّه اثنا عشر ميلاً من كلّ جانب كما عليه جماعة ضعيف ، لا دليل عليه إلاّ الأصل ، فإنّ مقتضى جملة من الأخبار وجوب التمتّع على كلّ أحد(4) ، والقدر المتيقّن الخارج منها من كان

ص: 349


1- - الأحوط فيما دون الشهر الإتيان بها رجاءً .
2- - الشهرة غير معلومة .
3- - محلّ تأمّل .
4- - محلّ إشكال .

دون الحدّ المذكور ، وهو مقطوع بما مرّ ، أو دعوى : أنّ الحاضر مقابل للمسافر ، والسفر أربعة فراسخ ، وهو كما ترى ، أو دعوى : أنّ الحاضر المعلّق عليه وجوب غير التمتّع أمر عرفي ، والعرف لا يساعد على أزيد من اثني عشر ميلاً ، وهذا أيضاً كما ترى ، كما أنّ دعوى : أنّ المراد من ثمانية وأربعين التوزيع على الجهات الأربع فيكون من كلّ جهة اثنا عشر ميلاً منافية لظاهر تلك الأخبار ، وأمّا صحيحة حريز الدالّة على أنّ حدّ البعد ثمانية عشر ميلاً فلا عامل بها ، كما لا عامل(1) بصحيحتي حمّاد بن عثمان والحلبي الدالّتين على أنّ الحاضر من كان دون المواقيت إلى مكّة ، وهل يعتبر الحدّ المذكور من مكّة أو من المسجد؟ وجهان ، أقربهما الأوّل ، ومن كان على نفس الحدّ فالظاهر أنّ وظيفته التمتّع ؛ لتعليق حكم الإفراد والقران على ما دون الحدّ ، ولو شكّ في كون منزله في الحدّ أو خارجه وجب عليه الفحص ، ومع عدم تمكّنه يراعي الاحتياط ، وإن كان لا يبعد(2) القول بأ نّه يجري عليه حكم الخارج فيجب عليه التمتّع ؛ لأنّ غيره معلّق على عنوان الحاضر ، وهو مشكوك فيكون كما لو شكّ في أنّ المسافة ثمانية فراسخ أو لا ، فإنّه يصلّي تماماً ؛ لأنّ القصر معلّق على السفر وهو مشكوك ، ثمّ ما ذكر إنّما هو بالنسبة إلى حجّة الإسلام ؛ حيث لا يجزي للبعيد إلاّ التمتّع ، ولا للحاضر إلاّ الإفراد أو القران ، وأمّا بالنسبة إلى الحجّ الندبي فيجوز لكلّ من البعيد والحاضر كلّ من الأقسام الثلاثة بلا إشكال ، وإن كان الأفضل اختيار التمتّع ،

ص: 350


1- - وجّههما في «الوسائل» بما يوافق روايتي زرارة ، وهو مع صدق دعواه وجيه .
2- - فيه إشكال ظاهر ، وقياسه مع الفارق ، بل المقام أسوأ حالاً من التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقية ، لما مرّ من الإشكال في ثبوت عامّ خالٍ عن المناقشة .

وكذا بالنسبة إلى الواجب غير حجّة الإسلام كالحجّ النذري(1) وغيره .

(مسألة 1) : من كان له وطنان : أحدهما في الحدّ ، والآخر في خارجه لزمه فرض أغلبهما(2) ؛ لصحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام : «من أقام بمكّة سنتين فهو من أهل مكّة ولا متعة له» فقلت لأبي جعفر علیه السلام : أرأيت إن كان له أهل بالعراق وأهل بمكّة؟ فقال علیه السلام : «فلينظر أيّهما الغالب»، فإن تساويا فإن كان مستطيعاً من كلّ منهما تخيّر بين الوظيفتين وإن كان الأفضل اختيار التمتّع ، وإن كان مستطيعاً من أحدهما دون الآخر لزمه فرض وطن الاستطاعة .

(مسألة 2) : من كان من أهل مكّة وخرج إلى بعض الأمصار ثمّ رجع إليها فالمشهور جواز حجّ التمتّع له ، وكونه مخيّراً بين الوظيفتين ، واستدلّوا بصحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج عن أبي عبداللّه علیه السلام عن رجل من أهل مكّة يخرج إلى بعض الأمصار ، ثمّ يرجع إلى مكّة فيمرّ ببعض المواقيت ؛ أله أن يتمتّع ؟ قال علیه السلام : «ما أزعم أنّ ذلك ليس له لو فعل ، وكان الإهلال أحبّ إليّ» ، ونحوها صحيحة اُخرى عنه وعن عبدالرحمن بن أعين عن أبي الحسن علیه السلام . وعن ابن أبي عقيل عدم جواز ذلك ، وأ نّه يتعيّن عليه فرض المكّي إذا كان الحجّ واجباً عليه ، وتبعه جماعة ؛ لما دلّ من الأخبار على أ نّه لا متعة لأهل مكّة . وحملوا الخبرين على الحجّ الندبي بقرينة ذيل الخبر الثاني ، ولا يبعد قوّة هذا القول مع أ نّه أحوط ؛ لأنّ الأمر دائر بين التخيير والتعيين ، ومقتضى الاشتغال هو الثاني ، خصوصاً إذا

ص: 351


1- - أي له نذر أيّ قسم شاء ، وكذا حال شقيقيه ، وهو المراد من غيره لا الإفسادي ؛ لأ نّه تابع لما أفسده .
2- - مع عدم إقامة سنتين بمكّة .

كان مستطيعاً حال كونه في مكّة فخرج قبل الإتيان بالحجّ ، بل يمكن(1) أن يقال : إنّ محلّ كلامهم صورة حصول الاستطاعة بعد الخروج عنها ، وأمّا إذا كان مستطيعاً فيها قبل خروجه منها فيتعيّن عليه فرض أهلها .

(مسألة 3) : الآفاقي إذا صار مقيماً في مكّة ، فإن كان ذلك بعد استطاعته ووجوب التمتّع عليه ، فلا إشكال في بقاء حكمه ؛ سواء كانت إقامته بقصد التوطّن أو المجاورة ولو بأزيد من سنتين ، وأمّا إذا لم يكن مستطيعاً ثمّ استطاع بعد إقامته في مكّة ، فلا إشكال في انقلاب فرضه إلى فرض المكّي في الجملة ، كما لا إشكال في عدم الانقلاب بمجرّد الإقامة ، وإنّما الكلام في الحدّ الذي به يتحقّق الانقلاب ، فالأقوى ما هو المشهور من أ نّه بعد الدخول في السنة الثالثة ؛ لصحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام : «من أقام بمكّة سنتين فهو من أهل مكّة ولا متعة له . . . » إلى آخره ، وصحيحة عمر بن يزيد عن الصادق علیه السلام : «المجاور بمكّة يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ إلى سنتين ، فإذا جاور سنتين كان قاطناً ، وليس له أن يتمتّع» ، وقيل بأ نّه بعد الدخول في الثانية ؛ لجملة من الأخبار ، وهو ضعيف لضعفها بإعراض المشهور عنها ، مع أنّ القول الأوّل موافق للأصل ، وأمّا القول بأ نّه بعد تمام ثلاث سنين ، فلا دليل عليه ، إلاّ الأصل المقطوع بما ذكر ، مع أنّ القول به غير محقّق ؛ لاحتمال إرجاعه إلى القول المشهور بإرادة الدخول في السنة الثالثة ، وأمّا الأخبار الدالّة على أ نّه بعد ستّة أشهر أو بعد خمسة أشهر فلا عامل بها مع احتمال صدورها تقيّة ، وإمكان حملها على محامل اُخر ، والظاهر من الصحيحين اختصاص الحكم بما إذا كانت الإقامة بقصد المجاورة ، فلو كانت

ص: 352


1- - غير معلوم مع إطلاق كلامهم .

بقصد التوطّن فينقلب بعد قصده من الأوّل ، فما يظهر من بعضهم من كونها أعمّ لا وجه له . ومن الغريب ما عن آخر من الاختصاص بما إذا كانت بقصد التوطّن ، ثمّ الظاهر أنّ في صورة الانقلاب يلحقه حكم المكّي بالنسبة إلى الاستطاعة أيضاً ، فيكفي في وجوب الحجّ الاستطاعة من مكّة ولا يشترط فيه حصول الاستطاعة من بلده ، فلا وجه لما يظهر من صاحب «الجواهر» من اعتبار استطاعة النائي في وجوبه ؛ لعموم أدلّتها ، وأنّ الانقلاب إنّما أوجب تغيير نوع الحجّ ، وأمّا الشرط فعلى ما عليه فيعتبر بالنسبة إلى التمتّع ، هذا . ولو حصلت الاستطاعة بعد الإقامة في مكّة لكن قبل مضيّ السنتين ، فالظاهر أ نّه كما لو حصلت في بلده ، فيجب عليه التمتّع(1) ، ولو بقيت إلى السنة الثالثة أو أزيد ، فالمدار على حصولها بعد الانقلاب ، وأمّا المكّي إذا خرج إلى سائر الأمصار مقيماً بها فلا يلحقه حكمها في تعيّن التمتّع عليه ؛ لعدم الدليل وبطلان القياس ، إلاّ إذا كانت الإقامة فيها بقصد التوطّن وحصلت الاستطاعة بعده ، فإنّه يتعيّن عليه التمتّع بمقتضى القاعدة ولو في السنة الاُولى ، وأمّا إذا كانت بقصد المجاورة أو كانت الاستطاعة حاصلة في مكّة فلا ، نعم الظاهر دخوله حينئذٍ في المسألة السابقة ، فعلى القول بالتخيير فيها - كما عن المشهور - يتخيّر ، وعلى قول ابن أبي عقيل يتعيّن عليه وظيفة المكّي .

(مسألة 4) : المقيم في مكّة إذا وجب عليه التمتّع ، كما إذا كانت استطاعته في بلده ، أو استطاع في مكّة قبل انقلاب فرضه ، فالواجب عليه الخروج إلى

ص: 353


1- - وجوب التمتّع فرع وقوع الحجّ على فرض المبادرة إليه قبل تجاوز السنتين ، فالمدار على نفس الحجّ في سنة أوّل الاستطاعة لا على الاستطاعة .

الميقات لإحرام عمرة التمتّع ، واختلفوا في تعيين ميقاته على أقوال : أحدها : أ نّه مهلّ أرضه ، ذهب إليه جماعة ، بل ربما يسند إلى المشهور كما في «الحدائق» ؛ لخبر سماعة عن أبي الحسن علیه السلام سألته عن المجاور أ له أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ ؟ قال علیه السلام : «نعم يخرج إلى مهلّ أرضه فليلبّ إن شاء» المعتضد بجملة من الأخبار الواردة في الجاهل والناسي الدالّة على ذلك ، بدعوى عدم خصوصية للجهل والنسيان ، وأنّ ذلك لكونه مقتضى حكم التمتّع ، وبالأخبار الواردة في توقيت المواقيت ، وتخصيص كلّ قطر بواحد منها أو من مرّ عليها ، بعد دعوى أنّ الرجوع إلى الميقات غير المرور عليه . ثانيها : أ نّه أحد المواقيت المخصوصة ؛ مخيّراً بينها ، وإليه ذهب جماعة اُخرى ، لجملة اُخرى من الأخبار مؤيّدة بأخبار المواقيت ، بدعوى عدم استفادة خصوصية كلّ بقطر معيّن . ثالثها : أ نّه أدنى الحلّ ، نقل عن الحلبي ، وتبعه بعض متأخّري المتأخّرين لجملة ثالثة من الأخبار ، والأحوط الأوّل(1) وإن كان الأقوى الثاني ؛ لعدم فهم الخصوصية من خبر سماعة ، وأخبار الجاهل والناسي ، وأنّ ذكر المهلّ من باب أحد الأفراد ، ومنع خصوصية للمرور في الأخبار العامّة الدالّة على المواقيت ، وأمّا أخبار القول الثالث فمع ندرة العامل بها مقيّدة بأخبار المواقيت ، أو محمولة على صورة التعذّر . ثمّ الظاهر أنّ ما ذكرنا حكم كلّ(2) من كان في مكّة وأراد الإتيان بالتمتّع ولو مستحبّاً . هذا كلّه مع إمكان الرجوع إلى المواقيت ، وأمّا إذا تعذّر فيكفي الرجوع إلى أدنى الحلّ ، بل الأحوط الرجوع إلى ما يتمكّن من خارج الحرم ممّا

ص: 354


1- - لا يترك بل لا يخلو من قوّة .
2- - محلّ إشكال .

هو دون الميقات ، وإن لم يتمكّن من الخروج إلى أدنى الحلّ أحرم من موضعه ، والأحوط الخروج إلى ما يتمكّن .

فصل : في إجمال صورة حجّ التمتّع

فصل

صورة حجّ التمتّع على الإجمال أن يحرم في أشهر الحجّ من الميقات بالعمرة المتمتّع بها إلى الحجّ ، ثمّ يدخل مكّة فيطوف فيها بالبيت سبعاً ، ويصلّي ركعتين في المقام ، ثمّ يسعى لها بين الصفا والمروة سبعاً ، ثمّ يطوف للنساء احتياطاً وإن كان الأصحّ عدم وجوبه ، ويقصّر ، ثمّ ينشئ إحراماً للحجّ من مكّة في وقت يعلم أ نّه يدرك الوقوف بعرفة ، والأفضل إيقاعه يوم التروية(1) ، ثمّ يمضي إلى عرفات فيقف بها من الزوال إلى الغروب(2) ، ثمّ يفيض ويمضي منها إلى المشعر فيبيت فيه ويقف به بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس(3) ، ثمّ يمضي إلى منى فيرمي جمرة العقبة ، ثمّ ينحر أو يذبح هديه ويأكل منه(4) ، ثمّ يحلق(5) أو يقصّر فيحلّ من كلّ شيء إلاّ النساء ، والطيب ، والأحوط اجتناب الصيد أيضاً وإن كان الأقوى عدم حرمته عليه من حيث الإحرام ، ثمّ هو مخيّر بين أن يأتي إلى مكّة ليومه ، فيطوف طواف الحجّ ويصلّي ركعتيه ويسعى سعيه فيحلّ له الطيب ، ثمّ يطوف طواف النساء ويصلّي ركعتيه فتحلّ له النساء ، ثمّ يعود إلى منى لرمي الجمار فيبيت بها

ص: 355


1- - بعد صلاة الظهر على تفصيل ذكرنا في مناسك الحجّ .
2- - من يوم عرفة .
3- - من يوم النحر ، وكذا أعمال منى .
4- - على الأحوط وإن لا يجب على الأقوى .
5- - الأحوط تعيّن الحلق للصرورة ومن عقص رأسه والملبّد ، ويتعيّن التقصير على النساء .

ليالي التشريق وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر(1) ، ويرمي في أيّامها الجمار الثلاث ، وأن لا يأتي إلى مكّة ليومه ، بل يقيم بمنى حتّى يرمي جماره الثلاث يوم الحادي عشر ومثله يوم الثاني عشر ، ثمّ ينفر بعد الزوال إذا كان قد اتّقى النساء والصيد ، وإن أقام إلى النفر الثاني وهو الثالث عشر ولو قبل الزوال لكن بعد الرمي جاز أيضاً ، ثمّ عاد إلى مكّة للطوافين والسعي ولا إثم عليه في شيء من ذلك على الأصحّ ، كما أنّ الأصحّ الاجتزاء بالطواف والسعي تمام ذي الحجّة ، والأفضل الأحوط هو اختيار الأوّل ؛ بأن يمضي إلى مكّة يوم النحر ، بل لا ينبغي التأخير لغده فضلاً عن أيّام التشريق إلاّ لعذر .

ويشترط في حجّ التمتّع اُمور :

أحدها : النيّة ؛ بمعنى قصد الإتيان بهذا النوع من الحجّ حين الشروع في إحرام العمرة ، فلو لم ينوه أو نوى غيره أو تردّد في نيّته بينه وبين غيره لم يصحّ ، نعم في جملة من الأخبار : أ نّه لو أتى بعمرة مفردة في أشهر الحجّ جاز أن يتمتّع بها ، بل يستحبّ ذلك إذا بقي في مكّة إلى هلال ذي الحجّة ، ويتأكّد إذا بقي إلى يوم التروية ، بل عن القاضي وجوبه حينئذٍ ، ولكن الظاهر تحقّق الإجماع على خلافه ، ففي موثّق سماعة عن الصادق علیه السلام : «من حجّ معتمراً في شوّال ، ومن نيّته أن يعتمر ورجع إلى بلاده فلا بأس بذلك ، وإن هو أقام إلى الحجّ فهو متمتّع ؛ لأنّ أشهر الحجّ شوّال وذو القعدة وذو الحجّة ، فمن اعتمر فيهنّ فأقام إلى الحجّ فهي متعة ، ومن رجع إلى بلاده ولم يقم إلى الحجّ فهي عمرة ، وإن اعتمر في شهر رمضان أو قبله فأقام إلى الحجّ فليس بمتمتّع ، وإنّما هو مجاور أفرد العمرة ، فإن

ص: 356


1- - في بعض الصور .

هو أحبّ أن يتمتّع في أشهر الحجّ بالعمرة إلى الحجّ فليخرج منها حتّى يجاوز ذات عرق أو يتجاوز عسفان فيدخل متمتّعاً بعمرته إلى الحجّ ، فإن هو أحبّ أن يفرد الحجّ فليخرج إلى الجعرانة فيلبّي منها» . وفي صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبداللّه علیه السلام : «من اعتمر عمرة مفردة فله أن يخرج إلى أهله ، إلاّ أن يدركه خروج الناس يوم التروية» وفي قويّة عنه علیه السلام : «من دخل مكّة معتمراً مفرداً للحجّ فيقضي عمرته كان له ذلك ، وإن أقام إلى أن يدركه الحجّ كانت عمرته متعة» ، قال علیه السلام : «وليس تكون متعة إلاّ في أشهر الحجّ» وفي صحيحة عنه علیه السلام : «من دخل مكّة بعمرة فأقام إلى هلال ذي الحجّة فليس له أن يخرج حتّى يحجّ مع الناس» . وفي مرسل موسى بن القاسم : «من اعتمر في أشهر الحجّ فليتمتّع» ، إلى غير ذلك من الأخبار ، وقد عمل بها جماعة ، بل في «الجواهر» : لا أجد فيه خلافاً ، ومقتضاها صحّة التمتّع مع عدم قصده حين إتيان العمرة ، بل الظاهر من بعضها أ نّه يصير تمتّعاً قهراً من غير حاجة إلى نيّة التمتّع بها بعدها ، بل يمكن أن يستفاد منها أنّ التمتّع هو الحجّ عقيب عمرة وقعت في أشهر الحجّ بأيّ نحو أتى بها ، ولا بأس بالعمل بها ، لكن القدر المتيقّن منها هو الحجّ الندبي ، ففيما إذا وجب عليه التمتّع فأتى بعمرة مفردة ، ثمّ أراد أن يجعلها عمرة التمتّع ، يشكل الاجتزاء بذلك عمّا وجب عليه ؛ سواء كان حجّة الإسلام أو غيرها ممّا وجب بالنذر أو الاستئجار .

الثاني : أن يكون مجموع عمرته وحجّه في أشهر الحجّ ، فلو أتى بعمرته أو بعضها في غيرها لم يجز له أن يتمتّع بها ، وأشهر الحجّ : شوّال وذو القعدة وذو الحجّة بتمامه على الأصحّ ؛ لظاهر الآية وجملة من الأخبار كصحيحة معاوية بن عمّار ، وموثّقة سماعة وخبر زرارة ، فالقول بأنّها الشهران الأوّلان مع العشر

ص: 357

الأوّل من ذي الحجّة كما عن بعض أو مع ثمانية أيّام كما عن آخر ، أو مع تسعة أيّام وليلة يوم النحر إلى طلوع فجره كما عن ثالث ، أو إلى طلوع شمسه كما عن رابع ضعيف ، على أنّ الظاهر أنّ النزاع لفظي فإنّه لا إشكال في جواز إتيان بعض الأعمال إلى آخر ذي الحجّة فيمكن أن يكون مرادهم أنّ هذه الأوقات هي آخر الأوقات التي يمكن بها إدراك الحجّ .

(مسألة 1) : إذا أتى بالعمرة قبل أشهر الحجّ قاصداً بها التمتّع فقد عرفت عدم صحّتها تمتّعاً ، لكن هل تصحّ مفردة أو تبطل من الأصل؟ قولان ، اختار الثاني في «المدارك» ؛ لأنّ ما نواه لم يقع والمفردة لم ينوها ، وبعض اختار الأوّل ؛ لخبر الأحول عن أبي عبداللّه علیه السلام في رجل فرض الحجّ في غير أشهر الحجّ ، قال : «يجعلها عمرة» وقد يستشعر ذلك من خبر سعيد الأعرج قال أبو عبداللّه علیه السلام : «من تمتّع في أشهر الحجّ ثمّ أقام بمكّة حتّى يحضر الحجّ من قابل فعليه شاة ، وإن تمتّع في غير أشهر الحجّ ثمّ جاور حتّى يحضر الحجّ فليس عليه دم ، إنّما هي حجّة مفردة ، إنّما الأضحى على أهل الأمصار» . ومقتضى القاعدة(1) وإن كان هو ما ذكره صاحب «المدارك» لكن لا بأس بما ذكره ذلك البعض للخبرين .

الثالث : أن يكون الحجّ والعمرة في سنة واحدة كما هو المشهور المدّعى عليه الإجماع ؛ لأ نّه المتبادر من الأخبار المبيّنة لكيفية حجّ التمتّع ، ولقاعدة توقيفية العبادات ، وللأخبار الدالّة على دخول العمرة في الحجّ وارتباطها به ، والدالّة على عدم جواز الخروج من مكّة بعد العمرة قبل الإتيان بالحجّ ، بل وما

ص: 358


1- - لا يبعد أن يكون مقتضى القاعدة صحّتها ، ولكن الأحوط إتمامها رجاءً وعدم الاكتفاء بها عن العمرة الواجبة .

دلّ من الأخبار على ذهاب المتعة بزوال يوم التروية أو يوم عرفة ونحوها ، ولا ينافيها خبر سعيد الأعرج المتقدّم ، بدعوى : أنّ المراد من القابل فيه العام القابل فيدلّ على جواز إيقاع العمرة في سنة ، والحجّ في اُخرى ؛ لمنع ذلك ، بل المراد منه الشهر القابل على أ نّه لمعارضة الأدلّة السابقة غير قابل(1) ، وعلى هذا فلو أتى بالعمرة في عام وأخّر الحجّ إلى العام الآخر لم يصحّ تمتّعاً ؛ سواء أقام في مكّة إلى العام القابل ، أو رجع إلى أهله ثمّ عاد إليها ، وسواء أحلّ من إحرام عمرته أو بقي عليه إلى السنة الاُخرى ، ولا وجه لما عن «الدروس» من احتمال الصحّة في هذه الصورة . ثمّ المراد من كونهما في سنة واحدة أن يكونا معاً في أشهر الحجّ من سنة واحدة ، لا أن لا يكون بينهما أزيد من اثني عشر شهراً ، وحينئذٍ فلا يصحّ أيضاً لو أتى بعمرة التمتّع في أواخر ذي الحجّة ، وأتى بالحجّ في ذي الحجّة من العام القابل .

الرابع : أن يكون إحرام حجّه من بطن مكّة مع الاختيار ؛ للإجماع والأخبار ، وما في خبر إسحاق عن أبي الحسن علیه السلام من قوله : «كان أبي مجاوراً هاهنا فخرج يتلقّى بعض هؤلاء ، فلمّا رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحجّ ودخل وهو محرم بالحجّ» ؛ حيث إنّه ربما يستفاد منه جواز الإحرام بالحجّ من غير مكّة ، محمول على محامل أحسنها أنّ المراد بالحجّ عمرته ؛ حيث إنّها أوّل أعماله ، نعم يكفي أيّ موضع منها كان ولو في سككها ؛ للإجماع وخبر عمرو بن حريث عن الصادق علیه السلام من أين اُهلّ بالحجّ ؟ فقال : «إن شئت من رحلك ، وإن

ص: 359


1- - بل هو ضعيف السند بمحمّد بن سنان على الأصحّ ، والعمدة في الباب هي الشهرة المؤيّدة بدعوى الإجماع وعدم الدليل على الصحّة مع توقيفية العبادة ، وإلاّ فغيرها محلّ مناقشة .

شئت من المسجد ، وإن شئت من الطريق ، وأفضل مواضعها المسجد ، وأفضل مواضعه المقام أو الحجر» ، وقد يقال : أو تحت الميزاب(1) ، ولو تعذّر الإحرام من مكّة أحرم ممّا يتمكّن ، ولو أحرم من غيرها اختياراً متعمّداً بطل إحرامه ، ولو لم يتداركه بطل حجّه ، ولا يكفيه العود إليها بدون التجديد ، بل يجب أن يجدّده ؛ لأنّ إحرامه من غيرها كالعدم ، ولو أحرم من غيرها جهلاً أو نسياناً وجب العود إليها ، والتجديد مع الإمكان ، ومع عدمه جدّده في مكانه .

الخامس : ربما يقال(2) : إنّه يشترط فيه أن يكون مجموع عمرته وحجّه من واحد وعن واحد ، فلو استؤجر اثنان لحجّ التمتّع عن ميّت أحدهما لعمرته والاُخرى لحجّه لم يجز عنه ، وكذا لو حجّ شخص وجعل عمرته عن شخص وحجّه عن آخر لم يصحّ ، ولكنّه محلّ تأمّل ، بل ربما يظهر من خبر محمّد بن مسلم عن أبي جعفر uصحّة الثاني ؛ حيث قال : سألته عن رجل يحجّ عن أبيه أيتمتّع؟ قال : «نعم ، المتعة له والحجّ عن أبيه» .

(مسألة 2) : المشهور : أ نّه لا يجوز الخروج من مكّة بعد الإحلال من عمرة التمتّع قبل أن يأتي بالحجّ ، وأ نّه إذا أراد ذلك عليه أن يحرم بالحجّ فيخرج محرماً به ، وإن خرج محلاًّ ورجع بعد شهر فعليه أن يحرم بالعمرة ، وذلك لجملة

ص: 360


1- - أي قد يقال بالتخيير بين المقام وتحت الميزاب ، كما عن جماعة .
2- - وهو الأقوى ، والظاهر أنّ صحيحة محمّد بن مسلم إنّما هي في المستحبّ ممّا ورد فيه جواز التشريك بين الاثنين والجماعة وسوق السؤال يشهد بذلك ، فإنّ الظاهر أ نّه سئل عمّن يحجّ عن أبيه أيحجّ متمتّعاً أو لا ، فأجاب بأفضلية التمتّع وإمكان جعل حجّه لأبيه وعمرته لنفسه ، وهو في المستحبّات ، وإلاّ ففي المفروض لا بدّ من الإتيان حسب ما فات منه .

من الأخبار الناهية للخروج ، والدالّة على أ نّه مرتهن ومحتبس بالحجّ ، والدالّة على أ نّه لو أراد الخروج خرج ملبّياً بالحجّ ، والدالّة على أ نّه لو خرج محلاًّ فإن رجع في شهره دخل محلاًّ ، وإن رجع في غير شهره دخل محرماً ، والأقوى عدم حرمة(1) الخروج وجوازه محلاًّ ؛ حملاً للأخبار على الكراهة كما عن ابن إدريس وجماعة اُخرى بقرينة التعبير ب «لا اُحبّ» في بعض تلك الأخبار(2) ، وقوله uفي مرسلة الصدوق : «إذا أراد المتمتّع الخروج من مكّة إلى بعض المواضع فليس له ذلك ؛ لأ نّه مرتبط بالحجّ حتّى يقضيه ، إلاّ أن يعلم أنّه لا يفوته الحجّ» . ونحوه الرضوي ، بل وقوله uفي مرسل أبان : «ولا يتجاوز إلاّ على قدر ما لا تفوته عرفة» ؛ إذ هو وإن كان بعد قوله : «فيخرج محرماً» ، إلاّ أ نّه يمكن أن يستفاد منه أنّ المدار فوت الحجّ وعدمه ، بل يمكن أن يقال : إنّ المنساق من جميع الأخبار المانعة أنّ ذلك للتحفّظ عن عدم إدراك الحجّ وفوته ؛

ص: 361


1- - الأحوط عدم الخروج بلا حاجة ، ومعها يخرج محرماً بالحجّ على الأحوط ويرجع محرماً لأعمال الحجّ .
2- - هي صحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ يريد الخروج إلى الطائف قال : «يهلّ بالحجّ من مكّة ، وما اُحبّ أن يخرج منها إلاّ محرماً ، ولا يتجاوز الطائف أ نّها قريبة من مكّة» فهذه دلّت على جواز الخروج مطلقاً ولو لم يعرضه حاجة ، ودعوى : أنّ الخروج في هذا الموقع لا يكون إلاّ لحاجة لا محالة ممنوعة ، وإذا أراد الخروج يكون الإحرام غير واجب ؛ لقوله : «ما اُحبّ» وقوله : «لا يتجاوز الطائف أ نّها قريبة» دليل على أنّ النهي إرشادي لا مولوي ، فهذه الصحيحة وإن دلّت بوجوه على خلاف قول المشهور ويمكن استفادة الإرشادية من بعض روايات الباب غيرها أيضاً ، ولهذا لا يبعد المصير إلى قول الماتن ، لكن لا يترك الاحتياط المتقدّم مع ذلك .

لكون الخروج في معرض ذلك . وعلى هذا فيمكن دعوى عدم الكراهة أيضاً مع علمه بعدم فوات الحجّ منه ، نعم لا يجوز الخروج لا بنيّة العود أو مع العلم بفوات الحجّ منه إذا خرج ، ثمّ الظاهر أنّ الأمر بالإحرام إذا كان رجوعه بعد شهر إنّما هو من جهة أنّ لكلّ شهر عمرة لا أن يكون ذلك تعبّداً ، أو لفساد عمرته السابقة ، أو لأجل وجوب الإحرام على من دخل مكّة ، بل هو صريح(1) خبر إسحاق بن عمّار قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن المتمتّع يجيء فيقضي متعته ثمّ تبدو له حاجة فيخرج إلى المدينة أو إلى ذات عرق أو إلى بعض المنازل ، قال علیه السلام : «يرجع إلى مكّة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتّع فيه ؛ لأنّ لكلّ شهر عمرة ، وهو مرتهن بالحجّ . . .» إلى آخره ، وحينئذٍ فيكون الحكم بالإحرام إذا رجع بعد شهر على وجه الاستحباب لا الوجوب ؛ لأنّ العمرة التي هي وظيفة كلّ شهر ليست واجبة ، لكن في جملة من الأخبار كون المدار على الدخول في شهر الخروج أو بعده ، كصحيحتي حمّاد وحفص بن البختري ومرسلة الصدوق والرضوي ، وظاهرها الوجوب ، إلاّ أن تحمل على الغالب ؛ من كون الخروج بعد

ص: 362


1- - لكن في صحيحة حمّاد بن عيسى عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «إن رجع في شهره دخل مكّة بغير إحرام وإن دخل في غير الشهر دخل محرماً» ، قلت : فأيّ الإحرامين والمتعتين ؛ متعته الاُولى أو الأخيرة؟ قال : «الأخيرة هي عمرته وهي المحتبس بها التي وصلت بحجّته» ، فهذه تدلّ على أنّ العمرة الاُولى خرجت عن قابلية لحوقها بالحجّ ، فيكون إنشاء العمرة بعد شهر للحوقها بالحجّ وحصول الارتباط بينهما ، ويحتمل أن تكون العمرة الثانية موجبة لذلك ، فلو لم يأت بها ولو عصياناً بقيت الاُولى عمرة له ، وعلى أيّ حال لا يجوز الدخول بعد شهر بغير إحرام في غير موارد الاستثناء ، والأحوط أن يأتي بها بقصد ما في الذمّة .

العمرة بلا فصل ، لكنّه بعيد ، فلا يترك الاحتياط بالإحرام إذا كان الدخول في غير شهر الخروج ، بل القدر المتيقّن من جواز الدخول محلاًّ صورة كونه قبل مضيّ شهر من حين الإهلال ؛ أي الشروع في إحرام العمرة والإحلال منها ، ومن حين الخروج ؛ إذ الاحتمالات في الشهر ثلاثة : ثلاثون يوماً من حين الإهلال ، وثلاثون من حين الإحلال بمقتضى خبر إسحاق بن عمّار ، وثلاثون من حين الخروج بمقتضى هذه الأخبار ، بل من حيث احتمال كون المراد من الشهر في الأخبار هنا والأخبار الدالّة على أنّ لكلّ شهر عمرة ، الأشهر الاثني عشر المعروفة ، لا بمعنى ثلاثين يوماً ، ولازم ذلك أ نّه إذا كانت عمرته في آخر شهر من هذه الشهور فخرج ودخل في شهر آخر أن يكون عليه عمرة والأولى مراعاة الاحتياط من هذه الجهة أيضاً ، وظهر ممّا ذكرنا أنّ الاحتمالات ستّة : كون المدار على الإهلال ، أو الإحلال ، أو الخروج ، وعلى التقادير ، الشهر بمعنى ثلاثين يوماً أو أحد الأشهر المعروفة ، وعلى أيّ حال إذا ترك الإحرام مع الدخول في شهر آخر - ولو قلنا بحرمته - لا يكون موجباً لبطلان عمرته السابقة ، فيصحّ حجّه بعدها . ثمّ إنّ عدم جواز الخروج على القول به إنّما هو في غير حال الضرورة ، بل مطلق الحاجة ، وأمّا مع الضرورة أو الحاجة مع كون الإحرام بالحجّ غير ممكن أو حرجاً عليه فلا إشكال فيه ، وأيضاً الظاهر اختصاص المنع على القول به بالخروج إلى المواضع البعيدة(1) فلا بأس بالخروج إلى فرسخ أو فرسخين ، بل يمكن أن يقال باختصاصه بالخروج إلى خارج الحرم ، وإن كان الأحوط خلافه . ثمّ الظاهر أنّه لا فرق في المسألة بين الحجّ الواجب والمستحبّ ، فلو نوى التمتّع

ص: 363


1- - الأحوط عدم الخروج مطلقاً .

مستحبّاً ثمّ أتى بعمرته يكون مرتهناً بالحجّ ، ويكون حاله في الخروج محرماً أو محلاًّ ، والدخول كذلك ، كالحجّ الواجب . ثمّ إنّ سقوط وجوب الإحرام عمّن خرج محلاًّ ودخل قبل شهر مختصّ بما إذا أتى بعمرة بقصد التمتّع ، وأمّا من لم يكن سبق منه عمرة فيلحقه حكم من دخل مكّة في حرمة دخوله بغير الإحرام ، إلاّ مثل الحطّاب والحشّاش ونحوهما ، وأيضاً سقوطه إذا كان بعد العمرة قبل شهر إنّما هو على وجه الرخصة(1) بناءً على ما هو الأقوى من عدم اشتراط فصل شهر بين العمرتين ، فيجوز الدخول بإحرام قبل الشهر أيضاً ، ثمّ إذا دخل بإحرام فهل عمرة التمتّع هي العمرة الاُولى أو الأخيرة ، مقتضى حسنة حمّاد أ نّها الأخيرة المتّصلة بالحجّ ، وعليه لا يجب فيها طواف النساء ، وهل يجب حينئذٍ في الاُولى أو لا ؟ وجهان ؛ أقواهما نعم ، والأحوط الإتيان بطواف مردّد بين كونه للاُولى أو الثانية ، ثمّ الظاهر أ نّه لا إشكال(2) في جواز الخروج في أثناء عمرة التمتّع قبل الإحلال منها .

(مسألة 3) : لا يجوز لمن وظيفته التمتّع أن يعدل إلى غيره من القسمين الأخيرين اختياراً ، نعم إن ضاق وقته عن إتمام العمرة وإدراك الحجّ جاز له نقل النيّة إلى الإفراد ، وأن يأتي بالعمرة بعد الحجّ بلا خلاف ولا إشكال ، وإنّما الكلام في حدّ الضيق المسوّغ لذلك ، واختلفوا فيه على أقوال : أحدها : خوف فوات الاختياري من وقوف عرفة . الثاني : فوات الركن من الوقوف الاختياري ؛ وهو المسمّى منه . الثالث : فوات الاضطراري منه . الرابع : زوال يوم التروية . الخامس :

ص: 364


1- - مرّ الاحتياط فيه .
2- - فيه تأمّل .

غروبه . السادس : زوال يوم عرفة . السابع : التخيير بعد زوال يوم التروية بين العدول والإتمام إذا لم يخف الفوت ، والمنشأ اختلاف الأخبار فإنّها مختلفة أشدّ الاختلاف ، والأقوى أحد القولين الأوّلين ؛ لجملة مستفيضة من تلك الأخبار ، فإنّها يستفاد منها على اختلاف ألسنتها أنّ المناط في الإتمام عدم خوف فوت الوقوف بعرفة . منها : قوله علیه السلام في رواية يعقوب بن شعيب الميثمي : «لا بأس للمتمتّع إن لم يحرم من ليلة التروية متى ما تيسّر له ، ما لم يخف فوات الموقفين» ، وفي نسخة : «لا بأس للمتمتّع أن يحرم ليلة عرفة . . .» إلى آخرها .

وأمّا الأخبار المحدّدة بزوال يوم التروية أو بغروبه أو بليلة عرفة أو سحرها ، فمحمولة على صورة عدم إمكان الإدراك إلاّ قبل هذه الأوقات ، فإنّه مختلف باختلاف الأوقات والأحوال والأشخاص ، ويمكن حملها على التقيّة إذا لم يخرجوا مع الناس يوم التروية ، ويمكن كون الاختلاف لأجل التقيّة كما في أخبار الأوقات للصلوات ، وربما تحمل على تفاوت مراتب أفراد المتعة في الفضل بعد التخصيص بالحجّ المندوب ، فإنّ أفضل أنواع التمتّع أن تكون عمرته قبل ذي الحجّة ، ثمّ ما تكون عمرته قبل يوم التروية ، ثمّ ما يكون قبل يوم عرفة ، مع أ نّا لو أغمضنا عن الأخبار من جهة شدّة اختلافها وتعارضها نقول : مقتضى القاعدة هو ما ذكرنا ؛ لأنّ المفروض أنّ الواجب عليه هو التمتّع ، فما دام ممكناً لا يجوز العدول عنه ، والقدر المسلّم من جواز العدول صورة عدم إمكان إدراك الحجّ ، واللازم إدراك الاختياري من الوقوف ، فإنّ كفاية الاضطراري منه خلاف الأصل .

يبقى الكلام في ترجيح أحد القولين الأوّلين ، ولا يبعد رجحان أوّلهما ، بناءً على كون الواجب استيعاب تمام ما بين الزوال والغروب بالوقوف ، وإن كان

ص: 365

الركن هو المسمّى ، ولكن مع ذلك لا يخلو عن إشكال ، فإنّ من جملة الأخبار مرفوع سهل عن أبي عبداللّه علیه السلام في متمتّع دخل يوم عرفة ، قال : «متعته تامّة إلى أن يقطع الناس تلبيتهم» ؛ حيث إنّ قطع التلبية بزوال يوم عرفة ، وصحيحة جميل : «المتمتّع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة ، وله الحجّ إلى زوال الشمس من يوم النحر» ومقتضاهما كفاية إدراك مسمّى الوقوف الاختياري ، فإنّ من البعيد إتمام العمرة قبل الزوال من عرفة وإدراك الناس في أوّل الزوال بعرفات ، وأيضاً يصدق إدراك الموقف إذا أدركهم قبل الغروب إلاّ أن يمنع الصدق فإنّ المنساق منه إدراك تمام الواجب ، ويجاب عن المرفوعة والصحيحة بالشذوذ(1) كما ادّعي.

وقد يؤيّد القول الثالث - وهو كفاية إدراك الاضطراري من عرفة - بالأخبار الدالّة على أنّ من يأتي بعد إفاضة الناس من عرفات وأدركها ليلة النحر تمّ حجّه ، وفيه : أنّ موردها غير ما نحن فيه ؛ وهو عدم الإدراك من حيث هو ، وفيما نحن فيه يمكن الإدراك ، والمانع كونه في أثناء العمرة فلا يقاس بها ، نعم لو أتمّ عمرته في سعة الوقت ثمّ اتّفق أ نّه لم يدرك الاختياري من الوقوف كفاه الاضطراري ، ودخل في مورد تلك الأخبار ، بل لا يبعد دخول من اعتقد سعة الوقت فأتمّ عمرته ثمّ بان كون الوقت مضيّقاً في تلك الأخبار . ثمّ إنّ الظاهر عموم حكم المقام بالنسبة إلى الحجّ المندوب وشمول الأخبار له ، فلو نوى التمتّع ندباً ، وضاق وقته عن إتمام العمرة وإدراك الحجّ جاز له العدول إلى

ص: 366


1- - مع ضعف سند المرفوعة واحتمال كون المراد من الصحيحة - ولو جمعاً - أنّ المتمتّع له المتعة إلى إدراك زوال يوم عرفة مع الناس ، وأمّا خبر محمّد بن سرد ، فضعيف سنداً ودلالةً .

الإفراد ، وفي وجوب العمرة بعده إشكال ، والأقوى عدم وجوبها ، ولو علم من وظيفته التمتّع ضيق الوقت عن إتمام العمرة وإدراك الحجّ قبل أن يدخل في العمرة هل يجوز له العدول من الأوّل إلى الإفراد؟ فيه إشكال وإن كان غير بعيد ، ولو دخل في العمرة بنيّة التمتّع في سعة الوقت وأخّر الطواف والسعي متعمّداً إلى ضيق الوقت ففي جواز العدول وكفايته إشكال ، والأحوط العدول وعدم الاكتفاء إذا كان الحجّ واجباً عليه .

(مسألة 4) : اختلفوا في الحائض والنفساء إذا ضاق وقتهما عن الطهر وإتمام العمرة وإدراك الحجّ على أقوال :

أحدها : أنّ عليهما العدول إلى الإفراد والإتمام ، ثمّ الإتيان بعمرة بعد الحجّ ؛ لجملة من الأخبار .

الثاني : ما عن جماعة من أنّ عليهما ترك الطواف ، والإتيان بالسعي ، ثمّ الإحلال وإدراك الحجّ وقضاء طواف العمرة بعده ، فيكون عليهما الطواف ثلاث مرّات ؛ مرّة لقضاء طواف العمرة ومرّة للحجّ ، ومرّة للنساء ، ويدلّ على ما ذكروه أيضاً جملة من الأخبار .

الثالث : ما عن الإسكافي وبعض متأخّري المتأخّرين من التخيير بين الأمرين ؛ للجمع بين الطائفتين بذلك .

الرابع : التفصيل بين ما إذا كانت حائضاً قبل الإحرام فتعدل ، أو كانت طاهراً حال الشروع فيه ثمّ طرأ الحيض في الأثناء فتترك الطواف وتتمّ العمرة وتقضي بعد الحجّ ، اختاره بعض بدعوى : أ نّه مقتضى الجمع بين الطائفتين ؛ بشهادة خبر أبي بصير : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول في المرأة المتمتّعة إذا أحرمت وهي طاهر ثمّ حاضت قبل أن تقضي متعتها : «سعت ولم تطف حتّى تطهر ، ثمّ تقضي طوافها

ص: 367

وقد قضت عمرتها ، وإن أحرمت وهي حائض لم تسع ولم تطف حتّى تطهر» . وفي الرضوي علیه السلام : «إذا حاضت المرأة من قبل أن تحرم - إلى قوله علیه السلام - : وإن طهرت بعد الزوال يوم التروية فقد بطلت متعتها ، فتجعلها حجّة مفردة ، وإن حاضت بعد ما أحرمت سعت بين الصفا والمروة وفرغت من المناسك كلّها إلاّ الطواف بالبيت ، فإذا طهرت قضت الطواف بالبيت وهي متمتّعة بالعمرة إلى الحجّ ، وعليها طواف الحجّ وطواف العمرة وطواف النساء» . وقيل في توجيه الفرق بين الصورتين : أنّ في الصورة الاُولى لم تدرك شيئاً من أفعال العمرة طاهراً فعليها العدول إلى الإفراد ، بخلاف الصورة الثانية فإنّها أدركت بعض أفعالها طاهراً فتبني عليها وتقضي الطواف بعد الحجّ ، وعن المجلسي في وجه الفرق ما محصّله : أنّ في الصورة الاُولى لا تقدر على نيّة العمرة ؛ لأ نّها تعلم أ نّها لا تطهر للطواف وإدراك الحجّ ، بخلاف الصورة الثانية ، فإنّها حيث كانت طاهرة وقعت منها النيّة والدخول فيها .

الخامس : ما نقل عن بعض من أنّها تستنيب للطواف ثمّ تتمّ العمرة وتأتي بالحجّ ، لكن لم يعرف قائله ، والأقوى من هذه الأقوال هو القول الأوّل ؛ للفرقة الاُولى من الأخبار التي هي أرجح من الفرقة الثانية لشهرة العمل بها دونها ، وأمّا القول الثالث - وهو التخيير - فإن كان المراد منه الواقعي بدعوى كونه مقتضى الجمع بين الطائفتين ، ففيه : أنّهما يعدّان من المتعارضين ، والعرف لا يفهم التخيير منهما ، والجمع الدلالي فرع فهم العرف من ملاحظة الخبرين ذلك ، وإن كان المراد التخيير الظاهري العملي ، فهو فرع مكافئة الفرقتين ، والمفروض أنّ الفرقة الاُولى أرجح من حيث شهرة العمل بها ، وأمّا التفصيل المذكور فموهون بعدم العمل ، مع أنّ بعض أخبار القول الأوّل ظاهر في صورة كون الحيض بعد

ص: 368

الدخول في الإحرام ، نعم لو فرض كونها حائضاً حال الإحرام وعالمة بأ نّها لا تطهر لإدراك الحجّ يمكن أن يقال : يتعيّن عليها العدول إلى الإفراد من الأوّل ؛ لعدم فائدة في الدخول في العمرة ، ثمّ العدول إلى الحجّ ، وأمّا القول الخامس فلا وجه له ولا له قائل معلوم .

(مسألة 5) : إذا حدث الحيض وهي في أثناء طواف عمرة التمتّع ، فإن كان قبل تمام أربعة أشواط بطل طوافها على الأقوى ، وحينئذٍ فإن كان الوقت موسّعاً أتمّت عمرتها بعد الطهر ، وإلاّ فلتعدل إلى حجّ الإفراد ، وتأتي بعمرة مفردة بعده ، وإن كان بعد تمام أربعة أشواط فتقطع الطواف ، وبعد الطهر تأتي بالثلاثة الاُخرى وتسعى وتقصّر مع سعة الوقت ، ومع ضيقه تأتي بالسعي وتقصّر ، ثمّ تحرم للحجّ وتأتي بأفعاله ، ثمّ تقضي بقيّة طوافها قبل طواف الحجّ أو بعده ، ثمّ تأتي ببقيّة أعمال الحجّ ، وحجّها صحيح تمتّعاً ، وكذا الحال إذا حدث الحيض بعد الطواف وقبل صلاته .

فصل : في المواقيت

وهي المواضع المعيّنة للإحرام ، اُطلقت عليها مجازاً أو حقيقة متشرّعية ، والمذكور منها في جملة من الأخبار خمسة ، وفي بعضها ستّة ، ولكن المستفاد من مجموع الأخبار أنّ المواضع التي يجوز الإحرام منها عشرة :

أحدها : ذوالحليفة ، وهي ميقات أهل المدينة ومن يمرّ على طريقهم ، وهل هو مكان فيه مسجد الشجرة أو نفس المسجد؟ قولان ، وفي جملة من الأخبار أ نّه هو الشجرة ، وفي بعضها أ نّه مسجد الشجرة ، وعلى أيّ حال

ص: 369

فالأحوط(1) الاقتصار على المسجد إذ مع كونه هو المسجد فواضح ، ومع كونه مكاناً فيه المسجد فاللازم حمل المطلق على المقيّد ، لكن مع ذلك الأقوى جواز الإحرام من خارج المسجد ولو اختياراً ، وإن قلنا : إنّ ذا الحليفة هو المسجد ، وذلك لأ نّه مع الإحرام من جوانب المسجد يصدق الإحرام منه عرفاً ؛ إذ فرق بين الأمر بالإحرام من المسجد ، أو بالإحرام فيه ، هذا مع إمكان دعوى أنّ المسجد حدّ للإحرام فيشمل جانبيه مع محاذاته ، وإن شئت فقل المحاذاة كافية ولو مع القرب من الميقات .

(مسألة 1) : الأقوى عدم جواز التأخير إلى الجحفة وهي ميقات أهل الشام اختياراً ، نعم يجوز مع الضرورة ؛ لمرض أو ضعف أو غيرهما من الموانع ، لكن خصّها بعضهم بخصوص المرض والضعف لوجودهما في الأخبار ، فلا يلحق بهما غيرهما من الضرورات ، والظاهر إرادة المثال ، فالأقوى جوازه مع مطلق الضرورة .

(مسألة 2) : يجوز لأهل المدينة ومن أتاها ، العدول إلى ميقات آخر كالجحفة أو العقيق ، فعدم جواز التأخير إلى الجحفة إنّما هو إذا مشى من طريق ذي الحليفة ، بل الظاهر أ نّه لو أتى إلى ذي الحليفة ثمّ أراد الرجوع منه والمشي من طريق آخر جاز ، بل يجوز(2) أن يعدل عنه من غير رجوع ، فإنّ الذي لا يجوز هو التجاوز عن الميقات محلاًّ ، وإذا عدل إلى طريق آخر لا يكون مجاوزاً وإن كان ذلك وهو في ذي الحليفة ، وما في خبر إبراهيم بن عبدالحميد من المنع عن

ص: 370


1- - لا يترك بل لا يخلو من وجه ، وما في المتن لا يخلو من مناقشة بل مناقشات .
2- - فيه إشكال .

العدول إذا أتى المدينة - مع ضعفه - منزّل على الكراهة .

(مسألة 3) : الحائض تحرم خارج المسجد على المختار ، ويدلّ عليه - مضافاً إلى ما مرّ - مرسلة يونس(1) في كيفية إحرامها «ولا تدخل المسجد وتهلّ بالحجّ بغير صلاة» ، وأمّا على القول بالاختصاص بالمسجد فمع عدم إمكان صبرها إلى أن تطهر تدخل المسجد وتحرم في حال الاجتياز إن أمكن ، وإن لم يمكن لزحام أو غيره أحرمت خارج المسجد ، وجدّدت في الجحفة أو محاذاتها .

(مسألة 4) : إذا كان جنباً ولم يكن عنده ماء جاز له أن يحرم خارج المسجد ، والأحوط أن يتيمّم للدخول والإحرام ، ويتعيّن(2) ذلك على القول بتعيين المسجد ، وكذا الحائض إذا لم يكن لها ماء بعد نقائها .

الثاني : العقيق ، وهو ميقات أهل نجد والعراق ومن يمرّ عليه من غيرهم . وأوّله المسلخ ، وأوسطه غمرة ، وآخره ذات عرق . والمشهور : جواز الإحرام من جميع مواضعه اختياراً ، وأنّ الأفضل الإحرام من المسلخ ثمّ من غمرة ، والأحوط عدم التأخير إلى ذات عرق إلاّ لمرض أو تقيّة ، فإنّه ميقات العامّة ، لكنّ الأقوى ما هو المشهور ، ويجوز(3) في حال التقيّة الإحرام من أوّله قبل ذات عرق سرّاً من غير نزع ما عليه من الثياب إلى ذات عرق ، ثمّ إظهاره ولبس ثوبي الإحرام هناك ، بل هو الأحوط وإن أمكن تجرّده ولبس الثوبين سرّاً ثمّ نزعهما ولبس ثيابه إلى ذات عرق ، ثمّ التجرّد ولبس الثوبين فهو أولى .

ص: 371


1- - رواية يونس موثّقة ليس فيها إرسال ، ولعلّ المراد من المسجد فيها مسجد الحرام .
2- - إذا استلزم اللبث ، وإلاّ فلا يتعيّن .
3- - والأحوط ترك ذلك وتأخير الإحرام إلى ذات عرق ، بل عدم جواز ما ذكره وجعله أولى لا يخلو من قوّة .

الثالث : الجحفة ، وهي لأهل الشام ومصر ومغرب ومن يمرّ عليها من غيرهم ؛ إذا لم يحرم من الميقات السابق عليها .

الرابع : يلملم ، وهو لأهل اليمن .

الخامس : قرن المنازل ، وهو لأهل الطائف .

السادس : مكّة ، وهي لحجّ التمتّع .

السابع : دويرة الأهل - أي المنزل - وهي لمن كان منزله دون الميقات إلى مكّة ، بل لأهل مكّة أيضاً على المشهور الأقوى وإن استشكل فيه بعضهم ، فإنّهم يحرمون لحجّ القران والإفراد من مكّة ، بل وكذا المجاور الذي انتقل فرضه إلى فرض أهل مكّة ، وإن كان الأحوط إحرامه من الجعرانة ؛ وهي أحد مواضع أدنى الحلّ ، للصحيحين الواردين فيه ، المقتضي إطلاقهما عدم الفرق بين من انتقل فرضه أو لم ينتقل ، وإن كان القدر المتيقّن الثاني ، فلا يشمل ما نحن فيه ، لكن الأحوط ما ذكرنا عملاً بإطلاقهما ، والظاهر أنّ الإحرام من المنزل للمذكورين من باب الرخصة ، وإلاّ فيجوز لهم الإحرام من أحد المواقيت ، بل لعلّه أفضل ؛ لبعد المسافة وطول زمان الإحرام .

الثامن : فخّ ، وهو ميقات الصبيان في غير حجّ التمتّع عند جماعة ؛ بمعنى جواز تأخير إحرامهم إلى هذا المكان ، لا أ نّه يتعيّن ذلك ، ولكن الأحوط ما عن آخرين من وجوب كون إحرامهم من الميقات ، لكن لا يجرّدون إلاّ في فخّ ، ثمّ إنّ جواز التأخير على القول الأوّل إنّما هو إذا مرّوا على طريق المدينة ، وأمّا إذا سلكوا طريقاً لا يصل إلى فخّ فاللازم إحرامهم من ميقات البالغين .

التاسع : محاذاة أحد المواقيت الخمسة ، وهي ميقات من لم يمرّ على أحدها ، والدليل عليه صحيحتا ابن سنان ، ولا يضرّ اختصاصهما بمحاذاة مسجد الشجرة

ص: 372

بعد فهم المثالية منهما ، وعدم القول بالفصل ، ومقتضاهما محاذاة أبعد الميقاتين إلى مكّة إذا كان في طريق يحاذي اثنين ، فلا وجه للقول بكفاية أقربهما إلى مكّة . وتتحقّق المحاذاة بأن يصل في طريقه إلى مكّة إلى موضع يكون بينه وبين مكّة باب(1) ؛ وهي بين ذلك الميقات ومكّة بالخطّ المستقيم ، وبوجه آخر أن يكون الخطّ من موقفه إلى الميقات أقصر الخطوط في ذلك الطريق ، ثمّ إنّ المدار على صدق المحاذاة عرفاً ، فلا يكفي إذا كان بعيداً عنه فيعتبر فيها المسامتة كما لا يخفى ، واللازم حصول العلم بالمحاذاة إن أمكن ، وإلاّ فالظنّ الحاصل من قول أهل الخبرة ، ومع عدمه أيضاً فاللازم الذهاب إلى الميقات أو الإحرام من أوّل موضع احتماله واستمرار النيّة والتلبية إلى آخر مواضعه ، ولا يضرّ احتمال كون الإحرام قبل الميقات حينئذٍ - مع أ نّه لا يجوز - لأ نّه لا بأس به(2) إذا كان بعنوان الاحتياط ، ولا يجوز إجراء أصالة عدم الوصول إلى المحاذاة ، أو أصالة عدم وجوب الإحرام ؛ لأ نّهما لا يثبتان كون ما بعد ذلك محاذاة ، والمفروض لزوم كون إنشاء الإحرام من المحاذاة ، ويجوز لمثل هذا الشخص أن ينذر الإحرام قبل الميقات فيحرم في أوّل موضع الاحتمال أو قبله على ما سيأتي من جواز ذلك

ص: 373


1- - في العبارة اشتباه ، ولو كان مكان «باب» «مسافة» يكون المراد أنّ الضابط من المحاذاة هو الوصول إلى موضع تكون مسافته إلى مكّة كمسافة الميقات إليها ، ولازمه أن يكون كلّ من الميقات وذلك الموضع على محيط دائرة تكون مكّة مركزها وهو لا ينطبق على ضابطه الآخر ولا يكون صحيحاً عرفاً ولا عقلاً . والضابط الآخر صحيح ، فإنّ لازم كون الخطّ من موقفه إلى الميقات في ذلك الطريق أقصر الخطوط أن يكون الميقات على يمين المارّ أو شماله في ذلك الطريق ؛ بحيث لو جاز عنه مال إلى ورائه .
2- - فيه إشكال بل منع ، لو قلنا بحرمة الإحرام قبل الوصول إلى المحاذاة مع جريان الأصل الموضوعي أو الحكمي فيه ، فاللازم لمثل هذا الشخص التخلّص بالنذر .

مع النذر ، والأحوط في صورة الظنّ أيضاً عدم الاكتفاء به ، وإعمال أحد هذه الاُمور ، وإن كان الأقوى الاكتفاء ، بل الأحوط عدم الاكتفاء بالمحاذاة مع إمكان الذهاب إلى الميقات ، لكن الأقوى ما ذكرنا من جوازه مطلقاً ، ثمّ إن أحرم في موضع الظنّ(1) بالمحاذاة ولم يتبيّن الخلاف فلا إشكال ، وإن تبيّن بعد ذلك كونه قبل المحاذاة ولم يتجاوزه أعاد الإحرام ، وإن تبيّن كونه قبله وقد تجاوز أو تبيّن كونه بعده ، فإن أمكن العود والتجديد تعيّن ، وإلاّ فيكفي(2) في الصورة الثانية ويجدّد في الاُولى في مكانه ، والأولى التجديد مطلقاً ، ولا فرق في جواز الإحرام في المحاذاة بين البرّ والبحر .

ثمّ إنّ الظاهر أنّه لا يتصوّر طريق لا يمرّ على ميقات ، ولا يكون محاذياً لواحد منها ؛ إذ المواقيت محيطة بالحرم من الجوانب ، فلا بدّ من محاذاة واحد منها ، ولو فرض إمكان ذلك فاللازم الإحرام من أدنى الحلّ . وعن بعضهم أنّه يحرم من موضع يكون بينه وبين مكّة بقدر ما بينها وبين أقرب المواقيت إليها وهو مرحلتان ؛ لأ نّه لا يجوز لأحد قطعه إلاّ محرماً ، وفيه : أنّه لا دليل عليه ، لكن الأحوط(3) الإحرام منه وتجديده في أدنى الحلّ .

العاشر : أدنى الحلّ ، وهو ميقات العمرة المفردة بعد حجّ القران أو الإفراد ، بل لكلّ عمرة مفردة ، والأفضل أن يكون من الحديبية أو الجعرانة أو التنعيم فإنّها منصوصة ، وهي من حدود الحرم على اختلاف بينها في القرب والبعد ، فإنّ

ص: 374


1- - أو العلم به .
2- - إذا كان إحرامه قبل الحرم ، أو لم يمكن له الرجوع إلى خارج الحرم ، وإلاّ فيرجع إلى خارج الحرم فيحرم منه .
3- - بل الأحوط التخلّص بالنذر .

الحديبية بالتخفيف أو التشديد : بئر بقرب مكّة على طريق جدّة دون مرحلة ، ثمّ اُطلق على الموضع ، ويقال : نصفه في الحلّ ، ونصفه في الحرم ، والجعرانة بكسر الجيم والعين وتشديد الراء ، أو بكسر الجيم وسكون العين وتخفيف الراء : موضع بين مكّة والطائف على سبعة أميال ، والتنعيم : موضع قريب من مكّة وهو أقرب أطراف الحلّ إلى مكّة ، ويقال : بينه وبين مكّة أربعة أميال ، ويعرف بمسجد عائشة ، كذا في «مجمع البحرين» ، وأمّا المواقيت الخمسة فعن العلاّمة في «المنتهى» أنّ أبعدها من مكّة ذو الحليفة ، فإنّها على عشرة مراحل من مكّة ، ويليه في البعد الجحفة ، والمواقيت الثلاثة الباقية على مسافة واحدة ، بينها وبين مكّة ليلتان قاصدتان ، وقيل : إنّ الجحفة على ثلاث مراحل من مكّة .

(مسألة 5) : كلّ من حجّ أو اعتمر على طريق فميقاته ميقات أهل ذلك الطريق ، وإن كان مهلّ أرضه غيره ، كما أشرنا إليه سابقاً ، فلا يتعيّن أن يحرم من مهلّ أرضه ؛ بالإجماع والنصوص ، منها صحيحة صفوان : «أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وقّت المواقيت لأهلها ومن أتى عليها من غير أهلها» .

(مسألة 6) : قد علم ممّا مرّ أنّ ميقات حجّ التمتّع مكّة ؛ واجباً كان أو مستحبّاً ، من الآفاقي أو من أهل مكّة ، وميقات عمرته أحد المواقيت(1) الخمسة أو محاذاتها كذلك أيضاً ، وميقات حجّ القران والإفراد أحد تلك المواقيت مطلقاً أيضاً ، إلاّ إذا(2) كان منزله دون الميقات أو مكّة ، فميقاته منزله ، ويجوز من أحد تلك المواقيت أيضاً ، بل هو الأفضل ، وميقات عمرتهما أدنى الحلّ إذا كان في

ص: 375


1- - بالتفصيل المتقدّم .
2- - وكذا الحال في المتمتّع .

مكّة ، ويجوز من أحد المواقيت أيضاً ، وإذا لم يكن في مكّة فيتعيّن أحدها(1) ، وكذا الحكم في العمرة المفردة ؛ مستحبّة كانت أو واجبة ، وإن نذر الإحرام من ميقات معيّن تعيّن ، والمجاور بمكّة بعد السنتين حاله حال أهلها ، وقبل ذلك حاله حال النائي ، فإذا أراد حجّ الإفراد أو القران يكون ميقاته أحد الخمسة أو محاذاتها ، وإذا أراد العمرة المفردة جاز إحرامها من أدنى الحلّ .

فصل : في أحكام المواقيت

(مسألة 1) : لا يجوز الإحرام قبل المواقيت ، ولا ينعقد ، ولا يكفي المرور عليها محرماً ، بل لا بدّ من إنشائه جديداً ، ففي خبر ميسرة : دخلت على أبي عبداللّه علیه السلام وأنا متغيّر اللون ، فقال علیه السلام : «من أين أحرمت بالحجّ ؟» فقلت : من موضع كذا وكذا ، فقال علیه السلام : «ربّ طالب خير يزلّ قدمه» ، ثمّ قال : «أيسرّك إن صلّيت الظهر في السفر أربعاً؟» قلت : لا ، قال : «فهو واللّه ذاك» نعم يستثنى من ذلك موضعان :

أحدهما : إذا نذر الإحرام قبل الميقات ، فإنّه يجوز ويصحّ للنصوص ، منها : خبر أبي بصير عن أبي عبداللّه علیه السلام : «لو أنّ عبداً أنعم اللّه تعالى عليه نعمة أو ابتلاه ببليّة فعافاه من تلك البليّة فجعل على نفسه أن يحرم من خراسان كان عليه أن يتمّ» ولا يضرّ عدم رجحان ذلك ، بل مرجوحيته قبل النذر ، مع أنّ اللازم كون متعلّق النذر راجحاً ، وذلك لاستكشاف رجحانه بشرط النذر من الأخبار ، واللازم رجحانه حين العمل ولو كان ذلك للنذر ، ونظيره مسألة الصوم في السفر المرجوح أو المحرّم من حيث هو مع صحّته ورجحانه بالنذر ، ولا بدّ من دليل

ص: 376


1- - أو منزله إذا كان أقرب .

يدلّ على كونه راجحاً بشرط النذر ، فلا يرد : أنّ لازم ذلك صحّة نذر كلّ مكروه أو محرّم ، وفي المقامين المذكورين الكاشف هو الأخبار ، فالقول بعدم الانعقاد كما عن جماعة لما ذكر لا وجه له ؛ لوجود النصوص ، وإمكان تطبيقها على القاعدة ، وفي إلحاق العهد واليمين بالنذر وعدمه وجوه ، ثالثها إلحاق العهد دون اليمين ، ولا يبعد الأوّل(1) ؛ لإمكان الاستفادة من الأخبار ، والأحوط الثاني ؛ لكون الحكم على خلاف القاعدة ، هذا . ولا يلزم التجديد في الميقات ولا المرور عليها ، وإن كان الأحوط التجديد خروجاً عن شبهة الخلاف ، والظاهر اعتبار تعيين المكان ، فلا يصحّ(2) نذر الإحرام قبل الميقات مطلقاً ، فيكون مخيّراً بين الأمكنة ؛ لأ نّه القدر المتيقّن بعد عدم الإطلاق في الأخبار ، نعم لا يبعد الترديد بين المكانين بأن يقول : «للّه عليّ أن اُحرم إمّا من الكوفة أو من البصرة» وإن كان الأحوط خلافه ، ولا فرق بين كون الإحرام للحجّ الواجب أو المندوب أو للعمرة المفردة ، نعم لو كان للحجّ أو عمرة التمتّع يشترط أن يكون في أشهر الحجّ ، لاعتبار كون الإحرام لهما فيها ، والنصوص إنّما جوّزت قبل الوقت المكاني فقط ، ثمّ لو نذر وخالف نذره فلم يحرم من ذلك المكان نسياناً أو عمداً لم يبطل إحرامه إذا أحرم من الميقات ، نعم عليه الكفّارة إذا خالفه متعمّداً .

ثانيهما : إذا أراد إدراك عمرة رجب وخشي تقضّيه إن أخّر الإحرام إلى الميقات ، فإنّه يجوز له الإحرام قبل الميقات ، وتحسب له عمرة رجب ، وإن أتى ببقيّة الأعمال في شعبان ؛ لصحيحة إسحاق(3) بن عمّار عن أبي عبداللّه علیه السلام عن

ص: 377


1- - مشكل .
2- - على الأحوط .
3- - كونها صحيحة محلّ تأمّل ، نعم هي حجّة معتبرة لتردّدها بين الصحيحة والموثّقة .

رجل يجيء معتمراً ينوي عمرة رجب فيدخل عليه الهلال قبل أن يبلغ العقيق ، أيحرم قبل الوقت ويجعلها لرجب أو يؤخّر الإحرام إلى العقيق ويجعلها لشعبان؟ قال : «يحرم قبل الوقت لرجب» ، فإنّ لرجب فضلاً ، وصحيحة معاوية بن عمّار : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «ليس ينبغي أن يحرم دون الوقت الذي وقّت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم إلاّ أن يخاف فوت الشهر في العمرة» ، ومقتضى إطلاق الثانية جواز ذلك لإدراك عمرة غير رجب أيضاً ؛ حيث إنّ لكلّ شهر عمرة ، لكن الأصحاب خصّصوا ذلك برجب فهو الأحوط ؛ حيث إنّ الحكم على خلاف القاعدة ، والأولى والأحوط مع ذلك التجديد في الميقات ، كما أنّ الأحوط التأخير إلى آخر الوقت ، وإن كان الظاهر جواز الإحرام قبل الضيق إذا علم عدم الإدراك إذا أخّر إلى الميقات ، بل هو الأولى ؛ حيث إنّه يقع باقي أعمالها(1) أيضاً في رجب ، والظاهر عدم الفرق بين العمرة المندوبة والواجبة بالأصل أو بالنذر ونحوه .

(مسألة 2) : كما لا يجوز تقديم الإحرام على الميقات ، كذلك لا يجوز التأخير عنها ، فلا يجوز لمن أراد الحجّ أو العمرة أو دخول مكّة أن يجاوز الميقات اختياراً إلاّ محرماً ، بل الأحوط عدم المجاوزة عن محاذاة الميقات أيضاً إلاّ محرماً ، وإن كان أمامه ميقات آخر ، فلو لم يحرم منها وجب العود إليها مع الإمكان ، إلاّ إذا كان أمامه ميقات آخر ، فإنّه يجزيه الإحرام منها وإن أثم بترك الإحرام من الميقات الأوّل ، والأحوط العود(2) إليها مع الإمكان مطلقاً وإن كان

ص: 378


1- - كيف يقع في رجب مع الفرض المذكور وكان عليه تعليل الأولوية بطول الإحرام في رجب.
2- - لا يترك .

أمامه ميقات آخر ، وأمّا إذا لم يرد النسك ولا دخول مكّة ؛ بأن كان له شغل خارج مكّة ، ولو كان في الحرم فلا يجب الإحرام ، نعم في بعض الأخبار وجوب الإحرام من الميقات إذا أراد دخول الحرم وإن لم يرد دخول مكّة ، لكن قد يدّعى الإجماع على عدم وجوبه ، وإن كان يمكن استظهاره من بعض الكلمات .

(مسألة 3) : لو أخّر الإحرام من الميقات عالماً عامداً ، ولم يتمكّن من العود إليها لضيق الوقت أو لعذر آخر ، ولم يكن أمامه ميقات آخر ، بطل إحرامه وحجّه على المشهور الأقوى ، ووجب عليه قضاؤه(1) إذا كان مستطيعاً ، وأمّا إذا لم يكن مستطيعاً فلا يجب ، وإن أثم بترك الإحرام بالمرور على الميقات ، خصوصاً إذا لم يدخل مكّة ، والقول بوجوبه عليه ولو لم يكن مستطيعاً بدعوى وجوب ذلك عليه إذا قصد مكّة فمع تركه يجب قضاؤه لا دليل عليه ، خصوصاً إذا لم يدخل مكّة ، وذلك لأنّ الواجب عليه إنّما كان الإحرام لشرف البقعة ، كصلاة التحيّة في دخول المسجد ، فلا قضاء مع تركه ، مع أنّ وجوب الإحرام لذلك لا يوجب وجوب الحجّ عليه ، وأيضاً إذا بدا له ولم يدخل مكّة كشف عن عدم الوجوب من الأوّل ، وذهب بعضهم إلى أ نّه لو تعذّر عليه العود إلى الميقات أحرم من مكانه ، كما في الناسي والجاهل نظير ما إذا ترك التوضّؤ إلى أن ضاق الوقت ، فإنّه يتيمّم وتصحّ صلاته وإن أثم بترك الوضوء متعمّداً ، وفيه : أنّ البدلية في المقام لم تثبت ، بخلاف مسألة التيمّم ، والمفروض أ نّه ترك ما وجب عليه متعمّداً .

(مسألة 4) : لو كان قاصداً من الميقات للعمرة المفردة وترك الإحرام لها متعمّداً يجوز له أن يحرم من أدنى الحلّ ، وإن كان متمكّناً من العود إلى الميقات

ص: 379


1- - أي إتيانه في سنة اُخرى .

فأدنى الحلّ له مثل كون الميقات أمامه ، وإن كان الأحوط(1) مع ذلك العود إلى الميقات ، ولو لم يتمكّن من العود ولا الإحرام من أدنى الحلّ بطلت عمرته .

(مسألة 5) : لو كان مريضاً لم يتمكّن من النزع ولبس الثوبين يجزيه النيّة والتلبية ، فإذا زال عذره نزع ولبسهما ، ولا يجب حينئذٍ عليه العود إلى الميقات ، نعم لو كان له عذر عن أصل إنشاء الإحرام لمرض أو إغماء ، ثمّ زال وجب عليه العود إلى الميقات إذا تمكّن ، وإلاّ كان حكمه حكم الناسي في الإحرام من مكانه إذا لم يتمكّن إلاّ منه ، وإن تمكّن العود في الجملة وجب(2) ، وذهب بعضهم إلى أ نّه إذا كان مغمى عليه ينوب عنه غيره ؛ لمرسل جميل عن أحدهما علیهما السلام في مريض اُغمي عليه فلم يفق حتّى أتى الموقف ، قال علیه السلام : «يحرم عنه رجل» والظاهر أنّ المراد أ نّه يحرمه رجل ويجنّبه عن محرّمات الإحرام ، لا أ نّه ينوب عنه في الإحرام ، ومقتضى هذا القول عدم وجوب العود إلى الميقات بعد إفاقته وإن كان ممكناً ، ولكن العمل به مشكل ؛ لإرسال الخبر وعدم الجابر ، فالأقوى العود مع الإمكان ، وعدم الاكتفاء به مع عدمه .

(مسألة 6) : إذا ترك الإحرام من الميقات ناسياً أو جاهلاً بالحكم أو الموضوع وجب العود إليها مع الإمكان ، ومع عدمه فإلى ما أمكن(3) ، إلاّ إذا كان أمامه ميقات آخر ، وكذا إذا جاوزها محلاًّ ؛ لعدم كونه قاصداً للنسك ولا لدخول مكّة ،

ص: 380


1- - لا يترك .
2- - على الأحوط ، وإن كان الأقوى عدم الوجوب ، نعم لو كان في الحرم يخرج إلى خارجه مع الإمكان ، وما ذكرناه جارٍ في جميع الأعذار عن إنشاء أصل الإحرام .
3- - مرّ التفصيل في المسألة السابقة ، ويأتي ما تقدّم فيمن جاوز محلاًّ ؛ لعدم كونه قاصداً للنسك ولا لدخول مكّة ثمّ بدا له ذلك .

ثمّ بدا له ذلك ، فإنّه يرجع إلى الميقات مع التمكّن ، وإلى ما أمكن مع عدمه .

(مسألة 7) : من كان مقيماً في مكّة(1) وأراد حجّ التمتّع وجب عليه الإحرام لعمرته من الميقات إذا تمكّن ، وإلاّ فحاله حال الناسي .

(مسألة 8) : لو نسي المتمتّع الإحرام للحجّ بمكّة ثمّ ذكر ، وجب عليه العود مع الإمكان ، وإلاّ ففي مكانه ولو كان في عرفات ، بل المشعر وصحّ حجّه ، وكذا لو كان جاهلاً بالحكم ، ولو أحرم له من غير مكّة مع العلم والعمد لم يصحّ ، وإن دخل مكّة بإحرامه ، بل وجب عليه الاستئناف مع الإمكان ، وإلاّ بطل حجّه ، نعم لو أحرم من غيرها نسياناً ولم يتمكّن من العود إليها صحّ إحرامه من مكانه .

(مسألة 9) : لو نسي الإحرام ولم يذكر حتّى أتى بجميع الأعمال من الحجّ أو العمرة ، فالأقوى صحّة عمله ، وكذا لو تركه جهلاً حتّى أتى بالجميع .

فصل : في مقدّمات الإحرام

(مسألة 1) : يستحبّ قبل الشروع في الإحرام اُمور :

أحدها : توفير شعر الرأس ، بل واللحية لإحرام الحجّ مطلقاً ، - لا خصوص التمتّع كما يظهر من بعضهم ؛ لإطلاق الأخبار - من أوّل ذي القعدة ؛ بمعنى عدم إزالة شعرهما ؛ لجملة من الأخبار ، وهي وإن كانت ظاهرة في الوجوب إلاّ أ نّها محمولة على الاستحباب لجملة اُخرى من الأخبار الظاهرة فيه ، فالقول بالوجوب كما هو ظاهر جماعة ضعيف ، وإن كان لا ينبغي ترك الاحتياط ، كما لا ينبغي ترك الاحتياط بإهراق دم لو أزال شعر رأسه بالحلق ، حيث يظهر من

ص: 381


1- - وكان فرضه التمتّع .

بعضهم وجوبه أيضاً ؛ لخبر محمول على الاستحباب ، أو على ما إذا كان في حال الإحرام . ويستحبّ التوفير للعمرة شهراً .

الثاني : قصّ الأظفار والأخذ من الشارب وإزالة شعر الإبط والعانة بالطلي أو الحلق أو النتف ، والأفضل الأوّل ، ثمّ الثاني ، ولو كان مطليّاً قبله يستحبّ له الإعادة وإن لم يمضِ خمسة عشر يوماً ، ويستحبّ أيضاً إزالة الأوساخ من الجسد لفحوى ما دلّ على المذكورات . وكذا يستحبّ الاستياك .

الثالث : الغسل للإحرام في الميقات ، ومع العذر عنه التيمّم(1) ، ويجوز تقديمه على الميقات مع خوف إعواز الماء ، بل الأقوى جوازه مع عدم الخوف أيضاً ، والأحوط الإعادة في الميقات ، ويكفي الغسل من أوّل النهار إلى الليل ، ومن أوّل الليل إلى النهار ، بل الأقوى كفاية غسل اليوم إلى آخر الليل وبالعكس ، وإذا أحدث بعدها قبل الإحرام يستحبّ إعادته ، خصوصاً في النوم(2) ، كما أنّ الأولى إعادته(3) إذا أكل أو لبس ما لا يجوز أكله أو لبسه للمحرم ، بل وكذا لو تطيّب ، بل الأولى ذلك في جميع تروك الإحرام ، فلو أتى بواحد منها بعدها قبل الإحرام ، الأولى إعادته ، ولو أحرم بغير غسل ، أتى به وأعاد صورة الإحرام ؛ سواء تركه عالماً عامداً أو جاهلاً أو ناسياً ، ولكن إحرامه الأوّل صحيح باقٍ على حاله ، فلو أتى بما يوجب الكفّارة بعده وقبل الإعادة وجبت عليه ، ويستحبّ أن يقول عند الغسل أو بعده : «بسم اللّه وباللّه ، اللهمّ اجعَلْهُ لي نوراً وطهوراً وحرزاً وأمناً من كلّ خوف وشفاءً من كلّ داءٍ وسقم ، اللهمّ

ص: 382


1- - يأتي به رجاءً .
2- - بل في غير النوم محلّ تأمّل ، ولا بأس بالإتيان به رجاءً .
3- - يأتي به رجاءً .

طهّرني وطهّر قلبي واشرح لي صدري ، وأجر على لساني محبّتك ومدحتك والثناء عليك ، فإنّه لا قوّة لي إلاّ بك وقد علمت أنّ قوام ديني التسليم لك ، والاتّباع لسنّة نبيّك صلواتك عليه وآله» .

الرابع : أن يكون الإحرام عقيب صلاة فريضة أو نافلة ، وقيل بوجوب ذلك ؛ لجملة من الأخبار الظاهرة فيه المحمولة على الندب ؛ للاختلاف الواقع بينها ، واشتمالها على خصوصيات غير واجبة ، والأولى أن يكون بعد صلاة الظهر في غير إحرام حجّ التمتّع ، فإنّ الأفضل فيه أن يصلّي الظهر بمنى ، وإن لم يكن في وقت الظهر فبعد صلاة فريضة اُخرى حاضرة ، وإن لم يكن فمقضيّة وإلاّ فعقيب صلاة النافلة .

الخامس : صلاة ستّ ركعات أو أربع ركعات أو ركعتين للإحرام ، والأولى الإتيان بها مقدّماً على الفريضة ، ويجوز إتيانها في أيّ وقت كان بلا كراهة ، حتّى في الأوقات المكروهة ، وفي وقت الفريضة حتّى على القول بعدم جواز النافلة لمن عليه فريضة ؛ لخصوص الأخبار الواردة في المقام ، والأولى أن يقرأ في الركعة الاُولى بعد «الحمد» «التوحيد» وفي الثانية «الجحد» ، لا العكس كما قيل .

(مسألة 2) : يكره للمرأة إذا أرادت الإحرام أن تستعمل الحنّاء إذا كان يبقى أثره إلى ما بعده مع قصد الزينة ، بل لا معه أيضاً إذا كان يحصل به الزينة وإن لم تقصدها ، بل قيل بحرمته ، فالأحوط تركه وإن كان الأقوى عدمها ، والرواية مختصّة بالمرأة ، لكنّهم ألحقوا بها الرجل أيضاً ؛ لقاعدة الاشتراك ، ولا بأس به ، وأمّا استعماله مع عدم إرادة الإحرام فلا بأس به ، وإن بقي أثره ، ولا بأس بعدم إزالته وإن كانت ممكنة .

ص: 383

فصل : في كيفية الإحرام

وواجباته ثلاثة :

الأوّل : النيّة ؛ بمعنى القصد إليه(1) ، فلو أحرم من غير قصد أصلاً بطل ؛ سواء كان عن عمد أو سهو أو جهل ، ويبطل نسكه أيضاً إذا كان الترك عمداً ، وأمّا مع السهو والجهل فلا يبطل ، ويجب عليه تجديده من الميقات إذا أمكن ، وإلاّ فمن حيث أمكن على التفصيل(2) الذي مرّ سابقاً في ترك أصل الإحرام .

(مسألة 1) : يعتبر فيها القربة والخلوص كما في سائر العبادات ، فمع فقدهما أو أحدهما يبطل إحرامه .

(مسألة 2) : يجب أن تكون مقارنة للشروع فيه ، فلا يكفي حصولها في الأثناء ، فلو تركها وجب تجديده ، ولا وجه لما قيل : من أنّ الإحرام تروك ، وهي لا تفتقر إلى النيّة ، والقدر المسلّم من الإجماع على اعتبارها إنّما هو في الجملة ولو قبل التحلّل ؛ إذ نمنع أوّلاً كونه تروكاً(3) فإنّ التلبية ولبس الثوبين من

ص: 384


1- - يأتي الكلام فيه قريباً .
2- - مرّ التفصيل .
3- - بل الإحرام من الاُمور الاعتبارية الوضعية يتحقّق ويعتبر بعد قصد أحد النسكين ، أو مع التلبية وتروكه من أحكامه المترتّبة عليه بعد التلبية ، وليست التروك عينه ولا جزءه ، وكذا التلبية ولبس الثوبين ، ونسبة التلبية إليه كتكبيرة الإحرام إلى الصلاة على احتمال ، ويترتّب على ذلك اُمور لا يسع المقام بيانها وتفصيلها ، وبهذا يكون من الاُمور القصدية ، لا أنّ قصد الإحرام محقّق عنوانه فإنّه غير معقول ، وعلى ما ذكرنا تدلّ النصوص وعليه ظاهر فتوى المحقّقين فراجع .

الأفعال ، وثانياً اعتبارها فيه على حدّ اعتبارها في سائر العبادات في كون اللازم تحقّقها حين الشروع فيها .

(مسألة 3) : يعتبر في النيّة تعيين كون الإحرام لحجّ أو عمرة ، وأنّ الحجّ تمتّع أو قران أو إفراد ، وأ نّه لنفسه أو نيابة عن غيره ، وأ نّه حجّة الإسلام أو الحجّ النذري أو الندبي ، فلو نوى الإحرام من غير تعيين وأوكله إلى ما بعد ذلك بطل ، فما عن بعضهم من صحّته وأنّ له صرفه إلى أيّهما شاء من حجّ أو عمرة لا وجه له ؛ إذ الظاهر أ نّه جزء من النسك فتجب نيّته كما في أجزاء سائر العبادات ، وليس مثل الوضوء والغسل بالنسبة إلى الصلاة ، نعم الأقوى كفاية التعيين الإجمالي حتّى بأن ينوي(1) الإحرام لما سيعيّنه من حجّ أو عمرة ، فإنّه نوع تعيين وفرق بينه وبين ما لو نوى مردّداً مع إيكال التعيين إلى ما بعد .

(مسألة 4) : لا تعتبر فيها نيّة الوجه ؛ من وجوب أو ندب ، إلاّ إذا توقّف التعيين عليها ، وكذا لا يعتبر فيها التلفّظ ، بل ولا الإخطار بالبال ، فيكفي الداعي .

(مسألة 5) : لا يعتبر في الإحرام استمرار العزم على ترك محرّماته ، بل المعتبر(2) العزم على تركها مستمرّاً ، فلو لم يعزم من الأوّل على استمرار الترك بطل ، وأمّا لو عزم على ذلك ولم يستمرّ عزمه ؛ بأن نوى بعد تحقّق الإحرام عدمه أو إتيان شيء منها لم يبطل ، فلا يعتبر فيه استدامة النيّة كما في الصوم ،

ص: 385


1- - ليس هذا نيّة إجمالية ولا كافٍ للتعيين .
2- - هذا أيضاً غير معتبر ؛ لما مرّ من أنّ هذه التروك غير دخيلة في حقيقة الإحرام .

والفرق أنّ التروك في الصوم معتبرة في صحّته(1) ، بخلاف الإحرام فإنّها فيه واجبات تكليفية .

(مسألة 6) : لو نسي ما عيّنه من حجّ أو عمرة وجب عليه(2) التجديد ؛ سواء تعيّن عليه أحدهما أو لا ، وقيل : إنّه للمتعيّن منهما ، ومع عدم التعيين يكون لما يصحّ منهما ، ومع صحّتهما كما في أشهر الحجّ ، الأولى جعله للعمرة المتمتّع بها ، وهو مشكل ؛ إذ لا وجه له .

(مسألة 7) : لا تكفي(3) نيّة واحدة للحجّ والعمرة ، بل لا بدّ لكلّ منهما من نيّته مستقلاًّ ؛ إذ كلّ منهما يحتاج إلى إحرام مستقلّ ، فلو نوى كذلك وجب عليه(4) تجديدها ، والقول بصرفه إلى المتعيّن منهما إذا تعيّن عليه أحدهما ، والتخيير بينهما إذا لم يتعيّن ، وصحّ منه كلّ منهما كما في أشهر الحجّ ، لا وجه له ، كالقول بأ نّه لو كان في أشهر الحجّ بطل ولزم التجديد ، وإن كان في غيرها صحّ عمرة مفردة .

(مسألة 8) : لو نوى كإحرام فلان ، فإن علم أ نّه لماذا أحرم صحّ ، وإن لم يعلم فقيل بالبطلان(5) ؛ لعدم التعيين ، وقيل بالصحّة ؛ لما عن علي علیه السلام ، والأقوى

ص: 386


1- - في هذا التعبير وكذا فيما بعده مسامحة ، والأمر سهل .
2- - إذا كانت الصحّة مختصّة بأحدهما تجدّد النيّة لما يصحّ ، فيقع صحيحاً ، وفيما يجوز العدول يعدل فيصحّ ، وأمّا في مورد يصحّ كلاهما ولا يجوز العدول فيعمل على قواعد العلم الإجمالي مع الإمكان وعدم الحرج ، وإلاّ فبحسب إمكانه بلا حرج .
3- - مقصوده عدم جواز القران بينهما بإحرام واحد .
4- - على الأقوى فيما يصحّ كلاهما ، وعلى الأحوط فيما يصحّ واحد منهما .
5- - وهو الأوجه .

الصحّة ؛ لأنّه نوع تعيين ، نعم لو لم يحرم فلان أو بقي على الاشتباه فالظاهر البطلان ، وقد يقال : إنّه في صورة الاشتباه يتمتّع ، ولا وجه له إلاّ إذا كان في مقام صحّ له العدول إلى التمتّع .

(مسألة 9) : لو وجب عليه(1) نوع من الحجّ أو العمرة فنوى غيره بطل .

(مسألة 10) : لو نوى نوعاً ونطق بغيره كان المدار على ما نوى دون ما نطق .

(مسألة 11) : لو كان في أثناء نوع وشكّ في أ نّه نواه أو نوى غيره بنى على أنّه نواه .

(مسألة 12) : يستفاد من جملة من الأخبار استحباب التلفّظ بالنيّة ، والظاهر تحقّقه بأيّ لفظ كان ، والأولى أن يكون بما في صحيحة ابن عمّار(2) وهو أن يقول : «اللهمّ إنّي اُريد ما أمرت به من التمتّع بالعمرة إلى الحجّ على كتابك وسنّة نبيّك فيسّر ذلك لي وتقبّله منّي وأعنّي عليه ، فإن عرض شيء يحبسني فحلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت عليّ ، اللهمّ إن لم تكن حجّة فعمرة ، اُحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي وعظامي ومخّي وعصبي من النساء والطيب ، أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة» .

(مسألة 13) : يستحبّ أن يشترط - عند إحرامه - على اللّه أن يحلّه إذا عرض مانع من إتمام نسكه ؛ من حجّ أو عمرة ، وأن يتمّ إحرامه عمرة إذا كان للحجّ ولم يمكنه الإتيان كما يظهر من جملة من الأخبار واختلفوا في فائدة هذا

ص: 387


1- - بالأصل وأمّا بالنذر وشبهه فلا .
2- - ما ذكره موافق تقريباً لصحيحة ابن سنان وإن كان فيه اختلاط منها ومن صحيحة ابن عمّار ، فراجع .

الاشتراط فقيل : إنّها سقوط الهدي ، وقيل : إنّها تعجيل التحلّل وعدم انتظار بلوغ الهدي محلّه ، وقيل : سقوط الحجّ من قابل ، وقيل : إنّ فائدته إدراك الثواب فهو مستحبّ تعبّدي ، وهذا هو الأظهر(1) ، ويدلّ عليه قوله علیه السلام في بعض الأخبار : «هو حلّ حيث حبسه اشترط أو لم يشترط» والظاهر عدم كفاية النيّة في حصول الاشتراط ، بل لا بدّ من التلفّظ ، لكن يكفي كلّ ما أفاد هذا المعنى ، فلا يعتبر فيه لفظ مخصوص وإن كان الأولى التعيين ممّا في الأخبار .

الثاني من واجبات الإحرام : التلبيات الأربع ، والقول بوجوب الخمس أو الستّ ضعيف ، بل ادّعى جماعة الإجماع على عدم وجوب الأزيد من الأربع ، واختلفوا في صورتها على أقوال : أحدها : أن يقول : «لبّيك اللهمّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك» . الثاني : أن يقول بعد العبارة المذكورة : «إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك» . الثالث : أن يقول : «لبّيك اللهمّ لبّيك ، لبّيك إنّ الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك لبّيك» . الرابع : كالثالث ، إلاّ أ نّه يقول : «إنّ الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك لبّيك» بتقديم لفظ «والملك» على لفظ «لك» والأقوى هو القول الأوّل كما هو صريح صحيحة معاوية بن عمّار ، والزوائد مستحبّة ، والأولى التكرار بالإتيان بكلّ من الصور المذكورة ، بل يستحبّ أن يقول كما في صحيحة معاوية(2) بن عمّار : «لبّيك اللهمّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك لك لا شريك لك ، لبّيك ذا المعارج لبّيك ، لبّيك لبّيك داعياً إلى دار السلام لبّيك ، لبّيك غفّار الذنوب لبّيك ، لبّيك أهل التلبية لبّيك ، لبّيك ذا الجلال والإكرام لبّيك مرهوباً ومرغوباً إليك لبّيك ، لبّيك تبدأ

ص: 388


1- - فيه تردّد وفي استدلاله نظر .
2- - ما في المتن يختلف يسيراً مع نسخة «الوسائل» .

والمعاد إليك لبّيك كشّاف الكروب العظام لبّيك ، لبّيك عبدك وابن عبديك لبّيك ، لبّيك يا كريم لبّيك» .

(مسألة 14) : اللازم الإتيان بها على الوجه الصحيح بمراعاة أداء الكلمات على قواعد العربية ، فلا يجزي الملحون مع التمكّن من الصحيح بالتلقين أو التصحيح ، ومع عدم تمكّنه فالأحوط الجمع بينه وبين الاستنابة ، وكذا لا تجزي الترجمة مع التمكّن ، ومع عدمه فالأحوط الجمع بينهما وبين الاستنابة ، والأخرس يشير إليها بإصبعه مع تحريك لسانه ، والأولى أن يجمع بينهما وبين الاستنابة ، ويلبّي من الصبيّ الغير المميّز ومن المغمى عليه(1) ، وفي قوله : «إنّ الحمد . . . » إلى آخره ، يصحّ أن يقرأ بكسر الهمزة وفتحها(2) ، والأولى الأوّل ، ولبّيك مصدر منصوب بفعل مقدّر ؛ أي ألبّ لك إلباباً بعد إلباب ، أو لبّاً بعد لبّ ؛ أي إقامة بعد إقامة ، من لبّ بالمكان أو ألبّ ؛ أي أقام ، والأولى كونه من لبّ ، وعلى هذا فأصله لبّين لك ، فحذف اللام واُضيف إلى الكاف ، فحذف النون ، وحاصل معناه إجابتين لك ، وربما يحتمل أن يكون من لبّ بمعنى واجه ، يقال : داري تلبّ دارك ؛ أي تواجهها ، فمعناه مواجهتي وقصدي لك ، وأمّا احتمال كونه من لبّ الشيء ؛ أي خالصه ، فيكون بمعنى إخلاصي لك فبعيد ، كما أنّ القول بأ نّه كلمة مفردة نظير «على» و«لدى» فاُضيفت إلى الكاف فقلبت ألفه ياء لا وجه له ؛ لأنّ «على» و«لدى» إذا اُضيفا إلى الظاهر يقال فيهما بالألف كعلى زيد ، ولدى زيد ، وليس لبّى كذلك فإنّه يقال فيه : لبّي زيد بالياء .

ص: 389


1- - مرّ الكلام فيه .
2- - غير معلوم .

(مسألة 15) : لا ينعقد إحرام حجّ التمتّع وإحرام عمرته ، ولا إحرام حجّ الإفراد ولا إحرام العمرة المفردة إلاّ بالتلبية ، وأمّا في حجّ القران فيتخيّر بين التلبية وبين الإشعار أو التقليد ، والإشعار مختصّ بالبدن ، والتقليد مشترك بينها وبين غيرها من أنواع الهدي ، والأولى في البدن الجمع بين الإشعار والتقليد ، فينعقد إحرام حجّ القران بأحد هذه الثلاثة ، ولكن الأحوط مع اختيار الإشعار والتقليد ضمّ التلبية أيضاً ، نعم الظاهر(1) وجوب التلبية على القارن وإن لم يتوقّف انعقاد إحرامه عليها ، فهي واجبة عليه في نفسها ، ويستحبّ الجمع بين التلبية وأحد الأمرين ، وبأيّهما بدأ كان واجباً وكان الآخر مستحبّاً . ثمّ إنّ الإشعار عبارة عن شقّ السنام الأيمن ؛ بأن يقوم(2) الرجل من الجانب الأيسر من الهدي ويشقّ سنامه من الجانب الأيمن ، ويلطخ صفحته بدمه ، والتقليد أن يعلّق في رقبة الهدي نعلاً خلقاً قد صلّى فيه .

(مسألة 16) : لا تجب مقارنة التلبية لنيّة الإحرام ، وإن كان أحوط(3) ، فيجوز أن يؤخّرها عن النيّة ولبس الثوبين على الأقوى .

(مسألة 17) : لا تحرم عليه محرّمات الإحرام قبل التلبية وإن دخل فيه(4) بالنيّة ولبس الثوبين ، فلو فعل شيئاً من المحرّمات لا يكون آثماً ، وليس عليه كفّارة ، وكذا في القارن إذا لم يأت بها ولا بالإشعار أو التقليد ، بل يجوز له

ص: 390


1- - فيه تأمّل ، نعم هو الأحوط .
2- - الإشعار هو شقّ السنام الأيمن ، وأمّا القيام على اليسار من آدابه .
3- - لا يترك وإن كانت النيّة لا تنفكّ عنها ، لكن لا يؤخّر التلبية عن محلّ التحريم ؛ أي الميقات .
4- - محلّ إشكال جدّاً ، والمسألة تحتاج إلى تفصيل بليغ لا يسع المقام ذلك .

أن يبطل الإحرام ما لم يأت بها في غير القارن أو لم يأت بها ولا بأحد الأمرين فيه . والحاصل : أنّ الشروع في الإحرام وإن كان يتحقّق بالنيّة ولبس الثوبين إلاّ أ نّه لا تحرم عليه المحرّمات ، ولا يلزم البقاء عليه إلاّ بها أو بأحد الأمرين فالتلبية وأخواها بمنزلة تكبيرة الإحرام في الصلاة .

(مسألة 18) : إذا نسي التلبية وجب عليه العود إلى الميقات لتداركها وإن لم يتمكّن(1) أتى بها في مكان التذكّر ، والظاهر عدم وجوب الكفّارة عليه إذا كان آتياً بما يوجبها ؛ لما عرفت من عدم انعقاد الإحرام إلاّ بها .

(مسألة 19) : الواجب من التلبية مرّة واحدة ، نعم يستحبّ الإكثار بها وتكريرها ما استطاع ، خصوصاً في دبر كلّ صلاة فريضة أو نافلة ، وعند صعود شرف ، أو هبوط وادٍ ، وعند المنام(2) ، وعند اليقظة ، وعند الركوب ، وعند النزول ، وعند ملاقاة راكب ، وفي الأسحار ، وفي بعض الأخبار : «من لبّى في إحرامه سبعين مرّة إيماناً واحتساباً أشهد اللّه له ألف ألف ملك براءة من النار وبراءة من النفاق» ويستحبّ الجهر بها خصوصاً في المواضع المذكورة للرجال دون النساء ، ففي المرسل : «أنّ التلبية شعار المحرم ، فارفع صوتك بالتلبية» وفي المرفوعة : «لمّا أحرم رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أتاه جبرئيل فقال : مر أصحابك بالعجّ والثجّ ، فالعجّ رفع الصوت بالتلبية ، والثجّ نحر البدن» .

(مسألة 20) : ذكر جماعة أنّ الأفضل لمن حجّ على طريق المدينة تأخير التلبية إلى البيداء مطلقاً كما قاله بعضهم ، أو في خصوص الراكب كما قيل ، ولمن

ص: 391


1- - يأتي فيه التفصيل المتقدّم في نسيان الإحرام على الأحوط ، لو لم يكن أقوى .
2- - لم أر ما يدلّ عليه بخصوصه ، نعم ورد عامّاً وورد في آخر الليل .

حجّ على طريق آخر تأخيرها إلى أن يمشي قليلاً ، ولمن حجّ من مكّة تأخيرها إلى الرقطاء كما قيل ، أو إلى أن يشرف على الأبطح ، لكن الظاهر - بعد عدم الإشكال(1) في عدم وجوب مقارنتها للنيّة ولبس الثوبين استحباب التعجيل بها مطلقاً ، وكون أفضلية التأخير بالنسبة إلى الجهر بها ، فالأفضل(2) أن يأتي بها حين النيّة ولبس الثوبين سرّاً ، ويؤخّر الجهر بها إلى المواضع المذكورة ، والبيداء : أرض مخصوصة بين مكّة والمدينة على ميل من ذي الحليفة نحو مكّة ، والأبطح : مسيل وادي مكّة ، وهو مسيل واسع فيه دقاق الحصى ، أوّله عند منقطع الشعب بين وادي منى ، وآخره متّصل بالمقبرة التي تسمّى بالمعلّى عند أهل مكّة ، والرقطاء : موضع دون الردم يسمّى مدعى ، ومدعى الأقوام مجتمع قبائلهم ، والردم حاجز يمنع السيل عن البيت ، ويعبّر عنه بالمدعى .

(مسألة 21) : المعتمر عمرة التمتّع يقطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكّة في الزمن القديم(3) ، وحدّها لمن جاء على طريق المدينة عقبة المدنيّين ، وهو مكان معروف ، والمعتمر عمرة مفردة عند دخول الحرم إذا جاء من خارج الحرم ، وعند مشاهدة الكعبة إن كان قد خرج من مكّة لإحرامها ، والحاجّ - بأيّ نوع من الحجّ - يقطعها عند الزوال من يوم عرفة ، وظاهرهم أنّ القطع في الموارد المذكورة على سبيل الوجوب وهو الأحوط ، وقد يقال : بكونه مستحبّاً .

ص: 392


1- - مرّ الكلام فيه ، فالأحوط لمن يحرم من مسجد الشجرة عدم تأخير التلبية حتّى خرج منه ، نعم لا مانع عن لبس الثوب ونيّة الإحرام وتأخير التلبية ما دام فيه .
2- - بل الأحوط .
3- - الأحوط قطعها عند مشاهدة بيوتها في الزمن الذي اعتمر فيه .

(مسألة 22) : الظاهر أ نّه لا يلزم في تكرار التلبية أن يكون بالصورة المعتبرة في انعقاد الإحرام ، بل ولا بإحدى الصور المذكورة في الأخبار ، بل يكفي أن يقول : «لبّيك اللهمّ لبّيك» بل لا يبعد كفاية تكرار لفظ «لبّيك» .

(مسألة 23) : إذا شكّ بعد الإتيان بالتلبية أ نّه أتى بها صحيحة أم لا ، بنى على الصحّة .

(مسألة 24) : إذا أتى بالنيّة ولبس الثوبين وشكّ في أ نّه أتى بالتلبية أيضاً حتّى يجب عليه ترك المحرّمات أو لا ، يبني على عدم(1) الإتيان لها ، فيجوز له فعلها ، ولا كفّارة عليه .

(مسألة 25) : إذا أتى بما يوجب الكفّارة وشكّ في أنّه كان بعد التلبية حتّى تجب عليه أو قبلها ، فإن كانا مجهولي التأريخ أو كان تأريخ التلبية مجهولاً ، لم تجب عليه الكفّارة ، وإن كان تأريخ إتيان الموجب مجهولاً ، فيحتمل أن يقال بوجوبها ؛ لأصالة التأخّر ، لكن الأقوى عدمه ؛ لأنّ الأصل لا يثبت كونه بعد التلبية .

الثالث : من واجبات الإحرام : لبس الثوبين بعد التجرّد عمّا يجب على المحرم اجتنابه ، يتّزر بأحدهما ، ويرتدي بالآخر ، والأقوى عدم كون لبسهما شرطاً في تحقّق الإحرام ، بل كونه واجباً تعبّدياً ، والظاهر عدم اعتبار كيفية مخصوصة في لبسهما ، فيجوز الاتّزار بأحدهما كيف شاء ، والارتداء بالآخر أو التوشّح به أو غير ذلك من الهيئات ، لكن الأحوط لبسهما على الطريق المألوف ، ولذا الأحوط عدم عقد الإزار في عنقه ، بل عدم عقده مطلقاً ولو

ص: 393


1- - هذا إذا كان في الميقات ، وأمّا بعد الخروج منه فالظاهر هو البناء على الإتيان .

بعضه ببعض ، وعدم غرزه بإبرة ونحوها ، وكذا في الرداء الأحوط عدم عقده ، لكن الأقوى جواز ذلك كلّه في كلّ منهما ما لم يخرج عن كونه رداء أو إزاراً ، ويكفي فيهما المسمّى ، وإن كان الأولى - بل الأحوط - أيضاً كون الإزار ممّا يستر السرّة والركبة ، والرداء ممّا يستر المنكبين ، والأحوط عدم الاكتفاء بثوب طويل يتّزر ببعضه ويرتدي بالباقي ، إلاّ في حال الضرورة ، والأحوط كون اللبس قبل النيّة والتلبية ، فلو قدّمهما عليه أعادهما بعده ، والأحوط ملاحظة النيّة في اللبس ، وأمّا التجرّد فلا يعتبر فيه النيّة ، وإن كان الأحوط والأولى اعتبارها فيه أيضاً .

(مسألة 26) : لو أحرم في قميص عالماً عامداً أعاد ، لا لشرطية لبس الثوبين ؛ لمنعها كما عرفت ، بل لأ نّه منافٍ للنيّة(1) ؛ حيث إنّه يعتبر فيها العزم على ترك المحرّمات التي منها لبس المخيط ، وعلى هذا فلو لبسهما فوق القميص أو تحته كان الأمر كذلك أيضاً ؛ لأ نّه مثله في المنافاة للنيّة ، إلاّ أن يمنع كون الإحرام هو العزم على ترك المحرّمات ، بل هو البناء على تحريمها على نفسه ، فلا تجب الإعادة حينئذٍ . هذا ، ولو أحرم في القميص جاهلاً ، بل أو ناسياً أيضاً نزعه وصحّ إحرامه ، أمّا إذا لبسه بعد الإحرام فاللازم شقّه وإخراجه من تحت ، والفرق بين الصورتين من حيث النزع والشقّ تعبّد ، لا لكون الإحرام باطلاً في الصورة الاُولى كما قد قيل .

ص: 394


1- - مرّ أنّ ترك المحرّمات من أحكام الإحرام ولا دخل له فيه ولا ينافيه عدم العزم على تركها ، بل ولا العزم على فعلها ، وكذا لا يعتبر فيه البناء على تحريمها على نفسه ، فالأقوى عدم وجوب الإعادة وإن كان الوجوب أحوط .

(مسألة 27) : لا يجب استدامة لبس الثوبين ، بل يجوز تبديلهما ونزعهما لإزالة الوسخ أو للتطهير ، بل الظاهر جواز التجرّد(1) منهما مع الأمن من الناظر ، أو كون العورة مستورة بشيء آخر .

(مسألة 28) : لا بأس بالزيادة على الثوبين في ابتداء الإحرام ، وفي الأثناء للاتّقاء عن البرد والحرّ ، بل ولو اختياراً .

ص: 395


1- - في الجملة .

كتاب الإجارة

اشارة

وهي تمليك(1) عمل أو منفعة بعوض ، ويمكن أن يقال : إنّ حقيقتها : التسليط على عين للانتفاع بها بعوض ، وفيه فصول :

فصل : في أركانها

وهي ثلاثة :

الأوّل : الإيجاب والقبول ، ويكفي فيهما كلّ لفظ دالّ على المعنى المذكور ، والصريح منه آجرتك أو أكريتك الدار - مثلاً - فيقول : قبلت ، أو استأجرت ، أو استكريت ، ويجري فيها المعاطاة(2) كسائر العقود ، ويجوز أن يكون الإيجاب

ص: 396


1- - بل هي معاملة يستتبعها ذلك ، وليس التمليك مفاداً أوّلياً للإجارة ، ولهذا يكون لفظها الصريح آجرتك وأكريتك ، وأمّا ملّكتك منفعة الدار - مثلاً - مريداً به الإجارة فليس من اللفظ الصريح وإن صحّت الإجارة بمثله ، كما أنّ التسليط على العين ليس حقيقتها ، بل التسليط الاعتباري على فرضه من أحكامها العقلائية أو لوازمها كذلك في مثل إجارة الأعيان المملوكة أو غيرها أيضاً على وجه .
2- - في جريانها في إجارة الحرّ إشكال ، وإن كان غير بعيد ؛ بجعل نفسه تحت اختيار الطرف بهذا العنوان ، أو بشروعه في العمل كذلك .

بالقول ، والقبول بالفعل ، ولا يصحّ أن يقول في الإيجاب : بعتك الدار مثلاً ، وإن قصد الإجارة ، نعم لو قال : بعتك منفعة الدار ، أو سكنى الدار - مثلاً - بكذا ، لا يبعد صحّته إذا قصد الإجارة .

الثاني : المتعاقدان ، ويشترط فيهما : البلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر(1) ؛ لفلس أو سفه أو رقّية .

الثالث : العوضان ، ويشترط فيهما اُمور :

الأوّل : المعلومية ، وهي في كلّ شيء بحسبه ؛ بحيث لا يكون هناك غرر ، فلو آجره داراً أو حماراً من غير مشاهدة ولا وصف رافع للجهالة بطل ، وكذا لو جعل العوض شيئاً مجهولاً .

الثاني : أن يكونا مقدوري التسليم ، فلا تصحّ إجارة العبد الآبق ، وفي كفاية ضمّ الضميمة هنا كما في البيع إشكال .

الثالث : أن يكونا مملوكين ، فلا تصحّ إجارة مال الغير ، ولا الإجارة بمال الغير إلاّ مع الإجازة من المالك .

الرابع : أن تكون عين المستأجرة ممّا يمكن الانتفاع بها مع بقائها ، فلا تصحّ إجارة الخبز للأكل - مثلاً - ولا الحطب للإشعال وهكذا .

الخامس : أن تكون المنفعة مباحة ، فلا تصحّ إجارة المساكن لإحراز المحرّمات أو الدكاكين لبيعها ، أو الدوابّ لحملها ، أو الجارية للغناء ، أو العبد لكتابة الكفر ونحو ذلك ، وتحرم الاُجرة عليها .

السادس : أن تكون العين ممّا يمكن استيفاء المنفعة المقصودة بها ، فلا تصحّ

ص: 397


1- - إلاّ مع إجازة من له الأمر في الثلاثة ، بل في المميّز أيضاً على الأقرب .

إجارة أرض للزراعة ؛ إذا لم يمكن إيصال الماء إليها ، مع عدم إمكان الزراعة بماء السماء ، أو عدم كفايته .

السابع : أن يتمكّن المستأجر من الانتفاع بالعين المستأجرة ، فلا تصحّ إجارة الحائض لكنس المسجد مثلاً .

(مسألة 1) : لا تصحّ الإجارة إذا كان المؤجر أو المستأجر مكرهاً عليها إلاّ مع الإجازة اللاحقة ، بل الأحوط عدم الاكتفاء بها ، بل تجديد العقد إذا رضيا ، نعم تصحّ مع الاضطرار ، كما إذا طلب منه ظالم مالاً فاضطرّ إلى إجارة دار سكناه لذلك ، فإنّها تصحّ حينئذٍ ، كما أ نّه إذا اضطرّ إلى بيعها صحّ .

(مسألة 2) : لا تصحّ إجارة المفلّس - بعد الحجر عليه - داره أو عقاره ، نعم تصحّ إجارته نفسه لعمل أو خدمة ، وأمّا السفيه فهل هو كذلك ؛ أي تصحّ إجارة نفسه للاكتساب مع كونه محجوراً عن إجارة داره مثلاً أو لا ؟ وجهان(1) ؛ من كونه من التصرّف المالي وهو محجور ، ومن أ نّه ليس تصرّفاً في ماله الموجود ، بل هو تحصيل للمال ، ولا تعدّ منافعه من أمواله ، خصوصاً إذا لم يكن كسوباً ، ومن هنا يظهر النظر فيما ذكره بعضهم من حجر السفيهة من تزويج نفسها ، بدعوى أنّ منفعة البضع مال ، فإنّه أيضاً محلّ إشكال .

(مسألة 3) : لا يجوز للعبد أن يؤجر نفسه أو ماله أو مال مولاه إلاّ بإذنه ، أو إجازته .

(مسألة 4) : لا بدّ من تعيين العين المستأجرة ، فلو آجره أحد هذين العبدين أو إحدى هاتين الدارين لم يصحّ ، ولا بدّ أيضاً من تعيين نوع المنفعة إذا

ص: 398


1- - أقربهما عدم الصحّة ، وكذا الحال في تزويج السفيهة نفسها .

كانت للعين منافع متعدّدة ، نعم تصحّ إجارتها بجميع منافعها مع التعدّد ، فيكون المستأجر مخيّراً بينها .

(مسألة 5) : معلومية المنفعة إمّا بتقدير المدّة كسكنى الدار شهراً ، والخياطة يوماً ، أو منفعة ركوب الدابّة إلى زمان كذا ، وإمّا بتقدير العمل كخياطة الثوب المعلوم طوله وعرضه ورقّته وغلظته ، فارسية أو رومية ، من غير تعرّض للزمان ، نعم يلزم(1) تعيين الزمان الواقع فيه هذا العمل كأن يقول : إلى يوم الجمعة مثلاً ، وإن أطلق اقتضى التعجيل على الوجه العرفي ، وفي مثل استئجار الفحل للضراب يعيّن بالمرّة والمرّتين ، ولو قدّر المدّة والعمل على وجه التطبيق ، فإن علم سعة الزمان له صحّ ، وإن علم عدمها بطل ، وإن احتمل الأمران ففيه قولان(2) .

(مسألة 6) : إذا استأجر دابّة للحمل عليها لا بدّ من تعيين ما يحمل عليها بحسب الجنس إن كان يختلف الأغراض باختلافه ، وبحسب الوزن ولو بالمشاهدة والتخمين إن ارتفع به الغرر ، وكذا بالنسبة إلى الركوب لا بدّ من مشاهدة الراكب أو وصفه ، كما لا بدّ من مشاهدة الدابّة أو وصفها حتّى الذكورية والاُنوثية إن اختلفت الأغراض بحسبهما . والحاصل : أ نّه يعتبر تعيين الحمل والمحمول عليه والراكب والمركوب عليه من كلّ جهة يختلف غرض العقلاء باختلافها .

(مسألة 7) : إذا استأجر الدابّة لحرث جريب معلوم ، فلا بدّ من مشاهدة الأرض أو وصفها على وجه يرتفع الغرر .

ص: 399


1- - مع دخالته في الرغبات .
2- - الظاهر هو البطلان إن كان التطبيق دخيلاً في الرغبات ، وإلاّ فالصحّة تابعة لواقعه .

(مسألة 8) : إذا استأجر دابّة للسفر مسافة ، لا بدّ من بيان زمان السير ؛ من ليل أو نهار ، إلاّ إذا كان هناك عادة متّبعة .

(مسألة 9) : إذا كانت الاُجرة ممّا يكال أو يوزن ، لا بدّ من تعيين كيلها أو وزنها ولا تكفي المشاهدة ، وإن كانت ممّا يعدّ لا بدّ من تعيين عددها ، وتكفي المشاهدة فيما يكون اعتباره بها .

(مسألة 10) : ما كان معلوميته بتقدير المدّة لا بدّ من تعيينها شهراً أو سنة أو نحو ذلك ، ولو قال : آجرتك إلى شهر أو شهرين بطل ، ولو قال : آجرتك كلّ شهر بدرهم مثلاً ، ففي صحّته مطلقاً أو بطلانه مطلقاً ، أو صحّته في شهر وبطلانه في الزيادة ، فإن سكن فاُجرة المثل بالنسبة إلى الزيادة ، أو الفرق بين التعبير المذكور وبين أن يقول : آجرتك شهراً(1) بدرهم فإن زدت فبحسابه ، بالبطلان في الأوّل والصحّة في شهر في الثاني أقوال : أقواها الثاني ، وذلك لعدم تعيين المدّة الموجب لجهالة الاُجرة ، بل جهالة المنفعة أيضاً ؛ من غير فرق بين أن يعيّن المبدأ أو لا ، بل على فرض عدم تعيين المبدأ يلزم جهالة اُخرى ، إلاّ أن يقال : إنّه حينئذٍ ينصرف إلى المتّصل بالعقد . هذا إذا كان بعنوان الإجارة ، وأمّا إذا كان بعنوان الجعالة(2) فلا مانع منه ؛ لأ نّه يغتفر فيها مثل هذه الجهالة ، وكذا إذا كان بعنوان الإباحة بالعوض .

ص: 400


1- - لا إشكال في صحّتها في الشهر الأوّل في هذه الصورة مع معلومية المبدأ ، والأقوى عدم صحّتها في غيره .
2- - ليست هذه هي الجعالة المتعارفة ، وإن لا يبعد صحّتها ، ولعلّها ترجع إلى الإباحة بالعوض .

(مسألة 11) : إذا قال : إن خطت هذا الثوب فارسياً - أي بدرز - فلك درهم ، وإن خطته رومياً - أي بدرزين - فلك درهمان ، فإن كان بعنوان الإجارة بطل ؛ لما مرّ من الجهالة ، وإن كان بعنوان الجعالة كما هو ظاهر العبارة صحّ ، وكذا الحال إذا قال : إن عملت العمل الفلاني في هذا اليوم فلك درهمان ، وإن عملته في الغد فلك درهم ، والقول بالصحّة إجارة في الفرضين ضعيف ، وأضعف منه القول بالفرق بينهما بالصحّة في الثاني دون الأوّل ، وعلى ما ذكرناه من البطلان فعلى تقدير العمل يستحقّ اُجرة المثل ، وكذا في المسألة السابقة إذا سكن الدار شهراً أو أقلّ أو أكثر .

(مسألة 12) : إذا استأجره أو دابّته ليحمله أو يحمل متاعه إلى مكان معيّن في وقت معيّن باُجرة معيّنة ، كأن استأجر منه دابّة لإيصاله إلى كربلاء قبل ليلة النصف من شعبان ولم يوصله ، فإن كان ذلك لعدم سعة الوقت وعدم إمكان الإيصال فالإجارة باطلة(1) ، وإن كان الزمان واسعاً ومع هذا قصّر(2) ولم يوصله ، فإن كان ذلك على وجه العنوانية والتقييد لم يستحقّ شيئاً من الاُجرة ؛ لعدم العمل بمقتضى الإجارة أصلاً ، نظير ما إذا استأجره ليصوم يوم الجمعة فاشتبه وصام يوم السبت ، وإن كان ذلك على وجه الشرطية ؛ بأن يكون متعلّق الإجارة الإيصال إلى كربلاء ، ولكن اشترط عليه الإيصال في ذلك الوقت فالإجارة صحيحة ، والاُجرة المعيّنة لازمة ، لكن له خيار الفسخ من جهة تخلّف الشرط ، ومعه يرجع إلى اُجرة المثل ، ولو قال : وإن لم توصلني في وقت كذا فالاُجرة

ص: 401


1- - إلاّ إذا كان ذلك بنحو الاشتراط .
2- - المناط في عدم الاستحقاق في الفرض الأوّل وكذا في خيار تخلّف الشرط في الثانية هو عدم الإيصال ولو لا عن تقصير ، كمن ضلّ الطريق فلم يوصله .

كذا ؛ أقلّ ممّا عيّن أوّلاً ، فهذا أيضاً قسمان : قد يكون ذلك بحيث يكون كلتا الصورتين من الإيصال في ذلك الوقت وعدم الإيصال فيه مورداً للإجارة فيرجع إلى قوله : آجرتك باُجرة كذا إن أوصلتك في الوقت الفلاني ، وباُجرة كذا إن لم اُوصلك في ذلك الوقت ، وهذا باطل للجهالة نظير ما ذكر في المسألة السابقة من البطلان إن قال : إن عملت في هذا اليوم فلك درهمان . . . إلى آخره ، وقد يكون مورد الإجارة هو الإيصال في ذلك الوقت ، ويشترط عليه(1) أن ينقص من الاُجرة كذا على فرض عدم الإيصال ، والظاهر الصحّة في هذه الصورة ؛ لعموم المؤمنون وغيره ، مضافاً إلى صحيحة محمّد الحلبي(2) ، ولو قال : إن لم توصلنى فلا اُجرة لك ، فإن كان على وجه الشرطية ؛ بأن يكون متعلّق الإجارة هو الإيصال الكذائي فقط واشترط عليه عدم الاُجرة على تقدير المخالفة صحّ ، ويكون الشرط المذكور مؤكّداً لمقتضى العقد ، وإن كان على وجه القيدية ؛ بأن جعل كلتا الصورتين مورداً للإجارة إلاّ أنّ في الصورة الثانية بلا اُجرة يكون باطلاً ، ولعلّ هذه الصورة مراد المشهور(3) القائلين بالبطلان دون الاُولى ؛ حيث قالوا : ولو شرط سقوط الاُجرة إن لم يوصله لم يجز .

ص: 402


1- - الظاهر أنّ مراده أنّ مورد الإجارة هو الإيصال واشترط عليه الإيصال في ذلك الوقت وإن لم يوصله في ذلك الوقت ينقص من الاُجرة كذا ، وإنّما وقع سهو في العبارة وذلك بقرينة تمسّكه بصحيحة الحلبي فإنّ مفادها مع إلغاء الخصوصية عرفاً من قبيل ما ذكرنا لا ما ذكره ، وكيف كان فإن كان مراده ما ذكرنا فلا إشكال فيه ، وإن كان المراد ظاهر العبارة فالظاهر رجوعه إلى ما حكم ببطلانه ، ولا ينطبق عليه النصّ المتقدّم .
2- - صحّتها غير بعيدة وإن كان في منصور بن يونس كلام .
3- - فيه منع ، بل الظاهر متابعة المشهور للنصّ كصحيحة الحلبي .

(مسألة 13) : إذا استأجر منه دابّة لزيارة النصف من شعبان مثلاً ، ولكن لم يشترط على المؤجر ذلك ، ولم يكن على وجه العنوانية أيضاً واتّفق أ نّه لم يوصله ، لم يكن له خيار الفسخ ، وعليه تمام المسمّى من الاُجرة ، وإن لم يوصله إلى كربلاء أصلاً سقط من المسمّى بحساب ما بقي ، واستحقّ بمقدار ما مضى ، والفرق بين هذه المسألة وما مرّ في المسألة السابقة أنّ الإيصال هنا غرض وداعٍ ، وفيما مرّ قيد أو شرط .

فصل : في لزوم عقد الإجارة

فصل

الإجارة من العقود اللازمة لا تنفسخ إلاّ بالتقايل أو شرط الخيار لأحدهما أو كليهما إذا اختار الفسخ ، نعم الإجارة المعاطاتية جائزة(1) ، يجوز لكلّ منهما الفسخ ما لم تلزم بتصرّفهما أو تصرّف أحدهما فيما انتقل إليه .

(مسألة 1) : يجوز بيع العين المستأجرة قبل تمام مدّة الإجارة ، ولا تنفسخ الإجارة به فتنتقل إلى المشتري مسلوبة المنفعة مدّة الإجارة ، نعم للمشتري مع جهله بالإجارة خيار فسخ البيع ؛ لأنّ نقص المنفعة عيب(2) ، ولكن ليس كسائر العيوب ؛ ممّا يكون المشتري معه مخيّراً بين الردّ والأرش ، فليس له أن لا يفسخ ويطالب بالأرش ، فإنّ العيب الموجب للأرش ما كان نقصاً في الشيء في حدّ نفسه ، مثل العمى والعرج ، وكونه مقطوع اليد ، أو نحو ذلك ، لا مثل المقام الذي العين في حدّ نفسها لا عيب فيها ، وأمّا لو علم المشتري أنّها مستأجرة ومع ذلك

ص: 403


1- - الأقوى لزومها ، كما أنّ الأقوى لزوم البيع المعاطاتي أيضاً ، لكن لا ينبغي ترك مراعاة الاحتياط .
2- - في التعليل إشكال .

أقدم على الشراء فليس له الفسخ أيضاً ، نعم لو اعتقد كون مدّة الإجارة كذا مقداراً فبان أ نّها أزيد ، له الخيار أيضاً ، ولو فسخ المستأجر الإجارة رجعت المنفعة في بقيّة المدّة إلى البائع لا إلى المشتري ، نعم لو اعتقد البائع والمشتري بقاء مدّة الإجارة وأنّ العين مسلوبة المنفعة إلى زمان كذا وتبيّن أنّ المدّة منقضية ، فهل منفعة تلك المدّة للبائع حيث إنّه كأ نّه شرط كونها مسلوبة المنفعة إلى زمان كذا ، أو للمشتري لأ نّها تابعة للعين ما لم تفرز بالنقل إلى الغير أو بالاستثناء ، والمفروض عدمها ، وجهان ، والأقوى الثاني ، نعم لو شرطا كونها مسلوبة المنفعة إلى زمان كذا بعد اعتقاد بقاء المدّة كان لما ذكر وجه(1) . ثمّ بناءً على ما هو الأقوى من رجوع المنفعة في الصورة السابقة إلى المشتري فهل للبائع الخيار أو لا ؟ وجهان ، لا يخلو أوّلهما من قوّة(2) ، خصوصاً إذا أوجب ذلك له الغبن . هذا إذا بيعت العين المستأجرة على غير المستأجر ، أمّا لو بيعت عليه ففي انفساخ الإجارة وجهان ، أقواهما العدم ويتفرّع على ذلك اُمور : منها : اجتماع الثمن والاُجرة عليه حينئذٍ . ومنها : بقاء ملكه للمنفعة في مدّة تلك الإجارة لو فسخ البيع بأحد أسبابه ، بخلاف ما لو قيل بانفساخ الإجارة . ومنها : إرث الزوجة من المنفعة في تلك المدّة لو مات الزوج المستأجر بعد شرائه لتلك العين وإن كانت ممّا لا ترث الزوجة منه ، بخلاف ما لو قيل بالانفساخ بمجرّد البيع . ومنها : رجوع المشتري(3) بالاُجرة لو تلف العين بعد قبضها وقبل انقضاء مدّة الإجارة ،

ص: 404


1- - لكن الأوجه تبعية النماء للعين أيضاً ، وهذا كما لو توهّم عدم المنفعة للعين مدّة واشترط مسلوبية المنفعة فيها .
2- - في صورة الغبن .
3- - من حين تلف العين ، فإنّه بهذا القيد من متفرّعات عدم الانفساخ .

فإن تعذّر استيفاء المنفعة يكشف عن بطلان الإجارة ، ويوجب الرجوع بالعوض وإن كان تلف العين عليه .

(مسألة 2) : لو وقع البيع والإجارة في زمان واحد ، كما لو باع العين مالكها على شخص وآجرها وكيله على شخص آخر ، واتّفق وقوعهما في زمان واحد ، فهل يصحّان معاً ، ويملكها المشتري مسلوبة المنفعة ، كما لو سبقت الإجارة ، أو يبطلان معاً للتزاحم في ملكية المنفعة ، أو يبطلان معاً بالنسبة إلى تمليك المنفعة فيصحّ البيع على أ نّها مسلوبة المنفعة تلك المدّة ، فتبقى المنفعة على ملك البائع وجوه ، أقواها الأوّل ؛ لعدم التزاحم ، فإنّ البائع لا يملك المنفعة ، وإنّما يملك العين ، وملكية العين توجب ملكية المنفعة للتبعية وهي متأخّرة عن الإجارة .

(مسألة 3) : لا تبطل الإجارة بموت المؤجر ولا بموت المستأجر على الأقوى ، نعم في إجارة العين الموقوفة إذا آجر البطن السابق تبطل بموته بعد الانتقال إلى البطن اللاحق ؛ لأنّ الملكية محدودة ، ومثله ما لو كانت المنفعة موصى بها للمؤجر ما دام حيّاً ، بخلاف ما إذا كان المؤجر هو المتولّي للوقف وآجر لمصلحة البطون إلى مدّة ، فإنّها لا تبطل بموته ، ولا بموت البطن الموجود حال الإجارة ، وكذا تبطل إذا آجر نفسه للعمل بنفسه من خدمة أو غيرها ، فإنّه إذا مات لا يبقى محلّ للإجارة ، وكذا إذا مات المستأجر الذي هو محلّ العمل ؛ من خدمة أو عمل آخر متعلّق به بنفسه ، ولو جعل العمل في ذمّته لا تبطل الإجارة بموته ، بل يستوفى من تركته ، وكذا بالنسبة إلى المستأجر إذا لم يكن محلّ للعمل ، بل كان مالكاً له على المؤجر ، كما إذا آجره للخدمة من غير تقييد بكونها له ، فإنّه إذا مات تنتقل إلى وارثه ، فهم يملكون عليه ذلك العمل ، وإذا آجر

ص: 405

الدار واشترط على المستأجر سكناه بنفسه لا تبطل بموته ، ويكون للمؤجر خيار(1) الفسخ ، نعم إذا اعتبر سكناه على وجه القيدية تبطل بموته .

(مسألة 4) : إذا آجر الوليّ أو الوصيّ الصبيّ المولّى عليه مدّة تزيد على زمان بلوغه ورشده بطلت في المتيقّن بلوغه فيه ؛ بمعنى أ نّها موقوفة على إجازته وصحّت واقعاً وظاهراً بالنسبة إلى المتيقّن صغره ، وظاهراً بالنسبة إلى المحتمل ، فإذا بلغ له أن يفسخ على الأقوى ؛ أي لا يجيز ، خلافاً لبعضهم فحكم بلزومها عليه لوقوعها من أهلها في محلّها في وقت لم يعلم لها منافٍ ، وهو كما ترى ، نعم لو اقتضت المصلحة اللازمة المراعاة إجارته مدّة زائدة على زمان البلوغ ؛ بحيث يكون إجارته أقلّ من تلك المدّة خلاف مصلحته تكون لازمة ليس له فسخها بعد بلوغه ، وكذا الكلام في إجارة أملاكه .

(مسألة 5) : إذا آجرت امرأة نفسها للخدمة مدّة معيّنة ، فتزوّجت قبل انقضائها ، لم تبطل الإجارة وإن كانت الخدمة منافية لاستمتاع الزوج .

(مسألة 6) : إذا آجر عبده أو أمته للخدمة ثمّ أعتقه ، لا تبطل الإجارة بالعتق ، وليس له الرجوع على مولاه بعوض تلك الخدمة في بقيّة المدّة ؛ لأ نّه كان مالكاً لمنافعه أبداً وقد استوفاها بالنسبة إلى تلك المدّة ، فدعوى أ نّه فوّت على العبد ما كان له حال حرّيته كما ترى ، نعم يبقى الكلام في نفقته في بقيّة المدّة إن لم يكن شرط كونها على المستأجر ، وفي المسألة وجوه : أحدها : كونها على المولى ؛ لأ نّه حيث استوفى بالإجارة منافعه فكأ نّه باقٍ على ملكه . الثاني : أ نّه في كسبه إن أمكن له الاكتساب لنفسه في غير زمان الخدمة ، وإن لم يمكن فمن بيت

ص: 406


1- - لا وجه لهذا الخيار ، بل الظاهر بطلان الإجارة بالموت .

المال ، وإن لم يكن فعلى المسلمين كفاية . الثالث : أ نّه إن لم يمكن اكتسابه في غير زمان الخدمة ، ففي كسبه وإن كان منافياً للخدمة . الرابع : أ نّه من كسبه ، ويتعلّق مقدار ما يفوت منه من الخدمة بذمّته . الخامس : أ نّه من بيت المال من الأوّل ولا يبعد قوّة الوجه الأوّل(1) .

(مسألة 7) : إذا وجد المستأجر في العين المستأجرة عيباً سابقاً على العقد وكان جاهلاً به ، فإن كان ممّا تنقص به المنفعة ، فلا إشكال في ثبوت الخيار له بين الفسخ والإبقاء ، والظاهر عدم جواز مطالبته الأرش ، فله الفسخ أو الرضا بها مجّاناً ، نعم لو كان العيب مثل خراب بعض بيوت الدار ، فالظاهر تقسيط الاُجرة(2) ؛ لأ نّه يكون حينئذٍ من قبيل تبعّض الصفقة ، ولو كان العيب ممّا لا تنقص معه المنفعة ، كما إذا تبيّن كون الدابّة مقطوع الاُذن أو الذنب ، فربما يستشكل في ثبوت الخيار معه ، لكن الأقوى ثبوته إذا كان ممّا يختلف به الرغبات ، وتتفاوت به الاُجرة ، وكذا له الخيار إذا حدث فيها عيب بعد العقد وقبل القبض ، بل بعد القبض أيضاً ، وإن كان استوفى بعض المنفعة ومضى بعض المدّة . هذا إذا كانت العين شخصية ، وأمّا إذا كانت كلّية وكان الفرد المقبوض معيباً فليس له فسخ العقد ، بل له مطالبة البدل ، نعم لو تعذّر البدل كان له الخيار في أصل العقد .

(مسألة 8) : إذا وجد المؤجر عيباً سابقاً في الاُجرة ولم يكن عالماً به كان له فسخ العقد ، وله الرضا به ، وهل له مطالبة الأرش معه؟ لا يبعد(3) ذلك ، بل ربّما

ص: 407


1- - بل الثاني أشبه .
2- - وله خيار الفسخ أيضاً .
3- - مشكل .

يدّعى عدم الخلاف فيه ، لكن هذا إذا لم تكن الاُجرة منفعة عين ، وإلاّ فلا أرش فيه ، مثل ما مرّ في المسألة السابقة من كون العين المستأجرة معيباً . هذا إذا كانت الاُجرة عيناً شخصية ، وأمّا إذا كانت كلّية فله مطالبة البدل ، لا فسخ أصل العقد إلاّ مع تعذّر البدل على حذو ما مرّ في المسألة السابقة .

(مسألة 9) : إذا أفلس المستأجر بالاُجرة كان للمؤجر الخيار(1) بين الفسخ واسترداد العين ، وبين الضرب مع الغرماء ، نظير ما إذا أفلس المشتري بالثمن ؛ حيث إنّ للبائع الخيار إذا وجد عين ماله .

(مسألة 10) : إذا تبيّن غبن المؤجر أو المستأجر فله الخيار ؛ إذا لم يكن عالماً به حال العقد ، إلاّ إذا اشترطا سقوطه في ضمن العقد .

(مسألة 11) : ليس في الإجارة خيار المجلس ولا خيار الحيوان ، بل ولا خيار التأخير على الوجه المذكور في البيع ، ويجري فيها خيار الشرط حتّى للأجنبيّ ، وخيار العيب والغبن كما ذكرنا ، بل يجري فيها سائر الخيارات كخيار الاشتراط وتبعّض الصفقة وتعذّر التسليم والتفليس والتدليس والشركة ، وما يفسد ليومه(2) وخيار شرط ردّ العوض نظير شرط ردّ الثمن في البيع .

(مسألة 12) : إذا آجر عبده أو داره - مثلاً - ثمّ باعه من المستأجر لم تبطل الإجارة ، فيكون للمشتري منفعة العبد - مثلاً - من جهة الإجارة قبل انقضاء مدّتها ، لا من جهة تبعية العين ، ولو فسخت الإجارة رجعت إلى البائع ، ولو مات

ص: 408


1- - محلّ إشكال ، فالأحوط التخلّص بالتصالح .
2- - فيه تأمّل .

بعد القبض رجع المشتري المستأجر على البائع بما يقابل بقيّة المدّة من الاُجرة وإن كان تلف العين عليه ، واللّه العالم .

فصل : في حصول أصل الملكية للطرفين بنفس العقد

فصل

يملك المستأجر المنفعة في إجارة الأعيان ، والعمل في الإجارة على الأعمال بنفس العقد ؛ من غير توقّف على شيء ، كما هو مقتضى سببية العقود ، كما أنّ المؤجر يملك(1) الاُجرة ملكية متزلزلة به كذلك ، ولكن لا يستحقّ المؤجر مطالبة الاُجرة إلاّ بتسليم العين أو العمل ، كما لا يستحقّ المستأجر مطالبتهما إلاّ بتسليم الاُجرة كما هو مقتضى المعاوضة وتستقرّ ملكية الاُجرة باستيفاء المنفعة أو العمل أو ما بحكمه ، فأصل الملكية للطرفين موقوف على تمامية العقد ، وجواز المطالبة موقوف على التسليم ، واستقرار ملكية الاُجرة موقوف على استيفاء المنفعة أو إتمام العمل أو ما بحكمهما ، فلو حصل مانع عن الاستيفاء أو عن العمل تنفسخ الإجارة ، كما سيأتي تفصيله .

(مسألة 1) : لو استأجر داراً - مثلاً - وتسلّمها ومضت مدّة الإجارة استقرّت الاُجرة عليه ؛ سواء سكنها أو لم يسكنها باختياره ، وكذا إذا استأجر دابّة للركوب أو لحمل المتاع إلى مكان كذا ومضى زمان يمكن له ذلك وجب عليه الاُجرة واستقرّت وإن لم يركب أو لم يحمل ؛ بشرط أن يكون مقدّراً بالزمان المتّصل بالعقد ، وأمّا إذا عيّنا وقتاً فبعد مضيّ ذلك الوقت ، هذا إذا كانت الإجارة واقعة على عين معيّنة شخصية في وقت معيّن ، وأمّا إن وقعت على كلّي وعيّن في فرد وتسلّمه فالأقوى أ نّه كذلك مع تعيين الوقت وانقضائه ، نعم مع عدم تعيين

ص: 409


1- - إلاّ في بعض موارد يأتي التصريح به منه .

الوقت فالظاهر عدم(1) استقرار الاُجرة المسمّاة وبقاء الإجارة وإن كان ضامناً لاُجرة المثل لتلك المدّة من جهة تفويته المنفعة على المؤجر .

(مسألة 2) : إذا بذل المؤجر العين المستأجرة للمستأجر ولم يتسلّم حتّى انقضت المدّة استقرّت عليه الاُجرة ، وكذا إذا استأجره ليخيط له ثوباً معيّناً - مثلاً - في وقت معيّن وامتنع من دفع الثوب إليه حتّى مضى ذلك الوقت ، فإنّه يجب عليه دفع الاُجرة ؛ سواء اشتغل في ذلك الوقت مع امتناع المستأجر من دفع الثوب إليه بشغل آخر لنفسه أو لغيره أو جلس فارغاً .

(مسألة 3) : إذا استأجره لقلع ضرسه ومضت المدّة التي يمكن إيقاع ذلك فيها وكان المؤجر باذلاً نفسه استقرّت الاُجرة ؛ سواء كان المؤجر حرّاً أو عبداً بإذن مولاه ، واحتمال الفرق بينهما بالاستقرار في الثاني دون الأوّل ؛ لأنّ منافع الحرّ لا تضمن إلاّ بالاستيفاء ، لا وجه له ؛ لأنّ منافعه بعد العقد عليها صارت مالاً للمستحقّ ، فإذا بذلها ولم يقبل كان تلفها منه ، مع أنّا لا نسلّم أنّ منافعه لا تضمن إلاّ بالاستيفاء ، بل تضمن بالتفويت أيضاً إذا صدق ذلك ، كما إذا حبسه وكان كسوباً ، فإنّه يصدق في العرف أ نّه فوّت عليه كذا مقداراً ، هذا ولو استأجره لقلع ضرسه فزال الألم بعد العقد لم تثبت الاُجرة لانفساخ الإجارة حينئذٍ .

(مسألة 4) : إذا تلفت العين المستأجرة قبل قبض المستأجر بطلت الإجارة ، وكذا إذا تلفت عقيب قبضها بلا فصل ، وأمّا إذا تلفت بعد استيفاء(2) منفعتها في بعض المدّة فتبطل بالنسبة إلى بقيّة المدّة فيرجع من الاُجرة بما قابل المتخلّف

ص: 410


1- - بل الظاهر استقرارها مع انقضاء زمان يمكن الاستيفاء وعدم ضمان اُجرة المثل .
2- - بل بعد مضيّ بعض المدّة مع إمكان الاستيفاء .

من المدّة إن نصفاً فنصف ، وإن ثلثاً فثلث ، مع تساوي الأجزاء بحسب الأوقات ، ومع التفاوت تلاحظ النسبة .

(مسألة 5) : إذا حصل الفسخ في أثناء المدّة بأحد أسبابه تثبت الاُجرة المسمّاة بالنسبة إلى ما مضى ، ويرجع منها بالنسبة إلى ما بقي ، كما ذكرنا في البطلان على المشهور ، ويحتمل قريباً(1) أن يرجع تمام المسمّى ويكون للمؤجر اُجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى ؛ لأنّ المفروض أ نّه يفسخ العقد الواقع أوّلاً ، ومقتضى الفسخ عود كلّ عوض إلى مالكه ، بل يحتمل أن يكون الأمر كذلك في صورة البطلان أيضاً ، لكنّه بعيد .

(مسألة 6) : إذا تلف بعض العين المستأجرة تبطل بنسبته، ويجيء خيار تبعّض الصفقة.

(مسألة 7) : ظاهر كلمات العلماء : أنّ الاُجرة من حين العقد مملوكة للمؤجر بتمامها ، وبالتلف قبل القبض أو بعده أو في أثناء المدّة ترجع إلى المستأجر - كلاًّ أو بعضاً - من حين البطلان ، كما هو الحال عندهم في تلف المبيع قبل القبض ، لا أن يكون كاشفاً عن عدم ملكيتها من الأوّل ، وهو مشكل ؛ لأنّ مع التلف ينكشف عدم كون المؤجر مالكاً للمنفعة إلى تمام المدّة ، فلم ينتقل ما يقابل المتخلّف من الأوّل إليه ، وفرق واضح بين تلف المبيع قبل القبض وتلف العين هنا ؛ لأنّ المبيع حين بيعه كان مالاً موجوداً قوبل بالعوض ، وأمّا المنفعة في المقام فلم تكن موجودة حين العقد ولا في علم اللّه إلاّ بمقدار بقاء العين ، وعلى

ص: 411


1- - هذا هو الأقوى فيما إذا كان حقّ الفسخ والخيار بسبب كان حين العقد ، كما إذا تبيّن الغبن أو وجد العيب السابق ، وأمّا مع عروض ذلك في الأثناء فالأقوى هو التوزيع .

هذا فإذا تصرّف في الاُجرة يكون تصرّفه بالنسبة إلى ما يقابل المتخلّف فضولياً ، ومن هذا يظهر أنّ وجه البطلان في صورة التلف - كلاًّ أو بعضاً - انكشاف عدم الملكية للمعوّض .

(مسألة 8) : إذا آجر دابّة كلّية ودفع فرداً منها فتلف ، لا تنفسخ الإجارة ، بل ينفسخ الوفاء(1) ، فعليه أن يدفع فرداً آخر .

(مسألة 9) : إذا آجره داراً فانهدمت فإن خرجت عن الانتفاع(2) بالمرّة بطلت ، فإن كان قبل القبض أو بعده قبل أن يسكن(3) فيها أصلاً رجعت الاُجرة بتمامها ، وإلاّ فبالنسبة ، ويحتمل تمامها في هذه الصورة أيضاً ، ويضمن اُجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى ، لكنّه بعيد ، وإن أمكن الانتفاع بها مع ذلك كان للمستأجر الخيار بين الإبقاء والفسخ ، وإذا فسخ كان حكم الاُجرة ما ذكرنا ، ويقوى هنا(4) رجوع تمام المسمّى مطلقاً ودفع اُجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى ؛ لأنّ هذا هو مقتضى فسخ العقد كما مرّ سابقاً ، وإن انهدم بعض بيوتها بقيت الإجارة بالنسبة إلى البقيّة ، وكان للمستأجر خيار تبعّض الصفقة ، ولو بادر المؤجر إلى تعميرها بحيث لم يفت الانتفاع أصلاً ليس للمستأجر الفسخ حينئذٍ على الأقوى خلافاً للثانيين .

(مسألة 10) : إذا امتنع المؤجر من تسليم العين المستأجرة يجبر عليه ،

ص: 412


1- - لا يخفى ما في التعبير من المسامحة .
2- - أي الذي هو مورد الإجارة .
3- - أي بلا فصل معتدّ به ، أو قبل مجيء زمان الإجارة .
4- - بل يقوى خلافه كما مرّ .

وإن لم يمكن إجباره للمستأجر فسخ الإجارة والرجوع بالاُجرة ، وله الإبقاء ومطالبة عوض المنفعة الفائتة ، وكذا إن أخذها(1) منه بعد التسليم بلا فصل أو في أثناء المدّة ، ومع الفسخ في الأثناء يرجع بما يقابل المتخلّف من الاُجرة ، ويحتمل قويّاً(2) رجوع تمام الاُجرة ودفع اُجرة المثل لما مضى ، كما مرّ نظيره سابقاً ؛ لأنّ مقتضى فسخ العقد عود تمام كلّ من العوضين إلى مالكهما الأوّل ، لكن هذا الاحتمال خلاف فتوى المشهور .

(مسألة 11) : إذا منعه ظالم عن الانتفاع بالعين قبل القبض تخيّر بين الفسخ والرجوع بالاُجرة ، وبين الرجوع على الظالم بعوض ما فات ، ويحتمل قويّاً(3) تعيّن الثاني ، وإن كان منع الظالم أو غصبه بعد القبض يتعيّن الوجه الثاني ، فليس له الفسخ حينئذٍ ؛ سواء كان بعد القبض في ابتداء المدّة أو في أثنائها ، ثمّ لو أعاد الظالم العين المستأجرة في أثناء المدّة إلى المستأجر فالخيار باقٍ ، لكن ليس له الفسخ إلاّ في الجميع ، وربما يحتمل(4) جواز الفسخ بالنسبة إلى ما مضى من المدّة في يد الغاصب ، والرجوع بقسطه من المسمّى واستيفاء باقي المنفعة ، وهو ضعيف ؛ للزوم التبعيض في العقد ، وإن كان يشكل الفرق بينه وبين ما ذكر من مذهب المشهور من إبقاء العقد فيما مضى وفسخه فيما بقي ؛ إذ إشكال تبعيض العقد مشترك بينهما .

(مسألة 12) : لو حدث للمستأجر عذر في الاستيفاء ، كما لو استأجر دابّة

ص: 413


1- - ثبوت الخيار بالغصب بعد القبض محلّ إشكال ، بل منع .
2- - مرّ ما هو الأقوى .
3- - لا قوّة فيه .
4- - هذا الاحتمال ضعيف ، والفرق بينه وبين ما نسب إلى المشهور ظاهر .

لتحمله إلى بلد فمرض المستأجر ولم يقدر ، فالظاهر البطلان(1) إن اشترط المباشرة على وجه القيدية ، وكذا لو حصل له عذر آخر ، ويحتمل عدم البطلان ، نعم لو كان هناك عذر عامّ بطلت قطعاً ؛ لعدم قابلية العين للاستيفاء حينئذٍ .

(مسألة 13) : التلف السماوي(2) للعين المستأجرة أو لمحلّ العمل موجب للبطلان ، ومنه إتلاف الحيوانات . وإتلاف المستأجر بمنزلة القبض ، وإتلاف المؤجر موجب للتخيير بين ضمانه والفسخ ، وإتلاف الأجنبيّ موجب لضمانه ، والعذر العامّ بمنزلة التلف ، وأمّا العذر الخاصّ بالمستأجر ، كما إذا استأجر دابّة لركوبه بنفسه فمرض ولم يقدر على المسافرة ، أو رجلاً لقلع سنّه فزال ألمه أو نحو ذلك ، ففيه إشكال(3) ، ولا يبعد أن يقال : إنّه يوجب البطلان إذا كان بحيث لو كان قبل العقد لم يصحّ معه العقد .

(مسألة 14) : إذا آجرت الزوجة نفسها بدون إذن الزوج فيما ينافي حقّ الاستمتاع وقفت على إجازة الزوج ، بخلاف ما إذا لم يكن منافياً ، فإنّها صحيحة(4) ، وإذا اتّفق إرادة الزوج للاستمتاع كشف عن فسادها .

ص: 414


1- - فيه تأمّل ، بل عدم البطلان لا يخلو من قرب .
2- - الأقرب بطلان الإجارة في جميع صور التلف والإتلاف ، وضمان المتلف للمالك ، ورجوع المستأجر إلى المؤجر في مال الإجارة حتّى مع إتلافه العين ؛ من غير فرق بين العين المستأجرة ومحلّ العمل .
3- - الأقوى هو البطلان في مثل زوال ألم السنّ ، وأمّا في المثال الآخر فقد تقدّم ما هو الأقرب .
4- - إذا كان مورد الإجارة في معرض إرادة الزوج للاستمتاع ففي الصحّة إشكال ، بل منع ، نعم لو كان احتمال تعلّق إرادته ضعيفاً لا يعتني به العقلاء ، فالعقد محكوم بالصحّة ظاهراً ، ولو اتّفق إرادته يكشف عن فساده .

(مسألة 15) : قد ذكر سابقاً أنّ كلاًّ من المؤجر والمستأجر يملك ما انتقل إليه بالإجارة بنفس العقد ، ولكن لا يجب تسليم أحدهما إلاّ بتسليم الآخر ، وتسليم المنفعة بتسليم العين ، وتسليم الاُجرة بإقباضها ، إلاّ إذا كانت منفعة أيضاً ، فبتسليم العين التي تستوفى منها ، ولا يجب على واحد منهما الابتداء بالتسليم ، ولو تعاسرا أجبرهما الحاكم ، ولو كان أحدهما باذلاً دون الآخر ولم يمكن جبره كان للأوّل الحبس إلى أن يسلّم الآخر ، هذا كلّه إذا لم يشترط في العقد تأجيل التسليم في أحدهما ، وإلاّ كان هو المتّبع ، هذا . وأمّا تسليم العمل فإن كان مثل الصلاة والصوم والحجّ والزيارة ونحوها فبإتمامه ، فقبله لا يستحقّ المؤجر المطالبة وبعده لا يجوز للمستأجر المماطلة ، إلاّ أن يكون هناك شرط أو عادة في تقديم الاُجرة فيتّبع ، وإلاّ فلا يستحقّ حتّى لو لم يمكن له العمل إلاّ بعد أخذ الاُجرة ، كما في حجّ الاستئجاري إذا كان المؤجر معسراً ، وكذا في مثل بناء جدار داره أو حفر بئر في داره أو نحو ذلك ، فإنّ إتمام العمل تسليم ، ولا يحتاج إلى شيء آخر ، وأمّا في مثل الثوب الذي أعطاه ليخيطه أو الكتاب الذي يكتبه أو نحو ذلك ممّا كان العمل في شيء بيد المؤجر ، فهل يكفي إتمامه في التسليم ، فبمجرّد الإتمام يستحقّ المطالبة ، أو لا إلاّ بعد تسليم مورد العمل ، فقبل أن يسلّم الثوب - مثلاً - لا يستحقّ مطالبة الاُجرة ؟ قولان ، أقواهما الأوّل ؛ لأنّ المستأجر عليه نفس العمل ، والمفروض أنّه قد حصل ، لا الصفة الحادثة في الثوب مثلاً ؛ وهي المخيطية ، حتّى يقال : إنّها في الثوب ، وتسليمها بتسليمه ، وعلى ما ذكرنا فلو تلف الثوب - مثلاً - بعد تمام الخياطة في يد المؤجر بلا ضمان يستحقّ اُجرة العمل ، بخلافه على القول الآخر ، ولو تلف مع ضمانه أو أتلفه وجب عليه قيمته مع وصف المخيطية ، لا قيمته قبلها ، وله الاُجرة المسمّاة بخلافه على القول

ص: 415

الآخر ، فإنّه لا يستحقّ الاُجرة ، وعليه قيمته غير مخيط(1) ، وأمّا احتمال عدم استحقاقه الاُجرة مع ضمانه القيمة مع الوصف فبعيد ، وإن كان له وجه(2) ، وكذا يتفرّع على ما ذكر : أ نّه لا يجوز حبس العين بعد إتمام العمل إلى أن يستوفي الاُجرة ، فإنّها بيده أمانة ؛ إذ ليست هي ولا الصفة التي فيها مورداً للمعاوضة ، فلو حبسها ضمن ، بخلافه على القول الآخر .

(مسألة 16) : إذا تبيّن بطلان الإجارة رجعت الاُجرة إلى المستأجر واستحقّ المؤجر اُجرة المثل بمقدار ما استوفاه المستأجر من المنفعة أو فاتت تحت يده ، إذا كان جاهلاً بالبطلان ، خصوصاً مع علم المستأجر ، وأمّا إذا كان عالماً فيشكل ضمان(3) المستأجر ، خصوصاً إذا كان جاهلاً ؛ لأ نّه بتسليمه العين إليه قد هتك حرمة ماله ، خصوصاً إذا كان البطلان من جهة جعل الاُجرة ما لا يتموّل شرعاً أو عرفاً ، أو إذا كان اُجرة بلا عوض ، ودعوى : أنّ إقدامه وإذنه في الاستيفاء إنّما هو بعنوان الإجارة ، والمفروض عدم تحقّقها ، فإذنه مقيّد بما لم يتحقّق ، مدفوعة ؛ بأ نّه إن كان المراد كونه مقيّداً بالتحقّق شرعاً فممنوع ، إذ مع فرض العلم بعدم الصحّة شرعاً لا يعقل قصد تحقّقه إلاّ على وجه التشريع المعلوم عدمه ، وإن كان المراد تقيّده بتحقّقها الإنشائية فهو حاصل ، ومن هنا يظهر حال

ص: 416


1- - بل عليه قيمته مخيطاً على هذا القول أيضاً ، فإذا أعطى قيمته كذلك يستحقّ الاُجرة .
2- - غير وجيه .
3- - الأقوى هو الضمان في غير الإجارة بلا عوض أو بما لا يتموّل عرفاً ؛ من غير الفرق فيهما بين العلم بالبطلان وعدمه ، ومن هنا يظهر حال الاُجرة في يد المؤجر ، فإنّ عليه الضمان ؛ علم المستأجر ببطلانها شرعاً أو لا ، وكذا يظهر ممّا ذكرنا حال الإجارة على الأعمال ، فإنّ العامل يستحقّ اُجرة مثل عمله إلاّ فيما تقدّم .

الاُجرة أيضاً ، فإنّها لو تلفت في يد المؤجر يضمن عوضها إلاّ إذا كان المستأجر عالماً ببطلان الإجارة ، ومع ذلك دفعها إليه ، نعم إذا كانت موجودة له أن يستردّها ، هذا . وكذا في الإجارة على الأعمال إذا كانت باطلة يستحقّ العامل اُجرة المثل لعمله دون المسمّاة ؛ إذا كان جاهلاً بالبطلان ، وأمّا إذا كان عالماً فيكون هو المتبرّع بعمله ؛ سواء كان بأمر من المستأجر أو لا ، فيجب عليه ردّ الاُجرة المسمّاة أو عوضها ، ولا يستحقّ اُجرة المثل ، وإذا كان المستأجر أيضاً عالماً فليس له مطالبة الاُجرة مع تلفها ولو مع عدم العمل من المؤجر .

(مسألة 17) : يجوز إجارة المشاع ، كما يجوز بيعه وصلحه وهبته ، ولكن لا يجوز تسليمه إلاّ بإذن الشريك إذا كان مشتركاً ، نعم إذا كان المستأجر جاهلاً بكونه مشتركاً كان له خيار الفسخ للشركة ، وذلك كما إذا آجره داره فتبيّن أنّ نصفها للغير ولم يجز ذلك الغير ، فإنّ له خيار الشركة بل وخيار التبعّض ، ولو آجره نصف الدار مشاعاً وكان المستأجر معتقداً أنّ تمام الدار له فيكون شريكاً معه في منفعتها ، فتبيّن أنّ النصف الآخر مال الغير فالشركة مع ذلك الغير ، ففي ثبوت الخيار له حينئذٍ وجهان ، لا يبعد ذلك إذا كان في الشركة مع ذلك الغير منقصة له(1) .

(مسألة 18) : لا بأس باستئجار اثنين داراً على الإشاعة ، ثمّ يقتسمان مساكنها بالتراضي أو بالقرعة ، وكذا يجوز استئجار اثنين دابّة للركوب على التناوب ، ثمّ يتّفقان على قرار بينهما بالتعيين بفرسخ فرسخ أو غير ذلك ، وإذا اختلفا في المبتدئ يرجعان إلى القرعة ، وكذا يجوز استئجار اثنين دابّة - مثلاً -

ص: 417


1- - موجبة للغبن .

لا على وجه الإشاعة ، بل نوباً معيّنة بالمدّة أو بالفراسخ ، وكذا يجوز إجارة اثنين نفسهما على عمل معيّن على وجه الشركة كحمل شيء معيّن لا يمكن إلاّ بالمتعدّد .

(مسألة 19) : لا يشترط اتّصال مدّة الإجارة بالعقد على الأقوى ، فيجوز أن يؤجره داره شهراً متأخّراً عن العقد بشهر أو سنة ؛ سواء كانت مستأجرة في ذلك الشهر الفاصل أو لا ، ودعوى البطلان من جهة عدم القدرة على التسليم كما ترى ؛ إذ التسليم لازم في زمان الاستحقاق لا قبله . هذا ، ولو آجره داره شهراً وأطلق ، انصرف(1) إلى الاتّصال بالعقد ، نعم لو لم يكن انصراف بطل .

فصل : في أنّ عين المستأجرة أمانة

فصل

العين المستأجرة في يد المستأجر أمانة ، فلا يضمن تلفها أو تعيّبها إلاّ بالتعدّي أو التفريط ، ولو شرط المؤجر عليه ضمانها بدونهما فالمشهور عدم الصحّة ، لكن الأقوى(2) صحّته ، وأولى بالصحّة إذا اشترط عليه أداء مقدار مخصوص من ماله على تقدير التلف أو التعيّب ، لا بعنوان الضمان ، والظاهر عدم الفرق في عدم الضمان مع عدم الأمرين بين أن يكون التلف في أثناء المدّة أو بعدها(3) ؛ إذا لم يحصل منه منع للمؤجر عن عين ماله إذا طلبها ، بل خلّى بينه وبينها ولم يتصرّف بعد ذلك فيها . ثمّ هذا إذا كانت الإجارة صحيحة ، وأمّا إذا

ص: 418


1- - إذا لم تكن مستأجرة .
2- - محلّ إشكال ، بل عدم الصحّة لا يخلو من قوّة ، نعم لا إشكال فيه على النحو الثاني .
3- - إلى مدّة يتعارف الردّ فيها إلى صاحبها ، فإن أخّر عنها فالظاهر الضمان ، إلاّ أن يكون تعارف في البقاء عنده حتّى يرجع إليه صاحبها .

كانت باطلة ففي ضمانها وجهان ، أقواهما العدم ، خصوصاً إذا كان المؤجر عالماً بالبطلان حين الإقباض دون المستأجر .

(مسألة 1) : العين التي للمستأجر بيد المؤجر - الذي آجر نفسه لعمل فيها ، كالثوب آجر نفسه ليخيطه - أمانة ، فلا يضمن تلفها أو نقصها إلاّ بالتعدّي أو التفريط ، أو اشتراط ضمانها(1) على حذو ما مرّ في العين المستأجرة ولو تلفت أو أتلفها المؤجر أو الأجنبيّ قبل العمل أو في الأثناء بطلت الإجارة ورجعت الاُجرة بتمامها أو بعضها إلى المستأجر ، بل لو أتلفها مالكها المستأجر كذلك أيضاً ، نعم لو كانت الإجارة واقعة على منفعة المؤجر ؛ بأن يملك منفعته الخيّاطي في يوم كذا ، يكون إتلافه لمتعلّق العمل بمنزلة استيفائه ؛ لأ نّه بإتلافه إيّاه فوّت على نفسه المنفعة ، ففرق بين أن يكون العمل في ذمّته أو يكون منفعته الكذائية للمستأجر ، ففي الصورة الاُولى التلف قبل العمل موجب للبطلان ، ورجوع الاُجرة إلى المستأجر وإن كان هو المتلف ، وفي الصورة الثانية إتلافه بمنزلة الاستيفاء ، وحيث إنّه مالك لمنفعة المؤجر وقد فوّتها على نفسه ، فالاُجرة ثابتة عليه .

(مسألة 2) : المدار في الضمان على قيمة يوم الأداء في القيميات لا يوم التلف ، ولا أعلى القيم على الأقوى .

(مسألة 3) : إذا أتلف الثوب بعد الخياطة ضمن قيمته مخيطاً واستحقّ الاُجرة المسمّاة ، وكذا لو حمل متاعاً إلى مكان معيّن ثمّ تلف مضموناً أو أتلفه ، فإنّه يضمن قيمته في ذلك المكان ، لا أن يكون المالك مخيّراً بين تضمينه غير مخيط

ص: 419


1- - مرّ ما هو الأقوى .

بلا اُجرة أو مخيطاً مع الاُجرة ، وكذا لا أن يكون في المتاع مخيّراً بين قيمته غير محمول في مكانه الأوّل بلا اُجرة أو في ذلك المكان مع الاُجرة كما قد يقال .

(مسألة 4) : إذا أفسد الأجير للخياطة أو القصارة أو لتفصيل الثوب ضمن ، وكذا الحجّام إذا جنى في حجامته ، أو الختّان في ختانه ، وكذا الكحّال والبيطار وكلّ من آجر نفسه لعمل في مال المستأجر إذا أفسده يكون ضامناً ؛ إذا تجاوز عن الحدّ المأذون فيه وإن كان بغير قصده ؛ لعموم من أتلف ، وللصحيح عن أبي عبداللّه علیه السلام في الرجل يعطي الثوب ليصبغه ، فقال علیه السلام : «كلّ عامل أعطيته أجراً على أن يصلح فأفسد فهو ضامن» بل ظاهر المشهور ضمانه وإن لم يتجاوز عن الحدّ المأذون فيه ، ولكنّه مشكل ، فلو مات الولد بسبب الختان مع كون الختّان حاذقاً من غير أن يتعدّى عن محلّ القطع ؛ بأن كان أصل الختان مضرّاً به في ضمانه إشكال(1) .

(مسألة 5) : الطبيب المباشر للعلاج إذا أفسد ضامن وإن كان حاذقاً ، وأمّا إذا لم يكن مباشراً بل كان آمراً ففي ضمانه إشكال ، إلاّ أن يكون سبباً وكان أقوى من المباشر(2) وأشكل منه إذا كان واصفاً للدواء من دون أن يكون آمراً ، كأن يقول : إنّ دواءك كذا وكذا ، بل الأقوى فيه عدم الضمان ، وإن قال : الدواء الفلاني نافع للمرض الفلاني ، فلا ينبغي الإشكال في عدم ضمانه ، فلا وجه لما عن بعضهم من التأمّل فيه ، وكذا لو قال : لو كنت مريضاً بمثل هذا المرض لشربت الدواء الفلاني .

ص: 420


1- - والأقوى عدم الضمان .
2- - لا يبعد الضمان في التطبّب على النحو المتعارف ؛ سواء أمر أم لا .

(مسألة 6) : إذا تبرّأ الطبيب من الضمان وقبل المريض أو وليّه ، ولم يقصّر في الاجتهاد والاحتياط ، برئ على الأقوى .

(مسألة 7) : إذا عثر الحمّال فسقط ما كان على رأسه أو ظهره - مثلاً - ضمن ؛ لقاعدة الإتلاف .

(مسألة 8) : إذا قال للخيّاط مثلاً : إن كان هذا يكفيني قميصاً فاقطعه ، فقطعه فلم يكف ، ضمن في وجه ، ومثله لو قال : هل يكفي قميصاً ؟ فقال : نعم ، فقال اقطعه فلم يكفه . وربما يفرّق بينهما فيحكم بالضمان في الأوّل دون الثاني ؛ بدعوى : عدم الإذن في الأوّل دون الثاني ، وفيه : أنّ في الأوّل أيضاً الإذن حاصل(1) ، وربما يقال بعدم الضمان فيهما للإذن فيهما ، وفيه : أ نّه مقيّد بالكفاية ، إلاّ أن يقال : إنّه مقيّد باعتقاد الكفاية وهو حاصل ، والأولى الفرق بين الموارد والأشخاص بحسب صدق الغرور وعدمه ، أو تقيّد الإذن وعدمه ، والأحوط مراعاة الاحتياط .

(مسألة 9) : إذا آجر عبده لعمل فأفسد ، ففي كون الضمان عليه ، أو على العبد يتبع به بعد عتقه ، أو في كسبه إذا كان من غير تفريط ، وفي ذمّته يتبع به بعد العتق إذا كان بتفريط ، أو في كسبه مطلقاً وجوه وأقوال ، أقواها الأخير(2) ؛ للنصّ الصحيح ، هذا في غير الجناية على نفس أو طرف ، وإلاّ فيتعلّق

ص: 421


1- - إذنه إنّما هو على تقدير الكفاية ، كما أنّ الإذن في الثاني أيضاً مبنيّ عليه ، ولا يوجب شيء منهما رفع الضمان .
2- - بل الأوّل ؛ للنصّ الصحيح ، وأمّا النصّ الذي أشار إليه ، فالظاهر منه غير ما نحن فيه أو يقيّد بالنصّ المتقدّم ، والجناية على النفس والطرف تحتاج إلى المراجعة .

برقبته ، وللمولى فداؤه بأقلّ الأمرين من الأرش والقيمة .

(مسألة 10) : إذا آجر دابّة لحمل متاع فعثرت وتلف أو نقص لا ضمان على صاحبها ، إلاّ إذا كان هو السبب بنخس أو ضرب .

(مسألة 11) : إذا استأجر سفينة أو دابّة لحمل متاع فنقص أو سرق لم يضمن صاحبها ، نعم لو اشترط(1) عليه الضمان صحّ ؛ لعموم دليل الشرط وللنصّ .

(مسألة 12) : إذا حمل الدابّة المستأجرة أزيد من المشترط أو المقدار المتعارف مع الإطلاق ضمن تلفها أو عوارها ، والظاهر ثبوت اُجرة المثل لا المسمّى(2) مع عدم التلف ؛ لأنّ العقد لم يقع على هذا المقدار من الحمل ، نعم لو لم يكن ذلك على وجه التقييد ثبت عليه المسمّاة واُجرة المثل بالنسبة إلى الزيادة .

(مسألة 13) : إذا اكترى دابّة فسار عليها زيادة عن المشترط ضمن ، والظاهر(3) ثبوت الاُجرة المسمّاة بالنسبة إلى المقدار المشترط واُجرة المثل بالنسبة إلى الزائد .

(مسألة 14) : يجوز لمن استأجر دابّة للركوب أو الحمل أن يضربها إذا وقفت على المتعارف ، أو يكبحها باللجام أو نحو ذلك على المتعارف ، إلاّ مع منع

ص: 422


1- - الأولى الأحوط أن يشترط عليه على حذو ما ذكرنا في العين المستأجرة .
2- - بل الظاهر ثبوت المسمّى بالنسبة إلى المقدار المشترط أو المتعارف ، واُجرة مثل الزيادة ، نعم لو فرض إيقاع الإجارة على حمل مقدار معيّن بشرط لا عن غيره ، فيصير حكمه حكم المتباينين على ما يأتي .
3- - يأتي فيه التفصيل المتقدّم .

المالك(1) من ذلك أو كونه معها ، وكان المتعارف سوقه هو ، ولو تعدّى عن المتعارف أو مع منعه ضمن نقصها أو تلفها ، أمّا في صورة الجواز ففي ضمانه مع عدم التعدّي إشكال ، بل الأقوى العدم ؛ لأ نّه مأذون فيه(2) .

(مسألة 15) : إذا استؤجر لحفظ متاع فسرق لم يضمن ، إلاّ مع التقصير في الحفظ ولو لغلبة النوم عليه ، أو مع اشتراط الضمان ، وهل يستحقّ الاُجرة مع السرقة؟ الظاهر لا ؛ لعدم حصول العمل المستأجر عليه ، إلاّ أن يكون متعلّق الإجارة الجلوس عنده وكان الغرض هو الحفظ ، لا أن يكون هو المستأجر عليه .

(مسألة 16) : صاحب الحمّام لا يضمن الثياب إلاّ إذا اُودع وفرّط أو تعدّى ، وحينئذٍ يشكل صحّة اشتراط الضمان أيضاً ؛ لأ نّه أمين محض ، فإنّه إنّما أخذ الاُجرة على الحمّام ولم يأخذ على الثياب ، نعم لو استؤجر مع ذلك للحفظ أيضاً ضمن مع التعدّي أو التفريط ، ومع اشتراط الضمان أيضاً ؛ لأ نّه حينئذٍ يأخذ الاُجرة على الثياب أيضاً ، فلا يكون أميناً محضاً .

فصل : فيما يكفي في صحّة الإجارة

فصل

يكفي في صحّة الإجارة كون المؤجر مالكاً للمنفعة ، أو وكيلاً عن المالك لها ، أو وليّاً عليه ؛ وإن كانت العين للغير ، كما إذا كانت مملوكة بالوصيّة أو بالصلح أو بالإجارة ، فيجوز للمستأجر أن يؤجرها من المؤجر أو من غيره ، لكن في جواز

ص: 423


1- - في ضمن العقد ، وأمّا بعد العقد فلا تأثير في منعه من المتعارف .
2- - مجرّد التعارف لا يستلزم الإذن ليرفع الضمان ، نعم لو كان بحيث ينتزع منه الإذن لدى العقلاء صحّ ما ذكره .

تسليمه العين إلى المستأجر الثاني بدون إذن المؤجر إشكال(1) ، فلو استأجر دابّة للركوب أو لحمل المتاع مدّة معيّنة فآجرها في تلك المدّة أو في بعضها من آخر يجوز ، ولكن لا يسلّمها إليه ، بل يكون هو معها وإن ركبها ذلك الآخر أو حملها متاعه ، فجواز الإجارة لا يلازم تسليم العين بيده ، فإن سلّمها بدون إذن المالك ضمن ، هذا إذا كانت الإجارة الاُولى مطلقة ، وأمّا إذا كانت مقيّدة كأن استأجر الدابّة لركوبه نفسه ، فلا يجوز إجارتها من آخر ، كما أ نّه إذا اشترط المؤجر عدم إجارتها من غيره أو اشترط استيفاء المنفعة بنفسه لنفسه كذلك أيضاً ؛ أي لا يجوز إجارتها من الغير ، نعم لو اشترط استيفاء المنفعة بنفسه ولم يشترط كونها لنفسه جاز أيضاً إجارتها من الغير بشرط أن يكون هو المباشر للاستيفاء لذلك الغير ، ثمّ لو خالف وآجر في هذه الصور ففي الصورة الاُولى- وهي ما إذا استأجر الدابّة لركوبه نفسه - بطلت ؛ لعدم كونه مالكاً إلاّ ركوبه نفسه ، فيكون المستأجر الثاني ضامناً لاُجرة المثل للمالك إن استوفى المنفعة ، وفي الصورة الثانية والثالثة في بطلان الإجارة وعدمه وجهان(2) مبنيّان على أنّ التصرّف المخالف للشرط باطل لكونه مفوّتاً لحقّ الشرط أو لا ، بل حرام وموجب للخيار ، وكذا في الصورة الرابعة إذا لم يستوف هو بل سلّمها إلى ذلك الغير .

(مسألة 1) : يجوز للمستأجر مع عدم اشتراط المباشرة وما بمعناها أن يؤجر العين المستأجرة بأقلّ ممّا استأجر ، وبالمساوي له مطلقاً - أيّ شيء كانت - بل بأكثر منه أيضاً إذا أحدث فيها حدثاً ، أو كانت الاُجرة من غير جنس الاُجرة السابقة ، بل مع عدم الشرطين أيضاً فيما عدا البيت والدار والدكّان والأجير ،

ص: 424


1- - وإن كان الجواز لا يخلو من وجه .
2- - أوجههما الثاني ، وأولى بذلك الصورة الرابعة .

وأمّا فيها فإشكال(1) ، فلا يترك الاحتياط بترك إجارتها بالأكثر ، بل الأحوط(2) إلحاق الرحى والسفينة بها أيضاً في ذلك ، والأقوى جواز ذلك مع عدم الشرطين في الأرض على كراهة ؛ وإن كان الأحوط الترك فيها أيضاً ، بل الأحوط الترك في مطلق الأعيان إلاّ مع إحداث حدث فيها ، هذا . وكذا لا يجوز أن يؤجر بعض أحد الأربعة المذكورة بأزيد من الاُجرة ، كما إذا استأجر داراً بعشرة دنانير وسكن بعضها وآجر البعض الآخر بأزيد من العشرة ، فإنّه لا يجوز بدون إحداث(3) حدث ، وأمّا لو آجر بأقلّ من العشرة فلا إشكال ، والأقوى الجواز بالعشرة أيضاً ، وإن كان الأحوط تركه .

(مسألة 2) : إذا تقبّل عملاً من غير اشتراط المباشرة ولا مع الانصراف إليها يجوز أن يوكله إلى عبده أو صانعه أو أجنبيّ ، ولكن الأحوط عدم تسليم متعلّق العمل كالثوب ونحوه إلى غيره من دون إذن المالك ، وإلاّ ضمن ، وجواز الإيكال لا يستلزم جواز الدفع ، كما مرّ نظيره(4) في العين المستأجرة ، فيجوز له استئجار غيره لذلك العمل بمساوي الاُجرة التي قرّرها في إجارته أو أكثر ، وفي جواز استئجار الغير بأقلّ من الاُجرة إشكال(5) ، إلاّ أن يحدث حدثاً ، أو يأتي ببعض ، فلو آجر نفسه لخياطة ثوب بدرهم يشكل استئجار غيره لها بأقلّ منه ، إلاّ

ص: 425


1- - بل الأقوى عدم الجواز .
2- - وإن كان عدم الإلحاق لا يخلو من قوّة ، وكذا الخان .
3- - أو كون الاُجرة من غير جنس الاُجرة السابقة .
4- - مرّ الكلام فيها ، وجواز دفع متعلّق العمل على المؤجر لذلك العمل أيضاً لا يخلو من وجه ، والأحوط عدم الدفع إلى غير المؤجر .
5- - الأقوى عدم الجواز .

أن يفصله أو يخيط شيئاً منه ولو قليلاً ، بل يكفي(1) أن يشتري الخيط أو الإبرة في جواز الأقلّ وكذا لو آجر نفسه لعمل صلاة سنة أو صوم شهر بعشر دراهم - مثلاً - في صورة عدم اعتبار المباشرة يشكل(2) استئجار غيره بتسعة مثلاً ، إلاّ أن يأتي بصلاة واحدة أو صوم يوم واحد مثلاً .

(مسألة 3) : إذا استؤجر لعمل في ذمّته لا بشرط المباشرة يجوز تبرّع الغير عنه ، وتفرغ ذمّته بذلك ، ويستحقّ الاُجرة المسمّاة ، نعم لو أتى بذلك العمل المعيّن غيره ، لا بقصد التبرّع عنه لا يستحقّ الاُجرة المسمّاة وتنفسخ الإجارة حينئذٍ لفوات المحلّ ، نظير ما مرّ سابقاً من الإجارة على قلع السنّ فزال ألمه ، أو لخياطة ثوب فسرق أو حرق .

(مسألة 4) : الأجير الخاصّ - وهو من آجر نفسه على وجه يكون جميع منافعه للمستأجر في مدّة معيّنة ، أو على وجه تكون منفعته الخاصّة كالخياطة - مثلاً - له ، أو آجر نفسه لعمل مباشرة مدّة معيّنة ، أو كان اعتبار المباشرة أو كونها في تلك المدّة أو كليهما على وجه الشرطية لا القيدية - لا يجوز له أن يعمل في تلك المدّة - لنفسه أو لغيره بالإجارة أو الجعالة أو التبرّع - عملاً ينافي حقّ المستأجر إلاّ مع إذنه ، ومثل تعيين المدّة تعيين أوّل زمان العمل بحيث لا يتوانى فيه إلى الفراغ ، نعم لا بأس بغير المنافي ، كما إذا عمل البنّاء لنفسه أو لغيره في الليل فإنّه لا مانع منه إذا لم يكن موجباً لضعفه في النهار ، ومثل إجراء عقد أو إيقاع أو تعليم أو تعلّم في أثناء الخياطة ونحوها ، لانصراف المنافع عن مثلها ،

ص: 426


1- - محلّ إشكال ، بل منع .
2- - وإن كان الجواز لا يخلو من وجه ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط .

هذا ولو خالف وأتى بعمل منافٍ لحقّ المستأجر ، فإن كانت الإجارة على الوجه الأوّل ؛ بأن يكون جميع منافعه للمستأجر وعمل لنفسه في تمام المدّة أو بعضها ، فللمستأجر أن يفسخ ويسترجع تمام الاُجرة المسمّاة ، أو بعضها ، أو يبقيها ويطالب عوض الفائت(1) من المنفعة بعضاً أو كلاًّ وكذا إن عمل للغير تبرّعاً ، ولا يجوز له على فرض عدم الفسخ مطالبة الغير المتبرّع له بالعوض ؛ سواء كان جاهلاً بالحال أو عالماً ؛ لأنّ المؤجر هو الذي أتلف المنفعة عليه دون ذلك الغير ، وإن كان ذلك الغير آمراً له بالعمل ، إلاّ إذا فرض على وجه يتحقّق معه صدق الغرور ، وإلاّ فالمفروض أنّ المباشر للإتلاف هو المؤجر ، وإن كان عمل للغير بعنوان الإجارة أو الجعالة فللمستأجر أن يجيز ذلك ، ويكون له الاُجرة المسمّاة في تلك الإجارة أو الجعالة ، كما أنّ له الفسخ والرجوع إلى الاُجرة المسمّاة وله الإبقاء ومطالبة عوض المقدار الذي فات ، فيتخيّر بين الاُمور الثلاثة ، وإن كانت الإجارة على الوجه الثاني - وهو كون منفعته الخاصّة للمستأجر - فحاله كالوجه الأوّل ، إلاّ إذا كان العمل للغير على وجه الإجارة أو الجعالة ، ولم يكن من نوع العمل المستأجر عليه ، كأن تكون الإجارة واقعة على منفعة الخيّاطي فآجر نفسه للغير للكتابة ، أو عمل الكتابة بعنوان الجعالة فإنّه ليس للمستأجر إجازة ذلك ، لأنّ المفروض أ نّه مالك لمنفعة الخيّاطي ، فليس له إجازة العقد الواقع على الكتابة ، فيكون مخيّراً بين الأمرين ؛ من الفسخ واسترجاع الاُجرة المسمّاة ، والإبقاء ومطالبة عوض الفائت ، وإن كانت على الوجه الثالث فكالثاني ، إلاّ أ نّه لا فرق فيه في عدم صحّة الإجازة بين ما إذا

ص: 427


1- - أي اُجرة مثل العمل الذي عمله لنفسه أو لغيره ، كما في الفرع التالي ، وكذا في نظائره .

كانت الإجارة أو الجعالة واقعة على نوع العمل المستأجر عليه أو على غيره ، إذ ليست منفعة الخياطة - مثلاً - مملوكة للمستأجر حتّى يمكنه إجازة العقد الواقع عليها ، بل يملك عمل الخياطة في ذمّة المؤجر ، وإن كانت على الوجه الرابع - وهوكون اعتبار المباشرة أو المدّة المعيّنة على وجه الشرطية لا القيدية - ففيه وجهان(1) ؛ يمكن أن يقال بصحّة العمل للغير بعنوان الإجارة أو الجعالة من غير حاجة إلى الإجازة وإن لم يكن جائزاً ؛ من حيث كونه مخالفة للشرط الواجب العمل ، غاية ما يكون أنّ للمستأجر خيار تخلّف الشرط ، ويمكن أن يقال بالحاجة إلى الإجازة ، لأنّ الإجارة أو الجعالة منافية لحقّ الشرط ، فتكون باطلة بدون الإجازة .

(مسألة 5) : إذا آجر نفسه لعمل من غير اعتبار المباشرة ولو مع تعيين المدّة ، أو من غير تعيين المدّة ولو مع اعتبار المباشرة ، جاز عمله للغير ولو على وجه الإجارة قبل الإتيان بالمستأجر عليه ؛ لعدم منافاته له من حيث إمكان تحصيله ، لا بالمباشرة أو بعد العمل للغير ، لأنّ المفروض عدم تعيين المباشرة أو عدم تعيين المدّة ، ودعوى : أنّ إطلاق العقد من حيث الزمان يقتضي وجوب التعجيل ، ممنوعة ، مع أنّ لنا أن نفرض الكلام فيما لو كانت قرينة على عدم إرادة التعجيل .

(مسألة 6) : لو استأجر دابّة لحمل متاع معيّن شخصي أو كلّي على وجه التقييد ، فحملها(2) غير ذلك المتاع أو استعملها في الركوب لزمه الاُجرة

ص: 428


1- - بل وجوه ، أوجهها أوّل وجهي ما في المتن .
2- - في الوقت الذي استأجرها أو استعملها في الركوب كذلك .

المسمّاة ، واُجرة المثل(1) لحمل المتاع الآخر أو للركوب ، وكذا لو استأجر عبداً للخياطة فاستعمله في الكتابة ، بل وكذا لو استأجر حرّاً لعمل معيّن في زمان معيّن وحمله على غير ذلك العمل مع تعمّده وغفلة ذلك الحرّ واعتقاده أ نّه العمل المستأجر عليه ، ودعوى : أ نّه ليس للدابّة في زمان واحد منفعتان متضادّتان ، وكذا ليس للعبد في زمان واحد إلاّ إحدى المنفعتين من الكتابة أو الخياطة ، فكيف يستحقّ اُجرتين ؟ مدفوعة بأنّ المستأجر بتفويته على نفسه واستعماله في غير ما يستحقّ كأ نّه حصّل له منفعة اُخرى .

(مسألة 7) : لو آجر نفسه للخياطة - مثلاً - في زمان معيّن ، فاشتغل بالكتابة للمستأجر مع علمه بأ نّه غير العمل المستأجر عليه لم يستحقّ شيئاً ؛ أمّا الاُجرة المسمّاة فلتفويتها على نفسه بترك الخياطة ، وأمّا اُجرة المثل للكتابة - مثلاً - فلعدم كونها مستأجراً عليها ، فيكون كالمتبرّع بها ، بل يمكن أن يقال بعدم استحقاقه لها ، ولو كان مشتبهاً غير متعمّد ، خصوصاً مع جهل المستأجر بالحال .

(مسألة 8) : لو آجر دابّته لحمل متاع زيد من مكان إلى آخر ، فاشتبه وحمّلها متاع عمرو ، لم يستحقّ الاُجرة على زيد ولا على عمرو .

(مسألة 9) : لو آجر دابّته من زيد - مثلاً - فشردت قبل التسليم إليه أو بعده(2)

ص: 429


1- - بل الأقرب أ نّه لم يلزمه إلاّ الاُجرة المسمّاة ، والتفاوت بين اُجرة المنفعة التي استوفاها واُجرة المنفعة المستأجر عليها لو كان ، فلو استأجرها بخمسة فركبها وكانت اُجرة الركوب عشرة لزمته العشرة ، ومع عدم الزيادة لم تلزمه إلاّ الاُجرة المسمّاة ، وكذا الحال في نظائر المسألة .
2- - إذا لم يكن تقصير من المستأجر في حفظها المتعارف وكذا في العبد .

في أثناء المدّة بطلت الإجارة ، وكذا لو آجر عبده فأبق ، ولو غصبهما غاصب ، فإن كان قبل التسليم فكذلك ، وإن كان بعده يرجع المستأجر على الغاصب بعوض المقدار الفائت من المنفعة ، ويحتمل التخيير(1) بين الرجوع على الغاصب وبين الفسخ في الصورة الاُولى وهو ما إذا كان الغصب قبل التسليم .

(مسألة 10) : إذا آجر سفينته لحمل الخلّ - مثلاً - من بلد إلى بلد ، فحملها المستأجر خمراً لم يستحقّ(2) المؤجر إلاّ الاُجرة المسمّاة ، ولا يستحقّ اُجرة المثل لحمل الخمر ؛ لأنّ أخذ الاُجرة عليه حرام ، فليست هذه المسألة مثل مسألة إجارة العبد للخياطة فاستعمله المستأجر في الكتابة ، لا يقال : فعلى هذا إذا غصب السفينة وحملها خمراً كان اللازم عدم استحقاق المالك اُجرة المثل ؛ لأنّ اُجرة حمل الخمر حرام ، لأ نّا نقول : إنّما يستحقّ المالك اُجرة المثل للمنافع المحلّلة الفائتة في هذه المدّة ، وفي المسألة المفروضة لم يفوّت على المؤجر منفعة ؛ لأ نّه أعطاه الاُجرة المسمّاة لحمل الخلّ بالفرض .

(مسألة 11) : لو استأجر دابّة معيّنة من زيد للركوب إلى مكان ، فاشتبه وركب دابّة اُخرى له ، لزمه(3) الاُجرة المسمّاة للاُولى واُجرة المثل للثانية ، كما إذا اشتبه فركب دابّة عمرو ، فإنّه يلزمه اُجرة المثل لدابّة عمرو ، والمسمّاة لدابّة زيد ؛ حيث فوّت منفعتها على نفسه .

ص: 430


1- - هذا هو الأقوى .
2- - بل يستحقّ مضافاً إلى الاُجرة المسمّاة التفاوت بينها وبين اُجرة المثل على فرض زيادتها على المسمّاة كما مرّ .
3- - مع كون الدابّة مسلّمة إليه ، أو تحت اختياره ، وكذا في الفرع التالي .

(مسألة 12) : لو آجر نفسه لصوم يوم معيّن عن زيد - مثلاً - ثمّ آجر نفسه لصوم ذلك اليوم عن عمرو لم تصحّ الإجارة الثانية ، ولو فسخ الاُولى بخيار أو إقالة قبل ذلك اليوم لم ينفع في صحّتها ، بل ولو أجازها ثانياً ، بل لا بدّ له من تجديد العقد ؛ لأنّ الإجازة كاشفة(1) ، ولا يمكن الكشف هنا لوجود المانع حين الإجارة ، فيكون نظير من باع شيئاً ثمّ ملك ، بل أشكل .

فصل : فيما يجوز إجارته

فصل

لا يجوز إجارة الأرض لزرع الحنطة أو الشعير بما يحصل منها من الحنطة أو الشعير(2) ، لا لما قيل من عدم كون مال الإجارة موجوداً حينئذٍ لا في الخارج ولا في الذمّة ، ومن هنا يظهر عدم جواز إجارتها بما يحصل منها ولو من غير الحنطة والشعير ، بل عدم جوازها بما يحصل من أرض اُخرى أيضاً ؛ لمنع ذلك ، فإنّهما في نظر العرف واعتبارهم بمنزلة الموجود كنفس المنفعة ، وهذا المقدار كافٍ في الصحّة نظير بيع الثمار سنتين أو مع ضمّ الضميمة ، فإنّها لا يجعل غير الموجود موجوداً ، مع أنّ البيع وقع على المجموع ، بل للأخبار الخاصّة . وأمّا إذا آجرها بالحنطة أو الشعير في الذمّة لكن بشرط الأداء منها ، ففي جوازه إشكال ، والأحوط العدم ؛ لما يظهر من بعض الأخبار ، وإن كان يمكن حمله على الصورة الاُولى . ولو آجرها بالحنطة أو الشعير من غير اشتراط كونهما منها فالأقوى جوازه ، نعم لا يبعد كراهته ، وأمّا إجارتها بغير الحنطة والشعير

ص: 431


1- - كونها كاشفة محلّ تأمّل وإشكال ، وإن كان البطلان كما ذكره لا يخلو من وجه .
2- - بل بما يحصل منها مطلقاً ؛ سواء كان بمقدار معيّن من حاصلها أو مع اشتراط أدائه منه .

من الحبوب فلا إشكال فيه(1) ، خصوصاً إذا كان في الذمّة مع اشتراط كونه منها أو لا .

(مسألة 1) : لا بأس بإجارة حصّة من أرض معيّنة مشاعة ، كما لا بأس بإجارة حصّة منها على وجه الكلّي في المعيّن مع مشاهدتها على وجه يرتفع به الغرر ، وأمّا إجارتها على وجه الكلّي في الذمّة فمحلّ إشكال ، بل قد يقال بعدم جوازها لعدم ارتفاع الغرر بالوصف ، ولذا لا يصحّ السلم فيها، وفيه: أ نّه يمكن وصفها على وجه يرتفع، فلا مانع منها إذا كان كذلك.

(مسألة 2) : يجوز استئجار الأرض لتعمل مسجداً ؛ لأ نّه منفعة محلّلة ، وهل يثبت لها آثار المسجد من حرمة التلويث ، ودخول الجنب والحائض ونحو ذلك؟ قولان ، أقواهما العدم ، نعم إذا كان قصده عنوان المسجدية لا مجرّد الصلاة فيه وكانت المدّة طويلة - كمائة سنة أو أزيد - لا يبعد(2) ذلك ؛ لصدق المسجد عليه حينئذٍ .

(مسألة 3) : يجوز استئجار الدراهم والدنانير للزينة أو لحفظ الاعتبار أو غير ذلك من الفوائد التي لا تنافي بقاء العين .

(مسألة 4) : يجوز استئجار الشجر لفائدة الاستظلال ونحوه كربط الدابّة به أو نشر الثياب عليه .

(مسألة 5) : يجوز استئجار البستان لفائدة التنزّه ؛ لأ نّه منفعة محلّلة عقلائية .

ص: 432


1- - مرّ ما هو الأقوى .
2- - محلّ تأمّل، ومجرّد قصد المسجدية في ترتيب الآثار غير معلوم ولو كانت المدّة طويلة.

(مسألة 6) : يجوز الاستئجار لحيازة المباحات كالاحتطاب والاحتشاش والاستقاء ، فلو استأجر من يحمل الماء له من الشطّ - مثلاً - ملك ذلك(1) الماء بمجرّد حيازة السقّاء ، فلو أتلفه متلف قبل الإيصال إلى المستأجر ضمن قيمته له ، وكذا في حيازة الحطب والحشيش، نعم لو قصد المؤجر كون المحوز لنفسه فيحتمل القول بكونه له(2) ، ويكون ضامناً للمستأجر عوض ما فوّته عليه من المنفعة ، خصوصاً إذا كان المؤجر آجر نفسه على وجه يكون تمام منافعه في اليوم الفلاني للمستأجر ، أو يكون منفعته من حيث الحيازة له ، وذلك لاعتبار النيّة في التملّك بالحيازة والمفروض أ نّه لم يقصد كونه للمستأجر ، بل قصد نفسه ، ويحتمل القول بكونه للمستأجر ؛ لأنّ المفروض أنّ منفعته من طرف الحيازة له فيكون نيّة كونه لنفسه لغواً ، والمسألة مبنيّة(3) على أنّ الحيازة من الأسباب القهرية لتملّك الحائز ولو قصد الغير ، ولازمه عدم صحّة الاستئجار لها ، أو يعتبر فيها نيّة التملّك ودائرة مدارها ، ولازمه صحّة الإجارة ، وكون المحوز لنفسه إذا قصد نفسه وإن كان أجير الغير ، وأيضاً لازمه عدم حصول الملكية له إذا

ص: 433


1- - مع قصده الوفاء بعقد الإجارة ، وأمّا مع قصده لنفسه يصير المحوز له ، ومع عدم القصد لواحد منهما فالظاهر بقاؤه على إباحته ، ولا يبعد أن يكون المباشر حينئذٍ أولى بالحيازة فيكون الجمع بلا قصد موجباً لتعلّق حقّ الحيازة عليه . هذا إذا كان الجمع لغرض الحيازة مع عدم قصدها فعلاً ، وأمّا مع عدم هذا القصد كما إذا جمع لأغراض اُخر ، فالظاهر بقاؤه على الاشتراك والاستواء بين الناس .
2- - وهو الأقوى .
3- - بل مبنيّة على أنّ الحيازة فعل مباشري ، أو أعمّ منه ومن التسبيبي ، وعلى الثاني كما هو الأقوى ، هل التسبيب يحصل بمجرّد كون المنفعة الخاصّة للمستأجر أو لا بدّ فيه من عمل المؤجر للمستأجر وفاء لإجارته ؟ والثاني هو الأقوى .

قصد كونه للغير من دون أن يكون أجيراً له أو وكيلاً عنه ، وبقاؤه على الإباحة ، إلاّ إذا قصد بعد ذلك كونه له ، بناءً على عدم جريان التبرّع في حيازة المباحات والسبق إلى المشتركات ، وإن كان لا يبعد(1) جريانه ، أو أ نّها من الأسباب القهرية لمن له تلك المنفعة ، فإن لم يكن أجيراً يكون له وإن قصد الغير فضولاً ، فيملك بمجرّد قصد الحيازة ، وإن كان أجيراً للغير يكون لذلك الغير قهراً ، وإن قصد نفسه أو قصد غير ذلك الغير ، والظاهر عدم كونها من الأسباب القهرية مطلقاً ، فالوجه الأوّل غير صحيح ، ويبقى الإشكال في ترجيح أحد الأخيرين ولا بدّ من التأمّل.

(مسألة 7) : يجوز استئجار المرأة للإرضاع بل للرضاع بمعنى الانتفاع بلبنها ، وإن لم يكن منها فعل مدّة معيّنة ، ولا بدّ من مشاهدة الصبيّ الذي استؤجرت لإرضاعه ، لاختلاف الصبيان ، ويكفي وصفه على وجه يرتفع الغرر ، وكذا لا بدّ من تعيين المرضعة شخصاً أو وصفاً على وجه يرتفع الغرر ، نعم لو استؤجرت على وجه يستحقّ منافعها أجمع - التي منها الرضاع - لا يعتبر حينئذٍ مشاهدة الصبيّ أو وصفه، وإن اختلفت الأغراض بالنسبة إلى مكان الإرضاع لاختلافه من حيث السهولة والصعوبة والوثاقة وعدمها لا بدّ من تعيينه أيضاً .

(مسألة 8) : إذا كانت المرأة المستأجرة مزوّجة ، لا يعتبر في صحّة استئجارها إذنه ما لم يناف ذلك لحقّ استمتاعه ؛ لأنّ اللبن ليس له ، فيجوز لها الإرضاع من غير رضاه ، ولذا يجوز لها أخذ الاُجرة من الزوج على إرضاعها لولده ؛ سواء كان منها أو من غيرها ، نعم لو نافى ذلك حقّه لم يجز إلاّ بإذنه ، ولو كان غائباً فآجرت

ص: 434


1- - محلّ إشكال بل منع .

نفسها للإرضاع فحضر في أثناء المدّة وكان على وجه ينافي حقّه ، انفسخت(1) الإجارة بالنسبة إلى بقيّة المدّة .

(مسألة 9) : لو كانت الامرأة خليّة فآجرت نفسها للإرضاع أو غيره من الأعمال ، ثمّ تزوّجت قدّم حقّ المستأجر على حقّ الزوج في صورة المعارضة ، حتّى أ نّه إذا كان وطؤه لها مضرّاً بالولد منع منه .

(مسألة 10) : يجوز للمولى إجبار أمته على الإرضاع إجارة أو تبرّعاً ، قنّة كانت أو مدبّرة أو اُمّ ولد ، وأمّا المكاتبة المطلقة فلا يجوز له إجبارها ، بل وكذا المشروطة كما لا يجوز في المبعّضة، ولا فرق بين كونها ذات ولد يحتاج إلى اللبن أو لا ؛ لإمكان إرضاعه من لبن غيرها.

(مسألة 11) : لا فرق في المرتضع بين أن يكون معيّناً أو كلّياً ، ولا في المستأجرة بين تعيين مباشرتها للإرضاع أو جعله في ذمّتها ، فلو مات الصبيّ في صورة التعيين أو الامرأة في صورة تعيين المباشرة انفسخت الإجارة ، بخلاف ما لو كان الولد كلّياً أو جعل في ذمّتها ، فإنّه لا تبطل بموته أو موتها إلاّ مع تعذّر الغير من صبيّ أو مرضعة .

(مسألة 12) : يجوز استئجار الشاة للبنها والأشجار للانتفاع بأثمارها ، والآبار للاستقاء ونحو ذلك ، ولا يضرّ كون الانتفاع فيها بإتلاف الأعيان ؛ لأنّ المناط في المنفعة هو العرف وعندهم يعدّ اللبن منفعة للشاة ، والثمر منفعة للشجر ، وهكذا ، ولذا قلنا بصحّة استئجار المرأة للرضاع وإن لم يكن منها فعل ؛ بأن انتفع بلبنها

ص: 435


1- - مع عدم الإجازة .

في حال نومها أو بوضع الولد في حجرها وجعل ثديها في فم الولد من دون مباشرتها لذلك ، فما عن بعض العلماء من إشكال الإجارة في المذكورات لأنّ الانتفاع فيها بإتلاف الأعيان وهو خلاف وضع الإجارة ، لا وجه له .

(مسألة 13) : لا يجوز الإجارة لإتيان الواجبات العينية كالصلوات الخمس ، والكفائية(1) كتغسيل الأموات وتكفينهم والصلاة عليهم ، وكتعليم القدر الواجب من اُصول الدين وفروعه ، والقدر الواجب من تعليم القرآن ك «الحمد» وسورة منه ، وكالقضاء والفتوى ونحو ذلك ، ولا يجوز الإجارة على الأذان(2) ، نعم لا بأس بارتزاق القاضي والمفتي والمؤذّن من بيت المال ، ويجوز الإجارة لتعليم الفقه والحديث والعلوم الأدبية وتعليم القرآن ما عدا المقدار الواجب ونحو ذلك .

(مسألة 14) : يجوز الإجارة لكنس المسجد والمشهد وفرشها وإشعال السراج ونحو ذلك .

(مسألة 15) : يجوز الإجارة لحفظ المتاع أو الدار أو البستان مدّة معيّنة عن السرقة والإتلاف ، واشتراط الضمان لو حصلت السرقة أو الإتلاف ولو من غير تقصير ، فلا بأس بما هو المتداول من اشتراط الضمان على الناطور إذا ضاع مال ، لكن لا بدّ من تعيين العمل والمدّة والاُجرة على شرائط الإجارة .

(مسألة 16) : لا يجوز استئجار اثنين(3) للصلاة عن ميّت واحد في وقت

ص: 436


1- - على الأحوط .
2- - مرّ الجواز في الإعلامي منه .
3- - في مورد كان الترتيب واجباً على الميّت ، وقد مرّ أنّ الأقوى وجوبه عليه مع العلم بكيفية الفوت .

واحد ؛ لمنافاته للترتيب المعتبر في القضاء بخلاف الصوم فإنّه لا يعتبر فيه الترتيب ، وكذا لا يجوز استئجار شخص واحد لنيابة الحجّ الواجب عن اثنين(1) ، ويجوز ذلك في الحجّ المندوب ، وكذا في الزيارات ، كما يجوز النيابة عن المتعدّد تبرّعاً في الحجّ(2) والزيارات ، ويجوز الإتيان بها لا بعنوان النيابة ، بل بقصد إهداء الثواب لواحد أو متعدّد .

(مسألة 17) : لا يجوز الإجارة للنيابة عن الحيّ في الصلاة ولو في الصلوات المستحبّة(3) ، نعم يجوز ذلك في الزيارات والحجّ المندوب ، وإتيان صلاة الزيارة ليس بعنوان النيابة ، بل من باب سببية الزيارة لاستحباب الصلاة بعدها ركعتين ، ويحتمل(4) جواز قصد النيابة فيها لأ نّها تابعة للزيارة ، والأحوط إتيانها بقصد ما في الواقع .

(مسألة 18) : إذا عمل للغير لا بأمره ولا إذنه ، لا يستحقّ عليه العوض وإن كان بتخيّل أ نّه مأجور عليه فبان خلافه .

(مسألة 19) : إذا أمر بإتيان عمل فعمل المأمور ذلك ، فإن كان بقصد التبرّع لا يستحقّ عليه اُجرة ، وإن كان من قصد الآمر إعطاء الاُجرة ، وإن قصد الاُجرة وكان ذلك العمل ممّا له اُجرة استحقّ وإن كان من قصد الآمر إتيانه تبرّعاً(5) ؛

ص: 437


1- - في عام واحد مباشرة .
2- - المندوب .
3- - على الأحوط ، والجواز فيها لا يخلو من وجه .
4- - وهو الأقرب .
5- - مع جهل المأمور بقصده ، وأمّا مع اطّلاعه عليه ولو بقيام قرينة فالظاهر عدم الاستحقاق .

سواء كان العامل ممّن شأنه أخذ الاُجرة ومعدّاً نفسه لذلك أو لا ، بل وكذلك إن لم يقصد التبرّع ولا أخذ الاُجرة ، فإنّ عمل المسلم محترم ، ولو تنازعا بعد ذلك في أ نّه قصد التبرّع أو لا قدّم قول العامل ؛ لأصالة عدم قصد التبرّع بعد كون عمل المسلم محترماً ، بل اقتضاء(1) احترام عمل المسلم ذلك وإن أغمضنا عن جريان أصالة عدم التبرّع ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون العامل ممّن شأنه وشغله أخذ الاُجرة وغيره ، إلاّ أن يكون هناك انصراف أو قرينة على كونه بقصد التبرّع أو على اشتراطه .

(مسألة 20) : كلّ ما يمكن الانتفاع به منفعة محلّلة مقصودة للعقلاء مع بقاء عينه يجوز إجارته ، وكذا كلّ عمل محلّل مقصود للعقلاء - عدا ما استثني - يجوز الإجارة عليه ، ولو كان تعلّق القصد والغرض به نادراً ، لكن في صورة تحقّق ذلك النادر(2) ، بل الأمر في باب المعاوضات الواقعة على الأعيان أيضاً كذلك ، فمثل حبّة الحنطة لا يجوز بيعها ، لكن إذا حصل مورد يكون متعلّقاً لغرض العقلاء ويبذلون المال في قبالها يجوز بيعها .

(مسألة 21) : في الاستئجار للحجّ المستحبّي أو الزيارة ، لا يشترط أن يكون الإتيان بها بقصد النيابة ، بل يجوز أن يستأجره لإتيانها بقصد إهداء الثواب إلى المستأجر أو إلى ميّته ، ويجوز أن يكون(3) لا بعنوان النيابة ولا إهداء الثواب ، بل يكون المقصود إيجادها في الخارج من حيث إنّها من الأعمال الراجحة ، فيأتي بها لنفسه أو لمن يريد نيابة أو إهداء .

ص: 438


1- - فيه منع .
2- - بحيث يصير في هذا الحال مرغوباً فيه لدى العقلاء ، كما هو المفروض .
3- - إذا كان له غرض عقلائي في تحقّق ذلك العمل الراجح .

(مسألة 22) : في كون ما يتوقّف عليه استيفاء المنفعة كالمداد للكتابة والإبرة والخيط للخياطة - مثلاً - على المؤجر أو المستأجر قولان ، والأقوى وجوب التعيين إلاّ إذا كان هناك عادة ينصرف إليها الإطلاق ، وإن كان القول بكونه مع عدم التعيين ، وعدم العادة على المستأجر لا يخلو عن وجه(1) أيضاً ؛ لأنّ اللازم على المؤجر ليس إلاّ العمل .

(مسألة 23) : يجوز الجمع بين الإجارة والبيع - مثلاً - بعقد واحد ، كأن يقول : بعتك داري وآجرتك حماري بكذا ، وحينئذٍ يوزّع العوض عليهما بالنسبة ويلحق كلاًّ منهما حكمه ، فلو قال : آجرتك هذه الدار وبعتك هذا الدينار بعشرة دنانير ، فلا بدّ من قبض العوضين بالنسبة إلى البيع في المجلس ، وإذا كان في مقابل الدينار بعد ملاحظة النسبة أزيد من دينار أو أقلّ منه بطل بالنسبة إليه ؛ للزوم الربا ، ولو قال : آجرتك هذه الدار وصالحتك هذا الدينار بعشرة دنانير - مثلاً - فإن قلنا : بجريان حكم الصرف من وجوب القبض في المجلس وحكم الربا في الصلح فالحال كالبيع ، وإلاّ فيصحّ بالنسبة إلى المصالحة أيضاً .

(مسألة 24) : يجوز استئجار من يقوم بكلّ ما يأمره من حوائجه(2) فيكون له جميع منافعه ، والأقوى أنّ نفقته على نفسه لا على المستأجر ، إلاّ مع الشرط أو الانصراف من جهة العادة ، وعلى الأوّل لا بدّ من تعيينها كمّاً وكيفاً ، إلاّ أن يكون

ص: 439


1- - ضعيف والأقوى كونه على المؤجر .
2- - إذا كان بهذا العنوان لا بدّ من رفع الغرر بوجه ، ومع ذلك لا يكون جميع المنافع له ، إلاّ أن يراد بذلك استئجاره بجميع منافعه ، فحينئذٍ يكون جميع المنافع له ويدفع به الغرر .

متعارفاً ، وعلى الثاني على ما هو المعتاد المتعارف ، ولو أنفق من نفسه أو أنفقه متبرّع يستحقّ مطالبة عوضها على الأوّل ، بل وكذا على الثاني ؛ لأنّ الانصراف بمنزلة الشرط .

(مسألة 25) : يجوز أن يستعمل الأجير مع عدم تعيين الاُجرة وعدم إجراء صيغة الإجارة ، فيرجع إلى اُجرة المثل ، لكنّه مكروه ، ولا يكون حينئذٍ من الإجارة المعاطاتية ، كما قد يتخيّل ؛ لأ نّه يعتبر في المعاملة المعاطاتية اشتمالها على جميع شرائط تلك المعاملة عدا الصيغة ، والمفروض عدم تعيين الاُجرة في المقام ، بل عدم قصد الإنشاء منهما ولا فعل من المستأجر ، بل يكون من باب العمل بالضمان ، نظير الإباحة بالضمان ، كما إذا أذن في أكل طعامه بضمان العوض ونظير التمليك بالضمان كما في القرض على الأقوى من عدم كونه معاوضة ، فهذه الاُمور عناوين مستقلّة غير المعاوضة والدليل عليها السيرة بل الأخبار أيضاً ، وأمّا الكراهة فللأخبار أيضاً .

(مسألة 26) : لو استأجر أرضاً مدّة معيّنة فغرس فيها أو زرع ما لا يدرك في تلك المدّة ، فبعد انقضائها للمالك أن يأمره بقلعها، بل وكذا لو استأجر لخصوص الغرس أو لخصوص الزرع ، وليس له الإبقاء ولو مع الاُجرة ، ولا مطالبة الأرش مع القلع ؛ لأنّ التقصير من قبله ، نعم لو استأجرها مدّة يبلغ الزرع ، فاتّفق التأخير لتغيّر الهواء أو غيره أمكن أن يقال(1) بوجوب الصبر على المالك مع الاُجرة ؛ للزوم الضرر ، إلاّ أن يكون موجباً لتضرّر المالك .

ص: 440


1- - لكنّه غير وجيه ، فلا يجب عليه الصبر على الأقوى .

فصل : في التنازع

(مسألة 1) : إذا تنازعا في أصل الإجارة قدّم قول منكرها(1) مع اليمين ، فإن كان هو المالك استحقّ اُجرة المثل دون ما يقوله المدّعي ، ولو زاد عنها لم يستحقّ تلك الزيادة وإن وجب على المدّعي المتصرّف إيصالها إليه ، وإن كان المنكر هو المتصرّف فكذلك لم يستحقّ المالك إلاّ اُجرة المثل ، ولكن لو زادت عمّا يدّعيه من المسمّى لم يستحقّ الزيادة ؛ لاعترافه بعدم استحقاقها ، ويجب على المتصرّف إيصالها إليه ، هذا إذا كان النزاع بعد استيفاء المنفعة ، وإن كان قبله رجع كلّ مال إلى صاحبه .

(مسألة 2) : لو اتّفقا على أ نّه أذن للمتصرّف في استيفاء المنفعة ولكن المالك يدّعي أ نّه على وجه الإجارة بكذا أو الإذن بالضمان ، والمتصرّف يدّعي أ نّه على وجه العارية ، ففي تقديم أيّهما وجهان(2) ، بل قولان ؛ من أصالة البراءة بعد فرض كون التصرّف جائزاً ، ومن أصالة احترام مال المسلم الذي لا يحلّ إلاّ بالإباحة والأصل عدمها ، فتثبت اُجرة المثل بعد التحالف ولا يبعد ترجيح الثاني ، وجواز التصرّف أعمّ من الإباحة .

(مسألة 3) : إذا تنازعا في قدر المستأجر قدّم قول مدّعي الأقلّ .

(مسألة 4) : إذا تنازعا في ردّ العين المستأجرة قدّم قول المالك .

ص: 441


1- - إطلاقه لا يخلو من إشكال ، وكذا في إطلاق توجّه اليمين إلى المنكر .
2- - الأقوى هو التحالف في مصبّ الدعويين ، وبعده يثبت اُجرة المثل تقديماً للأصل الحاكم على أصل البراءة .

(مسألة 5) : إذا ادّعى الصائغ أو الملاّح أو المكاري تلف المتاع من غير تعدّ ولا تفريط ، وأنكر المالك التلف ، أو ادّعى التفريط أو التعدّي ، قدّم قولهم مع اليمين على الأقوى .

(مسألة 6) : يكره(1) تضمين الأجير في مورد ضمانه ؛ من قيام البيّنة على إتلافه أو تفريطه في الحفظ أو تعدّيه أو نكوله عن اليمين أو نحو ذلك .

(مسألة 7) : إذا تنازعا في مقدار الاُجرة قدّم قول المستأجر .

(مسألة 8) : إذا تنازعا في أ نّه آجره بغلاً أو حماراً أو آجره هذا الحمار - مثلاً - أو ذاك فالمرجع التحالف ، وكذا لو اختلفا في الاُجرة أ نّها عشرة دراهم(2) أو دينار .

(مسألة 9) : إذا اختلفا في أ نّه شرط أحدهما على الآخر شرطاً أو لا ، فالقول قول منكره .

(مسألة 10) : إذا اختلفا في المدّة أ نّها شهر أو شهران مثلاً ، فالقول قول منكر الأزيد .

(مسألة 11) : إذا اختلفا في الصحّة والفساد ، قدّم قول من يدّعي الصحّة .

(مسألة 12) : إذا حمل المؤجر متاعه إلى بلد فقال المستأجر : استأجرتك على أن تحمله إلى البلد الفلاني غير ذلك البلد ، وتنازعا(3) ، قدّم قول المستأجر ،

ص: 442


1- - ثبوت الكراهة بهذا الإطلاق محلّ تأمّل ، نعم يستحبّ التفضّل عليه .
2- - لا يبعد تقديم قول المستأجر في خصوص المثال في بعض الأحيان ، نعم لو اختلفا في الاُجرة أ نّها من الحنطة أو الشعير فالمرجع التحالف .
3- - إن كان التنازع في أنّ الأجير يدّعي الاستئجار لهذا البلد والمستأجر يدّعي لبلد آخر - كما هو الظاهر - فالمرجع التحالف .

فلا يستحقّ المؤجر اُجرة حمله ، وإن طلب منه الردّ إلى المكان الأوّل وجب عليه ، وليس له ردّه إليه إذا لم يرض ، ويضمن له إن تلف أو عاب ؛ لعدم كونه أميناً حينئذٍ في ظاهر الشرع .

(مسألة 13) : إذا خاط ثوبه قباء ، وادّعى المستأجر أ نّه أمره بأن يخيطه قميصاً ، فالأقوى تقديم قول المستأجر ؛ لأصالة عدم الإذن في خياطته قباء ، وعلى هذا فيضمن له عوض النقص الحاصل من ذلك ، ولا يجوز له نقضه إذا كان الخيط للمستأجر ، وإن كان له كان له ويضمن النقص الحاصل من ذلك ، ولا يجب عليه قبول عوضه لو طلبه المستأجر ، كما ليس عليه قبول عوض الثوب لو طلبه المؤجر . هذا ، ولو تنازعا في هذه المسألة والمسألة المتقدّمة قبل الحمل وقبل الخياطة فالمرجع التحالف(1) .

(مسألة 14) : كلّ من يقدّم قوله في الموارد المذكورة عليه اليمين للآخر .

خاتمة : فيها مسائل

الاُولى : خراج الأرض المستأجرة في الأراضي الخراجية على مالكها ، ولو شرط كونه على المستأجر صحّ على الأقوى ، ولا يضرّ(2) كونه مجهولاً من حيث القلّة والكثرة ؛ لاغتفار مثل هذه الجهالة عرفاً ، ولإطلاق بعض الأخبار .

ص: 443


1- - التحالف بالنسبة إلى المسألة السابقة صحيح قبل الحمل وبعده ، وأمّا في هذه المسألة قبل الخياطة والتفصيل فالدعوى من الطرفين غير مسموعة ، فإنّ مجرّد الأمر لا يوجب شيئاً ، إلاّ أن يكون المراد في أصل المسألة اختلافهما في الاستئجار على خياطة القباء والقميص ، فحينئذٍ يكون المرجع التحالف مطلقاً كما في المسألة السابقة .
2- - فيه تأمّل .

الثانية : لا بأس بأخذ الاُجرة على قراءة تعزية سيّد الشهداء وسائر الأئمّة - صلوات اللّه عليهم - ولكن لو أخذها على مقدّماتها من المشي إلى المكان الذي يقرأ فيه كان أولى .

الثالثة : يجوز استئجار الصبيّ المميّز من وليّه الإجباري أو غيره - كالحاكم الشرعي - لقراءة القرآن والتعزية والزيارات ، بل الظاهر جوازه(1) لنيابة الصلاة عن الأموات ؛ بناءً على الأقوى من شرعية عباداته .

الرابعة : إذا بقي في الأرض المستأجرة للزراعة بعد انقضاء المدّة اُصول الزرع فنبتت ، فإن لم يعرض المستأجر عنها كانت له ، وإن أعرض عنها وقصد صاحب الأرض تملّكها(2) كانت له ، ولو بادر آخر إلى تملّكها ملك وإن لم يجز له الدخول في الأرض إلاّ بإذن مالكها .

الخامسة : إذا استؤجر القصّاب لذبح الحيوان ، فذبحه على غير الوجه الشرعي ؛ بحيث صار حراماً ، ضمن قيمته ، بل الظاهر ذلك إذا أمره بالذبح تبرّعاً ، وكذا في نظائر المسألة .

السادسة : إذا آجر نفسه للصلاة عن زيد فاشتبه وأتى بها عن عمرو ، فإن كان من قصده النيابة عمّن وقع العقد عليه وتخيّل أ نّه عمرو ، فالظاهر الصحّة عن زيد واستحقاقه الاُجرة ، وإن كان ناوياً النيابة عن عمرو على وجه التقييد لم تفرغ ذمّة زيد ولم يستحقّ الاُجرة ، وتفرغ ذمّة عمرو إن كانت مشغولة ولا يستحقّ الاُجرة من تركته ؛ لأ نّه بمنزلة التبرّع ، وكذا الحال في كلّ عمل مفتقر إلى النيّة .

السابعة : يجوز أن يؤجر داره - مثلاً - إلى سنة باُجرة معيّنة ويوكّل المستأجر

ص: 444


1- - فيه إشكال .
2- - بالحيازة .

في تجديد الإجارة عند انقضاء المدّة ، وله عزله بعد ذلك ، وإن جدّد قبل أن يبلغه خبر العزل لزم عقده ، ويجوز أن يشترط في ضمن العقد أن يكون وكيلاً عنه في التجديد بعد الانقضاء ، وفي هذه الصورة ليس له عزله .

الثامنة : لا يجوز للمشتري ببيع الخيار بشرط ردّ الثمن للبائع أن يؤجر المبيع أزيد من مدّة الخيار للبائع ، ولا في مدّة الخيار من دون اشتراط الخيار(1) ، حتّى إذا فسخ البائع يمكنه أن يفسخ الإجارة ، وذلك لأنّ اشتراط الخيار من البائع في قوّة إبقاء المبيع على حاله حتّى يمكنه الفسخ ، فلا يجوز تصرّف ينافي ذلك .

التاسعة : إذا استؤجر لخياطة ثوب معيّن لا بقيد المباشرة ، فخاطه شخص آخر تبرّعاً عنه استحقّ الاُجرة المسمّاة ، وإن خاطه تبرّعاً عن المالك لم يستحقّ المستأجر شيئاً وبطلت الإجارة ، وكذا إن لم يقصد التبرّع عن أحدهما ولا يستحقّ على المالك اُجرة ؛ لأ نّه لم يكن مأذوناً من قبله ، وإن كان قاصداً لها أو معتقداً أنّ المالك أمره بذلك .

العاشرة : إذا آجره ليوصل مكتوبه إلى بلد كذا إلى زيد - مثلاً - في مدّة معيّنة ، فحصل مانع في أثناء الطريق أو بعد الوصول إلى البلد ، فإن كان المستأجر عليه الإيصال وكان طيّ الطريق مقدّمة لم يستحقّ شيئاً ، وإن كان المستأجر عليه مجموع السير والإيصال استحقّ بالنسبة ، وكذا الحال في كلّ ما هو من هذا القبيل ، فالإجارة مثل الجعالة قد يكون على العمل المركّب من أجزاء وقد تكون على نتيجة ذلك العمل ، فمع عدم حصول تمام العمل في الصورة الاُولى يستحقّ الاُجرة بمقدار ما أتى به ، وفي الثانية لا يستحقّ شيئاً ، ومثل الصورة ما إذا

ص: 445


1- - قيد للجملتين .

جعلت الاُجرة في مقابلة مجموع العمل من حيث المجموع ، كما إذا استأجره للصلاة أو الصوم فحصل مانع في الأثناء من إتمامها .

الحادية عشر : إذا كان للأجير على العمل خيار الفسخ ، فإن فسخ قبل الشروع فيه فلا إشكال ، وإن كان بعده استحقّ اُجرة المثل ، وإن كان في أثنائه استحقّ بمقدار ما أتى به من المسمّى أو المثل على الوجهين(1) المتقدّمين ، إلاّ إذا كان المستأجر عليه المجموع من حيث المجموع فلا يستحقّ شيئاً ، وإن كان العمل ممّا يجب إتمامه بعد الشروع فيه كما في الصلاة بناءً على حرمة قطعها ، والحجّ بناءً على وجوب إتمامه ، فهل هو كما إذا فسخ بعد العمل أو لا ؟ وجهان ، أوجههما الأوّل(2) هذا إذا كان الخيار فوريّاً ، كما في خيار الغبن(3) إن ظهر كونه مغبوناً في أثناء العمل وقلنا : إنّ الإتمام منافٍ للفورية ، وإلاّ فله أن لا يفسخ إلاّ بعد الإتمام ، وكذا الحال إذا كان الخيار للمستأجر ، إلاّ أ نّه إذا كان المستأجر عليه المجموع من حيث المجموع ، وكان في أثناء العمل يمكن أن يقال(4) : إنّ الأجير يستحقّ بمقدار ما عمل من اُجرة المثل ؛ لاحترام عمل المسلم ، خصوصاً إذا لم يكن الخيار من باب الشرط .

ص: 446


1- - مرّ التفصيل فيه ، وأنّ الأقوى رجوع تمام المسمّى وللمؤجر اُجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى إن كان حقّ الفسخ بسبب متحقّق حال العقد ، وأمّا مع العروض في الأثناء فالأقوى التوزيع .
2- - الأقوى جريان التفصيل المتقدّم فيه أيضاً ، إلاّ أن يكون الاستئجار على مجموع العمل أو النتيجة ، فمع إعمال الخيار لا يستحقّ شيئاً .
3- - في المثال مناقشة .
4- - لكنّه غير وجيه .

الثانية عشر : كما يجوز اشتراط كون نفقة الدابّة المستأجرة والعبد والأجير المستأجرين للخدمة أو غيرها على المستأجر - إذا كانت معيّنة بحسب العادة أو عيّناها على وجه يرتفع الغرر - كذلك يجوز اشتراط كون نفقة المستأجر على الأجير أو المؤجر بشرط التعيين أو التعيّن الرافعين للغرر ، فما هو المتعارف من إجارة الدابّة للحجّ واشتراط كون تمام النفقة ومصارف الطريق ونحوهما على المؤجر لا مانع منه ؛ إذا عيّنوها على وجه رافع للغرر .

الثالثة عشر : إذا آجر داره أو دابّته من زيد إجارة صحيحة بلا خيار له ، ثمّ آجرها من عمرو ، كانت الثانية فضولية موقوفة على إجازة زيد ، فإن أجاز صحّت له(1) ويملك هو الاُجرة ، فيطالبها من عمرو ، ولا يصحّ له إجازتها على أن تكون الاُجرة للمؤجر وإن فسخ الإجارة الاُولى بعدها ؛ لأ نّه لم يكن مالكاً للمنفعة حين العقد الثاني ، وملكيته لها حال الفسخ لا تنفع إلاّ إذا جدّد الصيغة ، وإلاّ فهو من قبيل من باع شيئاً ثمّ ملك ، ولو زادت مدّة الثانية عن الاُولى لا يبعد لزومهما على المؤجر في تلك الزيادة ، وأن يكون لزيد إمضاؤها بالنسبة إلى مقدار مدّة الاُولى .

الرابعة عشر : إذا استأجر عيناً ثمّ تملّكها قبل انقضاء مدّة الإجارة بقيت الإجارة على حالها ، فلو باعها والحال هذه لم يملكها المشتري إلاّ مسلوبة المنفعة في تلك المدّة ، فالمنفعة تكون له ، ولا تتّبع العين ، نعم للمشتري خيار الفسخ إذا لم يكن عالماً بالحال ، وكذا الحال إذا تملّك المنفعة بغير

ص: 447


1- - إذا كان مورد الإجارتين واحداً ولو في الجملة .

الإجارة(1) في مدّة ثمّ تملّك العين ، كما إذا تملّكها بالوصيّة أو بالصلح أو نحو ذلك فهي تابعة للعين ؛ إذا لم تكن مفروزة ، ومجرّد كونها لمالك العين لا ينفع في الانتقال إلى المشتري ، نعم لا يبعد تبعيتها للعين إذا كان قاصداً لذلك حين البيع .

الخامسة عشر : إذا استأجر أرضاً للزراعة - مثلاً - فحصلت آفة سماوية أو أرضية توجب نقص الحاصل لم تبطل ، ولا يوجب ذلك نقصاً في مال الإجارة ولا خياراً للمستأجر ، نعم لو شرط على المؤجر إبراءه من ذلك بمقدار ما نقص بحسب تعيين أهل الخبرة ثلثاً أو ربعاً أو نحو ذلك ، أو أن يهبه ذلك المقدار إذا كان مال الإجارة عيناً شخصية ، فالظاهر الصحّة ، بل الظاهر صحّة اشتراط البراءة على التقدير المذكور بنحو شرط النتيجة ، ولا يضرّه التعليق ؛ لمنع كونه مضرّاً في الشروط ، نعم لو شرط براءته على التقدير المذكور حين العقد بأن يكون ظهور النقص كاشفاً عن البراءة من الأوّل ، فالظاهر عدم صحّته ؛ لأوله إلى الجهل بمقدار مال الإجارة حين العقد .

السادسة عشر : يجوز إجارة الأرض مدّة معلومة بتعميرها(2) وإعمال عمل فيها من كري الأنهار وتنقية الآبار وغرس الأشجار ونحو ذلك ، وعليه يحمل قوله علیه السلام : «لا بأس بقبالة الأرض من أهلها بعشرين سنة أو أكثر فيعمّرها ويؤدّي ما خرج عليها» ونحوه غيره .

ص: 448


1- - في إطلاقه إشكال ، والظاهر اختلاف الموارد ولا يبعد التبعية إذا تملّكها بمثل الإرث من الأسباب التي ليس لبقائها اعتبار أو احتمال زوال ، وعدم التبعية في العقود التي لها اعتبار بقاء وأثر واحتمال فسخ وانفساخ ، وفي مثلها لا يؤثّر قصد التبعية في تبعيتها ، نعم له أن يضمّها إليها في العقد .
2- - مع التعيين على وجه يرتفع به الغرر .

السابعة عشر : لا بأس بأخذ الاُجرة على الطبابة وإن كانت من الواجبات الكفائية ، لأ نّها كسائر الصنائع واجبة(1) بالعوض لانتظام نظام معائش العباد ، بل يجوز وإن وجبت عيناً لعدم من يقوم بها غيره ، ويجوز اشتراط كون الدواء عليه مع التعيين الرافع للغرر ، ويجوز أيضاً مقاطعته على المعالجة إلى مدّة أو مطلقاً(2) ، بل يجوز المقاطعة عليها بقيد البرء(3) أو بشرطه إذا كان مظنوناً بل مطلقاً ، وما قيل من عدم جواز ذلك لأنّ البرء بيد اللّه فليس اختيارياً له وأنّ اللازم مع إرادة ذلك أن يكون بعنوان الجعالة لا الإجارة ، فيه : أ نّه يكفي كون مقدّماته العادية اختيارية ، ولا يضرّ التخلّف في بعض الأوقات ، كيف وإلاّ لم يصحّ بعنوان الجعالة أيضاً .

الثامنة عشر : إذا استؤجر لختم القرآن لا يجب(4) أن يقرأه مرتّباً بالشروع من «الفاتحة» والختم بسورة «الناس» ، بل يجوز أن يقرأ سورة فسورة على خلاف الترتيب ، بل يجوز عدم رعاية الترتيب في آيات السورة أيضاً ، ولهذا إذا علم بعد الإتمام أ نّه قرأ الآية الكذائية غلطاً أو نسي قراءتها يكفيه قراءتها فقط ، نعم لو اشترط عليه الترتيب وجب مراعاته ، ولو علم إجمالاً بعد الإتمام أ نّه قرأ بعض الآيات غلطاً من حيث الإعراب أو من حيث عدم أداء

ص: 449


1- - في الوجوب الشرعي في مثل المقامات إشكال بل منع .
2- - مشكل مع عدم تعيين المدّة .
3- - مع الوثوق بحصوله بحيث يدفع به الغرر ، وكذا في الشرط ، لكن الأحوط أن يكون القرار بنحو الجعالة .
4- - إلاّ إذا كان تعارف موجب للانصراف ، كما هو كذلك ظاهراً ، نعم لو اتّفق الغلط في بعض الآيات ، فالظاهر كفاية إعادته ولا يلزم إعادة ما بعده ، وكذا لو نسي وخالف الترتيب .

الحرف من مخرجه أو من حيث المادّة فلا يبعد كفايته(1) وعدم وجوب الإعادة ؛ لأنّ اللازم القراءة على المتعارف والمعتاد ، ومن المعلوم وقوع ذلك من القارئين غالباً إلاّ من شذّ منهم ، نعم لو اشترط المستأجر عدم الغلط أصلاً لزم عليه الإعادة مع العلم به في الجملة ، وكذا الكلام في الاستئجار لبعض الزيارات المأثورة أو غيرها ، وكذا في الاستئجار لكتابة كتاب أو قرآن أو دعاء أو نحوها لا يضرّ في استحقاق الاُجرة إسقاط كلمة(2) أو حرف أو كتابتهما غلطاً .

التاسعة عشر : لا يجوز في الاستئجار للحجّ البلدي أن يستأجر شخصاً من بلد الميّت إلى النجف وشخصاً آخر من النجف إلى مكّة ، أو إلى الميقات وشخصاً آخر منه إلى مكّة ؛ إذ اللازم أن يكون قصد المؤجر من البلد الحجّ ، والمفروض أنّ مقصده النجف مثلاً ، وهكذا فما أتى به من السير ليس مقدّمة للحجّ ، وهو نظير أن يستأجر شخصاً لعمرة التمتّع وشخصاً آخر للحجّ ، ومعلوم أ نّه مشكل(3) ، بل اللازم(4) على القائل بكفايته أن يقول بكفاية استئجار شخص للركعة الاُولى من الصلاة وشخص آخر للثانية ، وهكذا .

متمّم العشرين : إذا استؤجر للصلاة عن الميّت فصلّى ونقص من صلاته بعض الواجبات الغير الركنية سهواً ، فإن لم يكن زائداً على القدر المتعارف الذي قد

ص: 450


1- - مع كونه غير معتدّ به .
2- - إذا وقعت بغير عمد ولم تكن زائدة على المتعارف ، ومع ذلك لو أمكن التصحيح فالأحوط ذلك مع عدم الحرج .
3- - إشكاله أهون من الأوّل .
4- - فيه ما لا يخفى .

يتّفق ، أمكن أن يقال : لا ينقص من اُجرته شيء ، وإن كان الناقص من الواجبات والمستحبّات المتعارفة أزيد من المقدار المتعارف ينقص(1) من الاُجرة بمقداره ، إلاّ أن يكون المستأجر عليه الصلاة الصحيحة المبرئة للذمّة ، ونظير ذلك إذا استؤجر للحجّ فمات بعد الإحرام ودخول الحرم ؛ حيث إنّ ذمّة الميّت تبرأ بذلك ، فإن كان المستأجر عليه ما يبرئ الذمّة استحقّ تمام الاُجرة ، وإلاّ فتوزّع ويستردّ ما يقابل بقيّة الأعمال .

ص: 451


1- - بل لا ينقص ، إلاّ إذا أوقع الإجارة على نحو يوزّع على أجزاء الصلاة ولم يكن الجزء المنسيّ قابلاً للتدارك .

كتاب المضاربة

اشارة

وتسمّى قراضاً عند أهل الحجاز ، والأوّل من الضرب ؛ لضرب العامل في الأرض لتحصيل الربح ، والمفاعلة باعتبار كون المالك سبباً له والعامل مباشراً ، والثاني من القرض ؛ بمعنى القطع ، لقطع المالك حصّة من ماله ودفعه إلى العامل ليتّجر به ، وعليه العامل مقارض بالبناء للمفعول ، وعلى الأوّل مضارب بالبناء للفاعل ، وكيف كان عبارة عن دفع(1) الإنسان مالاً إلى غيره ليتّجر به على أن يكون الربح بينهما ، لا أن يكون تمام الربح للمالك ولا أن يكون تمامه للعامل ، وتوضيح ذلك : أنّ من دفع مالاً إلى غيره للتجارة تارة على أن يكون الربح بينهما وهي مضاربة ، وتارة على أن يكون تمامه للعامل ، وهذا داخل في عنوان القرض إن كان بقصده وتارة على أن يكون تمامه للمالك ، ويسمّى عندهم باسم البضاعة ، وتارة لا يشترطان شيئاً ، وعلى هذا أيضاً يكون تمام الربح للمالك فهو داخل في عنوان البضاعة ،

ص: 452


1- - بل عبارة عن عقد واقع بين شخصين على أن يكون من أحدهما المال ومن الآخر العمل ، والربح الحاصل بينهما .

وعليهما يستحقّ العامل اُجرة المثل لعمله إلاّ أن يشترطا عدمه ، أو يكون العامل قاصداً للتبرّع ، ومع عدم الشرط وعدم قصد التبرّع أيضاً له أن يطالب الاُجرة ، إلاّ أن يكون الظاهر منهما(1) في مثله عدم أخذ الاُجرة ، وإلاّ فعمل المسلم محترم ما لم يقصد التبرّع ، ويشترط في المضاربة الإيجاب والقبول ، ويكفي فيهما كلّ دالّ قولاً أو فعلاً ، والإيجاب القولي كأن يقول : ضاربتك على كذا ، وما يفيد هذا المعنى ، فيقول : قبلت ، ويشترط فيها أيضاً بعد البلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر(2) لفلس أو جنون اُمور :

الأوّل : أن يكون رأس المال عيناً ، فلا تصحّ بالمنفعة ولا بالدين ، فلو كان له دين على أحد لم يجز أن يجعله مضاربة إلاّ بعد قبضه ، ولو أذن للعامل في قبضه ما لم يجدّد العقد بعد القبض ، نعم لو وكّله على القبض والإيجاب من طرف المالك والقبول منه ؛ بأن يكون موجباً قابلاً صحّ ، وكذا لو كان له على العامل دين لم يصحّ جعله قراضاً ، إلاّ أن يوكّله في تعيينه ، ثمّ إيقاع العقد عليه بالإيجاب والقبول بتولّي الطرفين .

الثاني : أن يكون من الذهب أو الفضّة المسكوكين بسكّة المعاملة ؛ بأن يكون درهماً أو ديناراً ، فلا تصحّ بالفلوس ولا بالعروض بلا خلاف بينهم ، وإن لم يكن عليه دليل سوى دعوى الإجماع ، نعم تأمّل فيه بعضهم وهو في محلّه لشمول

ص: 453


1- - حتّى يأخذ المالك به في مقام الترافع أو تكليفه الظاهري ، والاستحقاق الواقعي تابع لواقعيته .
2- - في ربّ المال لفلس ، وفيهما لسفه .

العمومات ، إلاّ أن يتحقّق الإجماع وليس ببعيد(1) ، فلا يترك الاحتياط ، ولا بأس بكونه من المغشوش الذي يعامل به مثل الشاميات والقمري ونحوها ، نعم لو كان مغشوشاً يجب كسره - بأن كان قلباً - لم يصحّ وإن كان له قيمة فهو مثل الفلوس ، ولو قال للعامل : بع هذه السلعة وخذ ثمنها قراضاً ، لم يصحّ ، إلاّ أن يوكّله في تجديد العقد عليه بعد أن نضّ ثمنه .

الثالث : أن يكون معلوماً قدراً ووصفاً ، ولا يكفي المشاهدة وإن زال به معظم الغرر .

الرابع : أن يكون معيّناً ، فلو أحضر مالين وقال : قارضتك بأحدهما أو بأيّهما شئت ، لم ينعقد ، إلاّ أن يعيّن ثمّ يوقعان العقد عليه ، نعم لا فرق بين أن يكون مشاعاً أو مفروزاً بعد العلم بمقداره ووصفه ، فلو كان المال مشتركاً بين شخصين فقال أحدهما للعامل : قارضتك بحصّتي في هذا المال ، صحّ مع العلم بحصّته من

ص: 454


1- - لم يثبت الإجماع في المسألة ؛ لعدم تعرّض كثير من القدماء لها ، ويظهر من «الخلاف» و«الغنية» أنّ المسألة ليست إجماعية ؛ لتمسّكهما بعدم الدليل على الصحّة دون الإجماع ، وإنّما ادّعيا الإجماع وعدم الخلاف في الصحّة مع الدرهم والدينار ، بل يظهر من العلاّمة أيضاً بعد نسبة القول بالبطلان إلى علمائنا : أنّ الدليل عليه كونها على خلاف القاعدة ، فلا بدّ من الاقتصار على القدر المتيقّن ، وإنّما ادّعى الإجماع صاحب «جامع المقاصد» وتبعه بعض آخر بل حجّية الإجماع في مثل تلك المسألة التي ادّعى الأعاظم كون الصحّة فيها خلاف القواعد ممنوعة أو مشكلة ، ولو فرض صحّة الإجماع وثبوته فالقدر المتيقّن منه هو عدم الجواز في غير الأثمان - أي العروض - وأمّا في مثل الدينار العراقي والإسكناس من الأثمان غير الذهب والفضّة فغير ثابت ، فعليه فصحّتها بمثلها لا يخلو من قوّة ؛ للعمومات ، وكون المعاملة عقلائية وعدم غرريتها ، بل عدم ثبوت البطلان بمثل ذلك ، هذا مع أ نّه لا يبعد إطلاق بعض أدلّة الباب .

ثلث أو ربع ، وكذا لو كان للمالك مائة دينار - مثلاً - فقال : قارضتك بنصف هذا المال ، صحّ .

الخامس : أن يكون الربح مشاعاً بينهما ، فلو جعل لأحدهما مقداراً معيّناً والبقيّة للآخر أو البقيّة مشتركة بينهما لم يصحّ .

السادس : تعيين حصّة كلّ منهما ؛ من نصف أو ثلث أو نحو ذلك ، إلاّ أن يكون هناك متعارف ينصرف إليه الإطلاق .

السابع : أن يكون الربح بين المالك والعامل ، فلو شرطا جزءاً منه لأجنبيّ عنهما لم يصحّ ، إلاّ أن يشترط عليه عمل متعلّق بالتجارة ، نعم ذكروا : أ نّه لو اشترط كون جزء من الربح لغلام أحدهما صحّ ، ولا بأس به خصوصاً على القول بأنّ العبد لا يملك ؛ لأ نّه يرجع إلى مولاه ، وعلى القول الآخر يشكل ، إلاّ أ نّه لمّا كان مقتضى القاعدة صحّة الشرط حتّى للأجنبيّ والقدر المتيقّن من عدم الجواز ما إذا لم يكن غلاماً لأحدهما ، فالأقوى الصحّة مطلقاً ، بل لا يبعد(1) القول به في الأجنبيّ أيضاً وإن لم يكن عاملاً ؛ لعموم الأدلّة .

الثامن : ذكر بعضهم أ نّه يشترط أن يكون رأس المال بيد العامل ، فلو اشترط المالك أن يكون بيده لم يصحّ ، لكن لا دليل عليه ، فلا مانع أن يتصدّى العامل للمعاملة مع كون المال بيد المالك كما عن «التذكرة» .

التاسع : أن يكون الاسترباح بالتجارة ، وأمّا إذا كان بغيرها كأن يدفع إليه ليصرفه في الزراعة - مثلاً - ويكون الربح بينهما يشكل صحّته ؛ إذ القدر المعلوم من الأدلّة هو التجارة ، ولو فرض صحّة غيرها للعمومات - كما

ص: 455


1- - فيه تأمّل .

لا يبعد(1) - لا يكون داخلاً في عنوان المضاربة .

العاشر : أن لا يكون رأس المال بمقدار يعجز العامل عن التجارة به ، مع اشتراط المباشرة من دون الاستعانة بالغير ، أو كان عاجزاً حتّى مع الاستعانة بالغير ، وإلاّ فلا يصحّ ؛ لاشتراط كون العامل قادراً(2) على العمل ، كما أنّ الأمر كذلك في الإجارة للعمل ، فإنّه إذا كان عاجزاً تكون باطلة ، وحينئذٍ فيكون تمام الربح للمالك وللعامل اُجرة عمله مع جهله بالبطلان(3) ، ويكون ضامناً لتلف المال إلاّ مع علم المالك بالحال ، وهل يضمن حينئذٍ جميعه لعدم التميّز مع عدم الإذن في أخذه على هذا الوجه ، أو القدر الزائد لأنّ العجز إنّما يكون بسببه فيختصّ به ، أو الأوّل إذا أخذ الجميع دفعة والثاني إذا أخذ أوّلاً بقدر مقدوره ثمّ أخذ الزائد ولم يمزجه مع ما أخذه أوّلاً ؟ أقوال ، أقواها الأخير ، ودعوى : أنّه بعد أخذ الزائد يكون يده على الجميع وهو عاجز عن المجموع من حيث المجموع ولا ترجيح الآن لأحد أجزائه ، إذ لو

ص: 456


1- - فيه إشكال بل منع .
2- - يشترط قدرته على العمل ، فلو كان عاجزاً مطلقاً بطلت ، ومع العجز في بعضه لا يبعد الصحّة بالنسبة على إشكال ، نعم لو طرأ العجز في أثناء التجارة تبطل من حين طروئه في الجميع لو عجز مطلقاً ، وفي البعض لو عجز عنه على الأقوى ، وكذا الحال في الإجارة للعمل ، وعلى ما ذكرناه يعلم حال الربح ، وأمّا الضمان فعلى مقدار البطلان ؛ إن كلاًّ فكلّ وإن بعضاً فبعض مع تلف الكلّ وبالنسبة مع تلف البعض المشاع ، نعم لو أخذ بمقدار مقدوره أوّلاً وقلنا بصحّته بالنسبة فمع عدم الامتزاج يكون ضامناً بالنسبة إلى غير المقدور وما أخذ أوّلاً بعنوان المعاملة يتعيّن لمال المضاربة ، والباقي الزائد مقبوض بلا وجه ومضمون .
3- - مرّ في الإجارة تفصيل ذلك .

ترك الأوّل وأخذ الزيادة لا يكون عاجزاً ، كما ترى ؛ إذ الأوّل وقع صحيحاً ، والبطلان مستند إلى الثاني وبسببه ، والمفروض عدم المزج . هذا ، ولكن ذكر بعضهم : أنّ مع العجز المعاملة صحيحة ، فالربح مشترك ، ومع ذلك يكون العامل ضامناً مع جهل المالك ولا وجه له ؛ لما ذكرنا ، مع أ نّه إذا كانت المعاملة صحيحة لم يكن وجه للضمان ، ثمّ إذا تجدّد العجز في الأثناء وجب عليه ردّ الزائد(1) وإلاّ ضمن .

(مسألة 1) : لو كان له مال موجود في يد غيره أمانة أو غيرها فضاربه عليها صحّ ، وإن كان في يده غصباً أو غيره ؛ ممّا يكون اليد فيه يد ضمان ، فالأقوى أ نّه يرتفع الضمان بذلك ، لانقلاب اليد حينئذٍ ، فينقلب الحكم ، ودعوى : أنّ الضمان مغيّاً بالتأدية ولم تحصل ، كما ترى ، ولكن ذكر جماعة بقاء الضمان إلاّ إذا اشترى به شيئاً ودفعه إلى البائع ، فإنّه يرتفع الضمان به ؛ لأ نّه قد قضى دينه بإذنه ، وذكروا نحو ذلك في الرهن أيضاً ، وأنّ العين إذا كانت في يد الغاصب فجعله رهناً عنده أ نّها تبقى على الضمان ، والأقوى ما ذكرنا في المقامين لما ذكرنا .

(مسألة 2) : المضاربة جائزة من الطرفين يجوز لكلّ منهما فسخها ؛ سواء كان قبل الشروع في العمل أو بعده ، قبل حصول الربح أو بعده ، نضّ المال أو كان به عروض ، مطلقاً كانت أو مع اشتراط الأجل وإن كان قبل انقضائه ، نعم لو اشترط فيها عدم الفسخ إلى زمان كذا ، يمكن أن يقال بعدم جواز فسخها قبله ، بل هو الأقوى ؛ لوجوب الوفاء بالشرط ، ولكن عن المشهور بطلان الشرط المذكور ، بل العقد أيضاً ؛ لأ نّه منافٍ لمقتضى العقد ، وفيه منع ، بل هو منافٍ

ص: 457


1- - مع العجز عن البعض ، وردّ التمام مع العجز مطلقاً .

لإطلاقه(1) ، ودعوى : أنّ الشرط في العقود الغير اللازمة غير لازم الوفاء ، ممنوعة ، نعم يجوز فسخ العقد فيسقط الشرط ، وإلاّ فما دام العقد باقياً يجب الوفاء بالشرط فيه ، وهذا إنّما يتمّ في غير الشرط الذي مفاده عدم الفسخ مثل المقام ، فإنّه يوجب لزوم(2) ذلك العقد ، هذا . ولو شرط عدم فسخها في ضمن عقد لازم آخر فلا إشكال في صحّة الشرط ولزومه ، وهذا يؤيّد ما ذكرنا من عدم كون الشرط المذكور منافياً لمقتضى العقد ؛ إذ لو كان منافياً لزم عدم صحّته في ضمن عقد آخر أيضاً ، ولو شرط في عقد مضاربة عدم فسخ مضاربة اُخرى سابقة صحّ ووجب الوفاء به ، إلاّ أن يفسخ هذه المضاربة فيسقط الوجوب ، كما أ نّه لو اشترط في مضاربة مضاربة اُخرى في مال آخر أو أخذ بضاعة منه أو قرض أو خدمة أو نحو ذلك وجب الوفاء به ما دامت المضاربة باقية ، وإن فسخها سقط الوجوب ، ولا بدّ أن يحمل ما اشتهر من أنّ الشروط في ضمن

ص: 458


1- - اشتراط عدم الفسخ - كما هو المفروض - غير منافٍ لإطلاقه أيضاً ؛ لعدم اقتضاء العقد ولا إطلاقه الفسخ وعدمه ، بل مقتضاه أو مقتضى إطلاقه جواز العقد مقابل اللزوم ، وشرط عدم الفسخ لا يقتضي اللزوم حتّى ينافي مقتضى العقد ، فشرط اللزوم باطل غير مبطل للعقد ، وشرط عدم الفسخ صحيح ، والظاهر أ نّه يجب العمل به ما دام العقد باقياً ، فإذا شرط في ضمن عقد المضاربة عدم الفسخ يجب العمل به ، لكن لو فسخ ينفسخ وإن عصى بمخالفة الشرط ، وإن شرط في ضمن عقد جائز آخر يجب العمل به ما دام ذلك العقد باقياً ، ومع فسخه يجوز فسخ المضاربة أيضاً بلا عصيان ، ولو شرط في ضمن عقد لازم عدم الفسخ يجب الوفاء به مطلقاً ، لكن لو فسخ المضاربة تنفسخ ؛ لعدم اقتضاء شرط عدم الفسخ لزومها بوجه ، فما في المتن من صيرورة العقد لازماً غير تامّ ؛ سواء كان في ضمنه أو ضمن عقد آخر لازم أو جائز .
2- - مرّ الإشكال فيه وفيما بعده .

العقود الجائزة غير لازمة الوفاء على هذا المعنى ، وإلاّ فلا وجه لعدم لزومها مع بقاء العقد على حاله ، كما اختاره صاحب «الجواهر» ، بدعوى : أ نّها تابعة للعقد لزوماً وجوازاً ، بل مع جوازه هي أولى بالجواز وأ نّها معه شبه الوعد ، والمراد من قوله تعالى : )أَوْفُوا بِالعُقُودِ( اللازمة منها ؛ لظهور الأمر فيها في الوجوب المطلق ، والمراد من قوله علیه السلام : «المؤمنون عند شروطهم» بيان صحّة أصل الشرط ، لا اللزوم والجواز ؛ إذ لا يخفى ما فيه .

(مسألة 3) : إذا دفع إليه مالاً وقال : اشتر به بستاناً - مثلاً - أو قطيعاً من الغنم ، فإن كان المراد الاسترباح بهما بزيادة القيمة صحّ مضاربة ، وإن كان المراد الانتفاع بنمائهما بالاشتراك ففي صحّته مضاربة وجهان ؛ من أنّ الانتفاع بالنماء ليس من التجارة فلا يصحّ ، ومن أنّ حصوله يكون بسبب الشراء فيكون بالتجارة ، والأقوى البطلان مع إرادة عنوان المضاربة ؛ إذ هي ما يكون الاسترباح فيه بالمعاملات وزيادة القيمة ، لا مثل هذه الفوائد ، نعم لا بأس بضمّها إلى زيادة القيمة ، وإن لم يكن المراد خصوص عنوان المضاربة فيمكن دعوى صحّته(1) للعمومات .

(مسألة 4) : إذا اشترط المالك على العامل أن يكون الخسارة عليهما كالربح ، أو اشترط ضمانه لرأس المال ، ففي صحّته وجهان ، أقواهما الأوّل(2) ؛ لأ نّه ليس

ص: 459


1- - الأقرب هو البطلان .
2- - بل الثاني ، نعم لو شرط أ نّه لو وقع نقصان على رأس المال وخسران على المالك جبر العامل نصفه - مثلاً - لا بأس به ولزم على العامل العمل به ؛ سواء شرط في ضمن عقد لازم أو جائز مع بقائه ، نعم له فسخه ورفع موضوعه ، بل لا يبعد الصحّة لو كان مرجع الشرط إلى انتقال الخسران إلى عهدته بعد حصوله في ملكه بنحو شرط النتيجة .

شرطاً منافياً لمقتضى العقد ، كما قد يتخيّل ، بل إنّما هو منافٍ لإطلاقه ؛ إذ مقتضاه كون الخسارة على المالك وعدم ضمان العامل إلاّ مع التعدّي أو التفريط .

(مسألة 5) : إذا اشترط المالك على العامل أن لا يسافر مطلقاً أو إلى البلد الفلاني أو إلاّ إلى البلد الفلاني ، أو لا يشتري الجنس الفلاني ، أو إلاّ الجنس الفلاني ، أو لا يبيع من زيد مثلاً ، أو إلاّ من زيد ، أو لا يشتري من شخص ، أو إلاّ من شخص معيّن ، أو نحو ذلك من الشروط ، فلا يجوز له المخالفة ، وإلاّ ضمن المال لو تلف بعضاً أو كلاًّ ، وضمن الخسارة مع فرضها ، ومقتضى القاعدة وإن كان كون تمام الربح للمالك على فرض إرادة القيدية إذا أجاز المعاملة ، وثبوت خيار تخلّف الشرط على فرض كون المراد من الشرط التزام في الالتزام ، وكون تمام الربح له على تقدير الفسخ ، إلاّ أنّ الأقوى اشتراكهما في الربح على ما قرّر ؛ لجملة من الأخبار الدالّة على ذلك ، ولا داعي إلى حملها على بعض المحامل ، ولا إلى الاقتصار على مواردها ؛ لاستفادة العموم من بعضها الآخر .

(مسألة 6) : لا يجوز للعامل خلط رأس المال مع مال آخر لنفسه أو غيره ، إلاّ مع إذن المالك عموماً - كأن يقول : اعمل به على حسب ما تراه مصلحة إن كان هناك مصلحة - أو خصوصاً ، فلو خلط بدون الإذن ضمن التلف ، إلاّ أنّ المضاربة باقية والربح بين المالين على النسبة .

(مسألة 7) : مع إطلاق العقد يجوز للعامل التصرّف على حسب ما يراه من حيث البائع والمشتري، ونوع الجنس المشترى ، لكن لا يجوز له أن يسافر من دون إذن المالك، إلاّ إذا كان هناك متعارف ينصرف إليه الإطلاق ، وإن خالف فسافر ، فعلى ما مرّ في المسألة المتقدّمة .

ص: 460

(مسألة 8) : مع إطلاق العقد وعدم الإذن في البيع نسيئة لا يجوز له ذلك ، إلاّ أن يكون متعارفاً ينصرف إليه الإطلاق ، ولو خالف في غير مورد الانصراف فإن استوفى الثمن قبل اطّلاع المالك فهو ، وإن اطّلع المالك قبل الاستيفاء ، فإن أمضى فهو ، وإلاّ فالبيع باطل وله الرجوع على كلّ من العامل والمشتري مع عدم وجود المال عنده أو عند مشترٍ آخر منه ، فإن رجع على المشتري بالمثل أو القيمة لا يرجع هو على العامل إلاّ أن يكون مغروراً من قبله وكانت القيمة أزيد من الثمن ، فإنّه حينئذٍ يرجع بتلك الزيادة عليه ، وإن رجع على العامل يرجع هو على المشتري بما غرم ، إلاّ أن يكون مغروراً منه وكان الثمن أقلّ ، فإنّه حينئذٍ يرجع بمقدار الثمن .

(مسألة 9) : في صورة إطلاق العقد لا يجوز له أن يشتري بأزيد من قيمة المثل ، كما أ نّه لا يجوز أن يبيع بأقلّ من قيمة المثل وإلاّ بطل ، نعم إذا اقتضت المصلحة أحد الأمرين لا بأس به .

(مسألة 10) : لا يجب في صورة الإطلاق أن يبيع بالنقد ، بل يجوز أن يبيع الجنس بجنس آخر ، وقيل بعدم جواز البيع إلاّ بالنقد المتعارف ، ولا وجه له ، إلاّ إذا كان جنساً لا رغبة للناس فيه غالباً .

(مسألة 11) : لا يجوز شراء المعيب إلاّ إذا اقتضت المصلحة ، ولو اتّفق فله الردّ أو الأرش على ما تقتضيه المصلحة .

(مسألة 12) : المشهور - على ما قيل - : أنّ في صورة الإطلاق يجب أن يشتري بعين المال ، فلا يجوز الشراء في الذمّة ، وبعبارة اُخرى : يجب أن يكون الثمن شخصياً من مال المالك ، لا كلّياً في الذمّة ، والظاهر أ نّه يلحق به

ص: 461

الكلّي في المعيّن أيضاً ، وعلّل ذلك بأ نّه القدر المتيقّن ، وأيضاً الشراء في الذمّة قد يؤدّي إلى وجوب دفع غيره ، كما إذا تلف رأس المال قبل الوفاء ، ولعلّ المالك غير راض بذلك ، وأيضاً إذا اشترى بكلّي في الذمّة لا يصدق على الربح أ نّه ربح مال المضاربة ، ولا يخفى ما في هذه العلل ، والأقوى - كما هو المتعارف - جواز الشراء في الذمّة(1) والدفع من رأس المال . ثمّ إنّهم لم يتعرّضوا لبيعه ، ومقتضى ما ذكروه وجوب كون المبيع أيضاً شخصياً لا كلّياً ، ثمّ الدفع من الأجناس التي عنده ، والأقوى فيه أيضاً جواز كونه كلّياً ، وإن لم يكن في المتعارف مثل الشراء . ثمّ إنّ الشراء في الذمّة يتصوّر على وجوه :

أحدها : أن يشتري العامل بقصد المالك وفي ذمّته من حيث المضاربة .

الثاني : أن يقصد كون الثمن في ذمّته من حيث إنّه عامل ووكيل عن المالك ، ويرجع إلى الأوّل ، وحكمها الصحّة ، وكون الربح مشتركاً بينهما على ما ذكرنا ، وإذا فرض تلف مال المضاربة قبل الوفاء كان في ذمّة المالك(2) يؤدّي من ماله الآخر .

ص: 462


1- - لكن لا بمعنى جواز إلزام المالك على تأديته من غير مال المضاربة في صورة تلفه ، وكذا الحال في المبيع الكلّي ؛ لعدم الإذن على هذا الوجه ، وما هو لازم عقد المضاربة هو الإذن بالشراء كلّياً متقيّداً بالأداء من مال المضاربة ؛ لأ نّه من الاتّجار بالمال عرفاً ، نعم للعامل أن يتّجر بعين شخصية وإن كان غير متعارف ، لكنّه مأذون فيه قطعاً وأحد مصاديق الاتّجار بالمال .
2- - مع إذنه في الشراء كذلك ، وكذا الحال في المبيع إذا أذن في البيع كذلك ، لكن مع تلف مال المضاربة لا يكون ذلك مال المضاربة .

الثالث : أن يقصد ذمّة نفسه ، وكان قصده الشراء لنفسه ، ولم يقصد الوفاء حين الشراء من مال المضاربة ، ثمّ دفع منه ، وعلى هذا الشراء صحيح ويكون غاصباً في دفع مال المضاربة من غير إذن المالك ، إلاّ إذا كان مأذوناً في الاستقراض وقصد القرض(1) .

الرابع : كذلك ، لكن مع قصد دفع الثمن من مال المضاربة حين الشراء ، حتّى يكون الربح له فقصد نفسه حيلة منه ، وعليه يمكن الحكم بصحّة الشراء وإن كان عاصياً في التصرّف في مال المضاربة من غير إذن المالك وضامناً له ، بل ضامناً للبائع أيضاً ؛ حيث إنّ الوفاء بمال الغير غير صحيح ، ويحتمل القول ببطلان الشراء ؛ لأنّ رضا البائع مقيّد بدفع الثمن ، والمفروض أنّ الدفع بمال الغير غير صحيح فهو بمنزلة السرقة ، كما ورد في بعض الأخبار : أنّ من استقرض ولم يكن قاصداً للأداء فهو سارق ، ويحتمل صحّة الشراء وكون قصده لنفسه لغواً ، بعد أن كان بناؤه الدفع من مال المضاربة ، فإنّ البيع وإن كان بقصد نفسه وكلّياً في ذمّته إلاّ أنّه ينصبّ على هذا الذي يدفعه ، فكأنّ البيع وقع عليه ، والأوفق بالقواعد الوجه الأوّل ، وبالاحتياط الثاني ، وأضعف الوجوه الثالث وإن لم يستبعده الآقا البهبهاني .

الخامس : أن يقصد الشراء في ذمّته من غير التفات إلى نفسه وغيره ، وعليه أيضاً يكون المبيع له(2) وإذا دفعه من مال المضاربة يكون عاصياً ولو اختلف البائع والعامل في أنّ الشراء كان لنفسه أو لغيره - وهو المالك المضارب -

ص: 463


1- - وعلى أيّ حال يكون الربح له ولا يرتبط بمال المضاربة .
2- - إذا لم يكن انصراف يصرفه إلى العمل للمضاربة .

يقدّم قول البائع ؛ لظاهر الحال(1) ، فيلزم بالثمن من ماله ، وليس له إرجاع البائع إلى المالك المضارب .

(مسألة 13) : يجب على العامل بعد تحقّق عقد المضاربة ما يعتاد بالنسبة إليه ، وإلى تلك التجارة في مثل ذلك المكان والزمان من العمل ، وتولّي ما يتولاّه التاجر لنفسه ؛ من عرض القماش والنشر والطيّ وقبض الثمن وإيداعه في الصندوق ونحو ذلك ممّا هو اللائق والمتعارف ، ويجوز له استئجار من يكون المتعارف استئجاره مثل الدلاّل والحمّال والوزّان والكيّال وغير ذلك ، ويعطي الاُجرة من الوسط ، ولو استأجر فيما يتعارف مباشرته بنفسه فالاُجرة من ماله ، ولو تولّى بنفسه ما يعتاد الاستئجار له فالظاهر جواز أخذ الاُجرة إن لم يقصد التبرّع ، وربما يقال بعدم الجواز ، وفيه : أ نّه منافٍ لقاعدة احترام عمل المسلم المفروض عدم وجوبه عليه .

(مسألة 14) : قد مرّ : أ نّه لا يجوز للعامل السفر من دون إذن المالك ، ومعه فنفقته في السفر من رأس المال إلاّ إذا اشترط المالك كونها على نفسه ، وعن بعضهم كونها على نفسه مطلقاً ، والظاهر أنّ مراده فيما إذا لم يشترط كونها من الأصل ، وربما يقال : له تفاوت ما بين السفر والحضر ، والأقوى ما ذكرنا من جواز أخذها من أصل المال بتمامها ؛ من مأكل ومشرب وملبس ومسكن ونحو ذلك ممّا يصدق عليه النفقة ، ففي صحيح علي بن جعفر عن أخيه أبي

ص: 464


1- - ظهور الحال في ذلك على إطلاقه محلّ إشكال ، وحجّية هذا الظهور على فرضه محلّ تأمّل ،وتقديم قوله مع عدم الحجّية ممنوع ، نعم لو كان ظهور لفظه في أنّ الشراء لنفسه يؤخذ به ويقدّم قول من وافق قوله الظهور .

الحسن علیه السلام : «في المضارب ما أنفق في سفره فهو من جميع المال ، فإذا قدم بلده فما أنفق فمن نصيبه» هذا ، وأمّا في الحضر فليس له أن يأخذ من رأس المال شيئاً ، إلاّ إذا اشترط على المالك ذلك .

(مسألة 15) : المراد بالنفقة ما يحتاج إليه من مأكول وملبوس ومركوب وآلات يحتاج إليها في سفره واُجرة المسكن ونحو ذلك ، وأمّا جوائزه وعطاياه وضيافاته ومصانعاته فعلى نفسه إلاّ إذا كانت التجارة موقوفة عليها(1) .

(مسألة 16) : اللازم الاقتصار على القدر اللائق ، فلو أسرف حسب عليه ، نعم لو قتّر على نفسه أو صار ضيفاً عند شخص لا يحسب له .

(مسألة 17) : المراد من السفر : العرفي لا الشرعي ، فيشمل السفر فرسخين أو ثلاثة ، كما أ نّه إذا أقام في بلد عشرة أيّام أو أزيد كان نفقته من رأس المال ؛ لأ نّه في السفر عرفاً ، نعم إذا أقام بعد تمام العمل لغرض آخر - مثل التفرّج أو لتحصيل مال له أو لغيره ممّا ليس متعلّقاً بالتجارة - فنفقته في تلك المدّة على نفسه ، وإن كان مقامه لما يتعلّق بالتجارة ولأمر آخر ؛ بحيث يكون كلّ منهما علّة مستقلّة لو لا الآخر ، فإن كان الأمر الآخر عارضاً في البين فالظاهر(2) جواز أخذ تمام النفقة من مال التجارة ، وإن كانا في عرض واحد ففيه وجوه : ثالثها : التوزيع(3) ، وهو الأحوط في الجملة ، وأحوط منه كون التمام على نفسه ، وإن كانت العلّة مجموعهما بحيث يكون كلّ واحد جزءاً من الداعي فالظاهر التوزيع .

ص: 465


1- - أو كانت مصلحة التجارة تقتضيها .
2- - الأحوط التوزيع ، بل لا يخلو من وجه .
3- - وهو الأوجه .

(مسألة 18) : استحقاق النفقة مختصّ بالسفر المأذون فيه ، فلو سافر من غير إذن ، أو في غير الجهة المأذون فيه ، أو مع التعدّي عمّا أذن فيه ، ليس له أن يأخذ من مال التجارة .

(مسألة 19) : لو تعدّد أرباب المال كأن يكون عاملاً لاثنين أو أزيد ، أو عاملاً لنفسه وغيره توزّع النفقة ، وهل هو على نسبة المالين أو على نسبة العملين ؟ قولان(1) .

(مسألة 20) : لا يشترط في استحقاق النفقة ظهور ربح ، بل ينفق من أصل المال وإن لم يحصل ربح أصلاً ، نعم لو حصل الربح بعد هذا تحسب من الربح ويعطى المالك تمام رأس ماله ثمّ يقسّم بينهما .

(مسألة 21) : لو مرض في أثناء السفر ، فإن كان لم يمنعه من شغله ، فله أخذ النفقة ، وإن منعه ليس له(2) ، وعلى الأوّل لا يكون منها ما يحتاج إليه للبرء من المرض .

(مسألة 22) : لو حصل الفسخ أو الانفساخ في أثناء السفر ، فنفقة الرجوع على نفسه ، بخلاف ما إذا بقيت ولم تنفسخ ، فإنّها من مال المضاربة .

(مسألة 23) : قد عرفت الفرق بين المضاربة والقرض(3) والبضاعة ، وأنّ في

ص: 466


1- - الأحوط رعاية أقلّ الأمرين إذا كان عاملاً لنفسه وغيره ، والتخلّص بالتصالح إذا كان عاملاً لاثنين .
2- - على الأحوط فيهما .
3- - لكن الفرق بين القرض وبينهما في الماهية لا في مجرّد كون الربح للعامل ، بل كونه للعامل لأجل ذلك الفرق وهو التمليك بالضمان فيه .

الأوّل الربح مشترك ، وفي الثاني للعامل ، وفي الثالث للمالك ، فإذا قال : خذ هذا المال مضاربة والربح بتمامه لي ، كان مضاربة فاسدة(1) ، إلاّ إذا علم أ نّه قصد الإبضاع فيصير بضاعة ، ولا يستحقّ(2) العامل اُجرة إلاّ مع الشرط أو القرائن الدالّة على عدم التبرّع ، ومع الشكّ فيه وفي إرادة الاُجرة يستحقّ الاُجرة أيضاً ، لقاعدة احترام عمل المسلم ، وإذا قال : خذه قراضاً(3) وتمام الربح لك ، فكذلك مضاربة فاسدة ، إلاّ إذا علم أ نّه أراد القرض ، ولو لم يذكر لفظ المضاربة بأن قال : خذه واتّجر به والربح بتمامه لي ، كان بضاعة إلاّ مع العلم(4) بإرادة المضاربة ،

ص: 467


1- - لا يجتمع قصد المضاربة بمعناها الاصطلاحي والربح بتمامه للمالك ، فلا بدّ من كون المقصود من المضاربة الكذائية البضاعة لا المضاربة الاصطلاحية ، والبضاعة نوع من المضاربة وإن كانت قسيمة لها بمعناها الاصطلاحي ، نعم مع الإنشاء الصوري بلا جدّ يمكن الجمع ويكون فاسداً لغواً ، بل لا يصدق عليه مضاربة فاسدة أيضاً .
2- - بل يستحقّ إلاّ مع اشتراط عدمها أو تبرّع العامل . هذا بحسب الواقع ، وأمّا بحسب الحكم الظاهري فيحكم بالاستحقاق إلاّ إذا اُحرز الخلاف لاستصحاب عدم تبرّعه المنقّح لموضوع قاعدة الاحترام على إشكال فيه ، وأمّا نفس القاعدة فلا تكفي ، كما أنّ نفس الاستصحاب غير مفيدة ، والمسألة مشكلة ؛ للإشكال في مثل هذا الاستصحاب .
3- - مرّ عدم إمكان الجمع بين المضاربة والبضاعة ، فكذلك بل الأولى منه عدم إمكان الجمع بين القراض والقرض جدّاً ، إلاّ أن يريد القراض ويريد تمليكه الربح بعد ظهوره ، وهو مع اجتماع شرائط القراض حتّى تعيين الحصّة صحيح قراضاً ، وتمليك الحصّة قبل وجودها بلا أثر ، أو يريد القرض بلفظ القراض ويكون قوله : والربح لك ، قرينة عليه ، ففي وقوعه قرضاً صحيحاً وجه غير خال عن التأمّل .
4- - لا دخل للعلم والجهل في ذلك ، وكذا في الفرع الآتي ، إلاّ أن يكون المقصود في مقام الظاهر والترافع ، وهو تابع لظهور اللفظ ، وفي ظهور قوله : خذه واتّجر به والربح لك بتمامه ، في القرض تأمّل ، نعم قوله : خذه واتّجر به والربح لي ، ظاهر في البضاعة .

فتكون فاسدة ، ولو قال : خذه واتّجر به والربح لك بتمامه ، فهو قرض إلاّ مع العلم بإرادة المضاربة ففاسد ، ومع الفساد في الصور المذكورة يكون تمام الربح للمالك وللعامل اُجرة عمله إلاّ مع علمه بالفساد(1) .

(مسألة 24) : لو اختلف(2) العامل والمالك في أ نّها مضاربة فاسدة أو قرض ، أو مضاربة فاسدة أو بضاعة ، ولم يكن هناك ظهور لفظي ولا قرينة معيّنة ، فمقتضى القاعدة التحالف ، وقد يقال بتقديم قول من يدّعي الصحّة وهو مشكل ؛ إذ مورد الحمل على الصحّة ما إذا علم أ نّهما أوقعا معاملة معيّنة واختلفا في صحّتها وفسادها ، لا مثل المقام الذي يكون الأمر دائراً بين معاملتين على إحداهما صحيح ، وعلى الاُخرى باطل ، نظير ما إذا اختلفا في أ نّهما أوقعا البيع الصحيح أو الإجارة الفاسدة مثلاً ، وفي مثل هذا مقتضى القاعدة التحالف وأصالة الصحّة لا تثبت كونه بيعاً - مثلاً - لا إجارة ، أو بضاعة صحيحة - مثلاً - لا مضاربة فاسدة .

(مسألة 25) : إذا قال المالك للعامل : خذ هذا المال قراضاً والربح بيننا ، صحّ ، ولكلّ منهما النصف ، وإذا قال : ونصف الربح لك ، فكذلك ، بل وكذا لو قال : ونصف الربح لي ، فإنّ الظاهر أنّ النصف الآخر للعامل ، ولكن فرّق بعضهم بين العبارتين وحكم بالصحّة في الاُولى ؛ لأ نّه صرّح فيها بكون النصف للعامل

ص: 468


1- - مجرّد العلم بالفساد لا يوجب عدم استحقاق اُجرة المثل ، كما مرّ في الإجارة تفصيله .
2- - الميزان في التحالف والحلف والإحلاف هو مصبّ الدعوى ، ففيما فرضه يكون مقتضى القاعدة هو التحالف ، وتختلف الآثار بحسب الموارد من كون العامل مدّعياً للقرض والمالك للمضاربة الفاسدة أو العكس ، وكذا في الفرض الثاني ، والتفصيل لا يسع المقام .

والنصف الآخر يبقى له على قاعدة التبعية ، بخلاف العبارة الثانية ، فإنّ كون النصف للمالك لا ينافي كون الآخر له أيضاً على قاعدة التبعية ، فلا دلالة فيها على كون النصف الآخر للعامل ، وأنت خبير بأنّ المفهوم من العبارة عرفاً كون النصف الآخر للعامل .

(مسألة 26) : لا فرق بين أن يقول : خذ هذا المال قراضاً ولك نصف ربحه ، أو قال : خذه قراضاً ولك ربح نصفه ، في الصحّة والاشتراك في الربح بالمناصفة ، وربما يقال بالبطلان في الثاني بدعوى : أنّ مقتضاه كون ربح النصف الآخر بتمامه للمالك ، وقد يربح النصف فيختصّ به أحدهما ، أو يربح أكثر من النصف فلا يكون الحصّة معلومة ، وأيضاً قد لا يعامل إلاّ في النصف . وفيه : أنّ المراد ربح نصف ما عومل به وربح ، فلا إشكال .

(مسألة 27) : يجوز اتّحاد المالك وتعدّد العامل مع اتّحاد المال أو تميّز مال كلّ من العاملين ، فلو قال : ضاربتكما ولكما نصف الربح ، صحّ وكانا فيه سواء ، ولو فضّل أحدهما على الآخر صحّ أيضاً وإن كانا في العمل سواء ، فإنّ غايته اشتراط حصّة قليلة لصاحب العمل الكثير ، وهذا لا بأس به ويكون العقد الواحد بمنزلة عقدين مع اثنين ، ويكون كما لو قارض أحدهما في نصف المال بنصف وقارض الآخر في النصف الآخر بربع الربح ولا مانع منه . وكذا يجوز تعدّد المالك واتّحاد العامل ؛ بأن كان المال مشتركاً بين اثنين فقارضا واحداً بعقد واحد بالنصف - مثلاً - متساوياً بينهما ، أو بالاختلاف ؛ بأن يكون في حصّة أحدهما بالنصف ، وفي حصّة الآخر بالثلث أو الربع مثلاً . وكذا يجوز مع عدم اشتراك المال ؛ بأن يكون مال كلّ منهما ممتازاً وقارضا واحداً مع الإذن في الخلط ، مع

ص: 469

التساوي في حصّة العامل بينهما ، أو الاختلاف ؛ بأن يكون في مال أحدهما بالنصف ، وفي مال الآخر بالثلث أو الربع .

(مسألة 28) : إذا كان مال مشتركاً بين اثنين فقارضا واحداً ، واشترطا له نصف الربح ، وتفاضلا في النصف الآخر ؛ بأن جعل لأحدهما أزيد من الآخر مع تساويهما في ذلك المال أو تساويا فيه مع تفاوتهما فيه ، فإن كان من قصدهما(1) كون ذلك للنقص على العامل بالنسبة إلى صاحب الزيادة ؛ بأن يكون كأ نّه اشترط على العامل في العمل بماله أقلّ ممّا شرطه الآخر له ، كأن اشترط هو للعامل ثلث ربح حصّته ، وشرط له صاحب النقيصة ثلثي ربح حصّته - مثلاً - مع تساويهما في المال فهو صحيح ؛ لجواز اختلاف الشريكين في مقدار الربح المشترط للعامل ، وإن لم يكن النقص راجعاً إلى العامل ، بل على الشريك الآخر بأن يكون المجعول للعامل بالنسبة إليهما سواء ، لكن اختلفا في حصّتهما بأن لا يكون على حسب شركتهما ، فقد يقال فيه بالبطلان ؛ لاستلزامه زيادة لأحدهما على الآخر مع تساوي المالين ، أو تساويهما مع التفاوت في المالين بلا عمل من صاحب الزيادة ؛ لأنّ المفروض كون العامل غيرهما ولا يجوز ذلك في الشركة ، والأقوى(2) الصحّة ؛ لمنع عدم جواز الزيادة لأحد الشريكين بلا مقابلتها لعمل منه ، فإنّ الأقوى جواز ذلك بالشرط ونمنع كونه خلاف مقتضى الشركة ، بل هو خلاف مقتضى إطلاقها ، مع أ نّه يمكن أن يدّعى الفرق بين الشركة والمضاربة وإن كانت متضمّنة للشركة .

ص: 470


1- - لا يكفي مجرّد القصد ، بل لا بدّ من إيقاع العقد بنحو يفيد ذلك .
2- - بل الأقوى البطلان هاهنا ، والصحّة في الشركة مع الشرط ، نعم لو أوقعا عقد الشركة واشترطا فيه ذلك ثمّ أوقعا المضاربة لا بأس به .

(مسألة 29) : تبطل المضاربة بموت كلّ من العامل والمالك ، أمّا الأوّل فلاختصاص الإذن به ، وأمّا الثاني فلانتقال المال بموته إلى وارثه ، فإبقاؤها يحتاج إلى عقد جديد بشرائطه ، فإن كان المال نقداً صحّ ، وإن كان عروضاً فلا ؛ لما عرفت من عدم جواز المضاربة على غير النقدين(1) ، وهل يجوز لوارث المالك إجازة العقد بعد موته؟ قد يقال بعدم الجواز(2) ؛ لعدم علقة له بالمال حال العقد بوجه من الوجوه ، ليكون واقعاً على ماله أو متعلّق حقّه ، وهذا بخلاف إجارة البطن السابق في الوقف أزيد من مدّة حياته فإنّ البطن اللاحق يجوز له الإجازة ؛ لأنّ له حقّاً بحسب جعل الواقف ، وأمّا في المقام فليس للوارث حقّ حال حياة المورّث أصلاً ، وإنّما ينتقل إليه المال حال موته ، وبخلاف إجازة الوارث لما زاد من الثلث في الوصيّة ، وفي المنجّز حال المرض على القول بالثلث فيه ، فإنّ له حقّاً فيما زاد ، فلذا يصحّ إجازته ، ونظير المقام إجارة الشخص ماله مدّة مات في أثنائها على القول بالبطلان بموته ، فإنّه لا يجوز للوارث إجازتها ، لكن يمكن أن يقال : يكفي في صحّة الإجازة كون المال في معرض الانتقال إليه ، وإن لم يكن له علقة به حال العقد ، فكونه سيصير له كافٍ ، ومرجع إجازته حينئذٍ إلى إبقاء ما فعله المورّث لا قبوله ولا تنفيذه ، فإنّ الإجازة أقسام قد تكون قبولاً لما فعله الغير ، كما في إجازة بيع ماله فضولاً وقد تكون راجعاً إلى إسقاط الحقّ ، كما في إجازة المرتهن لبيع الراهن ، وإجازة الوارث لما زاد عن الثلث ، وقد تكون إبقاء لما فعله المالك كما في المقام .

ص: 471


1- - مرّ الكلام فيه سابقاً .
2- - وهو الأقوى ، وما ذكره من الوجه للصحّة غير وجيه .

(مسألة 30) : لا يجوز للعامل أن يوكّل وكيلاً في عمله ، أو يستأجر أجيراً إلاّ بإذن المالك ، نعم لا بأس بالتوكيل أو الاستئجار في بعض المقدّمات(1) على ما هو المتعارف ، وأمّا الإيكال إلى الغير وكالة أو استئجاراً في أصل التجارة فلا يجوز من دون إذن المالك ، ومعه لا مانع منه ، كما أ نّه لا يجوز له أن يضارب غيره إلاّ بإذن المالك .

(مسألة 31) : إذا أذن في مضاربة الغير فإمّا أن يكون بجعل العامل الثاني عاملاً للمالك ، أو بجعله شريكاً معه في العمل والحصّة ، وإمّا بجعله عاملاً لنفسه ، أمّا الأوّل فلا مانع منه ، وتنفسخ مضاربة نفسه على الأقوى ، واحتمال بقائها مع ذلك لعدم المنافاة كما ترى ، ويكون الربح مشتركاً بين المالك والعامل الثاني ، وليس للأوّل شيء إلاّ إذا كان بعد أن عمل عملاً وحصل ربح فيستحقّ حصّته من ذلك ، وليس له أن يشترط على العامل الثاني شيئاً من الربح بعد أن لم يكن له عمل بعد المضاربة الثانية ، بل لو جعل الحصّة للعامل في المضاربة الثانية أقلّ ممّا اشترط له في الاُولى - كأن يكون في الاُولى بالنصف وجعله ثلثاً في الثانية - لا يستحقّ تلك الزيادة ، بل ترجع إلى المالك ، وربما يحتمل جواز اشتراط شيء من الربح أو كون الزيادة له بدعوى : أنّ هذا المقدار وهو إيقاع عقد المضاربة ثمّ جعلها للغير نوع من العمل يكفي في جواز جعل حصّة من الربح له ، وفيه : أ نّه وكالة لا مضاربة ، والثاني أيضاً لا مانع منه(2) وتكون الحصّة المجعولة له في المضاربة الاُولى مشتركة بينه وبين العامل الثاني على حسب

ص: 472


1- - وفي إيقاع بعض المعاملات المتعارف إيكالها إلى الدلاّل .
2- - بجعل مضاربة جديدة مشتركة بعد فسخ الاُولى .

قرارهما ، وأمّا الثالث فلا يصحّ من دون أن يكون له عمل مع العامل الثاني ومعه يرجع إلى التشريك .

(مسألة 32) : إذا ضارب العامل غيره مع عدم الإذن من المالك ، فإن أجاز المالك ذلك ، كان الحكم كما في الإذن السابق في الصور المتقدّمة ، فيلحق كلاًّ حكمه ، وإن لم يجز بطلت المضاربة الثانية ، وحينئذٍ فإن كان العامل الثاني عمل وحصل الربح فما قرّر للمالك في المضاربة الاُولى فله ، وأمّا ما قرّر للعامل فهل هو أيضاً له ، أو للعامل الأوّل ، أو مشترك بين العاملين ؟ وجوه وأقوال ، أقواها الأوّل ؛ لأنّ المفروض بطلان المضاربة الثانية فلا يستحقّ العامل الثاني شيئاً ، وأنّ العامل الأوّل لم يعمل حتّى يستحقّ ، فيكون تمام الربح للمالك إذا أجاز تلك المعاملات الواقعة على ماله ، ويستحقّ العامل الثاني اُجرة عمله مع جهله بالبطلان(1) على العامل الأوّل ؛ لأ نّه مغرور من قبله ، وقيل : يستحقّ على المالك ، ولا وجه له مع فرض عدم الإذن منه له في العمل . هذا إذا ضاربه على أن يكون عاملاً للمالك ، وأمّا إذا ضاربه على أن يكون عاملاً له وقصد العامل في عمله العامل الأوّل فيمكن أن يقال : إنّ الربح للعامل الأوّل ، بل هو مختار المحقّق في «الشرائع» ، وذلك بدعوى : أنّ المضاربة الاُولى باقية بعد فرض بطلان الثانية ، والمفروض أنّ العامل قصد العمل للعامل الأوّل فيكون كأ نّه هو العامل فيستحقّ الربح ، وعليه اُجرة عمل العامل إذا كان جاهلاً(2) بالبطلان ، وبطلان المعاملة لا يضرّ بالإذن الحاصل منه للعمل له ، لكن هذا إنّما يتمّ إذا لم يكن المباشرة

ص: 473


1- - مرّ الكلام في أمثاله والتفصيل في باب الإجارة الفاسدة .
2- - مرّ الكلام فيه .

معتبرة في المضاربة الاُولى ، وأمّا مع اعتبارها فلا يتمّ(1) ويتعيّن كون تمام الربح للمالك إذا أجاز المعاملات وإن لم تجز المضاربة الثانية .

(مسألة 33) : إذا شرط أحدهما على الآخر في ضمن عقد المضاربة مالاً أو عملاً - كأن اشترط المالك على العامل أن يخيط له ثوباً ، أو يعطيه درهماً ، أو نحو ذلك ، أو بالعكس - فالظاهر صحّته ، وكذا إذا اشترط أحدهما على الآخر بيعاً أو قرضاً أو قراضاً أو بضاعةً أو نحو ذلك ، ودعوى : أنّ القدر المتيقّن ما إذا لم يكن من المالك إلاّ رأس المال ، ومن العامل إلاّ التجارة ، مدفوعة ؛ بأنّ ذلك من حيث متعلّق العقد ، فلا ينافي اشتراط مال أو عمل خارجي في ضمنه ، ويكفي في صحّته عموم أدلّة الشروط ، وعن الشيخ الطوسي فيما إذا اشترط المالك على العامل بضاعة بطلان الشرط دون العقد في أحد قوليه ، وبطلانهما في قوله الآخر ، قال : لأنّ العامل في القراض لا يعمل عملاً بغير جعل ولا قسط من الربح ، وإذا بطل الشرط بطل القراض ؛ لأنّ قسط العامل يكون مجهولاً ، ثمّ قال : وإن قلنا : إنّ القراض صحيح والشرط جائز لكنّه لا يلزم الوفاء به ؛ لأنّ البضاعة لا يلزم القيام بها ، كان قويّاً ، وحاصل كلامه في وجه بطلانهما أنّ الشرط المفروض منافٍ لمقتضى العقد فيكون باطلاً ، وببطلانه يبطل العقد ؛ لاستلزامه جهالة حصّة العامل من حيث إنّ للشرط قسطاً من الربح ، وببطلانه يسقط ذلك القسط ، وهو غير معلوم المقدار ، وفيه منع كونه منافياً لمقتضى العقد فإنّ مقتضاه ليس أزيد من أن يكون عمله في مال القراض بجزء من الربح ، والعمل الخارجي

ص: 474


1- - إذا كان الاعتبار بنحو القيدية ، وأمّا إذا كان بنحو الاشتراط فمع تخلّفه أيضاً يمكن الإتمام ، وللمالك خيار التخلّف ، ويأتي في المسألة الآتية ثمر الخيار .

ليس عملاً في مال القراض ، هذا مع أنّ ما ذكره من لزوم جهالة حصّة العامل بعد بطلان الشرط ممنوع ؛ إذ ليس الشرط مقابلاً بالعوض في شيء من الموارد ، وإنّما يوجب زيادة العوض فلا ينقص من بطلانه شيء من الحصّة حتّى تصير مجهولة وأمّا ما ذكره في قوله : وإن قلنا . . . إلى آخره ، فلعلّ غرضه أ نّه إذا لم يكن الوفاء بالشرط لازماً يكون وجوده كعدمه فكأ نّه لم يشترط ، فلا يلزم الجهالة في الصحّة ، وفيه : أ نّه على فرض إيجابه للجهالة لا يتفاوت الحال بين لزوم العمل به وعدمه ؛ حيث إنّه على التقديرين زيد بعض العوض لأجله ، هذا وقد يقرّر في وجه بطلان الشرط المذكور : أنّ هذا الشرط لا أثر له أصلاً ؛ لأ نّه ليس بلازم الوفاء ، حيث إنّه في العقد الجائز ولا يلزم من تخلّفه أثر التسلّط على الفسخ ؛ حيث إنّه يجوز فسخه ، ولو مع عدم التخلّف ، وفيه أوّلاً : ما عرفت سابقاً من لزوم العمل بالشرط في ضمن العقود الجائزة ما دامت باقية ولم تفسخ ، وإن كان له أن يفسخ حتّى يسقط وجوب العمل به ، وثانياً : لا نسلّم أنّ تخلّفه لا يؤثّر في التسلّط على الفسخ ؛ إذ الفسخ الذي يأتي من قبل كون العقد جائزاً إنّما يكون بالنسبة إلى الاستمرار ، بخلاف الفسخ الآتي من تخلّف الشرط فإنّه يوجب فسخ المعاملة من الأصل ، فإذا فرضنا أنّ الفسخ بعد حصول الربح فإن كان من القسم الأوّل اقتضى حصوله من حينه . فالعامل يستحقّ ذلك الربح بمقدار حصّته ، وإن كان من القسم الثاني يكون تمام الربح للمالك ، ويستحقّ العامل اُجرة المثل لعمله ، وهي قد تكون أزيد من الربح ، وقد تكون أقلّ فيتفاوت الحال بالفسخ وعدمه إذا كان لأجل تخلّف الشرط .

(مسألة 34) : يملك العامل حصّته من الربح بمجرّد ظهوره - من غير توقّف على الإنضاض أو القسمة ، لا نقلاً ولا كشفاً - على المشهور ، بل الظاهر

ص: 475

الإجماع عليه ؛ لأنّه مقتضى اشتراط كون الربح بينهما ولأ نّه مملوك ، وليس للمالك ، فيكون للعامل ، وللصحيح : رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى أباه وهو لا يعلم ، قال : «يقوّم فإن زاد درهماً واحداً انعتق واستسعى في مال الرجل» ؛ إذ لو لم يكن مالكاً لحصّته لم ينعتق أبوه . نعم ، عن الفخر عن والده أنّ في المسألة أربعة أقوال ، ولكن لم يذكر القائل ولعلّها من العامّة : أحدها : ما ذكرنا . الثاني : أ نّه يملك بالإنضاض ؛ لأ نّه قبله ليس موجوداً خارجياً ، بل هو مقدّر موهوم . الثالث : أ نّه يملك بالقسمة ؛ لأ نّه لو ملك قبله لاختصّ بربحه ، ولم يكن وقاية لرأس المال . الرابع : أنّ القسمة كاشفة عن الملك سابقاً لأ نّها توجب استقراره ، والأقوى ما ذكرنا لما ذكرنا ، ودعوى : أ نّه ليس موجوداً ، كما ترى ، وكون القيمة أمراً وهمياً ممنوع ، مع أ نّا نقول : إنّه يصير شريكاً في العين الموجودة بالنسبة ، ولذا يصحّ له مطالبة القسمة ، مع أنّ المملوك لا يلزم أن يكون موجوداً خارجياً ، فإنّ الدين مملوك ، مع أ نّه ليس في الخارج ، ومن الغريب إصرار صاحب «الجواهر» على الإشكال في ملكيته بدعوى : أ نّه حقيقة ما زاد على عين الأصل ، وقيمة الشيء أمر وهمي لا وجود له لا ذمّة ولا خارجاً ، فلا يصدق عليه الربح ، نعم لا بأس أن يقال : إنّه بالظهور ملك أن يملك ، بمعنى أنّ له الإنضاض فيملك ، وأغرب منه أ نّه قال : بل لعلّ الوجه في خبر عتق الأب ذلك أيضاً ، بناءً على الاكتفاء بمثل ذلك في العتق المبنيّ على السراية ؛ إذ لا يخفى ما فيه ، مع أنّ لازم ما ذكره كون العين بتمامها ملكاً للمالك حتّى مقدار الربح مع أ نّه ادّعى الاتّفاق على عدم كون مقدار حصّة العامل من الربح للمالك ، فلا ينبغي التأمّل في أنّ الأقوى ما هو المشهور ، نعم إن حصل خسران أو تلف بعد ظهور الربح خرج عن ملكية العامل ، لا أن يكون كاشفاً عن عدم ملكيته من الأوّل ،

ص: 476

وعلى ما ذكرنا يترتّب عليه جميع آثار الملكية من جواز المطالبة بالقسمة وإن كانت موقوفة على رضا المالك ومن صحّة تصرّفاته فيه من البيع والصلح ونحوهما ، ومن الإرث وتعلّق الخمس والزكاة وحصول الاستطاعة للحجّ وتعلّق حقّ الغرماء به ، ووجوب صرفه في الدين مع المطالبة إلى غير ذلك .

(مسألة 35) : الربح وقاية لرأس المال ، فملكية العامل له بالظهور متزلزلة ، فلو عرض بعد ذلك خسران أو تلف يجبر به إلى أن تستقرّ ملكيته ، والاستقرار يحصل بعد الإنضاض والفسخ والقسمة ، فبعدها إذا تلف شيء لا يحسب من الربح ، بل تلف كلّ على صاحبه ، ولا يكفي في الاستقرار قسمة الربح فقط مع عدم الفسخ ، بل ولا قسمة الكلّ كذلك ، ولا بالفسخ(1) مع عدم القسمة ، فلو حصل خسران أو تلف أو ربح كان كما سبق ، فيكون الربح مشتركاً والتلف والخسران عليهما ويتمّم رأس المال بالربح ، نعم لو حصل الفسخ ولم يحصل الإنضاض ولو بالنسبة إلى البعض وحصلت القسمة فهل تستقرّ الملكية أم لا ؟ إن قلنا بوجوب الإنضاض على العامل فالظاهر عدم الاستقرار ، وإن قلنا بعدم وجوبه ففيه وجهان ، أقواهما الاستقرار . والحاصل : أنّ اللازم أوّلاً دفع مقدار رأس المال للمالك ثمّ يقسّم ما زاد عنه بينهما على حسب حصّتهما فكلّ خسارة وتلف قبل تمام المضاربة يجبر بالربح ، وتماميتها بما ذكرنا(2) من الفسخ والقسمة .

ص: 477


1- - لا يبعد الاستقرار بالفسخ فقط أو بتمام أمد المضاربة لو كان لها أمد ، والظاهر حصول الفسخ بقسمة الكلّ .
2- - بل لا يبعد أن يكون بما ذكرنا آنفاً .

(مسألة 36) : إذا ظهر الربح ونضّ تمامه أو بعض منه فطلب أحدهما قسمته ، فإن رضي الآخر فلا مانع منها ، وإن لم يرض المالك لم يجبر عليها(1) لاحتمال الخسران بعد ذلك ، والحاجة إلى جبره به ، قيل : وإن لم يرض العامل فكذلك أيضاً ؛ لأ نّه لو حصل الخسران وجب عليه ردّ ما أخذه ، ولعلّه لا يقدر بعد ذلك عليه لفواته في يده وهو ضرر عليه ، وفيه : أنّ هذا لا يعدّ ضرراً ، فالأقوى أ نّه يجبر إذا طلب المالك ، وكيف كان إذا اقتسماه ثمّ حصل الخسران ، فإن حصل بعده ربح يجبره فهو ، وإلاّ ردّ العامل أقلّ الأمرين من مقدار الخسران وما أخذ من الربح ؛ لأنّ الأقلّ إن كان هو الخسران فليس عليه إلاّ جبره والزائد له ، وإن كان هو الربح فليس عليه إلاّ مقدار ما أخذ ، ويظهر من الشهيد أنّ قسمة الربح موجبة لاستقراره ، وعدم جبره للخسارة الحاصلة بعدها ، لكن قسمة مقداره ليست قسمة له من حيث إنّه مشاع في جميع المال ، فأخذ مقدار منه ليس أخذاً له فقط ؛ حيث قال - على ما نقل عنه - : إنّ المردود أقلّ الأمرين ممّا أخذه العامل من رأس المال لا من الربح ، فلو كان رأس المال مائة والربح عشرين فاقتسما العشرين ، فالعشرون التي هي الربح مشاعة في الجميع ؛ نسبتها إلى رأس المال نسبة السدس ، فالمأخوذ سدس الجميع فيكون خمسة أسداسها من رأس المال ، وسدسها من الربح ، فإذا اقتسماها استقرّ ملك العامل على نصيبه من الربح ، وهو نصف سدس العشرين ، وذلك درهم وثلثان يبقى معه ثمانية وثلث من رأس المال ، فإذا خسر المال الباقي ردّ أقلّ الأمرين ممّا خسر ومن ثمانية وثلث ،

ص: 478


1- - فيه تأمّل وإشكال ، إلاّ أن يكون بناء المضاربة مع بقائها على عدم القسمة قبل الفسخ ولازمه عدم إجبار العامل أيضاً ، والتعليل الذي ذكره لعدم إجبارهما ليس بوجيه .

وفيه : مضافاً إلى أ نّه خلاف ما هو المعلوم من وجوب جبر الخسران الحاصل بعد ذلك بالربح السابق إن لم يلحقه ربح ، وأنّ عليه غرامة ما أخذه منه ، أنظار اُخر ، منها : أنّ المأخوذ إذا كان من رأس المال فوجوب ردّه لا يتوقّف على حصول الخسران بعد ذلك . ومنها : أ نّه ليس مأذوناً في أخذ رأس المال فلا وجه للقسمة المفروضة . ومنها : أنّ المفروض أ نّهما اقتسما المقدار من الربح بعنوان أ نّه ربح ، لا بعنوان كونه منه ومن رأس المال ، ودعوى : أ نّه لا يتعيّن ؛ لكونه من الربح بمجرّد قصدهما مع فرض إشاعته في تمام المال ، مدفوعة ؛ بأنّ المال بعد حصول الربح يصير مشتركاً بين المالك والعامل ، فمقدار رأس المال مع حصّة من الربح للمالك ، ومقدار حصّة الربح المشروط للعامل له ، فلا وجه لعدم التعيّن بعد تعيينهما مقدار مالهما في هذا المال ، فقسمة الربح في الحقيقة قسمة لجميع المال ولا مانع منها .

(مسألة 37) : إذا باع العامل حصّته من الربح بعد ظهوره صحّ مع تحقّق الشرائط ؛ من معلومية المقدار وغيره ، وإذا حصل خسران بعد هذا لا يبطل البيع(1) ، بل يكون بمنزلة التلف ، فيجب عليه جبره بدفع أقلّ الأمرين من مقدار قيمة ما باعه ومقدار الخسران .

(مسألة 38) : لا إشكال في أنّ الخسارة الواردة على مال المضاربة تجبر بالربح ؛ سواء كان سابقاً عليها أو لاحقاً ما دامت المضاربة باقية ولم يتمّ عملها ، نعم قد عرفت ما عن الشهيد من عدم جبران الخسارة اللاحقة بالربح السابق إذا

ص: 479


1- - محلّ تأمّل ، ويحتمل صحّته ومالكية المشتري ملكية متزلزلة كمالكية البائع ، فينفسخ مع ظهور الخسران وعدم الجبران من مال آخر على إشكال .

اقتسماه ، وأنّ مقدار الربح من المقسوم تستقرّ ملكيته ، وأمّا التلف فإمّا أن يكون بعد الدوران في التجارة ، أو بعد الشروع فيها ، أو قبله ، ثمّ إمّا أن يكون التالف البعض أو الكلّ ، وأيضاً إمّا أن يكون بآفة من اللّه سماوية أو أرضية ، أو بإتلاف المالك أو العامل أو الأجنبيّ على وجه الضمان ، فإن كان بعد الدوران في التجارة فالظاهر جبره بالربح ، ولو كان لاحقاً مطلقاً ؛ سواء كان التالف البعض أو الكلّ ، كان التلف بآفة أو بإتلاف ضامن من العامل أو الأجنبيّ ، ودعوى : أنّ مع الضمان كأ نّه لم يتلف ؛ لأ نّه في ذمّة الضامن ، كما ترى ، نعم لو أخذ العوض يكون من جملة المال ، بل الأقوى ذلك إذا كان بعد الشروع في التجارة وإن كان التالف الكلّ ، كما إذا اشترى في الذمّة وتلف المال قبل دفعه إلى البائع فأدّاه المالك(1) ، أو باع العامل المبيع وربح فأدّى ، كما أنّ الأقوى في تلف البعض الجبر وإن كان قبل الشروع أيضاً ، كما إذا سرق في أثناء السفر قبل أن يشرع في التجارة ، أو في البلد أيضاً قبل أن يسافر ، وأمّا تلف الكلّ قبل الشروع في التجارة فالظاهر أ نّه موجب لانفساخ العقد ؛ إذ لا يبقى معه مال التجارة حتّى يجبر أو لا يجبر ، نعم إذا أتلفه أجنبيّ(2) وأدّى عوضه تكون المضاربة باقية ، وكذا إذا أتلفه العامل .

(مسألة 39) : العامل أمين فلا يضمن إلاّ بالخيانة ، كما لو أكل بعض مال المضاربة أو اشترى شيئاً لنفسه فأدّى الثمن من ذلك أو وطئ الجارية المشتراة أو نحو ذلك ، أو التفريط بترك الحفظ ، أو التعدّي بأن خالف ما أمره به أو نهاه عنه ، كما لو سافر مع نهيه عنه أو عدم إذنه في السفر ، أو اشترى ما نهى عن شرائه ، أو

ص: 480


1- - بقصد الأخذ بعد استرباح المبيع .
2- - وأمكن تضمينه والوصول منه ، وكذا مع إتلاف العامل أمكنه تأدية العوض .

ترك شراء ما أمره به ، فإنّه يصير بذلك ضامناً للمال لو تلف ولو بآفة سماوية وإن بقيت المضاربة كما مرّ ، والظاهر ضمانه للخسارة الحاصلة بعد ذلك أيضاً ، وإذا رجع عن تعدّيه أو خيانته فهل يبقى الضمان أو لا ؟ وجهان(1) ، مقتضى الاستصحاب بقاؤه كما ذكروا في باب الوديعة : أ نّه لو أخرجها الودعي عن الحرز بقي الضمان وإن ردّها بعد ذلك إليه ، ولكن لا يخلو عن إشكال ؛ لأنّ المفروض بقاء الإذن وارتفاع سبب الضمان ، ولو اقتضت المصلحة بيع الجنس في زمان ولم يبع ضمن الوضيعة إن حصلت بعد ذلك ، وهل يضمن بنيّة الخيانة مع عدم فعلها ؟ وجهان(2) ؛ من عدم كون مجرّد النيّة خيانة ، ومن صيرورة يده حال النيّة بمنزلة يد الغاصب ، ويمكن الفرق بين العزم عليها فعلاً وبين العزم على أن يخون بعد ذلك .

(مسألة 40) : لا يجوز للمالك أن يشتري من العامل شيئاً من مال المضاربة ؛ لأ نّه ماله ، نعم إذا ظهر الربح يجوز له أن يشتري حصّة العامل منه مع معلومية قدرها ، ولا يبطل بيعه بحصول الخسارة بعد ذلك فإنّه بمنزلة التلف ، ويجب على العامل ردّ قيمتها لجبر الخسارة ، كما لو باعها من غير المالك ، وأمّا العامل فيجوز أن يشتري من المالك قبل ظهور الربح ، بل وبعده ، لكن يبطل الشراء بمقدار حصّته من المبيع ؛ لأ نّه ماله ، نعم لو اشترى منه قبل ظهور الربح بأزيد من قيمته بحيث يكون الربح حاصلاً بهذا الشراء يمكن الإشكال فيه ؛ حيث إنّ بعض الثمن

ص: 481


1- - أوجههما الضمان ، لأنّ ارتفاع سبب الضمان غير معلوم .
2- - أوجههما عدم الضمان ؛ لأنّ صيرورة اليد بمجرّد النيّة بمنزلة يد الغاصب غير معلوم ، وأمّا الفرق الذي في المتن فغير وجيه .

حينئذٍ يرجع إليه من جهة كونه ربحاً ، فيلزم من نقله إلى البائع عدم نقله من حيث عوده إلى نفسه ، ويمكن دفعه(1) بأنّ كونه ربحاً متأخّر عن صيرورته للبائع ، فيصير أوّلاً للبائع الذي هو المالك من جهة كونه ثمناً ، وبعد أن تمّت المعاملة وصار ملكاً للبائع وصدق كونه ربحاً يرجع إلى المشتري الذي هو العامل على حسب قرار المضاربة ، فملكية البائع متقدّمة طبعاً ، وهذا مثل ما إذا باع العامل مال المضاربة الذي هو مال المالك من أجنبيّ بأزيد من قيمته ، فإنّ المبيع ينتقل من المالك والثمن يكون مشتركاً بينه وبين العامل ، ولا بأس به فإنّه من الأوّل يصير ملكاً للمالك ، ثمّ يصير بمقدار حصّة العامل منه له بمقتضى قرار المضاربة ، لكن هذا على ما هو المشهور من أنّ مقتضى المعاوضة دخول المعوّض في ملك من خرج عنه العوض وأ نّه لا يعقل غيره ، وأمّا على ما هو الأقوى من عدم المانع من كون المعوّض لشخص ، والعوض داخلاً في ملك غيره ، وأ نّه لا ينافي حقيقة المعاوضة ، فيمكن أن يقال : من الأوّل يدخل

ص: 482


1- - الإشكال والجواب كأ نّهما مبنيّان على أنّ اعتبار المضاربة هو كون الربح لمال المالك وبعد الاسترباح تنتقل حصّة منه من ملك مالك رأس المال إلى العامل بحسب اقتضاء المضاربة ، وأمّا إذا كان الاعتبار فيها هو كون المال للمالك والعمل للعامل وكأ نّهما شريكان في رأس المال والعمل والربح حاصل لهما باعتبارهما وبجلبهما فتكون حصّة من الربح منتقلة إلى صاحب المال وحصّة منه إلى صاحب العمل ابتداء فلا وقع للإشكال والجواب ولا يكون ذلك مخالفاً للقاعدة عند العقلاء ، نعم يبطل ذاك الشراء المفروض بالنسبة إلى حصّة العامل باعتبار كون العوض والمعوّض لشخص واحد ، فإذا اشترى ما تكون قيمته مائة بمائتين وكانت المضاربة على النصف تبطل بالنسبة إلى خمسين وبقي المال مائة وخمسين للمالك لرأس المال ، وممّا ذكرنا يظهر النظر فيما يأتي من الماتن ، وفي دخول تلك الزيادة في مال المضاربة تأمّل ونظر .

الربح في ملك العامل بمقتضى قرار المضاربة فلا يكون هذه الصورة مثالاً للمقام ونظيراً له .

(مسألة 41) : يجوز للعامل الأخذ بالشفعة من المالك في مال المضاربة ، ولا يجوز العكس ، مثلاً إذا كانت دار مشتركة بين العامل والأجنبيّ فاشترى العامل حصّة الأجنبيّ بمال المضاربة يجوز له إذا كان قبل ظهور الربح أن يأخذها بالشفعة ؛ لأنّ الشراء قبل حصول الربح يكون للمالك ، فللعامل أن يأخذ تلك الحصّة بالشفعة منه ، وأمّا إذا كانت الدار مشتركة بين المالك والأجنبيّ فاشترى العامل حصّة الأجنبيّ ليس للمالك الأخذ بالشفعة ؛ لأنّ الشراء له فليس له أن يأخذ بالشفعة ما هو له .

(مسألة 42) : لا إشكال في عدم جواز وط ء العامل للجارية التي اشتراها بمال المضاربة بدون إذن المالك ؛ سواء كان قبل ظهور الربح أو بعده ؛ لأنّها مال الغير أو مشتركة بينه وبين الغير الذي هو المالك ، فإن فعل كان زانياً يحدّ مع عدم الشبهة كاملاً إن كان قبل حصول الربح ، وبقدر نصيب المالك إن كان بعده ، كما لا إشكال في جواز وطئها إذا أذن له(1) المالك بعد الشراء وكان قبل حصول الربح ، بل يجوز بعده على الأقوى من جواز تحليل أحد الشريكين صاحبه وط ء الجارية المشتركة بينهما ، وهل يجوز له وطؤها بالإذن السابق في حال إيقاع عقد المضاربة أو بعده قبل الشراء أم لا ؟ المشهور على عدم الجواز ؛ لأنّ التحليل إمّا تمليك أو عقد ، وكلاهما لا يصلحان قبل الشراء ، والأقوى كما(2) عن الشيخ

ص: 483


1- - أي حلّلها له بشرائطه .
2- - محلّ إشكال لا يترك الاحتياط .

في «النهاية» الجواز ؛ لمنع كونه أحد الأمرين ، بل هو إباحة ، ولا مانع من إنشائها قبل الشراء إذا لم يرجع عن إذنه بعد ذلك ، كما إذا قال : اشتر بمالي طعاماً ثمّ كل منه ، هذا مضافاً إلى خبر الكاهلي عن أبي الحسن علیه السلام قلت : رجل سألني أن أسأ لُك أنّ رجلاً أعطاه مالاً مضاربة يشتري ما يرى من شيء ، وقال له : اشتر جارية تكون معك ، والجارية إنّما هي لصاحب المال إن كان فيها وضيعة فعليه ، وإن كان ربح فله ، فللمضارب أن يطأها؟ قال علیه السلام : «نعم» ، ولا يضرّ ظهورها في كون الشراء من غير مال المضاربة من حيث جعل ربحها للمالك ؛ لأنّ الظاهر عدم الفرق بين المضاربة وغيرها في تأثير الإذن السابق وعدمه ، وأمّا وط ء المالك لتلك الجارية فلا بأس به قبل حصول الربح ، بل مع الشكّ فيه ؛ لأصالة عدمه ، وأمّا بعده فيتوقّف على إذن العامل(1) ، فيجوز معه على الأقوى من جواز إذن أحد الشريكين صاحبه .

(مسألة 43) : لو كان المالك في المضاربة امرأة فاشترى العامل زوجها ، فإن كان بإذنها فلا إشكال في صحّته وبطلان نكاحها ، ولا ضمان عليه وإن استلزم ذلك الضرر عليها بسقوط مهرها ونفقتها ، وإلاّ ففي المسألة أقوال : البطلان مطلقاً ؛ للاستلزام المذكور ، فيكون خلاف مصلحتها ، والصحّة كذلك ؛ لأ نّه من أعمال المضاربة المأذون فيها في ضمن العقد ، كما إذا اشترى غير زوجها ، والصحّة إذا أجازت بعد ذلك ، وهذا هو الأقوى ؛ إذ لا فرق بين الإذن السابق والإجازة اللاحقة ، فلا وجه للقول الأوّل ، مع أنّ قائله غير معلوم ، ولعلّه من يقول بعدم صحّة الفضولي إلاّ فيما ورد دليل خاصّ ، مع أنّ الاستلزام المذكور

ص: 484


1- - أي تحليله .

ممنوع ؛ لأ نّها لا تستحقّ النفقة إلاّ تدريجاً ، فليست هي مالاً لها فوّته عليها وإلاّ لزم غرامتها على من قتل الزوج ، وأمّا المهر فإن كان ذلك بعد الدخول فلا سقوط ، وإن كان قبله فيمكن أن يدّعى عدم سقوطه أيضاً بمطلق المبطل ، وإنّما يسقط بالطلاق فقط(1) ، مع أنّ المهر(2) كان لسيّدها لا لها ، وكذا لا وجه للقول الثاني بعد أن كان الشراء المذكور على خلاف مصلحتها ، لا من حيث استلزام الضرر المذكور ، بل لأ نّها تريد زوجها لأغراض اُخر ، والإذن الذي تضمّنه العقد منصرف عن مثل هذا ، وممّا ذكرنا ظهر حال ما إذا اشترى العامل زوجة المالك ، فإنّه صحيح مع الإذن السابق أو الإجازة اللاحقة ، ولا يكفيه الإذن الضمني في العقد ؛ للانصراف .

(مسألة 44) : إذا اشترى العامل من ينعتق على المالك ، فإمّا أن يكون بإذنه أو لا ، فعلى الأوّل ولم يكن فيه ربح صحّ وانعتق عليه وبطلت المضاربة بالنسبة إليه ؛ لأ نّه خلاف وضعها ، أو خارج عن عنوانها ؛ حيث إنّها مبنيّة على طلب الربح المفروض عدمه ، بل كونه خسارة محضة ، فيكون صحّة الشراء من حيث الإذن من المالك ، لا من حيث المضاربة ، وحينئذٍ فإن بقي من مالها غيره بقيت بالنسبة إليه ، وإلاّ بطلت من الأصل ، وللعامل اُجرة عمله إذا لم يقصد التبرّع ، وإن كان فيه ربح فلا إشكال في صحّته ، لكن في كونه قراضاً فيملك العامل بمقدار حصّته من العبد ، أو يستحقّ عوضه على المالك للسراية ، أو بطلانه مضاربة واستحقاق العامل اُجرة المثل لعمله ، كما إذا لم يكن ربح أقوال ، لا يبعد ترجيح

ص: 485


1- - فيه منع .
2- - هذا خلاف مفروض المسألة .

الأخير ، لا لكونه خلاف وضع المضاربة ؛ للفرق بينه وبين صورة عدم الربح ، بل لأ نّه فرع ملكية المالك المفروض عدمها ، ودعوى : أ نّه لا بدّ أن يقال : إنّه يملكه آناً ما ثمّ ينعتق أو بقدر ملكيته حفظاً لحقيقة البيع على القولين في تلك المسألة ، وأيّ منهما كان يكفي في ملكية الربح ، مدفوعة ؛ بمعارضتها بالانعتاق الذي هو أيضاً متفرّع على ملكية المالك ، فإنّ لها أثرين في عرض واحد : ملكية العامل للربح والانعتاق ، ومقتضى بناء العتق على التغليب تقديم الثاني ، وعليه فلم يحصل للعامل ملكية نفس العبد ، ولم يفوّت المالك عليه أيضاً شيئاً ، بل فعل ما يمنع عن ملكيته ، مع أ نّه يمكن أن يقال : إنّ التفويت من الشارع لا منه ، لكن الإنصاف أنّ المسألة مشكلة بناءً على لزوم تقدّم ملكية المالك وصيرورته للعامل بعده ؛ إذ تقدّم الانعتاق على ملكية العامل عند المعارضة في محلّ المنع ، نعم لو قلنا : إنّ العامل يملك الربح أوّلاً بلا توسّط ملكية المالك بالجعل الأوّلي حين العقد ، وعدم منافاته لحقيقة المعاوضة ؛ لكون العوض من مال المالك والمعوّض مشتركاً بينه وبين العامل كما هو الأقوى(1) ، لا يبقى إشكال ، فيمكن أن يقال بصحّته مضاربة ، وملكية العامل حصّته من نفس العبد على القول بعدم السراية ، وملكيته عوضها إن قلنا بها ، وعلى الثاني - أي إذا كان من غير إذن المالك - فإن أجاز فكما في صورة الإذن ، وإن لم يجز بطل الشراء ، ودعوى البطلان ولو مع الإجازة ؛ لأ نّه تصرّف منهيّ عنه ، كما ترى ؛ إذ النهي ليس عن المعاملة بما هي ، بل لأمر خارج فلا مانع من صحّتها مع الإجازة ، ولا فرق في البطلان مع عدمها بين كون العامل عالماً بأ نّه ممّن ينعتق على المالك حين

ص: 486


1- - وقد مرّ في بعض الحواشي السابقة أنّ ذلك موافق لاعتبار المضاربة .

الشراء أو جاهلاً ، والقول بالصحّة مع الجهل ؛ لأنّ بناء معاملات العامل على الظاهر فهو كما إذا اشترى المعيب جهلاً بالحال ، ضعيف ، والفرق بين المقامين واضح ، ثمّ لا فرق في البطلان بين كون الشراء بعين مال المضاربة أو في الذمّة بقصد الأداء منه وإن لم يذكره لفظاً ، نعم لو تنازع هو والبائع في كونه لنفسه أو للمضاربة قدّم قول البائع(1) ، ويلزم العامل به ظاهراً وإن وجب عليه التخلّص منه ، ولو لم يذكر المالك لفظاً ولا قصداً(2) كان له ظاهراً وواقعاً .

(مسألة 45) : إذا اشترى العامل أباه أو غيره ممّن ينعتق عليه ؛ فإن كان قبل ظهور الربح ولا ربح فيه أيضاً صحّ الشراء وكان من مال القراض ، وإن كان بعد ظهوره أو كان فيه ربح فمقتضى القاعدة وإن كان بطلانه - لكونه خلاف وضع المضاربة فإنّها موضوعة - كما مرّ - للاسترباح بالتقليب في التجارة ، والشراء المفروض من حيث استلزامه للانعتاق ليس كذلك ، إلاّ أنّ المشهور بل ادّعي عليه الإجماع صحّته ، وهو الأقوى في صورة الجهل بكونه ممّن ينعتق عليه ، فينعتق مقدار حصّته من الربح منه ، ويسري في البقيّة ، وعليه عوضها للمالك مع يساره ، ويستسعي العبد فيه مع إعساره ؛ لصحيحة ابن أبي عمير عن محمّد بن قيس عن الصادق علیه السلام : في رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى أباه وهو لا يعلم ، قال علیه السلام : «يقوّم فإن زاد درهماً واحداً انعتق واستسعى في مال الرجل» وهي مختصّة بصورة الجهل المنزّل عليها إطلاق كلمات العلماء أيضاً ، واختصاصها بشراء الأب لا يضرّ بعد كون المناط كونه ممّن ينعتق عليه ، كما أنّ

ص: 487


1- - مرّ الكلام فيه .
2- - ولو ارتكازاً وانصرافاً .

اختصاصها بما إذا كان فيه ربح لا يضرّ أيضاً ، بعد عدم الفرق بينه وبين الربح السابق ، وإطلاقها من حيث اليسار والإعسار في الاستسعاء أيضاً منزّل على الثاني(1) ؛ جمعاً بين الأدلّة ، هذا ولو لم يكن ربح سابق ولا كان فيه أيضاً ، لكن تجدّد بعد ذلك قبل أن يباع فالظاهر أنّ حكمه أيضاً الانعتاق والسراية بمقتضى القاعدة ، مع إمكان دعوى شمول إطلاق الصحيحة أيضاً للربح المتجدّد فيه ، فيلحق به الربح الحاصل من غيره ؛ لعدم الفرق .

(مسألة 46) : قد عرفت أنّ المضاربة من العقود الجائزة ، وأ نّه يجوز لكلّ منهما الفسخ إذا لم يشترط لزومها(2) في ضمن عقد لازم ، بل أو في ضمن عقدها أيضاً . ثمّ قد يحصل الفسخ من أحدهما وقد يحصل البطلان والانفساخ لموت أو جنون أو تلف مال التجارة بتمامها ، أو لعدم إمكان التجارة لمانع أو نحو ذلك ، فلا بدّ من التكلّم في حكمها من حيث استحقاق العامل للاُجرة وعدمه ، ومن حيث وجوب الإنضاض عليه وعدمه ؛ إذا كان بالمال عروض ، ومن حيث وجوب الجباية عليه وعدمه إذا كان به ديون على الناس ، ومن حيث وجوب الردّ إلى المالك وعدمه وكون الاُجرة عليه أو لا ، فنقول : إمّا أن يكون الفسخ من المالك أو العامل ، وأيضاً إمّا أن يكون قبل الشروع في التجارة أو في مقدّماتها ، أو بعده قبل ظهور الربح ، أو بعده في الأثناء ، أو بعد تمام التجارة بعد إنضاض الجميع أو البعض ، أو قبله ؛ قبل القسمة أو بعدها(3) ، وبيان أحكامها في طيّ مسائل :

ص: 488


1- - محلّ تأمّل .
2- - شرط لزومها باطل على الأقوى وإن لم يكن مبطلاً ، وقد مرّ جواز شرط عدم الفسخ وحكمه .
3- - بعد قسمة البعض ، وأمّا بعد قسمة التمام فلا يبقى موضوع للفسخ .

الاُولى : إذا كان الفسخ أو الانفساخ ولم يشرع في العمل ولا في مقدّماته ، فلا إشكال ، ولا شيء له ولا عليه ، وإن كان بعد تمام العمل والإنضاض فكذلك ؛ إذ مع حصول الربح يقتسمانه ، ومع عدمه لا شيء للعامل ولا عليه إن حصلت خسارة ، إلاّ أن يشترط المالك كونها بينهما(1) على الأقوى من صحّة هذا الشرط ، أو يشترط العامل على المالك شيئاً(2) إن لم يحصل ربح ، وربما يظهر من إطلاق بعضهم ثبوت اُجرة المثل مع عدم الربح ، ولا وجه له أصلاً ؛ لأنّ بناء المضاربة على عدم استحقاق العامل لشيء سوى الربح على فرض حصوله كما في الجعالة .

الثانية : إذا كان الفسخ من العامل في الأثناء قبل حصول الربح فلا اُجرة له لما مضى من عمله ، واحتمال استحقاقه لقاعدة الاحترام ، لا وجه له أصلاً ، وإن كان من المالك أو حصل الانفساخ القهري ففيه قولان ؛ أقواهما العدم أيضاً بعد كونه هو المقدم على المعاملة الجائزة التي مقتضاها عدم استحقاق شيء إلاّ الربح ، ولا ينفعه بعد ذلك كون إقدامه من حيث البناء على الاستمرار .

الثالثة : لو كان الفسخ من العامل بعد السفر بإذن المالك وصرف جملة من رأس المال في نفقته ، فهل للمالك تضمينه مطلقاً ، أو إذا كان لا لعذر منه ؟ وجهان ، أقواهما العدم ؛ لما ذكر من جواز المعاملة وجواز الفسخ في كلّ وقت ، فالمالك هو المقدم على ضرر نفسه .

الرابعة : لو حصل الفسخ أو الانفساخ قبل حصول الربح وبالمال عروض لا يجوز للعامل التصرّف فيه بدون إذن المالك ببيع ونحوه ، وإن احتمل تحقّق

ص: 489


1- - مرّ تفصيله .
2- - أي إعطاء شيء له .

الربح بهذا البيع ، بل وإن وجد زبون يمكن أن يزيد في الثمن فيحصل الربح ، نعم لو كان هناك زبون بانٍ على الشراء بأزيد من قيمته لا يبعد جواز إجبار المالك على بيعه منه ؛ لأ نّه في قوّة وجود الربح فعلاً ، ولكنّه مشكل(1) مع ذلك ؛ لأنّ المناط كون الشيء في حدّ نفسه زائد القيمة ، والمفروض عدمه ، وهل يجب عليه البيع والإنضاض إذا طلبه المالك أو لا ؟ قولان ؛ أقواهما عدمه ، ودعوى : أنّ مقتضى قوله علیه السلام : «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» وجوب ردّ المال إلى المالك كما كان ، كما ترى .

الخامسة : إذا حصل الفسخ أو الانفساخ بعد حصول الربح قبل تمام العمل أو بعده وبالمال عروض ، فإن رضيا بالقسمة كذلك فلا إشكال ، وإن طلب العامل بيعها فالظاهر عدم وجوب إجابته وإن احتمل ربح فيه ، خصوصاً إذا كان هو الفاسخ ، وإن طلبه المالك ففي وجوب إجابته وعدمه وجوه ؛ ثالثها التفصيل بين صورة كون مقدار رأس المال نقداً فلا يجب ، وبين عدمه فيجب ؛ لأنّ اللازم تسليم مقدار رأس المال كما كان عملاً بقوله علیه السلام : «على اليد . . .» والأقوى عدم الوجوب مطلقاً وإن كان استقرار ملكية العامل للربح موقوفاً(2) على الإنضاض ، ولعلّه يحصل الخسارة بالبيع ؛ إذ لا منافاة ، فنقول : لا يجب عليه الإنضاض بعد الفسخ ؛ لعدم الدليل عليه ، لكن لو حصلت الخسارة بعده قبل القسمة - بل أو بعدها - يجب جبرها بالربح ، حتّى أ نّه لو أخذه يستردّ منه .

السادسة : لو كان في المال ديون على الناس فهل يجب على العامل أخذها

ص: 490


1- - بل ممنوع ؛ سواء وجد زبون أو كان الشيء في حدّ نفسه قيّماً ، نعم له بيع حصّته لشركته مع المالك بعد ظهور الربح .
2- - مرّ الميزان في حصول استقرار ملكية العامل .

وجبايتها بعد الفسخ أو الانفساخ أم لا ؟ وجهان ، أقواهما العدم ؛ من غير فرق بين أن يكون الفسخ من العامل(1) أو المالك .

السابعة : إذا مات المالك أو العامل قام وارثه(2) مقامه فيما مرّ من الأحكام .

الثامنة : لا يجب على العامل بعد حصول الفسخ أو الانفساخ أزيد من التخلية بين المالك وماله ، فلا يجب عليه الإيصال إليه ، نعم لو أرسله إلى بلد آخر غير بلد المالك ولو كان بإذنه يمكن دعوى وجوب الردّ إلى بلده ، لكنّه مع ذلك مشكل(3) ، وقوله علیه السلام : «على اليد ما أخذت . . .» ، أيضاً لا يدلّ على أزيد من التخلية ، وإذا احتاج الردّ إليه إلى الاُجرة فالاُجرة على المالك ، كما في سائر الأموال ، نعم لو سافر به بدون إذن المالك إلى بلد آخر وحصل الفسخ فيه يكون حاله حال الغاصب في وجوب الردّ والاُجرة ، وإن كان ذلك منه للجهل بالحكم الشرعي من عدم جواز السفر بدون إذنه .

(مسألة 47) : قد عرفت أنّ الربح وقاية لرأس المال ؛ من غير فرق بين أن يكون سابقاً على التلف أو الخسران أو لاحقاً ، فالخسارة السابقة تجبر بالربح اللاحق وبالعكس ، ثمّ لا يلزم أن يكون الربح حاصلاً من مجموع رأس المال ، وكذا لا يلزم أن تكون الخسارة واردة على المجموع ، فلو اتّجر بجميع رأس المال فخسر ، ثمّ اتّجر ببعض الباقي فربح ، يجبر ذلك الخسران بهذا الربح ، وكذا إذا اتّجر بالبعض فخسر ، ثمّ اتّجر بالبعض الآخر أو بجميع الباقي فربح ، ولا يلزم في الربح أو الخسران أن يكون مع بقاء المضاربة حال حصولها ، فالربح مطلقاً

ص: 491


1- - لكن لا ينبغي ترك الاحتياط ، خصوصاً في هذه الصورة .
2- - فيما له من الأموال والحقوق ، وأمّا فيما وجب عليه فلا .
3- - بل ممنوع ، وأمّا ما ذكره من الوجه فغير وجيه .

جابر للخسارة والتلف مطلقاً ما دام لم يتمّ(1) عمل المضاربة . ثمّ إنّه يجوز للمالك أن يستردّ بعض مال المضاربة في الأثناء ، ولكن تبطل بالنسبة إليه ، وتبقى بالنسبة إلى البقيّة ، وتكون رأس المال ، وحينئذٍ فإذا فرضنا أ نّه أخذ بعد ما حصل الخسران أو التلف بالنسبة إلى رأس المال مقداراً من البقيّة ، ثمّ اتّجر العامل بالبقيّة أو ببعضها فحصل ربح يكون ذلك الربح جابراً للخسران أو التلف السابق بتمامه(2) ، مثلاً إذا كان رأس المال مائة فتلف منها عشرة أو خسر عشرة وبقي تسعون ، ثمّ أخذ المالك من التسعين عشرة ، وبقيت ثمانون فرأس المال تسعون وإذا اتّجر بالثمانين فصار تسعين ، فهذه العشرة الحاصلة ربحاً تجبر تلك العشرة ، ولا يبقى للعامل شيء ، وكذا إذا أخذ المالك بعد ما حصل الربح مقداراً من المال ؛ سواء كان بعنوان استرداد بعض رأس المال أو هو مع الربح ، أو من غير قصد إلى أحد الوجهين ، ثمّ اتّجر العامل بالباقي أو ببعضه فحصل خسران أو تلف يجبر بالربح السابق بتمامه ، حتّى المقدار الشائع منه في الذي أخذه المالك ، ولا يختصّ الجبر بما عداه حتّى يكون مقدار حصّة العامل منه باقياً له ، مثلاً إذا كان رأس المال مائة فربح عشرة ثمّ أخذ المالك عشرة ثمّ اتّجر العامل بالبقيّة فخسر عشرة أو تلف منه عشرة يجب جبره بالربح السابق حتّى المقدار الشائع منه في العشرة المأخوذة ، فلا يبقى للعامل من الربح السابق شيء ، وعلى ما

ص: 492


1- - بل ما دام لم يستقرّ ملكية العامل ، وقد مرّ ملاك الاستقرار .
2- - الأوجه ما عليه الشيخ في محكيّ «مبسوطه» وتبعه المحقّقون ، وفصّل العلاّمة في «التذكرة» و«القواعد» في المسألتين ؛ لأنّ المضاربة بالنسبة إلى المأخوذ صارت باطلة والبقيّة رأس المال وليس خسران الجميع خسراناً للبقيّة ولا ربحه ربحها ، فلا بدّ من التكسير على التمام والحساب بالنسبة ، فراجع «القواعد» وشرحها .

ذكرنا فلا وجه لما ذكره المحقّق وتبعه غيره من أنّ الربح اللاحق لا يجبر مقدار الخسران الذي ورد على العشرة المأخوذة ؛ لبطلان المضاربة بالنسبة إليها ، فمقدار الخسران الشائع فيها لا ينجبر بهذا الربح ، فرأس المال الباقي بعد خسران العشرة في المثال المذكور لا يكون تسعين ، بل أقلّ منه بمقدار حصّة خسارة العشرة المأخوذة وهو واحد وتسع ، فيكون رأس المال الباقي تسعين إلاّ واحد وتسع ، وهي تسعة وثمانون إلاّ تسع ، وكذا لا وجه لما ذكره بعضهم في الفرض الثاني أنّ مقدار الربح الشائع في العشرة التي أخذها المالك لا يجبر الخسران اللاحق ، وأنّ حصّة العامل منه يبقى له ، ويجب على المالك ردّه إليه ، فاللازم في المثال المفروض عدم بقاء ربح للعامل بعد حصول الخسران المذكور ، بل قد عرفت سابقاً أ نّه لو حصل ربح واقتسماه في الأثناء وأخذ كلّ حصّته منه ثمّ حصل خسران أ نّه يستردّ من العامل مقدار ما أخذ ، بل ولو كان الخسران بعد الفسخ(1) قبل القسمة ، بل أو بعدها إذا اقتسما العروض وقلنا بوجوب الإنضاض على العامل وأ نّه من تتمّات المضاربة .

(مسألة 48) : إذا كانت المضاربة فاسدة فإمّا أن يكون مع جهلهما بالفساد ، أو مع علمهما ، أو علم أحدهما دون الآخر ، فعلى التقادير : الربح بتمامه للمالك ؛ لإذنه في التجارات ، وإن كانت مضاربته باطلة ، نعم لو كان الإذن مقيّداً بالمضاربة توقّف ذلك على إجازته ، وإلاّ فالمعاملات الواقعة باطلة ، وعلى عدم التقيّد أو الإجازة يستحقّ العامل مع جهلهما لاُجرة عمله ، وهل يضمن عوض ما أنفقه في السفر على نفسه لتبيّن عدم استحقاقه النفقة أو لا ؛ لأنّ المالك سلّطه

ص: 493


1- - مرّ الكلام فيه .

على الإنفاق مجّاناً ؟ وجهان ، أقواهما الأوّل ، ولا يضمن التلف والنقص ، وكذا الحال إذا كان المالك عالماً دون العامل ، فإنّه يستحقّ الاُجرة ، ولا يضمن التلف والنقص ، وإن كانا عالمين أو كان العامل عالماً دون المالك فلا اُجرة له(1) ؛ لإقدامه على العمل مع علمه بعدم صحّة المعاملة ، وربما يحتمل في صورة علمهما أ نّه يستحقّ حصّته من الربح من باب الجعالة ، وفيه : أنّ المفروض عدم قصدها ، كما أ نّه ربما يحتمل استحقاقه اُجرة المثل إذا اعتقد أ نّه يستحقّها مع الفساد ، وله وجه وإن كان الأقوى خلافه . هذا كلّه إذا حصل ربح ولو قليلاً ، وأمّا مع عدم حصوله فاستحقاق العامل الاُجرة ولو مع الجهل مشكل ؛ لإقدامه على عدم العوض لعمله مع عدم حصول الربح ، وعلى هذا ففي صورة حصوله أيضاً يستحقّ أقلّ الأمرين من مقدار الربح واُجرة المثل ، لكن الأقوى خلافه ؛ لأنّ رضاه بذلك كان مقيّداً بالمضاربة ، ومراعاة الاحتياط في هذا وبعض الصور المتقدّمة أولى .

(مسألة 49) : إذا ادّعى على أحد أ نّه أعطاه كذا مقداراً مضاربة ، وأنكره ، ولم يكن للمدّعي بيّنة فالقول قول المنكر مع اليمين .

(مسألة 50) : إذا تنازع المالك والعامل في مقدار رأس المال الذي أعطاه للعامل قدّم قول العامل بيمينه مع عدم البيّنة ؛ من غير فرق بين كون المال

ص: 494


1- - استحقاقه للاُجرة في هذه الصورة أيضاً لا يخلو من وجه ؛ إذا حصل الربح بمقدار كان سهمه مساوياً لاُجرة المثل أو أزيد ، ومع عدم الربح أو نقصان سهمه عنها فمع علمه بالفساد لا يبعد عدم استحقاق الاُجرة مع عدم الربح ، وعدم استحقاقه الزيادة عن مقدار سهمه مع النقصان ، ومع جهله به فالأحوط التخلّص بالصلح ، بل لا يترك الاحتياط مطلقاً .

موجوداً أو تالفاً مع ضمان العامل ؛ لأصالة عدم إعطائه أزيد ممّا يقوله ، وأصالة براءة ذمّته إذا كان تالفاً بالأزيد . هذا إذا لم يرجع نزاعهما إلى النزاع في مقدار نصيب العامل من الربح ، كما إذا كان نزاعهما بعد حصول الربح وعلم أنّ الذي بيده هو مال المضاربة ؛ إذ حينئذٍ النزاع في قلّة رأس المال وكثرته يرجع إلى النزاع في مقدار نصيب العامل من هذا المال الموجود ؛ إذ على تقدير قلّة رأس المال يصير مقدار الربح منه أكثر ، فيكون نصيب العامل أزيد ، وعلى تقدير كثرته بالعكس ، ومقتضى الأصل(1) كون جميع هذا المال للمالك إلاّ بمقدار ما أقرّ به للعامل ، وعلى هذا أيضاً لا فرق بين كون المال باقياً أو تالفاً بضمان العامل ؛ إذ بعد الحكم بكونه للمالك إلاّ كذا مقدار منه فإذا تلف مع ضمانه لا بدّ أن يغرم المقدار الذي للمالك .

(مسألة 51) : لو ادّعى المالك على العامل أ نّه خان أو فرّط في الحفظ فتلف ، أو شرط عليه أن لا يشتري الجنس الفلاني ، أو لا يبيع من زيد أو نحو ذلك ،

ص: 495


1- - هذا إن قلنا بأنّ الربح ينتقل ابتداء إلى المالك ثمّ يتلقّي المضارب منه ، وأمّا إن قلنا بأ نّه ينتقل إلى العامل حصّته ابتداء كما هو الأقرب فلا أصل لهذا الأصل ، ثمّ لو قلنا باعتبار يد العامل في مورد الشكّ يقدّم قوله بيمينه ولو مع سلامة الأصل ، لكن لو بنينا على عدم اعتباره كما هو الأوجه فلا بدّ من ملاحظة محطّ الدعوى ، فلو ادّعى العامل : أنّ مقدار رأس المال مائة مثلاً ، وادّعى المالك : أ نّه مائتان ، يكون من موارد التحالف ، وكذا لو ادّعى المالك : أنّ هذا المقدار رأس المال وذاك الربح ، وادّعى العامل خلافه ولو كان محطّ النزاع في مقدار رأس المال زيادةً ونقصاناً أو مقدار الربح كذلك يقدّم قول المنكر بيمينه . هذا مع بقاء المال ، وأمّا مع التلف مضموناً على العامل فمقتضى الأصل عدم ضمانه ، إلاّ في مورد علم خلافه ، وقد عرفت عدم أصل يثبت كون المال للمالك ، والتفصيل في هذه الموارد موكول إلى محلّه .

فالقول قول العامل في عدم الخيانة والتفريط ، وعدم شرط المالك عليه الشرط الكذائي ، والمفروض أنّ مع عدم الشرط يكون مختاراً في الشراء وفي البيع من أيّ شخص أراد ، نعم لو فعل العامل ما لا يجوز له إلاّ بإذن من المالك - كما لو سافر أو باع بالنسيئة وادّعى الإذن من المالك - فالقول قول المالك في عدم الإذن. والحاصل : أنّ العامل لو ادّعى الإذن فيما لا يجوز إلاّ بالإذن قدّم فيه قول المالك المنكر، ولو ادّعى المالك المنع فيما يجوز إلاّ مع المنع قدّم قول العامل المنكر له.

(مسألة 52) : لو ادّعى العامل التلف وأنكر المالك ، قدّم قول العامل ؛ لأ نّه أمين ؛ سواء كان بأمر ظاهر أو خفيّ ، وكذا لو ادّعى الخسارة أو ادّعى عدم الربح أو ادّعى عدم حصول المطالبات في النسيئة مع فرض كونه مأذوناً في البيع بالدين ، ولا فرق في سماع قوله بين أن يكون الدعوى قبل فسخ المضاربة أو بعده ، نعم لو ادّعى بعد الفسخ التلف بعده ففي سماع قوله لبقاء حكم أمانته ، وعدمه لخروجه بعده عن كونه أميناً وجهان ، ولو أقرّ بحصول الربح ثمّ بعد ذلك ادّعى التلف أو الخسارة وقال : إنّي اشتبهت(1) في حصوله ، لم يسمع منه ؛ لأ نّه رجوع عن إقراره الأوّل ولكن لو قال : ربحت . ثمّ تلف أو ثمّ حصلت الخسارة ، قبل منه .

(مسألة 53) : إذا اختلفا في مقدار حصّة العامل وأ نّه نصف الربح - مثلاً - أو ثلثه ، قدّم قول المالك .

ص: 496


1- - العبارة غير جيّدة ، والظاهر أنّ مراده أ نّه أقرّ أوّلاً بتحقّق الربح فعلاً ، ثمّ ادّعى الاشتباه ووجّه اشتباهه بأنّ الربح حصل أوّلاً ، لكن التلف أو الخسارة صار سبباً لعدم بقائه ، والظاهر قبول دعواه حينئذٍ ، نعم لو ادّعى أوّلاً بأنّ الربح حاصل ، ثمّ قال أنّ الربح غير حاصل وأ نّي اشتبهت ، لم يسمع منه .

(مسألة 54) : إذا ادّعى المالك : أ نّي ضاربتك على كذا مقدار وأعطيتك ، فأنكر أصل المضاربة ، أو أنكر تسليم المال إليه فأقام المالك بيّنة على ذلك فادّعى العامل تلفه ، لم يسمع منه(1) ، واُخذ بإقراره المستفاد من إنكاره الأصل ، نعم لو أجاب المالك بأ نّي لست مشغول الذمّة لك بشيء ، ثمّ بعد الإثبات ادّعى التلف قبل منه ؛ لعدم المنافاة بين الإنكار من الأوّل وبين دعوى التلف .

(مسألة 55) : إذا اختلفا في صحّة المضاربة الواقعة بينهما وبطلانها ، قدّم قول مدّعي الصحّة .

(مسألة 56) : إذا ادّعى أحدهما الفسخ في الأثناء ، وأنكر الآخر ، قدّم قول المنكر ، وكلّ من يقدّم قوله في المسائل المذكورة لا بدّ له من اليمين .

(مسألة 57) : إذا ادّعى العامل الردّ ، وأنكره المالك ، قدّم قول المالك .

(مسألة 58) : لو ادّعى العامل في جنس اشتراه : أ نّه اشتراه لنفسه ، وادّعى المالك : أ نّه اشتراه للمضاربة ، قدّم قول العامل ، وكذا لو ادّعى : أ نّه اشتراه للمضاربة وادّعى المالك : أ نّه اشتراه لنفسه ؛ لأ نّه أعرف بنيّته ، ولأ نّه أمين(2)

ص: 497


1- - لا إشكال في عدم سماع قوله بيمينه كسماعه قبل الإنكار ، لكن هل يكلّف على إقامة البيّنة على التلف وتقبل بيّنته ، ومع عدمها يتوجّه الحلف على المالك ، أو يقضى عليه بالضمان وتردّ بيّنته على التلف من غير تفريط وتعدّ ، أو يحكم بالضمان بعد إقامة البيّنة على التلف ، وقبلها يطالب بالعين ويحبس حتّى يتبيّن الحال ، وجوه .
2- - ولأصالة عدم اشترائه للمضاربة ولها أثر ، وأمّا أصالة عدم اشترائه لنفسه لا تثبت شراءه للمضاربة، وبهذا يظهر الوجه في الفرع الآتي، لكن هذا الأصل لايخلو من إشكال بل منع، وأمّا كونه أعرف بنيّته لا يوجب تقديم قوله ظاهراً مع أنّه غير مطّرد في جميع الدعاوي؛ مثل أن يدّعي المالك إنشاء البيع له في ظاهر اللفظ وادّعى العامل إنشائه لنفسه.

فيقبل قوله ، والظاهر أنّ الأمر كذلك لو علم أ نّه أدّى الثمن من مال المضاربة ؛ بأن ادّعى : أ نّه اشتراه في الذمّة لنفسه ، ثمّ أدّى الثمن من مال المضاربة ولو كان عاصياً في ذلك .

(مسألة 59) : لو ادّعى المالك : أ نّه أعطاه المال مضاربة ، وادّعى القابض : أ نّه أعطاه قرضاً ، يتحالفان(1) ، فإن حلفا أو نكلا للقابض أكثر الأمرين(2) من اُجرة المثل والحصّة من الربح إلاّ إذا كانت الاُجرة زائدة عن تمام الربح فليس له أخذها ؛ لاعترافه بعدم استحقاق أزيد من الربح .

(مسألة 60) : إذا حصل تلف أو خسران فادّعى المالك : أ نّه أقرضه ، وادّعى العامل : أ نّه ضاربه ، قدّم قول(3) المالك مع اليمين .

(مسألة 61) : لو ادّعى المالك الإبضاع ، والعامل المضاربة ، يتحالفان(4) ، ومع الحلف أو النكول منهما يستحقّ العامل أقلّ الأمرين من الاُجرة والحصّة من

ص: 498


1- - يحتمل التحالف بملاحظة محطّ الدعوى ، وتقديم قول المالك بملاحظة مرجعها ، والأقرب الأوّل .
2- - لا وجه لاُجرة المثل بعد اتّفاقهما على عدم استحقاقها ، ومرجع الاختلاف في الزائد من حصّته ، فمع التحالف يحتمل الإقراع ويحتمل التقسيم بينهما ، والأقرب الأوّل .
3- - في هذا المقام أيضاً يحتمل التحالف بلحاظ المحطّ ، وتقديم قول العامل بلحاظ المرجع ، ومحطّ الدعوى أولى باللحاظ .
4- - احتمال التحالف هاهنا ضعيف ؛ لعدم جريان أصالة عدم البضاعة ، والظاهر تقديم قول المالك بيمينه ، ولكن الظاهر استحقاق مقدار أقلّ الأمرين من الاُجرة والحصّة ؛ لكون هذا المقدار مورد توافقهما ، إلاّ أن يدّعي المالك مع ذلك تبرّعية العمل فهي دعوى اُخرى تفصل على الموازين ، بل الظاهر عدم التحالف في الفرع الآتي أيضاً ، بل يحلف العامل على نفي المضاربة فيحكم له باُجرة المثل .

الربح ، ولو لم يحصل ربح فادّعى المالك المضاربة لدفع الاُجرة ، وادّعى العامل الإبضاع ، استحقّ العامل بعد التحالف اُجرة المثل لعمله .

(مسألة 62) : إذا علم مقدار رأس المال ومقدار حصّة العامل واختلفا في مقدار الربح الحاصل ، فالقول قول العامل ، كما أ نّهما لو اختلفا في حصوله وعدمه كان القول قوله ، ولو علم مقدار المال الموجود فعلاً بيد العامل واختلفا في مقدار نصيب العامل منه ، فإن كان من جهة الاختلاف في الحصّة أ نّها نصف أو ثلث ، فالقول قول المالك قطعاً ، وإن كان من جهة الاختلاف في مقدار رأس المال فالقول قوله أيضاً ؛ لأنّ المفروض أنّ تمام هذا الموجود من مال المضاربة أصلاً وربحاً ، ومقتضى الأصل(1) كونه بتمامه للمالك ، إلاّ ما علم جعله للعامل ، وأصالة عدم دفع أزيد من مقدار كذا إلى العامل لا تثبت كون البقيّة ربحاً ، مع أنّها معارضة بأصالة عدم حصول الربح أزيد من مقدار كذا ، فيبقى كون الربح تابعاً للأصل إلاّ ما خرج .

مسائل :

الاُولى : إذا كان عنده مال المضاربة فمات ، فإن علم بعينه فلا إشكال ، وإلاّ فإن علم بوجوده في التركة الموجودة من غير تعيين فكذلك ويكون المالك شريكاً(2) مع الورثة بالنسبة ، ويقدّم على الغرماء إن كان الميّت مديوناً ؛ لوجود

ص: 499


1- - مرّ الكلام في هذا الفرض وفي مقتضى الأصل .
2- - الحكم بالشركة إنّما هو فيما إذا علم امتزاج مال المضاربة مع ماله امتزاجاً يوجب الشركة على نحو ما يأتي في كتاب الشركة ، وأمّا إذا اشتبه المالان فلا يحكم بالشركة ، بل يعالج بما في نظائر المقام من اشتباه أموال الملاّك ، وهل هو بإيقاع الصلح بينهما أو التقسيم بحسب نسبة المالين أو إعمال القرعة ؟ وجوه ، أقواها الأخير .

عين ماله في التركة ، وإن علم بعدم وجوده في تركته ولا في يده ولم يعلم أ نّه تلف بتفريط أو بغيره أو ردّه على المالك ، فالظاهر عدم ضمانه ، وكون جميع تركته للورثة ، وإن كان لا يخلو عن إشكال(1) بمقتضى بعض الوجوه الآتية ، وأمّا إذا علم ببقائه في يده إلى ما بعد الموت ولم يعلم أ نّه موجود في تركته الموجودة أو لا ؛ بأن كان مدفوناً في مكان غير معلوم ، أو عند شخص آخر أمانة أو نحو ذلك ، أو علم بعدم وجوده في تركته مع العلم ببقائه في يده بحيث لو كان حيّاً أمكنه الإيصال إلى المالك ، أو شكّ في بقائه في يده وعدمه أيضاً ، ففي ضمانه في هذه الصور الثلاث وعدمه خلاف وإشكال على اختلاف مراتبه ، وكلمات العلماء في المقام وأمثاله كالرهن والوديعة ونحوهما مختلفة ، والأقوى الضمان(2) في الصورتين الاُوليين ؛ لعموم قوله علیه السلام : «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» حيث إنّ الأظهر شموله للأمانات أيضاً ، ودعوى : خروجها لأنّ المفروض عدم الضمان فيها ، مدفوعة ؛ بأنّ غاية ما يكون خروج بعض الصور منها ، كما إذا تلفت بلا تفريط أو ادّعى تلفها كذلك إذا حلف ، وأمّا صورة التفريط والإتلاف ودعوى الردّ في غير الوديعة ، ودعوى التلف والنكول عن الحلف ، فهي باقية تحت العموم ، ودعوى : أنّ الضمان في صورة التفريط والتعدّي من جهة الخروج عن

ص: 500


1- - لكنّه غير وجيه .
2- - بل الأقوى عدم الضمان ، والوجوه التي تمسّك بها غير وجيهة ؛ لكون المورد من الشبهة المصداقية ؛ لدليل اليد على فرض تسليم شموله للأمانات ، وهو في محلّ الإشكال مع إمكان إحراز حال اليد بالأصل وإخراجها عن تحت الدليل ؛ لكون يده مسبوقة بعدم كونها على وجه الضمان ، وأمّا التمسّك بردّ الأمانات وخبر السكوني فهو كما ترى ، كالتمسّك بسقوط اليد في صورة الاُولى للعلم الإجمالي .

كونها أمانة أو من جهة الدليل الخارجي ، كما ترى لا داعي إليها ، ويمكن أن يتمسّك بعموم ما دلّ على وجوب ردّ الأمانة ، بدعوى : أنّ الردّ أعمّ من ردّ العين وردّ البدل ، واختصاصه بالأوّل ممنوع ، ألا ترى أ نّه يفهم من قوله علیه السلام : «المغصوب مردود» وجوب عوضه عند تلفه ، هذا مضافاً إلى خبر السكوني عن علي علیه السلام : «أ نّه كان يقول : من يموت وعنده مال مضاربة قال : إن سمّاه بعينه قبل موته فقال : هذا لفلان فهو له ، وإن مات ولم يذكر فهو اُسوة الغرماء» ، وأمّا الصورة الثالثة فالضمان فيها أيضاً لا يخلو عن قوّة(1) ؛ لأنّ الأصل بقاء يده عليه إلى ما بعد الموت ، واشتغال ذمّته بالردّ عند المطالبة ، وإذا لم يمكنه ذلك لموته يؤخذ من تركته بقيمته ، ودعوى : أنّ الأصل المذكور معارض بأصالة براءة ذمّته من العوض والمرجع بعد التعارض قاعدة اليد المقتضية لملكيته ، مدفوعة ؛ بأنّ الأصل الأوّل حاكم على الثاني ، هذا مع أ نّه يمكن الخدشة في قاعدة اليد بأ نّها مقتضية للملكية إذا كانت مختصّة ، وفي المقام كانت مشتركة والأصل بقاؤها على الاشتراك ، بل في بعض الصور يمكن أن يقال : إنّ يده يد المالك من حيث كونه عاملاً له ، كما إذا لم يكن له شيء أصلاً فأخذ رأس المال وسافر للتجارة ولم يكن في يده سوى مال المضاربة ، فإذا مات يكون ما في يده بمنزلة ما في يد المالك ، وإن احتمل أن يكون قد تلف جميع ما عنده من ذلك المال وأ نّه استفاد لنفسه ما هو الموجود في يده ، وفي بعض الصور يده مشتركة بينه وبين المالك ، كما إذا سافر وعنده من مال المضاربة مقدار ، ومن ماله أيضاً مقدار . نعم ،

ص: 501


1- - الأقوى فيها أيضاً عدم الضمان ، فإنّ العلم ببقائه في يده بالنحو المتقدّم لم يكن مؤثّراً فكيف بالشكّ ، وأصالة بقاء يده عليه لا تثبت الضمان ولا كون المال في التركة .

في بعض الصور لا يعدّ يده مشتركة أيضاً ، فالتمسّك باليد بقول مطلق مشكل(1) . ثمّ إنّ جميع ما ذكر إنّما هو إذا لم يكن بترك التعيين عند ظهور أمارات الموت مفرّطاً ، وإلاّ فلا إشكال في ضمانه .

الثانية : ذكروا(2) من شروط المضاربة : التنجيز ، وأ نّه لو علّقها على أمر متوقّع بطلت ، وكذا لو علّقها على أمر حاصل إذا لم يعلم بحصوله ، نعم لو علّق التصرّف على أمر صحّ ، وإن كان متوقّع الحصول ، ولا دليل لهم على ذلك إلاّ دعوى الإجماع على أنّ أثر العقد لا بدّ أن يكون حاصلاً من حين صدوره ، وهو إن صحّ إنّما يتمّ في التعليق على المتوقّع ؛ حيث إنّ الأثر متأخّر ، وأمّا التعليق على ما هو حاصل فلا يستلزم التأخير ، بل في المتوقّع أيضاً إذا اُخذ على نحو الكشف - بأن يكون المعلّق عليه وجوده الاستقبالي - لا يكون الأثر متأخّراً ، نعم لو قام الإجماع على اعتبار العلم بتحقّق الأثر حين العقد تمّ في صورة الجهل ، لكنّه غير معلوم ، ثمّ على فرض البطلان لا مانع من جواز التصرّف ونفوذه من جهة الإذن ، لكن يستحقّ حينئذٍ اُجرة المثل لعمله ، إلاّ أن يكون الإذن مقيّداً بالصحّة فلا يجوز التصرّف أيضاً .

الثالثة : قد مرّ اشتراط عدم الحجر بالفلس في المالك ، وأمّا العامل فلا يشترط فيه ذلك ؛ لعدم منافاته لحقّ الغرماء ، نعم بعد حصول الربح منع(3) من التصرّف إلاّ بالإذن من الغرماء ، بناءً على تعلّق الحجر بالمال الجديد .

ص: 502


1- - لا إشكال فيه في مثل المقام ، نعم في بعض الصور المفروضة يمكن القول بسقوطها .
2- - ما ذكروه هو الأحوط ، خصوصاً في مثل المضاربة .
3- - محلّ تأمّل ، نعم بعد تمام العمل لا إشكال في منعه منه على هذا المبنى .

الرابعة : تبطل المضاربة بعروض الموت - كما مرّ - أو الجنون أو الإغماء ، كما مرّ(1) في سائر العقود الجائزة ، وظاهرهم عدم الفرق بين كون الجنون مطبقاً أو أدوارياً ، وكذا في الإغماء بين قصر مدّته وطولها ، فإن كان إجماعاً ، وإلاّ فيمكن أن يقال بعدم البطلان في الأدواري والإغماء القصير المدّة ، فغاية الأمر عدم نفوذ التصرّف حال حصولهما(2) ، وأمّا بعد الإفاقة فيجوز من دون حاجة إلى تجديد العقد ؛ سواء كانا في المالك أو العامل ، وكذا تبطل بعروض السفه لأحدهما أو الحجر للفلس في المالك أو العامل(3) أيضاً ، إذا كان بعد حصول الربح ، إلاّ مع إجازة الغرماء .

الخامسة : إذا ضارب المالك في مرض الموت صحّ ، وملك العامل الحصّة وإن كانت أزيد من اُجرة المثل على الأقوى من كون منجّزات المريض من الأصل ، بل وكذلك على القول(4) بأ نّها من الثلث ؛ لأ نّه ليس مفوّتاً لشيء على الوارث ؛ إذ الربح أمر معدوم وليس مالاً موجوداً للمالك وإنّما حصل بسعي العامل .

السادسة : إذا تبيّن(5) كون رأس المال لغير المضارب - سواء كان غاصباً أو جاهلاً بكونه ليس له - فإن تلف في يد العامل أو حصل خسران(6) فلمالكه

ص: 503


1- - ليس ببالي مروره .
2- - لم يتّضح كيفية تصرّف المغمى عليه ، وفي وكالة «الجواهر» أنّ أقصى ما يقتضيه عروضهما للوكيل عدم تصرّفه حالهما .
3- - عروض الحجر على العامل لا يوجب بطلان المضاربة ، وقد مرّ بعض الكلام فيه .
4- - محلّ تأمّل على هذا القول .
5- - ليس للتبيّن دخالة في الأحكام المذكورة ، بل إذا كان رأس المال للغير يترتّب عليه الضمان وجواز الرجوع .
6- - في صورة الخسران له الإجازة للمعاملة الخاسرة وله الرجوع بماله .

الرجوع على كلّ منهما ، فإن رجع على المضارب لم يرجع(1) على العامل ، وإن رجع على العامل رجع إذا كان جاهلاً على المضارب وإن كان جاهلاً أيضاً ؛ لأ نّه مغرور من قبله ، وإن حصل ربح كان للمالك إذا أجاز المعاملات الواقعة على ماله ، وللعامل اُجرة المثل على المضارب مع جهله ، والظاهر(2) عدم استحقاقه الاُجرة عليه مع عدم حصول الربح؛ لأ نّه أقدم على عدم شيء له مع عدم حصوله، كما أ نّه لا يرجع عليه إذا كان عالماً بأنّه ليس له ؛ لكونه متبرّعاً بعمله حينئذٍ .

السابعة : يجوز اشتراط المضاربة(3) في ضمن عقد لازم، فيجب على المشروط عليه إيقاع عقدها مع الشارط ، ولكن لكلّ منهما فسخه بعده ، والظاهر أ نّه يجوز اشتراط عمل المضاربة(4) على العامل بأن يشترط عليه أن يتّجر بمقدار كذا من ماله إلى زمان كذا على أن يكون الربح بينهما ، نظير شرط كونه وكيلاً في كذا في عقد لازم ، وحينئذٍ لا يجوز للمشروط عليه فسخها كما في الوكالة .

الثامنة : يجوز إيقاع المضاربة بعنوان الجعالة ، كأن يقول : إذا اتّجرت بهذا المال وحصل ربح فلك نصفه ، فيكون جعالة تفيد فائدة المضاربة ولا يلزم أن يكون جامعاً لشروط المضاربة ، فيجوز مع كون رأس المال من غير النقدين أو ديناً أو مجهولاً جهالة لا توجب الغرر ، وكذا(5) في المضاربة المشروطة في

ص: 504


1- - في صورة غروره ، وأمّا مع علمه فله الرجوع .
2- - مرّ الكلام فيه وفي الفرع التالي .
3- - أي اشتراط إيقاعها .
4- - لا بأس بهذا الشرط ، ويجب العمل على طبقه ، لكن صيرورة ذلك مضاربة يترتّب عليه أحكامها محلّ إشكال بل منع ، ولا يعتبر فيه ما يعتبر فيها .
5- - مرّ الكلام فيه آنفاً .

ضمن عقد بنحو شرط النتيجة ، فيجوز مع كون رأس المال من غير النقدين .

التاسعة : يجوز(1) للأب والجدّ الاتّجار بمال المولّى عليه بنحو المضاربة ؛ بإيقاع عقدها ، بل مع عدمه أيضاً ؛ بأن يكون بمجرّد الإذن منهما ، وكذا يجوز لهما المضاربة بماله مع الغير على أن يكون الربح مشتركاً بينه وبين العامل ، وكذا يجوز ذلك للوصيّ في مال الصغير مع ملاحظة الغبطة والمصلحة والأمن من هلاك المال .

العاشرة : يجوز(2) للأب والجدّ الإيصاء بالمضاربة بمال المولّى عليه ؛ بإيقاع الوصيّ عقدها لنفسه أو لغيره مع تعيين الحصّة من الربح أو إيكاله إليه ، وكذا يجوز لهما الإيصاء بالمضاربة في حصّة القصير من تركتهما بأحد الوجهين ، كما أ نّه يجوز ذلك لكلّ منهما بالنسبة إلى الثلث المعزول لنفسه ؛ بأن يتّجر الوصيّ به أو يدفعه إلى غيره مضاربة ويصرف حصّة الميّت في المصارف المعيّنة للثلث ، بل وكذا يجوز الإيصاء منهما بالنسبة إلى حصّة الكبار(3) أيضاً ، ولا يضرّ كونه ضرراً عليهم من حيث تعطيل مالهم إلى مدّة ؛ لأ نّه منجبر بكون

ص: 505


1- - مع عدم المفسدة ، بل لا ينبغي لهما ترك الاحتياط بمراعاة المصلحة ، وكأنّ عبارة المسألة في المتن لا تخلو عن تشويش ، والظاهر أنّ المقصود أ نّه يجوز لهما إيقاع عقد المضاربة لنفسهما ، كما يجوز إيقاعه بمالهما مع الغير ، كما يجوز الإذن في الاتّجار بماله .
2- - مع الشرط السابق ، ومع الإيكال إلى الوصيّ يجب عليه مراعاة الغبطة والمصلحة ، وكذا الحال في الإيصاء بالمضاربة بحصّة القصير .
3- - لم يتّضح المراد منه ، فإنّ الظاهر بملاحظة عطفه على السابق أ نّه يجوز الإيصاء بالمضاربة بمالهم بإيقاع الوصيّ عقد المضاربة في مالهم ، وهذا لا وجه له ، نعم إيقاع العقد الفضولي لا بأس به ، لكنّه غير مراد ، وإن كان المراد إيقاع المضاربة بالإيصاء في مالهم فهو أشكل .

الاختيار لهم في فسخ المضاربة وإجازتها ، كما أنّ الحال كذلك بالنسبة إلى ما بعد البلوغ في القصير ، فإنّ له أن يفسخ أو يجيز ، وكذا يجوز لهما الإيصاء بالاتّجار بمال القصير على نحو المضاربة ؛ بأن يكون هو الموصى به لا إيقاع عقد المضاربة ، لكن إلى زمان البلوغ أو أقلّ ، وأمّا إذا جعل المدّة أزيد فيحتاج إلى الإجازة بالنسبة إلى الزائد ، ودعوى : عدم صحّة هذا النحو من الإيصاء ؛ لأنّ الصغير لا مال له حينه وإنّما ينتقل إليه بعد الموت ولا دليل على صحّة الوصيّة العقدية في غير التمليك ، فلا يصحّ أن يكون إيجاب المضاربة على نحو إيجاب التمليك بعد الموت ، مدفوعة ؛ بالمنع ، مع أ نّه الظاهر(1) من خبر خالد بن بكر الطويل في قضية ابن أبي ليلى وموثّق محمّد بن مسلم المذكورين في باب الوصيّة ، وأمّا بالنسبة إلى الكبار(2) من الورثة فلا يجوز بهذا النحو ؛ لوجوب العمل بالوصيّة وهو الاتّجار ، فيكون ضرراً عليهم من حيث تعطيل حقّهم من الإرث وإن كان لهم حصّتهم من الربح ، خصوصاً إذا جعل حصّتهم أقلّ من المتعارف .

الحادية عشر : إذا تلف المال في يد العامل بعد موت المالك من غير تقصير(3) ، فالظاهر عدم ضمانه ، وكذا إذا تلف بعد انفساخها بوجه آخر .

الثانية عشر : إذا كان رأس المال مشتركاً بين اثنين فضاربا واحداً ، ثمّ فسخ أحد الشريكين هل تبقى بالنسبة إلى حصّة الآخر أو تنفسخ من الأصل ؟

ص: 506


1- - وهذا هو العمدة .
2- - عدم الجواز في مالهم لعدم نفوذ وصيّته في مالهم ، وعدم دليل على النفوذ فيه لاختصاص الروايتين بمال الصغير .
3- - ولا تسامح للردّ إلى أربابه ، وكذا في الفرع التالي .

وجهان ؛ أقربهما(1) الانفساخ ، نعم لو كان مال كلّ منهما متميّزاً وكان العقد واحداً لا يبعد بقاء العقد بالنسبة إلى الآخر .

الثالثة عشر : إذا أخذ العامل مال المضاربة وترك التجارة به إلى سنة مثلاً ، فإن تلف ضمن ، ولا يستحقّ المالك عليه غير أصل المال وإن كان آثماً في تعطيل مال الغير .

الرابعة عشر : إذا اشترط العامل على المالك عدم كون الربح جابراً للخسران مطلقاً ، فكلّ ربح حصل يكون بينهما وإن حصل خسران بعده أو قبله ، أو اشترط أن لا يكون الربح اللاحق جابراً للخسران السابق أو بالعكس ، فالظاهر الصحّة(2) ، وربما يستشكل بأ نّه خلاف وضع المضاربة ، وهو كما ترى .

الخامسة عشر : لو خالف العامل المالك فيما عيّنه جهلاً أو نسياناً أو اشتباهاً ، كما لو قال : لا تشتر الجنس الفلاني أو من الشخص الفلاني مثلاً ، فاشتراه جهلاً ، فالشراء فضولي موقوف على إجازة المالك ، وكذا لو عمل بما ينصرف إطلاقه إلى غيره ، فإنّه بمنزلة النهي عنه ولعلّ منه ما ذكرنا سابقاً من شراء من ينعتق على المالك مع جهله بكونه كذلك ، وكذا الحال إذا كان مخطئاً في طريقة التجارة ؛ بأن اشترى ما لا مصلحة في شرائه عند أرباب المعاملة في ذلك الوقت بحيث لو عرض على التجّار حكموا بخطائه .

السادسة عشر : إذا تعدّد العامل ، كأن ضارب اثنين بمائة - مثلاً - بنصف الربح بينهما متساوياً أو متفاضلاً ، فإمّا أن يميّز حصّة كلّ منهما من رأس المال كأن يقول : على أن يكون لكلّ منه نصفه ، وإمّا لا يميّز ، فعلى الأوّل الظاهر عدم

ص: 507


1- - محلّ إشكال .
2- - محلّ تأمّل .

اشتراكهما في الربح والخسران والجبر إلاّ مع الشرط(1) ؛ لأنّه بمنزلة تعدّد العقد ، وعلى الثاني يشتركان فيها ، وإن اقتسما بينهما فأخذ كلّ منهما مقداراً منه ، إلاّ أن يشترطا عدم الاشتراك فيها ، فلو عمل أحدهما وربح وعمل الآخر ولم يربح أو خسر يشتركان في ذلك الربح ويجبر به خسران الآخر ، بل لو عمل أحدهما وربح ولم يشرع الآخر(2) بعد في العمل فانفسخت المضاربة يكون الآخر شريكاً وإن لم يصدر منه عمل ؛ لأ نّه مقتضى الاشتراك في المعاملة ، ولا يعدّ هذا من شركة الأعمال كما قد يقال ، فهو نظير ما إذا آجرا نفسهما لعمل بالشركة ، فهو داخل في عنوان المضاربة لا الشركة ، كما أنّ النظير داخل في عنوان الإجارة .

السابعة عشر : إذا أذن المالك للعامل في البيع والشراء نسيئة ، فاشترى نسيئة وباع كذلك ، فهلك المال فالدين في ذمّة المالك ، وللديّان إذا علم بالحال أو تبيّن له بعد ذلك الرجوع على كلّ منهما ، فإن رجع على العامل وأخذ منه رجع هو على المالك ، ودعوى : أ نّه مع العلم من الأوّل ليس له الرجوع على العامل لعلمه بعدم اشتغال ذمّته ، مدفوعة ؛ بأنّ مقتضى المعاملة ذلك ، خصوصاً في المضاربة ، وسيّما إذا علم أ نّه عامل يشتري للغير ، ولكن لم يعرف ذلك الغير أ نّه من هو ومن أيّ بلد ، ولو لم يتبيّن للديّان أنّ الشراء للغير يتعيّن له

ص: 508


1- - صحّة هذا الشرط وكذا الشرط الآتي محلّ إشكال ، نعم لا يبعد صحّة شرط إعطاء ماله من الربح إلى صاحبه ، أو شرط جبران ما خسر من كيسه ، بل لا يبعد صحّة شرطهما على نحو النتيجة في الفرعين .
2- - لعدم مجيء وقت العمل ، لا لتعطيله مع كونه وقته وبعده ، فهو محلّ إشكال مطلقاً .

الرجوع على العامل في الظاهر ، ويرجع هو على المالك .

الثامنة عشر : يكره المضاربة مع الذمّي ، خصوصاً إذا كان هو العامل ؛ لقوله علیه السلام : «لا ينبغي للرجل المسلم أن يشارك الذمّي ولا يبضعه بضاعة ولا يودعه وديعة ولا يصافيه المودّة» وقوله علیه السلام : «إنّ أمير المؤمنين علیه السلام كره مشاركة اليهودي والنصراني والمجوسي ، إلاّ أن تكون تجارة حاضرة لا يغيب عنها المسلم» ويمكن(1) أن يستفاد من هذا الخبر كراهة مضاربة من لا يؤمن منه في معاملاته من الاحتراز عن الحرام .

التاسعة عشر : الظاهر صحّة المضاربة على مائة دينار - مثلاً - كلّياً ، فلا يشترط كون مال المضاربة عيناً شخصية ، فيجوز إيقاعهما العقد على كلّي ثمّ تعيينه في فرد ، والقول بالمنع لأنّ القدر المتيقّن العين الخارجي من النقدين ضعيف ، وأضعف منه احتمال المنع حتّى في الكلّي في المعيّن ؛ إذ يكفي في الصحّة العمومات .

متمّم العشرين : لو ضاربه على ألف - مثلاً - فدفع إليه نصفه فعامل به ثمّ دفع إليه النصف الآخر ، فالظاهر جبران خسارة أحدهما بربح الآخر ؛ لأ نّه مضاربة واحدة ، وأمّا لو ضاربه على خمسمائة فدفعها إليه وعامل بها وفي أثناء التجارة زاده ودفع خمسمائة اُخرى ، فالظاهر عدم جبر خسارة إحداهما بربح الاُخرى ؛ لأ نّهما في قوّة مضاربتين ، نعم بعد المزج والتجارة بالمجموع يكونان واحدة .

ص: 509


1- - غير معلوم .

فصل : في أحكام الشركة

وهي عبارة عن كون شيء واحد لاثنين أو أزيد ؛ ملكاً أو حقّاً ، وهي إمّا واقعية قهرية ، كما في المال أو الحقّ الموروث ، وإمّا واقعية اختيارية من غير استناد إلى عقد كما إذا أحيا شخصان أرضاً مواتاً بالاشتراك أو حفرا بئراً أو اغترفا ماءً أو اقتلعا شجراً ، وإمّا ظاهرية قهرية كما إذا امتزج مالهما من دون اختيارهما ولو بفعل أجنبيّ ؛ بحيث لا يتميّز أحدهما(1) من الآخر ؛ سواء كانا من جنس واحد كمزج حنطة بحنطة أو جنسين كمزج دقيق الحنطة بدقيق الشعير أو دهن اللوز بدهن الجوز أو الخلّ بالدبس ، وإمّا ظاهرية اختيارية كما إذا مزجا باختيارهما لا بقصد الشركة ، فإنّ مال كلّ منهما في الواقع ممتاز عن الآخر ، ولذا لو فرض تمييزهما اختصّ كلّ منهما بماله ، وأمّا الاختلاط مع التميّز فلا يوجب الشركة ولو ظاهراً ؛ إذ مع الاشتباه مرجعه الصلح القهري أو القرعة ، وإمّا واقعية مستندة إلى عقد غير عقد الشركة كما إذا ملكا شيئاً واحداً بالشراء أو الصلح أو الهبة أو نحوها ، وإمّا واقعية منشأة بتشريك أحدهما الآخر في ماله كما إذا اشترى شيئاً فطلب منه شخص أن يشركه فيه ، ويسمّى عندهم بالتشريك وهو

ص: 510


1- - ميزان الشركة الواقعية في مثل الامتزاج هو رفع الامتياز واقعاً بحسب نظر العرف وإن لم يكن كذلك عقلاً ، ففي مثل مزج المائعين المتماثلين تكون واقعية ، وكذا في غير المتماثلين غالباً ، وفي مثل مزج الحبّات الصغيرة كالخشخاش والسمسم لا يبعد ظاهريتها ؛ إذا كانا متجانسين ، وعدم الشركة في غيرهما ، وفي الجامدات الناعمة كالدقيق محلّ تأمّل لا يبعد ظاهريتها ، والأحوط التخلّص بمثل الصلح في خلط الجوز بالجوز واللوز باللوز وفي مثل الدراهم والدنانير المتماثلات .

صحيح لجملة من الأخبار ، وإمّا واقعية منشأة بتشريك كلّ منهما الآخر في ماله ويسمّى هذا بالشركة العقدية ومعدود من العقود ، ثمّ إنّ الشركة قد تكون في عين وقد تكون في منفعة وقد تكون في حقّ ، وبحسب الكيفية : إمّا بنحو الإشاعة وإمّا بنحو الكلّي في المعيّن(1) ، وقد تكون على وجه يكون كلّ من الشريكين أو الشركاء مستقلاًّ في التصرّف كما في شركة الفقراء(2) في الزكاة ، والسادة في الخمس ، والموقوف عليهم في الأوقاف العامّة ونحوها .

(مسألة 1) : لا تصحّ الشركة العقدية إلاّ في الأموال بل الأعيان ، فلا تصحّ في الديون ، فلو كان لكلّ منهما دين على شخص فأوقعا العقد على كون كلّ منهما بينهما لم يصحّ ، وكذا لا تصحّ في المنافع ؛ بأن كان لكلّ منهما دار - مثلاً - وأوقعا العقد على أن يكون منفعة كلّ منهما بينهما بالنصف مثلاً ، ولو أرادا ذلك صالح أحدهما الآخر نصف منفعة داره بنصف منفعة دار الآخر ، أو صالح نصف منفعة داره بدينار مثلاً وصالحه الآخر نصف منفعة داره بذلك الدينار . وكذا لا تصحّ شركة الأعمال وتسمّى شركة الأبدان أيضاً ، وهي أن يوقعا العقد على أن يكون اُجرة عمل كلّ منهما مشتركاً بينهما ؛ سواء اتّفق عملهما كالخياطة مثلاً ، أو كان على أحدهما الخياطة والآخر النساجة ، وسواء كان ذلك في عمل معيّن أو في كلّ ما يعمل كلّ منهما ولو أرادا الاشتراك في ذلك صالح أحدهما الآخر نصف منفعته المعيّنة أو منافعه إلى مدّة كذا بنصف منفعة أو منافع الآخر ، أو صالحه نصف منفعته بعوض معيّن وصالحه الآخر أيضاً نصف منفعته بذلك العوض .

ص: 511


1- - فيه إشكال .
2- - في كون الأمثلة من قبيل ما ذكره إشكال بل منع .

ولا تصحّ أيضاً شركة الوجوه(1) ، وهي أن يشترك اثنان وجيهان لا مال لهما بعقد الشركة على أن يبتاع كلّ منهما في ذمّته إلى أجل ويكون ما يبتاعه بينهما ، فيبيعانه ويؤدّيان الثمن ويكون ما حصل من الربح بينهما ، وإذا أرادا ذلك على الوجه الصحيح وكّل كلّ منهما الآخر في الشراء فاشترى لهما وفي ذمّتهما . وشركة المفاوضة أيضاً باطلة ، وهي أن يشترك اثنان أو أزيد على أن يكون كلّ ما يحصل لأحدهما من ربح تجارة أو زراعة أو كسب آخر أو إرث أو وصيّة أو نحو ذلك مشتركاً بينهما ، وكذا كلّ غرامة ترد على أحدهما تكون عليهما ، فانحصرت الشركة العقدية الصحيحة بالشركة في الأعيان المملوكة فعلاً وتسمّى بشركة العنان .

(مسألة 2) : لو استأجر اثنين لعمل واحد باُجرة معلومة صحّ ، وكانت الاُجرة مقسّمة عليهما بنسبة عملهما ، ولا يضرّ الجهل بمقدار حصّة كلّ منهما حين العقد ؛ لكفاية معلومية المجموع ، ولا يكون من شركة الأعمال التي تكون باطلة ، بل من شركة الأموال ، فهو كما لو استأجر كلاًّ منهما لعمل وأعطاهما شيئاً واحداً بإزاء اُجرتهما ، ولو اشتبه مقدار عمل كلّ منهما فإن احتمل التساوي حمل عليه(2) ؛ لأصالة عدم زيادة عمل أحدهما على الآخر وإن علم زيادة أحدهما على الآخر فيحتمل القرعة في المقدار الزائد ، ويحتمل الصلح القهري .

(مسألة 3) : لو اقتلعا شجرة أو اغترفا ماءً بآنية واحدة أو نصبا معاً شبكة للصيد أو أحييا أرضاً معاً ، فإن ملّك كلّ منهما نصف منفعته بنصف منفعة الآخر

ص: 512


1- - ما فسّرها به هو أشهر معانيها على ما حكي .
2- - الأحوط التصالح ، وأمّا أصله فغير أصيل .

اشتركا فيه بالتساوي ، وإلاّ فلكلّ منهما بنسبة عمله ولو بحسب القوّة والضعف ، ولو اشتبه الحال فكالمسألة السابقة(1) ، وربما يحتمل التساوي مطلقاً ؛ لصدق اتّحاد فعلهما في السببية واندراجهما في قوله : «من حاز ملك» وهو كما ترى .

(مسألة 4) : يشترط على ما هو ظاهر كلماتهم في الشركة العقدية - مضافاً إلى الإيجاب والقبول والبلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر لفلس أو سفه - : امتزاج المالين سابقاً على العقد أو لاحقاً بحيث لا يتميّز أحدهما من الآخر ؛ من النقود كانا أو من العروض ، بل اشترط جماعة اتّحادهما في الجنس والوصف ، والأظهر عدم اعتباره ، بل يكفي الامتزاج على وجه لا يتميّز أحدهما من الآخر ، كما لو امتزج دقيق الحنطة بدقيق الشعير ونحوه أو امتزج نوع من الحنطة بنوع آخر(2) ، بل لا يبعد كفاية امتزاج الحنطة بالشعير وذلك للعمومات العامّة كقوله تعالى : (أَوْفُوا بِالعُقُودِ) ، وقوله علیه السلام : «المؤمنون عند شروطهم» وغيرهما ، بل لو لا ظهور الإجماع على اعتبار الامتزاج أمكن منعه مطلقاً ؛ عملاً بالعمومات ، ودعوى : عدم كفايتها لإثبات ذلك ، كما ترى ، لكن الأحوط(3) مع ذلك أن يبيع كلّ منهما حصّة ممّا هو له بحصّة ممّا للآخر أو يهبها كلّ منهما للآخر أو نحو ذلك في غير صورة الامتزاج الذي هو المتيقّن ، هذا . ويكفي في الإيجاب والقبول كلّ ما دلّ على الشركة من قول أو فعل .

(مسألة 5) : يتساوى الشريكان في الربح والخسران مع تساوي المالين ، ومع

ص: 513


1- - مرّ الاحتياط .
2- - مع رفع الامتياز ، ولا يكفي امتزاج الحنطة بالشعير على الأحوط .
3- - لا يترك .

زيادة فبنسبة الزيادة ربحاً وخسراناً ؛ سواء كان العمل من أحدهما أو منهما مع التساوي فيه أو الاختلاف أو من متبرّع أو أجير . هذا مع الإطلاق ، ولو شرطا في العقد زيادة لأحدهما فإن كان للعامل منهما أو لمن عمله أزيد فلا إشكال ولا خلاف - على الظاهر - عندهم في صحّته ، أمّا لو شرطا لغير العامل منهما أو لغير من عمله أزيد ، ففي صحّة الشرط والعقد ، وبطلانهما ، وصحّة العقد وبطلان الشرط فيكون كصورة الإطلاق أقوال ، أقواها الأوّل ، وكذا لو شرطا كون الخسارة على أحدهما أزيد ، وذلك لعموم المؤمنون عند شروطهم ، ودعوى : أ نّه مخالف لمقتضى العقد ، كما ترى ، نعم هو مخالف لمقتضى إطلاقه ، والقول بأنّ جعل الزيادة لأحدهما من غير أن يكون له عمل يكون في مقابلتها ليس تجارة بل هو أكل بالباطل ، كما ترى باطل ، ودعوى : أنّ العمل بالشرط غير لازم ؛ لأ نّه في عقد جائز ، مدفوعة ، أوّلاً : بأ نّه مشترك الورود ؛ إذ لازمه عدم وجوب الوفاء به في صورة العمل أو زيادته ، وثانياً : بأنّ غاية الأمر جواز فسخ العقد فيسقط وجوب الوفاء بالشرط والمفروض في صورة عدم الفسخ فما لم يفسخ يجب الوفاء به ، وليس معنى الفسخ حلّ العقد من الأوّل بل من حينه ، فيجب الوفاء بمقتضاه مع الشرط إلى ذلك الحين . هذا ولو شرطا تمام الربح لأحدهما بطل العقد ؛ لأ نّه خلاف مقتضاه ، نعم لو شرطا كون تمام الخسارة على أحدهما فالظاهر صحّته ؛ لعدم كونه منافياً .

(مسألة 6) : إذا اشترطا في ضمن العقد كون العمل من أحدهما أو منهما مع استقلال كلّ منهما أو مع انضمامهما فهو المتّبع ، ولا يجوز التعدّي ، وإن أطلقا لم يجز لواحد منهما التصرّف إلاّ بإذن الآخر ، ومع الإذن بعد العقد أو الاشتراط فيه

ص: 514

فإن كان مقيّداً بنوع خاصّ من التجارة لم يجز التعدّي عنه ، وكذا مع تعيين كيفية خاصّة ، وإن كان مطلقاً فاللازم الاقتصار على المتعارف من حيث النوع والكيفية ، ويكون حال المأذون حال العامل في المضاربة فلا يجوز البيع بالنسيئة(1) ، بل ولا الشراء بها ولا يجوز السفر بالمال ، وإن تعدّى عمّا عيّن له أو عن المتعارف ضمن الخسارة والتلف ، ولكن يبقى الإذن بعد التعدّي أيضاً ؛ إذ لا ينافي الضمان بقاءه ، والأحوط مع إطلاق الإذن ملاحظة المصلحة وإن كان لا يبعد كفاية عدم المفسدة .

(مسألة 7) : العامل أمين فلا يضمن التلف ما لم يفرّط أو يتعدّى .

(مسألة 8) : عقد الشركة من العقود الجائزة ، فيجوز لكلّ من الشريكين فسخه ؛ لا بمعنى أن يكون الفسخ موجباً للانفساخ من الأوّل أو من حينه بحيث تبطل(2) الشركة ؛ إذ هي باقية ما لم تحصل القسمة ، بل بمعنى جواز رجوع كلّ منهما عن الإذن في التصرّف الذي بمنزلة عزل الوكيل عن الوكالة ، أو بمعنى مطالبة القسمة ، وإذا رجع أحدهما عن إذنه دون الآخر فيما لو كان كلّ منهما مأذوناً لم يجز التصرّف للآخر ، ويبقى الجواز بالنسبة إلى الأوّل ، وإذا رجع كلّ منهما عن إذنه لم يجز لواحد منهما ، وبمطالبة القسمة يجب القبول على الآخر ، وإذا أوقعا الشركة على وجه يكون لأحدهما زيادة في الربح أو نقصان في

ص: 515


1- - مع عدم التعارف ، وكذا حال السفر ، فالموارد مختلفة .
2- - الظاهر بطلان عقد الشركة وبقاء الشركة الناشئة من الامتزاج ، ففي مثل مزج اللوز باللوز والجوز بمثله والدراهم والدنانير بمثلهما ينفسخ العقد ويرجع كلّ مال إلى صاحبه فيتخلّص فيه بالتصالح ، كما قبل العقد لو حصل الامتزاج .

الخسارة يمكن الفسخ - بمعنى إبطال هذا القرار - بحيث لو حصل بعده ربح أو خسران كان بنسبة المالين على ما هو مقتضى إطلاق الشركة .

(مسألة 9) : لو ذكرا في عقد الشركة أجلاً لا يلزم ، فيجوز لكلّ منهما الرجوع قبل انقضائه إلاّ أن يكون مشروطاً في ضمن عقد لازم فيكون لازماً .

(مسألة 10) : لو ادّعى أحدهما على الآخر الخيانة أو التفريط في الحفظ فأنكر ، عليه الحلف مع عدم البيّنة .

(مسألة 11) : إذا ادّعى العامل التلف ، قبل قوله مع اليمين ؛ لأنّه أمين .

(مسألة 12) : تبطل الشركة بالموت والجنون والإغماء والحجر بالفلس أو السفه ؛ بمعنى أ نّه لا يجوز للآخر التصرّف ، وأمّا أصل الشركة فهي باقية ، نعم يبطل(1) أيضاً ما قرّراه من زيادة أحدهما في النماء بالنسبة إلى ماله أو نقصان الخسارة كذلك ؛ إذا تبيّن بطلان الشركة ، فالمعاملات الواقعة قبله محكومة بالصحّة ويكون الربح على نسبة المالين ؛ لكفاية الإذن المفروض حصوله ، نعم لو كان مقيّداً بالصحّة تكون كلّها فضولياً بالنسبة إلى من يكون إذنه مقيّداً ، ولكلّ منهما اُجرة مثل عمله بالنسبة إلى حصّة الآخر ؛ إذا كان العمل منهما ، وإن كان من أحدهما فله اُجرة مثل عمله .

(مسألة 13) : إذا اشترى أحدهما متاعاً وادّعى : أ نّه اشتراه لنفسه ، وادّعى الآخر : أ نّه اشتراه بالشركة ، فمع عدم البيّنة القول قوله مع اليمين ؛ لأنّه أعرف بنيّته ، كما أنّه كذلك لو ادّعى : أنّه اشتراه بالشركة ، وقال الآخر : إنّه اشتراه

لنفسه ، فإنّه يقدّم قوله أيضاً ؛ لأنّه أعرف ولأنّه أمين .

ص: 516


1- - محلّ تأمّل .

كتاب المزارعة

اشارة

وهي المعاملة على الأرض بالزراعة بحصّة من حاصلها ، وتسمّى مخابرة أيضاً ، ولعلّها من الخبرة بمعنى النصيب ، كما يظهر من «مجمع البحرين» ولا إشكال في مشروعيتها، بل يمكن دعوى استحبابها ؛ لما دلّ على استحباب الزراعة بدعوى كونها أعمّ من المباشرة والتسبيب ، ففي خبر الواسطي قال : سألت جعفر بن محمّد علیهما السلام عن الفلاّحين قال : «هم الزارعون كنوز اللّه في أرضه وما في الأعمال شيء أحبّ إلى اللّه من الزراعة وما بعث اللّه نبيّاً إلاّ زارعاً إلاّ إدريس علیه السلام فإنّه كان خيّاطاً» وفي آخر عن أبي عبداللّه علیه السلام : «الزارعون كنوز الأنام يزرعون طيّباً أخرجه اللّه وهم يوم القيامة أحسن الناس مقاماً وأقربهم منزلة يدعون المباركين» وفي خبر عنه علیه السلام قال : «سئل النبي أيّ الأعمال خير؟ قال : زرع يزرعه صاحبه وأصلحه وأدّى حقّه يوم حصاده ، قال : فأيّ الأعمال بعد الزرع؟ قال : رجل في غنم له قد تبع بها مواضع القطر يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ، قال : فأيّ المال بعد الغنم خير؟ قال : البقر يغدو بخير ويروح بخير ، قال : فأيّ المال بعد البقر خير ؟ قال : الراسيات في الوحل المطعمات في المحل ، نعم المال النخل ، من باعها فإنّما ثمنه بمنزلة رماد

ص: 517

على رأس شاهق اشتدّت به الريح في يوم عاصف إلاّ أن يخلف مكانها ، قيل : يا رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : فأيّ المال بعد النخل خير؟ فسكت ، فقام إليه رجل فقال له : فأين الإبل؟ قال : فيها الشقاء والجفاء والعناء وبعد الدار تغدو مدبرة وتروح مدبرة ، لا يأتي خيرها إلاّ من جانبها الأشأم أما إنّها لا تعدم الأشقياء الفجرة» وعنه علیه السلام : «الكيمياء الأكبر الزراعة» وعنه علیه السلام : «إنّ اللّه جعل أرزاق أنبيائه في الزرع والضرع كيلا يكرهوا شيئاً من قطر السماء» وعنه علیه السلام أ نّه سأله رجل فقال له : جعلت فداك أسمع قوماً يقولون : إنّ المزارعة مكروهة ، فقال : «ازرعوا فلا واللّه ما عمل الناس عملاً أحلّ ولا أطيب منه» ويستفاد من هذا الخبر ما ذكرنا من أنّ الزراعة أعمّ من المباشرة(1) والتسبيب ، وأمّا ما رواه الصدوق مرفوعاً عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : أ نّه نهى عن المخابرة ، قال : وهي المزارعة بالنصف أو الثلث أو الربع ، فلا بدّ من حمله على بعض المحامل ؛ لعدم مقاومته لما ذكر ، وفي «مجمع البحرين» : وما روي من أ نّه نهى عن المخابرة ، كان ذلك حين تنازعوا فنهاهم عنها .

ويشترط فيها اُمور :

أحدها : الإيجاب والقبول ، ويكفي فيهما كلّ لفظ دالّ ؛ سواء كان حقيقة أو مجازاً مع القرينة كزارعتك أو سلّمت إليك الأرض على أن تزرع على كذا ، ولا يعتبر فيهما العربية ولا الماضوية ، فيكفي الفارسي وغيره ، والأمر كقوله : ازرع هذه الأرض على كذا ، أو المستقبل ، أو الجملة الاسمية مع قصد الإنشاء بها ، وكذا لا يعتبر تقديم الإيجاب على القبول ويصحّ الإيجاب من كلّ من المالك

ص: 518


1- - لكن في النسخ التي عندي من «الوسائل» و«مستدركه» و«مرآة العقول» : أسمع قوماً يقولون : إنّ الزراعة مكروهة ، فيخرج عن استفادة ما ذكره .

والزارع ، بل يكفي القبول الفعلي بعد الإيجاب القولي على الأقوى ، وتجري فيها المعاطاة وإن كانت لا تلزم(1) إلاّ بالشروع في العمل .

الثاني : البلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر لسفه أو فلس ومالكية التصرّف في كلّ من المالك والزارع ، نعم لا يقدح فلس الزارع إذا لم يكن منه مال ؛ لأ نّه ليس تصرّفاً مالياً .

الثالث : أن يكون النماء مشتركاً بينهما ، فلو جعل الكلّ لأحدهما لم يصحّ مزارعة .

الرابع : أن يكون مشاعاً بينهما ، فلو شرطا اختصاص أحدهما بنوع كالذي حصل أوّلاً والآخر بنوع آخر ، أو شرطا أن يكون ما حصل من هذه القطعة من الأرض لأحدهما وما حصل من القطعة الاُخرى للآخر لم يصحّ .

الخامس : تعيين الحصّة بمثل النصف أو الثلث أو الربع أو نحو ذلك ، فلو قال : ازرع هذه الأرض على أن يكون لك أو لي شيء من حاصلها ، بطل .

السادس : تعيين المدّة بالأشهر والسنين فلو أطلق بطل ، نعم لو عيّن المزروع أو مبدأ الشروع في الزرع لا يبعد صحّته ؛ إذا لم يستلزم غرراً ، بل مع عدم تعيين ابتداء الشروع(2) أيضاً ؛ إذا كانت الأرض ممّا لا يزرع في السنة إلاّ مرّة ، لكن مع تعيين السنة لعدم الغرر فيه ، ولا دليل على اعتبار التعيين تعبّداً والقدر المسلّم من الإجماع على تعيينها غير هذه الصورة ، وفي صورة تعيين المدّة لا بدّ وأن تكون بمقدار يبلغ فيه الزرع ، فلا تكفي المدّة القليلة التي تقصر عن إدراك النماء .

ص: 519


1- - حال المعاطاة حال العقد بالصيغة في اللزوم والجواز ظاهراً كما مرّ .
2- - فيه إشكال .

السابع : أن تكون الأرض قابلة للزرع ولو بالعلاج ، فلو كانت سبخة لا يمكن الانتفاع بها أو كان يستولي عليها الماء قبل أوان إدراك الحاصل أو نحو ذلك ، أو لم يكن هناك ماء للزراعة ولم يمكن تحصيله ولو بمثل حفر البئر أو نحو ذلك ، ولم يمكن الاكتفاء بالغيث بطل.

الثامن : تعيين المزروع من الحنطة والشعير وغيرهما مع اختلاف الأغراض فيه ، فمع عدمه يبطل ، إلاّ أن يكون هناك انصراف يوجب التعيين ، أو كان مرادهما التعميم وحينئذٍ فيتخيّر الزارع بين أنواعه .

التاسع : تعيين الأرض ومقدارها ، فلو لم يعيّنها ؛ بأ نّها هذه القطعة ، أو تلك القطعة ، أو من هذه المزرعة أو تلك ، أو لم يعيّن مقدارها ، بطل مع اختلافها بحيث يلزم الغرر ، نعم مع عدم لزومه لا يبعد الصحّة كأن يقول : مقدار جريب من هذه القطعة ، من الأرض التي لا اختلاف بين أجزائها ، أو أيّ مقدار(1) شئت منها ، ولا يعتبر كونها شخصية ، فلو عيّن كلّياً موصوفاً على وجه يرتفع الغرر ، فالظاهر صحّته وحينئذٍ يتخيّر المالك في تعيينه .

العاشر : تعيين كون البذر على أيّ منهما ، وكذا سائر المصارف واللوازم ؛ إذا لم يكن هناك انصراف مغنٍ عنه ولو بسبب التعارف .

(مسألة 1) : لا يشترط في المزارعة كون الأرض ملكاً للمزارع ، بل يكفي كونه مسلّطاً عليها بوجه من الوجوه كأن يكون مالكاً لمنفعتها بالإجارة(2) ، أو الوصيّة ، أو الوقف عليه ، أو مسلّطاً عليها بالتولية كمتولّي الوقف العامّ أو الخاصّ

ص: 520


1- - ليس المراد هذا العنوان بإجماله ، بل المراد أيّ مقدار معيّن شئت بنحو الكلّي في المعيّن من الأرض الكذائية .
2- - مع عدم الاشتراط فيها بانتفاعه مباشرة .

والوصيّ ، أو كان له حقّ اختصاص بها بمثل التحجير(1) والسبق ونحو ذلك ، أو كان مالكاً للانتفاع بها كما إذا أخذها بعنوان المزارعة فزارع غيره أو شارك غيره ، بل يجوز أن يستعير الأرض للمزارعة ، نعم لو لم يكن له فيها حقّ أصلاً لم يصحّ مزارعتها ، فلا يجوز المزارعة في الأرض الموات مع عدم تحجير أو سبق أو نحو ذلك ، فإنّ المزارع والعامل فيها سواء ، نعم يصحّ الشركة في زراعتها مع اشتراك البذر أو بإجارة أحدهما نفسه للآخر في مقابل البذر أو نحو ذلك ، لكنّه ليس حينئذٍ من المزارعة المصطلحة ، ولعلّ هذا مراد الشهيد في «المسالك» من عدم جواز المزارعة في الأراضي الخراجية التي هي للمسلمين قاطبة إلاّ مع الاشتراك في البذر أو بعنوان آخر ، فمراده هو فيما إذا لم يكن للمزارع جهة اختصاص بها ، وإلاّ فلا إشكال في جوازها بعد الإجارة من السلطان كما يدلّ عليه جملة من الأخبار .

(مسألة 2) : إذا أذن لشخص في زرع أرضه على أن يكون الحاصل بينهما بالنصف أو الثلث أو نحوهما ، فالظاهر صحّته(2) وإن لم يكن من المزارعة المصطلحة ، بل لا يبعد كونه منها أيضاً ، وكذا لو أذن لكلّ من يتصدّى للزرع وإن

ص: 521


1- - لا يكفي ظاهراً حقّ التحجير في صحّتها ، وكذا السبق للإحياء ، نعم لا إشكال فيما إذا سبق فأحياها .
2- - إن لم يكن من المزارعة فصحّته محلّ تأمّل وإشكال ، لكن كونه منها كما في المتن غير بعيد ، وكذا لو أذن عامّاً ، وليس ذلك من الجعالة ولا نظيرها ، وكذا الإذن في الخان والحمّام غير شبيه بالجعالة ، بل الظاهر أ نّه إباحة بالعوض أو إذن بالإتلاف مضموناً ، وبعضها إجارة باطلة ، ولهذا يشكل استحقاقه للزيادة عن اُجرة المثل ، ونظائر المسألة محلّ إشكال تحتاج إلى التأمّل .

لم يعيّن شخصاً ، وكذا لو قال : كلّ من زرع أرضي هذه أو مقداراً من المزرعة الفلانية فلي نصف حاصله أو ثلثه مثلاً ، فأقدم واحد على ذلك فيكون نظير الجعالة ، فهو كما لو قال : كلّ من بات في خاني أو داري فعليه في كلّ ليلة درهم ، أو كلّ من دخل حمّامي فعليه في كلّ مرّة ورقة ، فإنّ الظاهر صحّته للعمومات ؛ إذ هو نوع من المعاملات العقلائية ولا نسلّم انحصارها في المعهودات ، ولا حاجة إلى الدليل الخاصّ لمشروعيتها ، بل كلّ معاملة عقلائية صحيحة إلاّ ما خرج بالدليل الخاصّ كما هو مقتضى العمومات .

(مسألة 3) : المزارعة من العقود اللازمة لا تبطل إلاّ بالتقايل أو الفسخ بخيار الشرط أو بخيار الاشتراط ؛ أي تخلّف بعض الشروط المشترطة على أحدهما ، وتبطل أيضاً بخروج الأرض عن قابلية(1) الانتفاع ؛ لفقد الماء أو استيلائه أو نحو ذلك ، ولا تبطل بموت أحدهما فيقوم وارث الميّت منهما مقامه ، نعم تبطل بموت العامل مع اشتراط مباشرته للعمل ؛ سواء كان قبل خروج الثمرة أو بعده ، وأمّا المزارعة المعاطاتية(2) فلا تلزم إلاّ بعد التصرّف ، وأمّا الإذنية فيجوز فيها الرجوع دائماً(3) ، لكن إذا كان بعد الزرع وكان البذر من العامل يمكن دعوى لزوم إبقائه(4) إلى حصول الحاصل ؛ لأنّ الإذن في الشيء إذن في لوازمه ، وفائدة الرجوع أخذ اُجرة الأرض منه حينئذٍ ويكون الحاصل كلّه للعامل .

ص: 522


1- - مع عدم تيسّر العلاج .
2- - مرّ الكلام فيها .
3- - إذا لم نقل بحصول المزارعة الصحيحة بالإذن ، وإلاّ فصارت لازمة لا يجوز الرجوع فيها .
4- - مع فرض جواز الرجوع ما ذكره غير وجيه كدليله .

(مسألة 4) : إذا استعار أرضاً للمزارعة ثمّ أجرى عقدها لزمت ، لكن للمعير الرجوع في إعارته فيستحقّ اُجرة المثل لأرضه على المستعير(1) ، كما إذا استعارها للإجارة فآجرها بناءً على ما هو الأقوى(2) من جواز كون العوض لغير مالك المعوّض .

(مسألة 5) : إذا شرط أحدهما على الآخر شيئاً في ذمّته أو في الخارج من ذهب أو فضّة أو غيرهما مضافاً إلى حصّته من الحاصل صحّ ، وليس قراره مشروطاً بسلامة الحاصل ، بل الأقوى صحّة استثناء مقدار معيّن من الحاصل لأحدهما مع العلم ببقاء مقدار آخر ليكون مشاعاً بينهما ، فلا يعتبر إشاعة جميع الحاصل بينهما على الأقوى ، كما يجوز استثناء مقدار البذر لمن كان منه ، أو استثناء مقدار خراج السلطان أو ما يصرف في تعمير الأرض ثمّ القسمة ، وهل يكون قراره(3) في هذه الصورة مشروطاً بالسلامة كاستثناء الأرطال في بيع الثمار أو لا ؟ وجهان .

(مسألة 6) : إذا شرط مدّة معيّنة يبلغ الحاصل فيها غالباً ، فمضت والزرع باقٍ لم يبلغ ، فالظاهر أنّ للمالك الأمر بإزالته بلا أرش أو إبقائه ومطالبة الاُجرة إن رضي العامل بإعطائها ، ولا يجب عليه الإبقاء بلا اُجرة ، كما لا يجب عليه

ص: 523


1- - أي اُجرة ما بعد الرجوع .
2- - الظاهر عدم الابتناء على هذا المبنى ، ومع ابتنائه أيضاً لا يبعد ما في المتن .
3- - إن كان المراد من السلامة هو حصول الزرع في مقابل لا حصوله فلا معنى للقرار مع عدم السلامة فيما يستثنى من الحاصل ، وإن كان المراد هي السلامة في مقابل التعيّب حتّى تلاحظ نسبة النقص فيحاسب بالنسبة ، فلا يكون القرار مشروطاً بها ؛ أي لا تلاحظ النسبة .

الأرش مع إرادة الإزالة ؛ لعدم حقّ للزارع بعد المدّة والناس مسلّطون على أموالهم ، ولا فرق بين أن يكون ذلك بتفريط الزارع أو من قبل اللّه كتأخير المياه أو تغيّر الهواء ، وقيل بتخييره بين القلع مع الأرش والبقاء مع الاُجرة ، وفيه ما عرفت ، خصوصاً إذا كان بتفريط الزارع مع أ نّه لا وجه لإلزامه العامل بالاُجرة بلا رضاه ، نعم لو شرط الزارع على المالك إبقاءه إلى البلوغ بلا اُجرة أو معها إن مضت المدّة قبله ، لا يبعد صحّته(1) ووجوب الإبقاء عليه .

(مسألة 7) : لو ترك الزارع الزرع بعد العقد وتسليم الأرض إليه حتّى انقضت المدّة ، ففي ضمانه اُجرة المثل للأرض - كما أ نّه يستقرّ عليه المسمّى في الإجارة - أو عدم ضمانه أصلاً - غاية الأمر كونه آثماً بترك تحصيل الحاصل - أو التفصيل بين ما إذا تركه اختياراً فيضمن أو معذوراً فلا ، أو ضمانه ما يعادل الحصّة المسمّاة من الثلث أو النصف أو غيرهما بحسب التخمين في تلك السنة ، أو ضمانه بمقدار تلك الحصّة من منفعة الأرض من نصف أو ثلث ومن قيمة عمل الزارع ، أو الفرق بين ما إذا اطّلع المالك على تركه للزرع فلم يفسخ المعاملة لتدارك استيفاء منفعة أرضه فلا يضمن وبين صورة عدم اطّلاعه إلى أن فات وقت الزرع فيضمن وجوه ، وبعضها أقوال(2) ، فظاهر بل صريح جماعة الأوّل ، بل قال بعضهم : يضمن النقص الحاصل بسبب ترك الزرع إذا حصل نقص ، واستظهر بعضهم الثاني ، وربما يستقرب الثالث ، ويمكن القول بالرابع ، والأوجه الخامس ، وأضعفها السادس . ثمّ هذا كلّه إذا لم يكن الترك بسبب عذر عامّ ، وإلاّ فيكشف

ص: 524


1- - إذا كانت مدّة التأخير على فرضه معلومة .
2- - أوجهها الأوّل فيما إذا كان الأرض تحت يده وترك الزراعة بتفريط منه ، وإلاّ فلا ضمان .

عن بطلان المعاملة . ولو انعكس المطلب بأن امتنع المالك من تسليم الأرض بعد العقد فللعامل الفسخ ، ومع عدمه ففي ضمان المالك ما يعادل حصّته من منفعة الأرض ، أو ما يعادل حصّته من الحاصل بحسب التخمين ، أو التفصيل بين صورة العذر وعدمه ، أو عدم الضمان حتّى لو قلنا به في الفرض الأوّل بدعوى الفرق بينهما وجوه(1) .

(مسألة 8) : إذا غصب الأرض بعد عقد المزارعة غاصب ولم يمكن الاسترداد منه ، فإن كان ذلك قبل تسليم الأرض إلى العامل تخيّر بين الفسخ وعدمه ، وإن كان بعده لم يكن له الفسخ ، وهل يضمن(2) الغاصب تمام منفعة الأرض في تلك المدّة للمالك فقط ، أو يضمن له بمقدار حصّته من النصف أو الثلث من منفعة الأرض ويضمن له أيضاً مقدار قيمة حصّته من عمل العامل حيث فوّته عليه ، ويضمن للعامل أيضاً مقدار حصّته من منفعة الأرض ؟ وجهان(3) ، ويحتمل ضمانه لكلّ منهما ما يعادل حصّته من الحاصل بحسب التخمين .

(مسألة 9) : إذا عيّن المالك نوعاً من الزرع من حنطة أو شعير أو غيرهما تعيّن ولم يجز للزارع التعدّي عنه ، ولو تعدّى إلى غيره(4) ذهب بعضهم إلى أ نّه إن كان ما زرع أضرّ ممّا عيّنه المالك كان المالك مخيّراً بين الفسخ وأخذ اُجرة المثل

ص: 525


1- - الأحوط التخلّص بالتصالح ، وإن كان الأخير أوجه .
2- - أي مع فرض عدم الفسخ ، وإلاّ فلا إشكال في ضمانه للمالك .
3- - أوجههما الأوّل ، والأحوط التصالح .
4- - إن كان التعيين على وجه الشرطية فمع التعدّي يتخيّر المالك بين الفسخ والإقرار ، ومع عدم الفسخ يأخذ حصّته من الحاصل ، وإن كان على وجه القيدية كان له اُجرة مثل أرضه ، ولو صارت ناقصة بواسطة الزرع له أرش نقصها على الزارع .

للأرض ، والإمضاء وأخذ الحصّة من المزروع مع أرش النقص الحاصل من الأضرّ ، وإن كان أقلّ ضرراً لزم وأخذ الحصّة منه ، وقال بعضهم بتعيّن أخذ اُجرة المثل للأرض مطلقاً ؛ لأنّ ما زرع غير ما وقع عليه العقد ، فلا يجوز أخذ الحصّة منه مطلقاً ، والأقوى أ نّه إن علم أنّ المقصود مطلق الزرع وأنّ الغرض من التعيين ملاحظة مصلحة الأرض وترك ما يوجب ضرراً فيها ، يمكن أن يقال : إنّ الأمر كما ذكر ؛ من التخيير بين الأمرين في صورة كون المزروع أضرّ وتعيّن الشركة في صورة كونه أقلّ ضرراً ، لكن التحقيق مع ذلك خلافه ، وإن كان التعيين لغرض متعلّق بالنوع الخاصّ لا لأجل قلّة الضرر وكثرته ، فإمّا أن يكون التعيين على وجه التقييد والعنوانية ، أو يكون على وجه تعدّد المطلوب والشرطية ، فعلى الأوّل إذا خالف ما عيّن فبالنسبة إليه يكون كما لو ترك الزرع أصلاً حتّى انقضت المدّة ، فيجري فيه الوجوه الستّة المتقدّمة في تلك المسألة ، وأمّا بالنسبة إلى الزرع الموجود ، فإن كان البذر من المالك فهو له ، ويستحقّ العامل اُجرة عمله على إشكال في صورة علمه بالتعيين وتعمّده الخلاف(1) ؛ لإقدامه حينئذٍ على هتك حرمة عمله ، وإن كان البذر للعامل كان الزرع له ، ويستحقّ المالك عليه اُجرة الأرض مضافاً إلى ما استحقّه من بعض الوجوه المتقدّمة ، ولا يضرّ استلزامه الضمان للمالك من قبل أرضه مرّتين على ما بيّنّا في محلّه ؛ لأ نّه من جهتين وقد ذكرنا نظير ذلك في الإجارة(2) أيضاً ، وعلى الثاني

ص: 526


1- - بل في صورة عدم التعمّد والجهل أيضاً محلّ إشكال بل منع .
2- - قد مرّ الإشكال عليه فيها وأنّ عليه أكثر الأمرين من الاُجرة المسمّاة واُجرة المثل ، وفي المقام أيضاً لا يستحقّ المالك غير اُجرة المثل لأرضه وأرش نقصها لو حصل بالزرع ، ولا يلاحظ في اُجرة المثل .

يكون المالك مخيّراً بين أن يفسخ المعاملة لتخلّف شرطه ، فيأخذ اُجرة المثل للأرض ، وحال الزرع الموجود حينئذٍ ما ذكرنا من كونه لمن له البذر ، وبين أن لا يفسخ ويأخذ حصّته من الزرع الموجود بإسقاط حقّ شرطه وبين أن لايفسخ ، ولكن لا يسقط حقّ شرطه أيضاً ، بل يغرم العامل على بعض الوجوه الستّة المتقدّمة(1) ، ويكون حال الزرع الموجود كما مرّ ؛ من كونه لمالك البذر .

(مسألة 10) : لو زارع على أرض لا ماء لها فعلاً ، لكن أمكن تحصيله بعلاج من حفر ساقية أو بئر أو نحو ذلك ، فإن كان الزارع عالماً بالحال صحّ ولزم ، وإن كان جاهلاً كان له خيار الفسخ ، وكذا لو كان الماء مستولياً عليها وأمكن قطعه عنها وأمّا لو لم يمكن التحصيل في الصورة الاُولى أو القطع في الثانية كان باطلاً ؛ سواء كان الزارع عالماً أو جاهلاً ، وكذا لو انقطع في الأثناء ولم يمكن تحصيله أو استولى عليها ولم يمكن قطعه ، وربما يقال بالصحّة مع علمه بالحال ، ولا وجه له وإن أمكن الانتفاع بها بغير الزرع ؛ لاختصاص المزارعة بالانتفاع بالزرع ، نعم لو استأجر أرضاً للزراعة مع علمه بعدم الماء وعدم إمكان تحصيله أمكن الصحّة ؛ لعدم اختصاص الإجارة بالانتفاع بالزرع إلاّ أن يكون على وجه التقييد ، فيكون باطلاً أيضاً .

(مسألة 11) : لا فرق في صحّة المزارعة بين أن يكون البذر من المالك أو العامل أو منهما ، ولا بدّ من تعيين ذلك ، إلاّ أن يكون هناك معتاد ينصرف إليه

ص: 527


1- - مرّ ما هو الأقوى بينها ، فهاهنا أيضاً ليس له إلاّ التخيير بين الفسخ والإبقاء ، فيأخذ حصّته من غير غرامة زائدة ومع عدم الفسخ تكون الزراعة بينهما لا لمالك الزرع ، كما في المتن .

الإطلاق ، وكذا لا فرق بين أن تكون الأرض مختصّة بالمزارع أو مشتركة بينه وبين العامل ، وكذا لا يلزم أن يكون تمام العمل على العامل ، فيجوز كونه عليهما ، وكذا الحال في سائر المصارف . وبالجملة هنا اُمور أربعة : الأرض والبذر والعمل والعوامل ، فيصحّ أن يكون من أحدهما أحد هذه ومن الآخر البقيّة ويجوز أن يكون من كلّ منهما اثنان منها ، بل يجوز أن يكون من أحدهما بعض أحدها ومن الآخر البقيّة ، كما يجوز الاشتراك في الكلّ ، فهي على حسب ما يشترطان، ولا يلزم على من عليه البذر دفع عينه ، فيجوز له دفع قيمته ، وكذا بالنسبة إلى العوامل ، كما لا يلزم مباشرة العامل بنفسه ، فيجوز له أخذ الأجير على العمل إلاّ مع الشرط .

(مسألة 12) : الأقوى جواز(1) عقد المزارعة بين أزيد من اثنين ؛ بأن تكون الأرض من واحد والبذر من آخر والعمل من ثالث والعوامل من رابع ، بل يجوز أن يكون بين أزيد من ذلك كأن يكون بعض البذر من واحد وبعضه الآخر من آخر ، وهكذا بالنسبة إلى العمل والعوامل ؛ لصدق المزارعة وشمول الإطلاقات ، بل يكفي العمومات العامّة ، فلا وجه لما في «المسالك» من تقوية عدم الصحّة بدعوى : أ نّها على خلاف الأصل فتتوقّف على التوقيف من الشارع ولم يثبت عنه ذلك ، ودعوى : أنّ العقد لا بدّ أن يكون بين طرفين : موجب وقابل ، فلا يجوز تركّبه من ثلاثة أو أزيد على وجه تكون أركاناً له ، مدفوعة بالمنع ، فإنّه أوّل الدعوى .

ص: 528


1- - هذا وإن لا يخلو من قرب ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بإيقاعها بين الاثنين ، بل لا يترك حتّى الإمكان .

(مسألة 13) : يجوز للعامل أن يشارك غيره في مزارعته أو يزارعه في حصّته ؛ من غير فرق بين أن يكون البذر منه أو من المالك ولا يشترط فيه إذنه ، نعم لا يجوز تسليم الأرض إلى ذلك الغير إلاّ بإذنه وإلاّ كان ضامناً ، كما هو كذلك في الإجارة أيضاً ، والظاهر جواز(1) نقل مزارعته إلى الغير بحيث يكون كأ نّه هو الطرف للمالك بصلح ونحوه ؛ بعوض ولو من خارج أو بلا عوض ، كما يجوز نقل حصّته إلى الغير ؛ سواء كان ذلك قبل ظهور الحاصل أو بعده ، كلّ ذلك لأنّ عقد المزارعة من العقود اللازمة الموجبة لنقل منفعة(2) الأرض نصفاً أو ثلثاً أو نحوهما إلى العامل ، فله نقلها إلى الغير بمقتضى قاعدة السلطنة ، ولا فرق فيما ذكرنا بين أن يكون المالك شرط عليه مباشرة العمل بنفسه أو لا ؛ إذ لا منافاة بين صحّة المذكورات وبين مباشرته للعمل ؛ إذ لا يلزم في صحّة المزارعة مباشرة العمل ، فيصحّ أن يشارك أو يزارع غيره ويكون هو المباشر دون ذلك الغير .

(مسألة 14) : إذا تبيّن بطلان العقد فإمّا أن يكون قبل الشروع في العمل أو بعده وقبل الزرع ؛ بمعنى نثر الحبّ في الأرض أو بعده وقبل حصول الحاصل ، أو بعده ، فإن كان قبل الشروع فلا بحث ولا إشكال ، وإن كان بعده وقبل الزرع ؛ بمعنى الإتيان بالمقدّمات من حفر النهر وكري الأرض وشراء الآلات

ص: 529


1- - ليس هذا من المزارعة ، ولا يجوز عقد المزارعة كذلك ، ولا معنى لنقل مزارعته إلى الغير ، نعم يجوز نقل حصّته إلى الغير وشرط القيام بأمر المزارعة عليه ، لكن الناقل طرف للمالك وعليه القيام - ولو تسبيباً - بأمر الزراعة كما فعل .
2- - ليس مقتضى المزارعة نقل المنفعة إلى العامل ، بل مقتضاها ثبوت حقّ الانتفاع بالزرع من الأرض .

ونحو ذلك فكذلك ، نعم لو حصل وصف في الأرض يقابل بالعوض - من جهة كريها أو حفر النهر لها أو إزالة الموانع عنها - كان للعامل قيمة(1) ذلك الوصف ، وإن لم يكن كذلك وكان العمل لغواً فلا شيء له ، كما أنّ الآلات لمن أعطى ثمنها ، وإن كان بعد الزرع كان الزرع لصاحب البذر ، فإن كان للمالك كان الزرع له وعليه للعامل اُجرة عمله وعوامله ، وإن كان للعامل كان له وعليه اُجرة الأرض للمالك ، وإن كان منهما كان لهما على النسبة نصفاً أو ثلثاً ولكلّ منهما على الآخر اُجرة مثل ما يخصّه من تلك النسبة ، وإن كان من ثالث فالزرع له وعليه للمالك اُجرة الأرض وللعامل اُجرة عمله وعوامله ، ولا يجب على المالك إبقاء الزرع إلى بلوغ الحاصل إن كان التبيّن قبله ، بل له أن يأمر بقلعه وله أن يبقي بالاُجرة إذا رضي صاحبه ، وإلاّ فليس له إلزامه بدفع الاُجرة . هذا كلّه مع الجهل بالبطلان ، وأمّا مع العلم فليس للعالم منهما(2) الرجوع على الآخر بعوض أرضه أو عمله ؛ لأ نّه هو الهاتك لحرمة ماله أو عمله ، فكأ نّه متبرّع به وإن كان الآخر أيضاً عالماً بالبطلان ، ولو كان العامل

ص: 530


1- - إن كان البطلان مستنداً إلى جعل جميع الحاصل لصاحب الأرض ، فالأقوى عدم استحقاق العامل قيمة ذلك الوصف ، وكذا لا يستحقّ اُجرة العمل والعوامل في صورة تبيّن البطلان بعد الزرع وبعد حصول الحاصل ، إلاّ إذا اشترط عليه الاُجرة لعمله وعوامله فيستحقّ اُجرة المثل ، وإن كان مستنداً إلى جعل جميع الزرع للزارع لا يستحقّ المالك اُجرة أرضه على العامل إلاّ مع الشرط ، وكذا الحال في سائر الصور ، فإن كان البطلان مستنداً إلى جعل جميع الحاصل لصاحب البذر لا يستحقّ العامل ولا صاحب الأرض ولا صاحب العوامل شيئاً عليه ، إلاّ مع الاشتراط ، فيكون لهم اُجرة المثل عليه .
2- - قد مرّ أنّ العلم والجهل غير دخيلين في ذلك ، وعدم وجاهة ما علّله به ، وكذا الحال في الفرع التالي .

بعد ما تسلّم الأرض تركها في يده بلا زرع فكذلك يضمن اُجرتها للمالك مع بطلان المعاملة ؛ لفوات منفعتها تحت يده ، إلاّ في صورة علم المالك بالبطلان لما مرّ .

(مسألة 15) : الظاهر من مقتضى وضع المزارعة ملكية العامل(1) لمنفعة الأرض بمقدار الحصّة المقرّرة له ، وملكية المالك للعمل على العامل بمقدار حصّته ، واشتراك البذر بينهما على النسبة ؛ سواء كان منهما أو من أحدهما أو من ثالث ، فإذا خرج الزرع صار مشتركاً بينهما على النسبة ، لا أن يكون لصاحب البذر إلى حين ظهور الحاصل ، فيصير الحاصل مشتركاً من ذلك الحين ، كما ربما يستفاد من بعض الكلمات ، أو كونه لصاحب البذر إلى حين بلوغ الحاصل وإدراكه ، فيصير مشتركاً في ذلك الوقت ، كما يستفاد من بعض آخر . نعم ، الظاهر جواز إيقاع العقد على أحد هذين الوجهين مع التصريح والاشتراط به من حين العقد ، ويترتّب على هذه الوجوه ثمرات : منها : كون التبن أيضاً مشتركاً بينهما على النسبة على الأوّل دون الأخيرين ، فإنّه لصاحب البذر ، ومنها : في مسألة الزكاة ، ومنها : في مسألة الانفساخ أو الفسخ في الأثناء قبل ظهور الحاصل ، ومنها : في مسألة مشاركة الزارع مع غيره ومزارعته معه ، ومنها : في مسألة ترك الزرع إلى أن انقضت المدّة ، إلى غير ذلك .

(مسألة 16) : إذا حصل ما يوجب الانفساخ في الأثناء قبل ظهور الثمر أو بلوغه ، كما إذا انقطع الماء عنه ولم يمكن تحصيله أو استولى عليه ولم يمكن

ص: 531


1- - بل مقتضاها استحقاق كلّ منهما على الآخر بذل ما جعله عليه ، وملكية العامل الانتفاع بالأرض زراعة ، وملكية المالك الانتفاع بعمل العامل كذلك .

قطعه أو حصل مانع آخر عامّ ، فالظاهر(1) لحوق حكم تبيّن البطلان من الأوّل على ما مرّ ؛ لأ نّه يكشف عن عدم قابليتها للزرع ، فالصحّة كانت ظاهرية ، فيكون الزرع الموجود لصاحب البذر ، ويحتمل بعيداً كون الانفساخ من حينه فيلحقه حكم الفسخ في الأثناء على ما يأتي ، فيكون مشتركاً بينهما على النسبة .

(مسألة 17) : إذا كان العقد واجداً لجميع الشرائط وحصل الفسخ في الأثناء إمّا بالتقايل ، أو بخيار الشرط لأحدهما ، أو بخيار الاشتراط بسبب تخلّف ما شرط على أحدهما ، فعلى ما ذكرنا من مقتضى وضع المزارعة - وهو الوجه الأوّل من الوجوه المتقدّمة - فالزرع الموجود مشترك بينهما على النسبة ، وليس لصاحب الأرض على العامل اُجرة أرضه ولا للعامل اُجرة عمله بالنسبة إلى ما مضى ؛ لأنّ المفروض صحّة المعاملة وبقاؤها إلى حين الفسخ ، وأمّا بالنسبة إلى الآتي فلهما التراضي على البقاء إلى البلوغ بلا اُجرة أو معها ، ولهما التراضي على القطع قصيلاً ، وليس للزارع الإبقاء إلى البلوغ بدون رضا المالك ولو بدفع اُجرة الأرض ، ولا مطالبة الأرش إذا أمره المالك بالقلع ، وللمالك مطالبة القسمة وإبقاء حصّته في أرضه إلى حين البلوغ وأمر الزارع بقطع حصّته قصيلاً . هذا ، وأمّا على الوجهين الآخرين فالزرع الموجود لصاحب البذر(2) والظاهر عدم ثبوت شيء عليه من اُجرة الأرض أو العمل ؛ لأنّ المفروض صحّة المعاملة إلى هذا الحين ،

ص: 532


1- - لا يبعد التفصيل بين الانفساخ في زمان لم يحصل زرع مشترك ولو مثل القصيل أو التبن فيحكم بالبطلان من الأوّل ، وبين ما إذا حصل ذلك فيحكم بالانفساخ من حينه ، فيكون ما حصل مشتركاً بينهما .
2- - إذا حصل الفسخ قبل ظهور الحاصل على أوّل الوجهين .

وإن لم يحصل للمالك أو العامل شيء من الحاصل فهو كما لو بقي الزرع إلى الآخر ولم يحصل حاصل من جهة آفة سماوية أو أرضية ، ويحتمل ثبوت الاُجرة عليه إذا كان هو الفاسخ .

فذلكة

قد تبيّن ممّا ذكرنا في طيّ المسائل المذكورة أنّ هاهنا صوراً : الاُولى : وقوع العقد صحيحاً جامعاً للشرائط والعمل على طبقه إلى الآخر ؛ حصل الحاصل أو لم يحصل ؛ لآفة سماوية أو أرضية . الثانية : وقوعه صحيحاً مع ترك الزارع للعمل إلى أن انقضت المدّة ؛ سواء زرع غير ما وقع عليه العقد أو لم يزرع أصلاً . الثالثة(1) : تركه العمل في الأثناء بعد أن زرع اختياراً أو لعذر خاصّ به. الرابعة: تبيّن البطلان من الأوّل. الخامسة: حصول الانفساخ في الأثناء لقطع الماء أو نحوه من الأعذار العامّة . السادسة : حصول الفسخ بالتقايل أو بالخيار في الأثناء ، وقد ظهر حكم الجميع في طيّ المسائل المذكورة كما لا يخفى .

(مسألة 18) : إذا تبيّن بعد عقد المزارعة أنّ الأرض كانت مغصوبة ، فمالكها مخيّر بين الإجازة فتكون الحصّة له ؛ سواء كان بعد المدّة أو قبلها ، في الأثناء أو قبل الشروع بالزرع ، بشرط أن لا يكون هناك قيد أو شرط لم يكن معه محلّ للإجازة ، وبين الردّ ، وحينئذٍ فإن كان قبل الشروع في الزرع فلا إشكال ، وإن كان بعد التمام فله اُجرة المثل لذلك الزرع وهو لصاحب البذر ، وكذا إذا كان في الأثناء ويكون بالنسبة إلى بقيّة المدّة الأمر بيده ، فإمّا يأمر بالإزالة(2) ، وإمّا

ص: 533


1- - هذه الصورة لم تسبق منه على الظاهر ، وإن ظهر حكمها من سائر المسائل .
2- - ويضمن الغاصب الخسارة الواردة على المغصوب منه .

يرضى بأخذ الاُجرة بشرط رضا صاحب البذر ، ثمّ المغرور من المزارع والزارع يرجع فيما خسر على غارّه ، ومع عدم الغرور فلا رجوع ، وإذا تبيّن كون البذر مغصوباً فالزرع لصاحبه وليس عليه اُجرة الأرض ولا اُجرة العمل ، نعم إذا كان التبيّن في الأثناء كان لمالك الأرض الأمر بالإزالة . هذا إذا لم يكن محلّ للإجازة ، كما إذا وقعت المعاملة على البذر الكلّي لا المشخّص في الخارج أو نحو ذلك ، أو كان ولم يجز ، وإن كان له محلّ وأجاز يكون هو الطرف للمزارعة ويأخذ الحصّة التي كانت للغاصب ، وإذا تبيّن كون العامل عبداً غير مأذون فالأمر إلى مولاه ، وإذا تبيّن كون العوامل أو سائر المصارف مغصوبة فالمزارعة صحيحة ولصاحبها اُجرة المثل أو قيمة الأعيان التالفة ، وفي بعض الصور يحتمل جريان الفضولية وإمكان الإجازة كما لا يخفى .

(مسألة 19) : خراج الأرض على صاحبها ، وكذا مال الإجارة إذا كانت مستأجرة ، وكذا ما يصرف في إثبات اليد عند أخذها من السلطان ، وما يؤخذ لتركها في يده ، ولو شرط كونها على العامل بعضاً أو كلاًّ صحّ وإن كانت ربما تزاد وربما تنقص على الأقوى ، فلا يضرّ(1) مثل هذه الجهالة ؛ للأخبار ، وأمّا سائر المؤن كشقّ الأنهار وحفر الآبار وآلات السقي وإصلاح النهر وتنقيته ونصب الأبواب مع الحاجة إليها والدولاب ونحو ذلك ممّا يتكرّر كلّ سنة أو لا يتكرّر فلا بدّ من تعيين كونها على المالك أو العامل ، إلاّ إذا كان هناك عادة ينصرف الإطلاق إليها ، وأمّا ما يأخذه المأمورون من الزارع ظلماً من غير الخراج ، فليس على المالك وإن كان أخذهم ذلك من جهة الأرض .

ص: 534


1- - محلّ إشكال بل منع .

(مسألة 20) : يجوز لكلّ من المالك والزارع أن يخرص على الآخر بعد إدراك الحاصل بمقدار منه بشرط القبول والرضا من الآخر ؛ لجملة من الأخبار هنا وفي الثمار ، فلا يختصّ ذلك بالمزارعة والمساقاة، بل مقتضى الأخبار جوازه في كلّ زرع مشترك أو ثمر مشترك، والأقوى لزومه بعد القبول وإن تبيّن بعد ذلك زيادته أو نقيصته ؛ لبعض تلك الأخبار ، مضافاً إلى العمومات العامّة خلافاً لجماعة ، والظاهر أ نّه معاملة مستقلّة وليست بيعاً ولا صلحاً معاوضياً ، فلا يجري فيها إشكال اتّحاد العوض والمعوّض ، ولا إشكال النهي عن المحاقلة والمزابنة ، ولا إشكال الربا ولو بناءً على ما هو الأقوى من عدم اختصاص حرمته بالبيع وجريانه في مطلق المعاوضات ، مع أنّ حاصل الزرع والشجر قبل الحصاد والجذاذ ليس من المكيل والموزون ، ومع الإغماض عن ذلك كلّه يكفي في صحّتها الأخبار الخاصّة ، فهو نوع من المعاملة عقلائية ثبت بالنصوص ولتسمّ بالتقبّل ، وحصر المعاملات في المعهودات ممنوع ، نعم يمكن(1) أن يقال : إنّها في المعنى راجعة إلى الصلح الغير المعاوضي ، فكأ نّهما يتسالمان على أن يكون حصّة أحدهما من المال المشترك كذا مقداراً والبقيّة للآخر شبه القسمة أو نوع منها ، وعلى ذلك يصحّ إيقاعها بعنوان الصلح على الوجه المذكور مع قطع النظر عن الأخبار أيضاً على الأقوى من اغتفار هذا المقدار من الجهالة فيه ؛ إذا ارتفع الغرر بالخرص المفروض ، وعلى هذا لا يكون من التقبيل والتقبّل . ثمّ إنّ المعاملة المذكورة لا تحتاج إلى صيغة مخصوصة ، بل يكفي كلّ لفظ دال على التقبّل ، بل الأقوى عدم الحاجة إلى الصيغة أصلاً ، فيكفي فيها مجرّد التراضي(2)

ص: 535


1- - لكن الأقوى هو كونه معاملة مستقلّة .
2- - لكن الأحوط عدم الاكتفاء بمجرّده .

كما هو ظاهر الأخبار ، والظاهر اشتراط كون الخرص بعد بلوغ الحاصل(1) وإدراكه ، فلا يجوز قبل ذلك ، والقدر المتيقّن من الأخبار كون المقدار المخروص عليه من حاصل ذلك الزرع ، فلا يصحّ الخرص وجعل المقدار في الذمّة من جنس ذلك الحاصل ، نعم لو أوقع المعاملة بعنوان الصلح على الوجه الذي ذكرنا لا مانع من ذلك فيه ، لكنّه كما عرفت خارج عن هذه المعاملة . ثمّ إنّ المشهور بينهم أنّ قرار هذه المعاملة مشروط بسلامة الحاصل ، فلو تلف بآفة سماوية أو أرضية كان عليهما ولعلّه(2) لأنّ تعيين الحصّة في المقدار المعيّن ليس من باب الكلّي في المعيّن ، بل هي باقية على إشاعتها ، غاية الأمر تعيينها في مقدار معيّن ، مع احتمال أن يكون ذلك من الشرط الضمني بينهما ، والظاهر أنّ المراد من الآفة الأرضية ما كان من غير الإنسان ، ولا يبعد لحوق(3) إتلاف متلف من الإنسان أيضاً به ، وهل يجوز خرص ثالث حصّة أحدهما أو كليهما في مقدار ؟ وجهان ، أقواهما العدم .

(مسألة 21) : بناءً على ما ذكرنا من الاشتراك من أوّل الأمر في الزرع يجب على كلّ منهما الزكاة إذا كان نصيب كلّ منهما بحدّ النصاب ، وعلى من بلغ نصيبه إن بلغ نصيب أحدهما ، وكذا إن اشترطا الاشتراك حين ظهور الثمر ؛ لأنّ تعلّق الزكاة بعد صدق الاسم ، وبمجرّد الظهور لا يصدق ، وإن اشترطا الاشتراك بعد صدق الاسم أو حين الحصاد والتصفية ، فهي على صاحب البذر منهما ؛ لأنّ المفروض أنّ الزرع والحاصل له إلى ذلك الوقت ، فتتعلّق الزكاة في ملكه .

ص: 536


1- - على الأحوط .
2- - هذا التعليل غير وجيه .
3- - غير معلوم ، بل لا يبعد بقاء المعاملة .

(مسألة 22) : إذا بقي في الأرض أصل الزرع بعد انقضاء المدّة والقسمة ، فنبت بعد ذلك في العام الآتي ، فإن كان البذر لهما فهو لهما ، وإن كان لأحدهما فله ، إلاّ مع الإعراض ، وحينئذٍ فهو لمن سبق ، ويحتمل(1) أن يكون لهما مع عدم الإعراض مطلقاً ؛ لأنّ المفروض شركتهما في الزرع ، وأصله وإن كان البذر لأحدهما أو لثالث وهو الأقوى ، وكذا إذا بقي في الأرض بعض الحبّ فنبت فإنّه مشترك بينهما مع عدم الإعراض ، نعم لو كان الباقي حبّاً مختصّاً بأحدهما اختصّ به(2) ، ثمّ لا يستحقّ صاحب الأرض اُجرة لذلك الزرع النابت على الزارع في صورة الاشتراك أو الاختصاص به وإن انتفع بها ؛ إذ لم يكن ذلك من فعله ولا من معاملة واقعة بينهما .

(مسألة 23) : لو اختلفا في المدّة وأ نّها سنة أو سنتان مثلاً ، فالقول قول منكر الزيادة ، وكذا لو قال أحدهما : إنّها ستّة أشهر ، والآخر قال : إنّها ثمانية أشهر ، نعم لو ادّعى المالك(3) مدّة قليلة لا تكفي لبلوغ الحاصل ولو نادراً ففي تقديم قوله إشكال ، ولو اختلفا في الحصّة قلّة وكثرة فالقول قول صاحب البذر المدّعي للقلّة ، هذا إذا كان نزاعهما في زيادة المدّة أو الحصّة وعدمها ،

وأمّا لو اختلفا في تشخيص ما وقع عليه العقد وأ نّه وقع على كذا أو كذا ،

ص: 537


1- - الميزان في كون الحاصل في العام الآتي لهما كون أصل الزرع لهما ، كان البذر لهما أو لأحدهما ، وهو مقتضى إطلاق المزارعة كما مرّ .
2- - ولصاحب الأرض قلعه ومطالبة الاُجرة لو أراد الطرف بقاءه وكان الزرع له .
3- - لا اختصاص بالمالك في الإشكال المذكور ، بل لا يبعد تقديم قول مدّعي الكثرة إذا كانت دعوى مدّعي القلّة في الفرض راجعة إلى دعوى المزارعة الفاسدة .

فالظاهر التحالف(1) وإن كان خلاف إطلاق كلماتهم ، فإن حلفا أو نكلا فالمرجع أصالة عدم الزيادة .

(مسألة 24) : لو اختلفا في اشتراط كون البذر أو العمل أو العوامل على أيّهما ، فالمرجع التحالف(2) ، ومع حلفهما أو نكولهما تنفسخ المعاملة(3) .

(مسألة 25) : لو اختلفا في الإعارة والمزارعة ، فادّعى الزارع : أنّ المالك أعطاه الأرض عارية للزراعة ، والمالك ادّعى المزارعة ، فالمرجع التحالف(4) أيضاً ، ومع حلفهما أو نكولهما تثبت اُجرة المثل(5) للأرض ، فإن كان بعد البلوغ فلا إشكال ، وإن كان في الأثناء فالظاهر جواز الرجوع للمالك ، وفي وجوب إبقاء الزرع إلى البلوغ عليه مع الاُجرة إن أراد الزارع ، وعدمه وجواز أمره بالإزالة وجهان ، وإن كان النزاع قبل نثر الحبّ فالظاهر الانفساخ بعد حلفهما أو نكولهما .

(مسألة 26) : لو ادّعى المالك الغصب ، والزارع ادّعى المزارعة ، فالقول

ص: 538


1- - هذا الكلام يأتي في جميع موارد الاختلاف في العقود التي مرجعها إلى الزيادة والنقيصة ، فمع كون محطّ الدعوى كيفية وقوع العقد يقع الكلام في أنّ الميزان في تشخيص المدّعي والمنكر هل هو محطّ الدعوى في مثل المقام أو مرجعها ؟ فإن قلنا بالأوّل يكون من التحالف ، وإن قلنا بالثاني يكون من الحلف والإحلاف ، والمسألة بعد تحتاج إلى زيادة تأمّل ، ولعلّ الموارد مختلفة ، ولا يبعد في مثل المقام ترجيح الثاني .
2- - إذا كان النزاع قبل العمل في العامل والعوامل .
3- - لا يبعد بقاء المعاملة والرجوع فيما اختلفا فيه بالقرعة أو التنصيف ، والقرعة أوفق .
4- - يأتي فيه الكلام السابق .
5- - مع عدم كون حصّة المالك أقلّ من اُجرة المثل .

قول المالك(1) مع يمينه على نفي المزارعة .

(مسألة 27) : في الموارد التي للمالك قلع زرع الزارع ، هل يجوز له ذلك بعد تعلّق الزكاة وقبل البلوغ ، قد يقال بعدم الجواز إلاّ أن يضمن حصّتها للفقراء ؛ لأ نّه ضرر عليهم ، والأقوى الجواز ، وحقّ الفقراء يتعلّق بذلك الموجود وإن لم يكن بالغاً .

(مسألة 28) : يستفاد من جملة من الأخبار : أ نّه يجوز لمن بيده الأرض الخراجية أن يسلّمها إلى غيره ليزرع لنفسه ويؤدّي خراجها عنه ، ولا بأس به .

مسائل متفرّقة

الاُولى : إذا قصّر العامل في تربية الزرع فقلّ الحاصل ، فالظاهر(2) ضمانه التفاوت بحسب تخمين أهل الخبرة ، كما صرّح به المحقّق القمّي قدّس سرّه في أجوبة مسائله .

الثانية : إذا ادّعى المالك على العامل عدم العمل بما اشترط في ضمن عقد المزارعة من بعض الشروط ، أو ادّعى عليه تقصيره في العمل على وجه يضرّ بالزرع وأنكر الزارع عدم العمل بالشرط أو التقصير فيه، فالقول قوله؛ لأ نّه مؤتمن في عمله ، وكذا لو ادّعى عليه التقصير في حفظ الحاصل بعد ظهوره وأنكر .

الثالثة : لو ادّعى أحدهما على الآخر شرطاً متعلّقاً بالزرع ، وأنكر أصل الاشتراط ، فالقول قول المنكر .

ص: 539


1- - لا بمعنى ثبوت عنوان الغصب وترتّب آثاره ، بل بمعنى الحكم بعدم المزارعة بعد الحلف .
2- - محلّ إشكال وإن كان عدم الضمان أشبه .

الرابعة : لو ادّعى أحدهما على الآخر الغبن في المعاملة ، فعليه إثباته ، وبعده له الفسخ .

الخامسة : إذا زارع المتولّي للوقف ، الأرض الموقوفة بملاحظة مصلحة البطون إلى مدّة ، لزم ولا تبطل بالموت ، وأمّا إذا زارع البطن المتقدّم من الموقوف عليهم الأرض الموقوفة ، ثمّ مات في الأثناء قبل انقضاء المدّة فالظاهر بطلانها من ذلك الحين ؛ لانتقال الأرض إلى البطن اللاحق ، كما أنّ الأمر كذلك في إجارته لها ، لكن استشكل فيه المحقّق القمّي قدّس سرّه ؛ بأنّ عقد المزارعة لازمة ولا تنفسخ إلاّ بالتقايل أو ببعض الوجوه التي ذكروها ، ولم يذكروا في تعدادها هذه الصورة ، مع أ نّهم ذكروا في الإجارة بطلانها إذا آجر البطن المتقدّم ثمّ مات في أثناء المدّة ثمّ استشعر عدم الفرق بينهما بحسب القاعدة ، فالتجأ إلى أنّ الإجارة أيضاً لا تبطل بموت البطن السابق في أثناء المدّة وإن كان البطن اللاحق يتلقّى الملك من الواقف لا من السابق وأنّ ملكية السابق كانت إلى حين موته ، بدعوى : أ نّه إذا آجر مدّة لا تزيد على عمره الطبيعي ومقتضى الاستصحاب بقاؤه بمقداره ، فكما أ نّها في الظاهر محكومة بالصحّة كذلك عند الشارع وفي الواقع ، فبموت السابق ينتقل ما قرّره من الاُجرة إلى اللاحق لا الأرض بمنفعتها إلى آخر ما ذكره من النقض والإبرام وفيه ما لا يخفى ، ولا ينبغي الإشكال في البطلان بموته في المقامين .

السادسة : يجوز مزارعة الكافر مزارعاً كان أو زارعاً .

السابعة : في جملة من الأخبار النهي عن جعل ثلث للبذر وثلث للبقر وثلث

ص: 540

لصاحب الأرض ، وأ نّه لا ينبغي أن يسمّي بذراً ولا بقراً فإنّما يحرّم الكلام ، والظاهر كراهته وعن ابن الجنيد وابن البرّاج حرمته فالأحوط(1) الترك .

الثامنة : بعد تحقّق المزارعة على الوجه الشرعي يجوز لأحدهما بعد ظهور الحاصل أن يصالح الآخر عن حصّته بمقدار معيّن ؛ من جنسه أو غيره ، بعد التخمين بحسب المتعارف ، بل لا بأس به قبل ظهوره(2) أيضاً ، كما أنّ الظاهر جواز مصالحة أحدهما مع الآخر عن حصّته في هذه القطعة من الأرض بحصّة الآخر في الاُخرى ، بل الظاهر جواز تقسيمهما بجعل إحدى القطعتين لأحدهما والاُخرى للآخر ؛ إذ القدر المسلّم لزوم جعل الحصّة مشاعة من أوّل الأمر وفي أصل العقد .

التاسعة : لا يجب في المزارعة على أرض إمكان زرعها من أوّل الأمر وفي السنة الاُولى ، بل يجوز المزارعة على أرض بائرة لا يمكن زرعها إلاّ بعد إصلاحها وتعميرها سنة أو أزيد ، وعلى هذا إذا كانت أرض موقوفة وقفاً عامّاً أو خاصّاً وصارت بائرة ، يجوز للمتولّي أن يسلّمها إلى شخص بعنوان المزارعة إلى عشر سنين أو أقلّ أو أزيد حسب ما تقتضيه المصلحة على أن يعمّرها ويزرعها إلى سنتين - مثلاً - لنفسه ، ثمّ يكون الحاصل مشتركاً بالإشاعة بحصّة معيّنة .

العاشرة : يستحبّ للزارع كما في الأخبار الدعاء عند نثر الحبّ ؛ بأن يقول : «اللهمّ قد بذرنا وأنت الزارع واجعله حبّاً متراكماً» وفي بعض الأخبار : «إذا

ص: 541


1- - لا يترك وإن كان ما في المتن أقرب .
2- - فيه إشكال .

أردت أن تزرع زرعاً فخذ قبضة من البذر واستقبل القبلة وقل : (أَفَرَأيْتُم مَا تَحْرُثُونَ * ءَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحنُ الزَّارِعُونَ)ثلاث مرّات ثمّ تقول : بل اللّه الزارع ، ثلاث مرّات ، ثمّ قل : اللهمّ اجعله حبّاً مباركاً وارزقنا فيه السلامة ، ثمّ انثر القبضة التي في يدك في القراح» وفي خبر آخر : «لمّا هبط آدم علیه السلام إلى الأرض احتاج إلى الطعام والشراب فشكى ذلك إلى جبرئيل فقال له جبرئيل : يا آدم كن حرّاثاً ، فقال علیه السلام : فعلّمني دعاءً قال : قل : اللهمّ اكفني مؤونة الدنيا وكلّ هول دون الجنّة وألبسني العافية حتّى تهنئني المعيشة» .

ص: 542

كتاب المساقاة

اشارة

وهي معاملة على اُصول ثابتة بحصّة من ثمرها ، ولا إشكال في مشروعيتها في الجملة ، ويدلّ عليها مضافاً إلى العمومات خبر يعقوب بن شعيب عن أبي عبداللّه علیه السلام : سألته عن الرجل يعطي الرجل أرضه وفيها رمّان أو نخل أو فاكهة ويقول : اسق هذا من الماء واعمره ولك نصف ما أخرج ، قال علیه السلام : «لا بأس» وجملة من أخبار خيبر : منها : صحيح الحلبي قال: أخبرني أبو عبداللّه علیه السلام : «أنّ أباه حدّثه أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أعطى خيبراً بالنصف أرضها ونخلها فلمّا أدركت الثمرة بعث عبداللّه بن رواحة . . . » إلى آخره ، هذا مع أ نّها من المعاملات العقلائية ولم يرد نهي عنها ولا غرر فيها(1) حتّى يشملها النهي عن الغرر .

ويشترط فيها اُمور :

الأوّل : الإيجاب والقبول ، ويكفي فيها كلّ لفظ دالّ على المعنى المذكور ماضياً كان أو مضارعاً أو أمراً ، بل الجملة الاسمية مع قصد الإنشاء ، بأيّ لغة كانت ، ويكفي القبول الفعلي بعد الإيجاب القولي كما أ نّه يكفي المعاطاة .

الثاني : البلوغ والعقل والاختيار .

ص: 543


1- - هذه المعاملة صحيحة ؛ غررية كانت أو لا .

الثالث : عدم الحجر لسفه أو فلس(1) .

الرابع : كون الاُصول مملوكة عيناً ومنفعة ، أو منفعة فقط ، أو كونه نافذ التصرّف فيها لولاية أو وكالة أو تولية .

الخامس : كونها معيّنة عندهما معلومة لديهما .

السادس : كونها ثابتة مغروسة ، فلا تصحّ في الوديّ ؛ أي الفسيل قبل الغرس .

السابع : تعيين المدّة بالأشهر والسنين ، وكونها بمقدار يبلغ فيه الثمر غالباً ، نعم لا يبعد جوازها في العام الواحد(2) إلى بلوغ الثمر من غير ذكر الأشهر ؛ لأ نّه معلوم بحسب التخمين ويكفي ذلك في رفع الغرر ، مع أ نّه الظاهر من رواية يعقوب بن شعيب المتقدّمة .

الثامن : أن يكون قبل ظهور الثمر أو بعده وقبل البلوغ بحيث كان يحتاج بعد إلى سقي أو عمل آخر ، وأمّا إذا لم يكن كذلك ففي صحّتها إشكال وإن كان محتاجاً إلى حفظ أو قطوف أو نحو ذلك .

التاسع : أن يكون الحصّة معيّنة مشاعة ، فلا تصحّ مع عدم تعيينها إذا لم يكن هناك انصراف ، كما لا تصحّ إذا لم تكن مشاعة بأن يجعل لأحدهما مقداراً معيّناً والبقيّة للآخر ، نعم لا يبعد(3) جواز أن يجعل لأحدهما أشجاراً معلومة وللآخر اُخرى ، بل وكذا لو اشترط اختصاص أحدهما بأشجار معلومة والاشتراك في البقيّة ، أو اشترط لأحدهما مقدار معيّن مع الاشتراك في البقيّة إذا علم كون الثمر

ص: 544


1- - لا يعتبر في العامل ذلك .
2- - مع معلومية مبدأ الشروع في السقي أو العمل .
3- - اختصاص أحدهما بأشجار معلومة والآخر باُخرى بلا اشتراك في شيء منها كما هو ظاهر المتن غير صحيح ، نعم لا يبعد الصحّة مع الاشتراك كما في الفرعين التاليين .

أزيد من ذلك المقدار وأنّه تبقى بقيّة .

العاشر : تعيين ما على المالك من الاُمور وما على العامل من الأعمال ؛ إذا لم يكن هناك انصراف .

(مسألة 1) : لا إشكال في صحّة المساقاة قبل ظهور الثمر ، كما لا خلاف في عدم صحّتها بعد البلوغ والإدراك بحيث لا يحتاج إلى عمل غير الحفظ والاقتطاف ، واختلفوا في صحّتها إذا كان بعد الظهور قبل البلوغ ، والأقوى كما أشرنا إليه صحّتها ؛ سواء كان العمل ممّا يوجب الاستزادة أو لا(1) ، خصوصاً إذا كان في جملتها بعض الأشجار التي بعد لم يظهر ثمرها .

(مسألة 2) : الأقوى جواز المساقاة على الأشجار التي لا ثمر لها وإنّما ينتفع بورقها(2) كالتوت والحنّاء ونحوهما .

(مسألة 3) : لا يجوز(3) عندهم المساقاة على اُصول غير ثابتة كالبطّيخ والباذنجان والقطن وقصب السكّر ونحوها وإن تعدّدت اللقطات فيها كالأوّلين ، ولكن لا يبعد الجواز للعمومات وإن لم يكن من المساقاة المصطلحة ، بل لا يبعد الجواز في مطلق الزرع كذلك ، فإنّ مقتضى العمومات الصحّة بعد كونه من المعاملات العقلائية ولا يكون من المعاملات الغررية عندهم ، غاية الأمر أ نّها ليست من المساقاة المصطلحة .

ص: 545


1- - مع عدم الاحتياج إلى السقي ولا إلى عمل تستزاد به فالأقرب البطلان ، إلاّ إذا كانت الأشجار مختلطة بعضها يحتاج وبعضها يستغني .
2- - أو وردها .
3- - وهو الأقوى ، كما أنّ الأقوى عدم الجواز في مطلق الزرع أيضاً .

(مسألة 4) : لا بأس بالمعاملة على أشجار لا تحتاج إلى السقي لاستغنائها بماء السماء أو لمصّ اُصولها من رطوبات الأرض وإن احتاجت إلى أعمال اُخر(1) ، ولا يضرّ عدم صدق المساقاة حينئذٍ ، فإنّ هذه اللفظة لم يرد في خبر من الأخبار وإنّما هي من اصطلاح العلماء ، وهذا التعبير منهم مبنيّ على الغالب ، ولذا قلنا بالصحّة إذا كانت المعاملة بعد ظهور الثمر واستغنائها من السقي ، وإن ضويق نقول بصحّتها وإن لم تكن من المساقاة المصطلحة .

(مسألة 5) : يجوز المساقاة على فسلان مغروسة وإن لم تكن مثمرة إلاّ بعد سنين ، بشرط تعيين مدّة تصير مثمرة فيها ولو بعد خمس(2) سنين أو أزيد .

(مسألة 6) : قد مرّ أ نّه لا تصحّ المساقاة على وديّ غير مغروس ، لكن الظاهر جواز إدخاله في المعاملة على الأشجار المغروسة ؛ بأن يشترط على العامل غرسه في البستان المشتمل على النخيل والأشجار ودخوله في المعاملة بعد أن يصير مثمراً ، بل مقتضى العمومات صحّة(3) المعاملة على الفسلان الغير المغروسة إلى مدّة تصير مثمرة وإن لم تكن من المساقاة المصطلحة .

(مسألة 7) : المساقاة لازمة لا تبطل إلاّ بالتقايل ، أو الفسخ بخيار الشرط ، أو تخلّف بعض الشروط ، أو بعروض مانع عامّ موجب للبطلان ، أو نحو ذلك .

(مسألة 8) : لا تبطل بموت أحد الطرفين فمع موت المالك ينتقل الأمر إلى وارثه ، ومع موت العامل يقوم مقامه وارثه ، لكن لا يجبر على العمل ، فإن اختار

ص: 546


1- - موجبة لاستزادة الثمرة كمّية أو كيفية ، وفي غير هذه الصورة محلّ إشكال .
2- - مع جعل المدّة طويلة غير متعارفة إشكال .
3- - محلّ إشكال .

العمل بنفسه أو بالاستئجار فله ، وإلاّ فيستأجر الحاكم من تركته من يباشره إلى بلوغ الثمر ثمّ يقسّم بينه وبين المالك ، نعم لو كانت المساقاة مقيّدة بمباشرة العامل تبطل بموته ، ولو اشترط عليه المباشرة لا بنحو التقييد فالمالك مخيّر بين الفسخ لتخلّف الشرط ، وإسقاط حقّ الشرط والرضا باستئجار من يباشر .

(مسألة 9) : ذكروا : أنّ مع إطلاق عقد المساقاة جملة من الأعمال على العامل وجملة منها على المالك ، وضابط الاُولى : ما يتكرّر كلّ سنة ، وضابط الثانية : ما لا يتكرّر نوعاً وإن عرض له التكرّر في بعض الأحوال ، فمن الأوّل : إصلاح الأرض بالحفر فيما يحتاج إليه ، وما يتوقّف عليه من الآلات ، وتنقية الأنهار ، والسقي ومقدّماته كالدلو والرشا وإصلاح طريق الماء واستقائه إذا كان السقي من بئر أو نحوه ، وإزالة الحشيش المضرّة ، وتهذيب جرائد النخل والكرم ، والتلقيح واللقاط والتشميس ، وإصلاح موضعه ، وحفظ الثمرة إلى وقت القسمة ، ومن الثاني : حفر الآبار والأنهار وبناء الحائط والدولاب والدالية ونحو ذلك ممّا لا يتكرّر نوعاً ، واختلفوا في بعض الاُمور أ نّه على المالك أو العامل مثل البقر الذي يدير الدولاب ، والكشّ للتلقيح ، وبناء الثلّم ، ووضع الشوك على الجدران وغير ذلك ، ولا دليل على شيء من الضابطين ، فالأقوى أ نّه إن كان هناك انصراف في كون شيء على العامل أو المالك فهو المتّبع ، وإلاّ فلا بدّ من ذكر ما يكون على كلّ منهما رفعاً للغرر ، ومع الإطلاق وعدم الغرر يكون عليهما معاً ؛ لأنّ المال مشترك بينهما ، فيكون ما يتوقّف عليه تحصيله عليهما .

(مسألة 10) : لو اشترطا كون جميع الأعمال على المالك ، فلا خلاف بينهم في البطلان ؛ لأ نّه خلاف وضع المساقاة ، نعم لو أبقى العامل شيئاً من العمل عليه

ص: 547

واشترط كون الباقي على المالك ، فإن كان ممّا يوجب زيادة الثمر فلا إشكال في صحّته ؛ وإن قيل بالمنع من جواز جعل العمل على المالك ولو بعضاً منه ، وإلاّ كما في الحفظ ونحوه ففي صحّته قولان ؛ أقواهما الأوّل(1) ، وكذا الكلام إذا كان إيقاع عقد المساقاة بعد بلوغ الثمر وعدم بقاء عمل إلاّ مثل الحفظ ونحوه ؛ وإن كان الظاهر في هذه الصورة عدم الخلاف في بطلانه كما مرّ .

(مسألة 11) : إذا خالف العامل فترك ما اشترط عليه من بعض الأعمال ، فإن لم يفت وقته فللمالك إجباره على العمل ، وإن لم يمكن فله الفسخ ، وإن فات وقته فله الفسخ بخيار تخلّف الشرط ، وهل له أن لا يفسخ ويطالبه باُجرة العمل بالنسبة إلى حصّته ؛ بمعنى أن يكون مخيّراً بين الفسخ وبين المطالبة بالاُجرة ؟ وجهان ، بل قولان ؛ أقواهما ذلك(2) ، ودعوى : أنّ الشرط لا يفيد تمليك العمل المشروط لمن له على وجه يكون من أمواله ، بل أقصاه التزام من عليه الشرط بالعمل وإجباره عليه والتسلّط على الخيار بعدم الوفاء به ، مدفوعة بالمنع من عدم إفادته التمليك ، وكونه قيداً في المعاملة لا جزءاً من العوض يقابل بالمال لا ينافي إفادته لملكية من له الشرط إذا كان عملاً من الأعمال على من عليه ، والمسألة سيّالة في سائر العقود ، فلو شرط في عقد البيع على المشتري - مثلاً - خياطة ثوب في وقت معيّن وفات الوقت ، فللبائع الفسخ ، أو المطالبة باُجرة الخياطة وهكذا .

(مسألة 12) : لو شرط العامل على المالك أن يعمل غلامه معه صحّ ، أمّا لو

ص: 548


1- - بل الأقرب الثاني ، وكذا في الفرع التالي .
2- - محلّ إشكال في المقام ، ولا يبعد أن تكون الشروط مختلفة ، والتفصيل لا يسعه المقام .

شرط أن يكون تمام العمل على غلام المالك فهو كما لو شرط أن يكون تمام العمل على المالك ، وقد مرّ عدم الخلاف في بطلانه ؛ لمنافاته لمقتضى وضع المساقاة ، ولو شرط العامل على المالك أن يعمل غلامه في البستان الخاصّ بالعامل ، فلا ينبغي الإشكال في صحّته ، وإن كان ربما يقال بالبطلان بدعوى : أنّ عمل الغلام في قبال عمل العامل فكأ نّه صار مساقياً بلا عمل منه ، ولا يخفى ما فيها ، ولو شرطا أن يعمل غلام المالك للعامل تمام عمل المساقاة ؛ بأن يكون عمله له بحيث يكون كأ نّه هو العامل ففي صحّته وجهان ، لا يبعد(1) الأوّل ؛ لأنّ الغلام حينئذٍ كأ نّه نائب عنه في العمل بإذن المالك وإن كان لا يخلو عن إشكال مع ذلك ، ولازم القول بالصحّة الصحّة في صورة اشتراط تمام العمل على المالك بعنوان النيابة عن العامل .

(مسألة 13) : لا يشترط أن يكون العامل في المساقاة مباشراً للعمل بنفسه ، فيجوز له أن يستأجر في بعض أعمالها أو في تمامها ويكون عليه الاُجرة ، ويجوز أن يشترط كون اُجرة بعض الأعمال على المالك ، والقول بالمنع لا وجه له ، وكذا يجوز أن يشترط كون الاُجرة عليهما معاً في ذمّتهما أو الأداء من الثمر ، وأمّا لو شرط على المالك أن يكون اُجرة تمام الأعمال عليه أو في الثمر ففي صحّته وجهان : أحدهما : الجواز ؛ لأنّ التصدّي لاستعمال الاُجراء نوع من العمل ، وقد تدعو الحاجة إلى من يباشر ذلك ؛ لمعرفته بالآحاد من الناس وأمانتهم وعدمها ، والمالك ليس له معرفة بذلك . والثاني(2) : المنع ؛ لأنّه خلاف

ص: 549


1- - لا إشكال في بطلانه كبطلانه في الفرع التالي .
2- - وهو الأقوى .

وضع المساقاة ، والأقوى الأوّل . هذا ، ولو شرطا كون الاُجرة حصّة مشاعة من الثمر بطل ؛ للجهل بمقدار مال الإجارة ، فهي باطلة .

(مسألة 14) : إذا شرطا انفراد أحدهما بالثمر بطل العقد ، وكان جميعه للمالك ، وحينئذٍ فإن شرطا انفراد العامل به استحقّ(1) اُجرة المثل لعمله ، وإن شرطا انفراد المالك به لم يستحقّ العامل شيئاً ؛ لأ نّه حينئذٍ متبرّع بعمله .

(مسألة 15) : إذا اشتمل البستان على أنواع كالنخل والكرم والرمّان ونحوها من أنواع الفواكه ، فالظاهر عدم اعتبار العلم بمقدار كلّ واحد ، فيجوز المساقاة عليها بالنصف أو الثلث أو نحوهما وإن لم يعلم عدد كلّ نوع إلاّ إذا كان الجهل بها موجباً للغرر .

(مسألة 16) : يجوز أن يفرد كلّ نوع بحصّة مخالفة للحصّة من النوع الآخر ، كأن يجعل النخل بالنصف والكرم بالثلث والرمّان بالربع - مثلاً - وهكذا ، واشترط بعضهم في هذه الصورة العلم بمقدار كلّ نوع ، ولكن الفرق بين هذه وصورة اتّحاد الحصّة في الجميع غير واضح ، والأقوى الصحّة مع عدم الغرر في الموضعين والبطلان معه فيهما .

(مسألة 17) : لو ساقاه بالنصف - مثلاً - إن سقى بالناضح ، وبالثلث إن سقى بالسيح ففي صحّته قولان ، أقواهما الصحّة(2) ؛ لعدم إضرار مثل هذه الجهالة ؛ لعدم إيجابها الغرر مع أنّ بنائها على تحمّله ، خصوصاً على القول

ص: 550


1- - مع كون الثمرة بحسب المتعارف بمقدار اُجرة المثل أو أكثر ، ومع الأقلّية لا يستحقّ الزيادة .
2- - محلّ إشكال ، وقد مرّ الحكم بالبطلان في الإجارة بالنحو المذكور .

بصحّة مثله في الإجارة ، كما إذا قال : إن خطت رومياً فبدرهمين وإن خطت فارسياً فبدرهم .

(مسألة 18) : يجوز أن يشترط أحدهما على الآخر شيئاً من ذهب أو فضّة أو غيرهما مضافاً إلى الحصّة من الفائدة ، والمشهور كراهة اشتراط المالك على العامل شيئاً من ذهب أو فضّة ، ومستندهم في الكراهة غير واضح ، كما أ نّه لم يتّضح اختصاص الكراهة بهذه الصورة أو جريانها بالعكس أيضاً ، وكذا اختصاصها بالذهب والفضّة أو جريانها في مطلق الضميمة ، والأمر سهل .

(مسألة 19) : في صورة اشتراط شيء من الذهب والفضّة أو غيرهما على أحدهما إذا تلف بعض الثمرة هل ينقص منهما شيء أو لا ؟ وجهان ، أقواهما العدم فليس قرارهما مشروطاً بالسلامة ، نعم لو تلف الثمرة بجميعها أو لم تخرج أصلاً ، ففي سقوط الضميمة وعدمه أقوال : ثالثها : الفرق بين ما إذا كانت للمالك على العامل فتسقط ، وبين العكس فلا تسقط . رابعها(1) : الفرق بين صورة عدم الخروج أصلاً فتسقط ، وصورة التلف فلا ، والأقوى عدم السقوط مطلقاً ؛ لكونه شرطاً في عقد لازم ، فيجب الوفاء به ، ودعوى : أنّ عدم الخروج أو التلف كاشف عن عدم صحّة المعاملة من الأوّل ؛ لعدم ما يكون مقابلاً للعمل ؛ أمّا في صورة كون الضميمة للمالك فواضح ، وأمّا مع كونها للعامل ، فلأنّ الفائدة ركن في المساقاة فمع عدمها لا يكون شيء في مقابل العمل والضميمة المشروطة لا تكفي في العوضية فتكون المعاملة باطلة من الأوّل ومعه لا يبقى وجوب الوفاء بالشرط ، مدفوعة - مضافاً إلى عدم تماميته بالنسبة إلى صورة التلف

ص: 551


1- - هذا لا يخلو من قوّة ، والأحوط التخلّص بالتصالح .

لحصول العوض بظهور الثمرة وملكيتها وإن تلف بعد ذلك - بأنّا نمنع(1) كون المساقاة معاوضة بين حصّة من الفائدة والعمل ، بل حقيقتها تسليط من المالك للعامل على الاُصول للاستنماء له وللمالك ، ويكفيه احتمال الثمر وكونها في معرض ذلك ، ولذا لا يستحقّ العامل اُجرة عمله إذا لم يخرج أو خرج وتلف بآفة سماوية أو أرضية في غير صورة ضمّ الضميمة ، بدعوى الكشف عن بطلانها من الأوّل واحترام عمل المسلم ، فهي نظير المضاربة ؛ حيث إنّها أيضاً تسليط على الدرهم أو الدينار للاسترباح له وللعامل ، وكونها جائزة دون المساقاة لا يكفي في الفرق ، كما أنّ ما ذكره في «الجواهر» من الفرق بينهما ؛ بأنّ في المساقاة يقصد المعاوضة بخلاف المضاربة التي يراد منها الحصّة من الربح الذي قد يحصل وقد لا يحصل وأمّا المساقاة فيعتبر فيها الطمأنينة بحصول الثمرة ولا يكفي احتمال مجرّد ، دعوى لا بيّنة لها ، ودعوى : أنّ من المعلوم أنّه لو علم من أوّل الأمر عدم خروج الثمر لا يصحّ المساقاة ، ولازمه البطلان إذا لم يعلم ذلك ثمّ انكشف بعد ذلك ، مدفوعة ؛ بأنّ الوجه في عدم الصحّة كون المعاملة سفهية مع العلم بعدم الخروج من الأوّل بخلاف المفروض ، فالأقوى ما ذكرنا من الصحّة ولزوم الوفاء بالشرط ، وهو تسليم الضميمة وإن لم يخرج شيء أو تلف بالآفة ، نعم لو تبيّن عدم قابلية الاُصول للثمر إمّا ليبسها أو لطول عمرها أو نحو ذلك ، كشف عن بطلان المعاملة من الأوّل ، ومعه

ص: 552


1- - الظاهر كون حقيقتها عرفاً وشرعاً هي العمل بإزاء الحصّة المجعولة، كما يشعر بذلك بل يدلّ عليه قوله فيصحيحة ابن شعيب: ويقول: اسق هذا من الماء واعمره ولك نصف ما أخرجه اللّه منه ، قال : «لا بأس» وكأنّ اعتبارها غير اعتبار المضاربة ، بل المزارعة .

يمكن استحقاق العامل للاُجرة إذا كان جاهلاً بالحال(1) .

(مسألة 20) : لو جعل المالك للعامل مع الحصّة من الفائدة ملك حصّة من الاُصول - مشاعاً أو مفروزاً - ففي صحّته مطلقاً ، أو عدمها كذلك ، أو التفصيل بين أن يكون ذلك بنحو الشرط فيصحّ ، أو على وجه الجزئية فلا ، أقوال ، والأقوى الأوّل(2) ؛ للعمومات ، ودعوى : أنّ ذلك على خلاف وضع المساقاة ، كما ترى ، كدعوى : أنّ مقتضاها أن يكون العمل في ملك المالك ؛ إذ هو أوّل الدعوى ، والقول بأ نّه لا يعقل أن يشترط عليه العمل في ملك نفسه ، فيه : أ نّه لا مانع منه إذا كان للشارط فيه غرض أو فائدة كما في المقام ؛ حيث إنّ تلك الاُصول وإن لم تكن للمالك الشارط ، إلاّ أنّ عمل العامل فيها ينفعه في حصول حصّة من نمائها ، ودعوى : أ نّه إذا كانت تلك الاُصول للعامل بمقتضى الشرط فاللازم تبعية نمائها لها ، مدفوعة ؛ بمنعها بعد أن كان المشروط له الأصل فقط في عرض تملّك حصّة من نماء الجميع ، نعم لو اشترط كونها له على وجه يكون نماؤها له بتمامه كان كذلك ، لكن عليه تكون تلك الاُصول بمنزلة المستثنى من العمل ، فيكون العمل فيما عداها ممّا هو للمالك بإزاء الحصّة من نمائه مع نفس تلك الاُصول .

(مسألة 21) : إذا تبيّن في أثناء المدّة عدم خروج الثمر أصلاً ، هل يجب على العامل إتمام السقي ؟ قولان ؛ أقواهما العدم .

(مسألة 22) : يجوز أن يستأجر المالك أجيراً للعمل مع تعيينه نوعاً ومقداراً بحصّة من الثمرة أو بتمامها بعد الظهور وبدوّ الصلاح ، بل وكذا قبل

ص: 553


1- - الجهل بالحال لا يوجب عدم الاستحقاق ، كما مرّ نظيره في الإجارة وغيرها .
2- - الأحوط أن يجعل على نحو الشرط وإن كان الأقوى ما في المتن .

البدوّ ، بل قبل الظهور(1) أيضاً ؛ إذا كان مع الضميمة الموجودة أو عامين ، وأمّا قبل الظهور عاماً واحداً بلا ضميمة فالظاهر عدم جوازه ، لا لعدم معقولية تمليك ما ليس بموجود ؛ لأ نّا نمنع عدم المعقولية بعد اعتبار العقلاء وجوده لوجوده المستقبلي - ولذا يصحّ مع الضميمة أو عامين حيث إنّهم اتّفقوا عليه في بيع الثمار وصرّح به جماعة هاهنا - بل لظهور اتّفاقهم على عدم الجواز ، كما هو كذلك في بيع الثمار ، ووجه المنع هناك خصوص الأخبار الدالّة عليه ، وظاهرها أنّ وجه المنع الغرر لا عدم معقولية تعلّق الملكية بالمعدوم ، ولو لا ظهور الإجماع في المقام لقلنا بالجواز مع الاطمئنان بالخروج بعد ذلك ، كما يجوز بيع ما في الذمّة مع عدم كون العين موجوداً فعلاً عند ذيها ، بل وإن لم يكن في الخارج أصلاً ، والحاصل : أنّ الوجود الاعتباري يكفي في صحّة تعلّق الملكية ، فكأنّ العين موجودة في عهدة الشجر ، كما أ نّها موجودة في عهدة الشخص .

(مسألة 23) : كلّ موضع بطل فيه عقد المساقاة يكون الثمر للمالك وللعامل اُجرة المثل لعمله ، إلاّ إذا كان عالماً(2) بالبطلان ومع ذلك أقدم على العمل ، أو كان الفساد لأجل اشتراط كون جميع الفائدة للمالك ؛ حيث إنّه بمنزلة المتبرّع

ص: 554


1- - البطلان أشبه قبل الظهور ولو مع القيدين ، وأمّا مع الظهور قبل البدوّ ، فلا يبعد صحّته مع اشتراط القطع أو شرط بقائه مدّة معلومة .
2- - العلم بالفساد شرعاً لا يوجب سقوط الاُجرة ، نعم لو كان الفساد مستنداً إلى اشتراط جميع الثمرة للمالك يتّجه عدم الاستحقاق ؛ كان عالماً بالفساد أو لا ، واستحقاق اُجرة المثل إنّما هو فيما إذا كانت حصّته بحسب التعارف بقدرها أو أكثر ، وإلاّ فلا يستحقّ إلاّ الأقلّ .

في هاتين الصورتين ، فلا يستحقّ اُجرة المثل على الأقوى وإن كان عمله بعنوان المساقاة .

(مسألة 24) : يجوز اشتراط مساقاة في عقد مساقاة ، كأن يقول : ساقيتك على هذا البستان بالنصف على أن اُساقيك على هذا الآخر بالثلث ، والقول بعدم الصحّة لأ نّه كالبيعين في بيع المنهيّ عنه ضعيف ؛ لمنع كونه من هذا القبيل ، فإنّ المنهيّ عنه البيع حالاًّ بكذا ومؤجّلاً بكذا أو البيع على تقدير كذا بكذا وعلى تقدير آخر بكذا ، والمقام نظير أن يقول : بعتك داري بكذا على أن اُبيعك بستاني بكذا ، ولا مانع منه ؛ لأ نّه شرط مشروع في ضمن العقد .

(مسألة 25) : يجوز تعدّد العامل ، كأن يساقي مع اثنين بالنصف له والنصف لهما ، مع تعيين عمل كلّ منهما بينهم ، أو فيما بينهما ، وتعيين حصّة كلّ منهما ، وكذا يجوز تعدّد المالك واتّحاد العامل ، كما إذا كان البستان مشتركاً بين اثنين فقالا لواحد : ساقيناك على هذا البستان بكذا ، وحينئذٍ فإن كانت الحصّة المعيّنة للعامل منهما سواء - كالنصف أو الثلث مثلاً - صحّ وإن لم يعلم العامل كيفية شركتهما وأ نّها بالنصف أو غيره ، وإن لم يكن سواء - كأن يكون في حصّة أحدهما بالنصف وفي حصّة الآخر بالثلث مثلاً - فلا بدّ من علمه بمقدار حصّة كلّ منهما ؛ لرفع الغرر والجهالة في مقدار حصّته من الثمر .

(مسألة 26) : إذا ترك العامل العمل بعد إجراء العقد ابتداء أو في الأثناء ، فالظاهر أنّ المالك مخيّر بين الفسخ أو الرجوع إلى الحاكم الشرعي ، فيجبره على العمل ، وإن لم يمكن استأجر من ماله من يعمل عنه ، أو باُجرة مؤجّلة إلى وقت الثمر فيؤدّيها منه ، أو يستقرض عليه ويستأجر من يعمل عنه ، وإن تعذّر الرجوع

ص: 555

إلى الحاكم أو تعسّر فيقوم بالاُمور المذكورة عدول المؤمنين ، بل لا يبعد جواز إجباره بنفسه ، أو المقاصّة(1) من ماله ، أو استئجار المالك عنه ثمّ الرجوع عليه ، أو نحو ذلك . وقد يقال بعدم جواز الفسخ إلاّ بعد تعذّر الإجبار وأنّ اللازم كون الإجبار من الحاكم(2) مع إمكانه ، وهو أحوط(3) وإن كان الأقوى التخيير بين الاُمور المذكورة . هذا إذا لم يكن مقيّداً بالمباشرة ، وإلاّ فيكون مخيّراً بين الفسخ والإجبار ، ولا يجوز الاستئجار عنه للعمل ، نعم لو كان اعتبار المباشرة بنحو الشرط لا القيد يمكن إسقاط حقّ الشرط والاستئجار عنه أيضاً .

(مسألة 27) : إذا تبرّع عن العامل متبرّع بالعمل جاز ؛ إذا لم يشترط المباشرة ، بل لو أتى به من غير قصد(4) التبرّع عنه أيضاً كفى ، بل ولو قصد التبرّع عن المالك كان كذلك أيضاً وإن كان لا يخلو عن إشكال ، فلا يسقط حقّه من الحاصل ، وكذا لو ارتفعت الحاجة إلى بعض الأعمال ، كما إذا حصل السقي بالأمطار ولم يحتج إلى النزح من الآبار ، خصوصاً إذا كانت العادة كذلك ، وربما يستشكل بأنّه نظير الاستئجار لقلع الضرس إذا انقلع بنفسه ، فإنّ الأجير لا يستحقّ الاُجرة ؛ لعدم صدور العمل المستأجر عليه منه ، فاللازم في المقام أيضاً عدم استحقاق ما يقابل ذلك العمل ، ويجاب بأنّ وضع المساقاة وكذا المزارعة على ذلك ، فإنّ المراد حصول الزرع والثمرة فمع احتياج ذلك إلى العمل

ص: 556


1- - للاستئجار .
2- - تقدّم إجبار الحاكم على إجبار غيره مع اختيار المالك الإجبار وعدم الفسخ لا إشكال فيه ، وكأنّ العبارة لا تخلو من نحو تشويش .
3- - لا يترك وإن كان ما في المتن لا يخلو من قوّة .
4- - لا يخلو من إشكال وإن لا يخلو من وجه .

فعله العامل ، وإن استغنى عنه بفعل اللّه أو بفعل الغير سقط واستحقّ حصّته ، بخلاف الإجارة فإنّ المراد منها مقابلة العوض بالعمل منه أو عنه ، ولا بأس بهذا الفرق فيما هو المتعارف سقوطه أحياناً كالاستقاء بالمطر مع بقاء سائر الأعمال ، وأمّا لو كان على خلافه كما إذا لم يكن عليه إلاّ السقي واستغنى عنه بالمطر أو نحوه كلّية ، فاستحقاقه للحصّة مع عدم صدور عمل منه أصلاً مشكل(1) .

(مسألة 28) : إذا فسخ المالك العقد بعد امتناع العامل عن إتمام العمل ، يكون الثمر له ، وعليه اُجرة المثل(2) للعامل بمقدار ما عمل . هذا إذا كان قبل ظهور الثمر ، وإن كان بعده يكون للعامل حصّته(3) وعليه الاُجرة للمالك إلى زمان البلوغ إن رضي بالبقاء ، وإلاّ فله الإجبار على القطع بقدر حصّته ، إلاّ إذا لم يكن له قيمة أصلاً ، فيحتمل أن يكون للمالك كما قبل الظهور .

(مسألة 29) : قد عرفت : أ نّه يجوز للمالك مع ترك العامل العمل أن لا يفسخ ويستأجر عنه ويرجع عليه ، إمّا مطلقاً كما لا يبعد(4) ، أو بعد تعذّر الرجوع إلى الحاكم ، لكن يظهر من بعضهم اشتراط جواز الرجوع عليه بالإشهاد على الاستئجار عنه ، فلو لم يشهد ليس له الرجوع عليه حتّى بينه وبين اللّه ، وفيه ما لا يخفى ، فالأقوى أنّ الإشهاد للإثبات ظاهراً ، وإلاّ فلا يكون شرطاً للاستحقاق ، فمع العلم به أو ثبوته شرعاً يستحقّ الرجوع وإن لم يكن أشهد على الاستئجار ،

ص: 557


1- - بل ممنوع .
2- - مع القيد المتقدّم .
3- - لا وجه له بعد كون الفسخ من الأصل لا من حينه .
4- - مرّ الكلام فيه .

نعم لو اختلفا في مقدار الاُجرة فالقول قول العامل في نفي الزيادة ، وقد يقال بتقديم قول المالك ؛ لأ نّه أمين ، وفيه ما لا يخفى ، وأمّا لو اختلفا في أ نّه تبرّع عنه أو قصد الرجوع عليه ، فالظاهر تقديم قول المالك ؛ لاحترام ماله وعمله ، إلاّ إذا ثبت التبرّع وإن كان لا يخلو عن إشكال ، بل يظهر من بعضهم تقديم قول العامل .

(مسألة 30) : لو تبيّن بالبيّنة أو غيرها أنّ الاُصول كانت مغصوبة ، فإن أجاز المغصوب منه المعاملة صحّت المساقاة ، وإلاّ بطلت وكان تمام الثمرة للمالك المغصوب منه ، ويستحقّ العامل اُجرة المثل على الغاصب إذا كان جاهلاً بالحال ، إلاّ إذا كان مدّعياً عدم الغصبية وأ نّها كانت للمساقي ؛ إذ حينئذٍ ليس له الرجوع عليه لاعترافه بصحّة المعاملة وأنّ المدّعي أخذ الثمرة منه ظلماً . هذا إذا كانت الثمرة باقية ، وأمّا لو اقتسماها وتلفت عندهما فالأقوى أنّ للمالك الرجوع بعوضها على كلّ من الغاصب والعامل بتمامه ، وله الرجوع على كلّ منهما بمقدار حصّته ، فعلى الأخير لا إشكال ، وإن رجع على أحدهما بتمامه رجع على الآخر بمقدار حصّته ، إلاّ إذا اعترف بصحّة العقد وبطلان دعوى المدّعي للغصبية ؛ لأ نّه حينئذٍ معترف بأ نّه غرمه ظلماً ، وقيل : إنّ المالك مخيّر بين الرجوع على كلّ منهما بمقدار حصّته ، وبين الرجوع على الغاصب بالجميع ، فيرجع هو على العامل بمقدار حصّته وليس له الرجوع على العامل بتمامه ، إلاّ إذا كان عالماً بالحال ، ولا وجه له(1) بعد ثبوت يده على الثمر ، بل العين أيضاً ، فالأقوى ما

ص: 558


1- - إذا استولى العامل على العين والثمرة ، وأمّا إذا كانتا تحت يد المالك والعامل يقوم بالسقي والعمل ، فالوجه الرجوع إلى المالك ولو في حصّة العامل قبل استيلائه عليها ، نعم مع استيلائه عليها يجوز الرجوع إليه أيضاً ، فالميزان في الرجوع هو الاستيلاء لا مطلق التصرّف .

ذكرنا ؛ لأنّ يد كلّ منهما يد ضمان وقرار الضمان على من تلف في يده العين ولو كان تلف الثمرة بتمامها في يد أحدهما كان قرار الضمان عليه . هذا ، ويحتمل(1) في أصل المسألة كون قرار الضمان على الغاصب مع جهل العامل ؛ لأ نّه مغرور من قبله ولا ينافيه ضمانه لاُجرة عمله ، فإنّه محترم وبعد فساد المعاملة لا يكون الحصّة عوضاً عنه فيستحقّها ، وإتلافه الحصّة إذا كان بغرور من الغاصب لا يوجب ضمانه له .

(مسألة 31) : لا يجوز للعامل في المساقاة أن يساقي غيره مع اشتراط المباشرة أو مع النهي عنه ، وأمّا مع عدم الأمرين ففي جوازه مطلقاً كما في الإجارة والمزارعة وإن كان لا يجوز تسليم الاُصول إلى العامل الثاني إلاّ بإذن المالك ، أو لا يجوز مطلقاً وإن أذن المالك ، أو لا يجوز إلاّ مع إذنه ، أو لا يجوز قبل ظهور الثمر ويجوز بعده ، أقوال(2) ؛ أقواها الأوّل ، ولا دليل على القول بالمنع مطلقاً أو في الجملة بعد شمول العمومات من قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالعُقُودِ) و(تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ) وكونها على خلاف الأصل فاللازم الاقتصار على القدر المعلوم ممنوع ، بعد شمولها ، ودعوى : أ نّه يعتبر فيها كون الأصل مملوكاً للمساقي أو كان وكيلاً عن المالك أو وليّاً عليه ، كما ترى ؛ إذ هو أوّل الدعوى .

(مسألة 32) : خراج السلطان في الأراضي الخراجية على المالك ؛ لأ نّه إنّما يؤخذ على الأرض التي هي للمسلمين لا الغرس الذي هو للمالك ، وإن اُخذ على الغرس فبملاحظة الأرض ، ومع قطع النظر عن ذلك أيضاً كذلك ، فهو على

ص: 559


1- - لكنّه غير وجيه .
2- - أقواها الثاني ، فإنّه ليس مساقاة ، كما مرّ في المزارعة أيضاً ما هو الأقوى ، فراجع .

المالك مطلقاً إلاّ إذا اشترط كونه على العامل أو عليهما بشرط العلم بمقداره .

(مسألة 33) : مقتضى عقد المساقاة ملكية العامل للحصّة من الثمر من حين ظهوره ، والظاهر عدم الخلاف فيه إلاّ من بعض العامّة ؛ حيث قال بعدم ملكيته له إلاّ بالقسمة ؛ قياساً على عامل القراض حيث إنّه لا يملك الربح إلاّ بعد الإنضاض ، وهو ممنوع عليه حتّى في المقيس عليه ، نعم لو اشترطا ذلك في ضمن العقد لا يبعد صحّته ويتفرّع على ما ذكرنا فروع : منها : ما إذا مات العامل بعد الظهور قبل القسمة مع اشتراط مباشرته للعمل ، فإنّ المعاملة تبطل من حينه ، والحصّة تنتقل إلى وارثه على ما ذكرنا . ومنها : ما إذا فسخ(1) أحدهما بخيار الشرط أو الاشتراط بعد الظهور وقبل القسمة أو تقايلا . ومنها : ما إذا حصل مانع عن إتمام العمل بعد الظهور . ومنها : ما إذا خرجت الاُصول عن القابلية لإدراك الثمر ؛ ليبس أو فقد الماء أو نحو ذلك بعد الظهور ، فإنّ الثمر في هذه الصور مشترك بين المالك والعامل وإن لم يكن بالغاً . ومنها : في مسألة الزكاة ، فإنّها تجب على العامل أيضاً إذا بلغت حصّته النصاب كما هو المشهور ؛ لتحقّق سبب الوجوب - وهو الملكية له - حين الانعقاد أو بدوّ الصلاح على ما ذكرنا ، بخلافه إذا قلنا بالتوقّف على القسمة ، نعم خالف في وجوب الزكاة عليه ابن زهرة هنا وفي المزارعة بدعوى : أنّ ما يأخذه كالاُجرة ، ولا يخفى ما فيه من الضعف ؛ لأنّ الحصّة قد ملكت بعقد المعاوضة أو ما يشبه المعاوضة لا بطريق الاُجرة مع أنّ مطلق الاُجرة لا تمنع من وجوب الزكاة ، بل إذا تعلّق الملك بها بعد

ص: 560


1- - الفسخ : حلّ العقد من أصله ، وكذا التقايل ومقتضاه رجوع كلّ من العوضين إلى صاحبه ، وفي ما نحن فيه ترجع الحصّة إلى المالك .

الوجوب ، وأمّا إذا كانت مملوكة قبله فتجب زكاتها كما في المقام ، وكما لو جعل مال الإجارة لعمل زرعاً قبل ظهور ثمره ، فإنّه يجب على المؤجر زكاته إذا بلغ النصاب ، فهو نظير ما إذا اشترى زرعاً قبل ظهور الثمر . هذا ، وربما يقال بعدم وجوب الزكاة على العامل في المقام ، ويعلّل بوجهين آخرين : أحدهما : أ نّها إنّما تجب بعد إخراج المؤن ، والفرض كون العمل في مقابل الحصّة فهي من المؤن ، وهو كما ترى ، وإلاّ لزم احتساب اُجرة عمل المالك والزارع لنفسه أيضاً ، فلا نسلّم(1) أ نّها حيث كانت في قبال العمل تعدّ من المؤن . الثاني : أ نّه يشترط في وجوب الزكاة التمكّن من التصرّف ، وفي المقام وإن حصلت الملكية للعامل بمجرّد الظهور إلاّ أ نّه لا يستحقّ التسلّم إلاّ بعد تمام العمل ، وفيه مع فرض(2) تسليم عدم التمكّن من التصرّف : أنّ اشتراطه مختصّ بما يعتبر في زكاته الحول كالنقدين والأنعام ، لا في الغلاّت ، ففيها وإن لم يتمكّن من التصرّف حال التعلّق يجب إخراج زكاتها بعد التمكّن على الأقوى ، كما بيّن في محلّه ، ولا يخفى أنّ لازم كلام هذا القائل عدم وجوب زكاة هذه الحصّة على المالك أيضاً ، كما اعترف به ، فلا يجب على العامل لما ذكر ، ولا يجب على المالك لخروجها عن ملكه .

(مسألة 34) : إذا اختلفا في صدور العقد وعدمه ، فالقول قول منكره ، وكذا لو اختلفا في اشتراط شيء على أحدهما وعدمه ، ولو اختلفا في صحّة العقد وعدمها قدّم قول مدّعي الصحّة ، ولو اختلفا في قدر حصّة العامل قدّم

ص: 561


1- - وعلى فرض التسليم لا يلزم منه السقوط مطلقاً .
2- - الأولى منع عدم التمكّن المعتبر في الزكاة ، وإلاّ فقد مرّ اعتباره مطلقاً .

قول المالك المنكر للزيادة ، وكذا لو اختلفا في المدّة(1) ، ولو اختلفا في قدر الحاصل قدّم قول العامل ، وكذا لو ادّعى المالك عليه سرقةً أو إتلافاً أو خيانة ، وكذا لو ادّعى عليه أنّ التلف كان بتفريطه ؛ إذا كان أميناً له ، كما هو الظاهر ، ولا يشترط في سماع دعوى المالك تعيين مقدار ما يدّعيه عليه بناءً على ما هو الأقوى من سماع الدعوى المجهولة ، خلافاً للعلاّمة في «التذكرة» في المقام .

(مسألة 35) : إذا ثبتت الخيانة من العامل بالبيّنة أو غيرها ، هل له رفع يد العامل على الثمرة أو لا ؟ قولان ، أقواهما العدم ؛ لأ نّه مسلّط على ماله ، وحيث إنّ المالك أيضاً مسلّط على حصّته ، فله أن يستأجر أميناً يضمّه مع العامل والاُجرة عليه ؛ لأنّ ذلك لمصلحته ومع عدم كفايته في حفظ حصّته جاز(2) رفع يد العامل واستئجار من يحفظ الكلّ والاُجرة على المالك أيضاً .

(مسألة 36) : قالوا : المغارسة باطلة(3) ، وهي أن يدفع أرضاً إلى غيره ليغرس فيها على أن يكون المغروس بينهما ؛ سواء اشترط كون حصّة من الأرض أيضاً للعامل أو لا ، ووجه البطلان الأصل بعد كون ذلك على خلاف القاعدة ، بل ادّعى جماعة الإجماع عليه ، نعم حكي عن الأردبيلي وصاحب «الكفاية» الإشكال فيه ؛ لإمكان استفادة الصحّة من العمومات ، وهو في محلّه إن لم يتحقّق

ص: 562


1- - أي قدّم قوله مع إنكار الزيادة ، وقدّم قول العامل إذا أنكر الزيادة .
2- - محلّ إشكال ، نعم إن رجع الأمر إلى الحاكم لا يبعد جوازه له ، بل في بعض الصور جائز له بلا إشكال .
3- - ما قالوا هو الأقوى .

الإجماع ، ثمّ على البطلان يكون الغرس لصاحبه ، فإن كان من مالك الأرض فعليه اُجرة عمل الغارس إن كان جاهلاً(1) بالبطلان ، وإن كان للعامل فعليه اُجرة الأرض للمالك مع جهله(2) به ، وله الإبقاء بالاُجرة ، أو الأمر بقلع الغرس ، أو قلعه بنفسه ، وعليه أرش نقصانه إن نقص من جهة القلع ، ويظهر من جماعة أنّ عليه تفاوت ما بين قيمته قائماً ومقلوعاً ، ولا دليل عليه بعد كون المالك مستحقّاً للقلع ، ويمكن حمل كلام بعضهم على ما ذكرنا من أرش النقص الحاصل بسبب القلع إذا حصل ؛ بأن انكسر - مثلاً - بحيث لا يمكن غرسه في مكان آخر ، ولكن كلمات الآخرين لا يقبل هذا الحمل ، بل هي صريحة في ضمان التفاوت بين القائم والمقلوع ؛ حيث قالوا مع ملاحظة أوصافه الحالية من كونه في معرض الإبقاء مع الاُجرة أو القلع ، ومن الغريب ما عن «المسالك» من ملاحظة كون قلعه مشروطاً بالأرش لا مطلقاً ، فإنّ استحقاقه للأرش من أوصافه وحالاته فينبغي أن يلاحظ أيضاً في مقام التقويم ، مع أ نّه مستلزم للدور كما اعترف به ، ثمّ إنّه إن قلنا بالبطلان يمكن تصحيح المعاملة بإدخالها تحت عنوان الإجارة أو المصالحة أو نحوهما مع مراعاة شرائطهما ، كأن تكون الاُصول مشتركة بينهما ، إمّا بشرائها بالشركة أو بتمليك أحدهما للآخر نصفاً منها مثلاً ؛ إذا كانت من أحدهما ، فيصالح صاحب الأرض مع العامل بنصف منفعة أرضه مثلاً ، أو بنصف عينها على أن يشتغل بغرسها وسقيه إلى زمان كذا ، أو يستأجره للغرس والسقي إلى زمان كذا بنصف منفعة الأرض مثلاً .

ص: 563


1- - بل مطلقاً ، لكن مع القيد المتقدّم من كون حصّته بحسب التعارف لا تنقص من اُجرة عمله .
2- - بل مطلقاً أيضاً .

(مسألة 37) : إذا صدر من شخصين مغارسة ولم يعلم كيفيتها وأنّها على الوجه الصحيح أو الباطل - بناءً على البطلان - يحمل فعلهما على الصحّة(1) إذا ماتا أو اختلفا في الصحّة والفساد .

تذنيب

في الكافي عن أبي عبداللّه علیه السلام : «من أراد أن يلقح النخل إذا كان لا يجود عملها ولا يتبعّل بالنخل ، فيأخذ حيتاناً صغاراً يابسة فيدقّها بين الدقّين ، ثمّ يذر في كلّ طلعة منها قليلاً ويصرّ الباقى في صرّة نظيفة ، ثمّ يجعله في قلب النخل ينفع بإذن اللّه تعالى» وعن الصدوق في كتاب «العلل» بسنده عن عيسى بن جعفر العلوي عن آبائه أنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : «مرّ أخي عيسى بمدينة فإذا في ثمارها الدود ، فسألوا إليه ما بهم فقال علیه السلام : دواء هذا معكم وليس تعلمون ، أنتم قوم إذا غرستم الأشجار صببتم التراب وليس هكذا يجب ، بل ينبغي أن تصبّوا الماء في اُصول الشجر ثمّ تصبّوا التراب كي لا يقع فيه الدود ، فاستأنفوا كما وصف فأذهب عنهم ذلك» وفي خبر عن أحدهما علیهما السلام قال : «تقول إذا غرست أو زرعت : ومثل كلمة طيّبة كشجرة طيّبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اُكلها كلّ حين بإذن ربّها» وفي خبر آخر : «إذا غرست غرساً أو نبتاً فاقرأ على كلّ عود أو حبّة : سبحان الباعث الوارث ، فإنّه لا يكاد يخطئ إن شاء اللّه» .

ص: 564


1- - جريانها محلّ إشكال بل منع .

كتاب الضمان

اشارة

وهو من الضمن ؛ لأ نّه موجب لتضمّن ذمّة الضامن للمال الذي على المضمون عنه للمضمون له ، فالنون فيه أصلية كما يشهد له سائر تصرّفاته من الماضي والمستقبل وغيرهما ، وما قيل من احتمال كونه من الضمّ فيكون النون زائدة ، واضح الفساد ؛ إذ مع منافاته لسائر مشتقّاته لازمه كون الميم مشدّدة . وله إطلاقان : إطلاق بالمعنى الأعمّ الشامل للحوالة والكفالة أيضاً ، فيكون بمعنى التعهّد بالمال أو النفس ، وإطلاق بالمعنى الأخصّ ؛ وهو التعهّد بالمال عيناً أو منفعةً أو عملاً ، وهو المقصود من هذا الفصل .

ويشترط فيه اُمور :

أحدها : الإيجاب ، ويكفي فيه كلّ لفظ دالّ ، بل يكفي الفعل الدالّ(1) ولو بضميمة القرائن على التعهّد والالتزام بما على غيره من المال .

الثاني : القبول من المضمون له ، ويكفي فيه أيضاً كلّ ما دلّ على ذلك من قول أو فعل ، وعلى هذا فيكون من العقود المفتقرة إلى الإيجاب والقبول ، كذا

ص: 565


1- - محلّ تأمّل .

ذكروه(1) ، ولكن لا يبعد دعوى عدم اشتراط القبول على حدّ سائر العقود اللازمة ، بل يكفي رضا المضمون له سابقاً أو لاحقاً ، كما عن «الإيضاح» والأردبيلي ؛ حيث قالا : يكفي فيه الرضا ولا يعتبر القبول العقدي ، بل عن «القواعد» : وفي اشتراط قبوله احتمال ويمكن استظهاره من قضية الميّت المديون الذي امتنع النبي صلی الله علیه و آله وسلم أن يصلّي عليه حتّى ضمنه علي علیه السلام ، وعلى هذا فلا يعتبر فيه ما يعتبر في العقود من الترتيب والموالات وسائر ما يعتبر في قبولها ، وأمّا رضا المضمون عنه فليس معتبراً فيه ؛ إذ يصحّ الضمان التبرّعي ، فيكون بمنزلة وفاء دين الغير تبرّعاً ؛ حيث لا يعتبر رضاه ، وهذا واضح فيما لم يستلزم الوفاء أو الضمان عنه ضرراً(2) عليه أو حرجاً ؛ من حيث كون تبرّع هذا الشخص لوفاء دينه منافياً لشأنه ، كما إذا تبرّع وضيع ديناً عن شريف غنيّ قادر على وفاء دينه فعلاً .

الثالث : كون الضامن بالغاً عاقلاً ، فلا يصحّ ضمان الصبيّ وإن كان مراهقاً ، بل وإن أذن له الوليّ على إشكال ، ولا ضمان المجنون إلاّ إذا كان أدوارياً في دور إفاقته ، وكذا يعتبر كون المضمون له بالغاً عاقلاً ، وأمّا المضمون عنه فلا يعتبر فيه ذلك ، فيصحّ كونه صغيراً أو مجنوناً ، نعم لا ينفع إذنهما في جواز الرجوع بالعوض .

الرابع : كونه مختاراً(3) ، فلا يصحّ ضمان المكره .

الخامس : عدم كونه محجوراً لسفه إلاّ بإذن الوليّ ، وكذا المضمون له ،

ص: 566


1- - وهو الأقوى .
2- - اعتبار عدم الضرر والحرج على المضمون عنه في صحّة الضمان غير معلوم .
3- - وكذا المضمون له في قبوله .

ولا بأس بكون الضامن مفلّساً ، فإنّ ضمانه نظير اقتراضه فلا يشارك المضمون له مع الغرماء ، وأمّا المضمون له فيشترط عدم كونه مفلّساً ، ولا بأس بكون المضمون عنه سفيهاً أو مفلّساً ، لكن لا ينفع إذنه(1) في جواز الرجوع عليه .

السادس : أن لا يكون الضامن مملوكاً غير مأذون من قبل مولاه على المشهور(2) ؛ لقوله تعالى : (لاَ يَقدِرُ عَلَى شَى ءٍ) ، ولكن لا يبعد صحّة ضمانه وكونه في ذمّته يتبع به بعد العتق ، كما عن «التذكرة» و«المختلف» ونفي القدرة منصرف عمّا لا ينافي حقّ المولى ، ودعوى : أنّ المملوك لا ذمّة له ، كما ترى ، ولذا لا إشكال في ضمانه لمتلفاته . هذا ، وأمّا إذا أذن له مولاه فلا إشكال في صحّة ضمانه وحينئذٍ فإن عيّن كونه في ذمّة نفسه أو في ذمّة المملوك يتبع به بعد عتقه أو في كسبه ، فهو المتّبع ، وإن أطلق الإذن ففي كونه في ذمّة المولى أو في كسب المملوك أو في ذمّته يتبع به بعد عتقه أو كونه متعلّقاً برقبته وجوه وأقوال ، أوجهها الأوّل ؛ لانفهامه(3) عرفاً كما في إذنه للاستدانة لنفقته أو لأمر آخر ، وكما في إذنه في التزويج حيث إنّ المهر والنفقة على مولاه ، ودعوى الفرق بين الضمان والاستدانة بأنّ الاستدانة موجبة لملكيته وحيث إنّه لا قابلية له لذلك يستفاد منه كونه على مولاه بخلاف الضمان حيث إنّه لا ملكية فيه ، مدفوعة بمنع عدم قابليته للملكية ، وعلى فرضه أيضاً لا يكون فارقاً بعد الانفهام العرفي .

ص: 567


1- - في الرجوع إلى ما تعلّق به الحجر ، وأمّا بغيره أو بعد رفعه فلا مانع من الرجوع إليه بسبب إذنه في حال الحجر .
2- - وهو الأقوى ، ودعوى الانصراف غير وجيهة ، وضمان الإتلاف خارج عنها تخصّصاً .
3- - محلّ تأمّل .

السابع : التنجيز(1) ، فلو علّق الضمان على شرط - كأن يقول : أنا ضامن لما على فلان إن أذن لي أبي ، أو أنا ضامن إن لم يف المديون إلى زمان كذا ، أو إن لم يف أصلاً - بطل على المشهور ، لكن لا دليل عليه بعد صدق الضمان وشمول العمومات العامّة ، إلاّ دعوى الإجماع في كلّ العقود على أنّ اللازم ترتّب الأثر عند إنشاء العقد من غير تأخير ، أو دعوى منافات التعليق للإنشاء ، وفي الثاني ما لا يخفى وفي الأوّل منع تحقّقه في المقام ، وربما يقال : لا يجوز تعليق الضمان ولكن يجوز تعليق الوفاء على شرط مع كون الضمان مطلقاً ، وفيه : أنّ تعليق الوفاء عين تعليق الضمان ولا يعقل التفكيك ، نعم في المثال الثاني يمكن أن يقال(2) بإمكان تحقّق الضمان منجّزاً مع كون الوفاء معلّقاً على عدم وفاء المضمون له ؛ لأ نّه يصدق أ نّه ضمن الدين على نحو الضمان في الأعيان المضمونة ؛ إذ حقيقته(3) قضية تعليقية ، إلاّ أن يقال بالفرق بين الضمان العقدي والضمان اليدي .

الثامن : كون الدين الذي يضمنه ثابتاً في ذمّة المضمون عنه ؛ سواء كان مستقرّاً كالقرض والعوضين في البيع الذي لا خيار فيه ، أو متزلزلاً كأحد العوضين في البيع الخياري ، كما إذا ضمن الثمن الكلّي للبائع ، أو المبيع الكلّي للمشتري ، أو المبيع الشخصي(4) قبل القبض ، وكالمهر قبل الدخول ونحو ذلك ،

ص: 568


1- - على الأحوط .
2- - كيف يمكن مع دعوى امتناع التفكيك ، مع أنّ هذا النحو من الضمان غير ما عندنا من كونه ناقلاً .
3- - كون حقيقة ضمان اليد قضية تعليقية في محلّ المنع ، ولا يسع المقام تفصيله .
4- - محلّ إشكال ، مع أ نّه ليس من أمثلة المقام .

فلو قال : اقرض فلاناً كذا وأنا ضامن ، أو بعه نسيئة وأنا ضامن ، لم يصحّ على المشهور(1) ، بل عن «التذكرة» الإجماع ، قال : لو قال لغيره : مهما أعطيت فلاناً فهو عليّ ، لم يصحّ إجماعاً ، ولكن ما ذكروه من الشرط ينافي جملة من الفروع الآتية ، ويمكن أن يقال بالصحّة إذا حصل المقتضي للثبوت وإن لم يثبت فعلاً ، بل مطلقاً ؛ لصدق الضمان وشمول العمومات العامّة وإن لم يكن من الضمان المصطلح عندهم ، بل يمكن منع عدم كونه منه أيضاً .

التاسع : أن لا يكون ذمّة الضامن مشغولة للمضمون عنه بمثل الدين الذي عليه على ما يظهر من كلماتهم في بيان الضمان بالمعنى الأعمّ ، حيث قالوا : إنّه بمعنى التعهّد بمال أو نفس فالثاني الكفالة ، والأوّل إن كان ممّن عليه للمضمون عنه مال فهو الحوالة ، وإن لم يكن فضمان بالمعنى الأخصّ لكن لا دليل على هذا الشرط ، فإذا ضمن للمضمون عنه بمثل ماله عليه يكون ضماناً ، فإن كان بإذنه يتهاتران بعد أداء مال الضمان ، وإلاّ فيبقى الذي للمضمون عنه عليه وتفرغ ذمّته ممّا عليه بضمان الضامن تبرّعاً ، وليس من الحوالة ؛ لأنّ المضمون عنه على التقديرين لم يحل مديونه على الضامن حتّى تكون حوالة ، ومع الإغماض عن ذلك غاية ما يكون أ نّه يكون داخلاً في كلا العنوانين ، فيترتّب عليه ما يختصّ بكلّ منهما مضافاً إلى ما يكون مشتركاً .

العاشر : امتياز الدين والمضمون له والمضمون عنه عند الضامن على وجه يصحّ معه القصد إلى الضمان ، ويكفي التميّز الواقعي وإن لم يعلمه الضامن ، فالمضرّ هو الإبهام والترديد ، فلا يصحّ ضمان أحد الدينين ولو لشخص واحد

ص: 569


1- - وهو الأقوى .

على شخص واحد على وجه الترديد ، مع فرض تحقّق الدينين ، ولا ضمان دين أحد الشخصين ولو لواحد ، ولا ضمان دين لأحد الشخصين ولو على واحد ، ولو قال : ضمنت الدين الذي على فلان ، ولم يعلم أ نّه لزيد أو لعمرو ، أو الدين الذي لفلان ، ولم يعلم أ نّه على زيد أو على عمرو صحّ ؛ لأ نّه متعيّن واقعاً ، وكذا لو قال : ضمنت لك كلّما كان لك على الناس ، أو قال : ضمنت عنك كلّما كان عليك لكلّ من كان من الناس ، ومن الغريب ما عن بعضهم من اعتبار العلم بالمضمون عنه والمضمون له بالوصف والنسب ، أو العلم باسمهما ونسبهما ، مع أ نّه لا دليل عليه أصلاً ، ولم يعتبر ذلك في البيع الذي هو أضيق دائرة من سائر العقود .

(مسألة 1) : لا يشترط في صحّة الضمان العلم بمقدار الدين ولا بجنسه ، ويمكن أن يستدلّ عليه مضافاً إلى العمومات العامّة وقوله صلی الله علیه و آله وسلم : «الزعيم غارم» بضمان علي بن الحسين (1) لدين عبداللّه بن الحسن وضمانه لدين محمّد بن اُسامة ، لكن الصحّة مخصوصة بما إذا كان له واقع معيّن ، وأمّا إذا لم يكن كذلك كقولك : ضمنت شيئاً من دينك ، فلا يصحّ ، ولعلّه مراد من قال : إنّ الصحّة إنّما هي فيما إذا كان يمكن العلم به بعد ذلك ، فلا يرد عليه ما يقال من عدم الإشكال في الصحّة مع فرض تعيّنه واقعاً وإن لم يمكن العلم به فيأخذ بالقدر المعلوم . هذا ، وخالف بعضهم فاشترط العلم به لنفي الغرر والضرر ، وردّ بعدم العموم في الأوّل ؛ لاختصاصه بالبيع أو مطلق المعاوضات ، وبالإقدام في الثاني ، ويمكن الفرق بين الضمان التبرّعي والإذني ، فيعتبر في الثاني دون الأوّل ؛

ص: 570


1- - لكن في الروايتين ضعف سنداً بل ودلالةً ، ولكن ما في المتن لا يخلو من قوّة مطلقاً من غير فرق بين الضمان التبرّعي وغيره .

إذ ضمان علي بن الحسين علیه السلام كان تبرّعياً واختصاص نفي الغرر بالمعاوضات ممنوع ، بل يجري في مثل المقام الشبيه بالمعاوضة إذا كان بالإذن ، مع قصد الرجوع على الآذن ، وهذا التفصيل لا يخلو عن قرب .

(مسألة 2) : إذا تحقّق الضمان الجامع لشرائط الصحّة انتقل الحقّ من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن ، وتبرأ ذمّة المضمون عنه بالإجماع والنصوص ، خلافاً للجمهور ؛ حيث إنّ الضمان عندهم ضمّ ذمّة إلى ذمّة ، وظاهر كلمات الأصحاب عدم صحّة ما ذكروه حتّى مع التصريح به على هذا النحو ، ويمكن الحكم بصحّته(1) حينئذٍ للعمومات .

(مسألة 3) : إذا أبرأ المضمون له ذمّة الضامن برئت ذمّته وذمّة المضمون عنه ، وإن أبرأ ذمّة المضمون عنه لم يؤثّر شيئاً ، فلا تبرأ ذمّة الضامن ؛ لعدم المحلّ للإبراء بعد براءته بالضمان ، إلاّ إذا استفيد منه الإبراء من الدين الذي كان عليه بحيث يفهم منه عرفاً إبراء ذمّة الضامن ، وأمّا في الضمان بمعنى ضمّ ذمّة إلى ذمّة فإن أبرأ ذمّة المضمون عنه برئت ذمّة الضامن أيضاً وإن أبرأ ذمّة الضامن فلا تبرأ ذمّة المضمون عنه ، كذا قالوا(2) ، ويمكن أن يقال ببراءة ذمّتهما على التقديرين .

(مسألة 4) : الضمان لازم من طرف الضامن والمضمون له ، فلا يجوز للضامن فسخه حتّى لو كان بإذن المضمون عنه وتبيّن إعساره ، وكذا لا يجوز للمضمون له فسخه والرجوع على المضمون عنه ، لكن بشرط ملاءة الضامن حين الضمان أو علم المضمون له بإعساره ، بخلاف ما لو كان معسراً حين الضمان وكان

ص: 571


1- - محلّ إشكال .
2- - وهو الوجه على هذا المبنى .

جاهلاً بإعساره ، ففي هذه الصورة يجوز له الفسخ على المشهور ، بل الظاهر عدم الخلاف فيه ، ويستفاد من بعض الأخبار أيضاً ، والمدار كما أشرنا إليه في الإعسار واليسار على حال الضمان ، فلو كان موسراً ثمّ أعسر لا يجوز له الفسخ ، كما أ نّه لو كان معسراً ثمّ أيسر يبقى الخيار ، والظاهر عدم الفرق في ثبوت الخيار مع الجهل بالإعسار بين كون المضمون عنه أيضاً معسراً أو لا ، وهل يلحق بالإعسار تبيّن كونه مماطلاً مع يساره في ثبوت الخيار أو لا ؟ وجهان(1) .

(مسألة 5) : يجوز اشتراط الخيار في الضمان للضامن والمضمون له ؛ لعموم أدلّة الشروط ، والظاهر جواز اشتراط شيء لكلّ منهما ، كما إذا قال الضامن : أنا ضامن بشرط أن تخيط لي ثوباً ، أو قال المضمون له : أقبل الضمان بشرط أن تعمل لي كذا ، ومع التخلّف يثبت للشارط خيار تخلّف الشرط .

(مسألة 6) : إذا تبيّن كون الضامن مملوكاً وضمن من غير إذن مولاه أو بإذنه وقلنا : إنّه يتبع بما ضمن بعد العتق ، لا يبعد ثبوت الخيار للمضمون له .

(مسألة 7) : يجوز ضمان الدين الحالّ حالاًّ ومؤجّلاً ، وكذا ضمان المؤجّل حالاًّ ومؤجّلاً بمثل ذلك الأجل أو أزيد أو أنقص ، والقول بعدم صحّة الضمان إلاّ مؤجّلاً وأ نّه يعتبر فيه الأجل كالسلم ضعيف ، كالقول بعدم صحّة ضمان الدين المؤجّل حالاًّ أو بأنقص ، ودعوى : أ نّه من ضمان ما لم يجب ، كما ترى .

(مسألة 8) : إذا ضمن الدين الحالّ مؤجّلاً بإذن المضمون عنه فالأجل

ص: 572


1- - أوجههما العدم .

للضمان لا للدين ، فلو أسقط الضامن أجله وأدّى الدين قبل الأجل يجوز له الرجوع على المضمون عنه ؛ لأنّ الذي عليه كان حالاًّ ولم يصر مؤجّلاً بتأجيل الضمان ، وكذا إذا مات قبل انقضاء أجله وحلّ ما عليه وأخذ من تركته يجوز لوارثه الرجوع على المضمون عنه ، واحتمال صيرورة أصل الدين مؤجّلاً حتّى بالنسبة إلى المضمون عنه ضعيف .

(مسألة 9) : إذا كان الدين مؤجّلاً فضمنه الضامن كذلك ، فمات وحلّ ما عليه وأخذ من تركته ليس لوارثه الرجوع على المضمون عنه إلاّ بعد حلول أجل أصل الدين ؛ لأنّ الحلول على الضامن بموته لا يستلزم الحلول على المضمون عنه ، وكذا لو أسقط أجله وأدّى الدين قبل الأجل لا يجوز له الرجوع على المضمون عنه إلاّ بعد انقضاء الأجل .

(مسألة 10) : إذا ضمن الدين المؤجّل حالاًّ بإذن المضمون عنه(1) ، فإن فهم من إذنه رضاه بالرجوع عليه يجوز للضامن ذلك وإلاّ فلا يجوز إلاّ بعد انقضاء الأجل ، والإذن في الضمان أعمّ من كونه حالاًّ .

(مسألة 11) : إذا ضمن الدين المؤجّل بأقلّ من أجله وأدّاه ، ليس له(2) الرجوع على المضمون عنه إلاّ بعد انقضاء أجله ، وإذا ضمنه بأزيد من أجله فأسقط الزائد وأدّاه ، جاز له الرجوع عليه على ما مرّ من أنّ أجل الضمان لا يوجب صيرورة أصل الدين مؤجّلاً ، وكذا إذا مات بعد انقضاء أجل الدين

ص: 573


1- - إذا صرّح بضمانه حالاًّ فالأقرب الرجوع عليه مع أدائه .
2- - إلاّ إذا صرّح المضمون عنه بضمانه أقلّ من أجله ، فإنّ الأقرب معه جواز الرجوع عليه مع الأداء .

قبل انقضاء الزائد فأخذ من تركته ، فإنّه يرجع على المضمون عنه .

(مسألة 12) : إذا ضمن بغير إذن المضمون عنه برئت ذمّته ، ولم يكن له الرجوع عليه وإن كان أداؤه بإذنه أو أمره ، إلاّ أن يأذن له في الأداء عنه تبرّعاً منه في وفاء دينه كأن يقول : أدّ ما ضمنت عنّي وارجع به عليّ ، على إشكال في هذه الصورة أيضاً ؛ من حيث إنّ مرجعه حينئذٍ إلى الوعد الذي لا يلزم الوفاء به ، وإذا ضمن بإذنه فله الرجوع عليه بعد الأداء وإن لم يكن بإذنه ؛ لأ نّه بمجرّد الإذن في الضمان اشتغلت ذمّته من غير توقّف على شيء ، نعم لو أذن له في الضمان تبرّعاً فضمن ليس له الرجوع عليه ؛ لأنّ الإذن على هذا الوجه كلا إذن .

(مسألة 13) : ليس للضامن الرجوع على المضمون عنه في صورة الإذن ، إلاّ بعد أداء مال الضمان على المشهور ، بل الظاهر عدم الخلاف فيه ، وإنّما يرجع عليه بمقدار ما أدّى ، فليس له المطالبة قبله ؛ إمّا لأنّ ذمّة الضامن وإن اشتغلت حين الضمان بمجرّده إلاّ أنّ ذمّة المضمون عنه لا تشتغل إلاّ بعد الأداء وبمقداره ، وإمّا لأ نّها تشتغل حين الضمان لكن بشرط الأداء ، فالأداء على هذا كاشف عن الاشتغال من حينه ، وإمّا لأ نّها وإن اشتغلت بمجرّد الضمان إلاّ أنّ جواز المطالبة مشروط بالأداء ، وظاهرهم هو الوجه الأوّل ، وعلى أيّ حال لا خلاف في أصل الحكم وإن كان مقتضى القاعدة(1) جواز المطالبة واشتغال ذمّته من حين الضمان في قبال اشتغال ذمّة الضامن ؛ سواء أدّى أو لم يؤدّ ، فالحكم المذكور على خلاف

ص: 574


1- - كون مقتضى القاعدة ما ذكره ممنوع ، بل الظاهر أنّ مجرّد إذنه بالضمان وضمانه واشتغال ذمّته لا يوجب اشتغال ذمّة المضمون عنه ، ولو للأصل وعدم الدليل عليه ، نعم بعد الأداء لا إشكال نصّاً وفتوىً في جواز الرجوع واشتغال ذمّته ، ويمكن استفادة ما ذكر من الرواية المشار إليها أيضاً .

القاعدة ثبت بالإجماع وخصوص الخبر : عن رجل ضمن ضماناً ثمّ صالح عليه قال : «ليس له إلاّ الذي صالح عليه» ، بدعوى الاستفادة منه أن ليس للضامن إلاّ ما خسر ، ويتفرّع على ما ذكروه أنّ المضمون له لو أبرأ ذمّة الضامن عن تمام الدين ليس له الرجوع على المضمون عنه أصلاً ، وإن أبرأه من البعض ليس له الرجوع بمقداره ، وكذا لو صالح معه بالأقلّ كما هو مورد الخبر ، وكذا لو ضمن عن الضامن ضامن تبرّعاً فأدّى ، فإنّه حيث لم يخسر بشيء لم يرجع على المضمون عنه وإن كان بإذنه ، وكذا لو وفّاه عنه غيره تبرّعاً .

(مسألة 14) : لو حسب المضمون له على الضامن ما عليه ؛ خمساً أو زكاةً أو صدقةً ، فالظاهر أنّ له الرجوع على المضمون عنه ولا يكون ذلك في حكم الإبراء ، وكذا لو أخذه منه ثمّ ردّه عليه هبة ، وأمّا لو وهبه ما في ذمّته فهل هو كالإبراء أو لا ؟ وجهان(1) ، ولو مات المضمون له فورثه الضامن لم يسقط جواز الرجوع به على المضمون عنه .

(مسألة 15) : لو باعه أو صالحه المضمون له بما يسوى أقلّ من الدين ، أو وفّاه الضامن بما يسوى أقلّ منه ، فقد صرّح بعضهم بأ نّه لا يرجع على المضمون عنه إلاّ بمقدار ما يسوى ، وهو مشكل بعد كون الحكم على خلاف القاعدة(2) ، وكون القدر المسلّم غير هذه الصور ، وظاهر خبر الصلح الرضا من الدين بأقلّ منه لا ما إذا صالحه بما يسوى أقلّ منه ، وأمّا لو باعه أو صالحه أو وفّاه الضامن بما يسوى أزيد ، فلا إشكال في عدم جواز الرجوع بالزيادة .

ص: 575


1- - أقواهما الأوّل .
2- - مرّ منع كونه على خلاف القاعدة ، لكن المسألة مع ذلك محلّ إشكال بجميع صورها .

(مسألة 16) : إذا دفع المضمون عنه إلى الضامن مقدار ما ضمن قبل أدائه ، فإن كان ذلك بعنوان الأمانة ليحتسب بعد الأداء عمّا له عليه ، فلا إشكال ويكون في يده أمانة لا يضمن لو تلف إلاّ بالتعدّي أو التفريط ، وإن كان بعنوان وفاء ما عليه فإن قلنا باشتغال ذمّته حين الضمان وإن لم يجب عليه دفعه إلاّ بعد أداء الضامن ، أو قلنا باشتغاله حينه بشرط الأداء بعد ذلك على وجه الكشف فهو صحيح ، ويحتسب وفاءً لكن بشرط حصول الأداء من الضامن على التقدير الثاني ، وإن قلنا إنّه لا تشتغل ذمّته إلاّ بالأداء وحينه كما هو ظاهر المشهور(1) فيشكل صحّته وفاءً ؛ لأنّ المفروض عدم اشتغال ذمّته بعد فيكون في يده كالمقبوض بالعقد الفاسد ، وبعد الأداء ليس له الاحتساب إلاّ بإذن جديد أو العلم ببقاء الرضا به .

(مسألة 17) : لو قال الضامن للمضمون عنه : ادفع عنّي إلى المضمون له ما عليّ من مال الضمان ، فدفع برئت ذمّتهما معاً ، أمّا الضامن فلأنّه قد أدّى دينه ، وأمّا المضمون عنه فلأنّ المفروض أنّ الضامن لم يخسر ، كذا قد يقال ، والأوجه أن يقال : إنّ الضامن حيث أمر المضمون عنه بأداء دينه فقد اشتغلت ذمّته بالأداء والمفروض أنّ ذمّة المضمون عنه أيضاً مشغولة له ؛ حيث إنّه أذن له في الضمان فالأداء المفروض موجب لاشتغال ذمّة الضامن من حيث كونه بأمره ، ولاشتغال ذمّة المضمون عنه حيث إنّ الضمان بإذنه وقد وفي الضامن ، فيتهاتران أو يتقاصّان(2) ، وإشكال صاحب «الجواهر» في اشتغال

ص: 576


1- - وهو الأشبه كما مرّ .
2- - لا معنى للتقاصّ هاهنا ، وأمّا التهاتر فوجيه .

ذمّة الضامن بالقول المزبور في غير محلّه .

(مسألة 18) : إذا دفع المضمون عنه إلى المضمون له من غير إذن الضامن برئا معاً ، كما لو دفعه أجنبيّ عنه .

(مسألة 19) : إذا ضمن تبرّعاً فضمن عنه ضامن بإذنه وأدّى ، ليس له الرجوع على المضمون عنه ، بل على الضامن ، بل وكذا لو ضمن بالإذن فضمن عنه ضامن بإذنه ، فإنّه بالأداء يرجع على الضامن ويرجع هو على المضمون عنه الأوّل .

(مسألة 20) : يجوز أن يضمن الدين بأقلّ منه برضا المضمون له ، وكذا يجوز أن يضمنه بأكثر منه(1) وفي الصورة الاُولى لا يرجع على المضمون عنه مع إذنه في الضمان إلاّ بذلك الأقلّ ، كما أنّ في الثانية لا يرجع عليه إلاّ بمقدار الدين ، إلاّ إذا أذن المضمون عنه في الضمان بالزيادة .

(مسألة 21) : يجوز الضمان بغير جنس الدين ، كما يجوز الوفاء بغير الجنس ، وليس له أن يرجع على المضمون عنه إلاّ بالجنس الذي عليه إلاّ برضاه .

(مسألة 22) : يجوز الضمان بشرط الرهانة فيرهن بعد الضمان ، بل الظاهر جواز اشتراط كون الملك الفلاني رهناً بنحو شرط النتيجة في ضمن عقد الضمان.

(مسألة 23) : إذا كان على الدين الذي على المضمون عنه رهن ، فهل ينفكّ بالضمان أو لا ؟ يظهر من «المسالك» و«الجواهر» انفكاكه ؛ لأنّه بمنزلة الوفاء ،

ص: 577


1- - فيه إشكال .

لكنّه لا يخلو عن إشكال(1) . هذا مع الإطلاق ، وأمّا مع اشتراط البقاء أو عدمه فهو المتّبع .

(مسألة 24) : يجوز اشتراط الضمان في مال معيّن على وجه التقييد(2) ، أو على نحو الشرائط في العقود ؛ من كونه من باب الالتزام في الالتزام ، وحينئذٍ يجب على الضامن الوفاء من ذلك المال بمعنى صرفه فيه ، وعلى الأوّل إذا تلف ذلك المال يبطل الضمان ويرجع المضمون له على المضمون عنه ، كما أ نّه إذا نقص يبقى الناقص في عهدته ، وعلى الثاني لا يبطل ، بل يوجب الخيار لمن له الشرط ؛ من الضامن أو المضمون له أو هما ، ومع النقصان يجب على الضامن الإتمام مع عدم الفسخ ، وأمّا جعل الضمان في مال معيّن من غير اشتغال ذمّة الضامن بأن يكون الدين في عهدة ذلك المال فلا يصحّ .

(مسألة 25) : إذا أذن المولى لمملوكه في الضمان في كسبه ، فإن قلنا : إنّ الضامن هو المولى ؛ للانفهام العرفي أو لقرائن خارجية ، يكون من اشتراط الضمان في مال معيّن ؛ وهو الكسب الذي للمولى ، وحينئذٍ فإذا مات العبد تبقى ذمّة المولى مشغولة إن كان على نحو الشرط في ضمن العقود ، ويبطل إن كان على وجه التقييد ، وإن انعتق يبقى وجوب الكسب(3) عليه ، وإن قلنا : إنّ الضامن

ص: 578


1- - لكن الفكّ هو الأقوى .
2- - صحّته كذلك محلّ إشكال بل منع ، إلاّ إذا كان كلّياً في المعيّن ، فإنّ له وجه صحّة ، فإنّ الكلّي في المعيّن لا يخرج عن الكلّية والذمّة على ما هو التحقيق ، فيكون ضمانه في دائرة المعيّن ، فمع تلف الكلّ يبطل الضمان ، ومع بقاء مقدار الدين لا يبطل ويتعيّن للأداء ، ومع بقاء ما ينقص عنه يبطل بالنسبة .
3- - لا وجه له في الفرض .

هو المملوك وإنّ مرجعه إلى رفع الحجر عنه بالنسبة إلى الضمان ، فإذا مات لا يجب على المولى شيء وتبقى ذمّة المملوك مشغولة يمكن تفريغه بالزكاة ونحوها ، وإن انعتق يبقى الوجوب عليه .

(مسألة 26) : إذا ضمن اثنان أو أزيد عن واحد ، فإمّا أن يكون على التعاقب أو دفعة ، فعلى الأوّل الضامن من رضي المضمون له بضمانه ، ولو أطلق الرضا بهما كان الضامن هو السابق ، ويحتمل قويّاً كونه كما إذا ضمنا دفعةً خصوصاً بناءً على اعتبار القبول من المضمون له ، فإنّ الأثر حاصل بالقبول نقلاً لا كشفاً ، وعلى الثاني إن رضي بأحدهما دون الآخر فهو الضامن ، وإن رضي بهما معاً ففي بطلانه كما عن «المختلف» و«جامع المقاصد» واختاره صاحب «الجواهر» ، أو التقسيط بينهما بالنصف أو بينهم بالثلث إن كانوا ثلاثة وهكذا ، أو ضمان كلّ منهما فللمضمون له مطالبة من شاء كما في تعاقب الأيدي وجوه ، أقواها الأخير(1) ، وعليه إذا أبرأ المضمون له واحداً منهما برئ دون الآخر ، إلاّ إذا علم إرادته إبراء أصل الدين لا خصوص ذمّة ذلك الواحد .

(مسألة 27) : إذا كان له على رجلين مال فضمن كلّ منهما ما على الآخر بإذنه فإن رضي المضمون له بهما صحّ ، وحينئذٍ فإن كان الدينان متماثلين جنساً وقدراً تحوّل ما على كلّ منهما إلى ذمّة الآخر ، ويظهر الثمر في الإعسار واليسار وفي كون أحدهما عليه رهن دون الآخر بناءً على افتكاك الرهن بالضمان ، وإن كانا مختلفين قدراً أو جنساً أو تعجيلاً وتأجيلاً أو في مقدار الأجل فالثمر ظاهر ،

ص: 579


1- - بل أضعفها ؛ لعدم إمكان ضمان الاثنين تمام المال على وجه النقل الذي هو معنى الضمان على المذهب الحقّ ، ولا يبعد كون الأوّل أقرب الوجوه .

وإن رضي المضمون له بأحدهما دون الآخر كان الجميع عليه ، وحينئذٍ فإن أدّى الجميع رجع على الآخر بما أدّى ؛ حيث إنّ المفروض كونه مأذوناً منه ، وإن أدّى البعض فإن قصد كونه ممّا عليه أصلاً أو ممّا عليه ضماناً فهو المتّبع ، ويقبل قوله إن ادّعى ذلك ، وإن أطلق ولم يقصد أحدهما فالظاهر التقسيط(1) ، ويحتمل القرعة ويحتمل كونه مخيّراً في التعيين بعد ذلك ، والأظهر الأوّل ، وكذا الحال في نظائر المسألة كما إذا كان عليه دين عليه رهن ودين آخر لا رهن عليه فأدّى مقدار أحدهما ، أو كان أحدهما من باب القرض والآخر ثمن مبيع وهكذا ، فإنّ الظاهر في الجميع التقسيط ، وكذا الحال إذا أبرأ المضمون له مقدار أحد الدينين مع عدم قصد كونه من مال الضمان أو من الدين الأصلي ، ويقبل قوله إذا ادّعى التعيين في القصد ؛ لأ نّه لا يعلم إلاّ من قبله .

(مسألة 28) : لا يشترط علم الضامن حين الضمان بثبوت الدين على المضمون عنه ، كما لا يشترط العلم بمقداره ، فلو ادّعى رجل على آخر ديناً فقال : عليّ ما عليه صحّ ، وحينئذٍ فإن ثبت بالبيّنة يجب عليه أداؤه ؛ سواء كانت سابقة أو لاحقة ، وكذا إن ثبت بالإقرار السابق على الضمان أو باليمين المردودة كذلك ، وأمّا إذا أقرّ المضمون عنه بعد الضمان ، أو ثبت باليمين المردودة ، فلا يكون حجّة على الضامن إذا أنكره ، ويلزم عنه بأدائه في الظاهر ، ولو اختلف الضامن والمضمون له في ثبوت الدين أو مقداره فأقرّ الضامن ، أو ردّ اليمين على المضمون له فحلف ، ليس له الرجوع على المضمون عنه إذا كان منكراً وإن كان

ص: 580


1- - محلّ تأمّل ، بل احتمال القرعة أقرب ، وأقرب منه عدم جواز الرجوع إلى المضمون عنه إلاّ مع العلم بالأداء لما عليه ضماناً ، وكذا نظائر المسألة فلا يفكّ الرهان إلاّ مع العلم بافتكاكه بأداء الدين الذي له رهن وكذا الحال في الإبراء .

أصل الضمان بإذنه ، ولا بدّ في البيّنة المثبتة للدين أن تشهد بثبوته حين الضمان ، فلو شهدت بالدين اللاحق أو أطلقت ولم يعلم سبقه على الضمان أو لحوقه ، لم يجب على الضامن أداؤه .

(مسألة 29) : لو قال الضامن : «عليّ ما تشهد به البيّنة» وجب عليه أداء ما شهدت بثبوته حين التكلّم بهذا الكلام ؛ لأ نّها طريق إلى الواقع وكاشف عن كون الدين ثابتاً حينه ، فما في «الشرائع» من الحكم بعدم الصحّة لا وجه له(1) ، ولا للتعليل الذي ذكره بقوله : «لأ نّه لا يعلم ثبوته في الذمّة» ، إلاّ أن يكون مراده في صورة إطلاق البيّنة المحتمل للثبوت بعد الضمان ، وأمّا ما في «الجواهر» من أنّ مراده بيان عدم صحّة ضمان ما يثبت بالبيّنة من حيث كونه كذلك ؛ لأ نّه من ضمان ما لم يجب حيث لم يجعل العنوان ضمان ما في ذمّته لتكون البيّنة طريقاً ، بل جعل العنوان ما يثبت بها والفرض وقوعه قبل ثبوته بها ، فهو كما ترى لا وجه له .

(مسألة 30) : يجوز الدور في الضمان ؛ بأن يضمن عن الضامن ضامن آخر ، ويضمن عنه المضمون عنه الأصيل ، وما عن «المبسوط» من عدم صحّته لاستلزامه صيرورة الفرع أصلاً وبالعكس ، ولعدم الفائدة لرجوع الدين كما كان ، مردود ؛ بأنّ الأوّل غير صالح للمانعية ، بل الثاني أيضاً كذلك ، مع أنّ الفائدة تظهر في الإعسار واليسار ، وفي الحلول والتأجيل ، والإذن وعدمه ، وكذا يجوز التسلسل بلا إشكال .

ص: 581


1- - بل هو وجيه إن كان الثبوت بالبيّنة على وجه التقييد ، بخلاف ما إذا كان على وجه المعرّفية والمشيرية إلى ما في ذمّته أو مقدار منه .

(مسألة 31) : إذا كان المديون فقيراً ، يجوز أن يضمن(1) عنه بالوفاء من طرف الخمس أو الزكاة أو المظالم أو نحوها من الوجوه التي تنطبق عليه ؛ إذا كانت ذمّته مشغولة بها فعلاً ، بل وإن لم تشتغل فعلاً على إشكال .

(مسألة 32) : إذا كان الدين الذي على المديون زكاة أو خمساً ، جاز أن يضمن عنه ضامن للحاكم الشرعي ، بل ولآحاد الفقراء على إشكال(2) .

(مسألة 33) : إذا ضمن في مرض موته ، فإن كان بإذن المضمون عنه فلا إشكال في خروجه من الأصل ؛ لأ نّه ليس من التبرّعات ، بل هو نظير القرض والبيع بثمن المثل نسيئة ، وإن لم يكن بإذنه فالأقوى خروجه من الأصل كسائر المنجّزات ، نعم على القول بالثلث يخرج منه .

(مسألة 34) : إذا كان ما على المديون يعتبر فيه مباشرته ، لا يصحّ ضمانه ، كما إذا كان عليه خياطة ثوب مباشرة ، وكما إذا اشترط أداء الدين من مال معيّن للمديون ، وكذا لا يجوز ضمان الكلّي في المعيّن كما إذا باع صاعاً من صبرة معيّنة ، فإنّه لا يجوز الضمان عنه والأداء من غيرها مع بقاء(3) تلك الصبرة موجودة .

(مسألة 35) : يجوز ضمان النفقة الماضية للزوجة ؛ لأ نّها دين على الزوج ، وكذا نفقة اليوم الحاضر لها إذا كانت ممكّنة في صبيحته ؛ لوجوبها عليه حينئذٍ

ص: 582


1- - محلّ إشكال ، نعم لا يبعد الجواز في بعض الأحيان للوليّ ، فيشتغل ذمّته بعنوان الولاية فيؤدّي من الوجوه المنطبقة ، وعليه لا دخالة فيه لاشتغال ذمّته بها .
2- - بل منع .
3- - وكذا مع عدم بقائها .

وإن لم تكن مستقرّة ؛ لاحتمال نشوزها في أثناء النهار بناءً على سقوطها بذلك ؛ وأمّا النفقة المستقبلة فلا يجوز(1) ضمانها عندهم ؛ لأ نّه من ضمان ما لم يجب ولكن لا يبعد صحّته ؛ لكفاية وجود المقتضي وهو الزوجية ، وأمّا نفقة الأقارب فلا يجوز ضمانها بالنسبة إلى ما مضى ؛ لعدم كونها ديناً على من كانت عليه ، إلاّ إذا أذن للقريب أن يستقرض وينفق على نفسه ، أو أذن له الحاكم في ذلك ؛ إذ حينئذٍ يكون ديناً عليه ، وأمّا بالنسبة إلى ما سيأتي فمن ضمان ما لم يجب ، مضافاً إلى أنّ وجوب الإنفاق حكم تكليفي ولا تكون النفقة في ذمّته ، ولكن مع ذلك لا يخلو عن إشكال(2) .

(مسألة 36) : الأقوى جواز ضمان مال الكتابة ؛ سواء كانت مشروطة أو مطلقة ؛ لأ نّه دين في ذمّة العبد وإن لم يكن مستقرّاً ؛ لإمكان تعجيز نفسه ، والقول بعدم الجواز مطلقاً أو في خصوص المشروطة معلّلاً بأ نّه ليس بلازم ولا يؤول إلى اللزوم ضعيف ، كتعليله ، وربما يعلّل بأنّ لازم ضمانه لزومه مع أ نّه بالنسبة إلى المضمون عنه غير لازم ، فيكون في الفرع لازماً مع أ نّه في الأصل غير لازم ، وهو أيضاً كما ترى .

(مسألة 37) : اختلفوا في جواز ضمان مال الجعالة قبل الإتيان بالعمل ، وكذا مال السبق والرماية ، فقيل بعدم الجواز ؛ لعدم ثبوته في الذمّة قبل العمل ، والأقوى وفاقاً لجماعة الجواز(3) لا لدعوى ثبوته في الذمّة من الأوّل وسقوطه

ص: 583


1- - وهو الأقوى .
2- - لا إشكال في بطلان الضمان .
3- - محلّ إشكال .

إذا لم يعمل ، ولا لثبوته من الأوّل بشرط مجيء العمل في المستقبل ؛ إذ الظاهر أنّ الثبوت إنّما هو بالعمل ، بل لقوله تعالى : (وَلِمَنْ جَآءَ بِهِ حِملُ بَعِيرٍ وَأَ نَا بِهِ زَعِيمٌ) ولكفاية المقتضي للثبوت في صحّة الضمان ومنع اعتبار الثبوت الفعلي ، كما أشرنا إليه سابقاً .

(مسألة 38) : اختلفوا في جواز ضمان الأعيان المضمونة كالغصب والمقبوض بالعقد الفاسد ونحوهما على قولين ؛ ذهب إلى كلّ منهما جماعة ، والأقوى الجواز(1) ؛ سواء كان المراد ضمانها بمعنى التزام ردّها عيناً ومثلها ، أو قيمتها على فرض التلف ، أو كان المراد ضمانها بمعنى التزام مثلها أو قيمتها إذا تلفت ، وذلك لعموم قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «الزعيم غارم» ، والعمومات العامّة مثل قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالعُقُودِ) ودعوى : أ نّه على التقدير الأوّل يكون من ضمان العين بمعنى الالتزام بردّها مع أنّ الضمان نقل الحقّ من ذمّة إلى اُخرى ، وأيضاً لا إشكال في أنّ الغاصب أيضاً مكلّف بالردّ فيكون من ضمّ ذمّة إلى اُخرى وليس من مذهبنا ، وعلى الثاني يكون من ضمان ما لم يجب كما أ نّه على الأوّل أيضاً كذلك بالنسبة إلى ردّ المثل أو القيمة عند التلف ، مدفوعة ؛ بأ نّه لا مانع منه بعد شمول العمومات ، غاية الأمر أ نّه ليس من الضمان المصطلح ، وكونه من ضمان ما لم يجب لا يضرّ بعد ثبوت المقتضي ، ولا دليل على عدم صحّة ضمان ما لم يجب من نصّ أو إجماع وإن اشتهر في الألسن ، بل في جملة من الموارد حكموا بصحّته ، وفي جملة منها اختلفوا فيه ، فلا إجماع ، وأمّا ضمان الأعيان الغير المضمونة كمال المضاربة والرهن والوديعة قبل تحقّق سبب ضمانها من

ص: 584


1- - بل الأقوى عدم الجواز .

تعدٍّ أو تفريط ، فلا خلاف بينهم في عدم صحّته ، والأقوى بمقتضى العمومات صحّته(1) أيضاً .

(مسألة 39) : يجوز عندهم بلا خلاف بينهم ضمان درك(2) الثمن للمشتري إذا ظهر كون المبيع مستحقّاً للغير ، أو ظهر بطلان البيع لفقد شرط من شروط صحّته إذا كان ذلك بعد قبض الثمن ، كما قيّد به الأكثر ، أو مطلقاً كما أطلق آخرون وهو الأقوى ، قيل : وهذا مستثنى من عدم ضمان الأعيان . هذا ، وأمّا لو كان البيع صحيحاً وحصل الفسخ بالخيار أو التقايل أو تلف المبيع قبل القبض فعلى المشهور(3) لم يلزم الضامن ، ويرجع على البائع ؛ لعدم ثبوت الحقّ وقت الضمان فيكون من ضمان ما لم يجب ، بل لو صرّح بالضمان إذا حصل الفسخ لم يصحّ بمقتضى التعليل المذكور ، نعم في الفسخ بالعيب السابق أو اللاحق اختلفوا في أ نّه هل يدخل في العهدة ويصحّ الضمان أو لا ؟ فالمشهور على العدم ، وعن بعضهم دخوله ولازمه الصحّة مع التصريح بالاُولى ، والأقوى في الجميع الدخول مع الإطلاق ، والصحّة مع التصريح ، ودعوى : أ نّه من ضمان ما لم يجب ، مدفوعة بكفاية وجود السبب . هذا بالنسبة إلى ضمان عهدة الثمن إذا حصل الفسخ ، وأمّا بالنسبة إلى مطالبة الأرش فقال بعض من مَنَع من ذلك بجوازها ؛ لأنّ الاستحقاق له ثابت عند العقد ، فلا يكون من ضمان ما لم يجب ، وقد عرفت أنّ الأقوى صحّة الأوّل أيضاً ، وأنّ تحقّق السبب حال العقد كافٍ ، مع إمكان دعوى : أنّ الأرش أيضاً لا يثبت إلاّ بعد اختياره ومطالبته ، فالصحّة فيه أيضاً من جهة كفاية

ص: 585


1- - بل الأقوى بطلانه .
2- - مع بقاء الثمن في يد البائع محلّ تردّد ، نعم لا إشكال فيه مع تلفه .
3- - وهو المنصور فيه وفيما بعده ، نعم لا يبعد ذلك في الأرش .

تحقّق السبب ، وممّا ذكرنا ظهر حال ضمان درك المبيع(1) للبائع .

(مسألة 40) : إذا ضمن عهدة الثمن فظهر بعض المبيع مستحقّاً فالأقوى اختصاص ضمان الضامن بذلك البعض ، وفي البعض الآخر يتخيّر المشتري بين الإمضاء والفسخ لتبعّض الصفقة ، فيرجع على البائع بما قابله ، وعن الشيخ جواز الرجوع على الضامن بالجميع ، ولا وجه له .

(مسألة 41) : الأقوى وفاقاً للشهيدين صحّة ضمان ما يحدثه المشتري من بناء أو غرس في الأرض المشتراة ؛ إذا ظهر كونها مستحقّة للغير وقلع البناء والغرس ، فيضمن الأرش - وهو تفاوت ما بين المقلوع والثابت - عن البائع خلافاً للمشهور(2) ؛ لأ نّه من ضمان ما لم يجب وقد عرفت كفاية السبب ، هذا ولو ضمنه البائع قيل لا يصحّ(3) أيضاً كالأجنبيّ وثبوته بحكم الشرع لا يقتضي صحّة عقد الضمان المشروط بتحقّق الحقّ حال الضمان ، وقيل بالصحّة ؛ لأ نّه لازم بنفس العقد فلا مانع من ضمانه ؛ لما مرّ من كفاية تحقّق السبب ، فيكون حينئذٍ للضمان سببان : نفس العقد والضمان بعقده ، ويظهر الثمر فيما لو أسقط المشتري عنه حقّ الضمان الثابت بالعقد ، فإنّه يبقى الضمان العقدي ، كما إذا كان لشخص خياران بسببين فأسقط أحدهما ، وقد يورد عليه بأ نّه لا معنى لضمان شخص عن نفسه والمقام من هذا القبيل ، ويمكن أن يقال : لا مانع منه مع تعدّد الجهة . هذا كلّه إذا كان بعنوان عقد الضمان ، وأمّا إذا اشترط ضمانه فلا بأس به ويكون مؤكّداً لما هو لازم العقد .

ص: 586


1- - يأتي فيه ما قوّينا في ضمان درك الثمن .
2- - وهو المنصور .
3- - وهو الأقوى ، بل لا وجه لضمان الشخص عن نفسه ولو مع تعدّد الجهة .

(مسألة 42) : لو قال عند خوف غرق السفينة : ألق متاعك في البحر وعليّ ضمانه ، صحّ بلا خلاف بينهم ، بل الظاهر الإجماع عليه وهو الدليل عندهم ، وأمّا إذا لم يكن لخوف الغرق بل لمصلحة اُخرى من خفّة السفينة أو نحوها فلا يصحّ(1) عندهم ، ومقتضى العمومات صحّته أيضاً .

تتمّة

قد علم من تضاعيف المسائل المتقدّمة الاتّفاقية أو الخلافية أنّ ما ذكروه في أوّل الفصل ؛ من تعريف الضمان ، وأ نّه نقل الحقّ الثابت من ذمّة إلى اُخرى ، وأ نّه لا يصحّ في غير الدين ولا في غير الثابت حين الضمان ، لا وجه له(2) ، وأ نّه أعمّ من ذلك حسب ما فصّل .

(مسألة 1) : لو اختلف المضمون له والمضمون عنه في أصل الضمان فادّعى أ نّه ضمنه ضامن وأنكره المضمون له ، فالقول قوله ، وكذا لو ادّعى أ نّه ضمن تمام ديونه وأنكره المضمون له ؛ لأصالة بقاء ما كان عليه ، ولو اختلفا في إعسار الضامن حين العقد ويساره ، فادّعى المضمون له إعساره ، فالقول قول(3) المضمون عنه ، وكذا لو اختلفا في اشتراط الخيار للمضمون له

ص: 587


1- - وهو الأقوى ، وأمّا الأوّل فقد ادّعى الشيخ إجماع الفرقة ، بل إجماع الاُمّة - عدا أبي ثور - عليه ولا بأس به ، لكنّه ليس من فروع هذا الكتاب وغير مربوط بالضمان المذكور فيه .
2- - بناءً على مبناه ، وقد مرّ الكلام في المسائل المذكورة .
3- - مع سبق يساره ، وقول المضمون له مع سبق إعساره ، ومع الجهل بالحالة السابقة فمحلّ إشكال .

وعدمه ، فإنّ القول قول المضمون عنه ، وكذا لو اختلفا في صحّة الضمان وعدمها .

(مسألة 2) : لو اختلف الضامن والمضمون له في أصل الضمان ، أو في ثبوت الدين وعدمه ، أو في مقداره ، أو في مقدار ما ضمن ، أو في اشتراط تعجيله ، أو تنقيص أجله إذا كان مؤجّلاً ، أو في اشتراط شيء عليه زائداً على أصل الدين ، فالقول قول الضامن ، ولو اختلفا في اشتراط تأجيله مع كونه حالاًّ ، أو زيادة أجله مع كونه مؤجّلاً أو وفائه ، أو إبراء المضمون له عن جميعه أو بعضه ، أو تقييده بكونه من مال معيّن والمفروض تلفه ، أو اشتراط خيار الفسخ للضامن ، أو اشتراط شيء على المضمون له ، أو اشتراط كون الضمان بما يسوى أقلّ من الدين ، قدّم قول المضمون له .

(مسألة 3) : لو اختلف الضامن والمضمون عنه في الإذن وعدمه ، أو في وفاء الضامن حتّى يجوز له الرجوع وعدمه ، أو في مقدار الدين الذي ضمن ، وأنكر المضمون عنه الزيادة ، أو في اشتراط شيء على المضمون عنه(1) ، أو اشتراط الخيار للضامن ، قدّم قول المضمون عنه ، ولو اختلفا في أصل الضمان ، أو في مقدار الدين الذي ضمنه ، وأنكر الضامن الزيادة ، فالقول قول الضامن .

(مسألة 4) : إذا أنكر الضامن الضمان فاستوفي الحقّ منه بالبيّنة ليس له الرجوع على المضمون عنه المنكر للإذن أو الدين ؛ لاعترافه بكونه أخذ منه ظلماً ، نعم لو كان مدّعياً مع ذلك للإذن في الأداء بلا ضمان ولم يكن منكراً

ص: 588


1- - أي في عقد آخر .

لأصل الدين ، وفرض كون المضمون عنه أيضاً معترفاً بالدين والإذن في الضمان ، جاز له الرجوع عليه ، إذ لا منافاة بين إنكار الضمان وادّعاء الإذن في الأداء ، فاستحقاقه الرجوع معلوم ، غاية الأمر أ نّه يقول : إنّ ذلك للإذن في الأداء ، والمضمون عنه يقول : إنّه للإذن في الضمان ، فهو كما لو ادّعى على شخص : أ نّه يطلب منه عشر قرانات قرضاً ، والمدّعي ينكر القرض ويقول : إنّه يطلبه من باب ثمن المبيع ، فأصل الطلب معلوم ولو لم يعترف المضمون عنه بالضمان أو الإذن فيه وثبت عليه ذلك بالبيّنة ، فكذلك يجوز له الرجوع عليه مقاصّة عمّا أخذ منه ، وهل يجوز للشاهدين على الإذن في الضمان حينئذٍ أن يشهدا بالإذن من غير بيان كونه الإذن في الضمان أو كونه الإذن في الأداء ؟ الظاهر ذلك(1) وإن كان لا يخلو عن إشكال ، وكذا في نظائره ، كما إذا ادّعى شخص على آخر : أ نّه يطلب قرضاً ، وبيّنته تشهد بأ نّه يطلبه من باب ثمن المبيع لا القرض ، فيجوز لهما أن يشهدا بأصل الطلب من غير بيان أ نّه للقرض أو لثمن المبيع على إشكال .

(مسألة 5) : إذا ادّعى الضامن الوفاء ، وأنكر المضمون له وحلف ، ليس له الرجوع على المضمون عنه ؛ إذا لم يصدّقه في ذلك ، وإن صدّقه جاز له الرجوع إذا كان بإذنه وتقبل شهادته له بالأداء ؛ إذا لم يكن هناك مانع من تهمة أو غيرها ؛ ممّا يمنع من قبول الشهادة .

(مسألة 6) : لو أذن المديون لغيره في وفاء دينه بلا ضمان فوفى ، جاز له

ص: 589


1- - لا معنى للشهادة بالإذن المطلق بلا ذكر المتعلّق ، ولا تأثير للبيّنة فيه ، وهذا بخلاف الفرض الآتي ؛ فإنّ الشهادة على الدين مؤثّرة ولو بلا ذكر السبب .

الرجوع عليه ، ولو ادّعى الوفاء وأنكر الإذن قبل قول المأذون ؛ لأ نّه أمين من قبله ، ولو قيّد الأداء بالإشهاد وادّعى الإشهاد وغيبة الشاهدين قبل قوله أيضاً ، ولو علم عدم إشهاده ليس له الرجوع ، نعم لو علم أ نّه وفّاه ولكن لم يشهد ، يحتمل جواز الرجوع عليه ، لأنّ الغرض من الإشهاد العلم بحصول الوفاء والمفروض تحقّقه .

ص: 590

كتاب الحوالة

وهي عندهم تحويل المال من ذمّة إلى ذمّة ، والأولى أن يقال : إنّها إحالة المديون دائنه إلى غيره(1) ، أو إحالة المديون دينه من ذمّته إلى ذمّة غيره ، وعلى هذا فلا ينتقض طرده بالضمان ، فإنّه وإن كان تحويلاً من الضامن للدين من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّته ، إلاّ أ نّه ليس فيه الإحالة المذكورة ، خصوصاً إذا لم يكن بسؤال من المضمون عنه ، ويشترط فيها - مضافاً إلى البلوغ والعقل والاختيار ، وعدم السفه في الثلاثة من المحيل والمحتال والمحال عليه ، وعدم الحجر بالسفه(2) في المحتال والمحال عليه ، بل والمحيل ، إلاّ إذا كانت الحوالة على البريء فإنّه لا بأس به ، فإنّه نظير الاقتراض منه - اُمور :

أحدها : الإيجاب والقبول على ما هو المشهور بينهم ؛ حيث عدّوها من العقود اللازمة فالإيجاب من المحيل والقبول من المحتال ، وأمّا المحال عليه فليس من

ص: 591


1- - في دينه .
2- - بل بالفلس ، والظاهر اشتباه النسخة وإنّما يعتبر عدم الحجر بالفلس في المحتال ، وكذا في المحيل إلاّ على البريء ، وأمّا في المحال عليه فلا يعتبر وإن كان محجوراً عليه في أمواله الموجودة قبل رفعه .

أركان العقد وإن اعتبرنا رضاه مطلقاً ، أو إذا كان بريئاً ، فإنّ مجرّد اشتراط الرضا منه لا يدلّ على كونه طرفاً وركناً للمعاملة ، ويحتمل أن يقال : يعتبر قبوله(1) أيضاً ، فيكون العقد مركّباً من الإيجاب والقبولين ، وعلى ما ذكروه يشترط فيها ما يشترط في العقود اللازمة ؛ من الموالاة بين الإيجاب والقبول ونحوها ، فلا تصحّ مع غيبة المحتال أو المحال عليه أو كليهما ؛ بأن أوقع الحوالة بالكتابة ، ولكن الذي يقوى عندي كونها من الإيقاع(2) ، غاية الأمر اعتبار الرضا من المحتال أو منه ومن المحال عليه ، ومجرّد هذا لا يصيّره عقداً ، وذلك لأ نّها نوع من وفاء الدين وإن كانت توجب انتقال الدين من ذمّته إلى ذمّة المحال عليه ، فهذا النقل والانتقال نوع من الوفاء وهو لا يكون عقداً وإن احتاج إلى الرضا من الآخر ، كما في الوفاء بغير الجنس فإنّه يعتبر فيه رضا الدائن ومع ذلك إيقاع ، ومن ذلك يظهر أنّ الضمان أيضاً من الإيقاع ، فإنّه نوع من الوفاء وعلى هذا فلا يعتبر فيهما شيء ممّا يعتبر في العقود اللازمة ، ويتحقّقان بالكتابة ونحوها ، بل يمكن دعوى : أنّ الوكالة أيضاً كذلك ، كما أنّ الجعالة كذلك وإن كان يعتبر فيها الرضا من الطرف الآخر ، ألا ترى أ نّه لا فرق بين أن يقول : أنت مأذون في بيع داري ، أو قال : أنت وكيل ، مع أنّ الأوّل من الإيقاع قطعاً .

الثاني : التنجيز(3) ، فلا تصحّ مع التعليق على شرط أو وصف ، كما هو ظاهر

ص: 592


1- - الأقوى اعتباره في الحوالة على البريء أو بغير جنس ما على المحال عليه ، والأحوط اعتباره في غيرهما أيضاً ، لكن لا يبعد عدم اعتبار عدم الفصل المعتبر في القبول .
2- - هذا في غاية الضعف في المقام وكذا في الضمان والوكالة ، ولا إشكال في أنّ كلّها من العقود وفيها ميزانها المقوّم لها، وأمّا الإذن فهو إيقاع ، والفرق بينه وبين الوكالة ظاهر .
3- - على الأحوط .

المشهور ، لكن الأقوى عدم اعتباره كما مال إليه بعض متأخّري المتأخّرين .

الثالث : الرضا من المحيل والمحتال بلا إشكال ، وما عن بعضهم من عدم اعتبار رضا المحيل فيما لو تبرّع المحال عليه بالوفاء بأن قال للمحتال : أحلت بالدين الذي لك على فلان على نفسي ، وحينئذٍ فيشترط رضا المحتال والمحال عليه دون المحيل ، لا وجه له ؛ إذ المفروض لا يكون من الحوالة ، بل هو من الضمان ، وكذا من المحال عليه إذا كان بريئاً أو كانت الحوالة بغير جنس ما عليه ، وأمّا إذا كانت بمثل ما عليه ففيه خلاف(1) ، ولا يبعد التفصيل(2) بين أن يحوّله عليه بماله عليه بأن يقول : أعطه من الحقّ الذي لي عليك ، فلا يعتبر رضاه فإنّه بمنزلة الوكيل في وفاء دينه وإن كان بنحو إشتغال ذمّته للمحتال وبراءة ذمّة المحيل بمجرّد الحوالة ، بخلاف ما إذا وكّله ، فإنّ ذمّة المحيل مشغولة إلى حين الأداء ، وبين أن يحوّله عليه من غير نظر إلى الحقّ الذي له عليه على نحو الحوالة على البريء ، فيعتبر رضاه ؛ لأنّ شغل ذمّته بغير رضاه على خلاف القاعدة ، وقد يعلّل باختلاف الناس في الاقتضاء ، فلا بدّ من رضاه ، ولا يخفى ضعفه ، كيف وإلاّ لزم عدم جواز بيع دينه على غيره مع أ نّه لا إشكال فيه .

الرابع : أن يكون المال المحال به ثابتاً في ذمّة المحيل ؛ سواء كان مستقرّاً أو متزلزلاً ، فلا تصحّ في غير الثابت ؛ سواء وجد سببه كمال الجعالة قبل العمل ومال السبق والرماية قبل حصول السبق ، أو لم يوجد سببه أيضاً كالحوالة بما

ص: 593


1- - والأحوط اعتباره ، بل اعتبار قبوله كما مرّ .
2- - بل لا وجه له ، فإنّ الحوالة على المديون بنحو ما على البريء لا محصّل لها ، ولا ربط بين باب الحوالة والوكالة .

يستقرضه ، هذا ما هو المشهور(1) ، لكن لا يبعد كفاية حصول السبب كما ذكرنا في الضمان ، بل لا يبعد الصحّة فيما إذا قال : اقرضني كذا وخذ عوضه من زيد ، فرضي ورضي زيد أيضاً ؛ لصدق الحوالة وشمول العمومات ، فتفرغ ذمّة المحيل وتشتغل ذمّة المحال بعد العمل وبعد الاقتراض .

الخامس : أن يكون المال المحال به معلوماً ؛ جنساً وقدراً ، للمحيل والمحتال ، فلا تصحّ الحوالة بالمجهول على المشهور للغرر ، ويمكن أن يقال بصحّته إذا كان آئلاً إلى العلم كما إذا كان ثابتاً في دفتره ، على حدّ ما مرّ في الضمان من صحّته مع الجهل بالدين ، بل لا يبعد الجواز مع عدم أوله إلى العلم بعد إمكان الأخذ بالقدر المتيقّن ، بل وكذا لو قال : كلّما شهدت به البيّنة وثبت خذه من فلان ، نعم لو كان مبهماً كما إذا قال : أحد الدينين اللذين لك عليّ خذ من فلان ، بطل ، وكذا لو قال : خذ شيئاً من دينك من فلان . هذا ، ولو أحال الدينين على نحو الواجب التخييري أمكن الحكم(2) بصحّته ؛ لعدم الإبهام فيه حينئذٍ .

السادس : تساوي المالين - أي المحال به والمحال عليه - جنساً ونوعاً ووصفاً على ما ذكره جماعة خلافاً لآخرين ، وهذا العنوان وإن كان عامّاً إلاّ أنّ مرادهم بقرينة التعليل بقولهم : تفصّياً من التسلّط على المحال عليه بما لم تشتغل ذمّته به ؛ إذ لا يجب عليه أن يدفع إلاّ مثل ما عليه فيما كانت الحوالة على مشغول الذمّة بغير ما هو مشغول الذمّة به ، كأن يحيل من له عليه دراهم على من له عليه دنانير ؛ بأن يدفع بدل الدنانير دراهم ، فلا يشمل ما إذا أحال من له عليه الدراهم على البريء بأن يدفع الدنانير ، أو على مشغول الذمّة بالدنانير بأن يدفع

ص: 594


1- - وهو المنصور ، بل الأقوى عدم الصحّة في الفرع اللاحق .
2- - محلّ تأمّل .

الدراهم ، ولعلّه لأنّه وفاء بغير الجنس برضا الدائن ، فمحلّ الخلاف ما إذا أحال على من عليه جنس بغير ذلك الجنس ، والوجه في عدم الصحّة ما اُشير إليه من أ نّه لا يجب عليه أن يدفع إلاّ مثل ما عليه ، وأيضاً الحكم على خلاف القاعدة ولا إطلاق في خصوص الباب ولا سيرة كاشفة والعمومات منصرفة إلى العقود المتعارفة ، ووجه الصحّة أنّ غاية ما يكون أ نّه مثل الوفاء بغير الجنس ولا بأس به(1) ، وهذا هو الأقوى ، ثمّ لا يخفى أنّ الإشكال إنّما هو فيما إذا قال : أعط ممّا لي عليك من الدنانير دراهم ؛ بأن أحال عليه بالدراهم من الدنانير التي عليه ، وأمّا إذا أحال عليه بالدراهم من غير نظر إلى ما عليه من الدنانير فلا ينبغي الإشكال فيه ؛ إذ هو نظير إحالة من له الدراهم على البريء بأن يدفع الدنانير ، وحينئذٍ فتفرغ ذمّة المحيل من الدراهم وتشتغل ذمّة المحال عليه بها ، وتبقى ذمّة المحال عليه مشغولة بالدنانير وتشتغل ذمّة المحيل له بالدراهم ، فيتحاسبان بعد ذلك ، ولعلّ الخلاف أيضاً مختصّ بالصورة الاُولى لا ما يشمل هذه الصورة أيضاً ، وعلى هذا فيختصّ الخلاف بصورة واحدة وهي ما إذا كانت الحوالة على مشغول الذمّة بأن يدفع من طرف ما عليه من الحقّ بغير جنسه ، كأن يدفع من الدنانير التي عليه دراهم .

(مسألة 1) : لا فرق في المال المحال به أن يكون عيناً في الذمّة أو منفعة أو عملاً لا يعتبر فيه المباشرة ، ولو مثل الصلاة والصوم والحجّ والزيارة والقراءة ؛ سواء كانت على بريء أو على مشغول الذمّة بمثلها ، وأيضاً لا فرق بين أن يكون

ص: 595


1- - بعد رضا الطرفين ، ولكن الأحوط قلب ما على المحال عليه بناقل شرعي بالجنس ثمّ الحوالة .

مثلياً كالطعام أو قيمياً كالعبد والثوب ، والقول بعدم الصحّة في القيمي للجهالة ضعيف ، والجهالة مرتفعة بالوصف الرافع لها .

(مسألة 2) : إذا تحقّقت الحوالة برئت ذمّة المحيل وإن لم يبرئه المحتال ، والقول بالتوقّف على إبرائه ضعيف ، والخبر الدالّ على تقييد عدم الرجوع على المحيل بالإبراء من المحتال المراد منه : القبول ، لا اعتبارها بعده أيضاً ، وتشتغل ذمّة المحال عليه للمحتال فينتقل الدين إلى ذمّته ، وتبرأ ذمّة المحال عليه للمحيل إن كانت الحوالة بالمثل بقدر المال المحال به ، وتشتغل ذمّة المحيل للمحال عليه إن كانت على بريء أو كانت بغير المثل ، ويتحاسبان بعد ذلك .

(مسألة 3) : لا يجب على المحتال قبول الحوالة وإن كانت على مليء .

(مسألة 4) : الحوالة لازمة فلا يجوز فسخها بالنسبة إلى كلّ من الثلاثة ، نعم لو كانت على معسر مع جهل المحتال بإعساره يجوز له الفسخ والرجوع على المحيل ، والمراد من الإعسار أن لا يكون له ما يوفي دينه زائداً على مستثنيات الدين ، وهو المراد من الفقر في كلام بعضهم ، ولا يعتبر فيه كونه محجوراً ، والمناط الإعسار واليسار حال الحوالة وتماميتها ، ولا يعتبر الفور في جواز الفسخ ، ومع إمكان الاقتراض والبناء عليه يسقط(1) الخيار ؛ للانصراف على إشكال ، وكذا مع وجود المتبرّع .

(مسألة 5) : الأقوى جواز الحوالة على البريء ، ولا يكون داخلاً في الضمان .

(مسألة 6) : يجوز اشتراط خيار الفسخ لكلّ من الثلاثة .

ص: 596


1- - الأشبه عدم السقوط .

(مسألة 7) : يجوز الدور في الحوالة وكذا يجوز الترامي بتعدّد المحال عليه واتّحاد المحتال ، أو بتعدّد المحتال واتّحاد المحال عليه .

(مسألة 8) : لو تبرّع أجنبيّ عن المحال عليه برئت ذمّته ، وكذا لو ضمن عنه ضامن برضا المحتال ، وكذا لو تبرّع المحيل عنه .

(مسألة 9) : لو أحال عليه فقبل وأدّى ، ثمّ طالب المحيل بما أدّاه فادّعى أ نّه كان له عليه مال وأنكر المحال عليه ، فالقول قوله مع عدم البيّنة فيحلف على براءته ويطالب عوض ما أدّاه لأصالة البراءة من شغل ذمّته للمحيل ، ودعوى : أنّ الأصل أيضاً عدم اشتغال ذمّة المحيل بهذا الأداء ، مدفوعة(1) بأنّ الشكّ في حصول اشتغال ذمّته وعدمه مسبّب عن الشكّ في اشتغال ذمّة المحال عليه وعدمه ، وبعد جريان أصالة براءة ذمّته يرتفع الشكّ . هذا على المختار من صحّة الحوالة على البريء ، وأمّا على القول بعدم صحّتها فيقدّم قول المحيل ؛ لأنّ مرجع الخلاف إلى صحّة الحوالة وعدمها ومع اعتراف المحال عليه بالحوالة يقدّم قول مدّعي الصحّة وهو المحيل ، ودعوى : أنّ تقديم قول مدّعي الصحّة إنّما هو إذا كان النزاع بين المتعاقدين - وهما في الحوالة المحيل والمحتال - وأمّا المحال عليه فليس طرفاً وإن اعتبر رضاه في صحّتها ، مدفوعة ؛ أوّلاً بمنع عدم كونه طرفاً ، فإنّ الحوالة مركّبة من إيجاب وقبولين ، وثانياً يكفي اعتبار رضاه في الصحّة في جعل اعترافه بتحقّق المعاملة حجّة عليه بالحمل على الصحّة ، نعم لو لم يعترف بالحوالة بل ادّعى : أ نّه أذن له في أداء دينه ، يقدّم قوله ؛ لأصالة البراءة من شغل ذمّته فبإذنه في أداء دينه له مطالبة عوضه ولم يتحقّق هنا حوالة بالنسبة

ص: 597


1- - في هذا الدفع إشكال .

إليه حتّى تحمل على الصحّة وإن تحقّق بالنسبة إلى المحيل والمحتال ؛ لاعترافهما بها .

(مسألة 10) : قد يستفاد من عنوان المسألة السابقة - حيث قالوا : لو أحال عليه فقبل وأدّى ، فجعلوا محلّ الخلاف ما إذا كان النزاع بعد الأداء - أنّ حال الحوالة حال الضمان في عدم جواز مطالبة العوض إلاّ بعد الأداء ، فقبله وإن حصل الوفاء بالنسبة إلى المحيل ، لكن ذمّة المحيل لا تشتغل للمحال عليه البريء إلاّ بعد الأداء ، والأقوى(1) حصول الشغل بالنسبة إلى المحيل بمجرّد قبول المحال عليه ؛ إذ كما يحصل به الوفاء بالنسبة إلى دين المحيل بمجرّده فكذا في حصوله بالنسبة إلى دين المحال عليه للمحيل إذا كان مديوناً له ، وحصول شغل ذمّة المحيل له إذا كان بريئاً ، ومقتضى القاعدة في الضمان أيضاً تحقّق شغل المضمون عنه للضامن بمجرّد ضمانه ، إلاّ أنّ الإجماع وخبر الصلح دلاّ على التوقّف على الأداء فيه ، وفي المقام لا إجماع ولا خبر ، بل لم يتعرّضوا لهذه المسألة ، وعلى هذا فله الرجوع على المحيل ولو قبل الأداء ، بل وكذا لو أبرأه المحتال أو وفّاه بالأقلّ أو صالحه بالأقلّ ، فله عوض ما أحاله عليه بتمامه مطلقاً إذا كان بريئاً .

(مسألة 11) : إذا أحال السيّد بدينه على مكاتبه بمال الكتابة المشروطة أو المطلقة صحّ ؛ سواء كان قبل حلول النجم أو بعده ؛ لثبوته في ذمّته ، والقول بعدم صحّته قبل الحلول لجواز تعجيز نفسه ضعيف ؛ إذ غاية ما يكون كونه متزلزلاً

ص: 598


1- - بل الأقوى عدم حصوله إلاّ بالأداء ، وحالها حال الضمان فيه وفي سائر ما ذكر في المسألة مثل الإبراء والوفاء بالأقلّ .

فيكون كالحوالة على المشتري بالثمن في زمان الخيار ، واحتمال عدم اشتغال ذمّة العبد لعدم ثبوت ذمّة اختيارية له فيكون وجوب الأداء تكليفياً ، كما ترى . ثمّ إنّ العبد بقبول الحوالة يتحرّر ؛ لحصول وفاء مال الكتابة بالحوالة ولو لم يحصل الأداء منه ، فإذا أعتقه المولى قبل الأداء بطل عتقه ، وما عن «المسالك» من عدم حصول الانعتاق قبل الأداء - لأنّ الحوالة ليست في حكم الأداء بل في حكم التوكيل ، وعلى هذا إذا أعتقه المولى صحّ وبطلت الكتابة ولم يسقط عن المكاتب مال الحوالة ؛ لأ نّه صار لازماً للمحتال ولا يضمن السيّد ما يغرمه من مال الحوالة - فيه نظر من وجوه ، وكأنّ دعواه(1) أنّ الحوالة ليست في حكم الأداء ، إنّما هي بالنظر إلى ما مرّ من دعوى توقّف شغل ذمّة المحيل للمحال عليه على الأداء كما في الضمان ، فهي وإن كان كالأداء بالنسبة إلى المحيل والمحتال فبمجرّدها يحصل الوفاء وتبرأ ذمّة المحيل ، لكن بالنسبة إلى المحال عليه والمحيل ليس كذلك ، وفيه منع التوقّف المذكور كما عرفت ، فلا فرق بين المقامين في كون الحوالة كالأداء فيتحقّق بها الوفاء .

(مسألة 12) : لو باع السيّد مكاتبه سلعة فأحاله بثمنها صحّ ؛ لأنّ حاله حال الأحرار ؛ من غير فرق بين سيّده وغيره ، وما عن الشيخ من المنع ضعيف .

(مسألة 13) : لو كان للمكاتب دين على أجنبيّ فأحال سيّده عليه من مال الكتابة صحّ ، فيجب عليه تسليمه للسيّد ويكون موجباً لانعتاقه؛ سواء أدّى المحال عليه المال للسيّد أم لا .

(مسألة 14) : لو اختلفا في أنّ الواقع منهما كانت حوالة أو وكالة فمع عدم

ص: 599


1- - كون نظره إلى ما ذكر محلّ إشكال .

البيّنة يقدّم قول منكر الحوالة(1) ؛ سواء كان هو المحيل أو المحتال ، وسواء كان ذلك قبل القبض من المحال عليه أو بعده ، وذلك لأصالة بقاء اشتغال ذمّة المحيل للمحتال وبقاء اشتغال ذمّة المحال عليه للمحيل وأصالة عدم ملكية المال المحال به للمحتال ، ودعوى : أ نّه إذا كان بعد القبض يكون مقتضى اليد ملكية المحتال فيكون المحيل المنكر للحوالة مدّعياً ، فيكون القول قول المحتال في هذه الصورة ، مدفوعة بأنّ مثل هذه اليد لا يكون أمارة على ملكية ذيها ، فهو نظير ما إذا دفع شخص ماله إلى شخص وادّعى : أنّه دفعه أمانة ، وقال الآخر : دفعتني هبة أو قرضاً ، فإنّه لا يقدّم قول ذي اليد . هذا كلّه إذا لم يعلم اللفظ الصادر منهما ، وأمّا إذا علم وكان ظاهراً في الحوالة أو في الوكالة فهو المتّبع ، ولو علم أنّه قال : أحلتك على فلان ، وقال : قبلت ، ثمّ اختلفا في أ نّه حوالة أو وكالة ، فربما يقال : إنّه يقدّم قول مدّعي الحوالة(2) ؛ لأنّ الظاهر من لفظ أحلت هو الحوالة المصطلحة واستعماله في الوكالة مجاز فيحمل على الحوالة ؛ وفيه : منع الظهور المذكور ، نعم لفظ الحوالة ظاهر في الحوالة المصطلحة ، وأمّا ما يشتقّ منها كلفظ أحلت فظهوره فيها ممنوع ، كما أنّ لفظ الوصيّة ظاهر في الوصيّة المصطلحة وأمّا لفظ أوصيت أو اُوصيك بكذا فليس كذلك ، فتقديم قول مدّعي الحوالة في الصورة المفروضة محلّ منع .

(مسألة 15) : إذا أحال البائع من له عليه دين على المشتري بالثمن ، أو أحال

ص: 600


1- - لا بمعنى ثبوت الوكالة وترتيب أثرها لو كان لها أثر ، وللمسألة صور وكذا لطرح الدعوى ، ولعلّ في بعضها يكون المرجع التحالف على إشكال .
2- - لا يخلو من قوّة ، ومنع الظهور ممنوع .

المشتري البائع بالثمن على أجنبيّ بريء أو مديون للمشتري ، ثمّ بان بطلان البيع بطلت الحوالة في الصورتين ؛ لظهور عدم اشتغال ذمّة المشتري للبائع ، واللازم اشتغال ذمّة المحيل للمحتال . هذا في الصورة الثانية ، وفي الصورة الاُولى وإن كان المشتري محالاً عليه ويجوز الحوالة على البريء ، إلاّ أنّ المفروض إرادة الحوالة عليه من حيث ثبوت الثمن في ذمّته ، فهي في الحقيقة حوالة على ما في ذمّته لا عليه(1) ، ولا فرق بين أن يكون انكشاف البطلان قبل القبض أو بعده ، فإذا كان بعد القبض يكون المقبوض باقياً(2) على ملك المشتري فله الرجوع به ، ومع تلفه يرجع على المحتال في الصورة الاُولى وعلى البائع في الثانية .

(مسألة 16) : إذا وقعت الحوالة بأحد الوجهين ، ثمّ انفسخ البيع بالإقالة أو بأحد الخيارات ، فالحوالة صحيحة ؛ لوقوعها في حال اشتغال ذمّة المشتري بالثمن ، فيكون كما لو تصرّف أحد المتبايعين فيما انتقل إليه ثمّ حصل الفسخ ، فإنّ التصرّف لا يبطل بفسخ البيع ، ولا فرق بين أن يكون الفسخ قبل قبض مال الحوالة أو بعده ، فهي تبقى بحالها ويرجع البائع على المشتري بالثمن ، وما عن الشيخ وبعض آخر من الفرق بين الصورتين والحكم بالبطلان في الصورة الثانية - وهي ما إذا أحال المشتري البائع بالثمن على أجنبيّ ، لأ نّها تتبع البيع في هذه الصورة ؛ حيث إنّها بين المتبايعين - بخلاف الصورة الاُولى ضعيف ، والتبعية في الفسخ وعدمه ممنوعة ، نعم هي تبع للبيع ؛ حيث إنّها واقعة على الثمن ، وبهذا

ص: 601


1- - هذا ممنوع ، بل حوالة عليه بما في ذمّته ، فإن كان بنحو التقييد بطلت الحوالة ، وإن كان بنحو الداعي صحّت وتكون الحوالة على البريء .
2- - في غير صورة إحالة المشتري البائع على الأجنبيّ البريء ، وأمّا فيها فالمقبوض باقٍ على ملك الأجنبيّ في صورة بطلان الحوالة .

المعنى لا فرق بين الصورتين ، وربما يقال ببطلانها إن قلنا : إنّها استيفاء ، وتبقى إن قلنا : إنّها اعتياض ، والأقوى البقاء وإن قلنا : إنّها استيفاء ؛ لأنّها معاملة مستقلّة(1) لازمة لا تنفسخ بانفساخ البيع وليس حالها حال الوفاء بغير معاملة لازمة ، كما إذا اشترى شيئاً بدراهم مكسّرة فدفع إلى البائع الصحاح أو دفع بدلها شيئاً آخر وفاءً ؛ حيث إنّه إذا انفسخ البيع يرجع إليه ما دفع من الصحاح أو الشيء الآخر لا الدراهم المكسّرة ، فإنّ الوفاء بهذا النحو ليس معاملة لازمة ، بل يتبع البيع في الانفساخ ، بخلاف ما نحن فيه ؛ حيث إنّ الحوالة عقد لازم وإن كان نوعاً من الاستيفاء .

(مسألة 17) : إذا كان له عند وكيله أو أمينه مال معيّن خارجي ، فأحال دائنه عليه ليدفع إليه بما عنده فقبل المحتال والمحال عليه(2) ، وجب عليه الدفع إليه وإن لم يكن من الحوالة المصطلحة ، وإذا لم يدفع له الرجوع على المحيل ؛ لبقاء شغل ذمّته ، ولو لم يتمكّن من الاستيفاء منه ضمن الوكيل المحال عليه ؛ إذا كانت الخسارة الواردة عليه مستنداً إليه للغرور .

ص: 602


1- - هذا إنكار للمبنى لا للبناء بعد تسليم المبنى وإنكار المبنى وجيه ، وفرق بين كونها استيفاءً أو لازمها ذلك .
2- - لا أثر لقبول المحال عليه في الحكم ؛ أي وجوب الدفع ، نعم له أثر في الضمان لأجل الغرور .

كتاب النكاح

اشارة

النكاح مستحبّ في حدّ نفسه بالإجماع والكتاب والسنّة المستفيضة بل المتواترة ، قال اللّه تعالى : (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَآئِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ اللّه ُ مِن فَضْلِهِ وَاللّه ُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) ، وفي النبوي المرويّ بين الفريقين : «النكاح سنّتي فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» وعن الصادق علیه السلام عن أمير المؤمنين علیه السلام قال : «تزوّجوا فإنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال : من أحبّ أن يتّبع سنّتي فإنّ من سنّتي التزويج» وفي النبوي صلی الله علیه و آله وسلم : «ما بني بناء أحبّ إلى اللّه تعالى من التزويج» وعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «من تزوّج أحرز نصف دينه فليتّق اللّه في النصف الآخر» بل يستفاد من جملة من الأخبار استحباب حبّ النساء ففي الخبر عن الصادق علیه السلام : «من أخلاق الأنبياء حبّ النساء» وفي آخر عنه علیه السلام : «ما أظنّ رجلاً يزداد في هذا الأمر خيراً إلاّ ازداد حبّاً للنساء» والمستفاد من الآية وبعض الأخبار أنّه موجب لسعة الرزق ، ففي خبر إسحاق بن عمّار : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : الحديث الذي يرويه الناس حقّ : إنّ رجلاً أتى النبي صلی الله علیه و آله وسلم فشكى إليه الحاجة ، فأمره بالتزويج حتّى أمره ثلاث مرّات ، قال أبو عبداللّه علیه السلام : «نعم هو حقّ» ثمّ قال علیه السلام : «الرزق مع النساء والعيال» .

ص: 603

(مسألة 1) : يستفاد من بعض الأخبار كراهة العزوبة فعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «رذال موتاكم العزّاب» ولا فرق على الأقوى في استحباب النكاح بين من اشتاقت نفسه ومن لم تشتق ؛ لإطلاق الأخبار ، ولأنّ فائدته لا تنحصر في كسر الشهوة ، بل له فوائد : منها : زيادة النسل وكثرة قائل لا إله إلاّ اللّه ، فعن الباقر علیه السلام : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : ما يمنع المؤمن أن يتّخذ أهلاً لعلّ اللّه أن يرزقه نسمة تثقل الأرض بلا إله إلاّ اللّه» .

(مسألة 2) : الاستحباب لا يزول بالواحدة ، بل التعدّد مستحبّ أيضاً ، قال اللّه تعالى : (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِنَ النِّسَآءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) ، والظاهر عدم اختصاص الاستحباب بالنكاح الدائم أو المنقطع ، بل المستحبّ أعمّ منهما ومن التسرّي بالإماء .

(مسألة 3) : المستحبّ هو الطبيعة ؛ أعمّ من أن يقصد به القربة أو لا ، نعم عباديته وترتّب الثواب عليه موقوفة على قصد القربة .

(مسألة 4) : استحباب النكاح إنّما هو بالنظر إلى نفسه وطبيعته ، وأمّا بالنظر إلى الطوارئ فينقسم بانقسام الأحكام الخمسة ، فقد يجب بالنذر(1) أو العهد أو

ص: 604


1- - مرّت المناقشة في وجوب المنذور بعنوانه الذاتي ، بل الواجب هو عنوان الوفاء بالنذر ، وإنّما ينطبق في الخارج على المنذور والخارج ليس ظرف تعلّق الوجوب ، وكذا الحال في العهد واليمين ، وكذا في سائر أمثلته من كونه مقدّمة للواجب المطلق وما يتلوه ، فإنّها مع ورود الإشكال المتقدّم عليها أو على بعضها ، ترد عليها إشكالات اُخر ليس المقام مقتضياً لبيانها ، وكذا الكلام في النكاح المحرّم والأمثلة المذكورة ، وأمّا الزيادة على الأربع ونكاح المحرّمات عيناً وجمعاً فإنّها محرّمات وضعية - أي لا يقع النكاح فيها - لا أ نّه يقع محرّماً ، وتأتي المناقشة في النكاح المكروه بما ذكره أيضاً .

الحلف ، وفيما إذا كان مقدّمة لواجب مطلق ، أو كان في تركه مظنّة الضرر أو الوقوع في الزنا أو محرّم آخر ، وقد يحرم كما إذا أفضى إلى الإخلال بواجب ؛ من تحصيل علم واجب أو ترك حقّ من الحقوق الواجبة وكالزيادة على الأربع ، وقد يكره كما إذا كان فعله موجباً للوقوع في مكروه ، وقد يكون مباحاً كما إذا كان في تركه مصلحة معارضة لمصلحة فعله مساوية لها . وبالنسبة إلى المنكوحة أيضاً ينقسم إلى الأقسام الخمسة فالواجب : كمن يقع في الضرر لو لم يتزوّجها أو يبتلي بالزناء معها لو لا تزويجها ، والمحرّم : نكاح المحرّمات عيناً أو جمعاً ، والمستحبّ : المستجمع للصفات المحمودة في النساء ، والمكروه : النكاح المستجمع للأوصاف المذمومة في النساء ونكاح القابلة المربّية ونحوها ، والمباح : ما عدا ذلك .

(مسألة 5) : يستحبّ عند إرادة التزويج اُمور :

منها : الخطبة .

ومنها : صلاة ركعتين عند إرادة التزويج قبل تعيين المرأة وخطبتها ، والدعاء بعدها بالمأثور وهو : «اللهمّ إنّي اُريد أن أتزوّج فقدّر لي من النساء أعفّهُنّ فرجاً وأحفظهنّ لي في نفسها ومالي وأوسعهنّ رزقاً وأعظمهنّ بركة وقدّر لي ولداً طيّباً تجعله خلفاً صالحاً في حياتي وبعد موتي» ويستحبّ أيضاً أن يقول : «أقررت بالذي أخذ اللّه إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان» .

ومنها : الوليمة يوماً أو يومين لا أزيد ، فإنّه مكروه ، ودعاء المؤمنين ، والأولى كونهم فقراء ولا بأس بالأغنياء ، خصوصاً عشيرته وجيرانه وأهل حرفته ويستحبّ إجابتهم وأكلهم ، ووقتها بعد العقد أو عند الزفاف ليلاً أو نهاراً ، وعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «لا وليمة إلاّ في خمس : عرس ، أو خرس ، أو عذار ، أو وكار ، أو

ص: 605

ركاز» العرس : التزويج ، والخرس : النفاس ، والعذار : الختان ، والوكار : شراء الدار ، والركاز : العود من مكّة .

ومنها : الخطبة أمام العقد بما يشتمل على الحمد والشهادتين والصلاة على النبي صلی الله علیه و آله وسلم والأئمّة : والوصيّة بالتقوى والدعاء للزوجين ، والظاهر كفاية اشتمالها على الحمد والصلاة على النبي وآله صلی الله علیه و آله وسلم ، ولا يبعد استحبابها أمام الخطبة أيضاً .

ومنها : الإشهاد في الدائم والإعلان به ، ولا يشترط في صحّة العقد عندنا .

ومنها : إيقاع العقد ليلاً .

(مسألة 6) : يكره عند التزويج اُمور :

منها : إيقاع العقد والقمر في العقرب ؛ أي في برجها لا المنازل المنسوبة إليها وهي القلب والإكليل والزبانا والشولة .

ومنها : إيقاعه يوم الأربعاء .

ومنها : إيقاعه في أحد الأيّام المنحوسة في الشهر ؛ وهي الثالث والخامس والثالث عشر والسادس عشر والحادي والعشرون والرابع والعشرون والخامس والعشرون .

ومنها : إيقاعه في محاق الشهر ؛ وهو الليلتان أو الثلاث من آخر الشهر .

(مسألة 7) : يستحبّ اختيار امرأة تجمع صفات ؛ بأن تكون بكراً ، ولوداً ، ودوداً ، عفيفة ، كريمة الأصل - بأن لا تكون من زناء أو حيض أو شبهة ، أو ممّن تنال الألسن آباءها أو اُمّهاتها ، أو مسّهم رقّ أو كفر أو فسق معروف - وأن تكون سمراء ، عيناء ، عجزاء ، مربوعة ، طيّبة الريح ، درمة الكعب ، جميلة ، ذات شعر ،

ص: 606

صالحة ، تعين زوجها على الدنيا والآخرة ، عزيزة في أهلها ، ذليلة مع بعلها ، متبرّجة مع زوجها ، حصاناً مع غيره . فعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «إنّ خير نسائكم الولود الودود العفيفة العزيزة في أهلها الذليلة مع بعلها ، المتبرّجة مع زوجها الحصان على غيره ، التي تسمع قوله وتطيع أمره وإذا خلا بها بذلت له ما يريد منها ولم تبذل كتبذّل الرجل ، ثمّ قال : ألا اُخبركم بشرار نسائكم : الذليلة في أهلها العزيزة مع بعلها ، العقيم الحقود التي لا تدرع من قبيح ، المتبرّجة إذا غاب عنها بعلها الحصان معه إذا حضر ، لا تسمع قوله ولا تطيع أمره ، وإذا خلا بها بعلها تمنّعت منه كما تمنع الصعبة عن ركوبها ، لا تقبل منه عذراً ولا تغفر له ذنباً» ويكره اختيار العقيم ، ومن تضمّنته الخبر المذكور من ذات الصفات المذكورة التي يجمعها عدم كونها نجيبة ، ويكره الاقتصار على الجمال والثروة ، ويكره تزويج جملة اُخرى :

منها : القابلة وابنتها للمولود .

ومنها : تزويج ضرّة كانت لاُمّه مع غير أبيه .

ومنها : أن يتزوّج اُخت أخيه .

ومنها : المتولّدة من الزنا .

ومنها : الزانية .

ومنها : المجنونة .

ومنها : المرأة الحمقاء أو العجوزة .

وبالنسبة إلى الرجال يكره تزويج سيّئ الخلق والمخنّث والزنج والأكراد والخزر والأعرابي والفاسق وشارب الخمر .

(مسألة 8) : مستحبّات الدخول على الزوجة اُمور :

ص: 607

منها : الوليمة قبله أو بعده .

ومنها : أن يكون ليلاً ؛ لأ نّه أوفق بالستر والحياء ولقوله صلی الله علیه و آله وسلم : «زفّوا عرائسكم ليلاً وأطعموا ضحى» بل لا يبعد استحباب الستر المكاني أيضاً .

ومنها : أن يكون على وضوء .

ومنها : أن يصلّي ركعتين والدعاء بعد الصلاة على محمّد وآله بالاُلفة وحسن الاجتماع بينهما ، والأولى المأثور وهو : «اللهمّ ارزقني اُلفتها وودّها ، ورضاها بي وارضني بها ، واجمع بيننا بأحسن اجتماع وأنفس ائتلاف ، فإنّك تحبّ الحلال وتكره الحرام» .

ومنها : أمرها بالوضوء والصلاة أو أمر من يأمرها بهما .

ومنها : أمر من كان معها بالتأمين على دعائه ودعائها .

ومنها : أن يضع يده على ناصيتها مستقبل القبلة ويقول : «اللهمّ بأمانتك أخذتها وبكلماتك استحللتها فإن قضيت لي منها ولداً فاجعله مباركاً تقيّاً من شيعة آل محمّد صلی الله علیه و آله وسلم ولا تجعل للشيطان فيه شركاً ولا نصيباً» . أو يقول : «اللهمّ على كتابك تزوّجتها ، وفي أمانتك أخذتها ، وبكلماتك استحللت فرجها ، فإن قضيت في رحمها شيئاً فاجعله مسلماً سويّاً ، ولا تجعله شرك شيطان» ويكره الدخول ليلة الأربعاء .

(مسألة 9) : يجوز أكل ما ينثر في الأعراس مع الإذن ولو بشاهد الحال ؛ إن كان عامّاً فللعموم ، وإن كان خاصّاً فللمخصوصين ، وكذا يجوز تملّكه مع الإذن فيه أو بعد الإعراض عنه ، فيملك وليس لمالكه الرجوع فيه وإن كان عينه موجوداً ، ولكن الأحوط لهما مراعاة الاحتياط .

ص: 608

(مسألة 10) : يستحبّ عند الجماع الوضوء والاستعاذة والتسمية وطلب الولد الصالح السويّ والدعاء بالمأثور ؛ وهو أن يقول : «بسم اللّه وباللّه اللهمّ جنّبني الشيطان وجنّب الشيطان ما رزقتني» أو يقول : «اللهمّ بأمانتك أخذتها . . .» إلى آخر الدعاء السابق ، أو يقول : «بسم اللّه الرحمن الرحيم الذي لا إله إلاّ هو بديع السموات والأرض ، اللهمّ إن قضيت منّي في هذه الليلة خليفة فلا تجعل للشيطان فيه شركاً ولا نصيباً ولا حظّاً ، واجعله مؤمناً مخلصاً مصفّى من الشيطان ورجزه جلّ ثناؤك» وأن يكون في مكان مستور .

(مسألة 11) : يكره الجماع ليلة خسوف القمر ، ويوم كسوف الشمس ، وفي الليلة واليوم اللذين يكون فيهما الريح السوداء والصفراء والحمراء ، واليوم الذي فيه الزلزلة ، بل في كلّ يوم أو ليلة حدث فيه آية مخوفة ، وكذا يكره عند الزوال(1) وعند غروب الشمس حتّى يذهب الشفق، وفي المحاق، وبعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وفي أوّل ليلة من كلّ شهر إلاّ في الليلة الاُولى من شهر رمضان ، فإنّه يستحبّ فيها ، وفي النصف من كلّ شهر ، وفي السفر إذا لم يكن عنده الماء للاغتسال ، وبين الأذان والإقامة ، وفي ليلة الأضحى ، ويكره في السفينة ، ومستقبل القبلة ومستدبرها ، وعلى ظهر الطريق ، والجماع وهو عريان ، وعقيب الاحتلام قبل الغسل أو الوضوء ، والجماع وهو مختضب أو هي مختضبة ، وعلى الامتلاء ، والجماع قائماً ، وتحت الشجرة المثمرة ، وعلى سقوف البنيان ، وفي وجه الشمس إلاّ مع الستر ، ويكره أن يجامع وعنده من ينظر إليه ولو الصبيّ الغير المميّز ، وأن ينظر إلى فرج الامرأة حال

ص: 609


1- - بل بعده ، وأمّا عنده فلم أر دليلها .

الجماع ، والكلام عند الجماع إلاّ بذكر اللّه تعالى ، وأن يكون معه خاتم فيه اسم اللّه أو شيء من القرآن ، ويستحبّ الجماع ليلة الاثنين والثلاثاء والخميس والجمعة ويوم الخميس عند الزوال ويوم الجمعة بعد العصر ، ويستحبّ عند ميل الزوجة إليه .

(مسألة 12) : يكره للمسافر أن يطرق أهله ليلاً حتّى يصبح .

(مسألة 13) : يستحبّ السعي في التزويج ، والشفاعة فيه بإرضاء الطرفين .

(مسألة 14) : يستحبّ تعجيل تزويج البنت وتحصينها بالزوج عند بلوغها ، فعن أبي عبداللّه علیه السلام : «من سعادة المرء أن لا تطمث ابنته في بيته» .

(مسألة 15) : يستحبّ حبس المرأة في البيت ، فلا تخرج إلاّ لضرورة ، ولا يدخل عليها أحد من الرجال .

(مسألة 16) : يكره تزويج الصغار وقبل البلوغ .

(مسألة 17) : يستحبّ تخفيف مؤونة التزويج وتقليل المهر .

(مسألة 18) : يستحبّ ملاعبة الزوجة قبل المواقعة .

(مسألة 19) : يجوز للرجل تقبيل أيّ جزء من جسد زوجته ومسّ أيّ جزء من بدنه ببدنها .

(مسألة 20) : يستحبّ اللبث وترك التعجيل عند الجماع .

(مسألة 21) : يكره المجامعة تحت السماء .

(مسألة 22) : يستحبّ إكثار الصوم وتوفير الشعر لمن لا يقدر على التزويج مع ميله وعدم طوله .

ص: 610

(مسألة 23) : يستحبّ خلع خفّ العروس إذا دخلت البيت وغسل رجليها وصبّ الماء من باب الدار إلى آخرها .

(مسألة 24) : يستحبّ منع العروس في اُسبوع العرس من الألبان والخلّ والكزبرة والتفّاح الحامض .

(مسألة 25) : يكره اتّحاد خرقة الزوج والزوجة عند الفراغ من الجماع .

(مسألة 26) : يجوز لمن يريد تزويج امرأة أن ينظر إلى وجهها وكفّيها وشعرها ومحاسنها ، بل لا يبعد جواز النظر إلى سائر جسدها ما عدا عورتها وإن كان الأحوط خلافه ، ولا يشترط أن يكون ذلك بإذنها ورضاها ، نعم يشترط أن لا يكون بقصد التلذّذ وإن علم أ نّه يحصل بنظرها قهراً ، ويجوز تكرار النظر إذا لم يحصل الغرض وهو الاطّلاع على حالها بالنظر الأوّل ، ويشترط أيضاً(1) أن لا يكون مسبوقاً بحالها ، وأن يحتمل اختيارها وإلاّ فلا يجوز ، ولا فرق بين أن يكون قاصداً لتزويجها بالخصوص أو كان قاصداً لمطلق التزويج وكان بصدد تعيين الزوجة بهذا الاختبار وإن كان الأحوط الاقتصار على الأوّل(2) ، وأيضاً لا فرق بين أن يمكن المعرفة بحالها بوجه آخر من توكيل امرأة تنظر إليها وتخبره أو لا ؛ وإن كان الأحوط الاقتصار على الثاني ، ولا يبعد جواز نظر المرأة أيضاً إلى الرجل الذي يريد تزويجها ، ولكن لا يترك الاحتياط بالترك ، وكذا يجوز النظر إلى جارية يريد شراءها وإن كان بغير إذن سيّدها ، والظاهر

ص: 611


1- - ويشترط أيضا أن تكون المرأة خليّة عن المانع ، فلا يجوز النظر إلى ذات البعل والعدّة .
2- - لا يترك .

اختصاص ذلك بالمشتري لنفسه ، فلا يشمل الوكيل والوليّ والفضولي ، وأمّا في الزوجة فالمقطوع هو الاختصاص .

(مسألة 27) : يجوز النظر إلى نساء أهل الذمّة ، بل مطلق الكفّار مع عدم التلذّذ والريبة ؛ أي خوف الوقوع في الحرام ، والأحوط الاقتصار على المقدار الذي جرت عادتهنّ على عدم ستره ، وقد يلحق بهم نساء أهل البوادي والقرى من الأعراب وغيرهم ، وهو مشكل ، نعم الظاهر عدم حرمة التردّد في الأسواق ونحوها مع العلم بوقوع النظر عليهنّ ، ولا يجب غضّ البصر إذا لم يكن هناك خوف افتتان .

(مسألة 28) : يجوز لكلّ من الرجل والمرأة النظر إلى ما عدا العورة من مماثله ؛ شيخاً أو شابّاً ، حسن الصورة أو قبيحها ، ما لم يكن بتلذّذ أو ريبة ، نعم يكره كشف المسلمة بين يدي اليهودية والنصرانية ، بل مطلق الكافرة ، فإنّهنّ يصفن ذلك لأزواجهنّ ، والقول بالحرمة للآية حيث قال تعالى : (أَوْ نِسَائِهِنَّ) فخصّ بالمسلمات ضعيف ؛ لاحتمال كون المراد من نسائهنّ الجواري والخدم لهنّ من الحرائر .

(مسألة 29) : يجوز لكلّ من الزوج والزوجة النظر إلى جسد الآخر حتّى العورة ؛ مع التلذّذ وبدونه ، بل يجوز لكلّ منهما مسّ الآخر بكلّ عضو منه كلّ عضو من الآخر مع التلذّذ وبدونه .

(مسألة 30) : الخنثى مع الاُنثى(1) كالذكر ، ومع الذكر كالاُنثى .

ص: 612


1- - أي في معاملتها مع الاُنثى والذكر ، لا معاملتهما معها وإن كان الأحوط لهما ذلك .

(مسألة 31) : لا يجوز النظر إلى الأجنبيّة ولا للمرأة النظر إلى الأجنبيّ من غير ضرورة . واستثنى جماعة الوجه والكفّين ، فقالوا بالجواز فيهما مع عدم الريبة والتلذّذ ، وقيل بالجواز فيهما مرّة ولا يجوز تكرار النظر ، والأحوط المنع مطلقاً(1) .

(مسألة 32) : يجوز النظر إلى المحارم التي يحرم عليه نكاحهنّ نسباً أو رضاعاً أو مصاهرة ، ما عدا العورة مع عدم تلذّذ وريبة ، وكذا نظرهنّ إليه .

(مسألة 33) : المملوكة كالزوجة بالنسبة إلى السيّد ؛ إذا لم تكن(2) مشركة أو وثنية أو مزوّجة أو مكاتبة أو مرتدّة .

(مسألة 34) : يجوز النظر إلى الزوجة المعتدّة بوط ء الشبهة وإن حرم وطؤها وكذا الأمة كذلك ، وكذا إلى المطلّقة الرجعية ما دامت في العدّة ولو لم يكن بقصد الرجوع .

(مسألة 35) : يستثنى من عدم جواز النظر من الأجنبيّ والأجنبيّة مواضع : منها : مقام المعالجة وما يتوقّف عليه ؛ من معرفة نبض العروق(3) والكسر والجرح والفصد والحجامة ونحو ذلك إذا لم يمكن بالمماثل ، بل يجوز المسّ واللمس حينئذٍ . ومنها : مقام الضرورة ، كما إذا توقّف الاستنقاذ من الغرق أو الحرق أو نحوهما عليه أو على المسّ . ومنها : معارضة كلّ ما هو أهمّ في نظر الشارع مراعاته من مراعاة حرمة النظر أو اللمس . ومنها : مقام الشهادة ؛ تحمّلاً أو أداءً ،

ص: 613


1- - وإن كان الجواز لا يخلو من قرب .
2- - هذا الاستثناء يحتاج إلى التأمّل والمراجعة .
3- - مع عدم الإمكان بمثل الآلات الحديثة .

مع دعاء الضرورة ، وليس منها ما عن العلاّمة من جواز النظر إلى الزانيين لتحمّل الشهادة ، فالأقوى عدم الجواز ، وكذا ليس منها النظر إلى الفرج للشهادة على الولادة ، أو الثدي للشهادة على الرضاع وإن لم يمكن إثباتها بالنساء وإن استجوده الشهيد الثاني . ومنها : القواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً بالنسبة إلى ما هو المعتاد له من كشف بعض الشعر والذراع ونحو ذلك ، لا مثل الثدي والبطن ونحوهما ممّا يعتاد سترهنّ له . ومنها : غير المميّز من الصبيّ والصبيّة ، فإنّه يجوز النظر إليهما بل اللمس ، ولا يجب التستّر منهما ، بل الظاهر جواز النظر إليهما قبل البلوغ إذا لم يبلغا مبلغاً يترتّب على النظر منهما أو إليهما ثوران الشهوة .

(مسألة 36) : لا بأس بتقبيل الرجل الصبيّة التي ليست له بمحرم ووضعها في حجره قبل أن يأتي عليها ستّ سنين إذا لم يكن عن شهوة .

(مسألة 37) : لا يجوز للمملوك النظر إلى مالكته ، ولا للخصيّ النظر إلى مالكته أو غيرها ، كما لا يجوز للعنّين والمجبوب بلا إشكال ، بل ولا لكبير السنّ الذي هو شبه القواعد من النساء على الأحوط .

(مسألة 38) : الأعمى كالبصير في حرمة نظر المرأة إليه .

(مسألة 39) : لا بأس بسماع صوت الأجنبيّة ما لم يكن تلذّذ ولا ريبة ؛ من غير فرق بين الأعمى والبصير ، وإن كان الأحوط الترك في غير مقام الضرورة ، ويحرم عليها إسماع الصوت الذي فيه تهييج للسامع بتحسينه وترقيقه ، قال تعالى : (فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالقَولِ فَيَطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ) .

ص: 614

(مسألة 40) : لا يجوز مصافحة الأجنبيّة ، نعم لا بأس(1) بها من وراء الثوب ، كما لا بأس بلمس المحارم .

(مسألة 41) : يكره للرجل ابتداء النساء بالسلام ، ودعائهنّ إلى الطعام ، وتتأكّد الكراهة في الشابّة .

(مسألة 42) : يكره الجلوس في مجلس المرأة إذا قامت عنه ، إلاّ بعد برده .

(مسألة 43) : لا يدخل الولد(2) على أبيه إذا كانت عنده زوجته ، إلاّ بعد الاستئذان ، ولا بأس(3) بدخول الوالد على ابنه بغير إذنه .

(مسألة 44) : يفرّق بين الأطفال في المضاجع إذا بلغوا عشر سنين ، وفي رواية : «إذا بلغوا ستّ سنين» .

(مسألة 45) : لا يجوز النظر إلى العضو المبان من الأجنبيّ مثل اليد والأنف واللسان ونحوها ، لا مثل السنّ والظفر والشعر(4) ونحوها .

(مسألة 46) : يجوز وصل شعر الغير بشعرها ، ويجوز لزوجها النظر إليه على كراهة ، بل الأحوط الترك(5) .

(مسألة 47) : لا تلازم بين جواز النظر وجواز المسّ ، فلو قلنا بجواز النظر إلى الوجه والكفّين من الأجنبيّة لا يجوز مسّها إلاّ من وراء الثوب .

ص: 615


1- - مع عدم الريبة والتلذّذ ، وكذا فيما بعده ولا يغمض كفّ الأجنبيّة لدى المصافحة .
2- - على الأحوط .
3- - في إطلاقه تأمّل .
4- - الأحوط ترك النظر إليه .
5- - لا يترك .

(مسألة 48) : إذا توقّف العلاج على النظر دون اللمس ، أو اللمس دون النظر ، يجب الاقتصار على ما اضطرّ إليه ، فلا يجوز الآخر بجوازه .

(مسألة49) : يكره اختلاط النساء بالرجال إلاّ للعجائز، ولهنّ حضور الجمعة والجماعات.

(مسألة 50) : إذا اشتبه من يجوز النظر إليه بين من لا يجوز بالشبهة المحصورة ، وجب الاجتناب عن الجميع وكذا بالنسبة إلى من يجب التستّر عنه ومن لا يجب ، وإن كانت الشبهة غير محصورة(1) أو بدوية ، فإن شكّ في كونه مماثلاً أو لا ، أو شكّ في كونه من المحارم النسبية أو لا ، فالظاهر وجوب الاجتناب ؛ لأنّ الظاهر من آية وجوب الغضّ أنّ جواز النظر مشروط بأمر وجودي ؛ وهو كونه مماثلاً أو من المحارم ، فمع الشكّ يعمل بمقتضى العموم ، لا من باب التمسّك بالعموم في الشبهة المصداقية ، بل لاستفادة شرطية الجواز بالمماثلة أو المحرمية أو نحو ذلك ، فليس التخصيص في المقام من قبيل التنويع حتّى يكون من موارد أصل البراءة ، بل من قبيل المقتضي والمانع ، وإذا شكّ في

ص: 616


1- - لا يجب الاجتناب في الشبهة الغير المحصورة ؛ بأن تكون مرأة أجنبيّة - مثلاً - مختلطة بغير محصورة من النساء من غيرها ، ولو كانت محرّمة نسبية مختلطة بأجنبيّات غير محصورات لا يجب الاجتناب عن نكاح بعضهنّ بما لا يوجب الخروج عن عدم الحصر ، وأمّا الشبهة البدوية بين المماثل وغيره وبين المحرّمة النسبية وغيرها فالأحوط الاجتناب ، بل الأقوى في بعض الصور ، لكن لا لما في المتن ، فإنّه ضعيف ، وأمّا الشبهة البدوية فيما كانت مجرى الأصل كالشكّ في كونها اُختاً رضاعية أو أجنبيّة ، فلا يجوز النظر إليها ويجوز نكاحها .

كونه زوجة أو لا ، فيجري - مضافاً إلى ما ذكر من رجوعه إلى الشكّ في الشرط - أصالة عدم حدوث الزوجية ، وكذا لو شكّ في المحرمية من باب الرضاع ، نعم لو شكّ في كون المنظور إليه أو الناظر حيواناً أو إنساناً ، فالظاهر عدم وجوب الاحتياط ؛ لانصراف عموم وجوب الغضّ إلى خصوص الإنسان ، وإن كان الشكّ في كونه بالغاً أو صبيّاً أو طفلاً مميّزاً أو غير مميّز ، ففي وجوب الاحتياط وجهان ؛ من العموم على الوجه الذي ذكرنا ، ومن إمكان دعوى الانصراف ، والأظهر الأوّل(1) .

(مسألة 51) : يجب على النساء التستّر ، كما يحرم على الرجال النظر ، ولا يجب على الرجال التستّر وإن كان يحرم على النساء النظر ، نعم حال الرجال بالنسبة إلى العورة حال النساء ، ويجب عليهم التستّر مع العلم بتعمّد النساء في النظر من باب حرمة الإعانة(2) على الإثم .

(مسألة 52) : هل المحرّم من النظر ما يكون على وجه يتمكّن من التميّز بين الرجل والمرأة وأ نّه العضو الفلاني أو غيره ، أو مطلقه ، فلو رأى الأجنبيّة من بعيد بحيث لا يمكنه تمييزها وتمييز أعضائها ، أو لا يمكنه تمييز كونها رجلاً أو امرأة ، بل أو لا يمكنه تمييز كونها إنساناً أو حيواناً أو جماداً هل هو حرام أو لا ؟ وجهان ، الأحوط(3) الحرمة .

ص: 617


1- - الأقوى جواز النظر .
2- - صدق الإعانة على الإثم ممنوع ، فلا يجب عليهم التستّر حتّى مع العلم بتعمّدها .
3- - الأقوى عدم الحرمة .

فصل : فيما يتعلّق بأحكام الدخول على الزوجة

وفيه مسائل :

(مسألة 1) : الأقوى - وفاقاً للمشهور - جواز وط ء الزوجة والمملوكة دبراً على كراهة شديدة ، بل الأحوط تركه ، خصوصاً مع عدم رضاها بذلك .

(مسألة 2) : قد مرّ في باب الحيض الإشكال في وط ء الحائض دبراً وإن قلنا بجوازه في غير حال الحيض .

(مسألة 3) : ذكر بعض الفقهاء ممّن قال بالجواز : أ نّه يتحقّق النشوز بعدم تمكين الزوجة من وطئها دبراً ، وهو مشكل ؛ لعدم الدليل على وجوب تمكينها في كلّ ما هو جائز من أنواع الاستمتاعات حتّى يكون تركه نشوزاً .

(مسألة 4) : الوط ء في دبر المرأة كالوط ء في قبلها في وجوب الغسل ، والعدّة ، واستقرار المهر ، وبطلان الصوم ، وثبوت حدّ الزنا إذا كانت أجنبيّة ، وثبوت مهر المثل إذا وطئها شبهة ، وكون المناط فيه دخول الحشفة أو مقدارها(1) ، وفي حرمة البنت والاُمّ(2) وغير ذلك من أحكام المصاهرة المعلّقة على الدخول ، نعم في كفايته في حصول تحليل المطلّقة ثلاثاً إشكال(3) ، كما أنّ في كفاية الوط ء في القبل فيه بدون الإنزال أيضاً كذلك ؛ لما ورد في الأخبار من

ص: 618


1- - كفاية المسمّى في مقطوع الحشفة لا يخلو من قوّة كما مرّ .
2- - حرمتها غير متوقّفة على الدخول .
3- - الأقوى عدمها فيه ، والأحوط عدم الكفاية في القبل بدون الإنزال ، ولا يبعد عدم الكفاية في الوط ء في الدبر في الفرعين المتأخّرين أيضاً ، والظاهر كفاية الوط ء في القبل بلا إنزال في الأربعة أشهر وحصول الفئة في الإيلاء .

اعتبار ذوق عسيلته وعسيلتها فيه ، وكذا في كفايته في الوط ء الواجب في أربعة أشهر ، وكذا في كفايته في حصول الفئة والرجوع في الإيلاء أيضاً .

(مسألة 5) : إذا حلف على ترك وط ء امرأته في زمان أو مكان يتحقّق الحنث بوطئها دبراً، إلاّ أن يكون هناك انصراف إلى الوط ء في القبل من حيث كون غرضه عدم انعقاد النطفة .

(مسألة 6) : يجوز العزل بمعنى إخراج الآلة عند الإنزال وإفراغ المنيّ خارج الفرج في الأمة وإن كانت منكوحة بعقد الدوام ، والحرّة المتمتّع بها ، ومع إذنها وإن كانت دائمة ، ومع اشتراط ذلك عليها في العقد ، وفي الدبر ، وفي حال الاضطرار ؛ من ضرر أو نحوه ، وفي جوازه في الحرّة المنكوحة بعقد الدوام في غير ما ذكر قولان ؛ الأقوى ما هو المشهور من الجواز مع الكراهة ، بل يمكن أن يقال بعدمها أو أخفّيتها في العجوزة والعقيمة والسليطة والبذيّة والتي لا ترضع ولدها ، والأقوى عدم وجوب دية النطفة عليه وإن قلنا بالحرمة ، وقيل بوجوبها عليه للزوجة وهي عشرة دنانير ؛ للخبر الوارد فيمن أفزع رجلاً عن عرسه فعزل عنها الماء ، من وجوب نصف خمس المائة - عشرة دنانير - عليه ، لكنّه في غير ما نحن فيه ولا وجه للقياس عليه ، مع أ نّه مع الفارق ، وأمّا عزل المرأة ؛ بمعنى منعها من الإنزال في فرجها ، فالظاهر حرمته بدون رضا الزوج ، فإنّه منافٍ للتمكين الواجب عليها ، بل يمكن وجوب دية النطفة عليها . هذا ، ولا فرق في جواز العزل بين الجماع الواجب وغيره حتّى فيما يجب في كلّ أربعة أشهر .

(مسألة 7) : لا يجوز ترك وط ء الزوجة أكثر من أربعة أشهر ؛ من غير فرق بين الدائمة والمتمتّع بها ولا الشابّة ولا الشائبة - على الأظهر - والأمة والحرّة ؛

ص: 619

لإطلاق الخبر ، كما أنّ مقتضاه عدم الفرق بين الحاضر والمسافر في غير السفر الواجب(1) ، وفي كفاية الوط ء في الدبر إشكال كما مرّ(2) ، وكذا في الإدخال بدون الإنزال(3) ؛ لانصراف الخبر إلى الوط ء المتعارف وهو مع الإنزال ، والظاهر عدم توقّف الوجوب على مطالبتها ذلك ، ويجوز تركه مع رضاها أو اشتراط ذلك حين العقد عليها ، ومع عدم التمكّن منه لعدم انتشار العضو ، ومع خوف الضرر عليه أو عليها ومع غيبتها باختيارها ومع نشوزها ، ولا يجب أزيد من الإدخال والإنزال ، فلا بأس بترك سائر المقدّمات من الاستمتاعات ، ولا يجري الحكم في المملوكة الغير المزوّجة ، فيجوز ترك وطئها مطلقاً .

(مسألة 8) : إذا كانت الزوجة من جهة كثرة ميلها وشبقها لا تقدر على الصبر إلى أربعة أشهر ؛ بحيث تقع في المعصية إذا لم يواقعها ، فالأحوط المبادرة إلى مواقعتها قبل تمام الأربعة أو طلاقها وتخلية سبيلها .

(مسألة 9) : إذا ترك مواقعتها عند تمام الأربعة الأشهر لمانع ؛ من حيض أو نحوه ، أو عصياناً ، لا يجب عليه القضاء(4) ، نعم الأحوط إرضاؤها بوجه من الوجوه ؛ لأنّ الظاهر(5) أنّ ذلك حقّ لها عليه وقد فوّته عليها ، ثمّ اللازم عدم

ص: 620


1- - أو الضروري ولو عرفاً ، كسفر التجارة وتحصيل العلم ، دون ما كان لمجرّد الميل والتفريح والتفرّج على الأحوط .
2- - مرّ الكلام فيه .
3- - مرّ عدم اعتباره .
4- - أي تدارك ما فات بحيث لو ترك الثمانية لوجب عليه المرّتان ، لكن يجب عليه بعد مضيّ الأربعة وطؤها فوراً ففوراً ، ولا يسقط بتركه في رأس الأربعة .
5- - محلّ إشكال .

التأخير من وط ء إلى وط ء أزيد من الأربعة فمبدأ اعتبار الأربعة اللاحقة إنّما هو الوط ء المتقدّم لا حين انقضاء الأربعة المتقدّمة .

فصل : في وط ء الصغيرة

فصل

(مسألة 1) : لا يجوز وط ء الزوجة قبل إكمال تسع سنين ؛ حرّة كانت أو أمة ، دواماً كان النكاح أو متعة ، بل لا يجوز وط ء المملوكة والمحلّلة كذلك ، وأمّا الاستمتاع بما عدا الوط ء من النظر واللمس بشهوة والضمّ والتفخيذ فجائز في الجميع ولو في الرضيعة .

(مسألة 2) : إذا تزوّج صغيرة - دواماً أو متعة - ودخل بها قبل إكمال تسع سنين فأفضاها ، حرمت عليه أبداً على المشهور(1) ، وهو الأحوط وإن لم تخرج عن زوجيته ، وقيل بخروجها عن الزوجية أيضاً ، بل الأحوط حرمتها عليه بمجرّد الدخول وإن لم يفضها ، ولكن الأقوى بقاؤها على الزوجية وإن كانت مفضاة وعدم حرمتها عليه أيضاً ، خصوصاً إذا كان جاهلاً بالموضوع أو الحكم ، أو كان صغيراً أو مجنوناً ، أو كان بعد اندمال جرحها ، أو طلّقها ثمّ عقد عليها جديداً، نعم يجب عليه دية الإفضاء ، وهي دية النفس، ففي الحرّة نصف دية الرجل ، وفي الأمة أقلّ الأمرين من قيمتها ودية الحرّة ، وظاهر المشهور ثبوت الدية مطلقاً وإن أمسكها ولم يطلّقها ، إلاّ أنّ مقتضى حسنة حمران وخبر بريد المثبتين لها : عدم وجوبها عليه إذا لم يطلّقها ، والأحوط ما ذكره المشهور ،

ص: 621


1- - الأقوى عدم ترتّب غير الإثم مع عدم الإفضاء ، ومع الإفضاء حرمة وطئها أبداً مطلقاً مع بقاء زوجيتها وترتّب جميع آثارها عليها ، ويجب عليه نفقتها وإن طلّقها ، بل وإن تزوّجت بعد الطلاق على الأحوط ، بل لا يخلو من قوّة .

ويجب عليه أيضاً نفقتها ما دامت حيّة وإن طلّقها ، بل وإن تزوّجت بعد الطلاق على الأحوط .

(مسألة 3) : لا فرق في الدخول الموجب للإفضاء بين أن يكون في القبل أو الدبر ، والإفضاء أعمّ من أن يكون باتّحاد مسلكي البول والحيض ، أو مسلكي الحيض والغائط(1)، أو اتّحاد الجميع ، وإن كان ظاهر المشهور الاختصاص بالأوّل(2).

(مسألة 4) : لا يلحق بالزوجة في الحرمة الأبدية على القول بها ووجوب النفقة ، المملوكة والمحلّلة والموطوءة بشبهة أو زناً ولا الزوجة الكبيرة . نعم تثبت الدية في الجميع - عدا الزوجة(3) الكبيرة إذا أفضاها بالدخول بها - حتّى في الزنا وإن كانت عالمة مطاوعة وكانت كبيرة(4) . وكذا لا يلحق بالدخول الإفضاء بالإصبع ونحوه ، فلا تحرم عليه مؤبّداً ، نعم تثبت فيه الدية .

(مسألة 5) : إذا دخل بزوجته بعد إكمال التسع فأفضاها لم تحرم عليه ولا تثبت الدية كما مرّ ، ولكن الأحوط(5) الإنفاق عليها ما دامت حيّة .

(مسألة 6) : إذا كان المفضي صغيراً أو مجنوناً ، ففي كون الدية عليهما أو على عاقلتهما إشكال ، وإن كان الوجه الثاني لا يخلو عن قوّة(6) .

ص: 622


1- - على الأحوط في هذه الصورة .
2- - في مقابل الثاني لا الثالث .
3- - وعدا المملوكة إذا أفضاها مالكها .
4- - ثبوتها للكبيرة المطاوعة محلّ إشكال .
5- - وإن كان الأقوى عدم الوجوب .
6- - محلّ تأمّل .

(مسألة 7) : إذا حصل بالدخول قبل التسع عيب آخر غير الإفضاء ضمن أرشه ، وكذا إذا حصل مع الإفضاء عيب آخر يوجب الأرش أو الدية ، ضمنه مع دية الإفضاء .

(مسألة 8) : إذا شكّ في إكمالها تسع سنين لا يجوز له وطؤها ؛ لاستصحاب(1) الحرمة السابقة ، فإن وطئها مع ذلك فأفضاها ولم يعلم بعد ذلك أيضاً كونها حال الوط ء بالغة أو لا ، لم تحرم أبداً ولو على القول بها ؛ لعدم إحراز كونه قبل التسع ، والأصل لا يثبت ذلك ، نعم يجب عليه الدية والنفقة عليها ما دامت حيّة .

(مسألة 9) : يجري عليها بعد الإفضاء جميع أحكام الزوجة ؛ من حرمة الخامسة ، وحرمة الاُخت ، واعتبار الإذن في نكاح بنت الأخ والاُخت ، وسائر الأحكام ولو على القول بالحرمة الأبدية ، بل يلحق به الولد وإن قلنا بالحرمة ؛ لأ نّه على القول(2) بها يكون كالحرمة حال الحيض .

(مسألة 10) : في سقوط وجوب الإنفاق عليها ما دامت حيّة بالنشوز إشكال(3) ؛ لاحتمال كون هذه النفقة لا من باب إنفاق الزوجة ، ولذا تثبت بعد الطلاق بل بعد التزويج بالغير ، وكذا في تقدّمها على نفقة الأقارب ، وظاهر المشهور أ نّها كما تسقط بموت الزوجة تسقط بموت الزوج أيضاً ، لكن يحتمل

ص: 623


1- - بل لاستصحاب أ نّها لم تبلغ ؛ بنحو السلب الرابط ، ويترتّب عليه جميع الأحكام ، وأمّا استصحاب عدم بلوغها بنحو السلب المحمولي فمثبت ، وكذا في نظائر المقام ممّا يترتّب الحكم على الكون الرابط أو السلب الرابط ، والتفصيل موكول إلى محلّه .
2- - أي على القول بحرمة وطئها أبداً .
3- - الأقرب عدم السقوط .

بعيداً عدم(1) سقوطها بموته ، والظاهر عدم سقوطها بعدم تمكّنه وتصير ديناً عليه ويحتمل بعيداً سقوطها ، وكذا تصير ديناً إذا امتنع من دفعها مع تمكّنه ؛ إذ كونها حكماً تكليفياً صرفاً بعيد . هذا بالنسبة إلى ما بعد الطلاق ، وإلاّ فما دامت في حبالته الظاهر أنّ حكمها حكم الزوجة .

فصل : في تعدّد الزوجات

فصل

لا يجوز في العقد الدائم الزيادة على الأربع ؛ حرّاً كان أو عبداً ، والزوجة حرّة أو أمة ، وأمّا في الملك والتحليل فيجوز ولو إلى ألف ، وكذا في العقد الانقطاعي ، ولا يجوز للحرّ أن يجمع بين أزيد من أمتين ولا للعبد أن يجمع بين أزيد من حرّتين ، وعلى هذا فيجوز للحرّ أن يجمع بين أربع حرائر أو ثلاث وأمة أو حرّتين وأمتين ، وللعبد أن يجمع بين أربع إماء أو حرّة وأمتين أو حرّتين ، ولا يجوز له أن يجمع بين أمتين وحرّتين ، أو ثلاث حرائر ، أو أربع حرائر ، أو ثلاث إماء وحرّة ، كما لا يجوز للحرّ أيضاً أن يجمع بين ثلاث إماء وحرّة .

(مسألة 1) : إذا كان العبد مبعّضاً ، أو الأمة مبعّضة ، ففي لحوقهما بالحرّ أو القنّ إشكال ، ومقتضى الاحتياط(2) أن يكون العبد المبعّض كالحرّ بالنسبة إلى الإماء ، فلا يجوز له الزيادة على أمتين ، وكالعبد القنّ بالنسبة إلى الحرائر ، فلا يجوز له الزيادة على حرّتين ، وأن تكون الأمة المبعّضة كالحرّة بالنسبة إلى العبد وكالأمة بالنسبة إلى الحرّ ، بل يمكن أن يقال : إنّه بمقتضى القاعدة

ص: 624


1- - هذا الاحتمال ضعيف .
2- - لا يترك .

بدعوى : أنّ المبعّض حرّ وعبد ، فمن حيث حرّيته لا يجوز له أزيد من أمتين ، ومن حيث عبديته لا يجوز له أزيد من حرّتين ، وكذا بالنسبة إلى الأمة المبعّضة ، إلاّ أن يقال : إنّ الأخبار الدالّة على أنّ الحرّ لا يزيد على أمتين والعبد لا يزيد على حرّتين منصرفة إلى الحرّ والعبد الخالصين ، وكذا في الأمة ، فالمبعّض قسم ثالث خارج عن الأخبار فالمرجع عمومات الأدلّة على جواز التزويج ، غاية الأمر عدم جواز الزيادة على الأربع ، فيجوز له نكاح أربع حرائر أو أربع إماء ، لكنّه بعيد من حيث لزوم كونه أولى من الحرّ الخالص ، وحينئذٍ فلا يبعد أن يقال : إنّ المرجع الاستصحاب ، ومقتضاه إجراء حكم العبد والأمة عليهما ، ودعوى تغيّر الموضوع كما ترى ، فتحصّل أنّ الأولى الاحتياط الذي ذكرنا أوّلاً ، والأقوى العمل بالاستصحاب وإجراء حكم العبيد والإماء عليهما .

(مسألة 2) : لو كان عبد عنده ثلاث أو أربع إماء فاُعتق وصار حرّاً ، لم يجز إبقاء الجميع ؛ لأنّ الاستدامة كالابتداء ، فلا بدّ من إطلاق الواحدة أو الاثنتين ، والظاهر كونه مخيّراً بينهما كما في إسلام الكافر عن أزيد من أربع ، ويحتمل القرعة ، والأحوط أن يختار هو القرعة(1) بينهنّ . ولو اُعتقت أمة أو أمتان ، فإن اختارت الفسخ ؛ حيث إنّ العتق موجب لخيارها بين الفسخ والبقاء فهو ، وإن اختارت البقاء يكون الزوج مخيّراً ، والأحوط اختياره القرعة كما في الصورة الاُولى .

(مسألة 3) : إذا كان عنده أربع وشكّ في أنّ الجميع بالعقد الدائم ، أو

ص: 625


1- - لا يترك الاحتياط بالقرعة في الفرعين .

البعض المعيّن أو غير المعيّن منهنّ بعقد الانقطاع ، ففي جواز نكاح الخامسة دواماً إشكال(1) .

(مسألة 4) : إذا كان عنده أربع فطلّق واحدة منهنّ وأراد نكاح الخامسة ، فإن كان الطلاق رجعياً لا يجوز له ذلك إلاّ بعد خروجها عن العدّة ، وإن كان بائناً ففي الجواز قبل الخروج عن العدّة قولان ؛ المشهور على الجواز لانقطاع العصمة بينه وبينها ، وربما قيل بوجوب الصبر إلى انقضاء عدّتها ؛ عملاً بإطلاق جملة من الأخبار ، والأقوى المشهور ، والأخبار محمولة على الكراهة . هذا ، ولو كانت الخامسة اُخت المطلّقة فلا إشكال في جواز نكاحها قبل الخروج عن العدّة البائنة لورود النصّ فيه(2) معللاًّ بانقطاع العصمة ، كما أ نّه لا ينبغي الإشكال إذا كانت العدّة لغير الطلاق كالفسخ بعيب أو نحوه ، وكذا إذا ماتت الرابعة ، فلا يجب الصبر إلى أربعة أشهر وعشر ، والنصّ الوارد بوجوب الصبر معارض بغيره ومحمول على الكراهة ، وأمّا إذا كان الطلاق أو الفراق بالفسخ قبل الدخول فلا عدّة حتّى يجب الصبر أو لا يجب .

فصل : في التزويج في عدّة الغير

فصل

لا يجوز التزويج في عدّة الغير دواماً أو متعة؛ سواء كانت عدّة الطلاق بائنة أو رجعية أو عدّة الوفاة أو عدّة وط ء الشبهة ؛ حرّة كانت المعتدّة أو أمة ، ولو تزوّجها حرمت عليه أبداً إذا كانا عالمين بالحكم والموضوع ، أو كان أحدهما عالماً بهما مطلقاً ؛ سواء دخل بها أو لا، وكذا مع جهلهما بهما لكن بشرط الدخول بها ،

ص: 626


1- - وإن كان الجواز أشبه .
2- - أي يستفاد من النصّ وإن لم يرد في خصوص المسألة .

ولا فرق في التزويج بين الدوام والمتعة ، كما لا فرق في الدخول بين القبل والدبر ، ولا يلحق بالعدّة أيّام استبراء الأمة ، فلا يوجب التزويج فيها حرمة أبدية ولو مع العلم والدخول ، بل لا يبعد جواز تزويجها فيها وإن حرم الوط ء قبل انقضائها ، فإنّ المحرّم فيها هو الوط ء دون سائر الاستمتاعات ، وكذا لا يلحق بالتزويج الوط ء بالملك أو التحليل ، فلو كانت مزوّجة فمات زوجها أو طلّقها ؛ وإن كان لا يجوز لمالكها وطؤها ولا الاستمتاع بها في أيّام عدّتها ولا تحليلها للغير ، لكن لو وطئها أو حلّلها للغير فوطئها لم تحرم أبداً عليه ، أو على ذلك الغير ولو مع العلم بالحكم والموضوع .

(مسألة 1) : لا يلحق بالتزويج في العدّة وط ء المعتدّة شبهة من غير عقد ، بل ولا زناً ، إلاّ إذا كانت العدّة رجعية ، كما سيأتي ، وكذا إذا كان بعقد فاسد لعدم تمامية أركانه ، وأمّا إذا كان بعقد تامّ الأركان وكان فساده لتعبّد شرعي - كما إذا تزوّج اُخت زوجته في عدّتها أو اُمّها أو بنتها أو نحو ذلك ؛ ممّا يصدق عليه التزويج وإن كان فاسداً شرعاً - ففي كونه كالتزويج الصحيح إلاّ من جهة كونه في العدّة وعدمه ؛ لأنّ المتبادر من الأخبار التزويج الصحيح من قطع النظر عن كونه في العدّة إشكال ، والأحوط الإلحاق في التحريم الأبدي فيوجب الحرمة مع العلم مطلقاً ومع الدخول في صورة الجهل .

(مسألة 2) : إذا زوّجه الوليّ في عدّة الغير مع علمه بالحكم والموضوع ، أو زوّجه الوكيل في التزويج بدون تعيين الزوجة كذلك ، لا يوجب الحرمة الأبدية؛ لأنّ المناط علم الزوج لا وليّه أو وكيله ، نعم لو كان وكيلاً في تزويج امرأة معيّنة وهي في العدّة، فالظاهر كونه كمباشرته بنفسه، لكن المدار علم الموكّل لا الوكيل.

ص: 627

(مسألة 3) : لا إشكال في جواز تزويج من في العدّة لنفسه ؛ سواء كانت عدّة الطلاق أو الوط ء شبهة أو عدّة المتعة أو الفسخ بأحد الموجبات أو المجوّزات له ، والعقد صحيح إلاّ في العدّة الرجعية، فإنّ التزويج فيها باطل لكونها بمنزلة الزوجة، وإلاّ في الطلاق الثالث الذي يحتاج إلى المحلّل، فإنّه أيضاً باطل، بل حرام، ولكن مع ذلك لا يوجب الحرمة الأبدية ، وإلاّ في عدّة الطلاق التاسع في الصورة التي تحرم أبداً ، وإلاّ في العدّة لوطئه زوجة الغير شبهة ، لكن لا من حيث كونها في العدّة ، بل لكونها ذات بعل ، وكذا في العدّة لوطئه في العدّة شبهة إذا حملت منه بناءً على عدم تداخل العدّتين ، فإنّ عدّة وط ء الشبهة حينئذٍ مقدّمة على العدّة السابقة التي هي عدّة الطلاق أو نحوه لمكان الحمل، وبعد وضعه تأتي بتتمّة العدّة السابقة ، فلا يجوز له تزويجها في هذه العدّة ؛ أعني عدّة وط ء الشبهة وإن كانت لنفسه ، فلو تزوّجها فيها عالماً أو جاهلاً بطل(1) ، ولكن في إيجابه التحريم الأبدي إشكال .

(مسألة 4) : هل يعتبر في الدخول الذي هو شرط في الحرمة الأبدية في صورة الجهل أن يكون في العدّة أو يكفي كون التزويج في العدّة مع الدخول بعد انقضائها ؟ قولان ، الأحوط الثاني ، بل لا يخلو عن قوّة ؛ لإطلاق الأخبار بعد منع الانصراف إلى الدخول في العدّة .

(مسألة 5) : لو شكّ في أ نّها في العدّة أم لا ، مع عدم العلم سابقاً ، جاز التزويج ، خصوصاً إذا أخبرت بالعدم ، وكذا إذا علم كونها في العدّة سابقاً وشكّ في بقائها إذا أخبرت بالانقضاء ، وأمّا مع عدم إخبارها بالانقضاء فمقتضى

ص: 628


1- - على تأمّل ، ولا يبعد عدم إيجابه التحريم .

استصحاب بقائها عدم جواز تزويجها ، وهل تحرم أبداً إذا تزوّجها مع ذلك ؟ الظاهر ذلك(1) ، وإذا تزوّجها باعتقاد خروجها عن العدّة ، أو من غير التفات إليها ، ثمّ أخبرت بأ نّها كانت في العدّة ، فالظاهر قبول قولها وإجراء حكم التزويج في العدّة ، فمع الدخول بها تحرم أبداً(2) .

(مسألة 6) : إذا علم أنّ التزويج كان في العدّة مع الجهل بها حكماً أو موضوعاً ، ولكن شكّ في أ نّه دخل بها حتّى تحرم أبداً أو لا ، يبني على عدم الدخول ، وكذا إذا علم بعدم الدخول بها وشكّ في أ نّها كانت عالمة أو جاهلة ، فإنّه يبني على عدم علمها ، فلا يحكم بالحرمة الأبدية .

(مسألة 7) : إذا علم إجمالاً بكون إحدى الامرأتين المعيّنتين في العدّة ولم يعلمها بعينها وجب عليه ترك تزويجهما ، ولو تزوّج إحداهما بطل ، ولكن لا يوجب الحرمة(3) الأبدية ؛ لعدم إحراز كون هذا التزويج في العدّة ، نعم لو تزوّجهما معاً حرمتا عليه في الظاهر عملاً بالعلم الإجمالي .

(مسألة 8) : إذا علم أنّ هذه الامرأة المعيّنة في العدّة، لكن لا يدري أ نّها في عدّة نفسه أو في عدّة لغيره جاز له(4) تزويجها ؛ لأصالة عدم

ص: 629


1- - أي محكوم بذلك ظاهراً ما لم ينكشف الخلاف ، ومع ذلك في صورة عدم الدخول لا يخلو من إشكال .
2- - على الأحوط .
3- - الأحوط إيجابها إذا كانتا معتدّتين وعلم إجمالاً بخروج إحداهما من العدّة ، إلاّ إذا انكشف الخلاف .
4- - إلاّ إذا كان طرف العلم هو العدّة الرجعية لنفسها، والمسألة مطلقاً لا تخلو من تأمّل وإشكال.

كونها في عدّة الغير فحاله حال الشكّ البدوي .

(مسألة 9) : يلحق بالتزويج في العدّة في إيجاب الحرمة الأبدية تزويج ذات البعل ، فلو تزوّجها مع العلم بأ نّها ذات بعل حرمت عليه أبداً مطلقاً ؛ سواء دخل بها أم لا ، ولو تزوّجها مع الجهل لم تحرم إلاّ مع الدخول بها ؛ من غير فرق بين كونها حرّة أو أمة مزوّجة ، وبين الدوام والمتعة في العقد السابق واللاحق ، وأمّا تزويج أمة الغير بدون إذنه مع عدم كونها مزوّجة ، فلا يوجب الحرمة الأبدية وإن كان مع الدخول والعلم .

(مسألة 10) : إذا تزوّج امرأة عليها عدّة ولم تشرع فيها ، كما إذا مات زوجها ولم يبلغها الخبر فإنّ عدّتها من حين بلوغ الخبر ، فهل يوجب الحرمة الأبدية أم لا ؟ قولان ، أحوطهما الأوّل ، بل لا يخلو عن قوّة(1) .

(مسألة 11) : إذا تزوّج امرأة في عدّتها ودخل بها مع الجهل فحملت ، مع كونها مدخولة للزوج الأوّل ، فجاءت بولد ، فإن مضى من وط ء الثاني أقلّ من ستّة أشهر ولم يمض من وط ء الزوج الأوّل أقصى مدّة الحمل لحق الولد بالأوّل ، وإن مضى من وط ء الأوّل أقصى المدّة ومن وط ء الثاني ستّة أشهر أو أزيد إلى ما قبل الأقصى فهو ملحق بالثاني ، وإن مضى من الأوّل أقصى المدّة ومن الثاني أقلّ من ستّة أشهر فليس ملحقاً بواحد منهما ، وإن مضى من الأوّل ستّة فما فوق وكذا من الثاني ، فهل يلحق بالأوّل أو الثاني أو يقرع ؟ وجوه أو أقوال ، والأقوى لحوقه بالثاني ؛ لجملة من الأخبار ، وكذا إذا تزوّجها الثاني بعد تمام العدّة للأوّل واشتبه حال الولد .

ص: 630


1- - بل الثاني لا يخلو من قوّة .

(مسألة 12) : إذا اجتمعت عدّة وط ء الشبهة مع التزويج أو لا معه وعدّة الطلاق أو الوفاة أو نحوهما ، فهل تتداخل العدّتان أو يجب التعدّد ؟ قولان ، المشهور على الثاني(1) وهو الأحوط ، وإن كان الأوّل لا يخلو عن قوّة ؛ حملاً للأخبار الدالّة على التعدّد على التقيّة ؛ بشهادة خبر زرارة وخبر يونس ، وعلى التعدّد يقدّم ما تقدّم سببه ، إلاّ إذا كان إحدى العدّتين بوضع الحمل فتقدّم وإن كان سببها متأخّراً ؛ لعدم إمكان التأخير حينئذٍ ، ولو كان المتقدّمة عدّة وط ء الشبهة والمتأخّرة عدّة الطلاق الرجعي فهل يجوز الرجوع قبل مجيء زمان عدّته ؟ وهل ترث الزوج إذا مات قبله في زمان عدّة وط ء الشبهة ؟ وجهان ، بل قولان ، لا يخلو الأوّل منهما من قوّة ، ولو كانت المتأخّرة عدّة الطلاق البائن فهل يجوز تزويج المطلّق لها في زمان عدّة الوط ء قبل مجيء زمان عدّة الطلاق ؟ وجهان ، لا يبعد الجواز(2) بناءً على أنّ الممنوع في عدّة وط ء الشبهة وط ء الزوج لها لا سائر الاستمتاعات بها كما هو الأظهر ، ولو قلنا بعدم جواز التزويج حينئذٍ للمطلّق فيحتمل كونه موجباً للحرمة الأبدية أيضاً ؛ لصدق التزويج في عدّة الغير ، لكنّه بعيد ؛ لانصراف أخبار التحريم المؤبّد عن هذه الصورة . هذا ، ولو كانت العدّتان لشخص واحد كما إذا طلّق زوجته بائناً ثمّ وطئها شبهة في أثناء العدّة فلا ينبغي الإشكال(3) في التداخل ، وإن كان مقتضى إطلاق بعض العلماء التعدّد في هذه الصورة أيضاً .

(مسألة 13) : لا إشكال في ثبوت مهر المثل في الوط ء بالشبهة المجرّدة عن

ص: 631


1- - وهو الأحوط لو لم يكن أقوى ، فلا يترك .
2- - بل لا يبعد عدم الجواز ، ولا يبعد كونه موجباً للحرمة الأبدية .
3- - الأحوط التعدّد في هذه الصورة أيضاً .

التزويج إذا كانت الموطوءة مشتبهة وإن كان الواطئ عالماً ، وأمّا إذا كان بالتزويج ففي ثبوت المسمّى أو مهر المثل قولان ، أقواهما الثاني(1) ، وإذا كان التزويج مجرّداً عن الوط ء فلا مهر أصلاً .

(مسألة 14) : مبدأ العدّة في وط ء الشبهة المجرّدة عن التزويج حين الفراغ من الوط ء ، وأمّا إذا كان مع التزويج فهل هو كذلك ، أو من حين تبيّن الحال ؟ وجهان ، والأحوط الثاني ، بل لعلّه الظاهر من الأخبار .

(مسألة 15) : إذا كانت الموطوءة بالشبهة عالمة ؛ بأن كان الاشتباه من طرف الواطئ فقط ، فلا مهر لها إذا كانت حرّة ؛ إذ لا مهر لبغيّ ، ولو كانت أمة ففي كون الحكم كذلك ، أو يثبت المهر لأ نّه حقّ السيّد ، وجهان(2) ، لا يخلو الأوّل منهما من قوّة .

(مسألة 16) : لا يتعدّد المهر بتعدّد الوط ء مع استمرار الاشتباه ، نعم لو كان مع تعدّد الاشتباه تعدّد(3) .

(مسألة 17) : لا بأس بتزويج المرأة الزانية غير ذات البعل للزاني وغيره ، والأحوط الأولى(4) أن يكون بعد استبراء رحمها بحيضة من مائه أو ماء غيره إن لم تكن حاملاً ، وأمّا الحامل فلا حاجة فيها إلى الاستبراء ، بل يجوز

ص: 632


1- - محلّ تأمّل .
2- - هنا وجه آخر لا يبعد أن يكون أوجه منهما ، وهو ثبوت عشر قيمتها للمولى إن كانت بكراً ، ونصف العشر إن كانت ثيّباً .
3- - محلّ تأمّل في بعض صوره ، لكنّه أحوط مطلقاً ، وأقوى في بعض الصور .
4- - لا يترك حتّى الإمكان .

تزويجها ووطؤها بلا فصل ، نعم الأحوط ترك تزويج المشهورة بالزنا إلاّ بعد ظهور توبتها ، بل الأحوط ذلك بالنسبة إلى الزاني بها ، وأحوط من ذلك ترك تزويج الزانية مطلقاً إلاّ بعد توبتها ، ويظهر ذلك بدعائها إلى الفجور ، فإن أبت ظهر توبتها .

(مسألة 18) : لا تحرم الزوجة على زوجها بزناها وإن كانت مصرّة على ذلك ، ولا يجب عليه أن يطلّقها .

(مسألة 19) : إذا زنى بذات بعل دواماً أو متعة حرمت عليه أبداً ، فلا يجوز له نكاحها بعد موت زوجها أو طلاقه لها أو انقضاء مدّتها إذا كانت متعة ، ولا فرق على الظاهر بين كونه حال الزنا عالماً بأ نّها ذات بعل أو لا ، كما لا فرق بين كونها حرّة أو أمة ، وزوجها حرّاً أو عبداً ؛ كبيراً أو صغيراً ، ولا بين كونها مدخولاً بها من زوجها أو لا ، ولا بين أن يكون ذلك بإجراء العقد عليها وعدمه بعد فرض العلم بعدم صحّة العقد ، ولا بين أن تكون الزوجة مشتبهة أو زانية أو مكرهة ، نعم لو كانت هي الزانية وكان الواطئ مشتبهاً فالأقوى عدم الحرمة الأبدية ، ولا يلحق بذات البعل الأمة المستفرشة ولا المحلّلة ، نعم لو كانت الأمة مزوّجة فوطئها سيّدها لم يبعد الحرمة الأبدية عليه وإن كان لا يخلو عن إشكال ، ولو كان الواطئ مكرهاً على الزنا فالظاهر(1) لحوق الحكم وإن كان لا يخلو عن إشكال أيضاً .

(مسألة 20) : إذا زنى بامرأة في العدّة الرجعية حرمت عليه أبداً ، دون البائنة وعدّة الوفاة وعدّة المتعة والوط ء بالشبهة والفسخ ، ولو شكّ في كونها في العدّة

ص: 633


1- - بل الأحوط .

أو لا ، أو في العدّة الرجعية أو البائنة فلا حرمة ما دام باقياً على الشكّ ، نعم لو علم كونها في عدّة رجعية وشكّ في انقضائها وعدمه فالظاهر الحرمة ، خصوصاً إذا أخبرت هي بعدم الانقضاء ، ولا فرق بين أن يكون الزنا في القبل أو الدبر ، وكذا في المسألة السابقة .

(مسألة 21) : من لاط بغلام فأوقب - ولو بعض الحشفة - حرمت عليه اُمّه أبداً وإن علت ، وبنته وإن نزلت ، واُخته ؛ من غير فرق بين كونهما كبيرين ، أو صغيرين ، أو مختلفين ، ولا تحرم على الموطوء اُمّ الواطئ وبنته واُخته على الأقوى ، ولو كان الموطوء خنثى(1) حرمت اُمّها وبنتها على الواطئ ؛ لأ نّه إمّا لواط أو زناً وهو محرّم إذا كان سابقاً كما مرّ ، والأحوط(2) حرمة المذكورات على الواطئ وإن كان ذلك بعد التزويج ، خصوصاً إذا طلّقها وأراد تزويجها جديداً ، والاُمّ الرضاعية كالنسبية ، وكذلك الاُخت والبنت ، والظاهر عدم الفرق في الوط ء بين أن يكون عن علم وعمد واختيار أو مع الاشتباه ، كما إذا تخيّله امرأته أو كان مكرهاً أو كان المباشر(3) للفعل هو المفعول ، ولو كان الموطوء ميّتاً ففي التحريم إشكال(4) ، ولو شكّ في تحقّق الإيقاب وعدمه بنى على العدم ، ولا تحرم من جهة هذا العمل الشنيع غير الثلاثة المذكورة ، فلا بأس بنكاح ولد الواطئ ابنة الموطوء أو اُخته أو اُمّه وإن كان الأولى الترك في ابنته .

ص: 634


1- - وكان الوط ء في دبرها .
2- - وإن كان الأقوى عدمها .
3- - على الأحوط في هذه الصورة ؛ إذا لم يتحقّق من الفاعل العمل .
4- - بل منع .

فصل : من المحرّمات الأبدية التزويج حال الإحرام

لا يجوز للمحرم أن يتزوّج امرأة محرمة أو محلّة ؛ سواء كان بالمباشرة أو بالتوكيل مع إجراء الوكيل العقد حال الإحرام ؛ سواء كان الوكيل محرماً أو محلاًّ وكانت الوكالة قبل الإحرام أو حاله ، وكذا لو كان بإجازة عقد الفضولي الواقع حال الإحرام أو قبله مع كونها حاله ؛ بناءً على النقل ، بل على الكشف(1) الحكمي ، بل الأحوط مطلقاً ، ولا إشكال في بطلان النكاح في الصور المذكورة ، وإن كان مع العلم بالحرمة حرمت الزوجة عليه أبداً ؛ سواء دخل بها أو لا ، وإن كان مع الجهل بها لم تحرم عليه على الأقوى ؛ دخل بها أو لم يدخل ، لكن العقد باطل على أيّ حال ، بل لو كان المباشر للعقد محرماً بطل وإن كان من له العقد محلاًّ ، ولو كان الزوج محلاًّ وكانت الزوجة محرمة فلا إشكال في بطلان العقد ، لكن هل يوجب الحرمة الأبدية ؟ فيه قولان ، الأحوط الحرمة ، بل لا يخلو عن قوّة ، ولا فرق في البطلان والتحريم الأبدي بين أن يكون الإحرام لحجّ واجب أو مندوب ، أو لعمرة واجبة أو مندوبة ، ولا في النكاح بين الدوام والمتعة .

(مسألة 1) : لو تزوّج في حال الإحرام مع العلم بالحكم ، لكن كان غافلاً عن كونه محرماً ، أو ناسياً له ، فلا إشكال في بطلانه ، لكن في كونه محرّماً أبداً إشكال ، والأحوط ذلك .

(مسألة 2) : لا يلحق وط ء زوجته الدائمة أو المنقطعة حال الإحرام بالتزويج

ص: 635


1- - على الأحوط فيه .

في التحريم الأبدي ، فلا يوجبه وإن كان مع العلم بالحرمة والعمد .

(مسألة 3) : لو تزوّج في حال الإحرام ولكن كان باطلاً من غير جهة الإحرام كتزويج اُخت الزوجة أو الخامسة ، هل يوجب التحريم أو لا ؟ الظاهر ذلك ؛ لصدق التزويج فيشمله(1) الأخبار ، نعم لو كان بطلانه لفقد بعض الأركان بحيث لا يصدق عليه التزويج لم يوجب .

(مسألة 4) : لو شكّ في أنّ تزويجه هل كان في الإحرام أو قبله ؟ بنى على(2) عدم كونه فيه ، بل وكذا لو شكّ في أ نّه كان في حال الإحرام أو بعده على إشكال ، وحينئذٍ فلو اختلف الزوجان في وقوعه حاله أو حال الإحلال سابقاً أو لاحقاً قدّم قول من يدّعي الصحّة ؛ من غير فرق بين جهل التأريخين أو العلم بتأريخ أحدهما ، نعم لو كان محرماً وشكّ في أ نّه أحلّ من إحرامه أو لا ، لا يجوز له التزويج ، فإن تزوّج مع ذلك بطل وحرمت عليه(3) أبداً ، كما هو مقتضى استصحاب بقاء الإحرام .

(مسألة 5) : إذا تزوّج حال الإحرام عالماً بالحكم والموضوع ، ثمّ انكشف فساد إحرامه صحّ العقد ولم يوجب الحرمة ، نعم لو كان إحرامه صحيحاً فأفسده(4) ثمّ تزوّج ففيه وجهان ؛ من أ نّه قد فسد ، ومن معاملته معاملة الصحيح في جميع أحكامه .

ص: 636


1- - فيه إشكال .
2- - أي بنى على صحّته ، وكذا فيما يتلوه على الأقوى .
3- - مع علمه بالحرمة ، وإنّما تكون الحرمة في الظاهر ما لم ينكشف الخلاف .
4- - لكنّه فرض غير واقع ، وما هو محلّ الكلام هو فساد الحجّ في بعض الموارد لا فساد الإحرام ، فإنّ الظاهر عدم فساده مع فساد الحجّ .

(مسألة 6) : يجوز للمحرم الرجوع في الطلاق في العدّة الرجعية ، وكذا تملّك الإماء .

(مسألة 7) : يجوز للمحرم أن يوكّل محلاًّ في أن يزوّجه بعد إحلاله ، وكذا يجوز له أن يوكّل محرماً في أن يزوّجه بعد إحلالهما .

(مسألة 8) : لو زوّجه فضولي في حال إحرامه لم يجز له إجازته في حال إحرامه ، وهل له ذلك بعد إحلاله ؟ الأحوط العدم ولو على القول بالنقل . هذا إذا كان الفضولي محلاًّ ، وإلاّ فعقده باطل لا يقبل الإجازة ولو كان المعقود له محلاًّ .

فصل : في المحرّمات بالمصاهرة

وهي علاقة بين أحد الطرفين مع أقرباء الآخر تحدث بالزوجية أو الملك ؛ عيناً أو انتفاعاً ، بالتحليل أو الوط ء شبهة أو زناً أو النظر أو اللمس في صورة مخصوصة .

(مسألة 1) : تحرم زوجة كلّ من الأب والابن على الآخر فصاعداً في الأوّل ونازلاً في الثاني ؛ نسباً أو رضاعاً ، دواماً أو متعة ، بمجرّد العقد وإن لم يكن دخل ، ولا فرق في الزوجين والأب والابن بين الحرّ والمملوك .

(مسألة 2) : لا تحرم مملوكة الأب على الابن وبالعكس مع عدم الدخول وعدم اللمس والنظر ، وتحرم مع الدخول أو أحد الأمرين إذا كان بشهوة(1) ، وكذا لا تحرم المحلّلة لأحدهما على الآخر إذا لم تكن مدخولة(2) .

ص: 637


1- - على الأحوط ، بل الأحوط مطلق اللمس والنظر إلى ما لا يحلّ لغير المالك .
2- - وملموسة ومنظورة .

(مسألة 3) : تحرم على الزوج اُمّ الزوجة وإن علت ؛ نسباً أو رضاعاً مطلقاً ، وكذا بنتها وإن نزلت بشرط الدخول بالاُمّ ؛ سواء كانت في حجره أو لا ، وإن كان تولّدها بعد خروج الاُمّ عن زوجيته ، وكذا تحرم اُمّ المملوكة الموطوءة على الواطئ وإن علت مطلقاً وبنتها .

(مسألة 4) : لا فرق في الدخول بين القبل والدبر ، ويكفي الحشفة أو مقدارها(1) ، ولا يكفي الإنزال على فرجها من غير دخول وإن حبلت به ، وكذا لا فرق بين أن يكون في حال اليقظة أو النوم ؛ اختياراً أو جبراً منه أو منها .

(مسألة 5) : لا يجوز لكلّ من الأب والابن وط ء مملوكة الآخر من غير عقد ولا تحليل وإن لم تكن مدخولة له ، وإلاّ كان زانياً .

(مسألة 6) : يجوز للأب أن يقوّم مملوكة ابنه الصغير على نفسه ووطؤها ، والظاهر إلحاق الجدّ بالأب ، والبنت بالابن وإن كان الأحوط خلافه ، ولا يعتبر إجراء صيغة البيع(2) أو نحوه وإن كان أحوط ، وكذا لا يعتبر كونه مصلحة للصبيّ ، نعم يعتبر عدم المفسدة ، وكذا لا يعتبر الملاءة في الأب وإن كان أحوط .

(مسألة 7) : إذا زنى الابن بمملوكة الأب حدّ ، وأمّا إذا زنى الأب بمملوكة الابن فالمشهور عدم الحدّ عليه ، وفيه إشكال .

(مسألة 8) : إذا وطئ أحدهما مملوكة الآخر شبهة لم يحدّ ، ولكن عليه مهر المثل ، ولو حبلت فإن كان الواطئ هو الابن عتق الولد قهراً مطلقاً ، وإن كان

ص: 638


1- - كفاية المسمّى في مقطوع الحشفة لا تخلو من قوّة .
2- - لكن يكون التقويم بعنوان التملّك في مقابل العوض .

الأب لم ينعتق إلاّ إذا كان اُنثى ، نعم يجب(1) على الأب فكّه إن كان ذكراً .

(مسألة 9) : لا يجوز نكاح بنت الأخ أو الاُخت على العمّة والخالة إلاّ بإذنهما ؛ من غير فرق بين الدوام والانقطاع ، ولا بين علم العمّة والخالة وجهلهما، ويجوز العكس وإن كانت العمّة والخالة جاهلتين بالحال على الأقوى .

(مسألة 10) : الظاهر عدم الفرق بين الصغيرتين والكبيرتين والمختلفتين ، ولا بين اطّلاع العمّة والخالة على ذلك وعدم اطّلاعهما أبداً ، ولا بين كون مدّة الانقطاع قصيرة ولو ساعة أو طويلة على إشكال في بعض(2) هذه الصور ؛ لإمكان دعوى انصراف الأخبار .

(مسألة 11) : الظاهر(3) أنّ حكم اقتران العقدين حكم سبق العمّة والخالة .

(مسألة 12) : لا فرق بين المسلمتين والكافرتين والمختلفتين .

(مسألة 13) : لا فرق في العمّة والخالة بين الدنيا منهما والعليا .

(مسألة 14) : في كفاية الرضا الباطني منهما من دون إظهاره وعدمها ، وكون اللازم إظهاره بالإذن قولاً أو فعلاً وجهان(4) .

(مسألة 15) : إذا أذنت ثمّ رجعت ولم يبلغه الخبر فتزوّج، لم يكفه الإذن السابق.

(مسألة 16) : إذا رجعت عن الإذن بعد العقد لم يؤثّر في البطلان .

ص: 639


1- - يحتاج إلى المراجعة .
2- - الأقوى التعميم .
3- - فيه إشكال ، بل الأشبه عكسه .
4- - الأحوط الثاني .

(مسألة 17) : الظاهر كفاية إذنهما وإن كان عن غرور ؛ بأن وعدها أن يعطيها شيئاً فرضيت ثمّ لم يف بوعده ؛ سواء كان بانياً على الوفاء حين العقد أم لا ، نعم لو قيّدت الإذن بإعطاء شيء فتزوّج ثمّ لم يعط كشف عن بطلان الإذن والعقد وإن كان حين العقد بانياً على العمل به .

(مسألة 18) : الظاهر أنّ اعتبار إذنهما من باب الحكم الشرعي ، لا أن يكون لحقّ منهما ، فلا يسقط بالإسقاط .

(مسألة 19) : إذا اشترط في عقد العمّة أو الخالة إذنهما في تزويج بنت الأخ أو الاُخت ، ثمّ لم تأذنا عصياناً منهما في العمل بالشرط لم يصحّ العقد على إحدى البنتين ، وهل له إجبارهما في الإذن ؟ وجهان ، نعم إذا اشترط عليهما في ضمن عقدهما أن يكون له العقد على ابنة الأخ أو الاُخت فالظاهر الصحّة(1) وإن أظهرتا الكراهة بعد هذا .

(مسألة 20) : إذا تزوّجهما من غير إذن ثمّ أجازتا ، صحّ على الأقوى .

(مسألة 21) : إذا تزوّج العمّة وابنة الأخ وشكّ في سبق عقد العمّة أو سبق عقد الابنة حكم بالصحّة ، وكذا إذا شكّ في السبق والاقتران بناءً على البطلان مع الاقتران .

(مسألة 22) : إذا ادّعت العمّة أو الخالة عدم الإذن ، وادّعى هو الإذن منهما ، قدّم قولهما ، وإذا كانت الدعوى بين العمّة وابنة الأخ - مثلاً - في الإذن وعدمه ، فكذلك قدّم قول العمّة .

ص: 640


1- - لو رجع الشرط إلى سقوط إذنه فالظاهر بطلان الشرط .

(مسألة 23) : إذا تزوّج ابنة الأخ أو الاُخت وشكّ في أ نّه هل كان عن إذن من العمّة والخالة أو لا ؟ حمل فعله على الصحّة .

(مسألة 24) : إذا حصل بنتية الأخ أو الاُخت بعد التزويج بالرضاع لم يبطل ، وكذا إذا جمع بينهما في حال الكفر ثمّ أسلم على وجه(1) .

(مسألة 25) : إذا طلّق العمّة أو الخالة طلاقاً رجعياً لم يجز تزويج إحدى البنتين إلاّ بعد خروجهما عن العدّة ، ولو كان الطلاق بائناً جاز من حينه .

(مسألة 26) : إذا طلّق إحداهما بطلاق الخلع جاز له العقد على البنت ؛ لأنّ طلاق الخلع بائن ، وإن رجعت في البذل لم يبطل العقد .

(مسألة 27) : هل يجري الحكم في المملوكتين والمختلفتين ؟ وجهان ، أقواهما العدم .

(مسألة 28) : الزنا الطارئ على التزويج لا يوجب الحرمة إذا كان بعد الوط ء ، بل قبله أيضاً على الأقوى ، فلو تزوّج امرأة ثمّ زنى باُمّها أو بنتها لم تحرم عليه امرأته ، وكذا لو زنى الأب بامرأة الابن لم تحرم على الابن ، وكذا لو زنى الابن بامرأة الأب لا تحرم على أبيه ، وكذا الحال في اللواط الطارئ على التزويج ، فلو تزوّج امرأة ولاط بأخيها أو أبيها أو ابنها لم تحرم عليه امرأته ، إلاّ أنّ الاحتياط فيه لا يترك(2) ، وأمّا إذا كان الزنا سابقاً على التزويج ، فإن كان بالعمّة أو الخالة يوجب حرمة بنتيهما ، وإن كان بغيرهما ففيه خلاف ، والأحوط التحريم ، بل لعلّه

ص: 641


1- - فيه تأمّل .
2- - لا ينبغي تركه .

لا يخلو عن قوّة(1) ، وكذا الكلام في الوط ء بالشبهة ، فإنّه إن كان طارئاً لا يوجب الحرمة ، وإن كان سابقاً على التزويج أوجبها .

(مسألة 29) : إذا زنى بمملوكة أبيه ، فإن كان قبل أن يطأها الأب حرمت على الأب ، وإن كان بعد وطئه لها لم تحرم ، وكذا الكلام إذا زنى الأب بمملوكة ابنه .

(مسألة 30) : لا فرق في الحكم بين الزنا في القبل أو الدبر .

(مسألة 31) : إذا شكّ في تحقّق الزنا وعدمه ، بنى على العدم ، وإذا شكّ في كونه سابقاً أو لا ، بنى على كونه لاحقاً .

(مسألة 32) : إذا علم أ نّه زنى بأحد الامرأتين ولم يدر أيّتهما هي؟ وجب عليه الاحتياط إذا كان لكلّ منهما اُمّ أو بنت ، وأمّا إذا لم يكن لإحداهما اُمّ ولا بنت ، فالظاهر جواز(2) نكاح الاُمّ أو البنت من الاُخرى .

(مسألة 33) : لا فرق في الزنا بين كونه اختيارياً أو إجبارياً أو اضطرارياً ، ولا بين كونه في حال النوم أو اليقظة ، ولا بين كون الزاني بالغاً أو غير بالغ ، وكذا المزنيّ بها ، بل لو أدخلت الامرأة ذكر الرضيع في فرجها نشر الحرمة على إشكال ، بل لو زنى بالميتة فكذلك على إشكال أيضاً ، وأشكل من ذلك لو أدخلت ذكر الميّت المتّصل ، وأمّا لو أدخلت الذكر المقطوع فالظاهر عدم النشر .

(مسألة 34) : إذا كان الزنا لاحقاً فطلّقت الزوجة رجعياً ، ثمّ رجع الزوج في أثناء العدّة لم يعدّ سابقاً حتّى ينشر الحرمة ؛ لأنّ الرجوع إعادة الزوجية الاُولى ،

ص: 642


1- - في القوّة إشكال ، وكذا في الوط ء بالشبهة .
2- - هذا إذا كانت المرأة زانية لا مشتبهة .

وأمّا إذا نكحها بعد الخروج عن العدّة أو طلّقت بائناً فنكحها بعقد جديد ففي صحّة النكاح وعدمها وجهان ؛ من أنّ الزنا حين وقوعه لم يؤثّر في الحرمة ؛ لكونه لاحقاً فلا أثر له بعد هذا أيضاً ، ومن أ نّه سابق بالنسبة إلى هذا العقد الجديد والأحوط النشر .

(مسألة 35) : إذا زوّجه رجل امرأة فضولاً فزنى باُمّها أو بنتها ثمّ أجاز العقد ، فإن قلنا بالكشف الحقيقي كان الزنا لاحقاً ، وإن قلنا بالكشف الحكمي(1) أو النقل كان سابقاً .

(مسألة 36) : إذا كان للأب مملوكة منظورة أو ملموسة له بشهوة ، حرمت على ابنه ، وكذا العكس على الأقوى فيهما ، بخلاف ما إذا كان النظر أو اللمس بغير شهوة ، كما إذا كان(2) للاختبار أو للطبابة أو كان اتّفاقياً ، بل وإن أوجب شهوة أيضاً ، نعم لو لمسها لإثارة الشهوة كما إذا مسّ فرجها أو ثديها أو ضمّها لتحريك الشهوة ، فالظاهر النشر .

(مسألة 37) : لا تحرم اُمّ المملوكة الملموسة والمنظورة على اللامس والناظر على الأقوى ، وإن كان الأحوط الاجتناب ، كما أنّ الأحوط اجتناب الربيبة الملموسة أو المنظورة اُمّها وإن كان الأقوى عدمه ، بل قد يقال : إنّ اللمس والنظر يقومان مقام الوط ء في كلّ مورد يكون الوط ء ناشراً للحرمة ، فتحرم الأجنبيّة الملموسة أو المنظورة شبهة أو حراماً على الأب والابن ، وتحرم اُمّها وبنتها حرّة كانت أو أمة ، وهو وإن كان أحوط ، إلاّ أنّ الأقوى خلافه ، وعلى ما

ص: 643


1- - فيه تأمّل .
2- - مرّ الكلام فيه .

ذكر فتنحصر الحرمة في مملوكة كلّ من الأب والابن على الآخر إذا كانت ملموسة أو منظورة بشهوة .

(مسألة 38) : في إيجاب النظر أو اللمس إلى الوجه والكفّين إذا كان بشهوة نظر ، والأقوى العدم وإن كان هو أحوط(1) .

(مسألة 39) : لا يجوز الجمع بين الاُختين في النكاح ؛ دواماً أو متعة ، سواء كانتا نسبيتين أو رضاعيتين أو مختلفتين(2) ، وكذا لا يجوز(3) الجمع بينهما في الملك مع وطئهما ، وأمّا الجمع بينهما في مجرّد الملك من غير وط ء فلا مانع منه ، وهل يجوز الجمع بينهما في الملك مع الاستمتاع بما دون الوط ء ؛ بأن لم يطأهما أو وطئ إحداهما واستمتع بالاُخرى بما دون الوط ء ؟ فيه نظر ، مقتضى بعض النصوص الجواز وهو الأقوى ، لكن الأحوط العدم .

(مسألة 40) : لو تزوّج بإحدى الاُختين وتملّك الاُخرى لا يجوز له وط ء المملوكة إلاّ بعد طلاق المزوّجة وخروجها عن العدّة إن كانت رجعية ، فلو وطئها قبل ذلك فعل حراماً ، لكن لا تحرم عليه الزوجة بذلك ولا يحدّ حدّ الزنا بوط ء المملوكة بل يعزّر ، فيكون حرمة وطئها كحرمة وط ء الحائض .

(مسألة 41) : لو وطئ إحدى الاُختين بالملك ، ثمّ تزوّج الاُخرى فالأظهر(4)

ص: 644


1- - لا يترك في اللمس بشهوة .
2- - كرضيعة من لبن فحل مع بنته النسبية التي لم ترتضع من لبنه ، فهما اُختان مختلفتا الانتساب لم تحصل اُختيتهما بالرضاعة ولا بالنسب ، بل بهما على الاختلاف .
3- - ما لا يجوز هو وطؤهما بالملك لا جمعهما فيه مع وطئهما .
4- - محلّ تأمّل .

بطلان التزويج ، وقد يقال بصحّته وحرمة وط ء الاُولى إلاّ بعد طلاق الثانية .

(مسألة 42) : لو تزوّج بإحدى الاُختين ثمّ تزوّج بالاُخرى بطل عقد الثانية ؛ سواء كان بعد وط ء الاُولى أو قبله ، ولا يحرم بذلك وط ء الاُولى وإن كان قد دخل بالثانية ، نعم لو دخل بها مع الجهل بأ نّها اُخت الاُولى يكره له وط ء الاُولى قبل خروج الثانية عن العدّة ، بل قيل : يحرم ؛ للنصّ الصحيح ، وهو الأحوط(1) .

(مسألة 43) : لو تزوّج بالاُختين ولم يعلم السابق واللاحق ، فإن علم تأريخ أحد العقدين حكم بصحّته دون المجهول ، وإن جهل تأريخهما حرم عليه وطؤهما ، وكذا وط ء إحداهما ، إلاّ بعد طلاقهما أو طلاق الزوجة الواقعية منهما ثمّ تزويج من شاء منهما بعقد جديد بعد خروج الاُخرى عن العدّة ، إن كان دخل بها أو بهما ، وهل يجبر على هذا الطلاق دفعاً لضرر الصبر عليهما ؟ لا يبعد ذلك(2) ؛ لقوله تعالى : (فَإِمْسَاكٌ بِمَعرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحسَانٍ) . وربما يقال بعدم وجوب الطلاق عليه وعدم إجباره وأ نّه يعيّن بالقرعة ، وقد يقال : إنّ الحاكم يفسخ نكاحهما . ثمّ مقتضى العلم الإجمالي بكون إحداهما زوجة وجوب الإنفاق عليهما ما لم يطلّق ، ومع الطلاق قبل الدخول نصف المهر لكلّ منهما ،

ص: 645


1- - لا يترك .
2- - الأقرب هو الرجوع إلى القرعة في تعيين السابق منهما ، فتسقط الاحتمالات اللاحقة ، وكذا الحال في الرجوع إلى القرعة في نظائر المقام ، إلاّ بعض الموارد النادرة ممّا خرج عنها بالنصّ ، فحينئذٍ تستعمل بالنسبة إلى المهر لو طلّقها ، وما هو المعروف بين المتأخرين من الإشكال في أدلّة القرعة قد فرغنا عن جوابه في محلّه ، وأ نّه ممّا لا أساس له ، وأمّا الآية الشريفة التي تمسّك بها في المتن فهي غير مربوطة بالمسألة وإن تمسّك بها العلاّمة أيضاً .

وإن كان بعد الدخول فتمامه ، لكن ذكر بعضهم أ نّه لا يجب عليه إلاّ نصف المهر لهما فلكلّ منهما الربع في صورة عدم الدخول ، وتمام أحد المهرين لهما في صورة الدخول ، والمسألة محلّ إشكال كنظائرها من العلم الإجمالي في الماليات .

(مسألة 44) : لو اقترن عقد الاُختين ؛ بأن تزوّجهما بصيغة واحدة ، أو عقد على إحداهما ووكيله على الاُخرى في زمان واحد ، بطلا معاً ، وربما يقال بكونه مخيّراً في اختيار أيّهما شاء ؛ لرواية محمولة على التخيير بعقد جديد ، ولو تزوّجهما وشكّ في السبق(1) والاقتران حكم ببطلانهما أيضاً .

(مسألة 45) : لو كان عنده اُختان مملوكتان فوطئ إحداهما حرمت عليه الاُخرى حتّى تموت الاُولى ، أو يخرجها عن ملكه ببيع أو صلح أو هبة أو نحوهما ، ولو بأن يهبهما من ولده ، والظاهر كفاية التمليك الذي له فيه الخيار وإن كان الأحوط اعتبار لزومه ، ولا يكفي على الأقوى ما يمنع من المقاربة مع بقاء الملكية كالتزويج للغير والرهن والكتابة ونذر عدم المقاربة ونحوها ، ولو وطئها من غير إخراج للاُولى لم يكن زناً ، فلا يحدّ ويلحق به الولد ، نعم يعزّر .

(مسألة 46) : إذا وطئ الثانية بعد وط ء الاُولى حرمتا عليه مع علمه بالموضوع والحكم ، وحينئذٍ فإن أخرج الاُولى عن ملكه حلّت الثانية مطلقاً وإن كان ذلك بقصد الرجوع إليها ، وإن أخرج الثانية عن ملكه يشترط في حلّية الاُولى أن يكون إخراجه لها لا بقصد الرجوع إلى الاُولى ، وإلاّ لم تحلّ ، وأمّا في صورة الجهل بالحرمة موضوعاً أو حكماً ، فلا يبعد بقاء الاُولى على حلّيتها والثانية على حرمتها ، وإن كان الأحوط عدم حلّية الاُولى إلاّ بإخراج الثانية ولو

ص: 646


1- - مع الجهل بتأريخهما .

كان بقصد الرجوع إلى الاُولى ، وأحوط من ذلك كونها كصورة العلم .

(مسألة 47) : لو كانت الاُختان كلتاهما أو إحداهما من الزنا ، فالأحوط لحوق الحكم من حرمة الجمع بينهما في النكاح والوط ء إذا كانتا مملوكتين .

(مسألة 48) : إذا تزوّج بإحدى الاُختين ثمّ طلّقها رجعياً لا يجوز له نكاح الاُخرى إلاّ بعد خروج الاُولى عن العدّة ، وأمّا إذا كان بائناً ؛ بأن كان قبل الدخول ، أو ثالثاً ، أو كان الفراق بالفسخ لأحد العيوب ، أو بالخلع ، أو المباراة ، جاز له نكاح الاُخرى ، والظاهر عدم صحّة رجوع الزوجة في البذل بعد تزويج اُختها ، كما سيأتي في باب الخلع إن شاء اللّه ، نعم لو كان عنده إحدى الاُختين بعقد الانقطاع وانقضت المدّة ، لا يجوز له - على الأحوط - نكاح اُختها في عدّتها وإن كانت بائنة ؛ للنصّ الصحيح ، والظاهر أ نّه كذلك إذا وهب مدّتها وإن كان مورد النصّ انقضاء المدّة .

(مسألة 49) : إذا زنى بإحدى الاُختين جاز له نكاح الاُخرى في مدّة استبراء الاُولى ، وكذا إذا وطئها شبهة جاز له نكاح اُختها في عدّتها ؛ لأ نّها بائنة ، نعم الأحوط اعتبار الخروج عن العدّة ، خصوصاً في صورة كون الشبهة من طرفه والزنا من طرفها ؛ من جهة الخبر(1) الوارد في تدليس الاُخت التي نامت في فراش اُختها بعد لبسها لباسها .

(مسألة 50) : الأقوى جواز الجمع بين فاطميتين على كراهة ، وذهب جماعة

ص: 647


1- - هو صحيحة بريد العجلي ، وهي غير مربوطة بالمقام ، بل يمكن دعوى إشعارها بخلاف ما ذكره ، نعم الأحوط ترك وط ء الاُخت التي هي زوجته مع وط ء اُختها المدلّسة للصحيحة .

من الأخبارية إلى الحرمة والبطلان بالنسبة إلى الثانية ، ومنهم من قال بالحرمة دون البطلان ، فالأحوط الترك ، ولو جمع بينهما فالأحوط طلاق الثانية أو طلاق الاُولى وتجديد العقد على الثانية بعد خروج الاُولى عن العدّة ، وإن كان الأظهر على القول بالحرمة عدم البطلان ؛ لأ نّها تكليفية ، فلا تدلّ على الفساد . ثمّ الظاهر عدم الفرق في الحرمة أو الكراهة بين كون الجامع بينهما فاطمياً أو لا ، كما أنّ الظاهر اختصاص الكراهة أو الحرمة بمن كانت فاطمية من طرف الأبوين أو الأب ، فلا تجري في المنتسب إليها - صلوات اللّه عليها - من طرف الاُمّ ، خصوصاً إذا كان انتسابها إليها بإحدى الجدّات العاليات ، وكيف كان فالأقوى عدم الحرمة وإن كان النصّ الوارد في المنع صحيحاً على ما رواه الصدوق في «العلل» بإسناده عن حمّاد قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «لا يحلّ لأحد أن يجمع بين اثنتين من ولد فاطمة I إنّ ذلك يبلغها فيشقّ عليها» قلت : يبلغها؟ قال علیه السلام : «إي واللّه» وذلك لإعراض المشهور عنه مع أنّ تعليله ظاهر في الكراهة ؛ إذ لا نسلم أنّ مطلق كون ذلك شاقّاً عليها إيذاء لها حتّى يدخل في قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «من آذاها فقد آذاني» .

(مسألة 51) : الأحوط ترك تزويج الأمة دواماً مع عدم الشرطين ؛ من عدم التمكّن من المهر للحرّة وخوف العنت - بمعنى المشقّة أو الوقوع في الزنا - بل الأحوط(1) تركه متعة أيضاً ، وإن كان القول بالجواز فيها غير بعيد ، وأمّا مع الشرطين فلا إشكال في الجواز لقوله تعالى : (وَمَن لَمْ يَستَطِعْ . . .) إلى آخر الآية ، ومع ذلك الصبر أفضل في صورة عدم خوف الوقوع في الزنا ، كما لاإشكال

ص: 648


1- - لا يترك .

في جواز وطئها بالملك ، بل وكذا بالتحليل ، ولا فرق بين القنّ وغيره ، نعم الظاهر جوازه في المبعّضة(1) ؛ لعدم صدق الأمة عليها وإن لم يصدق الحرّة أيضاً .

(مسألة 52) : لو تزوّجها مع عدم الشرطين فالأحوط طلاقها ، ولو حصلا بعد التزويج جدّد نكاحها إن أراد على الأحوط .

(مسألة 53) : لو تحقّق الشرطان فتزوّجها ثمّ زالا أو زال أحدهما لم يبطل ، ولا يجب الطلاق .

(مسألة 54) : لو لم يجد الطول أو خاف العنت ولكن أمكنه الوط ء بالتحليل أو بملك اليمين ، يشكل جواز التزويج .

(مسألة 55) : إذا تمكّن من تزويج حرّة لا يقدر على مقاربتها لمرض أو رتق أو قرن أو صغر أو نحو ذلك فكما لم يتمكّن ، وكذا لو كانت عنده واحدة من هذه ، أو كانت زوجته الحرّة غائبة .

(مسألة 56) : إذا لم تكفه في صورة تحقّق الشرطين أمة واحدة يجوز الاثنتين ، أمّا الأزيد فلا يجوز كما سيأتي .

(مسألة 57) : إذا كان قادراً على مهر الحرّة ، لكنّها تريد أزيد من مهر أمثالها بمقدار يعدّ ضرراً عليه(2) ، فكصورة عدم القدرة ؛ لقاعدة نفي الضرر ، نظير سائر المقامات ، كمسألة وجوب الحجّ إذا كان مستطيعاً ولكن يتوقّف تحصيل الزاد والراحلة على بيع بعض أملاكه بأقلّ من ثمن المثل ، أو على شراء الراحلة بأزيد

ص: 649


1- - فيه تأمّل .
2- - بل حرجاً عليه وكذا في أمثال المقام ، وأمّا قاعدة الضرر ففيها إشكال .

من ثمن المثل ، فإنّ الظاهر سقوط الوجوب وإن كان قادراً على ذلك ، والأحوط في الجميع اعتبار كون الزيادة ممّا يضرّ بحاله لا مطلقاً .

فصل : في الجمع بين الحرائر والإماء في التزويج

فصل

الأقوى جواز نكاح الأمة على الحرّة مع إذنها ، والأحوط اعتبار الشرطين من عدم الطول وخوف العنت ، وأمّا مع عدم إذنها فلا يجوز وإن قلنا في المسألة المتقدّمة بجواز عقد الأمة مع عدم الشرطين ، بل هو باطل ، نعم لو أجازت بعد العقد صحّ على الأقوى بشرط تحقّق الشرطين على الأحوط ، ولا فرق في المنع بين كون العقدين دواميين أو انقطاعيين أو مختلفين ، بل الأقوى عدم الفرق بين إمكان وط ء الحرّة وعدمه لمرض أو قرن أو رتق ، إلاّ مع عدم الشرطين ، نعم لا يبعد الجواز إذا لم تكن الحرّة قابلة للإذن لصغر أو جنون ، خصوصاً إذا كان عقدها انقطاعياً ، ولكن الأحوط مع ذلك المنع . وأمّا العكس وهو نكاح الحرّة على الأمة فهو جائز ، ولازم إذا كانت الحرّة عالمة بالحال ، وأمّا مع جهلها فالأقوى خيارها في بقائها مع الأمة وفسخها ورجوعها إلى أهلها ، والأظهر عدم وجوب إعلامها بالحال ، فعلى هذا لو أخفى عليها ذلك أبداً لم يفعل محرّماً .

(مسألة 1) : لو نكح الحرّة والأمة في عقد واحد مع علم الحرّة صحّ ، ومع جهلها صحّ بالنسبة إليها وبطل بالنسبة إلى الأمة ، إلاّ مع إجازتها ، وكذا الحال لو تزوّجهما بعقدين في زمان واحد على الأقوى .

(مسألة 2) : لا إشكال في جواز نكاح المبعّضة على المبعّضة ، وأمّا على الحرّة ففيه إشكال وإن كان لا يبعد جوازه ؛ لأنّ الممنوع نكاح الأمة على الحرّة ، ولا تصدق الأمة على المبعّضة وإن كان لا يصدق أ نّها حرّة أيضاً .

ص: 650

(مسألة 3) : إذا تزوّج الأمة على الحرّة فماتت الحرّة أو طلّقها أو وهب مدّتها في المتعة أو انقضت لم يثمر في الصحّة ، بل لا بدّ من العقد على الأمة جديداً إذا أراد .

(مسألة 4) : إذا كان تحته حرّة فطلّقها طلاقاً بائناً ، يجوز له نكاح الأمة في عدّتها ، وأمّا إذا كان الطلاق رجعياً ففيه إشكال وإن كان لا يبعد الجواز ؛ لانصراف الأخبار عن هذه الصورة .

(مسألة 5) : إذا زوّجه فضولي حرّة ، فتزوّج أمة ثمّ أجاز عقد الفضولي ، فعلى النقل لا يكون من نكاح الأمة على الحرّة ، فلا مانع منه ، وعلى الكشف مشكل .

(مسألة 6) : إذا عقد على حرّة وعقد وكيله له على أمة وشكّ في السابق منهما لا يبعد صحّتهما وإن لم تجز الحرّة ، والأحوط طلاق الأمة مع عدم إجازة الحرّة .

(مسألة 7) : لو شرط في عقد الحرّة ، أن تأذن في نكاح الأمة عليها صحّ ، ولكن إذا لم تأذن لم يصحّ ، بخلاف ما إذا شرط عليها أن يكون له نكاح الأمة .

فصل : في نكاح العبيد والإماء

فصل : في نكاح العبيد والإماء(1)

(مسألة 1) : أمر تزويج العبد والأمة بيد السيّد ، فيجوز له تزويجهما ولو من غير رضاهما ، أو إجبارهما على ذلك ، ولا يجوز لهما العقد على نفسهما من غير إذنه ، كما لا يجوز لغيرهما العقد عليهما كذلك ، حتّى لو كان لهما أب حرّ ، بل يكون إيقاع العقد منهما أو من غيرهما عليهما حراماً ؛ إذا كان ذلك بقصد ترتيب

ص: 651


1- - قد أغمضنا عن هذا الفصل والفصلين التاليين ممّا تتعلّق بالعبيد والإماء ؛ لعدم الابتلاء بهما .

الأثر ولو لا مع إجازة المولى ، نعم لو كان ذلك بتوقّع الإجازة منه فالظاهر عدم حرمته ؛ لأ نّه ليس تصرّفاً في مال الغير عرفاً ، كبيع الفضولي مال غيره ، وأمّا عقدهما على نفسهما من غير إذن المولى ومن غيرهما بتوقّع الإجازة ، فقد يقال بحرمته ؛ لسلب قدرتهما وإن لم يكونا مسلوبي العبارة ، لكنّه مشكل ؛ لانصراف سلب القدرة عن مثل ذلك ، وكذا لو باشر أحدهما العقد للغير بإذنه أو فضولة ، فإنّه ليس بحرام على الأقوى وإن قيل بكونه حراماً .

(مسألة 2) : لو تزوّج العبد من غير إذن المولى وقف على إجازته ، فإن أجاز صحّ ، وكذا الأمة على الأقوى ، والإجازة كاشفة ، ولا فرق في صحّته بها بين أن يكون بتوقّعها أو لا ، بل على الوجه المحرّم ، ولا يضرّه النهي ؛ لأ نّه متعلّق بأمر خارج متّحد ، والظاهر اشتراط عدم الردّ منه قبل الإجازة فلا تنفع الإجازة بعد الردّ ، وهل يشترط في تأثيرها عدم سبق النهي من المولى فيكون النهي السابق كالردّ بعد العقد أو لا ؟ وجهان ، أقواهما الثاني .

(مسألة 3) : لو باشر المولى تزويج عبده أو أجبره على التزويج ، فالمهر إن لم يعيّن في عين يكون في ذمّة المولى ، ويجوز أن يجعله في ذمّة العبد يتبع به بعد العتق مع رضاه ، وهل له ذلك قهراً عليه ؟ فيه إشكال ، كما إذا استدان على أن يكون الدين في ذمّة العبد من غير رضاه ، وأمّا لو أذن له في التزويج فإن عيّن كون المهر في ذمّته ، أو في ذمّة العبد ، أو في عين معيّن تعيّن ، وإن أطلق ففي كونه في ذمّته ، أو ذمّة العبد مع ضمانه له وتعهّده أداءه عنه ، أو كونه في كسب العبد وجوه ، أقواها الأوّل ؛ لأنّ الإذن في الشيء إذن في لوازمه ، وكون المهر عليه بعد عدم قدرة العبد على شيء وكونه كلاًّ على مولاه من لوازم الإذن في

ص: 652

التزويج عرفاً ، وكذا الكلام في النفقة ، ويدلّ عليه أيضاً في المهر رواية علي بن أبي حمزة ، وفي النفقة موثّقة عمّار الساباطي ، ولو تزوّج العبد من غير إذن مولاه ثمّ أجاز ففي كونه كالإذن السابق في كون المهر على المولى أو بتعهّده ، أو لا ، وجهان . ويمكن الفرق بين ما لو جعل المهر في ذمّته فلا دخل له بالمولى وإن أجاز العقد ، أو في مال معيّن من المولى أو في ذمّته ، فيكون كما عيّن أو أطلق فيكون على المولى ، ثمّ إنّ المولى إذا أذن فتارة : يعيّن مقدار المهر وتارة : يعمّم وتارة : يطلق ، فعلى الأوّلين لا إشكال ، وعلى الأخير ينصرف إلى المتعارف ، وإذا تعدّى وقف على إجازته وقيل يكون الزائد في ذمّته يتبع به بعد العتق ، وكذا الحال بالنسبة إلى شخص الزوجة فإنّه إن لم يعيّن ينصرف إلى اللائق بحال العبد من حيث الشرف والضعة ، فإن تعدّى وقف على إجازته .

(مسألة 4) : مهر الأمة المزوّجة للمولى ؛ سواء كان هو المباشر أو هي بإذنه أو بإجازته ، ونفقتها على الزوج إلاّ إذا منعها مولاها عن التمكين لزوجها ، أو اشترط كونها عليه ، وللمولى استخدامها بما لا ينافي حقّ الزوج ، والمشهور أنّ للمولى أن يستخدمها نهاراً ويخلّي بينها وبين الزوج ليلاً ، ولا بأس به ، بل يستفاد من بعض الأخبار ، ولو اشترطا غير ذلك فهما على شرطهما ، ولو أراد زوجها أن يسافر بها هل له ذلك من دون إذن السيّد ؟ قد يقال : ليس له ، بخلاف ما إذا أراد السيّد أن يسافر بها ، فإنّه يجوز له من دون إذن الزوج ، والأقوى العكس ؛ لأنّ السيّد إذا أذن بالتزويج فقد التزم بلوازم الزوجية والرجال قوّامون على النساء ، وأمّا العبد المأذون في التزويج فأمره بيد مولاه ، فلو منعه من الاستمتاع يجب عليه طاعته إلاّ ما كان واجباً عليه ؛ من الوط ء في كلّ أربعة أشهر ، ومن حقّ القسم .

ص: 653

(مسألة 5) : إذا أذن المولى للأمة في التزويج وجعل المهر لها صحّ على الأقوى من ملكية العبد والأمة وإن كان للمولى أن يتملّك ما ملكاه ، بل الأقوى كونه مالكاً لهما ولمالهما ملكية طولية .

(مسألة 6) : لو كان العبد أو الأمة لمالكين أو أكثر ، توقّف صحّة النكاح على إذن الجميع أو إجازتهم ، ولو كانا مبعّضين توقّف على إذنهما وإذن المالك وليس له إجبارهما حينئذٍ .

(مسألة 7) : إذا اشترت العبد زوجته بطل النكاح وتستحقّ المهر إن كان ذلك بعد الدخول ، وأمّا إن كان قبله ففي سقوطه أو سقوط نصفه أو ثبوت تمامه وجوه ؛ مبنيّة على أنّه بطلان أو انفساخ ، ثمّ هل يجري عليها حكم الطلاق قبل الدخول أو لا ؟ وعلى السقوط كلاًّ إذا اشترته بالمهر الذي كان لها في ذمّة السيّد بطل الشراء ؛ للزوم خلوّ البيع عن العوض ، نعم لا بأس به إذا كان الشراء بعد الدخول ؛ لاستقرار المهر حينئذٍ ، وعن العلاّمة في «القواعد» البطلان إذا اشترته بالمهر الذي في ذمّة العبد وإن كان بعد الدخول ؛ لأنّ تملّكها له يستلزم براءة ذمّته من المهر فيخلو البيع عن العوض ، وهو مبنيّ على عدم صحّة ملكية المولى في ذمّة العبد ، ويمكن منع عدم الصحّة مع أنّه لا يجتمع ملكيتها له ولما في ذمّته ، بل ينتقل ما في ذمّته إلى المولى بالبيع حين انتقال العبد إليها .

(مسألة 8) : الولد بين المملوكين رقّ ؛ سواء كان عن تزويج مأذون فيه أو مجاز أو عن شبهة مع العقد أو مجرّدة أو عن زناً منهما أو من أحدهما بلا عقد أو عن عقد معلوم الفساد عندهما أو عند أحدهما ، وأمّا إذا كان أحد الأبوين حرّاً فالولد حرّ إذا كان عن عقد صحيح أو شبهة مع العقد أو مجرّدة حتّى فيما لو

ص: 654

دلّست الأمة نفسها بدعواها الحرّية فتزوّجها حرّ على الأقوى ، وإن كان يجب عليه حينئذٍ دفع قيمة الولد إلى مولاها ، وأمّا إذا كان عن عقد بلا إذن مع العلم من الحرّ بفساد العقد أو عن زناً من الحرّ أو منهما فالولد رقّ ، ثمّ إذا كان المملوكان لمالك واحد فالولد له ، وإن كان كلّ منهما لمالك فالولد بين المالكين بالسويّة إلاّ إذا اشترطا التفاوت أو الاختصاص بأحدهما . هذا إذا كان العقد بإذن المالكين أو مع عدم الإذن من واحد منهما ، وأمّا إذا كان بالإذن من أحدهما فالظاهر أ نّه كذلك ، ولكن المشهور أنّ الولد حينئذٍ لمن لم يأذن ، ويمكن أن يكون مرادهم في صورة إطلاق الإذن بحيث يستفاد منه إسقاط حقّ نمائية الولد ؛ حيث إنّ مقتضى الإطلاق جواز التزويج بالحرّ أو الحرّة ، وإلاّ فلا وجه له ، وكذا لو كان الوط ء شبهة منهما ؛ سواء كان مع العقد أو شبهة مجرّدة ، فإنّ الولد مشترك ، وأمّا لو كان الولد عن زناً من العبد ، فالظاهر عدم الخلاف في أنّ الولد لمالك الأمة ؛ سواء كان من طرفها شبهة أو زناً .

(مسألة 9) : إذا كان أحد الأبوين حرّاً فالولد حرّ ، لا يصحّ اشتراط رقّيته على الأقوى في ضمن عقد التزويج ، فضلاً عن عقد خارج لازم ، ولا يضرّ بالعقد إذا كان في ضمن عقد خارج ، وأمّا إن كان في ضمن عقد التزويج فمبنيّ على فساد العقد بفساد الشرط وعدمه ، والأقوى عدمه ، ويحتمل الفساد وإن لم نقل به في سائر العقود إذا كان من له الشرط جاهلاً بفساده ؛ لأنّ في سائر العقود يمكن جبر تخلّف شرطه بالخيار بخلاف المقام ؛ حيث إنّه لا يجري خيار الاشتراط في النكاح ، نعم مع العلم بالفساد لا فرق ؛ إذ لا خيار في سائر العقود أيضاً .

(مسألة 10) : إذا تزوّج حرّ أمة من غير إذن مولاها حرم عليه وطؤها وإن

ص: 655

كان بتوقّع الإجازة ، وحينئذٍ فإن أجاز المولى كشف عن صحّته على الأقوى من كون الإجازة كاشفة ، وعليه المهر والولد حرّ ولا يحدّ حدّ الزنا وإن كان عالماً بالتحريم ، بل يعزّر ، وإن كان عالماً بلحوق الإجازة فالظاهر عدم الحرمة وعدم التعزير أيضاً ، وإن لم يجز المولى كشف عن بطلان التزويج ويحدّ حينئذٍ حدّ الزنا إذا كان عالماً بالحكم ولم يكن مشتبهاً من جهة اُخرى ، وعليه المهر بالدخول وإن كانت الأمة أيضاً عالمة على الأقوى ، وفي كونه المسمّى أو مهر المثل أو العشر إن كانت بكراً ونصفه إن كانت ثيّباً وجوه ، بل أقوال ، أقواها الأخير ، ويكون الولد لمولى الأمة ، وأمّا إذا كان جاهلاً بالحكم أو مشتبهاً من جهة اُخرى ، فلا يحدّ ويكون الولد حرّاً ، نعم ذكر بعضهم أنّ عليه قيمته يوم سقط حيّاً ، ولكن لا دليل عليه في المقام ، ودعوى أنّه تفويت لمنفعة الأمة ، كما ترى ؛ إذ التفويت إنّما جاء من قبل حكم الشارع بالحرّية وعلى فرضه فلا وجه لقيمة يوم التولّد ، بل مقتضى القاعدة قيمة يوم الانعقاد ؛ لأ نّه انعقد حرّاً فيكون التفويت في ذلك الوقت .

(مسألة 11) : إذا لم يجز المولى العقد الواقع على أمته ولم يردّه أيضاً حتّى مات ، فهل يصحّ إجازة وارثه له أم لا ؟ وجهان ، أقواهما العدم ؛ لأ نّها على فرضها كاشفة ولا يمكن الكشف هنا ؛ لأنّ المفروض أ نّها كانت للمورّث وهو نظير من باع شيئاً ثمّ ملك .

(مسألة 12) : إذا دلّست أمة فادّعت : أنّها حرّة ، فتزوّجها حرّ ودخل بها ثمّ تبيّن الخلاف ، وجب عليه المفارقة وعليه المهر لسيّدها وهو العشر ونصف العشر على الأقوى ، لا المسمّى ولا مهر المثل ، وإن كان أعطاها المهر استردّ منها

ص: 656

إن كان موجوداً ، وإلاّ تبعت به بعد العتق ، ولو جاءت بولد ففي كونه حرّاً أو رقّاً لمولاها قولان ، فعن المشهور أ نّه رقّ ، ولكن يجب على الأب فكّه بدفع قيمته يوم سقط حيّاً ، وإن لم يكن عنده ما يفكّه به سعى في قيمته ، وإن أبى وجب على الإمام uدفعها من سهم الرقاب أو من مطلق بيت المال ، والأقوى كونه حرّاً كما في سائر موارد اشتباه الحرّ ؛ حيث إنّه لا إشكال في كون الولد حرّاً ، فلا خصوصية لهذه الصورة ، والأخبار الدالّة على رقّيته منزّلة على أنّ للمولى أخذه ليتسلّم القيمة ؛ جمعاً بينها وبين ما دلّ على كونه حرّاً ، وعلى هذا القول أيضاً يجب عليه ما ذكر من دفع القيمة أو السعي أو دفع الإمام علیه السلام ، لموثّقة سماعة . هذا كلّه إذا كان الوط ء حال اعتقاده كونها حرّة ، وأمّا إذا وطئها بعد العلم بكونها أمة فالولد رقّ ؛ لأ نّه من زناً حينئذٍ ، بل وكذا لو علم سبق رقّيتها فادّعت : أنّ مولاها أعتقها ، ولم يحصل له العلم بذلك ولم يشهد به شاهدان ، فإنّ الوط ء حينئذٍ أيضاً لا يجوز ؛ لاستصحاب بقائها على الرقّية ، نعم لو لم يعلم سبق رقّيتها جاز له التعويل على قولها ، لأصالة الحرّية فلو تبيّن الخلاف لم يحكم برقّية الولد ، وكذا مع سبقها مع قيام البيّنة على دعواها .

(مسألة 13) : إذا تزوّج عبد بحرّة من دون إذن مولاه ولا إجازته كان النكاح باطلاً ، فلا تستحقّ مهراً ولا نفقة ، بل الظاهر أنّها تحدّ حدّ الزنا إذا كانت عالمة بالحال وأ نّه لا يجوز لها ذلك ، نعم لو كان ذلك لها بتوقّع الإجازة واعتقدت جواز الإقدام حينئذٍ بحيث تكون شبهة في حقّها لم تحدّ ، كما أ نّه كذلك إذا علمت بمجيء الإجازة ، وأمّا إذا كان بتوقّع الإجازة وعلمت مع ذلك بعدم جواز ذلك فتحدّ مع عدم حصولها ، بخلاف ما إذا حصلت فإنّها تعزّر حينئذٍ لمكان تجرّيها ، وإذا جاءت بولد فالولد لمولى العبد مع كونه مشتبهاً ، بل مع كونه زانياً أيضاً ؛

ص: 657

لقاعدة النمائية بعد عدم لحوقه بالحرّة ، وأمّا إذا كانت جاهلة بالحال فلا حدّ والولد حرّ وتستحقّ عليه المهر يتبع به بعد العتق .

(مسألة 14) : إذا زنى العبد بحرّة من غير عقد ، فالولد حرّ وإن كانت الحرّة أيضاً زانية ، ففرق بين الزنا المجرّد عن عقد والزنا المقرون به مع العلم بفساده ؛ حيث قلنا إنّ الولد لمولى العبد .

(مسألة 15) : إذا زنى حرّ بأمة فالولد لمولاها وإن كانت هي أيضاً زانية ، وكذا لو زنى عبد بأمة الغير فإنّ الولد لمولاها .

(مسألة 16) : يجوز للمولى تحليل أمته لعبده ، وكذا يجوز له أن ينكحه إيّاها ، والأقوى أ نّه حينئذٍ نكاح لا تحليل ، كما أنّ الأقوى كفاية أن يقول له : أنكحتك فلانة ، ولا يحتاج إلى القبول منه أو من العبد ؛ لإطلاق الأخبار ، ولأنّ الأمر بيده فإيجابه مغن عن القبول ، بل لا يبعد أن يكون الأمر كذلك في سائر المقامات مثل الوليّ والوكيل عن الطرفين ، وكذا إذا وكّل غيره في التزويج فيكفي قول الوكيل : أنكحت أمة موكّلي لعبده فلان ، أو أنكحت عبد موكّلي أمته ، وأمّا لو أذن للعبد والأمة في التزويج بينهما فالظاهر الحاجة إلى الإيجاب والقبول .

(مسألة 17) : إذا أراد المولى التفريق بينهما لا حاجة إلى الطلاق ، بل يكفي أمره إيّاهما بالمفارقة ولا يبعد جواز الطلاق أيضاً ؛ بأن يأمر عبده بطلاقها وإن كان لا يخلو من إشكال أيضاً .

(مسألة 18) : إذا زوّج عبده أمته يستحبّ أن يعطيها شيئاً ؛ سواء ذكره في العقد أو لا ، بل هو الأحوط ، وتملك الأمة ذلك بناءً على المختار من صحّة ملكية المملوك إذا ملّكه مولاه أو غيره .

ص: 658

(مسألة 19) : إذا مات المولى وانتقلا إلى الورثة فلهم أيضاً الأمر بالمفارقة بدون الطلاق ، والظاهر كفاية أمر أحدهم في ذلك .

(مسألة 20) : إذا زوّج الأمة غير مولاها من حرّ فأولدها جاهلاً بكونها لغيره ، عليه العشر أو نصف العشر لمولاها وقيمة الولد ، ويرجع بها على ذلك الغير ؛ لأ نّه كان مغروراً من قبله ، كما أ نّه إذا غرّته الأمة بتدليسها ودعواها الحرّية تضمن القيمة وتتبع به بعد العتق ، وكذا إذا صار مغروراً من قبل الشاهدين على حرّيتها .

(مسألة 21) : لو تزوّج أمة بين شريكين بإذنهما ثمّ اشترى حصّة أحدهما أو بعضها أو بعضاً من حصّة كلّ منهما بطل نكاحه ، ولا يجوز له بعد ذلك وطؤها ، وكذا لو كانت لواحد واشترى بعضها ، وهل يجوز له وطؤها إذا حلّلها الشريك قولان ، أقواهما نعم ؛ للنصّ ، وكذا لا يجوز وط ء من بعضه حرّ إذا اشترى نصيب الرقّية لا بالعقد ولا بالتحليل منها ، نعم لو هاياها فالأقوى جواز التمتّع بها في الزمان الذي لها ؛ عملاً بالنصّ الصحيح وإن كان الأحوط خلافه .

فصل : في الطوارئ

وهي العتق والبيع والطلاق . أمّا العتق ، فإذا أعتقت الأمة المزوّجة كان لها فسخ نكاحها إذا كانت تحت عبد ، بل مطلقاً وإن كانت تحت حرّ على الأقوى ، والظاهر عدم الفرق بين النكاح الدائم والمنقطع ، نعم الحكم مخصوص بما إذا أعتق كلّها ، فلا خيار لها مع عتق بعضها على الأقوى ، نعم إذا أعتق البعض الآخر أيضاً ولو بعد مدّة كان لها الخيار .

(مسألة 1) : إذا كان عتقها بعد الدخول ثبت تمام المهر ، وهل هو لمولاها أو

ص: 659

لها ، أو تابع للجعل في العقد ؟ فإن جعل لها فلها ، وإلاّ فله ، ولمولاها في الصورة الاُولى تملّكه كما في سائر الموارد ؛ إذ له تملّك مال مملوكه بناءً على القول بالملكية ، لكن هذا إذا كان قبل انعتاقها وأمّا بعد انعتاقها فليس له ذلك ، وإن كان قبل الدخول ففي سقوطه أو سقوط نصفه أو عدم سقوطه أصلاً وجوه ، أقواها الأخير وإن كان مقتضى الفسخ الأوّل ، وذلك لعدم معلومية كون المقام من باب الفسخ ؛ لاحتمال كونه من باب بطلان النكاح مع اختيارها المفارقة ، والقياس على الطلاق في ثبوت النصف لا وجه له .

(مسألة 2) : إذا كان العتق قبل الدخول والفسخ بعده ، فإن كان المهر جعل لها فلها ، وإن جعل للمولى أو أطلق ففي كونه لها أو له قولان ، أقواهما الثاني ؛ لأ نّه ثابت بالعقد وإن كان يستقرّ بالدخول والمفروض أ نّها كانت أمة حين العقد .

(مسألة 3) : لو كان نكاحها بالتفويض ، فإن كان بتفويض المهر فالظاهر أنّ حاله حال ما إذا عيّن في العقد ، وإن كان بتفويض البضع فإن كان الانعتاق بعد الدخول وبعد التعيين فحاله حال ما إذا عيّن حين العقد ، وإن كان قبل الدخول فالظاهر أنّ المهر لها ؛ لأ نّه يثبت حينئذٍ بالدخول والمفروض حرّيتها حينه .

(مسألة 4) : إذا كان العتق في العدّة الرجعية فالظاهر أنّ الخيار باقٍ ، فإن اختارت الفسخ لم يبق للزوج الرجوع حينئذٍ ، وإن اختارت البقاء بقي له حقّ الرجوع ، ثمّ إذا اختارت الفسخ لا تتعدّد العدّة ، بل يكفيها عدّة واحدة ، ولكن عليها تتميمها عدّة الحرّة ، وإن كانت بائنة فلا خيار لها على الأقوى .

ص: 660

(مسألة 5) : لا يحتاج فسخها إلى إذن الحاكم .

(مسألة 6) : الخيار على الفور - على الأحوط - فوراً عرفياً ، نعم لو كانت جاهلة بالعتق أو بالخيار أو بالفورية جاز لها الفسخ بعد العلم ولا يضرّه التأخير حينئذٍ .

(مسألة 7) : إن كانت صبيّة أو مجنونة فالأقوى أنّ وليّها يتولّى خيارها .

(مسألة 8) : لا يجب على الزوج إعلامها بالعتق أو بالخيار إذا لم تعلم ، بل يجوز له إخفاء الأمر عليها .

(مسألة 9) : ظاهر المشهور عدم الفرق في ثبوت الخيار لها بين أن يكون المولى هو المباشر لتزويجها ، أو أذنها فاختارت هي زوجاً برضاها ، ولكن يمكن دعوى انصراف الأخبار إلى صورة مباشرة المولى بلا اختيار منها .

(مسألة 10) : لو شرط مولاها في العتق عدم فسخها فالظاهر صحّته .

(مسألة 11) : لو اُعتق العبد لا خيار له ولا لزوجته .

(مسألة 12) : لو كان عند العبد حرّة وأمتان فاُعتقت إحدى الأمتين ، فهل لها الخيار أو لا ؟ وجهان ، وعلى الأوّل إن اختارت البقاء فهل يثبت للزوج التخيير أو يبطل نكاحها ؟ وجهان ، وكذا إذا كان عنده ثلاث أو أربع إماء فاُعتقت إحداها ، ولو اُعتق في هذا الفرض جميعهنّ دفعة ففي كون الزوج مخيّراً وبعد اختياره يكون التخيير للباقيات ، أو التخيير من الأوّل للزوجات فإن اخترن البقاء فله التخيير ، أو يبطل نكاح الجميع ، وجوه .

ص: 661

فصل : في العقد وأحكامه

(مسألة 1) : يشترط في النكاح الصيغة ؛ بمعنى الإيجاب والقبول اللفظيّين ، فلا يكفي التراضي الباطني ولا الإيجاب والقبول الفعليّين ، وأن يكون الإيجاب بلفظ النكاح أو التزويج على الأحوط ، فلا يكفي بلفظ المتعة في النكاح الدائم وإن كان لا يبعد كفايته مع الإتيان بما يدلّ(1) على إرادة الدوام ، ويشترط العربية مع التمكّن منها ولو بالتوكيل(2) على الأحوط ، نعم مع عدم التمكّن منها ولو بالتوكيل يكفي غيرها من الألسنة إذا أتى بترجمة اللفظين من النكاح والتزويج ، والأحوط اعتبار الماضوية وإن كان الأقوى عدمه ، فيكفي المستقبل والجملة الخبرية كأن يقول : اُزوّجك ، أو أنا مزوّجك فلانة ، كما أنّ الأحوط تقديم الإيجاب على القبول وإن كان الأقوى جواز العكس(3) أيضاً ، وكذا الأحوط(4) أن يكون الإيجاب من جانب الزوجة والقبول من جانب الزوج وإن كان الأقوى جواز العكس ، وأن يكون القبول بلفظ «قبلت» ولا يبعد كفاية «رضيت» ولا يشترط ذكر المتعلّقات فيجوز الاقتصار على لفظ «قبلت» من دون أن يقول : قبلت النكاح لنفسي أو لموكّلي بالمهر المعلوم ، والأقوى كفاية الإتيان بلفظ الأمر كأن يقول : زوّجني فلانة ، فقال : زوّجتكها ، وإن كان الأحوط خلافه(5) .

ص: 662


1- - أي يجعله ظاهراً في الدوام ، ومع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط .
2- - وإن كان الجواز مع عجز نفسه لا يخلو من قوّة وإن تمكّن من التوكيل .
3- - بمثل «تزوّجت» لا بمثل «قبلت» .
4- - لا يترك .
5- - لا يترك .

(مسألة 2) : الأخرس يكفيه الإيجاب والقبول بالإشارة مع قصد الإنشاء وإن تمكّن من التوكيل على الأقوى .

(مسألة 3) : لا يكفي في الإيجاب والقبول الكتابة .

(مسألة 4) : لا يجب التطابق بين الإيجاب والقبول في ألفاظ المتعلّقات ، فلو قال : أنكحتك فلانة ، فقال : قبلت التزويج ، أو بالعكس كفى ، وكذا لو قال : على المهر المعلوم ، فقال الآخر : على الصداق المعلوم ، وهكذا في سائر المتعلّقات .

(مسألة 5) : يكفي على الأقوى في الإيجاب لفظ «نعم» بعد الاستفهام ، كما إذا قال : زوّجتني فلانة بكذا؟ فقال : نعم ، فقال الأوّل : قبلت ، لكن الأحوط(1) عدم الاكتفاء .

(مسألة 6) : إذا لحن في الصيغة فإن كان مغيّراً للمعنى لم يكف ، وإن لم يكن مغيّراً فلا بأس به إذا كان في المتعلّقات ، وإن كان في نفس اللفظين ، كأن يقول : جوّزتك(2) ، بدل «زوّجتك» فالأحوط عدم الاكتفاء به ، وكذا اللحن في الإعراب .

(مسألة 7) : يشترط قصد الإنشاء في إجراء الصيغة .

(مسألة 8) : لا يشترط في المجري للصيغة أن يكون عارفاً بمعنى الصيغة تفصيلاً ؛ بأن يكون مميّزاً للفعل والفاعل والمفعول ، بل يكفي(3) علمه إجمالاً بأنّ معنى هذه الصيغة إنشاء النكاح والتزويج ، لكن الأحوط العلم التفصيلي .

ص: 663


1- - لا يترك .
2- - لا يكفي بمثل ذلك ممّا يكون اللحن مغيّراً للمعنى .
3- - إذا كان جاهلاً باللغة بحيث لا يفهم أنّ العلقة تحصل بلفظ «زوّجت» مثلاً أو بلفظ «موكّلتي» فصحّته محلّ إشكال وإن علم أنّ هذه الجملة لهذا المعنى .

(مسألة 9) : يشترط الموالاة بين الإيجاب والقبول ، وتكفي العرفية منها ، فلا يضرّ الفصل في الجملة بحيث يصدق معه أنّ هذا قبول لذلك الإيجاب ، كما لا يضرّ الفصل بمتعلّقات العقد من القيود والشروط وغيرها وإن كثرت .

(مسألة 10) : ذكر بعضهم : أ نّه يشترط اتّحاد مجلس الإيجاب والقبول ، فلو كان القابل غائباً عن المجلس ، فقال الموجب : زوّجت فلاناً فلانة ، وبعد بلوغ الخبر إليه قال : قبلت ، لم يصحّ ، وفيه : أ نّه لا دليل على اعتباره من حيث هو ، وعدم الصحّة في الفرض المذكور إنّما هو من جهة الفصل الطويل أو عدم صدق المعاقدة والمعاهدة ؛ لعدم التخاطب ، وإلاّ فلو فرض صدق المعاقدة وعدم الفصل مع تعدّد المجلس صحّ ، كما إذا خاطبه وهو في مكان آخر لكنّه يسمع صوته ويقول : قبلت ، بلا فصل مضرّ ، فإنّه يصدق عليه المعاقدة .

(مسألة 11) : ويشترط فيه التنجيز كما في سائر العقود ، فلو علّقه على شرط أو مجيء زمان بطل ، نعم لو علّقه على أمر محقّق معلوم كأن يقول : إن كان هذا يوم الجمعة زوّجتك فلانة ، مع علمه بأ نّه يوم الجمعة صحّ ، وأمّا مع عدم علمه فمشكل .

(مسألة 12) : إذا أوقعا العقد على وجه يخالف الاحتياط اللازم مراعاته ، فإن أرادا البقاء فاللازم الإعادة على الوجه الصحيح ، وإن أرادا الفراق فالأحوط الطلاق ، وإن كان يمكن التمسّك بأصالة عدم التأثير(1) في الزوجية ، وإن كان على وجه يخالف الاحتياط الاستحبابي ، فمع إرادة البقاء الأحوط الاستحبابي إعادته على الوجه المعلوم صحّته ، ومع إرادة الفراق فاللازم الطلاق .

ص: 664


1- - هذا الأصل ممّا لا أصل له ، نعم يجري بعض اُصول اُخر لكن المجري هو المجتهد .

(مسألة 13) : يشترط في العاقد المجري للصيغة الكمال بالبلوغ والعقل ؛ سواء كان عاقداً لنفسه أو لغيره ، وكالة أو ولاية أو فضولاً ، فلا اعتبار بعقد الصبيّ ولا المجنون ولو كان أدوارياً حال جنونه ، وإن أجاز وليّه أو أجاز هو بعد بلوغه أو إفاقته على المشهور ، بل لا خلاف فيه لكنّه في الصبيّ الوكيل عن الغير محلّ تأمّل ؛ لعدم الدليل على سلب عبارته(1) إذا كان عارفاً بالعربية ، وعلم قصده حقيقة ، وحديث رفع القلم منصرف عن مثل هذا ، وكذا إذا كان لنفسه بإذن الوليّ أو إجازته أو أجاز هو بعد البلوغ ، وكذا لا اعتبار بعقد السكران ، فلا يصحّ ولو مع الإجازة بعد الإفاقة ، وأمّا عقد السكرى إذا أجازت بعد الإفاقة ففيه قولان ؛ فالمشهور أ نّه كذلك ، وذهب جماعة إلى الصحّة ، مستندين إلى صحيحة ابن بزيع، ولا بأس بالعمل بها وإن كان الأحوط خلافه ؛ لإمكان حملها على ما إذا لم يكن سكرها بحيث لا التفات لها إلى ما تقول ، مع أنّ المشهور لم يعملوا بها وحملوها على محامل ، فلا يترك الاحتياط .

(مسألة 14) : لا بأس بعقد السفيه إذا كان وكيلاً عن الغير في إجراء الصيغة ، أو أصيلاً مع إجازة الوليّ ، وكذا لا بأس بعقد المكره على إجراء الصيغة للغير أو لنفسه إذا أجاز بعد ذلك .

(مسألة 15) : لا يشترط الذكورة في العاقد ، فيجوز للمرأة الوكالة عن الغير في إجراء الصيغة ، كما يجوز إجراؤها لنفسها .

(مسألة 16) : يشترط بقاء المتعاقدين على الأهلية إلى تمام العقد ، فلو أوجب

ص: 665


1- - الأقوى سلب عبارته .

ثمّ جنّ أو اُغمي عليه قبل مجيء القبول لم يصحّ ، وكذا لو أوجب ثمّ نام ، بل أو غفل عن العقد بالمرّة ، وكذا الحال في سائر العقود ، والوجه عدم صدق المعاقدة والمعاهدة مضافاً إلى دعوى الإجماع وانصراف الأدلّة .

(مسألة 17) : يشترط تعيين الزوج والزوجة على وجه يمتاز كلّ منهما عن غيره بالاسم أو الوصف الموجب له أو الإشارة ، فلو قال : زوّجتك إحدى بناتي ، بطل ، وكذا لو قال : زوّجت بنتي أحد ابنيك أو أحد هذين ، وكذا لو عيّن كلّ منهما غير ما عيّنه الآخر ، بل وكذا لو عيّنا معيّناً من غير معاهدة بينهما ، بل من باب الاتّفاق ، صار ما قصده أحدهما عين ما قصده الآخر ، وأمّا لو كان ذلك مع المعاهدة(1) لكن لم يكن هناك دالّ على ذلك ؛ من لفظ أو فعل أو قرينة خارجية مفهمة ، فلا يبعد الصحّة وإن كان الأحوط خلافه ، ولا يلزم تميّز ذلك المعيّن عندهما حال العقد ، بل يكفي التميّز الواقعي مع إمكان العلم به بعد ذلك ، كما إذا قال : زوّجتك بنتي الكبرى ، ولم يكن حال العقد عالماً بتأريخ تولّد البنتين لكن بالرجوع إلى الدفتر يحصل له العلم ، نعم إذا كان مميّزاً واقعاً ولكن لم يمكن العلم به ظاهراً كما إذا نسي تأريخ ولادتهما ولم يمكنه العلم به ، فالأقوى البطلان(2) ؛ لانصراف الأدلّة عن مثله ، فالقول بالصحّة والتشخيص بالقرعة ضعيف .

ص: 666


1- - إذا تقاولا وتعاهدا على معيّن فعقدا بلا فصل مبنيّاً عليه ، فالظاهر الصحّة ، كما إذا قال بعد ذلك : زوّجت بنتي منك ، لكنّه من قبيل القرينة الخارجية الحافّة بالكلام ، نعم لو قال بعد التعاهد : زوّجت إحدى بناتي ، يشكل الصحّة .
2- - محلّ إشكال ، فلا يترك التخلّص بالاحتياط .

(مسألة 18) : لو اختلف الاسم والوصف أو أحدهما مع الإشارة(1) اُخذ بما هو المقصود واُلغي ما وقع غلطاً ، مثلاً لو قال : زوّجتك الكبرى من بناتي فاطمة ، وتبيّن أنّ اسمها خديجة صحّ العقد على خديجة التي هي الكبرى ، ولو قال : زوّجتك فاطمة وهي الكبرى ، فتبيّن أ نّها صغرى صحّ على فاطمة ؛ لأ نّها المقصود ووصفها بأ نّها كبرى وقع غلطاً فيلغى ، وكذا لو قال : زوّجتك هذه وهي فاطمة أو وهي الكبرى ، فتبيّن أنّ اسمها خديجة أو أ نّها صغرى ، فإنّ المقصود تزويج المشار إليها وتسميتها بفاطمة أو وصفها بأ نّها كبرى وقع غلطاً فيلغى .

(مسألة 19) : إذا تنازع الزوج والزوجة في التعيين(2) وعدمه حتّى يكون العقد صحيحاً أو باطلاً ، فالقول قول مدّعي الصحّة ، كما في سائر الشروط إذا اختلفا فيها ، وكما في سائر العقود ، وإن اتّفق الزوج ووليّ الزوجة على أنّهما عيّنا معيّناً ، وتنازعا فيه أ نّها فاطمة أو خديجة ، فمع عدم البيّنة المرجع التحالف ، كما في سائر العقود ، نعم هنا صورة واحدة اختلفوا فيها ، وهي ما إذا كان لرجل عدّة بنات فزوّج واحدة ، ولم يسمّها عند العقد ولا عيّنها بغير الاسم لكنّه قصدها معيّنة ، واختلفا فيها ، فالمشهور على الرجوع إلى التحالف الذي هو مقتضى قاعدة الدعاوي ، وذهب جماعة إلى التفصيل بين ما لو كان الزوج رآهنّ جميعاً فالقول قول الأب ، وما لو لم يرهنّ فالنكاح باطل ، ومستندهم صحيحة أبي

ص: 667


1- - لكن إذا كان المقصود العقد على الكبرى فتخيّل أنّ المرأة الحاضرة هي الكبرى فقال : زوّجتك هذه وهي الكبرى ، فالصحّة بالنسبة إلى الحاضرة لا تخلو من وجه ، لكن لا يترك الاحتياط بتجديد العقد أو الطلاق .
2- - بعد اتّفاقهما في وقوع العقد والاختلاف في التعيين واللا تعيين .

عبيدة الحذّاء ؛ وهي وإن كانت صحيحة إلاّ أنّ إعراض المشهور عنها مضافاً إلى مخالفتها للقواعد مع إمكان حملها على بعض المحامل يمنع عن العمل بها ، فقول المشهور لا يخلو عن قوّة ، ومع ذلك الأحوط(1) مراعاة الاحتياط ، وكيف كان لا يتعدّى عن موردها .

(مسأله 20) : لا يصحّ نكاح الحمل وإنكاحه وإن علم ذكوريته أو اُنوثيته ، وذلك لانصراف الأدلّة ، كما لا يصحّ البيع أو الشراء منه ولو بتولّي الوليّ وإن قلنا بصحّة الوصيّة له عهدية ، بل أو تمليكية أيضاً .

(مسألة 21) : لا يشترط في النكاح علم كلّ من الزوج والزوجة بأوصاف الآخر ؛ ممّا يختلف به الرغبات وتكون موجبة لزيادة المهر أو قلّته ، فلا يضرّ بعد تعيين شخصها الجهل بأوصافها ، فلا تجري قاعدة الغرر هنا .

فصل : في مسائل متفرّقة

الاُولى : لا يجوز في النكاح دواماً أو متعة اشتراط الخيار في نفس العقد ، فلو شرطه بطل ، وفي بطلان العقد به قولان ؛ المشهور على أ نّه باطل ، وعن ابن إدريس أنّه لا يبطل ببطلان الشرط المذكور ، ولا يخلو قوله عن قوّة ؛ إذ لا فرق بينه وبين سائر الشروط الفاسدة فيه ، مع أنّ المشهور على عدم كونها مفسدة للعقد ، ودعوى كون هذا الشرط منافياً لمقتضى العقد بخلاف سائر الشروط الفاسدة التي لا يقولون بكونها مفسدة ، كما ترى . وأمّا اشتراط الخيار في المهر فلا مانع منه ، ولكن لا بدّ من تعيين مدّته ، وإذا فسخ قبل انقضاء المدّة يكون

ص: 668


1- - لا يترك .

كالعقد بلا ذكر المهر ، فيرجع إلى مهر المثل . هذا في العقد الدائم الذي لا يلزم فيه ذكر المهر ، وأمّا في المتعة ؛ حيث إنّها لا تصحّ بلا مهر ، فاشتراط الخيار في المهر فيها مشكل .

الثانية : إذا ادّعى رجل زوجية امرأة فصدّقته ، أو ادّعت امرأة زوجية رجل فصدّقها ، حكم لهما(1) بذلك في ظاهر الشرع ، ويرتّب جميع آثار الزوجية بينهما ؛ لأنّ الحقّ لا يعدوهما ، ولقاعدة الإقرار ، وإذا مات أحدهما ورثه الآخر ، ولا فرق في ذلك بين كونهما بلديّين معروفين أو غريبين ، وأمّا إذا ادّعى أحدهما الزوجية وأنكر الآخر فيجري عليهما قواعد الدعوى ، فإن كان للمدّعي بيّنة ، وإلاّ فيحلف المنكر ، أو يردّ اليمين فيحلف المدّعي ويحكم له بالزوجية ، وعلى المنكر ترتيب آثاره في الظاهر(2) لكن يجب على كلّ منهما العمل على الواقع بينه وبين اللّه ، وإذا حلف المنكر حكم بعدم الزوجية بينهما ، لكن المدّعي مأخوذ بإقراره المستفاد من دعواه ، فليس له إن كان هو الرجل تزويج الخامسة ولا اُمّ المنكرة ولا بنتها مع الدخول بها ولا بنت أخيها أو اُختها إلاّ برضاها ، ويجب عليه إيصال المهر إليها(3) ، نعم لا يجب عليه نفقتها لنشوزها بالإنكار ، وإن كانت هي المدّعية لا يجوز لها التزويج بغيره ، إلاّ إذا طلّقها ولو بأن يقول : هي طالق إن كانت زوجتي ، ولا يجوز لها السفر من دون إذنه ، وكذا كلّ ما يتوقّف على إذنه ، ولو رجع المنكر إلى الإقرار هل يسمع منه ويحكم بالزوجية

ص: 669


1- - مع الاحتمال .
2- - بمقدار لا يمكن التخلّص عنه لو كان عالماً ، بخلاف مدّعي الزوجية ، وإن كان المنكر هو الزوج يجب عليه الطلاق في الظاهر ، أو تجديد النكاح مع الإمكان .
3- - ولا يجوز لها أخذه ، فلو كان الزوج عالماً بالواقعة يجب عليه إيصال المهر بنحو إليها .

بينهما ؟ فيه قولان ، والأقوى السماع إذا أظهر عذراً لإنكاره ولم يكن متّهماً وإن كان ذلك بعد الحلف ، وكذا المدّعي إذا رجع عن دعواه وكذّب نفسه ، نعم يشكل السماع منه إذا كان ذلك بعد إقامة البيّنة منه على دعواه ، إلاّ إذا كذّبت البيّنة أيضاً نفسها .

الثالثة : إذا تزوّج امرأة تدّعي خلوّها عن الزوج فادّعى زوجيتها رجل آخر ، لم تسمع دعواه إلاّ بالبيّنة ، نعم له مع عدمها على كلّ منهما اليمين ، فإن وجّه الدعوى على الامرأة فأنكرت وحلفت سقط دعواه عليها ، وإن نكلت أو ردّت اليمين عليه فحلف ، لا يكون حلفه حجّة على الزوج وتبقى على زوجية الزوج مع عدمها ؛ سواء كان عالماً بكذب المدّعي أو لا وإن أخبر ثقة واحد بصدق المدّعي ، وإن كان الأحوط حينئذٍ طلاقها ، فيبقى النزاع بينه وبين الزوج ، فإن حلف سقط دعواه بالنسبة إليه أيضاً ، وإن نكل(1) أو ردّ اليمين عليه فحلف ، حكم له بالزوجية إذا كان ذلك بعد أن حلف في الدعوى على الزوجية بعد الردّ عليه ، وإن كان قبل تمامية الدعوى مع الزوجة فيبقى النزاع بينه وبينها كما إذا وجّه الدعوى أوّلاً عليه ، والحاصل : أنّ هذه دعوى على كلّ من الزوج والزوجة ، فمع عدم البيّنة إن حلفا سقط دعواه عليهما ، وإن نكلا(2) أو ردّ اليمين عليه فحلف ثبت مدّعاه ، وإن حلف أحدهما دون الآخر فلكلّ حكمه ، فإذا حلف الزوج في الدعوى عليه فسقط بالنسبة إليه ، والزوجة لم تحلف بل ردّت اليمين على المدّعي ، أو نكلت وردّ الحاكم عليه فحلف وإن كان لا يتسلّط عليها لمكان حقّ

ص: 670


1- - الظاهر عدم ثبوت الحقّ بمجرّد النكول ، بل يردّ الحاكم الحلف على المدّعي ، فإن حلف يثبت الحقّ والمسألة سيّالة .
2- - مرّ الكلام فيه .

الزوج ، إلاّ أ نّه لو طلّقها أو مات عنها ردّت إليه ؛ سواء قلنا إنّ اليمين المردودة بمنزلة الإقرار أو بمنزلة البيّنة أو قسم ثالث ، نعم في استحقاقها النفقة والمهر المسمّى على الزوج إشكال ، خصوصاً إن قلنا إنّه بمنزلة الإقرار أو البيّنة . هذا كلّه إذا كانت منكرة لدعوى المدّعي ، وأمّا إذا صدّقته وأقرّت بزوجيته فلا يسمع بالنسبة إلى حقّ الزوج ، ولكنّها مأخوذة بإقرارها ، فلا تستحقّ النفقة على الزوج ولا المهر المسمّى ، بل ولا مهر المثل إذا دخل بها ؛ لأ نّها بغيّة بمقتضى إقرارها ، إلاّ أن تظهر عذراً في ذلك ، وتردّ على المدّعي بعد موت الزوج أو طلاقه ، إلى غير ذلك .

الرابعة : إذا ادّعى رجل زوجية امرأة وأنكرت ، فهل يجوز لها أن تتزوّج من غيره قبل تمامية الدعوى مع الأوّل ، وكذا يجوز لذلك الغير تزويجها أو لا ، إلاّ بعد فراغها من المدّعي ؟ وجهان ؛ من أ نّها قبل ثبوت دعوى المدّعي خليّة ومسلّطة على نفسها ، ومن تعلّق حقّ المدّعي بها وكونها في معرض ثبوت زوجيتها للمدّعي ، مع أنّ ذلك تفويت حقّ المدّعي إذا ردّت الحلف عليه وحلف ، فإنّه ليس حجّة على غيرها وهو الزوج ، ويحتمل التفصيل بين ما إذا طالت الدعوى ، فيجوز للضرر عليها بمنعها حينئذٍ ، وبين غير هذه الصورة ، والأظهر الوجه الأوّل ، وحينئذٍ فإن أقام المدّعي بيّنة وحكم له بها ، كشف عن فساد العقد عليها ، وإن لم يكن له بيّنة وحلفت بقيت على زوجيتها ، وإن ردّت اليمين على المدّعي وحلف ففيه وجهان ؛ من كشف كونها زوجة للمدّعي فيبطل العقد عليها ، ومن أنّ اليمين المردودة لا تكون مسقطة لحقّ الغير وهو الزوج ، وهذا هو الأوجه ، فيثمر فيما إذا طلّقها الزوج أو مات عنها ، فإنّها حينئذٍ تردّ على المدّعي ، والمسألة سيّالة تجري في دعوى الأملاك وغيرها أيضاً واللّه العالم .

ص: 671

الخامسة : إذا ادّعى رجل زوجية امرأة فأنكرت ، وادّعت زوجية امرأة اُخرى لا يصحّ شرعاً زوجيتها لذلك الرجل مع الامرأة الاُولى- كما إذا كانت اُخت الاُولى أو اُمّها أو بنتها - فهناك دعويان إحداهما من الرجل على الامرأة ، والثانية من الامرأة الاُخرى على ذلك الرجل ، وحينئذٍ فإمّا أن لا يكون هناك بيّنة لواحد من المدّعيين أو يكون لأحدهما دون الآخر أو لكليهما ، فعلى الأوّل يتوجّه اليمين على المنكر في كلتا الدعويين ، فإن حلفا سقطت الدعويان ، وكذا إن نكلا وحلف كلّ من المدّعيين اليمين المردودة ، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر وحلف مدّعيه اليمين المردودة سقطت دعوى الأوّل وثبت مدّعى الثاني ، وعلى الثاني - وهو ما إذا كان لأحدهما بيّنة - ثبت مدّعى من له البيّنة ، وهل تسقط دعوى الآخر أو يجري عليه قواعد الدعوى ، من حلف المنكر أو ردّه ؟ قد يدّعى القطع بالثاني ؛ لأنّ كلّ دعوى لا بدّ فيها من البيّنة والحلف ، ولكن لا يبعد(1) تقوية الوجه الأوّل ؛ لأنّ البيّنة حجّة شرعية وإذا ثبت بها زوجية إحدى الامرأتين لا يمكن معه زوجية الاُخرى ؛ لأنّ المفروض عدم إمكان الجمع بين الامرأتين ، فلازم ثبوت زوجية إحداهما بالأمارة الشرعية عدم زوجية الاُخرى ، وعلى الثالث فإمّا أن يكون البيّنتان مطلقتين أو مورّختين متقارنتين أو تأريخ إحداهما أسبق من الاُخرى ، فعلى الأوّلين تتساقطان ويكون كما لو لم يكن بيّنة أصلاً ، وعلى الثالث ترجّح الأسبق إذا كانت تشهد بالزوجية من ذلك التأريخ إلى زمان الثانية ، وإن لم تشهد ببقائها إلى زمان الثانية فكذلك إذا كانت الامرأتان الاُمّ والبنت مع تقدّم تأريخ البنت ، بخلاف الاُختين والاُمّ والبنت مع تقدّم تأريخ الاُمّ ؛ لإمكان صحّة العقدين ؛ بأن طلّق الاُولى وعقد على الثانية في الاُختين ، وطلّق

ص: 672


1- - الأقرب هو الوجه الأوّل .

الاُمّ مع عدم الدخول بها ، وحينئذٍ ففي ترجيح الثانية أو التساقط وجهان(1) . هذا ، ولكن وردت رواية تدلّ على تقديم بيّنة الرجل ، إلاّ مع سبق بيّنة الامرأة المدّعية ، أو الدخول بها في الاُختين ، وقد عمل بها المشهور في خصوص الاُختين ، ومنهم من تعدّى إلى الاُمّ والبنت أيضاً ، ولكن العمل بها حتّى في موردها مشكل(2) ؛ لمخالفتها للقواعد وإمكان حملها على بعض المحامل التي لا تخالف القواعد .

السادسة : إذا تزوّج العبد بمملوكة ثمّ اشتراها بإذن المولى ، فإن اشتراها للمولى بقي نكاحها على حاله ولا إشكال في جواز وطئها ، وإن اشتراها لنفسه بطل نكاحها وحلّت له بالملك على الأقوى من ملكية العبد(3) ، وهل يفتقر وطؤها حينئذٍ إلى الإذن من المولى أو لا ؟ وجهان ، أقواهما ذلك ؛ لأنّ الإذن السابق إنّما كان بعنوان الزوجية وقد زالت بالملك ، فيحتاج إلى الإذن الجديد ، ولو اشتراها لا بقصد كونها لنفسه أو للمولى فإن اشتراها بعين مال المولى كانت له وتبقى الزوجية ، وإن اشتراها بعين ماله كانت له وبطلت الزوجية ، وكذا إن اشتراها في الذمّة ؛ لانصرافه إلى ذمّة نفسه ، وفي الحاجة إلى الإذن الجديد وعدمها الوجهان .

السابعة : يجوز تزويج امرأة تدّعي أ نّها خليّة من الزوج من غير فحص ، مع عدم حصول العلم بقولها ، بل وكذا إذا لم تدّع ذلك ولكن دعت الرجل إلى تزويجها ، أو أجابت إذا دعيت إليه ، بل الظاهر ذلك وإن علم كونها ذات بعل

ص: 673


1- - فيه تفصيل .
2- - لا إشكال فيه ، ولا بأس بمخالفتها للقواعد .
3- - ملكيته محلّ تأمّل ، كما أنّ بطلان النكاح بها محلّ تأمّل .

سابقاً وادّعت طلاقها أو موته ، نعم لو كانت متّهمة في دعواها فالأحوط(1) الفحص عن حالها ، ومن هنا ظهر جواز تزويج زوجة من غاب غيبة منقطعة ولم يعلم موته وحياته ؛ إذا ادّعت حصول العلم لها بموته من الأمارات والقرائن أو بإخبار المخبرين وإن لم يحصل العلم بقولها ، ويجوز للوكيل أن يجري العقد عليها ما لم يعلم كذبها في دعوى العلم ، ولكن الأحوط الترك ، خصوصاً إذا كانت متّهمة .

الثامنة : إذا ادّعت امرأة أ نّها خليّة ، فتزوّجها رجل ، ثمّ ادّعت بعد ذلك كونها ذات بعل لم تسمع دعواها ، نعم لو أقامت البيّنة على ذلك فرّق بينها وبينه وإن لم يكن هناك زوج معيّن ، بل شهدت بأ نّها ذات(2) بعل على وجه الإجمال .

التاسعة : إذا وكّلا وكيلاً في إجراء الصيغة في زمان معين ، لا يجوز لهما المقاربة بعد مضيّ ذلك الزمان ، إلاّ إذا حصل لهما العلم بإيقاعه ، ولا يكفي الظنّ بذلك وإن حصل من إخبار مخبر بذلك وإن كان ثقة(3) ، نعم لو أخبر الوكيل بالإجراء كفى إذا كان ثقة ، بل مطلقاً ؛ لأنّ قول الوكيل حجّة فيما وكّل فيه .

فصل : في أولياء العقد

وهم : الأب ، والجدّ من طرف الأب - بمعنى أب الأب فصاعداً ، فلا يندرج فيه أب اُمّ الأب - والوصيّ لأحدهما(4) مع فقد الآخر ، والسيّد بالنسبة إلى مملوكه ،

ص: 674


1- - والأولى .
2- - بأن تشهد بأ نّها كانت ذات بعل وتزوّجت من الثاني حين كونها كذلك .
3- - على الأحوط .
4- - المسألة مشكلة ، لا يترك فيها الاحتياط .

والحاكم(1) ، ولا ولاية للاُمّ ولا الجدّ من قبلها ولو من قبل اُمّ الأب ، ولا الأخ والعمّ والخال وأولادهم .

(مسألة 1) : تثبت ولاية الأب والجدّ على الصغيرين والمجنون المتّصل جنونه بالبلوغ ، بل والمنفصل على الأقوى ، ولا ولاية لهما على البالغ الرشيد ، ولا على البالغة الرشيدة إذا كانت ثيّبة ، واختلفوا في ثبوتها على البكر الرشيدة على أقوال ؛ وهي : استقلال الوليّ ، واستقلالها ، والتفصيل بين الدوام والانقطاع باستقلالها في الأوّل دون الثاني ، والعكس ، والتشريك بمعنى اعتبار إذنهما معاً ، والمسألة مشكلة ، فلا يترك مراعاة الاحتياط بالاستئذان منهما ، ولو تزوّجت من دون إذن الأب أو زوّجها الأب من دون إذنها وجب إمّا إجازة الآخر أو الفراق بالطلاق ، نعم إذا عضلها الوليّ ؛ أي منعها من التزويج بالكفو مع ميلها سقط اعتبار إذنه ، وأمّا إذا منعها من التزويج بغير الكفو شرعاً فلا يكون عضلاً ، بل وكذا لو منعها من التزويج بغير الكفو عرفاً ممّن في تزويجه غضاضة وعار عليهم وإن كان كفواً شرعياً ، وكذا لو منعها من التزويج بكفو معيّن مع وجود كفو آخر ، وكذا يسقط اعتبار إذنه إذا كان غائباً لا يمكن الاستئذان منه مع حاجتها إلى التزويج .

(مسألة 2) : إذا ذهبت بكارتها بغير الوط ء من وثبة ونحوها ، فحكمها حكم البكر ، وأمّا إذا ذهبت بالزنا أو الشبهة ففيه إشكال ، ولا يبعد الإلحاق(2) بدعوى أنّ المتبادر من البكر من لم تتزوّج ، وعليه فإذا تزوّجت

ص: 675


1- - في بعض الموارد ، ويأتي الكلام فيه .
2- - بل لا يبعد عدمه ، لكن لا يترك الاحتياط فيه وفي تاليه .

ومات عنها أو طلّقها قبل أن يدخل بها ، لا يلحقها حكم البكر ، ومراعاة الاحتياط أولى .

(مسألة 3) : لا يشترط في ولاية الجدّ حياة الأب ولا موته ، والقول بتوقّف ولايته على بقاء الأب كما اختاره جماعة ضعيف ، وأضعف منه القول بتوقّفها على موته كما اختاره بعض العامّة .

(مسألة 4) : لا خيار للصغيرة إذا زوّجها الأب أو الجدّ بعد بلوغها ورشدها ، بل هو لازم عليها ، وكذا الصغير على الأقوى ، والقول بخياره في الفسخ والإمضاء ضعيف ، وكذا لا خيار للمجنون بعد إفاقته .

(مسألة 5) : يشترط في صحّة تزويج الأب والجدّ ونفوذه عدم المفسدة ، وإلاّ يكون العقد فضولياً كالأجنبيّ ، ويحتمل(1) عدم الصحّة بالإجازة أيضاً ، بل الأحوط مراعاة المصلحة ، بل يشكل الصحّة إذا كان هناك خاطبان أحدهما أصلح من الآخر بحسب الشرف أو من أجل كثرة المهر أو قلّته بالنسبة إلى الصغير ، فاختار الأب غير الأصلح لتشهّي نفسه .

(مسألة 6) : لو زوّجها الوليّ بدون مهر المثل ، أو زوّج الصغير بأزيد منه ، فإن كان هناك مصلحة تقتضي ذلك صحّ العقد والمهر ولزم ، وإلاّ ففي صحّة العقد وبطلان المهر والرجوع إلى مهر المثل أو بطلان العقد أيضاً قولان ، أقواهما(2) الثاني ، والمراد من البطلان عدم النفوذ ؛ بمعنى توقّفه على إجازتها بعد البلوغ ،

ص: 676


1- - لكنّه ضعيف .
2- - الأقوى هو صحّة العقد مع عدم المفسدة ، وتوقّف صحّة المهر على الإجازة ، ومع عدم الإجازة يرجع إلى مهر المثل .

ويحتمل(1) البطلان ولو مع الإجازة بناءً على اعتبار وجود المجيز في الحال .

(مسألة 7) : لا يصحّ نكاح السفيه(2) المبذّر إلاّ بإذن الوليّ ، وعليه أن يعيّن المهر والمرأة ، ولو تزوّج بدون إذنه وقف على إجازته ، فإن رأى المصلحة وأجاز صحّ، ولا يحتاج إلى إعادة الصيغة؛ لأ نّه ليس كالمجنون والصبيّ مسلوب العبارة، ولذا يصحّ وكالته عن الغير في إجراء الصيغة ومباشرته لنفسه بعد إذن الوليّ .

(مسألة 8) : إذا كان الشخص بالغاً رشيداً في الماليات ، لكن لا رشد له بالنسبة إلى أمر التزويج وخصوصياته ؛ من تعيين الزوجة وكيفية الإمهار ونحو ذلك ، فالظاهر كونه كالسفيه(3) في الماليات في الحاجة إلى إذن الوليّ وإن لم أر من تعرّض له .

(مسألة 9) : كلّ من الأب والجدّ مستقلّ في الولاية ، فلا يلزم الاشتراك ولا الاستئذان من الآخر ، فأيّهما سبق مع مراعاة ما يجب مراعاته لم يبق محلّ للآخر ، ولو زوّج كلّ منهما من شخص ، فإن علم السابق منهما فهو المقدّم ولغا الآخر ، وإن علم التقارن قدّم عقد الجدّ ، وكذا إن جهل(4) التأريخان ، وأمّا إن علم تأريخ أحدهما دون الآخر ، فإن كان المعلوم تأريخ عقد الجدّ قدّم أيضاً ، وإن كان المعلوم تأريخ عقد الأب احتمل تقدّمه ، لكن الأظهر(5) تقديم عقد الجدّ ؛ لأنّ

ص: 677


1- - مرّ ضعفه .
2- - إذا حجر عليه للتبذير ، نعم السفيه المتّصل سفهه بزمان الصغر محجور مطلقاً .
3- - لا يبعد فيمن اتّصل زمان سفهه بزمان صغره ، دون غيره .
4- - الأقوى فيه لزوم إجراء حكم العلم الإجمالي بكونها زوجة لأحدهما .
5- - بل الأظهر تقدّمه ، وما تشبّث به غير وجيه .

المستفاد من خبر عبيد بن زرارة أولوية الجدّ ما لم يكن الأب زوّجها قبله ، فشرط تقديم عقد الأب كونه سابقاً ، وما لم يعلم ذلك يكون عقد الجدّ أولى ، فتحصّل : أنّ اللازم تقديم عقد الجدّ في جميع الصور إلاّ في صورة معلومية سبق عقد الأب ، ولو تشاحّ الأب والجدّ فاختار كلّ منهما واحداً قدّم اختيار الجدّ ، ولو بادر الأب فعقد فهل يكون باطلاً أو يصحّ ؟ وجهان ، بل قولان ؛ من كونه سابقاً فيجب تقديمه ، ومن أنّ لازم أولوية اختيار الجدّ عدم صحّة خلافه ، والأحوط مراعاة الاحتياط ، ولو تشاحّ الجدّ الأسفل والأعلى هل يجري عليهما حكم الأب والجدّ أو لا ؟ وجهان ، أوجههما الثاني(1) ؛ لأ نّهما ليسا أباً وجدّاً ، بل كلاهما جدّ فلا يشملهما ما دلّ على تقديم الجدّ على الأب .

(مسألة 10) : لا يجوز للوليّ تزويج المولّى عليه بمن به عيب ؛ سواء كان من العيوب المجوّزة للفسخ أو لا ؛ لأ نّه خلاف المصلحة ، نعم لو كان هناك مصلحة لازمة المراعاة جاز ، وحينئذٍ لا خيار له ولا للمولّى عليه إن لم يكن من العيوب المجوّزة للفسخ ، وإن كان منها ففي ثبوت الخيار للمولّى عليه بعد بلوغه أو إفاقته وعدمه - لأنّ المفروض إقدام الوليّ مع علمه به - وجهان ، أوجههما الأوّل ؛ لإطلاق أدلّة تلك العيوب وقصوره بمنزلة جهله ، وعلم الوليّ ولحاظه المصلحة لا يوجب سقوط الخيار للمولّى عليه ، وغاية ما تفيد المصلحة إنّما هو صحّة العقد فتبقى أدلّة الخيار بحالها ، بل ربما يحتمل ثبوت الخيار للوليّ أيضاً من باب استيفاء ما للمولّى عليه من الحقّ ، وهل له إسقاطه أم لا ؟ مشكل ، إلاّ أن يكون هناك مصلحة ملزمة لذلك ، وأمّا إذا كان الوليّ جاهلاً بالعيب ولم يعلم به

ص: 678


1- - لا يبعد أوجهية الأوّل .

إلاّ بعد العقد ، فإن كان من العيوب المجوّزة للفسخ فلا إشكال في ثبوت الخيار له وللمولّى عليه إن لم يفسخ ، وللمولّى عليه فقط إذا لم يعلم به الوليّ إلى أن بلغ أو أفاق ، وإن كان من العيوب الاُخر فلا خيار للوليّ ، وفي ثبوته للمولّى عليه وعدمه وجهان(1) ؛ أوجههما ذلك ؛ لأ نّه يكشف عن عدم المصلحة في ذلك التزويج ، بل يمكن أن يقال : إنّ العقد فضولي حينئذٍ ، لا أ نّه صحيح وله الخيار .

(مسألة 11) : مملوك المملوك كالمملوك في كون أمر تزويجه بيد المولى .

(مسألة 12) : للوصيّ(2) أن يزوّج المجنون المحتاج إلى الزواج ، بل الصغير أيضاً ، لكن بشرط نصّ الموصي عليه ؛ سواء عيّن الزوجة أو الزوج أو أطلق ، ولا فرق بين أن يكون وصيّاً من قبل الأب أو من قبل الجدّ ، لكن بشرط عدم وجود الآخر ، وإلاّ فالأمر إليه .

(مسألة 13) : للحاكم الشرعي تزويج من لا وليّ له ، من الأب والجدّ والوصيّ ، بشرط الحاجة إليه ، أو قضاء المصلحة اللازمة المراعاة .

(مسألة 14) : يستحبّ للمرأة المالكة أمرها أن تستأذن أباها أو جدّها ، وإن لم يكونا فتوكّل أخاها ، وإن تعدّد اختارت الأكبر .

ص: 679


1- - لا يبعد أوجهية العدم ؛ إذا أعمل الوليّ جهده في إحراز المصلحة ، وكشف عدم المصلحة لا تأثير له .
2- - في مورد ثبوت الولاية للموصي كالمتّصل جنونه بصغره ، والأحوط الذي لا يترك ضمّ إذن الحاكم ، وأمّا المجنون الذي عرض جنونه بعد البلوغ فالأقرب أنّ أمره إلى الحاكم حتّى مع وجود الأب والجدّ وإن كان الاحتياط حسن ، وأمّا أمر الصغير مشكل ، فلا يترك الاحتياط فيه .

(مسألة 15) : ورد في الأخبار : أنّ إذن البكر سكوتها عند العرض عليها ، وأفتى به العلماء ، لكنّها محمولة على ما إذا ظهر رضاها وكان سكوتها لحيائها عن النطق بذلك .

(مسألة 16) : يشترط في ولاية الأولياء المذكورين : البلوغ والعقل والحرّية والإسلام إذا كان المولّى عليه مسلماً ، فلا ولاية للصغير والصغيرة على مملوكهما من عبد أو أمة ، بل الولاية حينئذٍ لوليّهما ، وكذا مع فساد عقلهما بجنون أو إغماء أو نحوه ، وكذا لا ولاية للأب والجدّ مع جنونهما ونحوه ، وإن جنّ أحدهما دون الآخر فالولاية للآخر ، وكذا لا ولاية للمملوك ولو مبعّضاً على ولده ؛ حرّاً كان أو عبداً ، بل الولاية في الأوّل للحاكم وفي الثاني لمولاه ، وكذا لا ولاية للأب الكافر على ولده المسلم ، فتكون للجدّ إذا كان مسلماً وللحاكم إذا كان كافراً أيضاً ، والأقوى ثبوت ولايته على ولده الكافر(1) ، ولا يصحّ تزويج الوليّ في حال إحرامه أو إحرام المولّى عليه ؛ سواء كان بمباشرته أو بالتوكيل ، نعم لا بأس بالتوكيل حال الإحرام ليوقع العقد بعد الإحلال .

(مسألة 17) : يجب على الوكيل في التزويج أن لا يتعدّى عمّا عيّنه الموكّل ؛ من حيث الشخص والمهر وسائر الخصوصيات ، وإلاّ كان فضولياً موقوفاً على الإجازة ، ومع الإطلاق وعدم التعيين يجب مراعاة مصلحة الموكّل من سائر الجهات، ومع التعدّي يصير فضولياً، ولو وكّلت المرأة رجلاً في تزويجها لا يجوز له أن يزوّجها من نفسه؛ للانصراف عنه، نعم لو كان التوكيل على وجه يشمل نفسه أيضاً بالعموم أو الإطلاق جاز ، ومع التصريح فأولى بالجواز ، ولكن ربما يقال

ص: 680


1- - إذا لم يكن له جدّ مسلم ، وإلاّ فلا يبعد ثبوت الولاية له دون الأب الكافر .

بعدم الجواز مع الإطلاق، والجواز مع العموم، بل قد يقال بعدمه حتّى مع التصريح بتزويجها من نفسه ؛ لرواية عمّار المحمولة على الكراهة أو غيرها من المحامل .

(مسألة 18) : الأقوى صحّة النكاح الواقع فضولاً مع الإجازة ؛ سواء كان فضولياً من أحد الطرفين أو كليهما ؛ كان المعقود له صغيراً أو كبيراً ، حرّاً أو عبداً ، والمراد بالفضولي العقد الصادر من غير الوليّ والوكيل ؛ سواء كان قريباً كالأخ والعمّ والخال وغيرهم أو أجنبيّاً ، وكذا الصادر من العبد أو الأمة لنفسه بغير إذن الوليّ ، ومنه العقد الصادر من الوليّ أو الوكيل على غير الوجه المأذون فيه من اللّه أو من الموكّل ، كما إذا أوقع الوليّ العقد على خلاف المصلحة ، أو تعدّى الوكيل عمّا عيّنه الموكّل ، ولا يعتبر فيه الإجازة الفورية ؛ سواء كان التأخير من جهة الجهل بوقوع العقد أو مع العلم به ، وإرادة الترويّ أو عدمها أيضاً . نعم ، لا تصحّ الإجازة بعد الردّ ، كما لا يجوز الردّ بعد الإجازة ، فمعها يلزم العقد .

(مسألة 19) : لا يشترط في الإجازة لفظ خاصّ ، بل تقع بكلّ ما دلّ على إنشاء الرضا بذلك العقد ، بل تقع بالفعل الدالّ عليه .

(مسألة 20) : يشترط في المجيز علمه بأنّ له أن لا يلتزم بذلك العقد ، فلو اعتقد لزوم العقد عليه فرضي به(1) لم يكف في الإجازة ، نعم لو اعتقد لزوم الإجازة عليه بعد العلم بعدم لزوم العقد فأجاز فإن كان على وجه التقييد(2)

ص: 681


1- - أي مجرّد الرضا باعتقاد كونه لازماً عليه ، وأمّا لو أظهر الرضا بالعقد قولاً أو فعلاً ، فلا يبعد كفايته .
2- - إن أجاز العقد الخارجي وقيّده بذلك على وجه التوصيف ؛ بأن قال : أجزت هذا العقد الذي يجب عليّ إجازته ، فلا يبعد كفايته ، نعم لو رجع التقييد إلى الاشتراط لا يكفي .

لم يكف ، وإن كان على وجه الداعي يكون كافياً .

(مسألة 21) : الإجازة كاشفة(1) عن صحّة العقد من حين وقوعه ، فيجب ترتيب الآثار من حينه .

(مسألة 22) : الرضا الباطني التقديري لا يكفي في الخروج عن الفضولية ، فلو لم يكن ملتفتاً حال العقد إلى أ نّه كان بحيث لو كان حاضراً وملتفتاً كان راضياً ، لا يلزم العقد عليه بدون الإجازة ، بل لو كان حاضراً حال العقد وراضياً به إلاّ أ نّه لم يصدر منه قول ولا فعل يدلّ(2) على رضاه ، فالظاهر أ نّه من الفضولي ، فله أن لا يجيز .

(مسألة 23) : إذا كان كارهاً حال العقد ، إلاّ أ نّه لم يصدر منه ردّ له ، فالظاهر صحّته بالإجازة ، نعم لو استؤذن فنهى ولم يأذن ومع ذلك أوقع الفضولي العقد يشكل صحّته بالإجازة ؛ لأ نّه بمنزلة الردّ بعده ، ويحتمل صحّته(3) بدعوى الفرق بينه وبين الردّ بعد العقد ، فليس بأدون من عقد المكره الذي نقول بصحّته إذا لحقه الرضا وإن كان لا يخلو ذلك أيضاً من إشكال .

(مسألة 24) : لا يشترط في الفضولي قصد الفضولية ، ولا الالتفات إلى ذلك ، فلو تخيّل كونه وليّاً أو وكيلاً وأوقع العقد فتبيّن خلافه يكون من الفضولي ، ويصحّ بالإجازة .

ص: 682


1- - المسألة مشكلة لا بدّ فيها من الاحتياط .
2- - ولا قرائن قامت على أنّ سكوته إجازة .
3- - هذا الاحتمال بعيد مع سبقه بالنهي ، وقريب مع عدم الإذن والسكوت .

(مسألة 25) : لو قال في مقام إجراء الصيغة : زوّجت موكّلتي فلانة مثلاً ، مع أ نّه لم يكن وكيلاً عنها ، فهل يصحّ ويقبل الإجازة أم لا ؟ الظاهر الصحّة ، نعم لو لم يذكر لفظ فلانة ونحوه كأن يقول : زوّجت موكّلتي ، وكان من قصده امرأة معيّنة مع عدم كونه وكيلاً عنها ، يشكل صحّته بالإجازة .

(مسألة 26) : لو أوقع الفضولي العقد على مهر معيّن ، هل يجوز إجازة العقد دون المهر ، أو بتعيين المهر على وجه آخر من حيث الجنس أو من حيث القلّة والكثرة ، فيه إشكال ، بل الأظهر عدم الصحّة في الصورة الثانية ، وهي ما إذا عيّن المهر على وجه آخر ، كما أ نّه لا تصحّ الإجازة مع شرط لم يذكر في العقد ، أو مع إلغاء ما ذكر فيه من الشرط .

(مسألة 27) : إذا أوقع العقد بعنوان الفضولية فتبيّن كونه وكيلاً ، فالظاهر صحّته ولزومه إذا كان ناسياً لكونه وكيلاً ، بل وكذا إذا صدر التوكيل ممّن له العقد ولكن لم يبلغه الخبر على إشكال(1) فيه ، وأمّا لو أوقعه بعنوان الفضولية فتبيّن كونه وليّاً ، ففي لزومه بلا إجازة منه أو من المولّى عليه إشكال(2) .

(مسألة 28) : إذا كان عالماً بأ نّه وكيل أو وليّ ، ومع ذلك أوقع العقد بعنوان الفضولية ، فهل يصحّ ويلزم أو يتوقّف على الإجازة أو لا يصحّ ؟ وجوه ، أقواها عدم الصحّة(3) ؛ لأ نّه يرجع إلى اشتراط كون العقد الصادر من وليّه جائزاً ، فهو

ص: 683


1- - الأقرب عدم الخروج عن الفضولي .
2- - الظاهر صحّته ولزومه مع مراعاة الغبطة .
3- - بل الأقوى الصحّة واللزوم ولغوية قصدها ، وما ذكره من الرجوع إلى اشتراط الجواز ممنوع ، ومع تسليمه فكونه موجباً للبطلان محلّ إشكال .

كما لو أوقع البالغ العاقل بقصد أن يكون الأمر بيده في الإبقاء والعدم ، وبعبارة اُخرى أوقع العقد متزلزلاً .

(مسألة 29) : إذا زوّج الصغيرين وليّهما ، فقد مرّ أنّ العقد لازم عليهما ولا يجوز لهما بعد البلوغ ردّه أو فسخه ، وعلى هذا فإذا مات أحدهما قبل البلوغ أو بعده ورثه الآخر ، وأمّا إذا زوّجهما الفضوليان فيتوقّف على إجازتهما بعد البلوغ أو إجازة وليّهما قبله ، فإن بلغا وأجازا ثبتت الزوجية ويترتّب عليها أحكامها من حين العقد ؛ لما مرّ(1) من كون الإجازة كاشفة ، وإن ردّا أو ردّ أحدهما ، أو ماتا أو مات أحدهما قبل الإجازة ، كشف عن عدم الصحّة من حين الصدور ، وإن بلغ أحدهما وأجاز ثمّ مات قبل بلوغ الآخر يعزل ميراث الآخر على تقدير الزوجية ، فإن بلغ وأجاز يحلف على أ نّه لم يكن إجازته للطمع في الإرث ، فإن حلف يدفع إليه ، وإن لم يجز أو أجاز ولم يحلف لم يدفع ، بل يردّ إلى الورثة ، وكذا لو مات بعد الإجازة وقبل الحلف . هذا إذا كان متّهماً بأنّ إجازته للرغبة في الإرث ، وأمّا إذا لم يكن متّهماً بذلك كما إذا أجاز قبل أن يعلم موته أو كان المهر اللازم عليه أزيد ممّا يرث أو نحو ذلك ، فالظاهر عدم الحاجة إلى الحلف .

(مسألة 30) : يترتّب على تقدير الإجازة والحلف جميع الآثار المرتّبة على الزوجية ؛ من المهر وحرمة الاُمّ والبنت وحرمتها إن كانت هي الباقية على الأب والابن ونحو ذلك ، بل الظاهر ترتّب هذه الآثار بمجرّد الإجازة من غير

ص: 684


1- - قد مرّ الإشكال في الكشف ولزوم الاحتياط ، وإن لا يبعد الالتزام به في المقام لأجل النصّ الخاصّ .

حاجة(1) إلى الحلف ، فلو أجاز ولم يحلف مع كونه متّهماً لا يرث ، ولكن يرتّب سائر الأحكام .

(مسألة 31) : الأقوى جريان الحكم المذكور في المجنونين ، بل الظاهر التعدّي إلى سائر الصور ، كما إذا كان أحد الطرفين الوليّ والطرف الآخر الفضولي ، أو كان أحد الطرفين المجنون والطرف الآخر الصغير ، أو كانا بالغين كاملين ، أو أحدهما بالغاً والآخر صغيراً أو مجنوناً ، أو نحو ذلك ، ففي جميع الصور إذا مات من لزم العقد بالنسبة إليه لعدم الحاجة إلى الإجازة أو لإجازته بعد بلوغه أو رشده وبقي الآخر فإنّه يعزل حصّة الباقي من الميراث إلى أن يردّ أو يجيز ، بل الظاهر عدم الحاجة إلى الحلف في ثبوت الميراث في غير الصغيرين من سائر الصور ؛ لاختصاص الموجب له من الأخبار بالصغيرين ، ولكن الأحوط(2) الإحلاف في الجميع بالنسبة إلى الإرث ، بل بالنسبة إلى سائر الأحكام أيضاً .

(مسألة 32) : إذا كان العقد لازماً على أحد الطرفين ؛ من حيث كونه أصيلاً أو مجيزاً والطرف الآخر فضولياً ولم يتحقّق إجازة ولا ردّ ، فهل يثبت على الطرف اللازم تحريم المصاهرات ، فلو كان زوجاً يحرم عليه نكاح اُمّ المرأة وبنتها واُختها والخامسة ، وإذا كانت زوجة يحرم عليها التزويج بغيره؟ وبعبارة اُخرى : هل يجري عليه آثار الزوجية وإن لم تجر على الطرف الآخر أو لا ؟ قولان ،

ص: 685


1- - الأقرب هو الحاجة إليه في ترتّب الأحكام ظاهراً .
2- - لا يترك في ترتّب جميع الأحكام ، بل لا ينبغي ترك الاحتياط بالتخليص بالصلح في جميع الصور الخارجة عن النصّ .

أقواهما الثاني إلاّ مع فرض(1) العلم بحصول الإجازة بعد ذلك الكاشفة عن تحقّقها من حين العقد ، نعم الأحوط الأوّل ؛ لكونه في معرض ذلك بمجيء الإجازة ، نعم إذا تزوّج الاُمّ أو البنت - مثلاً - ثمّ حصلت الإجازة كشفت عن بطلان ذلك .

(مسألة 33) : إذا ردّ المعقود أو المعقودة فضولاً العقد ، ولم يجزه ، لا يترتّب عليه شيء من أحكام المصاهرة ؛ سواء أجاز الطرف الآخر أو كان أصيلاً أم لا ؛ لعدم حصول الزوجية بهذا العقد الغير المجاز وتبيّن كونه كأن لم يكن ، وربما يستشكل في خصوص نكاح اُمّ المعقود عليها ، وهو في غير محلّه بعد أن لم يتحقّق نكاح ، ومجرّد العقد لا يوجب شيئاً ، مع أ نّه لا فرق بينه وبين نكاح البنت ، وكون الحرمة في الأوّل غير مشروطة بالدخول بخلاف الثاني ، لا ينفع في الفرق .

(مسألة 34) : إذا زوّجت امرأة فضولاً من رجل ولم تعلم بالعقد ، فتزوّجت من آخر ، ثمّ علمت بذلك العقد ، ليس لها أن تجيز ؛ لفوات محلّ الإجازة ، وكذا إذا زوّج رجل فضولاً بامرأة وقبل أن يطّلع على ذلك تزوّج اُمّها أو بنتها أو اُختها ثمّ علم ، ودعوى : أنّ الإجازة - حيث إنّها كاشفة - إذا حصلت تكشف عن بطلان العقد الثاني ، كما ترى .

(مسألة 35) : إذا زوّجها أحد الوكيلين من رجل وزوّجها الوكيل الآخر من آخر ، فإن علم السابق من العقدين فهو الصحيح ، وإن علم الاقتران بطلا معاً ، وإن

ص: 686


1- - في الاستثناء إشكال بل منع .

شكّ في السبق والاقتران فكذلك(1) ؛ لعدم العلم بتحقّق عقد صحيح ، والأصل عدم تأثير واحد منهما . وإن علم السبق واللحوق ولم يعلم السابق من اللاحق ، فإن علم تأريخ أحدهما حكم بصحّته دون الآخر ، وإن جهل التأريخان(2) ففي المسألة وجوه : أحدها : التوقيف حتّى يحصل العلم . الثاني : خيار الفسخ للزوجة . الثالث : أنّ الحاكم يفسخ . الرابع : القرعة ، والأوفق بالقواعد هو الوجه الأخير ، وكذا الكلام إذا زوّجه أحد الوكيلين برابعة والآخر باُخرى ، أو زوّجه أحدهما بامرأة والآخر ببنتها أو اُمّها أو اُختها ، وكذا الحال إذا زوّجت نفسها من رجل وزوّجها وكيلها من آخر ، أو تزوّج بامرأة وزوّجه وكيله باُخرى لا يمكن الجمع بينهما ، ولو ادّعى أحد الرجلين المعقود لهما السبق ، وقال الآخر : لا أدري من السابق ، وصدّقت المرأة المدّعي للسبق ، حكم بالزوجية بينهما ؛ لتصادقهما عليها .

ص: 687


1- - مع الجهل بتأريخهما ، وأمّا مع العلم بتأريخ أحدهما يحكم بصحّته دون الآخر .
2- - ولم يحتمل الاقتران وإلاّ فيحكم ببطلانهما كما مرّ .

كتاب الوصيّة

اشارة

وهي إمّا مصدر وصى يصي بمعنى الوصل ؛ حيث إنّ الموصي يصل تصرّفه بعد الموت بتصرّفه حال الحياة ، وإمّا اسم مصدر بمعنى العهد من وصّى يوصّي توصية ، أو أوصى يوصي إيصاء ، وهي إمّا تمليكية أو عهدية ، وبعبارة اُخرى(1) : إمّا تمليك عين أو منفعة أو تسليط على حقّ أو فكّ ملك أو عهد متعلّق بالغير أو عهد متعلّق بنفسه كالوصيّة بما يتعلّق بتجهيزه ، وتنقسم انقسام الأحكام الخمسة .

(مسألة 1) : الوصيّة العهدية لا تحتاج إلى القبول ، وكذا الوصيّة بالفكّ كالعتق ، وأمّا التمليكية فالمشهور على أ نّه يعتبر فيها القبول جزءاً وعليه تكون من العقود(2) ، أو شرطاً على وجه الكشف أو النقل فيكون من الإيقاعات ، ويحتمل

ص: 688


1- - ما ذكره ليس عبارة اُخرى لما سبق ؛ لأنّ الوصيّة بالفكّ ليست من القسمين ، ولو جعلت العهدية أعمّ من الفكّ لا تكون الوصيّة إلاّ قسماً واحداً ، والأمر سهل .
2- - الظاهر أنّ تحقّق الوصيّة وترتّب الأحكام عليها من حرمة التبديل وغيرها لا يتوقّف على القبول ، لكن تملّك الموصى له متوقّف عليه . فلا يتملّك قهراً ، فالوصيّة من الإيقاعات لكنّها جزء سبب لحصول الملك للموصى له .

قويّاً عدم اعتبار القبول فيها ، بل يكون الردّ مانعاً ، وعليه تكون من الإيقاع الصريح ودعوى : أ نّه يستلزم الملك القهري وهو باطل في غير مثل الإرث ، مدفوعة ؛ بأ نّه لا مانع منه عقلاً ومقتضى عمومات الوصيّة ذلك مع أنّ الملك القهري موجود في مثل الوقف .

(مسألة 2) : بناءً على اعتبار القبول في الوصيّة يصحّ إيقاعه بعد وفاة الموصي بلا إشكال ، وقبل وفاته على الأقوى ، ولا وجه لما عن جماعة من عدم صحّته حال الحياة ؛ لأ نّها تمليك بعد الموت ، فالقبول قبله كالقبول قبل الوصيّة فلا محلّ له ، ولأ نّه كاشف أو ناقل وهما معاً منتفيان حال الحياة ؛ إذ نمنع عدم المحلّ له ؛ إذ الإنشاء المعلّق على الموت قد حصل فيمكن القبول المطابق له ، والكشف والنقل إنّما يكونان بعد تحقّق المعلّق عليه فهما في القبول بعد الموت لا مطلقاً .

(مسألة 3) : تتضيّق الواجبات الموسّعة بظهور أمارات الموت مثل قضاء الصلوات والصيام والنذور المطلقة والكفّارات ونحوها ، فيجب المبادرة إلى إتيانها مع الإمكان ، ومع عدمه يجب(1) الوصيّة بها ؛ سواء فاتت لعذر أو لا لعذر ؛ لوجوب تفريغ الذمّة بما أمكن في حال الحياة ، وإن لم يجز فيها النيابة وبعد الموت تجري فيها يجب التفريغ بها بالإيصاء ، وكذا يجب ردّ أعيان أموال الناس التي كانت عنده كالوديعة والعارية ومال المضاربة ونحوها ، ومع عدم الإمكان يجب الوصيّة بها ، وكذا يجب أداء ديون الناس الحالّة ، ومع عدم الإمكان أو مع

ص: 689


1- - إذا كان عنده أموال الناس ، أو كان عليه حقوق وواجبات يعلم بها الورثة ويطمئنّ بإيصالهم وتأديتهم على ما هي عليها ، لا يجب الإيصاء بها وإن كان أولى بل أحوط .

كونها مؤجّلة يجب الوصيّة بها ، إلاّ إذا كانت معلومة أو موثّقة بالأسناد المعتبرة ، وكذا إذا كان عليه زكاة أو خمس أو نحو ذلك ، فإنّه يجب عليه أداؤها أو الوصيّة بها ، ولا فرق فيما ذكر بين ما لو كانت له تركة أو لا ؛ إذا احتمل وجود متبرّع أو أداؤها من بيت المال .

(مسألة 4) : ردّ الموصى له للوصيّة مبطل لها إذا كان قبل حصول الملكية ، وإذا كان بعد حصولها لا يكون مبطلاً لها ، فعلى هذا إذا كان الردّ منه بعد الموت وقبل القبول ، أو بعد القبول الواقع حال حياة الموصي مع كون الردّ أيضاً كذلك ، يكون مبطلاً لها ؛ لعدم حصول(1) الملكية بعد ، وإذا كان بعد الموت وبعد القبول لا يكون مبطلاً ، سواء كان القبول بعد الموت أيضاً أو قبله ، وسواء كان قبل القبض أو بعده بناءً على الأقوى من عدم اشتراط القبض في صحّتها ؛ لعدم الدليل على اعتباره ، وذلك لحصول الملكية حينئذٍ له ، فلا تزول بالردّ ، ولا دليل على كون الوصيّة جائزة بعد تماميتها بالنسبة إلى الموصى له ، كما أ نّها جائزة بالنسبة إلى الموصي ؛ حيث إنّه يجوز له الرجوع في وصيّته كما سيأتي . وظاهر كلمات العلماء - حيث حكموا ببطلانها بالردّ - عدم صحّة القبول بعده ؛ لأ نّه عندهم مبطل للإيجاب الصادر من الموصي ، كما أنّ الأمر كذلك في سائر العقود ؛ حيث إنّ الردّ بعد الإيجاب يبطله وإن رجع وقبل بلا تأخير ، وكما في إجازة الفضولي ؛ حيث إنّها لا تصحّ بعد الردّ ، لكن لا يخلو

ص: 690


1- - هذا بالنسبة إلى الصورة الاُولى منافٍ لما سبق منه ؛ من قوّة احتمال عدم اعتبار القبول لحصول الملكية بموت الموصي قبل قبول الموصى له قهراً وإن كان هو الأقوى ؛ لما سبق منّا من اعتباره في حصول ملكيته ، نعم لو قيل بأنّ الردّ كاشف عن عدم الملكية بالموت يرتفع التنافي ، لكنّه ضعيف .

عن إشكال(1) إذا كان الموصي باقياً على إيجابه ، بل في سائر العقود أيضاً مشكل إن لم يكن إجماع ، خصوصاً في الفضولي ؛ حيث إنّ مقتضى بعض الأخبار صحّتها ولو بعد الردّ ، ودعوى عدم صدق المعاهدة عرفاً إذا كان القبول بعد الردّ ، ممنوعة . ثمّ إنّهم ذكروا : أ نّه لو كان القبول بعد الردّ الواقع حال الحياة صحّ ، وهو أيضاً مشكل على ما ذكروه من كونه مبطلاً للإيجاب ؛ إذ لا فرق حينئذٍ بين ما كان في حال الحياة أو بعد الموت ، إلاّ إذا قلنا : إنّ الردّ والقبول لا أثر لهما حال الحياة وإنّ محلّهما إنّما هو بعد الموت ، وهو محلّ منع .

(مسألة 5) : لو أوصى له بشيئين بإيجاب واحد ، فقبل الموصى له أحدهما دون الآخر ، صحّ فيما قبل وبطل فيما ردّ ، وكذا لو أوصى له بشيء فقبل بعضه مشاعاً أو مفروزاً وردّ بعضه الآخر وإن لم نقل بصحّة مثل ذلك في البيع ونحوه ؛ بدعوى عدم التطابق حينئذٍ بين الإيجاب والقبول ؛ لأنّ مقتضى القاعدة(2) الصحّة في البيع أيضاً إن لم يكن إجماع ، ودعوى عدم التطابق ممنوعة ، نعم لو علم من حال الموصي إرادته تمليك المجموع من حيث المجموع لم يصحّ التبعيض .

(مسألة 6) : لا يجوز للورثة التصرّف في العين الموصى بها قبل أن يختار الموصى له أحد الأمرين ؛ من القبول أو الردّ ، وليس لهم إجباره على اختيار

ص: 691


1- - فيما إذا كان الموصي باقياً على إيجابه الظاهر منه حال حياته نسب إلى المشهور عدم تأثير الردّ ، بل يجوز له القبول بعد حياته ، وكيف كان لا يبعد الصحّة بعد الردّ وإن قلنا بالبطلان في الفضولي والإيجاب في سائر العقود ، ولا أظنّ تحقّق إجماع في المقام .
2- - بل مقتضى القاعدة في البيع البطلان ، إلاّ في بعض الموارد ، كما لو جمع بين اُمور مستقلّة في اللحاظ والقيمة في إنشاء واحد ، وأمّا في الوصيّة فالأقوى الصحّة إلاّ فيما استثناه .

أحدهما معجّلاً ، إلاّ إذا كان تأخيره موجباً للضرر عليهم ، فيجبره الحاكم حينئذٍ على اختيار أحدهما .

(مسألة 7) : إذا مات الموصى له قبل القبول أو الردّ ، فالمشهور قيام وارثه مقامه في ذلك ، فله القبول إذا لم يرجع الموصي عن وصيّته ؛ من غير فرق بين كون موته في حياة الموصي أو بعد موته ، وبين علم الموصي بموته وعدمه ، وقيل بالبطلان بموته قبل القبول ، وقيل بالتفصيل بين ما إذا علم أنّ غرض الموصي خصوص الموصى له فتبطل ، وبين غيره فلورثته ، والقول الأوّل وإن كان على خلاف القاعدة(1) - مطلقاً بناءً على اعتبار القبول في صحّتها ؛ لأنّ المفروض أنّ الإيجاب مختصّ بالموصى له ، وكون قبول الوارث بمنزلة قبوله ممنوع ، كما أنّ دعوى انتقال حقّ القبول إلى الوارث أيضاً محلّ منع صغرى وكبرى ؛ لمنع كونه حقّاً ، ومنع كون كلّ حقّ منتقلاً إلى الوارث حتّى مثل ما نحن فيه من الحقّ الخاصّ به الذي لا يصدق كونه من تركته ، وعلى ما قوّينا من عدم اعتبار القبول فيها ، بل كون الردّ مانعاً أيضاً ، يكون الحكم على خلاف القاعدة في خصوص صورة موته قبل موت الموصى له ؛ لعدم ملكيته في حياة الموصي - لكن الأقوى مع ذلك هو إطلاق الصحّة كما هو المشهور ، وذلك لصحيحة محمّد بن قيس الصريحة في ذلك حتّى في صورة موته في حياة الموصي المؤيّدة بخبر الساباطي وصحيح المثنّى ، ولا يعارضها صحيحتا محمّد بن مسلم ومنصور بن حازم بعد إعراض المشهور عنهما وإمكان حملهما على محامل منها التقيّة ؛ لأنّ المعروف بينهم عدم الصحّة ، نعم يمكن دعوى انصراف

ص: 692


1- - لا يبعد أن يكون على وفقها بناءً على ما مرّ في حقيقة الوصيّة .

الصحيحة عمّا إذا علم كون غرض الموصي خصوص شخص الموصى له على وجه التقييد ، بل ربما يقال : إن محلّ الخلاف غير هذه الصورة ، لكن الانصراف ممنوع ، وعلى فرضه يختصّ الإشكال بما إذا كان موته قبل موت الموصي ، وإلاّ فبناء على عدم اعتبار القبول بموت الموصي صار مالكاً بعد فرض عدم ردّه فينتقل إلى ورثته .

بقي هنا اُمور :

أحدها : هل الحكم يشمل ورثة الوارث ، كما إذا مات الموصى له قبل القبول ومات وارثه أيضاً قبل القبول ، فهل الوصيّة لوارث الوارث أو لا ؟ وجوه(1) ؛ الشمول ، وعدمه ؛ لكون الحكم على خلاف القاعدة ، والابتناء على كون مدرك الحكم انتقال حقّ القبول فتشمل ، وكونه الأخبار فلا .

الثاني : إذا قبل بعض الورثة وردّ بعضهم ، فهل تبطل ، أو تصحّ ويرث الرادّ أيضاً مقدار حصّته ، أو تصحّ بمقدار حصّة القابل فقط ، أو تصحّ وتمامه للقابل ، أو التفصيل بين كون موته قبل موت الموصي فتبطل، أو بعده فتصحّ بالنسبة إلى مقدار حصّة القابل ؟ وجوه(2) .

الثالث : هل ينتقل الموصى به بقبول الوارث إلى الميّت ثمّ إليه ، أو إليه ابتداء من الموصي ؟ وجهان ، أوجههما(3) الثاني ، وربما يبنى على كون القبول كاشفاً أو ناقلاً فعلى الثاني الثاني وعلى الأوّل الأوّل ، وفيه : أ نّه على الثاني أيضاً يمكن أن يقال بانتقاله إلى الميّت آناً ما ثمّ إلى وارثه ، بل على الأوّل يمكن أن يقال

ص: 693


1- - أقواها الأوّل .
2- - أقواها الثالث .
3- - لكن القسمة بين الورثة على حسب قسمة المواريث .

بكشف قبوله عن الانتقال إليه من حين موت الموصي ؛ لأ نّه كأ نّه هو القابل ، فيكون منتقلاً إليه من الأوّل .

الرابع : هل المدار على الوارث حين موت الموصى له إذا كان قبل موت الموصي ، أو الوارث حين موت الموصي ، أو البناء على كون القبول من الوارث موجباً للانتقال إلى الميّت ثمّ إليه أو كونه موجباً للانتقال إليه أوّلاً من الموصي ، فعلى الأوّل الأوّل ، وعلى الثاني الثاني ؟ وجوه(1) .

الخامس : إذا أوصى له بأرض فمات قبل القبول ، فهل ترث زوجته منها أو لا ؟ وجهان ؛ مبنيّان على الوجهين(2) في المسألة المتقدّمة ، فعلى الانتقال إلى الميّت ثمّ إلى الوارث لا ترث ، وعلى الانتقال إليه أوّلاً لا مانع من الانتقال إليها ؛ لأنّ المفروض أ نّها لم تنتقل إليه إرثاً من الزوج ، بل وصيّة من الموصي ، كما أنّه يبنى على الوجهين إخراج الديون والوصايا من الموصى به بعد قبول الوارث وعدمه ، أمّا إذا كانت بما يكون من الحبوة ففي اختصاص الولد الأكبر به بناءً على الانتقال إلى الميّت أوّلاً ، فمشكل ؛ لانصراف الأدلّة عن مثل هذا .

السادس : إذا كان الموصى به ممّن ينعتق على الموصى له ، فإن قلنا بالانتقال إليه أوّلاً بعد قبول الوارث فإن قلنا به كشفاً ، وكان موته بعد موت الموصي انعتق عليه وشارك الوارث ممّن في طبقته ، ويقدّم عليهم(3) مع تقدّم طبقته ، فالوارث

ص: 694


1- - الأوجه الأوّل .
2- - الأقوى إخراجهما منه على الوجهين والمتولّي للقبول بالنسبة إلى السهمين هو وصيّ الميّت أو الحاكم ، والأحوط ضمّ قبول الورثة إليه .
3- - في غير الكشف الحقيقي ، وإلاّ فتلزم لغوية إجازتهم ؛ للكشف عن كونهم غير الورثة من أوّل الأمر .

يقوم مقامه في القبول ثمّ يسقط عن الوارثية لوجود من هو مقدّم عليه ، وإن كان موته قبل موت الموصي ، أو قلنا بالنقل وأ نّه حين قبول الوارث ينتقل إليه آناً ما فينعتق ، لكن لا يرث إلاّ إذا كان انعتاقه قبل قسمة الورثة ، وذلك لأ نّه على هذا التقدير انعتق بعد سبق سائر الورثة بالإرث ، نعم لو انعتق قبل القسمة في صورة تعدّد الورثة شاركهم ، وإن قلنا بالانتقال إلى الوارث من الموصي لا من الموصى له ، فلا ينعتق عليه ؛ لعدم ملكه ، بل يكون للورثة ، إلاّ إذا كان ممّن ينعتق عليهم أو على بعضهم ، فحينئذٍ ينعتق ولكن لا يرث ، إلاّ إذا كان ذلك مع تعدّد الورثة وقبل قسمتهم .

السابع : لا فرق في قيام الوارث مقام الموصى له بين التمليكية والعهدية .

(مسألة 8) : اشتراط القبول - على القول به - مختصّ بالتمليكية كما عرفت ، فلا يعتبر في العهدية(1) ، ويختصّ بما إذا كان لشخص معيّن أو أشخاص معيّنين ، وأمّا إذا كان للنوع أو للجهات كالوصيّة للفقراء والعلماء أو للمساجد ، فلا يعتبر قبولهم ، أو قبول الحاكم فيما للجهات وإن احتمل(2) ذلك ، أو قيل ، ودعوى : أنّ الوصيّة لها ليست من التمليكية بل هي عهدية ، وإلاّ فلا يصحّ تمليك النوع أو الجهات ، كما ترى ، وقد عرفت سابقاً قوّة عدم اعتبار القبول مطلقاً ، وإنّما يكون الردّ مانعاً وهو أيضاً لا يجري في مثل المذكورات فلا تبطل بردّ بعض الفقراء

ص: 695


1- - يعني قبول الموصى له في صحّة الوصيّة ، وقد مرّ اعتباره مطلقاً ، وفي العهدية لا وجه لاعتباره ، وأمّا لو عهد أن يعطي شيئاً بشخص ففي تملّكه يعتبر القبول بلا إشكال .
2- - احتمال اعتبار قبول الفقراء أو العلماء بما أ نّهم منطبقات الجهات بعيد غايته ، لكن احتمال اعتبار قبول الحاكم ليس بذلك البعد وإن كان الأقرب عدمه ، كما أنّ بطلانها بردّ الحاكم فيما تقضي مصلحة سياسية أو كان في قبولها مفسدة كذلك قريب .

مثلاً ، بل إذا انحصر النوع في ذلك الوقت في شخص فردّ لا تبطل .

(مسألة 9) : الأقوى في تحقّق الوصيّة كفاية كلّ ما دلّ عليها من الألفاظ ، ولا يعتبر فيه لفظ خاصّ ، بل يكفي كلّ فعل دالّ عليها حتّى الإشارة والكتابة ولو في حال الاختيار ؛ إذا كانت صريحة في الدلالة بل أو ظاهرة ، فإنّ ظاهر الأفعال معتبر كظاهر الأقوال ، فما يظهر من جماعة من اختصاص كفاية الإشارة والكتابة بحال الضرورة لا وجه له ، بل يكفي وجود مكتوب منه بخطّه ومهره ؛ إذا علم كونه إنّما كتبه بعنوان الوصيّة ، ويمكن أن يستدلّ عليه بقوله علیه السلام : «لا ينبغي لامرء مسلم أن يبيت ليلة إلاّ ووصيّته تحت رأسه» بل يدلّ عليه ما رواه الصدوق عن إبراهيم بن محمّد الهمداني : قال كتبت إليه : كتب رجل كتاباً بخطّه ولم يقل لورثته : هذه وصيّتي ولم يقل : إنّي قد أوصيت ، إلاّ أ نّه كتب كتاباً فيه ما أراد أن يوصي به ، هل يجب على ورثته القيام بما في الكتاب بخطّه ولم يأمرهم بذلك؟ فكتب : «إن كان له ولد ينفذون كلّ شيء يجدون في كتاب أبيهم في وجه البرّ وغيره» .

(مسألة 10) : يشترط في الموصي اُمور :

الأوّل : البلوغ ، فلا تصحّ وصيّة غير بالغ ، نعم الأقوى وفاقاً للمشهور صحّة وصيّة البالغ عشراً ؛ إذا كان عاقلاً في وجوه المعروف للأرحام أو غيرهم ؛ لجملة من الأخبار المعتبرة ، خلافاً لابن إدريس وتبعه جماعة .

الثاني : العقل ، فلا تصحّ وصيّة المجنون ، نعم تصحّ وصيّة الأدواري منه إذا كانت في دور إفاقته ، وكذا لا تصحّ وصيّة السكران حال سكره ولا يعتبر استمرار العقل ، فلو أوصى ثمّ جنّ لم تبطل ، كما أنّه لو اُغمي عليه أو سكر

ص: 696

لا تبطل وصيّته ، فاعتبار العقل إنّما هو حال إنشاء الوصيّة .

الثالث : الاختيار .

الرابع : الرشد ، فلا تصحّ وصيّة السفيه وإن كانت بالمعروف ؛ سواء كانت قبل حجر الحاكم(1) أو بعده ، وأمّا المفلّس فلا مانع من وصيّته وإن كانت بعد حجر الحاكم ؛ لعدم الضرر بها على الغرماء ؛ لتقدّم الدين على الوصيّة .

الخامس : الحرّية ، فلا تصحّ وصيّة المملوك بناءً على عدم ملكه وإن أجاز مولاه ، بل وكذا بناءً على ما هو الأقوى(2) من ملكه ؛ لعموم أدلّة الحجر ، وقوله علیه السلام : «لا وصيّة لمملوك» بناءً على إرادة نفي وصيّته لغيره لا نفي الوصيّة له ، نعم لو أجاز مولاه صحّ على البناء المذكور ، ولو أوصى بماله ثمّ انعتق وكان المال باقياً في يده صحّت على إشكال(3) نعم لو علّقها على الحرّية فالأقوى صحّتها(4) ولا يضرّ التعليق المفروض ، كما لا يضرّ إذا قال : هذا لزيد إن متّ في سفري ، ولو أوصى بدفنه(5) في مكان خاصّ لا يحتاج إلى صرف مال فالأقوى الصحّة ، وكذا ما كان من هذا القبيل .

السادس : أن لا يكون قاتل نفسه ؛ بأن أوصى بعد ما أحدث في نفسه ما يوجب هلاكه ؛ من جرح أو شرب سمّ أو نحو ذلك ، فإ نّه لا تصحّ وصيّته على المشهور المدّعى عليه الإجماع ؛ للنصّ الصحيح الصريح ، خلافاً لابن إدريس

ص: 697


1- - الأقرب صحّتها قبل حجره ، إلاّ إذا كان سفهه متّصلاً بصغره .
2- - ملكه محلّ إشكال .
3- - بل الصحّة ممنوعة .
4- - لا تخلو من تأمّل .
5- - محلّ تأمّل فيه وفيما كان من هذا القبيل .

وتبعه بعض ، والقدر المنصرف إليه الإطلاق الوصيّة بالمال ، وأمّا الوصيّة بما يتعلّق بالتجهيز ونحوه ممّا لا تعلّق له بالمال فالظاهر صحّتها ، كما أنّ الحكم مختصّ بما إذا كان فعل ذلك عمداً - لا سهواً أو خطأً - وبرجاء أن يموت لا لغرض آخر ، وعلى وجه العصيان لا مثل الجهاد في سبيل اللّه ، وبما لو مات من ذلك ، وأمّا إذا عوفي ثمّ أوصى صحّت وصيّته بلا إشكال ، وهل تصحّ وصيّته قبل المعافاة ، إشكال . ولا يلحق التنجيز بالوصيّة . هذا ، ولو أوصى قبل أن يحدث في نفسه ذلك ثمّ أحدث ، صحّت وصيّته وإن كان حين الوصيّة بانياً على أن يحدث ذلك بعدها ؛ للصحيح المتقدّم مضافاً إلى العمومات .

(مسألة 11) : يصحّ لكلّ من الأب والجدّ الوصيّة بالولاية على الأطفال مع فقد الآخر ، ولا تصحّ مع وجوده ، كما لا يصحّ ذلك لغيرهما حتّى الحاكم الشرعي ، فإنّه بعد فقدهما له الولاية عليهم ما دام حيّاً ، وليس له أن يوصي بها لغيره بعد موته ، فيرجع الأمر بعد موته إلى الحاكم الآخر ، فحاله حال كلّ من الأب والجدّ مع وجود الآخر ولا ولاية في ذلك للاُمّ ، خلافاً لابن الجنيد ؛ حيث جعل لها بعد الأب إذا كانت رشيدة ، وعلى ما ذكرنا فلو أوصى للأطفال واحد من أرحامهم أو غيرهم بمال وجعل أمره إلى غير الأب والجدّ وغير الحاكم لم يصحّ ، بل يكون للأب والجدّ مع وجود أحدهما وللحاكم مع فقدهما ، نعم لو أوصى لهم على أن يبقى بيد الوصيّ ثمّ يملّكه لهم بعد بلوغهم أو على أن يصرفه عليهم من غير أن يملّكهم ، يمكن أن يقال(1) بصحّته وعدم رجوع أمره إلى الأب والجدّ أو الحاكم .

ص: 698


1- - لا إشكال في صحّته في الصورتين .

فصل : في الموصى به

تصحّ الوصيّة بكلّ ما يكون فيه غرض عقلائي محلّل ؛ من عين أو منفعة أو حقّ قابل للنقل ، ولا فرق في العين بين أن تكون موجودة فعلاً أو قوّة ، فتصحّ بما تحمله الجارية أو الدابّة أو الشجرة ، وتصحّ بالعبد الآبق منفرداً ولو لم يصحّ بيعه إلاّ بالضميمة ، ولا تصحّ بالمحرّمات كالخمر والخنزير ونحوهما ، ولا بآلات اللهو ، ولا بما لا نفع فيه ولا غرض عقلائي كالحشرات وكلب الهراش ، وأمّا كلب الصيد فلا مانع منه ، وكذا كلب الحائط والماشية والزرع وإن قلنا بعدم مملوكية ما عدا كلب الصيد ؛ إذ يكفي وجود الفائدة فيها ، ولا تصحّ بما لا يقبل النقل من الحقوق كحقّ القذف ونحوه ، وتصحّ بالخمر المتّخذ للتخليل ، ولا فرق في عدم صحّة الوصيّة بالخمر والخنزير بين كون الموصي والموصى له مسلمين أو كافرين(1) أو مختلفين ؛ لأنّ الكفّار أيضاً مكلّفون بالفروع ، نعم هم يقرّون على مذهبهم وإن لم يكن عملهم صحيحاً ، ولا تصحّ الوصيّة بمال الغير ولو أجاز ذلك الغير إذا أوصى لنفسه ، نعم لو أوصى فضولاً عن الغير احتمل صحّته إذا أجاز .

(مسألة 1) : يشترط في نفوذ الوصيّة كونها بمقدار الثلث أو بأقلّ منه ، فلو كانت بأزيد بطلت في الزائد ، إلاّ مع إجازة الورثة بلا إشكال ، وما عن علي بن بابويه من نفوذها مطلقاً - على تقدير ثبوت النسبة - شاذّ ، ولا فرق بين أن يكون بحصّة مشاعة من التركة أو بعين معيّنة ، ولو كانت زائدة وأجازها بعض الورثة دون بعض نفذت في حصّة المجيز فقط ، ولا يضرّ التبعيض كما في سائر العقود، فلو خلّف ابناً وبنتاً وأوصى بنصف تركته فأجاز الابن دون البنت ، كان للموصى له

ص: 699


1- - فيه تأمّل .

ثلاثة إلاّ ثلث من ستّة ولو انعكس كان له اثنان وثلث من ستّة .

(مسألة 2) : لا يشترط في نفوذها قصد الموصي كونها من الثلث - الذي جعله الشارع له - فلو أوصى بعين غير ملتفت إلى ثلثه وكان بقدره أو أقلّ صحّت ، ولو قصد كونها من الأصل أو من ثلثي الورثة وبقاء ثلثه سليماً مع وصيّته بالثلث سابقاً أو لاحقاً ، بطلت(1) مع عدم إجازة الورثة ، بل وكذا إن اتّفق أ نّه لم يوص بالثلث أصلاً ؛ لأنّ الوصيّة المفروضة مخالفة للشرع وإن لم تكن حينئذٍ زائدة على الثلث ، نعم لو كانت في واجب(2) نفذت ؛ لأ نّه يخرج من الأصل ، إلاّ مع تصريحه بإخراجه من الثلث .

(مسألة 3) : إذا أوصى بالأزيد أو بتمام تركته ولم يعلم كونها في واجب حتّى تنفذ ، أو لا حتّى يتوقّف الزائد على إجازة الورثة ، فهل الأصل النفوذ إلاّ إذا ثبت عدم كونها بالواجب ، أو عدمه إلاّ إذا ثبت كونها بالواجب ؟ وجهان ، ربما يقال بالأوّل ، ويحمل عليه ما دلّ من الأخبار على أ نّه «إذا أوصى بماله كلّه فهو جائز» ، وأ نّه «أحقّ بماله ما دام فيه الروح» ، لكن الأظهر الثاني ؛ لأنّ مقتضى ما دلّ على عدم صحّتها إذا كانت أزيد ذلك ، والخارج منه كونها بالواجب ، وهو غير معلوم ، نعم إذا أقرّ بكون ما أوصى به من الواجب عليه يخرج من الأصل ، بل وكذا إذا قال : أعطوا مقدار كذا خمساً أو زكاة أو نذراً ، أو نحو ذلك وشكّ في أنّها

ص: 700


1- - لا يبعد لغوية قصده وصحّة وصيّته في الثلث ولغوية الوصيّة الثانية بالثلث ، وكذا لا يبعد صحّتها في الفرض الآتي ولغوية قصده ، لكن في الفرعين إشكال لا يترك التخلّص بالاحتياط .
2- - مالي دون غيره .

واجبة عليه أو من باب الاحتياط المستحبّي فإنّها أيضاً تخرج من الأصل ؛ لأنّ الظاهر من الخمس والزكاة الواجب منهما ، والظاهر من كلامه اشتغال ذمّته بهما .

(مسألة 4) : إذا أجاز الوارث بعد وفات الموصي ، فلا إشكال في نفوذها ، ولا يجوز له الرجوع في إجازته ، وأمّا إذا أجاز في حياة الموصي ففي نفوذها وعدمه قولان ؛ أقواهما الأوّل ، كما هو المشهور ؛ للأخبار المؤيّدة باحتمال كونه ذا حقّ في الثلثين فيرجع إجازته إلى إسقاط حقّه ، كما لا يبعد استفادته من الأخبار الدالّة على أن ليس للميّت من ماله إلاّ الثلث . هذا ، والإجازة من الوارث تنفيذ لعمل الموصي وليست ابتداء عطيّة من الوارث ، فلا ينتقل الزائد إلى الموصى له من الوارث ؛ بأن ينتقل إليه بموت الموصي أوّلاً ثمّ ينتقل إلى الموصى له ، بل ولا بتقدير ملكه ، بل ينتقل إليه من الموصي من الأوّل .

(مسألة 5) : ذكر بعضهم : أ نّه لو أوصى بنصف ماله - مثلاً - فأجاز الورثة ، ثمّ قالوا : ظنّنا أ نّه قليل ، قضي عليهم بما ظنّوه ، وعليهم الحلف على الزائد ، فلو قالوا : ظنّنا أ نّه ألف درهم ، فبان أ نّه ألف دينار ، قضي عليهم بصحّة الإجازة في خمسمأة درهم وأحلفوا على نفي ظنّ الزائد(1) ، فللموصى له نصف ألف درهم من التركة وثلث البقيّة ، وذلك لأصالة(2) عدم تعلّق الإجازة بالزائد وأصالة عدم علمهم بالزائد ، بخلاف ما إذا أوصى بعين معيّنة كدار أو عبد ، فأجازوا ، ثمّ ادّعوا : أ نّهم ظنّوا أنّ ذلك أزيد من الثلث بقليل ، فبان أ نّه أزيد بكثير ، فإنّه لا يسمع منهم ذلك ؛ لأنّ إجازتهم تعلّقت بمعلوم وهو الدار أو العبد ، ومنهم من سوّى بين

ص: 701


1- - بل على نفي احتماله .
2- - هذان الأصلان غير أصيلين وإن كان المدّعى حقّاً .

المسألتين في القبول ، ومنهم من سوّى بينهما في عدم القبول ، وهذا هو الأقوى ؛ أخذاً بظاهر كلامهم في الإجازة كما في سائر المقامات ، كما إذا أقرّ بشيء ثمّ ادّعى : أ نّه ظنّ كذا ، أو وهب أو صالح أو نحو ذلك ثمّ ادّعى : أ نّه ظنّ كذا ، فإنّه لا يسمع منه ، بل الأقوى عدم السماع حتّى مع العلم بصدقهم في دعواهم ، إلاّ إذا علم كون إجازتهم مقيّدة بكونه بمقدار كذا ، فيرجع إلى عدم الإجازة ، ومعه يشكل السماع فيما ظنّوه أيضاً .

(مسألة 6) : المدار في اعتبار الثلث على حال وفاة الموصي لا حال الوصيّة ، بل على حال حصول قبض الوارث للتركة إن لم تكن بيدهم حال الوفاة ، فلو أوصى بحصّة مشاعة كالربع أو الثلث وكان ماله بمقدار ثمّ نقص ، كان النقص مشتركاً بين الوارث والموصى ، ولو زاد كانت الزيادة لهما مطلقاً وإن كانت كثيرة جدّاً ، وقد يقيّد بما إذا لم تكن كثيرة ؛ إذ لا يعلم إرادته هذه الزيادة المتجدّدة والأصل عدم تعلّق الوصيّة بها ، ولكن لا وجه له للزوم العمل بإطلاق الوصيّة ، نعم لو كان هناك قرينة قطعية على عدم إرادته الزيادة المتجدّدة صحّ ما ذكر ، لكن عليه لا فرق بين كثرة الزيادة وقلّتها ، ولو أوصى بعين معيّنة كانت بقدر الثلث أو أقلّ ، ثمّ حصل نقص في المال أو زيادة في قيمة تلك العين بحيث صارت أزيد من الثلث حال الوفاة ، بطلت بالنسبة إلى الزائد مع عدم إجازة الوارث ، وإن كانت أزيد من الثلث حال الوصيّة ثمّ زادت التركة أو نقصت قيمة تلك العين فصارت بقدر الثلت أو أقلّ ، صحّت الوصيّة فيها ، وكذا الحال إذا أوصى بمقدار معيّن كلّي ، كمائة دينار مثلاً .

(مسألة 7) : ربما يحتمل فيما لو أوصى بعين معيّنة ، أو بكلّي كمائة دينار

ص: 702

مثلاً ، أنّه إذا اُتلف من التركة بعد موت الموصي يرد النقص عليهما أيضاً بالنسبة ، كما في الحصّة المشاعة وإن كان الثلث وافياً ، وذلك بدعوى : أنّ الوصيّة بها ترجع إلى الوصيّة بمقدار ما يساوي قيمتها ، فيرجع إلى الوصيّة بحصّة مشاعة ، والأقوى عدم ورود النقص عليهما ما دام الثلث وافياً ، ورجوعهما إلى الحصّة المشاعة في الثلث أو في التركة لا وجه له ، خصوصاً في الوصيّة بالعين المعيّنة .

(مسألة 8) : إذا حصل للموصي مال بعد الموت ، كما إذا نصب شبكة فوقع فيها صيد بعد موته يخرج منه الوصيّة كما يخرج منه الديون ، فلو كان أوصى بالثلث أو الربع اُخذ ثلث ذلك المال أيضاً مثلاً ، وإذا أوصى بعين وكانت أزيد من الثلث حين الموت وخرجت منه بضمّ ذلك المال نفذت فيها ، وكذا إذا أوصى بكلّي كمائة دينار مثلاً ، بل لو أوصى ثمّ قتل حسبت ديته من جملة تركته ، فيخرج منها الثلث كما يخرج منها ديونه إذا كان القتل خطأً ، بل وإن كان عمداً وصالحوا على الدية ؛ للنصوص الخاصّة مضافاً إلى الاعتبار ؛ وهو كونه أحقّ بعوض نفسه من غيره ، وكذا إذا اُخذ دية جرحه خطأً ، بل أو عمداً .

والحمد للّه أوّلاً وآخراً

وقد وقع الفراغ بحمد اللّه ومنّه

بيد المفتاق روح اللّه الموسوي الخميني

في صبيحة يوم الخميس السابع من شهر جمادى الاُولى سنة 1375 .

ص: 703

ص: 704

فهرس الموضوعات

كتاب الصوم

فصل : في النيّة ... 6

فصل : فيما يجب الإمساك عنه في الصوم من المفطرات ... 13

فصل : في الإفطار عن غير عمد ... 32

فصل : في حدّ الأكل المفطر ... 34

فصل : فيما يكره للصائم ... 35

فصل : فيما يوجب القضاء والكفّارة ... 36

فصل : فيما يوجب القضاء دون الكفّارة ... 42

فصل : في الزمان الذي يصحّ فيه الصوم ... 45

فصل : في شرائط صحّة الصوم ... 46

فصل : في شرائط وجوب الصوم ... 50

فصل : فيمن يجوز له الإفطار ... 52

فصل : في طرق ثبوت الهلال ... 53

فصل : في أحكام القضاء ... 57

فصل : في صوم الكفّارة ... 64

فصل : في أقسام الصوم ... 69

كتاب الاعتكاف ... 74

فصل : في أحكام الاعتكاف ... 86

ص: 705

كتاب الزكاة

فصل : في الأجناس التي تتعلّق بها الزكاة ... 97

فصل : في زكاة الأنعام الثلاثة ... 97

فصل : في زكاة النقدين ... 106

فصل : في زكاة الغلاّت الأربع ... 111

فصل : فيما يستحبّ فيه الزكاة ... 122

فصل : أصناف المستحقّين للزكاة ... 126

فصل : في أوصاف المستحقّين ... 138

فصل : في بقيّة أحكام الزكاة ... 145

فصل : في وقت وجوب إخراج الزكاة ... 150

فصل : فيما يشترط في الزكاة ... 153

ختام : فيه مسائل متفرّقة ... 155

فصل : في زكاة الفطرة ... 169

فصل : في شرائط وجوبها ... 170

فصل : فيمن تجب عنه ... 172

فصل : في جنسها وقدرها ... 178

فصل : في وقت وجوبها ... 181

فصل : في مصرفها ... 182

كتاب الخمس

فصل : فيما يجب فيه الخمس ... 184

فصل : في قسمة الخمس ومستحقّه ... 211

ص: 706

كتاب الحجّ

مقدّمة : في آداب السفر ومستحبّاته لحجّ أو غيره ... 220

فصل : في وجوب الحجّ وعدم جواز تعطيله ... 233

فصل : في شرائط وجوب حجّة الإسلام ... 235

فصل : في الحجّ الواجب بالنذر والعهد واليمين ... 295

فصل : في النيابة ... 316

فصل : في الوصيّة بالحجّ ... 333

فصل : في الحجّ المندوب ... 346

فصل : في أقسام العمرة ... 347

فصل : في أقسام الحجّ ... 349

فصل : في إجمال صورة حجّ التمتّع ... 355

فصل : في المواقيت ... 369

فصل : في أحكام المواقيت ... 376

فصل : في مقدّمات الإحرام ... 381

فصل : في كيفية الإحرام ... 384

كتاب الإجارة

فصل : في أركانها ... 396

فصل : في لزوم عقد الإجارة ... 403

فصل : في حصول أصل الملكية للطرفين بنفس العقد ... 409

فصل : في أنّ عين المستأجرة أمانة ... 418

ص: 707

فصل : فيما يكفي في صحّة الإجارة ... 423

فصل : فيما يجوز إجارته ... 431

فصل : في التنازع ... 441

خاتمة : فيها مسائل ... 443

كتاب المضاربة ... 452

مسائل : ... 499

فصل : في أحكام الشركة ... 510

كتاب المزارعة ... 517

فذلكة ... 533

مسائل متفرّقة ... 539

كتاب المساقاة ... 543

تذنيب ... 564

كتاب الضمان ... 565

تتمّة ... 587

كتاب الحوالة ... 591

كتاب النكاح

فصل : فيما يتعلّق بأحكام الدخول على الزوجة ... 618

فصل : في وط ء الصغيرة ... 621

فصل : في تعدّد الزوجات ... 624

فصل : في التزويج في عدّة الغير ... 626

فصل : من المحرّمات الأبدية التزويج حال الإحرام ... 635

فصل : في المحرّمات بالمصاهرة ... 637

ص: 708

فصل : في الجمع بين الحرائر والإماء في التزويج ... 650

فصل : في نكاح العبيد والإماء ... 651

فصل : في الطوارئ ... 659

فصل : في العقد وأحكامه ... 662

فصل : في مسائل متفرّقة ... 668

فصل : في أولياء العقد ... 674

كتاب الوصيّة

مقدّمة : في أقسام الوصيّة ... 688

فصل : في الموصى به ... 699

ص: 709

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.